شبهات حول بعض مناسك الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم في بداية البعثة النبوية، جاءنا الرسول عليه السلام بالدين الاسلامي، رافضا كل الآلهة والأصنام التي كانت موجودة في ذلك الوقت والتي ستأتي لاحقا. وبعد فرض فريضة الحج كان هناك الطواف وكان هناك تقبيل الحجر الأسود وكان هناك رمي الجمار. فالسؤال لماذا كل هذا؟؟ وما الفرق بين (تقبيل الحجر الأسود والطواف) و (الشعائر التي كان يفعلها الأعراب عند حجهم إلى البيت العتيق) علما بأنهم كانوا يفعلون ذلك زلفى " أي تقربا إلى الله". أستغفر الله العظيم إن حدت قليلا عن الدين وأرجوكم أن تعطوني الجواب الشافي لأنني في حيرة من أمري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
فقد جاء الإسلام رافضاً كل الآلهة والأصنام التي تعبد من دون الله ومثبتاً الإلهية لله وحده، وهذا مضمون قولنا: لا إله إلا الله - أي لا معبود بحق إلا الله.
وحقيقة العبودية تدور حول الامتثال والانقياد لأمر المعبود، وهذا ما دل عليه كل من اللغة والشرع، فالعرب تقول: طريق معبد أي مذلل خاضع، والشرع أمر بإسلام الوجه لله، وقبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مع التسليم وانتفاء الحرج، قال تعالى: (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) . [البقرة: 112] .
وقال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) . [الحشر: 7] .
وقال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) . [الأحزاب: 36] .
وقال: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) . [النساء: 65] .
فمن رضي بالعبودية لله لم يكن له أن يتقدم بين يدي الله سبحانه برأي أو ذوق أو معقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم) . [الحجرات:1] .
ودين الجاهلية مشتمل على ضلالتين في هذا الباب: عبادة غير الله، وابتداع دين لم يأذن به الله.
وقد كان المشركون يؤمنون بالله ويدينون له ببعض العبادات مما ورثوه من دين إبراهيم عليه السلام، لكنهم زادوا فيها ونقصوا، وحرفوا وبدلوا، إضافة إلى شركهم وعبادتهم غير الله.
وقد كان المشركون يحجون لله، طوافاً وسعياً ونحراً وحلقاً ووقوفاً بمزدلفة وعرفة، إلا أن قريشاً ابتدعت ترك الوقوف بعرفة، كما ابتدع الجميع تلبيتهم المشتملة على الشرك وذلك قولهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك.
والحج فريضة الله عزوجل على عباده من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ومن غيرهم من الأمم، فقد حج إبراهيم وإسماعيل وموسى وقبلهم نوح عليهم السلام، وأخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام يحج البيت بعد نزوله آخر الزمان.
فلا حرج في وجود هذه الموافقة بين ما يفعله المسلمون في حجهم وبين أكثر ما كان يفعله المشركون في حجهم، لأنه مما أخذوه عن إبراهيم عليه السلام.
ومن الحكمة في مشروعية تقبيل الحجر والطواف والرمي ابتلاء العباد، وإظهار العبودية، ليعلم المسلم أن ليس له اختيار مع أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فالذي حرم عبادة الأحجار والأشجار والأوثان وحرم التقرب إليه بغير ما شرع الله هو الذي أمر بالطواف حول بيته، وشرع تقبيل الحجر، ورمي الجمار، ولهذا قال عمر رضي الله عنه: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. [رواه البخاري] .
فاحذر أن تعترض على شيء مما شرع الله، أو أن يكون في نفسك حرج وضيق من ذلك.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1028)
هل يمتنع ملك الموت إذا كان بالبيت جنب
[السُّؤَالُ]
ـ[1-توفيت والدتي رحمها الله وأنا بجانبها وقد كنت على جنابة. فهل ذلك يؤثر على والدتي حيث نعلم أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب فكيف جاءت الملائكة وقبضت الروح؟ أرجو الإجابة منكم شخصيا وعدم إحالتي إلى أجوبة سابقة.
2- لما توفيت والدتي كان هناك مبلغ بسيط من المال لها فأخذته ووزعته على الأطفال الصغار في العائلة وما تبقى منه دفعته أجرا لبناء قبرها دون علم أخوتي. فهل هذا صحيح أم يعتبر ميراثا ويجب تقسيمه على أولادها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بالملائكة الذين لا يدخلون بيتا فيه جنب هم ملائكة الرحمة الطوافون على العباد والمراد هنا عند بعض أهل العلم هو المتهاون بالغسل.
وأما الملائكة المكلفون بقبض الروح أو غير ذلك من الأمور مثل الكتبة والحفظة فإنه لا يشملهم الحديث المشار إليه في السؤال. ففي الحديث: ثلاثة لا تقربهم الملائكة جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق، والجنب إلا أن يتوضأ. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: لا تقربهم الملائكة أي الملائكة النازلون بالبركة والرحمة والطائفون على العباد للزيارة واستماع الذكر وأضرابهم لا الكتبة فإنهم لا يفارقون المكلفين طرفة عين. انتهى.
وقال في شرح حديث: ثلاثة لا تقربهم الملائكة بخير: ملائكة الرحمة والبركة ونحو ذلك لا الكتبة ولا ملائكة الموت.
ثم قال بعد كلام: قال القاضى والكلام في جنب تهاون في الغسل وآخره حتى مر عليه وقت صلاة وجعل ذلك دأبا وعادة فإنه مستخف بالشرع متساهل في الدين غير مستعد لا تصالهم والاختلاط بهم لا أي جنب كان لما ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد. اهـ.
وأما المبلغ الذي تركته الوالدة فإن الصرف منه في تجهيزها مقدم على التركة ثم يقسم الباقي على الوارثين
كما قال خليل في المختصر: يخرج من تركة الميت حق تعلق بعين ثم مؤن تجهيزه بالمعروف ثم الباقي لوراثه. اهـ.
وأما التصرف في المال بإعطاء الصغار منه دون استئذان بقية الورثة فلا يشرع لأن الورثة شركاء في الميراث. وبناء عليه فيتعين أن تخبرهم فإذا رضوا بتصرفك دون حياء فبها ونعمت وإلا فإنه يجب عليك أن تعطيهم حقهم الذي تصرفت فيه بغير إذنهم. ففي الحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه الإمام أحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1430(1/1029)
رؤية الملائكة وهل يمكن تصويرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالى هو: شخص يقول إنه بعد ما استيقظ من النوم مفزوعا رأى ملكا فصوره عبر الجوال. هل هذا معقول؟
وإن كان غير صادق فما الهدف من ذلك؟ وأرجو الإجابة الشافية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السائل لم يوضح لنا هل رأى هذا الشخص الملك في النوم أوفي اليقظة، وهل هو معروف بالصدق أم لا؟ ولكن رؤية بعض الناس لبعض الملائكة قد يحصل في اليقظة وفي النوم، فقد رأى جمع من الصحابة جبريل لما جاءهم يعلمهم دينهم كما في حديث مسلم، وقد رأى ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم جبريل.
وأما رؤيتهم في النوم فلا مانع منها، وإذا كان هذا الشخص صور الملك فلا يمكن الجزم بأن الصورة صورة الملك، لأن لملائكة يتشكلون بصورة الآدميين أحيانا.
وراجع للبسط في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 67492، 62515، 68710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1430(1/1030)
هل ترد الملائكة على من قال عبارة (يا لهوي)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من قال عبارة يا لهوي، ترد عليه الملائكة بعبارة" لهو دائم ".
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على ورود هذه الكلمة في شيء من كتب السنة، ومن المعلوم أن الملائكة من الأمور المغيبة، ولا يمكن الإخبار عنهم دون استناد لنص من نصوص الوحي، وراجع الفتوى رقم: 48888.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1429(1/1031)
الملائكة الكرام لهم أجساد وأرواح
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي أحسن الله إليكم: من المعلوم أن الملائكة خلقها الله تعالى من نور، ومن عقيدتنا كذلك أن للملائكة أجسادا، فقد ثبت بنص القرآن وبأحاديث صحيحة أن لها أجنحة. كما أجمع علماؤنا أن الله سبحانه وتعالى سيميتهم كسائر الخلق.
فهل يعني ذلك أن للملائكة أرواحا، أم أن قبضهم من ملك الموت لا يستلزم وجود الروح عندهم؟
أستمع حاليا إلى شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، وفي شرحه أثبت للملائكة الجسد والعقل، وفهمت من ظاهر كلامه أن الملائكة أجساد لا أرواح لها.
لكم أن تراجعوا قول الشيخ رحمه الله تعالى في الوجه الأول من الشريط الثاني من شرحه الأول للعقيدة الواسطية. يبدأ كلام الشيخ في الدقيقة التاسعة والثلاثين وأربع وخمسين ثانية.
راجعت موقعكم فقرأت نقلكم عن المناوي رحمه الله في فيض القدير: وأما الملائكة فيموتون بالنص والإجماع، ويتولى قبض أرواحهم ملك الموت، ويموت ملك الموت بلا ملك الموت.
فما الراجح في المسألة؟ وهل للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى قول أكثر تفصيلا في المسألة في كتبه أو في أشرطة أخرى؟
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم خلافا لأهل العلم في كون الملائكة الكرام لهم أرواح، ولا نعلم من خالف المناوي في ذلك. وأما شريط الشيخ ابن العثيمين رحمه الله فلم نسمعه، فنرجو أن تراجع الإخوة المشايخ القائمين على موقع الشيخ لعلهم يفيدونك حول معنى كلامه، وحول أقواله في المسألة إن كان عنده كلام فيها.
وشكرا لك على الاتصال بنا، بارك الله فيك، وجزاك الله خير الجزاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1428(1/1032)
لا يعلم عدد الملائكة الكرام إلا الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد الملائكة مع ذكر أسمائهما بالترتيب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدد الملائكة لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27980، 79016، 101447.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1428(1/1033)
مكان الملائكة الكرام عليهم السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أين تتواجد الملائكة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن الملائكة في السماء، وقد ينزلون إلى الأرض لأداء مهام كلفوا بها، ويدل لذلك ما في حديث الترمذي: أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجداً. ويدل له أن البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك كما في حديث الصحيحين.
ويدل له أيضاً قول الله تعالى: وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ {النجم:26} ، وقوله: يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ {النحل:2} ، وقوله: مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ {الحجر:8} ، وقوله: قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً {الإسراء:95} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1428(1/1034)
ملائكة الرحمة وملائكة العذاب
[السُّؤَالُ]
ـ[تابع للسؤل رقم 2128095.. ثم التقيت بجبريل فسألني فأخبرته فقال لبيك وسعديك وضعها الله في يدك. وقال لي إن هناك ملائكة عذاب وملائكة رحمة فإن كنت تعذب بملائكة رحمة فإن في العذاب رحمة وإن كنت تعذب من طرف ملائكة عذاب فإن العذاب كان سخطا من الله. وسؤالي هل جبريل وميكائيل عليهما لسلام من ملائكة الرحمة أو العذاب، ومحمد رسول الله واثنان من الملائكة غير مذكورين عندنا في الكتب. والله أعلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرؤيا لا يثبت بها أمر شرعي ولا خبر ومن رأى في نومه شيئا فليفعل كما بينا في الفتوى رقم: 11014.
واعلم أن لله تعالى ملائكة رحمة وملائكة عذاب كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم، فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة، فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاه ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم، فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة.
وأما جبريل وميكائيل فليسا من الملائكة المخصصين بالرحمة والعذاب بعد موت العبد، وأما محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بشر من الإنس وليس ملكا، ولم نفهم مراد السائل بقوله: ومحمد رسول الله واثنان من الملائكة غير مذكورين، وراجع في أسباب دخول الجنة وحصول رحمة الله الفتاوى التالية أرقامها: 47756، 64045، 69637، 46935.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1427(1/1035)
رسل الملائكة المشار إليهم في الكتاب العزيز
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم رسل الملائكة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام محمد بن جرير الطبري عند قوله تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ {الحج: 75} يقول تعالى ذكره: الله يختار من الملائكة رسلا كجبريل وميكائيل اللذين كان يرسلهما إلى أنبيائه ومن شاء من عباده. انتهى.
وقال الشوكاني في فتح القدير (كجبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل) وكذا قال البغوي ولم يحصرهم في هؤلاء الأربعة بل قال وغيرهم، ومثله النسفي وهكذا لأن حصرهم في هؤلاء الأربعة أو غيرهم يحتاج إلى خبر من الله تعالى أو خبر من رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك ما لم نقف عليه فيما اطلعنا عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1427(1/1036)
هل تمتنع الملائكة من مجلس فيه امرأة حاسرة الرأس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الملائكة لا تحضر مجلسا به امرأة عارية الرأس أو متبرجة؟ وما هو الحديث الذي ينص على ذلك؟
جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من أن تكشف المرأة رأسها أو أن تبدي زينتها أمام من يحل لها أن تفعل ذلك أمامه كالزوج والمحارم، أما بالنسبة للزوج فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ عورتك إلا من زوجتك. رواه الترمذي.
وأما بالنسبة للمحارم فانظر في ذلك الفتوى رقم: 284 // والفتوى رقم: 599، إلا أن الأولى والأفضل هو الستر إذا لم تدع إلى الكشف حاجة ولو كان الإنسان وحده، وذلك استحياء من الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الله أحق أن يستحيا منه من الناس. رواه البخاري
وكذلك إكراماً للملائكة الكرام الحافظين الذين لا يفارقون الإنسان إلا في حالتين نصت عليهما السنة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم. رواه الترمذي
فهم لا يفارقون الإنسان وإن كان عارياً، هذا بالنسبة للملائكة الحفظة، فقد ثبت بالنص أنهم لا يفارقون الإنسان إلا في الحالتين المنصوص عليهما، قال في تحفة الأحوذي: قال الطيبي رحمه الله: وهم الحفظة الكرام الكاتبون. انتهى
وقال القرافي في الذخيرة: " وفي الجواهر وقع الاتفاق على وجوب ستر العورة عن أعين الناس وفي وجوبه في الخلوة قولان: قال المازري هو مستحب عن أعين الملائكة لما في الترمذي.. . انتهى
وقد ذهب الحنابلة إلى تحريم اللبث في الخلاء فوق قضاء الحاجة وعللوا ذلك بقولهم: " لأنه كشف عورة بلا حاجة " انظر شرح منتهى الإرادات، وقال الشوكاني في نيل الأوطار: والحق وجوب ستر العورة في جميع الأوقات إلا وقت قضاء الحاجة، وإفضاء الرجل إلى أهله، كما في حديث ابن عمر السابق، وعند الغسل على الخلاف الذي مر في الغسل، ومن جميع الأشخاص إلا في الزوجة والأمة، كما في حديث الباب، الطبيب والشاهد والحاكم على نزاع في ذلك. انتهى
وفيما ذكرنا من النصوص ما يكفي ما رجحناه من مراعاة الحاجة، هذا بالنسبة للملائكة الحفظة، وقد ذكر أهل العلم أن هناك ملائكة غير الحفظة مهمتهم التطواف بالبيوت يدعون لأصحابها بالرحمة والتبريك والاستغفار وهؤلاء هم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة. وراه مسلم
ولا نعلم نصاً يمنع دخول هذا النوع من الملائكة إذاكشفت المرأة رأسها أو أبدت زينتها، والأولى هو الامتناع من فعل ذلك إلا لحاجة أيضاً، وذلك مراعاة لما ذكره الطبري وابن كثير في البداية نقلاً عن ابن اسحاق: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر زوجته خديجة رضي الله عنها بمجيء جبريل له قالت: إذا جاءك صاحبك فأخبرني، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أخبر خديجة فحسرت فألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرها ثم قالت: هل تراه؟ قال: لا قال: يا بن عم اثبت وأبشر فوالله إنه لملك ما هذا شيطان. ولعل هذا هو الحديث الذي يقصده السائل فيما نعلم، هذا إذا كان الكشف حال خلوتها أو أمام من يحل له النظر إليها، أما إذا كان الكشف أو التبرج أمام من لا يباح له النظر إليها فلا شك في أن مجلساً كهذا مدعاة إلى حضور الشياطين وذهاب الملائكة الذين وصفناهم آنفاً (وهم الملائكة الذين مهمتهم التطواف بالبيوت يدعون لأصحابها بالرحمة والتبريك والاستغفار) لأن هؤلاء الملائكة وظيفتهم حضور مجالس الخير والذكر، وهم يلتمسونهما في كل وقت وحين، فإذا وجدوها تجمعوا حولها وتنادوا لحضورها كما ثبت في الحديث عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلاً عن كتاب الناس فإذا وجدوا أقواماً يذكرون الله تنادوا هلموا إلى بغيتكم فيجيئون فيحفون بهم إلى سماء الدنيا.... رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1426(1/1037)
مصير الملائكة بعد يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[الشيخ الفاضل، سمعت بأن الملكين ميكائيل وجبريل عندما ينفخ في الصور ويموت الملائكة ومن في الوجود ما عدا الله جل جلاله ومن ثم يبعث الخلق للحساب.... ولكن سؤالي هو: هل الملائكه سيقبض الله أرواحها مثل ملك الموت يوم القيامة بعد أن يحاسب الخلق أم ماذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {القصص:88} ، وهذا دليل على أن الملائكة يموتون كما يموت غيرهم، قال المناوي في فيض القدير 3/423: وأما الملائكة فيموتون بالنص والإجماع، ويتولى قبض أرواحهم ملك الموت، ويموت ملك الموت بلا ملك الموت.
ولم يصح نص في تفصيل ووصف موت الملائكة، وهو من الغيبيات التي لا يجزم فيها بشيء إلا بنص صحيح، لأن أخبار الغيب لا تؤخذ إلا من القرآن أو السنة الصحيحة، وقد فصلنا القول في موت الملائكة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34149، 43327، 49761، 51993 فراجعها.
وأما متى تموت الملائكة، فقد قال الألوسي في روح المعاني عند تفسيره لقول الله تعالى: وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ* وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ {الحاقة:16-17} : ولعل هذا الانشقاق بعد موت الملائكة عند النفخة الأولى وإحيائهم، وهم يحيون قبل الناس كما تقتضيه الأخبار، ويجوز أن يكون ذلك بعد النفخة الثانية والناس في المحشر ففي بعض الآثار ما يشعر بانشقاق كل سماء يومئذ ونزول ملائكتها. ثم نقل عن بعض العلماء احتمال أنهم يقفون على الأرجاء لحظة ثم يموتون.
والحاصل أنه ليس هناك نص صحيح في تفصيل موت الملائكة، فلا يجزم بشيء من هذه الاحتمالات، وأما موت الملائكة بعد الحساب، فلم يرد في الكتاب أو السنة ما يدل عليه، بل الأدلة على بقائهم أحياء كثيرة جداً، ومن ذلك الحوارات المذكورة في القرآن الكريم بين أهل النار والملائكة، كقول الله تعالى: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ {الزخرف:77} ، وقوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ* قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ {غافر:49-50} ، وكقوله تعالى: تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ {الملك:8} ، ومثل قوله عز وجل: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ {الزمر:71} .
وكذلك وردت آيات كثيرة تتحدث عن الملائكة في الجنة بعد دخول أهلها إليها، كقول الله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ* وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ* وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {الزمر:73-74-75} ، وكقوله تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ* سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ {الرعد:23-24} ، وغيرها من الآيات والأحاديث الدالة على بقاء الملائكة بعد الحساب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1426(1/1038)
علاقة الكاتبين بالإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أين يذهب رقيب وعتيد بعد موت الإنسان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجعي في جواب هذا السؤال الفتوى رقم: 12192، وراجعي في معنى رقيب وعتيد الفتوى رقم: 44491، والفتوى رقم: 53785
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1426(1/1039)
الصلاة على الملائكة مشروعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة على الملائكة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصلاة على الملائكة مشروعة، فقد قال الإمام ابن حجر الهيتمي: إنه لا مانع أن يقال في حق الملك صلى الله عليه وسلم مع أن هذه العبارة لا تستعمل إلا في الأنبياء لكن ألحق بهم الملائكة لمشاركتهم إياهم في العصمة. وراجع الفتوى رقم: 22622.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(1/1040)
لم يصح حديث في تبيان عدد حملة العرش
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هم عدد حملة عرش الرحمن؟ وعند النفخ فى الصور وبعد وفاة كل الخلائق من سيقوم بحمل عرش الرحمن؟
وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم -وفقنى الله وإياك إلى الخير- أن حملة العرش صح وجودهم، لقول الله تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17] .
وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف البعض منهم، مما يشهد بعِظَم صورهم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام. أخرجه أبو داود في السنن.
أما عن عددهم الآن وعمن يقوم بحمل العرش بعد موتهم، فهذه أمور لم يصح فيها شيء، وقد ورد في كتب التفسير أنهم ثمانية، وقيل أربعة اليوم وهو يوم القيامة ثمانية، وقيل ثمانية آلاف، وقيل ثمانية صفوف، وقيل ثمانية أجزاء كل جزء منهم بعدة الإنس والجن والشياطين والملائكة..... لكن ذلك كله كان بأسانيد لم تصح.
وأما حمل العرش بعدهم فإنه لا يلزم أن يحمل، فالله تعالى قادر على إبقائه غير محمول على نفس الهيئة التي كان محمولاً بها.
والمهم أن هذه الأمور لا يتحتم الإيمان بها تفصيلاً، وإنما يكفينا أن نؤمن بها في الجملة، وليس يترتب على معرفتها على وجه التفصيل شيء من مصلحة ديننا أو دنيانا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1424(1/1041)
الفرق بين الملائكة والجن، والشياطين والجن
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة شيوخنا الأفاضل ما هو الفرق بين الملائكة والجن والشياطين وهل الجان موجودون على الأرض معنا وكيف قسموا إلى الجان الطيب والكافر وكيف يمكن تجنب الكافر منهم وما تأثير الجان الطيب على الإنسان. أفيدوني جزاكم الله خيرا. (ملاحظة كنت قد سألت عدة أسئلة من قبل وأرسلتم إلي رقم السؤال وعند فتحي لقراءة الجواب أبلغت أن رقم السؤال غير موجود) أرجو النظر في هذا الأمر إن أمكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهناك فروق كثيرة بين الملائكة والجن، وأهم هذه الفروق ثلاثة:
الأولى: أن الملائكة خلقوا من نور، والجن من نار، وكان تناسلهم من ماء.
الثاني: أن الملائكة جميعاً مؤمنون ومعصومون من الوقوع في الذنوب ولا يأمرون غيرهم إلا بالخير، وأما الجن فمنهم المسلم ومنهم الكافر، ومنهم الآمر بالخير، ومنهم الآمر بالشر.
الثالث: أن الملائكة منزوعو الشهوة، بخلاف الجن فإنهم كالإنس.
وأما الفرق بين الجن والشياطين فهو ما أشار إليه الحافظ ابن عبد البر رحمه الله حيث قال: الجن عند أهل الكلام واللسان منزلون على مراتب، فإن ذكروا الجن خالصاً قالوا: جني، فإن أرادوا ممن يسكن مع الناس قالوا عامر، والجمع عمّار، فإن كان ممن يعرض للصبيان قالوا: أرواح، فإن خبث وتعزم فهو شيطان، فإن زاد على ذلك وقوي أمره قالوا: عفريت، والجمع عفاريت. انتهى
وهم موجودون على الأرض كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به،
قال الله تعالى عن إبليس -أبو الجن - وآدم وحواء -أبو البشر- (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ* قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ) [الأعراف:24،25] وقال تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأحقاف:29،30] وفي صحيح مسلم "لاتجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة"
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب، أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه" وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ("إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل ولم يذكر اسم الله تعالى قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء" وفي صحيح مسلم أيضاً أن الجن سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاد فقال: " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة لدوابكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم -من الجن-" وهم -كما سبق- منهم المؤمنون ومنهم الكافرون، والدليل قوله تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً* وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) [الجن:14،15] وقال تعالى: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* ومن لم وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الاحقاف:31،32] .
والحصن من شياطين الجن سبق بيانه في الفتوى رقم 7427.
وأما المؤمنون من الجن فقد ييسرهم الله تعالى لإعانة المسلم من بني آدم. وقد سبق تفصيل هذا وضوابطه في الفتوى رقم 5701
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1423(1/1042)
كم عدد الملائكة الطوافين في المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[كم من الملائكة في مسجد؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا المقصود من السؤال، فإن كان قصدك: السؤال عن عدد الملائكة في المسجد؟ فإننا لم نقف على نص من كتاب الله تعالى أو من حديث رسوله صلى الله عليه وسلم يبين عدد الملائكة في المسجد.
والملائكة عباد الله المكرمون يأتون إلى بيوت الله تعالى وأماكن عبادته، والحديث عنهم يعتبر من الحديث عن الغيب الذي لا يعلم من حقيقته إلا ما جاء في نصوص الوحي من القرآن والسنة.
وقد صح أنهم يجتمعون بكثرة ـ دون تحديد لعدد ـ على حلق التلاوة وذكر الله تعالى في المساجد وفي غيرها فيحفون بها، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة. الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا. الحديث رواه البخاري وغيره.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة عن الملائكة في الفتويين رقم: 53555، ورقم: 53785.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(1/1043)
صفة جبريل عليه السلام وسبب تسميته بالروح الأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الجائز أن نسأل عن هيئة الروح الأمين جبريل عليه السلام، ولماذا سمي بالروح الأمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على المسلم أن يسأل عن صفات الملائكة وهيئاتهم، سواء عن جبريل عليه السلام أو عن غيره من باب التعلم والاسترشاد، وقد جاء في القرآن شيء من صفات جبريل عليه السلام ومن ذلك قوله تعالى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى {النجم:5-6} ، قال السعدي: ثم ذكر المعلم للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو جبريل عليه السلام أفضل الملائكة الكرام وأقواهم وأكملهم، فقال: (علمه) أي: نزل بالوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام (شديد القوى) أي: شديد القوة الظاهرة والباطنة، قوي على تنفيذ ما أمره الله بتنفيذه، قوي على إيصال الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنعه من اختلاس الشياطين له، أو إدخالهم فيه ما ليس فيه، وهذا من حفظ الله لوحيه، أن أرسله مع هذا الرسول القوي الأمين (ذو مرة) أي: قوة، وخلق حسن، وجمال ظاهر وباطن. انتهى.
ومنه قوله عز وجل: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ {التكوير:19-21} ، قال السعدي: هو جبريل عليه السلام، نزل به من الله تعالى، كما قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ. ووصفه الله بالكريم لكرم أخلاقه، وكثرة خصاله الحميدة فإنه أفضل الملائكة وأعظمهم رتبة عند ربه " ذي قوة" على ما أمره الله به، ومن قوته أنه قلب ديار قوم لوط بهم فأهلكهم "عند ذي العرش" أي جبريل مقرب عند الله، له منزلة رفيعة، وخصيصة من الله اختصه بها، "مكين" أي: له مكانة ومنزلة فوق منازل الملائكة كلهم "مطاع ثم" أي: جبريل مطاع في الملأ الأعلى، لديه من الملائكة المقربين جنود، نافذ فيهم أمره، مطاع رأيه "أمين" أي: ذو أمانة وقيام بما أمر به، لا يزيد ولا ينقص ولا يتعدى ما حد له. انتهى.
ومما ثبت في السنة في ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته التي خلق عليها فسد ما بين الأفق، وثبت فيهما أيضاً من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما انتهينا إلى بيت المقدس، قال جبريل: بإصبعه فخرق به الحجر وشد به البراق. رواه الترمذي، وقال: حسن غريب. وقال الألباني: صحيح الإسناد.
وأما سبب تسميته عليه السلام بالروح الأمين، فقال الجياني: سمى روحاً لأن النفوس تحيى به كما تحيى بالأرواح. وقال الرازي وتبعه ابن عادل: سماه روحاً من حيث خلق من الروح. وقيل: لأنه نجاة الخلق في باب الدين فهو كالروح الذي تثبت معه الحياة. وقيل: لأنه روح كله لا كالناس الذين في أبدانهم روح. وسماه أميناً لأنه مؤتمن على ما يؤديه إلى الأنبياء عليهم السلام وإلى غيرهم. وقال ابن عاشور: سمي روحاً لأن الملائكة من عالم الروحانيات وهي المجردات.. و (الأمين) صفة جبريل لأن الله أمنه على وحيه.
وقد سبق بيان صفة وهيئة الملائكة في الفتوى رقم: 21084، وكذلك سبق بيان أسماء بعض الملائكة والأمور الموكلة إليهم، وذلك في الفتوى رقم: 5989.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1429(1/1044)
ماهية النور الذي خلقت منه الملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الذي يقصد بالنور الذي خلقت منه الملائكة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم. فالله تعالى وحده هو العالم بحقيقة النور الذي خلق منه الملائكة، ولم نقف على بيان لهذا النور في قول لأهل العلم، وحقيقة النور معلومة لا تحتاج إلى بيان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1428(1/1045)
من صفات الملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الملائكة تموت وتولد، وهل جبريل مات بعد إنزل القرآن كله على الرسول صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الملائكة عباد الله المكرمون خلقوا من نور ولا يوصفون بالذكورة أو الأنوثة ولا يتناسلون.. يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ويموتون كما يموت كل حي؛ كما قال تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ {القصص: 88} . وسبق بيان موت الملائكة بالتفصيل في الفتوى: 51993، نرجو أن تطلع عليها.
وأما جبريل عليه السلام فإنه لم يمت، وهو من الملائكة المقربين، وصاحب وحي الله تعالى على أنبيائه، ومن آخر خلق الله موتا، وهو ينزل إلى الأرض كل سنة ليلة القدر مع ملائكة الرحمن كما قال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا. {القدر: الآية3-4} .
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى: 21084، 61021، 65987.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1428(1/1046)
بكاء ملك الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[بكى ملك الموت ثلاث مرات فنرجو الإجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على بكاء لملك الموت -فيما اطلعنا عليه- غير ما ذكره أبو الشيخ في كتاب العظمة وأبو نعيم في حلية الأولياء بسندهما إلى كعب: أن ملك الموت بكى في قصة خلاصتها: أنه عندما أرسله الله تعالى إلى إبراهيم عليه السلام ليقبض روحه فلم يعرفه إبراهيم، ولكن إسحاق (ابنه) وسارة (زوجته) عرفاه، فجعلا يبكيان، فبكى إبراهيم معهما، ثم بكى ملك الموت معهم رحمة بهم وذهب عنهم، فأقبل إبراهيم على إسحاق وسارة فقال: بكيتما حتى بكى الضيف وبكيت وذهب، قال إسحاق: يا أبت ليس بضيف ولكنه ملك الموت عليه السلام ولو علمت أنه يريدني أو يريد أمي ما بكيت، ولكني ظننت إنما يريدك. فعرج ملك الموت إلى السماء فقال: أي رب جئتك من عند عبد لك ما في الأرض بعده خير، لقد دعا بدعوة لأهل السماء والأرض، فقال الله تبارك وتعالى: أنا أعلم بعبدي اذهب فاقبض روحه، فنزل في هيئة شيخ كبير فدخل حائطاً فيه عنب فجعل يأكل عنبا وماء العنب يسيل على لحيته، فجعل إبراهيم ينظر إليه فقال: يا عبد الله كم أتى عليك؟ فذكر مثل سن إبراهيم، فاشتهى إبراهيم الموت فأشمه ريحانه فقبض عليه السلام.
ويبدو أن القصة مأخوذة من أهل الكتاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1428(1/1047)
الجزم بتشكل الملائكة بصورة ما مرجعه إلى الوحي
[السُّؤَالُ]
ـ[بالأمس في خطبة الجمعة روى إمام مسجدنا قصة أردت التثبّت منها وهي قصة سيّدنا سليمان عندما رأى نملة على ساحل البحر في فمها حبة حنطة وأن هناك ضفدعا يغوص بها في أعماق البحر لتطعم هذه النملة الدودة العمياء في قاع البحر وفي النهاية اتضح أنّ هذا الضفدع هو سيّدنا جبريل كان على هيئة ضفدع، فهل تصحّ هذه القصّة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر بعد البحث في كتب أهل العلم على أصل القصة، لا في شيء من كتب السنة، ولا في شيء من الكتب التي تتحدث عن الإسرائيليات، ومن المعلوم أن الملائكة من الأمور المغيبة، وقد يتشكلون فيظهرون بصورة البشر أحياناً، ولكنه لا يمكن الجزم بشيء من ذلك إلا إذا ثبت بدليل صحيح من الوحي، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 67492، 62515، 18624.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1428(1/1048)
رؤية الملائكة في المنام في صورة إناث
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ممكن للبنت التي لم تبلغ أن ترى الملائكة في شكل بنت تلبس الأبيض وفي مثل سنها تقريبا؟ أعرف أن الملائكة مخلوقة من نور فهل يمكن أن تتمثل في شكل أنثى؟
بارك الله فيكم على المجهود القيم لإعانة المسلمين وجعله الله في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المادة التي خلق منها الملائكة هي النور، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خلقت الملائكة من نور.
والملائكة خلق من خلق الله، لهم صفات خاصة، ولا يتصفون بالذكورة والأنوثة، ثم إن الله أعطاهم القدرة على التشكل بغير أشكالهم.
وعلى هذا، فيمكن للفتاة أن ترى الملائكة في صورة بشر، سواء أكانت بالغة أم غير بالغة، ولكننا لا نستطيع الجزم بأن ما يراهم بعض الأشخاص هم من الملائكة، فإن إثبات أنهم ملائكة متوقف على وحي من الله عز وجل، وسيأتي أن أمر الملائكة لم يتبين لإبراهيم ول وط عليهما السلام حتى أخبرتهم الملائكة فباقي الناس أولى بعدم التبين.
ومما يثبت أن الملائكة قد يرون على شكل البشر أن الله أرسل جبريل إلى مريم في صورة بشر رجل، قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا {مريم: 19} .
وإبراهيم عليه السلام جاءته الملائكة في صورة بشر رجال، ولم يعرف أنهم ملائكة حتى كشفوا له عن حقيقة أمرهم، قال تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ {الذاريات: 24-28} .
وجاءوا إلى لوط في صورة شباب حسان الوجوه، وضاق لوط بهم، وخشي عليهم قومه، فقد كانوا قوم سوء يفعلون السيئات، ويأتون الذكران من العالمين: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ {هود: 77} .
يقول ابن كثير: تبدى لهم الملائكة في صورة شباب حسان امتحاناً واختباراً حتى قامت على قوم لوط الحجة، وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
وقد كان جبريل يأتى الرسل صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة، فتارة يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي (صحابي كان جميل الصورة) وتارة في صورة أعرابي.
وقد شاهده كثير من الصحابة عندما كان يأتي كذلك.
في الصحيحين عن عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. وفي الحديث أنه سأله عن الإيمان والإحسان والساعة وأمارتها.
وقد أخبر الرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد أن السائل جبريل: جاء يعلم الصحابة دينهم.
ورأت عائشة الرسول صلى الله عليه وسلم واضعاً يده على معرفة فرس دحية الكلبي يكلمه، فلما سألته عن ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: ذلك جبريل، وهو يقرئك السلام.
وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً وأنه لما هاجر تائباً جاءه الموت في منتصف الطريق إلى الأرض التي هاجر إليها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فحكموا فيه ملكاً جاءهم في صورة آدمي، يقول عليه السلام: فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له.
ولابد أنهم حكموه بأمر الله، فأرسل الله لهم هذا الملك في صورة آدمي، والقصة في صحيح مسلم، في باب التوبة.
وكذلك قص علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة الثلاثة الذين ابتلاهم الله من بني إسرائيل، الأبرص والأقرع والأعمى، وأن الملك تشكل لهم بصورة بشر، وانظري الفتوى رقم: 62515.
هذا، ولم يرد في الكتاب والسنة أن الملائكة قد تشكلت في صورة إناث، وإنما الوارد كما سبق أن تشكلهم في صورة بشر كان على هيئة الرجال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1426(1/1049)
رؤية الملائكة لبني آدم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اغتسلت المرأة هل تشاهدها الملائكة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يتعلق بالملائكة أمر غيبي لا يجزم فيه إلا بدليل من الوحي، وقد روى الطبراني حديثاً يفيد أن جبريل اختفى عن النبي صلى الله عليه وسلم لما طرحت خديجة خمارها رضي الله عنها، فإن صح الحديث فهو يدل على عدم نظرهم للنساء في حال خلعهن لثيابهن، وراجع في نص الحديث الفتوى رقم: 27865.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1426(1/1050)
موت الملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[ ((كيف تموت الملائكه))
مقال قراته في كثير من المنتديات ارجو الإفادة هل صحيح ما كتب وهل ذكر في القرآن أو الأحاديث وصف لموت الملائكة أو نحو ذلك؟؟؟ وجزاكم الله خيرا
المقال
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خير البرية محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم
التسليم....قال تعالى في محكم التنزيل ((كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام)) كل من على الدنيا هالك لا محالة إلا الله عز وجل لا إله إلا هو سبحانه ... فسأذكر لكم أحبتي في الله عن كيفيه موت الملائكة عليهم السلام ... كما نقل في كتاب ابن الجوزي رحمة الله (بستان الواعظين ورياض السامعين)
مقدمة
بعدما ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور النفخة الأولى تستوي الأرض من شدة الزلزلة فيموت أهل الأرض جميعا وتموت ملائكة السبع سموات والحجب والسرادقات والصافون والمسبحون وحملة العرش وأهل سرادقات المجد والكروبيون ويبقى جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام.
موت جبريل عليه السلام يقول الجبار جل جلاله: ياملك الموت من بقي؟ _ وهوأعلم_ فيقول ملك الموت: سيدي ومولاي
أنت أعلم بقي إسرافيل وبقي ميكائيل وبقي جبريل وبقي عبدك الضعيف ملك الموت خاضع ذليل قد ذهلت نفسه لعظيم ما عاين من الأهوال. فيقول له الجبار تبارك وتعالى: انطلق إلى جبريل فاقبض روحه فينطلق إلى جبريل فيجده ساجدا راكعا فيقول له: ما أغفلك عما يراد بك يا مسكين قد مات بنو آدم وأهل الدنيا والأرض والطير والسباع والهوام وسكان السموات وحملة العرش والكرسي والسرادقات وسكان سدرة المنتهى وقد أمرني المولى بقبض روحك! فعند ذلك يبكي جبريل عليه السلام ويقول متضرعا إلى الله عز وجل: يا الله هون علي سكرات الموت (يا الله هذا ملك كريم يتضرع ويطلب من الله بتهوين سكرات الموت وهو لم يعص الله قط فما بالنا نحن البشر ونحن ساهون لا نذكر الموت إلا قليلا) فيضمة ضمه فيخر جبريل منها صريعا فيقول الجبار جل جلاله: من بقي يا ملك الموت_ وهو أعلم _ فيقول: مولاي وسيدي بقي ميكائيل وإسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت
موت ميكائيل عليه السلام- الملك المكلف بالماء والقطر فيقول الله عز وجل انطلق إلى ميكائيل فاقبض روحه فينطلق إلى ميكائيل فيجده ينتظر المطر ليكيله على السحاب فيقول له: ما أغفلك يا مسكين عما يراد بك! ما بقي لبني آدم رزق ولا للأنعام ولا للوحوش ولا للهوام, قد مات أهل السموات والأرضين وأهل الحجب والسرادقات وحملة العرش والكرسي وسرادقات المجد والكروبيون والصافون والمسبحون وقد أمرني ربي بقبض روحك, فعند ذلك يبكي ميكائيل ويتضرع إلى الله ويسأله أن يهون عليه سكرات الموت, فيحضنه ملك الموت ويضمه ضمة يقبض روحه فيخر صريعا ميتا لا روح فيه, فيقول الجبار جل جلالة: من بقي_وهو أعلم_يا ملك الموت؟
فيقول مولاي وسيدي أنت أعلم بقي إسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت.
موت إسرافيل عليه السلام- الملك الموكل بنفخ الصور فيقول الجبار تبارك وتعالى: انطلق إلى إسرافيل فاقبض روحه. فينطلق كما أمره الجبار إلى إسرافيل وإسرافيل ملك عظيم , فيقول له ما أغفلك يا مسكين عما يراد بك! قد ماتت الخلائق كلها وما بقي أحد وقد أمرني الله بقبض روحك, فيقول إسرافيل: سبحان من قهر العباد بالموت, سبحان من تفرد بالبقاء, ثم يقول مولاي هون علي مرارة الموت. فيضمه ملك الموت ضمه يقبض فيها روحه فيخر صريعا فلو كان أهل السموات والأرض في السموات والأرض لماتوا كلهم من شدة وقعته.
موت ملك الموت عليه السلام-الموكل بقبض الأرواح
فيسأل الله ملك الموت من بقي يا ملك الموت؟ _ وهوأعلم_ فيقول مولاي وسيدي أنت أعلم بمن بقي بقي عبدك الضعيف ملك الموت فيقول الجبار عز وجل: وعزتي وجلالي لأذيقنك ما أذقت عبادي انطلق بين الجنة والنار ومت, فينطلق بين الجنة والنار فيصيح صيحة لولا أن الله تبارك وتعالى أمات الخلائق لماتوا عن آخرهم من شدة صيحته فيموت. ثم يطلع الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فيقول: يا دنيا أين أنهارك أين أشجارك وأين عمارك؟ أين الملوك وأبناء الملوك وأين الجبابرة وأبناء الجبابره؟ أين الذين أكلوا رزقي وتقلبوا في نعمتي وعبدوا غيري, لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد فيرد الله عز وجل فيقول الملك لله الواحد القهار ...
اذكروا الله واتعظوا وجزاؤنا إن شاء الله جنات النعيم وهذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
__________________
]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الملائكة يموتون كما يموت غيرهم من الأحياء، ويدل لذلك كما قال القرطبي وابن حجر قول الله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ {القصص: 88} .
وقال المناوي في "فيض القدير": وأما الملائكة فيموتون بالنص والإجماع، ويتولى قبض أرواحهم ملك الموت، ويموت ملك الموت بلا ملك الموت.
ولا يبعد أن يعانوا من سكرات الموت كما يعاني منها غيرهم. يقول الله تعالى: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ {ق: 19}
وفي البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات.
وفي المستدرك عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت، وعنده قدح فيه ماء، وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: اللهم أعني على سكرات الموت. والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وأما ما ذكر ابن الجوزي في وصف موت الملائكة الأربعة فإنه لم يثبت فيه نص، ولكن وردت آثار ضعيفة الأسانيد، كما قال البيهقي في شعب الإيمان، وابن كثير في البداية تفيد موت هؤلاء الملائكة الأربعة، ولم تذكر التفاصيل التي ذكر ابن الجوزي.
وليعلم أن أهم ما يتعين الاعتناء به هو تذكرنا للموت واستعدادنا له وتوظيف أوقاتنا وطاقاتنا فيما يرضي الله تعالى حتى نلقاه وهو راض عنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1425(1/1051)
الملائكة يموتون كغيرهم من خلق الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تموت الملائكة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي لا شك فيه أن الملائكة يموتون كغيرهم من خلق الله تعالى، والله أعلم بكيفية موتهم، قال الله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88] ، وحتى الموت يصور في صورة كبش فيموت أمام أهل الجنة وأهل النار..
فقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [مريم:39] ، قال: ينادى أهل الجنة فيشرئبون فينظرون، ثم ينادى يا أهل النار فيشرئبون فينظرون، فيقال: هل تعرفون الموت؟ فيقولون: لا، قال: فيجاء بالموت في صورة كبش أملح، فيقال هذا الموت، ثم يؤخذ فيذبح، قال: ثم ينادى يا أهل النار خلود فلا موت، ويا أهل الجنة خلود فلا موت، ثم قرأ: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 34149.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1425(1/1052)
الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الملائكة ينامون أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإيمان بالملائكة جزء من الإيمان بالغيب الذي يجب على المسلم أن يقتصر فيه على ما جاء في الوحي، والإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان الستة جاء بعد الإيمان بالله تعالى، كما قال سبحانه وتعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ (البقرة: من الآية285) ، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.
والملائكة عباد الله المكرمون خلقهم من نور لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون يسبحون الليل والنهار لا يفترون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.. ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون.
وهم الموكلون من قبل الله عز وجل بالسماوات والأرض وكل حركة في هذا الكون كما قال تعالى: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً (النازعات:5) وقال تعالى: فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً (الذريات:4) ، ولا يعلم عددهم إلا الله تبارك وتعالى كما قال تعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ (المدثر: من الآية31) .
والحاصل أن الإيمان بالملائكة من أسس عقيدة المسلم وأنهم عباد مكرمون لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ...
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 35299، والفتوى رقم: 34149.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1425(1/1053)
رؤية الملائكة لله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ترى الملائكة الله عز وجل؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن رؤية الملائكة لله تعالى في الفتوى رقم: 38881 فلتراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1425(1/1054)
رؤية الملائكة للرب جل جلاله هل هي ممكنة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يرى أو رأي الملائكة ربهم؟ وكيف تفسر في هذا الإطار قوله تعالى في سورة غافر الآيةالسابعة:"الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به.." إذ الإيمان غالبا ما يكون عن غيب لا عن مشاهدة وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي معجم الطبراني الأوسط من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سألت جبريل عليه السلام هل ترى ربك؟ قال: إن بيني وبينه سبعين حجابًا من نور لو رأيت أدناها لاحترقت. قال العلامة المناوي في فيض القدير: قال الحافظ الهيتمي: فيه فائد الأعمش، قال أبو داود: عنده أحاديث موضوعة، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال: اتهم كثيراً. اهـ
وقال الإمام الذهبي في السير: هذا حديث منكر، وأبو مسلم ليس بمعتمد. اهـ
وفي كتاب العظمة لـ أبي محمد الأصبهاني بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً من اليهود أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم، هل احتجب الله عن خلقه السماوات والأرض؟ قال: نعم بينه وبين الملائكة الذين حول العرش سبعون حجابًا من ظلمة وسبعون حجابًا من رفارف الاستبرق، وسبعون حجابًا من رفارف السندس، وسبعون حجاباً من در أبيض، وسبعون حجابًا من در أحمر، وسبعون حجابًا من در أصفر، وسبعون حجابًا من در أخضر، وسبعون حجابًا من ضياء استضاءه من صفوة النار والنور، وسبعون حجابًا من ثلج، وسبعون حجابًا من ماء، وسبعون حجابًا من برد، وسبعون حجابًا من عظمة الله عز وجل التي لا توصف. قال الهيتمي بعد أن ذكر هذا الحديث: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد المنعم بن إدريس كذبه أحمد. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث.
وهذه الأحاديث الواهية في تفصيل أمر الحجاب وعدده، وأما أصل الحجاب فثابت في صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما من حديث أبي موسى قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
قال الإمام النووي في شرح مسلم: والمراد بما انتهى إليه بصره من خلقه: جميع المخلوقات؛ لأن بصره سبحانه وتعالى محيط بجميع الكائنات، ولفظة "من" لبيان الجنس لا للتبعيض والتقدير، لو أزال المانع من رؤيته وهو الحجاب المسمى نورًا ونارًا وتجلى لخلقه لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته. والله أعلم. اهـ
ومن خلال ما سبق يعلم أن الملائكة لم تر الله تعالى.
وننبه إلى أن الحجاب المذكور هو حجاب للخلق عن ربهم، لا أنه يحجب الله تعالى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما حجبها لله عن أن يرى ويدرك فهذا لا يقوله مسلم، فإن الله لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ... اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1424(1/1055)
الملائكة كسائر الخلق يموتون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الملائكة تموت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي مسند أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني أنت الحي الذي لا تموت والجن والإنس يموتون.
قال الحافظ في الفتح: استدل به على أن الملائكة لا تموت ولا حجة فيه، لأنه مفهوم لقب، ولا اعتبار له، وعلى تقديره فيعارضه ما هو أقوى منه، وعموم قوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه [القصص:88] ، مع أنه لا مانع من دخولهم في مسمى الجن لجامع ما بينهم من الاستتار عن عيون الإنس.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره: قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية -كل من عليها فانٍ- قالت: الملائكة هلك أهل الأرض، فنزلت (كل شيء هالك إلا وجهه) فأيقنت الملائكة بالهلاك.
وخلاصة القول أن الملائكة عليهم السلام يموتون.
والدليل قول الله عز وجل: كل شيء هالك إلا وجهه [القصص: 88]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1424(1/1056)
صفة وهيئة الملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد وصف هيئة وشكل الملائكة ووظائفهم في الدنيا والآخرة؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الملائكة من مخلوقات الله عز وجل، خلقهم من نور، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلقت الملائكة من نور".
وجعل الله تعالى لهم أجنحة يطيرون بها، قال تعالى: (جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) [فاطر:1] .
وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.
وقد منحهم الله تعالى عظم الخلق، ففي سنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أُذِن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" إسناده صحيح. هذا بعض ما ورد في صفتهم وهيئتهم.
أما وظائفهم، فقد سبق الكلام عليها في الفتوى رقم: 5989.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1423(1/1057)
حكم الاستهزاء بالملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رجل: إن جبريل ليس نشيطا في منطقتنا لأن كل من أعرفهم لم يمت منهم أحد. هل تعتبر هذه المقولة استهزاء بجبريل عليه السلام أم لا؟ وما هو حكم قائلها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الكلام يدل على جهل قائله من وجوه:
الأول: أن جبريل ليس موكلا بالموت، وإنما ينزل بالوحي، أما الموت فالموكل به ملك الموت وأعوانه.
الثاني: أن الملائكة يمتنع في حقهم العصيان والتلكؤ والتكاسل. قال تعالى عنهم: إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ. {الأعراف:206} ، وقال: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ. {الأنبياء:20} .
الثالث: أن ملك الموت وسائر الملائكة إنما يعملون بأمر الله وحكمته، لا من عند أنفسهم؛ لقوله تعالى: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. {الأنبياء:27} .
2- الاستهزاء بالملائكة كفر وردة كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 2093.
وبخصوص المقولة المذكورة، فهي تحتمل الاستهزاء بل هو ظاهرها، كما تحتمل اللغو وسوء التعبير عن قلة الوفيات، فإن كان قائل تلك المقولة يقصد بها الاستهزاء عالما بحكمه الشرعي فهو كافر مرتد، وأما إن كان لا يقصد الاستهزاء وإنما يقصد التعبير عن قلة الوفيات، فلا يحكم بكفره لكن يجب نصحه بتجنب تلك المقولة وإعلامه بخطرها؛ لاحتمال ظاهرها معنى كفريا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1430(1/1058)
هل يكتب على الإنسان كل ما يتكلم به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يسجل الملكان كل ما يدوربين الزوجين من كلمات أثناء المعاشرة الزوجية وتكتب هذه الكلمات حسنات أو سيئات؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان الحفظة الكاتبون يسجلون كل ما يتكلم به المرء أم أن أنهم إنما يكتبون ما يتعلق به الثواب والعقاب، فذهب كثير من أهل العلم إلى أنهم يكتبون كل شيء، وهذا يعم ما يسأل عنه السائل وغيره، لدخول ذلك في عموم قوله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ {ق 18} .
قال الإمام ابن كثير في تفسيره: ما يلفظ أي ابن آدم من قول أي ما يتكلم بكلمة إلا لديه رقيب عتيد، أي إلا ولها من يرقبها معد لذلك يكتبها لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ {الانفطار: 12} . وقد اختلف العلماء، هل يكتب الملك كل شيء من الكلام، وهو قول الحسن وقتادة، أوإنما يكتبون ما فيه ثواب وعقاب، كما هو قول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فعلى قولين، وظاهرالآية الأول، لعموم قوله تبارك وتعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ {ق 18} . انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1430(1/1059)
هل تدخل الملائكة بيتا فيه كافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا دعوت نصرانية للعشاء معي في المنزل فهل تخرج الملائكة من المنزل؟ وإذا جاءت ومعها كلب وتعشت وعادت إلى منزلها فهل تخرج الملائكة 40 يوما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكلب يمنع وجوده في البيت دخول الملائكة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة. متفق عليه. وقد سبق ذلك في الفتوى رقم: 10153. ولكن مدة الأربعين يوما المذكورة في السؤال لا نعلم لها أصلا.
وأما دخول الكافر بيت المسلم فلا نعلم ما يدل على أنه يمنع دخول الملائكة، ويحتمل أن من قال ذلك أخذه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق، والجنب إلا أن يتوضأ. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
ولكن المراد بجيفة الكافر جسد من مات على الكفر، كما نص عليه العظيم آبادي في عون المعبود، والمناو ي في فيض القدير.
وقال أبو الحسن المباركفوري: المراد بالجيفة الميت، لأن استعمالها في الميت أغلب. وفي رواية عطاء الخرساني، عن يحيى بن معمر عن عمار عند أبي داود: إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير.
ولكن ينبغي أن نذكر السائلة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. وقوله صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواهما أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنهما الألباني.
ويرجى مراجعة الفتوى رقم: 7885، والفتوى رقم: 1486.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1430(1/1060)
كتابة الملك لمقادير الحسنات من الأمور الغيبية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الدعاء "لا إله إلا الله عدد ما كان وعدد ما سيكون وعدد الحركات والسكون" تحتاج الملائكة سنة كاملة لكتابة حسناته، علما بأنني علمت بهذا من خلال الإيميل والتي عادة أحب التأكد من المعلومة من الجهة المختصة أمثالكم لكي لا أرسل معلومة خاطئة لأحد المسلمين؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع بعد البحث على دليل يدل على هذه المسألة، ومن المعلوم أن كتابة الملك لمقادير الحسنات يعتبر من الأمور الغيبية التي لا يمكن القول بها دون استناد لدليل من القرآن أو من السنة الثابتة، وعلى المسلم أن يعتني بما ثبت من نصوص الوحي من الترغيب في العمل الصالح، فليس من اللائق بالمسلم أن يشتغل بما لا دليل عليه، وعنده القرآن ونصوص الأحاديث الثابتة لو أفنى شبابه في مدارستها لن يستطيع الشبع منها، فيتعين التعلم لنصوص الوحي وإفادة الناس وتذكيرهم ودعوتهم بها.
وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 80963، 50006، 72059، 76639.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1430(1/1061)
هل تبكي الملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في قصة من القصص: أن فتاة كانت تقرأ كل يوم وردا لها من كتاب ربها وكانت صالحة مستقيمة على الخلق مؤدية حق ربها حتى وافتها المنية ثم بعد ذلك وجدوا في غرفتها صوت أزيز كل يوم في الوقت التي تدرس في الورد من القرآن فسألوا عنه أحد الصالحين فأجابهم هذه الملائكة تبكي لفراق هذه الفتاة الصالحة.
ما أريده هو هل هذا التعبير جائز من الشيخ وهل الملائكة تبكي وهل يوجد مستند من قصة أو آية بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكن الجزم بصحة ما ذكره هذا الشيخ، ولا ينبغي له الجزم بمثل هذا من غير دليل، ولكن لا يبعد أن يكون ما حدث إكراما لهذه الفتاة بسبب استقامتها وحرصها على تلاوة كتاب الله تعالى، وأن يكون هذا الصوت من الملائكة، وراجع الفتوى رقم: 16929.
وأما بكاء الملائكة فلا نعلم عليه دليلا صحيحا، وقد ورد بخصوصه حديث رواه البيهقي في شعب الإيمان عن الهيثم بن مالك، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فبكى رجل بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو شهدكم اليوم كل مؤمن عليه من الذنوب كأمثال الجبال الرواسي، لغفر لهم ببكاء هذا الرجل، وذلك أن الملائكة تبكي وتدعو له وتقول: اللهم شفع البكائين فيمن لم يبك.
وقال البيهقي عقب روايته له: هكذا جاء هذا الحديث مرسلا. انتهى.
وقال عنه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع: مرسل موضوع. انتهى.
ومع هذا فليس بمستبعد حصول البكاء من الملائكة، فإنهم يخافون ربهم وهم من خشيته مشفقون كما حكى الله عز وجل عنهم في القرآن، لكن مثل هذا الأمر لا يصح أن يقال فيه بالرأي والاجتهاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(1/1062)
ليست هذه صفة ملك الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ كان عمل حادثا منذ 5 سنوات تقريبا لدرجة أنه رأى ملك الموت قدامه لأن الحادث كان قويا ما كان يمكن أن يعيش، الحمدالله أنه عاش ومنذ أيام وهو ذاهب للدوام في الصبح الساعة 6 تقريبا وهو يخرج السيارة من الكراج رأى رجلا أسود وهو نفسه ملك الموت الذي رآه بالحادث.
سؤالي هو: ما معنى الذي يرى ملك الموت أكثر من مرة في حياته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ملك الموت إنما يأتي الإنسان عند قبض روحه، ولا نعلم دليلا يدل على أنه يراه الناس الآن، ولا أنه يراه من عطب عطبا شديدا حتى كاد يموت، ولا أنه موصوف بالسواد.
فما تخيله هذا الأخ ليس ملك الموت، وعلى كل منا أن يعد للموت عدته ويشتغل بما ينفعه في آخرته فيتزود بالأعمال الصالحة قبل بغت الموت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1429(1/1063)
حملة العرش
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حملة عرش الرحمن عز وجل من النساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حملة العرش ملائكة، والملائكة لا يوصفون بأنهم إناث، فقد أنكر الله تعالى معتقد الجاهلية في ذلك. فقال تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ. {الزخرف:19} .
ولا يوصفون أيضا بأنهم ذكور، وعلم الغيب لا سبيل للاطلاع عليه والتكلم به إلا من طريق الوحي.
قال الناظم في شأن الملائكة:
ليسوا بذكران ولا إناثا * ولاتظن أنهم خناثا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1429(1/1064)
صاحب الوحي إلى أنبياء الله جميعا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم أحد من الملائكة بالرسالة والوحي غير سيدنا جبريل عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نزول الوحي من عند الله تعالى خاص بجبريل عليه السلام؛ فهو صاحب الوحي إلى أنبياء الله جميعا، وأما غيره من الملائكة؛ فإنما ينزل لغرض آخر، قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ {الشعراء: 192، 193، 194}
قال أهل التفسير: الروح الأمين هو جبريل -عليه السلام- وهو أشرف الملائكة وأقربهم إلى الرب عز وجل وهو صاحب الوحي إلى أنبيائه.
وقد ثبت نزول الملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم في حوادث كثيرة منها ما ورد في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته.
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها:- في حديث عودة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال: يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ... الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1429(1/1065)
ملك الموت موكل بقبض كل ذي روح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ملك الموت للإنسان وللمخلوقات الأخرى ملك آخر، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظاهر أن ملك الموت الموكل بقبض أرواح الناس هو الذي يقبض أرواح المخلوقات الأخرى، جاء في موسوعة المؤلفات العلمية لأئمة الدعوة النجدية: هذه مسائل نقلها الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان من أجوبة لابن حجر الهيتمي، مسألة هل ملك الموت يقبض أرواح الحيوانات كلها أو ما يقبض إلا أرواح بني آدم فقط؟ وأين مستقر الأرواح بعد قبضها؟ الجواب الذي دلت عليه الأحاديث أن ملك الموت يقبض أرواح الحيوانات من بني آدم وغيرهم، من ذلك قوله مخاطبا لنبينا صلى الله عليه وسلم: والله يا محمد لو أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت حتى يكون الله هو الآمر بقبضها. قال القرطبي: وفي هذا الخبر ما يدل على أن ملك الموت هو الموكل بقبض كل ذي روح، وأن تصرفه كله بأمر الله، ومن ذلك ما في خبر الإسراء عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن نفسه: فقلت: يا ملك الموت فكيف تقدر على قبض أرواح من في الأرض برها وبحرها؟ الحديث. وذكر أبو نعيم عن ثابت البناني قال: الليل والنهار أربع وعشرون ساعة ليس منها ساعة تأتي على ذي روح إلا وملك الموت قائم عليها، فإن أمر بقبضها قبضها وإلا ذهب. قال القرطبي: وهذا عام في كل ذي روح، ومن ثم لما سئل مالك رحمه الله عن البراغيث أن ملك الموت هل يقبض أرواحها؟ أطرق مليا ثم قال: ألها نفس؟ قيل: نعم، قال: ملك الموت يقبض أرواحها: الله يتوفى الأنفس حين موتها ... انتهى. وقد قال الطحاوي في عقيدته المشهورة: ... ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين.... انتهى. والعالمون كل من سوى الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1429(1/1066)
الملائكة الموكلة ببني البشر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الخبر المنشور على الانترنت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
بثت قناة الفجر الفضائية ليلة الجمعة معلومة جميلة جدا عن الملائكة التي تحيط بالإنسان أثناء يومه وعلمت أن رحمة الله بعباده في كل شئ حتى في النوم , وهذه المعلومة قالها الشيخ عبد الباسط , عضو لجنة الإعجاز العلمي والحقيقة
قال إن الملائكة التي تحيط بالإنسان عددها 10 وتتبدل في وقت الفجر ووقت العصر , والله سبحانه وتعالي يسأل ملائكته وقت انتهاء عمل ملائكته وقت الفجر كيف تركتم عبادي , فترد الملائكة وتقول: تركناهم يصلون , لذلك ينصح دائما بصلاة البردين الفجر والعصر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ترك صلاة العصر حبط عمله. وقد جعل الله عشرة أنواع من ملائكة تحيط بالإنسان كالتالي:
ملكين ملك عن اليمين وملك عن اليسار , الملك اليمين ليكتب الحسنات الملك الشمال ليكتب السيئات ولكن حين يفعل الإنسان سيئة يقول ملك اليمين لملك اليسار اكتب هذه السيئة , فيرد ملك اليسار ويقول
أمهله لعله يستغفر , فإذا استغفر الإنسان لا يكتبها له.
ملكين ملك أمام الإنسان وملك خلفه ,
حتى يدفع عنه السيئة التي تصيبه وتحفظه , مثال لذلك: كالذي تصيبه سيارة وينجو من الحادث , هذه الملائكة تحفظ هذا الإنسان , ولكن إذا كتب الله سبحانه وتعالى أن يموت في الحادث باللوح المحفوظ فسوف يموت.
ملك على الجبين: للتواضع وعدم الكبر.
ملكين علي الشفتين: ملك على الشفة العليا وملك على السفلى وهم مفوضين هذين الملكين لتسجيل الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم فقط وليس لغرض آخر.
ملكين على العينين: وهم لغض البصر وحماية العينان من الأذى وكما يقول المثل العامي المصري: العين عليها حارس.
وأخيرا ملك على البلعوم: لأنه ممكن أن يدخل في فم النائم أي شئ يؤذيه فالله سبحانه وتعالى جعل ملكا يحرس البلعوم حتى إذا دخل أي شيء بفم النائم ممكن أن يلفظه تلقائيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما تبدل الملائكة في وقت الفجر ووقت العصر فقد دلت عليه السنة الصحيحة، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون. متفق عليه.
وأما ما سوى ذلك من التفصيل فقد ورد في بعض الأحاديث. روى الطبري في "تفسيره" عند قوله تعالى: {له معقبات من بين يديه} : حدثني المثنى ثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري ثنا علي بن جرير عن حماد بن سلمة عن عبد الحميد بن جعفر عن كنانة العدوي، قال: {دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله أخبرني عن العبد، كم معه ملك؟ فقال: على يمينك ملك على حسناتك، وهو أمين على الملك الذي على الشمال، فإذا عملت حسنة كتبت عشرا، وإذا عملت سيئة، قال الذي على الشمال للذي على اليمين: أكتب؟ فيقول له: لا، لعله يستغفر الله ويتوب، فإذا قال ثلاثا، قال: نعم، اكتب أراحنا الله منه، فبئس القرين، ما أقل مراقبته لله، وأقل استحياءه منا، يقول الله: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ، وملكان من بين يديك ومن خلفك يقول الله: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبرت على الله قصمك، وملكان على شفتيك، ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد، وملك قائم على فيك، لا يدع أن تدخل الحية في فيك، وملكان على عينيك، فهؤلاء عشرة أملاك على كل ابن آدم يتبدلون، ملائكة الليل على ملائكة النهار؛ لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار، فهؤلاء عشرون ملكا، على كل آدمي، وإبليس بالنهار وولده بالليل} . انتهى.
فهذا الحديث شاهد لما سألت عنه، وقد نقله الزيلعي في نصب الراية وابن حجر في الفتح والسيوطي في الدر المنثور، نقلوه كلهم عن الطبري ولم يتعقبوه ولم يضعفوه.
ولبعض ما ورد فيه شواهد، منها ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل وحافظين في النهار، يحفظان عمله ويكتبان أثره. اهـ. ويشهد له في التواضع ماروى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته. رواه الطبراني، وقال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن، وحسنه الألباني في السلسلة.
ولخصوص مراقبة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وأما بخصوص ملكي العينين والملك الحارس للبلعوم من دخول شيء فيه فلم نعثر على دليل ثابت يشهد لذلك إلا عموم قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ. {الرعد: 11} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1429(1/1067)
أسماء الملائكة توقيفية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد ملك اسمه كهيائيل ويقال إنه موكل بحمل لفظ الجلالة؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأسماء الملائكة هي من الأمور التوقيفية، التي لا مجال للرأي فيها. ولم نقف في شيء من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أحدا من الملائكة يسمى كهيائيل، وبالتالي فلا يمكن تسمية ملك بهذا الاسم ما لم يوجد لذلك دليل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1428(1/1068)
كيف تعلم الملائكة أن العبد قد هم بحسنة أو سيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا ذكرت ربي في نفسي أعني سراً فهل تسمعه الملائكة وتكتبه لي، وكذلك التعوذات سراً هل ينفر الشيطان منها أم يجب أن تقال جهراً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد وكل بكل إنسان مكلف ملائكة يكتبون كل ما يلفظ به من خير أو شر؛ بل إنهم يكتبون همَّ المسلم بالحسنة حسنة كاملة، فكيف بما نطق به ولو كان سراً، والله سبحانه وتعالى هو الذي يطلع الملك على ذلك، أو يخلق له علماً يدرك به ما لا يعلمه إلا الله، أو يضع له علامة يعرف بها هم العبد، قال المناوي في فيض القدير عند شرح حديث: إن الله تبارك وتعالى كتب الحسنات والسيئات. أي قدرهما في علمه على وفق الواقع، أو أمر الحفظة بكتابتهما (ثم بين) الله تعالى (ذلك) للكتبة من الملائكة حتى عرفوه واستغنوا به عن استفساره في كل وقت كيف يكتبونه (فمن هم بحسنة) أي عقد عزمه عليها (فلم يعملها كتبها الله تعالى) للذي هم بها أي قدرها، أو أمر الحفظة بكتابتها (عند حسنة كاملة) لا نقص فيها وإن نشأت عن مجرد الهم، إلى أن قال: واطلاع الملك على فعل القلب بإطلاع الله تعالى، أو بأن يخلق له علماً يدرك به، أو بأن يجد لهم بها ريحاً طيبة. انتهى.
وفي تفسير القرطبي: سئل سفيان: كيف تعلم الملائكة أن العبد قد هم بحسنة أو سيئة؟ قال: إذا هم العبد بحسنة وجدوا منه ريح المسك، وإذا هم بسيئة وجدوا منه ريح النتن. انتهى هذا عن الشق الأول من السؤال.
أما عن الشق الثاني.. فإن الاستعاذة هي التجاء العبد إلى الله تعالى أن يحفظه ويرد عنه كيد الشيطان، والله سبحانه وتعالى يعلم السر والنجوى، ويعلم ما توسوس به النفس وما تخفي الصدور.
وعليه؛ فلا فرق بين أن تستعيذ به سراً أو تستعيذ به جهراً وسواء سمع الشيطان ذلك أم لا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1428(1/1069)
هل تمتنع عموم الملائكة عن بيت فيه امرأة حاسرة
[السُّؤَالُ]
ـ[إن كانت الملائكة تستحيي من شعر المرأة، فهل علينا أن نغطي شعرنا حتى في المنزل اذا أردنا صحبة الملائكة وكذا أثناء النوم. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد حديث يدل على عدم دخول الملائكة البيت إذا كانت فيه امرأة حاسرة، وهذا الحديث مضمن بالفتوى رقم: 27865، وقد حسن الهيثمي إسناده كما في كتابه: مجمع الزوائد، ودلالته على ما ذكرنا واضحة، ولكن قد لا يكون ذلك محمولا على منع عموم الملائكة، يوضح هذا أن بعض أهل العلم قد حمل الأحاديث التي نصت على أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة على أنها خاصة بالملائكة التي تأتي بالرحمة، قال السفاريني في كتابه غذاء الألباب: المراد بالملائكة الذين لا يدخلون بيتا فيه كلب ولا صورة ملائكة يطوفون بالرحمة والتبرك والاستغفار فهم ملائكة البركة والرحمة. وأما الحفظة، والموكلون بقبض الأرواح، فيدخلون كل بيت ولا يفارقون بني آدم في حال; لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها. انتهى. وقد ذكر مثل هذا الكلام الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر.
وعلى كل حال فإن أمكن المرأة أن تغطي رأسها وهي في بيتها من غير حرج يلحقها فلتفعل، ففي ذلك خير لها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(1/1070)
الملائكة الذين ذكرت أسماؤهم في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أسماء الملائكة التي ذكرت في القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالملائكة الذين ورد ذكر أسمائهم في القرآن هم جبريل عليه الصلاة والسلام، وميكائيل عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ {البقرة: 98} وورد ذكر ملك الموت عليه السلام بصفته وليس باسمه قال تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ {السجدة: 11} وورد ذكر اسم مالك خازن النار، قال تعالى: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ {الزخرف: 77} وانظر الفتوى رقم: 5989.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1427(1/1071)
الملائكة الحفظة يحفظون العبد بأمر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال عن سورة الرعد آية10 هل معنى الآية أن الملائكة تحفظ الإنسان من أمر الله، هل ممكن أن الملائكة لها القدرة على منع أمر الله لو سمحتم أفيدوني لأن هذه المسألة مسببة لي مشكلة خصوصا أني لا أعيش في بلد إسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد ثبت أن هناك حفظة من الملائكة، يحرسون العباد، بإذن الله وقدره مما لم يقدر الله إصابة العبد به فإذا قدر الله أن يصاب العبد بشيء فلا تستطيع الملائكة دفعه قال الله تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ {الرعد: 11} وقد ذكر ابن كثير في التفسير: أنهم أربعة بالليل وأربعة بالنهار، فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الحسنات والسيئات، واثنان من ورائه وأمامه يحرسانه. وليس معنى الآية أن الملائكة تحفظ العبد مما يأتي من قضاء الله وقدره، وإنما المراد أنها تحفظه بأمر الله فمن هنا بمعنى الباء ويدل لذلك ما في بعض القراءات الشاذة يحفظونه بأمر الله. وهناك أقوال أخرى فيها قريبة من هذا المعنى. ويدل لكون الملائكة لا تحفظ العبد مما يأتي من قضاء الله وقدره قوله تعالى في آخر الآية: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ {الرعد: 11} قال البغوي في التفسير: يحفظونه من أمر الله، يعني: بأمر الله، أي: يحفظونه بإذن الله تعالى ما لم يجئ المقدور، فإذا جاء المقدور خلوا عنه. وقيل: يحفظونه من أمر الله: أي مما أمر الله به من الحفظ عنه. وقال القرطبي في التفسير: اختلف في هذا الحفظ، فقيل: يحتمل أن يكون توكيل الملائكة بهم لحفظهم من الوحوش والهوام والأشياء المضرة، لطفاً منه به، فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه، قاله ابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. قال أبو مجلز: جاء رجل من مراد إلى علي فقال: احترس فإن ناساً من مراد يريدون قتلك، فقال: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبين قدر الله، وإن الأجل حصن حصينة، وعلى هذا، (يحفظونه من أمر الله) أي بأمر الله وبإذنه، فـ (ـمن) بمعنى الباء، وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض. وقيل (من) بمعنى (عن) ، أي يحفظونه عن أمر الله، وهذا قريب من الأول، أي حفظهم عن أمر الله لا من عند أنفسهم، وهذا قول الحسن، تقول: كسوته عن عري ومن عري، ومنه قوله عز وجل: أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ {قريش: 4} أي عن جوع. وقيل: يحفظونه من ملائكة العذاب، حتى لا تحل به عقوبة، لأن الله لا يغير ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما بأنفسهم بالإصرار على الكفر، فإن أصروا حان الأجل المضروب ونزلت بهم النقمة، وتزول عنهم الحفظة المعقبات. وقيل: يحفظونه من الجن، قال كعب: لولا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتكم الجن.
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان أحدهما حفظه له في مصالح دنياه كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله قال الله عز وجل له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله قال ابن عباس هم الملائكة يحفظونه بأمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه وقال على رضي الله عنه إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه وإن الأجل جنة حصينة وقال مجاهد ما من عبد إلا وله ملك يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام فما من شيء يأتيه إلا قال له وراءك إلا شيئا أذن الله فيه فيصيبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(1/1072)
اللغة التي يكتب بها الملكان الموكلان بالعبد
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي اللغة التي يكتب بها الملكان الموكلان بالعبد؟ وفي القبر وفي العرض وفي الحساب بين يدي الجبار وفي الجنة وفي النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اللغة التي يكتب بها الملائكة لم نجد نصا من الوحي يحددها، ومن المعلوم أن الملائكة وأعمالهم من الأمور المغيبة التي لا يمكن الجزم بشيء فيها إلا إذا ثبت بالوحي، وراجع الفتوى رقم: 7811.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1427(1/1073)
هل يوجد في الملائكة أولو عزم
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواننا الكرام أحببناكم في الله
أما بعد...............
فقد سمعت من أحد الشيوخ أنه يوجد أولوا العزم من الملائكة وأنهم سبعة وذكر لي منهم جبرائيل وميكائيل إسرافيل حزقائيل وعزرائيل (ليس ملك الموت) كما قال لي أفتوني.
جزاكم الله عنا خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعالم الملائكة وأسماؤهم وأعمالهم ومراتبهم من الأمور الغيبية التي لا يمكن القول فيها إلا بخبر من الله تعالى أو خبر من رسوله صلى الله عليه وسلم، والزيادة على ما ورد ظن وتخمين وقول على الله بلا علم، وقد قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف: 33}
وقد ورد ذكر جبريل وميكائيل وإسرافيل بأسمائهم، فجبريل وميكائيل ذكرا في القرآن، وإ سرافي ل ذكر في السنة، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض.
قال المناوي في فيض القدير وجه تخصيص الأملاك الثلاثة أنها أشرف الملائكة وانها الموكلة بالحياة وعليها مدار نظام هذا الوجود، فجبريل موكل بالوحي الذي هو حياة القلوب، وميكائيل موكل بالقطر والنبات الذي هو حياة الأرض والحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي هو حياة العالم.
وقد ورد ذكر ملك الموت في القرآن أيضا ولكن دون ذكر اسمه، وفي بعض الآثار أن اسمه عزرائيل، ورد ذلك عن وهب بن منبه كما في الديباج وغيره، وربما ذكرت الروايات الإسرائلية أسماء بعض الملائكة الآخرين وطرفا من أخبارهم ولكن القصص الإسرائلية لا يؤخذ منها ولا يعتمد عليها لما تعرضت له من تحريف وتبديل، وقد أغنانا الله سبحانه وتعالى عن ذلك بكتابه العزيز فبين لنا فيه كل ما نحتاجه في دنيانا وأخرانا وأعرض عما لا فائدة لنا فيه تيسيرا علينا وتخفيفا، فالزيادات على ذلك تنطع فيجب على المسلم أن يقف عند ما ورد لا يزيد عليه ولا ينقص سيما ما كان في مجال الأمور الغيبية.
وخلاصة القول أنه لم يرد فيما اطلعنا عليه خبر عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم يذكر أن من الملائكة أولو العزم والقول بذلك يحتاج إلى دليل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1426(1/1074)
حكم المال المجموع من مهنة التمثيل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في الممثلة التي تتوب ويكون لها رأس مال كبير وتدير به مشروعا هل معيشتها من هذا المال الذى كونته من عملها حلال أم حرام؟ وماذا تفعل إذا كان الحكم على هذا المال أنه حرام ومن أين تعيش رغم كبر السن وليس لها دخل غير ذلك؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتوب على جميع العصاة والمذنبين، وأن يتقبل منهم توبتهم، وأن يعينهم على استدراك ما فات والإحسان فيما هو آت، ولا شك في أن المال المكتسب من مهنة التمثيل المعروف في عصرنا حرام، ومن تمام التوبة أن يتخلص التائب منهم من هذا المال، وذلك بإنفاقه في مصالح المسلمين، ولا يجوز له أن ينتفع بشيء منه، إلا إذا لم يكن لديه مال ينفق منه في حاجاته سوى هذا المال، ولم يكن له دخل آخر يمكنه العيش منه، فإنه يجوز له والحال كذلك أن يحتفظ بجزء من هذا المال يكفيه ومن يعول لسد الضروريات التي لا غنى للمرء عنها، لأنه في حكم المضطر، وقد قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119} .
فهذا هو سبيل المال المتحصل عليه عن طريق الحرام، فقد نص بعض علماء الشافعية كغيرهم على أن الحاكم الذي يقضي بين الناس يجوز له أن يتقاضى أجراً على ذلك من الخصمين للضرورة، لأن الأصل عدم الجواز، وشرطوا لذلك شروطاً منها: أن يكون ما يأخذ غير مضر بالخصوم ولا زائد على قدر حاجته، انظر فتاوى السبكي، وقال النووي نقلاً عن الغزالي في معرض كلامه عن المال الحرام والتوبة منه: وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيراً، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أول من يتصدق عليه. اهـ
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 63062، 59165، 18727.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1426(1/1075)
مهمة جبريل عليه السلام بعد انقطاع الوحي
[السُّؤَالُ]
ـ[كلنا نعلم بأن جبريل هو ملك الوحي، لكن بعد وفاة الأنبياء والرسل ماذا أصبحت مهمته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جبريل عبد لله تعالى، وهو من الملائكة العباد المكرمين الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون ويخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون، وهو ينزل مع الملائكة إلى الأرض ليلة القدر، كما فسر به قوله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {القدر:4} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1426(1/1076)
هل ستسأل الملائكة يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الملائكة ستسأل يوم القيامة، وعن أي شيء ستسأل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على خبر مصحح في أن الملائكة ستسأل يوم القيامة، ومثل هذا الموضوع لا يقال فيه بالرأي والاجتهاد، لأنه من الأمور الغيبية التي لا يمكن الإجابة عنها إلا بتوقيف من الشارع، وقد ورد في بعض الكتب التي لا تلتزم صحة النقل أن الملائكة تسأل عن الرسالات التي أمرت بتبليغها، ففي تفسير القرطبي وقيل: المعنى فلنسألن الذين أرسل إليهم أي الأنبياء، ولنسألن المرسلين أي الملائكة الذين أرسلوا إليهم. ونحو هذا الكلام في فتح القدير.
وفي كتاب العظمة لعبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني أبو محمد قال: سمعت وهيب بن الورد رحمه الله تعالى يقول: بلغني أن أقرب الخلق من الله عز وجل إسرافيل العرش على كاهله، قال: فإذا نزل الوحي دلي لوح من تحت العرش، قال: فيقرع جبهة إسرافيل فينظر فيه فيدعو جبريل فيرسله، فإذا كان يوم القيامة أتي بإسرافيل، قال: مؤمل هكذا حفظي إسرافيل، وقال بعض أصحابنا: اللوح ترعد فرائصه، فيقال: ما صنعت فيما أدى إليك اللوح؟ فيقول: بلغت جبريل، فيدعى جبريل ترعد فرائصه، فيقال: ما صنعت فيما بلغك إسرافيل؟ فيقول: بلغت الرسل، فيؤتى بالرسل ترعد فرائصهم، فيقال: ما صنعتم فيما أدى إليكم جبريل؟ فيقولون: بلغنا الناس، قال: فهو قوله عز وجل فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين* فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(1/1077)
الملك الذي وكله الله بإهلاك قوم لوط، ومهام جبريل بعد موت النبي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك من الملائكة من هو موكل بالزلازل، ومن هما الملكان اللذان جعلا قرية لوط عاليها سافلها، وما هي مهمة سيدنا جبريل بعد موت النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على خبر يفيد أن من الملائكة من هو مكلف بالزلازل، وهذا من الأمور الغيبية التي لا يمكن الإجابة عنها إلا بتوقيف من الشارع.
والملك الذي أهلك الله بفعله قوم لوط هو جبريل عليه السلام، قال ابن حجر في فتح الباري: فلما أراد الله إهلاكهم بعث جبريل وميكائيل وإسرافيل إلى إبراهيم فاستضافوه، فكان ما قص الله في سورة هود، ثم توجهوا إلى لوط فاستضافوه فخاف عليهم من قومه وأراد أن يخفي عليهم خبرهم، فنمت عليهم امرأته فجاؤوا إليه وعاتبوه على كتمانه أمرهم وظنوا أنهم ظفروا بهم، فأهلكهم الله على يد جبريل فقلب مدائنهم بعد أن خرج عنهم لوط بأهل بيته إلا امرأته فإنها تأخرت مع قومها أو خرجت مع لوط فأدركها العذاب، فقلب جبريل المدائن بطرف جناحه فصار عاليها سافلها وصار مكانها بحيرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بشيء مما حولها.
ومهام جبريل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته لا نعرف منها إلا ما وردت به النصوص المعصومة، من ذلك قول الله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {القدر:4} ، قال الضحاك: إن الروح هنا جبريل، وأنه ينزل هو والملائكة في ليلة القدر ويسلمون على المسلمين وذلك في كل سنة. انتهى.
وقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير عن ميمونة بنت سعد قالت: قلت: يا رسول الله، هل يرقد الجنب؟ قال: ما أحب أن يرقد حتى يتوضأ، فإني أخاف أن يتوفى فلا يحضره جبريل. ولم نقف على تصحيح لهذا الحديث ولا تضعيف، فإذا صح كان دالاً على أن جبريل يحضر موتة المؤمن المتطهر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1426(1/1078)
الملائكة التي تحيط بالإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا نرجو التوضيح: بثت قناة الفجر الفضائية معلومة جميلة جدا عن الملائكة التي تحيط بالإنسان أثناء يومه وعلمت أن رحمة الله بعباده في كل شيئ حتى في النوم، وهذه المعلومة قالها الشيخ عبد الباسط، عضو لجنة الإعجاز العلمي والحقيقة قال: إن الملائكة التي تحيط الإنسان عددها (10) وتتبدل في وقت الفجر ووقت العصر، والله سبحانه وتعالي يسأل ملائكته وقت انتهاء عمل ملائكته وقت الفجر كيف تركتم عبادي، فترد الملائكة وتقول: تركناهم يصلون، لذلك ينصح دائما بصلاة البردين (الفجر والعصر) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ترك صلاة العصر حبط عمله) . وقد جعل الله عشرة أنواع من ملائكة تحيط بالإنسان كالتالي: ملكان (ملك عن اليمين وملك عن اليسار) ، الملك اليمين ليكتب الحسنات والملك الشمال ليكتب السيئات ولكن حين يفعل الإنسان سيئة يقول ملك اليمين لملك اليسار اكتب هذه السيئة، فيرد ملك اليسار ويقول أمهله لعله يستغفر، فإذا استغفر الإنسان لا يكتبها له. ملكان (ملك أمام الإنسان وملك خلفه) ، حتى يدفع عنه السيئة التي تصيبه وتحفظه، مثال لذلك: كالذي تصيبه سيارة وينجو من الحادث، هذه الملائكة تحفظ هذا الإنسان، ولكن إذا كتب الله سبحانه وتعالي أن يموت في الحادث باللوح المحفوظ فسوف يموت. ملك على الجبين: للتواضع وعدم الكبر. ملكان على الشفتين: (ملك على الشفة العليا وملك على السفلى) وهما مفوضان لتسجيل الصلاة على الرسول (ص) فقط وليس لغرض آخر. ملكان على العينين: وهما لغض البصر وحماية العينين من الأذى وكما يقول المثل العامي المصري (العين عليها حارس) . وأخيرا ملك على البلعوم: لأن ممكن أن يدخل في فم النائم أي شئ يؤذيه فالله سبحانه وتعالى جعل ملكا يحرس البلعوم حتى إذا دخل أي شئ بفم النائم ممكن أن يلفظه تلقائيا. ولكم مني خالص الشكر والتقدير والعرفان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان بالملائكة من أركان الإيمان التي أخبر بها الرسول - صلى الله عليه وسلم- عندما سأله جبريل عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. كما في حديث مسلم. ومن الملائكة الذين ذكروا في نصوص الوحي الحفظة الذين يحفظون العبد ويحرسونه ويحفظون أعماله ويكتبونها، قال الله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُون َ {الأنعام:61} . وقال تعالى: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ*لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ {الرعد: 10ـ11} وقال تعالى: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ*وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ*كِرَاماً كَاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ {الانفطار:9ـ12} . وقال تعالى: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ*النَّجْمُ الثَّاقِبُ*إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ {الطارق:1ـ4} . وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ*إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ*مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ {قّ:16ـ18} . وأما التفصيل الذي ذكر السائل فقد جاء في حديث رواه الطبري في التفسير بسنده عن كنانة العدوي قال: دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟ قال: ملك على يمينك على حسناتك، وهو أمين على الذي على الشمال، فإذا عملت حسنة كتبت عشراً. وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين: اكتب، قال: لا، لعله يستغفر الله ويتوب، فإذا قال ثلاثاً قال: نعم اكتب، أراحنا الله منه، فبئس القرين، ما أقل مراقبته لله، وأقل استحياءه منا، يقول الله: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. وملكان من بين يديك ومن خلفك، يقول الله: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله، وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبرت على الله قصمك. وملكان على شفتيك، ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد. وملك قائم على فيك لا يدع الحية تدخل في فيك، وملكان على عينيك، فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي، ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار، لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار، فهؤلاء عشرون ملكاً على كل آدمي، وإبليس بالنهار وولده بالليل. وهذا الحديث قد نقله الزيلعي في نصب الراية وابن حجر في الفتح والسيوطي في الدر المنثور وفي الحبائك نقلوه كلهم عن الطبري ولم يتعقبوه ولم يضعفوه لكن قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: وقد روى الإمام أبو جعفر ابن جرير ههنا حديثا غريبا جدا ثم ساقه بسنده، ومع هذا فإن للحديث شواهد من الحديث والآثار في بعض جزئياته فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون. متفق عليه. وأخرج ابن زمنين في السنة عن الحسن قال: الحفظة أربعة يعتقبونك: ملكان بالليل وملكان بالنهار، تجتمع هذه الأملاك الأربعة عند صلاة الفجر. اهـ. قال ابن حبان بعد تخريج هذا الحديث: في هذا الخبر بيان واضح بأن ملائكة الليل إنما تنزل والناس في صلاة العصر، وحينئذ تصعد ملائكة النهار. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل وحافظين في النهار، يحفظان عمله ويكتبان أثره. اهـ. ويشهد له في التواضع ماروى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته. رواه الطبراني، وقال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن، وحسنه الألباني في السلسلة. وأما خصوص مراقبة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلا نعلم ما يشهد له إلا في حديث عام، فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وأما بخصوص ملكي العينين وملك الحارس للفم من دخول شيء فيه فلم نعثر على دليل ثابت يشهد لهما إلا أن عموم آية الرعد يشملهما، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان؛ أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله قال الله عز وجل: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله. الرعد. قال ابن عباس: هم الملائكة يحفظونه بأمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه، وقال على رضي الله عنه إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الأجل جنة حصينة. وقال مجاهد: ما من عبد إلا وله ملك يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام فما من شيء يأتيه إلا قال له: وراءك إلا شيئا أذن الله فيه فيصيبه. اهـ. هذا، وننبه إلى أن حديث من ترك صلاة العصر حبط عمله حديث صحيح رواه البخاري. وراجع كتاب الحبائك للسيوطي، وكتب التفسير والعقيدة للتوسع في الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1426(1/1079)
ملك الموت وأعوانه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوا بعث تخريج الحديث التالي:
(.. مت يا ملك الموت ... )
وما الرد على من يقول بأن هنالك أكثر من ملك موت واحد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، والفريابي، وعبد بن حميد، وأبو نصر السجزي في الإبانة، وابن مردويه، وابن أبي الدنيا في الأهوال، وقد سبق بيان ضعفه في الفتوى رقم: 51993.
أما ملك الموت فواحد كما هو ظاهر حديث الصحيحين أن موسى عليه السلام جاءه ملك الموت فقال أجب ربك، وكما دل عليه قوله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ {السجدة: 11} غير أن له أعوانا. قال الله تعالى: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ {الأنعام:61} . وقال: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ {الأنعام: 37} . قال الإمام الطبري: فإن قال قائل: أو ليس الذي يقبض الأرواح ملك الموت، فكيف قيل: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا والرسل جملة وهو واحد؟ أوليس قد قال: يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ. قيل: جائز أن يكون الله تعالى ذكره أعان ملك الموت بأعوان من غيره فيتولون ذلك بأمر ملك الموت فيكون التوفي مضافا -وإن كان ذلك من فعل أعوان ملك الموت- إلى ملك الموت، إذ كان فعلهم ما فعلوا من ذلك بأمره، كما يضاف قتل من قتل أعوان السلطان وجلد من جلدوه بأمر السلطان إلى السلطان، وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه ولا وليه بيده.. كان ابن عباس يقول: لملك الموت أعوان من الملائكة ... قال مجاهد: جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست يتناول من حيث شاء، وجعلت له أعوان يتوفون الأنفس التي يقبضها منهم ... عن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال: سألت الربيع بن أنس عن ملك الموت أهو وحده الذي يقبض الأرواح؟ قال: هو الذي يلي أمر الأرواح وله أعوان على ذلك، ألا تسمع إلى قوله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ. وقال: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا غير أن ملك الموت هو الذي يسير كل خطوة منه من المشرق إلى المغرب. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1425(1/1080)
الملائكة وخطايا التائبين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله عنا كل خير، أما بعد، إذا تبت فهل الملائكة تنسى خطاياي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبد إذا تاب إلى الله تعالى توبة نصوحا مستوفية لشروطها تاب الله تعالى عليه ومحا سيئاته وبدلها حسنات، كما قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} ، وكما قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} .
وأما قولك "هل الملائكة تنسى الخطايا" فالجواب: أن ذلك ليس مما يهم التائب ولا نعلم نصاً نفى ذلك أو أثبته، وإنما يهم التائب أن الله تعالى يغفر ذنوبه إذا تاب توبة نصوحا ويمحوها فضلا منه سبحانه، وللمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 766، والفتوى رقم: 5646.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1425(1/1081)
الملائكة يتعاقبون في الناس ليلا ونهارا
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الكريم
هل الملائكة تخطئ أم أنها معصومة من الخطأ؟
وادا أخطأت هل تعاقب؟
هل ملائكة اليمين واليسار تبقى مع الإنسان طوال حياته أم أنه يقع تغييرها في وقت معين؟
برأيكم ماهو أحسن مرجع أو كتاب يمكن فيه الاستفسار أكثر عن الملائكة؟
شكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الملائكة خلقوا لعبادة الله وطاعته والخضوع المطلق لأوامره سبحانه، لذلك فهم معصومون. قال الله تعالى: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6} ، وقال تعالى: وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ {الأنبياء:19} ، وقال: فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ {فصلت: 38} . وقال: جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا {فاطر: 1} .
أما ملائكة اليمين والشمال فهم الملائكة الحفظة الموكلون بكتابة أعمال بني آدم، وهؤلاء هم المعنيون بقوله:
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ {الإنفطار:10-11} ، وقوله: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ {ق: 17} . قال ابن جريج: ملكان أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، وملك عن يساره يكتب السيئات، وهؤلاء الملائكة يتعاقبون على العبد ليلا ونهارا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون. متفق عليه عن أبي هريرة. وأخرج ابن زمنين في السنة عن الحسن قال: الحفظة أربعة يعتقبونك: ملكان بالليل وملكان بالنهار، تجتمع هذه الأملاك الأربعة عند صلاة الفجر. اهـ. قال ابن حبان: في هذا الخبر بيان واضح بأن ملائكة الليل إنما تترك الناس في صلاة العصر، وحينئذ تصعد ملائكة النهار.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل وحافظين في النهار، يحفظان عمله ويكتبان أثره. اهـ.
ومما سبق بيانه نعلم أن ملائكة الليل غير ملائكة النهار. قال النووي: قال عياض: الأظهر وقول الأكثرين أن هؤلاء الملائكة هم الحفظة. اهـ.
وللمزيد عن المعلومات الخاصة بالملائكة راجع كتاب "الحبائك في أخبار الملائك".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1425(1/1082)
الملائكة الملازمون للإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الكريم: هل الملائكة تخطأ أم أنها معصومة من الخطأ، وإذا أخطأت هل تعاقب، هل ملائكة اليمين واليسار تبقى مع الإنسان طوال حياته أم أنه يقع تغييرها في وقت معين، برأيكم ما هو أحسن مرجع أو كتاب يمكن فيه الاستفسار أكثر من الملائكة؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالملائكة كلهم معصومون خلقوا للطاعة؛ قال الله تعالى: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6} ، وقال: وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ {الأنبياء:27} ، وقال سبحانه: وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ {الأنبياء:19} ، وقال تعالى: جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا {فاطر:1} ، والرسل معصومون.
أما عن الملائكة الملازمين للإنسان، فالصحيح أنهم يتناوبون على العبد بالليل والنهار قال الله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ {الإنفطار:10-11} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي، فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون. متفق عليه عن أبي هريرة.
قال ابن حبان: في هذا الخبر بيان واضح بأن ملائكة الليل إنما تنزل والناس في صلاة العصر وحينئذ تصعد ملائكة النهار.
قال ابن المبارك: وكل به خمسة أملاك ملكان بالليل وملكان بالنهار يجيئان ويذهبان وملك خامس لا يفارقه ليلاً ولا نهار.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (له معقبات) يعني الملائكة تعقب بالليل والنهار وتكتب على بني آدم. انتهى، أما بالنسبة إلى أحسن المراجع فهو كتاب (الحبائك في أخبار الملائك) للحافظ السيوطي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1425(1/1083)
من وظائف الملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد بالدين الحنيف ما يثبت أن عين الإنسان عليها أحد عشر ملكا يحرسونها؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على دليل يفيد ما ذكرت، وقد ثبت أن هناك حفظة من الملائكة، وأن منهم من يحرسون العباد، ومنهم من يكتبون أعمالهم، قال الله تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ {الرعد:11} ، وقد ذكر ابن كثير في التفسير أنهم أربعة بالليل وأربعة بالنهار، فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الحسنات والسيئات، واثنان من ورائه وأمامه يحرسانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(1/1084)
اسم ملك الموت كما ورد في نصوص الوحي
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن ملك الموت اسمه سيدنا عبد الرحمن هل هذا صحيح أم لا أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على الاسم المذكور لملك الموت، والذي جاء في نصوص الوحي من القرآن الكريم والسنة هو تسميته عليه السلام: بملك الموت، قال الله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [السجدة:11] .
وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم كما جاء في الصحيحين وغيرهما، وقد جاء في بعض الآثار أن اسمه عزرائيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1425(1/1085)
سجود الملائكة لآدم عليه الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أول من سجد من الملائكة لآدم عليه السلام؟
شكرا لحسن تعاونكم وبارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم حديثا أو أثراً ثابتا عن أول الملائكة سجوداً لآدم عليه السلام، ونص القرآن: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (الحجر:30) ، وليس فيه تحديد أولهم سجوداً ومع هذا فقد قال الحاظ ابن حجر فى فتح الباري في معرض الكلام على إسرافيل: (وقد روى النقاش أنه أول من سجد من الملائكة ... ) . لكن لم يذكر أن السجود كان لآدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(1/1086)
علاقة الملائكة الكرام بالناس
[السُّؤَالُ]
ـ[متى تدخل الملائكه في جسد الإنسان؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالملائكة الكرام تكون لهم صلة بالإنسان في عدة حالات منها:
1- عند أمر الله تعالى للملك بنفخ الروح في الجسد عندما يكون مضغة، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد. كما ثبت في الحديث المتفق عليه.
2- عند كتابة ما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال. قال تعالى: [وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ] (الإنفطار:10-12) .
3- وقت نزع الروح منه. ففي مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملكان من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس.. إلى آخر الحديث الطويل.
أما كون الملائكة يدخلون جسد الإنسان حقيقة، فهذا مما يعجز الإنسان عن إدراك حقيقته، لأن الملائكة أجسام نورانية محجوبة عن نظر الإنسان، فهي في حقه من الأمور الغيبية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1425(1/1087)
موت ملك الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[نعرف كيفية موت الملائكة حتى آخر ملاك وهو ملك الموت عليه السلام.. هل من الممكن إفادتي بما أوتيت من علم عما ورد فى موت عزرائيل وأحفاده..كيف؟ ومتى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قضى الله عز وجل بالفناء على كل المخلوقات، وأخبر أنه سبحانه هو الحي الباقي لا يفنى ولا يبيد، فعال لما يريد، ولا شك أن الملائكة من خلق الله عز وجل، فهم يموتون، وقد سبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 34149، وأما كيفية موت ملك الموت فلا نعلم دليلاً يبين هذا الأمر، والتفكير في مثل هذا من أمور الغيب لا فائدة من ورائه، فينبغي أن يصرف المسلم همته إلى ما ينفعه في أمر معاشه ومعاده، والواجب الوقوف عند ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة في الأمور الغيبية، وأما متى يموتون فعندما يقضي الله تعالى فناء الخلائق فلا يبقى أحد غيره، فهو الآخر ليس بعده شيء.
وننبه في ختام هذا الجواب إلى بعض الأمور وهي:
الأول: أنه لم يرد دليل صحيح بتسمية ملك الموت بعزرائيل، وقد سبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 5989.
الثاني: أن الملائكة لا يتناسلون، ومن هنا فلا يصح أن يقال إن للملك أحفاداً.
الثالث: أن الله تعالى على كل شيء قدير، فما شاء كان، قال سبحانه: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (يّس:82) ، فهو قادر على القضاء على الملائكة وغيرهم في كل حين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1424(1/1088)
مدى اطلاع الملائكة على ما في القلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
سمعت أن الملائكة (رقيب وعتيد) تسجل كل قول وفعل نفعله والذي في قلبنا ونيتنا لا يعرفه إلا الله سبحانه ولكن أحيانا أذكر الله في قلبي أملا في الثواب (استغفار - تسبيح - تكبير - صلاة على النبي - ... ) فهل هذا يجوز أي يسجل ثوابه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذكر بالقلب عبادة يثاب عليها المسلم، والأكمل أن يجمع في ذلك بين ذكر القلب واللسان.
وقد مضى بيان ذلك في الفتوى رقم: 13109، والفتوى رقم: 28251.
والله تعالى قد يُطلع الملائكة على ما في نفس الإنسان، فتكتب له ما يستحق من الثواب أو العقاب، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن قوله صلى الله عليه وسلم: إذا هم العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة. الحديث، فإذا كان الهم سراً بين العبد وبين ربه فكيف تطلع الملائكة عليه؟
فأجاب: الحمد لله، قد روي عن سفيان بن عيينة في جواب هذه المسألة، قال: إنه إذا هم بحسنة شم الملك رائحة طيبة، وإذا هم بسيئة شم رائحة خبيثة، والتحقيق: أن الله قادر أن يُعلم الملائكة بما في نفس العبد كيف شاء، كما هو قادر على أن يطلع بعض البشر على ما في الإنسان، فإذا كان بعض البشر قد يجعل الله له من الكشف ما يعلم به أحياناً ما في قلب الإنسان: فالملك الموّكل بالعبد أولى بأن يعرفه الله ذلك.
وقد قيل في قوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16] .
أن المراد به الملائكة، والله قد جعل الملائكة تلقي في نفس العبد الخواطر، كما قال عبد الله بن مسعود: إن للملك لمة (وللشيطان لمة) فلمة الملك تصديق بالحق ووعد بالخير، ولمة الشيطان تكذيب بالحق وإيعاد بالشر، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وأنا؛ إلا أن الله قد أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير.
فالسيئة التي يهم بها العبد إذا كانت من إلقاء الشيطان: علم بها الشيطان، والحسنة التي يهم بها العبد إذا كانت من إلقاء الملك، علم بها الملك أيضاً بطريق الأولى، وإذا علم بها هذا الملك أمكن علم الملائكة الحفظة لأعمال بني آدم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1424(1/1089)
حول قراءة الملائكة للقرآن، وقيامهم بإنفاذ قدر الله في الكون
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أبعث بسؤالي لعلي أجد إجابة من أهل العلم وهو: هل يوجد ملائكة تقرأ القرآن لأن القرآن نزل لأهل الأرض؟ ومن هم في حال كانت الإجابة بنعم؟ ومن هم الملائكة الذين يعنون بتحريك السماء؟ وما هو السبب في أن طبقات الغلاف الجوي هي واحدة باردة والأخرى ساخنة؟ فلماذا لا تكون جميعها ساخنةأو باردة؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نطلع على نص من الكتاب أو السنة، يقول إنه توجد ملائكة تقرأ القرآن الكريم. وعلى المسلم أن يقتصر في أمور الغيب على ما جاء به الوحي؛ لأنه السبيل إلى معرفة الغيب.
وقد جاءت نصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن الملائكة عباد مكرمون، خلقوا من نور، لا يأكلون ولا يشربون، يعبدون الله تعالى بأنواع العبادات. قال الله تعالى: لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:19، 20] .
وعبادة الملائكة لا تقتصر على تسبيح الله تعالى وتمجيده والسجود له. وإنما تشمل كذلك تنفيذ أوامره وإرادته سبحانه وتعالى، بتدبير أمور الكون، ورعايته بكل ما فيه من مخلوقات وما فيه من حركة ونشاط، وما فيه من قوانين ونواميس، وإنفاذ قدر الله تعالى وفق قضائه في هذه المخلوقات كلها.
فمنهم الموكلون بالسماوات والأرض، وكل حركة في العالم تدخل في اختصاصهم، كما قال سبحانه وتعالى: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا [النازعات:5] ، وقال تعالى: فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً [المرسلاات:4] .
ومنهم الموكلون بالشمس والقمر والأفلاك والجبال والسحاب والمطر وبالنطفة ...
وفي ما يخص القرآن الكريم فإنه نزل لإخراج الناس من ظلمات الشرك والجهل والكفر، إلى نور العلم والإيمان والمعرفة، كما قال الله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور [إبراهيم:1] .
فالقرآن نزل لإسعاد الناس جميعًا من هم في حال النعم ومن هم في حال البؤس، فالجميع مخاطبون بهذا القرآن.
وأما برودة طبقات الغلاف الجوي وحرارتها، فإن ذلك راجع إلى اختلاف كل طبقة، فالطبقات الباردة تتراكم فيها السحب والغيوم، وتتردد فيها تيارات الهواء فيسبب لها ذلك البرودة، وأما الطبقة الحارة فتقل فيها السحب والغيوم فتباشرها أشعة الشمس فتنتج عن ذلك الحرارة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1424(1/1090)
الكرام الكاتبون لا يفارقون الإنسان بحال
[السُّؤَالُ]
ـ[الكريمان الكاتبان يرافقان المسلم طيلة حياته لكتابة حسناته وسيآته إلا إذا كان جنباً فإنهما يبتعدان عنه حتى يطهر. فما بال الكفار الذين هم دائما نجسون. من يكتب حسناتهم وسيئاتهم إذا كان الكريمان الكاتبان لايرافقان إلا المتطهر؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكرام الكاتبين يلازمون الإنسان في كل لحظة وحين، لا يفارقونه بحال، سواء كان مسلماً أو كافراً، طاهراً أو نجساً.
وأما الذين يفارقون الإنسان إذا كان جنباً فهم ملائكة الرحمة، كما روى أبو داود عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق، والجنب إلى أن يتوضأ" قال صاحب عون المعبود قوله: "لا تقربهم الملائكة" أي النازلون بالرحمة والبركة على بني آدم، لا الكتبة فإنهم لا يفارقون المكلفين. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1422(1/1091)
مصير الحفظة والكتبة من الملائكة بعد وفاة العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[1-أين يذهب الملكان الموكلان بتسجيل أعمال العبد بعد وفاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وكل بكل إنسان ملائكة يكتبون أعماله، قال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) [ق: 18] وقال تعالى: (وإن عليكم لحافظين* كراماً كاتبين* يعلمون ما تفعلون) [الانفطار: 10-12] فإذا مات ابن آدم فإن الملائكة الموكلون به يذهبون حيث شاء الله، وليس هناك -فيما نعلم- ما يدل على تحديد مكان يذهبون إليه، فقد يوكلون بمولود جديد، وقد يصعدون إلى السماء للعبادة مع ملائكتها، وقد توكل إليهم أشياء أخرى، كل ذلك في علم الله.
وينبغي على المسلم أن يسأل عما يعود عليه بالنفع مما وراءه عمل، ولا يسأل عما لا عمل وراءه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1422(1/1092)
إقامة علاقة بين البشر والملائكة. هل هي من الممكنات
[السُّؤَالُ]
ـ[يدعي أحد أصدقائي أن له علاقة بالملائكة وأنهم أي الملائكة يعينونه على علاج بعض الحالات المرضية ويخبرونه ببعض الأحداث الغيبية. آمل منكم إعلامي بإمكانية حدوث ذلك وهل يمكن أن يتم اتصال بشر بالملائكة؟
والسلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما يدعيه صديقك من وجود علاقة بينه وبين الملائكة، وأنهم يعينونه ... إلخ ليس صحيحاً، فإن الملائكة لها وظائفها وأعمالها الموكلة بها، وقد تعين المسلم أحياناً كإعانتهم للمؤمنين في غزوة بدر،، لكن الأمر لا يصل إلى حد إقامة علاقة، واستدعائهم أو سؤالهم، ولا أن يخبروه بالمغيَّبات.
وبعض الناس يختلط عليهم أمر الجن بالملائكة، وهذا ما يظهر لنا بالنسبة لما يدعيه صاحبك.
وقد سبق بيان حكم التعامل مع الجن والاستفادة منهم تحت الفتوى رقم: 7369 فنحيلك إليها.
والله أعلم.
7369
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1422(1/1093)
الملائكة الكروبيون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الملائكة الكروبيون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالملائكة الكروبيون لم نقف على حديث صحيح فيه ذكر لهم، وغاية ما وقفنا عليه من ذلك آثار ذكرها بعض المفسرين وبعض شراح كتب الحديث، واختلفت هذه الآثار في تعريف المراد بهم، فمنها ما ذكر أنهم سادة الملائكة، ومنها ما ذكر أنهم حملة العرش، ومنها ما ذكر أنهم أكثر الملائكة، وما دام لم يثبت شيء من ذلك، فإن التوقف عن الخوض فيه أولى، إذ لا طريق إلى معرفته إلا بالنقل، ولم نقف على نقل ثابت هنا. والعلم عند الله.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1422(1/1094)
أسماء بعض الملائكة والأمور الموكلة إليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أسماء الملائكة وما هي واجباتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فاعلم أخي السائل وفقك الله أن للملائكة أسماء وأعمالاً موكلة إليهم، وهم الكرام البررة، وهم السفرة، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. وإليك ما ثبت في الكتاب والسنة من أسماء بعضهم، والأمور الموكلة إليهم:
1- منهم الموكل بالوحي من الله تعالى إلى رسله وهو: جبريل الأمين عليه السلام
2- ومنهم الموكل بالقطر (المطر) وتصاريفه وهو: ميكال أو ميكائيل عليه السلام.
3- ومنهم الموكل بالصور ونفخه وهو: إسرافيل عليه السلام.
4- ومنهم الموكل بقبض الأرواح وهو: ملك الموت وأعوانه.
ولم يثبت عزرائيل اسماً لملك الموت في الكتاب أو السنة، وإنما اسمه (ملك الموت) عليه السلام، وقد ورد في بعض الإسرائليات أن اسمه عزرائيل.
5- ومنهم الموكل بحفظ وكتابة أعمال العباد من خير أو شر وهم: الكرام الكاتبون، فالذي عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات.
6- ومنهم الملائكة الذين يتعاقبون فينا، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار.
7- ومنهم الملائكة السياحون الذين يسيحون يتبعون مجالس الذكر.
8- ومنهم الموكل بحفظ العبد في يقظته ومنامه وفي كل حالاته.
9- ومنهم الموكل بفتنة القبر، وهم: منكر ونكير عليهما السلام.
10- ومنهم الموكل بالجنة، وهم: خزنة الجنة وفي مقدمتهم رضوان عليه السلام.
11- ومنهم الموكل بالنار، وهم خزنة النار، وفي مقدمتهم مالك عليه السلام. والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1421(1/1095)
المفاضلة بين الملائكة والبشر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هوهل الأعظم خلق الإنسان أم خلق الملائكة، وإن كان خلق الملائكة أعظم فلماذا الله سبحانه وتعالى جعل الملائكة تسجد لآدم؟
فتعالى الله عن السؤال عما يفعل جل في علاه.
أفيدوني جزاكم الله كل خير...........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج، وخلق آدم مما وصف لكم. وذلك في قوله تعالى: إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ وأصل العنصر الذي خلق منه الشيء لا يدل على التعظيم أو التفضيل وإنما الأمر في التفضيل إلى الله سبحانه وتعالى، ورد ذلك إلى العنصر قياس فاسد، وهو الذي جعل إبليس عليه لعنة الله يتكبر ويأبى عن السجود مع الملائكة لآدم عندما أمرهم الله تعالى بذلك فقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
قال شيخ الإسلام في الفتاوى: وليس تفضيل بعض المخلوقات على بعض باعتبار ما خلقت منه فقط، بل قد يخلق المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.. وآدم خلقه الله من طين فلما سواه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وفضله عليهم بتعليمه أسماء كل شيء وبأنه خلقه بيده وبغير ذلك فهو وصالحوا ذريته أفضل من الملائكة وإن كان هؤلاء مخلوقين من طين وهؤلاء مخلوقين من نور.
وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم فقال بعضهم بتفضيل الملائكة، وقال بعضهم بتفضيل بني آدم، واستدلوا لذلك بأدلة كثيرة يطول ذكرها، تجدها مفصلة في فتح الباري وفي القرطبي، وقد عقب القرطبي على الخلاف فقال: قال بعض العلماء: لا طريق إلى القطع بأن الأنبياء أفضل من الملائكة أو أن الملائكة أفضل من الأنبياء، لأن طريق ذلك خبر الله تعالى أو خبر رسوله صلى الله عليه وسلم أو الإجماع، وليس ههنا شيء من ذلك،
وأمر الله الملائكة بالسجود لآدم ليس حجة قاطعة لأن المؤمن مأمور بالسجود إلى الكعبة وهو أفضل منها بالاتفاق، ومذهب أهل السنة وهو الراجح أن الأنبياء أفضل من الملائكة، وأما بقية البشر فلعل الأسلم التوقف في أمرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1426(1/1096)
دفع تعارض بين آية وحديث في صفة الملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[يصف الله عز وجل الملائكة في القرآن أن لهم أجنحة مثنى وثلاث ورباع، الرسول عليه السلام يصف جبريل أن له 600 جناح، كيف نوفق بين هذا وذاك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض ولا تناقض بين ما جاء في القرآن الكريم في قوله الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {فاطر:1} ، وبين ما جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام وله ستمائة جناح حتى نوفق بينهما، ويستحيل أن يوجد تعارض أو تناقض بين نصوص الوحي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {لنساء:82} ، ومعنى الآية أن بعض الملائكة لهم جناحان، وبعضهم له ثلاثة، وبعضهم له أربعة ... إلى ستمائة إلى ما شاء الله تعالى، كما قال تعالى: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء. قال أهل التفسير يزيد في أجنحتهم وخلقهم ما يشاء، وجبريل عليه السلام ممن جعل الله له ستمائة جناح فلا تعارض إذا بين الآية والحديث، ولمزيد من الفائدة عن الملائكة عليهم السلام نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 21084.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1425(1/1097)
رؤية ملك الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان الناس في الماضي يرون ملك الموت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ثبتت رؤية بعض الأنبياء لملك الموت ساعة الوفاة، فثبت في الصحيحين رؤية موسى له، وروى أحمد في المسند أن داود رآه عند الموت، وقد روى الغزالي في الإحياء قصصاً عن بعض الناس في رؤيتهم إياه عند الموت، والظاهر أنه لم يكن جميع الناس يرونه، وراجع الفتوى رقم: 9891.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1425(1/1098)
رؤية الملائكة لله تعالى في الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الملائكة ترى الله في الدنيا أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فاعلم أن الله محتجب عن خلقه بمن فيهم الملائكة بأنوار عزه وجلاله وأشعة عظمته وكبريائه، قال الحافظ: وذلك الحجاب الذي تدهش دونه العقول وتبهت الأبصار وتتحير البصائر، فلو كشفه فتجلى لما وراءه بحقائق الصفات وعظمة الذات، لم يبق مخلوق إلا احترق ولا منظور إلا اضمحل. انتهى. وما ذكره الحافظ هو شرح لحديث: حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. رواه مسلم. وبهذا تعلم أن الملائكة لا يرون الله تعالى في الدنيا لعموم الحديث المتقدم، أما في الآخرة، فقد اختلف أهل العلم في ذلك، والأرجح أنهم يرون الله عز وجل في الجنة، جاء في مطالب أولي النهى: ويرون الله تعالى هم أي الجن والملائكة، قيل لابن عباس كل من دخل الجنة يرى الله، قال: نعم. انتهى. وقال الخادمي في بريقة محموديه: إن الأرجح أنهم يرون الله تعالى. انتهى. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(1/1099)
الأدلة العقلية على أن جبريل كان رسولا ملكيا
[السُّؤَالُ]
ـ[ربما سؤالي ليس له علاقة بهذا الموقع، لكن أود مساعدتكم، في أحد مواقع الشات (paltalk) في القسم الإسلامي كانت فتاة أمريكية على ما أعتقد تتحدث عن الدين وعن جبريل والرسول صلى الله عليه وسلم وتقول كيف تعرفون أنتم المسلمين أن جبريل هو فعلا ملك، ربما يكون جني على هذه الهيئة وكانت تحاول بشتى الطرق التشكيك أو تخطئنا في صحة أشياء كثيرة، وكان يوجد شخص عربي يناقشها ولكن كيف كانت مناقشته لها، وهذا إذا كنا نستطيع القول بأنها مناقشة، كان يسبها فقط ويسب الشعب الأمريكي بدلا من إقناعها، فردت عليه بالكلمه (بدلاً من أن تسبني ناقشني، أقنعني) وكان موقفا محرجا بالنسبة لنا نحن العرب فهكذا طريقتهم دائما بدلا من التفاهم والإقناع، أنا أطلب منكم الآن رداً عليها، ماذا أستطيع أن أقول عندما يواجهني هذا الموقف كيف أقنعها (بآية أو حديث) وهم لا يعرفون هذه الأشياء!!؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه الحوارات التي تدور بين المسلمين وغيرهم، ينبغي أن يقوم بها من لديه العلم والمعرفة والحكمة والأسلوب الحسن، فذلك ما أمرنا الله تعالى به في قوله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125] .
وما ذكرت من تشكيك هذه المحاوِرَة في أمر جبريل عليه السلام يجاب عنه من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الإيمان بالملائكة ونزولهم بالوحي والتأييد لأنبياء الله ورسله أمر متفق عليه بين أتباع الرسالات السماوية، وهو جزء من الإيمان بالغيب الذي لم نطلع عليه ولم نشاهده، وإنما نؤمن به ونصدقه اتباعاً لخبر الرسول الصادق المعصوم، فالإيمان بنزول جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم أو على غيره من الأنبياء، فرع من الإيمان بالرسول الموحى إليه، وقد ثبتت نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالأدلة القطعية التي لا تدع مجالا للشك، ومنها ما أيده الله به من المعجزات الباهرة، التي لا يزال يظهر للمسلمين صدقها إلى اليوم، كالإخبار بالمغيبات والعلوم والحقائق التي لم تكتشف إلا في هذه الأزمنة المتأخرة، مع بقاء المعجزة العظيمة وهي القرآن الكريم، فمن آمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لزمه ضرورة تصديقه في الإخبار بنزول الملك إليه، واعتقاد عصمته من أن تضله الشياطين.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى عن جبريل من الهدى والنور والآيات ما يستحيل أن يأتي به الشيطان أو يرضى به أو يدعو إليه.
وكيف يتصور عاقل أن الشيطان يدعو الناس إلى الإيمان بالله وتوحيده، ويحثهم على الصلاة والزكاة والصيام وصلة الأرحام، والتحذير من سفك الدماء وارتكاب الفواحش، وما لا يحصى من الفضائل وأبواب الخير.
بل كيف يتصور عاقل أن يأتي الشيطان بوحي يتضمن لعن الشيطان وطرده والكفر به والتحذير من اتباعه!!
وقد قال الله تعالى عن هذا القرآن العظيم الذي نزل به جبريل عليه السلام: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء] .
وقال بعدها: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ* وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ [الشعراء:210-211] .
فتأمل قول الله تعالى: وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ فمحال أن يأتي الشيطان بمثل هذا القرآن، أو بسورة من مثله، ولو أمكن الشيطان ذلك لأعان الكفار على التحدي، ولأثبت بطلان الإسلام.
فلقد أمر الله نبيه الصادق أن يتحدى أفصح العرب، بل إن التحدي قائم إلى اليوم وإلى قيام الساعة، أن يأتوا بسورة من مثل القرآن، فأعلنوا عجزهم ويأسهم من ذلك، في وقت كانوا فيه يقاتلون النبي صلى الله عليه وسلم، ويبذلون أموالهم ومهجهم في سبيل الصد عن سبيل الله، ولو كان الشيطان هو المنزل بهذا القرآن الموحى به إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لتفضل على الكافرين بسورة واحدة، في ذلك الزمن، أو لأوحى بها إلى هؤلاء المعاندين للإسلام اليوم، العاجزين عن معارضة القرآن في أسلوبه المعجز الدال على أنه ليس من كلام البشر.
قال الله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الاسراء:88] .
فنحن نقول لهذه الفتاة التي غرها الشيطان، لقد عجز شياطين الإنس والجن على مدى خمسة عشر قرنا أن يأتوا بسورة من مثل القرآن، فكيف يقال: إن القرآن كلام أتى به الشيطان؟!
الثالث: أن هذا التشكيك في جبريل عليه السلام يتضمن القدح في جميع الأنبياء، لا في محمد صلى الله علي وسلم وحده، إذ للملحد أن يقول إن الملك الذي كان ينزل على موسى أو عيسى أو غيرهما كان شيطاناً، ولن يكون أمام اليهودي أو النصراني أن يرد ذلك إلا بالاعتماد على ثبوت النبوة أولاً، وعلى ما جاء به النبي من الخير الذي لا يتصور أن يدعو إليه شيطان! ثانياً، ويتميز المسلم بحجة أخرى دامغة، وهي ما سبق ذكره من قيام التحدي وبقائه واستمراره، وعجز الجميع عن الإتيان بمثل هذا الوحي العظيم.
وننبه على أن الحوار مع الكافر لا ينبغي أن يبدأ من هذه النقطة التي هي فرع عن غيرها، بل ينبغي أن يتوجه الحوار أولاً إلى إثبات الأصل، وهو الإيمان بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(1/1100)
هل تطلع الملائكة على ما في نفس الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله: هل إذا ذكرنا الله بقلوبنا تسمع الملائكة ذلك الذكر؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله جل جلاله بقدرته قد يطلع الملائكة على مافي نفس الإنسان، فتكتب له ما يستحق من الثواب والعقاب، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن قوله صلى الله عليه وسلم: إذا هم العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، الحديث فإذا كان الهم سرا بين العبد وربه فكيف تطلع الملائكة عليه؟
فأجاب: الحمد الله، قد روي عن سفيان بن عيينة في جواب هذه المسألة، قال: إنه إذا هم يحسنة شم الملك رائحة طيبة، وإذا هم بسيئة شم رائحة خبيثة، والتحقيق: أن الله قادر أن يعلم الملائكة بما في نفس العبد كيف شاء، كما هو قادر على أن يطلع بعض البشر على ما في الإنسان، فإذا كان بعض البشر قد يجعل الله له من الكشف ما يعلم به أحيانا ما في قلب الإنسان فالملك الموكل بالعبد أولى بأن يعرفه الله ذلك. وقد قيل في قوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ أن المراد به الملائكة، والله قد جعل الملائكة تلقي في نفس العبد الخواطر، كما قال عبد الله بن مسعود: إن للملك لمة وللشيطان لمة فلمة الملك تصديق بالحق ووعد بالخير، ولمة الشيطان تكذيب بالحق وإيعاد بالشر، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وأنا إلا أن الله قد أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير.
فالسيئة التي يهم بها العبد إذا كانت من إلقاء الشيطان: علم بها الشيطان، والحسنة التي يهم بها العبد إذا كانت من إلقاء الملك علم بها الملك أيضا بطريق الأولى، وإذا علم بها هذا الملك أمكن علم الملائكة الحفظة لأعمال بني آدم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1427(1/1101)
إمكانية رؤية الإنسان للملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للإنسان العادي أن يرى الملائكة وإذا حصل فماذا يعني ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رؤية بعض الناس للملائكة قد تقع أحيانا لحكمة أرادها الله تعالى على شكل رجال طبيعيين، فقد رأى عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم جبريل، ورأى سعد بن أبي وقاص جبريل وميكائيل في غزوة أحد كما في صحيح مسلم. وقد ثبت في الحديث أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه. رواه مسلم.
وفي حديث الأبرص والأقرع والأعمى أن الله بعث لهم ملكا ابتلاء لهم، والحديث في صحيح مسلم.
وقد رأى الكفار الملائكة في الغزوات كما ذكر أصحاب السير، ثم إن ما ذكرناه من رؤية الصحابة ومن قبلهم عُلِمَ بالوحي أن المرئي من الملائكة، وأما في هذا العصر فإنه لا يمكن التأكد من كون المرئي ملَكا لعدم وجود ما يصدق ذلك، ولكنه لو حصلت الرؤية حقيقة فإن ذلك لا يعني زيادة فضل للشخص لأن الملائكة قد يراهم المسلم وغيره. ولا يمكن أن يؤخذ عن الملك شرع يخالف ما عندنا من الشرع. وراجع الفتوى رقم: 56932.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1426(1/1102)
هل تدخل الملائكة المنزل والمرأة غير مختمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الملائكة لا تتواجد في المكان الذي توجد به المرأة بدون حجاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد ما يفيد أن الملائكة لا تدخل إذا كانت المرأة حاسرة غير مختمرة، فقد روى الطبراني في المعجم الأوسط عن أم سلمة رضي الله عنها، عن خديجة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله يا ابن عمي هل تستطيع إذا جاءك الذي يأتيك أن تخبرني به فقال لي: رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم يا خديجة، قالت خديجة: فجاءه جبريل ذات يوم وأنا عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خديجة هذا صاحبي الذي يأتيني قد جاء، فقلت: له قم فاجلس على فخذي الأيمن فقام فجلس على فخذي الأيمن، فقلت له: هل تراه؟ قال: نعم، فقلت له: تحول فاجلس على فخذي الأيسر فجلس، فقلت: هل تراه؟ قال: نعم، فقلت له: فتحول فاجلس في حجري فجلس، فقلت له: هل تراه؟ قال: نعم، قالت خديجة: فتحسرت وطرحت خماري وقلت له: هل تراه؟ قال: لا، فقلت له: هذا والله ملك كريم، لا والله ما هذا شيطان، قالت خديجة: فقلت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ذلك كما أخبرني به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ورقة: حقاً يا خديجة حديثك. روى الطبراني هذا الحديث بهذا اللفظ وهو واضح الدلالة فيما سقناه من أجله، إلا أن ثبوت هذا المعنى يتوقف على صحة الحديث، ولم نعثر على من حكم عليه بصحة أو ضعف.
وقد ذكر هذه القصة أيضاً الطبري في التاريخ، وابن كثير في البداية والنهاية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1423(1/1103)
نزول جبريل بعد وفاة الرسول ... بين الإمكان وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت في إحدى الخطب أن سيدنا جبريل سوف ينزل الأرض بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فأرجو الإفادة من سيادتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان المقصود بنزول جبريل عليه السلام نزوله بالوحي، فهذا غير صحيح، لأن الوحي قد انقطع بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه، لعمر رضي الله عنه: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟! ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما أبكي، أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها.
وإن كان المقصود بذلك نزوله بغير الوحي فإن هذا ممكن في أي زمان، كما ورد عن بعض المفسرين من تفسير الروح بجبريل عليه السلام في قوله تعالى عن ليلة القدر: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوح [القدر:4] .
وكذا في قوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4] .
وهو تفسير يؤيده قوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشعراء:193] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1423(1/1104)
النبي الذي أنزل عليه التوراة والنبي الذي أنزل عليه الزبور
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى من أرسل التوراة والزبور وما جاء فيهن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاسمين المذكورين: التوراة، والزبور هما كتابان عظيمان من كتب الله تعالى التي أنزل على أنبيائه. فالتوراة هي الكتاب الذي أنزله على نبيه موسى عليه السلام، وفيه الهدى والنور والشريعة التي يعمل بها، فقد قال الله تعالى في شأنها: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ. {المائدة: 44} .
وللمزيد عن التواة انظر الفتوى: 39572.
وأما الزبور فهو كتاب الله تعالى الذي أنزله على نبيه وعبده داود عليه السلام وكله حكم ومواعظ، وليس فيه شريعة كما سبق بيانه بتفصيل أكثر في الفتوى: 23272.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1430(1/1105)
الأمة التي أنزل عليها الزبور
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على حبيبنا رسول الله.. أولا: أي التعبيرين أصح، ثانيا: مع أن الزبور كتاب سماوي لم لا يذكر له أمة ولا أتباع ويقال الأديان الثلاثة ولا يقال الأديان الأربعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعلم مراد السائل بالتعبيرين إلا أن العبارات التي ذكرها كلها صحيحة، وأما الزبور فهو كتاب أنزله الله على نبيه داود عليه السلام كما قال تعالى: وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا {النساء:163} ، وداود عليه السلام كان من الرسل إلى بني إسرائيل، وكان المؤمنون في عصره يتعبدون بالأحكام المنزلة في التوراة، وأما الزبور فقد ذكر القرطبي أنه لم تكن فيه أحكام ولا حلال ولا حرام، وإنما هو حكم ومواعظ، وبهذا يعلم أن الأمة التي نزل عليها الزبور هي أمة بني إسرائيل، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23272، 25416، 36291.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1429(1/1106)
اللغة التي نزلت بها التوراة والإنجيل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد الصادق الأمين
أما بعد إخوة الكرام أفيدوني يرحمكم الله
السؤال هو بأي لغة نزلت التوراة والإنجيل والزبور؟
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوراة نزلت بالعبرية ونزل الإنجيل بالسريانية.
وقد نقل ذلك شيخ الإسلام في الفتاوى، وقد سبق أن ذكرنا ما يدل عليه في الفتوى رقم: 53039 والفتوى رقم: 55846
وأما الزبور فلم نر كلاما لأهل العلم في لغته التي نزل بها، ومن المعلوم أن داود عليه السلام من أنبياء بني إسرائيل، وأن الأنبياء كانوا يرسلون بلغة أقوامهم. قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ {إبراهيم: 4} والظاهر أنهم كانوا يتكلمون بالعبرانية أو السريانية، فيحتمل نزول الزبور بإحداهما.
هذا، وننبه إلى أنه لا فائدة ترجى من معرفة اللغات التي نزلت بها هذه الكتب، وليس لعامة الناس مطالعتها لو وجدوها بنصها الحقيقي فأحرى بعد ما حرفت، وقد قال الله تعالى في القرآن: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ {العنكبوت: 51}
وفي الحديث: لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم. رواه أحمد والحاكم، ورواه البيهقي والدارمي بلفظ قريب منه وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1426(1/1107)
البشرى برسول الله في الكتب السماوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في سؤالكم ماهو الإنجيل الذي ذكر فيه أن الرسول عليه الصلاة والسلام سيأتي من بعد السيد المسيح عليه السلام؟ ولماذا لا يعترف المسيحيون بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاءت الكتب السماوية السابقة مبشرة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبصفائه، ومن هذه الكتب الأناجيل، ومنها إنجيل برنابا في الباب الثاني والعشرين جاء فيه: وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعته. اهـ. وكذا في (سفر أشعيا وسفر حبقوق) راجع كتب ومحاضرات ديدات وكتاب عبد المجيد الزنداني (البشارات بمحمد في الكتب السماوية السابقة) . ولاشك أن الأناجيل الأربعة المعتمدة عند النصارى اليوم وهي: (متى ويوحنا ولوقا ومرقس) قد طالتها يد التحريف البشرية، ومازالت ممتدة إليها بالزيادة والنقصان والتحريف والتأويل كما سبق بيانه في الفتاوى ذات الأرقام: 25399، 29326، 22275، 10326، 8210 , 2105، 57231، 9732. أما عدم اعتراف النصارى بذلك فمن الجحود والعناد وعمى القلب والاستكبار وكتمان الحق والحسد للنبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ {الأنعام: 33} . وقال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {البقرة:146} . وقال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ {البقرة:109} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1426(1/1108)
تعريف التوراة والإنجيل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو تعريف التوراة والإنجيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتوراة هي كتاب الله عز وجل المنزل على موسى عليه الصلاة والسلام، الذي أرسله الله عز وجل إلى بني إسرائيل.
قال الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ [المائدة: 44] .
وكان إنزال التوراة على موسى بعد إهلاك فرعون وقومه ونجاة بني إسرائيل.
قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص:43] .
قال قتادة عند قوله تعالى: "ولقد آتينا موسى الكتاب" قال: التوراة.
وكان نزولها بالتحديد في السادس من شهر رمضان.
روى الإمام حمد والبيهقي في "شعب الإيمان" عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنزلت التوراة لستٍّ مضين من رمضان ... الحديث.
ومما يدل على عظم مكانة التوراة ومنزلتها: أن الله عز وجل كتبها بيده سبحانه وتعالى، كما في حديث مُحاجَّة آدم موسى، "فقال آدم: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قدره علي قبل أن يَخْلُقني بأربعين سنة؟ " رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأما الإنجيل: فهو كتاب الله المنزل على عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، الذي أرسله الله عز وجل إلى بني إسرائيل بعد موسى.
قال تعالى وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ [الحديد: 27] .
وقال تعالى: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [المائدة:46] .
وكان نزولها لثلاث عشرة مضت من رمضان، كما في حديث واثلة بن الأسقع -وقد تقدم- "وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان" رواه أحمد والبيهقي.
والإيمان بهذين الكتابين أصل من أصول الإيمان، ولا يصح إيمان العبد إلا بالإيمان بأن الله أنزل التوراة والإنجيل على موسى وعيسى عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ومع ذلك، فقد أخبر سبحانه وتعالى أن اليهود حرفوا هذين الكتابين، وأنهم يكتبون ما يهوونه ويقولون هو من عند الله، وفي الحقيقة ليس هو من عند الله، وأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه.
قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79] . وقال تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:78] .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت ملوك بعد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام بدلوا التوراة ولإنجيل. أثر صحيح، رواه النسائي.
ومما يدل أيضا على تحريفهما وأنهما مُزوَّران، هذا الاختلاف والتضارب بين نسخ التوراة ونسخ الإنجيل أيضا، وما فيهما من اتهام لبعض الأنبياء بالفواحش والموبقات.
وقد سبق لنا أن أصدرنا فتويين في ذلك، وهما برقمي: 10326، 29326.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1424(1/1109)
الزبور ... على من أنزل ولمن أنزل
[السُّؤَالُ]
ـ[الزبور , نعلم انه من الكتب السماوية ولكن على أي قوم نزل ومن هو الرسول الذي أتى به؟
أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزبور هو كتاب الله تعالى الذي أنزله على نبيه داود عليه السلام. قال تعالى: (وآتينا داود زبوراً) قال ابن كثير: الزبور هو الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلام
وقال القرطبي: الزبور كتاب داود وكان مائة وخمسين سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام، وإنما هو حِكَم ومواعظ.. وكان داود عليه السلام حسن الصوت، فإذا أخذ في قراءة الزبور اجتمع إليه الإنس والجن والطير والوحوش لحسن صوته.. قال تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (سبأ:10)
والفضل الذي أعطاه الله تعالى هو: النبوة والزبور والعلم والقوة وتسخير الجبال والحكم بالعدل وإلانة الحديد والصوت الحسن.
وداود عليه السلام أرسل إلى قومه بني إسرائيل.
قال الحافظ في الفتح: هو داود بن إيشا بن عوبد بن باعربن سلمون بن يارب بن رام بن حضرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب عليه السلام وهو إسرائيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1423(1/1110)
حكم قراءة كتب علم الآثار والديانات البدائية
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف ما حكم قراءة كتب حول علم الآثار والديانات البدائية من وقت لآخر, ليس على وجه التعظيم لتلك الأمم وإنما من أجل التطلع، وحبا للمعرفة, أيضا للتدبر في أمثال من سبقونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا حكم قراءة كتب الأديان الأخرى واقتنائها، وأن الناس يختلفون في ذلك باختلاف أحوالهم وذلك في الفتوى رقم: 20030.
وما دامت قراءة السائل الكريم لهذه الكتب هي من وقت لآخر ولا تضيع وقته ولا تشغله عن واجب وبقصد النظر والاعتبار.. في السابقين فإن هذا مقصود محمود؛ فقد حث القرآن القريم على السير في الأرض للنظر فيها والتأمل في عاقبة المكذبين للرسل وأصحاب الأديان الباطلة..
فقال تعالى: قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ {الأنعام:11} ، وقال تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. {العنكبوت:20} . وما أشبه ذلك من الآيات الكثيرة التي تدل على هذا المعنى.
ومن المعلوم أن قراءة أخبارهم من الكتب والتطلع إلى معرفة بطلان أديانهم لا تقل أهمية عن النظر في آثارهم.
وعليه؛ فلا نرى حرجا في ذلك لمن أمن على نفسه التأثر بهم والانقياد إلى ضلالاتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1430(1/1111)
الأناجيل الحالية مناقضة للمنقول والمعقول
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف للإنجيل أن يحرف وقد انتشر بعد 30 عاماً في أماكن عديدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد الانتشار لشيء ما لا يثبت صحته ولا عدم وجود الباطل فيه، وأما الإنجيل فقد ثبت تحريفه بالنقل والعقل، وذلك لما في الأناجيل الموجودة عند النصارى من مناقضة المنقول والمعقول.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22275، 2105، 43148، 29326.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1428(1/1112)
حكم المساهمة في نشر كتب الدين المسيحي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في مكتبة وأقوم بتسليم الكتب إلى قسم آخر يقوم بتصوير الكتب وتنزيلها على موقع المكتبة على الكمبيوتر فما حكم توصيلى لكتب الدين المسيحي، علماً بأن الكتب المسيحية بنسبة 5% من إجمالي كتب الدين والباقي كتب إسلامية، علماً بأن الكتب بي أو بغيري ستصور، فما الحكم في هذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز لك المساعدة في نشر كتب الدين المسيحي لما في ذلك من المساعدة في نشر الضلال، وراجع في منع تمكين الناس من كتب الضللال؛ إلا إذا كانوا يتصدون للرد على أهل الباطل الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20030، 14742، 64173، 50441.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1428(1/1113)
وجود بعض الحق في التوارة والإنجيل لا ينفي تحريفهما
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه. وقال تعالى: وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله. الآية
يفهم من هاتين الآيتين أن التوراة لم يحرف كتابة عند بعثة النبي عليه الصلاة والسلام وإلا لماذا يؤمرون بتحكيم الكتاب المنزل عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن قوله تعالى: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ {المائدة: 47} فيه أمر لهم بأن يحكموا ويعملوا بما فيه من الأمور التي من جملتها دلائل رسالته صلى الله عليه وسلم وما قررته شريعته الشريفة من أحكامه، وأما الأحكام المنسوخة فليس الحكم بها حكما بما أنزل الله تعالى؛ بل هو إبطال وتعطيل له، فإذا لم يؤمنو بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويتابعوه فإنهم لم يحكموا بما أنزل الله في الإنجيل، قال الإمام الشوكاني في قوله: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ. هذا أمر لأهل الإنجيل بأن يحكموا بما أنزل الله فيه فإنه قبل البعثة المحمدية حق، وأما بعدها فقد أمروا في غير موضع بأن يعملوا بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الناسخ لكل الكتب المنزلة، وراجع تفسير الآية الثانية في الفتوى رقم: 9732، واعلم أن المتكلم عليه في الآيتين هو حكم الله المنزل من عنده لا ما في الكتابين من التحريف، والآيتان لا تفيدان نفي التحريف، وقد ثبت أنهم حرفوا وبدلوا في عدة أدلة أخرى. وراجع لبيان ذلك ولبيان كون وجود بعض الحق في التوارة والإنجيل لا ينفي تحريفهما الفتاوى التالية أرقامها: 68185، 17571، 20706، 69874، 2105، 64801، 43148، 43191، 14742.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1427(1/1114)
تفضيل القرآن على سائر كتب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي مكانة القرآن الكريم بين الكتب السماوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تعني بالكتب السماوية ما هو موجود منها اليوم فهذه قد شهد الله تعالى بأنها محرفة ومبدلة، قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ {البقرة: 79} وقال سبحانه: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ {النساء: 46} وبالتالي فلا يمكن مقارنتها بالقرآن الذي هو كلام الله الذي لم يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وأما إذا كنت تعني بالكتب السماوية ما كان منها قبل التحريف، فهذه -قطعاً- من كلام الله الذي هو صفة من صفاته، وبالتالي فهي مثل القرآن في ذلك. لكن القرآن أتى ناسخاً لها ومهيمنا عليها؛ كما قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ {المائدة: 48}
وعليه؛ فيكون القرآن أفضل منها من هذا الوجه، وقد قال بذلك كثير من أهل العلم، ففي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام في معرض حديثه عن تفضيل بعض القرآن على بعض قال: وحكى هذا القول عمن حكاه من السلف القاضي عياض في شرح مسلم قال في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأُبي: أتدري أي آية من كتاب الله أعظم؟ وذكر آية الكرسي. فيه حجة تفضيل بعض القرآن على بعض، وتفضيل القرآن على سائر كتب الله عند من اختاره، منهم: إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء المتكلمين. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1426(1/1115)
جميع الكتب السماوية كلام الله
[السُّؤَالُ]
ـ[hal al injil kalimato alah am al koran kalimato allah
هل الإنجيل كلمة الله أم القرآن كلمة الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلاً من الكتب المنزلة من عند الله من كلام الله، ويشمل ذلك القرآن الكريم والإنجيل الصحيح قبل تحريفه، فكل منهما منزل من عند الله ويجب الإيمان به؛ لقوله تعالى: قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى {البقرة: 136}
وقال تعالى في شأن عيسى: وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ {المائدة: 46} وقال تعالى فيه: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ {آل عمران: 48}
ثم إن كلمة الله أطلقت في القرآن على عيسى عليه الصلاة والسلام لأنه خلقه الله بقوله كن، كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ {النساء: 171}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1426(1/1116)
لا يجوز أخذ العلم من التوراة المحرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد الأنبياء الذين ذكروا بالتوراة؟
وماذا تقول التوراة عن كل نبي ذكر بالقرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن اليهود حرفوا التوراة، وأنهم يكتبون ما يهوونه ويقولون هو من عند الله، وفي الحقيقة ليس هو من عند الله، وأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه. قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ {البقرة:79} . وقال تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:78} .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت ملوك بعد عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام بدلوا التوراة والإنجيل. أثر صحيح، رواه النسائي.
فالتوراة الأصلية التي نزلت على موسى عليه السلام لم تعد موجودة، وهذه النسخ المحرفة منها لا يجوز أخذ العلم منها.
وعليه، فعدد الأنبياء الذين ذكروا في التوراة لا سبيل إلى معرفته. وكذا الذي تقوله التوراة عن كل نبي ذكر في القرآن، فما عندنا مما هو ثابت إنما هو ما ورد في القرآن وما ورد في السنة، وليس من ذلك فيما نعلم عدد الأنبياء المذكورين في التوراة
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1426(1/1117)
حكم بيع كتب الديانات المحرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب لي صديق كان له جد يعمل قسيسا ولكنه هداه الله للإسلام وعندما توفي ورث ذلك الصديق مكتبة كاملة كانت لجده ومن ضمن هذه الكتب كتب قديمة جدا تصل إلى حد أننا يمكن أن ندعوها أثرا تاريخيا، وعليه فقد قال لي إنى أريد بيع كتاب منهم ومن أول وهلة تخيلت أنا وهو أنه لن يبلغ أكثر من 500 دولار، وعليه أخذته منه واكتشفت بمحض الصدفة أن الكتاب أثري جدا يبلغ عمره 1500 عام والذي (يحتويه معتقادات وصلوات وأدعية خاصة بالديانة المسيحية) ، وعليه فوجئت بأحد الأثرياء يعرض علي مبلغا ضخما جدا (وعليه سددت إلى صاحبي المبلغ الذي اتفقت معه عليه ولم أبلغه بأن الكتاب أثمن مما تصورنا أنا وهو قبل أن أقبل شراءه منه ويصبح الكتاب ملكي) ، وكذلك اتفقت مع الثري على بيع الكتاب له، سؤالي هو: هل حلال بيع هذا الكتاب أصلا على ما به من معتقادات دينية تخالف دين الإسلام رغم أنى كبائع لا أبيع عقيدة وإنما أبيع أثرا والمشترى كذلك وأيضا كلانا لا يستطيع قراءة ومعرفة ما فيه، أنا فقط علمت ما يتكلم عنه من عالم آثار لأنه مكتوب بلغة قديمة، إذا كان البيع حلالا فإن الصديق الذى كان يمتلك الكتاب في الأصل ويجهل قيمته يجب علي إبلاغه أم لا، رغم أني عندما اشتريته منه كنت أيضا أجهل قيمته، ولكني بعد أن عرفت عجلت بالشراء منه، الرجاء إفتائي من جميع الأوجه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في الغبن في البيع هل يحق للمغبون رده أو لا يحق له ذلك بعد مضي البيع؟
فقد ذهب الإمام مالك إلى أن البيع يمضي، ولا يحق للمغبون الرجوع، ونقل عنه المواق في التاج والإكليل قوله: من باع مصلى ثم قال مشتريه: هو خز، فقال البائع: لو علمته ما بعته بهذا الثمن: هو للمشتري ولا شيء للبائع عليه ... لو شاء لتثبت قبل بيعه ...
وعلى ذلك فما وقع بينكما من البيع في الكتاب صحيح ولا يؤثر فيه اكتشافك أو معرفتك أصلاً بثمنه، هذا من ناحية البيع على العموم.
أما بخصوص بيع هذا النوع من الكتب وشرائه فإنه يجوز بيعه للمتخصصين من المسلمين الذين يستعينون به على الرد على أهل الضلال.... فقد كان كبار المسلمين ممن قاموا بهذا الفرض الكفائي يقتنون كتب النصارى وغيرهم من أهل الضلال وينقلون منها للرد عليهم؛ كما نجد ذلك عند ابن حزم وابن تيمية ... ولا بد أن يكونوا بذلوا مالاً وجهداً في الحصول على هذه الكتب، وأما غير هؤلاء فإما أن يكون بيعه لهم حراماً إذا كانوا يستعينون به على باطلهم، أو كانوا مسلمين يشوش على عقائدهم.. أو يكون مكروهاً إذا لم يخش عليهم منه وكانوا يقتنونه لمجرد الاطلاع.. فقد قال ابن حجر: إن النهي محمول على الكراهة والتنزيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، وغضبه على عمر كغضبه على معاذ حين طول بالناس في الصلاة ...
والحاصل أن بيع هذا النوع من الكتب يجوز لمن يستعين به على إحقاق الحق ورد الباطل، ويكره لمن يستعمله في مجرد المطالعة، ويحرم لعامة الناس أو من يستعين به على الباطل، ولتفاصيل ذلك وأدلته وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 20030.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1426(1/1118)
كيفية نزول التوراة والإنجيل والزبور
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أنزلت الكتب السماوية (الزبور والإنجيل والتوراة) كما أنزل القرآن؟ وما الآية الدالة على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الكتب الثلاثة قد أنزلت على ثلاثة من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام. فالزبور قد أنزل على داود، والإنجيل على عيسى، والتوراة على موسى على نبينا وعليهم جميعا أفضل الصلاة وأتم التسليم. ولا شك أنها أنزلت بطريقة الوحي ينزل به أمينه جبريل عليه السلام. قال تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ*وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ {الشعراء:193ـ 196} . وقال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً {النساء:163} . وأخرج الطبري من حديث الربيع بن خثيم في قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ، قال: أوحى الله إليه كما أوحى إلى جميع النبيين من قبله. وفي الصحيحين أن ورقة بن نوفل لما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكيفية التي فعل به الملك وما أوحى إليه به قال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم، ياليتني فيها جذعا ... الحديث. وقد كلم الله بعض الرسل قال تعالى: ِتلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ {البقرة: 253} . وقال تعالى: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً {النساء:164} . فإذا كنت أيها الأخ الكريم تعني مجرد إنزال هذه الكتب، فهو كما بينا، وإن كنت تعني الكيفية التي نزل بها كل واحد على حدة فإنا لا نعرف من ذلك شيئا، وهو من الأمور التي لا يجوز الكلام فيها إلا بدليل وننصح السائل الكريم أن يشتغل بتعلم ما يترتب عليه عمل ولا ينشغل عنه بما لا يترتب عليه عمل فذلك هو هدي السلف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1425(1/1119)
التوراة الأصلية غير مخلوقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت أن أعرف من هم الثلاثة الذين خلقهم الله عز وجل بيده؟ وهل التوراة الأصلية مخلوقة أم كلام الله؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوراة الأصلية غير مخلوقة، وهي من كلام الله تعالى، وهي كتابه الذي أنزله على نبيه موسى، وخطه له بيده.
قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} (المائدة: 44)
وفي حديث محاجة آدم وموسى أن آدم قال لموسى: ياموسى الذي اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة. رواه أصحاب السنن ومسلم.
وفي رواية الصحيحين " أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه "
وراجعى في جواب الفقرة الأخرى من السؤال الفتوى رقم: 44583.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1425(1/1120)
ترتيب الكتب السماوية حسب النزول
[السُّؤَالُ]
ـ[ترتيب الكتب السماوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يرد دليل صحيح بحصر الكتب السماوية النازلة على الرسل، والحديث الوارد بحصرها حديث باطل، كما في الفتوى رقم: 31905.
وأما ترتيب نزول المعلوم منها، فهو على حسب زمن الرسل، فقد أنزل الله تعالى على إبراهيم عليه السلام الصحف، وعلى داود عليه السلام الزبور، وعلى موسى عليه السلام التوراة والصحف، وعلى عيسى عليه السلام الإنجيل، وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القرآن.
ويجب على المسلم أن يؤمن بما لم يعلمه منها إجمالاً، كما قال تعالى: وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ [الشورى:15] . ويجب عليه اتباع آخرها والعمل بما فيه وهو القرآن الكريم؛ لأن ما سواه إن سلم من التحريف والتبديل، فهو منسوخ به؛ كما قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [المائدة:48] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1424(1/1121)
هل عدد الكتب السماوية مائة كتاب وأربعة كتب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو عدد الكتب التي أنزلها الله لبني آدم؟ هل هي 104 كما يقول البعض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم الإيمان بكل ما أنزله الله تعالى من الكتب على أنبيائه ورسله على وجه العموم، كما قال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه ... (البقرة: 285) وقال تعالى: وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَاب (الشورى: 15)
أما الإيمان بالكتب السماوية على وجه التفصيل، فلا يجب إلا بما أخبر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإجماع منعقد على وجوب الإيمان بأربعة كتب هي: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، وبصحف إبراهيم وصحف موسى، قال تعالى: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ (آل عمران:3)
وقال تعالى: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (الأعلى:18-19) .
أما كون جملة ما أنزله الله من الكتب السماوية مائة كتاب وأربعة كتب فقد ورد في حديث رواه ابن حبان في صحيحه، وكذا رواه ابن مردويه وعبد بن حميد وابن عساكر كما ذكر ذلك السيوطي في الدر المنثور، والقرطبي في التفسير كلهم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم كم كتاباً أنزل الله؟ قال: مائة كتاب، وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسون صحيفة، وأنزل على أخنوخ (إدريس) ثلاثون صحيفة، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، في حديث طويل جداً، وهو حديث باطل بل موضوع، فإن في سنده كذاباً، قال الهيثمي في موارد الظمآن، بعد إيراده للحديث: في سنده إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، قال أبو حاتم وغيره: كذاب. فالحديث لا تقوم به حجة والحمد لله على توفيقه وإحسانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1424(1/1122)
الإنجيل في الأصل من الكتب السماوية المنزلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإنجيل هو كتاب سماوي منزل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
الإنجيل في الأصل كتاب من الكتب السماوية التي أنزلها الله تبارك وتعالى على أنبيائه، وقد أنزله الله على عيسى بن مريم عليه السلام، قال الله تعالى: وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ [الحديد:27] ، ولكنه حُرف فيه وبدل وزيد فيه ونقص.... هذا ما نص عليه القرآن الكريم وكفى به شهيداً، وهو ما اثبتته التحقيقات العلمية النزيهة، ولتفصيل ذلك وأدلته نحيلك إلى الفتوى رقم: 2105.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1424(1/1123)
الرد المفحم على من نفى تحريف الإنجيل ونسبه ظلما وعدوانا للقرآن الكريم.
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض النصارى يقولون إن الإنجيل غير محرف بل القرآن نفسه مؤلف من قبل البشر فبماذا نرد عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أدلة حصول التحريف في التوراة والإنجيل لا تُحصى، ومن أهم هذه الأدلة:
1-أن كُتاب الأناجيل ليسوا من تلامذة المسيح المباشرين، بل اقتبسوا من أفكار بولس الإلحادية والوثنية، ونسبوها إلى المسيح عليه السلام، وذلك لأن الأناجيل الأربعة المشهورة (متى، يوحنا، لوقا، مرقس) لم تعرف إلا في أوائل القرن الثالث، وأول من ذكرها أرينوس سنة 209م، ومن هنا ارتفعت الثقة عن هذه الأناجيل والكتب المسيحية.
2-أن هذه الأناجيل على مر التاريخ امتدت إليها يد التحريف والتعديل حتى لا تكاد توجد نسخة تشبه الأخرى، قال محمد ضياء الأعظمي في كتابه دراسات في اليهودية والمسيحية، نقلاً عن كتاب قصة الحضارة: أقدم الكتابة يرجع ما بين 60م - 120م، ثم تعرضت بعد كتابتها مدى قرنين من الزمان لأخطاء في النقل، ولعلها تعرضت أيضاً لتحريف مقصود يراد به التوفيق بينها وبين الطائفة التي ينتمي إليها الناسخ أو أغراضها. انتهى.
3-احتواء الأناجيل على الوثنية الواضحة، فضلاً عن الاختلاف البين بين طوائف المسيحية في ألوهية المسيح عليه السلام، وقد سبق بيان ذلك في فتاوى عدة تحت الأرقام التالية: 9732، 8210، 2105، 20706، 22275.
ولمزيد من الفائدة يُرجى الاطلاع على كتاب هداية الحيارى في أجوبة النصارى لـ ابن القيم، وكتاب الجواب الصحيح لـ ابن تيمية، وكتاب قذائف الحق للشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وكتاب إظهار الحق لـ رحمة الله الهندي، وأشرطة مناظرات الشيخ أحمد ديدات مع النصارى، وغيرهم.
أما عن ثبوت صحة القرآن وعدم تحريفه، فقد دلت على ذلك أمور منها:
1- عدم الاختلاف بين نسخه الموجودة الآن.
2- أنه منقول إلينا بالتواتر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- أنه دون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- وهو أبلغها في دحض هذه الفرية أن الله جل وعلا قد تحدَّى الخلق بأن يأتوا بمثل القرآن ثم انتقل التحدي إلى الإتيان بعشر سور ثم انتقل إلى الإتيان بسورة واحدة، وقد ظل هذا التحدي قائماً حتى الآن، فلو كان مؤلفاً كما يدعي هؤلاء فلما لا يؤلفون سورة واحدة من مثله ويقطعون دابر عدوهم.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها:
15858، 21627، 25373، 22912.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1423(1/1124)
دراسة التوراة والإنجيل بين الحرمة والوجوب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
هل يجوز لي أن أدرس التوراة والإنجيل في إطار دراساتي الدينية وذلك في جامعة فرنسية؟ علما أني أحضر رسالة في الإسلاميات وأحتاج إلى رؤية مقارنة.
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن العامي، ومن ليس من أهل الاختصاص لا يجوز له النظر والقراءة في كتب أهل الكتاب السابقة، وذلك لما تضمنته من التحريف والتبديل، ولأن الله تعالى أغنى المسلمين عن النظر فيها بكتابه العزيز الشامل لكل ما يحتاجونه من أمور الهداية، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عليه) [المائدة:48] .
أما أهل الشأن والاختصاص، ومن لديه القدرة التامة على تمييز الحق من الباطل، ومعرفة الصحيح من الفاسد فلا مانع من أن يدرس كتبهم، وينبغي أن يكون ذلك بنية بيان تحريفها وتبديلها وتناقضها، والدعوة إلى منهج الله القويم.
وعلى ذلك، فإذا كنت تحس من نفسك القدرة على الفهم والاستيعاب ورد الباطل، فلا مانع من أن تدرس هذه المقررات.
ولكننا ننبهك إلى أن تكون حذراً، وخاصة أنك في بلاد الغربة، وفي مؤسسات القوم العلمية، وأمام أساتذتهم ومعلميهم، فلا يُؤْمَن أن تتسرب أفكارهم ومعتقداتهم إلى من ليس حذراً ومحصناً بما يكفي من العلم والإيمان، ولتعتبر نفسك مرابطاً على ثغر من ثغور الإسلام فلا يؤتين الإسلام من قِبَلِك، فإذا درست هذه الكتب أو غيرها من المذاهب الفكرية الفاسدة فلتدرسها بعقلية المسلم الواعي والناقد البصير.
فقد كان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يسأل عن الشر مخافة أن يقع فيه، وليحذر منه الناس، قال رضي الله عنه: كان الناس يسألون رسول الله صلىالله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. الحديث رواه البخاري.
وقراءة المقررات المنهجية من هذه الكتب والاطلاع على المذاهب المعادية للإسلام لأصحاب الدراسات العليا وأهل الاختصاص في ذلك لا يتناوله النهي الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأخذ من أهل الكتاب، لأن هذا ليس أخذاً منهم، ولا طلبا للهداية والإرشاد فيما عندهم، وخاصة إذا كان ذلك لمقصد شرعي من بيان باطلها إذا قورنت بالوحي الصحيح فلاشك أن باطلها سيتضح.
ومن جهة أخرى، فقد قال بعض أهل العلم: إن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" رواه أحمد أن ذلك كان في بداية الأمر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" رواه البخاري.
والحاصل أن دراسة هذه الكتب لا تجوز، لعوام الناس خشية التشويش على عقولهم لما تضمنته من الشبهات.
وأما أهل الاختصاص، فلا مانع من دراستهم لها، وقد تجب على بعضهم وجوباً كفائياً إذا كان ذلك لمقصد شرعي، وهو الرد عليها وإظهار تحريفها وبطلانها.
ولمزيد من الفائدة والتحصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 14742، والفتوى رقم: 8037.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1423(1/1125)
معنى قول السلف عن القرآن "إليه يعود
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول العلماء عن القرآن: إليه يعود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعنى قول السلف عن القرآن "إليه يعود" يعني بدأ منه قولاً وإليه يعود حكماً، قال ابن تيمية رحمه الله: القرآن كلام الله غير مخلوق، وإنه صفة الله منه بدأ قولاً وإليه يعود حكماً. انتهى
وقال في موضع آخر: ومعنى قولهم: إليه يعود، أنه يرفع من الصدور والمصاحف فلا يبقى في الصدور منه آية ولا حرف، كما جاء في عدة آثار. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1126)
قراءة كتب أهل الكتاب ... نظرة شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أسكن في الجزائر في ولاية تيزى وزو (بلاد القبائل) حيث التنصير بلغ حده فأبادلهم الكتب ويلحون أن أقرأ كتبهم فهل أفعل أم لا علما أني طالب علم وبماذا تنصحونني؟ والسلام عليكم ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قراءة كتب أهل الكتاب وخصوصًا دعاة التنصير والتهويد من قبل غير المتخصصين فيها خطر لا يخفى، فهي تقوم على إثارة الشبهات، والتلبيس، فلذلك لا ينصح بقراءتها لغير المتخصصين في رد باطلها، وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع الدجال أن يبتعد عنه، وأخبر: إن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن، ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه. رواه أبو داود والحاكم:
فالبعد عن قراءة أمثال هذه الكتب أولى ولو كان الدافع هو الرد عليهم؛ إلا لعالم راسخ يعرف شبه القوم وكيفية ردها، وأنصحك بأن تكثف جهدًا مع أمثالك من الشباب الملتزمين في دعوة الناس وربطهم بالإسلام وكشف حجم المؤامرة التي تحاك لهم وإشعال الغيرة في صدورهم، وإن المسلم ليقف عند التأمل في جهود التنصير الواسعة، وجهود الدعوة الإسلامية المتواضعة موقف الأسى والألم، فعلى حين يقوم النصارى بجهد عظيم يهدفون من خلاله إلى إدخال الشعوب في الديانة النصرانية سواء الشعوب المسلمة أو الوثنية أو غيرها، يقف المسلمون - إلا من رحم الله - أمام هذا الخطر مكتوفي الأيدي، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولذا فنحن نناشد أهل الخير والهيئات الإسلامية القادرة أن يمدوا جميعًا يد العون المادي والدعوي لإخوانهم هناك، فجيوش المنصرين تستغل الظروف الاقتصادية الصعبة، فتفتن المسلم عن دينه، مقابل كسرة خبز أو شرطة طبيب، بل إن هدفها يتجاوز هذا الحد إلى العمل من أجل تنصير الشريط الصحراوي الفاصل بين شمال إفريقيا العربي المسلم وغرب إفريقيا الأسود المسلم، والممتد من شرق جمهورية النيجر إلى حدود مالي مع موريتانيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1423(1/1127)
الإنجيل الذي يؤمن به المسلمون إنجيل واحد وليس أربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الأناجيل الأربعة؟ أو ماهي الأناجيل الأربعة التي نزلت اذكر أسماءها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يوجد في الإسلام شيء اسمه الأناجيل الأربعة، والإنجيل الذي يؤمن به المسلمون هو إنجيل واحد، وهو كتاب الله تعالى الذي أنزله على عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام.
فكما يجب أن نؤمن أن الله تعالى أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم يجب أن نؤمن أنه أنزل كتبه على أنبيائه السابقين، ومن ضمن هذه الكتب التي يجب الإيمان بها الإنجيل الذي أُنزل على عيسى عليه السلام، وفي شأنه يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [المائدة:46] .
هذا هو الإنجيل الذي يؤمن به المسلمون، وهذه هي أوصافه، فيه الهدى والنور، وتوحيد الله عز وجل، كسائر الكتب التي أنزلت على الأنبياء، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] .
وهو ما كان ينادي به عيسى عليه السلام كبقية إخوانه من الأنبياء، حيث يقول لقومه - كما جاء في القرآن الكريم -: وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [آل عمران:50، 51] .
ولعل السائل يقصد تلك الأناجيل المحرفة والتي تضمنت من الخرافات والأباطيل والشرك ما لا يصدق عاقل أنه من عند الله تعالى.
هذه الأناجيل تضمنها ما يسمى بالعهد الجديد عند النصارى، وهو يحتوي على أناجيل كثيرة، ومشاهدات يوحنا، ورسائل بولس، والرسائل الكاثوليكية.
ومن بين هذه الأناجيل أربعة يتفق عليها معظم النصارى مع اختلافها وتناقضها، وهي: إنجيل لوقا، وإنجيل مرقص، وإنجيل يوحنا، وإنجيل بولس.
وخلاصة ما قاله المؤرخون في هذه الأناجيل وتحديد الزمان والمكان والكيفية التي كتبت بها، أن ذلك كله مجهول، فلم ينته الخلاف بعد حول كاتب كل إنجيل وزمن كتابته، والمكان الذي كتب فيه، واللغة الأصلية التي كتب بها، والجهة التي كتب لها، لدرجة أن أحد قساوستهم عند ما سئل عن مؤلف إنجيل يوحنا قال بالحرف الواحد: لا يعلم إلا الله وحده من الذي كتب هذا الإنجيل. فهيم عزيز، مدخل إلى العهد الجديد.
وما يقال عن إنجيل يوحنا يقال عن بقية الأناجيل، وهذه الأناجيل المحرفة كانت من أعظم أسباب تحريف رسالة عيسى عليه السلام، التي هي في أصلها رسالة توحيد.
والحاصل أن المسلمين لا يعترفون إلا بإنجيل واحد، وهو كتاب الله الذي أنزله على عيسى عليه السلام.
أما النصارى فعندهم أناجيل كثيرة ألفها أصحابها المنسوبة إليهم، وقد أشرنا إلى بعضها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1423(1/1128)
التوراة والإنجيل ... حقيقة تحريفهما..القراءة فيهما
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أحييك بتحية الإسلام فسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد أريد أن أحصل على كتاب إنجيل أو توراة غير محرف فمن أين أحصل عليه وإن حصلت عليه هل يجوز نشره في أحد وسائل الإعلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتوارة والإنجيل اللتان نزلتا من عند الله تعالى هما كلام الله تعالى ولا شك ولا ريب في صدقهما، إلا أن اليهود والنصارى لعنهم الله تعالى حرفوهما وبدلوهما وزادوا فيهما ونقصوا، وجعلوا كل واحدة منهما عدة نسخ يناقض بعضها بعضاً ويكذب بعضها بعضاً. وبهذا يكون قد اختلط الحق فيهما بالباطل، ولا يمكن تمييزه إلا عن طريق شرعنا المحفوظ عن التبديل والتحريف بنص قول الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] .
وفي الاقتصار عليه غنية عن غيره، لأن الله يقول عنه: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن عمر بن الخطاب: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب!! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية. لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوهم به، أو بباطل فتصدقوا. والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني. رواه أحمد وغيره، قال الحافظ ابن حجر بعد ذكر طرق هذا الحديث: وهذه جميع طرق هذا الحديث، وهي وإن لم يكن فيها ما يحتج به لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلاً.
ودل هذا الحديث وغيره على أن شريعتنا كاملة وافية محفوظة نقية عن كل تحريف أو تبديل، ولذا لا ينبغي الانشغال بغيرها من الكتب الأولى لما فيها من اختلاط الحق بالباطل، ولأن ما فيها من حق لم يبدل محكوم عليه بالقرآن فهو مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه.
ويدل على تحريف التوراة والإنجيل أدلة كثيرة منها:
1- اختلاف ما فيهما وتناقضه.. ولو كانت كما نزلت من عند الله ما كان فيها شيء من ذلك، لقول الله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] .
2- قوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [النسا:46] .
3- ما فيهما من الكذب الصراح، كقولهم: إن لوطاً عليه السلام بعد هلاك قومه وقع على ابنتيه بعد أن سقتاه خمراً.
4- ما نقله ابن حجر في الفتح عن ابن حزم رحمه الله وهو قوله: وبلغنا عن قوم من المسلمين ينكرون أن التوراة والإنجيل اللتين بأيدي اليهود والنصارى محرفتان، والحامل لهم على ذلك قلة مبالاتهم بنصوص القرآن والسنة، وقد اشتملا على أنهم: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِه [النساء:46] . و: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:75] . و: وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:78] . و: لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71] .
ويقال لهؤلاء المنكرين: قد قال الله تعالى في صفة الصحابة: ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَه [الفتح:29] .
وليس بأيدي اليهود والنصارى شيء من هذا. ويقال لمن ادعى أن نقلهم نقل متواتر: قد اتفقوا على أن لا ذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتابين، فإن صدقتموهم فيما بأيديهم لكونه نقل نقل المتواتر فصدقوهم فيما زعموه أن لا ذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، وإلا فلا يجوز تصديق بعضٍ وتكذيب بعض مع مجيئهما مجيئاً واحداً. انتهى.
وعلى كل حال فالتوراة والإنجيل محرفتان باتفاق العلماء؛ إلا أنهم اختلفوا في المقصود بالتحريف على أربعة أقوال. قال الحافظ في الفتح: وقال بعض الشراح المتأخرين اختلف في هذه المسألة على أقوال:
أحدها: أنها بدلت كلها وهو مقتضى القول الممكن بجواز الامتهان وهو إفراط، وينبغي حمل إطلاق من أطلقه على الأكثر، وإلا فهي مكابرة. والآيات والأخبار كثيرة في أنه بقي منها أشياء لم تبدل.. من ذلك قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيل [الأعراف:157] .
ومن ذلك قصة رجم اليهوديين وفيه وجود آية الرجم، ويؤيده قوله تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:93] .
ثانيها: أن التبديل وقع ولكن في معظمهما وأدلته كثيرة وينبغي حمل الأول عليه.
ثالثها: وقع في اليسير منها ومعظمها باق على حاله، ونصره الشيخ تقي الدين بن تيمية في كتابه الرد الصحيح على من بدل دين المسيح.
رابعها: أنما وقع التبديل والتغيير في المعاني لا في الألفاظ، وهو المذكور هنا -أي في كلام البخاري- وقد سئل ابن تيمية عن هذه المسألة مجرداً فأجاب في فتاويه: أن للعلماء في ذلك قولين، واحتج للثاني من أوجه كثيرة منها: قوله تعالى: وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [الأنعام:34] . وهو معارض بقوله: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ [البقرة:181] .
والقول بأن التوراة حرفت معانيها دون ألفاظها قد نسب إلى وهب بن منبه وهو من أعلم الناس بالتوراة. ونسب أيضاً لابن عباس ترجمان القرآن، وهو اختيار الإمام البخاري -رحمه الله-
والصحيح أنها حرفت في ألفاظها ومعانيها، قال البدر الزركشي يرحمه الله: اعتبر بعض المتأخرين بهذا -يعني بما قال البخاري- فقال: إن في تحريف التوراة خلافاً هل هو في اللفظ والمعنى أو في المعنى فقط؟ ومال إلى الثاني ورأى جواز مطالعتها. وهو قول باطل، ولا خلاف أنهم حرفوا وبدلوا، والاشتغال بنظرها وكتابتها لا يجوز بالإجماع. وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة وقال: لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي. ولولا أنه معصية ما غضب فيه.
وعلى هذا فلا تجوز القراءة فيها ولا نشرها ولا توزيعها؛ إلا للعالم الراسخ في العلم والإيمان فتجوز القراءة فيها لبيان بطلانها وللرد على المخالفين.
قال ابن حجر: ويدل على ذلك نقل الأئمة قديماً وحديثاً من التوراة، وإلزامهم اليهود بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم بما يستخرجونه من كتابهم. ولولا اعتقادهم جواز النظر فيه لما فعلوه وتواردوا عليه. انتهى
تنبيه: قول ابن حزم: إن ما بأيديهم من التوراة والإنجيل ليس فيه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم.. لعله يقصد به ما اطلع هو عليه، وإلا فإن فيه له ذكرا وقد تقدم عندك بعض ما يفيد ذلك. وقد عثر بعض الباحثين منهم على نسخ كانوا يتكتمون عليها، فكانت سببا في هداية بعض الرهبان والقساوسة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1423(1/1129)
هل يمنع أهل الكتاب من قراءة كتبهم
[السُّؤَالُ]
ـ[خادمتي تقرأ الإنجيل في بيتي وأنا لا أعارض ذلك لأنني أعلم بسماحة الإسلام فهل هنالك أي إثم عليّ إن سمحت لها بذلك وخاصةً لأني لا أرغب من أية عائلة غير مسلمة من أن تمنع مخدوميها المسلمين من قراءة القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت تقرأ الإنجيل أو تعتقد هي أنه الإنجيل في نفسها، فلا يلزمك أمرها بالسكوت، وذلك لأن الإسلام يقر أهل الكتاب على ما عندهم، ولا يمنعهم من ممارسات دينهم ولا يلزمهم بأحكام الدين الإسلامي.
أما إذا كانت تدعو إلى ما تقرأ، فيجب عليك إبعادها من منزلك، بل عليك أن تسعى في إبعادها عن البلد كله، مع أننا ننصح المسلم بأن لا يجعل بين أولاده وأهله إلا من يثق بدينه، وأمانته ويأمن عليهم منه، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 14742.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1423(1/1130)
حال المسلم في اقتناء كتب الديانات الأخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز اقتناء كتب الديانات الأخرى؟ مثل (كتاب مورمون) (شهادة ثانية ليسوع المسيح) (للنصارى) في المنزل ذلك لأنه جلبه أحد النصارى إلينا علما بأن فيه ذكر لفظ (الله) وهل يجب علي إحراقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم الذي يقتني كتب الديانات الأخرى لا يخلو من ثلاثة أحوال:
أولاً: أن يكون متخصصاً يريد الاطلاع عليها، وتفنيد ما فيها من الباطل، فهذا فرض كفاية، فمن قدر على القيام بذلك قام به وجزاه الله خيراً، كما كان علماء السلف، وكان ابن حزم وابن تيمية يعلمون من كتب النصارى واليهود أكثر مما يعلم أهلها.
ثانياً: أن يكون لمجرد الاطلاع، فهذا يكره لصاحبه إذا لم يخش عليه من ذلك تشويش على عقيدته، فإذا خشي ذلك حرم عليه اقتناؤها، والنظر فيها سداً للذريعة، وخشية من وقوع الفساد.
وفي المسند والبزار عن جابر رضي الله عنه أن عمر أخذ صحيفة من يهودي، وجاء بها إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وبدأ يقرأ منها، فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل من الأنصار: ويحك يا ابن الخطاب أما تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والله لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي".
وقال ابن حجر: إن النهي محمول على الكراهة والتنزيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وحدثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج" وغضبه على عمر كغضبه على معاذ حين طول بالناس في الصلاة، وذلك لمنزلتهما، وعلوّ مقامهما في الدين.
ثالثاً: عامة المسلمين الذين لا ثقافة لهم، فهؤلاء لا يجوز لهم اقتناء كتب الديانات الأخرى، لعدم الفائدة لهم، وللخوف من التشويش عليهم، وانظر الفتوى رقم: 14742 لمزيد من الفائدة.
والحاصل أن على السائل الكريم أن يحرق هذه الكتب صيانة لأهل بيته، وصيانة لاسم الله الموجود فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1423(1/1131)
يحرم على العامي مطالعة الكتب السماوية السابقة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم العامي الاطلاع على الإنجيل الموجود بأيدي أهل الكتاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما في أيدي أهل الكتاب اليوم من التوراة والإنجيل قد دخله التحريف بالزيادة والنقصان، والتبديل والتغيير في مواضع كثيرة منه، يقطع المسلم بأنها ليست من كلام الله تعالى كتقرير التثليث، وتحريف البشارات الواردة في حق نبينا صلى الله عليه وسلم، وما اشتمل عليه العهد القديم من الطعن في ذات الله تعالى، والتنقص لأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم.
وقد شهد الله تعالى على أهل الكتاب بهذا التحريف والتغيير فقال: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) [البقرة:75] وقال: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) [البقرة:79] وقال: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم) [المائدة:13]
وقال: (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) [النساء:46]
وما سلم من التحريف فلا حاجة للمسلم للنظر فيه، لكون القرآن أتى ناسخاً ومهيمناً على ما سبق من الكتب، كما قال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه) [المائدة:48] ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنه: (كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث، تقرؤونه محضاً لم يُشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً. ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم) رواه البخاري برقم: 7362 وقوله: "محضاً لم يُشب" أي لم يخالطه غيره.
وروى أحمد والبزار واللفظ له من حديث جابر قال: نسخ عمر كتاباً من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير، فقال له رجل من الأنصار: ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، وإنكم إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل، والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني" قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف، وذكر طرق الحديث ثم قال: (وهذه جميع طرق هذا الحديث، وهي وإن لم يكن فيها ما يحتج به، لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلاً) (الفتح:13 /525) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (وعمر انتفع بهذا حتى إنه لما فتحت الإسكندرية وجد فيها كتب كثيرة من كتب الروم فكتبوا فيها إلى عمر فأمر بها أن تحرق، وقال: حسبنا كتاب الله) مجموع الفتاوى 17/ 41
وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة: بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: (آمنا بالله وما أنزل إلينا) [الآية] .
والمسلم العامي إذا قرأ التوراة أو الإنجيل لم يؤمن عليه أن يصدق بما هو باطل، أو أن يكذب بما هو حق.
ولهذا صرح جماعة من أهل العلم بتحريم النظر في كتب أهل الكتاب.
قال الإمام ابن مفلح في الآداب الشرعية: 2 /97 (سئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن هذه المسألة في رواية إسحاق بن إبراهيم فغضب فقال: هذه مسألة مسلم؟ وغضب. وظاهره الإنكار، وذكره القاضي ثم احتج بأنه عليه الصلاة والسلام لما رأى في يد عمر قطعة من التوراة غضب وقال: "ألم آت بها بيضاء نقية؟ " الحديث. وهو مشهور رواه أحمد وغيره. وهو من رواية مجالد وجابر الجعفي وهما ضعيفان، ولأنها كتب مبدلة مغيرة فلم تجز قراءتها والعمل عليها) .
وقال البهوتي في كشاف القناع 1 /434: (ولا يجوز النظر في كتب أهل الكتاب نصاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم غضب حين رأى مع عمر صحيفة من التوراة، وقال: "أفي شك انته يا ابن الخطاب؟ " الحديث، ولا النظر في كتب أهل البدع، ولا النظر في الكتب المشتملة على الحق والباطل، ولا روايتها، لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد) انتهى.
ونقل ابن عابدين في حاشيته عن عبد الغني النابلسي قوله: (نهينا عن النظر في شيء من التوراة والإنجيل، سواء نقلها إلينا الكفار أو من أسلم منهم)
وقد حكى الزركشي الإجماع على أن الاشتغال بنظرها وكتابتها لا يجوز. نقله الحافظ في الفتح، ولم يسلم دعوى الإجماع.
والحاصل أنه لا يجوز للمسلم القراءة في التوراة والإنجيل.
ولا يرخص في ذلك إلا لأهل العلم المتضلعين من الكتاب والسنة، لغرض الرد على أهل الكتاب ودفع شبهاتهم، قال في مطالب أولى النهى: 1 /607: ((ويتجه جواز نظر) في كتب أهل البدع لمن كان متضلعاً من الكتاب والسنة مع شدة تثبت، وصلابة دين، وجودة، وفطنة، وقوة ذكاء، واقتدار على استخراج الأدلة، (للرد عليهم) وكشف أسرارهم، وهتك أستارهم، لئلا يغتر أهل الجهالة بتمويهاتهم الفاسدة، فتختل عقائدهم الجامدة، وقد فعله أئمة من فقهاء المسلمين وألزموا أهلها بما لم يفصحوا عنه جواباً، وكذلك نظروا في التوراة واستخرجوا منها ذكر نبينا في محلات، وهو متجه) انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما نصه: (الكتب السماوية السابقة وقع فيها كثير من التحريف والزيادة والنقص كما ذكر الله ذلك، فلا يجوز لمسلم أن يقدم على قراءتها والاطلاع عليها إلا إذا كان من الراسخين في العلم ويريد بيان ما ورد فيها من التحريفات والتضارب بينها) فتاوى اللجنة الدائمة3/ 311
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1423(1/1132)
ألواح موسى عليه الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[1-أين توجد الآن ألواح النبي موسى عليه الصلاة والسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا السؤال لا ينبني عليه عمل لا في دينك ولا في دنياك، وخير للمرء أن يشتغل بما ينفعه، وأن يترك ما لا فائدة فيه، حيث لم يتطرق القرآن الكريم ولا السنة النبوية إلى بيان مكان الألواح، وإليك بعض الأحاديث في شأن هذه الألواح: روى الإمام أحمد في مسنده، والطبراني في الأوسط والكبير، والحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الخبر كالمعاينة، إن الله تعالى أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح، فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت" وصححه ابن حبان والسيوطي في الجامع الصغير.
وروى الإمام أبو داود في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطول، وأوتي موسى ستاً، فلما ألقى الألواح رفعت اثنتان، وبقين أربع" وإذا أردت المزيد عن هذا الموضوع فراجع كتب التفسير عند الآية رقم: 145 من سورة الأعراف، و150 من نفس السورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1422(1/1133)
أدلة تحريف التوراة والإنجيل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الدليل على تحريف التوراة والإنجيل؟؟ وماهو تفسير الآية (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن تحريف أهل الكتاب اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل ثابت بالأدلة القطعية من الآيات القرآنية والأحاديث الصريحة، أما الدليل من القرآن فهو قوله تعالى (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) [المائدة: 13] . وقوله تعالى: (ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم ءاخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه) [المائدة: 41] وأما الحديث فما رواه الإمام أحمد والبزار واللفظ له عن جابر رضي الله عنه قال: نسخ عمر كتابا من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ، ووجه النبي صلى الله عليه وسلم يتغير، فقال له رجل من الأنصار: ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، وإنكم إما أن تكذبوا بحق، أو تصدقوا بباطل." وهذا الحديث وإن كان فيه ضعف لكن له شواهد، وقوله صلى الله عليه وسلم فيه: "أو تصدقوا بباطل" دليل على أن التوراة الموجودة فيها التحريف والتبديل، لأن التوراة التي نطق بها موسى عليه الصلاة والسلام بوحي الله تعالى إليه ليس فيها باطل، بل كلها حق من عند الله.
وأظهر شاهد على وقوع التحريف في التوراة تلك القبائح والعظائم التي ينسبونها إلى أنبياء الله الكرام صلوات الله عليهم، مما يتنزه عنه أقل الناس صلاحا وديانة، نعني بذلك ما نسبوه إلى نوح ولوط وداود عليهم السلام من شرب الخمر، والوقوع على المحارم، والغدر والخيانة، نعوذ بالله من إفك اليهود.
وأما الإنجيل الموجود فيكفي في ثبوت تحريفه ما وقع فيه من قصة صلب المسيح عليه الصلاة والسلام، وأنه صلب ومات يوم كذا ودفن في القبر، فهذا قطعا ليس في الإنجيل الصحيح المنزل على عيسى عليه السلام.
ومن أراد المزيد من التعرف على تحريف اليهود والنصارى، والاطلاع على ما وقع في الكتب عندهم من المغالطات والتناقضات التي يستحيل قطعا أن تكون من وحي رب العالمين، فليرجع إلى كتاب الشيخ، رحمة الله الكيرانوي الهندي.. (إظهار الحق) فسيجد هناك ما يشفي غليله.
وأما قوله تعالى: (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) [المائدة:43] فهو تعجب من تحكيمهم النبي صلى الله عليه وسلم في أمر رجم الزاني، وهم لا يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بما جاء به، مع أن ما يحكمونه فيه موجود عندهم في التوراة، ولكنهم يأتون إليه صلى الله عليه وسلم ويحكمونه طمعا منهم في أن يوافق تحريفهم وتبديلهم. فالآية فيها تقريع لليهود الذين نزلت فيهم هذه الآية. يقول لهم المولى عز وجل: كيف تقرون بحكم نبيي محمد صلى الله عليه وسلم مع جحودكم نبوته وتكذيبكم إياه، وأنتم تتركون حكمي الذي تقرون به أنه حق عليكم جاءكم به موسى من عند الله؟ فما دمتم تركتم الحكم الذي جاء به موسى وجحدتموه مع إقراركم بنبوته، فأنتم بترك الحكم الذي يخبركم به النبي صلى الله عليه وسلم أنه من عند الله أحرى مع جحودكم نبوته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1422(1/1134)
حكم قراءة كتب أهل الكتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قراءة كتب أهل أهل الكتاب كالإنجيل مثلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى أحمد والطبراني، والحاكم: أن عمر بن الخطاب جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من بني قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً. قال: فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والذي نفس محمد بيده. لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، أنتم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين".
وأخرج أبو يعلى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا. إنكم إما أن تصدقوا بباطل، وإما أن تكذبوا بحق"
فعمر رضي الله عنه ما جاء بصحف التوراة إلا ليقرأها ويطلع على ما فيها، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
فلا يجوز للمسلم أن يقرأ أي كتاب من الكتب السابقة ولا يطلع عليها، إلا من قرأها لبيان ما ورد فيها من تحريفات وتضارب بينها، وكان من الراسخين في العلم.
وأما عامة المسلمين، ومن ليس لهم شأن في الرد على تحريفات وشبهات أهل الكتاب فلا يجوز له قراءة التوراة والإنجيل وغيرها من الكتب السابقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1422(1/1135)
تحريف الأناجيل
[السُّؤَالُ]
ـ[يدعي المسيحيون أن الإنجيل لم يحرف وأنه متشابه جميعا ولكن الاختلاف في طريقة التفسير كما هو حاصل بين المسلمين (سنة+شيعة) أفيدونا في ذلك جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم..... وبعد: ... من نظر في الأناجيل الأربعة وجد كثيراً من الاختلافات الجوهرية والأغلاط التي يستحيل معها: أن يكون هذا الموجود بين أيديهم موحى به من عند الله. وقد بين العلامة رحمة الله الهندي في كتابه "إظهار الحق" وجود 125 اختلافاً وتناقضاً في كتابهم المقدس، ووجود 110 من الأغلاط التي لا تصح بحال، ووجود45 شاهداً على التحريف اللفظي بالزيادة، وعشرين شاهداً على التحريف اللفظي بالنقصان فننصح المهتم بهذا الموضوع أن يرجع إلى هذا الكتاب الذي لم يؤلف مثله في بابه. وحسبك من اختلافهم: اختلافهم في نسب معبودهم (المسيح) . فقد أعطاه متى نسبا مخالفا لما دونه لوقا. 1. فمتى نسب المسيح إلى يوسف بن يعقوب وجعله في النهاية من نسل سليمان بن داود. أما لوقا فنسبه إلى يوسف بن هالي، وجعله في النهاية من نسل ناثان بن داود عليه السلام. 2. أن متى جعل آباء المسيح إلى داود عليه السلام سبعة وعشرين أبا، أما لوقا فجعلهم اثنين وأربعين أبا. ومع هذا الاختلاف الشديد ففيه من الغلط ما لا يليق بكتاب مقدس إذ كيف ينسب عيسى إلى يوسف النجار (خطيب مريم) ، فإن هذا تصديق لطعن اليهود في مريم وافترائهم عليها، وكان الواجب على النصارى أن ينسبوه إلى أمه مريم عليها السلام. وكيف يكون متى معصوماً أو ملهما من الروح القدس وهو يجهل نسب عيسى ويسقط من آبائه خمسة عشر رجلاً. وكذلك الاختلاف في تعيين أسماء الحواريين أصحاب عيسى عليه السلام فإن متى ولوقا ذكرا منهم: لباوس الملقب تداوس، فجاء لوقا فحذفه، ووضع بدلاً عنه يهوذا أخا يعقوب. فهل يمكن أن يكون كتاب موحى به من الله يجهل أسماء الحواريين؟. 3. ومن الأغلاط الظاهرة قول متى في إنجيله بعد الصلب المزعوم للمسيح: (وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت والصخور تفتقت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا للكثيرين) . فهذه الآية التي - لو حدثت - لنقلت بالتواتر، لأنها آية عظيمة تتوافر الهمم على نقلها، لكن لم يعلم بها أصحاب الأناجيل الثلاثة: لوقا ومرقص ويوحنا مع اهتمامهم بذكر أمور بسيطة لا تدعو حاجة ولا ضرورة إلى ذكرها مما يدل على أنه محض خيال توهمه الكاتب. 4. ومن الأغلاط الواضحة أن متى ذكر في مواضع من كتابه أن القيامة ستقوم على الجيل الذي عاصر المسيح، ومن ذلك قوله على لسان المسيح: (فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله، الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيا في ملكوته) . وقال (فإن الحق أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان) . وهذا غلط يتنزه عنه كتاب مقدس!! فقد مضىعشرون قرنا من الزمان دون تحقق لتلك النبوءة!! 5. ومن ذلك أيضا ما جاء في إنجيل لوقا (1/30) في البشارة بالمسيح قوله: ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. وهذا خطأ فاحش فإن المسيح لم يكن ملكاً لليهود، ولا ملكا على آل يعقوب ولا حصل له شيء من ذلك، فهل يتخلف وعد الله؟! فهذا كله وأضعافه مما يورث اليقين بأن هذه الأناجيل ليست هي الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى، وأنها لا تعدو أن تكون اجتهادات من تلاميذ المسيح لعرض سيرته، وهي من البعد عن العصمة والإلهام بمكان. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1136)
القرآن كلام الله حقيقة وليس عبارة عن ترجمة لكلام الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القرآن عبارة عن ترجمة لكلام الله، وفقاً لقوله تعالى: إنا جعلناه قرآناً عربياً؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقرآن الكريم هو كلام الله غير مخلوق، لأنه صفة من صفات الرب جل وعلا، وصفاته تعالى غير مخلوقة تكلم الله به حقيقة بصوت وحرف، وأسمعه جبريل ونزله على محمد صلى الله عليه وسلم وهذا ما دل عليه القرآن والسنة وهو مذهب السلف قاطبة، قال الله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ {التوبة:6} .
ولا يقال هو ترجمة لكلام الله، فإن ذلك من البدع التي ابتدعتها الفرق الخارجة عن الصراط المستقيم المخالفة لأهل السنة والجماعة، والاستدلال بالآية الواردة في السؤال على خلق القرآن إنما هو من استدلالات الجهمية والمعتزلة الباطلة إذا قالوا: جعل بمعنى خلق فالقرآن مخلوق، وقد بين أئمة السلف والعلماء من بعدهم تهافت هذا الاستدلال وبطلانه، ومخالفته للغة العرب التي نزل بها القرآن، وبينوا أن جعل تأتي على حالين في لغة العرب: الأولى: أن تنصب مفعولاً واحداً وتكون بمعنى خلق أو غيره، مثل قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ {الأنعام:1} . فجعل هنا بمعنى خلق.
والحال الثانية: أن تأتي جعل ناصبة لمفعولين، فلا يمكن أن تكون بمعنى خلق في لغة العرب التي نزل بها القرآن، وإنما معنى الجعل هنا التصيير، أي: صيرناه عربياً، يعني: أنزلناه بهذا اللسان العربي، فهذه الآية: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {الزخرف:3} . معناها هو معنى قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {يوسف:2} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى: أي صيرناه عربياً لأنه قد كان قادراً على أن ينزله عجمياً وينزله عربياً فلما أنزله عربياً كان قد جعله عربياً دون عجمي. انتهى.
وقد استدل العلماء بآيات قاطعة على هذا المعنى وألزموا بها الذين قالوا هذا القول الباطل، فقالوا لهم: ما تقولون في قوله تعالى: وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً {النحل:91} .
هل معناها: قد خلقتم الله عليكم كفيلاً، لا يمكن لأي معتزلي أن يقرأ جعلتم في الآية هذه بمعنى خلقتم أبدا، وكذلك قوله تعالى: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ {الحجر:91} .
وعضين أي أجزاء، فهؤلاء جعلوا القرآن أجزاء يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض أو قسموه فيما بينهم فمنهم من يؤمن ومنهم من لا يؤمن، قال العلماء: فنحن وأنتم نتناظر في مسألة القرآن نفسه، هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟ فإذا كان قوله ـ الذين ـ تعود إلى الكفار كما في آخر سورة الحجر: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ {الحجر: 19} . فالكفار هم الذين خلقوا القرآن وأنتم لا تقولون بهذا أبداً إذاً فـ ـ جعل ـ ليس بمعنى خلق إنما بمعنى: اتخذوه عضين، أو صيروه عضين أي: جعلوه أجزاءً.
فهذه خلاصة ما ذكر من رد على الشبهة التي تتعلق بها الفرق المنحرفة عن عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة.
ولمزيد من التفصيل حول الآية المذكورة وردود العلماء على من حرف معناها، راجع: الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد بن حنبل، والرد على الجهمية للإمام عثمان بن سعيد الدارمي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة للالكائي، وشرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي، العقيدة السلفية في كلام رب البرية وكشف أباطيل المبتدعة الردية للشيخ الجديع، وغيرها من كتب أهل السنة وهي كثيرة ـ والحمد لله ـ وراجع في ذلك الفتوى رقم: 3988 فهي مهمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1430(1/1137)
أول من قال بخلق القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[من أول من قال بخلق القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القول ببدعة خلق القرآن الكريم ظهرت في المائة الثانية، ولعل أول من أعلن بها ودعا إليها هو بشر بن غياث المريسي المعتزلي.
قال الذهبي في السير: لم تكن الجهمية يظهرون في دولة المهدي والرشيد والأمين، فلما ولي المأمون كان منهم وأظهر المقالة، روى أحمد بن إبراهيم الدورقي عن محمد بن نوح أن الرشيد قال: بلغني أن بشر بن غياث المريسي يقول القرآن مخلوق! فلله علي إن أظفرني به لأضربن عنقه، قال الدورقي: وكان متواريا أيام الرشيد فلما مات الرشيد ظهر ودعا إلى الضلالة.
وأول من أظهر هذه البدعة وحمل الناس عليها من الخلفاء هو الخليفة العباسي المأمون بن الرشيد سنة اثنتي عشر ومائتين.
قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: وفي سنة اثنتي عشر أظهر المأمون القول بخلق القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1430(1/1138)
قصة انتهاء فتنة خلق القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن ترسلوا لي كيف انتهت فتنة خلق القرآن؟ وجزاكم الله عن الإسلام كل خير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكلم الذهبي في السير على هذه المسألة عند كلامه على حياة الإمام احمد فذكر أن أحد شيوخ السنة ناظر شيخ الضلال ابن أبي دؤاد فأفحمه فرجع الأمير الواثق عن القول بخلق القرآن.
فقد روى بسنده عن محمد بن الواثق بن الأمير في ذلك الوقت قال: كان أبي إذا أراد أن يقتل أحدا أحضرنا فأتي بشيخ مخضوب مقيد فقال أبي ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه يعني ابن أبي دؤاد قال فأدخل الشيخ فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال لا سلم الله عليك فقال يا أمير المؤمنين بئس ما أدبك مؤدبك قال الله تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها فقال ابن أبي دؤاد الرجل متكلم قال له كلمه فقال يا شيخ ما تقول في القرآن قال لم ينصفني ولي السؤال قال سل قال ما تقول في القرآن قال مخلوق قال الشيخ هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه قال شيء لم يعلموه فقال سبحان الله شيء لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم علمته أنت فخجل فقال أقلني قال المسألة بحالها قال نعم علموه فقال علموه ولم يدعوا الناس إليه قال نعم قال أفلا وسعك ما وسعهم قال فقام أبي فدخل مجلسا واستلقى وهو يقول شيء لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت سبحان الله. شيء علموه ولم يدعوا الناس إليه أفلا وسعك ما وسعهم. ثم أمر برفع قيوده وأن يعطى اربع مئة دينار ويؤذن له في الرجوع وسقط من عينه ابن أبي دؤاد ولم يمتحن بعدها أحدا.
قال الذهبي: هذه قصة مليحة وان كان في طريقها من يجهل ولها شاهد.
وفي رواية عنه أنه قال: أقدم أحمد بن أبي دؤاد علينا شيخا من أذنه فأدخل على الواثق مقيدا فرأيته استحيا منه ورق له وقربه فسلم ودعا فقال يا شيخ ناظر ابن أبي دؤاد فقال يا أمير المؤمنين إنه يضعف عن المناظرة فغضب الواثق وقال أيضعف عن مناظرتك أنت فقال يا أمير المؤمنين هون عليك فائذن لي في مناظرته فإن رأيت أن تحفظ علي وعليه قال افعل فقال الشيخ يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه هي مقالة واجبة داخلة في عقد الدين فلا يكون الدين كاملا حتى تقال فيه قال نعم قال فأخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعث هل ستر شيئا مما أمره الله به من أمر دينهم قال لا قال فدعا الأمة إلى مقالتك هذه فسكت فالتفت الشيخ إلى الواثق وقال يا أمير المؤمنين واحدة قال نعم فقال الشيخ فأخبرني عن الله حين قال اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي هل كان الصادق في إكمال دينه أو أنت الصادق في نقصانه حتى يقال بمقالتك هذه فسكت فقال أجب فلم يجب فقال يا أمير المؤمنين اثنتان ثم قال يا أحمد أخبرني عن مقالتك أعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا قال علمها قال فدعا الناس إليها فسكت فقال يا أمير المؤمنين ثلاث ثم قال يا أحمد فاتسع لرسول الله أن يعلمها وأمسك عنها كما زعمت ولم يطالب أمته بها قال نعم واتسع ذلك لأبي بكر وعمر قال نعم فأعرض الشيخ وقال يا أمير المؤمنين قد قدمت أنه يضعف عن المناظرة يا أمير المؤمنين، إن لم يتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما زعم هذا أنه اتسع للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلا وسع الله عليك، فقال الواثق نعم اقطعوا قيد الشيخ فلما قطع ضرب بيده إلى القيد ليأخذه فجاذبه الحداد عليه فقال الواثق لم أخذته قال لأني نويت أن أوصي أن يجعل في كفني حتى أخاصم به هذا الظالم غدا وبكى فبكى الواثق وبكينا ثم سأله الواثق أن يجعله في حل فقال لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكونك من أهله فقال له أقم قبلنا فننتفع بك وتنتفع بنا قال إن ردك إياي إلى موضعي أنفع لك أصير إلى أهلي وولدي فأكف دعاءهم عليك فقد خلفتهم على ذلك قال فتقبل منا صلة قال لا تحل لي أنا عنها غني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1429(1/1139)
هل يلقى المصحف التالف في البحر
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم إلقاء المصحف التالف في البحر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب تعظيم المصحف واحترامه، لأن فيه القرآن الذي هو كلام رب العالمين، ومن تعظيمه تجنب كل ما يعد امتهاناً أو ينافي الاحترام كإلقائه على الأرض أو وضعه في مكان غير لائق بحرمة المصحف أو وضعه مع أشياء ممتهنة كالصحف والمجلات.
وإذا كان المصحف تالفاً لا يصلح للاستعمال جاز دفنه في مكان محترم أو حرقه لئلا يضيع ويتعرض للامتهان، فقد كان السلف رضوان الله عليهم يدفنون المصاحف أو يحرقونها صيانة لها، وأما وضعه في البحر فإنه في الحقيقة أقرب إلى الامتهان منه إلى الاحترام، وبالتالي فلا نرى إباحته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(1/1140)
وما تنزلت به الشياطين
[السُّؤَالُ]
ـ[تراودني شكوك أن الجن ظهر على شكل إنسان ونزل على محمد وأنه أنبأه بالغيب وأنهم يلعبون بنا حتى يتحقق ما أخبروا الرسول، وأنه عندما يموت الشخص يتشكلون له بهيئة نار أو جنة حتى يرى الشخص، وأنهم يلعبون بكل شيء حتى نصدق الإسلام وأنا خائف من هذا الشك وأخاف، وهل أكون مشركا بمجرد الظن أنه يوجد آلهة أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تصرف هذه الخواطر الشيطانية، وتوقن يقيناً جازماً أن القرآن لم تأت به الشياطين، فإذا كان فصحاء العرب وبلغاؤهم لم يستطيعوا الإتيان بأسلوب يحاكي بلاغة القرآن وفصاحته وحسن أسلوبه فمن باب أولى ألا يستطيع ذلك الشياطين، ثم إن جماهير المسلمين عبر القرون الماضية مضوا وهم متفقون على أن القرآن كلام الله الذي نزل به جبريل أمين السماء على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فأولى بك أن تصدقهم وتتابعهم من أن تصغي لوساوس الشيطان، فاصرف هذا عن قلبك ولا تتكلم به، واشتغل بما يطرد الشيطان ويمنعه من التسلط عليك بكثرة الاشتغال بسماع وتلاوة القرآن، والإكثار من الذكر وملازمة أهل الخير ومشاركتهم في الأعمال الصالحة، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 33860، 95588، 78372، 69719.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1428(1/1141)
معنى قول السلف حول القرآن منه بدأ وإليه يعود
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ... أكرمني الله أن درست كتاب معارج القبول على يد شيخ سلفي والحمد لله أني فرغت منه وأحببت بعد فترة أن أراجعه فقرأته ولكني في باب خلق القرآن لم أفهم كلمتين الأولى قول السلف بأن القرآن ليس بمحدث، فماذا يقصدون في هذا، هل يقصدون أن الله عندما تكلم بالقرآن كان ذلك في الأزل، أم أنهم قصدوا فقط نفي الخلق للقرآن، والكلمة الثانية وصفهم بأن القرآن منه بدأ وإليه يعود فماذا يقصدون بإليه يعود، أرجو أن تبسطوا لي اللغة التي ستجيبونني بها إن شاء الله حتى أفهم، وآسف على التعمق في المسألة ولكني أخاف أن أكفر إن لم أفهم شيئا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك بالاشتغال بالعلم الشرعي، ونفيدك أن الأولى بطالب العلم أن يستشكل ما انبهم عليه على شيخه الذي درسه حتى يتمكن من الأخذ والسرد وزيادة الاستفصال حتى يفهم جيداً. ونفيدك أن السلف رحمهم الله تعالى كانوا يقولون بأن القرآن غير مخلوق، وقد ردوا على المبتدعة القائلين بخلق القرآن الكريم وممن تصدى لهم إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، وراجع في البسط للكلام في الموضوع وفي معنى منه بدأ وإليه يعود الفتاوى ذات الأرقام التالية: 42856، 46415، 45686، 26017، 3988، 61834.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1428(1/1142)
الفرق بين القرآن والحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا فصل الله بين القرآن والحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم تبين لنا أين فصل بينهما، ولكن من المعلوم أن للقرآن ما يخصه من أحكام وأنه كلام الله تعالى لفظه ومعناه أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم للإعجاز والتعبد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَاب ِ) {آل عمران:7} ، وانظر الفتوى رقم: 24371.
والحديث له ما يخصه أيضاً من أحكام فمنه ما هو قدسي وهو ما كان معناه من الله تعالى ولفظه من النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه ما ليس كذلك وهو ما كان لفظه ومعناه من النبي صلى الله عليه وسلم، كما بينا في الفتوى رقم: 18457.
قال الشافعي: والسنة مبينة للكتاب، قال الله تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ. إلى غير ذلك مما يختص به كل واحد منهما عن الآخر. فالقرآن معجز ومتعبد بتلاوته وليس الحديث كذلك، كما بينا في الفتاوى المحال إليها، وينبغي للسائل الكريم أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يسئل عما يفعل كما في قوله: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1426(1/1143)
نزول القرآن بلغة العرب وحكم قراءة ترجمته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قراءة القرآن الكريم باللغات الأجنبية لها نفس الدرجة من الخير كقراءته بالعربية، هل نزول القرآن بالعربية يمثل نقيصة للعرب كعدم فهمهم للغات الأخري وشدة جهلهم وتمسكهم بكفرهم فجاء القرآن بالعربية، كما جاء معظم الرسل لليهود لقسوة قلوبهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قراءة معاني القرآن الكريم لا تأخذ حكم قراءة القرآن، سواء كانت المعاني المقروءة بالعربية أو غيرها، لأن القرآن الكريم: هو اللفظ العربي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للتعبد والإعجاز ... وأما غير ذلك فهو تفسير أو ترجمة لمعاني القرآن الكريم، ولا شك أن في قراءتها خيراً كثيراً وأجراً عظيماً ولكنها لا تصل إلى درجة القرآن الكريم نفسه، ونرجو أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 64401، والفتوى رقم: 8086.
وأما نزول القرآن بلغة العرب فإنه لحكم كثيرة منها أن النبي الذي نزل عليه القرآن عربي اللسان ويعيش في أمة عربية ويجب عليه تبليغها أولاً قبل غيرها، وقد قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ {إبراهيم:4} ، ولغة العرب تمتاز عن غيرها بالسعة والقدرة على استيعاب المعاني الحسية والمعنوية فلا يوجد في غيرها من اللغات ما يوجد فيها من الثراء ووفرة المفردات المترادفة والمشتركة ... ومن أساليب الخطاب كالحقيقة والمجاز والاستعارة والكناية ... والقرآن الكريم جاء للبشرية كلها ويحمل من العلوم والمعاني بصريح العبارة أو بالمفهوم والإشارة..ما لا يستوعبه إلا اللغة العربية.
وأما أمة العرب فهم كغيرهم من الأمم فمن اختلط منهم بالأمم الأخرى تكلم لغتهم وفهمها كما فهمت الأمم الأخرى لغة العرب، وهذا مشاهد في واقع الناس ومعروف عبر التاريخ، ولا يشك عاقل منصف أن العرب من أذكى الأمم وإن كان القرآن نزل عليهم في وقت كانت الأمية منتشرة فيهم، كما قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {الجمعة:2} ، ولكنهم عندما تعلموا من وحي السماء وهدي الأنبياء استوعبوا المعارف كلها وأصبحوا معلمي البشرية وساستها، وقد كانوا قبل على درجة عالية من الذكاء والحفظ والضبط وقصصهم في ذلك كثيرة وأخبارهم معروفة، ولذلك فليس نزول القرآن بلغتهم يعني عدم فهمهم أو استيعابهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1426(1/1144)
حكم من قال بأن القرآن كلام جبريل أو محمد عليهم السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيوخ: ما حكم من يقول إن القرآن ليس كلام الله وإنما كلام جبريل والرسول محمد، أو في الشرع من يقول إنه كلام الرسول محمد أو جبريل فقد كفر.
سؤال: هل يقتل الذي يقول إن القرآن كلام بشري؟ وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مذهب سلف الأمة وأهل السنة أن القرآن الكريم كلام الله المنزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأن الله تعالى تكلم به حقيقة بصوت وسمعه جبريل عليه السلام، ونزل به على محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ {البقرة: 97} . ومن قال القرآن مخلوق أو أن معناه كلام الله وحروفه ليست كلام الله وإنما هي من كلام جبريل أو محمد عليهم السلام فهو كافر مرتد، ولكن الشخص المعين لا يحكم عليه بالكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية التي يكفر تاركها ويزال ما عنده من شبهة أو تأويل. قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء: 15} . وقال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ {التوبة: 115} .
قال أبو محمد بن حزم: لأن المرء قبل أن يأتيه خبر الرسول غير ضال بشيء مما يفعله أصلا، فإنما سمى الله تعالى فعله في العبد إضلالا بعد بلوغ البيان إليه لا قبل ذلك. اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن القول قد يكون كفرا كمقالات الجهمية الذين قالوا إن الله لا يتكلم، ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر فيطلق القول بتكفير القائل، كما قال السلف: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة. اهـ.
أما إذا قامت عليه الحجة وأصر على قوله فهو كافر مرتد، فلولي الأمر أن يقتله بعد أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتله، وليس لآحاد الرعية إقامة الحدود دون إذن ولي الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1425(1/1145)
تفسير (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
نسمع ونؤمن بأن القرآن منزل، ولكن كيف ورد القرآن ((ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث))
حيث عبر عن الآيات بمحدثة، ومحدثة لا تكون إلا مخلوقة راجع لسان العرب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقرآن كلام الله تعالى وليس بمخلوق، وأما الآية فلا دلالة فيها لأهل البدع لأنها لا تتحدث عن حدوث القرآن، وإنما تتحدث عن حدوث نزوله إلينا، وشتان بين الأمرين ومن أراد الوقوف على معنى الآية فهاهي كتب المفسرين بين أيدينا
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى: وفي هذا الذكر ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه القرآن قاله ابن عباس. فعلى هذا تكون الإشارة بقوله محدث إلى إنزاله له لأنه أنزل شيئا بعد شيء.
والثاني: أنه ذكر من الأذكار وليس بالقرآن. حكاه أبو سليمان الدمشقي. وقال النقاش: هو ذكر من رسول الله وليس بالقرآن
والثالث: أنه رسول الله بدليل قوله في سياق الآية هل هذا الا بشر مثلكم. قاله الحسن بن الفضل اهـ
وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: أي ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث، يريد في النزول وتلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة، وآية بعد آية، كما كان ينزله الله تعالى عليه في وقت بعد وقت، لا أن القرآن مخلوق. وقيل: الذكر ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ويعظهم به. وقال: من ربهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا بالوحي، فوعظ النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره ذكر، وهو محدث، قال الله تعالى: فذكر إنما أنت مذكر [الغاشية: 21] . ويقال: فلان في مجلس الذكر. وقيل: الذكر الرسول نفسه، قاله الحسين بن الفضل بدليل ما في سياق الآية هل هذا إلا بشر مثلكم [الأنبياء: 3] ولو أراد بالذكر القرآن لقال: هل هذا إلا أساطير الأولين، ودليل هذا التأويل قوله تعالى: ويقولون إنه لمجنون * وما هو إلا ذكر للعالمين [القلم: 51 - 52] يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، وقال: قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا [الطلاق: 10 - 11] . إلا استمعوه يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، أو القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم أو من أمته.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: وقوله: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فالمراد أن تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه، وبهذا احتج الامام أحمد ثم ساق البيهقي حديث نيار -بكسر النون وتخفيف التحتانية- بن مكرم ان أبا بكر قرأ عليهم سورة الروم فقالوا: هذا كلامك أو كلام صاحبك؟ قال: ليس كلامي ولا كلام صاحبي ولكنه كلام الله، وأصل هذا الحديث أخرجه الترمذي مصححا، وعن علي بن أبي طالب: ما حكمت مخلوقا ما حكمت إلا القرآن. ومن طريق سفيان بن عيينة سمعت عمرو بن دينار وغيره من مشيختنا يقولون: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. وقال ابن حزم في الملل والنحل: أجمع أهل الإسلام على أن الله تعالى كلم موسى، وعلى أن القرآن كلام الله، وكذا غيره من الكتب المنزلة والصحف، ثم اختلفوا فقالت المعتزلة أن كلام الله صفة فعل مخلوقة وأنه كلم موسى بكلام أحدثه في الشجرة. وقال أحمد ومن تبعه: كلام الله هو علمه لم يزل وليس بمخلوق. وقالت الأشعرية: كلام الله صفة ذات لم يزل وليس بمخلوق وهو غير علم الله وليس لله إلا كلام واحد، واحتج لأحمد بأن الدلائل القاطعة قامت على أن الله لا يشبهه شيء من خلقه بوجه من الوجوه، فلما كان كلامنا غيرنا وكان مخلوقا، وجب أن يكون كلامه سبحانه وتعالى ليس غيره وليس مخلوقا. وأطال في الرد على المخالفين لذلك. انتهى من الفتح.
وقال الإمام البيهقي -رحمه الله تعالى- في كتابه الاعتقاد: وقوله: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون يحتمل أن يكون معناه ذكرا غير القرآن وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ووعظه إياهم بقوله: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ولأنه لم يقل: لا يأتيهم ذكر إلا كان محدثا وإنما قال: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون، فدل على أن ذكرا غير محدث. ثم إنه إنما أراد ذكر القرآن لهم وتلاوته عليهم وعلمهم به وكل ذلك محدث، والمذكور المتلو المعلوم غير محدث، كما أن ذكر العبد لله وعلمه به وعبادته له محدث، والمذكور المعلوم المعبود غير محدث، وحين احتج به على أحمد بن حنبل رحمه الله قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: قد يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه محدث.
وراجع الفتوى رقم: 3988
والله أعلم.
... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1425(1/1146)
موقف الشافعي من القول بخلق القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حضر الإمام الشافعي فتنة خلق القرآن؛ وماذا كان موقفه؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشافعي مات قبل أن يمتحن الخليفة المأمون العلماء بالقول بخلق القرآن، لأن الشافعي توفي عام: 204هـ، والامتحان كان في عام: 218هـ قال الحافظ السيوطي في تاريخ الخلفاء: وفي سنة ثمان عشر امتحن -أي المأمون- الناس بالقول في خلق القرآن ...
وأما موقف الشافعي من هذه المسألة فهو أن القول بخلق القرآن كفر، ففي شرح أصول الاعتقاد للالكائي عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(1/1147)
لا حرج أن يقال القرآن صفة لله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوزالقول بأن القرآن صفة لله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقرآن كلام الله، وكلامه صفة من صفاته، فلا حرج أن يقال القرآن صفة لله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1425(1/1148)
حكم من يقول بأن القرآن مخلوق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقول بأن القرآن مخلوق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا ريب أن القرآن الكريم هو كلام الله ليس بمخلوق، ولا ريب أن مقولة خلق القرآن مقولة كفرية، ابتدعها الجهمية واشتد نكير العلماء عليهم، فمن ذلك ما ذكره اللالكائي في شرح أصول السنة قال: عن عمرو بن دينار قال: أدركت تسعة من الصحابة يقولون: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. وروي عن مالك أنه سئل عمن يقول القرآن مخلوق قال: كافر زنديق، ومثله عن سفيان بن عيينة وأبي بكر بن عياش وخلق كثير من الأئمة، وروي عن الشافعي قوله: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. ونقل ابن القيم في الصواعق المرسلة نقولات كثيرة جداً عن الأئمة والعلماء في هذه المسألة، وكلهم يقولون من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر، ومع ما تقدم فإنه وإن كان القول كفراً، فإن قائله لا يكفر حتى تقام عليه الحجة. وانظر في ضوابط التكفير الفتوى رقم: 721 ورقم: 12883 ورقم: 35564 والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1149)
المواضع التي تقرأ فيها سورتا الإخلاص والكافرون
[السُّؤَالُ]
ـ[أذكروا لنا بعض المواضع التي تستحب فيها قراءة سورة الإخلاص والكافرون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتستحب قراءة سورة الإخلاص والكافرون في عدة مواضع منها:
1- في ركعتي رغيبة الفجر، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قرأ في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد.
2- في ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم، روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون.
3- في صلاة الوتر، لما رواه أحمد في مسنده، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث، بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد. وصححه الأرناؤوط.
4- في السنة الراتبة للمغرب - وهي البعدية - روى أحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قرأ في الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب بضعاً وعشرين مرة، أو بضع عشرة مرة، قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد. وصححه الأرناؤوط.
5- عند النوم، ففي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقرأ عند منامك قل يا أيها الكافرون، قال: ثم نم على خاتمتها، فإنها براءة من الشرك. وحسنه الأرناؤوط. ورواه أبو داود وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1424(1/1150)
الصفة لا تفارق الموصوف
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد:
سؤالي هو: تناقشت أنا وأحد الأصدقاء عن طريق الإنترنت على مسألة خلق القرآن وطال النقاش بيني وبينه ذكرت له الأدلة من القرآن والسنة على أن القرآن هو كلام الله وأتاني هو أيضاً بالأدلة من القرآن والسنة واشتد النقاش ولم أقتنع ولكن في نهاية النقاش سألني سؤالاً حيرني جداً قال لي من المعروف أنه يوجد في هذه الدنيا خالق ومخلوق ضع القرآن في أيهما شئت؟ أرجو منكم أن تزيلوا الحيرة التي أصابتني؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقرآن كلام الله غير مخلوق، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع السلف؛ لأنه صفة من صفات الله تعالى وصفاته تعالى غير مخلوقة، فما أورده هذا المبتدع - عافاه الله - مجرد تلبيس لأنه لا يقول عاقل أن الصفة تفارق الموصوف حتى يقال ما ثَمَّ إلا خالق ومخلوق فضع الصفة، من أيهما.
وانظر تتميماً للفائدة الفتاوى التالية:
3988، 1930، 17271.
ونوصيك بالبعد عن مجالسة أهل الأهواء والشبهات -المبتدعين- لأن مجالستهم تمرض القلب وتورث الشبهة وتوقع في الريب، لا سيما لمن لم يكن مؤهلاً برسوخه في العلم ودرايته بأساليب المناظرة وآدابها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1424(1/1151)
ما ورد في القرآن عن غير أهل اللسان معرب عن معانيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعلم أن القران معجز في كل كلمة من كلماته فهل عندما تذكر فيه جملة قد قالها شخص أو قوم ينقلها إلينا ربنا عز وجل كما قيلت تماماً؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن جميع ما ورد في القرآن هو من كلام الله جل وعلا، وما كان منه حكاية عن شخص آخر، كقوله تعالى: (قَالَ مُوسَى) و (قَالَ فِرْعَوْنُ) ، فإنما هو نقل لمعنى الكلام دون لفظه.
قال السيوطي رحمه الله في الإتقان المجلد الثاني ص 255-266 نقلاً عن ابن جني من الخاطريات عند قوله تعالى: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى) [طه:65] .
إن جميع ما ورد في القرآن عن غير أهل اللسان من القرون الخالية إنما هو معرب عن معانيهم وليس بحقيقة ألفاظهم، وبهذا لا يشك في أن قوله تعالى: (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) [طه:63] .
إن هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1423(1/1152)
معنى قول الأشاعرة (كلام الله معنى واحد قائم بالنفس..)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أودو من سعادتكم ان توضحوا لي عن هذاالفقره؟ (إثبات أن القرآن كلام الله حقيقة) ..
أعجبني الموضوع جداً.. وزادني معلومات.. لكن فيه شيء أريد أن استفسر عنه..لأني أريد أن أزيد معلوماتي..
أما الأشاعرة فذهبوا إلى أن الكلام معنى قائم بالنفس؛ قالوا: إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن، وإن عبر عنه بالعِبرية فهو توراة، وإن عبر عنه بالسُريانية فهو إنجيل؛ هكذا يقولون.
هذه الفقرة ما المقصود بها؟؟ هل المقصود أنهم يعتبرون كلام الله عزوجل في جميع الكتب واحداً لكن المختلف فيه اللغة؟؟
والسلام عليكم ورحمة الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذهب إليه الأشاعرة في هذه المسألة أمر لا يقبله العقل ولا يسوغه الشرع، وذلك قولهم: إن كلام الله معنى واحد قائم بالنفس، يستوي فيه الأمر والنهي والخبر والإنشاء، وهذا في غاية العجب، ويلزم منه أن: قل هو الله أحد هي بعينها: تبت يدا أبي لهب وتب، ولا تقربوا الزنا
ثم قالوا عن هذا المعنى النفسي: إن عُبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة.
ويلزم من هذا أن ما في القرآن من المعاني هو ما في التوراة والإنجيل، وهذا باطل يكفي في بطلانه مجرد تصوره، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وجمهور العقلاء يقولون: إن فساد هذا معلوم بالضرورة بعد التصور التام، نحن إذا عربنا التوراة والإنجيل لم يكن معناهما معنى القرآن، بل معاني هذا ليست معاني هذا، وكذلك (قل هو الله أحد) ليس هو معنى (تبت يدا أبي لهب) ولا معنى آية الكرسي ولا آية الدين. انتهى من مجموع الفتاوى 12/122.
ثم هم يختلفون في المعبر من هو؟ فمنهم من يقول: المعبر هو جبريل، ومنهم من يقول: المعبر هو محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا مشابهة لمن قال عن القرآن: إنه قول البشر.
والحاصل أن الذي أوقع الأشاعرة في هذا الانحراف العجيب إنكارهم أن الله تعالى يتكلم بكلام ملفوظ مسموع بحرف وصوت، واختراعهم لهذا الوهم المسمى بالكلام النفسي الذي اخترعوا له هذه الصفات الباطلة: معنى واحد، يستوي فيه الأمر والنهي...... ألخ
وهذا مصير منهم إلى أن الله تعالى لا يتكلم حقيقة، إذ الكلام في لغة العرب هو اللفظ والمعنى، ومصير منهم إلى أن القرآن المتعبد بتلاوته مخلوق لم يتكلم به الله، وهذا ما صرح به بعض أئمتهم لكن قالوا: لا يقال هذا إلا في مقام التعليم، وهذا لدفع الشناعة عليهم، قال الإمام ابن قدامة -رحمه الله- في روضة الناظر في مبحث الأمر: وزعمت فرقة من المبتدعة أنه لا صيغة للأمر، بناء على خيالهم أن الكلام معنى قائم في النفس، فخالفوا الكتاب والسنة وأهل اللغة والعرف، أما الكتاب فإن الله تعالى قال لزكريا: قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً*فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً [مريم: 10-11] .
فلم يسم إشارته إليهم كلاماً. وقال لمريم: فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً [مريم:26] . فالحجة فيه مثل الحجة في الأول.
وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عفا لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل به.، وقال: وإذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين. ولم يرد بذلك ما في النفس.
وأما أهل اللسان فإنهم اتفقوا عن آخرهم على أن الكلام: اسم وفعل وحرف.
واتفق الفقهاء بأجمعهم على أن من حلف لا يتكلم فحدث نفسه بشيء دون أن ينطق بلسانه لم يحنث، ولو نطق حنث، وأهل العرف كلهم يسمون الناطق متكلماً ومن عداه ساكتاً أو أخرس.
ومن خالف كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الناس كلهم على اختلاف طبقاتهم فلا يعتد بخلافه. انتهى كلام ابن قدامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1423(1/1153)
القرآن الكريم كلام الله غير مخلوق
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم.
ما معنى أن القرآن غير مخلوق حيث نحن نراه مكوناً من حروف وكلمات؟
قرأت أيضا إذا كان القرآن غير مخلوق فهل القرآن هو الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
القرآن الكريم - كما هو مذهب السلف قاطبة إذ ثبت ذلك في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - هو كلام الله غير مخلوق، لأنه صفة من صفات الرب جل وعلا، وصفاته تعالى غير مخلوقة، تكلم الله به حقيقة بصوت وحرف، وأسمعه جبريل، ونزله على محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (قل من كان عدوّاً لجبريل فإنه نزّله على قلبك بإذن الله) [البقرة: 97] .
ومما استدل به الأئمة رحمهم الله على ذلك ما ثبت في الصحيح وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" فقد قال: "إن الاستعاذة لا تكون بمخلوق، ولكن تكون إلا بالله جل وعلا، أو بصفة من صفات الرب سبحانه وتعالى".
قال أحمد رحمه الله: نقول: القرآن الكريم كلام الله حيث تصرف: أي حيث تلي وكتب وقرئ مما هو في نفس الأمر كلام الله فهو كلامه، وكلامه غير مخلوق. وما كان من صفات العباد وأفعالهم التي يقرؤون ويكتبون بها كلامه كأصواتهم ومدادهم فهو مخلوق، ولهذا من لم يهتد إلى هذا الفرق يحار فإنه من المعلوم أن القرآن واحد ويقرؤه خلق كثير، والقرآن لا يكثر في نفسه بكثرة قراءة القراء، وإنما يكثر ما يقرؤون به القرآن فبما يكثر ويحدث في العباد فهو مخلوق، والقرآن نفسه لفظه ومعناه الذي تكلم الله به، وسمعه جبريل من الله، وسمعه محمد من جبريل، وبلغه محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس، وأنذر به الأمم لقوله تعالى: (لأنذركم به ومن بلغ) [الأنعام:19] . قرآن واحد وهو كلام الله غير مخلوق.
ونضرب مثالاً يقرب هذا إلى الفهم - ولله المثل الأعلى - وهو أنه لو تكلم شخص بكلام فنقلت كلامه بنصه إلى الناس فقالوا لك هل هذا كلامك؟ فإنك تقول لهم لا! بل هذا كلام فلان، وأنت الذي تكلمت به بصوتك، وقد تكتبه ويقرؤه غيرك، فننسب ذلك الذي تكلمت به إلى من قاله حقيقة. ونحن لا نعبد القرآن بل نعبد الله تعالى - الذي خلقنا - ونتعبده سبحانه وتعالى بصفاته ومن صفاته القرآن الكريم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1154)
تهافت الادعاء بأن القرآن مقتبس من الإنجيل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم وأفتخر وأشكر الله على نعمة الإسلام -سؤال - بعض الهابطين والساقطين من النصارى يقولون بعض القرآن مأخوذ من الإنجيل والباقي تأليف. فما ردكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكر مجرد دعوى باطلة لا تمت للحقيقة بصلة، ويكفي في ردها الاطلاع السريع على القرآن وعلى الإنجيل المحرف، لمعرفة الفرق الشاسع بينهما، سواء في المضمون أو في الأسلوب.
ثم إن مدعي هذه الدعوى الكاذبة هو المطالب بإقامة الدليل على دعواه، ولكن دائما حال المفلس كيل التهم جزافا، كفعل كفار العرب حينما قالوا عن القرآن: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً {الفرقان:5} وكما وصفهم الله تعالى فقال: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ {الأنفال:31} .
وقد سبق أن بينا أدلة حصول التحريف في التوراة والإنجيل، وأدلة ثبوت صحة القرآن، في الفتويين رقم: 29326، 9732. ونرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 74500، 78443.
وبخصوص شبهة أن القرآن مقتبس من الكتب السابقة، يمكن للسائل الكريم الاطلاع على ردٍّ مفصل لها على هذا الرابط:
http://www.islamic-council.com/qadaiaux/11.asp
وقد سبق أيضا أن ذكرنا بعض الأدلة العقلية والتاريخية على صحة وحفظ القرآن الكريم، في الفتويين رقم: 8187، 19694. وكذلك سبق أن ذكرنا بعض المواقع التي تدحض أوهام المشككين في صحة القرآن الكريم، في الفتوى رقم: 21599.
ويكفي المسلم أن يرد على الحاقدين بما رد الله به على أسلافهم حيث قال: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {البقرة:23} .
وإذا كان ما تدعونه حقا، فاقطعوا الشك باليقين وأتوا بسورة مؤلفة تضاهي سور القرآن أسلوبا ومضمونا....
ولن يأتوا بذلك فقد قال الله تعالى: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ {البقرة:24} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1430(1/1155)
لا يعارض القرآن بمزاعم موجودة في التوراة والإنجيل
[السُّؤَالُ]
ـ[وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
السؤال: كيف يطلبون ما تنبت الأرض وهم يعيشون في الصحراء الرملية بدون ماء، والرمل لا يمكن زرعه
لكن الحقيقة حسب التوراة أنهم اشتهوا ما كانوا يأكلون في مصر ولم يطلبوا هذا الطلب من موسى، لكن الذي طلبوه فعلا هو أن يرجعوا الى مصر وليس موسى قال لهم اهبطوا مصرا فلماذا هذا الاختلاف؟
ثم كيف يقول ويقتلون النبيين بغير الحق ولم يكن بعد لديهم أنبياء بعد غير موسى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القرآن كلام الله تعالى العليم الخبير، وهو سبحانه أدرى بحال الناس الذين تكلم القرآن عنهم، ولا يخفى عليه شيء من حالهم، وهو بكل شيء عليم، يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون، فكل ما جاء في القرآن من أخبار أو نقل عن السابقين أو اللاحقين من أقوال فإنه حق وصدق لا تبديل فيه ولا تحريف ولا زيادة ولا نقص؛ كما قال الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا {النساء:87} وقال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً {النساء:122} .
ولا يسوغ أن يعارض القرآن بما يزعم الزاعمون وجوده في التوراة والإنجيل، فان ما في أيدي أهل الكتاب اليوم من التوراة والإنجيل قد دخله التحريف بالزيادة والنقصان، والتبديل والتغيير في مواضع كثيرة منه، يقطع العاقل بأنها ليست من كلام الله تعالى
وقد شهد الله تعالى على أهل الكتاب بهذا التحريف والتغيير فقال: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُون {البقرة:75}
وقال: فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ {البقرة:79}
وقال: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {المائدة:13}
وقال: مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ {النساء:46}
وأظهر شاهد على وقوع التحريف في التوراة تلك القبائح والعظائم التي ينسبونها إلى أنبياء الله الكرام صلوات الله عليهم، مما يتنزه عنه أقل الناس صلاحا وديانة، نعني بذلك ما نسبوه إلى نوح ولوط وداود عليهم السلام من شرب الخمر، والوقوع على المحارم، والغدر والخيانة، نعوذ بالله من إفك اليهود.
ومن أقوى ما يدل على صدق القرآن ما ذكره القرطبي في مقدمة تفسيره وهو يتحدث عن إعجاز القرآن، فقد قال -رحمه الله-: لأن الأمة لم تزل تنقل القرآن خلفا عن سلف، والسلف عن سلفه إلى أن يتصل ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم المعلوم وجوده بالضرورة، وصدقه بالأدلة والمعجزات، والرسول أخذه عن جبريل عليه السلام عن ربه عز وجل، فنقل القرآن في الأصل رسولان معصومان من الزيادة والنقصان، ونقله إلينا بعدهم أهل التواتر الذين لا يجوز عليهم الكذب فيما ينقلونه ويسمعونه لكثرة العدد. انتهى.
فالقرآن محفوظ من أن يتطرق إليه نقص أو إسقاط، فقد تكفل الله بحفظه ولم يكله إلى الناس، فقال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} ، ولا شك أن وعد الله حق، كما قال الله تعالى: يا أيها الناس إن وعد الله حق {فاطر:5}
وبناء عليه فيلزم التصديق والإيمان بما أنزل الله في كتبه، واعتماد ما في القرآن وثابت السنة فقط لأن القرآن ثبت حفظه، فلنصدق ما أخبر الله به عن اليهود في قوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {البقرة:61} .
ولا يسوغ أن نعارض الوحي المعصوم بالعقل بل يتعين أن نتهم عقولنا بالقصور، فالآية لم تذكر طلبهم زروعا يرونها أمامهم، وما طلبوه مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، يمكن أن يعنى به ما تعودوا عليه في الامصار سابقا، ويدل لهذا أن الله لما استجاب لهم قال لهم: اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم. وفي قراءة اهبطوا مصر بدون تنوين.
وأما قتل الأنبياء فليس في الآية أنهم قتلوا معاصري موسى، وإنما حكى الله عنهم تكذيب وقتل الأنبياء بعد ذلك، كلما جاؤوهم بما لا تهوى أنفسهم فقال الله تعالى: لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون {المائدة:70}
وقد سبق لنا فتاوى في الأدلة القاطعة على صحة القرآن وإثبات تحريف التوراة والإنجيل، ومن ذلك الفتاوى التالية: 29326، 19694، 43148، 20706، 12746.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1430(1/1156)
من مظاهر صدق القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي ضعف كثير جداً بالإيمان بالله، فأنا أظن أن الطبيعة أوجدت القرآن أو أن أحداً كتبه ليقنع الناس ويبيعه وكلما أسمع القرآن أخاف أن أتعذب يوم القيامة، وأريد أن أقنع نفسي بوجود الله لأني أخاف عذاب يوم عظيم، وأنا متوتر لأني لا أستطيع أن أقنع نفسي بوجود الله وكلما أفعل أظن أن هناك أحداً كتب القرآن، أنا خائف فأرجو المساعدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الطبيعة مخلوق لا يفعل شيئاً، والكون وما فيه من أشياء مختلفة آيات تدل على وجود الله وقدرته، وأما القرآن فهو كلام الله وقد اتفق على ذلك أكثر من مليار من البشر وتناقلوا ذلك خلفاً عن سلف حتى يصل للصحابة الناقلين عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن تأمل بعقله في أسلوب القرآن وبلاغته وأخباره وما يدعو إليه سيعرف أنه ليس مخترعاً من قبل البشر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نرجو أن تفكر بعقلك بعيداً عن المؤثرات الثقافية التي درستها أو سمعت عنها وتأثرت بها، فما هي الطبيعة؟ هل هي كائن حي يفعل بنفسه ويتكلم أم ماذا؟!! واسأل نفسك من المؤثر في الطبيعة الذي تتحول الأحوال بقدرته من حر إلى برد ومن خصب إلى جدب ومن ليل إلى نهار ومن ضياء إلى ظلام، من الذي فعل هذا، ومن رفع السماء وزينها بالنجوم، ومن أنبت من الحب أشجارا وجعل فيها ثمارا مختلفة الطعوم والألوان والأحجام!! فالتمر مثلاً تختلف أحجامه وألوانه وطعومه ويتقلب من حال إلى حال سبع مرات، والإنسان أصله قطرة ماء ثم يتحول من حال إلى حال عدة مرات، ثم يخرج من البطن ثم يكبر فترى الناس في قارة واحدة مختلفي الأحجام طولاً وضخامة وقصراً ونحافة ومختلفي الألوان واللغات، فمن الذي صنع هذا وأتقن صنعه وأحسن خلقه، هل هو شيء وهمي يسمى الطبيعة أم خلق نفسه أم خلق من غير شيء، لو فكرت بعقلك لعلمت أنه لا بد لهذا الكون المحكم النظام من خالق قادر حكيم في تدبيره لأمور خلقه.
فهذا الخالق الحكيم هو الذي خلقنا وخلقك وخلق جميع الكائنات بقدرته وأسبغ علينا نعمه لنشكره ونسلم له، كما قال الله تعالى: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل:81} ، ومن رحمته بنا بيانه للطريقة التي نشكره ونتعبده بها، فأنزل الكتب وأرسل الرسل حتى يعذر لخلقه ولا يكون لأحد حجة بعد الرسل، وقد نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يقرؤه على العرب وهم أساطين البلاغة وقد تحداهم وطلب منهم محاكاته فعجزوا عن ذلك، فظهر للعقلاء منهم أنه كلام الله وأنه غير مفترى من قبل البشر، نظراً لما امتاز به من رفعة الأسلوب وجزالة الألفاظ، ولما جاء فيه من الأخبار الصادقة التي لم تكن عند العرب، ولا يزال الناس حتى الآن يزدادون يقيناً بأن القرآن منزل من عند الله، نظراً لما يكتشف وقتاً بعد وقت من الحقائق العلمية التي سبق أن ذكرها القرآن، ثم إن من إعظم دلائل كون القرآن كلام الله هو اتفاق المسلمين في الشرق والغرب على ذلك ونقل الخلف له عن السلف بنفس الألفاظ، فترى كثيراً منهم يحفظه، ولو أن شخصاً أخطأ فيه لتنادوا عليه ببيان الخطأ والصواب، وهذا من مظاهر صدق وعد الله بحفظ القرآن، هذا ونوصيك بالإكثار من سؤال الله الهداية، والحفاظ على الأذكار والصلاة في الجماعة.
وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8187، 54570، 19694، 6472، 33504، 36191.
وأما وجود الله ووجوب توحيده وطاعته فقد أرسلنا لك فتويين فيه فطالعهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1428(1/1157)
مصحف فاطمة.. فرية متهافتة
[السُّؤَالُ]
ـ[علماءنا الأحبة إخوتي الأفاضل
تشهد منطقتنا موجة غير عادية من الغزو الدعوي البدعي ورمي الشبهات على العامة عبر االمواقع الالكترونية والفضائيات بل والمقروءات وقد أثر ذلك بلا ريب على جمع من الناس على اختلاف مشاربهم وأعمارهم.
فأخذ هؤلاء العوام يتبنون تلك العقائد الخرافية ويرددونها بل ويدعون لها في مجالسهم الخاصة!
وبدوري كلما تواجدت رددت على ما استطعت منها إلى أن أورد أحدهم شبهة مصحف فاطمة، وأنه غير قرآن فاطمة، وأن مَلكا كان يتنزل عليها فأخبرت علي بن أبي طالب بذلك فطلب منها إخباره عند قدوم المَلك وفعلت أن أخبرته على زعمهم.. فأخذ بدوره يسجل ما يقوله لها.. فذلك مصحف فاطمة.
وهكذا من خزعبلات فكان ردي أن الوحي انقطع والدين أكمله الله بخاتم النبيين وأن الوحي لا يتنزل على امرأة.
فكان ردهم أن الوحي نزل على أم موسى بل وخاطب مريم وتجادلا. فأرجو الاهتمام وإفادتي حيث أن الأمر أخذ يتسع.
اعذروني على الإطالة فلا بد من الشرح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا نجاة إذا حصل الافتراق والخلاف في هذه الأمة إلا بالرجوع للقرآن والسنة الثابتة واتباع ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذلك لأن مرجع المؤمنين عند الخلاف هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {النساء:59} .
وقد روى الترمذي في جامعه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. والحديث حسنه الألباني، ولا بد من البعد عما يخالف منهج الرسول صلى الله عليه وسلم من بدع ومحدثات، لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما -واللفظ للبخاري - عن ابن عباس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلا، ثم قال: كما بدأنا أول خلق نعيده، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد.
ثم إنك قد صدقت فيما ذكرت من اختصاص النبوة بالرجال، وانقطاع الوحي من السماء بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الرسل ختموا بالرسول صلى الله عليه وسلم. فإن الذي تدل عليه النصوص الشرعية أن النبوة بمعناها الشرعي خاصة بالرجال، ومن هذه الأدلة قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ {يوسف: من الآية109} .....
قال الشوكاني في فتح القدير: وتدل الآية على أن الله لم يبعث نبيا من النساء ولا من الجن، وهذا يرد على من قال: إن في النساء أربع نبيات: حواء وآسية وأم موسى ومريم....
ومما يدل على أن الوحي قد انقطع بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يعد هناك مجال لادعائه أو لنسبته لأحد في كل زمان ومكان، ما روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها.
وفي صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه قال: إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نؤمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة.
وقد استفاضت النصوص وتواطأت على أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأن رسالته خاتمة الرسالات، فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا {الأحزاب:40} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون.
واما الوحي الذي حصل لأم موسى فهو الوحي بمعنى الإلهام، وهو يحصل للنساء وللحيوانات؛ كما قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ {القصص:7} وقال الله تعالى: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {النحل:68-69}
وأما زعم أن لفاطمة مصحفا أو قرآنا سواء اتحدا أو تعددا فهو باطل، ويدل له أنه لا بد أن يتوفر في القرآن التواتر، وموافقة رسم الصحابة، ووجه من وجوه اللغة، كما نص على ذلك المحقق ابن الجزري وغيره من أهل العلم.
والتواتر في الاصطلاح: هو إخبار جمع، أو نقل جمع يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب طبقة بعد طبقة إلى أن يصل إلى المخبر به ليفيد العلم اليقيني كنقل القرآن العظيم. أفاده صاحب نشر البنود على مراقي السعود. فكيف بقرآن أو مصحف يروى عن آحاد مع أنه لم يثبت عنهم؟!
ويدل لبطلانه أيضا أنه لم ينقله أحد من الثقات المحدثين الذين يوثق بنقلهم وقد عرف عنهم التحري في النقل والتورع عن الكذب، ولاعرف نقله عن أحد من أصحاب السير والتاريخ المعروفين بالتساهل ورواية وتدوين كثير مما سمعوه من أخبار الصحابة، فقد نقلوا لنا أشعار فاطمة وأشعار وحكم علي رضي الله عنهما، فهل فاتهم أمر هذا المصحف، واطلع عليه المتأخرون في القرون المتأخرة؟!
وما يعزى لبعض الشيعة من القول في القرآن بالتحريف أنكره كثير منهم قديما وحديثا، وذكر كثير منهم أنه ليس عندهم إلا القرآن المعروف عند الأمة، وقد أطنب العلامة الألوسي في تفسيره (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) في بيان ضلال من زعم التحريف في القرآن، ونقل عن الطبرسي -وهو من علماء الشيعة- موافقته لأهل السنة في إنكار من زعم تحريفه أو نقصه فقال:
قال الطبرسي في مجمع البيان: أما الزيادة فيه -أي القرآن- فمجمع على بطلانها، وأما النقصان فقد روي عن قوم من أصحابنا وقوم من حشوية العامة، والصحيح خلافه وهو الذي نصره المرتضى واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات وذكر في مواضع أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة، فإن الغاية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حد لم تبلغه فيما ذكرناه؛ لأن القرآن مفجر النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته حروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟! وقال أيضا: إن العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني، فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها حتى لو أن مدخلا أدخل في كتاب سيبويه بابا من النحو ليس من الكتاب لعرف وميز أنه ملحوق وأنه ليس من أصل الكتاب، وكذا القول في كتاب المزني. ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء، وذكر أيضا أن القرآن كان على عهد رسول الله مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان، وأنه كان يعرض على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويتلى عليه، وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عدة ختمات، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير مثبور ولا مبثوث، وذكر أن من خالف ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع بصحته. انتهى
وراجع لزاما تفسير الألوسي للاطلاع على بحثه للموضوع ونقاشه له.
وما يقال في نفي وجود مصحف أو قرآن خاص بآل البيت يقال مثله في نفي وجود علم شرعي مأخوذ من السنة يختصون به عن العلماء الآخرين، فقد صح عن علي رضي الله عنه أنه قيل له: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: ما خصنا بشيء لم يعم به الناس كافة؛ إلا ما كان في قراب سيفي هذا، فأخرج صحيفة مكتوب فيها: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثا. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني والأرناؤوط. وفي رواية لمسلم أنه قال له رجل: ما كان النبي يسر إليك؟ فغضب وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلي شيئا يكتمه الناس غير أنه حدثني بكلمات أربع، فقال: ما هي يا أمير المؤمنين؟ فقال: لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من غير منار الأرض.
وهذا صريح من علي أنه لم يخصه ولا أهله بشيء، وحتى هذه الصحيفة لم تكن خاصة بهم فلذا أبرزها علي للناس وعلمهم ما فيها.
هذا، ونوصيك بالحرص على نشر الحق وتعليمه للناس، واحرص على ربطهم بالله، وحضهم على سؤال الله الهداية، ولا سيما في الصلاة، وليكثروا من قيام الليل ويحرصوا على الدعاء في استفتاح القيام بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح به دائما، كما في حديث عائشة أنه كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. أخرجه مسلم.
وراجع في خطورة زعم تحريف القرآن الفتوى رقم: 6484، والقتوى رقم: 40418.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1428(1/1158)
فتاوى حول النسخ في القرآن وحفظه من التحريف
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت مقالا على الرابط التالي:
http://www.alarabiya.net/Articles/2006/09/26/27781.htm وهو تابع لموقع قناة العربية للدكتور محمد عابد الجابري ... ويتحدث فيه عن حدوث نقص في القرآن يقر به أهل السنة ... ويأتي بأدلة من أقوال عائشة رضي الله عنها وعمر وأبي موسى الأشعري وغيرهم.... ويدعي في آخر المقال بأن بعض علماء الإسلام من أهل السُّنة يعللون ظاهرة سقوط آيات من القرآن، بكونها داخلة في معنى النسخ، غير أن علماء آخرين أنكروا أن يكون ذلك من النسخ، وقالوا إن ما ذكر من الزيادة والنقصان في القرآن يرجع إلى خبر الآحاد، والقرآن لا يثبت بها وإنما يثبت بالتواتر.
أرجو منكم قراءة هذا المقال فهو ليس طويلا وأن توافوني بالرد الشافي الوافي لأنه أثار الشك في نفسي وعقيدتي ... كما أرجو أن تعلقوا على الأدلة الواردة به هل هي صحيحة أم أنها من تأليفه؟
ولكم مني جزيل الشكر وأسأل الله جل علاه أن يجعل هذا الجهد الطيب في ميزان حسناتكم يوم القيامة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أسهبنا الحديث حول هذا الموضوع وفصلنا الكلام في إثبات النسخ في القرآن وسلامة القرآن من تطرق النقص والتحريف إليه في عدة فتاوى سابقة، فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 54570، 57231، 12905، 6472، 40418، 3715، 13919، 37776، 48432، 57355، 62960.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1427(1/1159)
القرآن محفوظ من النقص والزيادة وبراءة أبي بكر وعمرمما نسب إليهما زورا وبهتانا
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأنا في بعض الكتب أن أحد الكتاب يدعي وجود آيات وسور أسقطت من القرآن الكريم، وهل صحيح أن سيدنا أبا بكر الصديق منع الخمس عن آل البيت، وما السبب؟ وهل صحيح أيضاً أن سيدنا عمر رضي الله عنه حرم بعض ما أحل الله تعالى؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القرآن محفوظ من أن يتطرق إليه نقص أو إسقاط فقد تكفل الله بحفظه ولم يكله إلى الناس، فقال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} ، ولا شك أن وعد الله حق، كما قال الله تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ {فاطر:5} ، وقد أجمع الصحابة على أن المصحف المجموع المكتوب في عهد الخلفاء الراشدين كامل ليس في نقص ولا تحريف.
وأما ادعاء أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما خالفا الشرع في أحكامهما فإنه مردود بعدة أمور منها:
1- ما ثبت من عدالتهما وثناء الصحب عليهما بالسير في الأمور بالمنهج النبوي.
2- ما عرف من الصحابة أنهم ما كانوا يقرون الخلفاء على الخطأ إذا أخطأوا، ولم نعلم أن أحداً من الصحب أنكر عليهم في هذا.
3- ماعلم عن علي رضي الله عنه من الثناء على الشيخين.
4- ما علم عن الشيخين من تقدير أهل البيت وتفضيلهم على بقية الناس.
وراجع للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 40418، 6484، 18130، 27619.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1425(1/1160)
الحكمة في حفظ الله للقرآن دون غيره من الكتب المنزلة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيوخنا الأفاضل: إذا سألني أحد النصارى لماذا لم يحفظ الله تعالى الإنجيل من التحريف والضياع، فما هي الإجابة المقنعة التي أرد عليها بها، وأرجو أن توجهوني إلى أفضل المواقع أو المقالات أو الأمور التي تعينني على دعوة النصارى (باللغة الإنجليزية) ؟ وجزاكم الله تعالى خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر العيني في شرحه للبخاري أن بعض علماء النصارى سأل محمد بن الوضاح، فقال: ما بال كتابكم معشر المسلمين لا زيادة فيه ولا نقصان، وكتابنا بخلاف ذلك. فقال: لأن الله وكل حفظ كتابكم إليكم. فقال: استحفظوا من كتاب الله، فلما وكله إلى مخلوق دخله الخرم والنقصان، وقال في كتابنا: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة الحجر: 9] . فتولى الله حفظه فلا سبيل إلى الزيادة فيه والنقصان.
وذكر الشنقيطي في أضواء البيان أن الله تعالى كلف الأحبار والرهبان بحفظ كتابه، ولكنهم لم يحفظوا ما استحفظوه، بل حرفوه وبدلوه عمداً.
هذا؛ ومن الحكم في حفظ الله للقرآن دون غيره من الكتب المنزلة أن القرآن كتاب الرسالة الباقية إلى قيام الساعة فقد تكفل الله بحفظه، فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] ، وأما غيره فهي كتب قابلة للنسخ بعد أنبيائها فلم يتول الله حفظها بنفسه وإنما كلف علماء أهل الكتاب بذلك.
وأما المواقع أو المقالات التي تعين على دعوة غير المسلمين بالإنجليزية فارجع إليها عند الدخول على هذين الرابطين:
http://islamweb.net/php/php_arabic/archive.php?vPart=164&startno=1&thelang=E
http://islamweb.net/php/php_arabic/archive.php?vPart=40&startno=1&thelang=E
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1425(1/1161)
القرآن محفوظ من تطرق النقص إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: هل تم كتابة القرآن الكريم على حرف واحد أم على عدة أحرف؟ وإذا كان على حرف واحد هل يعد ذلك نقصا في القرآن أو قصورا؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصحابة رضوان الله عليهم كتبوا القرآن الكريم في عهد الخليفة الراشد أمير المؤمنين عثمان على حرف قريش، فقد ذكر ابن أبي داود في كتاب المصاحف والبخاري في الصحيح مختصرا والترمذي في السنن أن عثمان رضي الله عنه أرسل إلى زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير أن انسخوا الصحف في المصاحف، وقال للرهط القرشيين الثلاثة: ما اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف بعث عثمان إلى كل أفق بمصحف من تلك المصاحف التي نسخوا.
هذا وليعلم أن الصحابة أخلوا المصاحف من الضبط لتكون قابلة للقراءة بجميع القراءات الثابتة.
قال صاحب المقرب المبسوط في المرسوم والمضبوط:
أخلوه من ضبط لكي يكونا ... أكثر من وجه لمن يتلونا
وأما الكلمات الزائدة في بعض القراءات فقد كتبت في بعض المصاحف، مثل زيادة من في قوله تعالى: [وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] (التوبة: 100) . في قراءة المكي حيث قرأ: "من تحتها" فقد كتب في المصحف المكي، ومثل "هو الغني الحميد بسورة الحديد، فقد كتبت في المصحف المدني والشامي بدون "هو "، وكذالك الواو في "وسارعوا"، ولا يعد هذا نقصا في القرآن لأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، وهو محفوظ من تطرق النقص إليه.
قال الله تعالى: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون] (الحجر: 9) .
وأما كتابته بطريقة تقبل عدة قراءات فهذا يعد من كمال القرآن ولا يعد نقصا ولا قصورا.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 4256، 5963، 46796.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(1/1162)
ما في الإنجيل من حق فهو ملتبس بالباطل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تم تحريف الإنجيل كله؟ وإذا لم يكن، فما هي الأجزاء التي حرفت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما هو موجود اليوم من الإنجيل لا يسلم من الزيادة والنقص والتبديل والتغيير، وبالتالي، فما فيه من حق قد التبس بالباطل، ولا يمكن تمييزه إلا بالرجوع إلى شرعنا المحفوظ من التحريف والتبديل.
قال تعالى: ِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] .
وقال تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 38] .
وما سلم من التحريف فلا حاجة للمسلم للنظر فيه لكون القرآن أتى ناسخا ومهيمنا على ما سبق من الكتب.
قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [المائدة: 48] .
ومن الجدير التنبيه عليه: أن الله تعالى شهد على أهل الكتاب بالتحريف والتغيير لما بين أيديهم من الكتب السماوية.
قال تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75] .
وقال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79] .
وراجع الأجوبة التالية: 2105، 8210، 14742، 20706.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1424(1/1163)
القرآن سالم من النقص محفوظ من التحريف والتبديل
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في سنن ابن ماجه الحديث رقم 1934 وأيضا في مسند أحمد الحديث رقم 20260، ألا يدلان على وجود نقص في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبالنسبة للحديث الذي ورد في سنن ابن ماجه فالجواب عنه مفصل في الفتوى رقم: 12905.
أما الحديث في مسند الإمام أحمد فلفظه: عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال: كم تقرأون سورة الأحزاب، قال: بعضا وسبعين آية، قال: لقد قرأتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البقرة أو أكثر منها، وإن فيها آية الرجم.
قال الإمام القرطبي في تفسيره عند بداية سورة الأحزاب: وهي ثلاث وسبعون آية، وكانت هذه السورة تعدل سورة البقرة وكانت فيها آية الرجم: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم، ذكره أبو بكر الأنباري عن أبي بن كعب، وهذا يحمله أهل العلم على أن الله تعالى رفع من الأحزاب إليه ما يزيد على ما في أيدينا وأن آية الرجم رفع لفظها.، إلى أن قال القرطبي أيضاً: عن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتي آية، فلما كتب المصحف لم يقدر منها إلا ما هي الآن.، قال أبو بكر: فمعنى هذا من قول أم المؤمنين عائشة أن الله تعالى رفع إليه من سورة الأحزاب ما يزيد على ما عندنا، قلت هذا وجه من وجوه النسخ. انتهى.
ولذا فإن ما رفع من هذه السورة يعتبر منسوخاً، والنسخ سائغ معروف بين الأمم وفي مختلف الأمم، كما في الجواب السابق.
وعليه فإن القرآن سالم من النقص والغلط، وكيف يعتريه النقص والخلل وهو كلام الله تعالى الذي تكفل بحفظه، حيث قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] .
وقال تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:41-42] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شوال 1424(1/1164)
االقرآن محفوظ من التحريف والتبديل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أستاذنا الفاضل: ماهو حكم الإسلام في من يقول بأن القرآن الموجود الآن غير الذي أنزل على الرسول
-صلى الله عليه وسلم- مع العلم بأنه مسلم ومثقف ومن الذين يشاركون بمواضيعهم في الجرائد (دفاعا عن الإسلام كما يقول) وإذا كان تاجراً هل تجوز المعاملة معه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النصوص الشرعية تدل بوضوح على أن القرآن كتاب الله تعالى محفوظ من التغيير والتبديل، سالم من النقص والزيادة والتحريف، وللتعرف على تفصيل هذه الأدلة، بالإضافة إلى حكم من ادعى التحريف في حق كتاب الله، تعالى يرجع إلى الفتاوى ذات الأرقام التالية:
6472، 19694، 9187.
أما بالنسبة للمعاملة مع الشخص المذكور فلا بأس بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع المشركين واليهود، ففي صحيح البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير أخذه لأهله.
لكن المعاملة مع هذا الشخص تكون مصحوبة بالحذر الشديد مما يتبناه من أفكار منحرفة، مع نصحه إن أمكن ذلك وتحذير الناس مما عنده من أباطيل، لأن ذلك من النصيحة للمسلمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1424(1/1165)
حكم استعمال شريط فيه نقص بعض الآيات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
إخوتي الأعزاء
سؤالي عن الشريط من القرآن تقطع منه فقرة عن غير عمد وبعد التركيب تأتي الآيات بشكل غير مرتب حيث إن بعضها قد قطع أو يأتي في الجانب الآخر حذف نصف كلمة والابتداء من نصف أخرى هل يجوز استعمال هذا الشريط وهل من الممكن تجاوز ذلك القطع بأن نغلق الصوت حتى يتجاوز القارئ تلك الآيات؟ والسلام عليكم ورحمة الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجملة القول فيما سألت عنه أنه من المعروف أن كل سورة من القرآن الكريم تعتبر وحدة مترابطة الآيات من حيث المعاني والأسلوب، ولا شك أن كل ما يخل بهذا يعتبر فيه نوع من الإخلال بكتاب الله عز وجل، وهذا ما لا ينبغي حصوله، كما أن فيه تشويشاً على السامع خاصة إذا كان ليس من أهل الحفظ.
وعليه؛ فإذا كان الشريط بهذه الصورة فينبغي إتلافه وعدم الاستماع إليه هذا ما دام الأمر فيه مقتصرا على تجواز بعض الآيات، أما إذا كان فيه حذف لبعض أجزاء الكلمة فالواجب حينئذ إتلافه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1423(1/1166)
الغبار المثار حول صحة القرآن لا تأثير له
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حقيقة النسخة المعثور عليها من القرآن في سمرقند وأنها تثبت تحريف القرآن الذي بين أيدينا جزاكم الله كل خير.........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن نسخة المصحف التي يقرؤها المسلمون من أيام الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى يومنا هذا، هي النسخة التي أجمع الصحابة عليها، ولذلك وافقوا عثمان على حرق ما سواها من نسخ المصحف، حتى قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو لم يصنعه هو لصنعته. رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف.
ولم يترك عثمان سوى نسخة واحدة كانت عند حفصة، ومع ذلك فقد حرقها مروان بعد وفاتها، قال في فتح الباري: ولهذا استدرك مروان الأمر بعدها، وأعدمها أيضاً خشية أن يقع لأحد منهم توهم أن فيها ما يخالف المصحف الذي استقر عليه الأمر. انتهى
وبهذا يتبين أن ما يثار عن هذا الموضوع من حين لآخر لا أساس له من الصحة، بل هو ظاهر البطلان، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
6484، والفتوى رقم:
6453.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1423(1/1167)
الأدلة القاطعة على صحة القرآن والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الدليل على صحة القرآن والسنة (مع إيماني التام بما فيهما) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن صحة القرآن، وكونه كلام رب العالمين، يتبين من وجوه متعددة منها:
أولاً: ما ذكره القرطبي في مقدمة تفسيره وهو يتحدث عن أنواع المعجزات، وإعجاز القرآن، فقد قال -رحمه الله-: لأن الأمة لم تزل تنقل القرآن خلفاً عن سلف، والسلف عن سلفه إلى أن يتصل ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم المعلوم وجوده بالضرورة، وصدقه بالأدلة والمعجزات، والرسول أخذه عن جبريل عليه السلام عن ربه عز وجل، فنقل القرآن في الأصل رسولان معصومان من الزيادة والنقصان، ونقله إلينا بعدهم أهل التواتر الذين لا يجوز عليهم الكذب فيما ينقلونه ويسمعونه لكثرة العدد.
ثانياً: وهو تأكيد لما سبق، فإن القرآن يحفظه في كل عصر الملايين من الناس، فيهم الصغير والكبير، والرجل والمرأة، والشاب والشيخ، ولا يزاد فيه ولا ينقص منه حرف، إذ أن الله تعالى قد تكفل بحفظه.
ثالثاً: وجوه الإعجاز الكثيرة للقرآن، وقد ذكر القرطبي عشرة منها:
1- النظم البديع والأسلوب المخالف لكل نظم معهود في لسان العرب وفي غيرها.
2- الجزالة: قال ابن الحصار: فمن علم أن الله سبحانه وتعالى هو الحق علم أن مثل هذه الجزالة لا تصح في خطاب غيره.
3- الإخبار عن الأمور التي تقدمت في أول الدنيا، وعن المغيبات في المستقبل التي لا يطلع عليها إلا بالوحي.
وأما الدليل على صحة السنة فمن وجوه كثيرة منها:
أولاً: التواتر: فقد أصبح من المعلوم بالضرورة، تحري الصحابة رضي الله عنهم لمعرفة ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، والتأسي به في ذلك.
ثانياً: الجهد الذي بذله علماء الأمة في مختلف العصور على نقل السنة النبوية، والتحري فيمن يأخذون عنه، حتى قال أحدهم وهو محمد بن سيرين -رحمه الله-: إن هذا الأمر دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. فقعدوا القواعد التي يعرف بها ما يقبل من الحديث وما يرد منه، فيما يسمى بعلم مصطلح الحديث.
ثالثاً: الإخبار عن الأمور الغيبية التي قد وقعت في الماضي، والتي ستقع في المستقبل.
والصحيح من كلام أهل العلم أن الله تعالى تكفل بحفظ السنة كما تكفل بحفظ القرآن، وذلك لأحد وجهين:
الأول: دخول السنة في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] . والسنة من الذكر وهي وحي من الله، لقوله سبحانه: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44] .
أي أنزلنا إليك السنة لتشرح وتبين بها القرآن.
الثاني: وعلى فرض عدم دخول السنة في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] . فإن حفظها من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإن حفظ القرآن بمعانيه وأحكامه لا يتم إلا بحفظ السنة الشارحة والمبينة له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1423(1/1168)
الأدلة العقلية والتاريخية على صحة وحفظ القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأدلة التي تثبت أن القرآن لم يتغير منه شيئ بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. رجاء خاص هذه الأدلة أريدها من المنطق والعلوم التاريخية وأن لا تكون من نصوص قرآنية ولا من الحديث الشريف. بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب في حق المسلم أن يكون أكثر اقتناعاً بأدلة الكتاب منه بأدلة العقل.
وإيماناً بتوافق النقل والعقل وتعاضدهما، وأنه لا يمكن أن يختلف عقل صريح مع نقل صحيح، فإننا نقول، وبالله التوفيق:
من المعلوم أن الأشياء إذا تكررت تقررت، وإذا انتشرت تأكدت، والتواتر اللفظي يفيد العلم القطعي، وبيان ذلك في القرآن أنه مما نقل تواتراً، يعلم ذلك الخاص والعام، وأن المسلمين توارثوا نقله جيلاً عن جيل، يتدارسونه في مجالسهم، ويتلونه في صلواتهم، ويعلمونه أولادهم - حتى لو قُدِّرَ أن الشيخ الوقور ذا الهيبة لو غلط في حرف منه لردّ عليه الصغار قبل الكبار- حتى أوصلوه إلينا نقياً عن الزيادة، مصونا عن النقصان، محفوظاً عن التحريف. وهذا لعمر الحق دليل من تأمله لم يسعه إلا أن يسلم له إسلام مذعن بالحق مقبل عليه، ومن أنكره، فإنما ينادي على نفسه بالجهالة والسخافة، ولو أمكن إنكار هذا الدليل لأفضى إلى إنكار حقائق ثابتة، كوجود النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، والمشهورين في التاريخ، وهو ما يرفضه العقلاء جميعاً.
ومما يدل أيضا على تنزه القرآن الكريم عن الزيادة والتحريف أن إعجاز القرآن ثابت قطعاً، وقد تحدى الله المشركين بآية فما فوق أن يأتوا بها، فما قدروا، فلو قُدِّرَ أن القرآن زيد فيه ما ليس منه، أو حُرِّفَ فيه لانتفت صفة الإعجاز، لأن محاكاة كلام البشر غير ممتنعة، فلما لم تحصل دلّ ذلك على حفظ الله لكتابه، وصونه له عن التحريف، والزيادة. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1422(1/1169)
الرد على من زعم أن القرآن محرف
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السادة المحترمون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرجاء ذكر عنوان كتاب مُعتبر عند مذاهب أهل السُنّة، عن موضوع تحريف القرآن وأهل السُنة؛ (يعني موقفهم تجاه هذا الموضوع) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأهل السنة والجماعة يعتقدون سلامة القرآن العظيم من التحريف، والتبديل، والتغيير، والنقص، والزيادة بأي وجه من الوجوه، ويرون أن القول بذلك طعن في وعد الله تعالى الذي لا يتخلف، وذلك قوله سبحانه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر: 9] .
والظن بأن الصحابة أو بعضهم أقدم على ذلك طعن في الله، وفي رسوله.
ذلك أن الله تعالى لم يكن لينصر رسوله على أمم الكفر والشرك، ثم يحيطه بجماعة من المنافقين يربيهم ويعلمهم ويؤاكلهم ويجالسهم ويعيش دهره معهم، وهم خونة فجرة، لا يؤتمنون على وحي، ولا يصلحون لحمل الرسالة، وتبليغ الدين، فأي طعن في الله تعالى فوق هذا الطعن؟! وأي تكذيب لوعد الله بالنصر والتمكين وإكمال الدين فوق هذا التكذيب؟!.
وكيف يسعى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهداية أمم الأرض، وهو عاجز عن أن يصطفي جماعة قليلة من حوله؟!.
وأي نصر وفتح يهبه الله له، وهو لا يفتأ يؤاكل ويجالس، بل ويصاهر ويناسب كفاراً منافقين سيسعون إلى تغيير القرآن وتبديله؟!.
والظن بأن الصحابة الذين جمعوا القرآن، ودونوه يمكن أن يزيدوا فيه، أو ينقصوا منه طعن في الدين كله، وهل جاءنا الدين إلا عن طريقهم؟! وهل وصول الإسلام إلينا إلا ثمرة من ثمار دعوتهم وجهادهم؟!
ومن هنا كان قول أهل السنة والجماعة، أن من ادعى وجود التحريف في القرآن فهو كافر، ومن قال قولاً يفضي إلى تضليل الأمة فهو كافر.
وقد كتب أهل السنة في ذلك كتابات متنوعة، منها ما يذكرونه في أبواب الردة من كتب الفقه، وينصون على حكم هذه المسألة، ومنها ما هو في سياق الرد على الزنادقة والملاحدة والطوائف المنحرفة، ومنها ما يذكر في كتب الاعتقاد في بيان منزلة القرآن الكريم. ومنها تآليف معاصرة اهتمت بتقرير المسألة، ودحض شبهات المخالفين، ككتاب: الشيعة والقرآن للشيخ إحسان إلهي ظهير، وكتاب: أصول مذهب الشيعة الإمامية للدكتور ناصر بن عبد الله القفاري. وكتاب: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة له أيضا.
ومن كلام أهل السنة في ذلك:
قال القاضي عياض في كتابه: الشفا في بيان حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم 2/304. (وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين، مما جمعه الدفتان من أول "الحمد لله رب العالمين" إلى آخر " قل أعوذ برب الناس" أنه كلام الله، ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك، أو بدله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأجمع على أنه ليس من القرآن عامداً لكل هذا أنه كافر) .
وقال ابن قدامة في لمعة الاعتقاد (ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر) .
وقال القاضي أبو يعلى (والقرآن ما غُيِّر ولا بُدِّل ولا نُقِص منه، ولا زِيدَ فيه، خلافاً للرافضة القائلين: إن القرآن قد غير وبدل وخولف بين نظمه وترتيبه) . وقال (إن القرآن جمع بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، وأجمعوا عليه، ولم ينكر منكر، ولا رد أحد من الصحابة ذلك ولا طعن فيه، ولو كان مغيراً مبدلاً لوجب أن ينقل عن أحد من الصحابة أنه طعن فيه، لأن مثل هذا لا يجوز أن ينكتم في مستقر العادة ... ولأنه لو كان مغيراً ومبدلاً لوجب على علي رضي الله عنه أن يبينه ويصلحه، ويبين للناس بياناً عاماً أنه أصلح ما كان مغيراً، فلما لم يفعل ذلك، بل كان يقرؤه ويستعمله، دل على أنه غير مبدل، ولا مغير) .اهـ.
وليعلم أن بعض ضعاف العقول ظنوا أن إثبات النسخ نوع من التحريف، وحاولوا أن يشنعوا على أهل السنة بذلك، وهذا ناشئ من الجهل، واتباع الهوى، فإن النسخ قد دل عليه القرآن وأثبتته السنة، ولا يصدر إلا عن الله، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن زعم أن في كتب السنة روايات صحيحة تعتمد شيئاً من تحريف القرآن فهو كاذب.
ومن ادعى أن روايات التحريف عند غير أهل السنة مقابلة بمثلها عند أهل السنة فهو مغالط، وذلك من وجهين: الأول: أن القضية ليست في روايات قد تصح، وقد تضعف، ولكن في تصريح بعض أئمة الضلال بكون القرآن محرفاً ومبدلاً ومغيراً.
والثاني: أنه على فرض وجود روايات من ذلك عند أهل السنة، فهي ساقطة باطلة قابلها أهل السنة بالإنكار، وحكموا على من اعتقد هذا التحريف بالكفر والردة، وهذا ما لم تفعله الفرق المنحرفة الطاعنة في القرآن، فإنهم يثبتون الروايات، ويتبنون ما تدل عليه، ولا يجرؤون على تكفير من اعتقدها ودان بها. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1421(1/1170)
الدليل على حفظ القرآن من التحريف
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السادة المحترمون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يوجد حديث نبوي شريف عند مذاهب أهل السُنة، مداره أن القُرآن الكريم لم يصبه التحريف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدليل على سلامة هذا القرآن من التحريف، هو قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر: 9] .
وقد أجمع المسلمون على حفظه، وسلامته من كل تحريف، وعلى أن من ادعى وقوع التحريف فيه أنه كافر. وقد سبق بيان ذلك مفصلا تحت الفتوى رقم: 6472.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1421(1/1171)
الحكمة من حفظ القرآن دون غيره من الكتب المنزلة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافطون"صدق الله العظيم لماذا تكفل الله عزوجل بحماية القرآن الكريم بينما لم يتكفل بحماية الكتب السماوية من التحريف بحيث عبث العابثون من يهود ونصارى في كتبهم السماوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإيمان يقوم على التسليم لأمر الله والرضا، بحكمه، والانقياد لشرعه والاعتقاد بأن ما شرع الله وقضاه مبني على الحكمة التامة، وأنه تعالى: (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون) [الأنبياء:23] وقد يقف العبد على بعض الأسرار والحكم لبعض الأمور ولا يقف على البعض الآخر، ولعل من الحكم لحفظ القرآن دون غيره من الكتب - مع أن الكل من عند الله- أن القرآن لما كان هو آخر الكتب، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء، ناسب أن يكون هذا الكتاب العظيم محفوظاً من التبديل والتغيير لانتفاء بعثة نبي آخر ينفي التحريف ويظهر الحق.
وهذا على عكس الكتب السابقة التي جاء بعدها الأنبياء وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، فأخبر عن تحريفها، وأكد ما فيها من الحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1172)
تحريف كلم القرآن عن مواضعه من الكذب على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم قول (لم يلد ولا يولد) ؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
قول (لم يلد ولا يولد) لا يجوز إن كان القائل يقصد به الآية من سورة الصمد بل هو منكر من القول وزور، لأنه تحريف لكتاب الله تعالى وقد يفضي بفاعله إلى الردة والعياذ بالله تعالى. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1422(1/1173)
دلالات الدين الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر الآن 35 سنة وقد اعتنقت المسيحية منذ 14 سنة تقريبا وهذا الأمر جعلني أسير في هذا الركب وأقتنع بالعقيدة المسيحية ولكن الآن لا أعرف يوجد في داخلي صوت يقول لي ارجع إلى الإسلام أحيانا أسكت هذا الصوت لكن العقيدة الإسلامية بالنسبة لي ذات صورة مشوهة كثيرا كثيرا حتى عندما أسمع القرآن أسمعه وأفسره حسبما درسته عند المسيحيين فأسمعه ليس كما يسمعه المسلم وأما الأحاديث فلها نفس الشيء ممكن كنت قبل ذلك أعتبر نفسي من أتعس الناس ماديا واجتماعيا وعلاقتي بالمسيحيين غيرت كثيرا من ذلك حتى إن اسمي تغير وهم يحبونني وأراهم هم الأمة الأقوى ووضعهم هو الأعظم وحقيقة صعب أن أتركهم. إن أصحابي كلهم مسيحيون ما عدا زملائي في العمل فمنهم مسلمون وأنا أيضا قد تزوجت من مسلمة ولي ابنتان وولد وهذا الأمر أخفيه عن الجميع لا أعرف ماذا أفعل وإلى متى؟ رغم ذلك كله أعتبر نفسي مسلما أرجو الرد لأني بعثت لأكثر من موقع إسلامي لكن لا جواب فهل المسلمون فقدوا من الأرض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى وعصمنا وإياك من مضلات الفتن ومسالك الردى أن الظاهر من حالك أنك كنت مسلما وارتددت عن الإسلام, وانبهرت وتأثرت بحال النصارى الذين خالطتهم، فلم يعد اعتبارك نفسك مسلما نافعا لك حتى توقن بتوحيد الله وبالرسالة, إلا انه لا تزال فطرتك الأصلية تراودك على التمسك بالإسلام ولكنه تشوش ذهنك بسبب انبهارك بحال الكفار فحسبت أنهم فائزون وسعداء، وهم في الحقيقة خاسرون وأشقياء, ولا أدل على ذلك من انتشار الانتحار والأمراض النفسية والجسمية الفتاكة فيهم, إضافة للتفكك الاجتماعي والفضائح والجرائم الأخلاقية, وأخطر من ذلك حرمانهم الأبدي من رضا الله ورؤية وجهه ودخول جنته والإقامة الأبدية في نار جهنم.
كما قال الله فيهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ. {البيِّنة:6} وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ. وقال تعالى: إِنَّ اللهَ لَعَنَ الكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا {الأحزاب: 64-66}
فكيف يظن سعيدا من يلهو ويغفل عن مصيره ويتمادى في غروره حتى يخلد في النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين.
ثم إن الشك في أصول الدين ومسلمات العقيدة كتوحيد الله تعالى، ونبوة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصدقه فيما جاء به عن الله تعالى، والاقتداء بالكفار في فهم النصوص الواردة في ذلك من أخطر ما يخطر على القلوب فهو من خطوات الشيطان، ومزلات الأقدام، ومواطن الهلكة، فيجب على من أصيب بشيء من ذلك أن يفزع إلى الله تعالى، ويستغيث به، ويعتصم بحبله المتين، وأن يسأله في السر والعلن، وبالتضرع والإلحاح أن يبعد ذلك الشك عن قلبه، وأن يصرف تلك الشبهات عنه، ويرزقه اليقين بالله وبدينه، فلا يكون العبد مؤمنا إلا إذا كان موقنا يقينا جازما بمدلول شهادة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال تعالى: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {الحجرات:15} ، وقال صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة. رواه مسلم، فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقنا بها قلبه غير شاك فيها، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، ثم عليك أن تفزع إلى كتاب الله تعالى قراءة وتدبرا، وتسأل الله أن يهديك به ففيه شفاء لما في الصدور، يقول الله سبحانه وتعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء:82} . ويقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57} . ويقول: هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى {فصلت:44} .
إلى غير ذلك من النصوص الصريحة الدالة على أن القرآن هو الشفاء النافع لكل ما يعتري القلوب من شكوك، والسلاح الدافع لكل ما يرد عليها من شبهات وفتن.
ثم عليك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي مبينة لكتاب الله تعالى مفسرة له، وفيها من التوجيهات النبوية ما يرشد الحيران ويهدي من أراد الهدى.
واعلم أن من دلائل صدق القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيب الذي لا يعلمه الخلق، ولا يمكنهم افتراؤه، وما فيه من الإعجاز العلمي الذي لم يكتشف إلا مؤخرا، وما فيه من الأساليب العجيبة البليغة التي عجز العرب عن محاكاتها مع تمكنهم من التعبير بشتى أساليب الخطاب، وقد شاهد الناس صدق كثير مما جاء في القرآن من الأخبار المستقبلية، فمن ذلك غلبة الروم، وهزيمة جمع قريش، كما اكتشف العلم الحديث مؤخرا أطوار الجنين في البطن، ووجود الحاجز المائي بين العذب والمالح في البحر إلى غير ذلك.
ومن أعظم دلائل كونه من عند الله بقاؤه محفوظا بين أيدينا أربعة عشر قرنا لم يحرف ولم يبدل، ولم يَخْلَق على كثرة الرد, ولا يسأم منه قارئوه مهما كرروا تلاوته.
وأما صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يشهد له تبشير رسول الله عيسى ابن مريم برسالته، وثبوت أمره في التوراة والإنجيل، وقد شهد بذلك بعض أهل الكتاب الذين لم يعمهم التعصب كبحيرا الراهب وورقة بن نوفل وسلمان الفارسي وعبد الله بن سلام وزيد بن سعنة، إضافة إلى كثير من المعجزات التي تشهد برسالته، ومنها: شهادة الأشجار والحيوانات برسالته صلى الله عليه وسلم، ومنها: انشقاق القمر, ومنها: إخباره بأشياء مستقبلية ظهر صدقه فيها كفتح الشام والعراق والقسطنطينية.
وهذه المعجزات تكلم عليها أهل العلم في كتبهم فمنها دلائل النبوة للبيهقي، ومنها كتاب البداية والنهاية لابن كثير، فقد ذكر في المجلد السادس كثيرا من المعجزات، وكتاب الرسل والرسالات للدكتور عمر سليمان الأشقر, وراجع مواقع الإعجاز العلمي على الإنترنت، وما قاله الشيخ الزنداني وزغلول النجار فيه.
ثم عليك بمجالسة الصالحين من أهل العلم وتلقي العلم الشرعي عنهم، والانشغال بذلك عن مجالسة أهل الباطل، وصحبة الكفار، واحرص على دفع ما في نفسك من حب العاجلة ولذاتها إلى التعلق بمنال السعادة الحقيقية في الدارين, ففي نفس الإنسان عموما نزوع إلى الهوى والشهوة، وقد يجره للكفر والعياذ بالله, وعلاج ذلك بالخوف من الله وتذكر الآخرة والهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام، قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى {النازعات:40-41] . وقال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ {آل عمران:14} .
فمن أهم عوامل دفع النفس عن الهوى علمه بربه، وخوفه من عقابه، ومما يعين على ذلك استشعار عظمة الله في القلب، والإكثار من تلاوة القرآن بتدبر، والتأمل في أسماء الله وصفاته، والنظر فيما في القرآن من الحديث عن أهوال القيامة وإهلاك الله وعقوبته لمن عصاه في الدنيا والآخرة، والتأمل كذلك في كتب السنة فإن فيها كثيرا من الأحاديث المخوفة من عقاب الله والمرغبة في طاعته والمبينة لعظمته وجبروته, ومن أعظم ما صنف في هذا كتاب العظمة لأبي الشيخ، وكتاب الترغيب والترهيب للمنذري، ورياض الصالحين،
ومن ذلك مجاهدة الإنسان لنفسه حتى يحملها على الهدى، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} .
ومن العوامل المؤثرة في الإنسان البيئة، والرفقة: فالمرء على دين خليله، وجاء في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل الجليس الصالح كمثل العطار إن لم يعطك من عطره أصابك من ريحه.
ومنها: مقدار الصلاح العام، أو الفساد العام في المجتمع، فلا بد من الهجرة عن المجتمع الذي يقوى فيه الفساد على الصلاح، فقد ورد في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب. فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا. فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله. فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم. فقال: إنه قتل مائة نفس. فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا. فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم. ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.
واعلم أن الكفر لا يسبب تحقيق أي منفعة بل هو سبب للحرمان، كما يدل له الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه.
واعلم أن الإيمان هو مصدر عز الأمة وقوتها وتحسين وضعها وفلاحها ونصرها، وأمنها والدفع عنها والتمكين لها، والرفعة والعلو والغلبة، ومحبة الله لها ومعيته وفتح أبواب البركات والحياة الطيبة، وتيسير الأمور وتفريج الكروب إلى غير ذلك من الوعود الصادقة المهمة.
كما قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ {المؤمنون:1} ، وقال الله تعالى: وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُو نَ {المنافقون:8} ، وقال: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ {الروم:47} ، وقال: الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ {الأنعام:82} ، وقال: إِ نَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا {مريم:96} ، وقال: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {الأعراف:96} ، وقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97} . وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4} وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2، 3} . وقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {البقرة:189} .وقال تعالى: يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {المجادلة:11} وقال تعالى: وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {آل عمران:139} ، وقال تعالى: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ {الصافات:173} ، وقال تعالى: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ {النور:55} .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: هذا وعد من الله لرسوله بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض فتصلح بهم البلاد وتخضع لهم العباد، وليبدلهم بعد خوفهم أمنا وحكما، وفي الحديث: بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض. رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وقال الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ {المائدة:56} ، وقال الله تعالى: أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ {المجادلة:19} .
وقد أخبر الله تعالى أنه يدافع عن المؤمنين وأنه معهم وأنه وليهم، فقال: إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا {الحج:38} ، وقال تعالى: وَأَنَّ اللهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ {الأنفال:19} ، وقال الله تعالى: إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ {النحل:128} ، وقال الله تعالى: اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا {البقرة:257} ، وقال الله تعالى: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ {الأعراف:196} .
وقد أخبر أن مكر الكفار سيحيق بهم وأنهم سيغلبون، قال الله تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا {فاطر:43} ، وقال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المِهَادُ {آل عمران:12} .
قال ابن كثير في تفسير الآية: ستغلبون في الدنيا، وتحشرون إلى جهنم يوم القيامة.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق بعدة بشائر، فقال: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس. رواه مسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل به الكفر. وكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية. رواه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عدي بن حاتم، وصححه الشيخ الألباني.
وفي المسند عن عدي بن حاتم قال: لما بلغني خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فكرهت خروجه كراهة شديدة خرجت حتى وقعت ناحية الروم فكرهت مكاني ذلك أشد من كراهيتي لخروجه، قال: فقلت: والله لولا أتيت هذا الرجل، فإن كان كاذبا لم يضرني وإن كان صادقا علمت. قال: فقدمت فأتيته فلما قدمت قال الناس: عدي بن حاتم عدي بن حاتم. قال: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم ثلاثا قال: قلت: إني على دين، قال: أنا أعلم بدينك منك، فقلت: أنت أعلم بديني مني؟! قال: نعم، ألست من الركوسية وأنت تأكل مرباع قومك؟ قلت: بلى، قال: فإن هذا لا يحل لك في دينك، قال: فلم يعد أن قالها فتواضعت لها، فقال: أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة له وقد رمتهم العرب! أتعرف الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد سمعت بها، قال: فو الذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز، قال: قلت: كسرى بن هرمز؟! قال: نعم كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد. قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها. قال شعيب الأرنؤوط: بعضه صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل أبي عبيدة.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟ فقال: مدينة هرقل تفتح أولاً. يعني قسطنطينية. رواه أحمد والدارمي وابن أبي شيبة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني. وقد تحقق فتح القسطنيطينية بتاريخ 2/7/857هـ الموافق 29/5/1453م.
ولتفتحن رومية عاصمة إيطاليا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
ومن البشائر عودة الخلافة الراشدة، التي تقيم العدل وتحكم بالشرع ويدمغ الله بها الباطل وهذا ما يبشرنا به الحديث: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. رواه أحمد والبزار والطبراني وصححه العراقي ووافقه الشيخ الألباني.
ومنها: تسليط الله المسلمين على اليهود ونصرهم عليهم؛ كما في الحديث: تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله. رواه البخاري ومسلم.
وهذه البشائر الصادقة والوعود المحققة لأهل الإيمان الذين لا يقتصر الإسلام على وثائقهم الرسمية ولا على مساجدهم وجنائزهم، بل يعيشون حياة الإسلام في مساجدهم وبيوتهم وأخلاقهم ومعاشراتهم ومعاملاتهم ومحاكمهم، وبقدر نقص الإيمان في حياتهم يبتليهم الله بما شاء لعلهم يرجعون ويتوبون، قال الله تعالى: ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41} .
وفي الحديث: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وفي الحديث: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان، ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل إلا سلط عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم. رواه البيهقي والحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
وإذا لم يمتثل المسلمون لهذا الأمر ونبذوا كتاب ربهم ولم يستمسكوا بالدين، ولم يستقيموا على أمر الله تخلفت عنهم شروط النصر، قال تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ {محمد: 7} . وقال أيضا: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ {العنكبوت: 69} .
وبناء عليه.. فلا تغتر بحال المسلمين المعاصرين وتزن الإسلام بحالهم فتكون من الخاسرين المعذبين، ولا بحال الكفار المستدرجين من النصارى والكفار الذين يعيشون لبطونهم وفروجهم، ثم يضطرون في النهاية لعذاب النار؛ كما قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ {محمد:12} فما ينعم الله به على الكفار من نعم الدنيا ليس مباركة منه سبحانه، وإنما هو استدراج لهم. كما قال تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ {الأعراف:182-183} .
والآيات التي فيها أن ما يعطاه الكفار من النعيم إنما هو استدراج كثيرة، ومنها قوله تعالى: قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ المَصِيرُ {البقرة: 126} . وقوله تعالى: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المِهَادُ {آل عمران:196-197} . وقوله تعالى: مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ {يونس:70} . وقوله تعالى: أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ المُحْضَرِينَ {القصص:61} . وقوله تعالى: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ {الزخرف:33-35} .
والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة أيضا ومنها:
-قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. رواه البخاري ومسلم.
-وقوله صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. رواه مسلم.
وفي الحديث: إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون. رواه أحمد والبيهقي في الشعب، والطبراني في الكبير وصححه الألباني.
واعلم أن النصرانية المحرفة لا تملك حجة صحيحة لإثبات مبادئها، فضلا عن إبطال مبادئ مخالفها، وكلها نقاط ضعف ووهن، ويظهر ضعف ديانتهم في نقاط عدة منها:
1/ سند الأناجيل التي بين أيدي النصارى، فليس في هذه الأناجيل ما يمكن أن يقال عنه إنه الإنجيل الذي نزل على عيسى عليه السلام، فقد كتبت جميعا بعد رفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وهي أشبه بكتب السيرة والتراجم، تحكي ما حصل لعيسى عليه السلام، ويرد في ثناياها أن عيسى كان يكرز (يعظ) بالإنجيل، فأين هذا الإنجيل المنزل الذي تتحدث عنه الأناجيل؟
بل الباحث في الأناجيل الأربعة يعلم قطعا أنه لا يمكن نسبتها إلى هؤلاء الأربعة بدليل صحيح.
2/ التناقض الظاهر، والاختلاف البين، والأغلاط الواضحة في هذه الأناجيل، مما يقطع بأنها من عند غير الله، قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا {النساء:82} .
وقد بين العلامة رحمة الله الهندي في كتابه (إظهار الحق) وجود 125 اختلافا وتناقضا في الكتاب المقدس، ووجود 110 من الأغلاط التي لا تصح بحال، ووجود 45 شاهدا على التحريف اللفظي بالزيادة، وعشرين شاهدا على التحريف اللفظي بالنقصان.
وقد ذكرنا أمثلة لذلك في فتوانا رقم: 2105.
3/ ما اشتمل عليه هذا الكتاب المقدس - بزعمهم - من نسبة العظائم والقبائح إلى أنبياء الله ورسله الكرام، كالباطل الذي ينسبونه إلى لوط، ونوح، وداود عليهم السلام، وغيرهم.
4/ قضية التثليث والصلب، فما أشد التناقض والاضطراب الواقع في الأناجيل في هاتين القضيتين، رغم أنهما من ركائز دين النصرانية المحرف.
5/ دراسة تاريخ المجامع النصرانية، ونقض بعضها لبعض، بل تكفير بعضهم لبعض: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) .
ومن تأمل تاريخ هذه المجامع علم أن اختيار هذه الأناجيل الأربعة دون سواها، وتقرير ألوهية المسيح وبنوته، وألوهية الروح المقدس لم يكن لها سند إلا هذه المجامع التي لم يؤخذ فيها حتى برأي الأغلبية؛ وإنما كانت الكلمة لمن وافق الرومان في وثنيتهم وضلالهم، وكان التحريم والعقاب لمن تمسك بالتوحيد.
فقد جاءت الكتب السماوية السابقة مبشرة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبصفاته، ومن هذه الكتب الإنجيل، وفي إنجيل برنابا في الباب الثاني والعشرين: وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعته. اهـ. وكذا في (سفر أشعيا وسفر حبقوق) وراجع كتب ومحاضرات الشيخ أحمد ديدات وكتاب الشيخ عبد المجيد الزنداني (البشارات بمحمد في الكتب السماوية السابقة) .
ومن الكتب النافعة في ذلك:
1/ كتاب: إظهار الحق للعلامة رحمة الله الهندي.
2/ اليهودية والنصرانية للدكتور: أحمد شلبي.
3/كتاب: محاضرات في النصرانية للشيخ: محمد أبو زهرة.
4/ كتاب: العقائد الوثنية في الديانة النصرانية: لمحمد طاهر التنير.
5 / إضافة إلى الكتب المتقدمة: كالجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية. وهداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن قيم الجوزية.
إضافة إلى الاستفادة من بعض المواقع المهتمة بالرد على النصارى، ومنها:
موقع: المسيحية بمنظور إسلامي.
وموقع: هداية الحيارى من النصارى.
وموقع: للنصارى فقط.
ويمكنك الدخول إلى هذه المواقع عن طريق:
www.sultan.org
كما يمكنك تحميل كتاب الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: شهادة الإنجيل على أن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
وكتابه: الرد على أسئلة توني بولدر وجوفاك وتشكيكاته حول القرآن الكريم، والنبي العظيم.
وذلك من خلال موقع الشيخ:
www.salafi.net
في محور كتب ورسائل.
كما يمكنك الاطلاع على الفتاوى التالية في موقعنا: 6828، 9732، 8210.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1427(1/1174)
المواعظ في صحف موسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت في موقع الدكتور يوسف زيدان صحف موسى عليه السلام مكتوبة بالعربية وفيه تشابه كثير مع القران أريد بعض التوضيحات حول هذا الموضوع.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصحف موسى هي من الكتب السماوية وقد أنزلت على موسى عليه السلام مشتملة على مواعظ وعبر، كما ورد ذلك في حديث رواه ابن حبان وفي إسناده مقال، فلا عجب إذا من أن يكون فيها شيء من المواعظ تشبه ما جاء في القرآن، ولكن لا يؤمن أن تكون هذه الصحف قد أدخل فيها بعض من ليس منها من الكلام والمواعظ كما وقع التحريف في غيرها من الكتب السماوية، وقد نبه الموقع إلى أنه لا يزعم أن الكتب السماوية الواردة فيه هي النصوص الصحيحة بهذه الكتب السماوية ولكنها للأصول التي وجدت في سراديب المخطوطات. وعليه، فلا تجوز قراءتها والنظر فيها إلا لمن له قدم راسخة في العلم. وحسب المسلم القرآن كتاب الله تعالى المحفوظ الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.
وتراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 14742.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1426(1/1175)
مدى مسئولية أصحاب الكتب السماوية عن تحريف كتبهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحاسب الناس أصحاب الديانات الأخرى غير الإسلام عن تحريف كتبهم السماوية؟ ويدخلون النار لما جاء في كتبهم المحرفة لإيمانهم بها؟
وجزاكم الله خيرا....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أصحاب الكتب السماوية الذين قاموا بتحريفها والذين أقروا هذا التحريف سيحاسبون على ذلك ويدخلون النار؛ كما قال تعالى: فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ {البقرة: 79} . والآيات في ذلك كثيرة. وكتبهم منسوخة بالقرآن فلا يقبل منهم بعد نزوله إلا الإيمان به واتباعه، قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ {المائدة: 48} وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم. ومن لم تبلغه دعوة الإسلام منهم حتى مات يمتحن يوم القيامة؛ كما بينا في الفتوى رقم: 3191، ولمعرفة متى طرأ التحريف على التوراة والإنجيل انظر الفتوى رقم: 43148.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1426(1/1176)
تحريف التوراة والإنجيل ثابت في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما رأى فضيلتكم فى تفسير النصارى لتلك الآية الكريمة {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} حيث يقولون وقال البيضاوي في تفسيره: مثل الذين حملوا التوراة علموها وكُلفوا العمل بها ثم لم يحملوها لم يعملوا بها أو لم ينتفعوا بما فيها، كمثل الحمار يحمل أسفاراً أي كتباً من العلم يتعب في حملها ولا يستفيد بها وفي هذا إشارة إلى عدم مس التوراة بتحريف ما بل دليل فقط على عدم فهمها والعمل بها، لأن الحمار إذا حمل أسفاراً لا يفهمها لكنه لا يقدر أن يتعرض لها بتحريف أو تغيير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدم ذكر التحريف في الآية المذكورة لا يدل على عدم وقوعه، لأنه ثبت ذكره في عدة آيات أخرى منها قوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ {النساء: 46} وقوله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {البقرة: 75}
وراجع الفتوى رقم: 64801، والفتوى رقم: 9732.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1426(1/1177)
يد التحريف طالت الكتب الأخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أين تتواجد الكتب السماوية الأخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان قصد السائلة الكريمة بالكتب السماوية التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم ... فإن هذه الكتب قد حرفت وزيد فيها ونقص منها، وفقد بعضها بالكلية، وما بقي منها مما خلط بالزيادة والنقص والتحريف فهو موجود بأيدي من ينتسبون للديانة اليهودية والنصرانية المحرفة.
ولا توجد اليوم كتب سماوية صحيحة لم تصل إليها يد التحريف إلا القرآن الكريم كتاب الله تعالى الذي تكفل بحفظه، ولم يكل حفظه للبشر، فقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر: 9} .
وذلك لأن القرآن الكريم هو الكتاب الأخير الذي ختم الله تعالى به كتب السماء، وأنزله على خاتم الأنبياء، فلابد من حفظه ليظل بين الناس حجة قائمة على الخلق أجمعين ومعجزة لخاتم النبيين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1425(1/1178)
حكم طباعة أو تصوير الكتب السماوية المحرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل بإحدى الشركات في مجال الدعاية والإعلان وكان يوجد بالشركة ماكينة فصل ألوان وهي التي تقوم بإخراج أفلام الطباعة وطباعة الكتب أو أي شيء مطبوع وأصر مديري على إخراج أفلام للإنجيل وفعلا قمت بهذا العمل ولكني وقتها كنت رافضا هذا الموضوع جدا جداً، ولكنه أصر على ذلك؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز تصوير أفلام للأناجيل التي بين أيدي النصارى أو طباعتها، أو المعاونة على ذلك بعمل أو غيره، لما في ذلك من التعاون على نشر الكفر بالله حيث إن النصارى حرفوا هذه الأناجيل وبدلوها، وقد تقدم تفصيل ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2105، 43148. وراجع للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8210، 10326، 30506.
ومن وقع في شيء من ذلك، فعليه أن يبادر بالتوبة الصادقة النصوح، وأن لا يعود إلى ذلك أبداً، وليعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1425(1/1179)
لا تناقض بين الإيمان بالتوراة والإنجيل وبين تحريفهما
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال الأول: كيف يمكن فهم أن القرآن يقر الإنجيل والتوارة وفي نفس الوقت يقول إنهما زورتا، فكيف يجتمع الإقرار بصحتهم والتزوير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان بالتوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السماوية التي أنزلها الله على أنبيائه هو أحد أركان الإيمان ولا يتم إيمان المسلم إلا به، ولا تناقض بين الإيمان بأصل هذه الكتب وأنها -الأصل- منزلة من عند الله تعالى وبين ما هو حاصل فيها الآن من التزوير والتحريف، فالقرآن أخبر في غير ما آية منه بتحريف أهل الكتاب، وهذا أمر معلوم عند كل من له إلمام بتاريخ هذه الكتب الموجودة بين أيديهم حالاً، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 25399، والفتوى رقم: 40774.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1425(1/1180)
المقصود بالإيمان بالكتب
[السُّؤَالُ]
ـ[أمرنا الله عز وجل بأن نؤمن بالكتب السماوية كلها، ولكنها لا توجد على أصولها فما كيفية هذا الإيمان، ما هو السبب لعدم حفظ الكتب السالفة من تدخل البشر مع أنها منزلة من الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان بالكتب السماوية يعني الاعتقاد الجازم بأن الله أنزل كتباً على أنبيائه ورسله منها ما نعرفه مثل التوارة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم ومنها ما لا نعرفه، وأن القرآن الكريم نسخ جميعها، قال الله تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ {المائدة:48} .
فلا يجوز العمل بأي حكم من أحكام الكتب السابقة إلا ما صح منها وأقره القرآن، بل نص الحنابلة على أنه لا يجوز النظر في كتب أهل الكتاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم غضب حين رأى مع عمر صحيفة من التوارة، ونص الشافعية على عدم جواز الاستئجار لتعلم التوارة والإنجيل وعدُّوه من المحرمات، كما أنه لا يجوز إنكار ما ثبت أنه نزل منها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولو آمن بجميع الكتب وكفر بكتاب كان كافراً. انتهى.
والسبب في عدم حفظها أن الله تعالى لم يتكفل بحفظها بنفسه لأنها ليست رسالته الخالدة للبشرية، وإنما أوكل حفظها إلى البشر فدخلها التحريف والنقصان، قال الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء {المائدة: 44} ، بخلاف القرآن الذي تكفل سبحانه بحفظه، لأنه رسالة الله الخالدة إلى البشر، قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} ، وراجع الفتوى رقم: 50460.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1425(1/1181)
مدى صحة نبوة بنيامين وكونه مدفونا ببلاد الشام
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لي بعض الشيعة: إن في جنوب لبنان هناك نبي مدفون وهو بنيمين الأخ الأصغر للنبي يوسف.
فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا السؤال فيه مسألتان:
الأولى: كون بنيامين نبيا. وهذا ليس بثابت على وجه الخصوص لبنيامين دون إخوته، ولم نجد من أهل العلم بالسير والتاريخ من ذكره في الأنبياء من دون إخوته. ولكن من أهل العلم من نص على أن أولاد يعقوب كانوا كلهم أنبياء.
قال ابن عادل في تفسيره: النعمة التامة التي بها حصل امتياز إبراهيم وإسحاق من سائر الناس ليس إلا النبوة؛ فوجب أن يكون المراد بإتمام النعمة هو النبوة، وعلى هذا فيلزم الحكم بأن أولاد يعقوب كلهم كانوا أنبياء؛ كقوله تعالى: (ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب) فإن قيل: كيف يجوز أن يكونوا أنبياء وقد أقدموا على ما أقدموا عليه في حق يوسف عليه السلام؟ فالجواب: أن ذلك وقع قبل النبوة، والعصمة إنما تثبت في وقت النبوة، لا قبلها. انتهى.
وقال الشيخ الأشقر في كتاب (الرسل والرسالات) : هنا بعض الأنبياء أشار القرآن إلى نبوتهم ولكننا لا نعرف أسماءهم، وهم الأسباط، والأسباط هم أولاد يعقوب، وقد كانوا اثني عشر رجلاً عرّفنا القرآن باسم واحد منهم وهو يوسف، والباقي وعددهم أحد عشر رجلاً لم يعرفنا الله بأسمائهم، ولكنه أخبرنا بأنّه أوحى إليهم، قال تعالى: قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ. {البقرة: 136} . وقال: أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. {البقرة:140} . اهـ.
وفي الكتاب نفسه في بحث مسألة عصمة الأنبياء من الصغائر، ذكر أمثلة لها ثم قال: هذه أمثلة اكتفينا بذكرها عن غيرها، وإلاّ فقد ورد في القرآن مغاضبة يونس لقومه، وخروجه من قومه من غير إذن من ربه، وما صنعه أولاد يعقوب بأخيهم يوسف في إلقائه في غيابة الجبِّ، ثم أوحى الله إليهم وجعلهم أنبياء. اهـ.
ولكن الراجح الذي عليه المحققون من العلماء أن إخوة يوسف ليسوا بأنبياء، وممن ألف في ذلك السيوطي، فله رسالة (دفع التعسف عن إخوة يوسف) قال في أولها: في إخوة يوسف عليه السلام قولان للعلماء، والذي عليه الأكثرون سلفاً وخلفاً أنهم ليسوا بأنبياء، أما السلف فلم ينقل عن أحد من الصحابة أنهم قالوا بنبوتهم. كذا قال ابن تيمية، ولا أحفظه عن أحد من التابعين، وأما أتباع التابعين فنقل عن ابن زيد أنه قال بنبوتهم. وتابعه على هذا فئة قليلة. وأنكر ذلك أكثر الأتباع فمن بعدهم، وأما الخلف فالمفسرون فرق منهم من قال بقول ابن زيد كالبغوي، ومنهم من بالغ في رده كالقرطبي والإمام فخر الدين وابن كثير. ومنهم من حكى القولين بلا ترجيح كابن الجوزي، ومنهم من لم يتعرض للمسألة ولكن ذكر ما يدل على عدم كونهم أنبياء كتفسيره الأسباط بمن نبئ من بني إسرائيل، والمنزل إليهم بالمنزل إلى أنبيائهم، كأبي الليث السمرقندي والواحدى. ومنهم من لم يذكر شيئاً من ذلك ولكن فسر الأسباط بأولاد يعقوب فحسبه ناس قولاً بنبوتهم، وإنما أريد بهم ذريته لا بنوه لصلبه، كما سيأتي تحرير ذلك، قال القاضي عياض في الشفا: إخوة يوسف لم تثبت نبوتهم. انتهى.
ثم فصل ذلك تفصيلا حسنا نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية، ونفى نبوتهم من وجوه قوية، ومما ذكر فيه: إن القرآن يدل على أنه لم يأت أهل مصر نبي قبل موسى سوى يوسف لآية غافر، ولو كان من إخوة يوسف نبي لكان قد دعا أهل مصر وظهرت أخبار نبوته، فلما لم يكن ذلك علم أنه لم يكن منهم نبي. انتهى.
وممن قطع بنفي النبوة عن الأسباط: أبو الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي، في كتابه (تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء) . وقد سبق لنا ترجيح القول بأن الأسباط ليسوا جميعا أنبياء، في الفتوى رقم: 47810. فعلم بذلك أن بنيامين لم تثبت نبوته.
ـ وأما المسألة الثانية: فهي مكان قبر بنيامين بغض النظر عن نبوته. فمما ذكر في ذلك ما جاء في كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار للعمري عند ذكر مزارات الشام قال: نذكر منها ما حضرنا ذكره في هذا الوقت، مما هو ببلاد الشام، على ما يغلب على الظن صحته، لا كما يزعمه كثير من الناس في نسبة أماكن لا حقيقة لها. والله أعلم.. فمن ذلك قبر بنيامين شقيق يوسف عليه السلام، بقرية ظهر حمار، من البقاع. انتهى.
وقال الحموي في معجم البلدان: ظهر حمار قرية بين نابلس وبيسان، بها قبر بنيامين أخي يوسف الصديق. انتهى.
وقال ابن شداد في كتاب الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة: ظهر الحمار: قرية بها قبر بنيامين. انتهى.
ولكن ذلك لا يمكن القطع بصحته وإن اشتهر، وقد سبق لنا التنبيه في الفتوى رقم: 27145. على أنه لم يكن معروفاً على وجه الجزم أن قبراً بعينه هو لنبي معين صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً، وعامة ما يحكى من ذلك يكون كذباً - في الغالب- كما قال شيخ الإسلام: ليس في الأرض قبر اتفق على أنه قبر نبي غير قبره-يعني قبر نبينا صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أمر بإخفاء قبر النبي دانيال -على القول بنبوته- سدا لذريعة الشرك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(1/1182)
خطورة سماع الشبهات على غير الراسخين في العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من عائلة غير ملتزمة، وأنا كنت كذلك، وفي سن 16 هداني الله على يد أحد الدعاة، وأصبحت من الملتزمين وارتديت النقاب والعباءة، وتركت الغناء، وأصبحت أصوم النوافل وأقوم الليل، وفي أحد الأيام شاهدت على أحد القنوات الإسلامية برنامجا يتحدث عن النصرانية من باب التعايش، شاهدته من باب الفضول وبعد أيام دخلت بأسئلة وشكوك لا أعلم أجوبتها، وبدأت أبتعد عن الدين. فماذا أفعل؟
دائما تأتيني أسئلة لا أعلم إجاباتها وأريد فقط الإجابة عليها لينار قلبي من جديد، فأنا أعشق الإسلام ولا أبتغي غيره بدلا. والأسئلة هي:
لماذا خلقني الله؟ ولماذا خلق الله الأرض والملائكة وهو الغني عن العالمين؟ ماذا أفعل يوم القيامة إذا كانت النصرانية هي الدين الصحيح؟ وهل من المعقول أن يكون الإسلام هو الصحيح وعدد النصارى يفوقنا؟
كيف أعرف الصواب في كافة الأمور وكيف يختار عقلي الصواب؟ مادام الإسلام هو الصحيح فلما لا يسلم جميع الناس وخاصة أن الله إذا أراد شيئا قال له كن فيكون؟
أرجوك ساعدني، أرجوك أريد أن أعود مسلمة ملتزمة كما كنت أرجوك ساعدني وادعو الله أن يهديني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يهديك، وأن يشرح صدرك، وأن يغفر ذنبك، وأن يلهمك رشدك، ويقيك شر نفسك.
ثم اعلمي أيتها الأخت السائلة أن الله تعالى يخلق ما يشاء ويختار، ويحكم لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل، فكل أفعاله تعالى منطوية على الحكمة التامة، وله فيها الحجة البالغة، فلم يخلق الكون لعبا، ولا العباد عبثا، ولن يتركهم سدى، بل خلق الخلق مع غناه عنهم لحكمة تامة، أشار إليها فقال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. {الدخان:38، 39} .
قال البغوي: إِلَّا بِالْحَقِّ. يعني للحق، وهو الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. اهـ.
وقال السعدي: يخبر تعالى عن كمال قدرته وتمام حكمته، وأنه ما خلق السماوات والأرض لعبا ولا لهوا أو سدى من غير فائدة، وأنه ما خلقهما إلا بالحق أي: نفس خلقهما بالحق وخلقهما مشتمل على الحق، وأنه أوجدهما ليعبدوه وحده لا شريك له وليأمر العباد وينهاهم ويثيبهم ويعاقبهم. وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. فلذلك لم يتفكروا في خلق السماوات والأرض. اهـ.
وهذه الحكمة من خلق الله تعالى للسموات والأرض صرح بها في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. {هود: 7} .
قال السعدي: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا. أي: ليمتحنكم، إذ خلق لكم ما في السماوات والأرض بأمره ونهيه، فينظر أيكم أحسن عملا. وهذا كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ. وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنزلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا. فالله تعالى خلق الخلق لعبادته ومعرفته بأسمائه وصفاته، وأمرهم بذلك، فمن انقاد، وأدى ما أمر به، فهو من المفلحين، ومن أعرض عن ذلك، فأولئك هم الخاسرون، ولا بد أن يجمعهم في دار يجازيهم فيها على ما أمرهم به ونهاهم. اهـ.
فانقسم الناس بهذا الابتلاء إلى شقي وسعيد بحسب أعمالهم، قال سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. {الملك: 2} . وقال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ. {العنكبوت:2، 3} . وقال عز وجل: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ. {آل عمران: 179} .
وبهذا يعلم لماذا انقسم الناس إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير، فقد اقتضت حكمة الله ألا يهدي الجميع بل يمتحنهم لتظهر معادنهم، قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. {النحل: 93} . وقال: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ. {الشورى: 8} . وقال: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ. {يونس:99، 100} .
وقد سبق الكلام عن الحكمة من خلق العباد في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 723، 5492، 114255.
وأما مسألة النصرانية واحتمال كونها هي الدين الحق، فلتعلم السائلة أن المسلم بفضل الله تعالى يؤمن بكل الأنبياء وجميع الكتب السماوية، وهذا ركن في إيمانه لا يتحقق إلا به، فالمسلم يؤمن بنبوة عيسى وبأن الله أنزل عليه الإنجيل، وكذلك الحال مع موسى عليه السلام والتوراة، كما يؤمن أن عقيدته هي عقيدة موسى وعيسى وبقية الأنبياء عليهم السلام وأتباعهم رضي الله عنهم، هذه العقيدة التي تدور على توحيد الله والإيمان به والاستسلام لأمره والانقياد لحكمه.
ومن جهة أخرى فقد كان ضمن رسالة عيسى عليه السلام البشارة بنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولكن أهل الكتاب حرفوا وبدلوا، وقد سبق أن بينا أن الإسلام دين جميع الأنبياء، وعمره عمر البشرية، في الفتوى رقم: 65031.
ثم إن هذا السؤال يتوجه لكل صاحب ملة: ماذا سيفعل يوم القيامة إن كان الحق في غير دينه. وهذا يتطلب بذل الجهد للتعرف على الدين الحق، حتى إذا عرفه الإنسان تمسك به واستقام عليه. وقد سبق لنا بيان دلالات الدين الحق في الفتوى رقم: 74500 كما سبق بيان الدلائل والبراهين على صحة دين الإسلام في الفتويين: 20984، 54711.
ثم إن كان عدم إيمان جميع الناس بالإسلام دليلا على عدم صحته، فهذا يعني أنه ليس هناك أي دين صحيح، لأنه ليس هناك دين يجتمع عليه الناس كلهم.
وأما مسألة زيادة عدد النصارى على المسلمين، فهذا لا يدل على شيء، فالحق لا يعرف بالكثرة، فإن الناس كما هو مشاهد ومعروف يتبعون أهواءهم، ويعرضون عن الحق إذا لم يتفق مع أهوائهم، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. {التوبة:34} . وقد صرح القرآن بأن الأكثرية على خلاف الهدى، فقال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ. {يوسف:103} . وقال سبحانه: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ. {يوسف:106} .
وأما كيفية معرفة الصواب في كافة الأمور، فهذا طريقه بعد الاستعانة بالله تعالى وصدق اللجوء إليه وحسن التوكل عليه، يكون بطلب العلم وعمق التفكر، وقد سبق لنا بيان أن مواجهة الشكوك والشبهات تكون بالإيمان والعلم، في الفتوى رقم: 61074. وأقرب طريق لهذا هو الإقبال على القرآن الكريم الذي هو كلام الله الحق، قراءة وتدبرا، ففيه حكم ما بيننا، ونبأ ما قبلنا، وخبر ما بعدنا، وقد سبق بيان الأدلة القاطعة على صحة القرآن والسنة، في الفتويين: 19694، 8187.
وأخيرا ننبه السائلة على أنه لا يصح أن يزج المرء بنفسه في ما لا يحسنه، وأن يخالط أهل الشك والريب الذين يثيرون الشبهات، طالما أنه ليس من الراسخين في العلم، وراجعي الفتوى رقم: 101040.
وأمر آخر وهو أن العقل الإنساني مهما أوتي من قوة وإدراك فهو محدود للغاية، فهو يجهل كثيرا من أسرار نفسه فضلا عن الخلق والكون من حوله، قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً. {الإسراء: 85} . وقال: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. {البقرة: 216} . فكيف يستطيع هذا الإنسان الضعيف الإحاطة بحكمة الله في قضائه وقدره، وخلقه وأمره!؟
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1430(1/1183)
المدة الزمنية ما بين موسى وعيسى عليهما السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[بعث موسى إلى بني إسرائيل قبل ميلاد المسيح بكم عام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في بعض الروايات أن بين موسى وعيسى عليهما السلام ألفا وسبعمائة سنة، وقيل كان بينهما ألف وخمسمائة سنة، كما سبق بيانه في الفتوى: 76216.
ولا يمكننا الجزم بأحد القولين لأنه لم يرد شيء من ذلك في نصوص الوحي، ولو كانت لنا فيه فائدة لذكرها الله عز وجل في محكم كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1430(1/1184)
الوحي إلى آدم هل كان في السماء أم في الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نزل الوحي على سيدنا آدم عليه السلام وهو في الأرض؟ أرجو إرفاق الجواب بالأدلة والأسانيد الصحيحة وأن يكون الجواب مفصلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر والله أعلم أن نبوة آدم عليه السلام كانت بعد أن أخرج من الجنة، قال ابن القيم في حادي الأرواح في معرض ذكره لعذر آدم عليه السلام في أكله من الشجرة:
الوجه الثاني: أن العلم بانقطاع الدنيا ومجيء الآخرة إنما يعلم بالوحي، ولم يتقدم لآدم عليه الصلاة والسلام نبوة يعلم بها ذلك، وهو وإن نبأه الله سبحانه وتعالى وأوحى إليه، وأنزل عليه صحفاً كما في حديث أبي ذر لكن هذا بعد إهباطه إلى الأرض بنص القرآن، قال تعالى: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى. {طه،123} ، وكذلك في سورة البقرة: قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. انتهى.
وراجع الفتوى رقم: 27003 ففيها الأدلة على أن آدم عليه السلام أول نبي ورسول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1430(1/1185)
قول سليمان عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم
[السُّؤَالُ]
ـ[من أول الأنبياء الذي قال بسم الله الرحمن الرحيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على أول من قال بسم الله الرحمن الرحيم من الأنبياء أو من غيرهم، وأول من وصل إلينا أنه قالها هو سليمان بن داود عليهما السلام، فقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يكن يكتبها-بسم الله الرحمن الرحيم- حتى نزل: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. فكتبها حينئذ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1430(1/1186)
الأنبياء الذين بعثوا لبني إسرائيل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أسماء الأنبياء والرسل الذين بعثوا لبني إسرائيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يوجد نص صحيح صرح فيه بجميع أسماء أنبياء ورسل بني إسرائيل، ولكن علمنا أسماء بعضهم ممن ذكرهم الله في كتابه، أو النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه، ويجب على كل مكلف الإيمان بمن اصطفاهم الله لنبوته ورسالته، والإيمان بهم على درجتين:
إيمان مجمل: وذلك بأن يؤمن بكل نبي ورسول، سواء علمنا اسمه أو لم نعلمه.
وإيمان مفصل: وذلك بأن يؤمن بأن نوحا بعينه نبي ورسول، وكذا إبراهيم وسائر الأنبياء المقطوع بنبوتهم.
وهاتان الدرجتان ذكرتا في قوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِل إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِل إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَْسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {البقرة: 136} .
وقد ذكرنا ما ورد في تحديد عدد الأنبياء والرسل من روايات، وذكرنا أسماء من ذكرهم الله بأسمائهم في القرآن، أو ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلام العلماء على ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 9475، 12288، 18480، فلتراجعها.
وقد روى الحاكم في المستدرك وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان والطبراني، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجاله ثقات عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة نوح، وهود، ولوط، وصالح، وشعيب، وإبراهيم، وإسماعيل، ويعقوب، وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم، وليس لنبي من بني إسرائيل اسمان إلا عيسى: المسيح، ويعقوب: إسرائيل.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 51071، 64801، 65657، 74055، وما أحيل عليه فيها.
والله وأعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1430(1/1187)
الأنبياء أعطوا من البينات ما يؤكد صدقهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل الله تعالى العافية لكل من يسعى لرفع راية الإسلام. لقد دار بخلدي بعض الأسئلة عندما كنت أقرأ في سورة هود. ونظرا لما قرأت على موقعكم من تعمق في فهم القرآن وددت لو نلت شيئا من اهتمامكم ولكم الشكر كل الشكر. في الآية رقم 53 من سورة هود يعترض قوم هود قائلين لسيدنا هود ... قال تعالى: (قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي ءالهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين) 53 هذا الاعتراض يبدو لي أنه اعتراض منطقي إذ إنهم أي قوم عاد يطلبون من سيدنا هود بينة على كونه رسول الله إليهم. الأسئلة: 1- قوم هود يطلبون بينة على نبوة سيدنا هود ... فما الضير في ذلك الطلب حيث يبدو ذلك منطقيا لي؟ 2- هل سيدنا هود لم يقدم بينة لهم حقا؟ إن كان ذلك حقا فعلى أي أساس آمن به من آمن من قومه؟ 3- هل الإيمان بالرسول يستلزم أن يقدم الرسول بينة لقومه؟ إذن فماذا قدم سيدنا هود وسيدنا نوح وسيدنا شعيب وسيدنا صالح لأقوامهم من بينات؟ ما حدث لأقوامهم أراه نهايات وفي نفس الوقت آيات ولكن لمن بعدهم وليست لهم أنفسهم إذ إنهم لم يعيشوا بعدها لكي يعتبروا ويؤمنوا. 4- لو كان الإيمان يعتمد على البينات فقد اختلفت هذه البينات من حيث قوتها. فمثلا آية المائدة مع سيدنا عيسى أراها ليست بنفس قوة عصا موسى عليهما السلام. فإذا كان الإيمان يعتمد على البينات فهل اختلاف البينات في قوتها يعنى عدم تكافؤ في الفرص للناس لكي يؤمنوا؟ كيف يتسق ذلك مع عدل الله عز وجل؟ 5- إن كان الإيمان يستلزم البينة فماذا قدم سيدنا محمد لسيدنا أبي بكر رضى الله عنه حين آمن به؟ 6- إذا كان الإيمان لا يعتمد على البينات فهل هو حدث قلبي أكثر منه إعمال للعقل فى بينات الرسل ومدى استحالتها لكي تأتى من إنسان كالرسول؟ بمعنى آخر ما هي حقيقة العلاقة بين العقل والقلب بقضية الإيمان؟ وجزاكم الله خيرا. برجاء المراسلة على نفس البريد الإلكتروني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قاله قوم هود له، ليس من المنطق القويم في شيء، وإنما هو من المكابرة والجدال بالباطل، قال الألوسي: وإنما قالوه لفرط عنادهم أو لشدة عماهم عن الحق وعدم نظرهم في الآيات، فاعتقدوا أن ما هو آية ليس بآية، وإلا فهو وغيره من الأنبياء عليهم السلام جاؤوا بالبينات الظاهرة والمعجزات الباهرة. اهـ
وقال السعدي: إن كان قصدهم بالبينة، البينة التي يقترحونها، فهذه غير لازمة للحق، بل اللازم أن يأتي النبي بآية تدل على صحة ما جاء به، وإن كان قصدهم أنه لم يأتهم ببينة، تشهد لما قاله بالصحة، فقد كذبوا في ذلك، فإنه ما جاء نبي لقومه إلا وبعث الله على يديه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر. اهـ
فتبين أنه عليه السلام قد أقام لهم البينة، ونحن لم نقف على تلك البينة، لكن نوقن بذلك، لإخبار النبي صلى الله عليه وسلم به، وكذلك نعتقد في حق جميع الأنبياء، فعنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِىٍّ إِلاَّ قَدْ أُعْطِىَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِى أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. متفق عليه.
- وأما اختلاف المعجزات من أمة لأمة فذلك لاختلاف، أحوالهم، فأتى كل رسول بمعجزة تناسب أهل زمانه، قال النيسابوري: وذلك أن كل واحد من الأنبياء أوتي نوعاً آخر من المعجزة لائقاً بزمانه؛ فمعجزات موسى من قلب العصا حية ومن اليد البيضاء وفلق البحر كانت شبيهة بما عليه أهل زمانه من السحر، ومعجزات عيسى من إبراء الأكمه والأبرص تناسب للطب لأن كل ذلك غالب على قومه، ومعجزة محمد صلى الله عليه وسلم وهي القرآن تضاهي ما عليه الناس وقتئذٍ من الفصاحة والبلاغة وإنشاء الخطب وقرض الشعر. اهـ
- كما أن ما جعل الله عليه الرسل من الصفات الحسنة والأخلاق الكريمة والسيرة الطيبة في أقوامهم، مع اشتمال دعوتهم لمكارم الأخلاق، فهو كاف للإيمان بصدقهم، قال السعدي: ولو لم يكن له آية، إلا دعوته إياهم لإخلاص الدين لله، وحده لا شريك له، والأمر بكل عمل صالح، وخلق جميل، والنهي عن كل خلق ذميم من الشرك بالله، والفواحش، والظلم، وأنواع المنكرات، مع ما هو مشتمل عليه هود عليه السلام من الصفات، التي لا تكون إلا لخيار الخلق وأصدقهم، لكفى بها آيات وأدلة، على صدقه بل أهل العقول وأولو الألباب يرون أن هذه الآية أكبر من مجرد الخوارق التي يراها بعض الناس، هي المعجزات فقط. اهـ
- واعلم أن الإيمان بصدق الرسول يحتاج إلى البينات، لما يترتب على ذلك من اتباع ما يوحى إليه من أمور الغيب التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالوحي، وكذلك أحكام العبادات والمعاملات، أما أصل الإيمان بالله وتوحيده، فلا يتوقف على المعجزات، يقول سيد قطب في ظلال القرآن: والتوحيد لا يحتاج إلى بينة، إنما يحتاج إلى التوجيه والتذكير، وإلى استجاشة منطق الفطرة، واستنباء الضمير. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1430(1/1188)
قصة دودة داود وهل كان يعلم بمبعث سيد المرسلين
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في الأثر: بينما نبي الله داود -عليه السلام- جالس في صومعته يتلو الزبور إذ رأى دودة حمراء في التراب.. فقال لنفسه: ما أراد الله من هذه الدودة؟ فأمر الله تعالى الدودة حتى تكلمت فقالت: يا نبي الله أما نهاري فقد ألهمني ربي أن أقول في كل يوم (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ألف مرة) ، وأما ليلي فقد ألهمني ربي أن أقول في كل ليلة (اللهم صل على محمد النبي الأمي وآله وصحبه وسلم ألف مرة) ، فأنت ما تقول حتى أستفيد منك، فندم نبي الله داود -عليه السلام- على احتقاره للدودة فخر لله سبحانه وتعالى راكعاً وأناب.. السؤال: هو أيام سيدنا داود كان يعرف أنه سوف يأتي نبي اسمه محمد والدود كذلك يعرف؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن داود عليه السلام كان يعلم بأنه سيأتي محمد رسول الله حيث إنه جاء خبره في التوراة، كما قال الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ.. {الأعراف:157} ، وقد أخذ الله الميثاق على الرسل أن يؤمنوا به إذا بعث وهم أحياء، كما قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ {آل عمران:81} .
وأما أمر الدودة وقصتها فلا نعلم نصاً فيه، ولا ما يفيد إثبات قصتها، مع أنه لا يبعد أن يعلم بعض الحيوانات بشأن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فقد شهد له بذلك بعض الدواب في عصره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1429(1/1189)
الحكمة من إهلاك الله تعالى امرأة لوط
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: عندما عاقب الله عزوجل قوم لوط عاقبهم لأجل فاحشة مشينة لا تخطر على بال دابة وهي اللواط وأخبرهم بأن ما فعلوه لم يسبقهم أحد به على قدر ما هو مشين، استفساري لماذا قدر الله سبحانه وتعالى زوجة سيدنا لوط عليه السلام بأنها من الغابرين أي من المغضوب عليهم مع العلم بأن هذه الفعلة اللواط لا تخص إلا الذكور فما دخلها وما شأنها وما قصتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائل الكريم على اهتمامه ومتابعته لموقعنا ونسأل الله له التوفيق.
وبخصوص سؤاله؛ فإن أهل التفسير قالوا: إن امرأة لوط أصابها ما أصاب قومها؛ لأنها كانت كافرة على دينهم، وكانت تتجسس لهم على لوط وتأتيهم بأخباره.
وضرب بها وبامرأة نوح المثل للذين كفروا فقال تعالى في شأنهما: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ {التحريم:10}
قال أهل التفسير: خانتاهما في الدين، فلم يتبعاهما فيه، وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء؛ لأن الله تعالى لم يقدر على نبي قط أن تبغي امرأته.
وقال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط.
وعلى هذا فسبب هلاك امرأة لوط هو كفرها ومناصرة قومها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(1/1190)
الأنبياء والمرسلون في أعلى درجات الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن القول أن مصير الأنبياء والمرسلين إلى الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما لا شك فيه أن الأنبياء والمرسلين هم أفضل خلق الله وهم قادة الناس إلى الجنة وشفعاؤهم عند الله تعالى، وهم في أعالي درجات الجنة، فهذا مما يجب اعتقاده والقطع به على كل مسلم.
ثم إن أقصى أمنيات المسلم أن يكون بجوار الأنبياء في الجنة، ففي صحيح مسلم عن ربيعة بن كعب قال: كنت أبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم آتيه بوضوئه وحاجته، فقال: سلني، فقلت: اسألك مرافقتك في الجنة، فقال: أو غير ذلك؟ فقلت: هو ذاك، فقال: أعني على نفسك بكثرة السجود. ومصداق ذلك قول الله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا {النساء:69} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(1/1191)
الله تعالى هو الذي اصطفى الرسل وفضل بعضهم على بعض
[السُّؤَالُ]
ـ[من أعطى الدرجات للرسل والأنبياء والصحابة من حيث قولنا عليه الصلاة والسلام أو عليه السلام أو رضي الله عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي فضل الأنبياء والرسل واصطفاهم ورفع بعضهم درجات وأكرم الصحابة ورضي عنهم هو الله- سبحانه وتعالى- فقد قال في محكم كتابه: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ {الحج:75} .
وقال تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ {البقرة:253}
وقال تعالى: سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ {الصافات: 109}
وقال تعالى: سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ {الصافات: 79}
وقال تعالى بخصوص نبينا- صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {الأحزاب: 56} .
وقال تعالى في شأن الصحابة: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة:100} .
ولذلك فإن المسلم إذا ذكر الأنبياء والرسل دعا لهم بالصلاة والسلام، وإذا ذكرالصحابة ترضى عنهم، وتجوز الصلاة على غير الأنبياء لكن من غير جعل ذلك شعارا، وقد مضى بيان أقوال العلماء في المسألة في الفتوى رقم: 35633، فراجعيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1429(1/1192)
هل بعث آدم ومحمد عليهما السلام في مكان واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف الحكمة من بعث الله آدم ومحمد في نفس المكان أي الجزيرة العربية أي أول وآخر نبي المرجو الإسراع أريده الليلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم دليلا يفيد أن آدم ومحمدا صلى الله عليه وسلم بعثا في مكان واحد، بل الظاهر أن آدم نزل بالهند وكان يسكن بها، وكان يحج البيت من هناك، كما ذكره ابن سعد في الطبقات وا لطبراني في تاريخه وابن الأثير في الكامل، وننصح السائل بالسؤال عما يفيده في دنياه وآخرته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1429(1/1193)
صفة محمد وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي خصائص أو أوصاف موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد وصف موسى وعيسى صلى الله عليهما وسلم في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: رأيت ليلة أسري بي موسى رجلاً آدم -أي لونه بين البياض والسواد- طوالاً جعداً كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى رجلاً مربوعاً مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس.
وفي رواية له ولمسلم عن ابن عباس أنه قال: وذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به فقال: موسى آدم طوال كأنه من رجال شنوءة وقال عيسى جعد مربوع.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسري بي على موسى بن عمران عليه السلام رجل آدم طوال جعد كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس.
وفي رواية لأحمد: فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر وأما موسى فآدم جسيم.
ولمعرفة صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم راجع في ذلك الفتوى رقم: 51979، والفتوى رقم: 30049.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1429(1/1194)
هل كان إلياس عليه السلام عالما منجما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان نبي الله إلياس عالم تنجيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نعثر بعد البحث على أحد ذكر هذا الأمر عن نبي الله إلياس عليه السلام، ومن المعلوم إن علم التنجيم الذي يراد به الاستدلال بأحوال الفلك على الحوادث الأرضية يعتبر من علوم السحر المحرمة بالإجماع كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ويدل لذلك الحديث: من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وقد تكلم السيوطي في الأشباه والنظائر على أنواع العلوم فذكر أن منها واجبا ومحرما، وعد من المحرم الفلسفة والشعوذة والتنجيم والرمل والسحر والموسيقى.
ومثل هذه الأشياء المحرمة لا يظن حصولها عند الأنبياء فهم معصومون، وهم مستغنون عن مثل هذه الأمور بالوحي المنزل من عند الله تعالى.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 55006، 63430، 109884، 111790.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1429(1/1195)
عمر إسماعيل حين تركه إبراهيم وحين رآه بعد ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة عمر سيدنا إسماعيل عندما تركه سيدنا إبراهيم وبعد سنة رآه مرة أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإسماعيل عليه الصلاة والسلام قيل كان عمره سنتين عند ما تركه إ براهيم عليه الصلام والسلام مع أمه هاجر فى مكة، ففي عمدة القارى للعيني: وعطش ابنها أي إسماعيل بكسر الطاء في الموضعين قيل كان عمره في ذلك الوقت سنتين وقيل كان لبنها انقطع. انتهى.
ولم نقف على تحديد سن إسماعيل عند أول رؤية إبراهيم له بعد ذلك، فقيل جاء بعد أن تزوج إسماعيل وقيل عاد إليه قبل ذلك وقيل إن إبراهيم كان يزوره هو وهاجر كل شهر.
ففي فتح الباري لابن حجر: وقد قال في هذا الحديث إن إبراهيم ترك إسماعيل رضيعا وعاد إليه وهو متزوج فلو كان هو المأمور بذبحه لذكر في الحديث أنه عاد إليه في خلال ذلك بين زمان الرضاع والتزويج، وتعقب بأنه ليس في الحديث نفي هذا المجيء، فيحتمل أن يكون جاء وأمر بالذبح ولم يذكر في الحديث، قلت وقد جاء ذكر مجيئه بين الزمانين في خبر آخر، ففي حديث أبي جهم كان إبراهيم يزور هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام، وروى الفاكهي من حديث علي بإسناد حسن نحوه وأن إبراهيم كان يزور إسماعيل وأمه على البراق فعلى هذا فقوله فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل أي بعد مجيئه قبل ذلك مرارا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1429(1/1196)
الأنبياء الذين قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة من قال حسبي الله ونعم الوكيل من الأنبياء غير سيدنا إبراهيم عليه السلام وما المناسبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحسبي الله ونعم الوكيل قد قالها إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين ألقي فى النار، وقالها أيضا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم عند ما علم بعد غزوة أحد أن قريشا ومن معهم قد أجمعوا على الرجوع إلى المدينة واستئصال المسلمين.
ففي صحيح البخارى: عن ابن عباس: {حسبنا الله ونعم الوكيل} قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}
قال ابن حجر فى فتح الباري: قوله قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار في الرواية التي بعدها أن ذلك آخر ما قال وكذا وقع في رواية الحاكم المذكورة ووقع عند النسائي من طريق يحيى بن أبي بكير عن أبي بكر كذلك وعند أبي نعيم في المستخرج من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بهذا الإسناد أنها أول ما قال فيمكن أن يكون أول شيء قال وآخر شيء قال والله أعلم، قوله حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فيه إشارة إلى ما أخرجه ابن إسحاق مطولا في هذه القصة وأن أبا سفيان رجع بقريش بعد أن توجه من أحد فلقيه معبد الخزاعي فأخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في جمع كثير وقد اجتمع معه من كان تخلف عن أحد وندموا فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه فرجعوا وأرسل أبو سفيان ناسا فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان وأصحابه يقصدونهم فقال حسبنا الله ونعم الوكيل. انتهى.
ولم نقف على من قالها من الأنبياء أوالرسل غيرهذين الرسولين السابقين عليهما الصلاة والسلام.
والله أعلم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1429(1/1197)
أبناء نوح عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم أكبر أبناء سيدنا نوح عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لم نطلع على ترتيب أبناء نوح في السن، ويحتمل أن يكون على حسب ما ذكره أهل التاريخ من ترتيب أسمائهم، مع ملاحظة أنه لا يترتب على معرفة ذلك حكم ولا ينبني عليه عمل.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من اشتهر ذكره عند أهل التاريخ والأخبار من أبناء نوح عليه السلام ثلاثة هم سام وحام ويافث.. ويذكرونهم على هذا الترتيب، والله أعلم هل ترتيبهم هذا على حسب السن أو الفضل أو غير ذلك، فكل ذلك محتمل، وكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ينسبون إلى هؤلاء الثلاثة، ومع الثلاثة المذكورين ابن رابع اسمه يام أو كنعان وكان كافراً وهو الذي غرق مع الكافرين.
قال ابن كثير في تفسيره: والابن الرابع واسمه يام، وكان كافراً ...
وللمزيد انظر الفتوى رقم: 47237، والفتوى رقم: 42971.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1429(1/1198)
إدريس الصديق النبي
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو إدريس الذي ذكر اسمه في هذه الآية: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا* وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 56-57] ، وهل يجوز تسمية الأطفال بسام- يعقوب- إسحاق- حام- يافث- شمعون؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إدريس نبي من أنبياء الله تعالى، وهو في عمود نسب نبيناً صلى الله عليه وسلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إدريس نبي من أنبياء الله وصفه الله تعالى بالنبوة والصديقية في محكم كتابه، وهو في عمود نسب نبيناً صلى الله عليه وسلم على ما ذكره غير واحد من علماء النسب، وقد ذكر بعض أهل التفسير والأخبار أن إدريس كان اسمه أخنوخ وهو ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن يانش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم، وكان أول من أعطي النبوة من بني آدم، وأول من خط بالقلم وكان خياطاً ... هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة عنه في الفتوى رقم: 23116.
وأما الأسماء المذكورة فلا نرى ما يمنعها شرعاً، وبعضها من أفضل الأسماء لأنها أسماء أنبياء.. ولكننا ننبهك إلى أحب الأسماء إلى الله تعالى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن. رواه مسلم وغيره....
ولمعرفة ضابط الأسماء الممنوعة والمكروهة شرعاً انظر الفتوى رقم: 12614.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1429(1/1199)
مكان خلق آدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أين خلق سيدنا آدم علية السلام هل كان ذلك في السماء أم في الأرض، وما معنى كلمة اهبطوا التي ذكرت في القرآن، هل تعني الهبوط من السماء أم من مكان في الأرض أي (من مكان مرتفع في الأرض إلى مكان منخفض موجود في الأرض) ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
آدم عليه السلام خلق في الجنة في السماء وأهبط منها إلى الأرض.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن آدم عليه السلام خلقه الله تعالى في الجنة، جاء في صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك.
وهذه الجنة هي جنة الخلد التي أعدها الله تعالى دار كرامة لأوليائه في الآخرة هذا ما عليه جمهور الأمة والمحققون من أهل العلم.
قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة.. وأن الله سبحانه قد خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه، وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم، وهي التي أهبط منها آدم نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والجنة التي أسكنها آدم وزوجته عند سلف الأمة وأهل السنة والجماعة هي: جنة الخلد، ومن قال: إنها جنة في الأرض بأرض الهند أو بأرض جدة، أو غير ذلك، فهو من المتفلسفة والملحدين، أو من إخوانهم المتكلمين المبتدعين، فإن هذا يقوله من يقوله من المتفلسفة والمعتزلة..
والهبوط معناه النزول من الأعلى إلى الأسفل، وهو ضد الصعود؛ كما قال أهل اللغة والتفسير، وهبوط آدم ومن معه كان من الجنة التي هي في السماء إلى الأرض التي سيعيشون عليها ويدفنون فيها ويخرجون منها للبعث كما قال تعالى: قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ {الأعراف:25}
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين التاليتين: 24506، 57114.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1429(1/1200)
معجزات عصا موسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهى معجزات عصا موسى عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من المعجزات التي أظهرها الله في شأن عصا موسى انقلابها حية إذا ألقاها، ورجوعها طبيعية إذا أخذها بيده، ومنها تلقفها لما ألقاه السحرة. ومنها انفلاق البحر لما ضربه بها. ومنها انفجار الماء من الحجر عندما يضربه بها.
وهناك بعض الأشياء الأخرى يذكرها بعض المفسرين وذكر بعضهم أن أغلبها لا يثبت.
فيمكن الاطلاع على ذلك في تفسير البغوي والألوسي والبداية والنهاية لابن كثير، وراجع للاطلاع على تفصيل ما ذكرناه تفسير ابن كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1429(1/1201)
لغة نبي الله إسماعيل عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أصل اسم "إسماعيل" وما هي اللغة التي كان يتكلم بها النبي إسماعيل عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإسماعيل هو الاسم الأصلي لهذا النبي العظيم وهو الذي سمي به في القران الكريم وفي السنة النبوية.
وأما اللغة التي كان يتكلمها فهي العربية الفصحى فقد قال صلى الله عليه وسلم: أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن أربع عشرة سنة. صححه الألباني في صحيح الجامع.
وانظر إلى الفتويين: 80165، 26715.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1429(1/1202)
هل عاصر نبي الله يحيى موسى عليهما السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عاصر سيدنا يحيى سيدنا موسى عليهما السلام، وما المراد بالآية ومصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل فهل تخص سيدنا يحيى؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يحيى كان بعد موسى بزمن طويل، والآية المشار إليها هي في عيسى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن يحيى بن زكريا عليهما السلام لم يعاصر موسى عليه السلام، وكان بعده بزمن طويل بل كان بعد داود وسليمان عليهم السلام..
وأما الآية المشار إليها فنصها: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ {المائدة:46} .
ويتضح لك من بداية سياقها أنها ليست في يحيى وإنما هي في عيسى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(1/1203)
كنز سليمان هل له حقيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد كنز سليمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم عن شيء اسمه كنز سليمان إلا الكنز المذكور في الكذبة التي كذبها الشياطين، وراجع كذبها في كتب التفسير عند تفسير قوله تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ {البقرة:102} .
وراجع الفتوى رقم: 19223.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1428(1/1204)
لغة إبراهيم والقوم الذين بعث فيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم أيها السادة تبيان لغة سيدنا إبراهيم عليه السلام وأين بعث ولأي قوم كانت رسالته، وهل لهم صلة أو نسب بالعرب، وأيضاً سيدنا إسماعيل كيف أصبح من العرب المستعربة كما يقال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بالسريانية والعبرانية كما ذكره العيني في شرح البخاري وابن سعد في الطبقات والطبري في التاريخ، وهو قد أرسل أولاً إلى أهل بابل الذين كان يتملك عليهم النمرود، وكان يسكنها الكلدانيون ثم ذهب إلى الشام والحجاز وانتشرت ملته فيهما، ويذكر بعض المؤرخين أنه ذهب إلى القارة الهندية يدعو إلى الله.
وأما إسماعيل فكان يتكلم بالعربية وأصبح من العرب المستعربة لأنه شب في قبيلة جرهم وتزوج فيهم وتعلم منهم اللغة العربية ونشأ أبناؤه هناك، وراجع الفتوى رقم: 36038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(1/1205)
زمن ولادة عيسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عيسى عليه السلام ولد باليوم الذي يحتفل به النصارى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم نصاً يثبت أو يبطل هذه المعلومة، ولكن بعض الباحثين يرى أن عيسى ولد في الصيف ويستدل لذلك ببعض الأدلة، ومن أدلتهم وجود الرطب وقت ولادته وهو من فاكهة الصيف، ولكن كثيراً من المفسرين قالوا إنه لا يبعد أن يكون هذا معجزة من معجزات عيسى ثبت الله بها قلب مريم.
ومن أدلتهم ما يذكر في بعض الروايات التاريخية أن الرعاة كانوا يمشون في الليل بأغنامهم وكانون الأول في الشام يشتد فيه البرد فلا يستطيع أحد التحرك في الليل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1428(1/1206)
أولاد آدم
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم أولاد آدم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأولاد آدم هم جميع من خلق الله من البشر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الناس بنو آدم وآدم من تراب. رواه أحمد والترمذي وأبو داوود وغيرهم.
وإذا كنت تعني أولاده المباشرين فإنا لم نقف على خبر صحيح يفيد عددهم أو أسماءهم، وبالتالي فلا نستطيع الحديث عنهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1428(1/1207)
النبي الذي ما زال حيا
[السُّؤَالُ]
ـ[كم من الأنبياء مازالوا على قيد الحياة، وما أسماؤهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجميع الأنبياء عليهم السلام قد ماتوا إلا عيسى عليه السلام، فقد رفعه الله إلى السماء حيا وسينزل إلى الأرض، وسيموت، ويصلي عليه المسلمون.
قال تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (سورة النساء،157) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(1/1208)
هل تزوج يوسف عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سيدنا يوسف تزوج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل التاريخ والتفسير أن يوسف عليه السلام تزوج بعد ما خرج من السجن وتولى الوزارة لملك مصر، وكان عمره إذ ذاك ثلاثين سنة، ففي تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور: ... فقربه الملك إليه زلفى وأولاه على جميع أرض مصر وهو لقب العزيز ... وزوجه (أسنات) بنت أحد الكهنة وعمره يومئذ ثلاثون سنة. وفي قصص الأنبياء لابن كثير: وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلاثين سنة، وزوجه امرأة عظيمة الشأن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(1/1209)
قتل يحيى عليه السلام وهل رفع إلى السماء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قتل يحيى عليه السلام أم رفع إلى السماء كما هو الحال مع عيسى عليه السلام علما بأن هناك روايات تقول بأن يحيى حي في السماء بناء على الحديث الذي ورد في حادثة الإسراء والمعراج.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان زكريا وابنه يحيى عليهما السلام قد قتلا أو ماتا موتا. ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية عن وهب بن منبه، وذكر الطبري أن فساد بني إسرائيل الأول كان بقتل زكريا، وأن فسادهم الثاني كان بقتل يحيى، وليس في قتلهما نص ثابت.
وقد تكرر في القرآن ذكر قتل بني إسرائيل للأنبياء بغير حق، كما في قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ {آل عمران:112} .
وفي قوله تعالى: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ {البقرة:87} .
وفي قوله تعالى: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:91] .
ويمثل المفسرون بزكريا ويحيى.
وقد نص ابن كثير في البداية والنهاية أنهما ممن قتل قبل تسليط بختنصر على بني إسرائيل، وقد ذكر أيضاً حديثاً في قتلهما، ولكنه ضعفه ونسبه إلى النكارة.
ووردت عدة آثار عن الصحابة والتابعين في قتلهما ذكرها الطبري وابن كثير، والظاهر أنها مأخوذة من أهل الكتاب، ومن أصحها ما روى ابن أبي شيبة في المصنف عن عروة بن الزبير قال: ما قتل يحيى بن زكريا إلا في امرأة بغي قالت لصاحبها لا أرضى عنك حتى تأتيني برأسه، فذهب فأتاها برأسه في طست.
وعلى أية حال، فإننا لم نعثر فيما وقفنا عليه من الأقوال أن من أهل العلم من يقول بأن يحيى عليه السلام قد رفع إلى السماء كما هو الحال مع عيسى عليه السلام.
وأما ما ورد في حديث الإسراء من قوله -صلى الله عليه وسلم-: ... ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة ... الحديث، فإن هذا ليس فيه دليل على أن يحيى عليه السلام كان قد رفع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد التقى تلك الليلة بكثير من الأنبياء، ولم يقل أحد بأنهم رفعوا كما رفع عيسى عليه السلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1428(1/1210)
موقف اليهود من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كل علم وأنتم بخير بمناسبة شهر رمضان المعظم وبعد.. سؤالي هو: كم عدد الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله سبحانه وتعالى إلى اليهود وكيف تعامل اليهود مع كل واحد منهم -عليهم السلام من الله أجمعين- على حده...... نفعنا الله بعلمكم وجزاكم الله عنا خير الجزاء وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وجعلها الله خالصة لوجهه الكريم إنه نعم المولى ونعم النصير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعدد الأنبياء والمرسلين، جاء في مسند الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله كم المرسلون؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر جما غفيرا. وفي رواية أبي أمامة قال أبو ذر: قلت يا رسول الله: كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف، وأربعة وعشرون ألفا، والرسل من ذلك: ثلاثمائة وخمسة عشر، جما غفيرا. والحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله في مشكاة المصابيح.
وأما خصوص عدد الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله سبحانه وتعالى إلى اليهود فذلك ما لم نقف على نص يتضمنه، كما أنه لا سبيل إلى معرفة تعامل اليهود مع كل واحد من الأنبياء عليهم الصلاة السلام.
وفي الجملة فقد صرح القرآن الكريم بأن أي رسول لم يكن موافقا لهوى أنفسهم يقتلونه أو يكذبونه، قال تعالى: أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ {البقرة:87} ، ومن المعلوم أن هوى النفوس لا يتلاءم عادة مع ما يجيء به الرسل وبالتالي فقاعدة اليهود في التعامل مع الرسل هي ما بينته الآية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(1/1211)
القرابة بين إدريس ورسولنا صلى الله عليهما وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: ما هي القرابة بين إدريس ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النسابين يذكرون أن إدريس من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 78049، والفتوى رقم: 70753.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1428(1/1212)
سبب تسمية نوح عليه السلام باسمه
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا سمي نوح بنوح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنوح: هو البكاء بشدة وحزن، وقد ذكر أهل التفسير أن نوحاً عليه السلام سمي بهذا الاسم لكثرة نوحه وبكائه من خشية الله تعالى، أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم وابن عساكر عن يزيد الرقاشي قال: إنما سمي نوح عليه السلام نوحاً لطول ما ناح على نفسه. انظر تفسير القرطبي وفتح القدير وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1428(1/1213)
الحياة قبل نزول آدم عليه السلام إلى الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كانت حياة قبل نزول آدم عليه السلام إلى الأرض......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان في الأرض سكان وحياة قبل آدم عليه السلام، فقد ذكر القرطبي وغيره من أهل التفسير عند قول الله تبارك وتعالى على لسان ملائكته: قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ {البقرة: 30} أن الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء وذلك لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم فأفسدوا وسفكوا الدماء.
فبعث الله إليهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، ثم خلق الله آدم فأسكنه إياها وهذا مروي عن ابن عباس وأبي العالية.
وللمزيد انظر الفتوى رقم: 1099.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(1/1214)
هل إلياس وإدريس نبي واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن عدد الرسل في القرآن هم 25 لكن يقال إن هناك 24 رسولا، لأن سيدنا إلياس هو إدريس، السؤال: ما هو الفرق بين إلياس وإدريس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الله سبحانه وتعالى إلياس عليه السلام في القرآن الكريم في موضعين، الأول قوله تعالى: وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ {الأنعام:85} ، الثاني قوله تعالى: وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ {الصافات:123} ، كما ذكر إدريس عليه السلام في موضعين أيضاً.
الأول قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا {مريم:56} ، الثاني قوله تعالى: وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ {الأنبياء:85} ، وقد ذهب بعض العلماء من الصحابة ومن بعدهم إلى أنهما -أي إلياس وإدريس - اسمان لنبي واحد، وأن إلياس هو إدريس وإدريس هو إلياس، قال ابن كثير في قصص الأنبياء: قال البخاري: ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس واستأنسوا. في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس في الإسراء أنه لما مر به عليه السلام أي بإدريس قاله له مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ولم يقل، كما قال آدم وإبراهيم مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح قالوا فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قالا له. انتهى. وهذا ما ذهب إليه الضحاك بن مزاحم وحكاه قتادة ومحمد بن إسحاق كذا قال ابن كثير.
وقد رجح ابن كثير أنهما مختلفان وأن إلياس ليس هو إدريس، فقال: والصحيح أنه غيره كما تقدم. انتهى. وسواءً كان هو أو غيره فنحن مطالبون بالإيمان بالرسل والأنبياء عموماً، وكذلك من سمى منهم خصوصاً، ومن الذين سموا إلياس وإدريس، ثم لا يترتب بعد ذلك عمل على معرفة هل هما واحد أو اسمان مترادفان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(1/1215)
الأنبياء الذين ذكروا في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد أرسلت لكم سؤالاً أطلب فيه معاني أسماء الأنبياء والمرسلين الوارد ذكرهم في القرآن الكريم على حد سواء وكنتم بارك الله فيكم قد أجبتم بإجابة ليس لها علاقة بالموضوع، فأطلب منكم مرة أخرى أن توضحوا لي معانيها مثلاً إسرائيل تعني عبد الله وهكذا وأن تذكروا لي المرجع لأرجع إليه وقت الحاجة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصح السائل الكريم بالاهتمام بما ينفعه في دينه ودنياه وأن يسأل عما يترتب عليه حكم أو ينبني عليه عمل، فمعرفة معاني أسماء الأنبياء لا يترتب عليها شيء وجهلها لا يضر، ولذلك لم يهتم بمعرفتها أهل العلم في عقائدهم أوتفسيرهم ... وإنما ذكروا أن الواجب هو الإيمان بهم إجمالاً والإيمان بما ذكر منهم في القرآن الكريم تفصيلاً، وما ورد في القرآن منهم خمسة وعشرون اسماً، وهم الذين نظم أسماءهم بعض الفضلاء بقوله:
حتم على كل ذي التكليف معرفة * بأنبياء على الترتيب قد علموا
في "تلك حجتنا" منهم ثمانية * من بعد عشر ويبقى سبعة وهم
إدريس، لوط، شعيب، صالح، وكذا * ذو الكفل، آدم، بالمختار قد ختموا
فنلاحظ أن ثمانية عشر اسما منهم في سورة واحدة هي سورة الأنعام، والسبعة الباقية في سورة مختلفة من القرآن، وإذا تأملت في هذه الأسماء تجد أكثرها أسماء أعجمية وأسماء الأعلام أكثرها يكون مرتجلا، وبإمكانك أن ترجع إلى المعاجم اللغوية وخاصة لسان العرب لابن منظور فربما تجد فيه شيئاً مما تطلب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(1/1216)
أعظم أنبياء اليهود
[السُّؤَالُ]
ـ[من نبي اليهود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بعث الله تعالى إلى اليهود (بني إسرائيل) أنبياء كثيرين لكثرة فسادهم وإفسادهم في الأرض وانحرافهم عن دعوة الأنبياء.. وأعظم هؤلاء الأنبياء كليم الله موسى عليه السلام، فهو من أولي العزم من الرسل الذين نوه القرآن الكريم بهم، وهم بالإضافة إلى محمد صلى الله عليه وسلم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، ويمكنك أن تطلع على نبذة مختصرة عن حياة موسى في الفتوى رقم: 26191.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1428(1/1217)
الأنبياء المرسلون للعرب
[السُّؤَالُ]
ـ[يرجى التكرم بإفادتنا بالسؤال الآتي:
من هم الأنبياء الذين بعثو للعرب؟ وهل نبي الله يوسف عليه السلام بعث للعرب؟؟
أفيدونا ... وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل السير والأخبار أن الأنبياء المرسلين من العرب خمسة. قال الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في كتابه الرائع عمود النسب:
والعرب إسماعيل منهم دون ريب * هود وصالح محمد شعيب.
وأربعة من هؤلاء أرسلوا إلى أممهم وأقوامهم خاصة وهم: هود وصالح وشعيب وإسماعيل.
وأما محمد صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، فقد بعث إلى الأحمر والأسود، وإلى الثلقين الإنس والجن، كما قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ {الأنبياء:107} ، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ {سبأ:28}
وأما يوسف فقد صرح غير واحد بأنه بعث إلى القبط، ويشهد لهذا قول الله جل وعلا على لسان مؤمن آل فرعون: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ {غافر: 34}
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتويين: 56981، 14634.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1427(1/1218)
الأنبياء الذين وردت البشارة بهم قبل ميلادهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف عدد الأنبياء الذين تم ذكرهم في القرآن بأسمائهم قبل ميلادهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في بيان عدد وأسماء الأنبياء الذين ذكروا في كتاب الله فانظر الفتوى رقم: 65657، والفتوى رقم: 9475، والفتوى رقم: 51071.
وقول السائل قبل ميلادهم إن كان مقصوده الأنبياء الذين بشر بقدومهم قبل أن يولدوا فمنهم يحيى عليه الصلاة والسلام، فقد بشر به زكريا عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى {مريم:7} ومنهم إسحاق ويعقوب، فقد بشر بهما إبراهيم عليه الصلاة والسلام وزوجه. قال تعالى: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ {الصَّفات:112} وقال تعالى: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ {هود: 71}
ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد بشر به عيسى عليه السلام: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ {الصف: 6} .
ومنهم عيسى عليه السلام فقد بشرت به مريم على لسان جبريل قال تعالى: قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا {مريم:19}
فهؤلاء خمسة أنبياء وردت البشارة بهم في القرآن قبل ميلادهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1427(1/1219)
أول نبي بعد آدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من أخد النبوة بعد سيدنا آدم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أول نبي من رسل الله إلى البشرية بعد آدم عليه السلام هو نوح عليه السلام، كما ثبت عن غير واحد من أهل العلم، فقد روى الحاكم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.
وروى ابن جرير عن قتادة في قول الله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً {البقرة: 213} : فكان أول نبي بعث نوح عليه السلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1427(1/1220)
الفترة الزمنية بين أولي العزم من الرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الفترة الزمنية التي كانت بين الرسل أولي العزم وبالأخص بين سيدنا إبراهيم وسيدنا محمد صلى الله وسلم عليهم، وما هي الفترة التي عاشها المشركون بعد عبادتهم للأصنام وتركهم الديانة الإبراهيمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلفت الروايات في تحديد هذه المدة المسؤول عنها، ولا يمكننا أن نجزم بشيء من ذلك إلا ما وردت به نصوص الوحي من القرآن والسنة، وقد ذكر بعض أهل العلم أن الفترة الزمنية بين نوح وإبراهيم عشرة قرون، وبين إبراهيم وموسى بن عمران عشرة قرون، وبين موسى وعيسى عليهما السلام ألف وسبعمائة سنة، وبين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة، وفي الدر المنثور للسيوطي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وبين آدم وبين نوح ألف سنة وبين نوح وإبراهيم ألف سنة، وبين إبراهيم وموسى سبعمائة سنة، وبين موسى وعيسى ألف وخمسمائة سنة، وبين عيسى ونبينا ستمائة سنة.
وقد أخرج البخاري في صحيحه أثراً عن سلمان رضي الله عنه قال: فترة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة.
وروى ابن حبان وغيره أن رجلاً قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: نعم مكلم، قال: كم بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون ـ وفي رواية ـ كلهم على الحق - قال: كم بين نوح وإبراهيم؟ قال: عشرة قرون ...
وأما الفترة التي كان فيها الشرك بعد إبراهيم فلم نقف لها على تحديد, ولا شك أنها تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة, فبعض الأزمنة بعد إبراهيم بعث فيها أنبياء ودعوا إلى التوحيد, وكان ذلك في بعض الأماكن دون بعضها. وبإمكانك أن تطلع في تفسير الطبري والقرطبي والدر المنثور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1427(1/1221)
ختان إبراهيم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من الذي طهر إبراهيم عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم.
والقدوم اسم الآلة التي اختتن بها، على الراجح من أقوال أهل العلم في ذلك، كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح، ولم نقف على كلام لأهل العلم يبين الشخص الذي أجرى له عملية الختان، ولا يترتب على جهل ذلك أو علمه كبير فائدة، وينبغي للمسلم أن يسأل عما يترتب عليه عمل ينفعه في دينه أو دنياه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1427(1/1222)
هل تزوج عيسى عليه السلام من مريم المجدلية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي سؤال بسيط جدا: أريد فقط أن أعرف ما موقف الشريعة والدين الإسلامي من فكرة أن السيد المسيح عيسى عليه أفضل السلام كان متزوجا من السيدة مريم المجدلية وله منها أبناء حسب رواية (فيلم يعرض حاليا) شيفرة دافنشي، أعلم جيدا بأنه تجديف ولكنني أريد أن أعرف رأي الشرع في ذلك خصوصا وأننا نحب ونغار على السيد المسيح أكثر من المسيحيين أنفسهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يثبت في شرعنا دليل خاص يثبت أو ينفي تزوج عيسى ابن مريم عليه السلام، سواء من مريم المجدلية أم من غيرها، والزواج من سنن المرسلين بدليل قول الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً {الرعد: 38} ، وينكر النصارى زواج عيسى عليه السلام أصلا، وزواجه من مريم المجدلية خاصة، وقد ألف أحد القساوسة كتابا يرد فيه على (شفرة دافنشي) بهذا الخصوص.
وإن ثبت أن عيسى عليه السلام لم يتزوج فقد يكون ذلك لسبب خاص به، قال الطاهر ابن عاشور في كتابه التحرير والتنوير عند كلامه عن الرهبانية: وأما ترك المسيح التزوج فلعله لعارض آخر أمره الله به لأجله، وليس ترك التزوج من شؤون النبوءة، فقد كان لجميع الأنبياء أزواج، قال تعالى: وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً. وإن ثبت أنه قد تزوج فليس في ذلك منقصة، بل هو من الكمال فليس في ذلك ما يدعو إلى القلق وتهويل الأمر. ولمعرفة سيرة مريم المجدلية تراجع الفتوى رقم: 71272، ولمعرفة حكم مشاهدة مثل هذه الأفلام تراجع الفتوى رقم: 26365، ولمعرفة حكم التمثيل عموما وحكم تمثيل شخصيات الأنبياء والصديقين، تراجع الفتويين: 36893، 42540، ولمعرفة حكم مرويات أهل الكتاب تراجع الفتوى رقم: 71171، ولمعرفة حكم مطالعة الكتب السماوية السابقة تراجع الفتوى رقم: 14742.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1427(1/1223)
الرسل صلوات الله وسلامه عليهم والفراعنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن أعرف من أول من وجد الفراعنة أم الرسل بعد سيدنا آدم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن كلمة فرعون تطلق على كل من حكم مصر في ذلك الوقت، كما يطلق النجاشي على كل من حكم الحبشة، وتبع على كل من حكم اليمن، ولا نعرف بالتحديد الزمن الذي ابتدأ فيه عصر الفراعنة بمصر ولكنهم قطعا وجدوا بعد الرسل عليهم الصلاة والسلام. فقد ورد في تاريخ الطبري وفي الكامل ما يفيد بأن أول الفراعنة كان اسمه الضحاك، وكان ملك مصر لما قدمها إبراهيم الخليل عليه الصلا ة والسلام، ومن المعلوم أن إبراهيم عليه السلام قد سبق برسل كثيرين، منهم من نعرف أسماءهم مثل نوح، وإدريس، وهود، وصالح، ومنهم من لا نعرف أسماءهم كما قال تعالى: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ {النساء:164}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1427(1/1224)
هل وجد أنبياء بين عيسى ومحمد عليهما السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أقرأ في بعض الكتب ووقع في يدي كتاب قصص الأنبياء وقرأت فيه أن عيسى ليس آخر أنبياء بني إسرائيل ووالله أنا في حيرة لأن حسب علمي أنا عيسى آخر أنبياء بني إسرائيل ومن ثم رسول الله محمد عليه السلام هادي للناس أجمعين.
هذا ما أعرفه ولكنه في الكتاب قال إن النبي يحيى قتيل وعن سعيد بن المسيب أن بختنصر قدم دمشق فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي فسأل فأخبروه عن السبب فقتل 70 ألفا فسكن. وأنه إسناد صحيح لسعيد بن المسيب وأنه قتل بدمشق وأن قصة بختنصر كانت بعد المسيح كما قال العطاء والحسن البصري.
والله قد اختلط الأمر علي وأرجو من سماحتكم شرحا وافيا لترتيب الأنبياء وشرح القصة أو الحديث الذي عن سعيد بن المسيب.
وإن كان هناك أنبياء بعد عيسى فلم ضل النصارى ذلك الضلال الغريب؟؟؟
أرجو من سماحتكم الإجابة الوافية الشافية كما تعودت منكم وأرجو من سماحتكم إرسال الجواب إلى بريدي الالكتروني وشكرا جزيلا لكم ولمركز الفتوى والمسؤولين عنه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس بين عيسى عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي بعث بشريعة مستقلة عن شريعة عيسى كما جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات، وليس بيني وبينه نبي.
وقد ذكر أهل العلم أن أصحاب أهل القرية الثلاثة الذين أرسلوا إليها كانوا من أتباع عيسى عليه السلام، ولذلك فيكون عيسى آخر أنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا بشريعة, ومن جاء بعده يكون تابعا له. وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 66030، 66704، كما قرره الحافظ في الفتح وجمع به بين الأحاديث الواردة في هذا الموضوع. ووجود نبي أو أنبياء بعد عيسى عليه السلام لا يعني نفي الضلالة عن النصارى.
وبخصوص الأثر المذكور عن سعيد بن المسيب فقد ذكره الحافظ ابن كثير في التفسير وغيره وقال عنه: هذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب، لكن لم يذكر سعيد بن المسيب رحمه الله أن الدم هو دم يحيى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام، وقد فند ابن الأثير في الكامل كون الدم دم يحيى وذكر عن ابن اسحاق قصة أخرى جرت لبني إسرائيل بعد قتلهم يحيى مع ملك من ملوك بابل اسمه جودرس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1427(1/1225)
علاقة مريم بهارون وموسى
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة وبعد ...
أرجو توضيح ما جاء في سورة آل عمران (33-48) من هي مريم بنت عمران هل هي أخت هارون وموسى عليهم السلام وأن أباهم عمران وأمهم يوكابد بنت لاوى، أو المقصود بها مريم والدة المسيح عليه السلام، وإذا كانت الثانية فإن مريم هي ابنت هالى وأن ما بين موسى والمسيح عليهم السلام نحو 1400 سنة أرجو الإيضاح حول هذا الموضوع؟ ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمذكورة في الآيات التي أشرت إليها هي مريم بنت عمران أم المسيح عيسى عليه السلام، وأمها هي حنة بنت فاقوذ، كما ذكر أهل التفسير، وبعض الناس يلتبس عليه هذا الأمر لما ورد في الآية الكريمة من قوله تعالى في سورة مريم: يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا {مريم:28} ، وقد بينا تفسير ذلك فلك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 17643.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1427(1/1226)
المكان الذي دفن فيه آدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أين يدفن أبونا آدم عليه السلام، وأين توجد مقبرته عليه السلام؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن مثل هذا السؤال في الفتوى رقم: 38783.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1426(1/1227)
ولادة المسيح عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف ولد سيدنا المسيح؟ سمعت أنه قد جاء من قدم أمه؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ميلاد نبي الله عيسى عليه السلام كان معجزة عظيمة تضمنت من الكرامات والخوارق ما قصه الله عز وجل علينا في القرآن الكريم في سورة آل عمران وسورة مريم وغيرهما، ولكن كيفية الولادة كانت طبيعية ولو كانت غير ذلك لبين الله لنا ذلك، وليس في نصوص الوحي وأقوال أهل العلم ما يفيد أنه ولد من قدم أمه مريم عليها السلام.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 17354.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1426(1/1228)
الأنبياء بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للفتوى 66030 فلقد نسيتم أنه كان رسول بين محمد وعيسى وهو خالد بن سنان فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرناه في الفتوى المشار إليها اعتمدنا فيه على ظاهر الحديث المذكور والذي رواه البخاري ومسلم وهو صريح بأنه لم يكن بين النبي صلى الله عليه وسلم وعيسى نبي.
وما جاء عن خالد بن سنان ضعفه أهل العلم وقال عنه الألباني في السلسلة لا يصح.
وقد جمع الحافظ في الفتح بين حديث البخاري ومسلم: وليس بيني وبينه نبي. وبين ما ورد أن الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية وذكرت قصتهم في سورة يس كانوا من أتباع عيسى وأن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين.
قال: والمراد أنه لم يبعث بعد عيسى نبي بشريعة مستقلة وإنما بعث بعده بتقرير شريعة عيسى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(1/1229)
ليس بين النبي محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام نبي أو رسول
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل يوجد بين النبي عيسى عليه السلام وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسل أو أنبياء؟ في أمان الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين عيسى عليه السلام نبي أو رسول، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات وليس بيني وبينه نبي. رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره عقب هذا الحديث: وهذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1426(1/1230)
الأنبياء في الفترة بين موسى وعيسى عليهم السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل يوجد بين النبي موسى عليه السلام وبين النبي عيسى عليه السلام أنبياء أو رسل؟
في أمان الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان بين موسى وعيسى عدة أنبياء منهم يوشع وداود وسليمان وزكريا، والنبي الذي كان معاصرا لطالوت، وقد ذكر بعض أهل العلم أن اسمه سمويل بالسين وقيل بالشين.
وكالب بن يوفنا وهو ويوشع هما الرجلان اللذان قالا لقومهما: ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ {المائدة: 23} .
وحزقيل بن يوذى وهو الذي دعا الله فأحيا الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ.
ومنهم: إلياس واليسع وذو الكفل وشعيا بن أمصيا وأرميا بن حلقيا.
وراجع في ذكر أخبارهم تاريخ الطبري والبداية والنهاية لابن كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1426(1/1231)
عدد الأنبياء والرسل المذكورين في القرآن وأسماؤهم وأسماء آبائهم
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد الأنبياء والرسل المذكورين في القرآن الكريم وما هي أسماؤهم وأسماء آبائهم؟
أفتوني رحمكم الله. ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدد الأنبياء والرسل المذكورين في القرآن خمسة وعشرون نبياً ورسولاً، منهم ثمانية عشر نبياً ورسولا ذكرت أسماؤهم في موضع واحد من القرآن في سورة الأنعام، في قوله تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ {الأنعام: 82-86} .
ويبقى بعدهم سبعة وهم: إدريس وهود وشعيب وصالح وذو الكفل وآدم ونبينا محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
وقد ورد في القرآن والسنة التصريح بذكر أسماء آبائهم فمن ذلك: اسم والد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: عبد الله، واسم والد إ براهيم: آزر واسم والد إسحاق: إبراهيم، واسم والد يعقوب: إسحاق، واسم والد يوسف: يعقوب، واسم والد إسماعي ل: إبراهيم، واسم والد سليمان: داود، واسم والد موسى: عمران، واسم والد هارون: عمران، واسم والد يحيى: زكريا.
ولمزيد فائدة انظر الفتوى رقم: 9475.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1426(1/1232)
أنبياء العرب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك من أنبياء عرب غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هناك من أنبياء عرب فمن هم وأين ومتى أرسلوا، أحد الأصدقاء قال لي هناك 25 رسولا للعرب، وهل هناك من رسل أرسلوا في أفريقيا أو أوروبا أو أمريكا، أعلم أن أمريكا لم تكشف إلا حديثا ولكن لا بد وأن قد جاءهم نذير؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء ذكر عدد من الأنبياء العرب عليهم السلام في القرآن الكريم وهؤلاء هم: هود، وصالح، وشعيب، وإسماعيل، ومحمد صلى الله عليه وسلم، قال البدوي الشنقيطي في عمود النسب: والعرب إسماعيل منهم دون ريب هود وصالح محمد شعيب.
فهود أرسل إلى قومه: عاد وهم من العرب البائدة كانوا يسكنون الأحقاف باليمن بين عمان وحضرموت.
وأما صالح فأرسل إلى قومه: ثمود وهود كذلك من العرب العاربة البائدة وكانوا يسكنون الحجر بين الحجاز وتبوك.
وأما شعيب فأرسل إلى أهل مدين وكانوا عربا يسكنون مدين وهي قرية من أرض معان على أطراف الشام من جهة الحجاز.
وأما إسماعيل فإنه أرسل إلى جرهم والعماليق وأهل اليمن وما والا تلك النواحي، وأما محمد صلى الله عليه وسلم فإنه أرسل إلى الثقلين (الإنس والجن) ، ولم نقف على رواية تقول إن العرب أرسل إليهم خمسة وعشرون رسولاً ولا على أسماء رسل إلى أفريقيا وأوروبا وأمريكان ولا يعني ذلك تفيهم، بل جاء في القرآن الكريم ما يدل على أن الله تعالى أرسل إليهم رسلا وإلى كل قوم، كما في قوله تعالى: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ {فاطر:24} ، وفي قوله تعالى: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ {الرعد:7} ، وفي قوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ {النحل:36} ، فهذه الآيات وما أشبهها تدل على أن الله تعالى بعث إلى كل قوم وكل أمة من يدعوهم إلى الحق وعبادة الله وتوحيده ويحذرهم من الشرك والظلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1425(1/1233)
آخر أنبياء بني إسرائيل
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو آخر نبي من أنبياء بني إسرائيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فآخر أنبياء بني إسراءيل هو زكريا بن إدريس، قال الإمام السيوطي في "الدر المنثور": (وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: كان آخر أنبياء بني إسرائيل زكريا بن إدريس) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1425(1/1234)
بعث الله الرسل لقطع الحجة على الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[الغرض من بعثة الأنبياء والرسل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى ذكر الحكمة من بعثه الرسل والأنبياء، وهي قطع الحجة على الناس، لئلا يعتذروا يوم القيامة بعدم بلوغ دعوة الله تعالى إليهم، ومن الأدلة على ذلك:
1- قوله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِير [المائدة: 19] .
2- قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [النساء: 165] .
أي: يبشرون من أطاع الله واتبع رضوانه بالخيرات، وينذرون من خالف أمره وكذب رسله بالعقاب والعذاب.
وقوله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء: 165] .
أي: أن الله تعالى أنزل كتبه ورسله بالبشارة والنذارة وتبيين ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه، لئلا يبقى لمعتذر عذر، كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى [طه:134] .
وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل، من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1424(1/1235)
عدد الأنبياء والرسل وأولو العزم منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد الأنبياء والرسل وكم عدد أولي العزم من الرسل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد ذكر عدد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان، وصححه الألباني عن أبي ذر قال: "قلت: يا رسول الله، أي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم. قلت: يا رسول الله، ونبي كان؟ قال: نعم، نبيُّ مكلَّم. قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر جماً غفيراً".
وفي رواية عن أبي أمامة قال أبو ذر: "قلت: يا رسول الله، كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جماً غفيراً". مشكاه المصابيح (3/1599) .
وأما عدد أولي العزم من الرسل، فخمسة مذكورون في قول الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) [الأحزاب:7] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1423(1/1236)
القوم الذين أرسل إليهم شعيب عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى أي قوم أرسل الله النبي شعيباً عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أرسل الله تعالى نبيه شعيباً عليه السلام إلى أصحاب الأيكة، وهم مدين. قال تعالى: (وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) [هود:84] وقال تعالى: (كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون) [الشعراء:177] قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (هؤلاء -يعني أصحاب الأيكة- هم أهل مدين على الصحيح، وكان نبي الله شعيب من أنفسهم، وإنما لم يقل هاهنا -في الآية الثانية- أخوهم شعيب لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة، وهي: شجر ملتف كالغيضة كانوا يعبدونها، فلهذا لما قال كذب أصحاب الأيكة المرسلين لم يقل إذ قال لهم أخوهم شعيب إنما قال: إذ قال لهم شعيب. فقطع نسب الأخوة بينهم للمعنى الذي نسبوا إليه. وإن كان أخاهم نسباً، ومن الناس من لم يفطن لهذه النكتة فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين، فزعم أن شعيباً عليه السلام بعثه الله إلى أمتين، ومنهم من قال ثلاث أمم ... والصحيح أنهم أمة واحدة وصفوا في كل مقام بشيء، ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان، كما في قصة مدين سواء بسواء، فدل ذلك على أنهما أمة واحدة، وقد سبق في الفتوى رقم:
15812 كيف أهلكهم الله تعالى. فلتراجعها للفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1423(1/1237)
بنت من زوجة موسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شعيب النبي هو الذي ذكر الله قصته مع نبي الله موسى في سورة القصص؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف في الشيخ الذي صاهره موسى عليه السلام، والذي ورد ذكره في سورة القصص، فقيل: هو شعيب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو المشهور عند كثيرين.
وممن نص على ذلك الحسن البصري ومالك بن أنس وجاء مصرحا به في حديث ولكن في إسناده نظر.
وقيل إن الشيخ المذكور غير شعيب نبي الله، وإنما هو ابن أخيه، أو ابن عمه، أو رجل مؤمن من قومه. انظر البداية والنهاية لابن كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1423(1/1238)
لقاء النبي بالأنبياء ليلة الإسراء كانت روحا وجسدا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صلى النبي بالأنبياء في المسجد الأقصى أرواحا فقط أم كانوا بأرواحهم وأجسادهم في رحلة الإسراء؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم التقى بالأنبياء ليلة الإسراء والمعراج روحاً وجسداً وصلى بهم كذلك، دل على ذلك أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من ذلك: ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرْبٌ جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم -يعني نفسه-، فحانت الصلاة، فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد، هذا مالك صاحب النار، فسلِّم عليه، فالتفت إليه فبدأني بالسلام".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1423(1/1239)
النفقة الواجبة والمسكن المستقل حقوق ثابتة للزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي باختصار هي أني في حيرة من أمري هل أنا على صواب أم زوجي أم أهله؟ تزوجت منّ سنة تقريبا وأنا حامل كان اتفاقي وزوجي أن نجتمع على طاعة الله وهو متدين ويحفظ في كتاب الله ولهذا السبب قبلت به زوجا ورضيت بترك عملي كمحامية على أساس أنه رجل مسؤول وسيتحمل الأعباء المادية للبيت واشترط عليه أبي أن لا أعمل في الزراعة لأنه يسكن في منطقة ريفية والمرأة فيها تعمل مزارعة وقد قبل الشرط لكن المشكلة هي أني أسكن مع أهله أخته الكبرى وزوجة أخيه اللتان ترفضان هذا الشرط وهما تضغطان علي كي أعمل معهما في الزراعة، أعيش معهما في اختلاف دائم وأصبحت أعاني من الاكتئاب والعزلة لا أحد يفهمني أو يراعي نفسيتي فزوجي حاليا لا يعمل ويرفض بشدة أن أخرج للعمل ونعيش عالة على أهله الذين يكثرون الشكوى والتذمر منا إلا أن زوجي يقول لي اصبري ولا تهتمي لكلامهم ويرفض الحلول التي أقترحها عليه فقد اقترحت أن نقسم داخل البيت لأنه واسع ويكفي الجميع وبهذا لا يتحمل مسؤوليتنا أحد وأنا راضية بالعيش معه في فقر المهم بكرامتنا وأنا على يقين أن الله لن يضيع أحدا وليس هناك من يموت جوعا لكنه رفض هذا الحل ويفضل أن نصبر على هذا الوضع الذي لم اعد قادرة على تحمله، أريد أن توجهوا لي النصيحة ولزوجي من منا على صواب، مع العلم أني تربيت في أسرة الرجل هو المسؤول فيها عن توفير لقمة العيش وليس المرأة كما في الوضع الذي أعيشه وعمل المرأة في الزراعة هو عمل شاق وفوق طاقتي وأهون علي العمل في المحاماة أو الإدارة من العمل في الزراعة أنا ألآن عند أهلي وأفكر أحيانا في البقاء عندهم حتى يجد زوجي عملا ويكون قادرا على تحمل مسؤوليتي وطفلي فهل هذا الحل مقبول إني أنتظر الجواب بسرعة أرجوكم ردوا علي قبل أن أعود إلى زوجي كي آخذ له نسخة من الفتوى لأنه يظن إني امرأة غير صبورة ولا يتقبل مناقشتي في الأمر وأنا في الواقع امرأة تريد العيش بكرامتها ولو في فقر ... كذلك أحب زوجي وفيه كثير من الصفات الطيبة وأريد أن أصبر عليه لكن لا طاقة لي بالصبر على أخته وزوجة أخيه فهل لهما حقوق علي شرعا وكيف لي التعامل معهما مع العلم أنهما لا تتقبلان المناقشة والحوار وأسلوب كلامهما هو الشجار ورفع الأصوات وهذا يؤثر علي وعلى الجنين الذي أريد تربيته على حسن الخلق والدين لكن الجو الذي أعيش فيه لا يساعدني على ذلك، أرجوكم أن توجهوني وزوجي لما فيه صلاحنا في الدنيا والآخرة..شكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حق الزوجة على زوجها أن يوفر لها سكنًا مستقلاً، ولا يلزمها أن تسكن مع عائلة الزوج حتى وإن لم يثبت إضرارهم بها. قال خليل المالكي في مختصره: ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه. اهـ.
قال شارحه عليش: لتضررها باطلاعهم على أحوالها وما تريد ستره عنهم وإن لم يثبت إضرارهم بها.
وعلى ذلك.. فإن على زوجك أن يجيبك في طلب السكن المستقل سواء كان ذلك بتقسيم البيت الذي تقيمون به بحيث يصبح لكما سكنا مستقلا أو بالسكن في مكان آخر.
وأما بالنسبة لأمر النفقة وبقاؤك لأجلها في بيت أهلك وامتناعك عن الذهاب لبيت زوجك فنقول: إن كان زوجك يوفر لك الضروريات والحاجيات فلا يجوز لك ذلك, وأما إن عجز عن ذلك فلا يلزمك البقاء معه. جاء في المغني لابن قدامة: لأنه (الزوج) إنما يملك حبسها إذا كفاها المؤنة، وأغناها عما لا بد لها منه، ولحاجته إلى الاستمتاع الواجب عليها، فإذا انتفى الأمران، لم يملك حبسها. انتهى.
وجملة القول أن من حقك أن تمتنعي عن الذهاب إلى الزوج ما لم يوفر لك النفقة الواجبة والمسكن المستقل , ولا حرج عليك في ذلك.
بقي أن نوجه الزوج إلى أنه يجب عليه أن يعمل ويجتهد ليكفي أهل بيته النفقة والحاجة، وليتذكر دائما قول الرسول الكريم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وحسنه الألباني.
ولمزيد من الفائدة يرجى الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34018 , 34802 , 60315.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1429(1/1240)
هارون كان نبيا رسولا
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يتعلق بأمر في العقيدة وله علاقة أيضا بالتفسير (من أركان الإيمان أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، الإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان، وحسب علمي أنه ثمة فرق بين الرسول والنبي، الرسول كما أعلم يوحى إليه ويؤمر بتبليغ الرسالة، والنبي هو أيضا يوحى إليه ولا يؤمر بتبليغ الرسالة، نعلم جميعا أن أولي العزم من الرسل أنبياء ورسل وأن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول، وأنا أعلم أن سيدنا هارون نبي وليس رسولا نجد في كتاب الله وبالتحديد سورة طه وسورة الشعراء، قال تعالى في سورة طه (فأتياه فقولا إنا رسولا رب العالمين) وفي سورة الشعراء في قوله (فقولا إنا رسول رب العالمين) سؤالي هل لفظ رسولا ورسول في الآيتين يخالف المعنى المفهوم عندي في العقيدة أم أن المعنى في الآيتين له معنى الناحية اللغوية
أفتونا مأجورين أثابكم الله وجزاكم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفرق بين النبي والرسول هو كما ذكرت على الصحيح، وللعلماء أقوال أخرى في التفريق بينهما بيناها في الفتويين رقم: 53449، 51071، وما أحيل إليه من فتاوى خلالهما، وأما هارون فهو رسول لا خلاف في ذلك أرسله الله تعالى مع أخيه موسى إلى فرعون لما سأله موسى ذلك في قوله تعالى على لسانه: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي {طه: 25-32} فأجاب الله تعالى دعوته وأرسل معه أخاه فقال: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى {طه: 36} ولهذا يقال أعظم منة أخ على أخيه منة موسى على هارون إذ أرسل من أجله. ولا ندري من أين علمت كون هارون نبيا وليس رسولا، وعلى كل فهارون نبي ورسول، والآيتان اللتان ذكرت صريحتان في ذلك، ومعناهما كغيرهما من الآيات التي فيها ذكر الرسل، قال ابن كثير في تفسيره: فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {الشعراء: 16} كقوله في الآية الأخرى إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ أي كل منا أرسل إليك. اهـ، وهكذا قال جميع المفسرين، وهنا لطيفة ننبه إليها وهي أنه ثنى الرسول في آية وأفرده في آية، والمقصود به اثنان (موسى وهارون) قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا ثنى الرسول كما ثنى في قوله: " إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ "في سورة طه قلت: الرسول يكون بمعنى المرسل وبمعنى الرسالة فجعل ثم "أي في طه "بمعنى المرسل فلم يكن بد من تثنيته وجعل ههنا بمعنى الرسالة فجاز التسوية فيه.. بين الواحد والتثنية والجمع كما يفعل بالصفة بالمصادر نحو: صوم وزور والشاهد في الرسول بمعنى الرسالة قوله:
... لقد كذب الواشون ما فهت عندهم ... بسر ولا أرسلتهم برسول.
فجاز أن يوحد الرسول هنا "والمقصود اثنان موسى وهارون" لأن حكمهما لتساندهما واتفاقهما على شريعة واحدة واتحادهما لذلك وللأخوة كان حكما واحدا فكأنهما رسول واحد. انتهى منه بتصرف يسير.
وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وفعول الذي بمعنى مفعول تجوز فيه المطابقة للموصوف وعدمها وجاء الوجهان في نحو (رسول) كما في قوله تعالى إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ بالمطابقة للموصوف وعدمها في قوله إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ وهما وجهان مستويان. انتهى منه بتصرف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1427(1/1241)
الفرق بين النبي والرسول
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى في القران يا أيها الرسول وقال يا أيها النبي. السؤال ما هو الفرق بين الرسول والنبي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفرق بين النبي والرسول هو العموم والخصوص، فالنبي أعم والرسول أخص.
قال أهل العلم: النبي كل من أوحي إليه من الله تعالى سواء أمر بتبليغ أم لم يؤمر به، فإن لم يؤمر بالتبليغ فهو نبي وليس رسولا، وإن أمر بالتبليغ فهو نبي ورسول. وقال بعضهم: إن الرسول هو من أوحي إليه بشرع جديد، والنبي هو المبعوث لتقرير شرع من قبله والعمل به، والقول الأول أصح.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(1/1242)
الأنبياء الذين ذكروا في القرآن ولم يكونوا رسلا
[السُّؤَالُ]
ـ[عدد الأنبياء والمرسلين الذين ذكروا في القرآن الكريم خمسة وعشرون، هل منهم من هو نبي فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل العلم اختلفوا في الفرق بين النبي والرسول، وبناء على اختلافهم يختلف الجواب: فذهب بعضهم إلى أن الرسول من أمر بتبليغ شرع الله إلى المخالفين المنحرفين، وأن النبي من أمر بتبليغ شرع الله للمقتنعين به، وقد رجح هذا القول شيخ الإسلام.
وعلى هذا؛ فيكون آدم نبيا ولا يكون رسولا، فإن آدم كان يعلم ذريته الشرع وتعاليم الدين، وقد ثبتت نبوته بالحديث: كان آدم نبيا مكلما. رواه الحارث في مسنده، وصححه الألباني في الصحيحة.
ويؤيد كونه لم يكن رسولا ما في الصحيحين في حديث الشفاعة أن الناس يقولون لنوح: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض.
وقيل إن الرسول من بعث بشرع جديد وأمر بتبليغه، والنبي من بعث بتجديد شرع من قبله.
وعلى هذا؛ يكون إسماعيل وإسحاق وسليمان وأغلب أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام أنبياء ولا يكونون رسلا، فإن إسماعيل وإسحاق بعثوا بملة إبراهيم، وبعض أنبياء بني إسرائيل كانوا يدعون لما نزل على موسى في التوراة، وقد رجح هذا القول الشوكاني والألوسي في تفسيريهما، وهناك أقوال أخر راجعها في الفتوى رقم: 27003 والفتوى رقم: 4046 والفتوى رقم: 9475.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1425(1/1243)
توضيح حول مرتبة النبوة والإمامة
[السُّؤَالُ]
ـ[مرتبة الإمامة أعلى من مرتبة النبوة؟
وضح ذلك]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإمامة مأخوذة من الأَمّ، وهو القصد. قال ابن منظور في لسان العرب: والأمَّ القصد.. وأمَّ القوم وأمّ بهم تقدمهم، وهي الإمامة، والإمام كل من ائتم به قوم، كانوا على الصراط المستقيم أو ضالين.. اهـ
أما النبوة فمأخوذة من النبأ، وهو الخبر، والنبي من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ، فإن أُمر بالتبليغ فرسول، هذا هو مذهب جمهور العلماء؛ كما في شرح ابن أبي العز على الطحاوية، وشرح السفاريني على منظومته، وغيرهما من كتب العقائد والتفسير.
وبين الإمامة والنبوة عموم وخصوص من وجه، فليس كل إمام نبيا، وليس كل نبي إماما، وبيان ذلك: أن النبي إذا كان رسولاً وكان له أتباع فهو إمام، وإن لم يكن له أتباع فليس بإمام، والإمام الذي يكون له أتباع قد يكون نبيًّا، وقد لا يكون نبيًّا.
وعليه فقول السائل: مرتبة الإمامة أعلى من مرتبة النبوة غير صحيح بهذا الإطلاق؛ لأن النبي أعلى من الإمام الذي ليس بنبي قطعًا. هذا إذا أراد السائل الكلام عن معنى ذلك في اللغة.
أما إذا أراد ما يقوله بعض أهل الأهواء والزيغ من أن أئمتهم أفضل من الأنبياء أو ما يقوله غلاة الصوفية من أن أولياءهم أفضل من الأنبياء فهذا هو الكفر بعينه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: فلهذا جعلوا الولاية فوق النبوة، وهؤلاء من جنس القرامطة الباطنية الملاحدة، لكن هؤلاء ظهروا في قالب التصوف والتنسك ودعوى التحقق والتأله، وأولئك ظهروا في قالب التشيع والمولاة، فأولئك يعظمون شيوخهم حتى يجعلوهم أفضل من الأنبياء، وقد يعظمون الولاية حتى يجعلوها أفضل من النبوة، وهؤلاء يعظمون أمر الإمامة حتى يجعلوا الأئمة أعظم من الأنبياء والإمام أعظم من النبي، كما يقوله الإسماعيلية وكلاهما أساطين الفلاسفة الذين يجعلون النبي فيلسوفًا ويقولون إنه يختص بقوة قدسية، ثم منهم من يفضل النبي على الفيلسوف، ومنهم من يفضل الفيلسوف على النبي ويزعمون أن النبوة مكتسبة ... انتهى المراد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1424(1/1244)
محمد صلى الله عليه وسلم نبي ورسول
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما هو الفرق بين الرسل والأنبياء ومن هم رسل الله ومن هم أنبياؤه؟ ولماذ نقول أن محمد نبيه ورسوله؟ جزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق تعريف كل من النبي والرسول والفرق بينهما
في الفتوى رقم:
4046.
وسبق أيضا عدد الأنبياء والرسل في الفتوى رقم:
18480.
أما الفقرة الأخيرة من سؤالك فلأنه صلى الله عليه وسلم نبي ورسول
وقد وصفه الله في محكم كتابه في آيات كثيرة بالنبي، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: 56] .
وقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأنفال:64] .
وكذلك وصفه بالرسول وذلك بقوله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح:29] .
ولا تعارض بين الوصفين؛ بل أحدهما أخص من الآخر، فكل رسول نبي ولا عكس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(1/1245)
الفرق بين النبي والرسول
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين النبي والرسول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
الذي عليه جمهور العلماء أن النبي هو من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، أما الرسول فهو من أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه. وقيل: الرسول: من جاء بشريعة مستقلة، والنبي: من جاء تابعاً لشريعة من سبقه، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1246)
الاهتمام بدعوة الأنبياء وأخلاقهم يقدم على معرفة صورهم وأشكالهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ممكن إخواني تخبرونني وتحدثونني عن جمال وحسن سيدنا يوسف وأمه. وأرجو أن تجملوا جميع القصص الصحيحة التي تدل على حسنه وجماله، فأنا أتمنى وأدعو الله أن أراه في المنام. لكن هل ممكن أن أستخير وكيف؟
وأريد أن أسأل هل لسيدنا يوسف صفات خلقية معروفة أقصد مثل سيدنا محمد كلون البشرة والعينين وغيرها بارك الله فيكم؟ وهل في أثناء ضياع يوسف وحزن أبيه عليه هل كان سيدنا يعقوب يؤدي رسالته أقصد دعاء الناس للإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن يوسف عليه الصلاة والسلام قد أعطي شطر الحسن كما في حديث مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء: فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد أعطى شطر الحسن.
وفي رواية للبيهقي والطبري: فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله قد فضل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب. وطالع تفسير ابن كثير في شأن إعجاب امرأة العزيز ونسوة في المدينة بحسنه.
وأما سؤال رؤيته في المنام فهو مشروع ولا يحتاج للاستخارة كما قدمنا في الفتوى رقم: 127939.
وأما دعوة يعقوب فلم نطلع على نص من نصوص الوحي في شأنها، والذي يغلب على الظن أنه كان يواصل دعوته دائما إذ في حديثه مع بنيه يحدثهم دائما عن الله تعالى.
ولم نطلع كذلك على نص يفصل في الصفات الخلقية ليوسف عليه السلام، وينبغي للمسلم أيضا أن يتأمل في أخلاق يوسف وعفته ونشاطه في الدعوة في السجن وتمسكه بدينه واهتمامه بالتوحيد والحض على التمسك به.
فالنظر في مثل هذه الأمور لاتباع يوسف والاقتداء به فيها أمر مهم جدا، فهو من الأنبياء الذين قال الله فيهم: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ. {الأنعام:90} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1430(1/1247)
هل مريم وأم موسى نبيتان
[السُّؤَالُ]
ـ[1-اسم مريم في آية في سورة مريم وردت مع النبيين، هل تعتبر نبية؟.
2-الوحي يكون للأنبياء وأوحينا إلى أم موسى ـ سورة القصص ـ هل تعتبر نبية؟.
3-وما أرسلنا قبلك إلا رجالا ـ في سورة الأنبياء تنفي النبوة عن النساء.
لماذا مريم اسمها مع الأنبياء؟ وهل يمكن الوحي لمن ليس بنبي؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد اسم مريم مع أسماء عدد من الأنبياء في سورة آل عمران وفي سورة مريم، كما أشار السائل ولكن ذلك لا يلزم منه أن تكون نبية، وكذلك ما ورد في قول الله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ {القصص: 7} . لا يلزم منه أنها نبية، لأن الوحي في اللغة: هو الإعلام السريع الخفي. ويطلق على عدة معان ومنها: الإلهام الفطري للإنسان وهو المقصود في الآية هنا، كما قال أهل العلم، وسبق بيانه في الفتوى: 119757.
ونبوة مريم وأم موسى وحواء وآسية والخضر وذو القرنين مختلف فيها بين أهل العلم، وجمهورهم على أن النبوة والرسالة من خصائص الرجال مستدلين بما أشرت إليه من الحصر الوارد في سورة الأنبياء، والراجح أن هؤلاء جميعا ـ النساء والرجال ـ غير أنبياء، كما قال السيوطي في الكوكب الساطع:
واختلفت في خضر أهل النقول قيل ولي ونبي ورسول
لقمان ذي القرنين حوا مريم والمنع في الجميع رأي المعظم.
وسبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة وأقوال أهل العلم، في الفتويين رقم: 16614، ورقم: 119757.
وذكر مريم مع الأنبياء لا يلزم منه إثبات نبوتها أو نفيها كما ذكرنا، ويمكن أن يكون ذكرها عليها السلام جاء اعتراضيا لبيان أصل قصة عيسى عليه السلام ومحاجة أهل الكتاب فلما انتهى سبحانه من قصة مريم وحملها بعيسى قال: ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ـ أي ذلك كل أمر عيسى وولادته المعجزة هذه أصلها مع أمه فلا تعودوا للقول بألوهيته لكونه وجد بدون أب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1430(1/1248)
هل بعث الله نبيا من النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[نزول الوحي، أو حينما يقول تعالى: وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت فألقيه في اليم.
وكذلك حين يقول: وأوحينا إلى مريم أن هزي.
أليس هذا من علامات النبوة لبعض النساء اللاتي فضلهن الله تعالى ?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجماهير أهل العلم على أن النبوة مختصة بالرجال وأن الله لم يبعث نبيا من النساء، وما ذكرته في سؤالك من قوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. {القصص:7} . لا يدل على نبوة أم موسى على نبينا وعليه السلام، فليس كل من أوحى الله إليه شيئًا يكون نبيًا، فالوحي في اللغة: هو الإعلام السريع الخفي. ويطلق الوحي على الإلهام الفطري للإنسان وهو المقصود في الآية هنا.
وكذلك في قوله تعالى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ. {المائدة:111} . والحواريون هؤلاء ليسوا أنبياء وإنما ألهمهم الله بما أراده منهم كما ألهم أم موسى.
ويطلق الوحي أيضا على الإلهام الغريزي للحيوان كالوحي إلى النحل، قال تعالى: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا. {النحل: 68} . وكذلك قد يكون وحي الله إلى أم موسى إنّما وقع منامًا، وهذا يقع لغير الأنبياء. وعلى هذا فلا دلالة في الآية على نبوة أم موسى.
وأما مريم - رضي الله عنها- فلا توجد آية فيها: وأوحينا إلى مريم كما ذكرت في سؤالك، وإنما من الآيات التي ذكرها من يقول بأن مريم نبية قوله تعالى: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا {مريم: 17-19} فقالوا: أرسل جبريل إلى مريم فخاطبها فهذا يدل على نبوتها، والجواب عن هذا: بأنه ليس كل من خاطبته الملائكة فهو نبي، فقد كلمت الملائكة غير الأنبياء ففي الحديث الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا، قَالَ: لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ.
وكذلك قصة الثلاثة نفر: الأقرع، والأبرص، والأعمى التي في الصحيحين وفيها مخاطبة الملك لهم وهي معروفة، وقد جاء جبريل يعلم الصحابة أمر دينهم بسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة يشاهدونه ويسمعونه.
وراجع لمزيد الفائدة فتاوانا التالية أرقامها: 18203، 16614، 31788، 57093.
وننبه السائل -وفقه الله- إلى ضرورة التثبت عند كتابة الآيات القرآنية حتى لا ينسب إلى القرآن ما ليس منه والله الموفق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1430(1/1249)
إجماع المفسرين منعقد على أن إسرائيل هو يعقوب عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثبت بالدليل القطعي أن إسرائيل هو يعقوب، وما حكم من ينكر ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نقل الشوكاني إجماع المفسرين على أن إسرائيل هو يعقوب، وقد استدل ابن كثير لذلك بالحديث الذي يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم فيه اليهود: هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب عليه السلام مرض مرضا شديدا فطال سقمه، فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه، فكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها. فقالوا: اللهم نعم. ورواه أحمد وحسنه الأرناؤوط.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 18987 والفتوى رقم: 4595.
ومن أنكر هذا الأمر وهو عالم بالأحاديث التي صحت في ذلك فإنه يعتبر فاسقا والعياذ بالله، ولا يحكم عليه بالردة لأنه لم ينكر ما علم بالضرورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1429(1/1250)
كل أمة من أمم الأرض قد أرسل الله لها رسولا
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني حد الزملاء في العمل: لماذا لم يذكر في الكتب السماوية اسم نبي أو مرسل من الله إلى شعوب أوروبا أو الهند أو الصين، كل من ذكر اسمه هو من الشرق الأوسط فيهم من هو رسالته شامله كرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن السؤال هو هل بعث من هو من أهل هذه المناطق ولماذا لم يذكر سوى أنبياء منطقة الشرق الأوسط ما العبرة من عدم ذكر أحدهم إذا كان هناك من نبي إلى هذه الأمم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما من شك أن كل أمة من أمم الأرض قد أرسل الله لها رسولا؛ كما قال تعالى: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ {الرعد:7} وكما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً {النحل:36} وكما قال تعالى: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ {فاطر:24}
قال ابن كثير: أي وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله تعالى إليهم النذر. انتهى.
ولو فرض أن جميع من ذكروا من جزيرة العرب وما حولها فإن ذكرهم وحدهم كاف في تحقيق المقصود من ذكر الرسل، فإن المقصود من ذكرهم هو الاتعاظ بما حصل بينهم وبين أقوامهم ليثبت المؤمنون على الإيمان كما قال تعالى: وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ {هود:120}
وكما قال تعالى: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ {الأنعام:34}
ومن لم يذكر من الأنبياء والمرسلين على سبيل التفصيل ذكر على سبيل الإجمال لكي نؤمن بهم كما في قوله تعالى: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ {النساء:164}
فحصل المقصود بمن ذكر تفصيلا، وحصل المقصود بمن ذكر إجمالا ولله الحمد والمنة. وانظر للفائدة الفتوى رقم: 9475.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1429(1/1251)
هل أرسل الله للجن رسلا منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أرسل الله تعالى رسلاً من الجن؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
كل الرسل من بني آدم وليس أحد منهم من الجن، وإنما منهم نذر كما ذكر ابن عباس رضي الله عنهما.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يجعل الله تعالى من الجن رسلاً أو أنبياء، وإنما جعل منهم نذراً، قال ابن كثير في تفسيره عند قول الله تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ. أي من جملتكم، والرسل من الإنس فقط، وليس من الجن رسل، كما قد نص على ذلك مجاهد وابن جريج وغير واحد من الأئمة من السلف والخلف، وقال ابن عباس: الرسل من بني آدم ومن الجن نذر.
وفي المسألة خلاف ذكره ابن كثير في تمام كلامه السابق، وقد أشرنا إلى هذا الخلاف بالفتوى رقم: 16614 فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1428(1/1252)
حكم قول: سيد الوجود للنبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول " سيد الوجود " للنبي صلى الله عليه وسلم مع العلم أن هذا قول المتصوفين؟ إمام مسجدنا يقول ذلك فكيف أنصحه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيد الوجود، فإن هذا الوصف لا يليق إلا بالله تعالى، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: السيادة المطلقة لا تليق إلا لله وحده، فإن الله تعالى هو الذي له الأمر كله، فهو الآمر وغيره مأمور، وهو الحاكم وغيره محكوم، وأما غيره فسيادته نسبية إضافية تكون في شيء محدود، وفي زمن محدود ومكان محدود، وعلى قوم أو نوع من الخلائق دون نوع. اهـ.
ولو قال سيد ولد آدم لكان مصيبا، فقد دل الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم وأفضل خلق الله أجمعين، ففي صحيح مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع.
وقال صاحب الإضاءة: وانعقد الإجماع أن المصطفى أفضل خلق الله والخلف انتفى.
وأما إطراؤه صلى الله عليه وسلم بالباطل وبالأحاديث الموضوعة فلا يجوز، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله.
قال الحافظ في الفتح: والإطراء المدح بالباطل تقول أطريت فلانا مدحته فأفرطت في مدحه، قوله كما أطرت النصارى ابن مريم أي في دعواهم فيه الإلهية وغير ذلك.
وللمزيد انظر الفتوى: 31891، والفتوى رقم: 25123، والفتوى رقم: 24151.
ويمكنك أخي السائل إذا قرأت هذه الفتوى والفتاوى الأخرى التي أحلناك عليها أن تجد فيها من الحجج والبراهين ما يعينك على توضيح الحق لذلك الرجل، ولتكن نصيحتك له برفق ولين، وكن متحليا بالحكمة والموعظة الحسنة، وفقك الله لما فيه الخير والرضا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1428(1/1253)
جواز وقوع الأمراض على الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[من الشروط التي يجب توافرها في الأنبياء عدم المرض علما بأن نبي الله أيوب كان مريضا أريد تقريرا عن هذا الموضوع؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بشر مثل البشر يعتريهم من الأعراض العادية ما يعتري البشر، وليس في ذلك أي نقص لهم، فقد مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يوعك كما يوعك رجلان؛ كما في حديث الصحيحين، وقد مرض أيوب ويعقوب وغيرهما، وقد نص بعض أهل العلم الذين تكلموا في العقائد على جواز وقوع الأمراض.
قال ابن عاشر:
يجوز في حقهم كل عرض ليس مؤديا لنقص كالمرض.
وراجعي الفتوى رقم: 35386.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(1/1254)
فتاوى حول الرسل والأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أحصل على معلومات عن الأنبياء والرسل والأقوام المبعثين لهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 59579، 44450، 9475، 65165.
وراجع موضوع الإيمان بالرسل ضمن موضوعات العقيدة الموجودة في عقيدة المسلم في الموضوعات الرئيسية في الصفحة الرئيسة للشبكة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1428(1/1255)
عدد الأنبياء الذين صلى بهم النبي ليلة الإسراء
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى إماماً بالرسل والأنبياء في المسجد الأقصى ليلة الإسراء، السؤال: كم كان عدد الرسل وعدد الأنبياء الذين صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ملاحظة: إذا كان هناك عدد معلوم.. الرجاء توضيح السند؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لم نقف على تحديد لعدد الأنبياء الذين صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء في المسجد الأقصى، فقد ورد ذكرهم مجملاً في الأحاديث كما في الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم، قال: ... وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء ... فحانت الصلاة فأممتهم.. الحديث. وأما عدد الأنبياء جملة فهو: مائة وأربعة وعشرون ألفا، والرسل منهم ثلاثمائة وخمسة عشر؛ كما في مسند الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله: كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال: مائة وأربعة وعشرون ألفا، والرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيراً. وقد ذكر في القرآن الكريم منهم خمسة وعشرون، ويمكن أن يكون الجميع حضر ليلة الإسراء وصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم، ونرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 15626، والفتوى رقم: 9475.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1427(1/1256)
حب الرسول صلى الله عليه وسلم والغيرة من عائشة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه عمري 18 سنة ولست مرتبطة، وأنا أحب سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم حبا يفوق الوصف فأنا أبكي دائما لأنني لم آره ولم أولد في زمنه وعندما أستمع إلى سيرته أبكي أيضا، وقد رأيته نورا في أحلامي، المشكلة هي أنني أغار من السيدة عائشة جدا بالرغم من أني أحبها جدا جدا، وأتمنى لو كنت مكانها وأشعر بغيرة عظيمة عندما أسمع أو أقرأ موقفا لها مع حبيبي المصطفى، فهل أكون آثمة في ذلك؟
أفتوني يجزيكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحب النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم، ولا يكون المؤمن مؤمنا كامل الإيمان إلا إذا كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما حتى من نفسه، لأن محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم شرط من شروط الإيمان. قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ {البقرة:165} ، وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين. وفي رواية لأحمد: ومن نفسه. والغيرة منها ما هو محمود لما ورد في الخبر: أن سعد بن عبادة قال: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني. متفق عليه. هذا إذا كانت الغيرة تتعلق بانتهاك حرمات الله، أو ما كان منها بين الزوجين. وأما الغيرة على النحو الذي ذكرته السائلة، فلا نراه من النوع الذي يحمد. ذلك أن الحب المأمور به لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو حبه في الله، وحبه لما قام به من الجهد وبذَلَه من التضحية في سبيل نشر الدين وإعلاء كلمة الله، ولما كان له من الدور البالغ في إنقاذ البشرية، وإخراجها من الظلمات إلى النور. ولا شك أن هذا النوع من الحب يتنافى مع الحب الغريزي الذي يكون بين الرجال والنساء، وإذا انضاف إلى ذلك أن المغار عليها هي الصديقة بنت الصديق، أفضل زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه، كانت هذه الغيرة في غير محلها قطعا، ومع كل هذا فنحن لم نقف على نص يفيد تأثيم من كان على هذا النحو من الغيرة، لكننا نرى أن الأحوط إبعاد مثله عن النفس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1427(1/1257)
معرفة أعمار جميع الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[أحضر دكتوراه عن التطور والاختلاف الجيني للبشر أود معرفة تفاصيل دقيقة عن طول عمر كل نبي هل هذا ممكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يمكن معرفة عمر كل نبي لأن كثيرا من الأنبياء لم تقص علينا أخبارهم أصلاً فضلاً عن معرفة قدر أعمارهم، ويدل لذلك قوله تعالى: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ {النساء: 164} وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية: وأما الأنبياء والمرسلون فعلينا الإيمان بمن سمى الله في كتابه من رسله، والإيمان بأن الله تعالى أرسل رسلاً سواهم وأنبياء لا يعلم أسماءهم وعددهم إلا الله تعالى الذي أرسلهم، فعلينا الإيمان بهم جملة لأنه لم يأت في عددهم نص، قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ {غافر: 78} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1426(1/1258)
الدين واحد والشرائع مختلفة
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى أصحاب الفضيلة العلماء في الشبكة الإسلامية المحترمين بعد التحية، كثيرا ما نقرأ في الصحف العربية عن الأديان السماوية وهي ثلاثة حسب مزاعمهم، إذ إن الدين واحد كما في قوله تعالى: إن الدين عند الله الإسلام. وكذلك: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه. والحديث الأنبياء إخوة ودينهم واحد وسيدنا أدم وعيسى وموسى عليهم السلام وغيرهم كلهم كانوا مسلمين كما قال تعالى: ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما. الدين واحد منذ خلق آدم وإلى يوم القيامة والحديث كل مولود يولد على الفطرة، الفطرة هي الإسلام، وهناك أدلة كثيرة على وحدانية الدين الإسلامي.
فهل يجوز القول بالأديان السماوية وما حكم قائلها وما حكم قائل أن الإسلام جاء قبل 14 قرنا؟
بينوا تؤجروا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة الإسلام قد يُعنى بها الانقياد والاستسلام لله تعالى وتوحيده واتباع الوحي الذي جاء من عنده، وهذا يشترك فيه جميع أتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومنه إطلاق الإسلام على من سبق من الأنبياء، ولكن تختلف بعض التشريعات من رسالة إلى رسالة؛ كما قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {المائدة: 48} وفي حديث البخاري: الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد. يعني أن أصل دينهم واحد وإن اختلفت الشرائع، كما في إحدى التفسيرات التي ذكر ابن حجر والنووي في شرح مسلم. فقد جاء في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم نسخ بعض ما كان في شريعة موسى، ووضع بعض الآصار التي كانت على أتباع موسى.
وعلى هذا تعتبر رسالة الإسلام التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم ناسخة لما قبلها، ولا يقبل ما سواها بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، بل يجب على جميع البشر الإيمان به ونصرته واتباعه والإيمان بما جاء به وعدم العدول عنه إلى غيره. قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ {آل عمران: 81} وقال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ {المائدة: 48} .
وبناء عليه، فإنه يجوز القول أيضا بأن الإسلام جاء قبل أربعة عشر قرنا باعتبار كون بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته زاد تاريخها على أربعة عشر قرنا، وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع: 27614، 36905، 54711، 67046، 39118، 49073
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1426(1/1259)
حكم تقديم عيسى في الحب على محمد صلى الله عليهما وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
عندي سؤال أحببت أن أطرحه ممكن يكون تافها لكن أنا خائف من أن يكون يكفر
أنا أحب عيسى عليه السلام أكثر من أي نبي لماذا ما أعرف لكني مؤمن أن كلهم أنبياء هل هذا يكفر؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يتعين عليه أن يكون محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من جميع الخلق حتى الأنبياء والصحابة لما في الحديث: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين. متفق عليه. وفي الحديث: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.. ويتعين عليه كذلك أن يحب جميع الأنبياء ويؤمن بهم جميعا ولا يفرق بينهم عملا بقوله تعالى: قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {آل عمران: 84} وبقوله تعالى: آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ {البقرة: 285} . وبقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا {النساء: 150- 151}
ولا شك أن عيسى بن مريم قد فضله الله تعالى على كثير من الأنبياء والرسل، كما قال تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ {البقرة: 253} ولكن حبه حبا أكثر من حب النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ضعف إيمان صاحبه، ولا يبلغ به درجة الكفر، لأن كمال الإيمان أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم أحب إلى المؤمن من جميع الخلق فمن لم يكن كذلك فهو من أهل الكبائر كا قال صاحب تيسير العزيز الحميد، لما في حديث البخاري عن عبد الله ابن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنه الآن لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر.
قال العيني في عمدة القاري في شرح هذا الحديث: أي لا يكمل إيمانك حتى أكون.... وقال ابن حجر: قوله لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، أي لا يكفي ذلك لبلوغ الرتبة العليا حتى يضاف إليه ما ذكر. وقد نص ابن أبي العز في شرح الطحاوية على أن المراد بحديث الصحيحين لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ... نص على أن المراد به نفي كمال الإيمان، فعليك بكثرة المطالعة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وثناء الله عليه حتى يعظم حبه في قلبك، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 12185، 58281.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1426(1/1260)
مواطن بعثة الأنبياء إجمالا
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة المناطق التي أرسل اليها كل نبي ورسول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الموقع مشغول ببيان الأحكام الشرعية العملية التي تهم الناس في أمور دينهم ودنياهم، ومثل هذا السؤال لا ينفع العلم به ولا تترتب عليه أي مسألة تعبدية، فكان الأولى للمرء الإعراض عنه والبحث فيما يقربه من ربه ويدله عليه ويبصره بأمور دينه.
ومع ذلك.. فإن ما سألت عنه يستحيل ضبطه على وجه الدقة والتفصيل لكثرة الأنبياء والرسل، فقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد قال: وهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولا على ما في حديث أبي ذر، الذي رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، وراجع الفتوى رقم: 9475، ولذلك يصعب تحديد موطن كل نبي ورسول، ولكن بالإجمال فمواطن بعثهم هي العراق والشام بما في ذلك سوريا والأردن ولبنان وفلسطين فكل ذلك يسمى بلاد الشام قديما، وكذلك مصر والجزيرة العربية كما بينا الفتوى رقم: 51338 فتلك هي مواطن بعثتهم إجمالا حسبما ذكرت كتب التاريخ والسير فيما اطلعنا عليه، وقد ذكرت أن بعضهم سار في بلاد كثيرة مثل آدم فقد قيل إنه نزل بالهند ثم سار إلى مكة، وكذلك إبراهيم فإنه وصل الهند كما ذكرت الكتب وسليمان عليهم السلام.
ومن أراد الاستزادة حول ذلك فليراجع كتب التاريخ والسير مثل الكامل في التاريخ لابن الأثير المجلد الأول، وتاريخ الطبري المجلد الأول أيضا، والبداية والنهاية لابن كثير وغيرها من الكتب، وإن كنا لا ننصح بقراءة ذلك ولا مطالعته لقلة الفائدة المرجوة منه في مقابل ما يصرف فيه من الجهة والوقت الثمين، والوقت أغلى ما عني المرء بحفظه وسيسأل عنه سؤالين اثنين: عن عمره فيم أبلاه وعن شبابه فيم أفناه. رواه الترمذي
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(1/1261)
كل أمة كان لها رسول
[السُّؤَالُ]
ـ[معظم الأنبياء والرسل بعثوا في بلاد الشام والجزيرة العربية والعراق ومصر في حين لا نسمع عن أي نبي أو رسول في الهند أو الصين مع العلم أن الكثافة السكانية أكبر بكثير من بلادنا العربية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أن الله تعالى ما خلق أمة من الأمم إلا وأرسل إليهم من يهديهم ويرشدهم إلى الحق، قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ {النحل: 36} .
وقال تعالى: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء: 165} .
وقال تعالى: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ {فاطر: 24} .
قال الإمام القرطبي: يقول سبحانه وما من أمة من الأمم الدائنة بملة إلا خلا فيها من قبلك نذير ينذرهم بأسنا على كفرهم بالله؛ كما حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة: كل أمة كان لها رسول. اهـ
أما كون عامة الأنبياء المذكورين في القرآن أو السنة من غير البلدان المذكورة فلا ينفي إرسال الرسل من تلك البلدان، لأن الكثير من الرسل لم يذكرهم الله لرسوله، قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ {غافر: 78} .
قال ابن كثير: هم أكثر ممن ذكر بأضعاف أضعاف. اهـ
وروى الطبري بإسناده عن أنس بن مالك قال: بعث النبي بعد ثمانية آلاف من الأنبياء، منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل. وراجع الفتويين: 9475، 58944.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1426(1/1262)
وراء تعدد الرسل في الفترة الزمنية الواحدة حكم جليلة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن جميعاً نعلم أن الله عز وجل أرسل رسله صلوات الله وسلامهم عليهم ليهدوا الناس ويخرجوهم من الظلمات إلى النور، فأرسل الله لكل أمة نبياً، والسؤال هو: ما الحكمة من أن يكون هناك نبيان أو أكثر في نفس الفترة الزمنية مثل داود وسليمان ... عيسى وزكريا ويحيى.... موسى وهارون وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ... يعقوب ويوسف ... أليس من الأصل أن تكون هناك فترة متباعدة بين الرسل حتى يغطي النبي عليه الصلاة والسلام فترة زمنية معينة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكمة من بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الخلق هي إقامة الحجة، لئلا يقول الناس يوم القيامة إنه لم يأتهم خبر عن تكليف الله لهم بالعبادة، قال الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ [المائدة:19] .
وأما تعدد الرسل في الفترة الزمنية الواحدة فله حكم كثيرة، منها: أن الرسول كان يبعث إلى قومه خاصة، وقد صرح بها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي..... وذكر منها: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة. متفق عليه، فتعدد الرسل لتعدد الأمم التي يبعثون إليها.
ومن ذلك أن الرسول كان يبعث بلسان قومه خاصة، قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4] ، فاحتيج إلى تعدد الرسل في الفترة الواحدة لتعدد اللغات المنطوقة بين المجتمعات.
ومنها: أن الرسول قد يحتاج إلى من يعينه ويبين عنه، كما هو الحال في موسى الذي طلب من الله تعالى أن يعينه بأخيه هارون لهذا الغرض، قال تعالى حكاية عنه: وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ [القصص:34] ،.
ومنها: أن المرسل إليهم قد يكون فيهم من العتو والبعد عن الهدى ما يحتاج معه إلى أكثر من رسول زيادة في إقامة الحجة عليهم؛ كما هو الحال في أهل القرية التي كذبت رسولين، فزيد ثالث، قال الله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ* إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ [يس:13-14] .
وقد يكون من الحكم في ذلك: إرادة أن تتواصل الشريعة ولا تندرس فترة معينة، أي أنه كلما توفي رسول كان الذي يليه قد وجد قبل وفاته فيواصل الدعوة إلى ما كان يدعو إليه سلفه، كما هو الحال في داود وسليمان مثلاً، أو في زكريا ويحيى وعيسى.....، وقد تكون ثمت حكم أخرى كثيرة لا نعلمها، وفيما ذكرناه كفاية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1425(1/1263)
الأنبياء والرسل أعدادهم كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[كلنا يعرف أن عدد الأنبياء الذين ذكروا في القرآن الكريم 25 نبيا ورسولاً بالأسماء التي نعرفها.. ولكنني قرأت في كتاب (قصص الأنبياء لابن كثير) ذكر أنبياء آخرين بأسماء أخرى مثل شيث_ يوشع_ الخضر_ عزير_ دانيال الذي دفنته أمة محمد_ وغيرهم ممن ذكروا في ذلك الكتاب، فهده الأسماء لا توجد في القرآن الكريم فما مدى صحتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي مسند الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله كم عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيراً. فهذا العدد الكبير للأنبياء والرسل يدلنا على أن الذين نعرف أسماءهم من الرسل والأنبياء قليل، وأن هناك أعداداً كثيرة لا نعرفها، وقد صرح القرآن بذلك، قال الله تعالى: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164] ، وقد ذكر الله في كتابه خمسة وعشرين نبياً ورسولاً، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأنبياء لم ينص القرآن على أسمائهم، ومنهم شيث ويوشع بن نون ودنيال، وقد فصلنا ذلك في الفتوى رقم: 9475، والفتوى رقم: 15051.
وأما الخضر فقد اختلف فيه هل كان نبياً أم لا، والراجح أنه نبي، كما في الفتوى رقم: 1110، والفتوى رقم: 9475، والتي قد سبقت الإجابة عليها، وأما عزير فلم نجد دليلاً يثبت أنه نبي، وقد فصلنا الكلام في ذلك في الفتوى رقم: 9689.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1425(1/1264)
حكم الصلاة على غير النبي وأهل بيته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يصلي ويسلم على أهل البيت وعلى ولديه أوعلى أي شخص (كأن يقول اللهم صل وسلم على الإمام علي أو اللهم صل على أبي وأمي أو أي شخص) مع أن الصلاة فرضت للنبي صلى الله عليه وسلم. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه تسن الصلاة على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عقب التشهد في الصلاة: "اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته وأزواجه.. " الحديث رواه أحمد والطحاوي بسند صحيح.
وأما الصلاة على شخص معين، فقد قال النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم: قال أصحابنا: لا يصلى على غير الأنبياء إلا تبعا، لأن الصلاة في لسان السلف مخصوصة بالأنبياء صلاة الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا (عز وجل) مخصوص بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يقال: محمد عز وجل؛ وإن كان عزيزا جليلا، لا يقال أبو بكر صلى الله عليه وسلم وإن صح المعنى.
وقد سبق لنا أن أصدرنا فتوى في ذلك، وهي برقم: 37150، فنحيل السائل إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1424(1/1265)
قد تطلق الرسالة على غير الرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[نبي ورد ذكره في القرآن من غيرالبشر، من هو؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي تدل عليه النصوص الشرعية أن النبوة بمعناها الشرعي خاصة ببني الإنسان، ومن هذه الأدلة قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف: من الآية109] .
وقد تطلق الرسالة على بعض الملائكة، كجبريل عليه السلام مثلا.
قال تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ [الحج: 75] .
ولعل هذا هو مقصد السائلة.
وقال تعالى أيضا: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ*وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ* وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ*إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [التكوير:15-19] .
قال ابن كثير في تفسيره: يعني أن هذا القرآن لتبليغ رسول كريم، أي ملََك شريف، حسن الخلق، بَهِيِّ المنظر، وهو جبريل عليه الصلاة والسلام، قاله ابن عباس والشعبي وميمون بن مهران، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والضحاك وغيرهم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(1/1266)
حكم السلام على غير الأنبياء على سبيل الانفراد
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل تجوز كلمة عليه السلام على كل من
علي ابن أبي طالب وفاطمة الزهراء والحسن والحسين
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في الصلاة والسلام على غير الأنبياء على سبيل الانفراد، والأكثرون على كراهة ذلك، لأمرين:
الأول: أن السلف لم يستعملوا ذلك إلا في حق الأنبياء.
والثاني: أن ذلك شعار لأهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم قال أصحابنا: لا يصلى على غير الأنبياء إلا تبعا، لأن الصلاة في لسان السلف مخصوص بالأنبياء صلاة الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا: عز وجل مخصوص بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يقال: محمد عز وجل، وإن كان عزيزا جليلا، لا يقال: أبو بكر صلى الله عليه وسلم، وإن صح المعنى.
واختلف أصحابنا في النهي عن ذلك، هل هو نهي تنزيه أم محرم أو مجرد أدب، على ثلاثة أوجه، الأصح الأشهر أنه مكروه كراهة تنزيه، لأنه شعار لأهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم. إلى أن قال:.. قال أبو محمد الجويني من أئمة أصحابنا: السلام في معنى الصلاة، ولا يفرد به غائب. انتهى.
وقال النووي رحمه الله في الأذكار: وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا: هو في معنى الصلاة، فلا يستعمل في الغائب، فلا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: علي عليه السلام، وسواء في هذا الأحياء والأموات، وأما الحاضر، فيخاطب به، فيقال: سلام عليك، أو سلام عليكم، أو السلام عليك، أو عليكم، وهذا مجمع عليه. انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة الأحزاب بعد نقل كلام النووي: قلت: وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب أن يفرد علي رضي الله عنه بأن يقال: عليه السلام، من دون سائر الصحابة، أو كرم الله وجهه، وهذا وإن كان معناه صحيحا، لكن ينبغي أن يسوى بين الصحابة في ذلك، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه رضي الله عنهم أجمعين. انتهى.
والحاصل أنه لا يخص علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو فاطمة أو الحسن أو الحسين رضي الله عنهم بجملة الصلاة أو السلام عليهم، بل هم وسائر الصحابة في هذا الباب سواء، مع كراهة استعمال هذه العبارة في حق غير الأنبياء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1424(1/1267)
صفات الرسل والأنبياء الجائزة والواجبة والمستحيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[- ماهي صفات الرسل والأنبياء الجائزة والواجبة والمستحيلة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فصفات الرسل والأنبياء الواجبة في حقهم هي: الصدق، والأمانة، والفطانة. والتبليغ في حق الرسل خاصة، على مذهب الجمهور بأن الأنبياء غير مأمورين بالتبليغ. والصفات المستحيلة في حقهم أضداد الواجبة وهي: الكذب، والخيانة، والبلادة، والكتمان. والصفات الجائزة في حقهم هي كل صفة يمكن اتصافهم بها باعتبارهم بشرًا يفعلون ما يفعل سائر البشر كالنكاح، ويصيبهم ما يصيب البشر من الأعراض كالأمراض المعتادة، وقيل غير المنفرة، هذا التقسيم ذكره بعض علماء العقائد، وهو تقسيم صحيح لا يعارض دليلاً نقليًّا ولا عقليًّا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1268)
الرسالة مختصة بالرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أرسل الله الرسل من النساء؟ وما تفسيركم لخطاب الملائكة لمريم عليها السلام؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى لم يبعث رسولاً من النساء، يدل على ذلك صيغة الحصر الواردة في قول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً (يوسف: من الآية109) .
وذهب بعض العلماء منهم ابن حزم والقرطبي وأبو الحسن الأشعري إلى أن الله أنعم على بعض النساء بالنبوة فقط دون الرسالة، واستدلوا بأن الله أوحى إلى بعض النساء، كما في قوله تعالى في قصة مريم: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا (مريم: من الآية17) .
قال أبو الحسن الأشعري: إن كل من جاءه الملك عن الله بأمر أو نهي أو إعلام فهو نبي، وعلى هذا فمريم وأم موسى نبيات.
ورُد عليهم بأنه لا يُسَلَّم أن كل من خاطبته الملائكة فهو نبي؛ كما في حديث الرجل الذي أرسل الله له ملكاً يسأله عن سبب زيارته لأخيه وأعلمه أن الله يحبه، وكذلك إرسال الله الملك إلى كلٍ من الأعمى والأبرص والأقرع في الحديث المشهور، وهؤلاء ليسوا أنبياء قطعاً، ثم إن الوحي الذي جاء مريم وأم موسى قد يكون وقع مناماً، وهذا يقع لغير الأنبياء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1424(1/1269)
لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[مدى صحة الحديث 0 فيما معناه قول الرسول لجبريل هل تنزل بعدي قال نعم عشر مرات 0]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نطلع على لفظ الحديث المسؤول عنه، ولو صح فمعناه أن جبريل عليه السلام سينزل إلى الدنيا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا أن نزوله لا يكون بوحي إلى بشر بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأن الوحي قد انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم لأنه آخر الأنبياء، كما قال تعالى (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الأحزاب:40)
وفي الصحيحين عن أبي حازم قال قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي "
وهذا محل اتفاق عند المسلمين أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1423(1/1270)
نبي اليونانيين
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو النبي الّذي بعث إلى اليونانيين قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما لا نقاش فيه أن الله تعالى ما خلق أمة من الأمم إلا وأرسل إليهم من يدلهم عليه سبحانه، ويبين لهم هدى الله، قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) [فاطر:24] . وقال تعالى: (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) [الرعد:7] .
أما اسم النبي الذي بعث إلى اليونان فلا نعلمه، ولم يرد في كتاب ولا سنة، ولا ثمرة لمعرفة ذلك.
وينبغي للمسلم أن يحرص أشد الحرص على السؤال عما يفيده في دنياه وآخرته، ويعرض صفحاً عن الأسئلة التي لا طائل من ورائها، والعلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1423(1/1271)
العلة في عدم صلاحية المرأة لتحمل الرسالة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يمكن أن يكون الرسول ملكاً أو أنثى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى جعل الرسالة والنبوة في ذكور الإنس، ولم يجعلها في الملائكة ولا النساء ولا الجن، وهو الحكيم العليم، وقد قال في محكم كتابه: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) [الأنعام:124] أما الملائكة فقد قال الله: (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولا * قل لوكان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولا) [الإسراء:94-95] وسبب ذلك واضح في الآيات، حيث إن الرسول يكون من جنس المرسَل إليهم حتى يمكن التأسي به، ولا يكون للناس عليه حجة. وأما النساء فقد قال الله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى..) قال الشوكاني وتدل الآية على أن الله لم يبعث نبياً من النساء ولا من الجن، وهذا يرد على من قال: إن في النساء أربع نبيات: حواء وآسية وأم موسى ومريم، وقد كانت بعثة الأنبياء من الرجال أمراً معروفاً عند العرب حتى قال قيس بن عاصم في سجاح المتنبئة:
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
فلعنة الله والأقوام كلهم على سجاح ومن باللوم أغرانا
انتهى من فتح القدير.
وسبب ذلك أن المرأة ضعيفة وقاصرة العقل، وأمر النبوة أكبر من ذلك، فهو يتطلب القوة والشدة والمواجهة ورجاحة العقل والاختلاط بالرجال، وغير ذلك مما لا يتناسب مع طباع المرأة التي فطرت عليها، وأما الجن فقد استدل الشوكاني -كما تقدم بالآية السابقة- على أنه ليس منهم أنبياء، حيث قال: (رجالاً) الرجال لا يكونون من الجن، وأورد عليه بعض من تعقبه بأن الله قال في سورة الجن: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن..) فأطلق على الجن رجالاً، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن من الجن أنبياء، واستدلوا بقول الله تعالى: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم) والظاهر لنا هو أن الآية ليس فيها دليل على أن في الجن أنبياء، لأن الله جل وعلا خاطب فيها الجن والإنس فجعلهم معشراً واحداً، وما داموا معشراً واحداً فكون الرسل منهم لا يلزم منه أن يكون من كل فريق أنبياء، ولو أراد بالآية أن يكون في الجن رسل وفي الإنس رسل لما جمعهم في "معشر واحد"
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1423(1/1272)
عدد الأنبياء والرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد الأنبياء؟ وكم عدد الرسل؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً منهم ثلاثمائة وخمسة عشر رسولاً، لما رواه الإمام أحمد: أن أبا ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، كم وفى عدة الأنبياء؟. قال: مائة ألف وأربعة وعشرين ألفاً، الرسل من ذلك ثلاث مائة وخمسة عشر جماً غفيراً".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1422(1/1273)
الأنبياء يبعثون في سن الأربعين على المشهور
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في أحد الأحاديث الشريفة أن الأنبياء لا يبعثون قبل سن الأربعين وفي آخر أن عيسى عليه السلام رفع في سن الثالثة والثلاثين، نرجو التوفيق. أرجو الرد سريعا. وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما أشار إليه السائل من أنه لم يبعث نبي إلا بعد الأربعين لم نطلع على من خرجه، على الرغم من كثرة وروده، بل قال الحافظ ابن حجر في تخريجه لأحاديث الكشاف: لم أجده. وكون عيسى عليه السلام نُبيء وهو ابن ثلاثين سنة على فرض صحته لا يتعارض مع مضمون الكلام المتقدم، لأن كون النبوة بعد الأربعين أمر غالبي فقط، وإلا فقد نبيء يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام وهو صبي. قال تعالى في شأنه: (وآتيناه الحكم صبياً*وحنانا من لدنا..) [مريم:12] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1422(1/1274)
محمد صلى الله عليه وسلم رسول الثقلين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
هل بعث الله تعالى الأنبياء السابقين إلى الجن أم سيدنا محمدا فقط
أرجو ذكر الدليل من مراجع السلف القديمة والحديثة
وجزاكم الله خيرا
أرجو بعث رسالة لي إذا تمت الإجابة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأظهر دلالة - والله أعلم - أن الله لم يبعث نبياً إلى الإنس والجن قبل محمد صلى الله عليه وسلم، دلّ على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فليصل وأحلّت لي المغانم، ولم تحل لأحدٍ قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة" رواه البخاري.
وفي رواية مسلم: "وبعثت إلى كل أحمر وأسود" قال مجاهد: يعني الجن والإنس، وقال غيره: يعني العرب والعجم، والكل صحيح.
فهذه إحدى الخصال التي فضل بها صلى الله عليه وسلم على سائر إخوانه الأنبياء، وهي عموم بعثته إلى الإنس والجن والعرب والعجم، قال الإمام ابن عبد البر: ولا يختلفون أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الإنس والجن، وهذا مما فضل به على الأنبياء.
ولا يعني اقتصار بعثة الأنبياء السابقين إلى أقوامهم تكليفاً، أقول: لا يعني ذلك عدم جواز أن يدخل في دينهم من ليس من أقوامهم، أو أن يدعو النبي غير قومه من غير أن يكون مكلفاً بذلك، وعلى هذا يخرَّج ما ذكر الله من تهود الجن مع أن موسى لم يبعث إليهم، وإنما بعث إلى بني إسرائيل، قال تعالى: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى) [الأحقاف:30] .
قال عطاء: كانوا يهوداً فأسلموا.
وقال المسيب في تفسير قوله تعالى: (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً) [الجن:11] كنا مسلمين ويهوداً ونصارى ومجوساً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1422(1/1275)
عدد الأنبياء والرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد الأنبياء والرسل كلهم؟ وهل هناك حديث شريف يدل على ذلك؟ جزاكم الله وعظم أجركم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد أرسل تعالى في كل أمة نذيرا منهم، وأرسل محمدا صلى الله عليه وسلم للناس كافة قال تعالى: (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) [فاطر:24]
وقال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا) [النحل:26]
وقال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا) [سبأ: 28]
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعدة الأنبياء والمرسلين، ففي مسند الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر، جما غفيرا.
وفي رواية أبي أمامة قال أبو ذر: قلت يا رسول الله: كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف، وأربعة وعشرون ألفا، والرسل من ذلك: ثلاثمائة وخمسة عشر، جما غفيرا "
والحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله في مشكاة المصابيح.
وقد ورد ذكر خمسة وعشرين نبيا ورسولا في القرآن الكريم، ذكر منهم في سورة الأنعام ثمانية عشر، والباقي في سور متفرقة، وهم: آدم، وهود وصالح، وشعيب، وإدريس، وذو الكفل، ومحمد، صلى الله عليهم أجمعين.
قال تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحا) [آل عمران: 33] وقال تعالى: (وإلى عاد أخاهم هودا..) [هود: 50] وقال تعالى: (وإلى ثمود أخاهم صالحا) [هود: 61] .
وقال تعالى: (وإلى مدين أخاهم شعيبا) [هود 84]
وقال: تعالى: (وإسماعيل وإدريس وذا الكفل) [الأنبياء: 85] .
وأما الثمانية عشر الذين ذكروا في سورة الأنعام فقال تعالى: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين* وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين* وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين) [الأنعام: 83/86]
ومن هؤلاء الخمسة والعشرين أربعة من العرب وهم: هود وصالح وشعيب ومحمد صلى الله عليهم أجمعين.
ففي صحيح ابن حبان عن أبي ذر مرفوعا: " منهم أربعة من العرب: هود وصالح وشعيب، ونبيك يا أبا ذر "
وقد نصت السنة المطهرة على أسماء أنبياء لم يذكروا في القرآن الكريم وهم شيث: قال ابن كثير: (وكان نبيا بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر مرفوعا أنه أنزل عليه خمسون صحيفة)
ويوشع بن نون: ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غزا نبي من الأنبياء ... فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئا " والذي دل على أن هذا النبي هو يوشع بن نون فتى موسى، قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الشمس لم تحبس إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس " رواه أحمد.
وقد اختلف في ثلاثة ممن ورد ذكرهم في القرآن الكريم هل هم أنبياء أم لا؟ وهم ذو القرنين، وتبع، والخضر، فذهب طائفة من أهل العلم إلى أن ذا القرنين نبي من الأنبياء، وكذلك تبع، والأولى أن يتوقف في إثبات النبوة لهما، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما أدري أتبع أنبياً كان أم لا؟ وما أدري أذا القرنين أنبيا كان أم لا؟ " أخرجه الحاكم بسند صحيح.
وأما الخضر فالراجح أنه نبي لقوله تعالى: في آخر قصته: (وما فعلته عن أمري) [الكهف: 82] أي أنه قد أوحى إليه فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1422(1/1276)
المكان الذي نودي منه موسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أين كان مكان سيدنا موسى عليه السلام عندما أرسل وهل بنو إسرائيل عرب أم أعاجم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن موسى عليه الصلاة والسلام أوحى الله تعالى إليه وأرسله لما نزل بالواد المقدس طوى في عودته من مدين إلى مصر، قال تعالى: (وهل أتاك حديث موسى* إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى* فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى* وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى) [طه:10-11-13-14] أما بنو إسرائيل فهم أبناء إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وليسوا من العرب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1422(1/1277)
مكان النفخة التي كان منها عيسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمةالله تعالى وبركاته
عندما جاء الملك عند مريم عليها السلام بأمر من الله سبحانه وتعالى أن يهب لها غلاما زكيا، في أي موضع نفخ لها وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر المفسرون أن ذلك النفخ كان في درعها، فدخل في جوفها، فحملت بعيسى عليه الصلاة والسلام. وذكر بعضهم أن النفخ كان في فمها. وعلى أي وجه كان النفخ فعلى المرء أن يعلم أن الملائكة مغايرون تمام المغايرة لبني آدم في جانب الشهوة، فلا يسمحن أحد لخاطره بأن يحوم حول التفكير في الأمر من ذلك الوجه؛ بل إن هذا النفخ هو من قبيل نفخ الروح في بقية بني آدم، وقد قال عنه تعالى: (ثم سواه ونفخ فيه من روحه) [السجدة:9] وقال عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه من رواية ابن مسعود: " يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات، فيكتب رزقه وأجله وعمله، ثم يكتب شقي أو سعيد.
ثم ينفخ فيه الروح".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1422(1/1278)
نوح عليه الصلاة والسلام ... والطوفان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل سيدنا نوح عليه السلام أول الأنبياء وأب البشرية بعد أبي البشرية آدم عليه السلام، وهل الطوفان الذي حصل في عهده كان قد عمّ الكرة الأرضية بالكامل أم أن الطوفان اقتصرعلى مكان تواجد سيدنا نوح عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن أول الأنبياء جميعاً هو آدم عليه السلام، فقد كلمه الله غير مرة، وكلام الله لبشر دلالة على نبوته، قال عزّ وجل: (قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة:33] .
وهناك آيات أخر في القرآن تدل على ذلك. فآدم أول الأنبياء لا نوحاً عليهما، وعلى نبينا الصلاة والسلام.
وبالطوفان هلك جميع من في الأرض إلا من كان مع نوح عليه السلام في السفينة، فهو - على هذا - أبو البشرية الثانية، وأول مرسل لها بعد آدم، لأن الطوفان أتى على كل أهل الأرض، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: لم يبق إلا من كان مؤمناً معه (مع نوح) ، وقد كان مرسلاً إليهم، وانحصر الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس.
بل إن ظاهر قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) [الصافات:77] أن كل الموجود الآن من البشر هو من ذرية نوح، فإما أن يكون الذين كانوا في السفينة كلهم من صلب نوح، وإما أن يكون فيهم من ليس من صلبه، ولم يعقب. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1422(1/1279)
توضيح ما جاء في (كذبات إبراهيم عليه الصلاة والسلام)
[السُّؤَالُ]
ـ[سلام الله عليكم
السؤال: ما حكم الشرع في إمام يخطب في الناس في يوم الجمعة ويقول إن سيدنا إبراهيم الخليل ارتكب خطيئة عندما قال لفرعون إن سارة أخته
وحفظكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لأحد أن يصف أحداً من أنبياء الله تعالى بأنه أخطأ، وإن كان ذلك بقصد التنقيص كان ذلك مخرجاً من الملة، والعياذ بالله تعالى.
والذي نظنه - إن شاء الله - أن هذا الإمام خانته عبارته إن كان - فعلاً - قال ما نقلت عنه بالحرف.
ولعله أراد أن يذكر القصة الثابتة في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات، ثنتين في ذات الله. قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وواحدة في شأن سارة، فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة، وكانت أحسن الناس، فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي، فإنك أختي في الإسلام، فإني لا أعلم في الأرض مسلماً غيري وغيرك، فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار. أتاه، فقال له: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلا لك، فأرسل إليها، فأتي بها، فقام إبراهيم عليه السلام إلى الصلاة، فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها، فقبضت يده قبضة شديدة، فقال لها: ادعي الله أن يطلق يدي، ولا أضرك، ففعلت، فعاد، فقبضت أشد من القبضة الأولى، فقال لها مثل ذلك، ففعلت، فعاد، فقبضت أشد من القبضتين الأوليين، فقال: ادعي الله أن يطلق يدي، فلك الله أن لا أضرك، ففعلت، وأطلقت يده ودعا الذي جاء بها، فقال له: إنك إنما أتيتني بشيطان، ولم تأتني بإنسان، فأخرجها من أرضي، وأعطها هاجر. قال: فأقبلت تمشي فلما رآها إبراهيم عليه السلام انصرف، فقال لها: مهيم؟ قالت: خيراً. كف الله يد الفاجر، وأخدم خادماً. قال أبو هريرة: فتلك أمكم يا بني ماء السماء". وهذا لفظ مسلم.
وقد نص العلماء على أن إطلاق الكذب هنا على إبراهيم عليه السلام ليس على ظاهره.
قال في الفتح: (قال ابن عقيل: دلالة العقل تصرف ظاهر الكذب على إبراهيم، وذلك أن العقل قطع بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يكون موثوقاً به ليعلم صدق ما جاء به عن الله، ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه، إنما أطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع، وعلى تقديره فلم يصدر ذلك من إبراهيم عليه السلام - يعني إطلاق الكذب على ذلك - إلا في حال شدة الخوف لعلو مقامه، وإلا فالكذب المحض في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعاً لأعظمهما، وأما تسميته إياها كذبات، فلا يريد أنها تذم، فإن الكذب وإن كان قبيحاً مخلا، لكنه قد يحسن في مواضع، وهذا منها) .
وننبه السائل إلى أن الجبار الذي أخذ سارة ليس فرعون، وإنما هو شخص آخر اختلف العلماء في تعيين اسمه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1422(1/1280)
إطلاق قول (النبي الأعظم) جائز
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قول (النبى الأعظم) ؟
إن جاز ذلك أليس (الأعظم) صفة من صفات الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في قولك: النبي الأعظم، لأن معناه: أعظم الأنبياء، فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء، وسيد ولد آدم.
والله سبحانه وتعالى هو العظيم الذي لا يشبهه أحد من خلقه: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى: 11] .
وقد ورد إطلاق بعض أسماء الله وصفاته على بعض المخلوقين على سبيل التقييد، كقوله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) [التوبة: 128] .
وقوله تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً) [الإنسان: 2] .
وقوله تعالى: (فبشرناه بغلام حليم) [الصافات: 101] .
وغير ذلك. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1422(1/1281)
إسرائيل هو يعقوب عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو اسرائيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
إسرائيل هو يعقوب عليه السلام وهو ابن اسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وقد ذكره القرآن باسمه يعقوب في كثير من الآيات وذكره باسمه إسرائيل في موضع واحد في سورة آل عمران قال جل وعلا: (كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التورية) [آل عمران: 93] .
وهو الذي تنسب إليه بنو إسرائيل أيضا. والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1282)
من حكم الله في خلق عيسى من غير أب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من خلق عيسى عليه السلام من غير أب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد: ... لله سبحانه وتعالى في كل ذرة من خلقه حكمة بالغة وأسرار عجيبة يطلع عليها من شاء من عباده. ومن ذلك خلقه لعيسى من غير أب، فقد ذكر العلماء أن ذلك فيه حكم منها إظهار قدرته سبحانه وتعالى على الخلق كيف شاء ومتى شاء. فقد خلق خلقاً من غير ذكر ولا أنثى وهو آدم عليه السلام وخلق خلقاً من غير أنثى وهو حواء. وخلق خلقاً من غير أب وهو عيسى عليه السلام. ومنها ابتلاؤه سبحانه وتعالى الناس في إيمانهم بقدرته وتصديقهم لما أخبر به. إلى غير ذلك فقد قال تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب………) الآية. [آل عمران: 59] . والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1422(1/1283)
سرعة إبراهيم عليه السلام في تقديم القرى لأضيافه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. سألني صديقي سؤالا لم أستطع إجابته.. قال لي: في قصة إبراهيم الخليل وضيفه من الملائكة ما لبث إبراهيم حتى قدّم للملائكة عجلا سمينا مشويا..السؤال كيف أتى إبراهيم بهذه السرعة بالعجل وكيف ذبحه وجهزه وطبخه إلخ..الآية تبين أنه راغ فجاء والفاء للتعقيب ... أنّى له ذلك والعجل يحتاج إلى وقت طويل لاسيما كونه شيخا وامرأته كذلك؟ أفيدونا جمعني الله وإياكم في الفردوس الأعلى وماذلك على الله بعزيز.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: ... أيها السائل الكريم، لقد امتدح الله إبراهيم عليه السلام بالكرم وتضييف الضيفان، فقال عز من قائل: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام……) [الذاريات: 24، 25] وهذه الآيات تبين أن إبراهيم عليه السلام ما توانى في تقديم القِرى لأضيافه، والفاء تدل على ذلك أي على سرعة التجهيز فكان ذبحه ونضجه وتقديمه متعاقباً كلما انتهى من شيء شرع في آخر، ولأنك تعلم أن الفاء في اللغة تفيد الترتيب والتعقيب فبمجرد الذبح لازمه (السلخ وغيره) ووضعه على النار وهكذا. كما تقول العرب: (تزوج فولد له) أي عندما تزوج حبلت زوجته من أول ليلة وكان لازم ذلك الحمل تسعة أشهر فلم يكن ثَمَّ فاصل بين الزواج والولادة إلا مدة الحمل. هذا والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1284)
آدم نبي ونبوته ثابته
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: أبونا آدم رسول أم نبي؟ من فضلكم أريد التفصيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: ... فإن آدم عليه وعلى نبينا وجميع الأنبياء الصلاة والسلام، نبيّ فقد كلمه الله غير مرة وهناك آيات تدل على ذلك فمنها: 1. قوله تعالى: (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) [البقرة: 33] . فالإنباء والخطاب من الله من خصائص الأنبياء عليهم السلام. 2. قصة ابني آدم في قوله: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً) . [المائدة:27] . إلى قوله: (إنما يتقبل الله من المتقين) . فإنها تدل على أنه بلغ لأبنائه شرعاً من الله، ولذلك قال المؤمن وهو هابيل: (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) [المائدة:28] . روى البيهقي في الدلائل عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعث الله تعالى جبريل إلى آدم وحواء فقال لهما: ابنيا لي بيتاً. فخط لهما جبريل ـ فجعل آدم يحفر وحواء تنقل ـ حتى أجابه الماء ونودي من تحته: حسبك يا آدم. فلما بناه أوصى الله تعالى إليه أن يطوف به وقيل له: أنت أول الناس، وهذا أول بيت وضع، ثم تناسخت القرون حتى حجه نوح عليه السلام، ثم تناسخت القرون، حتى رفع إبراهيم القواعد من البيت" كنز العمال نقل ابن حجر طرفا منه يثبت النبوة. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1285)
أولو العزم من الرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الرسل المعنيون بقوله تعالى -أولوا العزم من الرسل-]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه و..... وبعد: للعلماء في تحديد أولي العزم من الرسل أقوال كثيرة مردها إلى اختلافهم في المراد بـ (مِنْ) في قوله: (من الرسل) هل هو التبعيض أو بيان الجنس، فعلى أن المراد بها التبعيض فأصح الأقوال في ذلك أنهم خمسة. محمد صلى الله عليه وسلم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام. والدليل على هذا أنّ الله ذكر الأنبياء ثم عطف عليهم هذه المجموعة وعطف الخاص على العام يفيد أن للخاص زيادة في الفضل وذلك في قوله تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم) [الأحزاب: 7] وعلى أن المراد ب (من) : البيان فالمعنى: واصبر كما صبر أولوا العزم الذين هم الرسل وعلى هذا فالمراد كل الرسل لأن الكل أصحاب عزم. والعلم عند الله تعالى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1286)
كلم الله نبيه موسى عليه السلام بجبل سيناء بمصر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن أرض سيناء في مصر هي التي كلم الله موسى فيها؟ وكيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: ... سيناء من أرض مصر وفيها جبل الطور وهو الذي يضاف إلى سيناء قال تعالى: (وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن) . [المؤمنون: 20] وقال تعالى: (والتين والزيتون * وطور سينين) . [التين 1-2] . وهو الجبل الذي كلم الله تعالى عليه سيدنا موسى بن عمران عليه السلام ونودي فيه. وقد كلم الله موسى كلاما حقيقيا بصوت يسمعه موسى عليه السلام، قال تعالى: (وكلم الله موسى تكليماً) . [النساء: 164] ، قال النحاس: وأجمع النحاة على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازاً. أهـ. وقال تعالى: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك) . [الأعراف: 143] ، أي لما جاء في الوقت الموعود وأسمعه ربه كلامه من غير واسطة. وقال تعالى: (إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون * فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين) . [النمل: 7- 8] ، أي فلما جاء موسى إلى الذي ظن أنه نار وهي نور، وقال تعالى في سورة طه (فلما أتاها نودي يا موسى* إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى) . [طه: 11-12] ، أي نودي من الشجرة كما في سورة القصص والنمل. وأما الكيفية فإن الواجب علينا الإيمان والتسليم بذلك دون سؤال عن الكيف حيث إن للعقول طاقات محدودة والله جل وعلا يقول: (ولا يحيطون به علماً) [طه: 110] وننصحك أخي الكريم أن لا تبحث عن "كيف" هذه لأنها ستحيرك وأَقِرَّها كما سمعت من الآيات وأمرها مرور الموقن أن الله قد كلم موسى عليه السلام ولا تقل كيف لأننا لا نعرف الكيفية. والعلم عند الله تعالى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1287)
دين الله واحد وهو الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عد الأديان السماوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دين الله دين واحد وهو الإسلام الذي جاءت به الرسل من أولهم إلى آخرهم، وقد تختلف شرائع بعض الأنبياء عن بعض ولكن الدين واحد فهو دين الله الذي أرسل به رسله وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته ناسخة لما سبقها من الشرائع. وأما المسائل الاعتقادية فكلهم متفقون فيها كما سبق أن بينا بسطه في الفتاوى التالية أرقامها: 27614، 34493، 54711، 39118، 49073، 11486، 116779.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1430(1/1288)
المساهمة في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو عن حكم الرسائل البريدية التي تقول هناك موقع لسب الرسول صلى الله عليه وسلم. مطلوب 2 مليون صوت لإغلاقه بادر بالتصويت الآن لتثبت دفاعك عن الرسول صلى الله عليه وسلم. علما بأن مثل هذه المواقع كثرت هذه الأيام وكل يومين نرى موقعا جديدا فُتح لسب أو تشويه سمعة رسولنا الكريم ويطلبون تصويت أو توقيع 4 مليون مسلم أو 1000 صوت لإغلاقه أرجو من فضيلتكم إجابتنا عن حكم مثل هذه المواقع وما حكم من يوزعها برسائل بالايميل والمنتديات بنية فعل الخير والدفاع عن رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه ... ]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الدفاع عن النبي- صلى الله عليه وسلم- بكل وسيلة ممكنة واجب شرعا، وعلى المسلم أن يحذر من استغلال الخبثاء لعواطفه الدينية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائلة الكريمة على اهتمامها بدينها وحبها لنبيها-صلى الله عليه وسلم- وحرصها على الدفاع عنه ...
ولتعلمي أن الأصل وجوب الدفاع عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أو غيره من الأنبياء بكل وسيلة ممكنة، فلا يؤمن أحد حتى يكون النبي- صلى الله عليه وسلم أحب إليه من كل شيء من ولده ووالده والناس أجمعين، ومن نفسه التي بين جنبيه كما صح عنه صلى الله عليه وسلم.
ولهذا، فالواجب على كل مسلم أن يساهم في الدفاع عنه بكل ما يستطيع، وأقله إرسال هذا النوع من الرسائل فهي من التعاون على البر والتقوى، ووسيلة الشيء كهو، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما قال أهل العلم.
ولكننا نحذر المسلمين من استغلال عواطفهم من قبل هؤلاء الخبثاء الذين يفتحون هذه المواقع ويغلقونها.
ولذلك ننصح السائلة الكريمة بأخذ الحذر والحيطة والتثبت من هذه المواقع والهدف منها ومن يقف وراءها. فلعل المقصود منها الترويج أو الاستفزاز، أو إشغال المسلمين وتبديد طاقتهم. فقد كثرت هذه المواقع كثرة تجعل من يفكر في الرد عليها يتذكر قول القائل:
لو كل عاو عوى ألقمته حجرا لأصبح الصخر مثقالا بدينار
ولا يخفى على أي مسلم بل ولا عاقل بطلان ما يحاول هؤلاء الكفرة إلصاقه بنبي الله- صلى الله عليه وسلم- وما مثل هؤلاء إلا كما قال القائل:
كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1429(1/1289)
هل خلق آدم أسود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن سيدنا آدم خلق أسود؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لم نقف على قول لأهل العلم يفيد أن آدم عليه السلام خلق أسود السواد المعروف الآن.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف -فيما اطلعنا عليه- على أن آدم عليه السلام خلق أسود، ولكن ذكر أهل التفسير أنه سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، وقيل لأنه كان آدم اللون، وقيل لأنه خلق من عناصر مختلفة وقوى مفترقة، وقيل سمي بذلك لما طيب به من الروح المنفوخ فيه ... وما جعل فيه من العقل والفهم والروية.. التي فضل بها على غيره.
والآدم من الناس الأسمر، أو الأسود -كما قال أهل اللغة- وقد وصف به عمر رضي الله عنه وغيره كما في البداية والنهاية: كان رجلاً طوالاً أصلع أعسر أيسر أحور العينين آدم اللون وقيل كان أبيض شديد البياض تعلوه حمرة..
كما وصف بها موسى في حديث الإسراء: ورأيت موسى أسحم آدم. رواه أحمد وغيره وصححه الأرناؤوط..
ولمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 37310 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1429(1/1290)
ماهية التفاضل بين الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل بعض الأنبياء مفضل على بعض أم أن الرسل كلهم متساوون، وما معنى أن الله اتخذ إبراهيم خليلاً، فهل هو بذلك مفضل على باقي الأنبياء، ولماذا يفضل البعض على البعض إذا كانوا كلهم يدعون لنفس الرسالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
التفضيل بين الأنبياء ثابت، وأفضلهم على الإطلاق نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم، واختصاص إبراهيم عليه السلام بالخلة مزية له، ولكنها لا تدل على أنه الأفضل على جميع الأنبياء، وأصل النبوة لا تفاضل فيه وإنما يحصل التفاضل في أمور زائدة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتفضيل بين الأنبياء ثابت بنصوص الشرع في القرآن والسنة، ويمكنك أن تراجع في بيانها الفتوى رقم: 49977، وقد بينا فيها أن أصل النبوة لا تفاضل فيه، وأن الأنبياء إنما يتفاضلون في أمور زائدة، ومن هذا الباب كونه اتخذ إبراهيم خليلاً أي أنه سبحانه خصه بذلك، والخلة هي كمال المحبة، ولا يعني هذا تفضيله المطلق على سائر الأنبياء، فإن أفضل الأنبياء على الإطلاق هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 51171، والفتوى رقم: 65890.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1428(1/1291)
النبي أرمياء وحكم تسمية المولود باسمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة قصة النبي أرمياء وهل ذكر في القرآن الكريم؟ وهل يجوز تسمية مولود باسم هذا النبي؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأرمياء عليه السلام لم يرد له ذكر في القرآن الكريم، وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل ممن لا يُعلم وقته على اليقين. قال عنه ابن عاشور في التحرير والتنوير: وأرمياء النبي الذي كان حيا في أواسط القرن السابع قبل المسيح، وذلك لأنه أكثر التوبيخات والنصائح لليهود فرجموه بالحجارة حتى قتلوه وفي ذلك خلاف.
وجاء من خبره في تفسير البغوي: ... وبعث لهم أرمياء بن حلقيا نبياً، وكان من سبط هارون بن عمران.
وذكر ابن إسحاق أنه الخضر واسمه أرمياء، سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهي تهتز خضراء.
وقد ذكر أن الله بعث أرمياء إلى ملك من ملوك بني إسرائيل ليسدده ويرشده، ثم عظمت الأحداث في بني إسرائيل وركبوا المعاصي واستحلوا المحارم، فأوحى الله إلى أرمياء أن ائت قومك من بني إسرائيل فاقصص عليهم ما آمرك به وذكرهم نعمتي وعرفهم بأحداثهم، فقال أرمياء: يا رب إني ضعيف إن لم تقوني، عاجز إن لم تبلغني، مخذول إن لم تنصرني، قال الله تعالى: أو لم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي، وأن القلوب والألسنة بيدي أقلبها كيف شئت، إني معك ولن يصل إليك شيء معي، فقام أرمياء فيهم ولم يدر ما يقول فألهمه الله عز وجل في الوقت خطبة بليغة، بين فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية، وقال في آخرها عن الله تعالى: وإني حلفت بعزتي لأقيضن لهم فتنة يتحير فيها الحليم ولأسلطن عليهم جباراً قاسياً ألبسه الهيبة، وأنزع من صدره الرحمة يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم، ثم أوحى الله إلى أرمياء: إني مهلك بني إسرائيل بيافث، ويافث من أهل بابل ... فسلط الله عليهم بختنصر فخرج في ستمائة ألف راية، ودخل بيت المقدس بجنوده ووطئ الشام، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم، وخرب بيت المقدس ... فذلك قوله تعالى: فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد يعني: بختنصر وأصحابه.
وجاء في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي ذكر قصة أرمياء، فقال: وهو أُرمياء الألف مضمومة كذلك قرأته على شيخنا أبي منصور اللغوي. أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار ... : أن أرمياء كان غلاما من أبناء الملوك وكان زاهدا ولم يكن لأبيه ابن غيره وكان يعرض [عليه] النكاح وكان يأبى مخافة أن يشغله عن عبادة ربه فألح عليه أبوه وزوجه في بيت من عظماء أهل مملكته فلما دخلت عليه امرأته قال لها يا هذه إني مسر إليك فإن كتمته علي وسترته سترك الله في الدنيا والآخرة وإن أنت أفشيته قصمك في الدنيا والآخرة قالت فإني سأكتمه عليك قال فإني لا أريد النساء. فأقامت معه سنة ثم إن أباه أنكر ذلك فسأله، فقال يا أبه ما طال ذلك بعد ... فغضب أبوه فهرب منه. فبعثه الله نبيا مع ناشية، وناشية ملك وذلك حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل بالمعاصي وقتلوا الأنبياء وأوحى إليه إني مهلك بني إسرائيل ومنتقم منهم.. . إلخ.
ولا يخفى أن ما جاء في قصته هو من أخبار بني إسرائيل التي لم يثبت فيها شيء عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فلا حرج في روايتها لأنها لا تخالف شيئاً من شريعة الإسلام، وهذا داخل تحت عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.
وأما عن تسمية مولود باسم أرمياء فليس من شك في أنه جائز، بل قد يكون مستحبا لما ورد من القصص في نبوته وصلاحه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1428(1/1292)
الكريم بن الكريم بن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكريم هو يوسف عليه السلام فقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1428(1/1293)
الأنبياء من قبل سليمان عليهم السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أسماء الأنبياء جميعهم قبل سيدنا سليمان عليهم الصلاة والسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكن حصر جميع الأنبياء قبل سيدنا سليمان عليهم الصلاة والسلام، لأن الله تعالى لم يسمهم لنا جميعاً، فقد قال سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ {غافر: 78} وقال سبحانه: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا {النساء: 164} وأما الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن، والذين كانوا قبل سيدنا سليمان عليهم السلام، فهم: آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، وموسى، وهارون، ويونس، وداود عليهم الصلاة والسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1426(1/1294)
ختم الرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم أمر قدري لا مفر من الرضى به
[السُّؤَالُ]
ـ[من أغرب الأمور التي ينسبها الدينيون لله الخالق هي العدل والحكمة فهم في كل موقع يقولون بأن الله عادل حكيم، لكن دعنا نبحث في أمر يتفاخرون به أيضا وهو أن محمدا هو آخر رسول أرسله الله للإنس والجن معا وأن الإسلام هو آخر الرسالات السماوية التي يراها الله ملاءمة لكل البشر والجن لكل الأزمنة القادمة ولكل البيئات الاجتماعية والمستويات الثقافية ولكل المشاكل التي ستواجه البشر والجن حتى قيام الساعة وسأفترض فرضا لا أقبله هو أن الإسلام فعلا هو آخر وبالتالي أرقى ما يستطيع الإله العادل الحكيم تقديمه لإسعاد البشر وبما أنه لن يستطيع تقديم أفضل من هذا فلا حاجة لتغيير الرسالة التي وهي الاسلام، السؤال البسيط الذي يفرض نفسه الآن لماذا محمد هو آخر الرسل؟ فأي إنسان يمتلك ذرة من التفكير لا يرى ما يمنع من بعث رسل أو أنبياء لتوضيح نفس الرسالة الإسلام في كل زمان ومكان
ما هو المانع المقنع الذي يراه العادل الحكيم في إرسال شخصية توضح الاعجاز القرآني وما استغلق علينا فهمه من القرآن بدلا من أن يتنازع البشر في فهم الآيات ويرمي كل طرف الآخر بأن القرآن لا يعلم تأويله إلا الله وأن تفسير المفسرين قد يخطئ ويصيب لأنهم بشر غير معصومين؟ طبعا وجد محمد تبريرا منطقيا جدا لأهل زمانه في كونه آخر الرسل لأنه في آخر الزمان وبالتالي لا يوجد داع لوجود رسول آخر لأن الزمان حتى قيام الساعة قد اقترب ولا يتسع لمن يليه حدثنا سويد بن سعيد وأحمد بن ثابت الجحدري قالا حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ويقول أما بعد فإن خير الأمور كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وكان يقول من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فعلي وإلي * (صحيح) _ الارواء 608 وأخرجه مسلم (7) باب اجتناب البدع والجدل
لمزيد من الأدلة طبعا سيبرر البعض هذا بأن العمر الكوني بالمليارات أو أن عمر البشرية بالملايين وبالتالي ألف سنة أو الفين ليست بشيء لكنهم لن يستطيعوا مثلا تبرير وجود تلك الأعداد الهائلة من الرسل في فترات أقل كثيرا بل إنه في بعض الفترات كان الأنبياء موجودين في نفس الوقت كلوط وإبراهيم أو عيسى ويحيى أو يعقوب وإسحق ويوسف أوموسى وشعيب فبالتأكيد الذي يرسل الرسل في هذه الفترات المتقاربة لن يدع البشرية كل هذه المدة بدون رسل لأن هذا يتنافى مع العدل والحكمة التي يتفاخر بهما أتباعه محمد بشر مثلنا يوحى إليه ما المانع أن يوحى لغيره لإكمال نفس الرسالة؟ ماهي الأشياء التي ميزت محمدا بحيث لا يمكن تكرارها لكي يكون خاتما للرسل للإنس والجن؟ أيهما أقرب للعدل والحكمة إرسال رسول مؤيد لنفس الرسالة أم ترك البشر يتخبطون لمعرفة الحقيقة؟ أيهما أقرب للعدل والحكمة أن العادل الحكيم لم يرسل أحدا في أي زمان أومكان ووضع في كل انسان أوحيوان أو انس أو جن بالتساوي غريزة وعقلا يوجهها نحو الافضل لا تحتاج لا لغة ولا معجزة أم أنه أرسل رسلا في أزمنة سابقة واختص لغات بعينها لنقل ما يريد للبشر ثم قرر التوقف فجأة زمانا ومكانا عن تكرار نفس الشيء الذي ارتضاه لبعض خلقه ومنعه من الآخر، المنطق القرآني يناقض نفسه وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى {133} ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى {134} {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله} قبل محمد الرسول {لقالوا} يوم القيامة {ربنا لولا} هلا {أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك} المرسل بها {من قبل أن نذل} في القيامة {ونخزى} في جهنم (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله) أي: من قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم (لقالوا) يوم القيامة (ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا) أي: هلا كنت أرسلت إلينا رسولا في الدنيا (فنتبع آياتك) التي يأتي بها الرسول (من قبل أن نذل) بالعذاب في الدنيا (ونخزى) بدخول النار. الآيات هنا واضحة وقد أرفقت التفسير من واقع الكتب حتى لا أتهم باننا لا نفهم معنى الايات من حقنا أن نتساءل نفس التساؤل ونعترض نفس الاعتراض الذي وافق عليه القرآن لقد اعتبر القرآن إرسال الرسول هو الحجة الوحيدة المقبولة حتى إذا توافرت الأدلة ومن رسل سابقين والبينات لكن أعطى القرآن العذر ووضحه وبين ما هو دور الرسول هو إقامة الحجة ولم يقبل البينة أو آثار المعجزة على السابقين كحجة نحن الآن في نفس الموقف لا يوجد رسول.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ندعو هذا السائل أولا إلى الإيمان بوجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته، والإيمان بصدقه فيما أخبر به عن نفسه أو أخبرت عنه به رسله عليهم الصلاة والسلام، وعليه أن يستخدم عقله في التأمل في آيات الله الكونية الدالة على قدرة الله وحسن تدبيره لخلقه وكمال حكمته، وعلى استحقاقه للعبادة وحده والتأمل في المعجزات الدالة على تصديق ما جاءت به الرسل، فكل هذا الكون بنظامه ودقته شاهد على وجود الله، وكل ما حولنا من أرض وسماء وأشجار وأنهار وبحار ومخلوقات أدلة على وجود الله سبحانه، بل الإنسان نفسه أكبر دليل على وجود خالقه، فهو أوجد من العدم، ومر بمراحل وأطوار متعددة في بطن أمه، ثم يخرج إلى هذا العالم ويعيش أطوار حياته، فيتم كل ذلك وفقاً لسنن كونية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، هذا من جانب. ومن جانب آخر فإنه يستحيل عقلاً أن يوجد شيء من تلقاء نفسه دون موجد له، ولتنظر إلى أبسط المخترعات الحديثة، المصباح الكهربائي مثلاً، هل من الممكن أن نتصور تجمع مادته بنفسها صدفة ليتكون منها هذا الجهاز البسيط!!؟ ولو سألت عاقلاً عن سيارة مركبة من حديد ومحركات وعجلات، وغير ذلك من الأمور الدقيقة هل صنعت وركبت بلا صانع لسخر منك، إذا كان هذا مستحيلاً، فكيف يعقل إذن أن نتصور وجود هذا العالم بكل هذه الدقة والنظام دون أن يكون له خالق له المنتهى في صفات الكمال؟!! وإذا تقرر عند العبد وجود الخالق جل وعلا وتأمل في حسن تدبيره لهذا الكون بقدرته استوجب ذلك توحيده والتقرب إليه بالعبادة والسعي في رضا هـ، وذلك يستوجب تصديق من اصطفى من رسله الذين بلغونا رسالات الله، فإن الله خلق الثقلين ليومنوا به ويعرفوه ويستسلموا له ويخضعوا له تمام الخضوع ويعبدوه حق العبادة، قال جل جلاله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا ليعبدون أي إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرها. ً وقال ابن جريج ومجاهد في تفسيرها إن معناها إلا ليعرفون، قاله ابن كثير والقرطبي والبغوي، ومن الأدلة على الإيمان بوجود الله وربوبيته وألوهيته أيضا ما أنزله الله من الآيات البينات في كتابه العزيز.
قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] .
وقال تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:3] . وقال تعالى: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا [الأنبياء:43] .
فقد شهد الباري عز وجل بوجوده، وأنه إله الكون وخالقه، وكفى بالله شهيداً، قال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53] .
وقد حث الله تعالى الخلق على تدبر هذا الكون ومعرفة أسراره ليستفيدوا من ذلك الإيمان بخالقهم سبحانه، قال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذريات:20-21] . وقال تعالى في معرض الحديث عن الدلائل على وجود الخالق ليقر العباد بطريق الإلزام بربهم سبحانه وتعالى، فيعبدوه وحده لا شريك له.. أقول: قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ* أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور:35-37] . فالله عز وجل يقول لهؤلاء المنكرين خالقهم: أنتم أيها البشر موجودون، وهذه حقيقة لا تنكرونها، وكذلك السموات والأرض موجودتان ولا شك في ذلك.
وقد تقرر في العقول أن الموجود لا بد له من موجد، وهذا يدركه راعي الإبل في الصحراء فيقول: إن البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على العليم الخبير.
فكيف لو قال شخص: إن السموات والأرض أو هو نفسه قد وجد دون خالق مدبر حكيم عليم بيده مقاليد كل شيء؟!! قال تعالى: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ* قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:84-89] . فإذا تقرر هذا فاعلم أن مما اتفق عليه أصحاب العقول السليمة أن تصرف المالك في ملكه يسمى عدلا، فالله تعالى عدل حكيم وهو أعدل من ملك فلا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهو أرحم الراحمين، وكل شرع الله تعالى وأقداره عدل وصادر عن حكمة بالغة ولو توهم البعض أنه ليس بعدل، فالله هو العليم الخبير خالق العباد، والعالم بما يصلحهم وما يفسدهم، وما ينفعهم وما يضرهم، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك:14} فلا بد من التسليم لأمر الله وحكمه، والانقياد لشرعه والاعتقاد بأن كل ما شرع الله وقضاه مبني على الحكمة التامة، وأنه تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وكل ما جاء في القرآن كلام الله وهو صدق وعدل لا تبديل فيه ولا تحريف ولا زيادة ولا نقص؛ كما قال الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً. وقال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً. وقال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فهو صدق في الأخبار عدل في الأحكام. وقد اصطفى الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأرسله للثقلين وختم به الرسل فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما [الأحزاب:40] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون.
وفي صحيح مسلم أيضا أنه قال: إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد. وفي رواية: والعاقب الذي ليس بعده نبي، وقوله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس على قدمي. وفي رواية: على عقبي. أي يحشرون على أثري وزمان نبوتي ورسالتي، وليس بعدي نبي، وقيل: أي يتبعونني، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: أنت مني بمنزلةهارون من موسى إلاأنه لا نبي بعدي. إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وقد أجمع المسلمون على ذلك. ويجب الايمان بأن لله تعالى الحكمة البالغة في تفضيل بعض خلقه على بعض وتخصيص بعضهم بمزايا دون بعض، فهو سبحانه وتعالى الفعال لما يريد، يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة من أمرهم، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ولهذا فإنه سبحانه وتعالى يفضل بعض الأزمنة على بعض كما يفضل بعض الأمكنة على بعض وهكذا الناس والأشياء، يقول الله سبحانه وتعالى: الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير [الحج:75] ، ويقول الله تعالى: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات [البقرة:253] ، ويقول تعالى: وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورا [الإسراء:55] . ومن هذا الباب اتخاذ الله إبراهيم خليلا كما قال الله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا [النساء:125] ، ومنه كذلك تكليم الله لموسى، كما قال الله تعالى: وكلم الله موسى تكليما [النساء:164] ، ومنه تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم على غيره وختم النبيين به فهذه وما أشبهها من خصائص يختص الله تعالى بها من يشاء من خلقه، كما قال الله تعالى: يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وقد شاء الله بحكمته أن يتوفى نبيه ويترك لنا القرآن وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لنرجع إليهما عند الحاجة، وقد كلفنا بتعلمهما وتعليمهما لمن بعدنا، فلئن غابت عنا شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم فإن شرعه المتمثل في الوحي من الكتاب والسنة المحفوظ بحفظ الله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [الحجر:9] ، لا يزال بحمد الله موجود ابين أيدينا، ولا تزال محتويات رسالته معروفة عند العلماء بالشرع، فالعلماء وارثوا رسالته ومعلموها نيابة عنه صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين [يوسف:108] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري. فتعلم هذه الرسالة والتمسك بها عصمة لنا من الضلال، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ". رواه مسلم. وروى الترمذي وصححه الألباني عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهم. ثم إن الناس خلقهم الله مفطورين على التوحيد وحب الخير، ولكن الله رحمة منه بالعباد لم يكلهم لذلك لأن الشياطين تتسلط عليهم فتصرفهم عما فطروا عليه، فأرسل الله إليهم الرسل ليدلوهم على الخير ويحضوهم عليه وينهوهم عن الشر ويرهبوهم منه، فقد روى مسلم عن عياض بن حمار قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدا حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك ... فالحاصل أن ختم الرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم أمر قدري يجب الرضا به واعتقاد كمال حكمته ولا راد لقضاء الله، وأما ما يحتاجه الناس من إنذار الرسل فقد كلف وارثوهم بالقيام به، وعلى العاقل أن يستنير بالوحي ويتعلمه قبل التفرس بعقله القاصر، وأن يسعى في استخدام عقله في وقاية نفسه من سخط الله وعذابه في الدنيا والقبر والآخرة، وأن يسعى في رضا الله حتى يسعده في الدنيا ويدخله الجنة، ولا وسيلة لذلك الا بالإيمان والطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى " رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1426(1/1295)
أولو العزم من الرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك ملاحظة في اختبر معلوماتك قسم العقيدة منها اعتبار آدم من أولي العزم من الرسل والله تعالى يقول: (ولم نجد له عزما) ، وإنما هو نوح عليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 1594 بيان أن أولي العزم من الرسل خمسة (محمد، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى) عليهم الصلاة والسلام، وفي المسألة خلاف ذكره القرطبي والطبري وغيرهما.
أما آدم فقد روى الطبري في تفسيره عن ابن زيد أن كل الرسل أولو عزم، وحكى القرطبي قولاً أن كل الأنبياء أولوعزم إلا يونس عليه السلام، والراجح ما ذكرناه أولاً لقول الله تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا {طه:115} ، قال الإمام الطبري: اختلف أهل التأويل في معنى العزم فقال بعضهم معناه الصبر وقال آخرون: بل معناه الحفظ، قالوا: ومعناه لم نجد له حفظاً لما عهدنا إليه. قال أبو جعفر: فيكون تأويله ولم نجد له عزم قلب على الوفاء لله بعهده ولا على حفظ ما عهد إليه. انتهى بتصرف، وراجع الفتوى رقم: 27704.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1425(1/1296)
لا يزال عيسى عليه السلام حيا إلى الآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سيدنا عيسى عليه السلام متوفى أم أنه مازال حيا؟ ولماذا رفعه الله إليه؟ ولماذا اختار الله سيدنا عيسى عليه السلام للنزول في آخر الزمان عن باقي الأنبياء؟
وجزاكم الله عن المسلمين كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عيسى لا يزال حيا إلى الآن، وهذا محل إجماع بين علماء المسلمين كما قال ابن القيم، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 9992.
وأما السؤال الثاني والثالث فإنا نقول فيهما أن الله تعالى له الحكمة البالغة فيما يفعل، وقد علمنا أنه لا يسأل عما يفعل، فهو سبحانه وتعالى يختار من يشاء لما يشاء.
ومن حكمة رفعه تكريمه وإنجاؤه عليه السلام من شر الأعداء، كما أن سبب اختياره للنزول في آخر الزمان أنه هو النبي الوحيد من أولي العزم الذي لا يزال حيا في السماء فسينزله الله لإقامة الحق وقتل الدجال وأعوانه وكسر الصليب وقتل الخنزير وإبطال دعاوى النصارى. وراجع الفتوى رقم: 6238.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1425(1/1297)
التفاضل بين الأنبياء لا النبوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك تعارض بين الاية الكريمه ((تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض)) والايه الكريمة ((لانفرق بين احد من رسلة)) *]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآيتين المذكورتين من سورة البقرة، ولا تعارض بينهما إطلاقا، بل لا يوجد تعارض أصلا في وحي الله تعالى.
قال الله تعالى: [وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا] (النساء: 82) .
ومعنى الآية الأولى كما ذكر غير واحد من المفسرين: تلك الرسل المذكورون في هذه السورة وفي غيرها فضل الله بعضهم على بعض في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات، وأما النبوة في نفسها فلا تتفاضل وإنما يتفاضل الأنبياء بأمور أخرى زائدة عليها، ولذلك فالرسل منهم أولو العزم ومنهم من اتخذه الله خليلا، ومنهم من كلمه الله تعالى ورفع بعضهم درجات على بعض بالكرامة ورفعة المنزلة، كما في الآية الأخرى: [وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا] (الإسراء: 55) . كما خص النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة إلى البشرية كلها منذ بعثته صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
قال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] (الأنبياء: 107) . [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ] (سبإ: 28) .
وأما الآية الثانية: [لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ] (البقرة: 285) .
فمعناها نؤمن بهم جميعا ولم نكن مثل أولئك الذين ذمهم الله تعالى ووعدهم بالعذاب فقال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا] (النساء:150- 151) . ولمزيد من المعنى عن الآية الكريمة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 42031.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(1/1298)
كل الأنبياء جاءوا بمحبة أولياء الله وبغض أعداء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أخوكم في الإسلام متزوج من مسيحية أرثدكسية، حاولت ومازلت أحاول إقناعها بالإسلام لكنها ترفض الأعتراف بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تقول إن المسيح له رسالة الحب ولم يحمل سلاحا قط، كما تؤمن إيمانا قطعياً بمعجزة نور مريم التي يزعمها المسيحيون أنه ينبثق من قبر مريم، وتقول إن المسلمين لا يعترفون بهذه المعجزة الحية، أدعو الله في كل صلاة أن لا يطبع الكفر على قلبها، فما نصيحتكم بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكان الأولى بك الزواج بمسلمة تربي أولادك على عقيدة الإسلام وتغرس فيهم محبة الله ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن وقد حدث ما حدث فاجتهد في دعوتها إلى الإسلام وبيان حقائقه، وفي المقابل بيان حقائق النصرانية وما دخلها من تحريف وتزييف، وننصحك بالاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8210، 30506، 10326، 38508.
وأما القول بأن رسالة المسيح هي رسالة الحب فغير صحيح، بل كل الأنبياء جاءوا بمحبة أولياء الله وبغض أعداء الله، وهل من مدح عيسى صلى الله عليه وسلم أن يقال بأن رسالته هي رسالة الحب وعدم حمل السلاح في وجه من حارب شرع الله وقاتل أولياءه، كلا فليس هذا بمدح بل هو أشد القدح، وكيف يكون العبد مطيعا لله وهو قد خالف ربه حيث أحب من أبغضه الله وأمرنا ببغضه، ولذا فمن قال بأن رسالة المسيح ليس فيها محاربة للفساد والمفسدين فقد كذب على الله وكذب على المسيح عيسى عليه السلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1425(1/1299)
آخر الأنبياء دخولا الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو آخر من يدخل الجنة من الأنبياء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على دليل صحيح يبين من هو آخر الأنبياء دخولا الجنة، وأما حديث: إن آخر الأنبياء دخولا الجنة سليمان بن داود لمكان ملكه في الدنيا. وفي بعض الأخبار يدخل الجنة بعد الأنبياء بأربعين خريفا، فهو حديث لا أصل له، كما قاله القرطبي في تفسيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(1/1300)
إبراهيم الخليل هل هو من العرب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سيدنا ابراهيم عليه السلام عربي أم لا؟
وجزاكم الله عنا كل الخير ونفع بعلمكم
حسام حسنين]ـ
[الفَتْوَى]
فليس خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم من العرب، ولمعرفة الأنبياء الذين هم من العرب انظر الفتوى رقم: 9475، والفتوى رقم: 29611.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(1/1301)
يشرع قول صلى الله عليه وسلم عقب ذكر الأنبياء والرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح أن نذكر عبارة -صلى الله عليه وسلم- لأي نبي غير نبينا محمد عليه الصلاة والسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيشرع قول صلى الله عليه وسلم عقب ذكر الأنبياء والرسل، كآدم وموسى وعيسى، وقد جاء ذلك في الأحاديث والآثار، ومنها ما رواه البخاري عن سلمان قال: فترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم ستمائة سنة، وفي حديث الشفاعة الطويل أن موسى صلى الله عليه وسلم يقول للناس حينما يطلبون منه الشفاعة العظمى يوم القيامة: اذهبوا إلى عيسى صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(1/1302)
زكريا عليه السلام هو زوج خالة مريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صلة القرابة بين مريم وسيدنا زكريا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن زكريا عليه الصلاة والسلام كان زوج خالة مريم عليها الصلاة والسلام، وقيل زوج أختها. ففي القرطبي عند قوله تعالى: وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً [مريم: 5] "امرأته هي إيشاع بنت فاقوذا بن قبيل، وهي أخت حنة بنت فاقوذا. قاله الطبري. وحنة هي أم مريم.
وقال القتبي: امرأة زكريا هي إيشاع بنت عمران. فعلى هذا القول يكون يحيى ابن خالة عيسى عليهما السلام على الحقيقة، وعلى القول الآخر يكون ابن خالة أمه. وفي حديث الإسراء قال عليه الصلاة والسلام: فلقيت ابني الخالة يحيى وعيسى، شاهدا للقول الأول. ولا نعرف لهما قرابة غير ذلك سوى أنهما من بني إسرائيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(1/1303)
أولوا العزم من الرسل، وسبب تسميتهم بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم أولوا العزم من الرسل ولماذا أطلق عليهم هذا اللقب؟ وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أما تحديد من هم أولوا العزم من الرسل فقد سبق الجواب عنه في الفتوى رقم:
1594.
أما سبب تسميتهم بذلك فلما تميزوا به من الهمة العظيمة في الدعوة إلى الله، والصبر على ما نالهم من الأذى البليغ في سبيل الله، والثبات في مواجهة الباطل والقوة في الحق..... إلخ، ما اتصفوا به صلوات الله وسلامه عليهم.
قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35] ، قال ابن عباس: ذوو الحزم والصبر. وقال الضحاك: ذوو الجد والصبر.
ومن هنا أثنى الله على أولي العزم من الرسل بما فيهم من جميل الخلال، وعظيم الصفات، كما قال عن نبيه نوح عليه السلام: إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً [الإسراء:3] .
وقال عن نبيه إبراهيم الخليل عليه السلام: وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم:37] ، وقال: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل:120] .
وقال عن نبيه موسى عليه السلام: وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب:69] ، وقال عن نبيه عيسى عليه السلام: وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران:45] .
وخاطب خاتم رسله محمداً عليه الصلاة والسلام بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] .
وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1423(1/1304)
حقيقة بلاء أيوب عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذا الحديث الصحيح: /إن نبي الله أيوب مكث في بلائه ثلاث عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من خواص أصحابه..إلى آخر هذا الحديث / ما معنى رفضه؟ أليس معناه أن الناس نفروا منه وابتعدوا عنه بسبب مرضه؟ كيف نوفق بين هذا المعنى وبين أن الأنبياء من صفاتهم أن الله حفظهم من الأمراض المنفرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ما أصاب أيوب من الضر لم يكن بالصفة المنفرة التي يصوره بها القصاص والأخباريون الذين نقلوا ذلك من الإسرائيليات وأهل الكتاب الذين حرفوا كتبهم المنزلة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه حديث صحيح رواه ابن حبان والحاكم وأبو يعلى وصححه الألباني في السلسلة. وقال الذهبي في التلخيص: على شرط الشيخين.
وقد جاء بلفظ ثماني عشرة سنة بدلا من ثلاث عشرة.. المذكورة.
ولفظه كما في المستدرك وغيره: إنَّ أيوب نبي الله لبث به بلاؤه خمسة عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه، كانا من أخصِّ إخوانه، قد كانا يغدوان إليه، ويروحان.
فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: نعلم والله، لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين.
فقال له صاحبه: وما ذاك؟
قال: منذ ثمانية عشر سنة لم يرحمه الله، فكشف عنه ما به.
فلما راحا إلى أيوب، لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك.
فقال له أيوب: لا أدري ما تقول، غير أنَّ الله يعلم أني كنت أمرُّ بالرجلين يتنازعان يذكران الله، فأرجع إلى بيتي، فأكفر عنهما، كراهية أن يذكر الله إلا في حق.
وكان يخرج لحاجته، فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ.
فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه: أن اركض برجلك، هذا مغتسل بارد وشراب.
فاستبطأته، فتلقته، وأقبل عليها، قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو أحسن ما كان.
فلما رأته، قالت: أي بارك الله فيك، هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟ والله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا!
قال: فإني أنا هو.
وكان له أندران: أندر للقمح، وأندر للشعير.
فبعث الله سحابتين، فلما كانت أحدهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
فالحديث- كما رأيت- لم يذكر مرضا منفرا وإنما ذكر طول مدة البلاء وعدم وفاء الأقارب والإخوان له وعدم صبرهم عليه وعلى طول بلائه إلا رجلين من أخص إخوانه.
ولا يلزم من رفض الناس وعدم وفائهم له أنه أصيب بما هو منفر من دعوته.. فعادة الناس أن ينفضوا عن صاحب النعمة إذا ابتلي، وعن الغني إذا افتقر.. كما قال الشاعر:
والناس أعوان لمن والته دولته ... وهم عليه إذا عادته أعوان
وعلى كل فإن ما أصاب أيوب من الضر لم يكن بالصفة المنفرة التي يصوره بها القصاص والأخباريون الذين نقلوا ذلك من الإسرائيليات وأهل الكتاب الذين حرفوا كتبهم المنزلة، ونحن نكتفي في مثل هذه الأمور بما جاء في نصوص الوحي. وانظر الفتوى: 60288.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1429(1/1305)
الحكمة من عصمة الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا الرسل معصومون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل عصم رسله لأنهم أمناء وحيه إلى عباده وجعلهم قدوة لمن آمن بهم واتبعهم من خلقه، فالحكمة تقتضي أن يكونوا معصومين وكذلك المنطق العقلي، لأنهم لو لم يكونوا معصومين لجاز عليهم الكذب أو عدم تبليغ ما أمروا بتبليغه أو فعل ما نهوا عنه.
ولهذا فهم معصومون من ذلك كله لأنهم القدوة لمتبعيهم والأسوة الحسنة لمن آمن بهم، كما قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا {الأحزاب:21} ، وللمزيد عن عصمة الأنبياء نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 25834، والفتوى رقم: 6901.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1426(1/1306)
غضب الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الغضب يغير الأحكام عند الأنبياء، بين ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تسأل عما إذا كان الأنبياء يغضبون بحيث يمكن أن يصل بهم ذلك إلى أن تتغير الأحكام التي أمروا بتبليغها إلى الناس، فحاشاهم من ذلك، لأن الله تعالى قد عصمهم من أي شيء يتنافى مع تبليغ الأحكام الشرعية على الوجه الذي أمر الله به.
ثم إن الغضب هو أحد الانفعالات النفسية المذمومة، وقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- من استنصحه بالابتعاد عنه. أخرج البخاري والترمذي وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال له: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا، قال: لا تغضب.
ومع ذلك فإن من الغضب ما هو محمود كمن يغضب إذا انتهكت حرمات الله، فقد ورد في السنة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء. وروى أبو مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1426(1/1307)
مقام النبوة لا يتعارض مع الابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن كمسلمين نؤمن بأن الله تعالى رفع المسيح عليه السلام إلى السماء ولم يسمح بصلبه كما نجده عند النصارى أي أن الله تعالى قد حفظه. ولكن سؤالي هو: متى رفعه الله تعالى هل قبل تسليمه لليهود أم قبل الصلب بقليل خصوصا أنه في طريقه إلى الصلب تلقى الإهانات بالضرب وغيره مما لا يليق بإنسان فما بالك بنبي وبما أنه نبي فمن المؤكد أنه لن يسمح مولانا بأن يهان عبده ونبيه؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا تفسير قوله تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ {النساء: 157} في الفتوى رقم: 6238 وذكرنا هناك كيف ألقى الله تعالى شبه عيسى عليه السلام على غيره من عدة وجوه، ليس في واحد منها أن اليهود قد ساقوا عيسى عليه السلام إلى الصلب بل فيها كلها أن الله تعالى قد أنجاه عليه السلام ورفعه قبل أن يصل إليه اليهود، وأن الذي ساقوه إلى الصلب هو الذي ألقي عليه شبه عيسى عليه السلام.
وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 53029 والفتوى رقم: 10326.
وننبه الأخت السائلة إلى أن مقام النبوة لا يتعارض مع الابتلاء بل إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الناس أشد بلاء فقال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة. رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي في السنن الكبرى، وصححه الترمذي والألباني.
وقد ابتلي معظم الأنبياء وأوذوا من قبل الكفار ومنهم عليهم السلام من قتل كزكريا ويحيى عليهما السلام، وغيرهما.
قال الله تعالى عن بني إسرائيل: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ {البقرة: 87} وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {آل عمران: 21}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1426(1/1308)
عوارض الأذى لا تنافي العصمة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف مات النبي صلى الله عليه مسموما والقرآن يقول: والله يعصمك من الناس؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنظرا لشدة عداوة الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم، وكثرتهم وقوتهم، وحرصهم على قتله صلى الله عليه وسلم والتخلص منه بكل وسيلة اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحرس في بداية الأمر كما تمليه السنن الكونية والطبيعة البشرية.. فلما نزل عليه قول الله تبارك وتعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ {المائدة: 67} . ترك الحرس فلم يصل إليه عدوّ بقتل ولا أسر ولا قهر.. مع كثرة الأعداء وكثرة محاولاتهم، والأمثلة على ذلك كثيرة ثابتة فمنها محاولة عمير بن وهب وصفوان بن أمية، ومحاولة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس، ومحاولة بني قينقاع، ومحاولة اليهودية التي أشار إليها السائل الكريم، وهي ثابتة في كتب السنة، ولكن الله سبحانه وتعالى عصمه من تلك المحاولات ومن غيرها. وقد استشكل بعضهم أن اليهود سحروه ووضعوا له السم وأن قريشا شجوه وكسروا رباعيته ... ولا إشكال في ذلك، فما أصابه صلى الله عليه وسلم من الآلام والأذى ... في سبيل الله إنما هو لرفع درجاته وتعظيم أجره عند الله تعالى، وليتأسى به الدعاة والعلماء المصلحون.. من بعده. فالله سبحانه وتعالى ضمن له العصمة والسلامة من القتل والأسر وزوال العقل وتلف الجملة.. حتى يبلغ رسالته ويكمل دينه. وأما عوارض الأذى فلا تمنع عصمة الجملة، ولم تكن تهم النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان الذي يهمه هو الخوف من القضاء على شخصه قبل أن يبلغ رسالة ربه. وعندما أكمل الله الدين لعباده وأتم عليهم نعمته بكمال تشريعه وأصبح رجال الإسلام الذين تعهدهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتربية قادة قادرين على حمل الدين وتبليغه أجرى الله تعلى على نبيه صلى الله عليه وسلم سنته الماضية في خلقه، كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {آل عمران: 185} . وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يحس بأن مهمته في هذه الحياة قد انتهت، وأنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده ... فأشار إلى ذلك في حجة الوداع عندما خطب في تلك الجموع الحاشدة، فبين لهم شرائع الإسلام وأو صاهم وصية مودع.. وقال: لعلي لا ألقاكم في موضعي هذا بعد عامي هذا!. فلم يكن موته صلى الله عليه وسلم فجأة ولا بسبب قتل أو اغتيال وإنما كانت موتة طبيعية بسبب الحمى والصداع الذي كان من أسبابه آثار تلك الأكلة المسمومة التي تناولها بخيبر، فلم تؤثر عليه في ذلك الوقت، فقاد الجيوش بعد ذلك ودخل المعارك الكبرى وانتصر فيها، وفاوض الأعداء، واستقبل الوفود، ومارس حياته العادية اليومية بصورة طبيعية حتى وافاه الأجل المحتوم بصورة طبيعية. وتأثير السم عليه بعد ذلك عند نهاية الأجل إنما هو لرفع درجاته وعلو منزلته عند الله تعالى، ولينال بذلك مقام الشهداء. وبهذا نعلم أنه لا تعارض بين عصمة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، وبين ما لقيه صلى الله عليه وسلم من الأذى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1425(1/1309)
عصمة الأنبياء ثابتة شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نرد على من يدعى ان الرسول (ص) ليس بمعصوم استنادا إلى سورة عبس وما حدث مع ابن ام مكتوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 8801، 6901، 25834، 38915، 29447، 31507، 48422.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(1/1310)
شبهات حول عصمة الأنبياء وجوابها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سئلت من قبل شاب نصراني أمريكي (يسأل من أجل المعرفة لا من أجل التحدي) . يقول:
كيف تقولون إن الأنبياء معصومون من الخطأ والذنوب والقرآن يقول لمحمد في سورة محمد الآية 19 \" فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ \"
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله من الذنوب
ثم إن كيف تقولون إنه معصوم من الخطأ ثم تقولون في الحديث \"قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر \"
فما هذه الذنوب التي غفرها الله له (والتي تقدمت)
زد على ذلك أن سأل أيضا عن قول إبراهيم عليه السلام في الشعراء 82 \"وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ \"
فما هي خطيئة إبراهيم
وسأل أيضا عن قتل موسى عليه السلام للمصري والأية16 من سورة القصص \" قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ \"
وختم أسئلته بأن قرأ علي الآية 29 من سورة يوسف \" يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ \"
وقال لي, مهما كان جوابك عن الأنبياء, أريد أن أعرف ما الفرق بين ذنب هذه المرأة وذنوب الأنبياء, خصوصا أن الكلمة نفسها مستعملة في هذه الآية وقول سيدنا إبراهيم والأمر لسيدنا محمد بالاستغفار
وختم أيضا بقوله ما تعريفكم للذنب أصلا؟
بارك الله بكم
أخوكم نديم ساجد عائشة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم هدانا الله وإياك إلى صراطه المستقيم وجعلنا وإياك سببا في هداية خلقه أن الأمة مجمعة على عصمة الأنبياء فيما يتعلق بتبليغ الرسالة، وعلى عصمتهم من الكبائر، وأما الصغائر، فأكثر العلماء على أنها تقع منهم، ولكنهم لا يقرون عليها، بل يستغفرون منها في الحال ويتوبون، وراجع في هذا الفتوى رقم: 6901، وفي هذا جواب لما ظنه الشاب النصراني تناقضا بين الآيات والأحاديث، وبين ما ثبت من عصمة الأنبياء.
وفيه أيضا جواب عن الذنوب التي غفرت له صلى الله عليه وسلم وعن قتل موسى عليه السلام للمصري.
وأما خطيئة إبراهيم عليه السلام، فقد أوردها صاحب فتح الباري عند شرحه لحديث الشفاعة. قال: وفي رواية همام: إني كنت كذبت ثلاث كذبات. زاد شيبان في روايته قوله: إني سقيم، وقوله: فعله كبيرهم هذا، وقوله لامرأته: أخبريه أني أخوك. وفي الحقيقة أنها ليس خطيئات، لأنه صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما منها كذبة إلا ماحل بها عن دين الله. انظر فتح الباري.
وأما الفرق بين ذنب امرأة العزيز وذنوب الأنبياء، فإنه من وجوه: أحدها أنها راودت فتاها على الزنا وهو كبيرة، والقائل بحصول الذنب من الأنبياء إنما يقول بحصول الصغائر فقط دون الكبائر.
والثاني: أنها أصرت على ذنبها ولم تتب منه حتى بعد علم نساء المدينة بذلك، واستدعائها إياهن، فقد ظلت مصرة على المعصية، وقالت: [وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ] (يوسف: 32) . والأنبياء لا يقرون على المعصية بل يتوبون منها في الحال.
والثالث: أنها أرادت بمراودتها يوسف عليه السلام أن تشبع شهوة جنسية لا غير، والأنبياء إذا صدر منهم خطأ إنما يكون اجتهادا أو مماحلة عن دين الله، كما هو جلي في خطيئات إبراهيم عليه السلام.
وانظر تعريف الذنب في الفتوى رقم: 13700.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1425(1/1311)
الأسباط ليسوا جميعا أنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الأسباط الذين ذكروا في القرآن الكريم؟. وهل هم أنبياء أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأسباط هم أولاد يعقوب عليه السلام، وليسوا جميعاً أنبياء على القول الراجح، قال الألوسي في روح المعاني: واختلف الناس في الأسباط أولاد يعقوب هل كانوا كلهم أنبياء أم لا، والذي صح عندي الثاني وهو المروي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه وإليه ذهب الإمام السيوطي وألف فيه لأن ما وقع منهم مع يوسف عليه الصلاة والسلام ينافي النبوة قطعاً وكونه قبل البلوغ غير مسلم لأن فيه أفعالاً لا يقدر عليها إلا البالغون، وعلى تقدير التسليم لا يجدي نفعاً على ما هو القول الصحيح في شأن الأنبياء وكم كبيرة تضمن ذلك الفعل، وليس في القرآن ما يدل على نبوتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(1/1312)
اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من الشيخ القرضاوي مرة يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجتهد ويخطيء أحيانا ولكن الوحي يصحح له.. واستغربت جدا من هذه المقولة
فهل كان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يخطيء؟ إذن فما معنى عصمة الرسول عليه الصلاة والسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكره فضيلة الشيخ القرضاوي صحيح، وراجع الفتوى رقم: 3217، والفتوى رقم: 6901.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(1/1313)
عصمة الأنبياء من الصغائر محل اختلاف بين العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا على هذا الموقع وبعد:
فما مدى صحة أن العلماء اختلفوا فيما إذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام معصومون من الصغائر أم لا وأي القولين أرجح وماذا على من اعتقد الأول لفترة معينة؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن جمهور العلماء على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر فقط، والدليل على ذلك مفصل في الفتوى رقم: 6901.
ومن العلماء من يرى أنهم معصومون من الصغائر والكبائر، ومن هؤلاء القاضي عياض في كتابه الشفاء، حيث ذكر بحثاً طويلاً في هذا الموضوع قال فيه: وعصمته وتنزيهه عن الكبائر إجماعاً وعن الصغائر تحقيقاً.
وعليه، فالخلاصة أن عدم عصمة الأنبياء من الصغائر، وجواز وقوعها منهم هو قول أكثر العلماء، ومع ذلك نقول للسائل: إن عليه أن يطلع على الراجح عند أهل العلم، ولا إثم -إن شاء الله تعالى- على من اعتقد عصمتهم من الصغائر، لوجود من يرى ذلك من العلماء، ولأن المسألة محل نزاع وأخذ وردٍّ بين أهل العلم، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى رسالة حول هل الأنبياء معصومون من الصغائر أم لا فتنبغي مراجعتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1424(1/1314)
عصمة الأنبياء ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل الانبياء عليهم السلام معصومون من الأخطاء ... أرجو أن تقيدونا بدليل من القرآن الكريم والسنة
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من كبائر الذنوب، ومعصومون في التبليغ عن الله تبارك وتعالى، فلا يكتمون شيئاً مما أوحاه الله إليهم، ولا يزيدون عليه من عند أنفسهم، وأما صغائر الذنوب فربما تقع منهم أو من بعضهم، ولهذا ذهب أكثر أهل العلم إلى أنهم غير معصومين منها، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يقرون عليها بل ينبههم الله تبارك وتعالى عليها فيبادرون بالتوبة منها، ولا يستقرون عليها.
هذا في الأمور الدينية، وأما في الأمور الدنيوية، فيجوز عليهم الخطأ فيها مع تمام عقلهم، وسداد رأيهم، وقوة بصيرتهم.
فقد روى مسلم في صحيحه عن رافع بن خديج قَالَ: قَدِمَ نَبِيّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ. وَهُمْ يَأْبُرُونَ النّخْلَ. يَقُولُونَ يُلَقّحُونَ النّخْلَ. فَقَالَ: "مَا تَصْنَعُونَ؟ " قَالُوا: كُنّا نَصْنَعُهُ. قَالَ: "لَعَلّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْراً" فَتَرَكُوهُ. فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ. قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: "إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ. وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ، فَإِنّمَا أَنَا بَشَرٌ"
ويشبه ذلك ما وقع يوم بدر مع الحباب بن المنذر، وما وقع يوم الأحزاب مع السعدين بشأن مداراة غطفان من ثمار المدينة.
ولمزيد من التفصيل والفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم 6901
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1423(1/1315)
المراد بعصمة أهل البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سؤالي هوهل صحيح أن عمر بن الخطاب هو الذي حرم زواج المتعة؟
يقول بعض الناس إن آل البيت معصومون من الخطأ ويستدلون على ذلك بقوله عز وجل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) . ما قول فضيلة الشيخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حرم نكاح المتعة، وليس عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد سبق تفصيل هذا في الفتوى رقم: 485.
وأما قول من قالوا: إن أهل البيت معصومون، ويستدلون بقول الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب:33] .
فقد أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه منهاج السنة النبوية فقال: وتحقيق ذلك في مقامين أحدهما: أن قوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، كقوله: (ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج) ، وكقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ، وكقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) [النساء: 26-27] .
فإن إرادة الله في هذه الآيات متضمنة لمحبة الله لذلك المراد، ورضاه به، وأنه شرعه للمؤمنين وأمرهم به، وليس في ذلك أنه خلق هذا المراد، ولا أنه قضاه وقدره، ولا أنه يكون لا محالة.
والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً" فطلب من الله لهم إذهاب الرجس والتطهير، فلو كانت الآية تتضمن إخبار الله بأنه قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم لم يحتج إلى الطلب والدعاء، وهذا على قول القدرية أظهر، فإن إرادة الله عندهم لا تتضمن وجود المراد، بل قد يريد ما لا يكون ويكون ما لا يريد، فليس في كونه تعالى مريداً لذلك ما يدل على وقوعه.
وهذا وأمثاله قدرية، فكيف يحتجون بقوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب:33] على وقوع المراد، وعندهم أن الله قد أراد إيمان من على وجه الأرض، فلم يقع مراده؟
وأما على قول أهل الإثبات، فالتحقيق في ذلك أن الإرادة في كتاب الله نوعان:
إرادة شرعية دينية تتضمن محبته ورضاه.
ورادة كونية قدرية تتضمن خلقه وتقديره.
الأولى: مثل هؤلاء الآيات، والثانية: مثل قوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) [الأنعام:125] .
وقول نوح: (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [هود:34] . والله قد أخبر أنه يريد أن يتوب على المؤمنين وأن يطهرهم، وفيهم من تاب وفيهم من لم يتب، وفيهم من تطهر وفيهم من لم يتطهر، وإذا كانت الآية دالة على وقوع ما أراده من التطهير وإذهاب الرجس لم يلزم بمجرد الآية ثبوت ما ادعاه ...
ثم نقول في المقام الثاني: هب أن القرآن دل على طهارتهم، وإذهاب الرجس عنهم، كما أن الدعاء المستجاب لابد أن يتحقق معه طهارة المدعو لهم، وإذهاب الرجس عنهم، لكن ليس في ذلك ما يدل على العصمة من الخطأ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1422(1/1316)
الرؤية الصحيحة في الجمع بين عصمة الأنبياء وصدور الخطأ منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوفق بين عصمة الأنبياء ووقوعهم فى بعض الأخطاء (قتل موسى لرجل مثلا) .. أفيدونا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الرسل والأنبياء بشر من البشر، قد عصمهم الله من بعض المعاصي مثل: الذنوب التي نسبها اليهود والنصارى إليهم، إذ لا يمكن أن تقع من أحد من الأنبياء بحال من الأحوال، وقد عصمهم الله أيضاً في تحمل الرسالة وتبليغها، وبذلك يصل الوحي إلى الذين أرسل إليهم كافياً وافياً، كما أراده الله جل وعلا، إلا أن هذه العصمة لا تلازمهم في كل أمورهم، فقد تقع منهم المخالفة الصغيرة، بحكم كونهم بشراً، ولكن رحمة الله تتداركهم، فينبههم الله إلى خطئهم، ويوفقهم للتوبه والأوبة إليه، وبهذا يمكن الجمع بين عصمتهم، وجواز صدور الخطأ منهم، فهم معصومون من كبائر الذنوب، وفي تحمل الرسالة ومتعلقاتها بخلاف الصغائر، ولمزيد من التفصيل في الموضوع ينظر الجواب رقم: 6901.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1422(1/1317)
عصمة الأنبياء من الكبائر دون الصغائر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الرسول معصوم من الصغائر؟ ماهي عقيدة السلف في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اتفقت الأمة على أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة، فلا ينسون شيئاً مما أوحاه الله إليهم، إلا شيئاً قد نسخ، وقد تكفل الله جل وعلا لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقرئه فلا ينسى، إلا شيئاً أراد الله أن ينسيه إياه وتكفل له بأن يجمع له القرآن في صدره. قال تعالى. (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) [الأعلى:7] وقال تعالى (إن علينا جمعه وقرآنه* فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) [القيامة:17 /18] فهم معصومون في التبليغ عن رب العزة سبحانه وتعالى، ولا يكتمون شيئاً مما أوحاه الله إليهم. قال تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدى القوم الكافرين) [المائدة: 67] وهم معصومون أيضا من الوقوع في الكبائر، وأما الصغائر فأكثر علماء الإسلام على أنهم ليسوا بمعصومين منها، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يقرون عليها.
قال ابن تيمية: القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدى أن هذا قول الأشعرية، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول. والدليل على وقوع الصغائر منهم مع عدم إقرارهم عليها:
- قوله تعالى عن آدم: (وعصى آدم ربه فغوى* ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) [طه: 121/122] وهذا دليل على وقوع المعصية من آدم، وعدم إقراره عليها، مع توبته إلى الله منها.
- قوله تعالى (قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين* قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم) [القصص: 15/16] . فموسى اعترف بذنبه وطلب المغفرة من الله بعد قتله القبطي، وقد غفر الله له ذنبه. وقوله تعالى: (فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) [ص: 23/24] وكانت معصية داود هي التسرع في الحكم قبل أن يسمع من الخصم الثاني.
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يعاتبه ربه سبحانه وتعالى في أمور كثيرة ذكرت في القرآن، منها قوله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم) [التحريم: 1] وكذا عاتبه في الأسرى، وفي خبر ابن أم مكتوم.
- وقد يستعظم بعض الناس مثل هذا ويذهبون إلى تأويل النصوص من الكتاب والسنة الدالة على هذا ويحرفونها. والدافع لهم إلى هذا القول شبهتان: الأولى: أن الله تعالى أمر باتباع الرسل والتأسي بهم، والأمر باتباعهم يستلزم أن يكون كل ما صدر عنهم محلاً للاتباع، وأن كل فعل، أو اعتقاد منهم طاعة، ولو جاز أن يقع الرسول في معصية لحصل التناقض، لأن ذلك يقتضي أن يجتمع في هذه المعصية التي وقعت من الرسول الأمر باتباعها وفعلها، من حيث إننا مأمورون بالتأسي به، والنهى عن موافقتها، من حيث كونها معصية.
- وهذه الشبهة صحيحة وفي محلها لو كانت المعصية خافية غير ظاهرة بحيث تختلط بالطاعة، ولكن الله تعالى ينبه رسله ويبين لهم المخالفة، ويوفقهم إلى التوبة منها من غير تأخير.
الثانية: أن الذنوب تنافي الكمال وأنها نقص. وهذا صحيح إن لم يصاحبها توبة، فإن التوبة تغفر الحوبة، ولا تنافي الكمال، ولا يتوجه إلى صاحبها اللوم، بل إن العبد في كثير من الأحيان يكون بعد توبته خيراً منه قبل وقوعه في المعصية كما نقل عن بعض السلف (كان داود عليه السلام بعد التوبة خيراً منه قبل الخطيئة) وقال آخر: (لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه) .
ومعلوم أنه لم يقع ذنب من نبي إلا وقد سارع إلى التوبة والاستغفار، فالأنبياء لا يقرون على ذنب، ولا يؤخرون توبة، فالله عصمهم من ذلك، وهم بعد التوبة أكمل منهم قبلها. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1421(1/1318)
المسلم لا يفرق بين أحد من رسل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[شيوخنا الكرام، أنا شاب مسلم أسكن في السويد، وأدرس حالياً في أحد المعاهد المحلية، وقد حدث ذات يوم نقاش بيني (كمسلم) وبين الطلاب وأستاذ علم المجتمع حيث إن الموضوع كان حول الرسوم المسيئة للنبي -عليه الصلاة والسلام- في الصحف الغربية فسألني شخص نصراني عن سبب سكوتنا للرسوم التي عرضت في إحدى الكنائس السويدية والتي تصور عيسى -عليه الصلاة والسلام- على أنه مثلي (شاذ جنسياً) ، فأجبته بأن أهل الكتاب قاموا في عهد محمد –صلى الله عليه وسلم- بوصف الله -سبحانه وتعالى- وملائكته ورسله بأوصاف لا تليق بهم فلو أننا حاسبناهم بكل تحريف وتزوير اقترفته أيديهم في الكتب السماوية لقمنا بإبادتهم جميعاً وهذا ما لم يأمرنا الله به بل أمرنا كما هو مبين في كتابه العزيز: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَِ) [النحل:125] . أما عند قيامهم بسب رسولنا الكريم -عليه الصلاة والسلام- فإنهم بذلك يسبون الله –سبحانه وتعالى- وملائكته وكتبه ورسله الذين عرفنا الرسول-صلى الله عليه وسلم- بهم عن طريق كتابنا المحفوظ وليس عن طريق كتب اليهود والنصارى المحرفة.
سؤالي هو إذا ما كان جوابي صائبا أم أنني أخطأت في شيء أو حتى أشياء أجهلها؟ وهل لديكم أي نصائح أخرى تودون إعلامي بها في هذا الشأن؟
ملاحظة: إن حادثة تمثيل عيسى -عليه الصلاة والسلام- على أنه شاذ جنسياً قد وقعت فعلاً في إحدى الكنائس السويدية إذ لم يقم العاملون في تلك الكنيسة بإنكاره، والهدف من وراء ذلك هو إعطاء المثليين (الشاذين جنسياً) الحق في الزواج في الكنائس والقيام بالمزيد من التحريف في كتبهم المحرفة أصلاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم لا يقر بحال التنقص من عيسى صلى الله عليه وسلم ولا من أحد من الأنبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام، بل ينكر ذلك بالأسلوب المناسب حسب مقتضى الحال وحسب القدرة، وكان على المسلمين أن يغضبوا لعيسى وينتصروا له ويذبوا عنه فالمسلم لا يفرق بين أحد من الرسل لقوله تعالى: آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ {البقرة: 285} وما ذكرته من تحريف أهل الكتاب للكتب المنزلة وإيذائهم لله ورسله أمر صحيح، وقد شرع الإسلام دعوتهم للتوبة والإيمان، فقد عرض الله عليهم التوبة والاستغفار ووعدهم برحمته فقال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: 73 ـ 74} وراجع الفتوى رقم: 71536، والفتوى رقم: 71157.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1427(1/1319)
نشر الصور المسيئة لسيد المرسلين بغرض الاستنكار
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وصلني قبل فترة ايميل لاستنكار ما نشره الدنماركيين الحقاد ونفس الايميل كان فيه الرسوم الكاريكوتورية ... فأنا نشرته الى زملائي بغرض استنكار ما حصل وليس بغرض نشرها ... فهل أنا آثمة. وماذا يجب أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي نراه أنه لا يجوز نشر هذه الصور التي تسيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن نشرها لا يخلو من مفاسد، كالترويج لها ونحو ذلك، وبما أنك لم يكن لك قصد سيء من نشرها فنرجو أن لا حرج عليك في ذلك، ولا تعودي لنشرها مرة أخرى، وإن أمكنك نصح من قد سبق أن أرسلتها إليهم أو غيرهم بعدم نشرها فافعلي، وراجعي للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 71531، والفتوى رقم: 71536.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1427(1/1320)
رؤية الصور المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيمن أراد رؤية الصور التي نشرتها الصحف الغربية والمسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع العلم بأن القصد من ذلك الإساءة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي للمسلم أو المسلمة السعي إلى رؤية الصور التي قصد بها الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا مصلحة تعود إليه من رؤيته هذه الصور، بل وربما ترتب على ذلك بعض المفاسد كالترويج لهذه الصور ونحو ذلك، وربما لا نكون قد جانبنا الصواب إذا ذهبنا إلى القول بعدم جواز رؤيتها، وتراجع الفتوى رقم: 71531، والفتوى رقم: 71536.
وأما قصد الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز سواء كان ذلك بالصور ورؤيتها ونشرها أو كان بغير الصور من مقال ونحو ذلك، وقد سبق أن بينا أن سب النبي صلى الله عليه وسلم كفر، وتراجع في هذا الفتوى رقم: 1845.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1427(1/1321)
موقف زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من عدم الإنجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كان موقف أمهات المؤمنين من عدم الإنجاب، وخصوصا السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن موقف زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من عدم الإنجاب هو موقف المؤمن المسلِّم بقول الله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى: 49-50] .
إلا أن تمني النفس للولد أمر فطري عند الرجال والنساء، وهو عند النساء أشد، وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله كل نسائك لها كنية غيري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتني، أنت أم عبد الله، فكان يُقال لها أم عبد الله حتى ماتت، ولم تلد قط. ورواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في السلسلة برقم 132، وللمزيد من المعلومات عن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6665،
12668،
20780،
1462،
6955،
34511، 24581.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1424(1/1322)
شبهات حول الإسلام وردها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي 20 سنة وكنت أعيش حياة مثل أكثر الشباب، وعند بداية استقامتي رأيت بعض شبهات أعداء الإسلام، وبدأت أشك في الدين وحاولت أن أمنع نفسي ولكني لا أقدر، ويحصل صراع بداخلي.
مثلا إن المسلمين متخلفون جدا، وكيف يكون سيدنا عيسى عليه السلام لم يقل أنا الله وهناك لوقا ومتى وبولص وإسحاق كتبوا الإنجيل، وكلهم يتفقون على أنه يقول إنه هو الله؟ وأين الحواريون على حسب الدين الإسلامي الذين قال لهم سيدنا عيسى إنه رسول الله، لماذا لم يخبر أحد ذلك عند ما ولد سيدنا محمد؟ وكيف كان سيدنا محمد لم يعبد صنما وفي سورة المدثر يقول تعالى: والرجز فاهجر؟
وأيضا عذاب القبر موضوع إن العذاب يقع على الجسد كيف والجسد يتحلل؟ وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام لما اضجع في قبر السيدة فاطمة؟ وكيف يكون إبليس من الملائكة؟
أحيانا أحس أن الوسواس الذي بداخلي يقول اذهب لقس يفهمك كتابهم، وأنت قارن من أجل إذا كنت أنت على خطأ ستخلد في النار، وأنا أطالع الإعجاز العلمي لكي أثبت قليلا. وهل الإعجاز العلمي صحيح أم خدع كما يدعى النصارى؟ وأيضا شبهة أن الرسول تزوج السيدة عائشة عند تسع سنين؟ وأن النصارى متقدمون ومعهم إمكانيات مادية وهم يساندون بعضهم، ونحن في تخلف وفقر ونكره بعضا؟ وأرجو كتابة موقع إعجاز علمي يكون معروفا وموقع للذين أسلموا، وأرجو كتابة رد مفصل على رسالتي؟ وآسف على الإطالة لكن أكيد فضليتكم تحسون بالعذاب الذي أنا فيه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعافيك من تلك الوساوس، وأن يريك الحق حقا ويرزقك اتباعه، وأن يريك الباطل باطلا ويرزقك اجتنابه.
واعلم أخي الحبيب أن إلقاء الشيطان للشبهات في قلب مريدي الاستقامة أمر عادي ومعروف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وَكُلَّمَا أَرَادَ الْعَبْدُ تَوَجُّهًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَلْبِهِ جَاءَ مِنْ الْوَسْوَاسِ أُمُورٌ أُخْرَى، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ بِمَنْزِلَةِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، كُلَّمَا أَرَادَ الْعَبْدُ يَسِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَرَادَ قَطْعَ الطَّرِيقِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ لِبَعْضِ السَّلَفِ: إنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ: لَا نُوَسْوَسُ، فَقَالَ: صَدَقُوا، وَمَا يَصْنَعُ الشَّيْطَانُ بِالْبَيْتِ الْخَرَابِ؟ !. .
وأما تفصيل الرد عن الشبهات المذكورة فنقول:
أما كون المسلمين صاروا متخلفين، فهذا بشؤم بعدهم عن تحكيم منهج الله في الحياة والذي يحث على الأخذ بأسباب الفلاح في الدنيا والآخرة وعلى الاجتماع وموالاة بعضنا بعضا؛ فإن المسلمين لما كانوا متمسكين بدينهم سادوا العالم، في الوقت الذي تخلف فيه النصارى وغيرهم وتأخروا، والتاريخ شاهد على ذلك.
وأما تقدم غيرهم الآن فهو بسبب أخذهم بأسباب التقدم المادي، وسنة الله لا تحابي أحدا، إلا أن ذلك لا يستلزم رضا الله عن هؤلاء الكفار. قال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ. {الأنعام:44} .
وأما كون عيسى عليه السلام لم يقل: أنا الله، فهذه هي الحقيقة، بل إن الأناجيل الموجودة بأيدي النصارى اليوم ليس فيها ما يدل على أن المسيح قد قال أنا الله، أو أمر الناس بعبادته، وإنما هذا من غلو النصارى فيه، ومن كلام كاتبي الأناجيل، وليس منقولا من نص المسيح عليه السلام، وإنما غاية ما ورد في الأناجيل كلمات محتملة كوصفه بأنه ابن الله، علما بأن مصطلح (ابن الله) و (أبناء الله) قد تكررت في كتبهم في حق أناس غير المسيح، ومع ذلك لم يقل النصارى بألوهيتهم، فضلا عن أن هذه الأناجيل كلها منقطعة الأسانيد، فلا تعدو أن تناظر عندنا حديثا ضعيفا منقطعا، فانظر لنفسك إن جاءك حديث ضعيف يوهم ظاهره معنى شركيا، ويخالف ما علمته من الدين بالضرورة من توحيد الله عز وجل، هل كنت ترضى أن تبني عليه أيّ حكم شرعي ولو كان حكما فرعيا جزئيا؟ فكيف إذن بهدم ملة إبراهيم الحنيفية القيمة والخروج عن عقائد جميع الأنبياء والمرسلين، بما في ذلك عقيدة المسيح ونصوص الإنجيل الكثيرة الصريحة في توحيد الله بألوهيته؟! كيف بهدم كل هذا بمجرد كلام منقطع السند لم تثبت صحته، وظاهره ظني محتمل؟! إن ذلك لمن أبطل الباطل.
ولا شك أن الحواريين قد ماتوا جميعا قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أنه كانت لا تزال هناك قلة من النصارى على دين المسيح الحق، فمثلا في قصة إسلام سلمان الفارسي أنه قد التقى ببعض النصارى الذين كانوا على دين المسيح الصحيح، وانظر الفتوى رقم: 59186. وانظر أيضا خبر بحيرا الراهب في الفتوى رقم: 94665.
وعلى ذلك فليس بصواب أن تذهب إلى قس من أجل فهم الإنجيل؛ لأنه سيضلك ويلبس عليك، وهل ضلال عامة النصارى في فهم كتبهم إلا بسبب أمثال هؤلاء القساوسة. وانظر الفتوى رقم: 126326. وما أحيل عليه فيها.
واعلم أخي الحبيب أن الوصول إلى الحق وتيقنه والتحرر من الوساوس لا يكون بالإصغاء إلى أهل الباطل وشبهاتهم، وإنما يكون بالالتجاء والتضرع إلى الله جل وعلا. وقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. رواه مسلم.
وننصحك بقراءة كتاب إظهار الحق لرحمة الله الهندي. ففيه ما يروي الغليل عما يتعلق بالأناجيل وضعف نسبتها، وبيان مدى تناقضها، وأيضا بيان أنها تقرر عقيدة التوحيد لا التثليث.
وأما قوله تعالى: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ. {المدثر:5} . فلا يستلزم تلبسه عليه الصلاة والسلام بالمنهي عنه، وإنما المراد أمره بالمداومة على ذلك الهجر، أو المراد تقرير مبدأ عام للأمة، وإنما وجه الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام لأنه قدوة هذه الأمة وإمامها.
قال الفخر الرازي: احتج من جوز المعاصي على الأنبياء بهذه الآية. قال: لولا أنه كان مشتغلاً بها وإلا لما زجر عنها بقوله {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} والجواب: المراد منه الأمر بالمداومة على ذلك الهجران، كما أن المسلم إذا قال: اهدنا، فليس معناه أنا لسنا على الهداية فاهدنا، بل المراد: ثبتنا على هذه الهداية، فكذا ههنا. مفاتيح الغيب.
وقال الدكتور وهبة الزحيلي: والنهي عن جميع ذلك لا يعني تلبسه بشيء منها وإنما يبدأ به لكونه قدوة، وللمداومة على الهجران، فهو كقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ. {الأحزاب 1} وقوله سبحانه: وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ، وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ. {الأعراف 142} . فمثل هذا الخطاب للنبي يراد به الأمر بالدوام والمتابعة، واستمرار تجنب الفساد. التفسير المنير.
وأما عذاب القبر ووقوعه على الروح وعلى الجسد حتى لو تحلل، فهو من أمور الغيب التي تحكمها نواميس وقوانين خاصة، فلا يصح عقلا ولا شرعا قياس حياة البرزخ على الحياة الدنيا، ولا إخضاعها لقوانين ونواميس الحياة الدنيا. وانظر الفتوى رقم: 4314.
وعن ابن عباس قال: لما ماتت فاطمة أم علي خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه وألبسها إياه واضطجع في قبرها، فلما سوى عليها التراب قال بعضهم: يا رسول الله! رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه بأحد؟ قال: إني ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة، واضطجعت معها في قبرها لأخفف عنها من ضغطة القبر، إنها كانت أحسن خلق الله صنيعا إلي بعد أبي طالب. رواه أبو نعيم في المعرفة والديلمي، كما في كنز العمال وقال: سنده حسن.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الأوسط وفيه سعدان بن الوليد ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
وهذا على اعتبار ثبوته، فهو من أمور الغيب التي نؤمن بها دون خوض في تفاصيلها؛ لأننا لا نعلم حقيقة عالم البرزخ، كما أننا لا ندري حقائق اليوم الآخر، وإن كنا نعلم أشياء مما شاء الله أن يطلعنا عليه.
أما كون إبليس من الملائكة فهذا مما اختلفت فيه أقوال العلماء. وانظر الفتاوى ذوات الأرقام: 26059، 26445، 68139.
وفيما يتعلق بزواجه عليه الصلاة والسلام بعائشة راجع الفتوى رقم: 108347. وما أحيل عليه فيها.
وأما الإعجاز العلمي فهو أحد وجوه الإعجاز الصحيحة، لكن يجب مراعاة الضوابط والقيود اللازمة عند تفسير نصوص الكتاب والسنة. وراجع بشأن ذلك الفتوى رقم: 103103. وما أحيل عليه فيها.
وبخصوص مواقع الإعجاز العلمي راجع الفتوى رقم: 122603. وما أحيل عليه فيها من فتاوى.
وانظر لمزيد الفائدة الفتاوى: 56402، 47095، 122603.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1430(1/1323)
لم يثبت أن هناك وصية توارثها الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[الوصية التي فيها ميراث العلم، وآثار علم النبوة التي دفعها آدم صلى الله عليه وسلم إلى شيث، والتي توصى الأوصياء عليه إلى أن وصلت إلى محمد صلى الله عليه وسلم. من الذين توصى عليهم من بعد موت محمد (ص) ؟ وما في داخل تلك الوصية؟ وأين هي؟ وهل الوصية مازال يتواصى عليها الأوصياء؟ وهل تصل إلى المهدي المنتظر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم دليلا صحيحا يفيد أن هنالك وصية دفعها آدم عليه السلام إلى ابنه شيث ثم دفعها شيث إلى من بعده.
ولكن جاء مثل هذا في أثر طويل رواه أبو الشيخ في العظمة عن محمد بن جعفر عن أبيه. ولكنه أولا ليس حديثا مرفوعا، إضافة إلى أن كتاب العظمة من مظان الأحاديث والآثار الضعيفة أو المكذوبة.
ونود أن ننبهك إلى أنه لا ينبغي للمسلم الاكتفاء بالحرف (ص) اختصارا للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ولمزيد الفائدة بهذا الخصوص يمكنك مطالعة الفتوى رقم: 7334.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1430(1/1324)
دحض شبهة اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بالسحر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الرد على من يقول إن الرسول ساحر؟ وإن الغيوب التي حدثت ما هي إلا من الجن. مبينا مدى السحر.
أرجو إجابة مفصلة لتكون حجة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فإن من الواضح أن هذا الكلام لا يقول به مؤمن، والرد العقلي عليه كما قال الشيخ على الشحود: أنه لو كان ساحرا كما يزعمون لسحر الكفار حتى يؤمنوا به.
ومن المعلوم أنه توفي أقرب المقربين إليه كافرا، وهو عمه الذي كان حريصا على هداه، وأنزل الله في شأنه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص:56}
ويرد على دعواه أنه أخذ من الجن بأن جزالة ألفاظ القرآن وقوة أسلوبه بعيدة من كلام الجن، وقد قال الله تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ {النحل:103}
ومن المعلوم أن الصحابة رأي جماعة منهم جبريل عليه السلام، وكانوا يعلمون حال الرسول عند نزول الوحي عليه، ولم يؤثر أن أحدا منهم رأي جنيا يحدث الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد شهد الجاهليون بأن القرآن لا يشبه كلام الجن.
وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكآنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فسلم، قال يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا، قال لم؟ قال ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض ما قبله، قال قد علمت قريش أني أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا أنك منكر له، قال: وماذا أقول؟ فوالله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيدة مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله إنه لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1430(1/1325)
شبهات وجوابها حول رفع عيسى عليه السلام ونزوله في آخر الزمان
[السُّؤَالُ]
ـ[إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة. سورة آل عمران، الآية55.
السؤال: حسب هذا الكلام المسيح مات، لكن في سورة النساء 157 يقول: وما قتلوه وما صلبوه. أيهما الصحيح؟ ثم يقول إنه جعل الذين اتبعوا المسيح فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة. لماذا لم يؤمن به محمد صلى الله عليه وسلم؟ لماذا لم يدعو الناس إلى الإيمان به وانتهى الأمر؟ لماذا لم يتبعه هو لكي يصبح فوق الذين كفروا؟ ما هي الحاجة إلى ديانة جديدة وتعليم جديد؟ ألا تحتاج هذه الأسئلة إلى جواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكره الله تعالى في الآية الواردة في سؤال السائل وهي قوله سبحانه: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا. {النساء:157} يؤكد نفي قتل عيسى عليه الصلاة والسلام الذي زعمه اليهود وأقرهم عليه المنحرفون عقلا ومعتقدا من المدعين للنصرانية، فالذين زعموا أن عيسى قد مات، قالوا إنه لا سبب لذلك الموت، إلا أن اليهود قتلوه وصلبوه، فإذا تحقق نفي هذا السبب وقطعهم أنه لم يمت بسبب غيره، تحققنا أنه لم يمت أصلا، وذلك السبب الذي زعموه، منفي يقينا بلا شك، لأن الله جل وعلا قال: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ. {النساء:157} . وقال تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ. {النساء:158} . كما قال الشيخ الأمين الشنقيطي في الأضواء:
فقد نفى الله تعالى قتل عيسى فقال عز من قائل: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم. فقد جزم القرآن الكريم بأن عيسى عليه السلام لم يقتل كما زعم اليهود والنصارى، بل رفعه الله تعالى إليه، كما قال تعالى: ... وما قتلوه يقينا، بل رفعه الله إليه..
وهذا لا يعارض قوله تعالى: إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون. [آل عمران: 55] .
وذلك أنه لم يرد في الآية نص يدل على موت عيسى عليه السلام الموتة النهائية، بل لم يأت فيها الموت الذي ذكر السائل وإنما الذي ورد لفظ التوفي، وهو لا ينحصر معناه في الموت، بل يحتمل معاني أخرى منها التوفي بمعنى أخذ الشيء وقبضه يقال توفى دينه: أخذه كاملا، فيكون المراد أنه قبضه الله ورفعه إليه. فقد جاء في تفسير القرطبي في معنى قوله تعالى: متوفيك. ما يلي: وقال الحسن وابن جريج: معنى متوفيك قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت، مثل توفيت مالي من فلان أي قبضته.. وقال ابن زيد: متوفيك قابضك، ومتوفيك ورافعك واحد ولم يمت بعد. والصحيح أن الله تعالى رفعه إلى السماء من غير وفاة ولا نوم كما قال الحسن ابن زيد، وهو اختيار الطبري، وهو الصحيح عن ابن عباس. اهـ
وقال الإمام ابن تيمية ردا على من ادعى موته: فهذا دليل على أنه لم يعن بذلك الموت إذ لو أراد بذلك الموت، لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين، فإن الله يقبض أرواحهم ويعرج بها إلى السماء، فعلم أن ليس في ذلك خاصية، وكذلك قوله: ومطهرك من الذين كفروا. ولو كانت قد فارقت روحه جسده، لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء، أو غيره من الأنبياء.
وقد قال الله تعالى في الآية الأخرى: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه. يبين أنه رفع بدنه وروحه، كما ثبت في الصحيح أنه ينزل ببدنه وروحه، إذا لو أريد موته لقال: وما قتلوه وما صلبوه بل مات.
ولهذا قال من قال من العلماء: إني متوفيك، أي قابضك أي: قابض روحك وبدنك، يقال: توفيت الحساب واستوفيته.
ولفظ التوفي لا يقتضي نفسه توفي الروح والبدن، ولا توفيهما جميعا إلا بقرينة منفصلة، وقد يراد به توفي النوم، كقوله تعالى: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. [الزمر:42] . انتهى.
وقال الشيخ الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: دلالة قوله تعالى: متوفيك. على موت عيسى فعلا، منفية من أربعة أوجه: أولها أن: متوفيك. حقيقة لغوية في أخذه بروحه وجسمه.
الث اني: أن متوفيك. وصف محتمل للحال والاستقبال والماضي، ولا دليل في الآية على أن ذلك التوفي قد وقع ومضى بل السنة المتواترة والقرآن دالان على خلاف ذلك.
الثالث: أنه توفي نوم، وقد ذكرنا الآيات الدالة على أن النوم يطلق عليه الوفاة، فكل من النوم والموت، يصدق عليه اسم التوف، وهما مشتركان في الاستعمال العرفي.
وأما الوجه الرابع: أن الذين زعموا أن عيسى قد مات، قالوا إنه لا سبب لذلك الموت، إلا أن اليهود قتلوه وصلبوه، فإذا تحقق نفي هذا السبب وقطعهم أنه لم يمت بسبب غيره، تحققنا أنه لم يمت أصلا، وذلك السبب الذي زعموه منفي يقينا بلا شك، لأن الله جل وعلا قال: وما قتلوه وما صلبوه. وقال تعالى: وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه.
وضمير رفعه ظاهر في رفع الجسم والروح معا كما لا يخفى. اهـ
وأما قول الله تعالى: ... وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. {آل عمران:55} . فإنه يدل على فضل اتباع عيسى والإيمان به، والله تعالى أمر نبيه بالإيمان بعيسى وغيره من الأنبياء وأمر بذلك أمته كما في قوله تعالى: قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. {آل عمران:136} . وقوله تعالى: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون.
ولا يمنع الإيمان بعيسى أن يرسل الله نبيا بعده كما بعث الله عيسى في بني إسرائيل وكان مؤمنا بموسى مصدقا برسالته، وقد بشر عيسى ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعده فقد قال الله تعالى: وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين. وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ. {الصف:6} .
ونحن نجزم أن المؤمنين بعيسى المتبعين له هم محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمون المؤمنون برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبمن قبله من الرسل، فهم يؤمنون برسالة عيسى وبراءته مما اتهمه به اليهود، ويؤمنون بالرسول الذي بشر به عيسى، وهم الذين سيكونون لعيسى أنصارا إذا نزل في آخر الزمن. فقد قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أتباع النبي صلى الله عليه وسلم هم أتباع الأنبياء حقيقة فهم المؤمنون بالمسيح حقا. اهـ.
وقبل قيام الساعة سينزل عيسى عليه السلام حكما عدلا يحكم بشريعة الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد. متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس بيني وبينه نبي ـ يعني عيسى عليه السلام ـ وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصرتين، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون. رواه أبو داود.
وإن من أعجب الأعاجيب ما انطلى على النصارى من أوهام اليهود وأكاذيبهم فإنهم يعتقدون صدقهم في كونهم قتلوا المسيح وصلبوه ومع ذلك يخدمونهم وينصرونهم، ويعتقد كثير صدق أكاذيب بولس ومن تابعه في بنوة عيسى لله تعالى، تعالى الله أن يكون له ولد، ومع ذلك يقرون دعوى اليهود أنهم قتلوه فهل يرون أن اليهود غلبوا الله أم أنهم سعوا في رضاه بقتل عيسى أم ماذا؟ ولله در القائل:
عجبا للمسيح بين النصارى * ... ... وإلى أي والد نسبوه
أسلموه إلى اليهود وقالوا * ... ... إنهم بعد قتله صلبوه
فإذا كان ما يقولون حقا ... * ... وصحيحا فأين كان أبوه
حين خلى ابنه رهين الأعادي * أتراهم أرضوه أم أغضبوه
فلئن كان راضيا بأذاهم * ... ... ... فاحمدوهم لأنهم قتلوه
ولئن كان ساخطا فاتركوه * ... واعبدوهم لأنهم غلبوه
وقد أحسن ابن القيم رحمه الله إذ يقول:
أعباد المسيح لنا سؤال ... ... نريد جوابه ممن وعاه
إذا مات الإله بصنع قوم ... ... أماتوه فما هذا الإله
وهل أرضاه ما نالوه منه ... فبشراهم إذا نالوا رضاه
وإن سخط الذي فعلوه فيه ... فقوتهم إذا أوهت قواه
وهل بقي الوجود بلا إله ... سميع يستجيب لمن دعاه
وهل خلت الطباق السبع لما ثوى تحت التراب وقد علاه
وهل خلت العوالم من إله ... ... يدبرها وقد سمرت يداه
وكيف تخلت الأملاك عنه بنصرهم وقد سمعوا بكاه
وكيف أطاقت الخشبات حمل الإله الحق شد على قفاه
وهل عاد المسيح إلى حياة ... أم المحيي له رب سواه
ويا عجبا لقبر ضم ربا ... ... وأعجب منه بطن قد حواه
أقام هناك تسعا من شهور لدى الظلمات من حيض غذاه
وشق الفرج مولودا صغيرا ... ضعيفا فاتحا للثدي فاه
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي ... ... بلازم ذاك هل هذا إله
تعالى الله عن إفك النصارى سيسأل كلهم عما افتراه
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1430(1/1326)
جواب شبهة حول موقف يوسف عليه السلام من إخوته
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة يوسف: اتهم إخوته بالسرقة وشهربهم. فهل يعقل من نبي هذا التصرف?
وإذا كان الغرض منها أخذ أخيه ألا توجد طريقة أخرى?
فإذا كان جائزا، فيجوز إذا قتل الأبرياء لإقامة دولة إسلامية مادام الهدف نبيلا، الهدف يبرر الوسيلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي هنا أن ننبه بداية إلى أمرين:
الأول: أن الغاية لا تبرر الوسيلة، فكما ينبغي أن تكون الغاية مشروعة، كذلك ينبغي أن الوسيلة مشروعة، والقاعدة أن الوسائل لها أحكام المقاصد. وقد سبقت فتوى في بيان هذه القاعدة برقم: 50387. وأخرى في بيان ضوابط كون الغاية تبرر الوسيلة برقم: 74667.
الثاني: أن الشريعة مبنية على تحصيل المصالح ودرء المفاسد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع. اهـ.
وقال أيضا: السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها، وذلك ثابت في العقل؛ كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين. اهـ.
ومن ذلك ما حكاه الله تعالى عن الخضر عليه السلام أنه خرق السفينة التي كانت لمساكين حتى لا يستولي عليها الملك الظالم الذي يغصب السفن الصالحة من أصحابها، مع أن خرقها مفسدة؛ لكن لما كان في فعلها دفع لمفسدة هي أعظم منها وهي: ذهاب السفينة بأسرها واستيلاء الظالم عليها، جاز دفع تلك المفسدة العظيمة بما هو أقل فسادا منها وهو الخرق الذي يمكن إصلاحه، قال تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا {الكهف: 79} .
ثم لا يخفى أن بقاء أخي يوسف مع يوسف فيه مصلحة ومنفعة عظيمة لهما، وأما بقاؤه مع إخوته ففيه مفسدة ظاهرة، حيث كانوا يسيئون إليه ويظلمونه، كما هو ظاهر قوله تعالى: وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {يوسف:69} .
قال البغوي في تفسيره: أي: لا تحزن بشيء فعلوه بنا فيما مضى، فإن الله تعالى قد أحسن إلينا. اهـ.
وقد نص بعض المفسرين قديما وحديثا على أن فعل يوسف عليه السلام كان لأجل تحصيل هذه المصلحة، قال ابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل: إنما استحل أن يرميهم بالسرقة لما في ذلك من المصلحة من إمساك أخيه اهـ. وكذلك قال الصابوني في صفوة التفاسير.
وذهب كثير من المفسرين إلى أن هذا الكلام إن كان من يوسف فهو من باب المعاريض.
قال أبو السعود: هذا الخطاب إن كان بأمر يوسف فلعله أريد بالسرقة أخذهم له من أبيه ودخول بنيامين فيه بطريق التغليب، وإلا فهو من قبل المؤذن بناء على زعمه. والأول هو الأظهر الأوفق للسياق اهـ.
وقال الشعراوي في تفسيره: لسائل أن يقول: كيف يتهم يوسف إخوته بسرقة لم يرتكبوها؟ أقول: انظروا إلى دِقَّة القرآن ولنحسن الفهم عنه.. فالآية هنا لا تحدد ماذا سرقوا بالضبط، وهم في نظر يوسف قد سرقوه من أبيه، وألقوه في الجب اهـ.
ومن أهل العلم من نص على أن ذلك كان خطيئة من نبي الله يوسف عليه السلام، وأنه عوقب عليها من جنسها حينما قال له إخوته بعد ذلك: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا {يوسف: 77} .
قال السيوطي في الدر المنثور: أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله -عنهما- قال: عوقب يوسف عليه السلام ثلاث مرات، أما أول مرة فبالحبس لما كان من همه بها، والثانية لقوله: اذكرني عند ربك فلبث في السجن بضع سنين عوقب بطول الحبس، والثالثة حيث قال أيتها العير إنكم لسارقون فاستقبل في وجهه إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ اهـ.
ومن أهل العلم من قال: إن وضع السقاية لم يكن من فعل يوسف أصلا، ذكر ذلك العز بن عبد السلام مع بقية الاحتمالات فقال: جعل السقاية في رحل أخيه عصيان، فعله الكيَّال ولم يأمر به يوسف. أو فعله يوسف فلما فقد الكيال السقاية ظن أنهم سرقوها فقال: {إنكم لسارقون} . أو كانت خطيئة ليوسف جوزي عليه بقولهم: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ} [يوسف: 77] أو كان النداء بأمر يوسف وعنى بالسرقة سرقتهم ليوسف من أبيه وذلك صدق، لأنهم كالسارق لخيانتهم لأبيهم اهـ.
وعلى أية حال فليس هناك أدنى علاقة بين ذلك وبين قتل الأبرياء توسلا لأية غاية، ولا يمكن بحال أن يكون القتل بغير حق سبيلا لإقامة دولة إسلامية
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1430(1/1327)
وجه تحذير الأنبياء من الدجال مع كونه ليس في زمانهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هو كان كل نبي أو رسول يحذر قومه من المسيح الدجال0 مع العلم أنه سيخرج في
آخر الزمان 0 فلماذا كانو يحذرون أقوامهم إذا كان المسيح ليس في زمانهم?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن في خروج الدجال فتنة عظيمة حتى أنه لا يأتي قبل قيام الساعة فتنة أعظم منها فعن هشام بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما بين خلق آدم عليه السلام إلى قيام الساعة أكبر من خلق الدجال أي أكبر فتنة وأعظم شوكة من الدجال.
ولهذا كان الرسل صلوات الله عليهم يحذرون أتباعهم من فتنته، ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ما بعث الله من نبي إلا أنذر قومه الأعور الكذاب إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر.
ولم يرد أن هؤلاء الأنبياء قرنوا ذلك التحذير بإخبار أقوامهم أن ظهور الدجال يكون في زمانهم حتى يرد هذا الأشكال، بل قال العلماء إنهم لم يكونوا يعلمون وقت ظهوره ولم يحذروهم إلا من فتنته وذكر بعض صفاته التي أوحي لهم بها.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح:
وقد استشكل إنذار نوح قومه بالدجال مع أن الأحاديث قد ثبتت أنه يخرج بعد أمور ذكرت وأن عيسى يقتله بعد أن ينزل من السماء فيحكم بالشريعة المحمدية.
والجواب أنه كان وقت خروجه أخفي على نوح ومن بعده فكأنهم أنذروا به ولم يذكر لهم وقت خروجه فحذروا قومه من فتنته ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرقه إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه فإنه محمول على أن ذلك كان قبل أن يتبين له وقت خروجه وعلاماته فكان يجوز أن يخرج في حياته صلى الله عليه وسلم ثم بين له بعد ذلك حاله ووقت خروجه فأخبر به فبذلك تجتمع الأخبار.
وقال ابن العربي إنذار الأنبياء قومهم بأمر الدجال تحذير من الفتن وطمأنينة لها حتى لا يزعزعها عن حسن الاعتقاد وكذلك تقريب النبي صلى الله عليه وسلم له زيادة في التحذير وأشار مع ذلك إلى أنهم إذا كانوا على الإيمان ثابتين دفعو الشبه باليقين. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1429(1/1328)
كلمة لوط لها حقيقة عرفية ودلالة لغوية
[السُّؤَالُ]
ـ[رسالة إلى علماء الأمة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم. رواه البخاري، علماءنا الأفاضل: تعرض نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) في أزمنة ماضية وفي هذا الزمان إلى إساءات من أفواه وأقلام أناس تجهل قدر هذا النبي وفضله وبغض النظر عن جهلها فهي من أعداء الإسلام وأعداء نبي الإسلام وهي لن تدخر جهدا في كل زمان ومكان من أن تسيء وتؤذي المسلمين ونبي المسلمين بأقلامها وأفواهها وأيديها وأرجلها وبكل ما تملك من قوة حتى تجد من يردعها عن فعل ذلك، ونتيجة لذلك يستنفر علماء الأمة طاقاتهم ويبدؤون بعقد المؤتمرات والندوات للتعريف بنبي هذه الأمة ولطلب الاعتذار ممن أساء إلى نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) وهذا والله شيء جميل أن يجد نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) من يدافع عنه ويطلب له الاعتذار رغم أنه (صلى الله عليه وسلم) غني عن هذا لأن الله تعالى يدافع عنه فقد قال تعالى (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) وقال تعالى: (إنا كفيناك المستهزئين) علماءنا الأفاضل: لقد أساء أعداء هذه الأمة إلى نبي هذه الأمة ووجد نبي هذه الأمة من يدافع عنه لكن من يدافع عن نبي من أنبياء الله تعرض للإساءة على ألسنة الكثيرين من علماء هذه الأمة وعامتهم نعم لقد تعرض نبي من أنبياء الله للإساءة على ألسنة الكثيرين منكم بكلمة ترددونها على ألسنتكم منذ زمن بعيد ولا تكلفون أنفسكم بالوقوف عليها وتدبر معناها رغم أنكم لم تتركوا بابا من أبواب العلم إلا وولجتم فيه ولا بابا من أبواب الكلام إلا ودخلتم فيه إلا هذه الكلمة التي تمرون عليها مرور الكرام.
كلمة جرت على ألسنة الكثير من علماء هذه الأمة وأساتذتها وقلدهم العامة في ذلك وكم تمنيت لو أن أحدا من العلماء ظهر على إحدى الفضائيات وقف على هذه الكلمة وشرح معناها ونهى عن التلفظ بها لكن على العكس من ذلك رأيت العلماء والأساتذة يرددونها على ألسنتهم ليسمعها الناس ويقولون مثل قولهم وسأضرب مثلا على هذه الكلمة.
1- من بعض أسماء أمتنا (أمة محمد) لأننا اتبعنا ما أنزل على نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وانتهينا عن ما نها عنه فهل يصح أن نسمي من خالف شرع هذا النبي بالمحمدي أو نسمي الجماعة التي تخالف شرعة بالمحمديين، هذا لا يصح
2- لقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن شرب الخمر فهل يصح أن نسمي من يشرب الخمر بالمحمدي أو المحمديين. لا يصح أيضا
3- لو أن أحد العلماء ظهر على إحدى الفضائيات وتحدث عن مضار التدخين ونهى الناس عنه وكان اسمه أحمد مثلا فهل يصح أن نسمي من لم يتبع نصحه بالأحمدي أو الأحمديين. كذلك لا يصح، ياعلماء الأمة لقد نهى لوط عليه السلام قومه عن فعل المنكرات وعن إتيان الرجال شهوة من دون النساء فكيف تنسبون إليه عملا لم يعمله ولم يأمر به بل نهى عنه، كيف تسمون من يأتي الرجال شهوة من دون النساء باللوطي أو اللوطيين، فهل ورد في القرآن الكريم ذكر هذه الكلمة التي تدل على قبح فعلها، فهل وردت هذه الكلمات على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، هل وردت هذه الكلمات على لسان أحد من الصحابة أو التابعين لا والله لم ترد في كل ما ذكرت، إن جرت على ألسنتكم وأنتم لا تشعرون فعليكم الآن بمراجعة معناها والكف عن النطق بها والاعتذار إلى نبي الله لوط عليه السلام، ياعلماء الأمة هذه رسالتي لكم أرجو أن تتدارسوها وأن تفكروا في معناها ولا تعودوا للإساءة إلى نبي الله لوط عليه السلام، ما المانع أن نقول عمل قوم لوط بدلا من هذه الكلمات (لوطي أو لوطيين) التي تسيء إلى نبي الله لوط عليه السلام.
عودوا إلى الله أيها العلماء وكفوا عن النطق بهذه الكلمات وانصحوا الأمة بالكف عن ذكرها، وفي الختام قال تعالى (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله) صدق الله العظيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن كتابة (ص) على هذا النحو لا تجزئ عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم المأمور بها عند ذكر اسمه.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك فنشكرك على هذه الغيرة للدين ولأنبياء الله المرسلين، ولكننا ننبهك إلى أن المسألة التي كتبت فيها وتصورتها خطأ كبيراً من جميع الأمة، هي -في الحقيقة- ليست كذلك، ذلك أن كلمة اللواط -بغض النظر عن أصل اشتقاقها- صارت كلمة من اللغة لها دلالة معروفة، فهي حقيقة عرفية في فعل معين، وقد تعارف الناس على ذلك جيلا عن جيل، قبل الإسلام وبعده، ووردت في معاجم اللغة، يقول ابن منظور في لسان العرب: ... ولاط الرجل لواطا ولاوط أي عمل عمل قوم لوط. قال الليث: لوط كان نبيا بعثه الله إلى قومه فكذبوه وأحدثوا فاشتق الناس من اسمه فعلا لمن فعل فعل قومه..
واللوطي نسبة إلى قوم لوط، وهذا اللفظ مركب تركيباً إضافيا، وقد قسم علماء اللغة والنحو المنسوب إليه في المركب تركيباً إضافياً إلى أقسام: وذكروا منها أن الأول من المتضايفين إذا كان لا يتعرف إلا بالثاني منهما عدل عن النسبة إليه أي الأول ونسب إلى الثاني يقول ابن مالك في ألفيته في باب النسب:
ياء كيا الكرسي زادوا للنسب * وكل ما تليه كسره وجب
إلى قوله: وانسب لصدر جملة وصدر ما * ركب مزجا ولثان تمما
إضافة مبدوءة بابن أو أب * أو ماله التعريف بالثاني وجب
ثم ما ذكرته من أن الكلمة لم ترد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولا على ألسنة الصحابة أو التابعين هو ليس كذلك، فالمعروف أن الكلمة كانت معروفة قبل الإسلام، ولو لم تكن مقبولة في الشرع لما أقر عليها النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يقر على باطل، ولم يوجد حديث ينسب إليه أنه قد نهى عن استعمال هذه الكلمة، مع أنها وردت على ألسنة أصحابه، وفي ذلك رد على قولك إنها لم ترد على ألسنة أحد من الصحابة أو التابعين، بل وفوق ذلك فإنها قد وردت في حديثه الشريف كما هي واردة في أحاديث أصحابه في روايات صحيحة وحسنة، ففي مسند الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هي اللوطية الصغرى يعني الرجل يأتي امرأته في دبرها. قال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن واختلف في رفعه ووقفه والموقوف أصح.
وجاء في سنن أبي داود عن سعيد بن جبير ومجاهد عن بن عباس: في البكر يؤخذ على اللوطية. قال: يرجم. قال أبو داود: حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو. قال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد موقوف.
وروى الإمام أحمد في المسند من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ملعون من سب أباه، ملعون من سب أمه، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من غير تخوم الأرض، ملعون من كمه أعمى عن الطريق، ملعون من وقع على بهيمة، ملعون من عمل عمل قوم لوط، قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً ثلاثاً في اللوطية. قال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
كما ننبه أيضاً إلى أن علاقة لوط بهذا الأمر هي علاقة الناهي عنه والمنكر له، قال الله تعالى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ* أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ* فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ {النمل:54-55-56} ، فالنسبة إليه نسبة تشريف وتبليغ لرسالة ربه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 4640.
ولا شك أن هذا القدر كاف لرفع الخطأ عن الناطق بهذه الكلمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(1/1329)
هل اختصت منطقة الشرق الأوسط بالأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا اختص الله سبحانه منطقة الشرق الأوسط فقط بإرسال الأنبياء دون بقية مناطق العالم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في فتاوى سابقة أنه ما من أمة إلا وقد أرسل الله إليها رسولا، فراجع الفتاوى التالية ارقامها: 59579، 71163، 58944، 56981.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1427(1/1330)
شبهات وجوابها حول قصة خلق آدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا والحمد لله مسلم. وأحمد الله تعالى أن جعلني كذلك. وأسأله أن يجمعني وإياكم في الجنة.
جاءني سؤال فيه شبهة خاصة بالقرآن. ورغم اقتناعي بأني أستطيع الرد. إلا أنني لن أكون متمكنا مثلكم. ولذلك آثرت أن آخذ الرد عن عالم. وللعلم فهذه الشبهة من مسلم أيضا: عند التأمل في القرآن العظيم نجد بعض الآيات التي يصعب علينا فهمها. وذلك لقلة علمنا لا أكثر. ولعدم معرفتنا بطريقة الوصول لإجابات مثل هذه الأسئلة. ومن هذه الآيات قول الله عز وجل: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة. لماذا يقول الله للملائكة ذلك والله الملك يفعل ما يريد. هل يستأذنهم؟ وكيف يرد الملائكة وهم لا يعلمون ما لا يعلم الله؟ وكيف علموا أن البشر سيفسدون في الأرض ولم يخبرهم الله بذلك؟
وأيضا: "وعلم آدم الأسماء كلها. فالملائكة تعلم أنها لا علم لها إلا ما علمه الله لها. فما الحكمة من أن يعرض الله الأسماء على الملائكة ثم يقول لهم "ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض. وذلك معلوم مسبقا؟؟ وأيضا: "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم.." إبليس ليس من الجن. فهل يعاقب على عدم فعله ما لم يؤمر به؟ أرجو الاستفاضة لأن الشيطان أحيانا يتمكن من الشخص بمثل هذه الشبهات التي لا شك عندي أنها تم الرد عليها مرارا؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إخبار الله الملائكة بجعل آدم خليفة في الأرض ليس من باب الاستئذان, وإنما من باب الإخبار فقط، وأما سبب علم الملائكة بإفساد بني آدم فقد ذكر المفسرون أوجها فيه:
الوجه الأول: أن الملائكة قالت ذلك بعد إعلام الله تعالى لهم بطبيعة ذرية آدم عليه السلام، وأنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء, وهذا مروي عن ابن عباس وابن مسعود وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم كما نقل ذلك القرطبي وابن كثير فعن ابن عباس وابن مسعود أن الله تعالى قال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة قالوا ربنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا.
وقال قتادة: كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء فلذلك قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها.
الوجه الثاني: أنهم لما سمعوا لفظ: خليفة فهموا أن في بني آدم من يفسد إذ الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد والفصل بين الناس فيما يقع بينهم من المظالم ويردعهم عن المحارم والمآثم.
الوجه الثالث: ما نقله القرطبي رحمه الله وغيره: أن الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء وذلك لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم فأفسدوا وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، ثم خلق الله آدم فأسكنه إياها، وهذا مروي عن ابن عباس وأبي العالية.
وليعلم أن قول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله وإنما هو كما قال ابن كثير رحمه الله: سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك يقولون: يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء, فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك أي: نصلي لك ولا يصدر منا شيء من ذلك وهلا وقع الاقتصار علينا؟ قال الله تعالى مجيبا لهم عن هذا السؤال: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ. أي أعلم من المصحلة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم, فإني سأجعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل, ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون العباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء العاملون والخاشعون له والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم. انتهى كلام ابن كثير.
وأما تعليم الله لآدم الأسماء وسؤال الملائكة عنها فقد ذكر ابن كثير في التفسير: أنه مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم وهذا كان بعد سجودهم له, وإنما قدم هذا الفصل على ذلك لمناسبة مابين المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليفة حين سألوا عن ذلك، فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون، ولهذا ذكر الله هذا المقام عقيب هذا ليبين لهم شرف آدم بمافضل به عليهم في العلم فقال تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها. اهـ.
وإظهار الله فضل آدم على الملائكة لا ينافي اعتقاد الملائكة أنهم لا علم لهم إلا ما علمهم الله, وأنه لا يعلم غيب السموات والأرض إلا هو سبحانه وتعالى, وما اعتراف الملائكة بذلك إلا مظهر من مظاهر خضوعهم لله تعالى وقبولهم لحكمه.
وأما عقاب إبليس على عدم السجود فسببه أن الأمر بالسجود لآدم كان موجها لإبليس ولم يكن خاصا بالملائكة بدليل قوله تعالى: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ {الأعراف: 12} وقال ابن كثير في تفسيره: والغرض أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم دخل إبليس في خطابهم لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم وتوسم بأفعالهم فلهذا دخل في الخطاب لهم وذم في مخالفةالأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1427(1/1331)
مصدر التلقي لدى محمد وإبراهيم صلى الله عليهما وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حقيقة شبهة أن النبي إبراهيم قد تعلم ديانته في كلية هليوبوليس على يد كاهن، وأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد اطلع على هذه العلوم، وأن نشيد الإصباح لأخناتون متشابه مع التشهد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إبراهيم ومحمداً عليهما صلوات الله وسلامه رسولان أرسلهما الله تعالى وأنزل عليهما وحيه وكلفنا الله بالإيمان بما أنزل إليهما، فقال تعالى: قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {البقرة:136} ، وقد أخذ هذان النبيان علمهما من وحي الله تعالى إليهما، وليسا بحاجة للتعلم من أي أحد.
وأما المزاعم التي ذكرها السائل فهي مزاعم باطلة وساقطة، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ثبتت بمعجزته التي لا تقهر وهي كتاب الله جل وعلا، وهذا الكتاب ثبتت به رسالة إبراهيم وغيره من رسل الله صلى الله عليهم وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1427(1/1332)
شبهات وجوابها حول موقف الإسلام من النصرانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا: أنا فتاة مسيحية وأعتز بكوني هكذا.. قرأت بعض الاستشارات التي تفتك بنا وتشبه المرأة المسيحية بالكافرة أو المسيحي بشكل عام، نحن نعبد الله ولسنا كفارا، وهناك آيات وأحاديث دالة على ذلك، فلماذا إذا كنتم تعتبروننا كفارا أباح الرسول الزواج بالمسيحية وحلل لها أن تبقى على دينها، هذا يعني أنها ليست كافرة، ثم أنا أعرف أنكم في الإسلام تحترمون بقية الأديان وأنكم تؤمنون بالأنبياء جميعا، فأظن أنه من غير الصحيح التشبيه هكذا، وأنه مضر للعلاقات الاجتماعية، وأنه غير صحيح، وهناك الله وحده الذي يحكم في هذا الشأن، ما ردكم أو تعليقكم على هذا، أرجو الرد بأسرع ما يمكن وشكراً. أرجو الرد بلغةEnglish لأنه ليس لدي كمبيوتر باللغة العربية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها السائلة أننا نحن المسلمين نؤمن بأن الله تعالى واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدا، كما نؤمن بأنبياء الله جميعا ورسله ولا نفرق بين أحد منهم، بل نعتقد أن من كفر برسول فقد كفر بالرسل جميعا وكفر بالله، ففي كتاب ربنا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا {النساء: 150 ـ 151} ونؤمن بأن عيسى عبد الله ورسوله، ونعتقد أن من شهد بذلك منا فهذا مما يؤدي إلى دخوله الجنة كما أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبد هـ ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ــ أي من الأرواح التي خلقها ـ والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل. رواه البخاري، ومن عقيدتنا أن عيسى ابن مريم ليس هو الله، وليس هو ابن الله، وليس هو وأمه مع الله آلهة ثلاثة، ومن اعتقد ذلك فهو كافر بالله العظيم، وهكذا قال ربنا سبحانه وتعالى، ففي سورة المائدة المباركة يقول تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ {المائدة: 17} وفيها أيضا قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {المائدة: 73} ونعتقد أن الله تعالى نزل على عبده ورسوله عيسى ابن مريم الإنجيل، وهو كتاب حق أوحاه الله تعالى إلى عيسى، فيه شرعه سبحانه، لكن هذا الكتاب مع الأسف الشديد كتبته أيدٍ كثيرة وطاله تحريف كثير، ولهذا نحن نجزم أن كثيرا من الإنجيل الموجود الآن على اختلاف نسخه ليس من عند الله بل هو من عند من حرفوه، فقد جاء في سورة البقرة المباركة قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ {البقرة: 79} .
وأما بخصوص كون الإسلام قد أباح نكاح الكتابيات فاعلمي أولا أن الإسلام لم يبح نكاح كل كتابية بل فقط العفيفات غير الزانيات كما قال تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ {المائدة: 5} ثم اعلمي أن الله تعالى إنما أباح للمسلم الزواج من الكتابيات تيسيرا على المسلمين فقد علم الله تعالى أن المسلم قد يرغب في نكاح غير المسلمة فأباح له ذلك واختار له الكتابية من بينهن لأن الكتابية ليست كغيرها من الكافرات لأن الأخريات وثنيات لا دين لهن، أما الكتابية فذات دين وذات كتاب وإن كان محرفا وأصل دين أهل الكتاب الإيمان لكنهم ابتدعوا الكفر وكفروا، وليس إباحة الزواج من الكتابية دليلا على أن الله ارتضى دينها بل إن الله تعالى نزل آخر الآية السابقة حتى لا يتوهم أحد ذلك، فقال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {المائدة: 5} قال ابن الجوزي في زاد المسير في تفسير هذه الآية: سبب نزول هذا الكلام أن الله تعالى لما رخص في نكاح الكتابيات قلن بينهن لولا أن الله تعالى قد رضي علينا لم يبح للمؤمنين تزويجنا، ثم قال: وقال مقاتل بن حيان نزلت فيما أحصن المسلمون من نساء أهل الكتاب يقول ليس إحصان المسلمين إياهن بالذي يخرجهن من الكفر، ونقول أخيرا لا يخفى عليك أنه ليس كل من عبد إلها يكون مؤمنا، فمن الناس من يعبد البقر، ومنهم من يعبد الحجر، ومنهم من يعبد الشجر أيكونوا مؤمنين بالطبع سيكون جوابنا وجوابك واحدا، وهو لا يكونوا مؤمنين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1427(1/1333)
الذي كان يتشوف للنبوة من العرب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد من ادعوا النبوة قبل الإسلام؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دعوى النبوة من أعظم الجرائم وأكبر الكبائر لأنها كذب على الله تعالى، وقد قال سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النحل: 116 ـ 117} هذا إذا كانت الدعوى قبل الإسلام, وأما بعده فإن الأمر أعظم، فمن ادعى النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر لأنه كذب الله تعالى وكذب رسوله صلى الله عليه وسلم حيث تواردت نصوص الوحي على أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم.
ولم نقف على من ادعى النبوة قبل الإسلام، وإن كان بعض العرب كان يتوقع أو يتشوف للنبوة لما قرأ من كتب الأقدمين أن نبيا سيبعث في هذه الأمة قد أظل زمانه, ومن هؤلاء أمية بن أبي الصلت الثقفي، فقد جاءت أخباره في كتب السيرة والسنة، وفي رواية للطبراني أنه كان يحدث ثقيفا أنه هو النبي الذي سوف يبعث في آخر الزمان، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم استحيا من قومه أن يتبعه صلى الله عليه وسلم، فقال لأبي سفيان: إني لأستحيي من نساء ثقيف، إني كنت أحدثهم أني هو النبي، ثم يروني تابعا لغلام من بني عبد مناف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1427(1/1334)
الأدلة العقلية على أن عيسى ليس هو الله ولا ابن الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيفية الرد على القول بأن نبي الله عيسى: الله أو ابن الله وذلك بالدليل العقلي فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاعتقاد بأن المسيح عليه السلام هو الله أو ابن لله تعالى ـ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ـ اعتقاد فاسد وضلال مبين شهدت ببطلانه الفطرة السوية والعقول المستقيمة ويكفي أن يقال في استحالة ذلك عقلا: إن من المعلوم أن القائلين بهذا القول الشنيع متفقون بأسرهم على أن اليهود أخذوه وساقوه بينهم ذليلا مقهورا، وهم يبصقون في وجهه، ويضربونه ثم صلبوه، وطعنوه بالحربة حتى مات، ثم دفن وأقام تحت التراب ثلاثة أيام ثم قام من قبره، فيا للعقول! كيف كان حال هذا العالم الأعلى والأسفل في هذه الأيام الثلاثة، ومن كان يدبر أمر السموات والأرض، ومن الذي خلف الرب سبحانه وتعالى فيه هذه المدة، ومن الذي كان يمسك السماء أن تقع على الأرض وهو مدفون في قبره.
فهذا كاف في بيان استحالة أن المسيح هو الله عقلا، وقد أحسن ابن القيم رحمه الله إذ يقول:
أعباد المسيح لنا سؤال نريد جوابه ممن وعاه
إذا مات الإله بصنع قوم أماتوه فما هذا الإله
وهل أرضاه ما نالوه منه فبشراهم إذا نالوا رضاه
وإن سخط الذي فعلوه فيه فقوتهم إذا أوهت قواه
وهل بقي الوجود بلا إله سميع يستجيب لمن دعاه
وهل خلت الطباق السبع لما ثوى تحت التراب وقد علاه
وهل خلت العوالم من إله يدبرها وقد سمرت يداه
وكيف تخلت الأملاك عنه بنصرهم وقد سمعوا بكاه
وكيف أطاقت الخشبات حمل الإله الحق شد على قفاه
وهل عاد المسيح إلى حياة أم المحيي له رب سواه
ويا عجبا لقبر ضم ربا وأعجب منه بطن قد حواه
أقام هناك تسعا من شهور لدى الظلمات من حيض غذاه
وشق الفرج مولودا صغيرا ضعيفا فاتحا للثدي فاه
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي بلازم ذاك هل هذا إله
تعالى الله عن إفك النصارى سيسأل كلهم عما افتراه
أما بيان استحالة انه ابن الله عقلا فقد أحسن شيخ الإسلام في تلخيص ذلك فقال ما ملخصه: ولهذا امتنع عليه أن يلد وأن يولد، وذلك أن الولادة والتولد وكل ما يكون من هذه الألفاظ لا يكون إلا من أصلين وما كان من المتولد عينا قائمة بنفسها فلا بد لها من مادة تخرج منها.
فالأول نفاه بقوله أحد فإن الأحد هو الذي لا كفؤ له ولا نظير، فيمتنع أن تكون له صاحبة، ولهذا قال تعالى: أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {الأنعام: 101}
والثاني: نفاه بكونه سبحانه الصمد، فهذا المتولد من أصلين يكون بجزئين ينفصلان من الأصلين كتولد الحيوان من أبيه وأمه بالمنى الذي ينفصل من أبيه وأمه وهذا ممتنع في حق الله تعالى فإنه صم لا يخرج منه شيء.
ومما يدل أيضا على استحالة ذلك أنه يستلزم وصفه تعالى بالنقص والحاجة والفقر، فإن الولد يتخذه المتخذ لحاجته إلى مساعدته ومعاونته له، ولذا حمد سبحانه نفسه على عدم اتخاذه الولد لما في ذلك من كمال صمديته وغناه وملكه وعبودية كل شيء له قال تعالى: قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {يونس: 68} وعلى كل حال، فهذا الاعتقاد فاسد فسادا ظاهرا يغني عن تكلف إيراد الدليل على بطلانه وقد صدق من قال:
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
وراجع لزاما الفتوى رقم: 30506، والفتوى رقم: 49754، والفتوى رقم: 60321.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1427(1/1335)
بعثة المسيح عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أرسل سيدنا عيسى للمصرين أم للعالم كافة أم لبني إسرائيل، وإن كان لبني إسرائيل فماذا عن باقي أمم العالم آنذاك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رسالة عيسى عليه السلام كانت لبني إسرائيل خاصة ولهذا قال الله تعالى في شأن عيس ى: وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ {آل عمران:49} ، قال البغوي في تفسيره: وتخصيص بني إسرائيل (بالذكر) لخصوص بعثته إليهم أو للرد على من زعم أنه مبعوث إلى غيرهم.
وقد حكى لنا القرآن الكريم ما قاله عيسى عليه السلام لقومه فقال: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ {الصف:6} ، وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:.... وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة.
ونقل صاحب الدر المنثور عن مالك بن دينار أن عيسى عليه السلام كان يقول لحوارييه: إنما بعثتكم تلتقطون خراف بني إسرائيل. وبهذا تعلم أن عيسى إنما بعث لقومه (بني إسرائيل) خاصة، أما المصريون وغيرهم من أمم الأرض فقد بعث الله تعالى إليهم من الأنبياء ما قصه علينا في كتابه وما لم يقصصه علينا، كما قال سبحانه وتعالى: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ {النساء:164} ، وكما قال الله تعالى: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ {فاطر:24} ، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 8210.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1426(1/1336)
الحكمة من إرسال الرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
في حقيقة الأمر ليس سؤالا ولكنه أشبه بتحدي يفرضه شاب غيور على دينه ... وبدون إطالة أسرد الوقائع: حدثني صديق لي عن ابن عمه وكم أثنى على علمه وبديهته وقوة إيمانه ثم عاد ليخبرني أن ابن عمه هذا قد أصبح ملحدا بعد عودته من ألمانيا..فطلبت من صديقي أن يحاول هدايته أو مناقشته لعل الله يهديه على يدك..فسخر مني صديقي وقال إنه ليس من السهل مناقشته فهو جد متمكن، وطرح علي هذا السؤال الذي لم أجد له حلا واعتبره دون تردد شركا:\\\" إن كان الله قادرا فلماذا أرسل محمدا ليرجو عباده كي يعبدوه\\\".. اللهم اغفر لي وللمؤمنين جميعا وأسالك الهداية والثبات.
أكون شاكرا لكم إن تكرمتم وأجبتم على هذا السؤال]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله لم يرسل الرسل لدعوة الناس إلى عبادة الله لحاجته إليهم، بل هو القادر سبحانه أن يعبد أهل الأرض كرها كلهم أجمعين. قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ {يونس: 99}
ولكن الله أرسل الرسل ليقيموا الحجة على الناس فينقطع عذرهم، فلا يدعي أحد أن الدعوة إلى عبادة الله لم تبلغه. قال تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ {النساء: 165} وانظر الفتوى رقم: 38819.
هذا، وعلى صديقك الفرار بدينه وعدم مجالسة ذلك الملحد حتى لا تصيبه عدوى الإلحاد، فإن صحبة أهل الشك والارتياب مردية، وقد كان السلف يحذرون من صحبة أهل البدع حتى لا تنطلي بدعهم على من لا علم عنده، فكيف بمجالسة الملحدين.
كما ننصحكما بالبدء في طلب العلم النافع وخاصة العقيدة، وانظر برنامجا لطلب العلم للمبتدئين في الفتوى رقم: 59729.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1426(1/1337)
بشرية الرسل والطعن فيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
شبهة كيف ترد عليها؟
1: أن الرسول لا يكون بشرا.
2: الطعن في الرسل عليهم الصلاة والسلام (بالكذب والسحر والجنون والشعر) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرسل ثبتت بشريتهم في القرآن، ويدل لذلك قول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ {فصلت: 6} .
وقوله: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً {الإسراء: 93} .
وقوله: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَّسُولاً {الإسراء: 49} .
وأما ما اتهم به الأنبياء فهي اتهامات وافتراءات ألقاها الشيطان في نفوس الأمم وتتابعوا عليها، وهي كذب كلها وابتلاء للأنبياء، فقد نفاها الله عنهم في كتابه ونزههم عنها، قال الله تعالى: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ {الذاريات:52-53} .
وقال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُ ورً ا {الفرقان: 4} .
وقال تعالى: وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ * بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ {الصافات: 36-37} .
وقال تعالى: فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ {الطور: 29} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1425(1/1338)
الأنبياء الذين قتلوا على يد اليهود
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الأنبياء الذين قتلتهم اليهود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكرر في القرآن ورود قتل بني إسرائيل أنبياءهم بغير حق، مثل قول الله تعالى: أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ {البقرة:87} ، وقوله تعالى: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ {آل عمران:21} ، وقوله تعالى: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {البقرة:61} .
وذكر بعض المفسرين أسماء هؤلاء الذين قتلهم بنو إسرائيل، قال البيضاوي في تفسيره: فإنهم قتلوا شعياء وزكريا ويحيى وغيرهم.
ولم يرد في السنة نص صحيح في قتل هؤلاء المذكورين، ولعل خبرهم مأخوذ عن أهل الكتاب، وراجع في هذا فتوانا رقم: 34961.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1425(1/1339)
قتل الأنبياء لا يتنافى مع كون الله لا يذل من والاه
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين القول في دعاء القنوت (إنه لا يعز من عاديت ولا يذل من واليت) وبين قتل اليهود لأنبيائهم الذين هم من أولياء الله سبحانه وتعالى وإذا كانت الحماية من القتل تكون للرسل فقط أصحاب الكتب السماوية فكيف نرد على من يقول إن اليهود قتلوا الرسول صلى الله عليه وسلم بدس السم في الشاة التي أهديت له صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر وأنه ما زال يجد من ألم هذا السم إلى أن جاءته الحمى التي مات منها صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا منافاة بين ما في دعاء القنوت من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإنه لا يذل من واليت. وبين ما ابتلي به أنبياء الله تعالى من الامتحانات التي وصلت في بعض الأحيان لهم إلى قتلهم من طرف من أرسلوا إليهم، وعلى رأس هؤلاء اليهود، فقد قال الله عنهم: أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ {البقرة:87} .
والذل المذكور في الحديث إنما يراد به الذل في الآخرة، قال صاحب تحفة الأحوذي عند شرح الحديث المذكور: قال ابن حجر: أي لا يذل من واليت من عبادك في الآخرة أو مطلقاً وإن ابتلي بما ابتلي به وسلط عليه من أهانه وأذله باعتبار الظاهر، لأن ذلك غاية الرفعة والعزة عند الله وعند أوليائه ولا عبرة إلا بهم، ومن ثم وقع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الامتحانات العجيبة ما هو مشهور ...
والله تعالى قد تكفل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالعصمة من الناس حتى يبلغ الرسالة ويؤدي الأمانة التي كُلف بها، ولم يتكفل له أن يبقيه حيا إلى الأبد.
والسم الذي جعلته له اليهودية في الشاة لم يؤثر عليه في ذلك الوقت، وإنما قاد بعده الجيوش وفاوض الأعداء وانتصر في معارك كثيرة ومارس حياة طبيعية ما يزيد على أربع سنين، وراجع في هذا فتوانا رقم: 54814.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1425(1/1340)
الأنبياء معصومون من الكبائر دون الصغائر
[السُّؤَالُ]
ـ[بما أن الأنبياء معصومون من الخطأ فبماذا نفسر موضوع نزول آدم من الجنة \"وعصى آدم ربه فغوى\"، وكذلك قتل موسى للرجل، وكذلك تحريم التبني في حالة النبي صلى الله عليه وسلم وحادثة الأعمى \"عبس وتولى؟ شكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اتفقت الأمة على أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة، وفي التبليغ عن رب العزة سبحانه وتعالى، ومعصومون من الوقوع في الكبائر، وأما الصغائر فأكثر علماء الإسلام على أنهم ليسوا بمعصومين منها، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يقرون عليها.
قال ابن تيمية: القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول الأشعرية، وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول. انتهى كلامه، والدليل على وقوع الصغائر منهم مع عدم إقرارهم عليها:
- قوله تعالى عن آدم: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى* ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى {طه: 121-122} ، وهذا دليل على وقوع المعصية من آدم، وعدم إقراره عليها، مع توبته إلى الله منها.
- قوله تعالى: قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ* قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {القصص: 15-16} ، فموسى اعترف بذنبه وطلب المغفرة من الله بعد قتله القبطي، وقد غفر الله له ذنبه.
- وقوله تعالى: فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب* فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ {ص: 24-25} ، وكانت معصية داود هي التسرع في الحكم قبل أن يسمع من الخصم الثاني.
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يعاتبه ربه سبحانه وتعالى في أمور كثيرة ذكرت في القرآن، منها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {التحريم:1} ، وكذا عاتبه في الأسرى، وفي قصة ابن أم مكتوم، علما بأنه قد ذكر بعض أهل العلم أن ما وقع في شأن ابن أم مكتوم لا يعد ذنباً لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخاطبه بسوء وكان ابن أم مكتوم أعمى لا يرى ملامح وجه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد يستعظم بعض الناس القول بأن الأنبياء معصومون من الكبائر دون الصغائر، ويذهبون إلى تأويل النصوص من الكتاب والسنة الدالة على هذا ويحرفونها، والدافع لهم إلى هذا القول شبهتان: الأولى: أن الله تعالى أمر باتباع الرسل والتأسي بهم، والأمر باتباعهم يستلزم أن يكون كل ما صدر عنهم محلا للاتباع، وأن كل فعل أو اعتقاد منهم طاعة، ولو جاز أن يقع الرسول في معصية لحصل التناقض، لأن ذلك يقتضي أن يجتمع في هذه المعصية التي وقعت من الرسول الأمر باتباعها وفعلها، من حيث إننا مأمورون بالتأسي به، والنهي عن موافقتها من حيث كونها معصية.
وهذه الشبهة صحيحة وفي محلها لو كانت المعصية خافية غير ظاهرة بحيث تختلط بالطاعة، ولكن الله تعالى ينبه رسله ويبين لهم المخالفة، ويوفقهم إلى التوبة منها من غير تأخير.
الثانية: أن الذنوب تنافي الكمال وأنها نقص، وهذا صحيح إن لم يصاحبها توبة، فإن التوبة تغفر الحوبة، ولا تنافي الكمال، ولا يتوجه إلى صاحبها اللوم، بل إن العبد في كثير من الأحيان يكون بعد توبته خيراً منه قبل وقوعه في المعصية كما نقل عن بعض السلف (كان داود عليه السلام بعد التوبة خيراً منه قبل الخطيئة) وقال آخر: (لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه) ، ومعلوم أنه لم يقع ذنب من نبي إلا وقد سارع إلى التوبة والاستغفار، فالأنبياء لا يقرون على ذنب، ولا يؤخرون توبة، فالله عصمهم من ذلك، وهم بعد التوبة أكمل منهم قبلها، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12519، 27512، 29447، 38915.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1425(1/1341)
هل بعث الأنبياء كافة من جزيرة العرب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا بعث الله الأنبياء من الجزيرة العربية فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبهك بداية إلى أن الجزيرة العربية هي ما بين البحر الأحمر والخليج من الغرب إلى الشرق، وما بين أقصى اليمن وأطراف الشام والعراق من الجنوب إلى الشمال، وهذا هو ما يفيده كلام أهل العلم عند تعريفهم للمراد من الجزيرة العربية.
فإذا تقرر هذا فاعلم أن أغلب الأنبياء بعثوا من خارج الجزيرة العربية فقد كان بعضهم بالعراق وبعضهم بالشام وبعضهم بمصر وقد كان أغلب الأنبياء غير عرب، وإنما كان أغلبهم من بني إسرائيل، وراجع الفتوى رقم: 29611، والفتوى رقم: 9475.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1425(1/1342)
فتوى حول أسماء بعض الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله جاءتني إحدى الرسائل التي كانت تتحدث عن ألقاب الأنبياء صلوات الله عليهم وأعمارهم وقد مررتها للمجموعة التي أشرف عليها ثم جاءني السؤال التالي من أحد الأخوة الأعضاء جزاه الله كل خير عن بعض أسماء الأنبياء وهو كالتالي: يا أخي ما معنى شعيب -ناصح الله- وهارون -معين الله- وسليمان -تاج الله- وزكريا -وارث الله- وعزيز -ناصر الله- ومن هو عزيز اصلا ومن أين هذه المعلومات ارجو الرد وكما يتضح لحضراتكم حيرتي الشديدة فأرجو منكم سرعة الرد وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن هذا السؤال في الفتوى رقم: 49339.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1425(1/1343)
الأنبياء جميعا جاءوا بالدعوة إلى دين الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا بسورة آل عمران قالت الملائكة لسيدتنا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم
السؤال: لماذا قالوا المسيح ولم يقولوا المسلم أوالدرزي مع أني أعلم أن كل الأنبياء جاءوا بالدعوة للإسلام؟
وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسيح في الآية ليس نسبة إلى المسيحية، ولهذا لم تأت فيه بالنسبة التي تلحق آخر المنسوب وقد تقدم معنى كلمة المسيح في الفتوى رقم: 43974.
وراجع للا ستفادة في شأن الدروز الفتوى رقم: 2354.
واعلم أن الأنبياء جاءوا جميعا بالدعوة إلى دين الإسلام الذي ارتضاه الله للبشرية وشهد هو وملائكته وأهل العلم أنه الدين الحق وجعل من ابتغى غيره خاسرا،
قال الله تعالى: [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ] (آل عمران:85) ... ... ... ... ... . وقال: [شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ] (آل عمران: 19)
وقد قرأ الإمام الكسائى أن الدين بفتح الهمزة، قال الشوكاني: في التفسير هو بمعنى شهد الله أنه لا إله إلا هو وأن الدين عند الله الإسلام، ومما يدل على إتيانهم بدعوة التوحيد قوله تعالى: [وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ] (النحل:36)
ومما ثبت من ذلك في شأن المسيح قوله تعالى: [وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ] (المائدة: 72)
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1425(1/1344)
من ادعى النبوة بعده صلى الله عليه وسلم فهو كافر
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الأحباء في الله من خلال تصفحي لموقع صحيفة القدس العربي اليوم 11/5/2004 وجدت خبراً حول أدعاء امرأة يمنية من الحزب الإشتراكي اليمني النبوة، أرجو من حضرتكم الhطلاع على نص الرسالة المرفقة وعلى موقع الإنترنت الخاص بهذه الدجالة والرد عليها، وإليكم اسم الموقع الخاص بهذه المدعية www.theoneisgod.com]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على المسلم أن يعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأن رسالته خاتمة الرسالات، فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون. وفي صحيح مسلم أيضاً: إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد. وفي رواية: والعاقب الذي ليس بعده نبي، وقوله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس على قدمي. وفي رواية: على عقبي. أي يحشرون على أثري وزمان نبوتي ورسالتي، وليس بعدي نبي، وقيل: أي يتبعونني، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وقد أجمع المسلمون على ذلك، فمن ادعى النبوة فهو كافر مكذب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الكذابين فقال: لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله. متفق عليه، وفي مسند الإمام أحمد: في أمتي كذابون ودجالون سبعة وعشرون، منهم: أربع نسوة، وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي.
وإذا علم ذلك، وثبت أن هذه المرأة تدعي النبوة فعلا فالواجب نصحها وتخويفها من عقاب الله تعالى، فما أعظم جرم الكذب على الله، قال الله تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116-117] .
فإن استجابت ورجعت إلى الحق فهذا ما نرجوه، وإن استمرت في غيها وعنادها، فيجب أن يعلم الجميع أنها كافرة مرتدة عن الإسلام، ويجب هجرها ومقاطعتها حتى تعود إلى دينها أو يقتلها الحاكم، وقد قاتل الصحابة رضي الله عنهم من ادعى النبوة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كمسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وسجاح، وقد يكون تلبس بهذه المرأة شيطان فهو يحدثها ويكلمها فتظن أن هذا هو الوحي، وإنما هو الشيطان كما قال الله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام:121] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1425(1/1345)
التبليغ صفة ملازمة للرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن الرد على من يدعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخفى بعض العلوم عن بعض أصحابه وأسرها للبعض الآخر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يمكن أن يتصور عاقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخفى عن أصحابه أو عن أمته شيئاً من أحكام الشرع، أو من رسالة ربه عز وجل، مما يحتاجون إليه في عقيدتهم أو عبادتهم أو معاملاتهم أو أخلاقهم،
إذ مثل ذلك ينافي الميثاق الذي أخذه الله على حملة دينه قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ*إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:159-160] وما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه كحذيفة وأبي هريرة ومعاذ وغيرهم، فمما لا ينبني عليه عمل أو هو مما كان مستفاداً من نصوص أخرى، وخص هؤلاء ببيانه صراحة، وذلك لمقاصد ومصالح شرعية إما للمخاطب أو للأمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1423(1/1346)
الرد على من زعم أن عيسى عليه السلام ابن الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الفكرة عند المسيحين حتى ظنوا بأن عيسى عليه السلام ابن الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنصارى في عقيدتهم في الله جاءوا بما تحكم العقول ببطلانه، ومن ذلك اعتقادهم أن المسيح ابن الله.
والسبب في ذلك أنه ولد من غير أب مع وجود الأدلة القاطعة على براءة أمه عليها السلام، ومن ذلك كلام المسيح في المهد وتبرئته لأمه.
فكأنهم لما لم يجدوا له أباً ووجدوا مع ذلك نصوصاً فيها الإخبار أنه كلمة الله وأنه روح منه، فنسبوه إلى الله على جهة البنوة- تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وأما الرد عليهم فسهل يسير، فإن الله عز وجل خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من غير أم، فما العجب أن يخلق عيسى من غير أب.
وأما تسميته (كلمة الله) فالمعنى أنه خلق وتَكوَّن بأمر الله عز وجل، وذلك بقوله كن فكان.
وتسميته (روح منه) المعنى فيه واضح، فهو روح من الأرواح التي خلقها، وأضافه إلى نفسه تشريفاً وتكريماً، كما نقول: بيت الله، وناقة الله وما شابهه، وقد قال تعالى عن آدم (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر:29) ولم يقل أحد أن آدم ابن الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1423(1/1347)
علماء أهل الكتاب في كل زمان يعرفون الحق من ربهم
[السُّؤَالُ]
ـ[1-نحن نعلم أن أحبار اليهود ورهبان النصرانية زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يعلمون الحق وصدق الرسالة المحمدية ولكنهم كانوا يكذبون على أبناء دينهم ليحرفوهم عن الصواب. والسؤال الآن: هل أحبار ورهبان أهل الكتاب في أيامنا هذه توارثوا سرا علم أسلافهم بالحق وصدق نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وبالتالي يكذبون على أتباعهم كما فعل أسلافهم أم أن هؤلاء الأحبار والرهبان في زمننا هذا لا يعرفون الحق فأصبحوا في جهلم سواء مع العامة؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن خبر رسولنا صلى الله عليه وسلم وبعثته ومكان دعوته وغير ذلك من التفاصيل، يعلمها علماء أهل الكتاب في زماننا كما علمها سابقوهم، قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة:146] وانظر الفتوى رقم 12746 ومنهم الجهال الذين ليس لهم من الرهبنة والعلم إلا الاسم، وهم في الحقيقة عراة من كل حق وهدى.
والمنصفون منهم في وقتنا الحاضر الذين طالعوا أوصاف رسولنا صلى الله عليه وسلم في كتبهم أسلموا، وهم عدد ليس بالقليل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1423(1/1348)
الأدلة على أن محمدا ... وأحمد ... اسمان للنبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن أمر ما:
1- عندما قال سيدنا عيسى إنه سوف يأتي رسول من بعدي اسمه أحمد لماذا جاء اسم الرسول (صلى الله عليه وسلم) محمد؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاءت الكتب السماوية السابقة مبشرة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبقدومه، وبين الله في القرآن الكريم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أن اسمه وصفته وأماراته مكتوبة في الكتب السابقة.
فقال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة:146] .
وقال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ) [لأعراف:157] .
وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف:6] .
وقد ذكره الله باسم محمد في قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) [الفتح: 29] . فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء ذكره في القرآن والإنجيل وغيرهما من الكتب السماوية باسم أحمد، وباسم محمد ومعناهما متقارب، وإن اختلفت الصيغة فهما مشتقان من مادة واحدة هي مادة الحمد، ويدلان على المدح بصغة تجعل المتصف بهما جامعاً لخصال الخير، فهو محمد عند الناس لما هو عليه من الأوصاف الموجبة للثناء، وهو أحمد من غيره لله لأنه أعرف بربه، وأعلم بما يستحقه الرب من المحامد.
والحاصل: أن محمداً وأحمد كلاهما اسم للنبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب".
وقد جاء الإنجيل مبشراً برسول الله صلى الله عليه وسلم باسم محمد وباسم أحمد، وقد ذكر الشيخ عبد المجيد الزنداني في كتابه: (البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية السابقة) أن إنجيل برنابا في الباب 22 جاء فيه: وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله. انتهى.
وجاء في سفر أشعيا: إني جعلت اسمك محمداً يا محمد، يا قدوس الرب: اسمك موجود من الأبد. انتهى.
وجاء في سفر حبقوق: إن الله جاء من التيمان والقدوس من جبل فاران، لقد أضاء السماء من بهاء محمد، وامتلأت الأرض من حمده. انتهى.
كما جاء في سفر أشعيا: وما أعطيته لا أعطيه لغيره، أحمد يحمد الله حمداً حديثاً يأتي من أفضل الأرض، فتفرح به البرية، ويوحدون على كل شرف، ويعظمونه على كل رابية. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1422(1/1349)
الفراسة وأهلها والكرامات الرحمانية والأحوال الشيطانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عبد الله من الأردن، عمري 15 سنة، منذ طفولتي وبسن التاسعة من العمر في التحديد، ظهرت على يدي كرامة, تلك الكرامة كانت تنبهني من شيء معين سوف يحدث لي في المستقبل القريب, وكنت أعرف عن طريق رجفات معينة كانت تحدث لي في مناطق مختلفة في جسدي, فمثلا إذا رجفت عيني الشمال, فذلك يعني أني سأبكي قريبا, وبعد يوم أو يومين, فعلا يحدث شي يجعلني ابكي. هي ليست فقط عيني, لكن مناطق مختلفة من جسدي, وكل رجفة تعني شيئا معينا وكانت تحدث بشكل غير إرادي, ولم أكن أعرف ما سيحدث مفصلا, لكن المضمون من الموضوع.
مع الوقت, والحمد لله, استطعت أن أجعلها إرادية إذا أريد, بل وأيضا أستطيع أن أعرف ماذا يحدث لغيري إذا أردت من خلال هذه الرجفات (أي إذا سيبكي, يواجه مشكلة معينة, يسافر أو يذهب إلى مكان الخ) وفي الوقت الذي أريد, مثلا أريد أن أعرف إذا سيحدث بعد 6 ساعات, وإذا سيحدث, تأتيني رجفة بإذن من الله سبحانه وتعالى جل جلاله, تؤكد لي الموضوع.
مع زيادة عمري, منَ الله سبحانه وتعالى علي بكرامة أخرى, وكما بحثت فقد تبين أنها تسمى بالفراسة. والفراسة التي تحدث معي هي معرفة شيء عن شخص معين, أو عن حدث ما, سواء في الماضي أو الحاضر وحتى المستقبل, وأنا لا أستطيع أن أتحكم بها بتاتا, فمثلا, المعلومات تأتي لي بإذن الله سبحانه وتعالى, تأتي كالإلهام, وفي بعض الأحيان تأتيني فكرة عن شيء معين يكون فعلا بشع, كمثلا نية شخص ما السيئة.
وأنا الحمد لله أعرف بعضا من الأشياء في الدين بالنسبة لعمري, وأنا صلاتي متقطعة وللأسف, وأنا إن شاء الله أتمنى أن يثبت قلبي على الصلاة بشكل دائم, وعلى ترك بعض المعاصي كسماع الأغاني والتلفظ بكلمات غير لائقة.
سؤالي هو: كيف أعرف أن هذه كرامة من عند الله سبحانه وتعالى أو هي استدراج وإغواء من شيطان أو جن والعياذ بالله؟ هل ينبغي علي أن أقول لوالدي, مع العلم أنهم لا يصدقون بمثل هذه الأمور؟ هل من الواجب علي أن أغير حدثا سيئا ألهمني الله بوقوعه لي أو لغيري؟ ما يجب علي فعله إذا مثلا قلت لشخص ما, وكذبني واتهمني بالشعوذة والسحر, علما بأن الكثير من الناس تنكر حقيقة الكرامات وهذا برأيي أمر لا يجوز؟ فكيف أدعم لهم أدلة من القرآن والسنة؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفراسة أمر موجود ومعروف، قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ {الحجر: 75}
وكذلك الكرامات أمر لا ينكر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات. اهـ. ولكن السؤال المهم من هم أهل الفراسة الإيمانية؟ ومن هم أصحاب الكرامات الرحمانية.
أما الفراسة الإيمانية، فيقول ابن القيم في (مدارج السالكين) : حقيقتها أنها خاطر يهجم على القلب ينفي ما يضاده.. وسببها: نور يقذفه الله في قلب عبده، يفرق به بين الحق والباطل، والحالي والعاطل، والصادق والكاذب. اهـ.
وذكر ابن القيم النوع الثاني من الفراسة، وهي فراسة الرياضة والجوع والسهر والتخلي، وقال: النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها، وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا تدل على إيمان ولا على ولاية، وكثير من الجهال يغتر بها، وللرهبان فيها وقائع معلومة، وهي فراسة لا تكشف عن حق نافع ولا عن طريق مستقيم. اهـ.
وكذلك الحال في خوارق العادات، منها ما هو كرامات رحمانية، ومنها ما هو أحوال شيطانية، فالخوارق لا تميز كافرا عن مسلم، فضلا عن طائع على عاص، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) : الكشف والتصرف إن لم يكن مما يستعان به على دين الله، وإلا كان من متاع الحياة الدنيا. وقد يحصل ذلك للكفار من المشركين وأهل الكتاب. اهـ.
وقال: تجد كثيرا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة، مثل أن يشير إلى شخص فيموت؛ أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها، أو يمشي على الماء أحيانا؛ أو يملأ إبريقا من الهواء؛ أو ينفق بعض الأوقات من الغيب، أو أن يختفي أحيانا عن أعين الناس؛ أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته؛ أو يخبر الناس بما سرق لهم؛ أو بحال غائب لهم أو مريض أو نحو ذلك من الأمور؛ وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله؛ بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره ونهيه. وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور؛ وهذه الأمور الخارقة للعادة، وإن كان قد يكون صاحبها وليا لله، فقد يكون عدوا لله؛ فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين. فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله؛ بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة. اهـ.
ومن هنا يعلم السائل الجواب عن سؤاله: (كيف أعرف أن هذه كرامة من عند الله، أو هي استدراج وإغواء من شيطان؟) حيث ذكر عن نفسه أنه متقطع في الصلاة، ومقترف لبعض المعاصي كسماع الغناء والتلفظ بكلمات غير لائقة!
ولذلك ننصح السائل بضرورة طرح التفكير في هذه الأشياء، وعدم الاستجابة لها أو الاهتمام بها. كما ننصحه بتقوى الله والإقبال على العلم الشرعي الذي يبصر به الحق من الباطل، ويفرق به بين الرشد من الغي، وأن يستقيم على طاعة الله تعالى، فأعظم الكرامة لزوم الاستقامة.
كما نحذره من مغبة ادعاء علم الغيب حيث يقول عن نفسه: استطعت أن أجعلها إرادية بل وأستطيع أن أعرف ماذا يحدث لغيري إذا أردت، وقد قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ {النمل:65} وقال صلى الله عليه وسلم: مفاتح الغيب خمسة لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله. رواه البخاري. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 62340، 95435، 15284.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1430(1/1350)
كتمان الخوارق وهل يعلم العبد بما كان قبل مولده
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب رزقني الله بتذكر حياتي قبل الميلاد فبادرت بالإسراع إلى دار الإفتاء المصرية لأذكر لهم ذلك، فأجابني الشيخ بالإيجاب إلا أنه ذكر لي عدم السماح له بالإجابة الكتابية واستدل الشيخ بقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : لو كان من أمتي محدثون لكان عمر. كما قال تعالى فى سورة مريم: (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) ، فما حكم الدين فى ذلك، وإذا كنت على يقين من هذا الأمر، فهل يعد كتمانه إثما أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في كتمان هذا الأمر، لأن ما يجده الإنسان من الخوارق لا إثم في كتمه، بل قد يكون كتمه أحسن، ثم إنا لا نرى إمكانية علم ما قبل الميلاد، ويمكنك أن تراجع نفسك وتتذكر شيئاً عن حالك وعن أيامك في الرحم وأنت علقة أو مضغة أو في وقت نفخ الروح، ولكن الأصل عدم علم العبد بما قبل مولده لعموم كلمة (شيئاً) الواردة في سياق النفي في قوله تعالى: وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا {النحل:78} ، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 63002.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1428(1/1351)
الخوارق هل هي من المعجزات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كثر في هذه الأيام العصيبة الحديث عن المعجزات، وكأن المسلمين ينتظرون معجزة من الله تعالى تنتصر لرسوله، وهم لا يفعلون شيئاً، وليس على الله بعزيز، وآخر هذه المعجزات المزعومة اسم محمد صلى الله عليه وسلم مكتوب على جبل أحد، فهل يمكن تصديق هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعجزة - كما عرفها أهل العلم - هي أمر خارق للعادة يظهره الله على يد نبي من أنبيائه شاهداً له على أنه مرسل من الله، وسميت بذلك لعجز البشر عن الإتيان بمثلها، وهي بمثابة صدق هذا العبد في كل ما أخبر به عن الله، كما قال شيخ الإسلام، وأما الخوارق التي يظهرها الله تعالى في كل زمان ومكان، فلا توصف بأنها معجزات، وهي أكثر من أن تحصى.
ولو كان إيجاد المخلوقات يقاس بالعقل البشري لكان خلق هذا الإنسان بما أودع الله فيه من القوى الظاهرة والباطنة، وخلق هذا الكون بما اشتمل عليه من الأسرار والعجائب، أصعب بكثير من وجود اسم محمد صلى الله عليه وسلم مكتوبا على جبل أحد.
ولكن هذه المخلوقات لا تتفاوت في السهولة والصعوبة عند الله، وقد أوجدها سبحانه وتعالى جميعاً بقوله كن فكانت، قال الله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {يس:82} ، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ {غافر:68} ، وبناء على ما ذكر، فلا مانع من وجود أي نوع من الخوارق، إلا أنه ليس من اللازم وجودها على النحو المذكور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1427(1/1352)
الذين شاركوا النبي صلى الله عليه وسلم الطعام يوم الخندق
[السُّؤَالُ]
ـ[كم كان عدد الرجال الذين أكلو مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت قصة جابر وزوجته رضي الله عنهما ـ ودعوتهما للنبي صلى الله عليه وسلم على طعام صنعاه له ولبعض أصحابه في غزوة الخندق، وردت هذه القصة في صحيح البخاري وفي غيره. كما ذكرت مفصلة في كتب السيرة، ولكن رواية الإمام البخاري لم تحدد عدد الذين أكلوا من ذلك الطعام، ومن المعلوم عند أهل العلم أن هذه القصة وما جرى فيها من تكثير الطعام من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم كما جاء في قصص أخرى صحيحة ... وقد ذكر الحافظ في الفتح عدة روايات للحديث فيها أنه صلى الله عليه وسلم دعا أهل الخندق، وفي رواية: جاء بالمهاجرين والأنصار، وذكر رواية أخرى فيها أنهم كانوا تسع مائة وقيل ثمان مائة وقيل غير ذلك. والذي لا شك فيه أنهم كانوا عددا كبيرا لا يتناسب مع ذبيحة صغيرة وصاع من الشعير. وهي كما قلنا معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1425(1/1353)
بين المعجزة والكرامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تتكرر المعجزة على شكل معجزة أم ككرامة لولي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعجزة آية النبوة ودليل الرسالة وهي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي في بعض الأحيان، كخروج ناقة صالح من الصخرة، وانقلاب عصى موسى حية، ونبع الماء من يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وحنين الجذع له وكلام الجماد، وهذه تنتهي بانتهاء زمانها. ومنها ما هو باق، كالقرآن الكريم المعجزة الخالدة لنبينا صلى الله عليه وسلم.
وأما الكرامة فللأولياء وهي ظهور الأمر الخارق للعادة على أيديهم وليس على سبيل التحدي بل يجريه الله تعالى على أيديهم بدعائهم أو بدونه كرامة لهم، وإن لم يعلموا به كما وقع لأصحاب الكهف وكرامات الأولياء موجودة في الأمم السابقة وهي موجودة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم أكثر، وهي تتكرر وتقع في كل زمان ومكان لأولياء الله تعالى وبأمره وقضائه سبحانه وتعالى.
وننبه إلى أن خوارق العادة تقع لأولياء الله تعالى ولغيرهم من أولياء الشيطان، ولكن الفرق هو الاستقامة والتقوى، فخوارق العادة لولي الله تعالى كرامة له.... ولغيره تعد استدراجاً له حتى يأخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر بجميع ذنوبه ومعاصيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1425(1/1354)
الفرق بين المعجزة والكرامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين الكرامات والمعجزات؟ وهل ما فعله الخضر من الكرامات أم من المعجزات، وضحوا لي؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعجزة آية النبوة ودليل الرسالة، وهي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي في بعض الأحيان، وأما الكرامة فللأولياء وهي ظهور الأمر الخارق للعادة على أيديهم وليس على سبيل التحدي بل يجريه الله تعالى على أيديهم بدعائهم أو بدونه كرامة لهم، وإن لم يعلموا به، كما وقع لأصحاب الكهف، كما سبق بيان ذلك في الفتويين: 55100، 72419.
والخضر عليه السلام نبي من الأنبياء في قول جمهور العلماء المحققين، وللحافظ ابن حجر رسالة مشهورة بعنوان: (الزهر النضر في أخبار الخضر) عقد فيه بابا لما ورد في كونه نبيا، ذكر فيها تفصيل الخلاف في نبوته، ورجح كونه نبيا وبين أدلة ذلك. وقد سبق لنا ترجيح ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 37719، 1110، 16992.
كما سبق لنا بيان أن الله تعالى يطلع من يشاء من الأنبياء على الغيب بواسطة الوحي، فراجع الفتوى رقم: 53396 وما أحيل عليه فيها. وما وقع للخضر إنما هو من هذا السبيل، كما أخبر هو في قوله: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي. {الكهف:82} .
قال ابن كثير: أي هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة، إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة، ووالدي الغلام، وولدي الرجل الصالح {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} ، لكني أمرت به ووقفت عليه، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر عليه السلام، مع ما تقدم من قوله: فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا. انتهى.
وقال ابن حجر: هذا ظاهر أنه بأمر من الله.. ولا سبيل إلى القول بأنه إلهام؛ لأن ذلك لا يكون من غير النبي وحيا حتى يعمل به ما عمل من قتل النفس وتعريض الأنفس للغرق، فإن قلنا: إنه نبي. فلا إنكار في ذلك. انتهى.
فما وقع من الخضر ليس من باب الكرامة وإنما هو الوحي المنزل على الأنبياء عليهم السلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(1/1355)
هل تحولت عصا موسى إلى حية حقيقية
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب. هل كانت عصا موسى حية أو تشبه الحية، فهل أقول ثوبي كأنه ثوب أو فرسي كأنها فرس؟ إذا علمنا أن العصا أصبحت حية حقيقة عيانا بيانا، فلماذا ذكر الله تعالى أن العصا كأنها حية رغم أنها كانت حية بالفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عصا موسى قد تحولت بالفعل إلى حية حقيقة، كما جاء في عدة آيات من كتاب الله تعالى، وذلك من المعجزات الحسية التي أيد الله تعالى بها نبيه موسى -عليه السلام- وقد التهمت العصا جميع الحبال التي ألقاها سحرة فرعون، وخيلوا إلى الناس بسحرهم أنها حيات، وهي ليست حيات على الحقيقة؛ ولهذا عند ما شاهدوا عصا موسى تتحول إلى حية حقيقة أذعنوا، وعلموا أن هذا ليس تشبيها ولا تخييلا..
وأما قول الله تعالى: كأنها جان. فهو تشبيه لها بنوع من الحيات، لا أنها لم تتحول إلى حية حقيقة، والجان جنس من الحيات معروف كما قال أهل التفسير. وليس فيه ما ينفي أنها تحولت إلى حية حقيقة كما جاء في الآيات الأخرى كما في قوله تعالى: وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا. وفي قوله تعالى:.. فإذا هي حية تسعى. بدون أداة تشبيه.
ومن المعجزات التي أظهرها الله في عصا موسى - غير انقلابها حية إذا ألقاها، ورجوعها طبيعية إذا أخذها بيده- انفلاق البحر لما ضربه بها. ومنها: انفجار الماء من الحجر عندما يضربه بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1430(1/1356)
هل يصح عرض معجزات الأنبياء للتحليل العلمي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المعجزات (سبحان الله) التي تخرق العادة والمنطق الدنيوي (الضيق) مثل الإسراء والمعراج ومثل أصحاب الكهف.. له تفسير علمي مادي من علوم الدنيا تأتي لنعرفها، ولكننا لم نصل لها بعد أو قد لا نصل لها نحن البشر فى الدنيا ولكن الله سيعرفها لنا يوم القيامه ليعجز مدى علمنا الضيق..... أم أن هذه المعجزات من علم لدني يختلف عن قواعد العلوم الدنيوي التي عرفناها فى الدنيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعجزة هي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي في بعض الأحيان تصديقاً للأنبياء وإقامة للحجة على العباد، وانظر لذلك الفتوى رقم: 3183.
وما كان خارقاً للعادة فإنه لا يخضع للتحليلات العلمية، فخروج الناقة من الصخرة مثلاً أمر حصل بقدرة الله، قدره الله تعالى إظهارا لصدق نبيه صالح عليه السلام، وانشقاق القمر معجزة أظهرها الله تصديقاً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقس على ذلك سائر المعجزات التي أظهرها الله تعالى على أنبيائه ورسله. فهذا الأمر لا يخضع للسنن العادية، ولا ينبغي التكلف في تحصيل تفسير علمي له، وإنما يتعين على المسلم أن يكون اطلاعه على المعجزات سبباً في قوة إيمانه وانقياده لله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1429(1/1357)
الحكمة من إعطاء عيسى معجزة إحياء الموتى
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفادتي بما يلي: قال الله عز وجل (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) أي أن الأموات لا يرجعون إلى الحياة الدنيا, فما الحكمة من جعل النبي عيسى عليه السلام يستطيع إحياء الموتى؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإحياء عيسى عليه السلام للموتى بإذن الله كان معجزة لإثبات نبوته، وكل نبي أوتي معجزة وقد أوتي عيسى عليه السلام معجزات أخرى، كما في قوله تعالى: وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {آل عمران:49} .
وكان نبينا عليه الصلاة والسلام قد أوتي معجزات كثيرة، من أعظمها القرآن الكريم الذي تحدى الإنس والجن جميعاً أن يأتوا بسورة من مثله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من الأنبياء نبي إلا أعطي له ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1428(1/1358)
جواب شبهة حول معجزات الأنبياء والرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ بارك الله فيك، نلاحظ في كلام بعض الطوائف الحديث عن مسائل الولايات الكونية وأن الأنبياء والرسل لهم ولاية كونية كتصرف سليمان عليه السلام في الريح تجري بأمره ومن الجن من يعملون بين يديه بإذن ربه، فهل هذه الولاية فقط في حياته أم أنها مستمرة حتى بعد مماته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبارة الولايات الكونية ليست من المصطلحات المعروفة عندنا والذي أيد الله به الرسل يسمى بالمعجزات، والمعجزة -كما عرفها العلماء- هي أمر خارق للعادة يظهره الله على يد نبي من أنبيائه ليتحدى بها قومه، وسميت بذلك لعجز البشر عن الإتيان بمثلها، وهي بمثابة التصديق لهذا العبد في كل ما أخبر به عن الله، كما قال شيخ الإسلام.
ولم يرد لفظ المعجزة في القرآن الكريم وإنما الوارد هو لفظ الآية، وهي العلامة الدالة على الشيء، وقد أيد الله جميع الأنبياء بمعجزات منها ما ذكر في القرآن أو في السنة، ومنها ما لم يذكر والمعجزات منها ما ينقضي بانقضاء الغرض الذي من أجله أظهرها الله تعالى مثل تسخير الرياح والجن وغيرهما لسليمان عليه الصلاة والسلام، ومنها ما هو باقٍ كبعض معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المعجزات التي أعطى الله تعالى لسليمان في حياته الاستجابة لدعائه كما جاء في قوله تعالى: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ {ص:35} ، وأما استمرار ذلك بعد موته فليس له معنى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1428(1/1359)
الناقة معجزة صالح عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو سر إعجاز معجزة صالح عليه السلام؟ والرجاء إرفاق الدليل. مع الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعجزة رسول الله صالح عليه الصلاة والسلام هي الناقة التي أخرجها الله لقومه من الصخرة فكان من شأنها أن لها شرب يوم ولقومه شرب يوم، وفي يوم شربها يشربون من لبنها حتى عقرها أحدهم فعذبهم الله وقد قص الله ذلك في كتابه فقال: قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {الشعراء: 253-159} وقوله على لسان نبيه صالح لما قال لقومه: قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ {الأعراف: 73} وقد أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عن أبي الطفيل قال: قالت ثمود لصالح ائتنا بآية إن كنت من الصادقين: قال: فقال لهم صالح، اخرجوا إلى هضبة من الأرض فخرجوا، فإذاهي تتمخض كما تتمخض الحامل، ثم انها تفرجت فخرجت من وسطها الناقة فقال لهم صالح: هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ إلى قوله لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ. قال ابن عباس كما عند القرطبي وغيره: قالوا لو كنت صادقاً فادع الله يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء عشراء فتضع ونحن ننظر، وترد هذا الماء فتشرب وتغدو علينا بمثله لبنا. فدعا الله وفعل الله ذلك.
وخلاصة القول أن تلك المعجزة كانت بليغة كغيرها من المعجزات التي أيد الله بها أنبياءه وأقام بها الحجة على أقوامهم والدليل على إعجازها قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ، ثم إن خروجها على الوضع المذكور كاف في الإعجاز فإذا انضم إلى ذلك أنها تشرب في اليوم الواحد ما يشربه قوم صالح كلهم وتدر من اللبن مثل ما تشرب من الماء كان كل ذلك واضحا في وجه الإعجاز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(1/1360)
الفرق بين الإرهاص والمعجزة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الإرهاص والمعجزة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق تعريف المعجزة في الفتوى رقم: 3183 بأنها أمر خارق للعادة يجريها الله على أيدي أنبيائه، تصديقًا لهم، وإقامة للحجة على العباد.
وأما الإرهاص في اللغة كما قال ابن سيده فهو: المقدمة للشيء، والإيذان به.
وأما في الاصطلاح عند أهل العلم، ففي المعجم الوسيط: الإرهاص شرعًا: الأمر الخارق للعادة يظهر للنبي قبل بعثته. ا. هـ
وبهذا يعلم أن المعجزة ما أجراه الله تصديقًا للنبي بعد بعثته، وأن الإرهاص ما يظهر من المبشرات قبل بعثته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1424(1/1361)
الإسراء إلى بيت المقدس له حكم جليلة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم يمر الرسول صلى الله عليه وسلم في إسرائه إلى المدينة المنورة وجعل هذه المساجد مربوطة من خلال حادثة الإسراء والمعراج؟
ولماذا لم يعرج بالنبي صلى الله عليه وسلم مباشرة من مكة المكرمة ومن حجر الكعبة المشرفة. ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم حكمة ذلك، ولا يضرنا عدم العلم، فليس من وراء علم ذلك فائدة، ويمكن أن يقال: إن المدينة المنورة ليست مكان مهبط الرسالات، ولا فيها من معالم الوحي حين ذلك شيء، وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالمدينة وصلى بها، ولا يصح ذلك. وللإسراء إلى بيت المقدس حكمٌ ذكرها أهل العلم ومنها:
1/ إظهار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به من وصف بيت المقدس، وأخبار قافلة قريش، وغير ذلك مما شاهده النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته.
قال الإمام ابن القيم: فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه، أخبرهم بما أراه الله عز وجل من آياته الكبرى، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم وضرواتهم عليه، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه الله له حتى عاينه، فطفق يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئاً، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وأخبرهم عن البعير الذي يقدمها، وكان الأمر كما قال، فلم يزدهم ذلك إلا نفوراً، وأبى الظالمون إلا كفوراً.
2/ بيان عظمة النبي صلى الله عليه وسلم وشرفه، حيث كان إماماً للأنبياء.
3/ الإشارة إلى وحدة الأنبياء في الرسالة والهدف، وإن اختلفت شرائعهم في الفرعيات، فهم من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم دعاة إلى توحيد الله وعبادته، وإقامة الناس على المنهج القويم والخلق الكريم.
4/ تمحيص المؤمنين الصادقين الذين تلقوا هذا الحادث بالتصديق والتسليم.
5/ تفريج همِّ النبي صلى الله عليه وسلم وحزنه بسبب ما أصابه من فقدان المناصر والمؤازر بموت عمه وزوجته، وإيذاء الكافرين له.
6/ بيان عظمة الله وقدرته، وأنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون.
لهذه الحكم ولحكم لا نعلمها كان الإسراء إلى بيت المقدس قبل أن يعرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وعلى المسلم أن يعتقد أن لله الحكمة البالغة في كل شيء. وإن قصرت عقولنا عن إدراك هذه الحكمة في بعض الأحيان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1422(1/1362)
الأدلة على معجزة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أود السؤال عن مدى صحة حادثة شق صدر الرسول صلى الله عليه وسلم. ومدى صحة الأحاديث الواردة بهذا الصدد مع العلم أنًّ أكثرها عن حليمة السعدية التي توفيت قبل البعثة والله أعلم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: الأول في طفولته عند حليمة لنزع العلقة التي قيل له عندها هذا حظ الشيطان منك، والحديث في ذلك ثابت صحيح أخرجه مسلم وغيره ولفظ مسلم (عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئيره- فقالوا إن محمداً قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: أرى أثر المخيط في صدره". والظئير المرضعة وهي هنا حليمة كما هو معلوم.
الثانية: عند مبعثه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير قال الحافظ في الفتح عند شرحه لحديث باب المعراج من البخاري قال: وثبت شق الصدر عند البعثة كما أخرجه أبو نعيم في الدلائل.
وقد ذكر هذه الشقة أصحاب السير.
والثالثة: عند الإسراء والمعراج ليتأهب للمناجاة. قال الحافظ ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة في الإسباغ بحصول المرة الثالثة كما تقرر في شرعه صلى الله عليه وسلم وقد ثبتت هذه المرة في الصحيحين وغيرهما.
وقال عبد العزيز اللمطي في نظمه قرة الأبصار في سيرة المشفع المختار:
وشق صدر أكرم الأنام *وهو ابن عامين وسدس العام
وشق للبعث وللإسراء *أيضاً كما قد جاء في الأنباء
وقد ختم الحافظ مبحثه في شق صدره صلى الله عليه وسلم وغسل قلبه بكلمة تحدد واجب المسلم تجاه ما ثبت في هذا الصدد ونحن نختم بها جوابنا هذا قال الحافظ: (وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1422(1/1363)
الحكمة من خرق العادة بالمعجزة وغيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف ترد على من زعم أن خرق الله لعاداته على أيدي رسله كما يقال خروجاً عن النظام العام الذي تقتضيه الحكمه وتناط به المصلحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أقام الله تعالى الكون وفق سنن وثوابت اقتضتها حكمته جلا وعلا، وأجرى نظام العالم على ذلك.
واقتضت حكمته جل وعلا أن تكون هناك أمور خارجة عن هذه العادة، كانشقاق القمر لنبينا صلى الله عليه وسلم، وإمساك الشمس ليوشع، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وشق طريق يابس في البحر لموسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وغير ذلك من معجزات الأنبياء.
وكذلك ما يحصل من الخوارق على يد الدجال اختباراً للناس، وطلوع الشمس من المغرب بدلاً من المشرق كدليل على قرب انقضاء الدنيا، فهذا كله بأمر الله تعالى وتقديره، وهو موافق لحكمته وعلمه، ففي استمرار نظام العالم على السنة الجارية حكمة، وفي خرق العادة أحياناً حكمة أيضا (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) [الأنبياء: 23] . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1422(1/1364)
بقاء معجزة القرآن الكريم.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم لقد سمعنا من شخص يقول أن القرآن الكريم ليس بمعجزة للرسول صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن نقول أنه معجزة خالدة وأن هذا كفر فماذا تقولون، ونرجو ذكر بعض أسماء العلماء الذين يقولون بأن القرآن معجزة وذكر اسم الكتاب إن أمكن، جزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك السلام ورحمة الله تعالى وبركاته:
والمعجزة أمر خارق للعادة يجريها الله تعالى على أيدي أنبيائه تصديقاً لهم وإقامة للحجة على العباد، والقرآن أعظم تلك المعجزات وأبقاها على مر العصور وتعاقب الدهور إلى أن يرفعه الله تعالى إليه قبل قيام الساعة.
والإعجاز والتحدي في القرآن لا ينكرهما إلا مكابر. فهو معجز في فصاحته، وبلاغته، ونظمه، وأسلوبه، وما تضمنه من الإخبار عن الماضي الغابر، والمستقبل البعيد، إضافة إلى ما فيه من الأحكام المحكمة، والآداب الرفيعة، والهدى والنور، والبركة..
وقد تحدى الله الذين أنزل في عصرهم، وهم فصحاء الناس وبلغاؤهم أن يأتوا بكتاب مثله، فإن عجزوا فليأتوا بعشر سور مثله، فإن عجزوا فليأتوا بسورة مثله، فعجزوا عن ذلك كله وأفحموا، فظهر صدق النبي صلى الله عليه وسلم وقامت عليهم الحجة وعلى من بعدهم إلى يوم القيامة، لأن التحدي للجميع والعجز حاصل للجميع إلى يوم القيامة. فظهر بهذا أن القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم العظمى التي امتاز بها عن سائر الأنبياء، كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم من أهل التفسير وشراح الحديث والسير.
وممن صرح بذلك الإمامان النووي وابن حجر في شرحيهما للحديث الذي أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة"
قال الحافظ ابن حجر في شرح قوله: "وإنما كان الذي أوتيت" أي: إن معجزتي التي تحديت بها [هي] الوحي الذي أنزل عليَّ وهو القرآن، إلى آخر كلامه وذكر النووي مثله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1422(1/1365)
اسم الله مكتوب على صدرها.. هل تخبر بذلك أم تكتمه
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في صدري معجزة إلهية، والحمد لله على ذلك، وهي اسم الله عز وجل. فهل علي إخبار أحد بذلك أو أن أستر الخبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري على وجه القطع مراد السائلة الكريمة بهذه المعجزة الإلهية، والذي فهمناه أن اسم الله تعالى ظاهر على جلدها كالمكتوب، فإن كان كذلك فحكم إخبارها بذلك أو كتمانه يكون بحسب مقصدها ونيتها، وبحسب المصلحة المترتبة عليه. وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 96060، أن ما يجده الإنسان من الخوارق لا إثم في كتمانه، بل قد يكون كتمه أحسن. كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 72419، أنه لا مانع من وجود أي نوع من الخوارق.
هذا، وننبه السائلة على أن عورة المرأة بالنسبة للمرأة ما بين السرة والركبة، ولذا يجوز لها النظر إلى جميع بدنها عدا ما بين هذين العضوين، وذلك لوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبا، ولكن يحرم ذلك مع الشهوة وخوف الفتنة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 110485 وما أحيل عليه فيها.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(1/1366)
خرق العادة ليس دليلا على الولاية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعي في شخص يعتقد أن الله سبحانه وتعالى قد فوض بعض الأولياء -كالسيد البدوي وغيره- في التصرف في الكون حتى بعد مماتهم أو نحو ذلك, وإذا اعترض عليه أحد يقول إنه يعلم بأن الله هو المتصرف في الكون ولكنه قد أعطى لهؤلاء تلك الكرامة.
وهو يستدل على جواز ذلك بكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (مجموع الفتاوى) :
1- (وَمَا زَالَ فِي عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ الْمَنْصُورَةِ وَجُنُودِ اللَّهِ الْمُؤَيَّدَةِ مِنْكُمْ مَنْ يُؤَيِّدُ اللَّهُ بِهِ الدِّينَ وَيُعِزُّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَفِي أَهْلِ الزَّهَادَةِ وَالْعِبَادَةِ مِنْكُمْ مَنْ لَهُ الْأَحْوَالُ الزَّكِيَّةُ وَالطَّرِيقَةُ الْمَرْضِيَّةُ وَلَهُ الْمُكَاشَفَاتُ وَالتَّصَرُّفَاتُ....) انتهى
2- وأيضا: فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَتَجِدُ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ عُمْدَتُهُمْ فِي اعْتِقَادِ كَوْنِهِ وَلِيًّا لِلَّهِ أَنَّهُ قَدْ صَدَرَ عَنْهُ مُكَاشَفَةٌ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ أَوْ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ مِثْلِ أَنْ يُشِيرَ إلَى شَخْصٍ فَيَمُوتَ؛ أَوْ يَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا ,أَوْ يَمْشِيَ عَلَى الْمَاءِ أَحْيَانًا؛ أَوْ يَمْلَأَ إبْرِيقًا مِنْ الْهَوَاءِ؛ أَوْ يُنْفِقَ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ مِنْ الْغَيْبِ أَوْ أَنْ يَخْتَفِيَ أَحْيَانًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ؛ أَوْ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اسْتَغَاثَ بِهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ فَرَآهُ قَدْ جَاءَهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ؛ أَوْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِمَا سُرِقَ لَهُمْ؛ أَوْ بِحَالِ غَائِبٍ لَهُمْ أَوْ مَرِيضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ؛ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا وَلِيٌّ لِلَّهِ؛ بَلْ قَدْ اتَّفَقَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ مَشَى عَلَى الْمَاءِ لَمْ يُغْتَرَّ بِهِ حَتَّى يَنْظُرَ مُتَابَعَتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوَافَقَتَهُ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. وَكَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ ... انتهى كلامه.
وهل في هذا المقطع الأخير ما يتناقض مع فتاوى شيخ الإسلام بكفر من يستغيث بالميت أو الغائب؟
وجزاكم الله خيرا.
فكيف أرد عليه بالدليل من الكتاب والسنة, وكيف أرد على استدلاله بكلام شيخ الإسلام رحمه الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اعتقادَ أن غير الله يتصرف في الكون بالضُر والنفع والخفض والرفع والعطاء والمنع من أقبح أنواع الشرك في الربوبية، وهو ما لم يكن يعتقده المشركون من أهل الجاهلية، فقد كانوا يعتقدون أن الله وحده هو المدبر لأمور الكائنات دون ما سواه، وإنما كانوا يصرفون العبادات لغيره من الآلهة والأنداد الباطلة بزعم أنها تشفع لهم عنده وتقربهم إليه زُلفى، قال تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ {يونس:31} .
وطلبك دليلاً على إبطال هذه العقيدة من أعجب الأشياء! فإن القرآن كله من أوله إلى آخره ناطقٌ بأن الملك لله وحده والتدبير والتصرف له وحده، وزعمُ أن الله يكرمُ بعض خلقه بأن يجعله يتصرف في الكون كلامٌ باطل متناقض، وخلاصته أن الله أكرمه بأن جعله إلهاً معه فما أقبح هذا الزعم، والله يقول: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {النمل:61} ، بل جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى، وهو تعالى الغني عنهم.
وأما زعمه أن شيخ الإسلام يقول بهذا فمن أقبح الكذب والافتراء على شيخ الإسلام، وهل عاش شيخ الإسلام إلا مُنافحاً عن التوحيد مقرراً لقواعده، مُرسياً لدعائمه، والنصُ الأول المذكور من كلام الشيخ هو من رسالته لجماعة عدي بن مسافر، وفيه ثناؤه عليهم وبيانه أن لهم كرامات وأحوالا، وليس مقصودٌ بقوله (والتصرفات) ما فهمه هذا الزاعم بحال، وأين إثبات كرامات الأولياء والذي هو مُعتقد أهل السنة والجماعة من دعوى إلهٍ مع الله يتصرفُ في الكون وفق ما أراد، بل كرامات الأولياء أمرٌ ثابتٌ قطعاً وهو ما يجريه الله على أيديهم من خوارق للعادات تأييداً للحق وهدايةً للخلق.
وأما النص الثاني المذكور من كلام الشيخ فقد جاء في سياق كلامه رحمه الله عن الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وفيه بيانُ أن خرق العادة ليس دليلاً على الولاية وهو من أكبر ما يُهدم به بُنيان الصوفية الغلاة من قواعده، فإن الشياطين قد يقدرون بإذن الله على بعض هذه الخوارق مما يُقدره الله عز وجل امتحاناً للناس وفتنةً للمفتونين منهم، وأما قوله رحمه الله: إن كرامات الأولياء أعظم من هذا بكثير فمراده به ما قرره في غير موضع من أن التوفيق للثبات على الحق ولزوم السنة والدين هو أعظم كرامات الأولياء، فأعظم الكرامة لزوم الاستقامة، كما أن كرامات الأولياء في عامتها تأتي تأييداً للدين ونصرةً له، وأما أن ولياً لله يتصرف في الكون فهذا ما لا يعتقده مسلم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فالله سبحانه هو المستحق أن يعبد لذاته، قال تعالى: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، فذكر الحمد بالألف واللام التي تقتضي الاستغراق لجميع المحامد، فدل على أن الحمد كله لله، ثم حصره في قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، فهذا تفصيل لقوله: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فهذا يدل على أنه لا معبود إلا الله، وأنه لا يستحق أن يعبد أحد سواه، فقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إشارة إلى عبادته بما اقتضته إلهيته: من المحبة والخوف، والرجاء، والأمر، والنهي. {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إشارة إلى ما اقتضته الربوبية، من التوكل والتفويض والتسليم؛ لأن الرب سبحانه وتعالى هو المالك، وفيه أيضا معنى الربوبية والإصلاح، والمالك الذي يتصرف في ملكه كما يشاء.
فإذا ظهر للعبد من سر الربوبية أن الملك والتدبير كله بيد الله تعالى، قال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فلا يرى نفعا، ولا ضرا، ولا حركة، ولا سكونًا، ولا قبضا، ولا بسطا، ولا خفضًا، ولا رفعًا، إلا والله سبحانه وتعالى فاعله، وخالقه، وقابضه، وباسطه، ورافعه، وخافضه. فهذا الشهود هو سر الكلمات الكونيات، وهو علم صفة الربوبية. والأول هو علم صفة الإلهية وهو كشف سر الكلمات التكليفيات.
فالتحقيق بالأمر والنهي، والمحبة والخوف والرجاء، يكون عن كشف علم الإلهية.
والتحقيق بالتوكل والتفويض والتسليم يكون بعد كشف علم الربوبية، انتهى.
ولا نطيل بذكر النقول عنه رحمه الله في هذا المعنى فإنها من الكثرة بحيثُ لا تكادُ تُحصر إلا بكلفة، ولكننا نُحيلك على تصانيفه وكتبه النافعة فإنها دائرةٌ في كثيرٍ منها على تقرير التوحيد وبسط أدلته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1430(1/1367)
الرائحة الطيبة التي قد تنبعث من الشهيد وحكم التبرك بتراب قبره
[السُّؤَالُ]
ـ[بخصوص كرامات الشهداء هل هناك تحديد لهذه الكرامات؟ فقد استشهد أحد الزملاء وبعد دفنه قيل بأن رائحة الرمال حول قبره رائحتها مسك بدأ الناس بأخذ هذه الرمال والاحتفاظ بها وظهر البعض وقال بأن أقرباء له قد أضافوا هذا العطر، السؤال هنا هل ورد في السنة أن من كرامات الشهداء أن يكون رائحة الرمل الذي حول القبر مسك؟ أرجو الإفادة لأن الموضوع يتجه إلى الفتنة وأخاف أن نصدق الرواية أو نكذبها فنكون من المذنبين وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كرامات الشهداء ثابتة عند أهل السنة والجماعة؛ قال الحافظ ابن حجر في الفتح: والمشهور عن أهل السنة إثبات الكرامات مطلقا، لكن يستثنى من ذلك ما وقع به التحدي لبعض الأنبياء. اهـ
ومن الكرامات رائحة المسك التي تشم في بعضهم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 37026.
وبخصوص ما ذكرت فلا مانع شرعا ولا عقلا أو عادة أن يكرم الله تعالى الشهيد المذكور بما أكرم به بعض الشهداء من الرائحة الطيبة وغيرها، مما يشاهده الناس في كل زمان ومكان، ولكن لايجوز أخذ تراب قبره والتبرك به لما في ذلك من البدع والغلو.
وقد بينا ذلك بالتفصيل في الفتوى: 14693، فنرجو أن تطلع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1429(1/1368)
الخوارق قد تظهر على يدي أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي لكم هو عن أمر انتشر وشاع بكثرة لا تخفى وإن لم يشاهده أحد فقد سمع عنه كثيراً ... صراحة لا أعلم ما أقول هل هي كرامات رجال صادقين أم كما يقول بعضهم شعوذة وسحر لقد كثر ذلك عندنا وخصوصا فيما نسميه عندنا (موالد) وهي مجالس يذكر فيها اسم الله كثيراً، فرجل يتلفظ بـ (هو هو) ويدخل أشياء حديدية في بطنه حتى لا تكاد ترى وآخر يدخل شيئا منها من أحد شدقيه حتى يخرج من الآخر وآخر يأكل حبات الرز ثم يخرجها من جانب بطنه كما هي وكثيراً جداً من الأمور التي لم تسعفني ذاكرتي بذكرها والتي أقف أمامها متفرجا مذهولا، رجائي أن تجيبوني بالأدلة العقلية عما يلي:
1- ما موقف الإسلام من هؤلاء الذين يقومون بأشياء عجيبة لا أعرف الهدف منها, ترى هل هم مؤمنون لهذه الدرجة أم ليسوا كذلك, فسيدنا أبو بكر وعمر وصحابة رسول الله رضوان الله عليهم هل كانت هذه الأشياء عندهم ولا أعتقد أن أحداً بلغ مبلغهم من العلم والإيمان.
2- فهذه الأشياء تحدث أمامنا بشكل لا ينكر, يقول صاحبي بأن كرامة الولي قد تجعله يمشي على الماء أو أن يطير في السماء فهل لهذا أساس في القرآن والسنة.
3- وهل صحيح أن من التابعين والذين كان منهم أولياء كالشيخ عبد القادر الكيلاني أو ابن تيمية ما أن استنجدت به أنجدك، فالتوسل بالأعمال الصالحة وارد بالسنة كما في قصة الثلاثة ماذا عن التوسل بالأولياء والصالحين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأعمال المذكورة من أعمال المشعوذين أو من أعمال الشياطين لإغواء البشر وإفساد عقائدهم، ويسميها بعضهم سحر العين.
وأما التلفظ بـ (هو هو) فهو بدعة محدثة، فقد ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى: إن من زعم أن لا إله إلا الله ذكر العامة، وأن ذكر الخاصة هو الاسم المفرد، وذكر خاصة الخاصة هو الاسم المضمر فهم ضالون غالطون ... انتهى.
وأما الخوارق فليست معياراً ولا دليلاً للإيمان، لأنها قد تظهر على يدي أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فقد مشى على الماء بعض السلف من الصحابة والتابعين، ولكن أهل العلم ذكروا أن الخوارق إذا ظهرت على يدي شخص غير مستقيم على الطاعة واتباع السنة فإنها لا تعد كرامة ولكنها تعد استدراجاً له، كما قال بعضهم:
إذا رأيت رجلاً يطير * وفوق ماء البحر قد يسير
ولم يقف عند أمور الشرع * فإنه مستدرج وبدعي
وأما الاستنجاد بالأولياء فهو من الاستغاثة الشركية، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 14616.. وأما التوسل بهم فمختلف فيه والراجح منعه، وراجع للمزيد في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 107197، 4416، 32634، 100439، 52968.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1429(1/1369)
القصة هذه من الكرامات لا من المعجزات
[السُّؤَالُ]
ـ[وقف أحدهم واعظا فقال حدثت نار في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشبه بالبركان فقال عمر قم لها يا تميم ويقصد تميما الداري فلم يقم فأخرج له الدرة فذهب تميم ولملمها بيديه فتلملمت وأطفئت، فهل يصح هذا وخصوصا أن عمل تميم أشبه بالمعجزة، أم أن هذا من وضع الوضاعين؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر هذه القصة غير واحد من أهل العلم، ومنهم الحافظ ابن حجر في كتابه (الإصابة في تمييز الصحابة) ، وهبة الله اللالكائي في كتابه (كرامات أولياء الله عز وجل) ، ولم نجد من حكم عليها بصحة أو ضعف أو وضع، وإذا ثبتت فلا إشكال فيها، فإنها تعد في كرامات الأولياء وليست معجزة، فإن المعجزات لا تكون إلا للأنبياء، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 32634، والفتوى رقم: 68982.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1429(1/1370)
لاحرج على من رأى النبي في المنام من التحدث بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حلمت بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم مرارا وأنا كل مرة أخبر من حولي بذلك ولكن جارتي التى تعطيني دروسا دينية قالت لي إن هذه الأحلام بالرسول لن تعود لي أبدا لأنني ما كان يجب أن أخبر بها أحدا فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام نعمة وخير وبركة.. ولا مانع من التحدث والإخبار بها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم خيروبركة ... فقد صح عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بي.. رواه البخاري وغيره.
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:..... ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. وهذا لفظ البخاري.
ولم نقف على من قال بعدم التحدث بها أو الإخبار عنها، بل هي من فضل الله تعالى ونعمه على بعض عباده فينبغي التحدث بها والإخبار عنها من هذا الوجه؛ كما قال الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى:11}
وللمزيد انظري الفتوى: 23595 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1429(1/1371)
صدق الإلهام مؤشر على الصلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة من مدة قصيرة بدأت تغسل الأموات وهي إن شاء الله أمينة والكل ارتاح لهذه المرأة ولا يطلبون لتغسيل موتاهم إلا هي تقريبا. المهم أن هذه المرأة أصبح يأتيها حدس من الليل أنه غدا سوف تطلب لتغسيل ميتة ما.. حتى أنها أحيانا ترى الميتة في منامها من قبل أن تعلم أن هناك ميتة ترى شكلها حتى أنها رأت في منامها قبر إحدى المتوفيات ورأت مدخل بيتها وعندما ذهبت في اليوم الثاني لتغسيل هذه الميتة دهشت بأن ما شاهدته في المنام طابق الحقيقة فهي قلقه من هذه الناحية؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ما ذكرته عن تلك المرأة من الأمانة وصدق الإلهام والرؤى تعتبر مؤشرات على صلاحها، وليس فيه ما يبعث على القلق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرؤيا التي تتحقق في اليقظة بالنسبة للشخص المستقيم في دينه تعتبر بشرى له، ففي حديث البخاري: لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة. وفي رواية: إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له. وفي حديث آخر: إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب. رواه البخاري ومسلم.
كما أن الله تعالى قد يلهم بعض عباده شيئا من الأمور الغيبية. والأصل في إثبات الإلهام والتحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب. متفق عليه.
وعليه، فما ذكرته عن هذه المرأة من الأمانة ورضى جميع الناس عنها، وما ظهر من صدق إلهامها ورؤاها أن هذه الأمور تعتبر مؤشرات على صلاحها.
ومع هذا فإنه لا ينبغي القطع لها بذلك؛ لأن بعض هذه الأمور قد يحصل لمن هو غير مستقيم.
وعلى أية حال، فإن ما ذكرته ليس فيه ما يبعث على القلق؛ لأنه يدل على الصلاح ما دامت صاحبته مستقيمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1429(1/1372)
شروط الرؤية المعتبرة للنبي في المنام
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص رأى فى المنام النبي صلى الله عليه وسلم وهو شاب فى سن العشرينيات وقعد مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقال له في الحلم ادع لي يا رسول الله بالجنة فقال له صلى الله عليه وسلم أنت أكيد إن شاء الله من أهل الجنة، السؤال عن حديث للنبي يقول: من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي. ولكن الشخص رأى النبي في العشرينيات من العمر وليس فى آخر أمره، فهل فعلاً هذا النبي صلى الله عليه وسلم مع العلم بأنه قال إنه النبي محمد؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم على صورته المعروفة بشرى خير لصاحبها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بصفته الثابتة في السيرة النبوية والسنة الصحيحة من المبشرات؛ لأن الشيطان لا يتخيل به، وذلك لما في الصحيحين مرفوعاً: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي. وفي رواية: فقد رأى الحق. وسبق بيان ذلك بالتفصيل وأقوال أهل العلم فنرجو الاطلاع عليه في الفتوى رقم: 23595، والفتوى رقم: 98612 وما أحيل عليه فيهما.
وأما عن تعبير ما رآه الشخص المذكور فنقول له: خيراً رأيت، وبإمكانك أن تسأل أهل الاختصاص عن تعبيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1429(1/1373)
يرجى كون رؤيتك للنبي في المنام سببا للهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حلمت قبل فترة برسول لله صلى لله عليه وسلم وبصحبة الصحابي عمر بن الخطاب - رضي لله عنه - وكنت قد رأيت لحيته الشريفة وكذلك الصحابي عمر بن الخطاب رضي لله عنه ورأيتهم يتبسمون حتى بانت أسنانهم.
والسؤال: أنا شاب قد ابتلاني الله بمعصية لواط، ولله أعلم أني أريد أن أنتهي منها بإذن لله، هل يكون ظهورهم لي بالحلم يعني أني سوف أهتدي بإذن لله وأترك المعاصي مع أني لا أصلي أيضا.
جزاكم لله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنك -والعياذ بالله- قد أقررت على نفسك بأنك في عصيان لله كبير، فأما اللواط فهو إحدى الفواحش النكراء التي عابها الله على قوم لوط. قال تعالى: ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين. {الأعراف:80} . وقال: أتأتون الذكران من العالمين {الشعراء:165} . وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به. رواه الترمذي.
وأما ترك الصلاة، فالذي رجحه كثير أهل العلم هو أن تركها بالكلية يعد صاحبه كافرا خارجا من الملة، والعياذ بالله. والذي يصلي أحيانا ويتركها أحيانا يعتبر فاسقا فسقا كبيرا، ومستحقا للقتل حدا. ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 17277.
وفيما يخص موضوع سؤالك؟ فإذا كنت قد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على أوصافه الثابتة في السنة، فقد ثبت أن الشيطان لا يتمثل بالنبي صلى الله عليه وسلم.
جاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ... ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. وهذا لفظ البخاري.
وقد سبقت الإجابة عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في الفتوى رقم: 23970.
وبخصوص ما ترجوه من أن يكون في رؤيتك للنبي صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه دلالة على أنك سوف تهتدي وتترك المعاصي، فإن ذلك لا يمكن الجزم به، لكنه ليس مستبعدا. فقد يكون ذلك عناية من الله بك وإرادة للخير لك، وراجع الفتوى رقم: 24475.
فبادر إلى الله بالتوبة، ولا تيأس من رحمة الله، فقد روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. رواه الترمذي وابن ماجه.
وفي الحديث الشريف: أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. والله عز وجل يمحو السيئ بالحسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1428(1/1374)
السبيل إلى محبة الله للعبد
[السُّؤَالُ]
ـ[أسمع أن هناك بعض الناس لديهم حال جميل مع ربهم وأن الله يعطيهم كرامات جميلة فكيف أكون مثلهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من عمل الأعمال التي يحب الله من قام بها تحسن علاقته بالله ويستجاب دعاؤه، للحديث القدسي: وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ... ولئن سالني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه. رواه البخاري.
وراجع الفتوى رقم: 74127.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1428(1/1375)
البشرى في رؤية النبي في المنام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المزايا التي يمنحها الله للشخص الذي يحلم بالرسول صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد ذكر بعض أهل العلم في شرح حديث البخاري: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة. ذكروا في احتمالات الحديث أن فيها بشرى لمن رآه في النوم أن يموت على الإيمان، ويلقى النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة.
ورؤيته على كل مؤشر خير تبشر صاحبها، وعليه أن يحرص على الاستقامة واتباع السنة وتقوية الإيمان، وراجع الفتوى رقم: 22154.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1428(1/1376)
هل تكتسب الولاية بمجرد الرؤيا المنامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الولاية وتسلمها بالمنام كما يقول بعض الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تعني ولاية الله عز وجل وما إن كانت تثبت للشخص بالرؤيا المنامية أي بأن يقال له في المنام أنت من أولياء الله مثلاً، فاعلم أن الولاية أمر كسبي تنال بالإيمان والتقوى؛ كما قال الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ {يونس:62-63} ، وأما أن تثبت الولاية بمجرد الرؤيا في المنام فلا، ونحيلك على بعض الفتاوى التي فيها مزيد فائدة في أمر الولاية، والفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فيمكنك أن تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4445، 4421، 36637.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1428(1/1377)
هل تكلم الملائكة بعض الصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تكلم الملائكة إنسانا وترشده إلى خير أو تحذره من شر، أم هذا مجرد أوهام أو تهيؤات وخاصة في العصر الذي نحن فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا مانع شرعاً أن تكلم الملائكة بعض عباد الله الصالحين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الملائكة عباد الله المكرمون يمكن أن يتشكلوا ويكلموا بعض عباد الله الصالحين، ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم. وفيه أيضاً أن جبريل عليه السلام نزل في صورة رجل فكلم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ينظرون إليه ويسمعون. وفي صحيح مسلم عن مطرف قال: قال لي عمران بن حصين: ... قد كان يسلم علي حتى اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد. أي كانت الملائكة تسلم عليه فلما اكتوى تركت التسليم عليه، فلما ترك الاكتواء عادت للتسليم عليه، كذا في شرح النووي على مسلم.
وفي ثمرات القلوب للثعالبي: أن عمران بن حصين كان تصافحه الملائكة وتعوده ثم افتقدها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن رجالاً كانوا يأتونني لم أر أحسن وجوها ولا أطيب أرواحاً منهم ثم انقطعوا عني، فقال رسول الله: أصابك جرح فكنت تكتمه، فقال: أجل، قال ثم أظهرته قال قد كان ذاك، قال: أما لو والله أقمت على كتمانه لزارتك الملائكة إلى أن تموت. وهذا جرح أصابه في سبيل الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1428(1/1378)
رؤية النبي في المنام بشرى خير
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة في الثلاثين من عمري رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام خمس مرات في المنام في فترات متفاوتة، في المرة الأولى رأيته من الخلف وأعطيته سجادتي ليصلي عليها، في المرة الثانية رأيته وجلست معه وتحدثنا طويلا وكنت أضع يدي على ركبته ووعدني بالجنة، وقال أنت في الجنة وذكر لي عددا لا يفوق المائة على يمينه وقبل أن يغادر قدم لي فتاة طويلة بثوب أبيض وقال هذه صاحبتك، ثم أشار إلى جدتي وقال هذه زوجتي، وفي المرة الأخرى كنت أجلس في مكان عرفت أنه الجنة وكنت أراه صلى الله عليه وسلم من الخلف ومرة أخرى قابلته في قمة الجبل وأجلسني على كرسي من حجر الجبل وكنت خائفة لكنه طمأنني وقال لي هذا الكرسي لك. علما وأن هذه اللقاءات كانت مع الرسول عليه الصلاة والسلام منذ سنوات قبل أن أتزوج وأنجب بنتا وولدا، وكثيرا ما أحس ان ابنتي تشبه الفتاة التي قدمها لي رسول الله كصاحبة، وبيت الزوجية بني من حجارة الجبل وقرب الجبل.
فهل فعلا من رأى الرسول يحرم جسده على النار وهل وعده لي بالجنة حق. علما وأنني أقيم فرائضي الدينية منذ صغري وأجبرت على تعرية شعري بعد أن تحجبت وإلا أطرد من عملي، والحمد لله بارة بوالدي الفقيرين المريضين، وأعيل إخوتي الصغار وأصرف على بيتي وأولادي.
صدقوني رأيت وجه رسول الله بكل دقة وأتذكره جيدا وأتذكر صفاته بكل دقة وأفرح كثيرا بهذه الصورة النبيلة التي حفرت في ذاكرتي حفرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على صورته المعروفة في السنة والسيرة دليل خير وبشرى لصاحبها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك على محبة النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته في المنام وحرصك على أداء الفرائض الدينية.. ففي الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي. وفي رواية: فقد رأى الحق. وفي رواية: ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. وهذا لفظ البخاري.
ولذلك فإن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم على صورته المعروفة في السنة والسيرة لا شك أنها بشرى لصاحبها كما قال أهل العلم. وسبق بيان ذلك بتفصيل أكثر في الفتوى: 73001، وما أحيل عليه فيها.
وبخصوص تحريم جسد صاحبها على النار فإننا لم نقف له على دليل يثبته أو ينفيه.
وأما وعده صلى الله عليه وسلم لك بالجنة فإنه يُستبشر به، وينبغي لك أن تجتهدي في الأعمال الصالحة حتى تتحقق لك هذه البشارة إن شاء الله، وأما باقي الرؤى فبإمكانك أن تسألي عنها أهل الاختصاص في تعبير الرؤيا.
ولتعلمي- أختي الكريمة- أن الحجاب فرض من الله تعالى على كل مسلمة بالغة؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ {الأحزاب: 59}
وسبق بيان حكم العمل الذي يلزم المسلمة بخلع حجابها وأنه لا يجوز، وذلك في الفتوى: 69889، ولذلك فإن عليك أن تتركي هذا العمل، فإذا كنت لا تستطيعين ترك العمل بالكلية فإن عليك أن تبحثي لك عن عمل آخر يسمح صاحبه بارتداء الحجاب.
وإذا كنت مضطرة له ولم تجدي بديلا عنه فلك أن تعملي فيه بقدر الحاجة وللضرورة فقط، مع وجوب البحث والتحري عن عمل آخر؛ لأن هذا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات، والله تعالى يقول: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة: 173} ويقول تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119} .. الآية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1428(1/1379)
التواتر ليس شرطا في صحة وثبوت الأحداث
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تصح هذه الروايات فيما يخص بعض الكرامات، كثيرا ما أقرأ أو أسمع عن بعض الكرامات التي وقعت لأولياء الله من الصحابة والتابعين والذي أشكل علي وهو أن خرق العادة أي الكرامة يكون له تأثير في النفوس وهذا يؤدي إلى تواتر تلك الأحداث بين الناس فلماذا لا نجد هذا التواتر في أسانيد بعض تلك الأحداث وكمثال على هذا ما وقع للصحابي الجليل أبي العلاء الحضرمي رضي الله عنه في إحدى غزواته بأن جيشه سار على الماء وأنه توفي ودفن دون أن يغسل لانعدام الماء فلما وجدوا الماء أرادوا إخراجه من القبر ليغسلوه فلم يجدوه فهذه الكرامات عاينها جيش بكامله ولكن الرواية كما ذكرها ابن كثير والذهبي على ما أظن ليست إلا عن طريق رجل واحد اسمه سعد؛ كذلك حفظ الله لأجساد شهداء أحد وما وقع لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر وصاح يا سارية الجبل فهذه كرامات عاينها خلق كثير فهل أسانيدها متواترة، فمثلا معجزة حنين الجذع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عاينها كثير من الصحابة وهذا ما نجده في أسانيدها التي بلغت التواتر مما يؤكد صحتها يقينا؟ بارك الله فيكم وبارك عليكم وبارك لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التواتر ليس شرطاً في صحة الأحداث، فكم من الأحداث حصلت أمام جماهير الناس مرارا ولم ترو بالتواتر، ولم يمنع ذلك من الحكم بثبوتها، فحجة النبي صلى الله عليه وسلم حصلت أمام عشرات الآلاف من الصحابة رضي الله عنهم، وقال لهم: لتأخذوا عني مناسككم.. ولم ترو عنه تفاصيل حجته إلا من حديث جابر رضي الله عنه، ووضوؤه وصلاته تكررا آلاف المرات أمام الصحابة ولم ترو صفة صلاته ووضوئه صلى الله عليه وسلم إلا عن قلة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولم يفد ذلك شكاً في ثبوتها مع توفر الأسباب الداعية لنقلها بالتواتر.
واعلم أن قصة نداء عمر سارية قد ذكر ابن كثير وابن حجر أن سندها جيد وقد حسنها الشيخ الألباني.
وأما قصة العلاء بن الحضرمي فقد ذكرها ابن كثير وذكر أنها رويت بعدة أسانيد، وقد ذكرها محتجا بها على فضل هذه الأمة، وقد رواها البيهقي في دلائل النبوة.
وأما حفظ أجساد شهداء أحد رضي الله عنهم فترة من الزمن فقد ذكرت في عدة روايات ومن أصحها ما في البخاري عن جابر من قصة والده وفيها: ... فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته. انتهى.
ومنها: ما في الموطأ من وجودهم بعد ست وأربعين سنة لم يتغيروا، وذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء دون اعتراض عليها، وذكر ابن حجر في الفتح أنه رواها ابن إسحاق في المغازي عن أبيه عن أشياخ من الأنصار، وذكر أن لها شاهداً بإسناد صحيح عند ابن سعد عن جابر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1428(1/1380)
الفارق بين الكرامة والاستدراج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 36 سنة ابتليت بسحر من النوع المأكول والمشروب وهو أقوى أنواع السحر وقد من الله علي بالشفاء ولله الحمد ولكن الغريب وأثناء فترة علاجي سقط نصف ضرسي في الفك العلوي من الجانب الأيمن دون سبب وفي أقل من 24 ساعة نما العظم مكان نصف الضرس المكسور وجبر السن ولله الحمد والمنة أريد منكم أيها الفضلاء تفسيرا لهذه الظاهرة وهل تعتبر نوعا من الكرامة؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي شفاك.. وعليك أن تحمد الله تعالى وتشكره وتسأله المزيد من إنعامه والعون على شكره،
وبالنسبة لما حصل لك فيمكن أن يكون كرامة، ولتعلم أن أعظم كرامة يمن الله بها على عباده هي الاستقامة على طاعة الله تعالى، وهي الفارق بين الكرامة والاستدراج كما قال أهل العلم، فخوارق العادة تقع لأولياء الله كرامة ولأولياء الشيطان استدراجا، والفرق بيهما هو الإيمان والتقوى والاستقامة على طاعة الله، كما قال تعالى في وصف أوليائه: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ {يونس: 62-64} ".
وللمزيد انظر الفتوى: 65441.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1428(1/1381)
رؤية الله بين الممكن والمحال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان وكل إنسان يخطئ ولكن أنا أحب أن أرى الله وأرى السماء وأرى سيد الخلق محمد بن عبد الله وأفكر في كيف خلق الله الدنيا وأنا مسلم موحد وأشهد أنه الله الذي خلقني، ولكن أريد أن أعرف تفكيري هذا حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك بالإسلام والتوحيد، فذلك أعظم نعمة ينالها العباد، وأما تفكيرك في رؤية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وتمنيك وحبك له، فإن كنت تتمنى أن ترى الله ورسوله في الآخرة فهذا تمنٍ محمود ووسيلته الكبرى هي الإيمان والعمل الصالح فمن أعظم جزاء الله للمؤمنين إكرامهم بالنظر لوجهه سبحانه وتعالى، واجتماعهم بالنبي صلى الله عليه وسلم والتقاؤهم به.
وأما إن كنت تحب رؤيتهما في الدنيا يقظة فإن هذا من تمني المحال وطلب المحال معدود من جملة أنواع الاعتداء في الدعاء، وأما حب رؤيتهما في المنام فإنه لا حرج إذ تمكن رؤيتهما في المنام، وراجع في منع الاعتداء في الدعاء وفي موضوع رؤية الله ورسوله في الدنيا والآخرة وفي خلق الله الدنيا وفي أهمية نظر السماء نظر تأمل- راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 45972، 29056، 73402، 23970، 4421، 2426، 53925، 30754، 63823، 70080، 8271، 20193، 69060، 28109، 53987، 28653.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(1/1382)
بحوث نفيسة لابن تيمية في المعجزات والكرامات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في كتاب المعجزة وكرامات الأولياء لابن تيمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على كتاب لشيخ الإسلام بهذا الاسم، ولكن له في الجزء الحادي عشر من مجموع الفتاوى كلام نفيس في المعجزات والكرامات، وفي الفرق بين أولياء الله الحقيقيين وبين أولياء الشياطين، وقد ذكر في هذا الجزء كثيراً من الأمور المهمة التي تتعلق بهذه الأمور فعلى طلاب العلم أن يستفيدوا منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1428(1/1383)
نبذة عن عبد السلام الأسمر وحقيقة االكرامات
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو (عبد السلام الأسمر) ؟ وما حقيقة إيمانه فهل هو شيخ صالح أو تابع للصوفية؟
ما حقيقة كلمة (كرامات) وحقيقة ظهورها لبعض الأولياء في عصرنا هذه حقيقة أو كذب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ألف الدكتور مصطفى عمران ربعة كتابا أسماه:"رسائل الأسمر إلى مريديه" جمع فيه هذه الرسائل، وترجم لهذا الرجل بقوله: هو أبو عمران عبد السلام بن سليم بن محمد بن سالم بن حميدة بن عمران ... ، ينحدر من قبيلة "المريقات" وهي إحدى القبائل الثمان التي تكون بمجموعها ما يسمى الآن ب"الفواتير" نسبة إلى جدهم "فيتور". هذا بعض مما ذكره الكاتب في التعريف بهذا الرجل الذي هو عبد السلام الأسمر.
ويتضح من خلال هذه الرسائل المذكورة – إن ثبتت نسبتها إليه – أنه كان معتنقا للفكر الصوفي في العقيدة والسلوك، ومقررا لمسائل الصفات وغيرها على النهج الأشعري. وتراجع في التعريف بالأشاعرة الفتوى رقم: 27552، وفي التعريف بالصوفية الفتويان: 8500، 13742.
وأما الكرامات فهي ما يجري الله تعالى على يد بعض عباده الصالحين من خوارق العادات، وهي ثابتة بنصوص الشرع، وتراجع فيها الفتويان: 34071، 32634. وتراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 4445.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1428(1/1384)
يكرم الله تعالى من يشاء بما يشاء من الكرامات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الكرامات تقع لأشخاص صالحين بشكل مطلق بحيث لهم عدة قدرات مثل سماع عذاب القبر؟
لأنني أعتقد أن الرجل الصالح لا يسمع ولا يرى عذاب القبر. لأن أباهريرة رضي الله عنه كانت قدرته الخارقة للعادة هي قوة الذاكرة. وسرعة الحفظ. لكن لم يرد أنه سمع عذابا أو رآه نوما أو يقظة.
كما أن الصحابة كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وسمع الرسول صلى الله عليه وسلم عذاب القبور ولكن الصحابة رضي الله عنهم لم يسمعوا ... وقال الرسول الكريم حديثه المشهور والحكمة من عدم سماع العذاب من أجل استمرار الناس في دفن موتاهم.
لكن هناك من يدور ويحوم محاولا إقناعي أن بعض الصوفية المشهورين في الدول العربية لهم كرامات ويستطيعون شفاء المرضى ورؤية الغيب والصحف وسماع عذاب القبر واستشهدوا بقصص عن عمر رضي الله عنه (وشخصيا أجهل إن كان فعلا عمر رضي الله عنه يسمع عذاب القبر) يقولون إنه كان يغمى عليه عندما يمر بقبر....لكن بالنسبة لي هذا من قوة إيمانه تصور ما يمكن أن يحدث له إن تقاعس في طاعة الله. ولم يقل بنفسه إنه سمع عذاب القبر ورأى الغيب ...
كما يستشهدون بفتاوي الزنداني ونص لشيخ الإسلام ابن تيمية وأيضا نص لابن كثير......ورد فيها أنه ممكن لبعض الناس يسمع عذاب القبر أو رؤيته ...
لكن علماؤنا الأجلاء ليسوا معصومين. وابن كثير رحمه الله مؤرخ كان في بعض كتبه يروي رواية موضوعة ويحللها ويحكم عليها بالضعف.....فكيف يستشهدون ببعض الروايات الضعيفة....
المسألة معقدة علي وأنا أحترم كل العلماء وأؤمن بالكرامات لكن ليس لدرجة رؤية القدر والموت وعذاب القبر....
فما هو حكم الإسلام في الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المؤمن المتقي المستقيم يكرمه الله بما يشاء من الكرامات وهو سبحانه وتعالى قدير على ما يشاء لا يعجزه شيء, فما لم يثبت مانع شرعي من التكريم به لا يمتنع وقوعه.
وقد ذكر المناوي في شرح الحديث الذي ذكر السائل إمكان الاطلاع على حال المعذبين في قبورهم, وإنه واقع لكثير من الرجال. وراجع للمزيد في الموضوع, وفي مسألة كرامات الأولياء الفتاوى التالية أرقامها: 35246، 72037، 18244، 49724، 34071، 32634، 53617، 53617، 4445، 72037، 68982. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1427(1/1385)
دلالة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة من يقول إنه يرى الرسول ويقول أن ينشرها، وما حكمه وما الرد على هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام جائزة شرعاً وعقلا واقعة فعلا، وهي من رؤيا الخير الذي ينبغي التحدث به؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، فإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره. أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولكن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لا تدل على شرف الرائي ولا استقامته إن لم يكن كذلك في الواقع وهي نذير له وتنبيه؛ كما بينا في الفتوى رقم: 24475.
والشيطان لا يتمثل بصورة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي. رواه البخاري من حديث أنس.
ولكن بعض أهل العلم يقول: من رآه على غير صفته الحقيقية فلم يره، وبعضهم قال كلها رؤيا حق، قال ابن حجر: والذي يظهر لي أن المراد: من رآني في المنام على أي صفة كانت فليستبشر، ويعلم أنه قد رأى الرؤيا الحق التي هي من الله، لا الباطل الذي هو الحلم، فإن الشيطان لا يتمثل بي. انتهى.
والمقصود من ذلك أنه إذا رآه ولو على غير صفته المعروفة فهي رؤيا حق يجب حملها على ظاهرها، أو تأويلها إن احتاجت إلى تأويل، لأنها إما بشرى بخير أو إنذار من شر، وانظر الفتوى رقم: 23970.
ولكن ننبه هنا إلى أن ما يشاع من خبر الرسالة التي تنسب إلى أحمد خادم الحجرة النبوية أو غيرها وفيها أنه يجب نشرها وتعميمها ومن لم يفعل أصابه كذا ومن فعل وجد كذا, كل ذلك من الباطل الذي لا يجوز اعتقاده وهو كذب صريح وافتراء قبيح، وانظر الفتوى رقم: 13304، والفتوى رقم: 50652.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1427(1/1386)
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم من المبشرات
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هل رؤية الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم من المبشرات وهل من رآه فهو على الكتاب والسنة وأقول لكم جزاكم الله خيرا لقد رأيت الحبيب مرتين ورأيت القبر الشريف مرة واحد وآخر مرة رأيت الحبيب منذ حوالي شهر أو يزيد قليلا رأيته داخل المسجد النبوي وتقدم إلي وقبلني عند جبهتي مكان السجود مرتين قبلني وهل هذا دليل على أنني متبع كتاب الله وسنته أفيدوني أفادكم الله أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يزيدكم في علمكم وأن ينصر الإسلام والمسلمين وأن يرينا في الكفر والملحدين وأعداء الدين يوما كيوم بدر وأن يرينا فيهم عجائب قدرته برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم الرجاء أن لا تذيعوا هذا السؤال على الانترنيت أي أريد جوابا خاصا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بصفته الثابتة في السنة الصحيحة من المبشرات لأن الشيطان لا يتخيل به وذلك لما في الصحيحين من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي. وفي رواية: فقد رأى الحق. ولكن كون رؤيته تدل على اتباع الرائي للسنة أمر لا نعلم شيئا يدل عليه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 23970، 65441، 22154، 23595.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1427(1/1387)
قاعدة لمقياس صلاح المرء وفساده
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد شخص في منطقتنا معروف عنه التقوى والورع، مداوم على قراءة القرآن الكريم، ومعروف أيضا بأنه دائم الاستخارة لله عزوجل، كل ما أراد أحد أن يعمل أي شيء أو مشروع يذهب لذلك الشخص ويسأله ويقوم بإعطاء الرد بعد فترة ويوفق السائل بفضل الله عزوجل.
لكن الأمر المحير بالنسبة لي بأن ذلك الشخص التقي منذ فترة وجيزة قد بدأ يكشف عن ماضي أي إنسان يريد ذلك! أي اذا طلب "س" من الناس من ذلك الشيخ أن يكشف له ماضيه (ماضي "س") ، فعندها يقوم ذلك الشيخ بقراءة بعض من آيات القرآن الكريم وبعض الأدعية فيرى في تلك الليلة مناما رأى فيها حياة "س" بالكامل منذ ولادته، كأنه حياة "س" أصبحت كتابا مفتوحا بين يديه!
يقول ذلك الشيخ بأنه لا يرى حياة أي شخص إلا إذا سأل أو أخذ إذنه، مع العلم بأنه قد رأى حياة إنسانة من غير أن يأخذ إذنها لأنه كان يشك بأنه قد كتب حرزا (سحر من عراف) إلى زوجها.
سؤالي هو: أنا حائر جدا هل من الممكن أن يقوم بذلك شيخ ورع تقي؟ هل كشف حياة الناس من صلاحياته؟ لأن ماضي كل إنسان لا يمكن أن يعرفه أحد غير الشخص ذاته أو قرينه فإذا قام الشيخ بكشف الماضي فإنه قد تعامل مع الجن فبالتالي لا يمكن أن يكون من الشيوخ والأتقياء؟ أرجو منكم توضيح تلك القضية بالنسبة لي؟
آسف للإطالة، وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصاحبكم لا يخلو من أمرين: إما أن يكون كاهنا مشعوذا يستخدم الجن في تلك الأمور لابتزاز الناس وأكل أموالهم بالباطل وهو الغالب على مثل أولئك، وحينئذ فلا يجوز التعامل معه ولا القدوم عليه إلا لنصحيته وبيان الحق له؛ لما ذكرنا في الفتويين رقم: 64978 - 8840.
وإما أن يكون -كما ذكرت- من الاستقامة والورع ظاهرا وباطنا، وحينئذ يغلب على الظن سلامته، ويحمل ما يفعله على أنه حصل عليه عن طريق مشروع كالرؤيا -مثلا- وهي قد تصدق وقد تكذب، فإن طابقت الواقع فهي صادقة، وإن خالفته فهي كاذبة. هذا إذا كان مضمونها عن أمر ماض، ولا ينبغي له ذكرها ونشرها إذا تضمنت فضح إنسان ولو أذن له صاحبها لأن ستر المؤمن واجب، وإن فعل فقد أخطأ ويجب نصحه وبيان الحق له، كما لا ينبغي للمرء أن يسأل عن ذلك أيضا لأنه من الأسئلة الممنوعة؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ {المائدة: 101} قال البخاري: وكان قتادة يذكر هذه الآية عند حديث غضب النبي صلى الله عليه وسلم وقوله لأصحابه: سلوني عما بدا لكم، فسأله ابن حذافة عن أبيه، قال ابن شهاب كما عند مسلم: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة: ما سمعت بابن قط أعق منك، أأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس. . وهنا قاعدة ذكرها العلماء لمقياس صلاح المرء وفساده نقلها ابن كثير في تفسيره: عن يونس بن عبد الأعلى الصدفي قال: قلت للشافعي: إن صاحبنا الليث كان يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة، فقال الشافعي: قصر الليث رحمه الله بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة، وهذه قاعدة عامة يجب محاكمة كل شخص إليها قبل الحكم عليه بصلاح أو غيره، فالتزامها هو مقياس الصلاح، وتركها هو مقياس الفساد.
وخلاصة القول أن الغالب على مثل هؤلاء أن يكونوا كهنة يتعاملون مع الجن بما لا يجوز، وقد بينا حكم التعامل مع الجن ما يباح وما يمنع في الفتوى رقم: 9734، ولكن لا بد من التثبت من حاله قبل الحكم عليه بما ذكرنا من ضوابط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1427(1/1388)
هل ولى عصر الكرامات
[السُّؤَالُ]
ـ[أثابكم الله سؤالي كل الفتاوى المتعلقة بالكرامات يجاب عليه بضرب الأمثلة بالأنبياء وبكرامات حصلت لبعض الصحابة والتابعين فمثلا كان بعض الصحابة يسمعون تسبيح الطعام وبعضهم مشى على الماء وسؤالي هو نحن أمتنا عددها مليار وأكثر فلماذا لا نرى مثل هذه الكرامات الواضحة للعيان فالمسلمون الأوائل كان عددهم اقل من عددنا بكثير فلماذا لا نرى هذه الكرامات في عصرنا هذا ولا أعتقد أنه بسبب ذنوبنا لا توجد كرامات لأن عددنا الكبير لابد أن يوجد فيه الصالحون وأرجو إذا كانت توجد كرامات الرجاء التكلم عنها لكي يزداد الذين آمنوا إيمانا ولكي يحرك الإيمان في قلوب الغافلين والتكلم عن كرامات واضحة وإذا كانت توجد كتب تتكلم عن كرامات في عصرنا هذا الرجاء موافاتنا بها وجزاكم الله الخير على ما تقدمونه للمسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن أهم ما يحتاج له الناس هو السعي في تقوية تصديقهم وثقتهم بوعد الله تعالى الذي لا يخلف وعده، فقد وعد المؤمنين بإكرامهم بالحياة الطيبة والعز والنصر وفلاح الدارين والأمن والدفع عنهم والتمكين لهم، ومحبة الله لهم وفتح أبواب البركات والحياة الطيبة، إلى غير ذلك من الوعود الصادقة المهمة؛ كما قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {المؤمنون:1} ، وقال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ {المنافقون:8} ، وقال: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ {الروم:47} ، وقال: الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ {الأنعام:82} ، وقال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:55} ، وقال: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا {مريم:96} ، وقال: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {الأعراف:96} ، وقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97} .
فعلى جميع أفراد المجتمع المسلم أن يتعاونوا على تحصيل الإيمان حتى يكسبوا هذه الوعود الطيبة، والكرامات العظيمة التي ذاقها المسلمون في عصر تمسكهم بالدين كما هو معلوم في كتب السير والتاريخ الإسلامي، فكرم الله وقدرته وصدق وعده لا يخلف حاله مدى العصور والأزمان، فمهما استقام المؤمن على الدين في أي عصر حقق الله وعده.
واعلم أن أهم ما يحرك الإيمان في قلوب الناس هو مدارستهم الوحي المنزل من عند الله، وتعاونهم على البر والتقوى، وتواصيهم بالحق والصبر، فليستشعر الجهال حاجتهم له ويطلبوه عند حملته، وليستشعر حملة الوحي مسئوليتهم أمام الله في تعليمه، ولينفق كلٌ من وقته وطاقته وقوته العقلية في تحقيق ذلك.
هذا, وننبه إلى أنه ليس خرق العادات لقضاء حاجاتهم هدفا فإن أعظم كرامة نالها الصحابة وطلبوها هي الاستقامة على الطاعة؛ كما قال أهل العلم.
ومن أعظم الكرامات التي نشاهدها الآن استقامة الشباب على الدين مع توفر أسباب الفتن، حيث تجد منهم غضيض الطرف عن الحرام المعرض عن المعاصي الصابر على الابتلاء، إضافة إلى استجابة دعاء الكثير من المؤمنين، ودحر قوة الشيوعية الطاغية على أيدي المسلمين. وفي الإنترنت عدة كتب تتحدث عن هذه الأمور وعن قصص استجابة الدعاء فيمكنك البحث عنها ومطالعتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1427(1/1389)
الرؤيا الصالحة إكرام من الله للصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أسألكم جزاكم الله عنا كل الخيرالفرق بين علم الغيب والرؤيا الصالحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن علم الغيب يعنى به معرفة ما غاب عن الناس، وهو نوعان: غيب مطلق لا يعلمه إلا الله كعلم وقت قيام الساعة، وغيب نسبي قد يطلع الله بعض عباده عليه، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 5416.
وأما الرؤيا الصالحة فهي ما يراه الشخص الصالح في منامه من المبشرات، وهي من إكرام الله لعباده الصالحين، ففي حديث البخاري: لم يبق من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة. وفي رواية مسلم: لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة. قال المناوي في فيض القدير: الرؤيا الصالحة الحسنة أو الصحيحة المطابقة للواقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1426(1/1390)
التصديق بكرامات الأولياء
[السُّؤَالُ]
ـ[قال ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الروح: وصح عن حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب أن الصعب بن جثامة وعوف بن مالك كانا متآخيين قال صعب لعوف أي أخي أينا مات قبل صاحبه فليتراء له قال: أو يكون ذلك قال نعم فمات صعب فرآه عوف فيما يرى النائم كأنه قد أتاه قال أي أخي قال: نعم، قلت: ما فعل الله بكم قال غفر الله لنا بعد المصائب قال: ورأيت لمعة سوداء في عنقه قلت أي أخي ما هذا قال عشرة دنانير استلفتها من فلان اليهودي فهن في قرني فأعطوه إياها واعلم أخي أنه لم يحدث في أهلي حدث بعد موتي إلا قد لحق بي خبره حتى هرة ماتت منذ أيام وأعلم أن بنتي تموت إلى ستة أيام فأستوصوا بها معروفا.... إلى آخر القصة ... ومضمونها أن ما ذكره الصعب في المنام صحيح ثم إن عوفا رحمه الله أنفذ الوصية، وقال ابن القيم هذا من فقه عوف رضى الله عنه........... هل سند القصة صحيح، وأين أجد الحادثة، وعن الفوائد الفقهية والعقدية فيها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد لهذه القصة سندا نطمئن إلى صحته غير المصدر الذي ذكرته أنت، وهي مماثلة تماما لقصة أخرى ذكرها الزهري في الطبقات الكبرى، حيث قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن سلام أن سلمان قال له: أي أخي أينا مات قبل صاحبه فليتراء له، قال عبد الله بن سلام أو يكون ذلك؟ قال: نعم، إن نسمة المؤمن مخلاة تذهب في الأرض حيث شاءت ونسمة الكافر في سجن. فمات سلمان فقال عبد الله فبينما أنا ذات يوم قائل بنصف النهار على سرير لي فأغفيت إغفاءة، إذ جاء سلمان فقال: السلام عليكم ورحمة الله. فقلت: السلام عليك ورحمة الله. أبا عبد الله كيف وجدت منزلك؟ قال: خيراً، وعليك بالتوكل فنعم الشيء التوكل، وعليك بالتوكل فنعم الشيء التوكل، وعليك بالتوكل فنعم الشيء التوكل، قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب قال: حدثني المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن سلمان مات قبل عبد الله بن سلام فرآه عبد الله بن سلام في المنام فقال له كيف أنت أبا عبد الله قال: بخير، قال: أي الأعمال وجدتها أفضل، قال: وجدت التوكل شيئاً عجيباً ...
ومع أننا لم نجد مصدراً نقطع معه بصحة هذه القصص، إلا أن المسلم يجب عليه الإيمان بأن الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه كثيرة، ومن أصول أهل السنة التصديق بها، قال شيخ الإسلام: ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة. ولك أن تراجع في هذا الموضوع فتوانا رقم: 53940.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1426(1/1391)
الإلهام والمبشرات والكشف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن لشخص أن يكلم الله عز وجل في الدنيا سواء كان ذلك تكليما أو بالإلهام أي يلهمه الله ما يريد،
وهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \"إن من المحدثين من أمتي عمر\" بما معناه، أو أنه قال إن من أمتي المحدثين ومنهم عمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يمكن لشخص أن يكلمه الله عز وجل في الدنيا، فإن ذلك مستحيل عقلا وشرعاً، فقد انقطع الوحي وختمت النبوة بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ {الأحزاب:40} ، وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ {الشورى:51} .
أما الإلهام والمبشرات والتحديث فإنه ممكن، وقد حصل لبعض هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل في إثباته ما أشار إليه السائل من قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب. متفق عليه.
وهذا النوع يسميه بعضهم بالكشف، والكشف ربما يحصل للبر والفاجر والمستقيم والمنحرف ... ولذلك فإذا رأينا شخصاً يحصل له شيء من ذلك فإنه لا يحكم بصلاحه ... حتى يعرض اعتقاده وسلوكه على الشرع، فإن كان سليم العقيدة مستقيم السلوك فإنما يحصل له يعتبر كرامة، وإن كان فاسد العقيدة أو منحرف السلوك فإنه يعتبر مستدرجاً، ولذلك قال بعض علماء السلف: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء فلا تغتروا بعمله حتى تعرضوه على الكتاب والسنة. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5416، 5697، 64898.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1426(1/1392)
الفرق بين الكرامة والاستدراج
[السُّؤَالُ]
ـ[بداية أسأل الله أن يجزيكم عنا خيرا ويجعل فتواكم وإرشادكم لنا لما فيه الخير في ميزان حسناتكم.
باختصار سأعرض على فضيلتكم بعض الظواهر والتي كانت تحدث لزوجتي منذ عدة سنوات قبل زواجنا ثم انقطعت فجأة راجيا أن تفيدونا بعلمكم عن مدلول هذه الظواهر فزوجتي ملتزمة منذ صغرها ولا تترك فرضا إلا أن التزامها في ذلك الحين لم يكن كاملا في سن مبكر فقد كانت تضعف أحيانا لسماع الأغاني ورؤية الأفلام جهلا منها بمعارضة لذلك لديننا الحنيف وقد بدأت ترى في اليقظة خلال هذه الفترة (17: 20 سنة) بعض الأشياء عندما تكون بمفردها رؤيا العين دون وهم أو خيال أو نعاس ومنها
1) نور ساطع إلى درجة أنه يكاد يؤذي البصر خرج من يدها اليمنى
2) رأت ذات مرة ثلاثة قناديل منيرة ومعلقة في الهواء أحدهم فوق رأسها ولكنها كانت تبدو كما لو كانت شفافة أو غير ظاهرة تماما
3) ترى مرارا كلمة لا إله إلا الله أو لفظ الجلالة مكتوبة بالسحاب في السماء ليلا بشكل واضح جدا
4) روت لي أمها أنها دخلت عليها ذات مرة وكانت نائمة على ظهرها وقد أحاطها كلها نور أظهرها في حين كان باقي الغرفة مظلم تماما
4) ترى مرارا الكعبة المشرفة ماثلة أمامها تتلألأ بأنوار مبهرة
هذا إضافة إلى رؤيا متعددة تأتيها في المنام وكان أهمها أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب عليها ماء زمزم عند الكعبة المشرفة وقد مرت سنوات على هذه الظواهر ثم انقطعت عنها تماما وهي تبلغ الآن 25 عاما وقد انتقبت قبل تعارفنا وهي ملتزمة الآن التزاما كاملا إلا أن ما كانت تراه يؤرقها وتظنه خيرا قد انقطع عنها وقد اختصرت لفضيلتكم أهم ما روت لي وهي إنسانة قد أثبتت عشرتي لها أنها صادقة عاقلة تراقب الله وتخشاه ورحيمة جدا بالفقراء وكبار السن واليتامى (وهي يتيمة الأب)
آمل منكم أن تفيدونا بعلمكم عن ما سبق وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت زوجتك مستقيمة وصادقة وفيها من الأوصاف الحميدة ما ذكرت، فنرجو أن يكون ما حصل لها هو كرامة من كرامات أولياء الله الصالحين.
وخاصة رؤيتها في النوم للكعبة الشريفة ورؤيتها للنبي صلى الله عليه وسلم، فرؤية هذه الأمور كلها خير إن شاء الله تعالى.
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رآني في المنام فكأنما رءاني في اليقظة. وفي رواية: فإن الشيطان لا يتمثل بي.
وفي رواية: فقد رأى الحق.
قال العلماء: هذا إذا رأى الشخص النبي صلى الله عليه وسلم على صفته المعروفة التي وردت في سنته وفي سيرته صلى الله عليه وسلم.
ولهذا فنوصي هذه الأخت وغيرها بتقوى الله تعالى واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح الذين كانوا يعتبرون الكرامة الكبرى هي الاستقامة واتباع السنة، والفرق بين الكرامة والاستدراج كما قال أهل العلم: إن صاحب الكرامة مستقيم على شرع الله تعالى متبع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وأما المستدرج فهو صاحب معصية وبدعة وعدم اتباع واستقامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1426(1/1393)
الأصل في إثبات الإلهام والتحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم فتاة غير متزوجة قصدت رجلا قيل إنه يعالج السحر واكتشف أن سبب تأخر زواجها ناتج عن سحر، مع أن علاجه كامن في مواد جائزة مثل: الحناء, ماء زمزم, القرآن ... علما بأن هذا الرجل (شاب) كان طبيعيا من قبل، ولكن بعد تعرضه لصدمة غريبة أتناء دراسته بالخارج, رجع إلى أرض الوطن ورغبته الوحيدة علاج الناس وذلك بمعرفته بطريقة تلقائية وبمجرد النظر إلى الشخص المريض، هل يعاني من سحر أو مجرد مرض, وإذا كان سحرا يحدد سببه وطريقة شفائه ... وفعلا العديد من الناس تخلصوا من أمراضهم بإذن الله على يده، فهل من الجائز أن يزور المسلم أو المسلمة مثل هذا الشخص أم لا? وجزاكم الله عنا خيراً وثبتنا جميعا على طاعة الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى قد يلهم بعض عباده شيئاً من الأمور الغيبية. والإلهام ويسمى تحديثاً واقع في الأمم السابقة ويقع أيضاً في هذه الأمة، وقد اختلف في معناه على أقوال فقيل: هو الإصابة بغير نبوة، وقيل المحدث هو الملهم بالصواب الذي يلقى على فيه. وقيل غير ذلك، والأصل في إثبات الإلهام والتحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب. متفق عليه.
وربما أطلق على هذا النوع من العلم بالمغيبات الكشف، ومدار الأمر على استقامة حال صاحبه وسلامة معتقده، فإن جنس هذا العلم يحصل للبر والفاجر، والمسلم والكافر، والمحدث والكاهن، وكما قال السلف: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء، فلا تغتروا بعمله، حتى يعرض على الكتاب والسنة.
وانطلاقاً مما ذكر، فإنه ينبغي النظر في حال هذا الشاب، فإن كان سليم المعتقد، مستقيم السلوك ورعا، فلا مانع من إتيانه، والانتفاع بعلاجه ورقيته، وإن كان بخلاف ذلك فلا يجوز إتيانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1426(1/1394)
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة غير ممكنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يدعي أنه رأى رسول الله يقظة خصوصا إذا كان من أهل العلم، ويدعي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن له فتاوى غريبة، فهو قال أن الصلاة في مسجد فيه ضريح ليست مباحة فقط بل هو سنة ومستحب ويعد من القربات ويحتج بحديث أبي بصير وأن النبي أو الصحابة صلوا في مسجد على قبر هذا الرجل فما صحة الحديث، كيف نحذر الناس وخصوصا أهلنا من هذا الرجل وهو مفتي البلاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر والرد على من احتج بحديث أبي جندل وعدم إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسلم عند المحققين من أهل العلم، فراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9991، 57195، 45502، 37685، 26258، 16049، 4527.
فعلى طلاب العلم أن ينشطوا في تعليم المسلمين العلم الشرعي بأدلته من الكتاب والسنة، ويبينوا رد الشبه التي تورد على العامة بالأدلة الصحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1426(1/1395)
المعيار الشرعي في الخواطر والإلهامات
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني سيدة أعيش في ألمانيا منذ 33 سنة وقبل حوالي سنة ابتدأت تأتيني معلومات من عند الله بطرق مختلفة
إنني لم أكن أصلي فأمرني بالصلاة وقراءة وحفظ القرآن وهذ ما أفعله الآن يوميا والحمد لله، إن الله سبحانه أخبرني بأشياء عديدة لا أقدر أن أقصها عليكم الآن ولكن أمرني أن أخبر الناس أن الدجال موجود في الأرض ولكننا لا نراه فما رأيكم في هذا الموصوف
تقبلوا مني أحر السلام والاحترام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان ما تذكرينه خواطر في نفسك تحضك على الخير أو توقع بعض الأشياء المستقبلة ثم تصدق توقعاتك فإن هذا قد يكون من الإلهام الرباني.
وليعلم أنه لا بد من وزن الخواطر والإلهامات بميزان الشرع، ولا يجوز العمل بخلاف الشرع، كما قال صاحب المراقي.
وينبذ الإلهام بالعراء * أعني به إلهام الأولياء
ثم إن كون الدجال موجودا بالأرض أمر ثابت بالأدلة الشرعية، وقد رآه بعض الصحابة، وقد قدمنا تفصيل خبره في بعض الفتاوى فراجعي في ذلك وفي موضوع الإلهام والخواطر الشيطانية الفتاوى التالية أرقامها: 1491، 9300، 9715، 34964، 25852، 5416.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1426(1/1396)
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في النوم من البشرى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم في المنام؟ وهل تجوز رؤيته صلي الله عليه وسلم في اليقظة؟
قال لي أحد الإخوة إن من ادعى رؤية النبي في المنام أو اليقظة مشرك؟ هل هذا صحيح؟
لقد رأيت النبي في المنام مرتين بفضل الله؟ هل هذا خطأ؟ وما هو الواجب علي فعله؟ جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في النوم بصفته الثابتة في السنة الصحيحة جائزة، ولا يكفر من ادعاها، ويدل لذلك حديث الصحيحين: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يخيل بي.
ولهذا فإنك لا تخطأ في إخبارك عما حصل لك من رؤيته مرتين في النوم، ورؤيته بشرى لا يجب عليك بها شيء، وإن كان أمرك بشيء فلا حرج في فعله إن لم يوجد ما يمنع منه شرعا.
وراجع في هذا وفي رؤيته في اليقظة الفتاوى التالية أرقامها: 4421، 23595، 55529، 9991، 22154
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1426(1/1397)
كون بلاد المشرق بلاد الأنبياء وبلاد المغرب بلاد الأولياء خطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نرد على من يردد دائماً، بلاد المشرق بلاد الأنبياء وبلاد المغرب بلاد الأولياء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يرد في الكتاب ولا في السنة ما يدل على تخصيص بلاد المشرق بالأنبياء، وتخصيص بلاد المغرب بالأولياء، وإن كان جميع الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن من بلاد المشرق؛ إلا أن ذلك لا يمنع احتمال أن يكون في بلاد المغرب أنبياء لم يقصهم الله علينا، قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ {غافر:78} ، وقال تعالى: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ {فاطر:24} .
أما كون بلاد المغرب بلاد الأولياء فخطأ بلا شك، فإن أولياء الله في كل عصر ومصر؛ بل سادات الأولياء الأوائل من الصحابة والتابعين وتابعيهم كان أكثرهم من بلاد المشرق. ثم إن للولاية شروطاً إن تحققت صار صاحبها ولياً لله سواء كان من المشرق أو من المغرب، وراجع الفتوى رقم: 4445، والفتوى رقم: 25852، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 53940، والفتوى رقم: 56721.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1426(1/1398)
الرياضة الروحية بين الكرامة والاستدراج
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو كيف تعرف خوارق العادات أهي من الشيطان أو بالرياضة الروحية أو من الله تبارك وتعالى
وكيف نميز بينها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من كان مطيعا لله قد يكرمه الله بما شاء من أنواع الكرامات الخارقة للعادة، وقد يستدرج الله بعض العصاة أو الكفار فيغدق عليهم العطايا استدراجا لهم نعوذ بالله تعالى، وأما الشيطان فقد يغوي بعض مطيعيه فيجري الله على يديه بعض الخوارق لهم وهي داخلة في استدراج الله لهم، لأن الأمور كلها بقضاء الله وقدره.
وأما الرياضة الروحية فإن كانت موافقة للشرع فهي من القسم الأول، وإن كانت بالدجل والشعوذة فهي من القسم الثاني، وراجع كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"، وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع: 21400، 47005، 52968، 7369، 4445، 53617، 32634، 25852، 18341، 9055.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1426(1/1399)
الشيطان لا يتمثل به صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[تمنيت منذ زمن أن أقابل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في منامي وظللت ذلك فترة حتى من الله علي بمقابلته في الرابع من شوال فإذا هو في مدينتي ومعه مرافقون فإذا أنا أخترقهم لأقابله صلى الله عليه وسلم فرأيته ونظرت إليه ورأيت ملامح وجهه الذي لا تفارقه الابتسامة حتى إني لم أر ملامح بهذا الوضوح في حياتي إلا في هذا الحلم وكان يلبس الثياب البيضاء المذهبة وظللت أنظر إليه وهو ينظر إلي مبتسما وكان متعجلا ليذهب إلى مكان ما واستيقظت فنسيت كل ملامحه ولا أذكر غير لحيته وثيابه البيضاء وسمعت أنه إذا لم أتذكر ملامحه فإن الحلم غير صحيح وهذا ليس الرسول فما القول في ذلك؟ مع علمي بأن الشيطان لا يتمثل بالرسول؟ وفقني الله وإياكم لطاعة حبيبه المصطفى فيما أمرنا به.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بأوصافه الواردة في الأحاديث الصحيحة والسيرة النبوية الشريفة فإنه يكون قد رآه حقيقة، لأن الشيطان لا يتمثل به صلى الله عليه وسلم، لما جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
ومادمت قد رأيته صلى الله عليه وسلم بملامحه وصفاته المعروفة فلتبشر بالخير ولو كنت نسيتها، ما لم تكن رأيت ما يخالف صفاته الواردة في السنة.
وعلى كل حال، فنوصيك بتقوى الله تعالى والمحافظة على اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 23970، 25216، 31854.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1425(1/1400)
الاستبشار والتفاؤل برؤية المناظر الحسنة خلق إسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكون الفأل في المنظر الحسن؟ ورد على ذهني هذا السؤال بعد مشاهدتي لمنظر أثار دهشتي وإعجابي وذكرني الجنة جعلنا الله وإياكم وسائرالمسلمين والمسلمات من أهلها كانت هذه المشاهدة قبيل مغرب أول ليلة من ليالي رمضان المبارك مساء متأخرا كنت جالسة أردد أذكار المساء فحانت مني التفاتة ناحية النافذة فلمحت في صفحة السماء سربا من الطيور الخضر على هيئة رقم سبعة شدني المشهد للحظات لروعته (سبحان الخالق) وذكرني هذا المشهد الجنة وحينما أردت اقتفاء أثره كان قد اختفى هل لرؤية مثل هذا المشهد في مثل هذا التوقيت أي معنى من معانى الفأل الحسن؟ وهل يتفاءل المؤمن لرؤية المنظر الحسن أحب أن أكون متفائلة في كل الأحوال فأرشدوني إلى أمور معينة لي على ذلك بإذن الله وعلموني كيف يكون الفأل الحسن وما هي أنواعه وما جزاؤه؟
جزاكم الله عني وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفأل الحسن من حسن ظن العبد بربه تبارك وتعالى، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الفأل الحسن بقوله: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم. رواه البخاري ومسلم.
ومثل الكلمة الصالحة أو الطيبة يسمعها المنظر الجميل يراه، فكل ذلك من الفأل الحسن الذي ينبغي للمسلم أن يستبشر به ويتفاءل، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل.
وقد جعل الله تبارك وتعالى في هذه الدنيا، وبث في هذا الكون من الأشياء الجميلة والمناظر الحسنة ما يوقظ الحس، ويشوق المسلم إذا رآه إلى دار الخلود التي فيها من الجمال والنعيم المقيم الأبدي ما لا عين رأت ولا أذنٍ سمعت ولا خطر على قلب بشر.
كما بث فيها بالمقابل الأشياء القبيحة التي تذكر العبد بدار الشقاء ليلجأ إلى الله تعالى، ويستعيذ به من كل ما يسوء أو يستقبح أو يضر.
والقرآن الكريم مليء بهذه الأمثلة، فهو صفحة مفتوحة تعرض واقع هذا الكون بحسنه ليرغب فيه المؤمن، ويتعلق به ويشتاق إليه في دار النعيم.
كما تعرض القبيح وتحذر منه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بآية رحمة سأل الله تعالى الرحمة، وإذا مر بآية عذاب استعاذ، فينبغي أن يكون المسلم في هذه الحياة إذا رأى منظراً حسناً أو سمع كلمة طيبة استبشر وتفاءل ودعا، وإذا سمع أو رأى ما يسوء استعاذ بالله تعالى.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 28954.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1425(1/1401)
فتاوى حول رؤية النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث القائل (من رأني في المنام فلن يدخل الجنة) ، وما هي قيمة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 56588، 29056، 9991، 22154.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1425(1/1402)
(ولي الله) كل مؤمن تقي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في الطرق الصوفية، وما حكم وجودها وما رأيكم بالطريقة البرهانية لأنها منتشرة انتشاراً كبيراً، وما رأيكم في أحد الناس الذين لا يصلون وثيابهم قذرة والناس تلتف حولهم وتقول إنهم أولياء الله ورأيكم بشخص يلبس بطانية بدل من الجلباب ويقول إنه حكم الله عليه بهذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبقت لنا عدة فتاوى عن التصوف والطرق الصوفية، فراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29243، 30346، 13353، 31043، وأما الطريقة البرهانية، فتراجع الفتوى رقم: 17107.
وأما ما ذكرت من اعتقاد بعض الناس في أناس لا يصلون.... إلخ بأنهم من الأولياء فهو ضلال مخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولإجماع المسلمين، لأن (ولي الله) كل مؤمن تقي، قال الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ {يونس:62-63} ، وفي الحديث القدسي قال الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد بارزته بالحرب.
ثم بين سبحانه كيف تنال الولاية، فقال سبحانه: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ... الحديث. رواه البخاري.
فكيف يعقل أن يكون ولي الله لا يصلي؟!! والعلماء متفقون على فسق تارك الصلاة، واختلفوا في كفره، والراجح أنه كافر كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 1145، ولمعرفة الفارق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان راجع الفتوى رقم: 4445، والفتوى رقم: 4416، والفتوى رقم: 3264.
وأما من يلبس بطانية، ويقول إنه حكم الله عليه بهذا.. فهذا قد يكون من خرافات بعض الصوفية أن الله يوحي إليه ويكلفه بأشياء غير التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وبطلان هذا الكلام معلوم من الدين بالضرورة، قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا {المائدة:3} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1425(1/1403)
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته يقظة لا مناما
[السُّؤَالُ]
ـ[رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق، السؤال هو: أثناء زيارتي للمسجد النبوي رأيت في الحقيقة وليس المنام رجل قادم لاستقبالي وشعرت أنه الرسول الكريم، هل هذا حقا هو الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام ممكنه شرعاً وعقلاً، فمن رأى الرسول صلى الله عليه وسلم بأوصافه المذكورة في كتب السنة فقد رآه حقاً لأن الشيطان لا يتمثل برسول الله صلى الله عليه وسلم، أما رؤيته في اليقظة فغير ممكنة، لأن الموتى لا يخرجون من قبورهم إلا يوم القيامة، قال الله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ {المؤمنون:15-16} .
قال ابن حزم في مراتب الإجماع: واتفقوا أن محمداً عليه السلام وجميع أصحابه لا يرجعون إلى الدنيا إلا حين يبعثون مع جميع الناس. انتهى.
وقال الخادمي في بريقة محمودية: رؤية شخصه صلى الله عليه وسلم يقظة بعين الرأس بعد موته، ورؤيته تعالى في الدنيا بعين الرأس غير ممكن، والأول عقلي إذ الموتى ما داموا كذلك لا يتصور منهم ذلك. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1425(1/1404)
الخواطر قد تكون من الله أو من النفس أو الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن رجل عقيدته سليمة من الشرك ويدعو إلى التوحيد، والناس المحيطين به يشهدون بالتزامه وورعه لكن هذا الرجل لديه أمور لا نعلم لها تفسيرا، كان يحل مشكلة امرأة مع زوجها بمجرد أن تطرح المرأة مشكلتها عليه وبدون أن يرى الزوج، وكذلك بأن يدل على مكان شخص مفقود، أو أن يعرف أمور خاصة عن شخص معين بمجرد معرفة اسمه. علما بأن أعماله هذه دائما في عمل الخير ولا يبتغي من ذلك جاها ولا مالاً، لأنه يعمل ذلك خفية عن الناس من غير أن يشعرهم بذلك فنرجو أن تخبرونا بحقيقة هذه الاعمال ومشروعيتها وجزاكم الله خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله بركاته. ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليكم الرجوع إلى الشخص نفسه فيما يصدر منه من أقوال وأفعال، أشكلت عليكم، ما دام ظاهره الصلاح والتقوى، فإن أخبركم بأنها أشياء تصدر منه بغير ممارسة العرافة أو الكهانة فليبق ظنكم به كما هو، وقد يكون ما يصدر منه نوع من الفراسة أو الإلهام أو التوفيق للصواب، وذلك من الله تعالى، ولمعرفة معنى الفراسة راجعي الفتوى رقم: 47147. وللا طلاع على الفتاوى المتصلة ببيان حكم الكهنة والعرافين راجعي الفتوى رقم: 53771. وقد ذكر ابن حجر في الفتح نقلاً عن أبي المظفر السمعاني أنه حكى عن أبي زيد الدبوسي الحنفي: أن الإلهام ما حرك القلب لعلم يدعو إلى العمل به من غير استدلال، والذي عليه الجمهور أنه لايجوز العمل به إلا عند فقد الحجج كلها في باب المباح. اهـ. وهذا يعني أن الإلهام إذا خرج عن حدود المباح فلا يجوز العلم به، علماً بأنه لا ينبغي أن يُعتقد الجزم بما يحصل للمرء من فراسة أو إلهام، لأن هذه الخواطر قد تكون من الله وقد تكون من الشيطان وقد تكون من النفس، قال ابن حجر في الفتح: وكل شيء احتمل أن لا يكون حقاً لم يوصف بأنه حق. ا. هـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1425(1/1405)
حكم الإسلام في المشاهدات والمكاشفات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في المشاهدات, والمشاهدة هي رؤية في اليقظة, كما جاء في تفسير كتاب الإحسان للأستاذ عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المشاهدات والمكاشفات تقع من أولياء الله الصالحين ومن إخوان الشياطين، فإذا كان صاحبها متبعا للرسل كان هذا الخارق عنوانا على البر والتقوى، كما صح عن عمر أنه نادى سارية فقال: ياسارية الجبل. وهو على بعد آلاف الأميال عنه. وإن كان صاحبها غير متبع للرسل فلا بد أن يكذب ويكذبه شيطانه، ولا بد أن أن يكون في عمله ما هو إثم مثل خوارق السحرة التي لا مكان لها عند العقلاء ولا كرامة لها عند العلماء. قال الإمام الشافعي: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة، وقال أبو اليزيد البسطامي: لله خلق كثير يمشون على الماء لا قيمة لهم عند الله ولو نظرتم إلى من أعطي الكرامة حتى يطير فلا تغتروا به حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي وحفظ الحدود المحرمات. وعليه فإن كانت هذه المشاهدات تشتمل على ترك شيء من الواجبات أو فعل شيء من المحرمات أو التزام شيء من العبادات لم يرد فيه نص شرعي، فليعلم صاحبها أنه مخدوع ممكور به قد طمع الشيطان فيه فلبس عليه، وإن كان صاحبها مستقيما على الإيمان والسنة فهي كرامة له وإن كان أولياء الله يخفون الكرامة ولا يلتفتون إليها ويعلمون أنها نعمة يجب شكرها ويخشون أن تكون ابتلاء لا يثبتون فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1425(1/1406)
صحابة وتابعون ساروا على الماء
[السُّؤَالُ]
ـ[أستاذنا الجليل، هل هناك في تاريخ الصحابة والتابعين والأمم السابقة من كانت له كرامة السير على الماء وهل يمكن أن يتكرر مثل هؤلاء الصحابة أو التابعين في أمة محمد صلى الله عليه وسلم مرة أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكرامات الأولياء كالسير على الماء وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة موجودة ثابتة كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ووسيلة الولاية الحقة لله، هي: الإيمان والتقوى، فلا عبرة للخوارق بدونهما، قال الإمام الشافعي: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة.
وقال أبو اليزيد البسطامي: لله خلق كثير يمشون على الماء ولا قيمة لهم عند الله، ولو نظرتم إلى من أعطي من الكرامات حتى يطير فلا تغتروا به حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي وحفظ الحدود. ذكره الذهبي في السير.
أما من مشى على الماء من الصحابة فيذكر ذلك عن سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية هو ومن معه، وكذلك العلاء بن الحضرمي حين بعث إلى البحرين، قال أبو هريرة: فمشينا على الماء، فوالله فما ابتلت قدم ولا خف بعير ولا حافر دابة، وكان الجيش أربعة آلاف.
وأما من التابعين فأبو مسلم الخولاني غزا أرض الروم فمروا بنهر، وقال لأصحابه: أجيزوا بسم الله ومر بين أيديهم فمروا خلفه على الماء، فلم يبلغ من الدواب إلا إلى الركب، وكان يدعو ويقول: اللهم أجزت بني إسرائيل البحر، وإنا عبادك في سبيلك فأجزنا هذا النهر، ثم قال: اعبروا بسم الله.
ولا مانع من ظهور هذه الأمور وأمثالها على يد من شاء الله له ذلك من أوليائه إكراماً له في كل زمان، ولا يدل ذلك على أفضلية من حصلت له على من لم تحصل له، وإنما معيار التفاضل هو التقوى، وللمزيد من الفائدة عن هذا الموضوع، تراجع الفتوى رقم: 32634.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1425(1/1407)
المعيار الشرعي لمن ظهر على يديه خارق
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يعمل أموراُ غريبة من أكل السم بدون أن يضره وكذلك يدخل السيف في بطنه ويخرجه من ظهره ويقال إن نسبه يرجع آل بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهل فعله هذا طبيعي، علماً بأنه رجل عادي وهل نقبل دعوته للطعام وكذلك هل أتزوج من بناته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغالب أن من يقوم بهذه الأفعال يكون من أصحاب الدجل وأهل الطلاسم ذوي العلاقات مع الجن، فيفعلون هذه الأمور المستحيلة عادة عن طريق تسخير الشياطين وسحر أعين الناس، قال ابن تيمية: من ظهر على يديه خارق فإنه يوزن بميزان الشرع، فإن كان على استقامة كان ما ظهر على يديه كرامة، ومن لم يكن على استقامة كان ذلك فتنة؛ كما يظهر على يدي الدجال من إحياء الميت وما يظهر من جنته وناره، فإن الله يضل من لا خلاق له بما يظهر على يدي هؤلاء، وأما من تمسك بالشرع الشريف فإنه لو رأى من هؤلاء من يطير في الهواء أو يمشي على الماء فإنه يعلم أن ذلك فتنة للعباد. انتهى، وأصحاب الدجل والسحر هم هم ولو كانوا من آل البيت، فالله عز وجل يقول: إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ {الأنفال:34} .
والواجب هجر هؤلاء في الله وكرههم فيه سبحانه، قال عليه الصلاة والسلام: أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله. أخرجه الطبراني وصححه الألباني.
وعليه؛ فلا يجوز لك قبول دعوته للطعام حتى يتوب إلى الله تعالى.
أما الزواج من بناته، فإن كن مسلمات متمسكات بالشرع الإسلامي من حجاب وصلاة وغير ولا يشاركن أباهن في أفعاله وغيره راضيات عن تصرفاته فلا بأس بالزواج منهن ولا يؤخذن بذنب أبيهن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1425(1/1408)
الواجب على من أوتي حظا من الكرامة
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ ثلاث سنوات تقريبا جاءتني حالة غريبة وهي قدرتي علي رؤية الأمور التي سوف تحدث في المستقبل سواء لي أو لأي أحد وأنا إنسان مؤمن بالله وقارئ للقرآن الكريم وأحافظ على الصلوات وحدثت لي هذه الواقعة عندما تبت عن المعاصي ورجعت إلى الله وإني أخشى أن يكون علي إثم بسبب هذا الشيء، وأيضا شعرت من وقتها بأن بداخلي شيء غريب، أفيدوني ماذا أفعل، وما معنى ما يحدث لي، وهل أنا مصاب بلبس من الجن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيب المطلق لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، لكن الله يمن على من يشاء من عباده الصالحين فيكشف لهم بعض الغيب إكراماً لهم وفضلاً منه سبحانه، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 25660.
والواجب على من أوتي شيئاً من ذلك ألا يغتر أو يصيبه العجب أو الكبر، بل يحمد الله على هذه النعمة ولا يحدث بها أحداً إلا إذا غلب على ظنه حصول نفع من ورائه، كما فعل سيدنا عمر حينما خاطب جيش سارية من فوق منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان سارية بالشام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(1/1409)
مباركة الوقت في حق الأنبياء والأولياء أمر لا ينكر
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ كما هو معلوم أن الحبيب قرأ مرة البقرة وأيضا آل عمران والنساء وفي روايات أن ركوعه كان مثل قيامه وسجوده كذلك.. إذا كانت قراءته كلها لثلاث سور مع ترتيل الرسول 3 ساعات تقريبا طيب ولو زدنا 3 لركوعه و3 لسجود هكذا طلع الفجر بل وقربنا للظهر فكيف أفهم هذا الحديث وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المشار إليه رواه مسلم وأحمد وغيرهما عن حذيفة: قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبا من قيامه.
وهنا ننبه إلى أمر مهم وهو أن الوقت أي الزمان مخلوق من مخلوقات الله تعالى، فقد يبارك الله تعالى فيه في حق أنبيائه وأوليائه فيقومون بالعمل الكثير في وقت قليل من حيث الحساب ولكنه كثير من حيث البركة، قال النفراوي المالكي في الفواكه الدواني: ولا يشكل على هذا ما قيل إن بعض الأكابر كان يختم القرآن في ليلة لأن الأولياء يفسح لهم في الزمن كما تطوى لهم الأرض، وكراماتهم لا ينازع فيها إلا محروم. اهـ
وإليك بعض الأمثلة:
ذكر محمد بن حبان البستي عن زوجة عثمان رضي الله عنه أنها قالت للبغاة الذين أرادوا قتله: إن شئتم قتلتموه وإن شئتم تركتموه، فإنه كان يختم القرآن كل ليلة في ركعة.
وكذا كان الصحابي تميم الداري فقد ذكر محمد بن حبان البستي في الثقات قال: حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن ابن سيرين أن تميما الداري قرأ القرآن كله في ركعة.
"ذكر محمد بن حبان البستي عن المحدث منصور بن زاذان أنه كان خفيف القراءة وكان يختم القرآن بين الأولى - أي الظهر- والعصر وبين المغرب والعشاء.
وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بسنده أن البخاري إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلي بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية وكذلك إلى أن يختم القرآن، وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القران فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال، وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة ويكون ختمة عند الإفطار كل ليلة ويقول: عند كل ختم دعوة مستجابة.
وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بسنده إلى علي بن المديني أن الإمام المحدث يحيى بن سعيد القطان كان يختم القرآن في كل يوم وليلة بين المغرب والعشاء.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة أبي بكر بن عياش: أحد الأئمة سمع أبا إسحاق السبيعي والأعمش وهشام وهمام بن عروة وجماعة وحدث عنه خلق منهم أحمد بن حنبل، وقال يزيد بن هارون: كان حبرا فاضلا لم يضع جنبه إلى الأرض أربعين سنة، قالوا: ومكث ستين سنة يختم القرآن في كل يوم ختمة كاملة.
وروى الربيع عن الشافعي أنه كان يختم في كل ليلة ختمة، وإذا كان رمضان ختم ستين ختمة.
وأخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى عن الإمام سعيد بن جبير أنه قال: قرأت القرآن في ركعة في الكعبة.
وهذا كثير جدا يصعب تتبعه.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1425(1/1410)
من شروط صحة ثبوت رؤية النبي عليه الصلاة والسلام في المنام
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً على هذا الموقع المتميز..
سؤالي باختصار هو أنني قرأت مرة حديثا نبويا نصه (من لم يؤمن بالرؤيا الصالحة لم يؤمن بالله واليوم الآخر) رواه البخاري.
ولقد رأيت في منامي منذ عام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي إنني سأصبح دكتورة فلما أفقت قلت ليس هو الرسول لأن أوصافه لم تنطبق أبدا , ولكنني بعدها بأسبوع بالضبط رأيته صلى الله عليه وسلم وقد انطبقت تقريبا90% من أوصافه فيما عدا اللحية أي أنه لم يكن له لحية.. وقال لي وهومبتسم وكله نور من وجهه وجسده وحواليه (هو أنا مش قلت من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي) وكأنه مشفق علي من حيرتي فجاء رده صريحا وانتهت الرؤيا عند هذا الحد. وأنا من حينها لست أدري هل إذا لم أصدق أنه الرسول لنقص في أوصافه أكون مذنبة؟ مع العلم بأني لم أدخل كلية الطب كما توقعت وإنما كلية التجارة.
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نعثر على حديث بهذا اللفظ المذكور في السؤال من لم يؤمن بالرؤيا الصالحة لم يؤمن بالله واليوم الآخر، لا في صحيح البخاري ولا في غيره، من كتب السنة المعتمدة، وأما الرؤيا الصالحة فلا شك أنها علامة خير، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان.
وبخصوص رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فهي حق، إذ لا يتمثل به الشيطان، كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن لهذه الرؤيا بعض الضوابط، منها: أن يراه على صورته الحقيقية، كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 9991 ولا شك أن من بديهيات المعلومات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم له لحية، بل كان كث اللحية كما في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما في صفته عليه الصلاة والسلام: وكان كثير شعر اللحية.
وقول السائل: هل إذا لم أصدق أنه الرسول لنقص في أوصافه أكون مذنبة؟ نقول: لا، بل إن في هذا تصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: فإن الشيطان لا يتمثل بي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1425(1/1411)
هل رأى أحمد بن حنبل ربه مناما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ما ورد عن الإمام أحمد بن حنبل في رؤيته لربه صحيح أم هو افتراء عليه؟
أفتونا بالتفصيل جزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق الجواب مفصلاً عن إمكان رؤية الله تعالى منامًا في الدنيا في الفتوى رقم: 8271، وفيها أن بعض العلماء ذكر أن أحمد رأى ربه منامًا، ولم نقف على ثبوت ذلك عنه رحمه الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1424(1/1412)
سماع صوت مجهول أثناء الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد الحمد لله أنا فتاة ملتزمة، وأصلي في الوقت، وأرتدي الحجاب، ولا أشتم والحمد لله.
وفي يوم من الأيام ذهبت أتوضأ لصلاة الفجر، وأنا أتوضأ سمعت صوتاً لا أعرفه، قال بسرعة.
فهل هي رسالة ربانية أم ماذا؟؟؟ ما هي؟؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحمد لله الذي وفقك وهداك للالتزام بشرعه ودينه، فهي أعظم نعمة على العبد، ونسأل الله عز وجل أن يثبتك على ذلك حتى الممات. وأما الصوت الذي سمعته فإنه قد يكون من ملك، وقد يكون من إنسان، وقد يكون من جني. فهذه الاحتمالات واردة، ولذلك لا يمكن أن نجزم بواحد منها، ونسأل الله أن يكون خيرًا، ويكون المقصود منه المبادرة في إكمال الوضوء وأداء الصلاة، فإن المبادرة بذلك مطلوبة، ولا ينبغي أن تقفي عند هذا الأمر كثيرًا، بل اسألي الله تعالى أن يكون خيرًا، وتفاءلي بذلك، فإن الله يحب الفأل الحسن ويكره التشاؤم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1424(1/1413)
الكشوف قد تصدر من البر والفاجر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم القاطع الخاص بإقامة احتفالات بمولد سيدي أحمد البدوي وسيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنهما وأرضاهما، وكيف نقتدي بهما الاقتداء الأمثل لنسير على نهج الصالحين للنجاة من هذه الدنيا بسلام. وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن احتفالات الموالد المذكورة ونحوها من البدع المنكرة، التي لا تجوز إقامتها ولا المشاركة فيها، وتراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1741 / 23433 / 17832
أما الاقتداء بالصالحين فيكون بالاطلاع على سيرتهم للوقوف من خلالها على علمهم وورعهم وزهدهم، وغير ذلك مما وافقوا فيه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فيُقتفى أثرهم وينتفع بعلمهم.
وأولى الناس بالاقتداء بعد إمام المتقين محمد صلى الله عليه وسلم هم أصحابه رضوان الله عليهم، فهم خير أمته، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) . متفق عليه.
وخاصة الخلفاء الراشدين منهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور) . رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح.
لكن ينبغي أن يُعلم أنه بعد القرون الفاضلة ظهر من أهل البدع والضلال من التبس أمرهم على كثير من عوام المسلمين حتى عدوهم من أولياء الله الصالحين، وذلك لأنهم -كما قال ابن كثير في البداية والنهاية 13/217:- (لا يعلمون شرائط الولاية ولا الصلاح، ولا يعلمون أن الكشوف قد تصدر من البر والفاجر، والمؤمن والكافر، كالرهبان وغيره، وكالدجال وابن صياد وغيرهم، فإن الجن تسترق السمع وتلقيه على أذن الإنسي، ولاسيما من يكون مجنوناً أو غير نقي الثياب من النجاسة، فلا بد من اختبار صاحب الحال بالكتاب والسنة، فمن وافق حاله كتاب الله وسنة رسوله فهو رجل صالح، سواء كاشف أو لم يكاشف، ومن لم يوافق فليس برجل صالح، سواء كاشف أم لا، قال الشافعي رحمه الله: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة.) انتهى كلام ابن كثير رحمه الله.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم:
4416
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1424(1/1414)
الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك كرامات للشهداء من الصحابة رضي الله عنهم؟ أو التابعين؟
أرجو التدعيم بالأدلة؟؟ ((عاجل)) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت، وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا حتى إذا كان بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة، فقالوا هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه، لجؤوا إلى فدفد، وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا، فقال عاصم: أما أنا، فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل، وبقي خبيب وزيد ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم، فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث الذي معهما: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها فأعارته، قالت فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذلك مني، وفي يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله، وكانت تقول: ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزق رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين، ثم انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو، ثم قال: اللهم أحصهم عددا، ثم قال: (ولست أبالي حين أقتل مسلما * على أي شق كان لله مصرعي) (وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع) ، ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدَّبْرِ فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء.
ففي هذا الحديث الصحيح كرامتان لاثنين من شهداء الصحابة: عاصم بن ثابت الذي حمته الدَّبْرُ، أي النحل وقيل الزنابير، وخبيب بن عدي الذي كان يأكل من قطف العنب وهو في وثاقه، قبل أن يكرمه الله بالشهادة.
ومما وقع بعد الصحابة من الكرامات ما وقع لأبي مسلم الخولاني وهو تابعي من سادات التابعين، وقد سبق ذكر ذلك في الفتوى رقم:
30738،واعلم أن الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه كثيرة، ومن أصول أهل السنة التصديق بها.
قال شيخ الإسلام: ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلي يوم القيامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1424(1/1415)
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم مناما إكرام وليست بكسب
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش حالة من اليأس والإحباط لا أدري مصدرها وقد أكرمني الله برؤية سيدنا رسول الله مناما وذلك منذ 4 سنوات ولم تتكرر ماذا أفعل لتكرار تلك الرؤية أرجو الإجابة عبر البريد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ف إن علاج ما أنت عليه من هم وغم هو الالتجاء إلى الله تعالى، لتحصيل المطلوب أو دفع المكروه، أو المعافاة من ذنب قد وقع، أو غير ذلك من الأسباب، ولتكثر من دعاء الهم والغم الذي رواه أحمد في مسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وس لم قال: ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذها ب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه، وأبدله مكانه فرجا. وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فإن من رآه في المنام في صورته الحقيقية التي وردت بها السنة، فقد ر آه حقا، وهذه الرؤية إنما هي إكرام من الله تعالى لعبده، يهبها من شاء من عباده، ول انعلم دليلا يدل على أن هنالك أمورا يفعلها العبد ليكتسب ذلك، ولكن مما ينبغي أن ي علم أن الاهتداء بهديه والسير على سنته، والاقتداء بأمره من أفضل ما يكرم به محب ال نبي صلى الله عليه وسلم، فلتحرص على ذلك، ولتطلب من ربك إكرامك برؤيته، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 29427 والفتوى رقم: 22154
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1424(1/1416)
النور يدل على الخير
[السُّؤَالُ]
ـ[إنى كنت أرى نوراً عندما كنت أمشي وعلى ذراعي وعندما كنت أقرأ القرآن، ولكن الآن لا أرى هذا النور لماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنا لا ندري عن هذا النور الذي كن ت تجده على ذراعك، ولا ندري على ماذا يدل، ولكن على العموم النور يدل على الخير، ول ذلك كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي بصري نوراً وفي سمعي.... إلى آخر الحديث. وهو في الصحيحين.
والذي ننصح به السائل هو أن يستمر ويجتهد في عبادة الله تعالى صلاة وصياماً وقراءة وغير ذلك، وأن يسأل الله الثبات وح سن الخاتمة وهذا هو المطلوب منه، فإذا وفق لذلك واستجاب الله له، كان من المتقين ال ممتثلين للأوامر الذين سبقت لهم من الله الحسنى، ولا يضره فقده لما كان يجد من نور، فالمدار على طاعة الله والتمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1424(1/1417)
خوارق العادات بين الكرامة والاستدراج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك صنف من المؤمنين يسمّون أصحاب الخطوة أكرمهم الله بأن يقرّب لهم المسافات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يرد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا على ألسنة أئمة السلف من الصحابة فمن بعدهم في القرون المفضلة تسمية صنف من المؤمنين بأصحاب الخطوة، وإنما عرفت هذه التسمية عند بعض الصوفية ومن على شاكلتهم، ويزعمون أن من يسمونهم بهذا الاسم هم من أولياء الله الذين تطوى لهم المسافات البعيدة فيقطعونها بخطوة أو خطوتين إكراما من الله تعالى لهم.
وهذا الأمر وغيره من خوارق العادات كالمشي على الماء ونحو ذلك قد يحصل لأولياء الله تعالى إكراما لهم وتحقيقا لمصالح أنفسهم أو في دعوتهم، وأعظم ذلك ما يحصل للأنبياء كالإسراء والمعراج لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكانفلاق البحر لسيدنا موسى عليه السلام، وكإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى على يد سيدنا عيسى عليه السلام، ومعجزات الأنبياء كلها من هذا القبيل، وما يحصل لأتباعهم من الخوارق هو في الحقيقة امتداد طبيعي لمعجزات أنبيائهم وببركة اتباعهم كما يقرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، كما يحصل لأولياء الشيطان ما يشبه ذلك من حيث الصورة، يستدرجهم الله تعالى به ويضلهم به، ويفتن به أتباعهم الضالين بهم، ومن هنا يلتبس الأمر على كثير من الناس ويحصل الإشكال عند بعضهم، فلا يفرقون بين ما كان من خوارق العادات إكراما من الله تعالى لأوليائه وأحبابه وبين ما كان من ذلك استدراجا من الله تعالى لأولياء الشيطان وإضلالالهم.
وسبب ذلك عدم النظر إلى تلك الأمور من منظور شرعي عماده كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم سلف الأمة المزكى، بل نظروا إلى تلك الخوارق على أنها علامة لا تتخلف لولاية الله للعبد ومحبته له وإكرامه بغض النظر عن حاله هو، فنسبوا لولاية الله تعالى من هو من أولياء الشيطان باعتبار أنه حصلت على يديه بعض الخوارق، فحصل الخلط والالتباس عندهم في التمييز بين أولياء الله تعالى وأولياء الشيطان لفساد الاعتبار عندهم.
ولو نظروا إلى ذلك من منظور شرعي لجعلوا المعيار لولاية الله ومحبته وإكرامه للعبد هو إيمانه بالله تعالى واتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتمسكه بشرع الله تعالى، فذلك هو الوصف الذي من اتصف به فهو ولي لله تعالى محب له محبوب عنده مكرم لديه، ومن لم يتصف بذلك فليس له في ولاية الله ولا في محبته وإكرامه نصيب، لذلك صح أن تكون تلك الأوصاف هي المعيار الدقيق للتمييز بين أولياء الله تعالى وأولياء الشيطان، لا ما يحصل لكلا الفريقين من خوارق العادات، لأسباب مختلفة بينا طرفا منها.
وانظر المعيار الذي جعله الله لولايته ومحبته وإكرامه، يقول الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] . وصفهم سبحانه وتعالى بالإيمان المستلزم للانقياد له والاعتماد عليه وحده والرضا به ربا وبدينه دينا وبرسوله إماما، ووصفهم بالتقوى المتضمنة لامتثال أمره واجتناب نهيه والسعي في تحصيل محابِّه ونيل مرضاته سبحانه وتعالى.
كما جعل التقوى في آية أخرى هي المعيار لمعرفة المكرَمين عنده سبحانه، يقول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] ، ويقول أيضا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] . وفي الحديث القدسي: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصر الذي يبصر به، ويده الذي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنّه. الحديث أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. ونصوص الوحي طافحة بتقرير هذا المعيار، وأنه وحده هو الذي يمكن أن يعتمد عليه في وصف الشخص بالولاية والمحبة والكرامة، أما تلك الخوارق فقد تحصل لمن اتصف بالولاية وقد لا تحصل، وليس في ذلك نقص لمن لم تحصل له ولا يقدح عدمها في ولايته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1424(1/1418)
الأسباب المرجوة لرؤية النبي في المنام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أرى النبي صلى الله عليه وسلم ما هي الأسباب التي تجعلني أراه في المنام صلى الله عليه وسلم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.
فإذا رأى الإنسان المسلم النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بأوصافه الثابتة في السنة فقد رآه حقيقة.
أما ما هي الأسباب التي تجعل الشخص يراه في المنام؟
فالأمر متوقف على طاعة الله ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكلما كان الإنسان أتقى لله وأكثر اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان توقع رؤياه للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر احتمالاً من غيره، ولا يلزم من عدم الرؤية له عدم صلاح الشخص، ولا يلزم أيضاً من شدة التقوى والمتابعة رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم، فالأمر في النهاية توفيق من الله تعالى، وفضل من الله يؤتيه من يشاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(1/1419)
دلالة رؤية النبي بأشكال مختلفة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل رؤية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المنام بأشكال مختلفة حق، حيث رأيت رسول الله 3 مرات ولكن في كل مرة كان وجهه (صلى الله عليه وسلم) مختلفا عن المرة السابقة؟ وشكراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ما رأيته ليس شخص النبي صلى الله عليه وسلم للاختلاف الذي ذكرت أنه يحصل لك في كل مرة، ولكن قد يقال في رؤياك - إن كانت رؤيا صادقة -أن ما رأيته ليس شخص النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه يعبر عن شيء يتعلق بسنته أو الشريعة التي أرسل بها.
ولمعرفة الضوابط التي تتحقق بها رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ولمن تتحقق؟ راجع الفتويين التاليتين: 22154، والفتوى رقم: 23970.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1423(1/1420)
ضوابط لمعرفة أولياء الله من غيرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شخص يدعي اأنه ولي لله بحيث أنه وريث للرسول في الوقت الحالي وعلى اتصال بالملائكة وصاحب قدرات خارقة من عند الله فهل هذا صحيح وما هو الصواب ومن هم أولياء الله الصالحون في هذا الوقت؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أولياء الله تعالى هم المذكورون في الآية الكريمة، قال الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] .
وتقوى الله تعالى: امتثال أوامره في السر والعلانية واجتناب نواهيه في السر والعلانية.
وخوارق العادة والإلهام ليست هي الضابط لمعرفة الفرق بين أولياء الله وأولياء الشيطان.
ولكن الضابط لمعرفة الفرق بينهما هو الاستقامة على شرع الله تعالى في الاعتقاد والعبادة والمعاملات والسلوك، فمن استقام على ذلك واتقى الله تعالى في السر والعلانية، فهو ولي لله تعالى، وأعظم كرامة يكرمه الله تعالى بها هي الاستقامة، وإذا حصل له شيء من الإلهامات والمكاشفات الإلهية فلا يعني هذا أنه أفضل الخلق أو أفضل من غيره، فقد يحصل للمفضول من ذلك ما لا يحصل للفاضل.
وأما الإيحاءات الشيطانية فهي ما يحصل للمنحرفين والعرافين والمبتدعين والدَّجالين.
فهذا هو الضابط، ولا ينبغي للمسلم أن يشغل نفسه بالإلهامات والمكاشفات، فإنها لا يترتب عليها شيء من الناحية الشرعية العملية، فقد أكمل الله الدين فقال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] .
فلا عمل بالإلهام والمكاشفات على الإطلاق، وهذا ما قرره أهل العلم، قال في المراقي:
وينبذ الإلهام بالعراء ... أعني به إلهام الأولياء.
وأما من يريد أن يكون وريث النبي صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يكون عالمًا تقيًّا نقيًّا ورعًا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر. رواه أحمد وأصحاب السنن.
والحاصل: أن أولياء الله في كل زمان وفي كل مكان، هم الذين آمنوا وكانوا يتقون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(1/1421)
قد يكشف الله تعالى لبعض الناس عن بعض الغيب
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أعلم أن الله وحده يعلم الغيب لكن هل من الممكن أن يعطى أحد هذه القدرة من خلال أي وسيلة وما تفسير تحقق بعض التنبؤات هل هي صدفة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى في محكم كتابه: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65] .
فالغيب المطلق لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، وقد يكشف الله تعالى لبعض الناس عن بعض الغيب وخاصة عباده الصالحين وأولياءه المتقين، هذا فضلاً عما يطلع عليه أنبياءه بطريق الوحي.
فقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدَّثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فهو: عمر بن الخطاب.
والمحدثون: الملهمون، الذين يجري الله تعالى على ألسنتهم بعضاً من المغيبات كأنما حدثوا بها.
ومن ذلك الرؤيا الصادقة التي تحصل لبعض الناس، فيرى بعضهم شيئاً من المغيبات، وبعد فترة تتحقق الرؤيا كما أخبر، وهذا مشاهد في كل زمان ومكان.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة. رواه البخاري ومسلم.
وأما إمكان تحقق ذلك لبعض الأشخاص فلا مانع منه شرعاً ولا عقلاً، ولكن ما كان منه على جهة الكرامة فلا بد لصاحبه أن يكون تقياً يتحرى الحلال في مطعمه ومشربه وملبسه وصدق حديثه.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً. رواه مسلم.
وبعض ذلك يكون بالملكة والفطنة والتأمل والفراسة، كما قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75] . أي المتفكرين الناظرين المعتبرين.
وقد حصل كثير من هذا لكثير من السلف الصالح، مثل الإمام مالك والشافعي ومحمد بن الحسن.
وما يحصل من تحقق توقعات بعض المحللين أو المراقبين، أكثره نتيجة للتأمل والاستقراء والتجربة وطول الخبرة ومعرفة التاريخ وأحوال الناس.
ومثل ذلك ما تخبر به مصالح الأرصاد الجوية من هُطول الأمطار وهبوب الرياح والمد والجزر، ولا مانع من أن يحصل ذلك عن طريق الإلهام والمكاشفات الإلهية.
وننبه السائل إلى أنه لا يوجد شيء اسمه صدفة، فكل شيء يجري في هذا الكون بقضاء الله وقدره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1423(1/1422)
رؤية النبي عليه الصلاة والسلام بصفته خير وصدق
[السُّؤَالُ]
ـ[الشيخ الفاضل السلام عليكم رأيت في المنام أنني نائمة تجاه القبلة وأنا متوضأة ثم دخل الرسول (صلى الله عليه وسلم) ووضع سجاة تجاه القبلة وأصبح يصلي وأنا أرقبه وصلى تسع ركعات وعندما أكمل الصلاة سألته يا رسول الله لم أسمع ولم أعلم بصلاة فيها تسع ركعات فالتفت إلي وكان يرتدي ملابس بيضاء وناصعة (وغترة) بيضاء على رأسه بدون عقال وقال لي (هذه الركعات صليتها لك أنت) واستيقظت من منامي أريد تفسير هذه الرؤية وجزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنعتذر عن تأويل الرؤيا، ونحيل السائلة على أي موقع من المواقع المتخصصة في تأويل الرؤى، فابحثي عنها عن طريق محرك بحث جوجل أو غيره، لكن نقول: إنها رؤية حسنة إن شاء الله، وإن كان وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت في السنة الصحيحة قد انطبق على ما رأيته في المنام، فأبشري وأْملي خيراً، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بي. متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1423(1/1423)
لا يلزم من رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام أن الرائي رجل خير
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاه والسلام على رسو الله اما بعد
سؤالي هل رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فيها أن الذي يراها هو رجل خير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يلزم من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أن يكون الرائي له رجل خير، فقد تكون الرؤيا تحذيراً للعاصي، وراجع الفتوى رقم:
8896
ولمزيد الفائدة فيما يتعلق برؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام راجع الفتاوى التالية: 23970 22154 9991
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1423(1/1424)
رؤيته عليه الصلاة والسلام في المنام هل تصح لكل أحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب لمن رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام أن يراه كما وردت أوصافه في السنة تماما؟ وهل إذا اختلف شيء من أوصافه كان رآه غير ملتحٍ لا يكون هو صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي.
وفي رواية: فقد رأى الحق. وفي رواية: من رآني في النوم فقد رآني، فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي. رواه مسلم.
قال الحافظ ابن حجر: فيه إشارة إلى أن الله تعالى وإن أمكنه "الشيطان" من التصور في أي صورة أراد، فإنه لم يمكنه من التصور في صورة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذهب إلى هذا جماعة قالوا في الحديث: إن محل ذلك إذا رآه الرائي على صورته التي كان عليه، ومنهم من ضيق الفرض في ذلك حتى قال لا بد أن يراه على صورته التي قبض عليها حتى يعتبر الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة، وقال الحافظ: والصواب التعميم من جميع حالاته بشرط أن تكون صورته الحقيقة في وقت ما سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو آخر عمره، وقد يكون لما خالف ذلك تعبير ما يتعلق بالرائي. كذا في الفتح. انتهى تحفة الأحوذي 6/548.
وذكر القرافي في الفروق: أن رؤيته عليه الصلاة والسلام إنما تصح لأحد رجلين:
أحدهما: صحابي رآه فعلم صفته فانطبع في نفسه مثاله، فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان، فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته.
وثانيهما: رجل تكرر عليه سماع صفاته المنقولة في الكتب حتى انطبعت في نفسه صفته عليه الصلاة والسلام، ومثاله المعصوم، كما حصل ذلك لمن رآه، فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله كما يجزم به من رآه، فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته، وأما غير هذين فلا يحل له الجزم بل يجوز أن يكون رآه بمثاله، ويحتمل أن يكون من تخييل الشيطان، ولا يفيد قول المرئي لمن رآه أنا رسول الله، ولا قول من يحضر معه هذا رسول الله، لأن الشيطان يكذب لنفسه ويكذب لغيره، فلا يحصل الجزم، وهذا وإن كان صريحاً في أنه لا بد من رؤية مثاله المخصوص لا ينافي ما تقرر في التعبير أن الرائي يراه عليه الصلاة والسلام شيخاً وشاباً وأسود وذاهب العينين وذاهب اليدين، وعلى أنواع شتى من المثل التي ليست مثاله عليه الصلاة والسلام، لأن هذه الصفات صفات الرائين وأحوالهم تظهر فيه عليه الصلاة والسلام وهو المرآة لهم،..... إلى أن قال القرفي: وإذا صح له المثال وانضبط، فالسواد يدل على ظلم الرائي، والعمى يدل على عدم إيمانه لأنه إدراك ذاهب، وقطع اليد يدل على أنه يمنع من ظهور الشريعة ونفوذ أوامرها، فإن اليد يعبر بها عن القدرة، وكونه أمرد يدل على الإستهزاء به، فإن الشاب يحتقر، وكونه شيخاً يدل على تعظيم النبوة لأن الشيخ يعظم، وغير ذلك من الصفات الدالة على الأحكام المختلفة. انتهى الفروق/4.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1423(1/1425)
رؤية النبي في المنام حق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يشاهد الرسول في المنام فقد شاهدته 3مرات مع الصحابة لكن في إحدى المرات أمرني ان أقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وكان غاضبا مني لأني في حياتي قلما أقولها المهم أني اكتشفت بعد فترة أن إحداهن قد فعلت لي عملا دام 7 سنوات وأظنه للآن وقال لي أحد الشيوخ مفسرا إن الرسول أراد أن يحميني من الشياطين التي كنت أحلم بها كل ليلة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:..... ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. وهذا لفظ البخاري.
وقد سبقت الإجابة عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في الفتوى رقم:
22154 والفتوى رقم: 8953
وبخصوص تعبير الرؤيا فبإمكانك أن تسأل عنها أهل الاختصاص فليس عندنا متفرغون لهذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1423(1/1426)
رؤية النبي وصحابته يقظة غير ممكنة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نسمع كثيرا عن قصص الصالحين سواء عبر الكتب أو الإذاعات أو غير ذلك، فهناك من الصالحين من يرى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه، وهناك من يجتمع به يقظة وهناك من يرى الكعبة من مكانه، وهناك من يرى الصحابة، فهذه درجة عالية دون شك يعطيها الله لعباده الذين يحبهم ويحبونه حق الحب.
فما هي الشروط الواجب توفرها في المسلم حتى يبلغ تلك المنزلة الرفيعة وهي منزلة الصالحين، وهل من يرى النبي يقظة يراه كاملاً ويأتي إليه في مجلسه حسب ما نسمع من القصص.
أفيدونا جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن الممكن أن يُرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فمن رأى الرسول صلى الله عليه وسلم بأوصافه المذكورة في كتب السنة فقد رآه حقاً، لأن الشيطان لا يتمثل برسول الله صلى الله عليه وسلم.. كما صح الخبر بذلك عنه صلى الله عليه وسلم، أما رؤيته في اليقظة فهي غير ممكنة، وارجع إلى الفتوى رقم: 9991.
أما رؤية الكعبة في النوم فلا يخفى أنها ممكنة، وكذلك الحال بالنسبة للصحابة رضوان الله عليهم؛ إلا أنه لا يمكن الجزم بصحة هذه الرؤية، وأما رؤيتهم في اليقظة، فهي أيضاً غير ممكنة، فإن كان سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم لا يرى في اليقظة، فكيف بمن هو دونه.
أما كيفية الوصول إلى منزلة الصالحين، فذلك يتحقق بفعل الصالحات والإكثار منها والمداومة عليها، ويكون بالإيمان والتقوى، وهما السبيل إلى تحقيق ولاية الله تعالى، كما قال: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:62-63] .
والله المسؤول أن يجعلنا وإياك من الصالحين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1423(1/1427)
يختص الله بعض خلقه فيطلعه على شيء من علامات ليلة القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[1-تحريت ليلة القدر في رمضان وفي ليلة 27عند الفجر رأيت النجوم كأنها تتساقط وتجري في السماء بشكل غير عادي وفي باقي الأيام نقص ذلك بشكل كبير جدا إلا أنه يزداد قليلا فجر الجمعة هل هي ليلة القدر وعلامة استجابة الدعاء وهل أي واحد بإمكانه رؤية ذلك أم فقط من شرفه الله بذلك أحيطوا لي بكل جوانب هذا الموضوع عافاكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان علامات ليلة القدر في الفتوى رقم:
6198.
ولا شك أن من وافق وقتاً من أوقات إجابة الدعاء، فإنه أرجى -إن شاء الله- تعالى لقبول دعائه، ومن الأوقات التي يرجى فيها قبول الدعاء -إذا انتفت الموانع- ليلة القدر، والثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وغير ذلك.
وأما بخصوص سؤالك عن إمكانية رؤية بعض الناس لليلة القدر فالجواب هو:
أن الله قد يختص بعض خلقه فيطلعه على علامة من علامات ليلة القدر، كما حدث هذا لبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، روى ذلك البخاري وغيره من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر"
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1428)
لا تخلو الأرض من أولياء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعرف أن زمن الرسل والأنبياء قد انتهى
فهل زمن الأولياء الصالحين انتهى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأنبياء قد ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم فلا نبي بعده، والدين قد كمل بالإسلام، فلا دين غيره.
وأما أولياء الله فليسوا محصورين في زمن معين، لأن ولي الله هو كل مؤمن متق، وانظر في ذلك فتوى رقم: 4445
والمؤمنون الأتقياء موجودون في كل زمان، حتى قرب قيام الساعة، ثم تقوم الساعة على شرار الخلق، وليس فيهم من يقول: الله الله.
فالخيرة في هذه الأمة لا تنقطع، فقد أخرج أحمد والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره" وإن كان أفضل الخيرية في هذه الأمة هي قرون الصحابة والتابعين وتابعيهم.
كما أن أفضل الأولياء في هذه الأمة العشرة المبشرون بالجنة، وأهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، ثم عموم الصحابة، ثم الأمثل فالأمثل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(1/1429)
هل تمكن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في اليقظة؟
ما رأيكم في الصلاة الكاملة؟
كيف يمكن الرد على من قال أتاني الرسول في المنام وأعطاني هذا الورد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فرؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة في الدنيا بعد موته، جزم المحققون من أهل العلم بأنها غير ممكنة، وأولوا ما ورد مما ظاهره إمكانها، ومنه ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي "قال الحافظ ابن جحر عند الكلام على هذا الحديث: وهذا مشكل جداً، ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، ويعكر عليه أن جمعاً جماً رأوه في المنام، ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف.." انتهى.
وقال الخادمي في بريقة محمودية:" رؤية شخصه صلى الله عليه وسلم بعين الرأس بعد موته، ورؤيته تعالى في الدنيا بعين الرأس غير ممكن، والأول: عقلي، إذ الموتى ما داموا كذلك لا يتصور منهم ذلك.."انتهى
فلم يبق إلا أن يحمل ما ورد في الحديث على معنى غير المعنى المتبادر، وقد حمله العلماء على محامل نرى أن أقربها إلى الصواب هو أن المقصود التشبيه، والتمثيل، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم في رواية أخرجها مسلم " فكأنما رآني في اليقظة " ومنهم من قال: إن المراد هو أن من رآه في المنام فإن رؤياه رؤيا صادقة، سيرى في اليقظة تأويلها بطريقة الحقيقة أو التعبير.
ومنهم من حمل الحديث على أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه
ومنهم من أوله بأن المراد أن يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية لا مطلق من يراه حينئذ ممن لم يره في المنام.
-أما رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام فإنها ممكنة شرعاً وعقلاً، لكن لا يقال لأحد إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه إلا لمن رآه على صورته المعروف بها، قال البخاري بعد الحديث السابق: قال ابن سيرين: إذا رآه على صورته، وقال ابن حجر في الفتح: (وقد رويناه موصولاً.. عن أيوب قال: كان محمد -يعني ابن سيرين - إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: صف لي الذي رأيته، فإن وصفه له صفة لا يعرفها، قال لم تره" وسنده صحيح.
ووجدت له ما يؤيده فأخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب حدثني أبي قال: قلت لابن عباس: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قال: صفه لي قال: ذكرت الحسن بن علي فشبهته به، قال: قد رأيته". وسنده جيد.) انتهى
ومن رأى النبي صلى الله عليه وسلم على صورته المعروف بها، وزعم أنه أعطاه وِرْداً أو أمره بأمر أو نهاه عنه، فينظر فيه: فإن كان مما ثبت بالشرع وجاء به الكتاب أو السنة فالالتزام به التزام بالشرع وبما جاء به، والرؤيا تأنيس للرائي، وبشارة له، وحث له على ذلك الخير المشروع، وإن كان مما لم يثبت بالشرع فلا يكون حجة ولا يثبت به حكم شرعي، ولا شعيرة تعبدية، فإن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قد كمل، والدين قد تم، ولم يرد فيه دليل على أن من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام بعد موته وأمره بأمر أو نهاه عن أمر يكون ذلك دليلا وحجة، بل قبضه الله إليه بعد أن أكمل لهذه الأمة ما شرع، وبعد أن أمرهم بالتمسك به، وعدم الأخذ بغيره، ونهاهم عن الإحداث والابتداع فيه.
وأما الصلاة الكاملة فلم يتضح لنا مراد السائل بها فلو وضحه لنا حتى يتسنى لنا جوابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1422(1/1430)
اضطراب النصارى في حقيقة المسيح عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم. سمعت أحدا يقول إن نبي الله عيسى (ع) له درجة فوق النبوة ودون الألوهية. يرجى بيان ذلك. وهل الكلام مقبول لدى النصارى؟ أفيدونا يرحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية مبيناً اضطراب النصارى في حقيقة المسيح عليه السلام: " كلام النصارى في هذا الباب -أي حقيقة المسيح - مضطرب مختلف متناقض، وليس لهم في ذلك قول اتفقوا عليه، ولا قول معقول، ولا قول دل عليه كتاب، بل هم في ذلك فرق وطوائف كل فرقة تكفر الأخرى كاليعقوبية والملكانية والنسطورية …) والأقوال عنهم في ذلك مضطربة كثيرة الاختلاف.
ولهذا يقال: لو اجتمع عشرة من النصارى لتفرقوا على أحد عشر قولاً، ذلك أن ما هم عليه من اعتقادهم من التثليث والاتحاد كما هو مذكور في أمانتهم لم ينطق به شيء من كتب الأنبياء" انتهى كلامه رحمه الله. ثم ذكر أقوالهم مفصلة في ذلك، ولم يذكر هذا القول الذي ذكرت، فالظاهر أنه غير مقبول عندهم، إذ يصرح أغلبيتهم بألوهية المسيح، وإن اختلفوا في طبيعة هذه الألوهية اختلافاً كثيراً، فالحمد لله الذي هدانا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فعقيدة الإسلام في المسيح وغيره من أنبياء الله ورسله واضحة بينة، فالأنبياء -بمن فيهم عيسى- هم عباد الله اصطفاهم لتبليغ دينه رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1422(1/1431)
يستأنس بتأويلات الصادق المشهور بالتأويل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الايمان بمفسري الأحلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الله تعالى قد يلهم بعض عباده تأويل الأحلام (الرؤى) كما قال الله تعالى عن يوسف عليه السلام: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) [يوسف:21] .
قال مجاهد وغيره: هو تأويل الرؤيا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤول المرائي التي يراها، ويؤول ما يعرض عليه من مرائي أصحابه رضي الله عنهم.
وقد اشتهرت طائفة من السلف بتأويل الرؤيا، مثل: ابن سيرين وغيره.
وعلى ذلك، فمن كان معروفا بالصدق والديانة، مشهوراً بالإصابة في التأويل، فلا حرج في تصديقه فيما يقول.
وننبه إلى أن المرائي لا تؤخذ منها أحكام شرعية، ولا تبنى عليها أمور مستقبلية، وغاية ما فيها هي أن ما كان منها حسناً فهو من المبشرات التي يستأنس بها فقط، وقديما قيل: الرؤيا الصالحة تسر ولا تغر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1422(1/1432)
هل تقع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للعاصي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الأسبوع الماضي حلمت أنني في مسجد أصلي وبعد الفراغ من الصلاة بدأت بتلاوة القرآن والحفظ والتبست علي بعض من الآيات فبحثت عنها في المصحف ولكني لا أدري أي سورة فسألت رجلاً فأشار إلى رجل آخر وقال ذلك الرسول فسأله وذهبت ووجدتني أمام رجل مربوع القامة ذو لحية سوداء غزيرة الشعر ...
أنا مسلم موحد عابد لله بكل الفرائض والحمد لله ولكني عاص ليس بالكبائر ولكن بصغائر الأمور مثل سماع الأغاني وتدريس النساء فهل يمكن أن أرى الرسول في المنام وهل هذه الرؤيا حقيقية وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق، لأن الشيطان لا يتمثل به.
وليس من شرط هذه الرؤيا أن تقع للمطيع فقط. وقد يكون في ذلك تحذير وتبشير لك، لتقلع عن ما ذكرت من المخالفات، وتلزم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وطريقه المستقيم.
وننبهك إلى أنه لا صغيرة مع الإصرار، بل يحولها الإصرار والاستمرار عليها إلى كبيرة، عافانا الله وإياك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1422(1/1433)
جواز رؤية الله تعالى مناما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثبت في السنة النبوية المطهرة أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه رأى ربه في المنام؛ وإذا ورد هذا في السنة فهل ورد في السنة نصوص الحوارات التي دارت بين الذات العالية سبحانه وتعالى والإمام أحمد؟ أفيدوني جزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في رؤية الله تعالى مناماً، هل تقع أم لا؟.
قال السفارني في لوامع الأنوار البهية (2/285) : (وقد اختلف في رؤية الله تعالى مناماً والحق جوازها وبالله التوفيق) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه بيان تلبيس الجهمية 1/73 (فالإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه، فهذا حق في الرؤيا، ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام، فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون متماثلاً، ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآها فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه، فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقاً أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك، وإلا كان بالعكس. قال بعض المشايخ: إذا رأى العبد ربه في صورة كانت تلك الصورة حجاباً بينه وبين الله.
وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم، وما أظن عاقلاً ينكر ذلك، فإن وجود هذا مما لا يمكن دفعه، إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره، وهذه مسألة معروفة، وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين، وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام) انتهى.
وقال في مجموع الفتاوى (5/201) :
(ومن رأى الله عز وجل في المنام فإنه يراه في صورة من الصور بحسب حال الرائي، إن كان صالحاً رآه في صورة حسنة، ولهذا رآه النبي صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة) انتهى.
وحديث رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه مناماً في أحسن صورة حديث صحيح رواه أحمد وغيره، ونصه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم غداة وهو طيب النفس، مسفر الوجه أو مشرق الوجه، فقلنا: يا رسول الله إنا نراك طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه، فقال: " ما يمنعني وأتاني ربي الليلة في أحسن صورة، فقال: يا محمد. قلت: لبيك ربي وسعديك. فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري أي رب. قال ذلك مرتين أو ثلاثاً.
قال: فوضع كفه بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي حتى تجلى لي ما في السماوات وما في الأرض. ثم تلا هذه الآية (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) الآية، قال: يا محمد: فيم يختصم الملأ الأعلى؟. قال: قلت في الكفارات. قال: وما الكفارات؟ قلت: المشي على الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد خلاف الصلوات (بعد الصلوات) وإبلاغ (اسباغ) الوضوء في المكاره. قال: من فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه. ومن الدرجات: طيب الكلام، وبذل السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام.
فقال: يا محمد إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تتوب علي، وإذا أردت فتنة في الناس فتوفني غير مفتون) رواه أحمد ورجاله ثقات.
وأما رؤية الإمام أحمد لربه تعالى مناماً فهذا ذكره بعض العلماء، ولم نقف على ثبوت ذلك عنه رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1422(1/1434)
مطابقة الرؤيا للواقع ... أمر مشهور
[السُّؤَالُ]
ـ[غالبا ما يخيل لي في أمور حدثت أني رأيتها في أحلامي مسبقاً أولاحقا. ما تفسير ذلك؟
أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن كان قصدك أنّ ما تراه في منامك يتحقّق في يقظتك، فقد روى البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة".
قال ابن حجر عند الكلام على حديث "الرؤيا الحسنة" قال المهلب: فالناس على هذا ثلاث درجات: الأنبياء ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير.
والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها مالا يحتاج إلى تعبير.
ومن عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث.
ثم نقل قول القرطبي: المسلم الصادق الصالح هو الذي يناسب حاله حال الأنبياء، فأكْرِمَ بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو: الاطلاع على الغيب.
وأما الكافر، والفاسق، والمخلِّط: فلا، ولو صدقت رؤياهم أحياناً، فذاك كما قد يصدق الكذوب، وليس كل حديث عن غيب يكون خبره من أجزاء النبوة كالكاهن والمنجم.
فمطابقة الرؤيا المنامية للواقع في بعض الأحيان حقيقة لا يجادل فيها إلا مكابر، ووقوع ذلك للمسلم الملتزم على وجه الخصوص أمر مستفيض، ولا غرابة في ذلك ما دام يلتقي مع النبوة عند نقطة واحدة وهي: اتحاد المصدر، فالكل - إذا - من عند الله، فرؤيا المسلم خبر صادق من الله لا كذب فيه، كما أن معنى النبوة نبأ صادق من الله لا يجوز عليه الكذب. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1422(1/1435)
من يدعي أن تسخير الجن له من باب الكرامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم من يتعامل مع شخص يتعامل مع الجن في الخير فقط في علاج بعض الأمراض وفك السحر. ولايستخدم الجن إلا في عمل الخير وعرف عن هذا الشخص التقوى والورع. وهل هناك أشخاص يتمتعون بكرامات من الله عز وجل. وهل يكون تسخير الجن للشخص مسخرين في عمل الخير له كرامة من عند الله سبحانه. أفيدونا جزاكم الله خيرا بأسرع وقت ممكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز الاستعانة بالجن ولو في أمور يظهر أنها من أعمال الخير، لأن الاستعانة بهم تؤدي إلى مفاسد كثيرة، ولأنهم من الأمور الغيبية التي يصعب على الإنسان فيها الحكم عليهم بالإسلام، أو الكفر، أو الصلاح، أو النفاق، لأن الحكم بذلك يكون بناء على معرفة تامة بخلقهم ودينهم والتزامهم وتقواهم وهذا لا يمكن الاستيثاق منه لانعدام مقاييس تحديد الصادقين والكاذبين منهم بالنسبة إلينا.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلفائه الراشدين، ولا الصحابة ولا التابعين، أنهم فعلوا ذلك، أو استعانوا بهم، أو لجؤوا إليهم في حاجاتهم.
ومع انتشار الجهل في عصرنا وقلة العلم قد يقع الإنسان في الشعوذة والسحر، بحجة الاستعانة بالجن في أعمال الخير، وقد يقع في مكرهم وخداعهم وهو لا يشعر، إلى ما في ذلك من فتنة لعامة الناس، مما قد يجعلهم ينحرفون وراء السحرة والمشعوذين بحجة الاستعانة بالجن في أعمال الخير. وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه من أن استخدامهم في المباح والخير جائز كاستخدام
الإنس في ذلك، فإنه في آخر كلامه ذكر أن من لم يكن لديه علم تام بالشريعة قد يغتر بهم ويمكرون به.
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية:" قال أحمد في رواية البرزاطي في الرجل يزعم أنه يعالج المجنون من الصرع بالرقى والعزائم، أو يزعم أنه يخاطب الجن ويكلمهم، ومنهم من يخدمه. قال: ما أحب لأحد أن يفعله، تركه أحب إلي"
والكرامات جمع كرامة وهي الأمر الخارق للعادة، يظهره الله على يد عبد صالح، ومتبع للسنة.
والتصديق بكرامات أولياء الله الصالحين، وما يجريه الله تعالى على أيدهم من خوارق العادات، من أصول أهل السنة والجماعة.
وقد حصل من ذلك الشيء الكثير، فقد أثبت القرآن الكريم والسنة النبوية وقوع جملة منها، ووردت الأخبار المأثورة عن كرامات الصحابة والتابعين، ثم من بعدهم.
ومن أمثلة هذه الكرامات قصة أصحاب الكهف، وقصة مريم ووجود الرزق عندها في محرابها دون أن يأتيها بشر، وهما مذكورتان في القرآن الكريم.
وقصة أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، فدعوا ربهم وتوسلوا إليه بصالح أعمالهم، فانفرجت عنهم. والقصة في الصحيحين. وقصة عابد بني إسرائيل جريح لما اتهم بالزنا فتكلم صبي رضيع ببراءته. وهي في صحيح البخاري.
ووجود العنب عند خبيب بن عدي الأنصاري رضي الله عنه حين أسرته قريش، وليس بمكة يومئذ عنب. وهي في البخاري. وغيرها من الكرامات.
ولكن مما ينبغي التنبه له: أن المسلم الحق لا يحرص على الكرامة، وإنما يحرص على الاستقامة. وأيضاً فإن صلاح الإنسان ليس مقروناً بظهور الخوارق له، لأنه قد تظهر الخوارق لأهل الكفر والفجور من باب الاستدراج، مثل ما يحدث للدجال من خوارق عظام.
فالكرامة ليست دليل على الاستقامة، وإنما التزام الشخص بكتاب الله وسنة رسوله هو الدليل على استقامته.
وأما من يدعي تسخير الجن له من باب الكرامة فليست دعواه صحيحة، لأن الكرامة لا تأتي للإنسان يريدها، وإنما هي تفضل من الله على أوليائه، قد يطلبونها فتحصل، وقد يطلبونها فتتخلف، وعلينا أن ننظر إلى حال الشخص للحكم عليه لا إلى كراماته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1436)
في هذه الأمة ملهمون، والمدار على الصلاح والاستقامة.
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة كبيرة في السن هذه المرأة تصلي وتصوم وتفعل الخير وتقرأ القرآن وتدعوا إلى الخير ولكن تقول أشياء مستقبلية، فهي تقول مثلاً إن الرجل الذي جلس معها سوف يتزوج قريباً ويحدث، أو شاب سوف يسافر إلى الخارج بعد مدة قليلة، ويحدث ذلك، وهذه الحالات قد تأتي لها إما في المنام ((حسب ما تقول رؤيا)) أو تكون جالسة في مجلس ثم تتوقف عن الكلام العادي ثم تقول هذه الأشياء وعندما نسألها عن الذي قالته تقول لا تدري، ما تفسير هذا؟ هل هو شئ مبارك من عند الله (كرامة) ،أو ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن بعض الناس يطلعهم الله عز وجل على شيء من الغيب عن طريق الرؤيا الصالحة أو الإلهام والتحديث، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءاً من النبوة" رواه مسلم، وهو عند البخاري بلفظ "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة".
وفي الصحيحين أيضاً "الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان".
والرؤيا الصالحة بشرى خير للمسلم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له".
وأما الإلهام والتحديث فهو واقع في الأمم السابقة ويقع أيضا في هذه الأمة، وقد اختلف في معناه على أقوال فقيل: هو الإصابة بغير نبوة، وقيل المحدَّث هو الملهم بالصواب الذي يُلْقَى على فيه. وقيل غير ذلك، والأصل في إثبات الإلهام والتحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدَّثون وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب". متفق عليه.
وربما أطلق العلماء على هذا النوع من العلم بالمغيبات الكشف، ومدار الأمر على استقامة الحال وسلامة المعتقد، فإن جنس هذا العلم يحصل للبر والفاجر، والمسلم والكافر، والمحدَّث والكاهن.
وكما قال السلف: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء، فلا تغتروا بعمله، حتى يعرض على الكتاب والسنة.
ووجود الكرامة والولاية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمر مقطوع به، لكن من الخطأ البين أن يعطى أحد من الناس شيئاً من التقديس والتعظيم لأجل صلاحه واستقامته، وأعظم من ذلك أن يبنى على قبره إذا مات، وأن يصنع له مولد، وأن يسأل من دون الله عز وجل، وهذا غاية ما يطمع فيه الشيطان، ويسعى إليه.
وعليه فقد يلقي الشيطان بعض الأمور الغيبية على لسان شخص ما، ليفتتن به الناس، لا سيما إذا كانوا جهالا مولعين بالقبور وأهلها، يثبتون الولاية والكرامة بأوهى سبب. فالحذر الحذر من مكر الشيطان وحيله.
وفق الله الجميع لما يجب ويرضى. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1437)
الفرق بين الولي ومدعي الولاية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نفرق بين الولي والمدعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمفهوم الشرعي لكلمة (ولي الله) يتجلى واضحاً في قوله تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون* الذين آمنوا وكانوا يتقون) [يونس: 62، 63] فكل من كان مؤمناً تقيًا فهو من أولياء الله تعالى. وليست الولاية محصورة في أشخاص معينين، ولا يشترط لحصولها وقوع الكرامة. قال القرطبي: قال علماؤنا رحمهم الله: ومن أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات، وخوارق للعادات فليس ذلك دالاً على ولايته، خلافاً لبعض الصوفية والرافضة، حيث قالوا: إن ذلك يدل على أنه ولي، إذ لو لم يكن ولياً ما أظهر الله على يديه ما أظهر، ودليلنا: أن العلم بأن الواحد منا ولي لله تعالى لا يصح إلا بعد العلم بأنه يموت مؤمناً، وإذا لم نعلم أنه يموت مؤمناً لم يمكنا أن نقطع على أنه ولي لله تعالى.
وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه.." الحديث.
فطريق الولاية في الكتاب والسنة هو المحافظة على الفرائض والحرص على النوافل، والتحقق بمقامات الإيمان، والتزين بلباس التقوى.
وبهذا يعلم أن المجانين والفسقة والعصاة لا يدخلون في ذلك، وغاية المجنون أن يرفع عنه القلم، لا أن يكون ولياً، فضلاً عن أن يكشف عنه الحجاب، فإن الحجاب لا يكشف لأحد في الدنيا، والوحي لا يتنزل إلا على الأنبياء، وإذا كان الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء لم يكن هذا دليلاً على ولايته، فإن الخوارق تقع على يد الكافر والملحد والفاسق كما تقع على يد المؤمن. ولهذا قال الجنيد رحمه الله: علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب ولم يكتب الحديث، فلم يتفقه، فلا يقتدى به.
وقال:"الطرق كلها مسدودة عن الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته، لأن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه، وعلى المقتفين أثره والمتابعين.
وليس للولي أن يدعي الولاية لنفسه أو يشهد لها بذلك، فإن هذا من التزكية المذمومة.
كما أن من المفاهيم الباطلة حول الولاية ما يلي:
1- اعتقاد أن الولي يتصرف في الكون، ويجوز دعاؤه والاستغاثة به في الشدائد، واعتقاد هذا خروج عن الإسلام جملة، وقدح في الربوبية والألوهية.
2- اعتقاد عصمة الولي وأن الله لا يخلق له الخذلان الذي هو قدرة العصيان، كما يقول القشيري عفا الله عنه.
3- اعتقاد أن الولي يعلم الغيب، وأنه يغني عن نفسه وعن الخلق.
4- أو أن الولي يتطور ويظهر في أشكال مختلفة، فتارة تراه أسداً، وتارة تراه شيخاً، وتارة تراه صبياً. وأنه يوجد في أماكن مختلفة في وقت واحد، على ما هو مدون في كثير من الكتب المعنية بذكر أولياء الصوفية.
5- اعتقاد أن الولي يباح له مخالفة الشريعة، وأنه يجب التسليم له وعدم الإنكار عليه ولو ترك الجمع والجماعات، لأنه صاحب حال كما يقول الشعراني وغيره
6- اعتقاد أن الولاية تكون بيد الولي الكبير يعطيها لمن يشاء من أتباعه، وهذا ضلال لا يحتاج إلى إقامة الدليل على بطلانه.
7- اعتقاد أن للولاية خاتماً كما أن للنبوة خاتماً، كما قال بذلك الحكيم الترمذي وقد نفي من ترمذ بسبب كتابه: ختم الولاية، وحكم عليه بالكفر بذلك، وقد جاء بعده من ادعى أنه خاتم الأولياء أو ادعي له ذلك كابن عربي وأحمد التجاني وغيرهما.
8- اعتقاد أن الولي يمكنه سلب العلم والهداية من مخالفيه، وهذا داخل تحت اعتقادهم أنه يتصرف في الكون.
فهذه الاعتقادات الباطلة مما يعلم يقيناً أنها مخالفة للكتاب والسنة ولما عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وأنها سبيل أولياء الشيطان لا أولياء الرحمن،
... ... ... ... والموفق من وفقه الله تعالى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1422(1/1438)
دعوى البعض أن روح النبي صلى الله عليه وسلم تظهر له
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الولي تظهر له روح النبي صلى الله عليه وسلم ككرامة فتفتح بصيرته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فظهور روح النبي صلى الله عليه وسلم للولي، وجعل ذلك من الكرامات، أمر لا أصل له في الشرع، وسادة الأولياء هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والعشرة المبشرون وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان، ولم ينقل عن واحد منهم حرف واحد في ظهور روح النبي صلى الله عليه وسلم له، ولا اجتماعه به بعد وفاته، إلا أن تكون رؤيا منام، فهذا لا نزاع في إمكانه وحصوله لبعض الناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة"، وفي رواية: "فقد رأى الحق"، وفي أخرى: "فإن الشيطان لا يتمثل بي" الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وما يعتقده بعض الجهال من حضور النبي صلى الله عليه وسلم إلى اجتماعاتهم ومجالسهم، وقيامهم له، انحراف ظاهر، وأعظم منه دعوى بعضهم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، فإن هذا خلاف الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فإن الموتى إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة لا في الدنيا، كما قال تعالى: (ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) [المؤمنون: 15، 16] .
وقال ابن حزم في مراتب الإجماع: واتفقوا أن محمداً عليه السلام وجميع أصحابه لا يرجعون إلى الدنيا إلا حين يبعثون مع جميع الناس (أ. هـ.) .
ومن تأمل حال سادات الأولياء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم علم الفرق بين الولاية وبين الشعوذة والخرافة، ولو كان ثم أحد يمكن أن يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ليرشده أو يفتح بصيرته ـ كما في السؤال ـ لكان أولى الناس بذلك أصحابه، لا سيما في أوقات الشدة والمحن، كاختلافهم في القبلة، وتنازعهم في خلافة عثمان رضي الله عنه، وبعد في خلافة علي.
وها هو عمر رضي الله عنه يقول: ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا بهن عهدا ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا. متفق عليه.
فلو كان صلى الله عليه وسلم يظهر لأحد بعد موته لظهر لعمر الفاروق رضي الله عنه، ولفقه عمر رضي الله عنه لم يتمن رؤيا منام يتلقى فيها هذه الأحكام، كما يدعيه بعض المتصوفة من أخذهم الأذكار والأوراد وعهود الطريق عن طريق المنام واليقظة، أما اليقظة فقد مضى ما فيها، وأما المنام فلا يؤخذ منه حكم شرعي على ما قرره أهل العلم، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1439)
ظهور أنوار عند قبور بعض الصالحين بشارة خير
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: توفيت جدتي منذ فترة قصيرة وقد كانت رحمها الله من الأخيار الصالحين لما عرف عنها من تقوى وورعٍ وحب للناس وكثر العطاء لهم. بعد وفاتها جاءنا من يقول: إنه شاهد نورا أبيض ينزل من السماء ويضيء المقبرة لمدة قصيرة، يخرج بعدها نور أخضر من القبر يعرج للسماء. وقد تكرر ذلك أكثر من مرة وشاهده أكثر من شخص ثقة، كون المقبرة تتوسط حياً سكنياً في وسط القرية. أرجو تكرم ذوي الدراية بالإفادة عن مدى إمكانية ذلك وما تفسيره؟ اسأل المولى لها الرحمة ولجميع موتى المسلمين. ولكم مني جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يتغمدها برحمته وأن يتقبلها في الصالحات. وما شاهده الناس من هذه الأنوار هو بشرى خير إن شاء الله، وهو أمر ممكن، وذكر العلماء مثله في تراجم بعض الصالحين.
وفي هذا عبرة وعظة للحي، وحث له على لزوم طريق الصلاح والتقوى، لكن ليعلم أن هذه الأمور لا يترتب عليها حكم شرعي، لا اعتقاد الولاية ولا بناء ضريح على المتوفى، ولا الاحتفال بمولده أو بوفاته، بل بناء الضريح على الميت منكر عظيم، والاحتفال بالمولد أو الوفاة بدعة محدثة.
والمشروع هو الدعاء للميت والإحسان إليه بالصدقة، وإكرام صديقه ونحو ذلك.
وهناك أنواع من المبشرات تدعو إلى إحسان الظن بالميت ورجاء الفوز له، كالرؤية الصالحة، وحصول مثل هذه الأنوار، لا سيما مع الصلاح الظاهر حال الحياة، ونسأل الله أن يرحمنا وأن يرحم أموات المسلمين أجمعين والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/1440)
الحد الفاصل بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تتكرم فضيلتك بإفادتي بالإجابة عن هذا السؤال لأني في أمس الحاجة على إجابة مفصلة وافية له.. هناك شخص قريب مني كان صوفيا, ولكن ولله الحمد أعانني الله على أن أبين له خطأ الصوفية, واكتشفت أنه لم يكن يعلم شيئا عن عقائد الصوفية -ومنهم شيخه- الباطلة من الاستغاثة بالأموات وطلب المدد وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقسم الأرزاق وأن الأولياء يتصرفون في الكون ويعلمون الغيب واعتقاد بعضهم أن فرعون مؤمن ونحو ذلك، ولما علمها أعرض عنها وترك الصوفية وصار مقتنعا بضلالهم وباطلهم ... ولكن ما يؤرقني ويؤرقه, هو أن شقيق هذا الشخص وهو صوفي أكثر منه ويؤمن بكل بهذه الاعتقادات تقريبا ولكن لم تأتني الفرصة للحديث معه، تأتي له رؤى واضحة تقول له أن يثبت على الطريق الصوفي, وأن الصواب فيه والخطأ خارجه، وللعلم فشقيقه هذا أنا أعلم ومتأكد يقينا أن نيته جميلة جداً وطيبة جداً ولكن لم يجد من ينصحه, وعنده من الإخلاص الكثير جداً ولكن شيخه يضلله ويخبره بأحاديث باطلة وموضوعة ولكنه يثق فيه ثقة عمياء تماما للأسف، كما أن شيخه كثيراً ما تأتي له رؤيا تخبره بشيء ما سوف يحدث, أو أن الولي الذي يعتقد فيه، وبالمناسبة هو أحمد البدوي، له خط معه ويراه في المنام ويخبره بشيء سيحدث وبالفعل يحدث, وربما كان هذا الشيء سيحدث لقريبي هذا أو يخصه وبالفعل يقع أو يكون صحيحا، وهذا الشيخ كثيراً ما يخبر هذا الشخص بما في صدره ويكون صحيحا، وعندما يقول لي هذا أقول له إن الشياطين كثيراً ما تساعد أتباعها كما هو معروف من أن الشياطين تصعد فوق بعضها لتطلع على أمر من الغيب وتخبر الكاهن به، (وكنت قد سمعت الشيخ أبا إسحق الحويني يقول ذلك) فهل أنا مصيب في ذلك، وماذا أقول له في تلك الموضوعات وهو يقول لي إنه جربها شخصيا وحدثت مراراً وتكراراً، وما الرد المفصل على ذلك يا فضيلة الشيخ؟ وجزاك الله عني وعن كل مسلم كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أيها السائل الكريم أن علم الغيب نوعان: غيب مطلق لا يعلمه إلا الله كعلم وقت قيام الساعة، وغيب نسبي قد يطلع الله بعض عباده عليه، وأما الرؤيا الصالحة فهي ما يراه الشخص الصالح في منامه من المبشرات، وهي من إكرام الله لعباده الصالحين، والإلهامات الإلهية تحصل لمن كان مستقيم الظاهر والباطن على شرع الله تعالى، وهناك الإيحاءات الشيطانية التي تحصل لأولياء الشيطان من المبتدعة والمنحرفين عن شرع الله.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال المهلب: فالناس على هذا ثلاث درجات: الأنبياء ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير.. والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير.. ومن عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث.. وقال القرطبي: المسلم الصادق الصالح هو الذي يناسب حاله حال الأنبياء فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو الاطلاع على الغيب. وأما الكافر، والفاسق، والمخلط: فلا، ولو صدقت رؤياهم أحياناً، فذاك كما قد يصدق الكذوب، وليس كل حديث عن غيب يكون خبره من أجزاء النبوة كالكاهن والمنجم. انتهى.
فمن الوارد أن يرى الكافر والفاسق رؤيا صادقة، ولكن الرؤيا الصادقة ليست وحدها دليلاً على الولاية والصلاح، فطريق الولاية في الكتاب والسنة هو المحافظة على الفرائض والحرص على النوافل، والتحقق بمقامات الإيمان، والتزين بلباس التقوى، لأن الكافر قد يرى رؤيا صادقة كما في قصة صاحبي السجن الذين سألا يوسف عليه السلام عن رؤياهما فعبرها لهما، وكما في قصة ملك مصر الذي رأى رؤيا وعبرها له يوسف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وقد اتفق أهل المعرفة والتحقيق أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء، لم يتبع إلا أن يكون موافقاً لأمر الله ورسوله، ومن رأى من رجل مكاشفة أو تأثيراً فاتبعه في خلاف الكتاب والسنة كان من جنس أتباع الدجال، فإن الدجال يقول للسماء: أمطري فتمطر، ويقول للأرض أنبتي فتنبت، ويقول للخربة أخرجي كنوزك فتخرج معه كنوز الذهب والفضة، ويقتل رجلا ثم يأمره أن يقوم فيقوم، وهو مع هذا كافر ملعون عدو لله، ... وقال صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجال كذابون، كلهم يزعم أنه رسول الله. وقال صلى الله عليه وسلم: يكون بين يدي الساعة كذابون دجالون، يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم. هؤلاء تنزل عليهم الشياطين وتوحي إليهم، كما قال تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ* تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ... ومن لم يفرق بين الأحوال الشيطانية والأحوال الرحمانية كان بمنزلة من سوى بين محمد رسول الله وبين مسيلمة الكذاب، فإن مسيلمة كان له شيطان ينزل عليه ويوحي إليه.. والأصل في هذا الباب: أن يعلم الرجل أن أولياء الله هم الذين نعتهم الله في كتابه. حيث قال: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ. فكل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً. انتهى.. وللمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4445، 5416، 8138، 69832، 78699، 78900.
فننصحك بالاجتهاد في نصح صديقك، وبيان أنه لا تخلو غالباً فرقة من فرق الصوفية اليوم من انحراف في العقيدة، وزيغ عن الحق، ومخالفة للهدي، فتكثر فيهم الشركيات كدعاء غير الله، والاستغاثة بالأموات، واعتقاد النفع والضر فيمن يسمونهم أولياء، وكل هذه الأمور شرك أكبر يخرج معتقده عن الملة، ويمكنك الاستفادة من الفتوى رقم: 117547 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1430(1/1441)
يغرس أسياخ الحديد في جسمة ولا يتأذى..هل هذا من الكرامات
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم شيخ صوفي في مدينتي أثناء مجلس ذكر يقيمه كل يوم خميس بغرس أسياخ حديدية في جسده وأجساد بعض مريديه دون أن يصابوا بأذى. السؤال: لماذا لا يصابون بأذى؟ حيث إنهم يقيمون على الناس الحجة بهذا الأمر. وما حكم مجالسهم وحكم من يحضر إليها علما أن فيها مديحا للرسول مرفقاً بضرب الدفوف؟ وبارك الله بكم، وجزاكم خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا العمل الذي يفعله الرجل المشار إليه يعتبر بدعة في الدين، قد يصل به إلى الشرك والعياذ بالله، إذ ليس هو من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعل صحابته، وقد قال عليه الصلاةة والسلام: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. متفق عليه. وعدم إصابتهم بأذى قد يكون راجعا لإعانة الجن لهم أو نحو ذلك من الألاعيب، وليس فيه إقامة حجة -كما زعم السائل- بل هو عمل يقوم به أيضا الكفرة من الهندوس والبوذيين والسيخ وغيرهم من أهل الشرك والسحر، فهل فعلهم له يعني أنهم أقاموا الحجة على صحة معتقداتهم.
ولا تعتبر هذه البدعة من كرامات الأولياء بخلاف ما يظنه كثير من الجهلة لأن الولي لله هو المؤمن التقي؛ كما قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * {يونس:62 -63} وأعظم ما يتقيه الولي لله الشرك والبدعة في الدين.
ورحم الله الشافعي حيث قال: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا حتى تعرضوا أمره على الكتاب. وانظر للأهمية الفتوى رقم: 4445، والفتوى رقم: 9055، والفتوى رقم: 34964، والفتوى رقم: 52968.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1428(1/1442)
الكفار بين الوعيد والإمهال
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (آل عمران:56) ، فالآية تشير إلى عذاب الله الشديد للكافرين في الدنيا والآخرة، ونحن نؤمن قطعا بذلك، ولكن نحن نرى الكافرين يتقلبون في اليسر والنعم، ولا نراهم في الدنيا قبل الموت يتعذبون عذابا شديدا، فهل الآية تحمل على عذاب الله تعالى لهم في الدنيا بعد الموت، أي عذاب القبر، أفيدونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر المفسرون أن هذا العذاب الدنيوي يراد به ما يحصل لهم من القتل والصلب والسبي والجزية كذا قال القرطبي وابن الجوزى، ولا يخفى أن هذا وعيد والوعيد قد يتحقق كما حصل في كثير من العصور، وقد لا يتحقق، ويمهل الله الكفار، ويملي لهم حتى يضطرهم إلى عذاب النار في الآخرة فيهينهم بها، كما قال تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ {إبراهيم:42} ، وقال تعالى: وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ* نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظ ٍ {لقمان:23-24} ، وراجع للبسط في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26563، 47005، 60327، 76268، 32949.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1428(1/1443)
مؤشر الاستدراج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا أصابني خير وقلت هذا استدراج يكون سوء ظن بالله مع العلم أني أعلم تقصيري وذنوبي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن استشعار العبد أن ما يحصل له من الخير وهو مقيم على المعاصي من الاستدراج ليس فيه سوء ظن بالله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نبهنا إلى أن إسباغ الله الخير للعصاة من مؤشرات الاستدراج، ففي الحديث: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ.
وعلى العبد أن يتوب إلى الله تعالى ويحسن الظن بالله في قبول توبته ويكثر من سؤاله الخير، ففي الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيرا فله، وإن ظن بي شرا فله. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 40377، 21400، 73736، 65441، 60327، 51953، 47005.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1427(1/1444)
هل يحصل الشفاء على أيدي الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن كمسلمين نؤمن بجميع الديانات. نعلم أن الله هو الشافي ولكن مرات عدة أقرأ أن فلانا (مسلما) كان مريضاً فذهب إلى أحد المزارات المسيحية فدهن بالزيت فشفي.
اليوم قرأت في جريدة أن طفلة كانت تعاني من شلل نصفي على الجهة اليمنى وهي مسلمة سورية فأتت مع عائلتها إلى أحد المزارات في لبنان وتدعى (المزار) سيدة بشوات وتم دهنها بالزيت فبعد خمس دقائق شفيت وبدأت بالمشي. مع تأكيد ذلك من قبل أشخاص لبنانيين مسلمين شهدوا ذلك.
أعلم أن بعض القراء قد يسخر من ذلك ولكن أريد أن أفهم ذلك.
ما رأيكم حول ما حصل.
جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يؤمن بجميع الرسالات التي أرسل الله بها رسله عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء: 152}
وأما ما يدين به المعاصرون من الكفار فهو ليس دينا يؤمن به المسلم لأن الشرائع كلها نسخت بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فوجب على جميع الناس الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وترك كل ما يخالفها وإلا كانوا من أهل النار؛ لما في الحديث: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار.
هذا؛ ولا مانع من أن يحصل الشفاء للمرضى بالتداوي بزيت مخلوط بأعشاب نافعة؛ كما يحصل الدواء بأدوية وعقاقير صنعها الكفار في الشرق أو الغرب، ولا مانع كذلك أن يحصل الدواء استدارجا من الله للكفار، ومهما يكن من أمر فإن الله تعالى أغنى المسلم بما أعطاه من الوسائل المشروعة والرقى الشرعية والأدعية المأثورة عما عند الكفار، وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 13277 / 29629 / 47935 / 47005 / 60327.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1427(1/1445)
من صور تلبيس الشياطين على أوليائهم
[السُّؤَالُ]
ـ[البعض يزور القبور من بلد بعيد يؤجر سيارة ثم يذهب إلى المقابر ويبيت عندهم ليالي ويذبح عندهم وإذا قلت له لا تذبح عند الأموات يرد عليك ذابح لنفسي ولم أذبح للميت، وأحيانا يقول لك إنه عند والد أو قريب إذا أراد زيارته لا يذهب بشيء يأكله لأن والده هو الذي سيضيفه وهو ميت منذ زمان بعيد، وبعد رجوعه تسأله كيف زيارتك يرد عليك كانت حميدة ولله الحمد في ليلتنا الأولى جاءتنا شاة سمينة والليلة الثانية
كذا وكذا أجيبوني يرحمكم الله هل هذا يقبل شرعا وهم يدعون أنهم صالحين وهل التنقل لهم جائز]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا عدة فتاوى في حكم الذبح عند القبور، سواء كان ذابحا أم لا، وفتاوى في شد الرحال إليها، فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 34665، 9476، 59768، 24964، 19508.
وأما زعم الزاعم أن أهل القبور يضيفونهم فإنه مردود بما ثبت بالضرورة من عجز الموتى وانقطاعهم عن الدنيا، وإن الرزق كله من الله.
ويحتمل أن يكون هذا من تلبيس الشياطين، فقد ذكر أهل العلم أن الشياطين تستجيب لمن استغاث بأحد الأولياء فتأتيه صورة ذلك الولي فيظن المسكين أن الولي أغاثه؛ وإنما تمثل به الشياطين، فعلى المسلم أن يحذر من تلبيس الشياطين عليه، وأن يبحث عن أعظم كرامة وهي الاستقامة على طاعة الله واتباع السنة، فهذا خير من الخوارق التي قد تكون من تلبيس الشياطين على أوليائهم، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 53617، 32634، 58822.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1426(1/1446)
بين الكرامة والاستدراج
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة تقول بأن الله تعالى أعطاها المقدرة منذ 5 سنوات على مداواة أغلبية المرضى (ما عدا الفتق والأمراض التي خلق بها الإنسان) ، وقد أراها الله الكعبة وكل الأمراض وكيفية معالجتها، وهي تقوم بتمرير يدها على جسد المريض وهو ممدد على فراش ومغطى وذلك مع قراءة سورة الإخلاص عدة مرات ثم تسألك إن أحسست ببرودة أو سخونة أوتنميل وما هي الأمراض التي تعاني منها، وقبل تمرير يدها تقول السلام عليك يا سيدي النور الروحاني (تقول ذلك اللفظ فقط في الجلسة الأولى) ، كما أنها في بعض الأحيان تمسد جسد المريض بزيت الزيتون، وقد استطاعت هذه المرأة بفضل الله تعالى أن تعالج مرضى السرطان ومرضى القلب الذين عجز الأطباء عن مداواتهم، كما أن على المريض أن يذهب إليها كل يوم لمدة محددة يمكن أن تكون أسبوعا، أوأسبوعين أو أكثر، مع العلم أنها لا تطلب مبلغا محددا من المال وإنما ترضى بما تعطيه لها من المال ولو كان قليلا.
هذه المرأة محجبة وتصلي وتذهب إلى الحج ويوجد ببيتها صورة لشيخ وعندما سئلت من يكون قالت بأنه رئيس الصوفيين وبأنه كان يداوي مثلها، السؤال: هل هناك فعلا أناس أعطاهم الله مقدرة خاصة على مداواة المرضى وهل يجوز الذهاب إلى تلك المرأة للتداوي؟ أرجو إفادتي وتوضيح الأدلة من الكتاب والسنة، وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكون هذه المرأة تحتفظ بصورة لشيخ وتقول إنه رئيس الصوفيين، وأنه كان يداوي مثلها، لا يؤخذ منه -بالضرورة- صلاح حالها، بل إنه دليل على فساد في المعتقد وانحراف في المنهج، وذلك لأن الصوفية خصوصاً في العصر الحاضر قد اشتملت على الكثير من الانحرافات كالغلو في المشايخ والصالحين، وتقديم العبادة للأضرحة دعاء واستغاثة ونذراً وذبحاً وطوافاً، وهذا من الشرك الذي إذا مات عليه الإنسان كان من أهل النار خالداً فيها مخلداً، والاحتفاظ بالصور أيضاً غير ممدوح، وكنا قد بينا ذلك في فتاوى سابقة فراجعي فيه فتوانا رقم: 1935.
وعلاج المرضى الذين عجز الطب عن علاجهم قد يكون كرامة وقد يكون استدراجاً، والكرامة والاستدراج إنما يمكن التمييز بينهما عن طريق حالة الشخص نفسه، فإن كان مستقيماً على أمر الله مبتعداً عن معصيته محافظاً على نوافل العبادة، كان الذي يجده من تلك الأمور الخارجة عن العادة يمكن أن يوصف بأنه كرامة، وإن كان بخلاف ذلك كان الذي هو فيه استدراجاً، وراجعي في هذا الموضوع فتوانا رقم: 32634.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1425(1/1447)
زعم النصارى أنهم يرون ضوءا من قبر مريم تلبيس شيطاني
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن: حقيقة الضوء المقدس الذي يزعم المسيحيون أنهم يحضرونه من قبر مريم العذراء في القدس الشريف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يزعم النصارى من أنهم يرون ضوءاً مقدساً من قبر مريم، أو أنهم يرون السيدة مريم العذراء بصورتها على شكل نور تظهر لهم، نوع من التلبيس الشيطاني، وواحدة من ضلالات النصارى الكثيرة، انظر تفصيلاً حول هذا الموضوع في الفتوى رقم: 18881.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1425(1/1448)
تيسير أمور الكفار أو الفساق استدراج من الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[نعرف دائماً أن الإنسان المؤمن الصالح الذي يصل رحمه دائماً ويعمل كل ما يرضي الله عز وجل يطول عمره ويفتح له أبواب الرزق، ولكني ألاحظ دائماً أن الإنسان المؤمن الصالح الذي يصل رحمه تكون عنده هموم كثيرة ومشكلات معقدة عليه بعكس الإنسان الجاحد القاطع لرحمه حيث نرى كل أبواب السعادة من مال وصحة وأبناء مفتوحة له أرجو أن تبينوا لنا حكمة الله تعالى في ذلك؟ وجزاكم الله عنا وعن المسلمين كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه. رواه البخاري ومسلم.
وقد قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] .
وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] .
وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3] .
وقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189] .
وقال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132] .
وقال: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] ، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [لقمان:33] ، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً [النساء:87] .
وما دلت عليه هذه الآيات والحديث السابق في أن التقوى والعمل الصالح وصلة الرحم جوالب للسعادة، وأن المعاصي تجلب المشاكل هو الحق وهو المشاهد وقوعه في أغلب الأحوال قديماً وحديثاً.
فكم من التائبين أخبروا عما حصل لهم من السعادة بعد التوبة والاشتغال بالأعمال الصالحة، وهذا ما يجب أن يوقن به كل المؤمنين، وما يلاحظ في بعض الأحيان من تعقد بعض أمور المسلم فهو ابتلاء يعقبه يسر بإذن الله وتكفير للذنوب ورفع للدرجات، فالواجب أن يراجع المصاب نفسه ويخلص في التوبة ويكثر الدعاء ويصبر على ما أصابه، حتى يبدل الله العسر يسراً؛ ففي الحديث: ما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
وإذا لوحظ أن الفساق أو الكفار تيسرت أمورهم؛ فهو استدراج من الله؛ ففي الحديث: إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ. رواه أحمد والبيهقي في الشعب، والطبراني في الكبير وصححه الألباني.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن كثرة المال بيد الشخص ليست معيارا لسعادته بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت تمر عليهم فترات يقل المال فبها بأيديهم ويقعون في وضع أشبه ما يكون بحافة المجاعة، بدليل أن الله قد يمنع عبده الدنيا رحمة به وحماية له من أضرارها كما يحمي الناس بعض المرضى من الماء إذا كان يضربهم، ففي الحديث: إذا أحب الله عبدًا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء. رواه الترمذي والحاكم وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني، وراجع الفتويين التاليتين: 31444، 13270.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1425(1/1449)
مجرد ظهور الخوارق على يد إنسان ليس دليلا على صلاحه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد سألت فضيلتكم عن رأيكم في الموقع الإلكتروني التالي: http://www.meccaclinic.8k.com، ولم أتلق أي رد أو إشعار بوصول السؤال إليكم، أكون شاكراً لو تكرمتم بالإجابة عنه للأهمية؟ بارك الله فيكم، وأحسن إليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الموقع يقوم على التعامل مع الجن المسلمين -فيما يزعم- لإجراء عمليات جراحية، وقد سبق أن بينا عدم جواز الاستعانة بالجني ولو كان مسلماً في عدة فتاوى، انظر منها على سبيل المثال الفتوى رقم: 27376، والفتوى رقم: 7529.
كما بينا عدم جواز العلاج عند من يستعين بالجن في الفتوى رقم: 21837، والفتوى رقم: 3107، وأما ما ذكر هذا الموقع من كرامة لرجل في علاج السحر والحالات النفسية.... إلخ فيجب أن يعلم أن مجرد ظهور خوارق العادات على يد الإنسان ليس دليلاً على صلاحه وتقواه، لأن هذه الخوارق قد تظهر لأهل الكفر والفجور، مثل ما يحدث للدجال من خوارق عظيمة، وإنما يستدل على صلاح الإنسان بقدر اتباعه للكتاب والسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1425(1/1450)
عطاء الله للعبد على معاصيه هو من باب الاستدراج
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أعرف أن ما يعطيني الله من عطايا هو جزاء لي أم استدراج والعياذ بالله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فهذا الحديث يدل على أن العبد إذا كان يعمل المعاصي، فإن عطاء الله عز وجل له ما يحبه ويتمناه هو من باب الاستدراج، نسأل الله السلامة والعافية. وأما إذا كان يعمل بطاعة الله عز وجل وشكره، فإن عطاء الله عز وجل له ليس من باب الاستدراج، فاعرض هذا على نفسك وأنت خير ناقد لها فقد قال الله تعالى: بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة:14] . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1424(1/1451)
خوارق العادة للمنحرف استدراج
[السُّؤَالُ]
ـ[تقول أخت لنا إنها في يوم دعت الله أن يظهر لها كرامة فأنزل عليها ورقة شفافة بها أسماء الله الحسنى وأن سيدنا خضر يجىء إليها ويخبرها بكل شيء عن أحوالنا وما سيحدث لنا وإنها أصبحت من أولياء الله الصالحين علماً بأنها ما زالت متبرجة هل هي مريضة نفسياً أم بها شيء من المس الشيطاني إنني قلقة عليها؟
ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكرته عن هذه المرأة أقرب إلى الجنون، وقد تقدمت لنا فتوى تحت رقم: 4445 بينا فيها صفات أولياء الله الصالحين وما قد يمنحهم الله من كرامات، وأن مدار الأمر على الاستقامة والاتباع، وأن الله قد يجري على أيدي البعض خوارق ولكن لا يغتر بذلك إلا الجهلة والمنحرفون.
ويمكنك الاطلاع على الفتوى رقم: 26689 التي بينا فيها أن الراجح أن الخضر لم يعد حياً، ولو افترض أنه حي فإنه لا يعلم ما سيحدث لأن ذلك من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(1/1452)
وقوع الخوارق على يد الكافر والفاسق
[السُّؤَالُ]
ـ[في الفتوى رقم 4445 مكتوب:
(فإن الخوارق تقع على يد الكافر والملحد والفاسق كما تقع على يد المؤمن)
فكيف تقع الخوارق على يد الكافر والملحد والفاسق
مع أنهم كفرة وملاحدة وفسقة؟ ما تفسير ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخوارق تقع على يد الكافر والمسلم، كوقوعها على يد الدجال في آخر الزمان مع كونه كافراً يدعي الربوبية، وقد جاء في الأحاديث أنه يأتي الخربة فتتبعه كنوزها، وأنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويمر بالقوم فلا يؤمنوا به فيتركهم ممحلين، ويقتل الرجل ويجعله شقين ثم يدعوه فيجيئ، إلى غير ذلك مما يقع على يديه من الخوارق فتنة وامتحاناً.
وكثير من الفساق والعصاة شوهدوا وهم يطيرون في الهواء أو يمشون على الماء، ثم يتبين أن ذلك بمساعدة الجن لهم نظير عصيانهم وضلالهم، وهذه أمور معلومة قررها أهل العلم قديماً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1422(1/1453)
هل يسعد المؤمن في الجنة ولو تعذبت أسرته في النار
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد الأسئلة التى وجهت من غير المسلمين كنوع من التحدى: كيف سيسعد الإنسان ويفرح فى الجنة إذا كان أهله كزوجته أو وأولاده أو والديه غير المسلمين فى النار؟ فهم لن يدخلوا الجنة لكفرهم وإلحادهم.
وأجبت بما أظنه كان وافيا، لكن أطمع فى ما عندكم مما علمكم الله فأفتونا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {آل عمران:19} .
ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
آل عمران:85} .
ويقول سبحانه: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: من الآية3} .
ويقول عزوجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْأِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {الصف:7} .
فالإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله من العباد غيره بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة، وكل شرائعه حسنة فيها العدل والخير والرحمة، ومن العدل محاسبة كل إنسان على أفعاله وحده.
كما قال تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {الأنعام:164} .
وكما قال تعالى: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {الإسراء:15} .
وكما قال سبحانه: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {الزمر:7} .
والله عزوجل لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {الإسراء: 15} .
وقال سبحانه: ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ {الأنعام:131} .
فمن بلغته الحجة وسمع بالإسلام ولم يسلم فقد ظلم نفسه ظلما كبيرا لا يغفره الله إلا بالتوبة والإسلام، فإذا مات على ذلك استحق الخلود في نار جهنم، فإن كان أبا كافرا وله زوجة مؤمنة وأولاد فلن يجمع الله بينهم أبدا والعكس، إذ ليس من العدل الجمع بين من آمن وأطاع، وبين من كفر وعاند، وإذا دخل الأولاد الجنة وكان أبوهم أو أمهم من الكفار، فإنهم لن يحزنوا ولن يتنكد عيشهم كما يقول هؤلاء، لأن الجنة هي دار السرور ومن يدخلها يذهب عنه الحزن، كما قال أهل الجنة فيما ذكره رب العزة سبحانه: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ {فاطر:34-35} .
وأحوال الناس في الآخرة لا تقاس على أحوالهم الدنيا، ففي الدنيا يتألم المسلم إذا رأى أمه أو أباه يرفضون الإسلام لعلمه بعاقبتهم عند الله، ولكنه يسلم لأمر الله ولا يضره هذا في الآخرة ولا يحزنه إذا دخل الجنة، فالحزن والهم من النقص، والجنة دار الكمال لا نقص فيها.
ثم ينبغي أن تناقش مع هؤلاء أصل الأمر وهو الإسلام وأدلة صدقه، ونبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا ثبتت هذه الأصول فما بعدها أيسر، وإذا لم يؤمنوا بها فلا يضرنا هذا، فعندنا بصيرة من ديننا وبينّة من أمرنا يقول الحق سبحانه وتعالى في بيان شافٍ وفي آيات متواليةٍ توضح لنا هذه الحقيقة: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ {يونس:104-106} .
وراجع الفتوى رقم: 7646، ففيها بيان أن جمع الشمل بين الآباء والأبناء في الجنة من تمام النعيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1430(1/1454)
حديث صحيح عن أهوال يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لديكم حديث عن أحوال وأهوال يوم القيامة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الأحاديث الواردة في أهوال يوم القيامة فكثيرة، ومنها على سبيل المثال ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس والقمرإذا كانت صحوا؟ قلنا: لا، قال: فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما، ثم قال ينادي مناد ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغبرات من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود، ما كنتم تعبدون؟ قالوا كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا نريد أن تسقينا، فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى ما كنتم تعبدون؟ فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون نريد أن تسقينا، فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أوفاجر، فيقال لهم ما يحبسكم؟ وقد ذهب الناس، فيقولون فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا، ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم، قلنا يا رسول الله، وما الجسر؟ قال مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد يقال لها السعدان، المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم يسحب سحبا، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار، وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا ثم يعودون، فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا ثم يعودون، فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون من عرفوا، قال أبو سعيد فإن لم تصدقوني فاقرءوا: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها.
فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبار بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة وإلى جانب الشجرة، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر، وما كان منها إلى الظل كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل في رقابهم الخواتيم، فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه.
ويمكنك الاطلاع على ما ورد في أهوال يوم القيامة في كتب السنة المعتمدة، كما يمكنك معرفة أهوال يوم القيامة مقرونة بأدلتها من القرآن والسنة في كتاب اليوم الآخرـ القيامة الكبرى ـ للدكتور عمر سليمان الأشقر ضمن سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1430(1/1455)
الاستغراب والاندهاش مما سيحدث يوم القيامة لا يقدح في الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يقرأ المسلم عن أحداث البرزخ والقيامة يخشع قلبه كثيرا، فيعمل الترهيب عمله بإبعاده عن المعاصي، ويعمل الترغيب عمله فيزيد الهمة والاجتهاد، ولكن باعتبار عقولنا غير مصممة لإدراك هذا المصير وتصوره التصور الصحيح ـ فنحن نستطيع الوصول لشاطئ البحر ولكن لا نستطيع الخوض فيه ـ
فعندما أقرا في كتبي عن ذلك يعتريني شعور بالغرابة شديد، وصعوبة في التصور، رغم أن إيماني ويقيني بهذا اليوم الجليل تامان ـ بحمد الله ـ وما تزيدني المذاكرة في أحداثه إلا خشوعا وقربا لله وبعدا عن معاصي قد أهم بها وكثيرا ما نجح ذلك معي، فهل هذه الغرابة تقدح في الإيمان؟ أم أن ذلك شعور طبيعي كون الإنسان قد حجب عنه الغيب بحكمة الله تعالى؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا غرابة أن يندهش الإنسان ويتعجب عندما يتفكر في أحداث البرزخ ويوم القيامة، وكيف لا وهو يوم تبدل فيه الأرض غير الأرض والسموات، فمجرد التعجب والشعور بالاندهاش من ذلك لا يقدح في الإيمان به، وإنما يقدح فيه الشك، فما دمت مؤمنا مستيقنا باليوم الآخر، فلا يضرك هذا الشعور، وكذلك لا يضرك عدم قدرتك على تصور حقيقة أحداثه وكيفياتها؛ لأن ذلك من الغيب الذي استأثر الله بعلمه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والله سبحانه وتعالى لا يعلم عباده الحقائق التي أخبر عنها من صفاته وصفات اليوم الآخر، ولا يعلمون حقائق ما أراد بخلقه وأمره من الحكمة، ولا حقائق ما صدرت عنه من المشيئة والقدرة. (مجموع الفتاوى 3 /65) .
والله جل وعلا إنما تعبدنا بالإيمان باليوم الآخر، لا بتصور حقيقته وكيفيته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1430(1/1456)
وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله في جهودكم.. أرجو منكم الرد على موضوع منتشر عبر المنتديات وهو هل سينتهي العالم (يوم القيامه) عام 2012 "بإمكانكم البحث عنه عبر الإنترنت لأنه لم تتسع كتابته هنا؟ حياكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى استأثر بعلم الساعة ولم يطلع عليها نبياً مرسلاً ولا ملكاً مقرباً، كما قال الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ {الأعراف:187} .
وما يبثه الكهان والعرافون ومن يحذو حذوهم عبر الإنترنت وغيره من توقيت لقيامة الساعة محض دجل وافتراء، وبالتالي لا ينبغي للمسلم أن ينشغل به أو يلتفت إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(1/1457)
توضيح حول رؤيته صلى الله عليه وسلم بعض من يعذبون
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة العلماء الكرام. لقد ورد في أحاديث كثيرة ومنها أحاديث المعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أناسا في النار يعذبون. كحديث: قَالَ فَنَظَرَ فِي النَّارِ فَإِذَا قَوْمٌ يَأْكُلُونَ الْجِيَفَ قَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ. وَرَأَى رَجُلاً أَحْمَرَ أَزْرَقَ جَعْداً شَعِثاً إذا رَأَيْتَهُ قَالَ: مَنْ هَذا يَا جِبْرِيلُ؟. قَالَ: هَذَا عَاقِرُ النَّاقَةِ. وحديث: لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ. كما ورد أن الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة ... الخ.
فكيف نوفق بين هذه الأحاديث وما فيها وبين علْمِنا أن القيامة لم تقمْ بَعْدُ، ولم يحصل للناس حسابٌ، ولم يُقْضَ بينهم، فيكف كان أولئك في النار وأولئك في الجنة، ولو كانت تلك الأحاديث تتكلم عن وعد أو وعيد، لكان الأمر واضحا، ولكنها تتكلم عن وجود أولئك في النار وأولئك في الجنة وجودا مُحَققا.
فما هو هو توجيه ذلك، حفظكم الله ورزقنا وإياكم بفضله جنة النعيم؟
فأرجو التكرم بالإجابة مفصلة مع ذكر المراجع إن أمكن، لأنها مسألة شغلت البال ودار حولها نقاش. راجيا عدم إهمالها.
ولكم الشكر والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تعارض بين ما جاء في الأحاديث الصحيحة التي رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى ليلة الإسراء والمعراج وبين عدم قيام الساعة وحساب الناس؛ حتى نحتاج إلى أن توفق بينهما؛ فإخباره صلى الله عليه وسلم بذلك قد يكون من عذاب البرخ ونعيمه، وهما مما يجب على المسلم أن يؤمن به، لأنهما ثابتان بالكتاب والسنة كما في قوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ. {غافر:46} .
وكما في قوله صلى الله عليه وسلم في صاحب القبرين: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير. الحديث رواه البخاري ومسلم.
وقوله تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. {آل عمران:169} .
وقد يكون بعض ذلك من الأمور الغيبية التي كشف الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عنها مما سيقع ويؤول إليه أمرالجميع في الآخرة، ولو لم يكونوا قد حوسبوا بعد؛ لأن الله تعالى القادر على كل شيء وهو علام الغيوب الذي يعلم ما كان وما يكون كيف يكون قادر على الكشف عن ذلك، كما سبق بيانه في الفتوى: 69187.
ولا إشكال في ذلك بالنسبة للمسلم الذي يؤمن بقدرة الله تعالى المطلقة وعلمه بما هو كائن.
وإن كان قصدك التوفيق بين الحديثين في الذين يقعون في لحوم الناس؛ فإن الحديث الأول حديث ضعيف كما قال الأرناؤوط في تعليقه على المسند، والألباني في ضعيف الترغيب والترهيب.
وأما الحديث الثاني فهو حديث صحيح، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وصححه الألباني والأناؤوط.
والتعارض لا يكون بين صحيح وضعيف؛ فالصحيح هو المقدم- على كل حال- إذا حصل تعارض ولا اعتبار للضعيف.
ومع هذا فإن كونهم يأكلون الجيف كما في الحديث الأول، وكونهم يخمشون وجوههم كما في الحديث الثاني لاتعارض فيه؛ فيمكن أن تكون هذه حال صنف منهم وتلك حال صنف آخر، كما يمكن أن يكونوا يعذبون بهذا تارة وبهذا آخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1430(1/1458)
أوجه الجمع بين نصوص الوعد والوعيد في حق الموحدين
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو من حضرتكم تفصيل مسألة الجمع بين أحاديث لن يلج النار من فعل كذا وكذا، وبين الأحاديث التي تتوعد العاصي بالنار؟ مثلاً لن يلج النار من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها أو معنى الحديث؟ وبين حقاً على الله أن يسقي شارب الخمر طينة الخبال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فهم أهل السنة لنصوص الوعد والوعيد مستمد من القاعدة الكلية التي أرساها قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {النساء:48}
فدلت الآية بوضوح على أن من عصاة الموحدين من يغفر له فلا يدخل النار، وعلى أن منهم من يدخلها، ودلت السنة الصحيحة على أن من يدخل النار من الموحدين لا يخلد فيها بل مآله إلى الجنة، فإذا جاءت نصوص تدل على أن من فعل كذا لا يعذب فهي محمولة على وجود المقتضي وانتفاع المانع، أو تحمل على وجوه أخرى من التأويل ليحصل الجمع بينها وبين النصوص الدالة على وعيد عصاة الموحدين، مثال ذلك الحديث الذي ذكرته في السؤال.
قال ابن الجوزي رحمه الله: وفي الحديث الثاني لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فإن قيل كيف الجمع بين هذا وبين دخول الموحدين النار وقد صلوا، فالجواب من خمسة أوجه: أحدها: أن يكون قال هذا قبل نزول الحدود وبيان المحرمات. والثاني أن يكون خارجا مخرج الغالب، والغالب ممن صلى وراعى هاتين الصلاتين أن يتقي ما يحمل إلى النار. والثالث: لن يدخلها دخول خلود. والرابع: أن يراد به النار التي يدخلها الكفار. والخامس: أن يكون هذا حكمه ألا يدخل النار كما تقول إذا رأيت دارا صغيرة هذه لا ينزلها أمير وقد ينزلها. انتهى.
وعلى هذا تقاس جميع نصوص الوعد والوعيد فإنها موقوفة أيضا على وجود المقتضي وانتفاع المانع، وفيها نظير الوجوه السابقة من التأويل، وبذلك يحصل الجمع بين النصوص فتأتلف ولا تختلف، ولا يضرب بعضها بعضا، بل تكون كلها دالة على مدلول واحد هو معتقد أهل السنة والجماعة الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1430(1/1459)
العلامة التي يعرف المؤمنون بها ربهم يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي العلامه التي بيننا وبين الله عز وجل هل هي كشف الساق وما هو الدليل من القرآن والسنة؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في السنة الصحيحة نصوص تبين أن العلامة التي بيننا وبينه تعالى يوم القيامة هي الكشف عن الساق.
فمن ذلك ما أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث عبد الله بن مسعود الطويل في الحشر, وفيه: فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه؟ قالوا: بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه، قيل: وما هي؟ قالوا: يكشف عن ساق، قال: فيكشف عند ذلك عن ساق.... الحديث قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ. ووافقه الذهبي قائلا: على شرط البخاري ومسلم.
وفي البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساق فيسجد كل مؤمن. أخرجه البخاري في التوحيد, وكذلك مسلم في الإيمان, وورد ذكر هذا في عدة أحاديث مخرجة في الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم والجوامع وغيرها.
قال الحافظ ابن حجر قوله: هل بينكم وبينه علامة تعرفونها فيقولون الساق: فهذا يحتمل أن الله عرفهم على ألسنة الرسل من الملائكة أو الأنبياء أن الله جعل لهم علامة تجليه الساق وذلك أنه يمتحنهم.
وذكر نحو هذا القرطبي ونقله عن الحافظ في الفتح.
وفي تفسير قوله تعالى: يوم يكشف عن ساق أقوال متعددة: فمنها تفسير هذا بالحديث المتقدم، وعند الضمير ساقه، وتفسير القرآن بالحديث مقدم على غيره من أقوال المفسرين، وروايات الحديث وسياقاته متطابقة في الجملة مع ما في القرآن: يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون.
وقال ابن عباس وجماعة إن الساق: الشدة واستدل باللغة، وهو مروي عنه بسندين حسنين كما قال ذلك الحافظ، وعلة ذلك عدم الضمير في الآية، وتفسير هذا الوجه في اللغة، وما جاء في الحديث لا ينافي اللغة وهو مقدم على غيره. وخاصة لفظ البخاري بالضمير يكشف ربنا عن ساق.
والخطابي وجماعة فسروه بالنور في الآية، وبعضهم بالنفس كما في الفتح، والذي عليه المعول الحديث لأنه حجة بخلاف غيره.
فالحاصل من هذا أن الله جعل علامة للمؤمنين هي الكشف عن ساق كما هو منصوص في صحيح البخاري وهو تفسير الآية الكريمة على الأرجح. وانظر فتوانا رقم: 6820.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1429(1/1460)
اللغة التي يتحدث بها الناس في الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل أناس الأرض يوم القيامة سوف يحاسبون باللغة العربية لغة لقرآن؟ بمعنى أن ألسنة الأمريكان والإسرائيليين سوف تنطق العربية؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يحاسب به الناس يوم القيامة من الأمور الغيبية التي لا سبيل إلى معرفتها إلا عن طريق الوحي ولم يرد في كتاب الله تعالى ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يحدد ذلك.
ولذلك فالواجب على المسلم أن يؤمن بما جاء في الحساب إجمالا ويعلم أن الله تعالى الذي أنطق الخلق بلغات مختلفة في الدنيا قادر على أن ينطقهم في الآخرة بما يفهمون، ولا ينبغي للمسلم أن يشغل نفسه ويضيع وقته فيما لا ينفعه في دينه أو دنياه وفيما لا يترتب عليه عمل ولا ينبني عليه حكم.
وما ورد من قولهم: أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي. أو أن لغة الناس في الآخرة أو أهل الجنة العربية.. كلام موضوع لا قيمة له كما قال المحققون من أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1429(1/1461)
حكم نشر قصة مسيرة الروح في عالم البرزخ
[السُّؤَالُ]
ـ[تتداول في المنتديات قصة ((مسيرة الروح في عالم البرزخ)) للمستبصر ((أصغر بهنمي)) فهل يجوز نشرها وإن كان لا يجوز فما علة التحريم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث عن الأمور الغيبية لا يعتمد فيه إلا على ما ثبت في نصوص الوحيين، فالبرزخ وما يحصل للروح فيه من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى أو من أطلعه على ذلك من الرسل بواسطة الوحي، فهو سبحانه وتعالى عالم الغيب لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسله.
وبناء عليه، فلا يجوز نشر هذا النوع من القصص لعدم إمكان الرواية عن شخص بعد موته حتى يخبرنا بحاله نظرا للحاجز بين الأحياء والموتى حتى يبعثوا كما قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {المؤمنون: 99-100}
وننصحك بالاشتغال بتعلم وتعليم ونشر القرآن والأحاديث الثابتة امتثالا للنصوص الواردة في ذلك، ففي الحديث: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري
وفي الحديث: نضر الله امرءا سمع منا شيئا فبلغه كما سمع، رواه الترمذي.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 66324، 14768، 76186..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1429(1/1462)
نطق الجوارح يوم القيامة بما عمل الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى في سورة فصلت: حَتَّى إِذَا مَا جاءوها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَىْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلآ أبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرَاً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوَىً لَّهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِّنَ المُعْتَبِينَ (24)) ، السؤال هو:
(1) كيف ينطق الله تعالى السمع والبصر والجلد حين يشهدون على الإنسان يوم القيامة بما كان يعمل الإنسان في الحياة الدنيا قبل الممات؟
(2) وكيف يرد الإنسان على سمعه وبصره وجلده بعد أن يشهدوا عليه يوم القيامة؟
(3) وكيف يستتر الإنسان يوم القيامة حينما يشهد عليه سمعه وبصره وجلده؟
(4) أرجو تفسير هذه الآيات المباركات المذكورة أعلاه بالآيات القرآنية الكريمة الأخرى وبما ورد من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبما ورد من أقوال آل البيت والصحابة (رضي الله عنهم أجمعين) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآيات جاءت ضمن حديث القرآن الكريم عن حال من أحوال أهل النار.
يقول تعالى: حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا أي جاؤوا النار يوم القيامة، شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ أي: بشراتهم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، تنطق جوارحهم بما كتمت ألسنهم من عملهم، وَقَالُوا يعني الذين يحشرون إلى النار لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ، تم الكلام هاهنا، وقال الله تعالى: وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وليس هذا من جواب الجلود، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أي: تستخفون، أو تظنون، وسبب نزول هذه الآية كما روى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر: قرشي وختناه ثقفيان، أو ثقفي وختناه قرشيان، كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فتكلموا بكلام لم أسمعه، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هنا؟ فقال الآخر: إن سمع منه شيئاً سمعه كله، قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ* وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
ومعنى أرداكم أي: أهلككم أي طرحكم في النار فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ، ثم أخبر عن حالهم فقال: فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ مسكن لهم، وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا يسترضوا ويطلبوا العتبى والرضى فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ المرضين، والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل.
هذا مختصر ما ذكره أهل التفسير في هذه الآيات مما يتسع له المقام.
وأما كيف تنطق جوارحهم فإن الله تعالى الذي خلقهم وأنطق ألسنتهم قادر على إنطاق جوارحهم. وأما استتارهم فكان في الدنيا بجرائمهم كما مر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1429(1/1463)
ما يرثه المؤمنون يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يرث المؤمنون يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يورث عباده المؤمنين الأتقياء في الآخرة جنته، كما قال تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا {مريم:63} ، وقال تعالى في وصف المؤمنين: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {المؤمنون:10-11} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1428(1/1464)
طول الجنة والنار لا يعلمه إلا الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول في القرآن أن الجنة عرضها السموات والأرض فما طول الجنة، وأين النار؟ أين تقع؟ كم طولها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الوحي بيان عرض الجنة، وأما طولها فقد ذكر ابن عباس أنه لا يعلمه إلا الله، ولا شك أن الطول يكون عادة أكبر من العرض، ولكن الجنة من الأمور الغيبية التي لا سبيل لعلمها إلا عن طريق الوحي، والوحي لم يرد فيه بيان الطول.
وأما النار فهي من الأمور الغيبية التي لا يدرك أمرها أيضاً إلا عن طريق الوحي، فأما قدرها طولاً وعرضاً فلا نعلم نصاً فيه، وإنما ثبت في بعض النصوص ما يدل على أن عمقها للأسفل مسافة سبعين سنة، وراجع في مكانها الفتوى رقم: 61045، والفتوى رقم: 55437.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1428(1/1465)
التسلسل وفناء النار
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم فضيلة المشايخ
أما بعد فقد بسط ابن القيم في كتابه حادي الأرواح إلى جنة الأفراح الكلام حول انقطاع العذاب عن الكفار ولم يقل بفناء الجنة لكن ذكر كون أهل النار من الكفار تحت مشيئة الله في جواز انقطاع العذاب فالخلود هو طول اللبث ولا تشترط فيه الأبدية {مع ملاحظة أن نقض الوعد نقص تنزه الله عنه أما نقض الوعيد ففضل من ناقضه وجائز عند العرب} وأحتج بأن الله ذكر أن عطاء أهل الجنة غير مجذوذ أي غير منقطع مع كونهم تحت مشيئته مما يحتم بقاء نعيمهم مع بقاء الله سبحانه بوعد الله دون شرط بقاء عذاب الكفار
أما ما أسئل عنه هو كتاب حول تسلسل الحوادث في الماضي وهذه المسألة هي أعقد مسألة تكلم فيها أهل الإسلام ومنه تسلسل ممنوع وهو الذي رد عليه شيخ الإسلام في كل كتبه تقريبا أي وحدة الوجود بخلاف ما يجوزه شيخ الإسلام ولا يوجبه وهو تسلسل الحوادث في الماضي مع كونها مسبوقة بالعدم وهو الذي تكلم فيه بعض السلف ورده بعض مثل الإمام الطحاوي
فالذي تكلم فيه قال إن صفات الله كثيرة فلا يلزم تعطلها فقد يكون هناك خلق آخر لحكم أخرى متعلقة بصفات أخرى سبقت هذا الخلق الى غير نهاية مع إشتراط بداية لكل المخلوقات ولزوم أزلية الخالق دون جميع خلقه فالسؤال فضيلة المشائخ هو عن أفضل وأشمل كتاب في هذا الموضوع مع العلم أن درء تعارض العقل والنقل عندي وفقكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على اتصالك بنا ونرجو أن تراجع بعض المواقع التي تعني بنشر الكتب أو بيعها أو المكتبات والمطابع القديمة لتدلك على أشمل كتاب في موضوع التسلسل، وراجع مسألة فناء النار الفتوى رقم: 7485، والفتوى رقم: 64739.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(1/1466)
الحكمة من خلق إبليس وإنظاره إلى يوم الوقت المعلوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أستمع إلى شرائط الداعية: طارق سويدان التي تتحدث عن قصص الأنبياء ففي قصة سيدنا آدم قال (إن الله أرسل إبليس لسيدنا آدم فى الجنة ليوسوس له) ، السؤال الأول: لماذا أرسل الله إبليس إلى الجنة ليوسوس لسيدنا آدم، وهل الله حذر سيدنا آدم من إبليس قبل دخوله الجنة، وعندما رفض إبليس أن يسجد لآدم واستكبر لماذا استجاب الله إلى طلبه بأن ينظره إلى يوم البعث، ولماذا لم يقض عليه ونرحم من إبليس عليه اللعنة، إنى أسأل هذه الاسئلة لأنى مصاب بوسواس وخيالات تتعامل مع الله والعياذ بالله كأنه أشياء غريبة ... مع أني أصلي جميع الفروض وأغلبها فى المسجد وأقرأ القرآن وأعمل الخير فى السر والعلانية وأحاول أن أنفذ أوامر ديني، ولكن هذا الوسواس يصيبني بالاكتئاب فى حياتي والزهق من العبادات والدين فى بعض الأحيان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعافيك من الوساوس والخيالات ومن هذا الاكتئاب الذي يكدر صفو الأمور في حياتك، وأن يزيدنا وإياك تمسكاً بالصلاة وبقراءة القرآن وعمل الخير في السر والعلانية ... ثم قبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن الله تعالى قد أرشدنا في كتابه إلى أن لا نقحم أنفسنا ونتعبها بمثل هذه التساؤلات، وأن علينا الانقياد والتسليم، قال الله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} ، وقولك: لماذا أرسل الله إبليس إلى الجنة ليوسوس لسيدنا آدم، كان الناس قد سألوا عما هو أوسع منه، وهو قولهم: لماذا خلق الله إبليس؟ وجواب كل ذلك هو: أن الله تعالى قد خلق إبليس، وابتلى به عباده (ومن ذلك وسوسته لآدم في الجنة) لحكم بالغة، وكنا قد بينا كثيراً من تلك الحكم، فلك أن تراجع فيها الفتوى رقم: 8546.
وفيما إذا كان الله قد حذر آدم من إبليس قبل دخوله الجنة، فالجواب هو: نعم، فقد وردت آيات في تحذير آدم من إبليس مثل قوله تعالى: فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى {طه:117} ، وقوله تعالى: وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ {الأعراف:22} .
وعن سؤالك الأخير، فالذي عليه أكثر أهل العلم هو أن الله لم يستجب دعاء إبليس، وإنما أخره إلى وقت ليس هو الوقت الذي طلبه إبليس، زيادة في بلائه وشقائه، ولحكم أخرى هي التي خلق من أجلها إبليس، جاء في أضواء البيان: فقد طلب الشيطان الإنظار إلى يوم البعث، وقد أعطاه الله الإنظار إلى يوم الوقت المعلوم، وأكثر العلماء يقولون: المراد به وقت النفخة الأولى.
وفي فتح القدير: قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون، قال: أراد إبليس أن لا يذوق الموت، فقيل إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم، قال: النفخة الأولى يموت فيها إبليس. وقال البغوي: ويقال: لم تكن إجابة الله تعالى إياه في الإمهال إكراماً له، بل كانت زيادة في بلائه وشقائه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1428(1/1467)
أول ما يتكلم من الإنسان يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أول ما يتكلم من الإنسان يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن يوم القيامة ذو ألوان كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما، ففي صحيح البخاري أن ابن عباس سئل عن قوله تعالى: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ {المرسلات:35} وقوله: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ {الأنعام:23} وقوله تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ {يس:65} فقال: إنه ذو ألوان مرة ينطقون ومرة يختم عليهم اهـ، وساق الحافظ ابن حجر أثرا إلى ابن عباس قال: إنه يوم طويل وفيه مواقف تأتي عليهم ساعة لا ينطقون ثم يؤذن لهم فيختصمون ثم يكون ما شاء الله يحلفون ويجحدون فإذا فعلوا ذلك ختم الله على أفواههم وتؤمر جوارحهم فتشهد على أعمالهم بما صنعوا ثم تنطق ألسنتهم فيشهدون على أنفسهم اهـ، وبهذا يتبين أن أول ما يتكلم من الإنسان لسانه ثم إذا جحد وأنكر ختم على فيه وتكلمت جوارحه كما في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال هل تدرون مما أضحك، قال قلنا الله ورسوله أعلم؟ قال من مخاطبة العبد ربه، يقول يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال يقول بلى، قال فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني، قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا، قال فيختم على فيه فيقال لأركانه أنطقي قال فتنطق بأعماله. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1427(1/1468)
حساب الخلائق هل هو في الدنيا أم الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الدنيا دار حساب وعقاب للبشر من الله. وهل ما يحدث للإنسان من مصائب أو كوارث هو عقاب من الله أم هو اختبار. وهل يستوي المسلم وغير المسلم في هذا الأمر؟
وفقكم الله لخدمة الإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لم يرد ما يفيد أن الناس يحاسبون في الدنيا الحساب المتضمن لإحصاء أعمالهم ومجازاتهم عليها، وإنما المعروف والوارد هو أن حساب الخلائق يكون يوم القيامة فهو الحساب الذي قال الله فيه: إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ {ص:26} وأخبر عن إبراهيم عليه السلام أنه قال في دعائه: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابُ {إبراهيم:41} ، وقال تعالى: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ {الغاشية:26} كما قال تعالى: ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ] {الرُّوم:41} ، وأخبر عن أصحاب الجنة المذكورين في سورة القلم أنه حرمهم منها لما عزموا على حرمان الفقراء منها، وقد يبتلي الله بعض عباده المؤمنين ببعض الابتلاءات فيرفع بذلك درجاتهم، كما حصل لأيوب عليه الصلاة والسلام، فقد ابتلاه الله وصبر وشهد الله له بالصبر فقال: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {ص:44}
وقد يعاقب الكافر في الدنيا كما حصل لعاد وثمود وفرعون، وقد يستدرج فيزيده الله نعما ويمهله ثم يهلكه بعد ذلك، ففي الحديث إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ {الأنعام:44} رواه أحمد وصححه الألباني.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في معرفة أسباب البلاء وأسباب كشفه: 47048، 44779، 56863، 60327، 18103.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1427(1/1469)
أعمار الناس يوم الحساب
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة وبعد ... يقال والعلم عند الله أن عمر الإنسان في يوم الحساب هو 33 سنة على عمر سيدنا عيسى عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً بيضاً جعاداً مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين على خلق آدم طوله ستون ذراعاً في عرض سبع أذرع. وفي رواية للترمذي: أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين.... فهذا في أهل الجنة الذين يدخلونها كما هو ظاهر الأحاديث، وأما عند الحساب فلم نقف على تحديد لأعمارهم أو صفاتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1427(1/1470)
يوم القيامة آخر الأيام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سيأتي يوم بعد أن تقوم الساعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيوم القيامة هو آخر الأيام لا ليل بعده؛ لأن مصدر الليل هو غياب الشمس ومصدر النهار هو طلوعها, وسينتهي ذلك بانتهاء الدنيا وقيام الساعة وهذا على اعتبار تبدل الأيام بتعاقب الليل والنهار، وأما على اعتبار تبدل الحال والانتقال من حالة إلى أخرى فيوم القيامة ينتهي بانتهاء الفصل بين الخلائق, ومقدار ذلك كما أخبر المولى جل وعلا: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ {المعارج:4} وقد بينا طرفا من ذلك في الفتويين: 27567، 43576.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1427(1/1471)
هل خلقت الجنة والنار قبل خلق آدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الجنة والنار كانتا موجودتين قبل خلق آدم عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دلت النصوص الصريحة من الكتاب والسنة على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن لا تفنيان أبداً أو لا تبيدان، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 4228.
وأما هل خلقتا قبل خلق آدم، فالذي يظهر من النصوص أنهما خلقتا قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام، فآدم لما خلقه الله أسكنه الجنة فدل على أنها كانت مهيئة مخلوقة قبل وجوده، والجن مخلوقون من النار، وهم قد خلقوا قبل آدم بنص القرآن، كما قال الله تعالى: وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ {الحجر:27} ، وقد روى الطبراني بأسانيد ضعيفة وأحسنها إسنادا فيه ابن لهيعة، كما قال الهيثمي في المجمع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وتؤمن بالجنة والنار وتعلم أن الله خالقهما قبل خلق الخلق ثم خلق خلقه.....
والمقصود قبل خلق الجن والإنس، وإلا فإن جبريل خلق قبل خلق الجنة والنار كما يدل عليه حديث أبي هريرة الذي رواه النسائي والترمذي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل عليه السلام إلى الجنة فقال انظر إليها.... الحديث. وقد نص العلماء على أن الجنة والنار خلقتا قبل خلق الإنس والجن، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته الموسومة بـ (العقيدة الطحاوية) : فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل خلق الخلق وخلق لهما أهلاً.....
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(1/1472)
مصير من رجحت حسناته على سيئاته يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[الشيخ الفاضل: أولا جزاكم الله خيرا على فتحكم لنا هذا الموقع حتى نستطيع الإجابة على استفساراتنا في أمورنا الدينية وجزاكم الله خيرا وجعله الله في ميزان حسناتكم إن شاء الله
سؤالي هو:
عند قيام الساعة وعرض الناس على القوى الجبار.....لو كانت حسناتي أكثر من سيئاتي فهل سأحاسب على السيئات التي ارتكبتها أم مادامت حسناتي أكثر يكون ربنا راضيا عني وتكون الجنة من نصيبي.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)
قال ابن كثير: أي رجحت حسناته على سيئاته فهو في عيشة راضية يعني في الجنة. اهـ.
وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح حديث وقوف المؤمنين على القنطرة بعد مرورهم على الصراط وقبل دخولهم الجنة قال: فيمر الناس عليه أي الصراط بحسب أعمالهم فمنهم الناجي وهو من زادت حسناته على سيئاته أو استويا أو تجاوز الله عنه.. اهـ.
فمن زادت حسناته على سيئاته نجا من النار.
وقد دلت السنة على أن المؤمنين إذا جاوزوا الصراط فإنهم لا يدخلون الجنة إلا بعد أن ينقوا ويهذبوا، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدينا حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة ... الحديث.
فدل على أنه لا بد من التنقية من الآثام قبل دخول الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1426(1/1473)
أحداث يوم القيامة على الترتيب
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن ترتيب أحداث يوم القيامة الحوض أولا أم عرض الأعمال والترتيب عامة، وهل لكل نبي حوض، وهل المسلمون فقط هم من سيرد حوض الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن يوم القيامة قد اشتمل على مراحل عظيمة ومواقف هائلة ذكرتها نصوص الوحي من القرآن والسنة، وأول هذه المراحل بعث الناس وخروجهم من قبورهم وحشرهم جميعاً حفاة عراة غرلا ... ثم بعد طول الموقف يأتون الأنبياء للفصل في أمرهم فتكون الشفاعة الكبرى لمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم تطاير الصحف وأخذ الكتب بالأيمان أو الشمائل، ثم نصب الموازين ووزن الأعمال واتباع كل أمة ما كانت تعبد، ثم ورود الحوض، ثم المرور على الصراط، ثم وقوف الناجين من هذه المراحل على قنطرة المظالم للمقاصة فيما بينهم ثم دخول الجنة أو النار فيخرج من دخل النار من المؤمنين بعد ذلك، وذلك في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
وأما عن الحوض فالذي لا شك فيه أن لنبينا صلى الله عليه وسلم حوضاً يشرب منه أتباعه لا يظمأ من شرب منه، والصحيح أن لكل نبي حوضاً يشرب منه أتباعه لما رواه الترمذي وصححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل نبي حوضاً وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة. ونرجو أن تطلع على الفتاوى التالية: 9505، 17787، 58851 للمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1426(1/1474)
التصدق بالحسنات يوم القيامة هل هو كائن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ستوجد طائفة من المؤمنين تتصدق بالحسنات يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على ما يدل على تصدق بعض المؤمنين بالحسنات يوم القيامة، بل وردت بعض الآثار عن السلف تفيد امتناع بعض الأقارب عن إعطاء الحسنات لأقاربهم حين يطلبون ذلك منهم.
وراجع الفتوى رقم: 3102.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1426(1/1475)
البشرى بالجنة أو النار ووصول ثواب الأعمال
[السُّؤَالُ]
ـ[يبشر الإنسان بمقعده من النار أو الجنة عند الموت فكيف يصل إليه ثواب أعماله ودعاء أولاده بعد موته بسنين......فهل رؤيته مقعده يكون بعلم الله المسبق عما سيصله من ثواب بعد موته؟ وكيف سيخاف الإنسان يوم القيامة إن كان قد بشر بالجنة عند الموت أو في القبر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المبشر بالنار إذا كان على سبيل التخليد فيها لا يصله ولا ينفعه دعاء ولد ولا ثواب عمل، وأما غيره فإنه يكتب الله له ثواب ما تركه من صدقة جارية وما دعا به ولده الصالح له أو غيره من إخوانه وأصدقائه.
وتبشير العبد بمقعده ربما يكون حصل بسبب عمله وكسبه الذي كسبه وهو حي، وقد يرفعه الله بسبب كسب ولده وما تركه من صدقة جارية لأن الولد من كسبه كما ثبت في الحديث، علما بأن التحقيق في هذه الأمورالتي هي من الغيب لا يمكن إلا بنص من الوحي، ولا منافاة بين كون الشخص يبشر بالجنة عند موته وكونه يحصل له من الفزع ما يحصل لعامة الناس من هول الموقف حتى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
وراجع الفتوى رقم: 17787، والفتوى رقم: 66051، والفتوى رقم: 65456، والفتوى رقم: 64045.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1426(1/1476)
النساء في الجنة والنار
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي هو عن حديث للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: فلقد سمعت من عدة شيوخ وعلماء حديثهم عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد طلب بعد صلاة العيد من النساء أن يتصدقن وقال لهن (بما معناه طبعا) تصدقن فإني رأيت أن أكثر أهل النار من النساء فسألته أحد النساء وأهل الجنة فأجابها مع كل رجل امرأتان.
أنا أعلم جيداً صدق أن أكثر أهل النار من النساء والرسول (صلى الله عليه وسلم) لا ينطق عن الهوى، ولكن سؤالي عن هذا الحديث بالذات فما هو النص الدقيق والصحيح له ومن هي المرأة التي سألت الرسول (صلى الله عليه وسلم) وخاصةً إجابته بأن في الجنة مع كل رجل امرأتين وفي أي كتاب يمكنني إيجاده أرجو الإجابة؟ ولكم جزيل الشكر، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما أشارت إليه السائلة هو في الحقيقة حديثان، الأول منهما هو ما ثبت في البخاري ومسلم وغيرهما ولفظه كما في صحيح مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة وما لنا يا رسول الله أكثر اهل النار، قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير ... إلى آخر الحديث.
والمراد بالعشير الزوج على قول الأكثرين، ففي شرح سنن ابن ماجه: ومعنى الحديث أنهن يجحدن الإحسان لضعف عقلهن وقلة معرفتهن، فيستدل به على ذم من يجحد إحسان ذي إحسان، وقال الكرماني: أي تجحدن نعمة الزوج وتستقللن ما كان منه ويستدل من التوعد بالنار على كفرانه وكثرة اللعن على أنهما من الكبائر. انتهى.
أما الحديث الآخر فهو في البخاري ومسلم وغيرهما ولفظه كما في البخاري في حق أهل الجنة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون ولا يمتخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب أمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشياً. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح هذا الحديث ولكل واحد منهم زوجتان أي من نساء الدنيا ... . قال: واستدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال كما أخرجه مسلم من طريق ابن سيرين عنه وهو واضح لكن يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف المتقدم رأيتكن أكثر أهل النار ويجاب بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار نفي أكثريتهن في الجنة لكن يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: اطلعت في الجنة فرأيت أقل ساكنها النساء ويحتمل أن يكون الراوي رواه بالمعنى الذي فهمه من أن كونهن أكثر ساكني النار ويلزم منه أن يكن أقل ساكني الجنة، ويحتمل أن يكون ذلك في أول الأمر قبل خروج العصاة من النار بالشفاعة. وللمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم: 60729، ولم نقف على اسم المرأة التي سألت الرسول صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1426(1/1477)
مكان الجنة والنار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الجنة وجهنم من ضمن السماوات السبع أم أنهما خارج السماوات السبع، بدليل الأحاديث والقرآن الكريم، حيث يوم القيامة الله سبحانه وتعالى يطوي السماوات كطي السجل للكتب.. فأين الجنة وجهنم إن كانا من ضمن السماوات.. آمنت بالله العظيم، لكن أريد أن أرد على أسئلة الصغار بصورة صحيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال البغوي في تفسيره: وسئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن الجنة: أفي السماء أم في الأرض؟ فقال: وأي أرض وسماء تسع الجنة؟ قيل: فأين هي؟ قال: فوق السماوات السبع تحت العرش.
وقال قتادة: كانوا يرون أن الجنة فوق السماوات السبع، وأن جهنم تحت الأرضين السبع.
وقال ابن كثير في التفسير: وقد روينا في مسند الإمام أحمد أن هرقل كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنك دعوتني إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فأين النار؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار؟ ..... وقال الأعمش وسفيان الثوري وشعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب: إن ناساً من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة عرضها السماوات والأرض، فأين النار؟ فقال لهم عمر: أرأيتم إذا جاء النهار أين الليل؟ وإذا جاء الليل أين النهار؟ فقالوا: لقد نزعت مثلها من التوراة. رواه ابن جرير من ثلاث طرق..... وهذا يحتمل معنيين (أحدهما: أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار أن لا يكون في مكان، وإن كنا لا نعلمه، وكذلك النار تكون حيث يشاء الله عز وجل، وهذا أظهر.
الثاني: أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب، فإن الليل يكون من الجانب الآخر، فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السماوات تحت العرش وعرضها كما قال الله عز وجل كعرض السماوات والأرض، والنار في أسفل سافلين فلا تنافي بين كونها كعرض السماوات والأرض وبين وجود النار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(1/1478)
المقارنة بين صحيفة الأعمال والأقراص الإلكترونية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
اختلفت مع صديق لي على مدي إمكانية تقريب فهم وتخيل معنى وشكل الكتاب الذي ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى -اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا- وذلك بالنظر في الكم الهائل من المعلومات التي تخزن في وقتنا الحاضر على شرائح إلكترونية غاية في الصغر، وسؤالي: هل يجوز مثل هذا الفهم أو حتى الخوض فيه، وهل يؤثر على العقيدة في شيء، ذلك بأن الكتاب الذي ورد ذكره هو كتاب وحسب ولا ينبغي بأي حال من الأحوال مقارنته بشيء من عمل البشر حتى ولو لمجرد تقريب الفهم، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبهك إلى أن شكل هذا الكتاب المذكور في الآية من الغيب الذي لا يمكن علم حقيقته وشكله إلا عن طريق الوحي، ولا يجوز التكلف في معرفته من دون علم، ولا مقارنة بينه وبين الأقراص والشرائح الإلكترونية، فإن الأقراص صغيرة الحجم بينما صفحات ذلك الكتاب تصل مد البصر، كما في حديث البطاقة وهو موجود في الفتوى رقم: 6659.
فالذي يتعين على المسلم أن يعد نفسه للجواب عن الحساب، وأن يحرص على ملء وقته بالعمل الصالح، ويكثر من الاستغفار حتى تسره صحيفته يوم القيامة ولا يجد فيها ما يحزنه أو يخزيه، ففي الحديث: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيراً. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1426(1/1479)
عدد لفظ يوم القيامة في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد المرات التي ذكر فيه (يوم القيامة) في القرآن الكريم باتفاق المعنى مع اختلاف اللفظ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنعتذر للسائل الكريم عن الإجابة المفصلة على سؤاله، لأن المقام لا يتسع لتتبع ما ورد في القرآن العظيم من ذكر القيامة بهذا اللفظ أو بمعناه، فلا تكاد صفحة من القرآن العظيم تخلو من ذكر للآخرة والقيامة والبعث والنشور، ويوم التغابن، ويوم التناد، ويوم الحساب. فمن أهداف القرآن الكريم ترسيخ الإيمان بالغيب والإيمان بالبعث وباليوم الآخر وما تفرع عنه من أعظم أمور الغيب وأعظم أركان الإيمان، ولهذا نقتصر إجمالا على ما ذكر في القرآن العظيم من لفظ يوم القيامة بهذا اللفظ دون غيره:
فقد ورد خمسا وستين مرة في ثلاثين سورة:
في سورة البقرة: أربع مرات، وفي سورة آل عمران خمس مرات، وفي النساء مرة واحدة، وفي المائدة مرتين، وفي الأنعام مرة واحدة، وفي الأعراف مرتين، وفي يونس مرتين، وفي هود مرتين، وفي النحل أربع مرات، وفي الإسراء أربع مرات، وفي الكهف مرة واحدة، وفي مريم مرة واحدة، وفي طه ثلاث مرات، وفي الأنبياء مرة واحدة، وفي الحج ثلاث مرات، وفي المؤمنون مرة واحدة، وفي الفرقان مرة واحدة، وفي القصص خمس مرات، وفي العنكبوت مرتين، وفي السجدة مرة واحدة، وفي فاطر مرة واحدة، وفي الزمر ست مرات، وفي فصلت مرة واحدة، وفي الشورى مرة واحدة، وفي الجاثية مرة واحدة، وفي الأحقاف مرة واحدة، وفي المجادلة مرة واحدة، وفي الممتحنة مرة واحدة، وفي القلم مرة واحدة، وفي القيامة مرتين.
وبإمكانك أن تدخل على موقع البحث في القرآن الكريم لتستفيد وتجد ما تطلب من الأعداد بأسماء السور والأجزاء ونص الآيات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1426(1/1480)
سور مسماة بأسماء يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي السور المسماة بأسماء يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السور المسماة بأسماء القيامة هي: سورة القيامة، والواقعة، والتغابن، والحاقة، والقارعة، والغاشية، والزلزلة.
وراجع الفتوى رقم: 24897.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1426(1/1481)
الذين يمتحنون يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو معرفة الصنف الذي يُجرَى له اختبارٌ يوم القيامة، أي: هناك بعض الناس يقال لهم ادخلوا النار فإن أبوا وقالوا ما كان علينا من حساب يقال لهم: \"قد عصيتم في الآخرة فكيف بكم في الدنيا؟؟!! \"، وبهذا يرسبون في الاختبار ويدخلون النار والعكس صحيح، هل هذا الكلام حقيقي أرجو الإفادة وبسرعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد في المسند عن الأسود بن سريع أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: أربعة (يحتجون) يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئاً ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن أدخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما. قال شعيب الأرناؤوط: حديث حسن.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأربعة يوم القيامة بالمولود وبالمعتوه وبمن مات في الفترة وبالشيخ الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار أبرز فيقول لهم إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم ادخلوا هذه، فيقول من كتب عليه الشقاء يا رب أين ندخلها ومنها كنا نفر، قال: ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعا، قال: فيقول الله تبارك وتعالى أنتم لرسلي أشد تكذيباً ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار. قال الهيثمي في المجمع: رواه أبو يعلى والبزار بنحوه وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية الرجال أبي يعلى رجال الصحيح. وراجع للزيادة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4723، 49293.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1426(1/1482)
زمن العذاب والحساب
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم أن توضحوا لي مسألة العذاب والحساب متى تتم, هل بعد الموت أم بعد يوم القيامة, مع أن معلوماتي بأنها تكون يوم القيامة, ولكن أسألكم لأنني كما أعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما عرج إلى السماء رأى من الناس من يعذب، وسمعت الشيخ محمد العريفي يقول إن ابن الجوزي رحمه الله قد رأى أحد معلميه في منامه وحدثه أن الله قد حاسبه وحبسه عن الجنة بسبب قشة وإبرة لم يعدها، الرجاء شرح هذه المسألة؟ جزاكم الله كل خير عني وعن كل من أفيده.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العذاب يقع بعض منه في القبر قبل يوم القيامة كما يقع بعض منه في الآخرة، وقد فسر بالعذابين قول الله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {السجدة:21} ، وقوله تعالى: وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ* النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ {غافر:45-46} .
وأما الحساب فإنه يتم يوم القيامة، لقوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا {الإنشقاق:7-8} ، وقوله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ {الأنبياء:47} ، وقد نقل ابن كثير وغيره عن ابن عباس أن الحساب يكون يوم القيامة، وراجع الفتوى رقم: 48844.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1426(1/1483)
صفات أهل الجنة وأهل النار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صفات أهل الجنة وأهل النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5147، 16780، 27567، 35820، 48035، 48878، 51436، 51452، 54476 بيان صفة أهل الجنة فليرجع إليها.
أما صفة أهل النار -أعاذنا الله منها- فقد ورد في ذكرها الكثير من الآيات والأحاديث، وسوف نكتفي بذكر بعضها لصعوبة حصرها في هذه الفتوى لأنها تحتاج إلى بحث كامل.
فمن أوصافهم ما ذكره الله تعالى في قوله: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا {الإسراء:97} ، وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله؛ كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة، قال قتادة: بلى وعزة ربنا.
وقوله تعالى: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ {المعارج:44} ، وقال تعالى: مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء {إبراهيم:43} ، وقال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ {يس:8} ، وقال تعالى: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ {الحاقة:30-31-32} ، قال ابن عباس: (فاسلكوه) : تدخل في أسته ثم تخرج من فيه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود حين يشوى. انتهى.
وقوله تعالى: وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ* كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ {الحج:21-22} ، والنار تحيط بهم من كل مكان؛ كما في قوله تعالى: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ {التوبة:49} ، وقوله تعالى: لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ {الأعراف:41} ، وطعامهم الضريع والزقوم، وشرابهم الحميم، قال تعالى: لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ {الغاشية:6} ، وقال تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعَامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ {الدخان} ، وقال تعالى: وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا {الكهف:29} ، وقال تعالى: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ {النساء:56} ، وقال تعالى: ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى {الأعلى:13} ، قال الطبري: وذلك أن نفس أحدهم تصير فيها في حلقه فلا تخرج فتفارقه، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا. انتهى.
وقال تعالى: سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ {إبراهيم:50} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يقال له بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح وحسنه الحافظ في الفتح، وراجع الفتوى رقم: 57781، والفتوى رقم: 21563.
وللفائدة راجع كتاب التخويف من النار لابن رجب، وكتاب النهاية في الفتن والملاحم، والتذكرة في أحوال الموتى وأهوال الآخرة للقرطبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1426(1/1484)
أسماء يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أسماء يوم القيامة ومعانيها؟
جزاك الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ليوم القيامة أسماء كثيرة ذكرها أهل العلم، وأخذوها من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد ذكرناها في الفتوى رقم: 24897.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1425(1/1485)
ما يفعله من أصابه شك في الإيمان باليوم الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل من اصابه والعياذ بالله شك في الايمان بااليوم الاخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما من يصيبه الشك في إيمانه فإن عليه أن يكثر من الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان لأن مصدر هذا الشك من إلقاء الشيطان ووسوسته.
وعليه أن يكثر من قول الله تعالى: [هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] .
ثم لتعلمي أن الشك إذا كان مجرد خاطر يخطر بالشخص فيدفعه عنه بالذكر والإعراض ويتضايق منه ويكره أن يتحدث به فهذا أمر لا إثم فيه.
أما إذا كان هذا الشك الذي يأتيه يطمئن إليه قلبه ولا يرى حرجا في التحدث عنه فإن ذلك خطير، وعلى من وجد شيئا من ذلك أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى، فإن الإيمان هو التصديق الجازم الذي لا يقبل الشك.
ولتفاصيل ذلك وأدلته وأقوال العلماء نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 7950، والفتوى رقم: 31123.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1425(1/1486)
خلود أهل الجنة والنار وبقاؤهم بإبقاء الله لهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الخروج مع جماعة التبليغ، كيف نوفق بين خلود أهل الجنة وأهل النار وأن الله - عز وجل- الآخر فليس بعده شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن أصدرنا فتوى في حكم الخروج مع جماعة التبليغ، فنحيل السائل إليها وهي برقم: 30778، وانظر الفتوى رقم: 9565 عن جماعة التبليغ ورأي العلماء فيهم.
وأما عن التوفيق بين خلود أهل الجنة وأهل النار، وأن الله سبحانه وتعالى الآخر فليس بعده شيء، فإنه لا يجوز تعارض بين هذا وذلك، وذلك أن خلود أهل الجنة وأهل النار وبقاءهم إنما هو بإبقاء الله عز وجل لهم، أما الله سبحانه وتعالى فهو الآخر بذاته عز وجل.
وإلى هذا أشار العلامة ابن عاشور في التحرير والتنوير عند تفسير قوله تعالى في سورة الحديد: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ [الحديد:3] ، قال رحمه الله: ورفع هذا الإشكال أن يجعل القصر ادعائياً لعدم الاعتداد ببقاء غيره تعالى لأنه بقاء غير واجب، بل هو بجعل الله له. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1425(1/1487)
التلاقي بين الأخوين يوم القيامة ممكن
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال هو وردت بعض الأقاويل أن الأخ لا يرى أخاه يوم القيامة ما صحة هذا القول نرجو مزيد من
الإيضاح، وهل يوجد مقابلات في يوم الحشر وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التلاقي بين الإخوة يوم القيامة في أرض المحشر ممكن، لكنه ليس بلازم، فقد قال تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (عبس:34) ، والفرار منه يكون بعد معرفته إياه أو لقائه به، قال القرطبي: تجيء الصاخة في هذا اليوم الذي يهرب فيه من أخيه، أي من موالاة أخيه ومكالمته، لأنه لا يتفرغ لذلك لانشغاله بنفسه. ا. هـ
وقد نطق القرآن وصرحت السنة بحصول مقابلات ونقاشات ومعاتبات بين الخلق بعضهم البعض، منفردين وبين يدي الله تعالى، قال عز وجل: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (سبأ: من الآية31) .
وقال تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (الزمر:31) .
وقد جاء في حديث الشفاعة الطويل أن الناس يبحثون عن آدم وعن نوح وعن إبراهيم وعن عيسى وعن محمد صلى الله عليه وسلم.
وراجع الفتوى رقم:
10270
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1424(1/1488)
مقدار يوم القيامة على الكافرين والمؤمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بلغني أن الحديث القائل عن يوم القيامة "والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة" قد ضعفه الألباني في ضعيف الترهيب والترغيب، لكن ما خلاصة القول في طول هذا اليوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والمنذري في الترغيب والترهيب، وضعفه الإمام ابن كثير في تفسيره، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وأبو يعلى وإسناده حسن على ضعف في راويه. انتهى.
ومقدار يوم القيامة على الكافرين خمسون ألف سنة وهذا قول ابن عباس وجماعة، ووردت بذلك مجموعة من الآثار ذكرها ابن جرير الطبري في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور.
وأما مقداره على المؤمنين فوردت آثار تفيد بأنه أخف من صلاة مكتوبة، وأخرى تفيد بأنه بمقدار ما بين الظهر إلى العصر، وأخرى أنه بمقدار يوم من أيام الدنيا.
ولعل أصح ما ورد في ذلك ما رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يوم القيامة كقدر ما بين الظهر والعصر.، والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي على تصحيحه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1424(1/1489)
مراجع في اليوم الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد موعظة عن اليوم الآخر أو القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت لنا عدة فتاوى تتحدث عن القيامة، فراجع مثلاً الفتاوى التالية: 24211، 9505، 24897، 28326.
وإذا أردت معرفة تفاصيل يوم القيامة فارجع إلى الآتي من المراجع:
أولاً: القرآن الكريم.
ثانيًا: التذكرة للقرطبي.
ثالثًا: شرح الصدور للسيوطي.
رابعًا: اليوم الآخر للأشقر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1424(1/1490)
أشهر أسماء يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأسماء الأخرى ليوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلليوم الآخر أسماء كثيرة ذكرها الشيخ عمر سليمان الأشقر في أول كتابه المسمى اليوم الآخر وهي:
يوم القيامة اليوم الآخر الساعة يوم البعث
يوم الخروج القارعة يوم الفصل يوم الدين
الصاخة الطامة الكبرى ... ... ... ... يوم الحسرة ... ... ... ... الغاشية
يوم الخلود يوم الحساب يوم الواقعة يوم الوعيد
يوم الآزفة يوم الجمع يوم التلاق يوم التناد
يوم التغابن الحاقة
وقال بعد سرد هذه الأسماء بأدلتها من القرآن هذه هي أشهر أسماء يوم القيامة، وقد أورد بعض العلماء أسماء أخرى غير ما ذكرناه، وهذه الأسماء أخذوها بطريق الاشتقاق بما ورد منصوصاً، فقد سموه بـ
يوم الصدر يوم الجدال
وسموه بأسماء الأوصاف التي وصف الله بها ذلك اليوم، فقالوا من أسمائه:
يوم عسير يوم عظيم يوم مشهود يوم عقيم
يوم عبوس قمطرير
ومن الأسماء التي ذكروها غير ما تقدم:
يوم المآب يوم العرض يوم الخافضة والرافعة
يوم القصاص ... ... ... ... يوم الجزاء يوم النفخة
يوم الزلزلة يوم الرجفة يوم الناقور
يوم التفرق يوم الصدع يوم البعثرة
يوم الندامة يوم الغرار
ومنها أيضاً:
يوم تبلى السرائر يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً
يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ... ... ... ... ... ... ... ... ... يوم تشخص فيه الأبصار
يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ... ... ... ... ... ... ... ... ... يوم لا ينطقون
يوم لا ينفع مال ولا بنون ... ... ... ... يوم لا يكتمون الله حديثا
يوم لا مرد له من الله ... ... ... ... يوم لا بيع فيه ولا خلال
يوم لا ريب فيه
وقد يضيف إليها بعض أهل العلم أسماء أخرى، وقد يسمى الاسم بما يقاربه ويماثله.
قال القرطبي: ولا يمتنع أن تسمى بأسماء غيرما ذكر بحسب الأحوال الكائنة فيه من الازدحام والتضايق واختلاف الأقدام والخزي والهوان والذل والاحتقار والصغار والانكسار ويوم الميقات والمرصاد إلى غير ذلك من الأسماء. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1423(1/1491)
الموت وما بعده إلى الجنة أو النار
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الترتيب من البداية إلى النهاية من بعد الحياة البرزخية وحتى يوم القيامة إلى البعث والنشور الصراط تطاير الصحف الوقوف 50ألف عام الميزان الحساب إلخ.......؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد رتب شيخ الإسلام ابن تيمية ما يحدث للعباد من بعد الموت إلى أن تقوم الساعة، فأفاد وأجاد -رحمه الله- ونحن نسوق ما ذكره بشيء من الاختصار والتصرف، فنقول وبالله التوفيق: إذا مات العباد فإنهم يفتنون في قبورهم فيأتي الواحد منهم ملكان أسودان أزرقان فيسألانه عن ربه وعن دينه وعن نبيه، فأما المؤمن فيثبته الله ويلهمه الإجابة، وأما الكافر فلا، ثم يكون القبر وهو: إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار إلى أن تقوم القيامة الكبرى حيث ينفخ في الصور النفخة الثانية، فتعاد الأرواح في الأجساد وتقوم القيامة، ويقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلاً ((أي غير مختونين)) ، وتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق، وتنصب الموازين فتوزن بها أعمال العباد، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك هم الخاسرون، وتنشر الدواوين وهي صحائف الأعمال فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله، ويحاسب الله الخلائق، وفي عرصات ((مواقف)) القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم، فمن شرب منه شربة واحدة لم يظمأ بعدها أبداً، والصراط منصوب على ظهر جهنم يمر عليه الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يجوزه ناجياً، ومنهم من لا ينجو، فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة وهي الجسر بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم بدخول الجنة، وأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته.
هذا وقد جاء في السؤال قولك ((الوقوف 50 ألف عام)) ولعلك تشير إلى قوله تعالى من سورة المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وقد جاء في بعض التفاسير أنه يوم القيامة وأن الله يجعله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة، وأنه يخفف على المؤمنين حتى يكون أخف عليهم من صلاة مكتوبة يصليها المؤمن في الدنيا.
وهذا اليوم ورد ذكره في السنة النبوية فيما رواه أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم.... إلى أن قال: حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1423(1/1492)
النساء أكثر ولد آدم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يدفع الإشكال بين هذه الأحاديث؟
قول رسول الله (تصدقن فاني رأيتكن أكثر أهل النار)
وقوله في حديث صحيح أيضا (لا يدخل من النساء الجنة إلا من كانت كهذا الغراب بين الغربان) صححه الحافظ العراقي والألباني
وبين حديث آخر أظنه عن أبي هريرة (تزوج يا ابن أخي فان خير هذه الأمة النساء) لم أضبط اللفظ
وحديث آخر لأبي هريرة على ما أظن يقول بأن عدد النساء أكثر من الرجال واستدل بذلك أن الرجل يزوج باثنتين من النساء في الجنة!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله صلى الله عليه وسلم تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار. رواه البخاري عن أبي سعيد، ومسلم عن ابن عمر، وفي معناه حديث ابن عباس المتفق عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن قيل: بكفرهن بالله؟ قال: بكفرهن العشير وبكفرهن الإحسان. الحديث. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان. فرواه أحمد وهو كناية عن قلة من يدخل الجنة من النساء، لأن هذا الوصف في الغربان قليل، والحديث الأول يفيد أن أكثر أهل النار النساء. قال المناوي: عامة أهل النار النساء، لأنهن لا يشكرن بالعطاء ولا يصبرن ثم البلاء في عامة أوقاتهن. اهـ.
وأما الحديثان اللذان ذكرهما الأخ وظن تعارضهما مع ما تقدم، فنقول: الجواب عليهما: أن الأثر الأول لم نجده عن أبي هريرة ولا غيره، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا عليه. أنه قال لسعيد بن جبير: تزوج فإن خير هذه الأمة كان أكثرها نساء. رواه أحمد والبخاري، ومعناه كما قال الحافظ في الفتح: والذي يظهر أن مراد ابن عباس بالخير النبي صلى الله عليه وسلم وبالأمة أخصاء أصحابه، وكأنه أشار إلى أن ترك التزويج مرجوح إذ لو كان راجحا ما أثر النبي صلى الله عليه وسلم غيره، وبهذا يتضح أن هذا ليس فيما نحن فيه، وعلى ذلك، فلا تعارض بينه وبين ما تقدم.
وأما الحديث الثاني فهو في صحيح مسلم بسنده عن محمد بن سيرين قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟ فقال أبو هريرة: أولم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة ليلة البدر، والتي تليها على أضوء كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب، وفي رواية لمسلم أيضا: اختصم الرجال والنساء أيهم في الجنة أكثر؟ فسألوا أبا هريرة فقال: قال أبو القاسم ...
فهذا الحديث لا يتعارض مع الأحاديث القاضية بأن أكثر أهل النار النساء، لأن النساء أكثر أهل النار وأكثر أهل الجنة. قال الإمام النووي في شرح مسلم: قال القاضي: ظاهر هذا الحديث أن النساء أكثر أهل الجنة، وفي الحديث الآخر أنهن أكثر أهل النار. قال: فيخرج من مجموع هذا أن النساء أكثر ولد آدم. قال: وهذا كله في الآدميات، وإلا فقد جاء للواحد من أهل الجنة من الحور العدد الكثير. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1426(1/1493)
ما ورد في وجوه الناس يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوم القيامة هل جميع الوجوه متشابهة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أمور الآخرة من أمور الغيب التي يجب الإيمان بما ثبت منها في الوحي وعدم التقول فيما لم يثبت، وقد قال زروق الفقيه المالكي رحمه الله: لا تطلب التحقيق في أمور الآخرة. ويقال لمن سأل عن هذا: سترد فتتعلم.
وبناء عليه، فإن الناس ثبت بالنص تساويهم في الطول؛ لحديث الصحيحين في أهل الجنة: أخلاقهم على خلق رجل واحد، على طول أبيهم آدم ستون ذراعاً. ولحديثهما في ضخامة الكفار: ما بين منكبي الكافر ثلاثة أيام للراكب المسرع.
وأما الوجوه فلم يثبت إلا بياض وجوه بعضهم، وسواد وجوه البعض، كما قال الله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ {آل عمران:106} ، فعلينا ألا نتكلف فيما لا نص فيه من أمور الغيب، ونشتغل بما ثبت من العلوم الشرعية فنحفظه ونتدارسه، ونحمل نفوسنا على العمل به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1426(1/1494)
مسألة حول حكاية أحوال يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نروي أشياء عن يوم القيامة وكأنها حدثت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن مثل هذا السؤال في الفتوى رقم: 29689.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1425(1/1495)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح، عن أبي حفص عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: تسقط النجوم كلها يومئذ على الأرض حتى ترتعد الأراضي السبع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نعثر على هذا الحديث بهذا اللفظ المذكور في السؤال في أي من كتب الحديث، ولعله من الأحاديث الباطلة، أو من كلام العامة، وأما سقوط النجوم يوم القيامة فقد ذكر في القرآن، قال الله تعالى: وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ [التكوير:2] ، قال ابن كثير عند تفسير الآية: يقول وإذا النجوم تناثرت من السماء فتساقطت.
وقال الله تعالى: وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ [الإنفطار:2] ، قال الإمام القرطبي عند تفسير الآية: أي تساقطت. قال ابن كثير: تساقطت متفرقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(1/1496)
لقاء الله تعالى يوم القيامة كيف يكون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلقى المرء ربه عند موته أم أنه لا يرى الله إلا إذا دخل الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دلت الأدلة على أن المؤمنين يلقون ربهم بعد موتهم، ومن ذلك قول الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223] .
وقوله تعالى: مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت:5] ، وقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110] ، وقوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:46] ، وقوله تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً [الأحزاب:44] .
وفي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبين الله ترجمان، ثم ينظرفلا يرى شيئاً قدّامه، ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة.
وفي رواية للبخاري: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه.
وله أيضاًً: وليلقينّ الله أحدُكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فليقولنّ له: ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم.
وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟ قالوا: لا، قال: فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟ قالوا: لا، قال: فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، قال: فيلقى العبد فيقول: أي فُلْ ألم أكرمك ,أسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، قال: فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني. الحديث.
وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ... قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: ليس ذاك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه كره لقاء الله وكره الله لقاءه.
وقد دلت هذه الأدلة على أن اللقاء متضمن لرؤية الله تعالى، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أما اللقاء فقد فسره طائفة من السلف والخلف بما يتضمن المعاينة والمشاهدة، بعد السلوك والمسير، وقالوا: إن لقاء الله يتضمن رؤيته سبحانه وتعالى واحتجوا بآيات اللقاء على من أنكر رؤية الله في الآخرة من الجهمية، كالمعتزلة وغيرهم. انتهى.
وظاهر هذه الأدلة يدل على أن الكفار يلقون ربهم ويرونه يوم القيامة، كما هو قول طائفة من السلف، ويدل عليه أيضاً قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ* فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً* وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً* وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً* وَيَصْلَى سَعِيراً [الانشقاق] .
لكن رؤية الكفار له لا تتضمن كرامة لهم ولا نعيماً، بل يعقبها الحجب والحرمان، كما قال الله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15] .
قال شيخ الإسلام: وقوله: " لَمَحْجُوبُونَ" يشعر بأنهم عاينوا ثم حجبوا، ودليل ذلك قوله: إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ فعلم أن الحجب كان يومئذ، فيشعر بأنه يختص بذلك اليوم، وذلك إنما هو في الحجب بعد الرؤية، فأما المنع الدائم من الرؤية فلا يزال في الدنيا والآخرة. انتهى من مجموع الفتاوى 6/466.
فالمؤمن يحب لقاء الله ويحب الله لقاءه، والكافر يكره لقاء الله، ويكره الله لقاءه، والجزاء من جنس العمل.
وأكمل اللقاء وأتمه إنما يكون بعد دخول المؤمنين للجنة، ورؤيتهم ربهم الكريم الرحيم، فما أعطوا نعيماً أعظم من نظرهم إلى الله، كما صحت بذلك الأحاديث وأجمع عليه أهل السنة.
والحاصل أن الإنسان -المؤمن والكافر- يلقى ربه يوم القيامة، وينفرد المؤمن برؤية ربه في الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1424(1/1497)
من خصائص اليوم الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي خصائص اليوم الآخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اليوم الآخر هو اليوم الذي يجمع الله فيه الخلائق ليحاسبهم بأعمالهم التي قدموها في الحياة الدنيا دار الابتلاء، ولذلك اليوم عدة خصائص منها:
أولاً: عظم ذلك اليوم، وحسبنا أن الله تعالى وصفه بذلك فقال: أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ [المطففين:4-5] .
وذكر هذا الوصف ليعلم الناس أنه أكبر مما يتخيلون.
ثانياً: الرعب والفزع الذي يصيب الناس من هوله، فيذهل الناس، وتضع المرأة الحامل حملها، ويشيب الوليد، قال الله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2] .
وقال سبحانه: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً [المزمل:17] .
ثالثاً: انقطاع علائق الأنساب يوم القيامة؛ كما قال الله تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101] .
رابعاً: استعداد الكفار للافتداء بكل شيء في سبيل الخلاص من العذاب، قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [يونس:54] .
خامساً: طول زمانه حتى يظن الناس لطوله أنهم لم يعيشوا في الدنيا إلا ساعة من النهار، كما قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ [يونس:45] .
سادساً: تجلي الحقائق وانكشاف الغطاء، قال الله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ* وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ* لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [قّ:20: 22] .
سابعاً: تجلي رب العزة سبحانه وتعالى لعباده وكلامه لهم كفاحاً ليس بينه وبينهم ترجمان ولا حجاب؛ فقد أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان. "وفي رواية: ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة".
هذه بعض خصائص اليوم الآخر، وهي كثيرة في الكتاب والسنة، إلا أن المقام لا يسمح بالإطالة، وللمزيد من التفاصيل راجع كتاب التذكرة للإمام القرطبي وكتاب اليوم الآخر من سلسلة الدكتور عمر سليمان الأشقر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1423(1/1498)
بعد القيامة هل سيخلق الله خلقا آخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل بعد هذه الدنيا وبعد الحساب سيخلق الله سبحانه وتعالى خلقاً آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله لم يزل خالقاً، ولا يزال خالقاً، ولن يزال خالقاً، يخلق ما يشاء ومتى شاء وكيف شاء، هذا ما نعلمه في هذا الباب أما عن خلق الله لآخرين بعد فناء الدنيا فإنه لا علم لنا به.
وننبه السائل وجميع الإخوة الداخلين على مركز الفتوى إلى أن يسألوا عن الأشياء التي وراءها عمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1423(1/1499)
سهولة خروج الروح وظهور ما يدل على صلاح الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[أصيب والدي بالمرض منذ 6 شهور، أصيب بالسرطان واستأصل كلية، وكان دائماً يقول الحمد لله هذا خير ونعمة، وكان في شدة ألمه يبتسم ويحمد ربنا على الابتلاء، وكان يقول لي يا ابنتي أنا أتعالج ليس لإطالة العمر، وإنما كي أقف على رجلي لغاية ما أموت حتى لا أتعب معي أحد، وفعلاً حدثت له غيبوبة لأقل من 24 ساعة فقط، وكانت آخر حاجة له صلاة العشاء، ولآخر وقت كنت أسأله كيف حالك يا حبيبي، وبالرغم من ألمه الشديد إلا انه كان يقول لي الحمد لله أنا على أتم الصحة، وقبل وفاته قال لعمي لماذا أنتم متضايقون، أنا مبسوط والحمد لله وغير خائف من الموت، قد بعث الله لي هدية، وهل يوجد أحد يرفض هدية ربنا.
توفي والدي رحمه الله منذ 12 يوما قالوا لي إنهم لم يروا مثله، وجهه لم يكن لإنسان ميت ولكنه بدا وكأنه نائم، قالت أختي إن نفسه كان متعبا جداً، ويتنفس بصعوبة من شدة المرض، ولكن وقت الوفاة وقبلها بدقائق ارتاح نفسه وهدأ جداً لدرجة أنهم توقعوا أنها بداية الشفاء، ولحظة الوفاة كانوا ينظرون إليه، ما حدث أنه فتح عينيه ونظر لليمين واليسار وأغمضها وكانت النهاية.
السؤال هنا: هل هذا يعني خروج الروح بسهولة كما قيل لي، وهل بالفعل تظهر على الميت علامات تبشر بأنه من أهل الصلاح إن شاء الله أسألكم الدعاء له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لوالدكم الرحمة، وأن يحسن عزاءكم. ونرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 73790.
وما ذكر من قصة الوالد يفيد خروج روحه بسهولة، وفي الحديث: أن نفس المؤمن تسيل كما تسيل القطرة من فم السقاء. رواه أحمد وصححه الأرناؤط.
وهناك علامات تظهرعلى الميت تدل على صلاحه، وقد ذكرنا بعضها في الفتوى رقم: 29018، والفتوى رقم: 50241.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(1/1500)
نزول البول مع خروج الروح هل يدل على سوء الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[عند خروج الروح قد يتبول الميت على نفسه. فهل هذا كما يقال بسبب رهبة دخول ملك الموت على الميت أم أنه بسبب عدم تحكم الميت فى جسمه؟ وهل يدل هذا على حسن أو سوء الخاتمة أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للموت سكرات وما يحدث للجسم في هذا الوقت من نزول البول وغيره ليس دليلا على شيء، وربما يكون أمرا طبيعيا بالنظر إلى حال المريض وتغير جسمه.
ولهذا استحب أهل العلم أن يغطى الميت ويوضع بجواره شيئ طيب الرائحة ليخفي ما عساه أن يخرج منه من روائح كريهة.
وقد بينا أن شدة الموت وخروج الرائحة ليس دليلا على سوء خاتمة الميت انظري الفتاوى التالية أرقامها: 116086، 63861، 3382.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(1/1501)
هل يحكم على شخص معين بأنه من أهل الجنة أو النار
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالخواتيم.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.
فأنا أعرف شخصا مات فى رمضان أثناء العمل وهو يريد أن يشترى السجائر لكى يشربها فأثناء الشراء دهسته سيارة فمات قبل الشراء، فقال لي أحد الناس إنه فى الجنة ـ إن شاء الله ـ لأنه يعمل ويصرف على والدته فهو مجاهد فى سبيل الله من وجهة نظرهم، وقالوا أيضا إن السجائر ليست حراما، لأن الناس كلهم يشربونها فهى عادة سيئة وليست حراما، فهل ما قالوه صحيحا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم لا يشهدون لمعين بجنة ولا بنار إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يرجون للمحسنين ويخافون على المسيئين، وانظر للأهمية الفتويين رقم: 109880، ورقم 125194.
وما دام الشخص المذكور قد توفاه الله، فينبغي أن لا نشغل أنفسنا بمصيره عند الله، ولكن نسأل الله أن يتجاوز عنه ويشفّع فيه بره بأمه، كما نرجو له أن يلحق بالشهداء لميتته بهذا الحادث، وانظر الفتوى رقم: 15027.
ويجدر بالذكر أن الذي يختم له بمعصية دون الشرك بالله لا يخلد في النار إن دخلها، قال النووي في شرحه للحديث المشار إليه في السؤال: ويدخل في هذا من انقلب إلى عمل النار بكفر أو معصية، لكن يختلفان في التخليد وعدمه، فالكافر يخلد في النار والعاصي الذي مات موحدا لا يخلد فيها.
وأما السجائر فالصحيح تحريم شربها وغيرها من أنواع الدخان، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 1671 ورقم: 1819.
وكثرة الشاربين لها لا تقتضي عدم تحريمها، فالكثرة ليست ميزانا لأهل الحق، بل إن الكثرة قد وردت مذمتها في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ {يوسف:103} .
وقوله تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ {الأعراف:187} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1430(1/1502)
هل لموت المسلم في بلد الكفر أثر
[السُّؤَالُ]
ـ[الموت في البلد الكافر أهله؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الموت مكتوب على الناس أينما كانوا؟ وما يدري العبد متى ولا أين يموت؟ وإذا قضى الله موت عبد بأرض فلا مفر من ذلك، ولكن موت العبد بأرض الإسلام أوالكفر لا أثر له إلا بحسب ما ختم له به، فمن كان من الطائعين وذهب لبلاد الكفر مجاهدا أو داعيا أو باحثا عن دواء، فلا يضره موته ببلاد الكفر، فقد توفي أبو أيوب الأنصاري على مشارف القسطنطينية ولم يضره ذلك، ثم إنه يتعين الحرص على دفن المسلم بمقابر المسلمين وإبعاده عن مقابر الكفار، فإن لم يوجد مكان يدفن به فلينقل إلى أقرب بلد إسلامي إذا أمن التغير والامتهان، وإلا دفن حيث توفي، وعلى المسلم أن يحرص على البعد عن مساكنة الكفار خشية من تأثره بأخلاقهم وفساد اعتقاداتهم، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 65828، 1958، 54552، 46936.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1430(1/1503)
العاقل يشغل نفسه بما بعد الموت لا بالموت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طفل صغير السن، أحسست اليوم بأني سوف أموت، حتى وصلت حالي إلى أن أكتب وصية، وأنا الآن أكتب لك وأنا قلبي ينبض بسرعة. ولا أدري ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأصلح الله بالك أيها الابن العزيز، واعلم أن الموت ليس عدما، وإنما هو انتقال من دار إلى دار، من دار العمل إلى دار الجزاء، وبحسب هذا الجزاء يكون الموت راحة أو عناء، سعاة أو شقاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: إنا لنكره الموت!! قال: ليس ذاك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، كره لقاء الله وكره الله لقاءه. رواه البخاري ومسلم.
ولذلك فالعاقل هو الذي يستعد لهذه اللحظة بالاجتهاد في إرضاء الله وطاعته؛ لكي يكون الموت في حقه انتقالا من الضيق إلى الراحة والسعة والسعادة، فقد مرت جنازة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مستريح ومستراح منه. قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ قال: العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب. رواه البخاري ومسلم.
فاجتهد ـ بُنيَّ الحبيب ـ أن تتوجه بمشاعرك التي تشكو منها؛ لكي تكون اجتهادا في عمل صالح ينفعك في دنياك وأخراك، كحفظ القرآن الكريم، وحفظ شيء من الأحاديث النبوية كالأربعين النووية، والمحافظة على صلاة الجماعة والسنن الرواتب، وحضور مجالس العلم، وبر الوالدين، ومساعدة المحتاجين، واختيار الصحبة الصالحة التي تدلك على الخير وتعينك عليه.
وقد سبق أن بينا أن الخوف من الموت نوعان: أولهما: مركوز في طبيعة البشر، وهذا غير مذموم؛ لأنه خارج عن نطاق التكليف، ولا دخل للإنسان في حصوله، وثانيهما: مذموم وهو الوهن المذكور في الحديث بحيث يكون الإنسان حريصا على البقاء في الدنيا متمتعا بشهواتها وملذاتها غافلا عن الآخرة وما يتعلق بها، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 80408، 97322.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 30907.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1430(1/1504)
كراهة الموت بين الذم وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: هل يجب على المؤمن أن يحب الموت، وهل يجب عليه أيضا أن لا يخاف منه، وهل هناك شيء إذا فعله الشخص يضمن رحمة الله به وأيضا دخول الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حب الموت لا يجب على المؤمن، وكراهة الموت من طبيعة الكائن الحي التي جبل عليها، وهذه الكراهة الطبيعية ليست مذمومة شرعاً، ولا يجب على المسلم إزالتها، وليس مكلفاً بذلك لأنه ليس في طوقه، ففي الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. فقلت يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت، فقال: ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه.
ولهذا الحديث قسم العلماء كراهة الموت إلى قسمين: قسم مذموم شرعاً وهو ما كان من ضعاف الإيمان الغافلين عن الآخرة المتشبثين بالدنيا المتبعين لشهواتها وملذاتها، والقسم الآخر هو الكراهة الطبيعية المذكورة في الحديث، وقد سبق بيان ذلك بتفصيل أكثر في الفتوى رقم: 40902، والفتوى رقم: 80408 فنرجو أن تطلعي عليها.
وأما ضمان دخول الجنة فيكون بفضل الله تعالى وتوفيقه للعبد إلى الإيمان والطاعة واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن اتقى الله تعالى وامتثل أوامره واجتنب نواهية واستقام على طاعته رحمه الله تعالى وأدخله الجنة؛ كما قال تعالى: ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. وفي صحيح البخاري عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة. وللمزيد من الفائدة انظري لذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10116، 95687، 12801.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1430(1/1505)
العلامات الزرقاء على جسد الميت هل تدل على سوء الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ظهور علامات زرقاء على جسد الميت أعلى الظهر سوء خاتمة. وما الأعمال التي يصل ثوابها للميت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فظهور العلامات المشار إليها ليس دليلا على سوء الخاتمة، ولا يستدل على سوء الخاتمة بمثل هذه الأمور، فالحريق تأكل جسده النار، ومع ذلك هو شهيد كما صحت بذلك الأحاديث، والمشروع في حق المسلم هو حسن الظن، وستر ما ظهر من عيوبه عند غسله، وعدم تحديث الناس بذلك، وانظر الفتوى رقم: 1958.
وأما الأعمال التي يصل ثوابها للميت فمنها ما اتفق عليه أهل العلم، ومنها ما اختلفوا فيه، فمنهم من ذهب إلى أن الميت يصل إليه كل عمل صالح فعله شخص ونوى ثوابه للميت. قال صاحب الروض: وأي قربة من دعاء واستغفار وصلاة وصوم وحج وقراءة وغير ذلك فعلها مسلم وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه ذلك. قال أحمد: الميت يصل إليه كل شيء من الخير، للنصوص الواردة فيه.. انتهى. وانظر الفتوى رقم: 110782.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1430(1/1506)
ظهور هذه الأشياء لا تدل على صلاح أو عدم صلاح الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سرعة تصلب جسد الميت وظهور بعض البقع الزرقاء أعلى الظهر علامة غير طيبة؟ وما الأعمال التى يصل ثوابها للميت بعد موته من أقاربه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكلم العلماء على علامات حسن وسوء الخاتمة، ولم يذكروا من علامات سوء الخاتمة شيئا مما ذكر في السؤال، فهذه الأشياء لا تدل على صلاح أو عدم صلاح الميت لعدم ثبوت نص شرعي بذلك، وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 77286 وما أحيل عليه فيها.
وأما عن الأعمال التي يصل ثوابها للميت من أقاربه أو غيرهم، فمنها الدعاء، والصدقة، والحج، والعمرة، والاستغفار له.
وللاستزادة في بيان ما يصل للميت من ثواب مما هو مجمع عليه أو مختلف فيه مع بيان الراجح بالتفصيل تراجع الفتاوى التالية أرقامها: 3406، 3500، 5541، 38175.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1430(1/1507)
هل ينقل الميت السلام إذا تلاقت روحه بإخوانه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حقا أن الميت ينقل السلام إلى الموتى من أهلهم، بمعنى آخر إذا قلت للميت: سلم لي على فلان الميت، فهل ينقل هذا السلام.. أرجوكم الإجابة على هذا السؤال؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن الجوزي في بستان الواعظين أن المؤمنين تتلاقى أرواحهم واستدل لذلك بالحديث: إذا عرج بروح المؤمن تلقته أرواح المؤمنين بالرحمة والبشرى كما يتلقى الغائب في الدنيا، ثم يقبلون عليه فيسألونه فيقولون ما فعل فلان وما حاله.. وهذا الحديث أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم، وصححه الألباني.
وهو يدل على أن المؤمنين تتلاقى أرواحهم ويتحدثون فيما بينهم، وأن الميت تستقبله أرواح المؤمنين وأنه يحدثهم عن أهل الدنيا.
وأما إرسال السلام مع الميت إلى الموتى فلم يكن معروفاً من هدي السلف، وإنما يعرف عنهم زيارة الأحياء للقبور والسلام على أهلها والدعاء لهم بالرحمة والغفران، وليس عندنا ما يمنع هذا الأمر ولا نستبعد أن ينقل الميت السلام لمن يلقى أرواحهم إذا أوصي بذلك وقت الاحتضار، ولكن الأولى بالمسلم أن يتبع هدي السلف ويكثر الدعاء والاستغفار للموتى والتصدق عنهم فلو كان في إرسال السلام خير لسبقونا إليه، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23015، 4276، 69048، 72270.
هذا وننبه إلى أن الظاهر أن شغل المحتضر -وهو يعالج سكرات الموت- بتحميله السلام إلى من سيلقاهم من الموتى أمر لا ينبغي أن يختلف في الزجر عنه لما فيه من شغله عن التركيز على الموت على التوحيد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1430(1/1508)
مات ابن خالها فأصبحت لا تأكل ولا تنام ولا تدرس
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثت لي مشكلة من شهرين لما توفي ابن خالتي فجأة بحادث سيارة، وأنا من ذلك الوقت أرى منامات وكوابيس، وأ خاف كثيرا وأرى نفسي كأني سأموت، وخائفة من الموت كثيرا، وحتى الأكل لا آكل، ودراستي لا أعرف أدرس أبدا، وحتى النوم أخاف أنام، وحالتي سيئة جدا، وأمي حزينة علي، لكن ليس بيدي.
أرجوكم ساعدوني، وبالمنام أرى الناس الذين يعرفونني، ورفيقاتي يقبلونني، وأنا خائفة كثيرا من هذا الشيء، وكل ما أفتح عيوني بالليل أسمع صوت الآذان لصلاة الصبح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن دوام تذكر الموت والاتعاظ والاعتبار به كل ذلك مطلوب شرعاً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا ذكر هاذم اللذات. يعني: الموت. رواه النسائي، والترمذي، وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
قال الإمام القرطبي: قال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة. ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة.
وقال السدي في قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. {الملك: 2} . أي: أكثركم للموت ذكراً، وله أحسن استعداداً، ومنه أشد خوفاً وحذراً.
ولكن على المسلم أن يكون ذكره للموت دافعا له نحو فعل الطاعات وترك المعاصي والشهوات، فمن كان كذلك فقد أوتي خيراًعظيماً, وهو بهذا ماض على سنن الأنبياء والمرسلين الذين قال الله فيهم: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ. {ص: 46} .
أما إن تحول ذكر الموت إلى سبب للقنوط واليأس، وترك القيام بمصالح الدين أو الدنيا فهذا مذموم، وهو من خطوات الشيطان لشغل الإنسان عن مصالحه.
فعليك أن تستثمري أيتها السائلة هذا الحادث الذي نزل بكم للترقي في منازل الإيمان والعمل الصالح، والتنافس في الخيرات.
أما ما ترين في منامك من أحلام مزعجة وكوابيس, فادفعيه عنك بكثرة ذكر الله في كل الأوقات وعلى جميع الأحوال, وحافظي خصوصا على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، واحرصي على النوم وأنت على طهارة, وأكثري من الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه أن يصرف عنك همزات الشيطان ويعيذك من شروره ونزغاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1430(1/1509)
أجر الصبر على فقد الحبيب ومسائل حول خروج الروح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أم فقدت ابني البالغ 11سنه قبل 3 أشهر. وأرجو منك الإجابة على أسئلتي هذه بما تستطيع من علم مشكورا.
السؤال الاول: إذا مات الطفل فكيف تخرج روحه بسهوله أم بصعوبة؟ لأن ابني عندما خرجت روحه كان في حجري، بدأت الحالة معه بكتمة في الصدر، ثم صعوبة في الكلام حتى شخصت عيناه وتوقف قلبه، وكل هذا حدث في خمس دقائق فقط -والحمد لله- وكنت أسأله باستمرار هل يشعر بتنمل في اليدين أو الرجلين؟ يقول: لا، وأتحسس يديه ورجليه ولكنها عاديه وليست باردة؟
السؤال الثاني: هل يحس بي أنا وأبوه بعد خروج روحه بدقائق وهل يسمعنا, ويحس بمن يغسلونه، ومن يدفنوه، وهل يسمع قرع نعالهم كما ورد في الحديث؟
السؤال الثالث: وهل ترجع روحه له في القبر بعد دفنه، أوعند زيارة أبيه له والسلام عليه؟ وأين تكون روحه إذا لم تكن في القبر؟، وهل يسمعنا ويحس بنا إن بكينا عليه؟ وما الشيء الذي إذا فعلناه على نيته يصله ويعرف به؟
السؤال الرابع: هل يقابل أحدا من العائلة المتوفين ويعرفهم كجدته، وكيف يحدث هذا؟، وهل يشتاق لنا؟ وهل يعرفنا يوم القيامة؟
السؤال الخامس: كيف يكون حاله يوم القيامة وحالنا معه، وهل هو شهيد لأنه توفي بالسرطان- أجارك الله منه- وهل يعر ف بأن ما كان يعانيه هي سكرات الموت أو يحس بها، وإذا كان يحس بها فهل من نفس اللحظة أم من فترة لأنه كان كثير الصمت والحزن قبل وفاته ليس من الألم لأنه لم يكن يشعر بشيء من الألم- والحمد لله- مع العلم بأنه مات وهو يقرأ آية الكرسي والمعوذات، وكان يقرأ سورة البقرة يوميا، وكان من الأطفال المميزين جدآ بالأخلاق والأدب والدين والجمال، كان يكره سماع الأغاني والموسيقى ويحب سماع القرآن؟
فأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرحمه، ويشفعنا فيه، ويجمعنا به في الجنة آمين، مع العلم يا شيخ أني- ولله الحمد- صبرت لفراقه وأحتسبته عنده سبحانه راجية من الله الثواب والأجر والخلف بإذنه سبحانه وتعالى.
ولا أطلب منك يا شيخنا -الكريم- إلا الدعاء لي ولأبيه بالثبات والخلف من الله، والإجابه على أسئلتي هذه بقدر ما تستطيع، لأني والله العظيم في أمس الحاجة للإجابة عليها.
والله المستعان. وجزاك الله عنى وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرزقك الصبر والاحتساب وأن يعوضك من مصيبتك الذرية الصالحة، ولتعلمي أن المؤمن لا يصيبه شيء من المصائب والآلام في هذه الحياة فيحتسبه عند الله تعالى إلا كان له به الأجر العظيم والثواب الجزيل.
فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة. وروى الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد.
وأما كيفية خروج الروح من البدن، فالظاهر من نصوص الوحي أنها تخرج من أسفله أولا، وأن خروجها يكون سهلا على المؤمن- في الغالب- كما جاء في الحديث: أن نفس المؤمن تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، وأما روح الكافر فإنها تتفرق في جسده فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول، والحديث رواه أحمد وغيره، وصححه شعيب الأرناؤوط.
وانظري الفتويين: 67788، 72434.
وأما شعور الميت بالأحياء وسماعه لهم فقد اختلف فيه أهل العلم كما سبق بيانه في الفتوى: 58523، وما أحيل عليه فيها.
وعن تعارف الناس يوم القيامة انظري الفتوى: 9853. وعن شهادة المتوفى بالسرطان انظري الفتوى: 36132 وما أحيل عليه فيها.
ونسأل الله تعالى أن يجمعكم بولدكم في مستقر رحمته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1430(1/1510)
هل ملك الموت موكل بقبض أرواح جميع الأحياء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ملك الموت واحد للإنسان والمخلوقات الأخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عن سؤالك هل ملك الموت واحد للإنسان والمخلوقات الأخرى؟
فقد سئل الشيخ ابن عثيمن: هل ملك الموت موكل بقبض أرواح الحيوانات؟ فأجاب: ما رأيك إذا قلت إن ملك الموت موكل بقبض أرواح الحيوانات أو غير موكل، ما الفائدة من هذا؟ هل سأل الصحابة عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، هم أحرص منا على العلم، والرسول أقدر منا على الإجابة، ومع ذلك ما سألوا، إنما قال الله عز وجل: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ {السجدة:11} موكل بقبض أرواح بني آدم، أما غير أرواح بني آدم لم يثبت، الله أعلم. ولكننا أهم شيء في جواب هذا السؤال أن الإنسان لا يتنطع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون. فلا تسأل عن شيء ليس فيه فائدة، والله لو كانت فيه فائدة بعلمنا أن ملك الموت يقبض أرواح الحيوانات الأخرى لبينها الله سبحانه وتعالى إما في القرآن أو السنة، أو أن الله يقيض من يسأل الرسول عن هذا. انتهى.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 9470، 60575، 74840.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1430(1/1511)
هل الأمر بقبض الروح ينزل قبل أربعين يوما
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال إن الأمر بقبض الروح ينزل قبل أربعين يوما، هل هذا صحيح؟ قبل وفاة والدي بعشرة أيام حصلت معي بعض الأمور، مثل فقدان الوعي علما بأنني لم أفقد الوعي في حياتي، وألم بالمعدة بشكل متكرر، وبعد الوفاة لم أعد أشعر بشيء من هذا. هل لهذا علاقة بتخاطر الأرواح، وهل تخاطر الأرواح موجود أصلا في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم دليلا على ما ذكر، ومن المعلوم أن مثل هذه الأمور من الغيبيات التي لا تعلم إلا بنصوص الوحي، ولم نطلع على نص يفيد أن الأمر بقبض الروح ينزل قبل أربعين يوما من الوفاة، وإنما ثبت في الحديث أن العبد يكتب رزقه وأجله وهو في بطن الأم.
كما في حديث مسلم: إ ن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.
وراجع في شأن تخاطر الأرواح الفتوى رقم: 64949. والفتوى رقم: 73351. وراجع الفتويين: 32668، 67177، 47534.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1430(1/1512)
إحسان الظن بالميت المسلم وعدم ذكره إلا بخير
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي لي قريب في حادث وتبين من تقرير الشرطة أنه يوجد نسبة كحول في دمه مما يعني أنه كان قد شرب كحولا وقت الحادث علما بأنه لم يكمل 18 عاما. فما هو موقفه، وكيف يمكن التكفير عن سيئته هذه، علما بأنه كان إنسانا شهما، والجميع يحبونه، وشهد له الكثير بأنه كان سببا في تعديل سلوكهم وأخلاقهم ولا أعرف لماذا فعل ذلك. وما هي ملابسات الأمر حيث لم نعرف من كان معه، ولم يدلنا أحد على شيء. فأرجو إفادتي مع الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله الرحمة والمغفرة لهذا الشاب، وننصحكم بأن تحسنوا الظن به، فإن الكحول قد توجد في مواد غير مسكرة وليست خمرا، فهي قد توجد في بعض أنواع الشوكولاتة وبعض المواد المنبهة، وقد يكون الأخ استعملها وهو لا يعلم أن بها شيئا من الكحول، وقد توجد الكحول أيضا في اللبن الرائب وبعض أنواع العصائر، وإذا كان من المحتمل أن وجود الكحول قد يحصل بشيء ليس في الشراب المسكر فيتعين عدم إساءة الظن بهذا الشاب، كما نرجو عدم التحدث في الموضوع مع الناس لئلا يساء الظن بهذا الشاب دون بينة، ولئلا يتكلم فيه بغير حق، فهو قد أفضى إلى ما قدم، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12} وفي حديث الصحيحين: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث. وفي الحديث أنه ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم هالك بسوء فقال: لا تذكروا هلكاكم إلا بخير. رواه النسائي وصححه الألباني.
وقال الناظم:
والظن بعض منه لا يباح * كالسو بمن ظاهره الصلاح
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1430(1/1513)
الموت في الحمام هل هو دليل على سوء الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي رجل مصاب بمرض باركنسون في السنة الأخيرة أصبح يتهيأ له شخصيات خيالية تزعجه وأحيانا كان يتكلم معها، ولكن ما عدا ذلك كان مدركا لكل شيء، وكان عقله سليما، وكان يعرف كل الأشخاص ويتذكر كل الأحداث ويعرف أسماء أحفاده أي بشكل عام كان سليما عقليا توفي رحمه الله منذ عدة أيام وكان يصلي الصلوات في وقتها، وقد حج إلى بيت الله منذ عدة أعوام.
السؤال: لقد توفي رحمه الله من عدة أيام ولكن ما حيرنا وجعلني أكاد أجن أن روحه رحمه الله قد قبضت في المرحاض مع أنه لم يدخل هذا المرحاض منذ 20 عاما حيث كان يستعمل مرحاضا إفرنجيا موجودا في الحمام, فقد وجدناه ملقى على أرض المرحاض وهو متوفى ولم نعرف ذلك إلا بعد حوالي ساعة من وفاته، مع العلم أننا حين أخرجناه بعد عثورنا عليه كان قلبه قد نبض لعدة ثواني ثم توقف كليا وأعلن الطبيب وفاته فهل من دلالة على هذا الأمر؟
أفيدوني أفادكم الله مع العلم أن لأبي إخوة من غير والدتي وقد قاطعوا والدهم منذ عدة سنين فقد اتبعوا أخاهم الكبير الغني الحاقد على أبيه حيث أنكر فضل أبيه في تربيته وصرف الأموال عليه وأعطاه الله تعالى المال، وحين كبر أبوه قاطعه وألب إخوته الباقين ضد أبيه فمنهم المهندس ومنهم التاجر وقد توفي رحمه الله وهو غير راض عنهم، وكان يملك دكانا فقام منذ سنتين بنقل ملكيته لي ولأخوي حارما إخوتي من غير أمي منه، هل هذا سبب في مكان موته، مع العلم أن هناك أملاكا أخرى كأراض وبيوت ما زالت بملكيته وسوف يرثون منها؟
أفيدوني أفادكم الله ولكم كل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يحسن عزاءكم، ويرحم أباكم، ويغفرله ولجميع موتى المسلمين
والواجب عليكم أن تحسنوا الظن بالله تعالى وبأبيكم، وخاصة أنه كان يؤدي الصلوات، وقد حج بيت الله الحرام، وقد أصابه من الأمراض مانرجو أن يكون كفارة لذنوبه؛ ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
ولم نقف على نص يفيد أن الموت في الحمام يدل على أنه عقوبة أو سوء خاتمة أو غير ذلك، بل هو قدر قدره الله وليست له دلالة، وأما ما ذكرته عن إخوان أبيك فلعك تقصد به أبناءه (إخوانك من الأب) وما فعله هؤلاء من مقاطعة أبيهم لايجوز وهم آثمون بذلك، وعليهم أن يبادروا بالتوبة منه إلى الله تعالى، ولكن ذلك لا يجوز أن يكون مبررا لحرمانهم من تركته أو نقص لنصيبهم منها، وعليكم أن تقسموا تركة أبيكم كلها على جميع ورثته بما في ذلك الدكان الذي خص به بعض الأبناء دون بعض.
وللمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 77286، 13611، 93877. وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(1/1514)
هل تبلى أجساد الصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الدود يأكل جسم الرجل الصالح في القبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن أجسام كل الناس صالحهم وطالحهم تبلى وتأكلها الأرض والديدان؛ إلا أجسام الأنبياء فإن الله عز وجل قد حرمها على الأرض، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسبق بيانه بالتفصيل في الفتوى رقم: 79727.
وقد يكرم الله تعالى بعض عباده فلا يتحلل جسمه كما ذكرنا في الفتوى المشار إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1429(1/1515)
الموت على مشاهدة برنامج إسلامي من علامات حسن الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الموت على مشاهدة برنامج إسلامي على التلفاز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن مشاهدة البرامج الدينية تعتبر من أعمال الخير والطاعة التي يؤجر عليها صاحبها إذا فعلها بنية صالحة؛ ومن مات على عمل طاعة بعث عليها.
فقد ورد في صحيح مسلم وغيره عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يبعث كل عبد على ما مات عليه.
وفي الديباج على مسلم: يبعث كل عبد على ما مات عليه أي على الحالة التي مات عليها.
وعلى ذلك؛ فإن الموت على مشاهدة برنامج إسلامي من علامات حسن الخاتمة، وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11474، 103454، 63546.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1429(1/1516)
الخوف من الموت بين المدح والذم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كل يوم أخاف من الموت وأفضل أن أفكر في الموت كل وقت وفيه أناس يقولون من سيموت يحس قبلها بـ 40 يوم وساعات أقعد في الشقة لوحدي وأبكي ولما أفكر لا أحب الخروج من البيت وأريد أن أنام وفيه أناس يقولون لي لا يوجد شيء اسمه تشعر بالموت قبلها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قضى الله سبحانه وتعالى بالموت على كل نفس، فقال سبحانه وتعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ {آل عمران:185} ، وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} ، وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {العنكبوت:57} ، ثم إن الإكثار من ذكر الموت مطلوب، فقد قال صلى الله عليه وسلم: أكثروا من ذكر هادم اللذات، يعني: الموت. رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح.
والخوف من الموت منه ما هو محمود وهو الباعث على الإكثار من الأعمال الصالحة والبعد عن المعاصي ليلقى الخائف ربه وهو عنه راض، وأما المذموم فهو ما كان بسبب الحرص على الحياة الدنيا والإعراض عن الآخرة ... وبناء على هذا إذا كان خوفك من الموت من النوع الأول فلا بأس بذلك وإن كان من النوع الثاني فإنه من أمراض القلوب، فينبغي أن تحرص على علاجه، ثم إنا ننصحك إذا خرج خوفك من الموت عن حد الاعتدال أن تراجع الطب النفسي فقد يكون لديه علاج لما تعانيه.
وأما بخصوص ما ذكرت من أن من سيموت يحس بذلك قبل موته بأربعين يوماً فغير صحيح، لكن قد يدرك بعض الناس قرائن تدل على قرب موته، لكن أن يكون ذلك محدداً بأربعين يوماً ونحوها ليس صحيحا، وللمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8181، 20623، 46471.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1429(1/1517)
عرق المؤمن وتبسمه وبياض وجهه عند موته
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفادتي في هذا الموضوع أنا والدي توفاه الله منذ شهر وأريد أن أقص عليكم كيف توفي أريد أن أعرف ما معني كل شيء حدث معه ... كان في المستشفي لمدة يومين ولم يجزع من الألم مع رغم أن حالته كانت سيئة كان عنده ذبحة قلبية ولم يظهر الألم أبداً وكان هادئا جداً جداً، قبل وفاته بساعات كان يعرق عرقا شديدا، لقد توفي وهو يجرى له عمليه قلب جراحية، عندما توفي كان مبتسما ووجهه أبيض وعندما غسل كان وجهه منيراً والجنازة كانت سريعة وصلى عليه ناس كثيرون.. فهل هدوؤه وابتسامته وبياض وجهه تدل على أنه ملك الموت قال له في أذنه إن الله راض عنه أم ليس بشرط وسمعت أن من يتوفي أثناء عمليه جراحية يكون شهيدا، فهل عرق الجبين معنى أنه مغفور له بإذن الله وما معنى سرعة الجنازة فأرجوكم أرجوكم تفسير كل شيء حدث وكل العلامات هذه بالتفصيل ما معناها أنا آسفه لإطالتي عليكم لكن أرجوكم إفادتي أريد أن أطمئن؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لميتكم الرحمة ولكم الصبر والأجر، وما ذكرته في كلامك من صبر الوالد فهو علامة خير، وبشرى حسنة فالصبر الجميل الذي لا شكوى معه علامة من علامات محبة الله لعبده، كما قال سبحانه: وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {آل عمران:146} ، وصاحبه ممن أثنى الله عليهم وبشره برحمته وأنه من المهتدين، قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة:155-156-157} ، ثم إن الشارع الحكيم قد جعل علامات يستدل بها على حسن الخاتمة، فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له، ومنها الموت بعرق الجبين، ففي الحديث عن بريدة بن الحصيب: أنه كان بخراسان فعاد أخا له وهو مريض فوجده بالموت وإذا هو يعرق جبينه فقال الله أكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: موت المؤمن بعرق الجبين. رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه، وصححه الألباني فكون والدك كان يعرق بشدة مما يستبشر له به.
ولا نعلم نصاً صحيحاً صريحاً بأن التبسم عند الموت يدل على أن ملك الموت قال للميت في أذنه إن الله راض عنه، ولكن ورد في عدة أحاديث ما يفهم منها أن إشراق الوجه واستنارته عند الموت يدل على حسن الخاتمة، وقد فصلنا الكلام على ذلك عند الكلام على علامات حسن الخاتمة في الفتوى رقم: 29018 فلتراجعيها.
وقد ورد ذكر من يعدون من الشهداء في مجموعة أحاديث ذكرناها في الفتوى رقم: 34588 فلتراجع، وليس فيها أن من مات بعملية جراحية يعد من الشهداء، لكن يرجى أن يكون منهم إذا كان في ميتته شدة، ثم إن السنة الإسراع بالجنازة، ففي صحيحي البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم. ولكننا لا نعلم من الشرع ما يدل على أن تيسر الإسراع بدفن الميت من علامات حسن خاتمته أو عكسه، وكلما كثر عدد المصلين على الميت كان خيراً له، ففي صحيح مسلم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه. ثم ينبغي أن تعلمي أن ظهور شيء من علامات حسن الخاتمة لا يلزم منه الجزم بأن صاحبها من أهل الجنة، ولكن يستبشر له بذلك، كما أن عدم وقوع شيء منها للميت لا يلزمه منه بأنه غير صالح فهذا كله من الغيب.. ونسأل الله حسن الخاتمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1429(1/1518)
ضمة القبر والموت في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[أيعذب الميت عذاب القبر ويضم ضمته إذا مات في رمضان؟ والله ولي التوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ضمة القبر لا ينجو منها أحد كما ثبت في الأحاديث، وقد ذكرناها في الفتوى رقم: 18370.
ولا نعلم للموت في رمضان دليلاً يفيد فضلاً له خاصاً ولا أنه من أسباب الأمن من عذاب القبر، إلا أنه ثبت أن من ختم له بصوم يوم محتسباً على الله عز وجل دخل الجنة رواه ابن شاهين وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 28530.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1429(1/1519)
هل تأتي روح الميت ليلة وفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه الحادثة حصلت معي ليلة وفاة والدي رحمه الله, كنت ذاهبة إلى الغرفة المجاورة لإحضار شيء وفجأة سمعت صوتا ينادي باسمي, لم يكن الصوت عاليا بل كان همسا ولم أسمعه جيدا لأنه اختفى بسرعة ولكني استطعت تمييز اسمي, التفت ورائي ظننت أنها أمي المستلقية على السرير لكن عندما اقتربت وجدتها نائمة, اندفعت مسرعة إلى غرفة أخي فوجدته يجوب الغرف كأنه يبحث عن شيء, فسألته ماذا يفعل فقال إنه سمع صوتا يشبه صوت إنسان يهمس لكن لم يفهم شيئا وقد كان مغمض العينين يحاول النوم عندما سمع هذا الصوت فأخبرته بقصتي, وبقينا في حيرة. بعد أيام من هذه الحادثة أخبرت بعض أقربائي فقالوا إنه خيل إلي ولكنني كنت في كامل وعيي ثم قالت بنت عمي هذه روح أبيك, الرجاء إذا عندكم تفسير لهذا إخباري به بوضوح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لا نعلم ما يدل من كتاب ولا سنة على أن روح الميت ليلة وفاته أو غيرها، تزور أهله في حال اليقظة وتناديهم، ولا نرى ذلك إلا من تلبيس الوساوس، فاستعيذي بالله من هذا واقرئي المعوذات وآية الكرسي، يصرف الله عنك هذا، أما في حالة المنام فهو واقع كثيرا أن يرى الإنسان الأموات، ويكلمونه أقرباء وغيرهم، ولها عند أهل التعبير معان تنظر في محلها بحسب الرائي والرؤيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1429(1/1520)
علامات الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أعرف علامات الموت على أحد الأشخاص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من علامات قرب الموت الحشرجة وضيق الصدر من المريض، ومنها الغرغرة التي وردت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرر. رواه أحمد وغيره.
هذا، وبإمكانك أن تسأل أهل الاختصاص من الأطباء عن العلامات التي تكون قبل الموت.
وأما علامات موت الشخص ونهايته بالكلية والتي توجب له أحكام الميت فقد ذكر الفقهاء منها: شخوص البصر، وانقطاع النفس، وانفراج الشفتين، وسقوط القدمين، وانفصال الزندين، وميل الأنف، وامتداد جلدة الوجه، وانخساف الصدغين، وتقلص الخصيتين مع تدلي جلدتيهما أو غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1429(1/1521)
لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأجل نهاية العمر من الله عز وجل؟ أم مثلا دخل شاب مستشفى من أجل مغص أصابه لكن نتيجة تأخير الأطباء وعدم الاعتناء بالمريض كان معه جلطة قلبية خفيفة لكن تأخر الكادر الطبي أصبحت الجلطة حادة وهذا الشاب كان من المحافظين على الصلاة وإصلاح ذات البين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرحم هذا الشاب وجميع موتى المسلمين ...
وبخصوص السؤال فإنه غير واضح ولعل السائل الكريم يسأل عن الأجل؛ فإن كان الأمر كذلك فإن أجل كل حي محدد وإن تعددت أسباب الموت فإنه لا يتقدم ولا يتأخر عن وقته، كما قال الله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ {الأعراف:34} وكما قال تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المننفقون، 11) .
وعلى ذلك، فإن الذي يموت بسبب المغص أو الجلطة أو حادث السير أو بدون سبب، فكل ذلك بعد استكمال رزقه وأجله، وكل شيء في هذا الوجود بمقدار عند الله تعالى، ولكن هذا لا ينفي التقصير عن الكادر الطبي الذي قصر في علاجه.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 14623، 104316، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1429(1/1522)
فضل الموت يوم الجمعة أو ليلته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سمعت أن من مات في يوم الجمعة لن يعذب في القبر، فأنا أريد أن أعرف متى يدخل وقت يوم الجمعة ويخرج، مع الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن مات في ليلة الجمعة أو يومها وقاه الله تعالى عذاب القبر قد ورد هذا في حديث صحيح أو حسن بمجموع طرقه، كما ذكر الشيخ الألباني في أحكام الجنائر، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 72241.
فالوقت في هذا الحديث شامل لليلة الجمعة ويومها ويبدأ من غروب الشمس يوم الخميس ويستمر حتى غروب شمس يوم الجمعة ودخول وقت ليلة السبت، فليلة الجمعة تابعة ليومها في الفضل، كما تقدم بيان ذلك في الفتوى رقم: 73804.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1429(1/1523)
الموت بحادث سيارة يوم جمعة وبياض الوجه بعد الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي زوجي وابنتي صباح يوم الجمعة في حادث سيارة أثناء ذهابنا لأداء العمرة، وكان وجه زوجي بعد الوفاة شديد البياض مع أن لون بشرته أسمر وتوفي وعلى وجهه ابتسامة واضحة، هل يعتبر زوجي وابنتي رحمهما الله من الشهداء؟ وهل تحاسب ابنتي رحمها الله يوم القيامة مثل الأشخاص الكبار في السن؟ مع أن عمرها 14 سنة وبلغت سن التكليف وهي محافظة على جميع أمور دينها والحمد لله. وجزاكم الله خيراٌ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يحسن عزاءك في زوجك وابنتك، ونسأله سبحانه أن يتقبلهما شهداء.
وما ذكرت من شدة بياض وجه زوجك بعد وفاته نرجو أن يكون علامة خير ودلالة على حسن خاتمته، وكونه قد مات وهو في طريقه لأداء هذه الطاعة العظيمة وفي يوم جمعة علامتا خير أيضا.
وقد ذكر بعض العلماء أن من مات في حادث سيارة ونحوها يعد في الشهداء لدخوله في عموم صاحب الهدم، وقد سبق بيان ذلك بالفتوى رقم: 15027.
ومن ظهرت عليه علامة من علامات البلوغ أو بلغ خمس عشرة سنة فإنه محاسب على أعماله التي عملها وقد يمن الله تعالى على بعض الناس فيدخلهم الجنة من غير حساب ولا عذاب.
وننصحك بالصبر وكثرة الدعاء لهما بخير.
ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 10024.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1429(1/1524)
مصير الأطفال الذين يموتون قبل البلوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لا نستطيع أن نقول إن الأطفال الذين يموتون هم من أهل الجنة حيث إن البعض يقول إن الطفل الذي قتله الخضر عليه السلام من أهل النار لأنه كان مكتوبا على جبينه أنه كافر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصبي الذي يموت قبل البلوغ يكون من أهل الجنة وهذا بالاتفاق إذا كان ولد المسلمين كما نقل عن الإمام أحمد ونقل عن بعضهم فيه خلاف.
وأما أولاد المشركين فاختلف فيهم إلى عدة أقوال ذكرها ابن القيم في طريق الهجرتين
وأما الغلام الذي قتل الخضر فيذكر بعض أهل العلم أنه كان بالغا وقيل إنه كان صبيا وكان قتله مشروعا في شريعة الخضر.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 99760، 61827.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1429(1/1525)
حال الميت قبل الموت وبعده
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي حال الميت من ساعة الاحتضار إلى الموت؟ ومتى تطلع الروح.... ما يصير له عندما يغسل وعندما يصلى عليه وعندما يدفن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فأن حال الميت يختلف باختلاف حال دينه، فحال روح المؤمن تختلف عن حال روح الكافر والفاجر.
وأما طلوع الروح فيكون عند انتهاء الأجل كما قال الله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ. {الأعراف:34}
ومن أماراتها شخوص البصر للسماء، وتوقف النبض، ولم يثبت عندنا ما يبين ما يحصل له بعد التغسيل والصلاة عليه، ولكن بعض الناس يحصل لهم أحيانا بعد الموت تغير في أحوالهم، فمنهم من يبيض وجهه، وتظهر عليه أمارات الاستبشار، ومنهم من يسود وجهه وتظهر عليه أمارات الاستياء. وقد ذكر أهل العلم أن على غاسل الميت أن يستر حاله السيئة.
وبعدما يدفن الميت يأتيه ملكان ويسألانه ويختلف حينئذ حال المؤمن وغيره. وعلى المسلم أن يستعد للقاء الله ويحقق الإيمان قبل الموت لقوله تعالى: فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
وقد بسطنا الكلام عن الموضوع في عدة فتاوى سابقة فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 67788، 104316، 16905، 71977، 14876، 65944.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1429(1/1526)
الدموع على وجه الميت هل تدل على شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد رأيت دموعاً على وجه أبي عندما ذهبنا لنتعرف على جثمانه فما معنى هذه الدموع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع على دلالة أو معنى لما سألت عنه من أثر الدموع على وجه الميت ولعله يكون خيراً إن شاء الله تعالى، ونسأل الله تعالى الرحمة والمغفرة لأبيك ولجميع موتى المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1429(1/1527)
الموت أيام الخميس والجمعة والفطر والعيد والأضحى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حكم شرعي خاص بوفاة المسلم في يوم الخميس أو الجمعة أو ليلتيهما أو أيام عيدي الفطر والأضحى أو يوم عرفة كأن يغفر الله للميت أو يخفف عنه الحساب أو غير ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الموت يوم الجمعة أو ليلتها ورد الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في فضله، وكذلك الموت في حال التلبية بالإحرام.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من مات من المسلمين يوم الجمعة أو ليلتها وقاه الله تعالى فتنة القبر.. فقد قال عنه صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر. رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني.
وأما من توفي يوم عرفة فإن كان محرما فقد قال عنه النبي- صلى الله عليه وسلم- إنه يبعث يوم القيامة ملبيا أو مهللا، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل وقصته راحلته فمات وهو محرم فقال كفنوه في ثوبيه واغسلوه بماء وسدر ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة يلبي. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
وإذا كان الميت غير محرم فلم نقف على شيء يخصه، وكذلك الموت أيام العيدين والخميس لم نقف على فضل يخصها إلا إذا كان هناك سببا آخر كمن مات على عمل صالح أو كان آخر كلامه لاإله إلا الله..
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التاية: 45855، 30723، 94050.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1429(1/1528)
الموت أيام الخميس والجمعة والفطر وعرفة والأضحى
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من البعض أنه إذا مات الإنسان يوم الخميس أو الجمعة أو في ليلتيهما أو في أحد أيام عيدي الفطر أو الأضحى، أو يوم عرفة فإن الله يغفر ذنوب ذلك الإنسان.
فما مدى صحة هذا الكلام، وهل هناك حكم شرعي أو أي شيء يتعلق بموت الإنسان في أحد هذه الأيام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكلام الذي ذكرته لم نقف على ما يدل على ثبوته مع التنبيه على ما يلى:
1ـ بالنسبة لموت الإنسان ليلة الجمعة أويومها فإنه ينجومن عذاب القبر فقد ورد حديث فى ذلك يصل بمجموع طرقه إلى درجة الحسن أوالصحة كما قال الشيخ الألباني، وراجع فى ذلك الفتوى رقم: 28696.
2ـ إذا مات الشخص محرما بالحج فى يوم عرفة أو قبلها أو بعدها قبل أن يتحلل من إحرامه أومات محرما بالعمرة فى أي يوم من الأيام فإنه يغسل بماء وسدر ويجَنب كل ما فيه طيب مع عدم تغطية رأسه.
ففي كتاب الأم للإمام الشافعى: (قال الشافعي) وإذا مات المحرم لم يقرب طيبا وغسل بماء وسدر ولم يلبس قميصا وخمر وجهه ولم يخمر رأسه يفعل به في الموت كما يفعل هو بنفسه في الحياة أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فخر رجل محرم عن بعيره فوقص فمات فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما فإنه يبعث يوم القيامة مهللا أو ملبيا.
قال ابن قدامة المغني: (والمحرم يغسل بماء وسدر, ولا يقرب طيبا, ويكفن في ثوبيه, ولا يغطى رأسه , ولا رجلاه) إنما كان كذلك لأن المحرم لا يبطل حكم إحرامه بموته, فلذلك جنب ما يجنبه المحرم من الطيب, وتغطية الرأس, ولبس المخيط, وقطع الشعر روي ذلك عن عثمان وعلي وابن عباس. وبه قال عطاء والثوري والشافعي وإسحاق. وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة: يبطل إحرامه بالموت, ويصنع به كما يصنع بالحلال. انتهى.
3ـ ثبت عن أبى بكرالصديق رضي الله عنه تمني الموت فى يوم الإثنين تبركا بذلك لموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا اليوم وراجع الفتوى رقم: 59789.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1429(1/1529)
ماتت بداء البطن بعد أداء مناسك الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد توفيت أمي بعد أن أدت مناسك الحج كلها وكانت ما زالت على الإحرام وقبل طواف الوداع ودفنت بجدة ولكن من قاموا بتكفينها قاموا بتغطية وجهها، وقد علمت أن الحاج يأتي يوم القيامة ملبياً، فهل هذا صحيح وما حكم ذلك، وما حكم من توفى بعد أن أدى مناسك الحج ودفن بجدة وليس بمكة، وهل كان يجب علي أن آمر بدفنها بمكة، علما بأني لم أكن معها وكنت في بلدي ولم أستطع السفر، فهل أمي من الشهداء علما بأنها توفت مبطونة يوم الخميس مساء ونطقت بالشهادة وكانت مبتسمة وقيل لي إن ما كان بها من بقع بنية قد زالت، فهل هذا صحيح? جزاكم الله خيراً.. وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل والدتك في الشهداء حيث إنها ماتت مبطونة، والمبطون معدود في الشهداء إضافة إلى موتها بعد أن أكملت مناسك الحج مباشرة.
أما فيما يتعلق بإحرامها فما دامت قد أتمت مناسك الحج كما قلت فقد حلت من إحرامها، ولا يتوقف حلها على طواف الوداع، كما أنه لا حرج في دفنها في جدة.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 70646، 34588، 32917.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1429(1/1530)
الموت من أبلغ الرسائل للمقصرين والعصاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أمس توفي شاب أعرفه بسن ال17 وهو يعتبر في سني فأنا شاب لا أصلى وحياتي كلها أغاني فهل موت هذا الشاب رسالة موجهة إلي من الله عز وجل ليحثني على التوبة سريعا علما بأن هذا الشاب كان مثلي تماما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالموت من قضاء الله وقدره، كتب الله ذلك على كل نفس، وموت الأقران والخلان لا شك أنه من أعظم الدوافع للمسلم الكيس الفطن على أن يراجع نفسه ويفيق من غفلته ويتوب إلى الله ويحسن الاستعداد للقائه، كما أنه بمثابة رسالة متكررة إلينا من الله لينبهنا ويوقظنا من غفلتنا، ولذا تعدد ذكره في كتاب الله تعالى في خمسة وثلاثين موضعا منها قوله سبحانه: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. {الجمعة:8}
وفي الحديث الذي رواه الطبراني -وإن كان ضعيفا- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالموت واعظا.
وأي واعظ أبلغ من هذا الواعظ، فبينما ترى للإنسان وجها مضيئا وجسدا حيا وعقلا مدبرا وإذا بالموت ينزل به فيذبل ذلك الوجه المضيء، ويموت الجسد الحي، ويتحول الإنسان إلى جثة هامدة لتوارى في التراب، فينبغي للعاقل الحازم أن يتذكر تلك اللحظات ولا يغتر بما هو فيه من العافية والسلامة، فالموت يأتي بغتة.
وقد روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رجل من الأنصار: من أكيس الناس وأكرم الناس يا رسول الله؟ فقال: أكثرهم ذكرا للموت، وأشدهم استعداد له، أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة. وجود إسناده العراقي رحمه الله.
وصدق من قال:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته * يوما على آلة حدباء محمول.
قال الحسن البصري رحمه الله: فضح الموت الدنيا، فلم يترك لذي لب فرحا، والموت على ما فيه من أهوال وشدائد، إلا أنه باب يدخل منه إلى غيره فإما نعيم وإما جحيم، فليستعد العاقل لتلك اللحظات، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. انتهى
فيجب عليك أيها الأخ أن تتوب إلى الله توبة نصوحا وتبادر إلى الالتزام بالصلاة وفرائض الدين قبل أن يبغتك الموت وأنت على الحال التي وصفت فتندم حيث لا ينفع الندم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1429(1/1531)
إن للموت لسكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهب أحد الصالحين إلى عيادة مريض في آخر أيام حياته.. فلما حضر عنده وجده في حالة الاحتضار.. قال له: كيف تجد مرارة نزع الروح، قال المريض: إني لا أجد أي مرارة بل أحس بطعم حلو في فمي ... تعجب الرجل الصالح من كلام المؤمن.. لأنه من المتعارف عند الجميع أن نزع الروح من الأمور الشاقه والمرة.. التي يواجهها كل إنسان ساعة خروجه من هذه الدنيا.. فلما رأى المريض حالة التعجب والحيرة في وجه الرجل.. قال له: يا هذا لا تتعجب، إني سمعت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أكثر من الصلاة عليّ سوف لا يجد السوء والأذى ساعة الاحتضار. وإني منذ مدة طويلة أُكثر من الصلاة على محمد وآل محمد وصحبه الكرام، لهذا أجد من جراء ذلك دوام السعادة والخير وخصوصا هذه الساعة.. بصراحة أشك في هذه القصة لأنه لا يوجد سند للحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا بحثنا عن هذا الحديث في المراجع التي بين أيدينا ولم نجد له أصلاً، فالظاهر أنه موضوع، وظاهر الأدلة أن كل أحد يذوق شدة الموت وسكرته، كما نص عليه الألوسي في تفسيره، وقد أصاب هذا أفضل الخلق محمداً صلى الله عليه وسلم فكان ساعة احتضاره يقول: لا إله إلا الله إن للموت لسكرات. كما في حديث البخاري.
وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54685، 67788، 71977.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1429(1/1532)
نطق المحتضر بالشهادتين
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة. هل نقول لا إله إلا الله كما في نص الحديث فقط أو أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، أرجو التوضيح لأني في حيرة، وخصوصا أنه المنتشر بين بعض الناس نطق الشهادتين، وما صحة الحديث..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأولى بالمحتضر أن يحرص على النطق بكلمتي التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، كما يفيده كلام ابن حجر في الفتح وكلام المباركفوري في شرح الترمذي، وراجع الفتوى رقم: 34922.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1429(1/1533)
الآجال بيد الله سبحانه لا يزاد فيها ولا ينقص منها
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي توفيت قبل أيام ووصلت إلى المستشفى وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة ... الذي يحيرني ما قاله أحد الأطباء بأنه لو أسرعنا في إحضارها إلى المستشفى كانت قد بقيت على قيد الحياة وأنه قد يتم إنقاذها ... فأ رجوكم ما قولكم وما الحكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الأعمار بيد الله تعالى والآجال محدودة، وعلى المسلم أن يرضى بما قدره الله تعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعظم أجركم ويحسن عزاءكم ... وما دمتم لم تفرطوا ولم تتركوا الأسباب لعلاج أمكم فقولوا: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان، وترحموا على أمكم واسألوا لها الله المغفرة والرحمة والرضوان ...
ولا معنى لقول الطبيب المذكور ولا يترتب عليه حكم، ولتعلموا أن الآجال بيد الله سبحانه وتعالى، قدرها وحددها، فلا يزاد فيها ولا ينقص منها، قال الله تعالى: وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {المنافقون:11} ، وقال تعالى: فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {الأعراف:34} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1429(1/1534)
مات من فرحته بتسجيل فريقه هدفا
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب مسلم.. وفي أثناء تشجيع فريقه في مباراة كرة قدم سجل فريقه هدفا ومن فرحته قام صائحا فرحا
ثم وقع على الأرض ومات فما حكم موتته هذه، وهل هو شهيد حب الوطن وهل هذه حسن خاتمة أم سوء خاتمة..؟ نفع الله بكم الإسلام والمسلمين وزادكم رفعة وتمكينا وجعل كلامكم وموقعكم نبراسا لكل المسلمين
وأبعد عنه أيدي العابثين ... اللهم آمين.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الشهادة أمر غيبي لا يمكن الحكم به لأحد إلا عن طريق الوحي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم الرياضة ومشاهدتها وتشجيع أهلها والدعاء لهم.. في عدة فتاوى منها الفتوى رقم: 18809، والفتوى رقم: 100958.
وأما الشهادة فهي من الأمور الغيبية التي لا تعلم إلا عن طريق الوحي وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث عن عدد من الشهداء ماتوا بأسباب مختلفة وليس من بينها السبب المذكور، وقد ذكرنا طرفاً من هذه الأحاديث في الفتوى رقم: 5278، والفتوى رقم: 26390.
وبخصوص الشاب المذكور فأمره إلى ربه سبحانه وتعالى الغفور الرحيم ونسأل الله له الرحمة والمغفرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1429(1/1535)
لا يموت أحد قبل استيفاء أجله
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: هو هل الموت أجل وساعة محددة بالدقة
وهل يمكن أن تموت قبل أجلك بواسطة حادثة أو تدخين يقتلك قبل أجلك.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أجل الموت محدود لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يمكن موت أحد قبل أجله، فقد قال الله تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ {الأعراف: 34} ، وقال تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا {المنافقون:11} .
وفي حديث ابن حبان: لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها.
فإذا حان موت العبد أماته الله بحسب ما قدر له، فقد يموت من غير علة، وقد يموت بحادث سير أو قتل أو مرض أو غير ذلك من الأعراض، ففي حديث البخاري عن ابن مسعود قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: هذا الإنسان وهذا أجله محيط به، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 24155، 14623، 65944. .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(1/1536)
خواتيم الأعمال ومصير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى خاتمة الأعمال أي أن المسلم لو عمل من الأعمال خيرها وشرها ثم جاء واستهان بفعل عمل ما أي كما يقولون إذا عمل خيرا كثيرا وعمل سيئة ثم قبضت روحه فسيكون مصيره إلى النار والعياذ بالله؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الأعمال بخواتيمها فإن كانت كفراً فصاحبها في النار، وإن كان معصية وتاب منها أو عفى الله عنه فهو في الجنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخاتمة الأعمال أو الأعمال بخواتيمها -كما جاء في الحديث- فإن من كانت خاتمة حياته خيراً فهو من أهل الجنة، ومن كانت خاتمة حياته شراً، فهو من أهل النار، ثم إن كانت تلك الخاتمة مكفرة خلد في النار، وإن كانت معصية فقط فإن تاب منها غفر له وكان من أهل الجنة وكذا إن لم يتب ولكن حسناته كانت أكثر من سيئاته، وإن لم يتب منها وكانت سيئاته أكثر فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 34264، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1429(1/1537)
هل يمكن معرفة وقت الموت، ومكانه، والطريقة التي يتم بها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإنسان يعرف بنفسه أنه يموت أم لا، وما هو إحساس الإنسان إذا كان يموت، أرجو الإجابه سريعا وبالتفصيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالموت آية من آيات الله كتبه الله على عباده، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ {الأنبياء:35} ، وقد حجب الله عن عباده معرفة وقت الموت -في الغالب- ومكانه، والطريقة التي يتم بها، قال جل ذكره: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {لقمان:34} .
ولا مانع من أن يُطلِع الله بعض عباده على شيء من ذلك عن طريق رؤيا يراها في النوم أو ترى له أو فراسة منه أو من غيره ...
وينبغي للعاقل أن يكون مستعداً للموت دائماً فقد يأتي بدون مقدمات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1428(1/1538)
العبرات في سياق الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفادتي وجزاكم الله كل الخير ... بالنسبة للمتوفى عند طلوع الروح العبرات التي تسيل هل هي من سكرات الموت أم من فرحه لتبشير الملائكة له بالجنة أم من حزنه من معرفه منزلته من النار، فأرجو منكم إفادتي فهو موضوع يؤرقني كثيراً خاصة بعد رؤيتي لميت في سكرات موته ولم أجد منه ما يسوء سوى فيض عبراته، فهل هناك دليل شرعي على نزول هذه العبرات أم أن علمها عند الحي القيوم وشكراً لكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسكرة الموت لا بد منها لكل نفس، كما قال الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ {الأنبياء:35} ، وقال تعالى: وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ {ق:19} ، قال أهل التفسير: والمعنى أنها السكرة التي كتبت بموجب الحكمة وأنها لشدتها توجب زهوق الروح، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن للموت سكرات. رواه البخاري.
وقال صاحب روح المعاني: كل نفس تتألم بالموت ... لكن ذلك مختلف شدة وضعفا.
كما أنه قد ثبت في الخبر الصحيح أن المرء عند احتضاره يشاهد علامات الخير إذا كان مؤمناً وعلامات الشر إذا كان كافراً، فعن البراء بن عازب قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال فتخرج تسيل كما يسيل القطرة من في السقاء ... إلى أن قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله، قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ... الحديث رواه أحمد.
وأما أن تكون العبرات التي تسيل منه دليلاً على شيء من ذلك، فذلك ما ليس لنا إليه دليل وعلمه عند الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(1/1539)
الموت يوم الجمعة أو ليلته ومن صدمته سيارة هل يعد شهيدا
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي زوجي في حادث سيارة كان يقوم بتزويد السيارة بالماء ليلة الجمعة وله ابنة لا تتعدى الأربعين يوماً فهل هو شهيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكون زوجك قد توفي وابنته لا تتعدى الأربعين يوماً فإنه أمر محزن ولا شك، ولكنه ليس دليلاً على كونه شهيداً.
كما أنه قد وردت أخبار بأن الموت يوم الجمعة أو ليلتها دليل على حسن الخاتمة، ولكننا لم نقف على ما يفيد أن صاحبه شهيد، فقد روى الترمذي في جامعه من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، قال: وهذا حديث ليس إسناده بمتصل.
وذكر الحافظ ابن حجر: أن إسناده ضعيف. وقال الألباني في أحكام الجنائز: فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح. . فهذا الحديث إذا صح فإن فيه فضلاً لمن مات في يوم الجمعة أو ليلته وعلامة على حسن خاتمته.
وأما كون زوجك قد مات في حادث سيارة فهذا -وحده- هو الذي نرجو أن يكون به شهيداً، مع أنه لا يجزم له بالشهادة لعدم ثبوت نص فيه، فقد روى مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه قال: الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد.
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن من صدمته سيارة أو انقلبت به سيارته ثم تحطمت عليه فمات أنه ملحق بشهيد الهدم المذكور في الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(1/1540)
هل يحضر الشيطان الإنسان عند سكرات الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يأتي الشيطان عند سكرات الموت أم لا، وهل حديث (أحمد ابن حنبل) صحيح أم لا؟
جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
قد ذكر بعض أهل العلم آثارا وحكايات تدل على أن الشيطان يحضر ابن آدم عند موته ليضله فيختم له بسوء..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الإمام القرطبي - في كتابه التذكرة في أحوال الآخرة تحت عنوان: باب ما جاء أن الميت يحضر الشيطان عند موته وجلساؤه في الدنيا وما يخاف من سوء الخاتمة - حديثا بصيغة التمريض فقال: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا كان عند الموت قعد عنده شيطانان الواحد عن يمينه والآخر عن شماله فالذي عن يمينه على صفة أبيه يقول له: يا بني إني كنت عليك شفيقا ولك محبا ولكن مت على دين النصارى فهو خير الأديان، والذي على شماله على صفة أمه تقول له: يا بني إنه كان بطني لك وعاء وثديي لك سقاء وفخذي لك وطاء ولكن مت على دين اليهود وهو خير الأديان. ذكره أبو الحسن القابسي في شرح رسالة ابن أبي زيد له وذكر معناه أبو حامد في كتاب كشف علوم الآخرة وذكر القرطبي حكايات تدل على ذلك.
وقد فسر بعض أهل العلم قول النبي- صلى الله عليه وسلم- في دعائه الذي علمه لأمته.. وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت.. الحديث رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه الألباني - فسروا ذلك بقولهم: أي يصرعني ويلعب بي ويفسد ديني أو عقلي، عند الموت: بنزعاته التي تزل بها الأقدام وتصرع العقول والأحلام، وقد يستولي على المرء عند فراق الدنيا فيضله أو يمنعه التوبة أو يعوقه عن الخروج عن مظلمة قلبه أو يؤيسه من الرحمة أو يكره له الرحمة فيختم له بسوء والعياذ بالله.
وعلى ذلك فالشيطان يحضر للإنسان عند سكرات الموت ليضله..
وإذا كنت تقصد بحديث أحمد قصة حضور الشيطان للإمام أحمد عند وفاته فقد ذكرها القرطبي في التذكرة كما ذكر غيرها مما يشبهها، وذكرها أبو نعيم في حلية الأولياء وعلق عليها بقوله: ولأحمد بن حنبل رحمه الله في ذلك سلف حق، كما ذكرها الذهبي في السير وعلق عليها بقوله: فهذه حكاية غريبة تفرد بها ابن علم فالله أعلم.
وهذا يدل على أن في نفسه منها شيئا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1428(1/1541)
المقتول في الغرب ظلما هل يعد شهيدا
[السُّؤَالُ]
ـ[المقتول في بلد غربي مظلوم وهو يبحث عن لقمة العيش وكان كريما جداً مع كثرة التبرع للخير وكان لا يصلي، فما حكمه هل هو من الشهداء؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الحكم بالشهادة لشخص لا بد أن يستند إلى نص من نصوص الوحي، فإن كان الشخص المذكور قتل دون نفسه أو أهله أو ماله ... فهو شهيد إن شاء الله تعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم تارك الصلاة واختلاف أهل العلم فيه، وهل يعتبر شهيداً إذا قتل دون نفسه أو دينه أو ماله أو غير ذلك من أسباب الشهادة إذا لم يتب بناء على الحكم عليه بالإسلام أو الكفر، فمذهب الجمهور أنه مسلم عاص بترك الصلاة محاسب عليها إذا لم يغفر الله له، وله حكم الشهادة وأجرها، وذهب بعضهم إلى أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر ... ولا حظ له في الإسلام ولا الشهادة.. انظر تفاصيل ذلك وأدلته في الفتوى: 23310.
وأما كونه مظلوماً فإن كان قتل وهو يدافع عن نفسه أو أهله أو ماله فهو شهيد إن شاء الله تعالى كما جاء في الحديث، والعبرة بما مات عليه الشخص لا بالمكان الذي مات فيه، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 95355، والفتوى رقم: 16290.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(1/1542)
من قتل برصاص قناص هل يكون شهيدا
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي أبي يوم الخميس المصادف30/8/2007 وقد قتل برصاصه قناص مجهول ولا نعرف هل هو مسلم أم غير مسلم وقد من الله على أبي العام قبل الماضي بالحج في بيته الحرام فهل يعتبر أبي من الشهداء؟؟؟؟؟ وقد مات ليلة الخميس على الجمعة فما فضل ذلك اليوم عند الموت؟ والله يشهد أن أبي لم يدخل مالا حراما قط؟
ونتمنى من حضرتكم الدعاء له ... وجزاكم الله خير الجزاء ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد خبر مختلف في صحته في وفاة الجمعة. روى الترمذي في جامعه من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، قال: وهذا حديث ليس إسناده بمتصل.
وذكر الحافظ ابن حجر: أن إسناده ضعيف. وقال الألباني في أحكام الجنائز: فالحديث بمجموع طرقه حَسَنٌ أو صحيح.
فهذا الحديث -إن صحَّ- ففيه فضل لمن مات في يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وهي الليلة التي تعقب يوم الخميس. وأما الوفاة نهار الخميس فلم نقف على شيء فيها.
ثم إن مجرد كون أبيك قد قتل برصاصة قناص مجهول لا يكفي لاعتباره شهيدا، لكن الثابت بالأدلة الصحيحة هو أن من قتل دفاعاً عن دينه أو عرضه أو نفسه أو ماله فهو شهيد. فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد. رواه الترمذي.
وعلى أية حال، فالحمد لله على أن منَّ على أبيك العام قبل الماضي بالحج، وأن ماله لم يدخله حرام قط، فهذا فضل كبير. ونسأل الله أن يرحمه ويجعل الجنة مثواه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(1/1543)
مدى اختلاف الشعور بسكرات الموت بين من مات فجأة أو على فراش المرض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يختلف الشعور بسكرات الموت عند من مات على فراش الموت وعند من قبضت روحه وهو نائم أو من مات فجأة (أي بسرعة) ؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن من قبضت روحه وهو نائم أو مات فجأة قد يكون شعوره بالسكرات أخف بالنسبة ممن عانى السكرات وهو يقظان وبقي في النزع وقتاً طويلاً، وعلينا أن نهتم بالإعداد للموت قبل نزوله، وأن نكثر من تذكره والبدار بالتوبة وأداء الواجبات والحقوق قبل مباغتته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1428(1/1544)
الأرزاق والآجال بيد الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نفسر موت بعض الناس من الجوع والله الرزاق موجود؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الأرزاق والآجال بيد الله تعالى، فإذا حان الأجل انقطع الرزق وانتهت الحياة بأي سبب قدره الله تعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات؛ بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد..
فأجل الإنسان- أو غيره من الكائنات الحية- إذا حان انقطع رزقه ومات بأي سبب من الأسباب التي قدرها الله عز وجل في سابق أزله بالجوع أو العطش أو الغرق أو الشبع أو الري أو غير ذلك من الأسباب المتعددة ونتيجتها واحدة هي انتهاء الحياة المحددة.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتوى: 7964.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1428(1/1545)
سبب الخوف من الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[كفى بالموت موعظة لمن يتعظ، لماذا يخاف الناس من الموت مع أنه أريح من الحياة، وأنه سيأتي زمان لو كان الموت بمال لاشتراه الناس، فلماذا نخاف من الموت حتى ولو كنا نفعل الخير؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخوف من الموت نوعان: أولهما: مركوز في طبيعة البشر وهذا غير مذموم لأنه خارج عن نطاق التكليف ولا دخل للإنسان في حصوله، وثانيهما: مذموم وهو الوهن المذكور في الحديث بحيث يكون الإنسان حريصا على البقاء في الدنيا متمتعا بشهواتها وملذاتها غافلا عن الآخرة وما يتعلق بها، وراجعي الفتوى رقم: 80408.
وكون الموت أكثر راحة من الحياة إنما ذلك خاص بعباد الله المؤمنين حيث يستريحون من نصب الدنيا وتعبها، أما الكفار والمنافقون ونحوهما فإنهم يتعجلون القدوم على ما قدموه من كفر ومعاص، وعقوبتهم حينئذ أشد مما كانوا يعانونه وهم أحياء، وطول العمر خير للمؤمن على كل حال لأنه إن كان محسنا ازداد خيرا، وإن كان مسيئا قد يتوب إلى الله تعالى ويرجع.
ففي الصحيحين عن أبي قتادة بن ربعي أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال: مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب. انتهى
وقال صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. رواه الإمام مسلم وغيره.
وكون المؤمنين المحسنين قد يخافون الموت ويكرهونه فهذا الخوف قد يكون من قبيل المركوز في طبيعة البشر، وقد يكون حرصا على الازدياد من العمل الصالح، فقد ثبت النهي عن تمني الموت، ففي صحيح البخاري وغيره قال صلى الله عليه وسلم: لن يدخل أحدا عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا ولا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب.
وقال الحافظ ابن حجر فتح الباري: وفيه إشارة إلى أن المعنى في النهي عن تمني الموت والدعاء به هو انقطاع العمل بالموت، فإن الحياة يتسبب منها العمل، والعمل يحصل زيادة الثواب ولو لم يكن إلا استمرار التوحيد فهو أفضل الأعمال، ولا يرد على هذا أنه يجوز أن يقع الارتداد والعياذ بالله تعالى عن الإيمان لأن ذلك نادر، والإيمان بعد أن تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، وعلى تقدير وقوع ذلك وقد وقع لكن نادرا، فمن سبق له في علم الله خاتمة السوء فلا بد من وقوعها طال عمره أو قصر فتعجيله بطلب الموت لا خير له فيه، ويؤيده حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد: يا سعد إن كنت خلقت للجنة فما طال من عمرك أو حسن من عملك فهو خير لك. أخرجه بسند لين. انتهى
وللفائدة راجعى الفتوى رقم: 61967.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1428(1/1546)
أناط الله حياة الإنسان بالروح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد ملك الموت لوحده أم لديه أعوان ولماذا يموت الإنسان إذا نفذ الدم منه مثلا ولا تزال روحه فيه، فهل الروح هي السبب الوحيد للحياة ولا يؤثر أي عامل آخر على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ملك الموت واحد وله أعوان؛ كما دلت على ذلك نصوص الوحي من القرآن والسنة، قال الله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ {السجدة:11} ، وله أعوان؛ كما في قوله تعالى: حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُون َ {الأنعام:61} ، وقال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ {الأعراف:37} ، وسبق بيان ذلك بمزيد من التفصيل والأدلة في الفتوى رقم: 20657، والفتوى رقم: 57743 نرجو أن تطلع عليهما.
وأما كون الحي يموت إذا نفد دمه فلأن الدم هو الذي به قوام حياته فإذا خرج منه بالكلية خرجت منه الروح وفارق الحياة بالطبع، كما إذا أصيب مقتله في أي جزء من أجزاء جسمه ولو لم يخرج منه الدم، والروح هي النفخة الإلهية والسر الغيبي الذي أودعه الله تعالى في الجسم الحي وأناط بها الحياة وبدونها يصبح الجسم جثة هامدة، وهي مما استأثر الله بعلمه وحقيقة كنهه، فقال الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً {الإسراء:85} ، ومما يؤكد إعجاز القرآن ويوضحه للعيان أن الروح لا يعلم عنها إنسان القرن الواحد والعشرين -رغم ما وصل إليه من تقدم في مجالات المعارف- أكثر مما يعرفه عنها إنسان العصور الحجرية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1428(1/1547)
دلالة انهيار الزوجة بسبب وفاة زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال لأهل الشرع والدين ودور الإفتاء وعلمائنا الأجلاء: توفي ابن عمتي حسين معوض محمد السيد وهو زوج شقيقتي بسيارته النقل الثقيل على طريق دمياط بورسعيد الدولي يوم 10 ابريل الماضي بخطأ سائق سيارة نقل أخرى فلقي مصرعه في الحال، وفر السائق الآخر والتباع هاربين وعند تلقت شقيقتي هناء فياض نبأ وفاة زوجها من أحد الجيران ليلة الحادث الأليم اصيبت بانهيار عصبي شديد نتج عنه انفجار في شرايين المخ أدى إلى نزيف داخل المخ وتم نقلها إلى مستشفى طوارئ المنصورة وهي في غيبوبة شديدة وتم إجراء عملية جراحية لها أثناء إقامة سرادق عزاء زوجها ثم نقلت الى العناية المركزة وظلت في غيبوبة تامة حتى فارقت الحياة أمس الأربعاء 18 ابريل، رحل الأب والأم وتركا لنا طفلان الأكبر 7 سنوات والأصغر ثلاث سنوات، فما حكم وفاة شقيقتي هناء هل هي رمز للوفاء أم لكم رأي آخر؟، وما حكمكم على السائق الذي تسبب في هذه الكارثة؟ أفيدوني أفادكم الله كي يهدأ بالي أنا وباقي أفراد العائلة ولكم حسن الجزاء عند الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يحسن عزاءكم جميعا في هذين الفقيدين، ويجزل لكم المثوبة، ويجعل البركة فيما خلفاه من عقب.
وليس من شك في أن صدمة وفاة ابن عمتك كانت قوية جدا بالنسبة لشقيقتك، وهو أمر يبرره ما بينهما من الزوجية والقرابة، وأبوته لولديها، وغير ذلك مما يكون بين الزوجين عادة وهو دليل أيضا على حبها لزوجها وتقديرها لحاله.
وأما السائق، فإنه إن كان متعمدا لما جرى فإنه قد بالغ في الإثم، والعياذ بالله. قال الله تعال: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا السبع الموبقات ... وعد منها: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. والقاتل عمدا مستحق للقصاص إلا أن يعفو أولياء الأمر.
وإن لم يكن متعمدا لما جرى فإنه -على الأقل- مخطئ بفراره؛ لأن من واجبه أن يسلم نفسه للتحقيق، وتلزم عاقلته بالدية إذا ثبت تعديه في شيء مما حصل.
ولكنه قد لا يكون آثما بما حصل من الكارثة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. كما في سنن ابن ماجه وصحيح ابن حبان. فخطؤه بالفرار لا يلزم منه خطؤه في أصل الحادث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1428(1/1548)
الموت على عمل صالح من علامات حسن الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت صديقتي يوم 29 إبريل، كانت في نزهة مع زوجها وأبنائها وبعد أن توضأت لصلاة الظهر وكبرت تكبيرة الإحرام التفتت على صوت أحدهم وهو يقول السيارة السيارة وانقذت ابنها وعمره عامان والذي كان أمام سيارتهم التي نزلت من على تلة صغيرة فصدمتهاالسيارة وتوفيت، فهل هذا يعد من حسن الخاتمة، مع العلم كما ذكرت أنها كانت على وضوء وشرعت في الصلاة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله جل جلاله أن تكون خاتمة هذه المرأة خاتمة حسنة فقد تطهرت وقامت لتؤدي فريضة الله عليها وقد ذكر العلماء أن من علامات حسن الخاتمة الموت على طاعة لما صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله، قالوا كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته. رواه أحمد والحاكم والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقد دلت النصوص على أن الناس يبعثون على ما ماتوا عليه، من عمل وهيئة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: يبعث كل عبد على ما مات عليه. رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه، فنرجو الله تعالى أن تكون هذه المرأة ممن حسنت خاتمتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1428(1/1549)
الوفاة في مقتبل الشباب ويوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أستفسر عن ما ورد في السنة النبوية الشريفة حول المتوفى في مقتبل الشباب (25 سنة) ، حيث توفي هذا الشاب -رحمة الله عليه- فجر يوم جمعة، وكان هذا الشاب يصلي في الفترة الأخيرة من حياته، ولكن ليس بانتظام، وأود أن أسأل أيضاً عن الرؤيا التي يبلغني إياها بعض الأشخاص في المنام حول الحالة التي يمر فيها هذا الشاب في حياته البرزخية؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على نص أو حديث يخص موت الشباب إلا إذا كان الموت وقع فجأة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: موت الفجأة راحة للمؤمن، وأخذة أسف للفاجر. رواه أحمد في المسند وحسنه السيوطي.
وأما الموت يوم الجمعة أو ليلتها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر. رواه الترمذي. وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 30723، والفتوى رقم: 44484 نرجو أن تطلع عليهما، وفيما يخص المرائي التي ترى لهذا الشاب فنرجو أن تكون خيراً له، ونسأل الله لنا وله الرحمة ولجميع موتى المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1428(1/1550)
النهي عن تمني الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ما يحدث الآن من علامات الساعة الكبرى يشرع لي سؤال الموت أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان علامات الساعة وأشراطها الكبرى والصغرى في عدة فتاوى منها الفتوى رقم: 5563، والفتوى رقم: 283، نرجو أن تطلع عليهما.
وأما سؤال الموت وتمنيه فقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يتمنى أحدكم الموت؛ إما محسنا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب. أي يسترضي الله بالتوبة. وقال صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي.
ولذلك فلا ينبغي لك أن تسأل الموت أو تتمناه. وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 63509.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1428(1/1551)
من علامات حسن الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في الله لقد توفي والدي يوم الجمعة المنصرم بعد صلاة العشاء وقد أدى الشهادة وأشارة بسبابته اليمنى وعرق جبينه عرقا بارداً وكان والله يبتسم وبقي كذلك وكان في وجهه نور.... فهل هذه من علامات حسن الخاتمة وإني أسألكم بالله الواحد الأحد أن تدعوا الله تعالى له بالمغفرة والرحمة وأن يجعله الله في روضة من رياض الجنة وأن يدخله الله الفردوس الأعلى برحمته، فأرجوكم أرجوكم أن تخصصوا له دعوة في سجودكم باسمه وهو محمد أبو نور الدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
عظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم، وألهمكم الصبر.. ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى المغفرة والرحمة والرضوان لوالدكم ولجميع موتى المسلمين، وما ذكرته مما وقع لوالدكم من الوفاة يوم الجمعة والنطق بالشهادة وعرق جبينه ... كل ذلك دلائل حسن الخاتمة له -إن شاء الله تعالى- فقد روى الترمذي مرفوعاً وحسنه الألباني: ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر. وقال صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة. رواه أحمد وغيره وصححه الأرناؤوط. وقال صلى الله عليه وسلم: موت المؤمن من عرق الجبين. رواه النسائي.. إلى غير ذلك من الأدلة، وسبق بيان علامات حسن الخاتمة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29018، 28696، 73790 نرجو أن تطلع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(1/1552)
من أمارات حسن الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل جميع ما ذكر عن علامات حسن الخاتمة صحيح مما سأطرحه الآن؟
* الأولى: نطقه بالشهادة عند الموت.
* الثانية: الموت برشح الجبين.
* الثالثة: الموت ليلة الجمعة أو نهاره.
* الرابعة: الاستشهاد في ساحة القتال.
* الخامسة: الشهداء كثير.
* السادسة: الموت بالطاعون.
* السابعة: الموت بداء البطن.
* الثامنة والتاسعة: الموت بالغرق والهدم.
* العاشرة: موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها.
* الحادية عشر والثانية عشر: الموت بالحرق، وذات الجنب.
* الثالثة عشر: الموت بداء السِّل.
* الرابعة عشر: الموت في سبيل الدفاع عن المال المراد غصبه.
* الخامسة عشر والسادسة عشر: الموت في سبيل الدفاع عن الدين والنفس.
* السابعة عشر: الموت مرابطا في سبيل الله.
* الثامنة عشر: الموت على عمل صالح.
هل جميعها صحيحة؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته الأخت السائلة من علامات حسن الخاتمة صحيح دلت عليه الأدلة الصحيحة.
فأما النطق بالشهادتين عند الموت.. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة. رواه أحمد وأبو داود.
وأما الموت برشح الجبين.. فقد قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن يموت بعرق الجبين. رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه. قال العلماء: أي يشتد الموت على المؤمن بحيث يعرق جبينه من الشدة لتمحيص ذنوبه أو لتزيد درجته.
وأما الموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة.. فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر. رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني.
واما الاستهشاد في ساحة القتال.. فإن كان في سبيل إعلاء كلمة الله فهذا هو الشهيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. وقال الله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {آل عمران:169}
واما الموت بالطاعون وداء البطن والغرق والهدم والحرق والمرأة تموت في نفاسها.. فقد قال صلى الله عليه وسلم: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب الهدم شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، وصاحب الحرق شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة. رواه النسائي وغيره. والمقصود بالمرأة تموت بجمع أي في بطنها ولد. وقيل: البكر، وقيل تموت من النفاس سواء ألقت ولدها أو مات وهو في بطنها، وصاحب ذات الجنب قال في نوادر الأصول: هو صاحب السل.
وأما الموت دفاعا عن المال والعرض والنفس.. فقد قال صلى الله عليه وسلم: من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد، ومن قاتل دون دمه فهو شهيد، ومن قاتل دون أهله فهو شهيد. رواه النسائي بهذا اللفظ.
وأما من مات مرابطا في سبيل الله.. فقد قال صلى الله عليه وسلم: من مات مرابطا في سبيل الله أجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن من الفتان، وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع. رواه النسائي والترمذي وابن ماجه واللفظ له.
وأما من مات على عمل صالح.. فقد قال صلى الله عليه وسلم: فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل.. رواه الترمذي وحسنه ووافقه الألباني.
فمن ختم له بواحدة مما ذكر فقد ختم له بخير، ويرجى له أن ينال الجزاء المذكور. ونسأل الله تعالى أن يختم لنا بخير وهو راض عنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1428(1/1553)
الأجساد عرضة للتغيير والتحلل إلا أجساد الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك معتقد بأن من يدفن في أرض بعيدة يتم تأمينه لدى هذه التربة لحين يأتي الوقت الذي يتم نقله فيها إلى جهة أخرى؟ ويزعمون أنه يبقى على هيئته لايمسه أي تغيير في جسمه لمن هذا الاعتقاد؟ وما حكم من يؤمن به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا معتقد باطل ليس له سند من المعقول ولا من المنقول، وإن كان أحد يؤمن به فإنه يعتقد باطلا ويؤمن بخرافة. وعقيدة المسلم في هذا أن أجسام الناس كلهم عرضة للتغيير والتحلل واكل التراب إلا أجساد الأنبياء فإن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكلها كما في سنن النسائي وابن ماجه وغيرهما مرفوعا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم.
وأما نبش قبر الميت ونقله منه إلى مكان آخر لغير ضرورة أو مقصد شرعي صحيح فإنه لا يجوز، وقد بينا الأحوال التي يجوز فيها ذلك في الفتوى رقم: 21883، نرجو الاطلاع عليها وعلى ما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1428(1/1554)
من تردت من جبل فماتت فهل هي في منزلة الشهداء
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم السقوط من الجبل، حيث إن والدتي سقطت من على سطح جبل وكانت والحمد لله امرأة مستقيمة مربية لأيتام وكانت سقطتها على هيئة سجود وكانت متأثرة بجروح كثيرة ومتوفاة، فهل هي تعتبر في منزلة الشهداء الأبرار، أفيدوني وادعوا لوالدتي رحمها الله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الحافظ ابن حجر والبهوتي في كشاف القناع والحطاب في شرح مختصر خليل جملة من الشهداء وذكروا منها المتردي من رؤوس الجبال.
ونسأل الله لوالدتكم الرحمة والمغفرة، وأن يرزقكم حسن العزاء والصبر الجميل. وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 63081، 46232، 34588، 73790.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1428(1/1555)
لا يمكن أن يخطئ ملك الموت في قبض أرواح الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو هل الملائكة معصومون من الخطأ؟ بمعنى آخر هل يخطئون في تنفيذ الأمر الصادر لهم من الله تعالى , فكثيرا ما نسمع أن رجلا توفي ثم أحياه الله تعالى لأنهم أخطؤوا في اسمه لأن هناك شخصا يشبه اسمه. هل هذه القصص صحيحة أو ورد عن السلف الصالح ما يؤيدها؟ أفتونا جزاكم ألله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا بالفتوى رقم: 53555، أن الملائكة معصومون فلا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فهم لا يخطئون. وراجع الفتوى المذكورة.
وما يذكر من خطأ ملك الموت في قبض روح شخص معين وقبضه روح آخر -مثلا- فلا أساس له من الصحة، ولا نعلم في ذلك نصا من الوحي أو أثرا عن السلف. وتراجع الفتوى رقم: 97، والفتوى رقم: 753، والفتوى رقم: 30698.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1428(1/1556)
هل للشخص ورقة تسقط قبل وفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[صحيح أن الإنسان قبل ما يموت تسقط ورقته قبل أربعين يوما، وهل يشعر بقرب أجله؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صرحت نصوص الوحي من الكتاب والسنة بأن الأجل من الأمور الغيبية التي اختص الله تعالى بعلمها، قال الله تعالى: ... وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {لقمان:34} ، وهذا لا ينفي إحساس الإنسان بقرب موته عند إصابته بالأمور التي تسبب الوفاه عادة، وسبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 32668، والفتوى رقم: 69651 نرجو أن تطلعي عليهما.
وأما سقوط ورقة الشخص قبل وفاته فقد ذكره بعض أهل التفسير عند قول الله تعالى: وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {الأنعام:59} ، ولم يحدوا لذلك أربعين يوماً ولا غيرها، ففي تفسير فتح القدير للشوكاني قال: أخرج أبو الشيخ عن محمد بن جحادة في قوله تعالى (وما تسقط من ورقة) قال: لله تبارك وتعالى شجرة تحت العرش ليس مخلوق إلا له فيها ورقة، فإذا سقطت ورقته خرجت روحه من جسده. فذلك قوله (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) . وجاء مثل ذلك في طبقات المحدثين، ولم نقف على خبر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1428(1/1557)
رؤية الولد بعد موته والصبر على فقده
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ولدي توفي من سبعة أشهروهو عمره 16سنة توفي في حادث دائما أشوفه يفتح الباب علي أحيانا عندما أكون نائمة حتى وأنا جالسة وأراه فما تفسير ذلك؟
جزاكم الله خير أم فاقدة ولدها انقذونى من الكابوس.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لك الأجر والمثوبة، ولولدك المغفرة، وأن يجمعك به في جنات النعيم، ونعزيك ونذكرك بما في الصبر من الأجر العظيم، وقد قدمنا تفصيل ما فيه من الأجر في الفتوى رقم: 73790، فراجعيها ففيها بيان أجر الصبر وما يساعد عليه.
وأما رؤية الميت بعد موته فراجعي فيها الفتوى رقم: 18244.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1428(1/1558)
الخوف من الموت هل هو أكثر من المؤمن أم الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[من يخاف من الموت أكثر: المؤمن أم الكافر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخوف من الموت نوعان:
منه النوع الجبلي الذي أودعه الله بين جنبي كل امرئ من خلقه، وهذا النوع يشترك فيه المؤمن والكافر، وهو ليس مذموما، وهو الذي ورد في كلام عائشة رضي الله عنها لما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت، فقال ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر ... الحديث في صحيح مسلم وغيره.
وأما النوع المذموم فهو الذي يدل على ضعف الإيمان فهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوهن في الحديث الذي أخرجه أبو داود وأحمد عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت. وكراهية الموت من هذه الناحية تعني أن الإنسان يسرف في الملذات ويسعى لإشباع الشهوات، وكل ذلك بجهله لحقيقة الدنيا واغتراره بمظاهرها، فينفر من الموت نفورا زائدا؛ لأنه لا يرى بعده إلا الشقاء والبؤس. وهذا النوع أكثر في الكفار من المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1428(1/1559)
مستقر الأرواح عند النوم وبعد الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم المكان الذي تذهب إليه النفس عند الموت وعند النوم بالنسبة للطيبة والخبيثة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى حول مستقر الأرواح بعد الموت وعند النوم فانظري الفتوى رقم: 11722، والفتوى رقم: 41541، والفتوى رقم: 15281.
وينصح في هذا الباب بكتاب الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى واسمه (الروح) ، فقد عقد فصلا في المسألة الخامسة عشر بعنوان (أين مستقر الأرواح ما بين الموت إلى يوم القيامة) وذكر في المسألة التاسعة عشر أن الآثار عند الصحابة تظاهرت على أن روح المؤمن تسجد بين يدي العرش في وفاة النوم وفي وفاة الموت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1427(1/1560)
من نطق بالشهادتين عند موته يحكم بإسلامه
[السُّؤَالُ]
ـ[وهل أنتم تقولون عنه أيضا مجرم من بعد نطق الشهادتين عند الموت لا حاجة للفتوى بخصوص هذا الأمر وأنتم تعرفون من أقصد اللهم اشهد اللهم اشهد على ما يقولون أين الجهاد أطفئت من قلوبنا شعلة الجهاد وأنتم أعرف أن الجهاد سيقوم يوما ما لا محالة حسبي الله ونعم الوكيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت بنصوص الشرع أن من نطق بالشهادتين يحكم بإسلامه، وإذا وفق للنطق بهما عند الموت فهي علامة خير يرجى له بها يوم القيامة النجاة، ولا أحد يستطيع أن يحول بين رحمة الله ومن أرادها، وراجع الفتوى رقم: 80080.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(1/1561)
خوف المؤمن والكافر من الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المؤمن يخاف من الموت أكثر من الكافر فأنا والحمد لله ملتزمة ولكني أخاف من الموت كثيرا وكيف سأموت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من المهم أن نعرف أيهما أكثر خوفا من الموت المؤمن أم الكافر، فكلاهما يخاف الموت، ولكل سببه. فقد يكون الكافر أكثر خوفا حرصا منه على الحياة كما قال تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ {البقرة: 96} وقد يكون المؤمن أكثر خوفا لأنه يعلم أن القبر أول منازل الآخرة، فمن نجا منه فما بعده أيسر منه، ومن لم ينج منه فما بعده أشد منه، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رواه الترمذي وابن ماجه عن عثمان رضي الله عنه وهو حديث حسن، وقد سبق أن بينا أن تذكر الموت مرغب فيه شرعا. راجعي في هذا الفتوى رقم: 6603، ولكن ينبغي القصد في ذلك بحيث يكون دافعا إلى التوبة وإحسان العمل، ويحذر من الإفراط في تذكره على وجه يدخل المؤمن في وساوس قد تؤدي به إلى حصول أمور لا تحمد عقباها من الأمراض النفسية وغيرها، فيقعده ذلك عن عمل الصالحات وطلب المعالي، ويؤدي به إلى الوقوع في حبائل الشيطان واليأس من رحمة الرحمن، ومن هنا قال العلماء إنه ينبغي للمسلم أن يكون في هذه الدنيا بين الخوف والرجاء فهما جناحان يسير بهما العبد إلى الله، فبالخوف لا يقع في الأمن من مكر الله، وبالرجاء لا يقع في القنوط من رحمة الله. وراجعي لمزيد الفائدة الفتويين: 8181، 13448.
وأما قولك: كيف سأموت. إن كنت تعنين به الخاتمة الحسنة أو السيئة كما هو الظاهر، فإن لكل من حسن الخاتمة وسوئها أسبابا ينبغي للمسلم تحصيلها، فمن أهم أسباب حسن الخاتمة الاستقامة على طاعة الله والصدق مع الله، ومن أهم أسباب سوء الخاتمة الانحراف عن منهج الله والتجرؤ على معصيته. وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 58553، وإن كنت تعنين بذلك القول السبب الذي ستموتين به فإن التفكير في مثل هذا لا يجدي ولا ينفع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(1/1562)
كيف تجعل تذكر الموت نصب عينيك
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أجعل نفسي دائما تتذكر الموت وأهوال القبور. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فذكر الموت وما بعد الموت ينبغي أن يكون دأب كل مسلم؛ لما روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي واللفظ له، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فَأَكْثِرُوا من ذِكْرِ هَاذِمِ اللذَاتِ المَوْتِ، فَإِنّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلاّ تَكَلّمَ فيه يَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الغُرْبَةِ، وأَنَا بَيْتُ الوَحْدَةِ، وأَنَا بَيْتُ التّرَابِ، وَأَنَا بَيْتُ الدُودِ ... إِنّمَا القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النّارِ.
ولذكر الموت وسائل منها:
· الإكثار من تلاوة القرآن وتدبره، وتذكر ما أعده الله تعالى لأهل طاعته من الكرامة، وما أعده لأهل معصيته من الخزي والذل والندامة.
· الشعور بالتقصير في حق الله تعالى ... فإذا شعر العبد أنه مقصر في طاعته لربه كان ذلك سببا في نشاطه.
· زيارة القبور، ففي الحديث الشريف: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
· صحبة الصالحين؛ فإنهم نعم العون للعبد في طريقة إلى الله تعالى، يذكرونه إذا نسي، وينبهونه إذا غفل ويحببونه في الآخرة، ويزهدونه في الدنيا الفانية.
إلى غير ذلك من الأمور التي تجعل العبد يزهد في الدنيا ويقبل على الله صادقا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1427(1/1563)
الشخص الميت هل يمكن أن يعود إلى الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد توفّي عمي منذ 14 سنة في حادث سيارة. غسله وكفنه أخي. منذ بضعة أشهر أتى رجل إلى أخي وقال له إن عمي لم يمت بل هو مسحور في منطقة على هيئة حمار وأنه قد تم أخذه من قبره بعد دفنه من قبل بعض السحرة. ما صحة هذا الكلام؟ وهل هو جائز؟ طلب أخي دليلا فقال له الرجل إنه يريد مبلغا من المال على أن يأخذه معه. ف ماذا يمكننا أن نفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمثل هذا الكلام لا يقول به عاقل وأحرى من له شيء من الإيمان، فالموت عبارة عن انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها له، والإنسان إذا مات فإن روحه لا تعود إلى بدنه إلا في اليوم الذي يبعث فيه الناس من قبورهم، قال تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ تُبْعَثُونَ {المؤمنون:16} .
وجاء في الكتاب والسنة أن المرء إذا مات لا يعود إلى الدنيا أبدا، قال تعالى: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ {الأنبياء:95} . وروى أحمد في مسنده عن جابر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعلمت أن الله أحيا أباك فقال له: تمن، فقال له: أرد إلى الدنيا فأقتل فيك مرة أخرى، قال: إني قضيت الحكم أنهم لا يرجعون.
والكيفية التي يعاد بها خلق الإنسان للبعث قد وردت في صحيح البخاري وغيره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين النفختين أربعون.. ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، ليس من الإنسان شيء إلا يبلى؛ إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة.
وقد استثنى الله إحياء بعض من ماتوا على سبيل المعجزة لبعض الرسل، كما هو الحال في شأن عيسى عليه السلام.
وعليه، فلا يجوز للمسلم أن يعتقد مثل هذا الذي ورد في السؤال ولا أن يصدقه، بل الواجب إبلاغ الجهات المختصة بحال هذا المشعوذ الدجال لتنزل به ما يستحق من عقاب رادع له ولأمثاله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1427(1/1564)
إخبار الطبيب بقرب موت شخص هو احتمال لا يقين
[السُّؤَالُ]
ـ[حضرة المستشار المحترم
الموت لا يعرف وقته إلا الخالق
أنا مرت أمامي حالتان هي خالي وأختي واثنان منهم ماتا بالسرطان
بالنسبة لخالي الأطباء قالوا أيام معدودة وقام الأهل فعلا يحضرون القبر واللبس الأسود حتى بالنسبة لخالي الدكتور قال نصف ساعة.
وكذلك أختي نفس الشيء ما الذي يجعل الدكتور يقرر هذا الشيء؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا أحد يستطيع أن يجزم بالوقت الذي سيموت فيه أي إنسان؛ لأن هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مفاتيح الغيب خمس، ثم قرأ: إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {لقمان:34} .
وإذا أخبر الطبيب بقرب موت شخص، فإن ذلك يكون على سبيل الاحتمال والظن والترجيح والتخمين، فهو يستمد أدلته من أعراض المرض، ومن وسائل التشخيص المتاحة له، وهي أمور لا تفيد القطع، ولا مانع من أن يتوافق مرة ظن الطبيب وتخمينه مع الواقع، ولكن ذاك لا يبنى عليه شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1427(1/1565)
هل يتمثل الشيطان للمحتضر قائلا له مت يهوديا أو نصرانيا
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة عدة أحاديث لا أعلم درجة صحتها وهذه الأحاديث مفادها أن الإنسان المسلم في حالة الاحتضار يتمثل له الشيطان بأحب الناس إليه ويقول له مت يهوديا أو نصرانيا، ما صحة هذه الأحاديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك أن الشيطان حريص على إغواء العباد ولا يقنط منهم حتى يموتوا، فقد حلف على إغوائهم وإضلالهم، فقال: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ {ص:82} ، وقال أيضاً: وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ ... {النساء:119} .
وأما الحديث المسؤول عنه فقد ذكره جمع من شراح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ولم يعزوه لشيء من كتب الحديث، وقد ذكر القرطبي في التذكرة أنه عزاه بعض معاصريه لسنن الترمذي والنسائي، وذكر القرطبي أنه لم يجده فيهما، وعلى المسلم أن يحرص على الاستقامة على الطاعة في حياته حتى يموت على حسن الخاتمة، وراجع في الوسائل المساعدة على السلامة من كيد الشيطان الفتاوى ذات الأرقام التالية: 33860، 49570، 58076.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1427(1/1566)
سوء الخاتمة لا يقع لمن استقام باطنه وصلح ظاهره
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي رحمها الله كانت صالحة وكريمة ضحت من أجلنا كثيرا وعملت عمرتين، وكانت نعم الزوجة لأبي ونعم الأم لنا، ولكن عندما ماتت ماتت وهي في الحمام كان عندها ضغط وسكر وجاءتها الجلطة 3 مرات ولكنها ماتت في الحمام، هل بهذه الحالة يعتبر موت أمي من حسن الخاتمة أم سوء الخاتمة، أرجوكم أفتوني؟
وجزاكم الله عني وعنها خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرحم أمكم ويتقبل منها ما عملت من الطاعات وبرها بزوجها وأولادها، ونسأله أن يحسن عزاءكم فيها ويخلفكم خيرا منها، ونفيدكم أن المسلم يتعين أن نحسن الظن به دائما، ولا سيما إذا كان معروفا بعمل الخيرات وفعل الطاعات، ولا يعتبر موته في الحمام دليلا على سوء الخاتمة إذ لم يرد دليل على ذلك، ثم إن المرض الذي يصاب العبد تكفر به ذنوبه كما ثبت في الأحاديث، وقد ذكر ابن حجر نقلا عن عبد الحق في كتاب العاقبة أنه قال: إن سوء الخاتمة لا يقع لمن استقام باطنه وصلح ظاهره، وإنما يقع لمن في طويته فساد أو ارتياب، ويكثر وقوعه للمصر على الكبائر والجريء على العظائم فيهجم عليه الموت بغته. اهـ.
وقد ذكر ابن رجب في جامع العلوم والحكم قريبا من هذا المعنى. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع، وبيان أمارات حسن وسوء الخاتمة: 45114، 34370، 58553، 50241، 29018.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1427(1/1567)
الاستعداد للموت وشعور الإنسان أنه سيموت
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب دائماً سماع قصائد الموت وذكره، وأتلذذ دائماً بسماع كلمة الموت كلفظ مطلق، والكل من حولي ينتقدون سلوكي هذا، فهل معنى هذا أن يوم لقائي وموتي قد اقترب مثل ما يقال أن الميت يشعر أن يوم موته قد اقترب، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً وجعلها في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس عندنا شيء في تفسير ما يحصل لك، وشعور الإنسان بالموت أحياناً لا يستلزم أنه سيموت فعلاً، وراجع في هذا وفي أهمية تذكر الموت والاستعداد للآخرة بالأعمال الصالحة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32668، 69651، 59484، 43006، 46471.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1427(1/1568)
حكم الاستعاذة من الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عندما يذكر الموت وأقول بعيد الشر مثلا هل فيها إثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الموت مصيبة تصيب الميت وأهله، وقد وصفه الله بذلك في قوله تعالى: فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ {المائدة: 106} وخوف الناس من الموت خوف جبلي طبيعي، وقد وقع لبعض الصحابة رضوان الله عليهم، وبناء عليه فلا نرى مانعا من الاستعاذة من وقوعه؛ إلا أن ذلك لا يؤخر أجلا مقدرا، فالواجب الاستعداد للموت قبل نزوله والإكثار من تذكره، والإكثار من الأعمال قبل أن يأتي أحدنا الموت فيقول: رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ {المنافقون: 10} فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أكثروا ذكر هاذم اللذات. يعني الموت. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وكان صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله, جاءت الراجفة, تتبعها الرادفة, جاء الموت بما فيه, جاء الموت بما فيه. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1427(1/1569)
من علامات حسن الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة في الشبكة الإسلامية:
توفيت زوجتي ولقد رأيت منها هذه العلامات أغمي عليها في صباح يوم الثلاثاء 30/8/2005 وكنت حينها في الدائرة فأرسلوا لي بالحضور الى البيت وعندما عدت وجدتها قد عاد إليها وعيها بعد الغيبوبة فذهبت بها إلى المستشفى وأجرينا لها فحوصات وكانت الفحوصات سليمة من أي مرض عضوي وعدنا الى البيت وبعد صلاة العصر عادت لها الغيبوبة وبعد إجراء الفحوصات والتحاليل قال الطبيب لايوجد مرض عضوي انما حالة نفسية وتكرر عندها الإغماء في تلك اليلة وفي الصباح أجرينا لها فحص الايكو للقلب ولم يتبين شيء وتم تحويلي إلى مركز محافظة الأنبار وذلك لإجراء فحص المفراس وفي الطريق قالت لي إنها مسامحة الناس جميعا وتريد منهم أن يسامحوها وتقول لي باستمرار هل أنت راض عني، فقلت لها اسمعي هذا الدعاء اللهم إني راض عنها فارض عنها وأغمي عليها وعندما أفاقت قالت رأيت أناسا غيركم لابسين ثيابا بيضا وليس أنتم وعندما وصلنا إلى الطبيب وقال سوف نجري لها فحص المفراس في الصباح في المستشفى ذهبنا الى بيت عمتي وقالت لعمتي لقد جئت الى هنا لكي أموت عندك، وفي الليل وبعد أن صلينا المغرب والعشاء جمعا لكوننا كنا مسافرين أرسلت إلي وقالت لم أصل المغرب والعشاء فقالت والدتي ووالدتها وعمتي عندما تشفين من المرض صلي فقالت ومن يدري ربما أموت في هذا المرض فقلت لا أحضروا لها الماء وتوضأت وقلت لها اكتفي بفرائض الوضوء قالت والسنن أيضا وأصبحت لا تستطيع الوقوف على قدميها فصلت المغرب والعشاء فقالت لي سوف تعود إلي الحالة فعادت إليها وفارقت الحياة وهي على وضعها باتجاه القبلة وهي على صدري فلم أرى منها شيئا يختلف عن الإغماء السابق فهل هذه علامات حسن خاتمة علما بأنها قد مات أمامها ثلاثة أولاد وأحسبها على الله كانت صابرة بحيث أول مات سمع الخبر أقول لها احمدي الله واسترجعي فتفعل والحمد لله كان الثناء عليها بعد موتها من الجميع حتى الرجال الذين لم يروها سوى أن يسمعوا عنها عن طريق زوجاتهم 0
جزاكم الله خيرا وأعتذر لكم عن الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أدلة حسن الخاتمة أن يوفق العبد قبل موته للبعد عما يغضب ربه سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة. ومما يدل على هذا المعنى ما صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده خيرا استعمله. قالوا كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته. رواه أحمد والترمذي والحاكم. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. فحرص زوجتك على أن تكون أنت راضيا عنها، وإعلانك بالرضى عنها، والدعاء لها بمرضاة الله، وما ذكرته من صبرها على وفاة أبنائها الثلاثة، وهذا الثناء عليها بعد موتها من كافة أفراد مجتمعها، وكونها قد توفيت بعد أداء ما كان عليها من الصلوات، كلها أمور تدل على حسن خاتمتها. ولكن ينبغي العلم بأن الخاتمة هي من الأمور الغيبية، ولا يمكن القطع بشيء فيها، وما ذكر إنما هو أدلة يستأنس بها فقط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1427(1/1570)
من أمارات حسن الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت والدتي إلى رحمة الله عز وجل وأود الاطمئنان على حسن خاتمتها فقد كانت رحمة الله عليها أحب الناس إلى قلبي وكانت مصلية متصدقة صابرة محتسبة على أمور عدة:
1 - توفيت يوم الجمعة.
2 - آخر أعمالها صلاة الظهر ونامت متوضئة.
3 - في خلال نومها توفاها الله وكانت خالتي ترقد بجوارها ولم تسمع لها صوتا أو صراخا أو معاناة من سكرات الموت بل سمعتها تنطق الشهادة وظنتها تسبيحا عاديا.
4 - توفيت في قريتنا التي بها مدافن العائلة رغم أننا نسكن في المدينة.
فهل هذه علامات تدل على حسن الخاتمة وتطمئننا عليها؟ بعض الناس عندما أحكي لهم هذه الأحداث يقولون لي افرح لها فقد ماتت موتة الصالحين؟ وهل في ذلك حسد فلا أخبر أحدا عن ذلك؟ ماذا أفعل لأعالج حزني الشديد على فراقها؟ ما هى الأعمال التي أستطيع إهداءها لها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الموت يوم الجمعة ونطق الشهادة عند الموت وأداء الفريضة قبل الممات من أمارات حسن الخاتمة، ويدل لذلك ما في حديث الحاكم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة. وفي حديث المسند: من قال لا إله إلا الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يوما ابتعاء وجه الله ختم له به دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة.
وفي الحديث: ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر. رواه الترمذي، وقال حديث غريب، وقد ضعف سنده ابن حجر، وقال الألباني في أحكام الجنائز: فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح، وخالفه الأرناؤوط فضعفه في تحقيق المسند، ومما يدل على أن الموت بعد العمل الصالح دليل على أن الله أراد الخير لصاحبه قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله. فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت. رواه الإمام أحمد والترمذي وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني.
وأما كلام الناس لك الذي ذكرته فعليك أن تحسن الظن بهم, وتحمله على أنهم يهنئونك بما حصل للوالدة، ولا تحمله على أنهم يحسدون.
هذا ونسأل الله لك الصبر والعزاء ونذكرك بما في الصبر من الأجر ففي صحيح مسلم من حديث صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجبا لأمر المؤمن, إن أمره كله خير, وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: ما لعبدي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة.
وفي البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم أن ابنا لي قبض فأتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: إن لله ما أخذ, وله ما أعطى, وكل شيء عنده بأجل مسمى, فلتصبر ولتحتسب.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها؛ إلا آجره الله تعالى في مصيبته, وأخلف له خيرا منها. قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها, فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عزتهم الملائكة يسمعون الحس ولا يرون الشخص، فقالت: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته, إن في الله عزاء من كل مصبية, وخلفا من كل فائت, فبالله فثقوا, وإياه فارجوا, فإنما المحروم من حرم الثواب, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وحكى أن أعرابيا عزى ابن عباس على أبيه فقال
اصبر نكن بك صابرين فإنما صبر الرعية بعد صبر الرأس
خير من العباس أجرك بعده والله خير منك للعباس
فقال ابن عباس: ما عزاني أحد أحسن من تعزيته.
ومما يعين على اكتساب الصبر استشعار عدة أمور منها:
ـ أنه سبب لتأييد الله ونصره لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {البقرة: 153}
ـ أنه سبب لمحبة الله لقوله تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {آل عمران: 146}
ـ أن الصابرين بشروا بثناء الله وهدايته ورحمته، قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة: 155 ـ 157}
ـ أنه سبب لدخول الجنة، كما في قوله تعالى: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ {آل عمران: 15} ثم ذكر صفات المتقين وذكر منها: الصابرين والصادقين والقانتين، إلى غير ذلك من فضائل الصبر الموجودة في الوحي قرآنا وسنة، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 10602، 33828، 69795، 3406، 32689.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1427(1/1571)
خروج الروح بيسر هل هو علامة على حسن الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ... وبعد:
أود الاستفسار عن طريقة وفاة شخص عزيز لدي، وهل هي من حسن الخاتمة، فقد توفى لي شخص عزيز وهو نائم في سريره وقد كان مريضاً، ولكن حالته مستقرة ويتناول العلاج بانتظام وسنه 65 عاماً وفي ليلة الوفاة كان في حالة جيدة جداً وبعد تناول العشاء والدواء ذهب إلى السرير لينام وفي الصباح اكتشفنا وفاته وكانت وضعيته في السرير كما هي لم تتغير عن وضعية نومه العادية لدرجة أن من اكتشف الوفاة لم يدرك أنه متوفي إلا بعد أن اقترب منه ليوقظه من النوم، ولكن اكتشف أنه توفي، فهل طريقة الوفاة هذه تعتبر من حسن الخاتمة خاصة والمتوفى ولا نزكيه على الله ولكن نحسبه من الصالحين الصابرين، فأرجو إفادتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا بعضا من علامات حسن الخاتمة في الفتوى رقم: 29018 وننبهك إلى أن خروج روح الميت بسهولة أو بشدة ليس علامة قاطعة على سعادته أو غيرها, وكل ذلك يحصل للمؤمن فقد تخرج روحه بيسر وسهولة، كما في الحديث: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء. والحديث طويل رواه أحمد وغيره وصححه شعيب الأرناؤوط.
وقد تخرج روح المؤمن بشدة فيكون ذلك تكفيراً عن سيئاته وتمحيصاً له من خطيئاته، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم أجمعين كان يقول عند موته: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات. رواه البخاري عن عائشة، وفي رواية في الصحيح أنها كانت تقول: فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قال في تحفة الأحوذي:.... لما رأيت شدة وفاته علمت أن ذلك ليس من المنذرات الدالة على سوء عاقبة المتوفى, وأن هون الموت وسهولته ليس من المكرمات. انتهى، وقال الحافظ: وفي الحديث أن شدة الموت لا تدل على نقص في المرتبة بل هي للمؤمن إما زيادة في حسناته وإما تكفير لسيئاته. انتهى.
ولكن ينظر إلى حال المرء قبل وفاته ومدى استقامته والتزامه بأوامر الشرع ومدى إقباله على الطاعات وبعده عن المعاصي والمحرمات, فمن اتصف بذلك يرجى له الخير وحسن الخاتمة، وقد ذكرت بعض ذلك عن أخيك. فنسأل الله تعالى أن يبدل سيئاته حسنات, وأن يغفر له ويرحمه, وأن يختم لنا بالحسنى ويثبتنا عند السؤال إنه سميع مجيب. وانظر في ذلك الفتوى رقم: 58553 وما أحيل إليه من فتاوى خلالها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1427(1/1572)
سكرة الموت وشدته
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا، سؤالي عن سكرات الموت فهناك أقاويل كثيرة، فهل المسلم يعاني عند سكرات الموت بهذه الشدة التي قال عنها عمرو بن العاص حين سأله ابنه كيف الموت وقال كأن السماء تطبق على الأرض وكأنه يتنفس من ثقب إبرة، وهناك من يقول إن روح المؤمن تخرج كما يخرج الماء من قطر السقاء، أرجو التوضيح هل المؤمن يعاني بتلك الشدة التي عاناها عمرو بن العاص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فإن سكرة الموت وشدته لا بد منها لكل نفس وهي شديدة جدا على الكفار، وقد تشتد على بعض المؤمنين لرفع درجاتهم وتكفير سيئاتهم كما قد تكون خفيفة على كثير منهم:
فقد قال الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ
وقال تعالى: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ {ق: 19} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن للموت سكرات رواه البخاري.
فالناس إذا يتفاوتون في ذلك، قال صاحب روح المعاني: كل نفس تتألم بالموت.. لكن ذلك مختلف شدة وضعفا ...
وعلى ذلك فكل من يموت يناله من سكرات الموت وآلامها ما قدره الله تعالى عليه، إلا أن الأغلب خفتها على المومنين وشدتها على الكفار، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سهولة خروج نفس المؤمن وصعوبة خروج نفس الكافر:
إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا به إلى سماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوا عبدي إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ; فتعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان له وما علمك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي ; وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان ابن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ {لاتُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ.. فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا فتعاد روحه في جسده ; ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة.
رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وقال الله تعالى في حق الكافر: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ {لأنفال:50} . وقال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ {الأنعام: 93} .
وهذا التخفيف على المؤمن عند خروج الروح الذي ذكر في الحديث لا ينافي أنه قد يشدد عليه شيئا ما عند الاحتضار أو بطريقة الموت نفسها كما ذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه، ففي المستدرك: أنه كان عمرو بن العاص يقول عجبا لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه فلما نزل به الموت قال له ابنه عبد الله فصف لنا الموت وعقلك معك، فقال يا بني الموت أجل من أن يوصف ولكني سأصف لك منه شيئا أجدني كأن على عنقي جبال رضوى وأجدني كأن في جوفي شوك السلاء وأجدني كأن نفسي تخرج من ثقب إبرة.
وقد صححه الحاكم وسكت عنه الذهبي في التلخيص، وشوك السلاء شوك النخل، وهذا لا يدل على نقص منزلة المسلم عند الله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم أجمعين كان يقول عند موته: لا إله إلا الله إن للموت سكرات. رواه البخاري عن عائشة
وفي رواية في الصحيح أنها كانت تقول: فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قال في تحفة الأحوذي:.. لما رأيت شدة وفاته علمت أن ذلك ليس من المنذرات الدالة على سوء عاقبة المتوفى وأن هون الموت وسهولته ليس من المكرمات. اهـ. وقال الحافظ: وفي الحديث أن شدة الموت لا تدل على نقص في المرتبة بل هي للمؤمن إما زيادة في حسناته وإما تكفير لسيئاته. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1427(1/1573)
من يقبض روح شهيد البحر
[السُّؤَالُ]
ـ[من يقبض روح المتوفى غرقاً هل هو الله مباشرة أم عزرائيل؟
حيث إني سمعت في وسائل الإعلام أن الغريق هو المتوفى الوحيد الذي يختصه الله بهذا.
ما مدى صحة هذا القول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد حديث في خصوصية شهيد البحر بأن الله تعالى يتولى قبض روحه خلاف باقي الشهداء وجميع الناس الذين يتولى ملك الموت قبض أرواحهم كما قال تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ {السجدة:11} إلا أن ذلك الحديث ضعيف جدا, لا يمكن إثبات حكم به؛ ولذا فيبقى الأصل على ما كان ويبقي شهيد البحر كغيره من الشهداء والناس جميعا الذين يقبض ملك الموت أرواحهم كما بينا في الفتويين رقم: 9470 , 5989. وإليك نص الحديث الوارد في ذلك والحكم عليه:
أخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شهيد البحر مثل شهيدي البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر، ومابين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله, وإن الله عز وجل وكل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهداء البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم، ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين، ولشهيد البحر الذنوب والدين. قال الكناني في مصباح الزجاجة: هذا إسناد ضعيف. وقال الشيخ الألباني: ضعيف جدا وبين سبب ضعفه في إرواء الغليل فقال: أخرجه ابن ماجه (2778) وكذا الطبراني كلاهما من طريق قيس بن محمد الكندي: ثنا عفير بن معدان الشامي عن سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد فيه علتان: الأولى: عفير بن معدان، قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 36) عن أبيه: ضعيف الحديث، يكثر الرواية عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمناكير، ما لا أصل له، لا يشتغل بروايته. وأورده الذهبي في. " الضعفاء " وقال: مجمع على ضعفه، قال أبو حاتم لا يشتغل به. قلت: وبه أعله البوصيري في " الزوائد " (ق 173 / 1) ، وخفيت عليه العلة التالية: والأخرى: قيس بن محمد الكندي لم يوثقه أحد سوى ابن حبان، ومع ذلك فقد أشار إلى أنه لا يحتج به لاسيما في روايته عن عفير فقال: يعتبر حديثه من غير روايته عن عفير بن معدان. وقال في السلسلة الضعيفة: موضوع بهذا التمام وهو مخالف لعموم قوله صلى الله عليه وسلم يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين أخرجه مسلم وغيره. هذا ما وقفنا عليه فيما سألت عنه, ولضعفه كما علمت لا يمكن تخصيص شهيد البحر دون غيره بما ذكرت، إلا إذا وجد دليل صحيح صريح ولم نقف عليه فيما اطلعنا عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1427(1/1574)
اختلاف الأحوال عند خروج روح المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن الإنسان المؤمن عند خروج روحه تخرج بسهولة عكس الإنسان الكافر، ولكن هل خروج الروح متشابهة لجميع المسلمين على اختلاف درجة إيمانهم وصلتهم بالله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتخفيف على المؤمن عند خروج الروح لا ينافي أنه قد يشدد عليه عند الاحتضار أو بطريقة الموت نفسها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم أجمعين كان يقول عند موته: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات. رواه البخاري عن عائشة.
وفي رواية في الصحيح أنها كانت تقول: فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قال في تحفة الأحوذي:..... لما رأت شدة وفاته علمت أن ذلك ليس من المنذرات الدالة على سوء عاقبة المتوفى، وأن هون الموت وسهولته ليس من المكرمات. انتهى.
وقال الحافظ: وفي الحديث أن شدة الموت لا تدل على نقص في المرتبة، بل هي للمؤمن إما زيادة في حسناته وإما تكفير لسيئاته. انتهى.
وقد وردت أدلة على أن خروج الروح وما يترتب عليه من الألم يتفاوت بين المسلمين، فقد ثبت أنه خفيف جداً على الشهيد، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة. قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1427(1/1575)
من مات مصرا على التدخين وكان يعمل الصالحات
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي توفاه الله تعالى يوم 14 نوفمبر الساعة الحادية عشر ليلاً، وأبي (ولا أزكي على الله أحداً) كان مواظباً على الصلوات الخمس وخصوصاً صلاة الفجر، وكان لا يغتاب أو يعادي أحدا بل كان مسالماً جداً جداً، ولم يكن يفعل مثل الرجال مثل الجلوس في الشارع، وكان نادراً ما يتكلم في أي موضوع وكان ممتاز العلاقة مع أمي، وقد كان أبي أمياً لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وكان يعمل خبازاً، وقد حج أبي سنة 1992م، وكان أبي من المدخنين، وسؤالي هو: أن أبي توفي دون علامات توحي بصلاحه فمثلاً مات يوم الإثنين ولم يمت يوم الجمعة، ومات في شوال ولم يمت في رمضان، ومات في المستشفى ولم يمت مثلاً وهو يصلي، ومات وهو في غيبوبة تامة ولم يمت وهو ينطق الشهادتين، فهل هناك ما يدعوني للقلق على أبي ومصيره الأخروي، وهل هذه الأمارات ضرورية لمعرفة صلاح الإنسان من فساده؟؟!!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن أبيك من أنه كان مواظباً على الصلوات الخمس وخصوصاً صلاة الفجر، وأنه كان لا يغتاب أو يعادي أحداً، وأنه كان مسالماً جداً، وأنه كان نادراً ما يتكلم في أي موضوع، وأنه كان ممتاز العلاقة مع أمك، وأنه قد حج كلها أمور تبعث على الارتياح وعدم القلق عليه.
وما ذكرته عنه من التدخين معصية يمكن أن تغفر له تفضلاً من الله، لأن الله تعالى قال: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء {النساء:48} ، وإذا لم تغفر له فإنها على كل حال لا تمنعه من دخول الجنة إذا لم يكن قد ختم له بالشرك، ففي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل وقال: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ فقال: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة. ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار.
وعلى أية حال فاعلم أن خلو أبيك عما ذكرته من العلامات ليس دليلاً على سوء حاله، فقد مات النبي صلى الله عليه وسلم في غير الجمعة، ونسأل الله أن يرحم والدك ويتقبله في فسيح جنته، فهو أكرم الأكرمين، ورحمته وسعت كل شيء، وعفوه يغلب غضبه سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1426(1/1576)
حقيقة الوفاة الصغرى والوفاة الكبرى
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت الفتاوى الموجودة فيما يخص الروح وقلتم بأن الروح تخرج في موضعين الموت والنوم، فكيف تفسرون إذا خرجت الروح أثناء النوم يبقى الإنسان على قيد الحياة ويتنفس ويحس وكل أعضاءه تعمل بالرغم من خروج الروح من جسده؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النوم وفاة صغرى لا تنقطع فيها الحياة بالكلية، قال صاحب اللسان: الوفاة: الموت وهي نوعان: وفاة صغرى ويقصد بها النوم، ووفاة كبرى ويراد بها الموت، وقد أشار إليها ربنا في قوله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى {الزمر: 42} انتهى
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ {الأنعام: 60} يقول تعالى: إنه يتوفى عباده في منامهم بالليل وهذا هو التوفي الأصغر؛ كما قال تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ {آل عمران: 55} وقال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا {الزمر: 42} فذكر في هذه الآية الوفاتين الكبرى والصغرى
وذكر ابن كثير أيضاً في تفسير قوله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا {الزمر: 42} أن بعض السلف قال: تقبض أرواح الأموات إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف، فيمسك التي قضى عليها الموت التي قد ماتت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى.
وقد ذكر ابن عاشور في تفسيره أن حالة النوم حالة انقطاع أهم فوائد الحياة عن الجسد وهو الإدراك، سوى أن أعضاءه الرئيسية لم تفقد صلاحيتها للعودة إلى أعمالها حين الهبوب من النوم.
وقال القرطبي في المفهم: النوم والموت يجمعهما انقطاع تعلق الروح بالبدن وذلك قد يكون ظاهراً وهو النوم، ولذا قيل النوم أخو الموت، وباطنا وهو الموت، فإطلاق الموت على النوم يكون مجازاً لاشتراكهما في انقطاع تعلق الروح بالبدن. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1426(1/1577)
حكم السؤال عن سبب وفاة شخص ما قد مات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز عند سماع خبر وفاة شخص ما السؤال عن سبب الوفاة أو كيفيتها وهذا بعد الاسترجاع طبعا؟
وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم مانعاً شرعياً يمنع من السؤال عن سبب وفاة الشخص وكيفيتها مالم يكن في ذلك اعتراض على القدر وتسخط له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1426(1/1578)
سكرات الموت وخروج نفس المؤمن بيسر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سكرات الموت تهون على العبد الصالح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أن للموت سكرات وأنه لا يسلم أحد من سكراتها كما في الفتوى رقم: 54685، وبينا أن المؤمن يخفف عنه عند خروج النفس فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء بخلاف نفس الكافر كما في الفتوى رقم: 60147.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1426(1/1579)
ترجى السعادة لمن أومأ بعينيه عند تذكيره بتلفظ الشهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل وافته المنية بعد صلاة المغرب من يوم الجمعة، عند تذكيره بالشهادة بأن قلها، قال نعم بعينيه ثم مات والعملية كلها لم تأخذ سوى دقيقتين، فهل مات على الشهادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن علامات سعادة المرء وحسن خاتمته أن يكون آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، ومن عقد على لسانه فلم يستطيع التلفظ بها وأومأ بعينه أنه قالها أو تمتم بها دون صوت فيرجى له الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1426(1/1580)
وصف الموت وخروج الروح
[السُّؤَالُ]
ـ[لو تكرمت هل لنا أن نتعرف على كيفية خروج الروح من الجسد لحظة الموت وقبض الروح من قبل ملك الموت أي من أي مكان تخرج الروح من الجسد تحديدا؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا علم لنا بكيفية خروج الروح من البدن ولا من أين تخرج تحديداً، ولكن ظواهر النصوص تدل على أنها تخرج أولاً من أسافل البدن، وأن خروج روح المؤمن سلس، بعكس خروج روح الكافر، فقد جاء في الحديث أن نفس المؤمن تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، وأما روح الكافر فإنها تتفرق في جسده فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول، والحديث طويل رواه أحمد وغيره وصححه شعيب الأرناؤوط.
والسفود نوع من الشوك مائل، وقد بينا طرفاً من ذلك في الفتوى رقم: 60147، وذكرت كتب التاريخ: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه لما نزل به الموت قال له ابنه: يا أبت قد كنت تقول: إني لأعجب من رجل ينزل به الموت ومعه عقله ولسانه كيف لا يصفه؟!. فقال: يا بني الموت أعظم من أن يوصف! ولكن سأصف لك منه شيئاً، والله لكأن على كتفي جبال رضوى وتهامة، وكأني أتنفس من سم إبرة! ولكأن في جوفي شوكة عوسج، ولكأن السماء أطبقت على الأرض وأنا بينهما.
وقال عمر بن الخطاب لكعب: يا كعب حدثنا عن الموت قال: إن الموت كشجرة شوك أدخلت في جوف ابن آدم! فأخذت كل شوكة بعرق منه! ثم جذبها رجل شديد القوى فقطع منها ما قطع وأبقى ما أبقى.
هكذا وصف بعضهم الموت. والذي لا شك فيه أن للموت سكرات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قالت عائشة: فكانت بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات. رواه البخاري، وعند الترمذي: اللهم أعني على غمرات الموت وسكرات الموت. قال تعالى: وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ {ق:19} ، فالموت له سكرات وغمرات تكون قوية على بعض الناس وخفيفة على البعض، كما بينا في الفتوى المحال إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1426(1/1581)
مدى إحساس النائم أو المخدر بسكرات الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد توفي أبي رحمه الله منذ 3 سنوات في غرفة الإنعاش بعد عملية جراحية لم نعتبرها صعبة لا نحن ولا أبي رحمه الله، ولكنه لم يستيقظ بعد التخدير، وأريد أن أعلم هل علم أنه قد مات بما أنه كان نائما وهل أحس بسكرات الموت، وما حكم موت النائم أو المريض وكيف إنه كان يعلم بموته قبل40 يوما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الموت من آيات الله تعالى العظيمة ومظهر من مظاهر قدرته الباهرة التي يشاهدها الناس في كل زمان وكل مكان، ويشاهدونها في أنفسهم بالموتة الصغرى في منامهم كل يوم، كما قال الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الزمر:42} ، فهي آية من آيات الله تعالى كتبها على كل حي، كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ {آل عمران:185} ، وهي رحمة للمؤمن بها يزول الحاجز الذي كان بينه وبين جزاء عمله في الآخرة، فهي تحفة لكل مسلم؛ كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وليس لمن مات في نومه حكم خاص به، وإنما هو كباقي أموات المسلمين يغسل ويكفن ويصلى عليه ... وأما إحساسه بسكرات الموت بما أنه كان مخدراً، أو علمه بها، فالله أعلم، ولا يترتب على ذلك حكم شرعي ولا ينبني عليه عمل.
ولهذا فينبغي لكم أن تستغفروا لأبيكم وتدعوا له بالرحمة والمغفرة وتتصدقوا عنه بما استطعتم، وهذا لتعلموا أنه ليس أحد يعلم متى سيموت بمن في ذلك النبيون فمن دونهم، قال الله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ {لقمان:34} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1426(1/1582)
من علامات حسن الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر من علامات حسن الخاتمة أن يوضع مع المتوفى طفل صغير أو بعد الوفاة يشم رائحة المسك]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه على نص من نصوص الوحي يدل على أن ما ذكر من علامات حسن الخاتمة.
وقد ذكر أهل العلم علامات لحسن الخاتمة ولا يلزم من عدم وجودها عدم حسن الخاتمة أو سوءها.
ومن هذه العلامات النطق بالشهادتين والتوفيق للتوبة والعمل الصالح قبل الموت.
وللمزيد من التفصيل والفائدة وذكر بعض علامات حسن الخاتمة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 29018.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(1/1583)
موت المرء جنبا هل يدل على غضب الله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[من مات ولم يمهله القدر أن يتطهر من الجنابة هل يدل ذلك على غضب الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم دليلا على أن موت الشخص جنبا يدل على غضب الله عليه، بل ثبت الدليل على عكس ذلك، فإن حنظلة بن أبي عامر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد استشهد يوم أحد وهو جنب فغسلته الملائكة فسمي غسيل الملائكة، فقد روى ابن حبان والبيهقي في قصة أحد وقتل حنظلة بن أبي عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن صاحبكم تغسله الملائكة فاسألوا صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهائعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته الملائكة.؟
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 51675.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1426(1/1584)