ما يقال للكافر إذا عطس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك ما يقال للكافر إذا عطس؟ وهل ندعو له بالهداية وصلاح البال؟
جزاكم الله عنا خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكافر غير المحارب إذا عطس وحمدالله تعالى يرد عليه بيهديكم الله ويصلح بالكم، ولا يقال له: يرحمك الله، أويغفر الله لك، أو ما أشبه ذلك من ثواب الآخرة والرحمة فيها لأن ذلك خاص بالمؤمنين، بل يدعو له بالهداية إلى هذا الدين والإيمان به.
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد على اليهود عندما يتعاطسون عنده رجاء أن يدعو لهم بالمغفرة والرحمة..
فقد روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي موسى قال: كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم ـ يرجون أن يقول لهم: يرحمكم الل هـ، فيقول لهم: يهديكم ويصلح بالكم.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 14165، 29836
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1425(1/530)
ضوابط جواز تلقي العلم من الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[أستاذي في الجامعة، في مادة حقوق الإنسان، ملحد.
هل يجوز أن أتابع الحضور في محاضراته؟
أيضا يدرسنا بعض الأساتذة غير مسلمين وهم من بلدان غير عربية كأستراليا وأمريكا وانكلترا ... المشكل أنهم يدعون الطلاب للحضور إلى الكنيسة، يفعلون هذا سرا، وهناك يقترحون عليهم أن ينقلبوا إلى المسيحية. هل يجوز أن أحضر في دروسهم أم لا. وماذا يجب علي أن أفعل برأيكم؟
أطلب المعذرة من سيادتكم لضعفي في كتابة اللغة العربية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن المرء يجوز أن يتعلم من الملحد ومن أهل أي ملة أخرى من ملل الكفر، لما ثبت من تعلم أولاد الصحابة الكتابة على المشركين من قريش أسرى بدر حين جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فداء من لم يجد من المال ما يفدي به نفسه. أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر ليس لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة..
ولكن هذا الجواز مقيد بما إذا لم يكن في تعلم المسلم من الكافر ما يمكن أن يفتنه في دينه، فتمسك المرء بدينه هو أولى الواجبات عليه وآكدها، لأنه الوسيلة الوحيدة لفوزه وفلاحه في الدنيا والآخرة.
وعليه، فإذا كان أستاذك في مادة حقوق الإنسان لا يريد منك مخالفة شرعية ولا يعلمك تعليما منافيا للدين الإسلامي فلا مانع من حضورك محاضراته ودروسه، وأما أولئك الأساتذة الذين يدعون الطلبة إلى زيارة الكنيسة سرا ويقترحون عليهم ترك الإسلام واعتناق المسيحية، فلا يجوز حضور دروسهم ولا المشاركة في أي نشاط معهم، بل الواجب عليكم جميعا وبطريقة منظمة ومدروسة أن تبادروا إلى إدارة المؤسسة لإشعارها بقضيتهم إن كنتم تثقون في أنها ستغير حالهم، وإلا فإلى أي جهة أخرى يمكن أن تغير هذا المنكر الشنيع، ولا تؤخروا ذلك ولا تتوانوا فيه، فإنه شر مستطير، ويلزم توقيفه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1425(1/531)
حكم التجنس بجنسية دولة كافرة للضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: ما حكم أخذ الجنسية الأمريكية أو أي جنسية من الجنسيات الكافرة؟
خصوصا في حالة الفلسطينيين الذين لا يمكنهم دخول بلدهم ولا حول ولا قوة إلا بالله؟
... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن حكم التجنيس بجنسية الدول الكافرة، وذلك في الفتاوى التالية: 44653، 1204، 26795.
وذكرنا فيها أن الأصل في ذلك الحرمة إلا لضرورة أو مصلحة شرعية راجحة، وهذا الحكم يشمل الفلسطينيين وغيرهم، نسأل الله أن يفرج عنهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1425(1/532)
حكم مشاركة الكفار في دار الحرب في هديهم الظاهر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يوجد عندنا مسجد كبير في مدينة تدعى ادمنتن وعندنا شيخ لهذا الجامع وحدث منذ فترة أن الجالية المسيحية العربية أقامت عشاء تبرع لشراء كنيسة ودعت عددا من المسؤولين عن الإسلام لهذا العشاء وقد ذهب عدد كبير منهم وتبرعوا ومنهم الشيخ وعندما سألناه قال هذا يجوز ولكنه قال إنه لم يتبرع وقد ألقى خطابا فما حكم هذا
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمشاركة المسلم في بناء كنيسة بعمل أو تبرع غير جائز، لأنه تعاون على الباطل، وقد سبق أن ذكرنا شيئا من ذلك في الفتوى رقم: 7204، والفتوى رقم: 17391.
أما مجرد الحضور في مجلس تجمع فيه تبرعات لبناء كنيسة فلا مانع منه، إن تعلقت بالحضور مصلحة أو دفع ضرر بالمسلمين ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم (الكفار) في الهدي الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والاطلاع على باطن أمورهم لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الحسنة. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(1/533)
وصف الكفار بالأخوة يجوز في حال دون حال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وصف النصارى بالإخوة في الحديث وكذلك التهنئة في الأعياد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا وصف مسلم النصارى أو غيرهم من الكفار بأنهم إخواننا وقصد في النسب والإنسانية، فلا شيء في ذلك، لقول الله جل وعلا: [وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً] (الأعراف: 65) ، ونحو ذلك من الآيات.
أما إذا قصد بأنهم إخواننا في الدين فلا يجوز، لأنهم إما على غير دين كالملاحدة، وإما على دين لكنه محرف أو منسوخ، وقد قال الله تعالى: [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ] (آل عمران:85) .
وأما تهنئتهم بأعيادهم، فلا تجوز، كما بيناه في الفتوى رقم: 26397.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1425(1/534)
حول التصويت للأحزاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب جامعي في فلسطين وجامعاتنا فيها مجالس طلبة (مجلس اتحاد طلبة) ويكون فيه كل فترة زمنية انتخابات بين الأحزاب التي تمسك هذه المجالس ولكل جامعة انتخابات ويكون بين هذه الأحزاب ما هو (علماني) و (إسلامي) و (شيوعي) و..... الخ من التنظيمات والأحزاب
السؤال هو:
1- ما الحكم إذا أنا انتخبت تنظيما علمانيا أو أي تنظيم غير إسلامي أو كنت أحد العاملين عليه والساعين لترشيحه وفوزه؟
2- ما الحكم إذا أنا لم أنتخب أي تنظيم أو حزب من هذه الأحزاب علما بأن فيها أحزابا إسلامية؟
أرجو منكم الإجابة على هذا السؤال للضرورة ... فأنا أنتظر الجواب والموعد قد اقترب ويمكنكم إرسال الجواب إلى البريد الإلكتروني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحرم عليك أن تنتخب تنظيما علمانيا أو شيوعيا أو تعين على ذلك، لما في ذلك من المعاونة على الإثم والعدوان والتمكين لمن لا يقر لدين الله وزنا، والواجب عليك هو ولاء العاملين للإسلام ونصرتهم وانتخاب حزبهم المرشح، ودعوة الآخرين إلى ذلك، لأن في هذا تعاونا على نصر الإسلام وأهله وإرشاد ورعاية هذه الثلة من الشباب إلى ما فيه صلاحهم وصلاح المجتمع وتقليل من الفساد وإسقاط للعابثين بعقائد المسلمين ومناهجهم الربانية، وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1425(1/535)
حكم الانتساب لحزب يعمل ضمن قوانين علمانية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الانتساب أو العمل أو الاقتراع لحزب تعهد بالعمل ضمن أسس وقوانين علمانية وأقسم اليمين على ذلك، علما بأن المرشخ المنتخب مسلماً كان أو كافراً يجبر لتعظيم أصنامهم، أفيدونا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الصعب الحكم على هذه المسألة دون النظر فيما تنطوي عليه من مصالح ومفاسد، والموازنة بينهما، والحكم بناء على ذلك، إذ أن المصالح والمفاسد إذا اجتمعت فإما أن تكون المصلحة راجحة على المفسدة، فتقدم المصلحة، وإما أن تكون المفسدة راجحة على المصلحة فتقدم المفسدة، وإما أن تساوي المصلحة المفسدة، فتقدم المفسدة، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وقد بين هذه القاعدة نعني قاعدة اجتماع المصالح والمفاسد، العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام.
وعلى هذا فالأولى الرجوع في هذه المسألة إلى أهل العلم بتلك البلاد التي فيها هذا الحزب أو بمن لهم إلمام بواقع الحال هناك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1425(1/536)
حكم الموالاة الظاهرية لحزب علماني لغرض الوظيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال مهم ومستعجل وهو أن التعيينات لدينا لا تتم إلا بعد التوقيع لبعض الأحزاب العلمانية الحاكمة وقد قمت بكافة المحاولات ولكن دون فائدة , وهناك ضغط كبير من أهلي على أن أوقع, فهل يجوز لي التوقيع لهم دون الموالاة الباطنية لهم , علما بأني أمتلك فكرا إسلاميا بحتا وليس هناك أي مجال في عقلي سوى الفكر الإسلامي والحمد لله, أفيدوني وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتوقيعك لبعض الأحزاب المذكورة إذا كان يترتب عليه إعانة على معصية أو إثم فإنه لا يجوز، لما يشتمل عليه من التعاون على الإثم والعدوان، كما لا تجوز طاعة أهلك في هذا الأمر، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والمسلم لا يبيع دينه بعرض من الدنيا مهما كثر، وما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته، وما كتبه الله تعالى للإنسان من رزق سيصل إليه لا محالة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن روح القُدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته. صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير.
ونسأل الله تعالى لك الاستقامة على طريق الحق والصواب والإعانة على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(1/537)
المشابهة في الظاهر تورث المشابهة في الباطن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في من يحتفل بالسنة الميلادية بنية إدخال مظاهر الفرح وليس بنية الاحتفال بأعياد المسيحيين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أكرم الله تعالى المسلمين بأن جعل لهما عيدين هما الأضحى والفطر، فقد روى أبو داود وأحمد عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه سولم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر، فشرع هذين العيدين وأبطل غيرهما، فلا تجوز للمسلم مشاركة المشركين في أعيادهم ولو في الظاهر، لأن المشابهة في الظاهر تورث المشابهة في الباطن، وإظهار الفرح والسرور مقصد عظيم من مقاصد الاحتفال، فاحذر ذلك، وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 26883.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1424(1/538)
الترحم على أموات الكفار لا يجوز بخلاف التعزية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الترحم على أموات غير المسلمين النصارى مثلا وماذا نقول
جزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالترحم على أموات الكفار لا يجوز، سواء كانوا أهل كتاب أو كانوا غيرهم، وراجع الفتوى رقم: 6373.
أما تعزيتهم في موتاهم، فجائزة على القول الصحيح، وقد ذكر ابن قدامة المقدسي في "المغني": أن المسلم إذا عزى كافرا بمسلم قال له: "أحسن الله عزاءك وغفر لميتك،" وإن عزى كافرا بكافر، قال له: "أخلف الله عليك، ولا نقص عددك" وإن عزى مسلما بكافر قال: "أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1424(1/539)
زوجته النصرانية تريد أخذ ابنتهما للاحتفال بالكريسماس
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب مسلم متزوج من نصرانية, لي ابنة منها مسلمة إن شاء الله، عمرها عامان، تريد زوجتي أن تأخذ ابنتي لبيت والديها لقضاء عيد الميلاد المسيحي وأنا أعارض بشدة، مع العلم بأنني لا أملك منعها والله المستعان, مع العلم بأنني إن طلقتها أخسر ابنتي وأنا أعيش في الغرب
أفيدوني يرحمكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ما ذكرت من حال زوجتك النصرانية من الأمور التي يجب الحذر منها وتفاديها، وذلك بعدم الإقامة في بلاد الكفار إلا لضرورة شرعية كعلاج أو مصلحة شرعية راجحة، كالإقامة للدعوة إلى الله، مع الأمن من الوقوع فيما ينتشر هنالك من فواحش ومنكرات.
أما أخذ ابنتك لحضور أعياد النصارى فلا يجوز لأنها مسلمة، والله تعالى يقول: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان: 72] .
واللغو من معناه أنه أعياد المشركين، وحضورها لهذه الأعياد الشركية يحبب إليها ديانة النصارى فيخشى أن تتحول إليها، فاجتهد في الحفاظ على ابنتك.
ولمزيد من الفائدة، راجع الفتويين: 36381، 2044.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1424(1/540)
الفرق بين السفر والهجرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السفر إلى البلدان الغربية بقصد العمل أو الدراسة؟ ما الفرق بين السفر والهجرة إلى البلدان الغربية؟
ما حكم استعمال العطر في شهر رمضان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن حكم الإقامة في بلاد الكفار على الإجمال، وذلك في الفتوى رقم: 8614.
وتقدم الكلام عن الإقامة فيها لأجل الدراسة، وذلك في الفتوى رقم: 1620.
وتقدم الكلام عن الإقامة فيها لأجل العمل، وذلك في الفتوى رقم: 20391.
وتقدم الكلام عن المخاطر والمقاصد التي تترتب على الإقامة فيها، وذلك في الفتوى رقم: 2007.
أما عن الفرق بين السفر والهجرة إلى البلاد الغربية، فاعلم أولا أن الهجرة الشرعية لا تكون من دار الإسلام إلى دار الكفر، ولا من دار الكفر إلى دار كفر أخرى، وعليه، فالسفر إلى البلاد الغربية الكافرة لا يعد هجرة شرعية، نعم يسمى هجرة في اللغة، أما عن الفرق بين الهجرة والسفر لغة: فإن بينهما عموما وخصوصا، فقد يكون السفر لأجل الهجرة، وقد يكون لأجل غرض آخر، والهجرة قد تكون بسفر وقد تكون بلا سفر إذا كانت المسافة دون مسافة السفر.
وأما عن استعمال العطر في شهر رمضان، فقد تقدم الكلام عن ذلك في الفتوى رقم: 892.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1424(1/541)
حكم تهنئة كافر في عيد يختص بدينه خوف الضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي حول الولاء والبراء: فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أصبحنا نحن المسلمين الذين نقطن في الولايات المتحدة نشعر بضرورة التواصل مع المسيحين الأمريكين، فأصبحنا نشاركهم في احتفالاتهم الدينية كعيد الشكر مثلاً. فأنا أشارك إحدى الأسر في عيدهم السنوي (عيد الشكر) فآخذ زوجتي وأطفالي كل سنة لزيارة تلك الأسرة لكن لا يوجد لحم خنزير ولا كحول في الأطعمة المقدمة، وأنا لا أحتفل بهذا اليوم في بيتي، إلا أنني أشارك تك الأسرة في بيتها، فهل هذا حرام، وماذا عن أطفالي ومدى ارتباطهم بمثل هذه الأعياد؟ وما الفرق بين الاحتفال بهذه الأعياد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا مأمورون أن نعامل جميع الناس بالحسنى وأن نقول لهم حسناً، كما قال عز وجل: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83] . وقال الله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] . وثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالجار مطلقاً، ولهذا كان ابن عمر إذا ذبح شاته قال لأهله: أهديتم لجارنا اليهودي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. رواه أحمد. ومع ما تقدم فإنه لا ينبغي الخلط بين معاملتهم بالإحسان وبين التودد إليهم على حساب عقيدتنا وديننا، فإنا نعتقد أن ما هم عليه من الدين باطل، والأعياد الدينية من أبرز شعائر الدين، فكيف تستقيم مشاركتهم وتهنئتهم في ما هو من شعائر دينهم؟!! ولهذا المعنى شدد العلماء في الإنكار على المسلم الذي يهنئ الكفار بأعيادهم الدينية، فلا يحل لمسلم تهنئة أو مشاركة كافر في عيد يختص بدينه، ولا الإذن لمن له عليهم ولاية كأبنائه وزوجته بذلك، روى البيهقي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو قوله: من بنى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو على ذلك حشر معهم. ومع هذا نقول: إذا خاف المسلم الضرر الذي لا يمكن تحمله عادة من وراء عدم تهنئتهم أو مشاركتهم، رخص له في مجاملتهم بقدر الضرورة، مع الإنكار القلبي لما هم عليه، فلن يكون هذا أعظم مما رخص للمسلم في قوله عند الإكراه المشار إليه في قوله الله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم [النحل:106] . وأما عن الفرق بين مشاركة الكفار في أعيادهم الدينية وبين السلام عليهم فهو فرق شاسع جداً، ويدل على ذلك أن العلماء اتفقوا على عدم جواز تهنئة الكفار ومشاركتهم في تلك الأعياد، بينما اختلفوا في حكم ابتداء الكفار بلفظ السلام عليكم لا مجرد التحية، فلو أنه ابتدأهم بقوله: صباح الخير أو مساء الخير لم يك عليه حرج، لكن ابتداؤهم بقول: السلام عليكم هو موضوع الخلاف، فأكثر العلماء على منع الابتداء، واستدلوا بحديث: لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام. رواه مسلم. وذهب جمع من السلف إلى جواز ذلك، وقد فعله ابن مسعود وأبو أمامة وأبو الدرداء وعمر بن عبد العزيز، وهذه الأقوال مروية عنهم في المصنف لابن أبي شيبة وغيره، وقد سئل الأوزاعي عن مسلم مر بكافر فسلم عليه؟ فقال: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك. على أننا نقول: إن كانت هناك مصلحة كترغيبه في الإسلام أو دفع ضره، فلا نرى بأساً من إلقاء السلام عليه، وفي ألفاظ التحية الأخرى مندوحة للمسلم عن هذا الحرج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1424(1/542)
حكم تبادل أيام العمل مع النصراني ليتفرغ للكريسماس
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل ممرضاً في السعودية، وفي العمل معي نصارى، وفي العادة يجب علينا التعاون معاً لمصلحة العمل، هل يجوز إذا صادف يوم إجازتي عيد الكريسماس أن أبدله مع النصراني إذا طلبه مني؟ وهل أنا آثم إذا بدلت معه؟!!!
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لك التبادل في أيام العمل مع النصراني إذا كان ذلك سبباً لتفرغه للاحتفال بعيده، لأن هذا من التعاون على معصية الله تعالى، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] ، وتعاونك مع من تعمل معهم لا يجوز أن يكون في ما هو مخالف لشرع الله تعالى، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعليه فلا يجوز لك التبادل مع الكافر المذكور، وللتعرف على موقف المسلم من أعياد الكافرين راجع الفتوى رقم: 26883، 4589.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1424(1/543)
حكم قراءة القرآن والاستغفار لمن مات على الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت وأنا في الخامسة والعشرين من عمري ومات والدي ووالدتي وهما على دين النصارى، فهل يجوز لي أن أستغفر لهما وأقرأ لهما الفاتحة، وما حقهما علي، وكيف أبرهما بعد وفاتهما؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] .
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها، فأذن لي.
وفيه أيضاً عن أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: في النار، فلما قضى دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار.
قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: فيه أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقربين.
وإذا تقرر هذا عرفت أنه لا يجوز لك أن تستغفري لوالديك أو تقرئي لهما الفاتحة لأنهما ماتا على الكفر، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 6373.
أما حقهما عليك وبرهما بعد موتهما، فيكون بقضاء دينهما وإنفاذ عهدهما في غير مُحَرَّم، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وبر صديقهما من غير موالاة إذا كان كافراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1424(1/544)
حكم تبديل الاسم بغرض الإقامة في دولة أجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا موجود في السويد وقد قدمت طلب إقامة وبدلت اسمى والقصة التي عليها يعطون الإقامة وذلك لأسباب أمنية لأن بلدي يعتقل كل مسافر يبقى أكثر من سنة بدون موافقة وأنا أعمل هنا وليس غرضي الاستيطان وقد صرفوا لي مرتباً فهل يجوز أخد المرتب والإقامة وذلك لأعمل وليس الاستيطان أو لا يجوز؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن حكم الإقامة في بلاد الكفار في الفتوى رقم: 8614
وتقدم الكلام عن حكم تبديل الاسم، وذلك في الفتوى رقم:
22873
أما عن أخذ المرتب فإذا كانوا يعطونه إياك برضاهم، دون أن يلزموك القيام بعمل غير شرعي، فإنه لا شيء عليك في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1424(1/545)
دعوى مجاملة الكفار بطقوسهم الدينية دعوى باطلة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
سؤالي هو: لقد قام بعض الشباب بمشاركة الهندوس طقوسهم الدينية ولما سألتهم عن ذلك قالوا نحن
نجامل الهندوس فما حكم دخول تلك المعابد؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق أن بينا أنه لا تجوز مشاركة الكفار في عيد من أعيادهم، بل ولا تنهئتهم به في الفتوى رقم: 1425، والفتوى رقم: 4589.
إذا ثبت هذا.. فإن ما قام به هؤلاء الشباب منكر، تجب عليهم التوبة منه، بل قد يترتب عليه الكفر إذا كان هذا الفعل قد صدر عن حب ومودة ورضا بما هم عليه من الكفر، بل هذا الفعل بمجرده بريد إلى الوقوع في المودة والموالاة لهم، فالواجب بذل النصح لهم، وتذكيرهم بسوء عاقبة ما أقدموا عليه.
وأما دعوى المجاملة، فدعوى باطلة، وحجة واهية، وقد حذر الله تعالى منها نبيه صلى الله عليه وسلم حين قال له: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9] .
وبقوله سبحانه: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً* وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً* إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً [الإسراء:73-74-75] .
فليتق الله هؤلاء الشباب، وليتركوا مثل هذه التصرفات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1424(1/546)
دخول الكنائس يجوز من وجه دون وجه
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد الحمد الله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله.... وبعد:
أرسلت سؤالا في 25/ 8/ 2003 تحت رقم 588190 وجاء الرد في 7/ 9/ 2003 يتضمن أمثلة لا تمت للسؤال بأي صلة الرجاء الاهتمام، فهل بعد أسبوعين تصل الإجابة بهذه الصورة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما دخول الكنائس فلا مانع منه، قال ابن قدامة في المغني: وروى ابن عائذ في فتوح الشام أن النصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه حين قدم الشام طعاماً فدعوه فقال أين؟ قالوا في الكنيسة، فأبى أن يذهب، وقال لعلي: امِض بالناس فليتغدوا، فذهب علي رضي الله عنه بالناس فدخل الكنيسة وتغدى هو والمسلمون، وجعل علي ينظر إلى الصور، وقال: ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل، وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها الصور، ولأن دخول الكنائس والِبَيعِ غير محرم. انتهى.
وأما دخولها لحضور أعيادهم الدينية فمحرم، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 26883.
بخلاف حضور أفراحهم التي لا تتعلق بدينهم كعرس ونحوه فلا يحرم.
وأما الإكليل فهو في اللغة شبه عصابة مزينة بالجواهر، ذكر ذلك ابن منظور في لسان العرب، وأما عند النصارى فهو إكليل بالمعنى السابق يوضع على رأس يشوع.
وأما أنكحة الكفار فيقرون عليها، وهي صحيحة عند الجمهور فاسدة عند مالك، والصحيح هو مذهب الجمهور لأدلة كثيرة ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه أحكام أهل الذمة فتراجع، ومعنى فسادها عند المالكية أنه لا يقع طلاق ولا إيلاء كافر على كافرة قبل دخولهما في الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1424(1/547)
الإحسان إلى الكافرلا يستلزم مودته
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة لقمان آية رقم15 (وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) وفى سورة المجادلة آية رقم 22 (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم) نجد في السورة الأولى أنها تحث على مصاحبة الأبوين مهما فعلا حتى لو جاهدا على الشرك بالله وفي الصورة الثانية تجب محاربة الأبوين نرجو التفسير ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا تعارض بين الآيتين المذكورتين، وذلك لأن آية المجادلة تفيد أن موادة من يعلم أنه محاد لله ورسوله، تنافي الإيمان، ولو كان أقرب الناس، وآية لقمان تفيد وجوب بر الوالدين والإحسان إليهما ولو كانا مشركين، والإحسان إلى الكافر وبره، لا يستلزم مودته ومحبته وموالاته. لقول الله عز وجل: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] . قال الطبري: لا معنى لقول من قال ذلك منسوخ، لأن بر المؤمن بمن بينه وبينه قرابة نسب من أهل الحرب أو بمن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب، غير محرم ولا منهي عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1424(1/548)
اعتزال المجتمعات الفاسدة ... وتفصيل القول فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ هل يجوز أن يعتزل المسلم المجتمعات الفاسدة الكافرة إلى الجبل اعتمادا على ما جاء في بعض الأحاديث النبوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأمر في مسألة الهجرة من مظان الفتن يختلف حكمه باختلاف أحوال الناس والبلدان، وقد سبق تفصيل القول في هذه المسألة في الفتوى رقم: 12829.
وهذا في من كان من أهل تلك البلاد أصلاً، أما من قدم إليها من المسلمين فتجب الهجرة في حقه إلى حيث يأمن على دينه، ما لم تكن هنالك ضرورة أو مصلحة راجحة، وتراجع في هذا الفتوى رقم: 2007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1424(1/549)
حرمة مشاركة المسلم للكفار في أعيادهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مشاركة النصارى أفراحهم في الكنائس صحيح، وما معنى الإكليل، وإذا كان الإسلام قد محا شعائر النصارى فهل زواجهم يعتبر زنا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حرمة مشاركة المسلم للكفار في أعيادهم المختصة بهم، وذلك في الفتوى رقم: 4586، والفتوى رقم: 8327.
وأما نكاح المسلم للكتابية، فصحيح إذا استوفى شروطه وأركانه، وهذا ما سبق بيانه في الفتوى رقم:
15508، والفتوى رقم: 5315.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1424(1/550)
حكم إهداء الصليب للنصراني
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت سلسلة من الذهب وعليها علامة الصليب كانت عندي فترة ثم أعطيتها لنصراني فهل أنا شجعته على أن دينه حق فيتبع؟ وكيف أصحح خطئي؟ لأني أشعر بالخطأ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إهداءك هذه السلسلة لهذا النصراني تترتب عليه عدة محاذير:
الأول: أنه يغلب على الظن أن يلبس هذا الرجل هذه السلسلة من الذهب، ومن المعلوم حرمة لبس الذهب على الرجال، فتكون بذلك قد أعنته على الحرام.
الثاني: تشجيعه على ما هو فيه من ضلال، إذ أن الصليب شعار للكفر والكذب.
الثالث: هو أن الظاهر وجود مودة ومحبة منك تجاهه، إذ لو كان المقصود تأليفه على الإسلام لم تكن الهدية سلسلة من ذهب عليها صليب، وهذا يضعف عقيدة الولاء والبراء في قلب المسلم، وكان من الواجب عليك طمس تلك العلامة ونحوها.
فالواجب عليك التوبة مما فعلت، وألا تعود لمثله مستقبلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1424(1/551)
التواريخ لها ارتباط بطقوس أصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم كتابة النتيجة القبطبية بالنسبة للمسلم؟ علماً بأنها طلب من مدير الشركة القبطي.
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد:
فإن المسلم من شأنه أن يعتز بدينه ويحافظ على خصوصياته، اعتزازًا به، واكتفاءً به وبمميزاته عن غيره. فلا يعدل عن التاريخ الهجري والشهور القمرية إلى غيره من التواريخ، فوضع الصحابة رضوان الله عليهم للتاريخ الهجري وتركهم لغيره - مما كان موجودًا على عهدهم من التواريخ - دليل على أهمية استقلال المسلم عن عادات الكفار وتقاليدهم، لا سيما وأن التواريخ لها ارتباط في الغالب بطقوس أصحابها، ولا يجوز للمسلم أن يشارك الكفار فيما هو خاص بهم، أو ما فيه رمز لدينهم وشعائرهم.
وعليه فإنا نقول للسائل: لا تكتب النتيجة القبطية ولو طلب منك ذلك مديرك القبطي ما لم يترتب على عدم كتابتك لها ضرر لا يحتمل. مع العلم أن الشارع لم يعلق حكمًا شرعيًّا إلاَّ بالأشهر القمرية - مثل حلول الزكاة والصوم والحج والعدة والرضاعة، ونحو ذلك - الأمر الذي يحتم على المسلمين - وخصوصًا أولياء أمورهم - الاعتناء بالتاريخ الهجري، واعتماده في سائر معاملتهم، حتى لا تطمس تلك الشعيرة وتمحى من ذاكرتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1424(1/552)
المدارس التنصيرية.. ومنع الحجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
في بلدي غامبيا قال الرئيس بأنه ممنوع لبس الحجاب في مدارس النصارى التي تدرس فيها بعض المسلمات الراغبات في الحجاب حيث أن مسؤوليها لا يعجبهم الحجاب ومنعوها في مدارسهم والحكومة توافقهم على هذا
فما الحل؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليكم الحذر من مثل هذه المدارس التي تُشم منها رائحة الدعوة إلى الديانة النصرانية، وهي التي تُسمى في إصطلاح المعاصرين بـ (المدارس التنصيرية) ، ولا يأمن المرء فيها على أولاده من التأثر بهذه الدعوة الضالة، فضلاً عن انحراف أفكارهم وتشويه عقيدتهم، فإذا انضم إلى هذا الخطر المدلهم، منعهم من الحجاب الشرعي، كان ذلك آكد في المنع من دخولهم هذه المدارس، والله تعالى يعوضكم عن ذلك خيرًا. قال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2] . وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] .
وفي مسند أحمد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه، وصححه الأرناؤوط.
ولتراجع الفتويين التاليتين: 33062، 8080.
والله نسأل أن ييسر أمركم، ويفرج همكم، ويجعل لكم من الضيق مخرجًا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1424(1/553)
إهداء صليب من ذهب لنصراني محرم من عدة أوجه
[السُّؤَالُ]
ـ[أهديت لشخص نصراني قلادة ذهب فيها الصليب وجدتها هل أنا شجعته على الضلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإهداؤك قلادة من الذهب عليها صليب لشخص نصراني فيه عدة محاذير: الأول: هو إهداء الذهب للرجل ليلبسه، والذهب حرام على الرجال. والثاني: هو ما ذكرته من تشجيعه على الضلال، حيث إن القلادة عليها صليب، وهو رمز الكفر والكذب. الثالث: هو أن الظاهر من هذه الهدية وجود المودة والمحبة لهذا النصراني، إذ لو كان المقصود بالهدية هو تأليف قلبه للإسلام لم تكن الهدية قلادة ذهب عليها صليب. الرابع: هو أن هذه الهدية إذا كانت في شيء من مناسباتهم الدينية فإن ذلك يقدح في الولاء والبراء الذي هو أوثق عرى الإيمان. وراجع الفتوى رقم: 24601 وما أحلنا عليه فيها من الفتاوى. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1424(1/554)
حكم الصلاة في لباس فيه كلمة أجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة في لباس فيه كلمة أجنبية صغيرة أو بعنوان كبير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في الصلاة في الثوب الذي كتبت فيه كلمة أو كلمات عربية أو أعجمية ما لم تكن هذه الكلمة تحمل معنىً باطلاً، مثل (إله الحب) ، أو يكون شعارًا للكفر ونحو ذلك. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 5810.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1424(1/555)
حكم الانتماء إلى جمعية نصرانية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته
سؤالي إخوتي الأفاضل هو: ما هو حكم المسلم الذي ينتمي إلى جمعية نصرانية كعضو أو منتسب أو متطوع في تحصيل الأموال استنادا للقرآن والسنة؟
أرجو منكم إفادتي بأسرع وقت ممكن نظراً لضرورة المسألة.
جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز الانتماء إلى جمعية نصرانية سواء كان المنتمي إليها عضوًا أو متطوعًا؛ لأن في ذلك دعوة وترويجًا لهذه الجمعيات التي أقيمت في الأصل لإعانة النصارى، وتنصير المسلمين عن طريق الإعانة والكفالة والعلاج، ونحو ذلك، وفي الانتماء إلى الجمعيات الإسلامية -وهي كثيرة بحمد الله- غنية عن هذه الجمعيات النصرانية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1424(1/556)
أصناف الناس في الولاء والبراء، ومظاهر موالاة المؤمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[بحث عن كلمة الولا والبراء من نوالي ومن نعادي؟ وما هي مظاهر الموالاة وأقسام الناس من الولاء والبراء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما معنى الولاء والبراء، ومن تجب علينا موالاتهم، ومن تجب علينا معاداتهم، فقد سبق مع أدلته في الفتوى رقم: 32852 وغيرها من الفتاوى فراجعها.
أما مظاهر الموالاة للمؤمنين فكثيرة يجمعها قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] . وفسرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الجامع الذي يقول فيه: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. متفق عليه.
ومن هذه المظاهر حب المؤمنين، ومحبة الخير لهم، ونفعهم بما يستطاع، والإحساس بآلامهم ومعاناتهم، ونصرتهم، والنصح لهم، ومواساتهم، والوقوف معهم في سرائهم وضرائهم.
وإن كان المقصود مظاهر موالاة الكفار، فهي كثيرة منها ما هو كفر ومنها ما هو كبيرة، ومنها ما هو دون ذلك. وأعظم ذلك المحبة القلبية لهم ولدينهم، ومناصرتهم على المسلمين، والإعجاب بثقافاتهم وما هم عليه من الهدى والسلوك.
أما أصناف الناس في الولاء والبراء فهي أقسام:
الأول: من تجب موالاتهم موالاة خالصة لا بغض ولا معاداة فيها، وهم الأنبياء والصحابة والأئمة المشهود لهم بالإمامة في العلم والعمل من التابعين فمن بعدهم.
الثاني: من تجب البراءة منهم براءة خالصة لا محبة ولا موالاة فيها، وهم كل من حادَّ الله وبارزه بالعداء. قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22] .
الثالث: من تجب موالاتهم من وجه ومعاداتهم من وجه آخر وهم عصاة المؤمنين، يوالون ويحبون بقدر ما فيهم من الطاعة، ويعادون ويبغضون بقدر ما فيهم من المعصية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1424(1/557)
عمل المرأة في بلدها هو الحل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة كنت أدرس في الخارج، ووجدت فرصة عمل هناك، وأنا متغربة عن بلدي، والدي توفي، وأريد أن آتي بوالدتي لكي تعيش معي، إخوتي متزوجون ويصرفون على أنفسهم وأولادهم وفي مشاكلهم،، ماذا أفعل؟ لأنني أعمل وأتكفل بمصروفات نفسي ووالدتي، هل أرجع إلى بلدي؟ علماً بأنه لا يوجد من يصرف علي، وقد تقدم لخطبتي رجل ولكنني مترددة أفتوني يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمسلم فضلاً عن المسلمة الإقامة في بلاد الكفار إلاَّ للضرورة. وقد بيَّنَّا ذلك بدليله في الفتوى رقم: 2007 فليرجع إليها.
وعلى الأخت السائلة أن ترجع إلى بلدها، فإن احتاجت إلى العمل فلتبحث عن عمل يتناسب مع المرأة شرعًا وطبعًا، وتعمل فيه. وعليها أن تؤمن بأن من توكل على الله كفاه فهو القائل سبحانه: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3] ، والقائل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1424(1/558)
محل جواز تلبية دعوة غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
هل يجوز للمسلم أن يحضر حفل زفاف أو غيره يدعوه إليه جار غير مسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا تجب إجابة دعوة غير المسلم، ثم اختلفوا في استحبابها أو كراهتها على قولين: قال في الإنصاف: فعلى المذهب - أي الحنبلي - تكره إجابته، على الصحيح من المذهب.. قلت: ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله المتقدم: عدم الكراهة، وهو الصواب. اهـ
وفي نهاية المحتاج في فقه الشافعية: فلا تجب إجابة ذمي، بل تسنّ إن رُجِيَ إسلامه أو كان نحو قريب أو جار، وسيأتي في الجزية حرمة الميل إليه بالقلب. اهـ
وكلام الفقهاء المنقول هنا هو في إجابة الدعوة إلى وليمة النكاح على فرض خلو مكان الدعوة من المنكر. فإن اشتمل حفل الزفاف على منكر لا تمكن للمدعو إزالته، كاختلاط وتبرج واستماع معازف، فلا يجوز للمسلم حضور هذا الحفل، وكذا لو كانت تتم في الحفل قراءة شيء من كفرهم وتحريفهم، بل هذا أشد وأعظم، لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1424(1/559)
الاعتزاز بغير المسلم حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن فتاة تحتفظ على حاسبها الشخصي بمجموعة صور لأحد الأبطال الرياضيين وزعيم سياسي سابق (غير مسلم) ، وتقول إنها لا تحتفظ بها إلا من قبيل الاعتزاز بهما؛ هل يجوز ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حكم الاحتفاظ بالصور قد سبقت الإجابة عنه في الفتوى رقم:
1935.
وأما اعتزاز هذه الفتاة بالأشخاص غير المسلمين، فإنه حرام، فقد أخرج الشيخان وغيرهما من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المرء مع من أحب. قال في تحفة الأحوذي: أي يحشر مع محبوبه، ويكون رفيقا لمطلوبه. وظاهر الحديث العموم الشامل للصالح والطالح، ويؤيده حديث: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل، فعلى هذه الفتاة أن تتوب إلى الله وتترك عنها تلك الصور، وتستعيض عنها بالتاريخ الإسلامي، وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحياة الصحابة ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1424(1/560)
الشك في مال شخص هل يحرم مشاركته
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أعمل في معمل بسكويت ولكن هذا المعمل سير عمله معسر جداً، فحاولت أن أبحث في الأسباب فعرفت أن الشركاء هم أربعة (مسلمين ومتدينين) ، أما الخامس فهو صاحب الأرض مسبقاً عندما باعهم الأرض ألح على مشاركتهم وهو نصراني، وأصل ماله ليس من مصادر مشروعة، على الأرجح أنها من بيع المشاريب، السؤال: هل يمكن أن يكون هذا سبباً في تعسير أمور المعمل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
من الممكن أن يكون ما ذكرته سبباً في تعسير الأمور، ومن الممكن أن تكون الذنوب والمعاصي من بعض العاملين فيه، كما ينبغي للإنسان أن يتعود أن يلقي باللائمة على نفسه إذا ما استعصى عليه أمر من الأمور، وأما مشاركتهم لهذا النصراني -الذي ذكرت أن الأرجح أن أمواله من بيع المشاريب- فالشك في مال الشخص هل هو من حلال أم من حرام لا يجعل التعامل معه حراماً، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع اليهود في المدينة وهم أكَلة السحت، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي.
وأجاب دعوة يهودي دعاه على خبز شعير وإهالة سَنِخة وهذا ما لم يكن هو الذي يباشر البيع والشراء مستقلا عن المسلم، ولكن لو وجدوا بديلاً عنه لكان أفضل، فلو اشتروا حصته -مثلاً- أو حاولوا بطريقة أو أخرى إخراجه من هذه الشركة لكان أفضل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1424(1/561)
المقصود بالولاء والبراء
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي كيفيةالحجاب في الإسلام؟
وماهوالولاء والبراء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الولاء والبراء يراد بها موالاة المسلم إخوته المسلمين ومحبتهم ومحبة الدين وبغضه للكفار والبراءة منهم ومن أعمالهم ومعبوداتهم وعاداتهم، وحب المؤمن العاصي بقدر طاعته وبغضه بقدر عصيانه.
قال تعالى في موالاة المؤمنين: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة: 71] .
وقال تعالى في محبة الإيمان وكراهية الكفر والمعاصي: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ [الحجرات: 7] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في محبة المؤمنين وكراهة الكفر: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. رواه البخاري ومسلم.
ويقول أيضا: من أحب لله وأبعض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وقال تعالى في عدم موالاة الكفار: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 28]
وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء [الممتحنة: 1]
وقال تعالى إخبارا عن إبراهيم وبراءته من المشركين ومعبوداتهم وحضنا على التأسي به في ذلك: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه [الممتحنة: 4]
وراجع الفتوى
14945،رقم 3705،والفتوى رقم وراجع في كيفية الحجاب الفتوى رقم 6745،والفتوى رقم
42.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1424(1/562)
حكم انتخاب الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
شيخنا الفاضل أنا مسلم أعيش في أوروبا لي بطاقة إقامة أوروبية فكل مدة يجب علينا الانتخاب وليس في الناحية التي أقيم فيها مسلم مرشح، ننتخب على أحزاب أوربية لا نعرف ما في ذلك خيراً أو شراً، فهل هذا الانتخاب مع هؤلاء جائز وواجب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل في الإدلاء بالصوت في الانتخابات إذا كان المترشحون جميعاً كفاراُ، أنه غير جائز، وذلك لما فيه من معنى التولية للكافر والدخول تحت طاعته، لكن إذا أجبر المسلم عليه، ولم يكن له اختيار آخر، فإنه ينظر الأنفع للمسلمين من المترشحين، فينتخبه، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 5141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(1/563)
حكم التعلم في مدارس الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تعلم اللغة الإنجليزية في المعاهد الأمريكية في بلدي وهو اليمن، علما بأني أبتغي بتعلمها وجه الله وأتعلم اللغة لتساعدني كي أكون فعاله في مجال تخصصي وفهم ما يدور حولي.. هل تعلمها في ظل الظروف الراهنة حرام وما حكم المال الذي يدفع لهم قيمة للدورة التعليمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل هو جواز تعلم اللغات الأجنبية لتحصيل مصلحة شرعية، كأن يراد بذلك التعلم الزيادة العلمية في مجال يفتقر إلى معرفة هذه اللغات، وهذا المجال مما ينفع الإسلام والمسلمين، ولكن يشترط لجواز التعلم ألا يترتب عليه الوقوع في محرم، كالاختلاط بالرجال أو موالاة الكفار أو التشبه بهم أو إعانتهم على المسلمين، ونحو ذلك من المحرمات.
فإذا كنت تأمنين من الوقوع في تلك المحرمات، وكان مجال عملك مباحاً فلا حرج عليك في تعلم الإنجليزية في تلك المعاهد، وانظري للأهمية الفتوى رقم: 27842، والفتوى رقم: 8080.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1424(1/564)
حكم الترشيح للمجالس النيابية لخدمة المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما رأيكم في إمكانية تحالف الحركات الإسلامية مع الأحزاب العلمانية والشيوعية ضد الاستبداد من أجل تحقيق الحريات ومن ثم فسح المجال للدعاة لينتشروا بين الناس دون خوف، بمعنى آخر هل يجوزالنضال من أجل الحريات كمرحلة أولى قبل الحديث عن الشريعة ونحن نعلم أن الحريات تعني إمكانية أن ينتخب يوما ما شعب ما رئيساً علمانياً أو شيوعياً؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز التعاون مع الأحزاب العلمانية والشيوعية، لما تعتقده من أفكار إلحادية، فإن الترجمة الصحيحة للعلمانية هي: اللادينية أو الدنيوية، ومدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع، كما أن معنى الشيوعية يقوم على أساس تقديس المادة، وأنها أساس كل شيء، كما أنه مذهب فكري يقوم على الإلحاد، وعدم الاعتراف برب الأرض والسماوات، أما عن دخول المجالس النيابية عن طريق الانتخابات وغيرها، فالأصل أن نفع المسلمين بأي وسيلة لا تؤدي إلى الإثم أمر مشروع في الجملة، فمن كانت نيته بالترشيح لهذه المجالس خدمة المسلمين وتحصيل حقوقهم، فلا نرى مانعاً من ذلك، وقد بينا ذلك بإذن الله في الفتوى رقم:
5141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1424(1/565)
الترك سدا لذريعة التشبه بالكفار هو اللائق بالمسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء إفادتي بخصوص هذا السؤال: فأنا أعلم أن التشبه بالكفار والمشركين حرام وأنه ويجب على المسلم مخالفتهم بأي شكل كان، ومن المعروف أن النصارى يتخذون شجرة كرمز لعيد رأس السنة الميلادية عندهم وأنا قد وجدت هذه الشجرة تباع من أجل الزينة وللإضاءة أيضا فاشتريت منها بغرض تزيين منزلي ولكن ليس في أيام عيدهم فهل يجوز لي ذلك أفيدوني أفادكم الله..؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه إذا كانت هذه الشجرة تستخدم للزينة فحسب لا لغرض التشبه بالكفار وموافقتهم فيما يفعلونه من اتخاذها رمزاً في أيام أعيادهم فلا حرج في اقتنائها لذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث عمر: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
ولأن هؤلاء إنما يتخذون هذه الشجرة في وقت مخصوص، واقتناؤها للزينة حكمه كسائر الأشجار الأخرى التي تتخذ لذلك.
وليعلم أن ضابط التشبه بالكفار أن يفعل المتشبه ما يختص به المتشبه به، فما كان من الألبسة خاصا بالكفار فلا يجوز للمسلم لبسه كبعض القبعات توضع على الرأس، وبعض الثياب التي يتميز به القساوسة والرهبان والكهنة وما شابه ذلك.
لكننا ننصح بترك هذه الشجرة وما شابهها من كل شيء يتخذه أولئك الكفرة في أعيادهم أو أفراحهم سدا لذريعة التشبه بهم والتأسي بهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1424(1/566)
حكم الدراسة في مدارس نصرانية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يجوز وضع أطفالي في مدارس نصرانية؟ هل يجوز وضع الأطفال في مدارس نصرانية لما فيها من جودة تدريس وانضباط وأدب.. تقوم الراهبات بالإشراف وتدريس المواد كما تدرس مادة الديانة الإسلامية من قبل مدرسة مسلمة، وتوجد موجهة منتدبة مسلمة تقوم بالإشراف العام وأغلبية الطلاب من المسلمين، ولا تقوم الراهبات بأي نوع من أنواع العنصرية أو تعليمهم أشياء نصرانية، أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأولاد نعمة من نعم الله تعالى وأمانة في عنق العبد يجب عليه أن يشكرها ويحفظها من كل مكروه مادي ومعنوي.
وأول ما يجب أن تُحْفَظ به هو حفظ دينهم ... ولا شك أن من وضع أطفاله في المدارس الأجنبية أنه فرط في أمانته.
فهذه المدارس لها أهدافها القريبة والبعيدة، ولها مناهجها ووسائلها التي تريد أن تحقق بها هذه الأهداف.
ولا يغرنك تدريس بعض المواد الشرعية فيها، أو إذاعة القرآن الكريم.... أو الترتيب والانضباط.... فكل ذلك من باب دس السم في العسل والتمويه على المغفلين ليبعثوا بأبنائهم إليها.
ولهذا نقول للسائل الكريم: إنه لا يجوز للمسلم أن يدخل أبناءه في المدارس الأجنبية نصرانية كانت أو غيرها.
وأنه يجب على المسلمين أن يؤسسوا مدارس تقوم بتعليم أبنائهم ما يحتاجون إليه من علوم دينهم ودنياهم، وهذا فرض كفاية يجب القيام به فإذا أهمل أثم جميع من يستطيع القيام به ولم يفعله.
ولا بأس أن يأخذوا من غيرهم ويستفيدوا من تجارب الآخرين، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، ولمزيد من التفصيل نحيل السائل الكريم إلى الفتوى رقم:
8080، والفتوى رقم: 19730.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1424(1/567)
الجائز والحرام في الدعاء للكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء لطوائف الكفر عامة بالهداية أو بتخصيص طائفة بعينها كاليهود والنصارى والعلمانية بالهداية، وهل الدعاء لشخص كافر بعينه بالهداية يجوز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للمسلم أن يدعو للكفار بالهداية سواء كان المدعو له واحداً أو أكثر، ويجوز التأمين على دعاء الكافر لنفسه بالهداية وللمؤمنين بالنصرة ونحوه؛ بل يجوز الدعاء للكافر الذمي بالشفاء والصحة كما نص على ذلك جمع من أهل العلم، وإنما الحرام الدعاء له بالمغفرة لقول الله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] .
وقال بعض الفقهاء يحرم الدعاء للكافر بالمغفرة إذا كان ميتاً أو حياً وأراد الداعي المغفرة له مع موته، وعلى هذا تدل الآية السابقة وأما إذا أراد بقوله (اللهم اغفر له) إن أسلم أو أراد بالدعاء له بالمغفرة أن يحصل له سببها وهو الإسلام فلا حرج في ذلك، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 14165.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1424(1/568)
هذه الصداقة لا تجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم المؤمن أن يكون على صلة بفتاة مسيحية وإذا كانت هذه الصلة تفرضها طبيعة عمل لهذا المسلم وإن كانت مجرد علاقة طبيعية (كصداقة أو معرفة عمل) وليس فيها الحرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تجوز الصداقة بين مسلم وكافر لنصوص ثابتة في الكتاب والسنة تنهى عن موادة الكفار، ولما قد يترتب على ذلك من ميل القلب إليه والرضا بدينه، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 1234.
وهذا النهي عن موالاتهم لا يعني عدم برهم والإحسان إليهم كما سبق في الفتوى رقم: 4277.
وننبه إلى أن هذه العلاقة إذا كانت بين رجل وامرأة فإنها لا تجوز، ولو كانت الفتاة مسلمة فضلاً عن أن تكون نصرانية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1424(1/569)
حكم الانتفاع من خدمات الدولة الكافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن: أنا من القدس وتقوم إسرائيل بتوزيع كمامات للحماية من الغازات المتوقع انتشارها إذا تم ضرب العراق لا سمح الله فهل يجوز استخدام هذه الأقنعة بالعلم أنها تسلم إلينا ممن يقومون بقتلنا يومياً؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع شرعاً من الانتفاع من خدمات الدولة الكافرة، واستخدام مرافقها العامة، فقد انتفع المسلمون الأوائل من الخدمات العامة في المجتمع المكي، وكان في ذلك الوقت على شركه وعداوته للمسلمين، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم في حماية المطعم بن عدي وهو مشرك، جاء ذلك في سيرة ابن هشام، وله أصل في صحيح البخاري.
نسأل الله تعالى أن يكفي المسلمين شرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1423(1/570)
التعاون لا التعصب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما موقفكم من المشاركة في حزب سياسي إسلامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما ينبغي أن يعلم أن الواجب على المسلمين أن يكونوا أمة واحدة، وأنه لا يجوز التفرق والاختلاف الذي يؤدي إلى التباغض والتناحر، قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:104، 105] .
ومما لا شك فيه أن الواقع الذي تعيشه الأحزاب السياسية التي تنتمي إلى الإسلام واقع مؤلم يشوبه الكثير من المخالفات الشرعية، من تقاطع وتدابر، وبغض وكيد، وغير ذلك مما هو مضاد لمقصود الشرع.
لذا فإن الانتماء لحزب سياسي إسلامي بحاجة إلى وقفة ونظر، فإن كان هذا الحزب يتبنى منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والفكر والسلوك والأخلاق، ويتحرى الوسائل الشرعية في الدعوة والعمل من أجل الإسلام فيجوز الانتماء إليه من باب التعاون على الخير بلا تعصب للأسماء والشعارات أو عقد للولاء والبراء من أجل هذا الحزب، بل تبقى الأخوة لكل من أطاع الله ورسوله واتبع سبيل المؤمنين. قال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55، 56] .
وإن كان هذا الحزب يتبنى فكراً منحرفاً مناقضاً لفكر أهل السنة والجماعة فلا يجوز الانتماء إليه، لما في ذلك من المحادة لله ورسوله، واتباع سبل الشيطان. قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] .
وراجع الفتوى رقم: 6512.
وللدخول في الانتخابات عموماً لا بد أن تطلع على الفتوى رقم: 5141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1423(1/571)
الانتماء لحزب مشبوه بغية خدمة الإسلام.. نظرة شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أود أن أسأل عن ما حكم أن ينتمي الشخص لتنظيم غير موثوق به دينيا للوصول إلى الغاية وهي خدمة الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل أن يتعاون المسلم مع غيره من إخوانه الذين يسعون لإقامة الدين، ونشر الإسلام وتعليم الجاهل....
وهذا من باب التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله تعالى به في محكم كتابه، قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] .
أما الانضمام إلى الأحزاب العلمانية أو الشيوعية، أو التنظيمات الماسونية والمشبوهة، فلا يجوز لمحاربتها العلانية والخفية للإسلام وعدائها للمسلمين، ولأن أكثرها يعمل لصالح اليهودية العالمية أو الصليبية ...
وكثير من قادة هذه الأحزاب والمنظمات يتظاهر بالإسلام وربما رفع شعارات القومية أو الوطنية ... ليموه على العوام.
وقد انضم إليهم كثير من عوام المسلمين مع الأسف، فالانضمام لهؤلاء من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه في محكم كتابه، إلا إذا كان المسلم في بلد غير مسلم، ويلحقه الضرر إذا لم يكن منتمياً لحزب أو تنظيم يدافع عنه أو يحميه من الظلم..... فهذا يجوز له من باب الضرورة، ويقدر ذلك بقدر ما يضطر إليه.
وأما الانتماء إليهم والدخول فيهم بقصد خدمة الإسلام، فهذا لا يجوز إلا بإذن الإمام أو تكليف منه أو ممن ينوب عنه، وذلك لما يترتب عليه من مخاطر، أما إذا كان بإذن الإمام أو تكليف منه فإنه يجوز، فقد كلف النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه ببعض المهام وهم داخل الكفار وفي صفوفهم، ومن هؤلاء نعيم بن مسعود رضي الله عنه في غزوة الأحزاب، وقد وردت قصته في سيرة ابن هشام ولها أصل في الصحيحين، ومنهم عبد الله بن أنيس رضي الله عنه في سريته المشهورة حيث انتسب إلى خزاعة، كما في سيرة ابن هشام وأخرجه أبو داود وغيره.
والحاصل: أنه لا يجوز للمسلم الانتماء إلى الأحزاب والمنظمات المشبوهة.... إلا في حالة الضرورة أو بتكليف من إمام المسلمين أو من ينوب عنه من أهل الحل والعقد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1423(1/572)
وسائل الحفاظ على الهوية الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحن من مسلمي فلسطيني ال 48 نسكن مع الصهاينه أخلاقنا بدأت تنحرف من المخالطة معهم ماذا نفعل؟ وبارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فخير ما يعينكم على عدم التأثر باليهود في أخلاقهم، عدة أمور عملية تحفظ الشخصية الإسلامية:
أولاً: أن تقيموا علم الولاء والبراء في قلوبكم، والذي يعني وجوب محبة المؤمن ونصرته وبغض الكافر وعداوته، قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [الممتحنة:4] .
فمن الركائز التي تتميز بها شخصية المسلم الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من كل من حاد الله ورسوله واتبع غير سبيل المؤمنين.
ومن الآثار الحميدة لعقيدة الولاء والبراء أنها تمنع شخصية المسلم من الذوبان في غيرها.
والمتأمل في القرآن الكريم يقف على آيات كثيرة تؤيد هذا المعنى وتؤكده، كقول الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71] .
وكقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ [محمد:25-26] .
ثانياً: الحذر من التشبه باليهود: وسواء كان التشبه بهم في لباس أو طريقة كلام، أو قصة شعر ونحو ذلك مما هو من خصائصهم التي تميزهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. رواه أبو داود، وقال عنه الألباني رحمه الله: حسن صحيح. صحيح أبي دواد 2/761.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجاناتهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة. رواه البيهقي.
ثالثاً: معرفة ما أعد الله لهم من سوء العذاب بسبب ما هم عليه من الكفر في الاعتقاد والفسق في الأعمال، وأنهم بذلك استوجبوا لعنة الله ورسوله، قال الله تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة:78] .
رابعاً: عدم الاختلاط بهم إلا من ضرورة، لأن الاختلاط بهم داع إلى مشاكلتهم في أخلاقهم لأن الطباع سرَّاقة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه أحمد.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه الترمذي وأبوداود.
خامساً: استحضار جرائمهم من قتل الأنبياء والأبرياء والغدر في العهود واحتقار غيرهم من الأمم والسعي في الأرض بالفساد، إلى آخر ما حفل به سجلهم عبر التاريخ وإلى اليوم، كما هو مشاهد، وأهل فلسطين في هذا العصر لهم النصيب الأوفى والحظ الأكبر من جرائمهم، ففي هذا أعظم تنفير لكم من التأثر بهم.
سادساً: الحرص على إقامة الواجبات، وترك المحرمات، كالحرص على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.... إلى غير ذلك من أركان الإسلام، وكالحرص على الائتمار بينكم بالمعروف والتناهي عن المنكر، وأمر النساء بالحجاب، والعناية بتربية الأولاد تربية إسلامية، وكذلك الحرص على الابتعاد عن التعامل بالربا والتجارة في المحرمات، والاستماع إلى الغناء..... إلى آخر ما يلزم المسلم الانتهاء عنه.
سابعاً: الحرص على الترابط وإقامة علاقات وصلات جيدة بينكم خاصة، ومع باقي المسلمين عامة، فهذا من شأنه أن يوحد أمركم ويقوي عزمكم، ويعينكم على مواجهة عدوكم، قال صلى الله عليه وسلم: المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا. وشبك بين أصابعه. رواه مسلم.
وقال أيضاً: عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. رواه أحمد.
ثامناً: أن تعتزوا بإسلامكم وإيمانكم، كما قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] .
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به، أذلنا الله. رواه الحاكم وغيره، وصححه الألباني رحمه الله.
وأن تعلموا أن ما عليه الكفار من يهود وغيرهم من تقدم مادي ومناهج وفلسفات، مهما زينوه وبهرجوه، ففيه من الخلل والفساد بسبب كفرهم ما يمنع اكتمال نفعهم به، فلا ينبغي للمسلم أن ينبهر بهم، ولهذا شبه الله الكفار بالأنعام السارحة؛ فقال تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171] .
وقال تعالى: إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] .
يسر الله أمركم، وأهلك عدوكم، وأعانكم على أنفسكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1423(1/573)
[السُّؤَالُ]
ـ[]ـ
[الفَتْوَى]
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1423(1/574)
التعلم في الجامعات الأجنبية يختلف حكمه باختلاف الحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التعليم في الجامعات الأجنبية حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الالتحاق بالجامعات الأجنبية للدراسة يختلف حكمه باختلاف الحاجة الداعية إلى ذلك، فإن كانت هناك حاجة ماسة تدعو إلى الالتحاق بها بأن يتوفر لدى هذه الجامعات من العلوم الضرورية ما لا يتوفر لدى غيرها من الجامعات فلا بأس بالدراسة فيها.. بشرط أن يكون المسلم الملتحق راسخ العقيدة عنده قدر من العلم يمنعه من الوقوع في الشبهات المثاره أو الشهوات المحرمة.
أما إذا لم تكن هناك حاجة فلا ينبغي الالتحاق بها لما فيها من مفاسد وفتن عظيمة تضر بدين المرء وخلقه، وللاستزاده تراجع الفتوى رقم:
8080.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1423(1/575)
حكم الاحتفال بعيد أول السنة الميلادية الكريسمس.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاحتفال بعيد الكريسمس (أول السنة الميلادية) ؟ بالتفصيل. وجزاكم الله خيراً......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لأحد من المسلمين مشاركة أهل الكتاب في الاحتفال بعيد الكريسمس "أول السنة الميلادية" ولا تهنئتهم بهذه المناسبة لأن العيد من جنس أعمالهم التي هي دينهم الخاص بهم، أو شعار دينهم الباطل، وقد نهينا عن موافقتهم في أعيادهم، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار:
1- أما الكتاب: فقول الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72] .
قال مجاهد في تفسيرها: إنها أعياد المشركين، وكذلك قال مثله الربيع بن أنس، والقاضي أبو يعلى والضحاك.
وقال ابن سيرين: الزور هو الشعانين، والشعانين: عيد للنصارى يقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصح ويحتفلون فيه بحمل السعف، ويزعمون أن ذلك ذكرى لدخول المسيح بيت المقدس كما في اقتضاء الصراط المستقيم 1/537، والمعجم الوسيط1/488،
ووجه الدلالة هو أنه إذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرد الحضور برؤية أو سماع، فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذي هو عمل الزور، لا مجرد شهوده.
2- وأما السنة: فمنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذا اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر. رواه أبو داود، وأحمد، والنسائي على شرط مسلم.
ووجه الدلالة أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما...... والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، وقوله صلى الله عليه وسلم: خيراً منهما. يقتضي الاعتياض بما شرع لنا عما كان في الجاهلية.
3- وأما الإجماع: فمما هو معلوم من السير أن اليهود والنصارى ما زالوا في أمصار المسلمين يفعلون أعيادهم التي لهم، ومع ذلك لم يكن في عهد السلف من المسلمين من يشركهم في شيء من ذلك، وكذلك ما فعله عمر في شروطه مع أهل الذمة التي اتفق عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم: أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، وإنما كان هذا اتفاقهم على منعهم من إظهارهم، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها! أو ليس فعل المسلم لها أشد من إظهار الكافر لها؟
وقد قال عمر رضي الله عنه: إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم فإن السخطة تتنزل عليهم. رواه أبو الشيخ الأصبهاني والبيهقي بإسناد صحيح.
وروى البيهقي أيضاً عن عمر أيضاً قوله: اجتنبوا أعداء الله في عيدهم.
قال الإمام ابن تيمية: وهذا عمر نهى عن تعلم لسانهم، وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم، فكيف بفعل بعض أفعالهم؟! أو فعل ما هو من مقتضيات دينهم؟ أليست موافقتهم في العمل أعظم من الموافقة في اللغة؟! أو ليس عمل بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم؟! وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم، فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد تعرض لعقوبة ذلك؟ ثم قوله: واجتنبوا أعداء الله في عيدهم. أليس نهياً عن لقائهم والاجتماع بهم فيه؟ فكيف عن عمل عيدهم......... اقتضاء الصراط المستقيم 1/515
4- وأما الاعتبار فيقال: الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله فيها: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة:48] .
قال ابن تيمية: فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل إن الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه. اقتضاء الصراط المستثقيم 1/528
وقال أيضاً: ثم إن عيدهم من الدين الملعون هو وأهله، فمواقتهم فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه....
ومن أوجه الاعتبار أيضاً: أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس بل عيداً لهم، حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزيد عليه حتى يكاد أن يقضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر....
هذا ما تيسر ذكره من الأدلة. ومن أراد الاستزادة فليراجع اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية، وأحكام أهل الذمة لابن القيم، والولاء والبراء في الإسلام لمحمد سعيد القحطاني.
وبناءً على ما تقدم نقول: لا يجوز للمسلم مشاركة أهل الكتاب في أعيادهم، لما تقدم من أدلة الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار، كما لا يجوز تهنئتهم بأعيادهم لأنها من خصائص دينهم أو مناهجهم الباطلة، قال الإمام ابن القيم: وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.
وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه..... إلخ. انظر أحكام أهل الذمة 1/161 فصل في تهنئة أهل الذمة ... لابن القيم رحمه الله.
فإن قال قائل: إن أهل الكتاب يهنئوننا بأعيادنا فكيف لا نهنئوهم بأعيادهم معاملة بالمثل ورداً للتحية وإظهاراً لسماحة الإسلام..... إلخ.؟
فالجواب: أن يقال: إن هنئونا بأعيادنا فلا يجوز أن نهنئهم بأعيادهم لوجود الفارق، فأعيادنا حق من ديننا الحق، بخلاف أعيادهم الباطلة التي هي من دينهم الباطل، فإن هنئونا على الحق فلن نهنئهم على الباطل.
ثم إن أعيادهم لا تنفك عن المعصية والمنكر وأعظم ذلك تعظيمهم للصليب وإشراكهم بالله تعالى وهل هناك شرك أعظم من دعوتهم لعيسى عليه السلام بأنه إله أو ابن إله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، إضافة إلى ما يقع في احتفالاتهم بأعيادهم من هتك للأعراض واقتراف للفواحش وشرب للمسكرات ولهو ومجون، مما هو موجب لسخط الله ومقته، فهل يليق بالمسلم الموحد بالله رب العالمين أن يشارك أو يهنئ هؤلاء الضالين بهذه المناسبة!!!
ألا فليتق الله أولئك الذين يتساهلون في مثل هذه الأمور، وليرجعوا إلى دينهم، نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال جميع المسلمين.
والله أعلم. ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1425(1/576)
التجنس بجنسية الدول الكافرة لغرض الحصول على امتيازات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التجنس بجنسية دولة أجنبية كاستراليا حيث أنني أحصل عليها (الجنسية) بعد إقامتي سنتين وذلك بسبب ما أرى من تمييز في المعاملة والامتيازات التي يتمتع بها هؤلاء وخصوصا في دول الخليج، وأنا أعتقد أن المسلم الذي يحمل جوازاً أجنبياً محترم أكثر من غيره.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلم أن يتجنس بجنسية دولة كافرة كأستراليا أو غيرها، لأن ذلك وسيلة إلى قبول أحكامهم وموالاتهم والموافقة على ما هم عليه من الباطل ولو بعد حين.
وما ذكره السائل الكريم من الامتيازات التي يتوقعها بعد حصوله على الجنسية ليست بشيء إذا ما قورنت بما قد يتعرض دينه وأخلاقه من أخطار، وقد ثبت في الصحيح عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين. رواه أبو داود والترمذي
وانظر الفتاوى التالية أرقامها:
1204 12829
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1423(1/577)
حكم الهدايا للمعلمات الكافرات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيم في بلد أوروبية للدراسة وأبنائي يتلقون تدريس اللغة الإنجليزية في مدرسة أجنبية فأريد من المعلمات زيادة الاهتمام بأبنائي لصغر سنهم فأقوم بإرسال بعض الهدايا لمعلماتهم، فهل يعتبر ذلك من الولاء للكفار أفيدوني مأجورين؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتجوز الهدية إلى الكافر، وليس ذلك من الولاء للكفار، فقد ثبت عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة، ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد (اسم البائع) ما قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أكسكها لتلبسها، فكساها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخا له بمكة مشركاً. متفق عليه.
قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم: وفي حديث عمر في هذه الحالة: جواز إهداء المسلم إلى المشرك ثوباً وغيره.
ولكن بما أن هذه الهدايا، إلى المعلمات، قد تؤدي إلى الاهتمام بأولادك ومحاباتهم على حساب باقي الطلاب فعلى هذا لا تجوز لكونها ظلماً للآخرين، والظلم محرم ولو كان لكافر، قال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة:8] .
واعلم أن الهدية متى كان أخذها مقابل حق يلزم أداؤه، أو مقابل عمل باطل يجب تركه، تحولت إلى رشوة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن الراشي والمرتشي. رواه الإمام أحمد والأربعة، وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان.
ثم إن تربية الأولاد على أيدي الكافرات فيها محاذير كثيرة، من أخطرها: إفساد عقائد الأولاد كما جرى لكثيرين، وتنشئة الأولاد على التشبه بالكافرين في أخلاقهم من عدم العفة وقلة الحياء.... ألخ، والواجب على الوالد أن يقي أبناءه من كل شيء مما شأنه أن يقربهم من النار، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/578)
التهنئة بشعائر الكفر المختصة به حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد إرسال بطاقة التهنئة بمناسبة عيد الميلاد إلى زميلي، فهل يجوز ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز إرسال بطاقة التهنئة بمناسبة عيد ميلاد المسيح لأن التهنئة بشعائر الكفر المختصة به حرام بالاتفاق كما قال ابن القيم رحمه الله.
ومثله التهنئة بميلاد أي شخص كان، لأن مثل هذه الاحتفالات والتهاني من المحدثات ومن التشبه بالكفار، وليس للمسلمين إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، وعيد ثالث هو عيد الأسبوع الجمعة، وما عدا ذلك فلا يجوز الاحتفال به ولا التهنئة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1423(1/579)
لا تعلموا رطانة الأعاجم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التكلم ببعض الكلمات الأجنبية أحيانا وليس دائما حرام مثلا ok, bye؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ينبغي للمسلم أن يتكلم بغير اللغة العربية لغير حاجة إن قدر على ذلك، لأن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: واللغات من أعظم شعائر الأمم التي يتميزون بها. انتهى
فقد روى البيهقي بإسناد صحيح، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أن عمر قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم.
وروى السلفي بإسناده إلى الشافعي أنه كره تسمية التاجر بالسمسار إذ قال: فلا نحب أن يسمي رجل يعرف العربية تاجراً إلا تاجراً، ولا ينطق بالعربية فيسمي شيئاً بالعجمية، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها، لأنها اللسان الأولى بأن يكون مرغوباً فيه من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية. انتهى
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله، ولأهل الدار، وللرجل مع صاحبه، ولأهل السوق أو للأمراء، أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم ... إلى أن قال: واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بيناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1423(1/580)
لا يجوز الدعاء للميت الكافر ولا إهداء الثواب له
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يمكن التخفيف على أمواتنا بالصدقة أو الدعاء حتى لو كانوا من النصارى (أقارب من جهة الأم) ؟ وشكراً جزيلاً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن مات كافراً فإنه لا يجوز الدعاء له ولا إهداء ثواب الأعمال الصالحة سواء كان قريباً أو بعيداً وقد تقدمت التفاصيل في الفتاوى التالية أرقامها:
18298 -
14165 -
6373.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1423(1/581)
شروط جواز زيارة النصراني وتبادل الهدايا
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق (جاري) نصراني بيننا صداقة وزيارات وهدايا ومناسبات ماحكم الشرع في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في زيارة الكافر والهدية له، وقبولها منه إذا أريد بذلك تأليفه للإسلام، ولا بأس بحضور دعوته في مناسباته غير الدينية كنكاحه ونحوه، وذلك بشرط ألا تشتمل على محرم من خمر أو اختلاط أو غيرهما.
أما مناسباته الدينية فلا تجوز مشاركته في الاحتفال بها كما هو مبين في الفتوى رقم:
4589
وأما موالاته ومحبته وصداقته، فلا تجوز لما سبق مفصلاً في الفتوى رقم: 1234 والفتوى رقم: 18719
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1423(1/582)
حكم السفر لبلد يستهان فيه بالمعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قص جواز السفر للمرأة بحجة السفر لبعض البلدان العربية الإباحية للنزهة والمتعة؟ وهل رؤية الرجال لصورتها من قبل رجال الجوازات جائز أم لا؟ وما هو رأيكم في ما يفعله الشباب بالسفر بزوجاتهم بعد الزواج مباشرة إلى تلك البلدان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سفر المرأة مع زوجها لغير بلاد الكفر أمر جائز، ولو كان للنزهة.
هذا من حيث الأصل، ولا حرج في مستلزمات السفر من نحو: الجواز، والصورة التي فيه، إذ هذا النوع من الصور لم يكن من الحرام البين، ولا سيما إذا دعت إليه حاجة.
لكن ينبغي النظر في حكم هذا السفر إذا كان لبلد تنتهك فيه حرمات الله، ويستهان فيه بالمعاصي، والظاهر -والله أعلم- أنه إذا تيقن الشخص من أنه سيشاهد هذه المنكرات، ويجالس أهلها في الوقت الذي لا يستطيع فيه تغيير هذه المنكرات أنه لا يجوز هذا السفر لا لرجل ولا لامرأة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1423(1/583)
أحكام التعامل مع الكفار على اختلاف نحلهم ومواقفهم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم, برجاء إفتائي في تعاملات المسلم مع غير المسلم, وإن كان هناك تفرقة بين معاملة اليهود والنصارى والملحدين فبرجاء إيضاح ذلك. وشكرا لكم والله ولي التوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت لنا فتاوى عديدة حول ضوابط التعامل مع الكفار حربيين كانوا أو غير حربين، فراجع منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1367 3681 1724 20632 541 3308
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1423(1/584)
علاقة المسلم بالنصارى، حدودها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يجب ان تكون علاقتنا بالنصارى وهل إذا أحببناهم وعاملانهم معاملة حسنة نكون قد فعلنا فعلا
حراماً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت لنا فتاوى كثيرة فيها بيان ما تسأل عنه، وهي بالأرقام التالية: 7885 1234 1486
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1423(1/585)
الكنسية ليست مكانا لتلقي العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... ... ...
أنا في دولة أجنبية وعندي ولد عمره 3 سنوات أريد أن أدخله مدرسة ولكن المدرسة التي بجانبنا كنيسة عبارة عن روضة للأطفال هل يجوز ذلك أم لا؟ وجزاكم الله خيراً......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز إدخال الأبناء هذه المدارس لما يترتب عليه من إفساد فطرهم وتعايشهم مع أنكر المنكرات في هذه الكنائس، فينشأ الطفل وليس عنده فرق بين المسجد الذي يوحد الله فيه، والكنيسة التي يشرك بالله فيها، ثم إن الطفل لا يؤمَن عليه في هذا الجو أن يكبر وهو ضعيف الإيمان مهزوز العقيدة.
وانظري الفتوى رقم: 8080.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1423(1/586)
ضابط التشبه الممنوع بالكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث يقول: " ... ولا تتشبهوا باليهود "
السؤال: ما نوع التشبه الذي قصده النبي صلى الله عليه وسلم، أهو التشبه الفعلي أم من ناحية المظهر.
ومن هم اليهود المقصودون في هذا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد نهى الإسلام عن التشبه بالكافرين عموماً سواء كان ذلك من ناحية المظهر واللباس، أو كان من قبيل قصة الشعر والأكل.. وغير ذلك من الأمور التي جعل الضابط فيها أن يقوم الإنسان بشيء يختص به الكفار بحيث يظن من رآه أنه من الكفار.
أما ما انتشر بين المسلمين ولا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهاً؛ وإن كان أصله مأخوذا من الكفار.
قال الحافظ في الفتح: وإن قلنا النهي عنها: "أي عن المياثر الأرجوان" من أجل التشبه بالأعاجم فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار، ثم لما لم يختص بشعارهم زال ذلك المعنى فتزول الكراهة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1423(1/587)
مخاطر مصادقة الملحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في من يصاحب ملحدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مصاحبة أصدقاء السوء خطر عظيم، وبلاء كبير يعرض الإنسان لأنواع من المفاسد في دينه ودنياه.
ومن هذه المفاسد:
1-أن الإنسان مجبول على الاستفادة من أصدقائه والتأثر بهم، وكما قيل: الطباع سراقة.. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل " رواه أحمد وأبو داود والترمذي
2-أن الصديق السيء يتبرأ من صاحبه يوم القيامة، كما قال سبحانه: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) [الزخرف:67]
3-أن المرء يكون يوم القيامة مع من أحب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المرء مع من أحب " متفق عليه.
فهل يرضى مسلم أن يكون يوم القيامة مع ملحد؟!
4-أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الجليس السوء بنافخ الكير الذي يضر جليسه، فيحرق ثيابه أو يشم منه رائحة كريهة، ولا أعظم ضرراً من الجلوس مع ملحد بمرض القلب، وربما قذف في قلب صاحبه شيئاً من الشبهات.
5-ومن المفاسد: تشويه صورة الإنسان بصحبته للملحد، وربما ظن الناس أنه مثله في السوء. وقديما قيل:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
وإضافة إلى هذه المفاسد، فإن المؤمن مطالب بالبراءة من الكافرين والملحدين، وألا يكون في قلبه مودة لهم، كما قال سبحانه: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة:22] وقال سبحانه: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) [التوبة:73] وقال سبحانه: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود: 113]
والحاصل أن المصادق للملحد على خطر عظيم، ويخشى على قلبه ودينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1423(1/588)
لا تكلف إلا نفسك.
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تاجر في المواد الغذائية العامة فما حكم بيع المواد ذات الصنع الصهيوني مثل كوكاكولا مع العلم أن كل التجار تقريبا يبيعونها فأنا الوحيد في منطقتي الذي لا يبيعها فوجدت أن تأثيري ضعيف هل أستمر في مقاطعة بيعها أم كيف؟ لعلمكم أنا وأهلي من المقاطعين لكل هذه المواد ذات الصنع الصهيوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن المقاطعة الاقتصادية اليوم سلاح نافع يلحق الضرر الكبير بالدولة المقاطعة، وحيث إن اليهود محاربون للإسلام والمسلمين فأقل ما يجب على كل مسلم هو أن يقاطع منتجاتهم.
وبالتالي فإننا ننصحك بعدم بيع منتجات الشركات اليهودية، وعليك بنصح المسلمين بمقاطعتها فإن استجابوا لك فذلك المطلوب، وإلا فلا تكلف إلا نفسك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1423(1/589)
يتصرف بالهدية المحظورة بما فيه المصلحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أهدي إلينا صندوق من المشروبات الغازية ولكننا نقاطعها لأنها من ضمن البضاعة المقاطعة فهل نرمي بها بالزبالة أم نبيعها للبقالة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمثل هذه المشروبات ليست محرمة لذاتها، وإنما أفتى كثير من العلماء بحرمة شرائها لما في ذلك من إعانة العدو اقتصادياً وهو في حالة حرب على الإسلام والمسلمين.
وحيث إنها قد اشتريت فعلاً فلا يجوز لكم إتلافها لما فيه من إضاعة المال، ولكم أن تتناولوها أو تتصرفوا فيها بما شئتم من بيع أو هبة أو تصدق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1423(1/590)
الممنوع يجوز للمضطر
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني والحمد لله مقاطعة للبضاعة اليهودية منذ فترة. ولكنني مصابة في نفس الوقت بداء السكري ولا أستطيع شرب العصائر الطبيعية ولا الصناعية وذلك لاحتوائها على نسبة من السكر الذي عند ارتفاعه يضر بحالتي الصحية. فهل أستطيع شرب البيبسي أو الكولا الخالية من السكر. الرجاء الرد على سؤالي لأنني بحاجة الى الإجابة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل جواز استعمال هذه المشروبات، وإنما دعا العلماء لمقاطعتها في هذه الأيام للسبب الذي ذكرت، ولكن من كانت له ضرورة أو حاجة مثلها تدعو إلى استعمال تلك المنتجات وما شابهها ولم يجد ما يغني عنها فلا حرج عليه في استعمالها، ولا تتناوله دعوة العلماء إلى مقاطعتها، لأن الضرورة تبيح المحظور المحرم لذاته، فمن باب أولى أن تبيح ما دون ذلك مما الأصل فيه الحل، وبناء على ذلك فلا حرج عليك في استعمال هذه المشروبات، وراجعي الفتوى رقم:
11710 وكذلك الأرقام المحال إليها فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1423(1/591)
[السُّؤَالُ]
ـ[]ـ
[الفَتْوَى]
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1423(1/592)
حكم الدعاء للكافر غير الحربي بمنافع الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق زوجته نمساوية وهي غير مسلمة وهي امرأة طيبة وكريمة ومحبوبة من جميع المسلمين. وقد مرضت بمرض خطير (1) فهل يجوز لنا نحن المسلمين أن ندعو لها بالشفاء (2) وبعد أن أخذ الله روحها فهل يجوز قراءة الفاتحه عليها. وجزاكم الله خير.
صلاح احمد
فينا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج عليكم في الدعاء لزوجة المسلم النصرانية المريضة بالشفاء، لأنه يجوز الدعاء للكافر غير الحربي بمنافع الدنيا، كما هو مبين في الفتوى رقم:
14165.
وأما الدعاء للكافر الميت بالمغفرة أو إهداء ثواب قراءة القرآن إليه فلا يجوز بإلاجماع، كما هو مبين في الفتوى المشار إليها والفتوى رقم: 6373. فيحرم عليكم وعلى زوجها فعل ذلك.
وأعلم أن الاجتماع للتعزية عند أهل الميت وقراءة الفاتحه إلى روحه في ذلك المقام بدعة لا تجوز ولو كان الميت من المسلمين، كما هو مبين في الفتوى رقم:
12229.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1423(1/593)
من وسائل المبشرين لتدنيس هوية المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد أشرف الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين
السادة مشرفو مركز الفتوى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال:
نحن مقيمون في بلد من البلاد الغربية لفترة مؤقتة، وزوجتي تذهب إلى إحدى المدارس القريبة من المنزل يومين في الأسبوع لتتعلم الحياكة وبعض الإنجليزية، وهناك يقدمون مأكولات وملابس بعضها جديد والباقي مستعمل بالإضافة إلى العديد من الخدمات.
وزوجتي تحضر معها في كل مرة مأكولات وملابس ولعب للأطفال (على الرغم من قدرتنا المالية) ، فهل أخذ هذه الأشياء حلال أم حرام علما بأن العديد من الجنسيات الأخرى يكونون موجودين ويأخذون من هذه الأشياء أيضا.
أفيدونا أفادكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو سلمى]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل الإجابة على السؤال لا بد من بيان حكم الإقامة في بلاد الكفر، لأنها من المسائل المهمة ولها علاقة بواقع الحالة التي وردت في السؤال، فإنه بالنظر إلى نصوص الشرع، واستناداً إلى واقع الحال، لا يشك أحد في عدم جواز الإقامة في ديار الكفر لأدلة وردت في ذلك، ومن هذه الأدلة:
1- ما ثبت في سنن أبي داود وسنن الترمذي بإسناد حسن عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، لا تراءى ناراهما " ولأن المسلم مأمور بالهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام وجوباً أو استحباباً حسب الحال، كما في مسند أحمد وسنن أبي داود بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها " هذا بالإضافة إلى أن الواقع يشهد بأن بلاد الكفر فيها إباحية وأسباب للفتن لا تحصى ولا تعد، والمسلم مأمور بالفرار بدينه من أسباب الفتن.
وقد تكون هنالك بعض الحالات يجوز فيها السفر لبلاد الكفر للحاجة أو الضرورة، من ذلك:
1-الذهاب بقصد القيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى، ولا يتم ذلك إلا بالسفر إليها، وما لا يتم المأمور به إلا به فهو مأمور به. هذا مع مراعاة تسلح هذا الداعية بعلم يتقي به الشبهات، وإيمان يحتمي به من الشهوات.
2- حالات العلاج التي قد لا تتيسر في بلد مسلم.
أما موضوع السؤال فنقول في الإجابة عليه: إن مثل هذه المؤسسات التي يقوم عليها غير المسلمين، والنصارى خاصة، يكون دورها في الغالب تبشيرياً، وغزواً فكرياً لطمس هوية المسلم، وكثيراً ما يستخدمون مثل هذه المساعدات للتأثير على النفوس بجانب الإحسان، وهذا أمر معلوم متواتر، وصدق الله عز وجل حيث يقول: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنفال:36] فنصيحتنا هو ألا تأخذوا هذه الأشياء، بل ننصح بعدم ذهاب زوجتك لهذا المكان، بل والعودة إلى بلادكم أو الذهاب للإقامة في أي بلد مسلم، فإن أرض الله واسعة، ورزق الله تعالى متوفر في كل مكان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(1/594)
نظرة الكفار للمسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي نظرة الكافر تجاه المسلم , سيئة أم حسنة
مع أن الإنسان مسلم بالفطرة..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففما لا شك فيه أن نظرة كثير من الكفار إلى المسلمين سيئة وليست حسنة، كما بين ذلك ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:109] . ولهذا حذرنا ربنا من سلوك سبيلهم وحرم علينا موالاتهم في آيات كثيرة منها: قوله تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّار [هود:113] . وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] .
وأما قولك: إن الإنسان مسلم بالفطرة فلعلك تشير إلى قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30] . وهذه الآية يفسرها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد على الفطرة. فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. متفق عليه.
وعلى هذا فلا يقال للكافر إنه مسلم بالفطرة، بل ولد على الفطرة ولكن أبويه حرفاه إلى الكفر فأصبح كافراً، وانتفى عنه الوصف السابق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1423(1/595)
حكم حمل الزهور لدى عيادة المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس عندما يقومون بعيادة المريض يحملون الزهور فهل هذا العمل يدخل ضمن دئراة التشبه بأهل الكتاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأولى عدم حمل الزهور والورود عند عيادة المريض، لما فيه من التشبه بالكفار لأن عادتهم جرت بذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1423(1/596)
الهجرة واجبة لمن لم يتمكن من أداء شعائر الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
فإني يا أخي العزيز لي موضوع متعلق بمستقبل حياتي بأسره ألا وهو أنا تلميذ أبلغ من العمر 18 غير أني أعيش في بلد لا حرية إسلامية فيه فالإسلام يضطهد والمسلمون يعيشون حالة قمع وذلك لأسباب" سياسية " فسؤالي يا أخي العزيز هل بإمكاني الهجرة والرحيل إلى أي بلد من البلاد الإسلامية فيمكنني أن أتعلم القرآن وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أحسن ما يكون، فيا أخي العزيز أسأل الله أن يثبتك حتى يمكنك مساعدتي علما وأني يا أخي لي أم وأب وأخ وأخت أخاف أن يمسهم سوء من جراء رحيلي.
أخي الكريم بكل بكل بساطة أريد أن أقول هل الهجرة أوالرحيل في حالتي هذه فرض. وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كنت لا تتمكن من إقامة شعائر الإسلام في هذا البلد الذي أنت فيه فيجب عليك الهجرة إلى بلد مسلم تتمكن فيه من عبادة ربك والقيام بشعائر دينك، وأقنع أهلك وأقرباءك بوجوب ذلك عليهم أيضاً، وإن كنت تتمكن من إقامة دينك وعبادة ربك فالهجرة مستحبة في حقك وليست واجبة. وفي حالة الاستحباب لا بد من إذن الوالدين لك بالهجرة، وألا تخشى عليهما ضيعة في حال هجرتك، وانظر الفتوى رقم:
8614 ... والفتوى رقم: 12829.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1423(1/597)
تقتبس عاداتنا من الشرع لا من تقاليد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حكم الوقوف للنشيد الوطني وماهو الدليل الشرعي على ذلك إن وجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري في الأدب المفرد والترمذي في سننه عن أنس رضي الله عنه بإسناد صحيح أنه قال: ما كان في الدنيا شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له، لما كانوا يعلمون من كراهيته لذلك.
إن القيام فعل من أفعال التعظيم، والأصل فيه أنه لا ينبغي إلا لله رب العالمين، لذلك كان من أفضل أفعال الصلاة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أفضل الصلاة طول القنوت. أي القيام. رواه أحمد ومسلم عن جابر رضي الله عنه.
فإذا كره النبي صلى الله عليه وسلم القيام له، وهو أفضل الخلق وأكرمهم على الله تعالى، فكيف يكون الأمر في القيام لشيء هو في أصله من الأعمال القبيحة والبدع الشنيعة التي أخذها المسلمون من العادات والتقاليد الوافدة عليهم من الأمم الكافرة، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، أو ذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟.
فلا يجوز هذا الوقوف، وواجب على المسلمين تحري الحق والصواب في عاداتهم وتقاليدهم بأن تكون منضبطة بضوابط الشرع الحكيم، لا بالتقليد الأعمى للأمم الكافرة، وقد ثبت في سنن أبي داود بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن تشبه بقوم فهو منهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1423(1/598)
حكم حفر قبر لنصراني ووضع الصليب عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمسلم أن يبني قبراً لنصراني وعليه صليب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فغاية ما يجوز للمسلم فعله تجاه موتى الكفار هو دفنهم ومواراتهم إذا لم يجدوا من الكفار من يقوم بذلك.
أما حفر القبر ووضع الصليب عليه أو نحو ذلك فلا يجوز، وذلك لعدة أمور:
منها: أن الصليب شعار الكفر وعلامة للكذب والانحراف والوثنية.
ومنها: أن الصليب وثن، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتكسير الأصنام.
ففي مسند الإمام أحمد من حديث علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال: أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثنا إلا كسره، ولاقبراً إلا سواه ... إلى آخر الحديث.
وإذا كان المسلم مأموراً بتكسير الأصنام فكيف يجوز له نصبها؟!!
ومنها أيضاً: أن وضع الصلبان على قبور هؤلاء الكفار يعد إقرارا لهم على معتقدهم الفاسد وفيه تعظيم لهم ولكفرهم، وهذا كله محرم.
قال صاحب الإقناع وهو أحد أئمة المذهب الحنبلي: وإنما منع المسلم من اتباع جنازة الكافر وإدخاله في قبره لما فيه من التعظيم له، فأشبه الصلاة عليه وهي محرمة بنص القرآن الكريم.
وبهذا يعلم السائل أنه لا يجوز لمسلم أن يحفر قبر الكافر مع وجود من يقوم بذلك من الكفار. أما وضع الصليب عليه فلا يجوز بحال من الأحوال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1423(1/599)
مشاركة الكافر ومن لا يحترز من الربا ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم عقد شركة مع رجل له أموال الغالب عليها الحرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأفضل للمسلم أن يختار لنفسه شريكاً مسلماً عدلاً أميناً، لتكون تجارتهما مباركة ورابحة بعون الله وتوفيقه، فقد روى أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما".
قال الشوكاني: المراد أن الله جل جلاله يضع البركة للشريكين في مالهما مع عدم الخيانة، ويمدهما بالرعاية والمعونة، ويتولى الحفظ لمالهما. ا. هـ
فإذا خان أحدهما صاحبه نزعت البركة، والكافر والفاسق لا تؤمن خيانتهما وبغيهما خصوصاً في الجوانب المالية، ولذلك قال الله تعالى: (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) [صّ:24] .
ولذا كره الفقهاء مشاركة الكافر ومن لا يتحاشى التعامل بالحرام من المسلمين. قال الشيخ زكريا الأنصاري في (شرح البهجة) : ولكن تكره الشركة مع الكافر، ومن لا يحترز من الربا ونحوه. قال الأذرعي: هذا إذا شارك لنفسه، فإن شارك لمحجور عليه - كصبي ومجنون - فلابد أن يكون الشريك عدلاً يجوز إيداع مال المحجور عنده. ا. هـ
وقال البهوتي في (كشاف القناع) : وتكره معاملة من في ماله حلال وحرام يجهل، وكذا إجابة دعوته وأكل هديته وصدقته ونحوها.
وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه." الحديث.
وتكره مشاركة مجوسي ووثني ومن في معناه ممن يعبد غير الله تعالى، وظاهره ولو كان المسلم يلي التصرف. قال أحمد في المجوسي: ما أحب مخالطته ومعاملته، لأنه يستحل ما لا يستحل هذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1423(1/600)
حكم تبادل كتابة الذكريات
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم كتابة الذكرى في دفاتر مخصصة لها مع الإفتاء وإيراد الأدلة
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكتابة الذكرى في دفاتر مخصصة لها ليست من عادات المسلمين، وإنما من عادات المشركين التي اقتبسها منهم ضعاف النفوس من المسلمين، ونحن مأمورون بمخالفة المشركين في كل شيء: في دينهم وأعيادهم وأزيائهم وعاداتهم.. إلخ. والأدلة على ذلك كثيرة.. وقد أورد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه القيم "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" كثيراً من هذه الأدلة، ومن الأدلة على حرمة مشابهتهم قوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة:120] قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فانظر كيف قال في الخبر "ملتهم" وقال في النهي "أهواءهم" لأن القوم لا يرضون إلا باتباع الملة مطلقاً، والزجر وقع عن اتباع أهوائهم في قليل أو كثير" أهـ.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن التشبه بالأعاجم، وقال: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو يعلى.
ومن هنا نعلم أنه لا يجوز شراء مثل هذه الدفاتر وتبادل الكتابات والتوقيعات فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1423(1/601)
شروط الاستعانة بالكافر والسلام عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن تستعين بنصراني للحصول على عمل أي يساعدك في الحصول على الوظيفة وهل وده والسؤال عنه وعن صحته والسلام عليه جائز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجوز للمسلم أن يستعين بالكافر المسالم للمسلمين في الأمور التي لا تتصل بالدين مثل: الطب، والزراعة، والصناعة، وغير ذلك من الأمور الدنيوية، والوظيفة من هذه الأمور، فقد استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط ليدله على الطريق في الهجرة، وهو يومئذ مشرك، كما يجوز أيضاً للمسلم أن يقبل هدية الكافر ويهدي له، فقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية الملوك، وقد قال الله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8] .
فمن مقتضيات هذه العلاقة تبادل المصالح والمنافع، وهذا المعنى لا يدخل في نطاق النهي عن الموالاة، إذ أن النهي عن الموالاة يقصد به النهي عن محالفتهم ضد المسلمين، وعن الرضا بما هم فيه من الكفر والتشبه بهم ومحبتهم.
وأما السلام عليهم، فقد أجازه بعض العلماء مثل: سفيان بن عيينة فقد سئل هل يجوز السلام على الكافر؟ قال: نعم. قال الله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) [الممتحنة:8] .
وقال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ) [الممتحنة:4] ، وقال إبراهيم لأبيه: (سَلامٌ عَلَيْكَ) [مريم:47] .
وأما حديث النهي عن البدء بالسلام على اليهود والنصارى، فقد قال القرطبي إنه محمول على ما إذا كان السلام لغير حاجة، وهناك حديث أسامة بن زيد المتفق عليه وهو: "أنه صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه مسلمون ويهود ومشركون، فسلم عليهم". وهو يدل على جواز السلام على الكفار لحاجة، إذ أنه صلى الله عليه وسلم سَلَّم على الجميع، وقد جاء يدعو المجلس إلى الإسلام -أعني غير المسلمين منه-، وقد سلم عبد الله بن مسعود على كافر كان قد سافر معه. قال علقمة: فقلت له: يا أبا عبد الله، أليس يكره أن يبدؤوا بالسلام؟ قال: نعم، ولكن لحق الصحبة.
فتبين من هذا أن السلام على الكافر لا بأس به إن كان لحاجة أو لصحبة.
وأما السؤال عن حاله فلا شيء فيه من باب أولى، وقد جاء في الحديث أن غلاماً من اليهود كان مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه ... إلى آخر الحديث. وهو في البخاري وأبي داود ومسند الإمام أحمد. وفيه دلالة على جواز السؤال عن حال الكافر، لأن العيادة أخص من السؤال عن الحال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1423(1/602)
خسارة سنة دراسية ولا خسارة الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمةالله وبركاته
أنا طالب مسلم أدرس في دولة من دول الاتحاد السوفيتي السابق تسمى: أرمينيا.
وأنا إنسان ملتزم أصلي صلواتي الخمسة والحمد لله....... ولكن في هذه الدولة لا يوجد مسجد وهذا يعني أنني لا أصلي الصلوات جماعة عوضا عن الفساد في هذا البلد.
لذا أود أن أعرف حكم الشرع الاسلامي في البقاء في هذا البلد لطلب العلم أم يجب علي أن أبحث عن دولةأخرى لإكمال دراستي هنالك؟
مع العلم أنني أستطيع أن أذهب إلى دولة من الدول السوفيتية الإسلامية السابقة ولكنني سوف أخسر سنة من عمري لأنني يجب أن أجري سنة لغة روسية لأنني أدرس هنا في اللغة الإنكليزية ولا يوجد هنالك دراسة باللغة الإنكيزية ...
فأجيبوني حفظكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم حكم الإقامة في بلاد الكفار في الفتوى رقم:
8614 والفتوى رقم: 2007 وعليه، فإننا ننصحك بترك هذه البلاد والذهاب إلى بلد مسلم لإكمال الدراسة، ولو أدى ذلك إلى تأخرك سنة، فإن الله تعالى يقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب) [الطلاق:2-3]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1423(1/603)
لا مانع من التحدث إلى الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التحدث مع من هم ليسوا أهل كتاب كالبوذيين أو الشيوعيين الملحدين أو من لا يؤمنون بأي شيء ???]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....
أما بعد:
فلا حرج في مخاطبة الكفار بكل إشكالهم، وإنما الممنوع هو الموالاة وما في معناها، أما مجرد التحدث فلا يمنع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1423(1/604)
ماهية الضرر التي تبيح ترك الالتزام الظاهر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التشبه بالكفار في المظهر الخارجي إذا كنت تدرس في بلادهم للضرورة، لخوفك من أن يضروك إذا اكتشفوا أنك لست منهم مع أنك مؤمن بالله وواثق من إيمانك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....أما بعد:
فلا يجوز للمسلم التشبه بالكفار في كل ما هو محرم بعينه، كما لا يجوز له التشبه بهم فيما هو خاص بهم، كما هو مبين في الجواب رقم:
3310 5658.
إلا إذا كان يعلم أن التزامه ببعض أحكام الإسلام الظاهرة كإطلاق اللحية -مثلاً- يجلب له الضرر المحقق أو الغالب على الظن من قبل الكافرين كالاعتداء عليه ونحو ذلك، فيجوز له ترك الالتزام الظاهر بقدر ما يقيه الضرر، أما إذا كان التزامه يسبب له مضايقات كلامية وهمزا ولمزا فمثل هذا لا يسوغ له ترك الالتزام الظاهر بأحكام الإسلام، وراجع الجواب رقم: 3198 2007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1423(1/605)
حكم استئجار الكافر للعمل عند المسلم وتلبية دعوته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة منذ ما يقارب سبع سنوات ولكن قبل أشهر قام صاحب الشركة بتعيين موظف جديد وهو هندي الجنسية هندوز الديانة وهو يعمل معي في نفس المكتب يعني عملنا مكمل بعضه ولكنه حسن الأخلاق متمسك بديناته. وقد قام بدعوتنا مرة إلى زواج أخته فذهبنا وكانت الدعوة عشاء ولم نتناول أي شيء من مأكولاتهم ولكن قمنا بشراب البيبسي ولكن بعض الأشخاص قالوا لنا إنه لا يجوز أن تشربوا وحتى أن تذهبوا للزواج علماً بأنهم قد اشتروا المشروب من مالهم سؤالي هو:
ما حكم عمله في الشركة علماً بأن كل العاملين بها مسلمون بصورة عامة ومعي بصورة خاصة؟ وما حكم الأكل والشرب منهم وما حكم مخالطتهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم حكم العمل في الأماكن المختلطة في الفتوى رقم: 3539، والفتوى رقم: 14400.
أما حكم عمل الكافر في شركة المسلم، فإنه لا بأس به في الأصل والأفضل أن يبحث صاحب الشركة عن الموظفين المسلمين، فإن وجد مسلماً بنفس الكفاءة ونفس الراتب، ولم يجد ما يميز الكافر عن المسلم، فليأخذ المسلم وليترك الكافر، وإذا لم يفعل صاحب الشركة هذا الأمر فإن في إيمانه خللاً، وفي ولائه للإسلام نظراً.
أما تلبية دعوة الكافر إلى الطعام، فإنها لا بأس بها ما لم يكن ما يقدَّم من الطعام حراماً أو فيه حرام، وما لم يوجد في المكان منكر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاب دعوة اليهودي وأكل من طعامه، كما في مسند أحمد عن أنس رضي الله عنه.
وننبه إلى أن من واجب المسلمين تجاه هؤلاء الكفار أن يجتهدوا في دعوتهم للإسلام، ويهدوا لهم الكتب والأشرطة التي تتحدث عن الإسلام بلغتهم، ويمكن الاستعانة في توفير هذه الكتب والأشرطة بمراكز دعوة غير المسلمين، وهي متواجدة في كثير من البلدان، ولله الحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1423(1/606)
من أحكام التعامل مع المرتد
[السُّؤَالُ]
ـ[والد زوجتي ارتد عن الإسلام ولا يصلي ولا يصوم رمضان ويشكك في آيات القرآن الكريم مما جعلني في حيرة من أمري هل يجوز لي بره ومجاملته والتودد إليه؟ هل طعامي حل له وطعامه حل لي؟ هل من حق زوجتي أن ترثه في حالة وفاته قبلها؟
أرجو سرعة الإجابة للأهمية.
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل أن المرتد ككل كافر يهجر ولا يخالط ما دام مرتداً عن الإسلام، اللهم إلا أن يكون في مخالطته وصلته مصلحة كأن يرجى من ورائها دعوته إلى الإسلام، وانتشاله من مستنقع الارتداد، فعندئذ لا بأس بمجاملته وشيء من مخالطته لذلك الغرض، وهذا من باب التأليف على الإسلام.
ولا حرج عليك أن تطعمه من طعامك ولا في تناولك أنت من طعامه، ما لم يكن لحماً باشر هو ذكاة ذبيحته.
وإذا مات لا ترثه زوجتك ولا غيرها من ورثته المسلمين، كما لا يرث هو أيضاً من مات من ورثته قبله، إذ لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1423(1/607)
لا يجتمع في القلب الإيمان بالله وحب أعداء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يحب الروس ويفخر بزعمائهم ويتمنى أن يعيش في روسيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمعروف أن زعماء الروس كفرة ملاحدة، بل هم أكفر أهل الأرض، فإنهم شيوعيون لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر. ويكذبون بما جاءت به الرسل عن ربهم، ويعتقدون فيهم شر اعتقاد، ومحبة هؤلاء الزعماء والتمني للعيش معهم وعندهم مما يدل على فساد عقيدة الولاء والبراء التي فصلها الله عز وجل في كتابه تفصيلاً. بل لا يعرف موضوع في القرآن الكريم أثرى منها مادة، ولا أكثر منها تفصيلاً. وذلك لأنها تمس أساس التوحيد وأصل الملة، وجوهر الدين.. ومن هذه الآيات المتعلقة بهذا المعنى قوله تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) [المجادلة:22] قال القاسمي -رحمه الله- في تفسيره لمعنى: حاد الله ورسوله، أي شاقهما وخالف أمرهما. فلا يجتمع إيمان خالص وحب لأعداء الله ورسوله. انتهى.
وقد ورد في هذا المعنى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: والذي نفس ابن عمر بيده لو أصبحت أصوم النهار لا أفطر، وأقوم الليل لا أفتر، ثم لم أصبح وأنا أحب أهل الطاعة وأبغض أهل المعصية لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار ولا يبالي.
فالواجب على المسلم أن يحب ما يحبه الله ورسوله، ويبرأ مما يبرأ منه الله ورسوله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1423(1/608)
قصة حديث "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين, قالوا يا رسول الله ولم, قال: لا تتراءى ناراهما". رواه مسلم والترمذي
أطلب منكم بكل تقدير واحترام أن تخبروني ما هي القصة التي قال الرسول فيها هذا الحديث الشريف. علما بأني أسكن في بلد غير مسلم لأجل لقمة العيش وأدرس في نفس الوقت. ولا أزكي نفسي عندما أقول لكم بأنني شاب ملتزم وأحب ديني الإسلام, أرجوا منكم أن توضحوا لنا هذا الأمرلأنه تشبه علينا, وجزكم الله عنا كل الجزاء,]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى أبو داود والترمذي والنسائي عن جرير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سارية إلى خثعم، فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بنصف العقل، وقال " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: لا ترايا ناراهما " وليس الحديث في صحيح مسلم هذا فيما يتعلق بقصة الحديث. أما ما يتعلق بأحكام الهجرة والعيش في بلاد الكفار فقد تقدم ذلك برقم 8614
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1423(1/609)
زيارة الجارة الكتابية من البر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لي جارة مسيحية أزورها وتزورني ولكن لفت نظري أن هناك جارات أخريات على علاقة قوية جداً منها بمعنى أنهن يقضين أوقاتا كثيرة عندها إلى وقت متأخر وأيضا يخرجن باستمرار معها وأريد أن أعرف هل هذا ما ذكر في القرآن الكريم أنه من الولاء للمشركين؟ أم من الممكن أن أتخذ صديقتي المقربة كتابية وإن كان لا يجوز ذلك فهل المفروض علي أن ألفت نظر جيراني لذلك؟ أم ألتزم بالصمت؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج عليك في زيارة جارتك الكتابية، بل قد يكون ذلك من البر والإحسان والقيام بحقوق الجار، لكن دون أن تكون بينكما صداقة مودة ومحبة، لأن هذا يناقض البراءة من المشركين، كما هو مبين في الجواب رقم: 1234.
وعليك بنصح جاراتك المسلمات اللائي يتعاملن مع هذه الكتابية بما في هذه الفتوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1423(1/610)
الدعاء للكافر ... ما يجوز وما لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[- هل يجوز للمسلم أن يدعو الله لصديقه الكافر وماذا يستثنى من الدعاء مثلا كالهداية أو أن صديقه مريض أن يدعو له الشفاء أو امرأةحامل أن يخفف لها الولادة أو مثل ذلك؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز الدعاء للكافر بالمغفرة أو الرحمة ونحوهما من ثواب الآخرة.
قال النووي في المجموع: وأما الصلاة على الكافر، والدعاء له بالمغفرة فحرام بنص القرآن والإجماع.
أما الدعاء له بالهداية، والدخول في الإسلام فيجوز.
وأما الدعاء له بمنافع الدنيا من مال وولد وشفاء ونحوها فلا يجوز إن كان محارباً، وإلا فلا بأس بالدعاء له بذلك، بدليل جواز تعزيته في مصابه حيث كان جاراً بالدعاء له بالإخلاف عليه، ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1422(1/611)
نحب المؤمن بقدر ما معه من الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أريد أن أسالكم في حكم علاقتي بأختي التي جرحتني كثيرا بأقوالها وأفعالها وأعلم علم اليقين أنها لا تحبني
وفي مقابل هذا فأنا أصلها ولكن لا أكن لها أية مودة أو حب؟
أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فصلة الرحم واجبة لقوله سبحانه: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) [النساء:1] .
أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها، والأحاديث في الوصية بصلة الرحم كثيرة، وليس المراد بالصلة أن تصلهم إن وصلوك فهذا مكافأة، بل المراد أن تصلهم وإن قطعوك، فقد روى البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها".
وعلى المسلم أن يحتسب الأجر في وصل من قطعه، وأن يعلم أن الله عز وجل معينه وناصره، فقد روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال: "لئن كنت كما قلت: فكأنما تُسِفُّهُمْ المل، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك" أي: فكأنما تطعمهم الرماد الحار.
وأما المحبة، فإن الله عز وجل لم يكلف أحداً أن يحب من يسيء إليه، ولكن هناك جزء من المحبة يجب أن يبقى في القلب، وهو المحبة في الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله" رواه البزار.
فلا يبغض مطلقاً إلاَّ الكافر، وأمَّا المسلم فيجب علينا أن نحبه بقدر ما معه من الدين، ونبغضه بقدر ما هو عليه من المعاصي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/612)
الاحتفال بعيد الميلاد لمحاسبة النفس لا مبرر له
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أود أن أسأل عن الاحتفال بعيد الميلاد كمناسبة ذاتية لمراجعة الإنسان لنفسه وكمحطة للتوقف ومراجعة الذات
وليس للتشبه بالكفار والنصارى
جزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم الاحتفال بعيد الميلاد في الفتوى التالية أرقامها:
1319 2130 11559
وننبه السائل الكريم إلى أن ما ذكره لا يعد مبرراً لجواز الاحتفال بأعياد الميلاد، ولأن مراجعة النفس ومحاسبتها عمل مطلوب من المسلم في كل يوم، ولأن الاحتفال بأعياد الميلاد هو تشبه بالكافرين في نفسه، فكيف لا يكون تشبها بهم وهو من فعلهم، وعادة درج عليها الصغير والكبير في بلادهم، ولا يفعلها إلا من هو متأثر بهم.
ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/613)
إنشاء عبادة لمخالفة المشركين في أعيادهم بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
في ليلة رأس السنة الميلادية قامت بعض الجماعات بجمع الناس - في مصر- إلى المساجد وقاموا بإنشاء صلاة وذلك بحجة مخالفة المشركين ومحاولة حجب الناس عن الفتن. أليس ذلك من البدع وهل يعني ذلك أنه كلما كان عيد للكفار أنشأنا عبادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز تخصيص أيام أعياد الكفار بنوع من أنواع العبادة، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم.
ويكفي مخالفةً لهم أننا لا نشاركهم في أعيادهم بأي نوع من المشاركة، وأننا نبغض أفعالهم المخالفة للشرع وعقائدهم الضالة.
ثم إنه يُخشى أن يعتاد الناس على هذه العبادة في أعياد الكفار الباطلة، فيعتقد العوام بعد ذلك أنها سُنَّة، فتكون بذلك قد أحدثت بدعة من حيث لا تشعر، بل قد يكون تخصيص أعيادهم بالعبادة نوعاً من المشاركة لهم في تعظيم أيامهم دون قصد منك، ولذلك كره العلماء صيام أيام أعيادهم.
قال ابن قدامة في المغني: ويُكره إفراد يوم النيروز، ويوم المهرجان بالصوم، لأنهما يومان يعظمهما الكفار، فكره كيوم السبت، وعلى قياس هذا كل عيد للكفار، أو يوم يفردونه بالتعظيم.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع: وكذا - يعني يكره - صوم يوم النيروز والمهرجان، لأنه تشبه بالمجوس. ا. هـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1422(1/614)
حكم التعلم في غير بلاد المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم ذهاب الرجل إلى البلاد الكافرة بقصد ونية التعليم هناك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الجواب عن حكم الإقامة في بلاد الكفار في جواب رقم:
714 والتعليم إن كان لا يتوفر في بلاد المسلمين وهو مما يحتاجه المسلمون لا بأس بالسفر لتلقيه، مع أخذ الحيطة والحذر مما قد يفسد على المسلم دينه وأخلاقه.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1422(1/615)
حكم بقاء من أسلم من أهل البلدان غير الإسلامية في بلده
[السُّؤَالُ]
ـ[أني مسلم إيطالي، اسمي محمد عبد الله (ماريو كافالارو) دخلت في السلام قبل 17 سنة، ثم درست اللغة العربية، والعلوم الشرعية في المدينة المنورة.
لقد سألني أحد الاخوان من الإيطاليين عن الإقامة في بلدان الغير الإسلامية، فإنا نعلم أنه لا يجوز لمسلم الهجرة إليها من البلدان الإسلامية إلا في حالات خاصة، فما حكم من أسلم من سكان تلك البلدان الغير الإسلامية، هل يجب عليهم الهجرة إلى بلد إسلامي أم يجوز له البقاء فيها؟ وهل يجوز لمن دخل في الإسلام أن ينتقل من بلده إلى بلد غير إسلامي آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحكم بوجوب الهجرة أو عدمه يختلف باختلاف أحوال الناس والبلدان، وفي ذلك يقول ابن قدامة في المغني: فالناس في الهجرة ثلاثة أضرب:
أحدها: من تجب عليه، وهو من يقدر عليها، ولا يمكنه إظهار دينه، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة، لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) [النساء:97] . وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الثاني: من لا هجرة عليه، وهو من يعجز عنها، إما لمرض، أو إكراه على الإقامة، أو ضعف من النساء والوالدان وشبههم، فهذا لا هجرة عليه، لقول الله تعالى: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) [النساء:98-99] . ولا توصف باستحباب لأنها غير مقدور عليها.
والثالث: من تستحب له، ولا تجب عليه، وهو من يقدر عليها، لكنه يتمكن من إظهار دينه، وإقامته في دار الكفر، فتستحب له، ليتمكن من جهادهم، وتكثير المسلمين، ومعونتهم، ويتخلص من تكثير الكفار، ومخالطتهم، ورؤية المنكر بينهم، ولا تجب عليه، لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة، وقد كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم مقيماً بمكة مع إسلامه، وروينا: أن نعيم النحام، حين أراد أن يهاجر، جاءه قومه بنو عدي، فقالوا له: أقم عندنا، وأنت على دينك، ونحن نمنعك ممن يريد أذاك، واكفنا ما كنت تكفينا، وكان يقوم بيتامى بني عدي وأراملهم، فتخلف عن الهجرة مدة، ثم هاجر بعد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قومك كانوا خيراً لك من قومي لي، قومي أخرجوني، وأرادوا قتلي، وقومك حفظوك ومنعوك"، فقال: يا رسول الله: بل قومك أخرجوك إلى طاعة الله، وجهاد عدوه، وقومي ثبطوني عن الهجرة، وطاعة الله، أو نحو هذا القول".
وعلى ما تقدم، فإن المسلم الذي يأمن على نفسه وماله وأهله، ولا يخشى عليه، ولا عليهم من الوقوع في المنكرات، ويستطيع إقامة شعائر دينه في بلد من البلدان غير الإسلامية لا تجب عليه الهجرة من هذا البلد، ولكن يستحب له استحباباً مؤكداً أن يهاجر إلى بلاد المسلمين للإقامة بينهم، فإن النعم التي يحصلها المؤمن بالسكن في بلاد المسلمين لا يمكن حصرها، ومنها: نعمة صلاة الجماعة، ونعمة سماع الأذان، ورؤية الصالحين من المسلمين، وقلة المنكرات، وكثرة الخير والمعروف، وغير ذلك من المنافع والمصالح التي تعود على المرء بصلاحه واستقامته.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"، فمحمول على من لم يأمن على دينه.
أما انتقال المسلم من بلد غير إسلامي إلى بلد غير إسلامي آخر، فإن بلاد الكفر غير الحربية تتساوى في الحكم المتقدم، فلا بأس بانتقال المسلم من بلد منها إلى بلد آخر، خصوصاً إذا كانت هناك مصلحة شرعية معتبرة من طلب علم، أو دعوة إلى الله سبحانه وتعالى، أو التعاون على البر والتقوى.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1422(1/616)
معنى التشبه بالكفار، وهل للعلماء لبس البنطال وربطة العنق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو موقفي تجاه الأئمة والشيوخ الذين يتشبهون بالكفار في لباسهم مثل لبس ربطة العنق
وكذلك إسبال الثياب (البنطال) والذين يشاركون
في البرامج التلفزيونية التي تقدمها النساء غير المتسترات بحجة تقديم الفائدة والمعلومة
الدينية والفتاوى لمشاهدي هذه البرامج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل الإجابة عن هذا السؤال نرى أنه لا بد من التعريف بالمقصود من التشبه مع ذكر بعض القواعد المهمة في هذا الموضوع وإليك بيان ذلك:
أولاً تعريف التشبه: قال الإمام محمد الغزي الشافعي: (التشبه عبارة عن محاولة الإنسان أن يكون شبه المتشبه به، وعلى هيئته وحليته ونعته، وصفته، وهو عبارة تكلف ذلك وتقصده وتعلمه) . وقال الأستاذ جميل اللويحق: (ويمكن القول في تعريف التشبه بعبارة موجزة أنه: "تكلف الإنسان مشابهة غيره في كل ما يتصف به غيره أو بعضه" ثم شرح هذا التعريف فقال: (فقوله: (تكلف الإنسان) أي أن يقصد ذلك ويتعمده، فيخرج بذلك ما يقع بدون قصد، كمشابهة الرجل للمرأة في الحركة والصوت بطبيعة الخلقة بدون نية، كما يخرج كذلك ما يقع من التشبه على سبيل الاضطرار، أو لدفع مفسدة عظمى، وذلك كالمكره، وكتشبه المسلم المقيم في بلاد الكفار المحاربة بالكفار في صفاتهم الظاهرة، ليسلم من أذاهم. وقوله: (مشابهة غيره) يدخل فيه جميع الأجناس المتشبه بها، سواء كان التشبه بها مباحاً أو غير مباح، وسواء كانت مما يعقل من الناس كالكفار والأعاجم والمبتدعة.. ومما لا يعقل كالحيوانات. وقوله: (في كل ما يتصف به غيره أو بعضه) أي في صفاته المعنوية، والحسية جميعها فيما يعرف ويرى، أو في بعض الصفات دون بعض. وأكثر إطلاق التشبه على الأمور الظاهرة من أقوالٍ وأفعالٍ دون الأمور الباطنة.) انظر: (التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلامي) تأليف جميل اللويحق، رسالة ماجستير.
ثانياً: ذكر بعض القواعد المهمة في مسألة التشبه: نص العلماء على أنه: (لا يكون التشبه بالكفار إلا بفعل ما اختصوا به من دينهم أو عاداتهم) ومعنى ذلك أن التشبه لا يقع ابتداء إلا إذا فعل المسلم ما يتميز به الكفار عن المسلمين حتى يكون من شعاراتهم، سواء كان من أفعالهم الدينية أو كان من عاداتهم الدنيوية، أما المشترك الذي لا يختصون به فلا يقع التشبه بفعله، وإن شرع لنا نوع مخالفة في وصفه.. إلخ. التشبه المنهي عنه ص:104
ومما يدل على هذه القاعدة:
1- ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: حين رأى عليه ثوبين معصفرين: "إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها" فتعليله صلى الله عليه وسلم للنهي بأن هذه الثياب من ثياب الكفار يقتضي المنع من كل ما كان من خواص الكفار.
2- ما رواه أبو داود بإسناد صحيح من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن له إلا ثوب فليتزر به، ولا يشتمل اشتمال اليهود" فالاشتمال الممنوع هو الاشتمال الخاص باليهود. كما نص العلماء على قاعدة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى وهي: (ما زال عن كونه شعاراً جاز فعله، ما لم يكن محرماً لعينه) ومعنى ذلك: أن حكم المنع من الفعل بسبب اختصاص الكفار به يزول بزوال سببه، فإذا شاع الأمر وعمَّ ولم يعد خاصاً بالكفار جاز فعله، إلا إذا كان محرماً لعينه كلباس الحرير… إلخ وبعد هذه المقدمة ننصح السائل وأمثاله بعدم التعجل في إطلاق الأحكام على الناس سلباً أو إيجاباً وألا يحكم إلا عن دليل وبينة. وبخصوص ربطة العنق فقد تقدم الكلام عنها في الفتوى رقم:
579 فلا داعي لتكراره. وأما البنطال فيرى بعض العلماء المعاصرين أنه مما عم وشاع لبسه حتى زال اختصاص الكفار به، فأصبح مباحاً. وهذا القول هو الصواب، انظر التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلامي ص: 111 لكن لا يجوز للمسلم أن يلبس البنطال الضيق الذي يصف العورة. أما البنطال الواسع الفضفاض غير الشفاف فلا حرج في لبسه، والصلاة به صحيحة -إن شاء الله- كما أنه لا يجوز تتبع الموضة السائدة في الغرب والحرص على تطبيقها في ربطة العنق أو البنطال، أو غير ذلك.
وبناء على ما تقدم نقول: إذا كان هؤلاء المشايخ والأئمة المشار إليهم في السؤال يلبسون ربطة العنق والبنطال بدون إسبال، وكان ما يلبسونه غير محدد للعورة وغير شفاف، ولا يقصدون به موافقة الكفار ولا مشابهتهم، فلا يعدون من المتشبهين بالكفار في هذا، وإن كان الأولى تركه.
وأما الإسبال في اللباس فلا يجوز. وقد تقدم الكلام عنه، وعن البنطال في الأجوبة رقم: 1633 10005 6140 4186
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1422(1/617)
حكم قبول هدية الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب أعيش في الغرب هل يجوز لي أن اتقبل هدية الكريسمس من أصدقائي المسيحين في المدرسة
أو من المدرسة نفسها؟ علماً بأنهم يقدمون الهدية وبالتالي يضعونني في موقف حرج وكيف أتصرف معهم؟
وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مما يجب أن يعقد عليه قلب المسلم بغض الكفر، وجميع شعائره، ومن شعائر الكفر أعياد الكفار، فإن لكل قوم عيداً، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم في البخاري وغيره.
وعلى المسلم أن يكون على حذر من مشاركة الكفار في أعيادهم، فقد دل على تحريم ذلك الكتاب والسنة، ويمكن الاستفادة من الفتوى رقم: 4586 في حكم ذلك.
وأما قبول الهدية منهم في عيدهم، فحكمه حكم قبول الهدية منهم في سائر الأوقات، فليس للعيد تأثير في حكم قبول هديتهم، وقد اختلف العلماء في قبول هدية الكافر، والذي يظهر - والله أعلم - جواز قبول الهدية من الكافر الذي يراد تأليفه على الإسلام.
وعليه، فإذا كنت ترجو إسلام هؤلاء الأصدقاء، أو تخاف إيذاءهم لك، فيجوز لك قبول هديتهم مع بغضك لما هم عليهم من كفر بالله خالقك ورازقك وخالقهم ورازقهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1422(1/618)
حكم التزوج بمقيمة بدار الكفر، والإقامة معها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم الزواج بفتاة قاطنة (تسكن) بالديار الأوربية وذلك من أجل العمل هناك أي سيتم الذهاب إلى ذلك البلد الأوربي بسبب تلك الفتاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الزواج من هذه الفتاة سيسبب لك المقام في بلاد الكفار، فلا يجوز لك القدوم عليه، لأن الهجرة أو السفر إلى بلاد الكفر لا يجوز، إلا بوجود شروط معينة ذكرها العلماء، ولأغراض خاصة، وليس الزواج وطلب العيش منها، وانظر ما كتبناه في هذا الموضوع تحت رقم: 2007
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1422(1/619)
الواجب على من يقيم في بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أصنع في مجتمع لا يعرف الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان المجتمع المذكور مجتمع كفر -كما هو ظاهر السؤال- فالواجب عليك هو الهجرة من هذا البلد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ ممن أقام بين أظهر المشركين، وقال: "لا تتراءى ناراهما" وذلك لما للإقامة في بلادهم من المفاسد على المقيم وزوجه وأولاده. إلا إذا عجزت عن الهجرة فالواجب عليك حينئذ هو إقامة دينك حسب ما تستطيع، والحفاظ على أولادك وزوجك من الضياع، والسعي بقدر ما تستطيع للهجرة، ولا بأس أن يقيم من عنده علم راسخ، وإيمان ثابت، من أجل الدعوة إلى الله عز وجل، وتعليم الناس الخير، بشرط أن يأمن على نفسه، وأولاده، وزوجه من الوقوع في المنكرات. ويمكن للأخ السائل أن يراجع الفتوى رقم: 2007 فإن فيها زيادة بيان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1422(1/620)
حكم دعوة غير المسلم لتناول طعام في المنزل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز دعوة غير المسلمين إلى منزل المسلمين لتناول العشاء وغيره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن دعوة غير المسلم إلى المنزل لتناول العشاء أمر جائز إذا لم يكن في حالة حرب مع المسلمين، وخاصة إذا كان بينه وبين المسلم رحم، أو كان يرجو من دعوته استعطافه إلى الإسلام وتأليفه، ففي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في كل ذات كبد حراء أجر".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1422(1/621)
الرجوع إلى البلد الأصلي ... أم الإقامة في ديار الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله.. أرجو أن تحلوا مشكلتي وهي أنني مقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن زوجي يريد أن يعيدنا إلى بلدنا وأنا لا أريد ذلك لأن إخوته يسكنون في نفس البيت الذي سنسكن فيه إذا عدنا إلى البلد، ومع ذلك فأنا أخاف على الأولاد في هذا البلد الذي نحن فيه الآن فبماذا تنصحونني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ننصحك به هو الرجوع إلى بلدكم، والعيش فيه، لتربوا أبناءكم في مجتمع مسلم، تظهر فيه شعائر الإسلام وتعظم، من غير أن يكون في ذلك غضاضة على المسلم.
أما الإقامة في بلاد الكفار فهي خطيرة على المرء، وعلى أولاده في دينهم ودنياهم، كما هو مشاهد للعيان، وقد ذكرنا بعض تلك المخاطر في فتاوى متقدمة، انظر الرقم:
2007، والرقم:
والله أعلم. 714
أما قضية أنكم ستسكنون في نفس البيت الذي يسكن فيه إخوة زوجك، فهي مشكلة بسيطة، يمكن أن تحل بأي حل، ولو لم يتيسر حلها في الوقت الراهن، فلا يمكن أن تقارن بحالٍ بالمفاسد والأخطار التي قد تترتب على بقائكم في ذلك البلد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1422(1/622)
[السُّؤَالُ]
ـ[]ـ
[الفَتْوَى]
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1422(1/623)
حكم السكن مع أهل الكتاب في بيت واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وجزاكم الله خيرا على ماتقدموه لخدمة الإسلام والمسلمين ونفع الله بعلمكم.
أمابعد: فسؤالي هو: ذهبت لزيارة قريب لي فوجدته يقيم في منزل يسكنه نصارى ووجدتهم يأكلون مجتمعين
فهل يجوز الأكل معهم والنوم في فراشهم وهل تجوز الصلاة في هذا المنزل مع العلم أن المنزل مملوء بالصور والمسجد بعيدا عن المنزل، أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب على المسلم أن يحذر من مخالطة النصارى واليهود، والسكن معهم، والركون إليهم، واتخاذهم أصدقاء وخلان، فإن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51] .
وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران:118] .
وقال سبحانه: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) [هود:113] .
وقال صلى الله عليه وسلم: "من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله"رواه أبو داود بسند حسن.
وقال: "أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: لا تتراءى ناراهما" رواه أبو داود والترمذي.
قال الشوكاني: (قوله: "فهو مثله" فيه دليل على تحريم مساكنة الكفار، ووجوب مفارقتهم) .
وقال: (قوله: " لا تتراءى ناراهما" يعني: لا ينبغي أن يكونا بموضع بحيث تكون نار كل واحد منهما في مقابلة الأخرى على وجه لو كانت متمكنة من الأبصار لأبصرت الأخرى، فإثبات الرؤية للنار مجاز) .
فالواجب عليك أن تنصح لقريبك، وأن تحذره من هذه الإقامة التي تفضي غالباً إلى المودة والمحبة، وقد قال الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة:22] .
ويجب على الرجل أن يصلي الصلوات الخمس في جماعة، إلا إذا كان المسجد بعيداً عنه، بحيث لا يسمع الأذان، فيصلي في بيته في موضع لا تصاوير فيه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1422(1/624)
التعامل مع الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة معظم موظفيها من الهندوس مع العلم أن أصحاب الشركة مسلمون ما هو موقف الإسلام من عملي في هذه الشركة مع العلم بأنني أتعامل معهم بود ولطف نظراً لطبيعة عملي.
أرجو الإفاده لأنني قلق جدا ودائم التفكير في الموضوع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما بخصوص عملك في الشركة المذكورة، فلا حرج فيه إذا كان مجال عملها قاصراً على ما أذن فيه شرعاً.
وأما عن كيفية تعاملك مع من ذكرت من الهندوس، فإنها حالهم هم معك، ومع غيرك من المسلمين، فمن كان منهم مجاهراً بمحادة الله ورسوله معلنا لذلك، أو معروفاً بسوء معاملته للمسلمين لأجل إسلامهم لا لموجب عداوة دنيوية، فالواجب على المسلمين إظهار عداوته، قال تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة:9] .
ولا يرخص في معاملتهم بالحسنى إلا لاتقاء شرهم إن كان لهم بأس، قال تعالى: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران:28] .
أما من كان منهم كافاً لشره عن المسلمين، فالواجب معاملته بالحسنى، قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8] .
قال الإمام القرطبي: هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم. اهـ.
وفي الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: "نعم صلي أمك".
وبموجب هذا التفصيل تتحدد طريقة تعاملك معهم إما بالحسنى، وإما بإظهار العداوة، مع أنه يجب التنبه إلى أن المعاملة الحسنى لا تقتضي محبتهم وموادتهم، قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة:22] .
والفرق بين البر بهم والإحسان إليهم، وبين موادتهم وموالاتهم، أن عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا لهم، لأنهم في جوارنا، فوجب علينا أن نبرهم بكل أمرٍ لا يكون ظاهره دالاً على مودّات القلوب، وتعظيم شعائر الكفر، فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع وصار من قبيل ما نهي عنه في الآية الأخرى، ويتضح ذلك بالمثال: فإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا، والقيام لهم حينئذ، ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها، هذا كله حرام.
وأما ما أمر به من برهم من غير مودة باطنية، فمن أمثلته الرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفاً منا بهم لا خوفاً وتعظيماً، والدعاء لهم بالهداية، وكل خير يحسن أن يفعله الأعلى للأسفل، فإن ذلك من مكارم الأخلاق، فجميع ما نفعله معهم من ذلك ينبغي أن يكون من هذا القبيل، لا على وجه العزة والجلالة منا، ولا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم، وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا، وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا، واستباحوا دمائنا وأعراضنا وأموالنا، وأنهم من أشد الناس معصية لربنا ومالكنا عز وجل، ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالاً لأمر ربنا، وأمر نبينا صلى الله عليه وسلم لا محبة فيهم، ولا تعظيماً لهم، ولا نظهر آثار تلك الأمور التي نستحضرها في قلوبنا من صفاتهم الذميمة، لأن عقد العهد يمنعنا من ذلك، فنستحضرها حتى يمنعنا استحضارها من الود الباطن المحرم علينا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1422(1/625)
الاقتراض من الكنائس
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم الاستدانة من الكنائس النصرانية بالنسبة للمسلمين وذلك على شكل قرض حسن؟ .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التعامل مع الكفار جائز، سواء كان قرضاً، أو بيعاً، أو نحو ذلك.
فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية سلاحاً، وصح أنه اشترى من اليهود طعاماً. وهذا يدل على جواز البيع والشراء من الكفار والاقتراض منهم، بدون تفريق بين أموالهم الخصوصية والعمومية.
ولكن الأحوط للمسلم والأولى له - خصوصاً في هذا الزمن - أن يبتعد عن أصحاب الكنائس، وأن لا يتعامل معهم، لا بقرض ولا بغيره، لأنهم يتخذون قروضهم ومساعداتهم وسيلة للدعوة إلى دينهم، والتقريب منه، وصدق الله تعالى حيث يقول: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنفال:36] . والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1422(1/626)
قد يمنع التعامل التجاري مع الكفار لمصلحة راجحة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النقود التي يحصل عليها التجار المسلمون عند بيع بضاعتهم للنصارى هل هي حرام أو حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في التعامل التجاري بين المسلمين والكافرين مادام جارياً على الوجه الشرعي، وذلك أن يكون المبيع حلالاً، ولا غش في البيع ولا غرر، وقد مضى على هذا عمل المسلمين من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير إنكار منكر ولا مدافعة مدافع، غير أنه قد ترجح المصلحة في زمان ما، فيفتي العلماء بمنع تصرفٍ ما من التعاملات التجارية وغيرها، بناء على تلك المصلحة، كما هو الحال الآن من الفتاوى بمقاطعة المنتجات الأمريكية واليهودية التي يمكن الاستغناء عنها، مع وجود البديل المناسب من غيرها. وراجع الأجوبة 6135 3545 3765
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1422(1/627)
الكيد والعداء مستمر من أهل الكتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أناس غير مسلمين يتابعون أسرتي ويتجسسون عليها، ورغم أن أهلي يطبقون الإسلام بصورة تامة إلا أنني كلما ذكرت لأبي أن هؤلاء الكفار يتجسسون علينا كذبني وقال: هذا غير صحيح فهم أناس طيبون والسوء لا يوجد إلا في المسلمين، وقد ذكرت له ما حدث بيني وبين بعض هؤلاء الكفار إلا أنه لم يصدقني
وبالأمس فقط دخلت غرفتي فلاحظت أن أحدهم كان يتجسس علينا كانت عندة سيارة خضرا، فحكيت ما رأيت لأختي وذهبت معي لترى السيارة إلا أننا وجدنا سيارة مكانها إنهم يحاولون إقناع أهلي بأنني كذابة فبما تنصحونني؟
وفي يوم آخر: أبي وأختي الصغيرة خرجوا معي للمشي في الساعة العاشرة مساء وفي طريق عودتهم صادفت أختي الصغيرة امرأة وأوقفت هذه المرأة أختي وأخدت تسألها (علما بأن هذه المرأة تتعاون مع الجيران الغير مسلمين في مراقبتنا وقد علمت ذلك بعد مراقبة مني ومن أختي خلال نافذة غرفتنا) وأخذت تسأل أختي عن اسمها ومن أين هي وهل تدرس في هذه الدولة الأجنبية (علماً بأن أختي الصغيرة عمرها 10 سنين ولا تدرس هي وأخواتي بسبب عدم قبولنا كمهاجرين) وبعد الانتهاء من الحديث بينهما تحدثت إلى أبي على أنها تعيش في هذه البلاد منذ 27 سنة، وبعدها استكمل أبي مع أختي طريقهما إلى البيت ورأيت شخصاً آخر غير مسلم يتبعه دون علم أبي وأختي ويراقبهما حتى دخلوا البيت ثم بعد ذلك رجع الشخص إلى بيته القريب من بيتنا، وأخيراً أحمد الله على أن ظنوني بهم صحيحة وليس فيها أي شك حيث إني أنا وأختي نقوم بمراقبة الجيران كل يوم دون علمهم وعلم عائلتي بهدف حماية عائلتي بعد الله وسؤالي هو:
هل يجب إخبار عائلتي بما يحدث أم سكوتي هو الصواب علماً بأن أبي لا يثق بنا وأننا نشعر بالصعوبة في فتح هذا الموضوع معه؟
ملاحظة هامة: بالنسبة للعائلة العراقية إذا حاولوا أن يتعرفوا علينا هي يجب أن نرحب بهم أم نبتعد عنهم مع العلم أنه إذا أتت إلى بيتنا فسوف ترانا وتتعرف إلى بيتنا وأخشى أن تصفنا للجيران كما أعتقد اعتقاداً شديداً أن هذه العائلة العراقية تقوم بذلك كله خوفاً من هؤلاء الناس الغير مسلمين وحفاظاً على أنفسهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما لا شك فيه أن هنالك عداوة متجذرة بين المسلمين والكافرين، لا يرتاب فيها إلا من غفل أو تغافل عما قصه الله تعالى علينا في محكم كتابه عنهم، فمن ذلك قول الله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة:82] .
وقوله تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة:105] .
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) [الممتحنة:1] .
وصف الله تعالى الكافرين في هذه الآية بأنهم أعداء لله تعالى وأعداء للمؤمنين، وهذه العداوة لن تزول إلا إذا زال سببها، وهو اختلاف الدينين وافتراق المنهجين، ولذلك قال الله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] .
وعلى ذلك، فيجب على المسلم الحذر من كيد هؤلاء الأعداء ومكرهم، وليعلم أنهم يتربصون بالمسلم الدوائر دائماً، وإن أظهروا خلاف ذلك، ثم إنهم لا يرقبون في مؤمن إَّلاً ولا ذمة كما وصفهم الله بذلك، وعلى ذلك فغير مستبعد أن يكون ما تقولين من أمر هؤلاء الجيران حقاً، وليس مجرد اتهام أو شكوك.
وعلى كل، فعليك أن تحذري هؤلاء الجيران، وتحذري أهلك منهم، وتحاولي أن تطلعي أباك وأسرتك على تلك التصرفات المريبة التي يقومون بها، عسى أن يقتنعوا بما تقولين، ويأخذوا حذرهم من هؤلاء القوم قبل أن يوقعوا بهم وقيعة.
وأما العائلة العراقية التي ذكرت، فلا يجب عليكم التعارف معهم، ولا أن تسمحوا لهم بالدخول عليكم، إلا أنهم إن كانوا مسلمين طيبين مسالمين مأموني الشر، فلا حرج في التعرف عليهم، خاصة إذا كان يرجى منهم أن يكونوا عوناً لكم.
وأخيراً ننبهك إلى أنه إذا كان البلد الذي تقيمون فيه ليس من بلاد المسلمين، فإنه يجب عليكم الارتحال عنه، ومغادرته إلى بلد من بلاد المسلمين، وذلك لأن الإقامة في بلاد الكافرين ومساكنتهم فيها لا تجوز إلا لضرورة لا يمكن دفعها إلا بذلك، أو حاجة لابد منها، كالعلاج مثلاً، ونحو ذلك.
وراجعي الجواب رقم: 2469.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1422(1/628)
هل يجوز تعلم اللغة العبرية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مسموح تعلم اللغة العبرية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الغرض من تعلم اللغة العبرية الاطلاع على ما يكتبه اليهود من مكر وكيد للمسلمين، ودفع شرهم ومكرهم، فلا حرج في ذلك، بل هو مطلوب شرعا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1422(1/629)
حكم الإقامة في الدول الإسلامية المطبقة للقوانين الوضعية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فنشكركم على هذه الخدمة التي يستفيد منها الكثير من المشاركيين راجين العلي القدير أن يجعلها في ميزان حسناتكم.
السؤال نحن نعيش في دولة تطبق الدستور أي قوانيين وضعية وضعها أشخاص. ما حكم العيش في هذه الدولة التي لا تطبق الشريعة الاسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلاشك أن تنحية شريعة الله عن الحكم، وإحلال القوانين الوضعية مكانها من البلاء الذي استشرى في كثير من الدول الإسلامية، فضلاً عن الدول الكافرة - الغربية أو الشرقية - التي لا تحكم شرع الله أصلاً، كما هو معلوم ومعروف لدى الصغير والكبير، ولكن المسلم إذا كان يأمن على نفسه وماله وأهله، ويستطيع إقامة شعائر دينه في بلدة من البلدان، لم تجب عليه الهجرة حينئذ من هذه البلدة، ولو كانت لا تطبق الشريعة الإسلامية، مالم يكن الفساد منتشراً فيها، بحيث يخشى على نفسه وأولاده الوقوع فيه. والأصل في الهجرة أنها - كما قال الإمام ابن قدامة -: الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام. قال تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) الآيات، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" قالوا: يا رسول الله، لم؟ قال: "لا تراءا ناراهما" رواه أبو داود والنسائي والترمذي، ومعناه: لا يكون بموضع يرى نارهم ويرون ناره إذا أوقدت، وحكم الهجرة باق، لا ينقطع إلى يوم القيامة في قول عامة أهل العلم....) . ثم قال: (إذا ثبت هذا، فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب: أحدهما: من تجب عليه، وهو من يقدر عليها، ولا يمكنه إظهار دينه، أو لا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة، لقول الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً) [النساء: 97] .
وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الثاني: من لا هجرة عليه، وهو من يعجز عنها إما لمرض، أو إكراه على الإقامة، أو ضعف من النساء والولدان وشبههم، فهذا لا هجرة عليه، لقول الله تعالى: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً) ، ولا توصف باستحباب لأنها غير مقدور عليها.
والثالث: من تستحب له، ولا تجب عليه، وهو: من يقدر عليها، لكنه يتمكن من إقامة دينه، وإظهاره في دار الكفر، فتستحب له لتكثير المسلمين، ومعونتهم، ولا تجب عليه لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة، وقد كان العباس عمّ النبي صلى الله عليه وسلم مقيماً بمكة مع إسلامه، وروي أن نعيماً النحام، حين أراد أن يهاجر جاء قومه بنو عدي، فقالوا له: أقم عندنا وأنت على دينك، ونحن نمنعك ممن يريد أذاك، واكفنا ما كنت تكفينا، وكان يقوم بيتامى بني عدي وأراملهم، فتخلف عن الهجرة مدة، ثم هاجر بعد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قومك كانوا خيراً لك من قومي لي، قومي أخرجوني وأرادوا قتلي، وقومك حفظوك ومنعوك"، فقال: يا رسول الله، بل قومك أخرجوك إلى طاعة الله، وجهاد عدوه، وقومي ثبطوني عن الهجرة وطاعة الله، أو نحو هذا القول) . انتهى.
انظر: المغني لابن قدامة (10/513) مع الشرح الكبير.
وعلى هذا، فلا تجب عليك الهجرة إلا إذا كنت لا تتمكن من إقامة شعائر دينك، أو كنت لا تأمن على نفسك وعرضك ومالك، وحيث أمكنك أن تهاجر إلى بلد آخر تتمكن فيه من المحافظة على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1422(1/630)
الذهاب لكنائس النصارى للمشاركة في أعيادهم لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم الذهاب للكنيسة المسيحية لأني شاهدت كثيرين في عصرنا يذهبون إلى الكنائس في عيدهم. فما الحكم. وهل يعتبر من المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلم الذهاب إلى الكنيسة لمشاركة النصارى في الاحتفال بأعيادهم، أو تهنئتهم بها، لما في ذلك من المشاركة في الباطل الذي هم عليه، والذي أقاموا على أساسه تلك الأعياد، ولما في ذلك من التشبه بهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" أخرجه أبو داود.
وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخط ينزل عليهم، أخرجه البيهقي بسند صحيح كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وراجع جوابنا المفصل في هذا الموضوع تحت رقم: 4586.
أما سؤالك عمن فعل ذلك هل يعتبر من المسلمين، فالجواب: أنه إن لم يوافقهم على أعمالهم، أو أقوالهم الكفرية، فإن مجرد الذهاب المذكور لا يخرجه من الإسلام، وإن كان قد ارتكب أمراً عظيماً. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1422(1/631)
الأمازيغيون ... والظلم الواقع عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحد خريجي جلسات الصحوة الإسلامية وأسال عن موقف الإسلام من مناهضي حقوق الأمازيغ سواء من القوميين العرب أو من الإسلاميين، وإن كنت أعرف موقف الاسلام الايجابي، وكيف يمكنني الدفاع عن الأمازيغية دون السقوط في القومية وسلوك العرقيين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى حرم الظلم، وجعله محرماً بين الناس مؤمنهم وكافرهم، أياً كان نوع الظلم: في المال، أم في المعاملة، أم في هضم حقوق قوم، أو كبت حريات، أو غير ذلك. والأمازيغيون قوم أحبوا الإسلام، وفتحوا له قلوبهم وبلادهم، وخضعوا لشريعته- بعد إيمانهم بالله تعالى- تاركين عاداتهم، وما تناقلوه من تقاليد جيلاً بعد جيل، بل إنهم رووا بدمائهم في سبيل الله الجبال والوديان، منذ الوهلة الأولى التي عرفوا فيها الإسلام، واستمروا في بذل الغالي والرخيص، وبتقديم التضحيات حتى يومنا هذا، فصارت بلادهم قلاعاً حصينة تحمي الدين وأهله، وقد تحطمت بصمودهم هجمات الصلبيين من فرنسيين وإسبان.
وما يقع عليهم من ظلم، أو هضم لحقوق مشروعة إنما أصابهم وقت غروب شمس الإسلام، وانزواء ظل حكمه عن الأرض، كما هو حال إخوانهم المسلمين جميعاً في كل الأرض، فلينظر إخواننا الأمازيغيون لما يقع على المسلمين الفلسطينيين من ظلم، ولينظروا إلى حال المسلمين في كشمير والشيشان، والفلبين، ولا ينكر أحد أنه لا يكاد يوجد مكان فيه مسلمون إلا وهم يتعرضون لنوع من الظلم وهضم الحقوق، وكتم الأفواه، وتكبيل الأيدي، وما لإخواننا المسلمين الأمازيغيين، وما لنا إلا أن نلجأ إلى الله تعالى لرفع الظلم عنا وعنهم،
والانتصار للجميع، وقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم كيف نعمل في مثل هذه الظروف في الحديث الذي رواه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون أثرة وأمور تنكرونها" قالوا يا رسول الله: فما تأمرنا؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم"
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1422(1/632)
المدارس التنصيرية (التبشيرية) ... أهدافها ... وأخطارها.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في إدخال الأبناء في مدارس مسيحية في دولة الإمارات علما أنها ليست تبشيرية وتدرس فيها التربية الإسلامية ويقرأ فيها القراّن كل صباح إجباريا. ً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يشك عاقل أن الناشئ يتأثر بالمدرسة التي يتلقى فيها تعليمه النظامي تأثراً بالغاً، حتى إن ما يغرسه التعليم في الطفل من قيم وأخلاق (سلبية أو إيجابية) لينازع ما يغرسه أبواه، بل إنه يتفوق عليه في كثير من الأحيان.
ولا تكاد المدارس النظامية -القائمة على مناهج غير إسلامية- تخلو من خلل وقصور في مفهوم القيم والأخلاق وتعاليم الدين، فكيف بمدارس تقوم صراحة على تعليم النصرانية.
تقول د: سهير أحمد السكري إخصائية اللغويات في جامعة جورج تاون: قد آمن المستعمرون الإنجليز والفرنسيون بأن المعركة مع المسلمين يجب أن تبدأ من الفصل الدراسي - من المدرسة- بتدمير التعليم الديني، كما تكون بنشر المدارس الأجنبية المنافسة في كل البلاد العربية، ومحاربة اللغة العربية، وبالإنفاق ببذخ على تعليم اللغات الأجنبية وربطها بالتقدم والتكنولوجيا، والعلوم العصرية، وفرص الثراء والمرتبات الأكبر. أهـ.
ومع اتجاه أغلب الناس إلى التعليم النظامي استغل أعداء الإسلام - من المحتلين- هذا التعليم لغزو المسلمين فكرياً فعددوا نظم التعليم وأساليبه بما يخدم أهدافهم، فهذا تعليم علماني، وهذا تعليم أجنبي، وغير ذلك مما تعددت مسمياته، واتحدت أهدافه.
ولقد كانت قوة المسلم الفاتح تكمن في أسلوب تعليمه، فقد ذكر كاتب إنجليزي يدعى: E.H.JANSER في كتابه الإسلام المقاتل: إن إنجلترا وفرنسا قد أجرتا بحوثاً عن أسباب قوة وصلابة الإنسان العربي (المسلم) ، وتمكنه من فتح البلاد المحيطة به من الهند إلى تخوم الصين، فوجدت أن السر في ذلك كان طريقه تعليم الطفل العربي، وكيف أنه بدأ قبل الخامسة بحفظ القرآن وختمه ...
والمدارس التنصيرية (المسيحية) تقوم أساساً على منهج تنصيري، ولو عمّت على المسلمين أنها لا تقوم بتلك المهمة، وهي تستخدم في أسلوب تعميتها على السذج من المسلمين إذاعتها للقرآن صباحاً، وتدريسها لأطفال المسلمين التربية الإسلامية، ولكنها في الوقت ذاته تنسف كل القيم والمبادئ بمقرراتها، ومدرسيها المختارين بعناية فائقة ليقوموا بالمهمة المطلوبة.
فالطالب يتأثر بمدرسه تقليداً ومحاكاة، فيصطبغ بكل ما يقوله له، وقد أنشأ المستعمرون مدراس أجنبية (مسيحية) دخل فيها أولاد الطبقات الحاكمة، حتى يقوموا بالدور ذاته الذي يقوم به المستعمر، لعلمهم بأن مقامهم في تلك البلاد لابد أن تكون لها نهاية، فكان لهم ما أرادوا حيث جاء من يحمل اللواء نفسه، ويفكر بالعقلية ذاتها، بل إن دور هؤلاء مؤثر أكثر من تأثير من يوجهونهم، فهم يتكلمون بلسان قومهم ويفكرون بعقلية من علمهم.
يقول المستشرق شانلي: إن أردتم أن تغزوا الإسلام وتخضعوا شوكته، وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة، فعليكم أن توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة المسلمة، بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم المعنوي وكتابهم القرآن. الاتجاهات الفكرية المعاصرة: 12.
فالمدارس المسيحية (الأجنبية) أسلوب من أساليب الغزو الفكري المعاصر، حيث تعمل على تغيير القيم والمفاهيم لدى منتسبيها، فيصير من تخرج منها ذنباً لهم لا يرى إلا بعيونهم، ولا يفكر إلا بعقلهم.
فطالبة في إحدى تلك المدارس تسأل إحدى الداعيات: هل أستطيع أن أصلي باللغة الإنجليزية؟!! وما السر في ذلك؟ السر في ذلك أنها تحسن اللغة الإنجليزية أكثر من العربية، فأي تغريب، وأي غزو هذا؟
إن المسلم يجب أن يكون غيوراً على دينه وقيمه، ويجب أن ينتبه لهذا الخطر العظيم والشر المستطير، وأن يعلم أن الله وهب له الأولاد، واسترعاه عليهم، وسيسأله عما استرعاه، فعليه أن يعد الجواب من الآن. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1422(1/633)
حكم قراءة كتب أهل الكتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قراءة كتب أهل أهل الكتاب كالإنجيل مثلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى أحمد والطبراني، والحاكم: أن عمر بن الخطاب جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من بني قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً. قال: فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والذي نفس محمد بيده. لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، أنتم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين".
وأخرج أبو يعلى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا. إنكم إما أن تصدقوا بباطل، وإما أن تكذبوا بحق"
فعمر رضي الله عنه ما جاء بصحف التوراة إلا ليقرأها ويطلع على ما فيها، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
فلا يجوز للمسلم أن يقرأ أي كتاب من الكتب السابقة ولا يطلع عليها، إلا من قرأها لبيان ما ورد فيها من تحريفات وتضارب بينها، وكان من الراسخين في العلم.
وأما عامة المسلمين، ومن ليس لهم شأن في الرد على تحريفات وشبهات أهل الكتاب فلا يجوز له قراءة التوراة والإنجيل وغيرها من الكتب السابقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1422(1/634)
الفرار بالدين ... أم البقاء مع الزوج في بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة ولدي ستة أولاد وأعيش مع زوجي في بلاد الغرب وكلما طلبت من زوجي السماح لي بالعودة إلى بلدي (الجزائر) . احتج بعدم إمكانية الاستقرار في الجزائر وعدم توفر السكن. وقد سبق لي أن طلبت من أمي إن كانت موافقة على عيشي عندها مع أولادي فوافقت، وفي المقابل زوجي يأمرني بالبقاء معه حتى يجمع المال الكافي لشراء مسكن. وإنني متيقنة أن الله لن يضيعني إن اخترت الهجرة من بلاد الكفر. إنني في حيرة من أمري، وأخشى إن تصرفت بما يرضي ضميري وهوالهجرة؛ أن أتسبب في ضياع أولادي.
فماذا أفعل؟ هل أبقى معه وأخاطر بأولادي أم أتوكل على الله وأفر بديني؟ .فهل أجد لديكم ما يدفعني للمضي قدما مطمئنة القلب دون خوف أو تردد؟ .أسأل الله ذلك والسلام عليكم ورحمة الله. أختكم في الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طاعة المرأة زوجها في المعروف واجبة، ومن المعروف ألا يأمرها بمعصية الله، ووعد الله جل وعلا المرأة على هذه الطاعة والصبر عليها بالأجر الجزيل. فقد قال صلى الله عليه وسلم: " إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت". رواه أحمد. وقال صلى الله عليه وسلم: " خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك". ثم قرأ صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (الرجال قوامون على النساء…) [النساء:34] رواه الطبري وأبو حاتم. ولاشك أن المرأة لا يجوز لها أن تطاوع زوجها على الإقامة الدائمة في
بلاد الكفر من غير ضرورة ملجئة، لأنها معصية عظيمة فقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم" رواه أبو داود والترمذي والنسائي والطبراني. وقال صلى الله عليه وسلم: " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: " لا ترايا ناراهما" رواه أبو داود والترمذي. فإذا كان زوجك لا يعارض الرجوع إلى بلدكم، ولكن يريد أن يهيئ الظروف المناسبة لذلك، فإن طاعتك له في الانتظار لا تعد من باب المعصية، بشرط أن لا تطول مدة الانتظار بحيث يفتن الأولاد، فإن كانت فتنة الأولاد وشيكة وقد ظهرت علاماتها بتأثرهم بمساكنة الكفار، فالواجب هو الخروج بهم فوراً إلى ديار المسلمين. وحاولي إقناع زوجك بذلك، ولتضعوا حداً وزمناً معيناً لا تتجاوزنه. وإذا كانت ظروف بلادكم لا تناسب، فابحثوا عن مكان آخر أقل فتنة حتى تتدبروا أمركم. وإذا كان زوجك صالحاً مستقيماً فخذي الأمر معه برفق، وتفهمي ظروفه، فإن طال الأمر، وغلب على الظن الافتتان أو الخروج، فإن أصر على البقاء فالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أولى بالطاعة. فرتبي لنفسك وأولادك أمر الهجرة من تلك البلاد متوكلة على الله، والله لا يضيع من توكل عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1422(1/635)
هل يسوغ للمسلم مجالسة أهل الكتاب ... وحل مشاكلهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مجالسة النصارى والتحدث معهم والسماع إلى مشاكلهم ومحاولة حلها والوقوف معهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معاملة أهل الكتاب - ومنهم النصارى- يختلف حكمها باختلاف طبيعتها وما يقصد منها، فإن كان المقصود بالمعاملة مجالستهم والاستئناس بهم، وتجاذب أطراف الحديث معهم، وما شاكل ذلك فهذا لا يجوز، لأنه من ولائهم وصحبتهم، وقد نهانا الله تعالى عن ذلك في قوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) [المائدة: 51] .
ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة أنهم جالسوهم بهذا الاعتبار.
وكذا الحال بالنسبة لمشاركتهم في أعيادهم ومناسباتهم الدينية، والإهداء إليهم، فهذا كله من موالاتهم وتأييدهم، والاعتراف بعقائدهم الباطلة، ولم يفعله صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة رضوان الله عليهم.
أما التعامل معهم بما أباح الشرع في قضاء المصالح التي يحتاجها المسلم، ولا تترتب عليها مفسدة، مثل: البيع والشراء - فيما أحل الله- فإن ذلك جائز، فقد أخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه وأقره الذهبي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي سلعة إلى ميسرة".
وأخرج الشيخان: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل ورهنه درعه"، كما أخرج البخاري: "أنه صلى الله عليه وسلم: زارعهم وساقاهم"، وأنه أكل من طعامهم".
وكذا تجوز عيادة مرضاهم لعرض الإسلام عليهم، فقد روى البخاري: "أنه صلى الله عليه وسلم عاد غلاماً يهودياً يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاه إلى الإسلام، فأسلم الغلام".
كما روى الشيخان: "أنه صلى الله عليه وسلم عاد عمه أباطالب لما حضرته الوفاة، ودعاه إلى شهادة أن لا إله إلا الله".
وأما حل مشاكلهم فيجوز -إن طلبوا هم ذلك- ويكون حل هذه المشاكل على وفق شريعتنا الإسلامية إن رضوا ذلك، وإلا فيعرض عنهم، ويتركون لتسوية أمورهم فيما بينهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1422(1/636)
لزوم طريق النبي صلى الله عليه وسلم أمان من الحيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحيم الرحيم
وبعد أود أن أسألكم عن سؤال مهم
المسلمون تفرقوا إلي شيع وأحزاب وكل حزب بما لديهم فرحون هذا سلفي وهذا صوفي وهذا من جماعة التبليغ....الخ، إلي غيرذلك من الطوائف المتناحرة ويحار الإنسان داخل هذ الصراع، فإن ذهب إلي السلفية ضلله الصوفية وإن ذهب إلي الصوفية كفره السلفية فماذا يفعل الإنسان أمام هذا الصراع وبما تنصحونني وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تفرق المسلمين إلى فرق متعددة متباينة أمر قدري محتوم، كما قال سبحانه: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) [هود: 118-119] ، وأهل السنة والجماعة هم من رحمهم الله تعالى من الاختلاف في أصول الدين وكلياته وقطعياته، بخلاف الصوفية وغيرهم من الفرق البدعية. وليعلم المسلم أن أهل السنة والجماعة هم أهل الحق القائم على الأخذ بالكتاب والسنة، والسير على ما سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون في الاعتقاد والسلوك والعمل بخلاف الصوفية الذين ابتدعوا في دين الله ما لم يأذن به، حتى إن بعضهم جاء ببدع مكفرة كابن عربي، والحلاج، وكثير من فرقهم لا يخلو من البدع الكثيرة المفسقة. مع ملاحظة أن بعض المسلمين قد ينسب إلى الصوفية وليس له فيها إلا الاسم، وإنما ينسب إليها لزهده، مع أنه خال من البدعة وملتزم بالسنة كالقاضي عياض، ومعروف الكرخي، وبشر الحافي وأمثالهم، فهؤلاء من أئمة أهل السنة والجماعة.
وننصحك بلزوم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الاعتقاد والعمل فهو سبيل المؤمنين وطريق النجاة، وعليك بقبول الحق، والالتزام به، وإن كان قائله خصماً، والبعد عن الضلالة والخطأ، وإن صدر من قريب حبيب. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1422(1/637)
حكم إقامة الأحزاب في البلاد الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إقامة أحزاب في البلاد الإسلامية وهل يجوز التحزب للإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتحزب للإسلام بمعنى التمسك به ونصرته والدفاع عنه مما لا ينبغي أن يسأل عن جوازه وعدمه، فإن هذا من آكد الفرائض وأعظم الواجبات، قال تعالى: (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم) [الزخرف:43] .
وقال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) [آل عمران:103] .
وأما إقامة الأحزاب في البلاد الإسلامية، ففيه تفصيل:
أولا: الأحزاب التي لا تقوم على الإسلام ولا تدعو إليه كالأحزاب العلمانية والشيوعية والاشتراكية والقومية ونحوها فهذه لا يجوز إقامتها ولا تمكينها، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وإقرار ما هي عليه من الباطل، وإدخال الشك والشبهة على عامة المسلمين وفتنتهم في دينهم.
ثانيا: وإن كان مرادك بالأحزاب: الجمعيات الخيرية التي تقوم على أعمال البر والخير وإغاثة المنكوبين فهذه ينبغي إقامتها لما تسديه من الخير وتحققه من النفع، مع ضرورة ولائها وانتمائها لجماعة المسلمين وإمامهم إن وجد.
ثالثا: وإن كان المراد بإقامة الأحزاب ما يكون من جنس الجماعات الدعوية القائمة، التي تدعو إلى الإسلام وتسعى إلى تطبيقه فإن العمل الجماعي نوع من التعاون والتناصر والتآخي على الحق، ولذا فهو مشروع مرغب فيه لعموم الأدلة الدالة على فضيلة الجماعة والاتفاق والتعاون. ما لم يتخذ ذلك ذريعة إلى التحزب والتعصب للأسماء والشعارات، أو رفض الحق وإنكاره حين يأتي من خارج الجماعة. وإذا وجدت جماعة تتبنى منهج أهل السنة والجماعة في المعتقد والفكر والسلوك والمنهج جاز التعاون معها ومناصرتها وتأييدها في ما عندها من الحق. وينبغي أن يكون معلوماً أن الحق لا يعرف بالرجال، وأن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم. وأما غيره فإن طاعته مقيدة بطاعة الله ورسوله. كما ينبغي للمسلم أن يوطن نفسه على قبول الحق من كل من جاء به، مهما كان شأنه أو انتماؤه. وننصح كل من يتعاون مع هذه الجماعات أن يكون واضحاً صريحاً في منهجه، يبين لإخوانه أنّ ولاءه للحق، وأنّ عمله مع مجموعة ما، لا يعني براءته أو كرهه لغيرها، بل كل مؤمن يوالى ويحب على قدر طاعته ودينه من أي طائفة كان. وأما عقد الولاء على اسم أو شعار أو شخص فهذا من فعل أهل البدع، ومن زعم أنه يجب مبايعته أو مبايعة طائفته، ونزّل أحاديث البيعة في ذلك فهو مبتدع مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة، فإن البيعة المذكورة في الأحاديث إنما هي للإمام العام الذي يجتمع عليه الناس، وليكن معلوماً أيضاً أن هذه الجماعات وإن كان قصد أصحابها نصرة الحق والدعوة إلى الالتزام بالإسلام إلا أنها ليست على قدم سواء في سلامة المنهج وشموله لجوانب الإسلام المختلفة. والإسلام ليس محصوراً في شيء منها ... وقصارى أمرها أن تكون طرائق في الدعوة وفهم الإسلام، والإسلام حاكم عليها، وأكثر المسلمين لا يتبعون أياً من هذه الجماعات وفيهم العلماء والدعاة والمجاهدون. فيجب أن نفقه أسباب نشأة هذه الجماعات، وأن نضعها في إطارها الطبيعي، وألا تنقلب الوسائل إلى غايات تفضي إلى نقيض المقصود. ومع ذلك فالذي نراه- والله أعلم- أن الجماعات الإسلامية التي تنتسب للدعوة والعمل الإسلامي في تنام وازدياد مستمر، ولذا فإننا ننصح بالاكتفاء بالموجود، وتكوين جماعة إسلامية إضافية لا يتناسب مع ما يدعو إليه الكثير من الغيورين من لمّ الشمل ووحدة الصف وتضافر الجهود ما أمكن.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(1/638)
لا يجوز للمسلم أن يحمل أو يلبس ما فيه شعار الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لبس الملابس التي تحمل شارة nike]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز أن يلبس المسلم ما يدل على شعائر الكفر، لنهي الشارع أن يتشبه المسلم بغير المسلمين. قال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" وفي رواية: "حشر معهم" رواه أحمد وأبو داود.
ففي هذا وعيد شديد وتهديد لمن تشبه بالكفار في أفعالهم وأقوالهم ولباسهم وأعيادهم وعبادتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا ولم نقر عليها.
وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من كل مسلم أقام بين الكفار، فلم يتميز عنهم بهيئته وبفعاله وأخلاقه وعبادته، فكيف بمن حمل شارة الكفر؟. روى أبو داود في سننه عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر الكفار" قالوا: يا رسول الله لِمَ؟ قال: "لا تراءى ناراهما".
وهذه العلامة التي تحملها كثير من الملابس والتي يلبسها بعض المسلمين ترمز إلى آلهة النصر عند الإغريق وابنة العملاق بالامس من نهر ستايكس الباطن (الجهنمي) هكذا هي عندهم، فمن كان يجهل أساس التسمية فهو معذور، فإذا عرف زال العذر، ووجب اطراح هذا اللباس أو محو العلامة، استبراء للدين وحرصاً على اعتزاز المسلم بعقيدته، وبراءته من شائبة التشبه بهم وموافقتهم على ما هو من شعار دينهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1422(1/639)
حكم الدخول في الانتخابات بنية تحقيق المصلحة الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم الانتخابات التي تقام في البلدان الآن مع ذكر الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة؟ وما حكم انتخاب غير المسلم مع وجود مرشح مسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الانتخابات النيابية والدخول فيها انقسم حولها العلماء في العصر الحاضر واختلفت آراؤهم فيها، فمنهم من يقطع بعدم جوازها وأن الدخول فيها لا يصح في ظل الوضع الراهن، ومن قائل إنه يتعين على المسلمين دخولها وعليهم ألا يضيعوا ذلك ومنهم من يقول إن ذلك جائز بشروط.
ولتجلية الأمر الصواب من هذه الآراء ـ فيما نحسب ـ ننقل كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية، قال رحمه الله: " يجب أن يعلم أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا الدنيا إلا بها..إلى أن قال: فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله".
وقال رحمه الله: "ولما غلب على كثير من ولاة الأمور إرادة المال والشرف وصاروا بمعزل عن حقيقة الإيمان في ولايتهم رأى كثير من الناس أن الإمارة تنافي الإيمان وكمال الدين، ثم منهم من غلب الدين وأعرض عما لا يتم الدين إلا به، ومنهم من رأى حاجته إلى ذلك فأخذه معرضاً عن الدين لاعتقاده أنه مناف لذلك وصار الدين عنده في محل الرحمة والذل لا في محل العلو والعز، وهاتان السبيلان الفاسدتان سبيل من انتسب إلى الدين ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال، وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب ولم يقصد بذلك إقامة الدين هما سبيل المغضوب عليهم والضالين.
إلى أن قال رحمه الله: "فالواجب على المسلم أن يجتهد في ذلك حسب الوسع فمن وُليِّ ولاية يقصد بها طاعة الله وإقامة ما يمكنه من دينه ومصالح المسلمين وأقام فيها ما يمكنه من الواجبات واجتناب ما يمكنه من المحرمات لا يؤاخذ بما يعجز عنه، فإن تولية الأبرار خير للأمة من تولية الفجار، ومن كان عاجزاً عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من الخير لم يكلف ما يعجز عنه فإن قوام الدين بالكتاب الهادي والحديد الناصر" انتهى كلامه. انظر مجموع الفتاوى ج28 ص 390-396.
وقد طلب يوسف الصديق عليه السلام من ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض لما واتته الفرصة فاهتبلها ولم يهملها لأنه سيكون في موقع يستطيع حسب طاقته أن يقيم العدل ويأمر به قال تعالى: (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) [يوسف:55] . ومعلوم أن يوسف طلب ولاية من نظام كافر على الأصح.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان". عند قوله تعالى: (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) [هود:91] قال رحمه الله في الفوائد المتحصلة من هذه الآية العظيمة ومنها: أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة، وقد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئاً منها وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم وأهل وطنهم الكفار كما دفع الله عن شعيب رجمة قومه بسبب رهطه، وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها بل ربما تعين ذلك لأن الإصلاح مطلوب حسب القدرة والإمكان) .
جاء في كتاب "معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية" للشيخ مناع القطان رحمه الله حيث ذكر فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رداً على سؤال: عن شرعية الترشيح لمجلس الشعب وحكم الإسلام في استخراج بطاقة انتخابات بنية انتخاب الدعاة والاخوة المتدينين لدخول المجلس فأجاب رحمه الله قائلاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فلا حرج في الالتحاق بمجلس الشعب (البرلمان) إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق وعدم الموافقة على الباطل لما في ذلك من نصر الحق والانضمام إلى الدعاة إلى الله، كما أنه لا حرج كذلك في استخراج البطاقة التي يستعان بها على انتخاب الدعاة الصالحين وتأييد الحق وأهله والله الموفق. ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفق المسلمين لما فيه صلاحهم، أما انتخاب غير المسلمين فلا يجوز، لأن ذلك يعني منه الثقة والولاء، وقد قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين) [المائدة: 57] والذي يجب عليكم أن تختاروا وتنتخبوا أكثر المرشحين المسلمين جدارة وكفاءة، ومن يتوسم فيه أن يحقق للمسلمين مصالح أكثر، ويدفع عنهم ما استطاع دفعه من المضار، والمسلم وإن كان فيه ما فيه من قصور فهو خير من غير المسلم وإن بدا ناصحاً قال تعالى: (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) [البقرة 221] كما أن انتخاب غير المسلم وتقديمه على المسلم هو من جعل السبيل للكافرين على المؤمنين وهو منهي عنه، لقوله سبحانه وتعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على للمؤمنين سبيلاً) [النساء:141] .
لكن هذه المسألة من موارد الاجتهاد، فقد تتحقق المصلحة الشرعية في بلد من دخول البرلمانات، ولا تتحقق في بلد آخر فعلى المسلمين في كل بلد الموازنة بين المصالح والمفاسد، وترجيح ما يرونه مناسباً.
ولا يجوز أن يتخذ الخلاف في حكم الانتخابات، ودخول البرلمانات خلافاً في الأصول، فإنها من المسائل الاجتهادية التي ليس في منعها نص قطعي حتى نجعلها من مسائل الأصول مع تفريقنا بين هذه المسألة، وبين حكم النظام الديمقراطي والتعددية الحزبية، فإن هذا النظام لا شك فيه ولا ريب أنه نظام غير إسلامي ومباين لدين الله، ولكن دخول البرلمانات في مثل هذا الوضع يتوقف على جلب المصلحة، ودفع المفسدة كما سبق بيانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1422(1/640)
تعصب أهل الفرق لآرائهم يمنعهم من التقارب مع أهل السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ما رأيكم في التقريب بين المذاهب؟ وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكلمة التقريب بين المذاهب: كلام مجمل، وبيانه: أنك إن كنت تقصد التقريب بين أهل السنة، والمبتدعة فنقول ـ وبالله التوفيق ـ التقريب غير ممكن، وقد حاول بعض الدعاة والمصلحين التقريب بين أهل السنة وبعض الطوائف ردحاً من الزمن، وتوصل في النهاية إلى أن التقريب غير ممكن. وكل من عرف حقيقة مذاهب كثير من الفرق المنتمية للإسلام أدرك بطلانها بلا ريب لاعتقادهم السيء في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخالفتهم لمعتقد أهل السنة في كثير من أصول الاعتقاد.
وإن كنت تقصد التقريب بين المذاهب الفقهية الأربعة المعروفة، أو بين الدعاة إلى الله ممن هم على عقيدة أهل السنة والجماعة فلا شك أن الدعوة إلى التقريب بهذا المفهوم دعوة حسنة إذا قام بها من يحسنها، ففي الاجتماع خير وبركة وقد حثنا الله جل وعلا على الاعتصام بحبله فقال: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) [آل عمران: 103] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1421(1/641)
لا يجوز للمسلم أن يشارك في احتفالات خاصة بغير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[يستعد العالم لاستقبال الألفية الثالثة. ماحكم الاحتفال بهذه المناسبة؟ وما حكم مشاركة المحتفلين احتفالاتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن المسلم يجب عليه أن يحمد الله تعالى أن هداه للإسلام، ووفقه إليه وأن يسأل ربه جل وعلا أن يثبته على صراطه المستقيم صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم والضالين. وإن الأمم الكافرة من حولنا يحاولون جاهدين أن يبعدوا المسلمين عن جادة دينهم وأن يقطعوا الصلة بينهم وبين دينهم قال تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمر إن الله على كل شيء قدير) [البقرة: 109] وإنا معاشر المسلمين لنا ديننا الذي شرعه الله لنا وارتضاه لعباده المؤمنين، قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [المائدة: 3] . والاحتفالات بالألفية الثالثة من الزور الذي يجب على المؤمن أن يجتنبه حيث إنه ليس من أعياد المسلمين، قال تعالى: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً) [الفرقان: 72] وقد فسر غير واحد من السلف كابن سيرين ومجاهد الزور بأنه أعياد الكفار. وأخرج الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: (ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر) . والعيد هو اسم جنس يدخل فيه كل يوم يعود ويتكرر. وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أنه لا يجوز أن يعظم المسلم يوماً يعظمه الكفار ولا مكاناً لهم فيه اجتماع ديني. وكل عمل يحدثونه في زمن أو مكان معظم عندهم فهو من أعيادهم. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة ـ مكان ـ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا. قال: أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم) رواه أبو داود عن ثابت بن الضحاك. والاحتفالات بالألفية الثالثة لها دلالات ومعان عند الكفار لذلك يعظمون قدومها. فإنهم يعلقون عليها أحداثاً وآمالا كما يربطون بها بعض قضايا عقائدهم مما جاءت في كتبهم المحرفة. ولا يخلو الاحتفال بهذه الأعياد من مشابهة أهل الكتاب ومن لبس الحق بالباطل. قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة) . وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (ومن تشبه بقوم فهو منهم) . رواه أحمد وأبوداود. وعليه فلا يجوز لمسلم قد رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبياً ورسولاً أن يشارك في الاحتفال بالألفية الثالثة أو يهنئ أحداً بها قال ابن القيم رحمه الله: (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق) . والله نسأل أن يبصر المسلمين بما فيه نفعهم والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1421(1/642)
حكم المشاركة في احتفالات أعياد الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[يستعد العالم لاستقبال الألفية الثالثة. ماحكم الاحتفال بهذه المناسبة؟ وما حكم مشاركة المحتفلين احتفالاتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ...
فإن المسلم يجب عليه أن يحمد الله تعالى أن هداه للإسلام، ووفقه إليه، وأن يسأل ربه جل وعلا أن يثبته على صراطه المستقيم صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم والضالين. وإن الأمم الكافرة من حولنا يحاولون جاهدين أن يبعدوا المسلمين عند جادة دينهم وأن يقطعوا الصلة بينهم وبين دينهم قال تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير) [البقرة: 109] وإنا معاشر المسلمين لنا ديننا الذي شرعه الله لنا وارتضاه لعباده المؤمنين، قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [المائدة: 3] . والاحتفالات بالألفية الثالثة من الزور الذي يجب على المؤمن أن يجتنبه حيث إنه ليس من أعياد المسلمين، قال تعالى: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً) [الفرقان: 72] وقد فسر غير واحد من السلف كابن سيرين ومجاهد الزور بأنه أعياد الكفار. وأخرج الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: (ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر) . والعيد هو اسم جنس يدخل فيه كل يوم يعود ويتكرر. وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أنه لا يجوز أن يعظم المسلم يوماً يعظمه الكفار ولا مكاناً لهم فيه اجتماع ديني. وكل عمل يحدثونه في زمن أو مكان معظم عندهم فهو من أعيادهم. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة ـ مكان ـ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا. قال: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم) رواه أبو داود عن ثابت بن الضحاك. والاحتفالات بالألفية الثالثة لها دلالات ومعان عند الكفار لذلك يعظمون قدومها. فإنهم يعلقون عليها أحداثاً وآمالا، كما يربطون بها بعض عقائدهم مما جاءت في كتبهم المحرفة. ولا يخلو الاحتفال بهذه الأعياد من مشابهة أهل الكتاب، ومن لبس الحق بالباطل على عامة الناس، كما أن فيه كسراً لحاجز النفرة من دينهم، الذي هو مقتضى البراءة منهم وبغضهم، وكيف يكون مبغضاً لهم من يشركهم في أعيادهم؟.
قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة) . وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (ومن تشبه بقوم فهو منهم) . رواه أحمد وأبوداود.
وعليه فلا يجوز لمسلم قد رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبياً ورسولاً أن يشارك في الاحتفال بالألفية الثالثة أو يهنئ أحداً بها. قال ابن القيم رحمه الله: (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق) . وإن العجب لا ينقضي من مسلمين يتهالكون على مشاركة النصارى أعيادهم، في الوقت الذي لا يرفع النصارى بأعياد المسلمين رأساً، وقد يمنعونهم من أخذ إجازة بهذه المناسبة، فهل كتب علينا أن نحب من يبغضنا، فإن قيل إن هذا عقوبة من الله جزاء ما فرطنا في جنبه. قلنا: لا يبعد ذلك. فالله المستعان، ونسأله أن يبصر المسلمين بما فيه نفعهم. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1422(1/643)
لا حرج في التعامل مع أهل الأديان الأخرى دون موالاتهم.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم تحية لكم وبعد: هل يجوز التعامل مع شباب غير مسلمين يهود أو نصارى في الجامعة للاستفادة منهم في مجال العلم؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للمسلم التعامل مع غير المسلمين كاليهود أو النصارى للاستفادة منهم في مجال العلم مع مراعاة الضوابط الشرعية، حيث لا يجوز مجالستهم ومخالطتهم أثناء اقترافهم المعاصي، مثل شربهم للخمور وغير ذلك، كما لا يجوز للمسلم الخلوة بالنساء أو الجلوس مع المتبرجات منهن بحجة العلم لما في ذلك من الفتنة والمنكر. وإنما يجوز للمسلم أن يرد عليهم التحية، وأن يعاملهم بيعاً وشراءً كما كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايع مع اليهود والنصارى، وأن يستفيد منهم في العلم في الجامعة كما في سؤال السائل لكن مع حفاظ المسلم على معالم الشخصية المسلمة والتمسك بشعائر دينه، مع تحقق البراءة الكاملة عنده من كفرهم وباطلهم، وأن يكون قلبه مبغضاً بغضاً تاماً لما هم عليه من كفر وانحراف، وأن يحذر من ميل القلب إليهم أو تعلقه بهم، أو الإعجاب والانبهار والانخداع بهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/644)
حدود التعامل مع الكفار بيعا وشراء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الذهاب إلى محلات ماركس اند سبنسر اليهودي المعروف مع العلم انني لم اذهب اليه منذ 18 عاما أما الآن وبما أنه تم افتتاحه في قطر ودبي وبلدان الخليج وأولادي يطلبون مني الذهاب اليه والشراء منه فما رأيكم أفيدوني أفادكم الله وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالإسلام أباح للمسلمين أن يتعاملوا مع الكفار بيعاً وشراءً، بشرط أن لا يكون في أمر محرم، كالتعامل بالربا، وشراء أو بيع الخمر أو الميتة أو الدم أولحم الخنزير، أو نحو ذلك.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل معهم، وقد توفي صلوات الله وسلامه عليه ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير، كما في البخاري وغيره، وكان الصحابة في عصره وبعده يتعاملون معهم، ولكن إذا رأى المسلمون أن في مقاطعة بضاعتهم مقاطعة اقتصادية مصلحة شرعية فعليهم أن يفعلوا ذلك وأن يلتزموا به.
وكذلك إذا كانت طائفة منهم محاربة وكان تعاملنا معهم يزيد اقتصادهم نمواً ويقوي شوكتهم على المسلمين، فإنه يجب علينا مقاطعتهم لئلا نكون عوناً لهم على أنفسنا.
وعليه فإذا ثبت أن هذه المحلات المسؤول عنها أو غيرها ممن يدعم اليهود المغتصبين الظالمين فعلينا أن نقاطعهم وأن نلتزم بذلك جميعاً، كما يجب على المسلمين أن يكونوا يداً واحدة على عدوهم، وأن يتعاونوا فيما بينهم في كل المجالات، وأن تكون قضية بعضهم قضية للجميع، كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حيث قال: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" كما في الصحيحين عن النعمان بن بشير كما أن غيرهم من ملل الباطل كاليهود والنصارى والهندوس كذلك فالمسلمون أولى بذلك لأنهم مجتمعون على الحق والعدل قال تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) [الأنفال: 73] .
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/645)
لا يجوز للمسلم الاحتفال بما فيه تشبه بالكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[نلاحظ في الفترة الأخيرة كثرة المناسبات بين النساء والرجال بقيام عدة حفالات أمثال مرور سنة من الزواج أو مشي الطفل الصغير أو سقوط سنة أو حبو الطفل أو غيره من الأمور التي انتشرت بين الناس في الأونه الأخيرة، فما حكم ذلك افتونا مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله شرع للمسلمين عيدين عيد الفطر وعيد الأضحى. ودليل ذلك ما رواه أبو داود في سننه عن أنس رضي الله عنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: "ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال يا رسول إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر " ووجه الدلالة من الحديث أنه لو كانت هناك أعياد للمسلمين غير هذين العيدين لدل النبي صلى الله عليه وسلم صحابته والأمة بعده عليها. وبهذا يعلم أن أي عيد غير هذين العيدين هو من الأعياد المحدثة المبتدعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أخرجه مسلم في صحيحه، والفرح بهذه الأمور المذكروة لا حرج فيه، بل هو أمر فطري جبل عليه الناس، والممنوع إنما هو جعله عيداً ومناسبة يتكرر الاحتفال بها كل عام. وليعلم أن التفنن في استخدام الأعياد على مستوى الدول وعلى مستوى الأفراد راجع إلى الجهل بأحكام الشرع وحدود المباح والممنوع، وإلى تقليد الأمم الأخرى الذين يجعلون دينهم ما تهواه أنفسهم، فيستحدثون لكل حدث عيداً، فتلقف ذلك جهلة المسلمين، إعجاباً وتقليداً، فاجتمع في هذه الأعياد المبتدعة عدة محاذير، كالتشبه والابتداع، وغيرهما.
والله المستعان.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1422(1/646)
التشبه المذموم هو ما يختص بالكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن ترسلوا لي مقالة مفصلة عن حكم اللباس والزينة بالنسبة للرجال (التشبه بالكفار- اللحية - عورة الرجل والمرأة - الأكل في أواني الذهب والفضة) ؟ وشكرا لجهودكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
قد سبق بيان حكم اللحية تحت الأجوبة التالية أرقامها: 1491 2711
4451
وكذلك الكلام على عورة الرجل والمرأة برقم: 284
أما التشبه بالكفار، فإنه ممنوع في اللباس وغيره. وضابط التشبه ـ كما ذكر أهل العلم ـ أن يفعل المتشبه ما يختص به المتشبه به، فما كان من الألبسة خاصاً بالكفار فلا يجوز للمسلم لبسه، كبعض القبعات التي توضع على الرأس، وبعض الثياب التي يتميز بها القساوسة والرهبان والكهنة.
أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار، فإن لبسه لا يعد تشبها، كالبنطال والجاكيت، إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى، كأن يكون غير ساتر للعورة أو مجسداً لها أو كان من حرير فإنه محرم لبسه على الرجال.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وإن قلنا: النهي عنها (أي: عن المياثر الأرجوان) من أجل التشبه بالأعاجم، فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى فتزول الكراهة. انتهى.
وقال أيضا: وقد كره بعض السلف لبس البرنس لأنه كان من لباس الرهبان، وقد سئل مالك عنه فقال: لا بأس به.
قيل: فإنه من لبوس النصارى. قال: كان يلبس ههنا. انتهى.
فالتشبه المذموم إنما يحصل فيما هو من خصائص الكفار، وفيه الوعيد المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أحمد وأبو داود. والله أعلم.
ويحرم الأكل في أواني الذهب والفضة، لما في الصحيحين، وهذا لفظ مسلم: "من شرب في إناء ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نار جنهم".
ولما في الصحيحين أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلبسوا الحرير ولا الدبياج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة"
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/647)
الاحتفال بعيد الميلاد تقليد للكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: ماحكم الاحتفال بعيد الميلاد للأطفال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه..... وبعد:
فلأهل الإسلام عيدان لا ثالث لهما ألا وهما عيد الفطر وعيد الأضحى، والدليل على ذلك ما رواه أبو داود في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نعلب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله: (إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر) . وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يعلم أنه يشرع للمسلمين أعياد غير هذين العيدين لدل الصحابة عليها. يضاف إلى هذا أن الاحتفال بعيد الميلاد تقليد للكفار وتشبه بهم، والمسلم يجب عليه أن يكون متميزا في كل شيء، والتشبه بالكفار أمر محرم بل قد يفضي بصاحبه إلى الخروج من ملة الإسلام إذا اقترن بما يدل على المحبة والمودة في الباطن كما دلت على ذلك نصوص كثيرة.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1422(1/648)
وجوب الولاء للمسلمين دون غيرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[يكثر في دول الخليج الهنود الهندوس، ويسيطرون على التجارة وغالبا ما تكون التجارة الغذائية، ولقد كان بالقرب منا جمعية تعاونية بها كما في باقي الجمعيات مكان لبيع الخبز تعرض به المخابز المسلمة والهندوسية خبزهم فكنا نحاول عدم الشراء إلا من المخابز العربية، ولكن الآن قام أصحاب الجمعية -هداهم الله- عن جهل وتقصير في الدين بإبعاد المخابز المسلمة والتعاقد مع مخبز هندوسي ليمدهم بالخبز وغيره من المنتجات ومع احتجاجنا لدى المالك إلا أننا لم نلق أذنا صاغية، وبعد أن وضعنا أمام الأمر الواقع، هل يجوز لنا الشراء من هذا المخبز الذي يملكه مالك هندوسي؟ مع العلم أن هناك مراقبة عليه في مدينتنا فلا أظن أن هناك خوفا على الطعام الذي نتناوله من أن يكون غير صالح. جزاكم الله عنا الخير مسلم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: جزاكم الله تعالى خيراً على ما قمتم به من احتجاج على أصحاب الجمعية لما فضلوا التعاقد مع المخابز الهندوسية على مخابز المسلمين فالذي ينبغي للمسلم أن يكون ولاؤه كله للمسلمين وبراءته كاملة من المشركين. وينبغي له أن يدعم منتجات المسلمين لما في ذلك من تقوية اقتصادهم كما ينبغي له أن يقاطع منتجات المشركين إلا ما دعت إليه الضرورة كل ذلك في إطار الولاء والبراء اللذين هما أوثق عرى الإيمان بالله تعالى، وعلى كل فلا حرج عليكم في شراء ذلك الخبز ما دام هو المتوفر لأن النبي صلى الله عليه وسلم تعامل مع غير المسلمين في البيع والشراء. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1421(1/649)
لا تجعل ولاية لكافر على المؤمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تولية النصارى مراكز قيادية في ديار الإسلام جائزة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم في الجزء الأول ص (182-185) كلاماً أنقله ببعض التصرف:
إن السلف رضي الله عنهم يستدلون بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) . [المائدة:51] وبمثل قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) . [المائدة:55-56] وبمثل قوله: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) . [الأنفال:23] إلى غير ذلك من الآيات يستدلون بها علي ترك الاستعانة بهم في الولايات. ولما روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (قلت لعمر رضى الله عنه إنّ لي كاتباً نصرانياً. قال: مالك قاتلك الله أما سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعضهم) ـ ألا اتخذت حنيفاً؟ قال: قلت يا أمير المؤمنين: لي كتابته وله دينه. قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله. فدل هذا على أن تولية الكفار على جميع مللهم ونحلهم مراكز قيادية لا يجوز وهو أمر محرم متفق عليه بين أئمة المسلمين. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/650)
حكم التوسل بجاه النبي وندائه ليدعو لنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أقوال الأئمة الأربعة في التوسل بالنبي محمد صلي الله عليه وسلم كقول: اللهم إنا نسألك بجاه النبي محمد، أو قول يا محمد اسأل لنا ربك؟.
الرجاء ذكر المراجع التي أخذت منها الأقوال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 58306، ما وقفنا عليه من آراء الأئمة الأربعة في مسألة التوسل بذات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسؤال الله تعالى بجاهه أو حقه.
وأما آراؤهم في مسألة سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم، كقول: يا محمد اسأل لنا ربك، ونحو ذلك، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ـ قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: وكذلك من نقل عن مالك أنه جوز سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره بعد موتهم، أو نقل ذلك عن إمام من أئمة المسلمين ـ غير مالك ـ كالشافعي وأحمد وغيرهما، فقد كذب عليهم. هـ.
وقال الحافظ ابن عبد الهادي في الصارم المنكي في الرد على السبكي: أما دعاؤه هو صلى الله عليه وسلم وطلب استغفاره وشفاعته بعد موته، فهذا لم ينقل عن أحد من أئمة المسلمين ـ لا من الأئمة الأربعة ولا غيرهم ـ بل الأدعية التي ذكروها خالية من ذلك. هـ.
وقال أيضا: الحكاية في تلاوة مالك هذه الآية: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم. الآية.
فهو ـ والله أعلم ـ باطل، فإن هذا لم يذكره أحد من الأئمة ـ فيما أعلم ـ ولم يذكر أحد منهم أنه يستحب أن يسأل بعد الموت لا استغفارا ولا غيره، وكلامه المنصوص عنه وعن أمثاله يتنافى مع هذا، وإنما يعرف مثل هذا في حكاية ذكرها طائفة من متأخري الفقهاء. هـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 109917.
وأما المراجع العامة لهذه المسائل فأهمها كتاب: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ـ لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ومن الأبحاث المعاصرة في هذه المسألة كتاب: التوسل: أنواعه وأحكامه ـ للشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
وكتاب: التوصل إلى حقيقة التوسل ـ للشيخ محمد نسيب الرفاعي. ورسالة: حقيقة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم شبهات وردود ـ للأستاذ الدكتور: عبد الله بن محمد الطيار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1430(1/651)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغ الواردة أفضل وأكمل من غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعاء: اللهم صل على محمد صلاة ترضى بها عنا، وترحم بها موتانا، وتشفي بها مرضانا
اللهم صل عليه صلاة تستجيب بها دعاءنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج إن شاء الله تعالى في هذا الدعاء؛ وهو من جنس التوسل المشروع، فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من كسب العبد، وهي من جملة الأعمال الصالحة التي يشرع التوسل بها. وإن كانت صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي وردت بها السنة أفضل وأكمل. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 44968 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1430(1/652)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في فعل جمهور المسلمين في مناطق كثيرة الاستعانة بالأنبياء والأولياء والشهداء عند الحاجة فعلا وهم يطلبون الاستعانة من الله بتوسل العباد الصالحين وجمهورالعلماء في ولاية كيرلا -الهند يقولون لا بأس بالاستعانة بعباد الله الكرماء أي بتوسل بأعمالهم الصالحة، ولكن القليل في كيرلا يزعمون أن هذا من أنواع الشرك، وهناك فرقة الوهابيين وفرقة السنيين في قريتي كيرلا. فسر لي اختلافاتهم وما الصحيح من كلا الطرفين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يوفق جميع المسلمين لما يحب ويرضى، وأن يجمع كلمتهم ويصلح ذات بينهم
فقد سبق الجواب مفصلا عن حكم الاستعانة أو الاستغاثة أو التوسل بالموتى من أولياء الله الصالحين، في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 113449، 3835، 4414، 3779.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1430(1/653)
التوسل إلى الله بذمة الإسلام وقول الداعي ياسيدي ويا مولاي
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أحد الأشخاص فى التلفزيون يدعو بهذا الدعاء: اللهم بذمة الاسلام نتوسل إليك، اللهم بحبنا لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نتوسل إليك، فهل يجب أن يقتصر الدعاء على يا الله، أو يارب؟ أم يصح يا سيدى، أويا مولاي؟ لأنه من الممكن أن يقصد بسيدنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأن مولانا أحيانا عندنا ينادى بها إمام المسجد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
1ـ جاء في لسان العرب: والذِّمَّة: العهد والكَفالةُ وجمعها ذِمامٌ، وفلان له ذِمَّة أي: حق.
وفي حديث عليّ ـ كرم الله وجهه ـ ذِمَّتي: رَهِينُه وأَنا به زعيم.
أَي ضماني وعهدي رَهْنٌ في الوفاء به.
وعلى ذلك فإن كان مقصود الداعي أن يتوسل إلى الله بحق الإسلام، أي بحق اتباعه للإسلام وبما وعد الله به المتبعين لهذا الدين وضمنه لهم من إثابتهم على ذلك وإدخالهم الجنة، فهذا لا حرج فيه وهو من أقسام التوسل المشروع، فإن التوسل إلى الله باتباع الإسلام إنما هو توسل بعمل صالح، وكذلك توسل المتبع للإسلام بحقه عند الله، إنما هو توسل إلى الله بصفاته، وهي هنا ما كتبه الله على نفسه تفضلا وتكرما من الرحمة والعفو والمغفرة، وكذلك توسل الداعي بحبه لمحمد صلى الله عليه وسلم مشروع، لدخوله أيضا في التوسل بالعمل الصالح، فإن محبته عليه الصلاة والسلام من أفضل أعمال القلوب.
وقد سبق بيان أقسام التوسل في الفتويين رقم: 16690، ورقم: 28845.
2- لا بأس بقول الداعي: يا سيدي أو يا مولاي، ينوي بذلك دعاء الله عز وجل، لأن السيد من صفات الله تعالى كما ثبت في الحديث: السيد الله. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني.
كما قد وصف نفسه بأنه مولى المؤمنين، فقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا {محمد:11} .
وقال سبحانه: والله مولاكم {التحريم:2} .
ولا يضر كون تلك الصفات مما قد يطلق على المخلوق، ما دام الداعي ينوي بها دعاء الله سبحانه، كشأن كثير من الصفات التي تطلق على الخالق وعلى المخلوق، مثل: كريم، وقوي، وكبير، وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1430(1/654)
حكم الدعاء بسر فلان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من أهل السنة والجماعة على منهج السلف الصالح، أود الاستفسار عن صحة الدعاء بسر أحد الأولياء، كأن أقول: اللهم بسر شيخي شيخ الإسلام ابن تيمية، يسر لي كذا وكذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف قد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية عن دعاء جاء ف يه: اللهم بسر الحسن وأخيه وجده وأبيه ... وبحرمة نبيك سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم؟
فكان في جوابها: أن في هذا الدعاء توسل ابالحسن والحسين وحرمة الرسول صلى الله عليه وسلم وجاهه.. والتوسل بالأشخاص أو بجاههم في الدعاء بدعة، وكل بدعة ضلالة ووسيلة إلى الشرك. اهـ.
وقد سبق في الفتوى رقم: 72345، أن السؤال بسر فلان أو جاهه، من الأمور غير المشروعة على الراجح.
كما سبق بيان خلاف أهل العلم في حكم الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل به، وترجيح المنع، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 4413، 11669، 76164.
وكذلك سبق أن التوسل بذوات الأنبياء والصالحين وجاههم عند الله، مختلف فيه بين العلماء على قولين، الأول: أنه توسل بدعي. والثاني: أنه جائز، وأن الراجح هو القول الأول، وذلك في الفتوى رقم: 67918.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(1/655)
حكم التصدق بنية تيسير الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 40 سنة، ومند خمس سنوات وأنا أخطب ولا يكتمل الموضوع، ويكون الرفض أما من طرفي أو من الفتاة، فهل هو جائز لو تصدقت بنية إتمام هدا الموضوع، وهل يوجد شرعا ما يؤيد هذا الموضوع؟ أفيدوني بالله عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن ييسر لكَ الخير حيث كان، ثم اعلم أن طاعة الله عموماً، والصدقة خصوصاً من أعظم أسباب دفع البلاء والنقم، وحلول الخيرات والنعم، كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً {الطلاق: 4} . وتقديمُ عملٍ صالح يتوسل به العبدُ إلى ربه بين يدي حاجته من الأمور المشروعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي سأله أن يدعو الله أن يرد عليه بصره: فانطلق فتوضأ ثم صلِ ركعتين ثم قل اللهم أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي أن يكشف لي عن بصري، اللهم شفعه فيّ. رواه الترمذي وقال حسنٌ صحيح.
واستحبَ كثيرٌ من العلماء أن يتوسل بالصدقة قبل الخروج لصلاة الاستسقاء، لما للصدقة من أثر في جلب الخير ودفع الشر، قال الشيخ العثيمين رحمه الله:
ويأمرهم أيضاً بالصدقة – أي: قبل الاستسقاء -، والصدقة قد يقال: إنها مناسبة؛ لأن الصدقة إحسان إلى الغير، والإحسان سبب للرحمة؛ لقول الله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. انتهى.
وعليه فلا مانع إن شاء الله من أن تتوسل إلى ربك عز وجل بالصدقة على عباده، رجاء أن يحصل لك ما ترجوه، قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في بيان شأن الصدقة وأثرها في دفع البلاء:
فإنَّ للصَّدَقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء، ولو كانت مِن فاجر أو مِن ظالِم، بل من كافر!، فإنَّ الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء؛ وهذا أمرٌ معلوم عنْدَ الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مُقرُّون به لأنهم جرَّبوه. انتهى. من الوابل الصيب.
كما ننصحكَ بالاجتهاد في الطاعات كلها، والإكثار من الدعاء، واللجوء إلى الله عز وجل، والتوبة إليه بترك المعاصي التي هي جالبةُ النقم، ودافعة النعم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(1/656)
التوسل بدعاء الرجل الصالح لا بذاته
[السُّؤَالُ]
ـ[سألتكم البارحة عن جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وكان جوابكم المباشر أنه بدعة، لكن في الفتوى رقم 28845 أفتيتم بجواز التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح وعلى ذلك التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أولى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاهه أو بحقه، مختلف فيه بين أهل العلم، وقد سبق بيان ذلك وأن الراجح عندنا هو القول بالمنع، وأن ذلك من باب البدعة لا الشرك، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 11669، والفتوى رقم: 44451.
وهذا لا يتعارض مع جواز التوسل بدعاء الرجل الصالح، وإنما يتعارض مع جواز التوسل بذات الرجل الصالح أو جاهه أو حقه، وهذا لم نقل به، وإنما قلنا بجواز التوسل بدعائه لا بذاته، وهذا لا يكون إلا مع الأحياء، والفرق بينهما واضح!! وقد سبق أن بينا جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الصالحين بطلب الدعاء منهم حال حياتهم، وأما بعد وفاتهم فالراجح أنه غير جائز ولا مشروع، لأنه لم يرد فيه دليل تقوم به الحجة، وقد أنكره العلماء المحققون في العصور الإسلامية المتعاقبة، فراجع الفتوى رقم: 58288، ولمزيد الفائدة عن التوسل المشروع منه والممنوع راجع في ذلك الفتوى رقم: 4416، والفتوى رقم: 28845.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1430(1/657)
حكم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[نتداول عادة عبارة أثناء الدعاء وهي: يالله بجاه حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد التعمق بديننا الحنيف وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وجدت أن التضرع لله بواسطة شخص متوفى منهي عنه.
فهل هذا صحيح، خاصة أني سمعت كلاما من أحد الصوفية يقول إن الرسول موسى عليه الصلاة والسلام قد ساعدنا نحن الأحياء وهو المتوفى، عندما طلب من الرسول محمد صلوات الله عليه وسلامه أن يعود إلى ربه ليخفف الصلاة من خمسين ركعة إلى خمس ركعات وذلك ليلة الإسراء والمعراج، أي أنه يمكن الاستعانة بالأموات الصالحين، علماً أنني على السنة إن شاء الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم من المسائل المختلف فيها بين أهل العلم.
فأجازه بعض العلماء كالعز بن عبد السلام وعلق جوازه بصحة حديث الأعمى الذي رواه الترمذي وغيره، والحديث صحيح، فيكون قول العز بن عبد السلام جواز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
ويرى الشوكاني جواز التوسل بجاه الصالحين مطلقا، استدلالا بحديث الأعمى كذلك، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقول في دعائه: اللهم إني أسالك وأتوجه إليك بنبيك.
والراجح أن التوسل بالحق والجاه من البدع، فإن الصحابة رضي الله عنهم لما أجدبوا توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما أي بدعائه، فلو كان التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بجاهه وحقه جائز لما عدلوا عنه مع شدة حرصهم على الخير.
وأما حديث الأعمى فيحمل على أنه أمره بالتوسل بالنبي أي بالإيمان به وتصديقه، وقد أطال شيخ الإسلام النفس في تقرير هذه المسألة في كتابه في التوسل. وانظر الفتوى رقم: 4413.
وأما ما سمعته من هذا الرجل فهو كلام باطل، وإن قصد به أن الأموات ينفعون أو يضرون بعد موتهم، وأنه يجوز صرف الدعاء لهم من دون الله، فهو على خطر عظيم. نسأل الله العافية.
وقد التقى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء لقاء حقيقيا على كيفية لا يعلمها إلا الله تعالى، ودارت بينهم الحوارات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم فكان لقاء معاينة، وحديث مشافهة، فأين في هذا التوسل بالميت أو الغائب؟ فعياذا بالله من الضلالة ونسأله التثبيت على السنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1430(1/658)
حكم الدعاء بـ: فبعزتك اللهم وجلالك اقض لي حاجتي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز يا شيخ الدعاء بالقول: فبعزتك اللهم وجلالك اقض لي حاجتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته من أعظم ما يرجو به العبد حصول المطلوب واندفاع المرهوب، وقد دلت النصوص القرآنية والنبوية على أن التوسل بالأسماء والصفات من أنفع الوسائل في قضاء حاجات العبد، وقد قال تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا {الأعراف:180} ، وفي حديث محجن بن الأدرع رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فإذا هو برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد ويقول: اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد غفر له، قد غفر له. رواه النسائي وأحمد وصححه الحاكم.
والآيات والأحاديث الدالة على هذا كثيرة جداً، ولا خلاف في هذا بين المسلمين، إذا علمت هذا فإن العزة والجلال صفتان ثابتتان لله تعالى بنص القرآن، قال تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا {فاطر:10} ، وقال تعالى: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ {الرحمن:78}
وعليه؛ فالدعاء المذكور حسن مشروع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1430(1/659)
حكم الاستغفار لأجل قضاء الحوائج
[السُّؤَالُ]
ـ[أحسن الله إليكم‘ أريد حكم الاستغفار لقضاء الحوائج بأن أستغفر الله حتى يعطيني ما أتمناه، هل هذا الفعل يعد بدعة حيث إنني أستغفر آلاف المرات في اليوم الواحد في أوقات فراغي، وجزاكم الله ووفقكم لما يحب ويرضى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الفعل لا حرج فيه إن شاء الله، ولا يعد من البدع بل هو نوع من التوسل المشروع، وهو التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح، ولا شك أن الاستغفار من أجل الطاعات وأعظم القربات.
ولمعرفة أنواع التوسل راجعي الفتوى رقم: 14947، والفتوى رقم: 96304.
زادك الله حرصا على الخير وحقق لك ما تتمنين وبارك الله لك فيه إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1429(1/660)
حكم التوسل إلى الله تعالى بجاه نبيه
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتيب عن التوسل للدكتور محمود أحمد الزين أن الإمام أحمد قال في شرح آداب زيارة النبي: وحول وجهك إلى القبلة وسل الله حاجتك متوسلا إليه بنبيه صلى الله عليه وسلم تقض من الله عز وجل. ما مدى صحة نسب هذا الكلام للإمام أحمد وهل نفهم منه أن الإمام أحمد يؤيد التوسل بالنبي وجاهه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما نسب للإمام أحمد في السؤال ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وعزاه لمنسك المروذي، حيث قال بعد ذكر خلاف العلماء عند السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، هل يستقبل الحجرة أو يستقبل القبلة، قال رحمه الله: وفي منسك المروذي الذي نقله عن أحمد أنه قال في السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ولا تستقبل الحائط، وخذ مما يلي صحن المسجد، فسلم على أبي بكر وعمر، وقال: فإذا أردت الخروج فائت المسجد وصل ركعتين وودع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل سلامك الأول، وسلم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وحول وجهك إلى القبلة وسل الله حاجتك متوسلاً إليه بنبيه صلى الله عليه وسلم تقض من الله عز وجل. الرد على الأخنائي صـ 168.
وأما التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم فمن المسائل الفرعية التي اختلف فيها أهل العلم، وهو من نوع الخلاف السائغ والقول بالجواز هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، كما في الفروع والإنصاف وكشاف القناع وغيرها من كتب الحنابلة، وقد سبق بيان ذلك وترجيح عدم جواز هذا النوع من التوسل في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 76164، 11669، 4413.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1429(1/661)
التوسل المشروع والتوسل المذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول هذا البيت الشعري:
"توسل بالنبي فكل خطب يهون إذا توسل بالنبي"
ويقال إن قائله علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- وأنا أشك في ذلك، ولذلك أريد منكم فتوى بشرعية قوله والاستدلال به؟
وإذا كان هناك حديث أو آية تنفي هذا البيت أرجو ذكرها.....
وفقكم الله لما فيه صلاح الأمة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا البيت الوارد في السؤال منسوب إلى على بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكن لا يثبت عنه بأي إسناد، وجهالة إسناده تفيد عدم صحته، وهذا الكلام مخالف للتوسل المشروع، لأن التوسل المشروع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: التوسل بأسماء الله وصفاته. كما قال تعالى: وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا {الأعراف:180} .
الثاني: التوسل إلى الله بالأعمال الصالحات كأن يتوسل الإنسان بإيمانه بالله عز وجل لأنه من الأعمال الصالحة؛ كما قال تعالى: رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {آل عمران:16} ، وكما هو ثابت في حديث الثلاثة الذين انحدرت عليهم صخرة فسدت عليهم الغار، فدعوا الله بصالح أعمالهم حتى انفرجت عنهم الصخرة وخرجوا يمشون.
الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح، وذلك لما ثبت في صحيح البخارى عن أنس رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه كان اذا قحطوا استسقى بالعباس فقال: اللهم إنا كنا نتوسل اليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل اليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون.
ومعنى هذا الخبر: أننا كنا نقصد النبي صلى الله عليه وسلم ونطلب منه أن يدعو لنا، والآن وقد انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى، فنحن نتوجه إليك ونقصد عم النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لنا. وليس معنى الحديث أنهم كانو يتوسلون بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو بذات العباس لأنه لو كان الأمر كذلك لما احتاجوا أن يتوسلوا بالعباس، ولكان كافيا أن يقولوا في دعائهم نتوسل إليك بذات النبي أو بجاه النبي، وهذا لم يحدث.
أما التوسل غير المشروع فهو التوسل بالذات أو بالجاه أو بالحرمة أو نحو ذلك، كما هو الحال في البيت المذكور وليس هناك أي دليل صحيح صريح يؤيد هذا النوع من التوسل، بل الأحاديث الواردة في هذا إما صحيحة لكنها غير صريحة في هذا التوسل كحديث عمر السابق، وإما أحاديث وحكايات تصرح بالتوسل لكنها كلها غير صحيحة كحديث: توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم، فهو حديث باطل لا أصل له كما بين ذلك ابن تيمية في القاعدة الجليلة.
وإذا أردت الاستزادة أخي السائل في موضوع التوسل وبيان الشبهات الواردة والرد عليها فعليك بكتاب التوسل أنواعه وأحكامه. للعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1429(1/662)
الأئمة الأربعة ومسألة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الدليل من كلام الأئمة الأربعة على عدم جواز التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوسل من جنس العبادة ومعلوم أن العبادة أمرها التوقيف فلا يجوز ابتداع شيء منها من غير أن يقوم عليه دليل، ولذلك إنما يطلب الدليل المثبت لها لا الدليل النافي لها، وبناء عليه فإننا نقول لم يرد في ما نعلم من كلام الأئمة الأربعة ما يدل على منع التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ولا جواز ذلك، ولم يرد عمن قبلهم من الصحابة والتابعين وهم خير القرون، ولم يرد بها نص من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإنما حدثت هذه البدعة فيما بعد واختلف أهل العلم فيها فأجازها بعضهم محتجين بعمومات بعض النصوص، ومنعها آخرون وهذا هو الراجح كما أسلفنا في عدة فتاوى منها الفتوى رقم: 58288، والفتوى رقم: 45942.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1429(1/663)
جواز التوسل بصفات الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يدعو الإنسان بهذا الدعاء (اللهم إني أسالك بحق لا إله إلا الله أن توفقني في كذا.......) أعنى هل هذه الصيغة جائزة. بارك الله فيكم ونفع بكم الأمة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يرد حسب علمنا مثل هذا الدعاء عن سلف هذه الأمة الصالح، ولكن إن قصد به قائله التوسل بما تضمنته هذه الكلمة من وحدانية الله تعالى فهذا من التوسل بصفة من صفات الله تعالى، وهو نوع من أنواع التوسل الجائز.
وقد روى الإمام أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فقال رسول الله صلى الله عليه: لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى التالية: 4416.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1429(1/664)
لا يجوز صرف شيء من خصائص الله للنبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ فترة كنت أستمع إلى أحد الأناشيد الإسلامية، ولكن نبهني أحد الاخوة أن في الأنشودة كلمات غير جائزة، فأود معرفة الحكم التفصيلي والكلمات كما يلي:
أنت يا طه الأمين باب كل العالمين
موئل للمذنبين حين جاءوا تائبين
أو أتوا مستغفرين من ذنوب نادمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما يلاحظ في هذه الأنشودة القول بأنه صلى الله عليه وسلم موئل المذنبين حين جاءوا مستغفرين تائبين، وهذا إن قصد به أن الرسول يغفر للمذنب ويتوب على التائب، فإنه جرم كبير؛ لأنه صرف لشيء من خصائص الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه يقول: وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ {آل عمران:135} .
فالتوبة والاستغفار عملان يتعبد بهما إلى الله تعالى فهو التواب وهو الغفار لمن تاب واستغفر، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فكان يشرع في حياته أن يأتيه التائب فيطلب منه أن يسأل الله له المغفرة، وأما بعد موته فلم يعرف عن السلف الإتيان إليه ليستغفر لهم.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية:
42215، 14616، 35753، 3835.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1429(1/665)
التوسل إلى الله بحبه لنبيه صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل الله أن يجعل هذا العمل الطيب فى ميزان حسناتكم وأشكر القائمين عليه، لي استشارة أرجو الإجابة عليها.. اعلم أنه لا يجوز لي أسأل الله بجاه النبى عليه الصلاة والسلام حيث إنني قرأت ذلك في موقعكم الكريم ولكني أسأل هل يجوز لي أن أسأل الله بحبه للرسول عليه الصلاة والسلام، وهل هناك فرق بين الجاه والحب؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
دعاء الله تعالى بحبه لنبيه صلى الله عليه وسلم لم يكن من الدعاء المأثور عن نبي هذه الأمة ولا عن أحد من سلفها -حسب علمنا- والسنة أن يسأل العبد ربه بأسمائه الحسنى.. أو بعمله الصالح ومنه محبة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه وطاعته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وبالأنبياء والصالحين.. وأنه محل خلاف بين أهل العلم، وذلك في الفتوى رقم: 3835.
وأما التوسل بحب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فهو من الأمور الأجنبية عن الشخص السائل، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى عن هذا النوع من الدعاء: من سأل بأمر أجنبي عنه ليس سبباً لنفعه، ولو قال الرجل لمطاع كبير أسألك بطاعة فلان لك وبحبك له على طاعتك وبجاهه عندك الذي أوجبته طاعته لك لكان قد سأله بأمر أجنبي لا تعلق له به فكذلك إحسان الله إلى هؤلاء (الأنبياء والصالحين..) المقربين ومحبته لهم وتعظيمه لأقدارهم مع عبادتهم له وطاعتهم إياه ليس في ذلك ما يوجب إجابة دعاء من يسأل بهم وإنما يوجب إجابة دعائه بسبب منه لطاعته لهم أو سبب منهم لشفاعتهم له، فإذا انتفى هذا وهذا فلا سبب، نعم لو سأل الله بإيمانه بمحمد ومحبته له وطاعته له واتباعه لكان قد سأله بسبب عظيم يقتضي إجابة الدعاء بل هذا أعظم الأسباب والوسائل.
فشيخ الإسلام هنا يرى أن دعاء الله تعالى بحبه لنبيه صلى الله عليه وسلم من الدعاء الذي لا ينفع لأنه لا علاقة للداعي به، وأما الجاه والمحبة فمعناهما متقارب ومتلازم فالجاه المكانة والمنزلة الرفيعة ... وهي ناتجة عن المحبة ولازمة لها. وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 69688، والفتوى رقم: 97133.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1429(1/666)
حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وتسميته طه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنشودة دينية كلماتها كالآتي:
ومدحت بطيبة طاها ... * ودعوت بطاها الله
أن تحشرني أواها ... * بجوار رسول الله.
والسؤال: هل ترديد هذه الأنشودة أو سماعها حرام، علما بأن الذي قال لي إنها حرام بحجة أن اسم طاها ليس من أسماء الرسول ولا يجوز قول دعوت بطاها الله، فأفتوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا من قبل أن طه ليس من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 60240.
وبينا أيضاً أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بدعة عند جمهور أهل العلم، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 10671.
ومن هذا يتبين لك أن الإنشودة قد اشتملت على محذورين، وبالتالي فالصواب تجنب إنشادها والاستماع لها، ولا يمكن هنا القول بأن صاحب الأنشودة قصد التوسل بسورة طه، لأن ذكر المدح وطيبة يفيد أنه إنما يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1429(1/667)
حكم التوسل ببركة الأشخاص وبركة الفاتحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التلفظ أثناء الدعاء بعبارات مثل (ببركة المقبول منا , ببركة النبي محمد صلى الله عليه وسلم , ببركة الفاتحة) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن توسل المسلم بما تقبل من عمله الصالح أمر مشروع، ويدل لذلك حديث أصحاب الغار، وأما التوسل بالأشخاص أنفسهم أو ببركتهم فليس من هدي السلف، فيتعين البعد عنه لأن الدعاء عبادة والأصل التوقف فيها عما لم يرد الدليل بمشروعيته، والاستغناء بأسباب إجابة الدعاء المشروعة؛ كالدعاء بالاسم الأعظم ودعاء يونس وما أشبه ذلك، وأما الدعاء ببركة الفاتحة فالظاهر أنه غير ممنوع، ولكن الأولى للمسلم أن يبدأ بالثناء على الله تعالى، ولو اقتصر في ذلك على قراءة الفاتحة فيقدم ما فيها من الثناء على الله تعالى قبل الدعاء لما كان ذلك معيبا عليه، فالسنة أن يبدأ الداعي دعاءه بالثناء على الله، والمسلم لا ينبغي له العدول عما هو معروف من السنة إلى أمر لم يكن معهودا عن السلف ابتكارا جديدا، ثم يشيع بين الناس حتى يكون من تركه يعتبر مخالفا للشرع. وراجع الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 17593، 28845، 15830، 17793، 4416، 70523، 64080، 58306.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1428(1/668)
حكم التوسل بالأولياء
[السُّؤَالُ]
ـ[نص الرسالة: الإخوة الأعزاء ... أنا مصري أعمل فى الإمارات ويتواجد معنا بعض الهنود والباكستانين المسلمين وللأسف موضوع التوسل والأولياء عندهم له أهمية عظمى لانتشار الصوفية عندهم، لذا أرجو من يملك كتابا أو يدلني على موقع أو كتاب يناقش هذه القضية بالنقل والعقل على أن يكون باللغة الأوردية، وعندهم شبهة عظيمة فى أن الرزق مكفول، ولكننا لا يمكن أن ننام ويأتي الرزق ولكننا نتخذ الوسيلة له وهو العمل وكذلك الوسيلة مطلوبة للوصول إلى الله وهكذا شبهات مثل ذلك، فنرجو عونكم أيها الإخوة الأحباب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا من قبل حكم التوسل بجاه الولي، ولك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 67918.
وبخصوص طلبك من يدلك على موقع أو كتاب يناقش هذه القضية بالنقل والعقل، فلتلبية ذلك ندعوك إلى زيارة موقع شبكة الدفاع عن السنة باستخدام هذا الرابط:
http://www.d-sunnah.net/forum/showthread.php?t
وهو موقع ستجد فيه الرد على جميع أهل البدع بمختلف أنواعهم ومشاربهم.
وأما أن يكون ذلك باللغة الأردية فهو ما لم نعثر عليه بعد، ولعلك إذا تصفحت الموقع المذكور بتأن تجد إحالة إلى شيء من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(1/669)
التوسل بأسماء الله وصفاته أولى لأن الأعمال غير محققة القبول
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أفضل دعاء الله في حاجة مع ذكر الأعمال الصالحة التي عملتها, أم لا؟ جزاكم الله كل خير ... ورزقنا وإياكم جنة الخلد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأفضل التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته لأن قبول هذه الأعمال غير محقق، وراجع رقم: 16690.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1428(1/670)
الدعاء بحب الله عباده
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في الفتوى رقم 69688 أنكم منعتم من هذه الصيغة في الدعاء بحجة أنها من التوسل الممنوع، لكن عند تأمل صيغة الدعاء نجد أن السائل توسل فيها لله تعالى بصفة من صفاته وهي صفة الحب وهذا لا إشكال فيه! وأنتم نقلتم كلام شيخ الإسلام رحمه الله في مسألة أخرى!! وإنما هذا الدعاء كقول القائل: أسألك بحبك لعبادك المؤمنين مثلاً. فهذا سؤال بصفة من صفات الله تعالى وليس توسلاً بجاه المؤمنين.
فما جوابكم بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على اتصالك بنا.. ونفيدك أنا لم ننف أن محبة الله لنبيه من صفاته، ولكنا نبهنا السائل للدعاء بما لا خلاف في مشروعيته، وهو الدعاء بالأسماء الحسنى أو التوسل بالعمل الصالح، ونبهنا على أن التوسل بما ليس من عمل العبد مختلف فيه، وما ذكرنا من كلام شيخ الإسلام محل الشاهد فيه عندنا هو قوله: من سأل بأمر أجنبي عنه ليس سببا لنفعه، فقد تكلم عند هذه المسألة في الدعاء بحب الله عباده، وقد ضرب رحمه الله مثالا لذلك فقال: ولو قال الرجل لمطاع كبير: أسألك بطاعة فلان لك وبحبك له على طاعتك وبجاهه عندك الذي أوجبته طاعته لك لكان قد سأله بأمر أجنبي لا تعلق له به، فكذلك إحسان الله إلى هؤلاء المقربين ومحبته لهم وتعظيمه لأقدارهم مع عبادتهم له وطاعتهم إياه ليس في ذلك ما يوجب إجابة دعاء من يسأل بهم.. إلى آخر كلامه رحمه الله.
فتأمل في الأمر جيدا بارك الله فيك، واعلم أن الاحتياط في أمور العبادات ومنها الدعاء هو التوقف عما لم يثبت، والتمسك والاكتفاء بما ثبت وهو كثير في كتب الأذكار والأدعية، وفيه غنية عن التعلق بما اختلف فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1428(1/671)
هل استشفع آدم ويونس عليهما السلام بمحمد صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من بعض الأصدقاء أنه ورد أن سيدنا آدم عليه السلام لما نزل إلى الأرض استشفع بسيدنا محمد عليه السلام وأن سيدنا يونس عليه السلام لما كان في بطن الحوت طلب المغفرة من الله بجاه سيدنا محمد عليه السلام، وسؤالي من شقين:
الأول: هل هذه القصص صحيحة أم لا يجوز الاستشهاد بها؟.
الثاني: هل يجوز في كل الأحوال الدعاء بجاه سيدنا محمد عليه السلام أو بشفاعة سيدنا محمد عليه السلام، فالرجاء الإفادة مع ذكر الدليل من الكتاب والسنة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما سألت عنه من قصة آدم عليه السلام واستشفاعه بمحمد صلى الله عليه وسلم فإنه قد ورد في بعض كتب التفسير وبعض الكتب الأخرى التي لا تعتني بالتدقيق في تصحيح الحديث، وكنا قد بينا ضعفه من قبلُ.
وأما السؤال عما إذا كان يجوز الدعاء بجاه محمد صلى الله عليه وسلم أو بشفاعته، فجواب ذلك أنه أمر مختلف فيه بين أهل العلم، وقد بينا من قبلُ مختلف حججهم وآرائهم فيه، والمرجح عندنا من ذلك، ولك أن تراجع فيه وفي تضعيف الحديث الذي قبله الفتوى رقم: 11669.
وأما طلب يونس عليه السلام المغفرة بجاه محمد صلى الله عليه وسلم لما كان في بطن الحوت، فإننا لم نقف عليه في مصدر موثوق، وبالتالي فلا نراه صحيحاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1428(1/672)
حكم الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي إليكم أيها الأحبة هو أنني في مصيبة حيث اختطف ولدي منذ أربعة أشهر وإنني أشك في صديق له كان جارنا منذ خمس سنوات والتقاه يوم اختطافه وعندما اتصلت به أكد لقاء ولدي وقال إنه لا يعرف عنه شيئا بعد ذلك.. وعندما قدمت شكوى ضد هذا الشخص أصدر القاضي أمرا بالقبض عليه ولكنه اختفى ولم نتمكن من العثور عليه حتى الآن.. وقد طرقت كل الأبواب ولم أحصل على نتيجة ... حتى قيل لي اذهب إلى الجهة الفلانية فقد يساعدونك ... إلا أني أعرف أن هذه الجهة قد يعمل الخاطف لحسابها ... أفتوني بالله عليكم.. هل أفوض أمري إلى الله وأصبر وأنتظر فالفرج منه وحده ... أم أستمر بالمحاولات التي لم تجد نفعا لأنها تعني عندي التوسل بالبشر وهو أمر محرم، خاصة واني أتذكر قول الله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم..) أم ماذا أفعل فإني أشعر أمام نفسي وأهلي وابني المسكين أنني مسؤول ويجب علي فعل شيء؟؟؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يجمع شملك، ويرد إليك ولدك. ونوصيك بكثرة الدعاء، وبالصبر ومواصلة بذل الأسباب المشروعة، وتذكر فقد يعقوب عليه السلام لولديه العزيزين عليه وصبره عليهما حتى فرج الله عليه وجمعه بهما.
واعلم أن الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه عادة لا حرج فيها شرعا.
وليست من التوسل بالبشر المحرم شرعا.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 71750، 53995، 49184، 36008، 16946، 70670، 71781، 53348.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1427(1/673)
توسل عمر بدعاء العباس
[السُّؤَالُ]
ـ[يحتج بعض الذين يجيزون التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم وبغيره بحديث يوجد في كتاب الحافظ ابن كثير البداية والنهاية عندما يتحدث عن عام الرمادة فما هو ذلك الحديث؟
بارك الله بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعلك تقصد بذلك توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما في عام الرمادة، وقد روى حديثه في ذلك البخاري في صحيحه، وراجع فيه الفتوى رقم: 4416، ففيها بيان التوسل المشروع والتوسل الممنوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1427(1/674)
مخاطبة الأموات.. الجائز والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مخاطبة الأموات كقول المنشد:
جئتكم يا رسول الله * يا منار الهدى الإلهي
جئت شوقا بكم أباهي * فهداكم لنا أحيانا
يا أبا بكر يا صديق * حبذا مثلكم رفيق
أيها الوالد الشفيق * لو ترى العالم الحيرانا
وكمثل الشعارات التي تكتب: كلنا فداؤك يا رسول الله؟
وإذا جاز النداء دون طلب، فهل يجوز أن يشتمل على طلب نفع كقول المنشد في نشيد طلع البدر علينا مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وحد الله الله ووحد * شملنا بعد الشتات
وإذا جاز كل ذلك فما الفرق بينه وبين الاستغاثة بغير الله ودعاء الأموات؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مخاطبة الزائر للرسول صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر جائزة إذا لم تشتمل على دعائهم والاستغاثة بهم من دون الله وطلب نفع منهم.
وأما الاستغاثة بهم فهي محرمة لما في الحديث: إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله. رواه الطبراني وهو صحيح.
ويدخل في الاستغاثة المحرمة قولك للرسول صلى الله عليه وسلم: وحد شملنا.
وراجع للتفصيل في الفرق بين مخاطبتهم بالاستغاثة وغيرها الفتوى رقم: 14616، وبمراجعة ما تضمنته هذه الفتوى تعلم أن ما يكتب في الشعارات ليس من الممنوع شرعا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1427(1/675)
حكم التوسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ، قرأت في مجموع رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن التوسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم من المسائل الفقهية وقال به الجمهور، وجوزه ولم ينكره وذكر رواية في مذهب الإمام أحمد بذلك، فهل المسألة فقهية وليست عقدية، وهل يسوغ الخلاف فيها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم من المسائل الفرعية التي اختلف فيها العلماء، وإذا كانت كذلك فالخلاف فيها سائغ، والقول بالجواز هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد كما في الفروع والإنصاف وكشاف القناع وغيرها من كتب الحنابلة، ولكن القول الراجح الذي تشهد له الأدلة وتصان به العقيدة وتسد به ذرائع الشرك هو القول بالمنع من ذلك، كما عليه كثير من المحققين، وقد سبق أن فصلنا الكلام في ذلك في عدة فتاوى انظر منها على سبيل المثال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16690، 17593، 4416، 11669.
وأما هل هي من مسائل العقيدة أو الفقه؟ فالذي يظهر أن لها تعلقاً بكل من العقيدة والفقه، ومما يدل على ذلك أن العلماء المصنفين في العقيدة يخصون التوسل بباب يتكلمون فيه عن أحكامه وما يجوز منه، وما لا يجوز، وكذلك يتكلمون عليه في كتب الفقه، كما في كتب الحنابلة التي سبقت الإشارة إليها وغيرها من الكتب، وعلى كل حال لا يؤثر في حكمها كونها من مسائل العقيدة أو الفقه، لأن الواجب على المسلم أن يكون متبعاً لأدلة الكتاب والسنة، ممتثلاً لأحكامهما واقفاً عند حدودهما بغض النظر عن كون المسألة عقدية أو فقهية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1427(1/676)
التوسل غير المشروع وطلب الدعاء من الأموات
[السُّؤَالُ]
ـ[فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري أن أعمال الأهل وأقارب المتوفى تعرض على الموتى فإن رأوا خيراً حمدوا الله وأن رأو شراً يستغفروا لأهليهم، وأيضا في الحديث الشريف أن صلاة المسلمين على النبي تعرض على الرسول يوم الجمعة ومن هنا نستنتج أن الميت يقدر على الدعاء والاستغفار لا شك في ذلك، فهل يجوز الذهاب إلى مقابر أولياء الله الصالحين وسؤالهم الدعاء له مع الاعتقاد بأن النافع والضار هو الله، وهل تجوز زيارة من يظن فيهم أنهم من أولياء الله الصالحين، وقد وردت فى صحيح البخاري ومسلم وقول ابن تيمية أحاديث بالتوسل وكذلك سيدنا عمر بعم الرسول العباس وأحاديث الشفاعة عن سيدنا آدم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اشتمل هذا السؤال على عدة أمور، بعضها قد سبق لنا الجواب عليه، ففي بيان التوسل المشروع والتوسل الممنوع راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4413، 28845، 45838، 16690.
ولمعرفة هل يسمع الميت كلام الأحياء أم لا، راجع في ذلك الفتوى رقم: 4276، والفتوى رقم: 55045.
ولمعرفة الفرق بين الولي والدعي راجع الفتوى رقم: 4445.
ولمعرفة الفرق بين التوسل والاستغاثة راجع الفتوى رقم: 3835.
واعلم أن الذهاب إلى قبور الأموات وطلب الدعاء منهم هو استغاثة بهم، وهو شرك أكبر ولو كان بنية أن يشفعوا له عند الله تعالى، لأن هذا هو حجة المشركين في دعائهم لآلهتهم، فقد قال الله تعالى عنهم: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ {يونس:18} ، وقال سبحانه على لسانهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى {الزمر:3} ، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 3779.
وزيارة القبور مشروعة مرغب فيها لجميع المسلمين، ويدخل في ذلك من سماهم الناس أولياء الله الصالحين، ما لم يكن في زيارتهم محذور، كأن يكون القبر داخل مسجد، أو يمارس عنده صورة من صور الشرك كدعائه أو الذبح أو النذر له، لما في زيارته حينئذ من الإقرار لهذا الباطل، ولمعرفة الآداب الشرعية لزيارة القبور راجع الفتوى رقم: 7410، والفتوى رقم: 29998.
ومن المحاذير أيضاً السفر لمجرد الزيارة، لأن ذلك يدخل في شد الرحال الذي لا يكون إلا للمساجد الثلاثة، وللتفصيل أكثر راجع الفتوى رقم: 33931، والفتوى رقم: 9943.
وأما ما صدرت به سؤالك من أن الحديث المذكور قد رواه البخاري في صحيحه فهو غير صحيح فلم يروه البخاري ولا غيره من أصحاب الكتب الستة، بل لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خطأ شنيع لأن الواجب هو التثبت قبل تصحيح الحديث فضلاً عن نسبته إلى صحيح البخاري الذي هو في أعلى درجات الصحة.
وقد روي في عرض أعمال الأحياء على الأموات بضعة أحاديث لكنها لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث أبي أيوب الأنصاري مرفوعاً: إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم فإن كان خيراً فرحوا واستبشروا، وقالوا: اللهم هذا فضلك ورحمتك فأتمم نعمتك عليه وأمته عليها ويعرض عليهم عمل المسيء فيقولون: اللهم ألهمه عملاً صالحاً ترضى به عنه وتقربه إليك. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه مسلمة بن علي وهو ضعيف. وقال الألباني في الضعيفة: ضعيف جداً.
وروى أحمد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيراً استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وفيه رجل لم يسم. وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف لإبهام الواسطة بين سفيان وأنس، وهذا الحديث تفرد به الإمام أحمد. وضعفه الألباني أيضا في ضعيف الجامع.
وكما لا يخفى، فإن عرض أعمال الأحياء على الأموات ودعاء الأموات للأحياء من أمور الغيب التي لا يمكن الجزم فيها بشيء، إلا بما ورد في كتاب الله تعالى أو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ما لم نقف عليه.
وأما ما صح في هذا المعنى فهو ما رواه ابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل أوله: إن المؤمن إذا قبض أتته ملائكة الرحمة..... وفيه: حتى يأتوا به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أهل الغائب بغائبهم فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقولون: دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم الدنيا، فيقول: قد مات أما أتاكم، فيقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية. وصححه الألباني، وفي هذا الحديث إشارة إلى أن الأموات لا يعرفون ما يعمل الأحياء بعدهم، وإلا لما سألوا هذا الميت عمن تركهم في الدنيا، بل لأخبروه هم بحالهم لو كانت أعمالهم تعرض عليه.
وننقل لك كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الدعاء عند القبور فضلاً عن دعاء القبور، فقد قال في الرد على البكري: وكثير من الناس يرى أن الدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين أفضل منه في المساجد، ولأهل البدع عبادات كثيرة قد بسطنا الكلام عليها في غير هذا الموضع وبينا بطلانها، وهذا كله مما قد علم جميع أهل العلم بدين الإسلام أنه مناف لشريعة الإسلام وأنه لم ينقله أحد من علماء الأمة.
وقال في مجموع الفتاوى: وكذلك الأنبياء والصالحون وإن كانوا أحياء في قبورهم وإن قدر أنهم يدعون للأحياء وإن وردت به آثار فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك، ولم يفعل ذلك أحد من السلف لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم وعبادتهم من دون الله تعالى بخلاف الطلب من أحدهم في حياته، فإنه لا يفضي إلى الشرك، ولأن ما تفعله الملائكة ويفعله الأنبياء والصالحون بعد الموت هو بالأمر الكوني، فلا يؤثر فيه سؤال السائلين، بخلاف سؤال أحدهم في حياته، فإنه يشرع إجابة السائل، وبعد الموت انقطع التكليف عنهم.
ومن الأدلة على عدم جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته حديث توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فراجع في تفصيل ذلك الفتوى رقم: 52015.
ولمعرفة ضعف ما روي من توسل آدم عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم راجع في ذلك الفتوى رقم: 11669، والفتوى رقم: 9650.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1427(1/677)
التوسل بسر الفاتحة.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نقول بعد الدعاء \"وبسر جاه الفاتحة \" ثم نقرأ الفاتحة ثم نصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة \"اللهم صل وسلم على سيدنا محمد الفاتح لما أُغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم \"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوسل بسر الفاتحة أو بسر جاه الفاتحة كقول الشخص: اللهم بسر الفاتحة اغفرلي.. فالذي يظهر أنه لا مانع منه لأن سر الفاتحة هو جماع المعنى الذي أراده الله تعالى، وأنزل الكتب من أجله، وعليه مدار جميع العبادات. وهذا المعنى هو كلام الله غير مخلوق بل هو صفة من صفاته والتوسل بصفات الله مشروع، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: وقد روي عن الحسن البصري رحمه الله: أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب جمع سرها في الأربعة، وجمع سر الأربعة في القرآن، وجمع سر القرآن في الفاتحة، وجمع سر الفاتحة في هاتين الكلمتين "إياك نعبد وإياك نستعين" ولهذا ثناها الله في كتابه في غير موضع من القرآن كقوله: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ {هود: 123}
إلا أن الأولى تجنب الدعاء بهذه اللفظة لأنها غير واردة عن السلف، وقد يكون المقصود بذلك عند بعض الناس أو الطوائف غير المعنى الذي ذكرناه.
وأما ختم الذكر والدعاء بقراءة الفاتحة فلا أصل له فيما نعلم والتعبد بذلك بدعة مذمومة، وأما ختم الذكر والدعاء بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وآله فمشروع؛ لما رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عجل هذا. ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلى أي دعا أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه عز وجل والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء.
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة المذكورة فهي صلاة الفاتح وهي من أذكار التيجانية وقد ابتدعوها مدعين أن زعيم طريقتهم المتوفى سنة 1230هـ، والمدفون في مدينة فاس المغربية قد التقى بالنبي صلى الله عليه وسلم لقاء حسيا وأنه تعلم منه صلاة الفاتح، وهذا الكلام باطل لا أصل له في شرع الله، فلذلك ينبغي تجنب هذه الصيغة والاكتفاء بما ورد من صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وراجع فيما يدعيه أصحاب هذه الطريق عن صلاة الفاتح الفتوى رقم: 22508
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(1/678)
قول السائل اللهم إني أسألك بحبك لنبيك صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء بمثل هذه الصيغة: اللهم أسألك بحبك لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم أن تفرج عني ما أنا فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى يحب نبيه محمداَ صلى الله عليه وسلم لكن ذلك لا يقتضي إجابة الله لدعاء من سأله بهذه الصيغة المذكورة، فنقول للأخ السائل إذا أردت أن تدعو الله تعالى وتسأله بما لا شك أنه دعاء مشروع فادع الله وتوسل إليه بأسمائه الحسنى أو بعملك الصالح ومنه محبتك لنبيه صلى الله عليه وسلم واتباعه، ودع عنك ما سوى ذلك لأن هذا من باب التوسل إلى الله بما ليس من أعمال العبد وهو مختلف فيه كما سبق توضيحه في الفتويين التاليتين: 3835، 4413، وقد أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى هذه المسألة في كتابه مجموع الفتاوى بقوله: فنقول قول السائل لله تعالى أسألك بحق فلان وفلان من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم أو بجاه فلان أو بحرمة فلان يقتضي أن هؤلاء لهم عند الله جاه وهذا صحيح فإن هؤلاء لهم عند الله منزلة وجاه وحرمة يقتضي أن يرفع الله درجاتهم ويعظم أقدارهم ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا مع أنه سبحانه قال: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه. ويقتضي أيضاً أن من اتبعهم واقتدى بهم فيما سن له الاقتداء بهم فيه كان سعيداً، ومن أطاع أمرهم الذي بلغوه عن الله كان سعيداً، ولكن ليس نفس مجرد قدرهم وجاههم مما يقتضي إجابة دعائه إذا سأل الله بهم حتى يسأل الله بذلك، بل جاههم ينفعه أيضاً إذا اتبعهم وأطاعهم فيما أمروا به عن الله أو تأسى بهم فيما سنوه للمؤمنين وينفعه أيضاً إذا دعوا له وشفعوا فيه.
فأما إذا لم يكن منهم دعاء ولا شفاعة ولا منه سبب يقتضي الإجابة لم يكن متشفعاً بجاههم ولم يكن سؤاله نافعاً له عند الله بل يكون قد سأل بأمر أجنبي عنه ليس سبباً لنفعه، ولو قال الرجل لمطاع كبير أسألك بطاعة فلان لك وبحبك له على طاعتك وبجاهه عندك الذي أوجبته طاعته لك لكان قد سأله بأمر أجنبي لا تعلق له به فكذلك إحسان الله إلى هؤلاء المقربين ومحبته لهم وتعظيمه لأقدارهم مع عبادتهم له وطاعتهم إياه ليس في ذلك ما يوجب إجابة دعاء من يسأل بهم وإنما يوجب إجابة دعائه بسبب منه لطاعته لهم أو سبب منهم لشفاعتهم له، فإذا انتفى هذا وهذا فلا سبب، نعم لو سأل الله بإيمانه بمحمد ومحبته له وطاعته له واتباعه لكان قد سأله بسبب عظيم يقتضي إجابة الدعاء بل هذا أعظم الأسباب والوسائل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1426(1/679)
التوسل إلى الله بأنه سريع الحساب
[السُّؤَالُ]
ـ[عند تلاوة القرآن الكريم أحب أن أتوقف عند كل صفة لله وصف بها نفسه فأدعوه بها، فهل يجوز لي أن أدعو بصفة السريع التي وردت في أكثر من موضع وأصوغ منها دعاء يناسبني كقولي مثلا: يا سريع عجل بنجاح مطلبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسريع ليس من أسماء الله جل جلاله ولكنه ورد مقيداً كقول الله تعالى: وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ {البقرة:202} ، وعليه فلا يصح أن يقال يا سريع بدون تقييد، بل لا بد من التقييد، وعليه فلو دعا إنسان وقال يا سريع الحساب عجل بمطلبي أي عجل بجواب دعائي فإن ذلك جائز، لأن الله تعالى بين في كتابه الكريم أنه سريع إجابة الداعين، وذلك بعد أن ذكر دعاء عباده الصالحين بقولهم: وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {البقرة:201} ، عقبها بقوله تعالى: أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ {البقرة:202} ، أي جواب الدعاء لمن توفرت شروط إجابة دعائه وانتفت الموانع، ولا يعني ذلك أن الله يعطيه ما دعا به فوراً في الدنيا بل قد يؤخره إلى حين وقد يدفع به عنه مكروها، وقد يدخر له ثوابه إلى الآخرة فهو سريع الإجابة، ولكن إيصال المطلوب إلى الداعي قد يتأخر لحكمة يعلمها جل جلاله.
وقد قال الطاهر بن عاشور رحمه الله عند تفسير الآية السابقة: وقوله: والله سريع الحساب. تذييل قصد به تحقيق الوعد بحصول الإجابة، وزيادة تبشير لأهل ذلك الموقف، لأن إجابة الدعاء فيه سريعة الحصول، فعلم أن الحساب هنا أطلق على مراعاة العمل والجزاء عليه.
والحساب في الأصل العد، ثم أطلق على عد الأشياء التي يراد الجزاء عليها أو قضاؤها، فصار الحساب يطلق على الوفاء بالحق يقال حاسبه أي كافأه أو دفع إليه حقه، ومنه سمي يوم القيامة يوم الحساب، وقال تعالى: إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ... وقال تعالى: جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا. أي وفاقا لأعمالهم، وهاهنا أيضا أريد به الوفاء بالوعد وإيصال الموعود به، فاستفادة التبشير بسرعة حصول مطلوبهم بطريق العموم، لأن إجابتهم من جملة حساب الله تعالى عباده على ما وعدهم فيدخل في ذلك العموم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1426(1/680)
حكم التوسل بجاه الولي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التوسل بجاه الولي (كقولي: يا رب أسألك وفضل هذا الولي أو بركة هذا المكان) ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوسل هو جعل شيء وسيلة إلى الغرض المطلوب، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ {المائدة:35} ، والتوسل إلى الله تعالى أنواع، منها ما هو مشروع بالاتفاق، ومنها ما هو شرك، ومنها ما هو مختلف فيه، أما التوسل المشروع: فانظره في الفتوى رقم: 28845.
وأما التوسل الشركي، فهو التوسل بتوجيه العبادات لغير الله كالدعاء والذبح والنذور ... ثم يقول فاعلوه: نفعل هذا ليشفعوا لنا عند الله، قال الله تعالى حكاية عن المشركين: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى {الزمر:3} ، وقال سبحانه عنهم: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ {يونس:18} .
وأما التوسل المختلف فيه، فهو التوسل بذوات الأنبياء والصالحين وجاههم عند الله، فقد اختلف العلماء فيه على قولين:
الأول: أنه توسل بدعي، وهو وسيلة إلى الشرك، والدليل على أنه بدعة، أن التوسل عبادة، والعبادة توقيفية لا يجوز فيها الإحداث، كما يدل على ذلك أن عمر رضي الله عنه لما أصابهم القحط قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك اليوم بعم نبيك، ثم طلب من العباس أن يدعوا فسقوا بإذن الله. كما روى ذلك البخاري، فلو كان المراد التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم لتوسلوا بذاته بعد موته، إذ إن شرفه صلى الله عليه وسلم وفضله ثابت له حياً وميتاً.
الثاني: أن هذا النوع من التوسل جائز، ومن ذهبوا إلى ذلك استدلوا بحديث الأعمى المشهور وغيره، والراجح هو القول الأول.
وينبغي التنبه إلى أنه إذا اعتقد المتوسل أن الله سبحانه وتعالى لن يقضي له حاجته إلا إذا توسل إليه بجاه فلان أو نحو ذلك فلا خلاف حينئذ في منعه، وانظر الفتوى رقم: 11669، والفتوى رقم: 3835.
ولمزيد بيان في موضوع التوسل يراجع كتاب (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) لشيخ الإسلام، وكتاب (التوسل أنواعه وأحكامه) للشيخ الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1426(1/681)
مشروعية التوسل بالعمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال إنه يجوز للإنسان أن يدعو بعمل صالح عمله مثل قصة الذين أغلق عليهم الجبل وكل دعا بعمل صالح عمله حتى انشق لهم الجبل وخرجوا وأنا حافظ للقرآن فهل يجوز لي أن أدعو الله وأناجيه بحفظي للقرآن وما هي الصيغة المناسبة دون خلل شرعي لذلك إن كان الأمر جائزا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لك أن تسأل الله وتتوسل إليه بحفظك لكتابه وبكل عمل صالح فعلته، ومن أعظم ذلك الإيمان به وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر سبحانه وتعالى أن من دعاء المؤمنين: رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
ومن دعائهم: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ.
فقدموا بين يدي سؤالهم المغفرة أعظم عمل فعلوه وهو إيمانهم بالله واتباعهم لنبيه، وانظر الفتويين: 16690، 28845.
هذا، وليس للدعاء صيغة معينة، وإن كان تحري أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعية الأنبياء في القرآن أولى لجمعها أبواب الخير كله.
وانظر آداب الدعاء وشروط قبوله والأوقات الفاضلة التي يرجى إجابته فيها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11571، 2395، 23599، 17449، 32655، 8581.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1426(1/682)
حكم قرن التوسل بالنبي أو غيره من أهل الفضل بالدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[الدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله تعالى بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء، وليس من مسائل العقيدة، هل هذا الكلام صحيح، وكيف يكون الاختلاف في كيفية الدعاء هنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كون مسألة التوسل من مسائل الخلاف الفرعي صحيح، وذلك يعني أن الخلاف فيها ليس من الخلاف في مسائل أصول الإيمان التي يكفر المخالف فيها، وإنما اختلف فيها بين الجواز والمنع.
وأما شطر السؤال الثاني فلعله يعني به أن الدعاء من أصله متفق بين أهل العلم على وجوب صرفه إلى الله تعالى ومنع صرفه لغيره، وأما كيفيته المختلف فيها فقد اختلف في جواز قرن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من أهل الفضل بالدعاء وعدم جوازه، وللاطلاع على التفصيل في الموضوع وبيان الأدلة وأقوال أهل العلم راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4413، 11669، 16690، 17593، 28845، 52015، 58306.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(1/683)
تهافت قصة الرجل الذي أتى قبر النبي وقال: استسق لأمتك
[السُّؤَالُ]
ـ[مارأيكم في من يقول بجواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته مستدلا بأن أحد الصحابة ذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله أدرك أمتك فإنها قد هلكت ادع الله أن يغيثهم فأمطروا بتوسل ذلك الصحابي؟ الرجاء الجواب بالتفصيل مع الدليل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم التوسل في الفتوى رقم: 52015.
أما الأثر المذكور فرواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن مالك الدار قال: -وكان خازن عمر على الطعام- قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنكم مسقيون، وقل له: عليك الكيس عليك الكيس، فأتى عمر فأخبره، فبكى عمر ثم قال: يا رب لا آلوا إلا ما عجزت عنه.
وقد أجاب عنه العلامة الألباني رحمه الله في كتابه التوسل أنواعه وأحكامه بعدة أوجه منها:
عدم التسليم بصحة هذه القصة، لأن مالك الدار غير معروف العدالة والضبط، وهذان شرطان أساسيان في كل سند صحيح، كما تقرر في علم المصطلح، وقد أورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكر راوياً عنه غير أبي صالح هذا، ففيه إشعار بأنه مجهول، ويؤيده أن ابن أبي حاتم نفسه مع سعة حفظه واطلاعه لم يحك فيه توثيقاً فبقي على الجهالة، ولا ينافي هذا قول الحافظ ( ... بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان..) لأننا نقول: إنه ليس نصاً في تصحيح جميع السند، بل إلى أبي صالح فقط، ولولا ذلك لما ابتدأ هو الإسناد من عند أبي صالح ولقال رأساً: (عن مالك الدار ... وإسناده صحيح) . ولكنه تعمد ذلك ليلفت النظر إلى أن ههنا شيئاً ينبغي النظر فيه.
ومنها: أنه مخالف لما ثبت في الشرع من استحباب إقامة صلاة الاستسقاء لاستنزال الغيث من السماء كما ورد في أحاديث كثيرة أخذ بها جماهير الأئمة، بل هي مخالفة لما أفادته الآية وهي قوله تعالى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا. وهذا ما فعله عمر بن الخطاب حين استسقى وتوسل بدعاء العباس كما سبق بيانه، وهكذا كانت عادة السلف الصالح كلما أصابهم القحط أن يصلوا ويدعوا، ولم ينقل عن أحد مطلقاً أنه ألتجأ إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه الدعاء.
ومنها: أن هذا الأثر ليس في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه طلب الدعاء منه بأن يستسقي الله لأمته، وهذا مسألة أخرى لم يقل بجوازها أحد من علماء السلف. اهـ باختصار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1425(1/684)
حكم التوسل بذات رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء إفادتي بشرح هين ولين لتوضيح وإعطاء أدلة من القرآن والسنة لمسألة التوسل إلى الله بالرسول والقول بجاه الحبيب محمد إن كذا وكذا ... بأن هذا لا يجوز فهنالك من يعارض المذهب الوهابي لهذا السبب ولا يقتدي بالفتاوى الواردة من المشايخ السعوديين وأرجوكم أن تعطوني آراء الأئمة الأربعة بالنسبة لهذه المسألة إذ أريد أن أشرح له أنه لا يمكن القول بالمقولة: (جاه............) أو حتى أن يطلب الشفاعة من الله عن طريق الرسول علماً أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من طلب لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة.
مرة أخرى أرجو من حضرتكم كل الرجاء أن ترسلوا لي شرحا مفصلاً وليناَ.
جزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالراجح من قولي العلماء هو عدم جواز التوسل بذات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا سؤال الله بجاهه أو حقه، وقد سبق بيان الأدلة على ذلك ومذاهب الأئمة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16690، 17593، 4416، 11669 فراجعها، ففيها غنية وكفاية.
وبالنسبة للوارد من آراء الأئمة الأربعة، فقد جاء في الدر المختار -وهو من أشهر كتب الحنفية- ما نصه: عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها. اهـ
وقال في البحر الرائق -وهو من الكتب المعتمدة عند الحنفية- أيضاً: لا يجوز أن يقول: بحق فلان عليه، وكذا: بحق أنبيائك وأوليائك ورسلك والبيت والمشعر الحرام، لأنه لا حق للمخلوق على الخالق. اهـ
هذا، وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى جواز التوسل بذات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه قول مرجوح لعدم ورود دليل تقوم به الحجة، وقد أنكره المحققون من أئمة المذهب الحنبلي كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
ولمزيد بيان في موضوع التوسل راجع كتاب: التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني، وهو ليس من علماء السعودية.
واعلم أن طلب الشفاعة من الله عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى أن يتوجه العبد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء أو نحوه من العبادات، فهذا من التوسل الشركي الممنوع، وقد سبق بيانه في عدة فتاوى، ومنها الفتوى رقم: 16690 والتي أحلناك عليها سابقاً، وأما التوجه إلى الله بالدعاء أن يرزقك شفاعة رسوله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فهذا لا حرج فيه وهو من قبيل الدعاء المشروع.
ولمعرفة معنى (الوسيلة) التي نسأل الله أن يؤتيها نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بعد كل أذان انظر الفتوى رقم: 3976.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1425(1/685)
حكم التوسل بالنبي والأولياء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء، هناك كتاب اسمه الفرج يجيز ذلك واسم المؤلف (محمد العلوي المكي) ما حقيقة هذا الكتاب والأحاديث التي فيه؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الصالحين، وذلك بطلب الدعاء منهم حال حياتهم، وأما بعد وفاتهم فالراجح أنه غير جائز ولا مشروع، لأنه لم يرد فيه دليل تقوم به الحجة، وقد أنكره العلماء المحققون في العصور الإسلامية المتعاقبة، وانظر الفتوى رقم: 4416، والفتوى رقم: 11669.
ولمزيد بيان انظر (التوسل- أنواعه وأحكامه) للشيخ الألباني.
وأما كتاب الفرج فلم نطلع عليه، ولم نتمكن من إثبات نسبته إلى محمد علوي المكي، هذا وللوقوف على حقيقة منهج محمد علوي المالكي المكي نحيلك على هذا الرابط: http://saaid.net/feraq/sufyah/sh/.htm
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1425(1/686)
لا يشرع التوسل بما لم يجعله الله وسيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التوسل في الدعاء إلى الله بالأيام الفاضلة كرمضان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوسل إلى الله تعالى ينقسم إلى قسمين: الأول: مشروع وهو التوسل بأسماء الله وصفاته، والتوسل بالأعمال الصالحة، وبدعاء العبد الصالح، والثاني ممنوع، وهو التوسل إلى الله بما لم يجعله الله وسيلة، كالتوسل بجاه مخلوق أو حق مخلوق كقول القائل: بحق رسلك وأنبيائك أو بحق البيت الحرام أو المشعر الحرام ونحو ذلك على القول الراجح، كما في الفتوى رقم: 11669.
قال الحصكفي: لأنه لا حق للخلق على الله تعالى، وإنما يخص برحمته من يشاء من غير وجوب عليه.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به أي بأسمائه وصفاته، وقال في البحر الرائق: لا يجوز أن يقول بحق فلان عليك، وكذا بحق أنبيائك وأوليائك ورسلك، والبيت والمشعر الحرام، لأنه لا حق للمخلوق على الخالق. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1425(1/687)
معنى التوسل وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو معنى التوسل (إصطلاحا وشرعاً) ، وما حكمه في الإسلام، وهل يجوز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوسل لغة: هو التقرب إلى الغير بالوسيلة التي تقرب إليه، وأما التوسل شرعاً وبيان حكمه وكذلك حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد فصلنا ذلك كله في الفتاوى التالية أرقامها: 16690، 17593، 14955.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1425(1/688)
موقف الشرع من الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[لمّا قال البوصيري قصيدة البردة شفي بعدها ونسمع أن بها أبيات شرك!؟ ومتى يكون الاستشفاع بالنبي عليه الصلاة والسلام وغيره..حراماً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت أبيات كثيرة في قصيدة البردة فيها من الإطراء للنبي صلى الله عليه وسلم غلو كبير، وصل في بعض الأحيان إلى الشرك، وإلى التقول في الدين بما لايجوز، وكنا قد بينا ذلك من قبل فراجع فيه فتوانا رقم: 5211.
وكون ناظم القصيدة قد شفي لما نظمها لايفيد شيئا، فكثيرا ما يرتكب أشخاص أمورا محرمة ويجدون إثرها خوارق وأمورا يظنها البعض كرامات، وهي في الواقع استدراج.
ودليل الاستقامة إنما هو الالتزام بكتاب الله والتمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، سواء صاحب ذلك كرامات أو لم تصاحبه.
والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بمعنى أن يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله من تحصيل أمر، أو النجاة من كرب ونحو ذلك، فهو شرك. وإن كان القصد هو طلب الدعاء، كما حدث للأعمى الذي قال في دعائه: اللهم فشفعه فيَّ.. الحديث، فهذا إنما يجوز في حياته لا بعد موته. وراجع في أنواع التوسل فتوانا رقم: 16690. وإن كان السائل يعني طلب شفاعته في الآخرة فهذا لا بأس به. ولكنه يطلب من الله لا منه صلى الله عليه وسلم. وراجع الجواب: 3779 والجواب: 3835، والجواب: 4416.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(1/689)
حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[اذكر الدليل من القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة على عدم جواز التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته؟ هل حديث العباس رضي الله عنه في الاستسقاء دليل على عدم جواز التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته؟ أفيدونا أثابكم الله لأننا في حيرة من هذا الأمر وخاصة مع الصوفيين في بلادنا فنرجو الدليل على كلام فضيلتكم للرد على هولاء المبتدعة.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل الأخ السائل الكريم أراد بالتبرك (التوسل) فإن الأثر الذي رواه البخاري بلفظ: اللهم كنا نتوسل إليك بنبيك وهو حي فتسقنا والآن نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا. قال ابن تيمية: أما التوسل بالنبي والتوجه به فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته، ثم قال: فلفظ التوسل يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين، ويراد معنى ثالث لم ترد به سنة. فأما الصحيحان باتفاق العلماء فأحدهما هو أصل الإيمان فهو التوسل بالإيمان به وبطاعته، والثاني: دعاؤه وشفاعته ومن هذا قول عمر (وذكر الأثر) . قال: ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس، ولو كان التوسل هو بذاته لكان هو أولى من التوسل بالعباس، فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس عُلم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بعد موته، قال والثالث: التوسل بالنبي بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته فهذا لم يكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته ولا عند قبره ولا غير قبره، فلو كان التوسل بالأموات والقبور جائزاً ما عدلوا عن الأفضل، وسؤال الله بأضعف السببين مع القدرة على أعلاها وذلك في عام الرمادة، وكذلك الصحابة في الشام لما قحطوا لم يذهبوا إلى مافيها من قبور بل استقسموا بمن فيهم من الصالحين، فلم يبح أحد من الصحابة التوسل بقبور الأنبياء ولا غير الأنبياء ولا الاستعانة بميت مما يظنه بعض الناس ديناً وقربة، وهذا دليل على أن هذه المحدثات لم تكن عند الصحابة من المعروف بل من المنكر. اهـ بتصرف. وكان السلف ينهون عن التوسل بالقبور أشد النهي، فإن المسلمين لما فتحوا تستر وجدوا هناك سرير ميت باق يستسقون به فكتب أبو موسى إلى عمر، فأجاب عمر: أن احفر ثلاثة عشر قبراً، ثم يدفن في الليل في واحد منها ليخفى أثره لئلا يفتن الناس. أما الدليل على تحريم هذا النوع من التوسل فقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {لأعراف:194} ، وقال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً {الاسراء:57} ، وقال تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {الأنعام:51} ، وقال تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ {الزمر:43} ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد في أحاديث كثيرة منها حديث عائشة في الصحيح: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذو القبور مساجد. راجع كتاب تحذير الساجد من إتخاذ القبور مساجد، للألباني. قال ابن تيمية: قصد قبر بعض الصالحين للصلاة عنده والدعاء أو طلب الحوائج منه أو من الله عند قبره أو الاستغاثة به أو الإقسام على الله به ونحو ذلك من البدع التي لم يفعلها الصحابة ولا التابعون، ولا سنّ ذلك لنا رسول الله ولا أحد من خلفائه، وقد نهى عن ذلك أئمة المسلمين الكبار. اهـ. ومما ينبغي التنبيه عليه إرشاد الناس إلى التوسل المشروع، وهو التوسل إلى لله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وبالأعمال الصالحة من صلاة وزكاة وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1425(1/690)
حكم التوسل بالقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التوسل بالقرآن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من التوسل بالقرآن، لأن القرآن كلام الله، وكلامه صفة من صفاته، والتوسل بصفات الله من قسم التوسل المشروع.
وانظر الفتوى رقم: 17793.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(1/691)
التوسل بين المجيزين والمانعين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء السابقين
وما هي الكتب التي تتحدث في هذا الموضوع
وما هي الآراء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا حكم التوسل في الفتاوى التالية: برقم: 44451، ورقم: 11669، ورقم: 10671.
وفي هذه الفتاوى ذكر لمذاهب العلماء.
وأما الكتب التي ذكرت حكم المسألة فكثيرة جداً، وقد أفردت هذه المسألة بالتأليف من قبل المجيزين والمانعين: فمن الكتب المجيزة:
1-شفاء السقام للسبكي، وقد تكلم فيه عن شد الرحل والتوسل.
2-إرغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي للغماري.
ومن الكتب المانعة:
1-قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية، وقد منع فيها التوسل بالذوات.
2-التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1425(1/692)
من التوسل المشروع والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[يا لطيف في الأزل أنت اللطيف لم تزل ألطف بنا في ما نزل بجاه القرآن ومن عليه نزل صلى عليه ربنا إلهنا عز وجل وإله وصحبع ما لاح نجم وأفل احمنا يا مولانا والطف بنا عن عجل يا خالقي يا رازقي يا ثقتي يا أملي انت الرجاء أنت الولي أنت المجيب لمن دعا أنت القديم الأزل اختم بخير العمل عند حضور الأجل بجاه طه ويس وسورة المزمل الله الله وبحرمة الحسن وأخيه وأمه وأبيه وجده وبنيه وبجاه القرآن الكريم وما فيه عجل لنا باللطف والفرج ونجنا مما نحن فيه يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.
هل في هذا الدعاء شرك بالله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الدعاء تضمن نوعين من التوسل:
1-توسل بالقرآن في قوله (وبجاه القرآن الكريم) وببعض السور في قوله: (بجاه طه ويس وسورة المزمل) .
2-توسل بالمخلوقين في قوله: (بحرمة الحسن وأخيه وأمه وأبيه وجده ونبيه) ، وقوله: (ومن عليه نزل) عليه الصلاة والسلام، والتوسل إلى الله تعالى ينقسم إلى قسمين:
الأول: مشروع، وهو التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، والقرآن كلام الله فهو صفة من صفاته، وبدعاء الرجل الصالح الحي القادر.
الثاني: ممنوع، وهو التوسل إلى الله بما لم يجعله الله وسيلة كالتوسل بجاه المخلوق ونحو ذلك على القول الراجح، كما في الفتوى رقم: 11669، ولمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 37867.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1425(1/693)
حديث توسل الأعمى بدعائه صلى الله عليه وسلم صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الدعاء صحيح وهل يجوز الدعاء به، اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبي الرحمة، محمد (صلى الله عليه وسلم) ، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى -ويسمي حاجته- اللهم فشفعه فيّ وشفعني في نفسي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعاء الذي سألت عنه أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد من حديث عثمان بن حنيف: أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه في. والحديث صححه الألباني، وغيره وجاء بروايات متقاربة.
فهذا الحديث يدل على جواز التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم في حياته، وأما بعد وفاته فقد اختلف العلماء في ذلك، والراجح عدم الجواز لأدلة يمكنك أن تراجعها في الفتوى رقم: 17593.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1425(1/694)
التوسل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول الآتي أثناء الدعاء:
اللهم صل على محمد صلاة تنفرج بها الكروب وتنحل بها العقد وتقضى بها الحوائج
لأن هذا القول منتشر بين العامة هنا
وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الدعاء لا حرج فيه إن شاء الله، إذ أنه من جنس التوسل المشروع، وذلك لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من كسب العبد، فهو على هذا من باب التوسل بالعمل الصالح.
وتراجع في هذا الفتوى رقم: 4416، والفتوى رقم: 28845، ولكن ننبه إلى أن أفضل الصيغ في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما وردت به في سنته، وقد ذكرنا طرفا منه في الفتوى رقم 5025.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1425(1/695)
التوسل بجاه النبي من باب البدعة لا الشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي عند الدعاء التوسل بجاه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام يعني مثلا اللهم يسر أمري كرامة لحبيبك المصطفى هل هذا جائز أم لا؟ منهم من يقول هذا شرك بالله أفيدوني بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا اختلاف أهل العلم في حكم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم بين مانع ومجيز، والذين منعوه وهو ما رجحناه، اعتبروه من باب البدعة لا الشرك، وراجع الفتوى رقم: 11669.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1425(1/696)
التوسل بسر الفاتحة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يدعو الإمام بعد أي صلاة والناس يؤمنون وراءه، وخاصة تخصيص صلاة معينة كالصبح مثلا أو الجمعة بحجة أن هذه الأوقات مباركة، والجزء الثاني من السؤال هو: أن يقول بعد هذا الدعاء ".... وبسر الفاتحة" فيقرؤونها جماعة أو فرادى، وماهي حجتهم في ذلك، خاصة وأن هذا الأمر منتشر في كل بلادنا وبلدان أخرى كمصر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على حكم الدعاء عقب الصلاة جماعة وقراءة القرآن بصوت واحد جماعة، في الفتوى رقم: 13351، والفتوى رقم: 7673.
أما التوسل بسر الفاتحة فهو في أصله مشروع إلا أن الأولى تركه لعدم ورود هذا اللفظ عن السلف، وانظر الفتوى رقم: 17793.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(1/697)
التوسل بالأنبياء ممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[أهل البدع يرون جواز التوسل بالأنبياء استدلالا بالأثر الوارد في كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية عن عبد الله بن عمر لما خدرت رجله فقيل له اذكر أحب الناس إليك فقال يا محمد، فهل هذا الأثر صحيح وفي كتب الأحاديث ورد هذا الأثر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى أثر ابن عمر هذا البخاري في كتاب الأدب المفرد عن عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر رضي الله عنهما، فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك، فقال: محمد. وقد ضعفه الشيخ الألباني.
ثم إنه لو صح إسناده لم تكن فيه دلالة على جواز ذلك النوع من التوسل الذي يقصده المستدل وهو التوسل غير المشروع إذ غاية ما فيه ذكره لمحبوبه، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه نوع من العلاج لهذا الخدر إذ بذكره لمحبوبه يسرى في جسمه نوع من الشعور يستدعي زوال هذا الحال الذي يشعر به، ولمزيد من الفائدة عن التوسل وأنواعه، تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4416، 14616، 16690.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1424(1/698)
حكم التوسل بجاه آية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله،،،
ما حكم قول (اللهم احفظني من كل الناس بجاه " قل أعوذ برب الناس....."؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتوسل إلى الله تعالى ينقسم إلى قسمين:
الأول: مشروع، وهو التوسل إليه بأسمائه وصفاته وبالعمل الصالح وبدعاء الرجل الصالح الحي القادر.
الثاني: ممنوع، وهو التوسل إلى الله تعالى بما لم يجعله الله وسيلة، كالتوسل بجاه المخلوق ونحو ذلك على القول الراجح، كما في الفتوى رقم:
11669.
أما القرآن فهو كلام الله عز وجل وصفة من صفاته، وله عند الله عز وجل عظيم المنزلة فقد قال الله سبحانه: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ [الزخرف:4] .
فالتوسل بالقرآن أو بسورة منه أو بجاهه جائز، لأنه توسل بصفة من صفات الله تعالى وهي كلامه والتوسل بأسماء وصفاته مشروع، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ [الأعراف:180] .
والأولى للأخ السائل اجتناب هذا اللفظ، وليقل اللهم إني أسألك بكلامك أو بالقرآن، أو ما شابه ذلك من التوسل بالأسماء والصفات الوارد عن سلف الأمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1424(1/699)
مدحه عليه الصلاة والسلام.. المشروع والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم. أولا: أحييكم على ما تبذلونه من مجهودات لنشر الوعي الإسلامي، سؤالي: يقوم بعض الشباب في مجتمعنا بنهي الناس عن مدح الرسول الكريم والصلاة عليه، ويدعون أنهم سنيون أو سلفيون، ولكن الناس لا يلتفتون إليهم لعلمهم أن الصحابة كانوا يمدحون الرسول، فهل من يمدح الرسول مخالف للسنة كما يزعم هؤلاء؟ أم من ينهى عن ذلك؟ أفيدونا بالدليل، والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
مدح الرسول صلى الله عليه وسلم نوعان:
1- مدح مشروع مستحب، وهو الناتج عن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبيين فضله وخصائصه ومعجزاته وأخلاقه الكريمة من غير غلوّ وألاّ يوصف إلا بما هو حق فيه، لا بالباطل أو الكذب أو بما ليس من خصائصه، بل من خصائص الله، فلقد مُدح رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وقال فيه كعب بن زهير:
إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول
فمدحه صلى الله عليه وسلم ببيان منزلته التي مدحه الله بها مشروع.
فقد روى أحمد والنسائي أن أناسا قالوا له: يا رسول الله؛ يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس: قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا سيد ولد آدم ولا فخر.
وقد روى أبو داود بسند جيد أن بعض أصحابه قالوا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله. وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم، إلا أن العلماء قالوا: إن سلوك طريق الأدب أحب من الامتثال، فلذلك نحن نفضله على سائر الأنبياء لأن الله فضله عليهم وإن كان قد قال صلى الله عليه وسلم: لا تفضلوني على يونس بن متى. فهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم.
2-مدحٌ مبتدعٌ محرم وهو الغلو والإطراء في مدحه، وذلك بأن يمدح بما ليس من خصائصه، كأن يُرفع إلى مقام الألوهية، أو يعطى بعض صفات الله، كما قالت امرأة في زمنه وهي تمدحه: وفينا نبي يعلم ما في غدٍ. فنهاها صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن علم الغيب من خصائص وصفات الله، وقد أمر الله رسوله أن يقول: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر [الأعراف: 188] .
فلا يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغيب إلا ما علمه الله، أو أن يستغاث به، أو يدعى من دون الله، أو أن يمدح بالكذب كما مدحه بعضهم بأن القمر انشق ونزل يسلم عليه، فانشقاق القمر حدث معجزة له، ولكن ما نزل ليسلم عليه، أو أن يقترن مدحه بمحظور، وقد جاء في صحيح البخاري: لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله، أي لا تمدحوني بالباطل ولا تجاوزوا الحد في مدحي كما عملت النصارى مع عيسى فمدحوه حتى جعلوه إلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1424(1/700)
التوسل المشروع لجلب النفع ودفع الضر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الوسائل المشروعة التي يتقرب بها العبد المؤمن إلى الله راغبا في إرضائه وأملا في قضاء حاجاته من جلب نفع ودفع ضرر وما هي الأدلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالوسائل المشروعة التي يتقرب بها العبد إلى ربه ليقضي حاجاته ويجلب له النفع ويدفع عنه بها الضر هي الوسائل التي دل الدليل من الكتاب والسنة على كونها وسيلة يتوسل بها إلى الله تعالى، ومن ذلك:
أولاً: التوسل إلى الله تعالى بتوحيده؛ كتوسل نبي الله يونس عليه السلام. قال تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] .
ومنه: حديث الرجل الذي سأل بقوله: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم. الحديث أخرجه أحمد وصححه شعيب الأرناؤوط من حديث بريدة.
ثانيًا: التوسل بالإيمان بالله تعالى، قال سبحانه: رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:53] . وقال تعالى: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عمران:193] .
ومثله التوسل بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: اللهم إني أتوسل إليك بإيماني برسولك أن تغفر لي. وكذا التوسل بالإيمان بما أنزل الله تعالى، فتقول: اللهم إني أتوسل إليك بإيماني بكتابك وسنة نبيك أن ترحمني.
ثالثاً: التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته، قال تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180] وقال تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110] .
رابعاً: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح، وذلك لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب إذا قحطوا خرج يستسقي بالعباس فيقول: اللهم إنا كنا إذا قحطنا استسقينا بنبيك فتسقينا، وإنا نستسقيك اليوم بعم نبيك فاسقنا، فيسقون. أخرجه البخاري.
خامساً: التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح، ودليل ذلك قصة أصحاب الغار الذين أطبقت عليهم الصخرة.
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله يقول: انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فناء بي في طلب شيءٍ يوماً فلم أُرِحْ عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقال الآخر: اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلي فأردتها عن نفسها فامتنعت مني، حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت: لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليَّ وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجلٍ واحدٍ ترك الذي له وذهب، فثمَّرتُ أجره حتى كثرتْ منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك، فأخذه كلَّه فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(1/701)
حكم الذين يتخاطبون مع أهل القبور!!
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما حكم المسفلين الذين يسفلون للأموات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل المقصود بالمسفلين ما هو مشهور عند كثير من العامة من أن هناك أشخاصاً يستطيعون أن يتخاطبوا مع الموتى فيبلغون الموتى بما يريد أهلوهم، ويبلغون الأهل بما يريد الموتى من الوصايا والأحوال ونحو ذلك.
وهذا الشيء يعد من الكذب والدجل والشعوذة، وقد قال الله تعالى عن الموتى: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ [يّس:50] .
نعم قد يحدث هذا كرامة لبعض الصالحين أو رؤيا منامية، ولكن صاحب الكرامة لا يفاخر بها ويشهرها، ولا يعتمد على شيء من ذلك من الأحكام الشرعية، ولا بأس بالاستئناس به في التبشير والتحذير سواء أكان رؤيا أم كان كرامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1423(1/702)
مدحه عليه الصلاة والسلام بين المحبين والغالين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هو حكم الشرع في جلسات مدح الرسول صلى الله عليه وسلم (الموالد) ، ويذكر فيها على سبيل المثال: يا رسول الله يا مفرج الهم والكرب؟
وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، والثناء عليه بالشعر والنثر، وفي الخطب والمواعظ والدروس كل ذلك جائز حسن، ما لم يشتمل ذلك على محظور شرعاً، ومن ذلك أن يشتمل المديح للنبي صلى الله عليه وسلم على وصف لا يليق إلا بالله تبارك وتعالى كما جاء في سؤال السائل، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله " رواه البخاري.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله في الفتاوى 1/96: فمن توهم في نبينا أو غيره من الأنبياء شيئاً من الألوهية والربوبية فهو من جنس النصارى.
ولهذا لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم جويريات يقلن: (وفينا نبي يعلم ما في غد) قال: " دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين " رواه البخاري من حديث الربيع بنت معوذ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة التوحيد: 1/71 وقد دل الحديث على أنه لا يصح أن يعتقد الإنسان في نبي أو ولي أو إمام أو شهيد أنه يعلم الغيب، حتى لا يصح هذا الاعتقاد في حضرة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ولا يصح أن يمدح بذلك في شعر أو كلام أو خطبة. أما ما اعتاده الشعراء من المبالغة والإسراف في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء والأولياء والعلماء والمشايخ أو الأساتذة فتخطوا في ذلك حدود الشرع انتهى.
فالحاصل أن مدحه صلى الله عليه وسلم حسن، ما لم يشتمل على غلو أو كذب. قال الإمام الرحيباني في مطالب أولى النهى: (2/501) عن الشعر: ويباح إن كان حكما وأدباً ومواعظ وأمثالاً، أو لغة يستشهد بها على تأويل القرآن والحديث، أو مديحاً للنبي صلى الله عليه وسلم أو للناس بما لا كذب فيه.
أما حكم الاحتفال بالموالد فقد تقدم الجواب عنه برقم: 1741 فراجعه.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1423(1/703)
أجوبة في الحضرة والتوسل وحكمها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحضرة (النوبة) التي يقوم بها بعض الإخوة هل هي جائزة شرعا أم لا؟ أرحو شرحا تفصيليا عنها وعن حكمها؟ وهل يجوز التوسل عند الله بالرسول أو بأحد الصالحين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الحضرة في الفتوى رقم 12493 والفتوى رقم 23433
وتقدم الكلام عن التوسل وأقسامه في الفتوى التالية: 16690 17593 11690
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1423(1/704)
حكم التوسل بسر الفاتحة، وشد الرحال لزيارة القبور
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أريد أن أسأل عن حكم زيارة الأولياء (السيدة زينب ونفيسة وسيدنا الحسين) وغيرهم ما حكم زيارتهم وهل الدعوى بهم مقبولة أو مستحبة لما لهم من محبة من الله وكذلك التبرك بهم
وإني أدعو فأقول اللهم بحق سيدنا محمد وآل بيته وبحق السيدة زينب وبسر الفاتحة كذا وكذا وأدعو فهل ذلك حرام - أرجو الرد لأني حائرة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فزيارة القبور مستحبة في أي وقت، ولا فرق بين زيارة قبور الأنبياء أو الصالحين من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أو غيرهم لأن الجميع أولياء الله، إلا أن ولايتهم تتفاوت حسب تفاوت إيمانهم وتقواهم. ولا بأس أن يخص المرء بزيارته قبراً معيناً كقبر والديه أو معلمه ونحوهم.
وأما زيارة الأضرحة والمقامات ففيها تفصيل سبق بيانه في الفتوى رقم:
9943 ... والفتوى رقم: 9476.
وأما شد الرحال لزيارة قبور الأولياء والصالحين ففيه خلاف بين العلماء، والراجح منعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى. متفق عليه.
قال الحافظ في الفتح: واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياءً وأمواتاً، وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها، فقال الشيخ أبو محمد الجويني يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر هذا الحديث، وأشار القاضي حسين إلى اختياره وبه قال عياض وطائفة. ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور وقال له: لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت، واستدل بهذا الحديث، فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ووافقه أبو هريرة. والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم وأجابوا عن الحديث بأجوبة، ثم ذكر الأجوبة. وهي كثيرة يطول ذكرها وكلها لا تنهض لرد دلالة الحديث وفهم الصحابي أبي بصرة وموافقة أبي هريرة له.
وقد رد على هذه الأجوبة شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى وبين ضعفها، وهكذا ابن عبد الهادي في كتابه الصارم المنكي في الرد على السبكي، وقررا عدم مشروعية شد الرحال.
وأما دعاء الأولياء والطواف حول قبورهم وتقديم القرابين لهم لإذهاب الهموم والغموم وإزالة الشدة والكرب ونحو ذلك فهو كفر ظاهر، كما سبق بيانه في الفتوى رقم:
3835 والفتوى رقم: 3779.
وأما التوسل بهم وبجاههم ونحو ذلك كقول الشخص: اللهم بجاه فلان اغفر لي أو اللهم بحق فلان اذهب همي وهكذا، فقد اختلف فيه أهل العلم والراجح منعه، كما سبق مفصلاً في الفتوى رقم:
17593 والفتوى رقم: 4416 ... والفتوى رقم: 11669 ولا فرق في هذا بين الأنبياء والأولياء، وأما التبرك فقد سبق بيان الجائز منه والممنوع في الفتوى رقم:
14693 والفتوى رقم: 15830.
وأما التوسل بسر الفاتحة كقول الشخص: اللهم بسر الفاتحة اغفر لي. فالذي يظهر أنه لا مانع منه لأن سر الفاتحة هو جماع المعنى الذي أراده الله تعالى وأنزل الكتب من أجله وعليه مدار جميع العبادات. وهذا المعنى هو كلام الله غير مخلوق بل هو صفة من صفاته، والتوسل بصفات الله مشروع، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: وقد روي عن الحسن البصري رحمه الله أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب جمع سرها في الأربعة وجمع سر الأربعة في القرآن وجمع سر القرآن في الفاتحة وجمع سر الفاتحة في هاتين الكلمتين إياك نعبد وإياك نستعين. ولهذا ثناها الله في كتابه في غير موضع من القرآن كقوله: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود:123] .
إلا أن الأولى تجنب الدعاء بهذه اللفظة لأنها غير واردة عن السلف، وقد يكون المقصود منها عند بعض الناس أو الطوائف غير المعنى الذي ذكرناه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(1/705)
الأصل في التوسل التوقف حتى يرد الدليل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم ولماذا أجازه جميع علماء الأمة وعارضه علماء السعودية فقط (يعني جمع العلماء على خطأ وعلماء السعودية هم على صواب) ؟
أرجو منكم الجواب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في جواز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب أكثر الذين تكلموا عليه ومنهم: الإمام أحمد بن حنبل إلى جوازه، وذهبت الحنفية وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة إلى منعه.
وقد استدل أصحاب القول الأول على جوازه بأدلة من القرآن والسنة، وادعى بعضهم الإجماع على جوازه كـ السبكي وشنع على شيخ الإسلام في قوله بالمنع، أما دليلهم من القرآن فهو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:35] .
وأما أدلتهم من السنة فكثيرة منها ما في صحيح البخاري: أن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس ... ، ومنها حديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث: "توسلوا بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم". ونحو ذلك.
وقد رَدَّ المانعون للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأدلة، فقالوا: أما الآية الكريمة فلا دلالة فيها على المقصود، لأن المراد بالوسيلة في هذه الآية هو فعل الطاعات وترك السيئات، قال الألوسي: هي - الوسيلة - فعيلة بمعنى ما يتوسل به ويتقرب إلى الله عز وجل من فعل الطاعات وترك المعاصي، واستدل بعض الناس بهذه الآية على مشروعية الاستغاثة بالصالحين وجعلهم وسيلة بين الله تعالى وبين العباد، والقسم على الله تعالى بهم بأن يقال: اللهم إنا نقسم عليك بفلان أن تعطينا كذا، ومنهم من يقول للغائب أو الميت من عباد الله تعالى الصالحين: يا فلان، ادع الله تعالى ليرزقني كذا وكذا، ويزعمون أن ذلك من باب ابتغاء الوسيلة، ويروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور، أو فاستغيثوا بأهل القبور". وكل بعيد عن الحق بمراحل. ا. هـ
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسير الآية المذكورة: يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف عن المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) . قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس: أي القربة، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد. وقال قتادة: أي تقربوا إليه بطاعته، والعمل بما يرضيه. وقرأ ابن زيد: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) [الإسراء:57] .
وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه، وأنشد عليه ابن جرير قول الشاعر:
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا ... وعاد التصافي بيننا والوسائل
فلا دلالة في الآية إذن إلى ما ذهبوا إليه.
وأما استدلالهم بالسنة فالجواب عنه من وجهين:
الأول: استدلالهم بأحاديث صحيحة، ولكن لا دلالة فيها على مقصودهم، ونذكر أقوى حديثين مما تمسكوا به وهو حديثان:
ما رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا، فيسقون". وهذا حجة عليهم لا لهم، لأن هذا توسل بدعاء الرجل الصالح الحي الحاضر لا توسل بذاته.
وقد فصل هذا شيخ الإسلام فقال: وأما التوسل بدعائه وشفاعته كما قال عمر، فإنه توسل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس، ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس، فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له، فإنه مشروع دائماً فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان:
أحدها: التوسل بطاعته، فهذا لا يتم الإيمان إلا به.
والثاني: التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا كان في حياته، ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته.
الثالث: التوسل بمعنى الإقسام به، بمعنى الإقسام على الله بذاته، فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة، أو عن من ليس قوله حجة كما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى، وهذا هو الذي قال أبو حنيفة وأصحابه: إنه لا يجوز ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق، ولا يقول أحد أسألك بحق أنبيائك. ا. هـ
الثاني: حديث الأعمى ولا دلالة فيه، لأنه توسل بدعاء النبي لا بذاته، فقد رواه الترمذي والنسائي وأحمد ولفظ الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إن شئت دعوت لك، وإن شئت صبرت فهو خير لك، فقال: فادعه ... ".
وتمسكوا بأحاديث ضعيفة كحديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث ضعيف كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 11669.
وكذلك حديث: "توسلوا بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم". وهو حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 4416.
وكذا حديث عائشة حينما شكا إليها الصحابة القحط، فأمرتهم أن يعملوا من قبره كوة إلى السقف حتى لا يكون بينه وبين السماء حائل، ففعلوا فمطروا ... وهو حديث ضعيف، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 15071.
وبهذا يتبين أن أدلة المجيزين للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره إما لا دلالة فيها، وإما ضعيفة لا تصح.
وعمل الصحابة على خلاف ما ادعوه، والتوسل عبادة والأصل فيها الحظر والتوقف عنها حتى يرد الدليل الشرعي بذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد" متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: "فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" رواه مسلم.
وبهذا بطلت حجة المجيزين للتوسل وادعاؤهم الإجماع على جوازه.
وننبه إلى الفرق الواضح الجلي بين هذا التوسل المختلف فيه، وبين الاستغاثة الشركية المتفق على منعها، فالأول: سؤال لله تعالى بجاه أو حق خلقه، والثاني: سؤال للمخلوق والتجاء إليه، وهذا هو الشرك الصريح، وكثير من الناس يخلطون بين المسألتين، وقد مضى بيان ذلك في الفتوى رقم: 3835، والفتوى رقم: 3779.
وهذا اللبس الحاصل بين المسألتين مما يؤكد رجحان قول المانعين من التوسل، إضافة لما سبق من المرجحات، لأن القول بجوازه صار ذريعة للوقوع فيما هو متفق على منعه، وهو دعاء الميت والاستغاثة به وسؤاله تفريج الكربات وكشف الملمات، وقد جاءت الشريعة بحماية التوحيد، وسد الأبواب المفضية إلى الشرك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1423(1/706)
التوسل المشروع ... والتوسل الممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن التوسل، هل يجوز ذلك في الإسلام وخاصة في المذهب الشافعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التوسل قسمان: قسم مشروع وقسم ممنوع.
أما القسم المشروع: فثلاثة أنواع:
النوع الأول: التوسل بأسماء الله وصفاته قال تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وقال سبحانه وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ.
النوع الثاني: التوسل بالعمل الصالح، وفي ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين في قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم.
النوع الثالث: التوسل بدعاء العبد الصالح، وفي ذلك حديث عثمان بن أبي العاص في قصة الأعمى الذي توسل إلى الله بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال اللهم أني أتوسل إليك بنبيك ... فشفعه فيَّ رواه أبو داود وابن ماجه
فقوله "فشفعه في" يدل على أن المراد بتوسله هو التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم لا بذاته، ويدل على ذلك أيضاً أن عمر رضي الله عنه لما أصابهم القحط قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا، وإنّا نتوسل إليك اليوم بعم نبيك، ثم طلب من العباس أن يدعو فسقوا بإذن الله. كما روى ذلك البخاري، فلو كان المراد التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم لتوسلوا بذاته بعد موته، إذ أن شرفه صلى الله عليه وسلم وفضله ثابت له حياً وميتاً.
وأما القسم الممنوع فنوعان:
النوع الأول: التوسل البدعي: وهو التوسل بذوات الأنبياء والصالحين. والدليل على أنه بدعة، أن التوسل عبادة، والعبادة توقيفية لا يجوز فيها الإحداث، كما يدل على ذلك حديث عمر السابق، ومن العلماء من ذهب إلى جواز هذا النوع من التوسل، واستدلوا بحديث الأعمى السابق وغيره، ولكن الراجح هو القول الأول، وتقدم الجواب عن حديث الأعمى.
النوع الثاني: التوسل الشركي: وهو التوسل بتوجيه العبادات لغير الله كالدعاء والذبح والنذور ... ، ثم يقولون نفعل هذا ليشفعوا لنا عند الله، قال الله تعالى عن المشركين مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] ، وقال سبحانه عنهم وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه [يونس:18] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1423(1/707)
لايأثم من توسل بالمقبورين قبل البلوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كان عمري 7 سنوات كنت أعيش في بلد وكانوا يذهبون بي إلى أولياء صالحين في الجمهورية اليمنية في عدن وكانت الوالدة تأخذني إلى مسجد العيدروس الذي في عدن وكنا نزور هؤلاء الصالحين بقصد التضرع لنا إلى الله والآن أنا والعائلة في جدة عرفنا الجرم الذي حصل منا اتجاه الله سبحانه وتعالى هل يكون علي شي فيما مضى أفيدوني جزاكم الله تعالى خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.... أما بعد:
فإن زيارة القبور لأجل العبرة والدعاء لأصحابها أمر مشروع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة " رواه مسلم.
ولكن لا يجوز عند زيارة القبور أن نوجه الدعاء لأصحابها، أو نتبرك بها، أو نطوف حولها، أو ما شابه ذلك من الشركيات والبدع.
ولا شيء على من فعل ذلك قبل بلوغه لأن القلم مرفوع عنه، قال صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاث: وذكر منهم ... الصبي حتى يحتلم " رواه أبو داود.
ولكن عليك أن تعلم أهلك أن ما حصل منهم لا يجوز، وأنه يجب عليهم التوبة منه والاستغفار، ومن تاب تاب الله عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1423(1/708)
ما ذكر عن عائشة في شأن الاستسقاء بقبر النبي صلى الله عليه وسلم باطل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك في سيرة السيدة عائشة حديث دل على التبرك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك من أجل الاستسقاء بأن جاء إليها بعض الصحابة فقالوا ادعي لنا فقالت (بما معناه) خيموا على قبر رسول الله وادعو. فكانت النتيجة أن أمطروا. جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكر باطل لا يصح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، يقول شيخ الإسلام في رسالته التي رد فيها على البكري: وأما ما ذكر من أن أهل المدينة شكوا إلى عائشة فأمرتهم أن يعملوا من قبره كوة إلى السقف حتى لا يكون بينه وبين السماء حائل، ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب، وسمنت الإبل، وتفتقت شحما، فسمي عام الفتيق، فقد ذكر هذا فيما أظن محمد بن الحسن بن زبالة فيما صنفه في أخبار المدينة، وجوابه من وجهين:
أحدهما: أن هذا محمد بن زبالة ضعيف لا يحتج به، والثابت عن الصحابة باتفاق أهل العلم أنهم كانوا إذا استسقوا دعو الله، إما في المسجد، وإما في الصحراء، وهذا الاستسقاء المشروع باتفاق أهل العلم، فإنهم اتفقوا على دعاء الله واستغفاره… إلى آخر كلامه رحمه الله، وبه يعلم أن الأثر ضعيف ولا يصح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1423(1/709)
معاني التوسل بالأضرحة ... والبديل المشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التوسل بالأضرحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتوسل بالأضرحة يراد به معنيان:
الأول: دعاء أصحابها والاستغاثة بهم في الشدائد، والفزع إليهم في النوائب، وغير ذلك من ألوان العبادات، كالطواف والنذر والذبح لها، وهذا من الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام، وذلك لما فيه من عبادة غير الله تعالى.
الثاني: دعاء الله بجاه أصحابها، كأن يقول: اللهم اغفر لي بجاه فلان، أو بحق فلان، وهذا توسل بدعي، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم.
والتوسل المشروع هو التوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أو توسل الإنسان بعمله الصالح، أو بدعاء الرجل الحي الصالح، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 4414، والفتوى رقم: 3835.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1423(1/710)
المناداة بـ (يا رسول الله) الجائز....والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز القول بـ يا رسول الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقول الشخص: (يا رسول الله) لا يخلو من أربع حالات أساسية:
الأولى: أن يقصد الاستغاثة به، كأن يقول: (يا رسول الله فرج همي، أو هبني العافية ونحو ذلك، وهذا شرك، لأنه دعاء لغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ومعلوم أن الدعاء عبادة، كما قال الله تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) [غافر:60] وعند الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الدعاء هو العبادة"
وما دام الدعاء عبادة، فصرفه لغير الله شرك، كما قال تعالى: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) أي يدعون معه غيره بعد أن أخلصوا الدعاء له وهم في البحر.
والحالة الثانية: أن يقصد التوسل، كأن يقول: (يا رسول الله اشفع لي، أو توسط لي إلى ربك أن يفرج همي ويكشف غمي ونحو ذلك، وهذا نوع من التوسل الممنوع، قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: (التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يتوسل بالإيمان به واتباعه، وهذا جائز في حياته وبعد مماته.
القسم الثاني: أن يتوسل بدعائه، أي بأن يطلب منه صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، فهذا جائز في حياته لا بعد مماته، لأنه بعد مماته متعذر.
القسم الثالث: أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله، فهذا لا يجوز لا في حياته ولا بعد مماته، لأنه ليس من عمله، فإذا قال قائل: جئت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عنده قبره وسألته أن يستغفر لي أو أن يشفع لي عند الله فهل يجوز ذلك أو لا؟ قلنا: لا يجوز، فإذا قال: أليس الله يقول: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) [النساء:64] قلنا له: بلى. إن الله يقول ذلك، ولكنه يقول: (ولو أنهم إذ ظلموا) وإذ هذه ظرف لما مضى من الزمان، وليست ظرفا للمستقبل، لم يقل الله: ولو أنهم إذا ظلموا، بل قال: إذ ظلموا. فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، واستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته أمر متعذر، لأنه إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" فلا يمكن الإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد، بل ولا يستغفر لنفسه أيضاً، لأن العمل انقطع. ا. هـ
الحالة الثالثة: أن يناديه ليصلي عليه ويسلم، كأن يقول الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، ونحو ذلك فهذه مستحبة.
الحالة الرابعة: أن يناديه على سبيل الندبة، وهي: مناداة الميت بذكر محاسنه، وذكر ما حدث بعد فقده من مساوئ، ونحو ذلك، كأن يقول: يا رسول الله لقد أصلحت البشرية وهديتها، فلو ترى ماذا حصل بعدك!! ونحو ذلك، فلا حرج، بشرط ألا يصحب ذلك رفع الصوت بالبكاء أو شق الجيوب، ونحو ذلك، لأنه يصير بذلك نياحة وهي محرمة. فإن قال قائل: ورد في الحديث "كل نادبة كاذبة، إلا نادبة حمزة" وندب الرسول صلى الله عليه وسلم أولى. فالجواب: إن هذا الحديث ضعيف، ولو صح ففي آخره ما يدل على نسخه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قام على المنبر من الغد فنهى عن النياحة كأشد ما نهى عن شيء قط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1423(1/711)
التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ... بين المنع والجواز
[السُّؤَالُ]
ـ[1-السلام عليكم ورحمة الله ونشكر لكم هذاالبرنامج أريد أن أسأل أولاً عن المسئول عن الإفتاء في هذا البرنامج من هو؟ وما اسمه؟
2-السؤال هل آدم حين قال له ربه: يا آدم اهبط أنت وزوجك. قال: يا رب بجاه حبيبك محمد فقال له ربه كيف عرفت أني سأرسل نبيا اسمه محمد؟ قال قرأت على عرش السموات أنه مكتوب عليها أشهد أن لا إله إلا لله وأن محمداً رسول الله فعرفت أنه أحب الخلق إليك. فهل هذا الكلام صحيح؟ وإن كان صحيحا لماذا يقولون أن الإنسان محرم أن يدعو بغير الله ولوكان سيدنا محمد وهل يجوز للمرأة أن تذهب وتزور القبورهل هومحرم زيارة القبور أفيدونا أفادكم الله وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما أشار إليه السائل من قصة آدم عليه الصلاة والسلام، وسؤاله لربه بجاه محمد، أخرج القاضي عياض في الشفا مثله، وهو أن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة قال: اللهم بحق محمد اغفر لي خطيئتي.. إلى آخر الحديث.
وهذا الحديث ضعيف عند أهل العلم بالحديث، لأن مداره على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف، فالحديث إذن لا يصلح للاحتجاج على جواز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم.
والتوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، أو بجاهه، أو بحقه، مختلف فيه بين العلماء، فذهب أكثر الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى جوازه، واحتجوا بأحاديث لا يصلح شيء منها للاحتجاج، إذ هي بين الضعيف والموضوع، كما احتجوا أيضاً بعمومات من القرآن، وبأحاديث صحيحة، لكنها ليست نصاً على ما ذهبوا إليه من جواز التوسل المذكور.
أما من ذهب إلى المنع من هذا النوع من التوسل فحجته أنه لم يرد نص صحيح صريح يبيحه، وأن جاه النبي صلى عليه وسلم ومنزلته ليست من عمل الإنسان، والله تعالى يقول: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) [النجم:39] ومن أدلتهم أيضاً على منعه أنه وسيلة إلى الاستغاثة بغير الله تعالى، واعتقاد نفعه وضره، وهذا مفض إلى الشرك، ووسيلة إليه، بالإضافة إلى أن هذا لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من عمل الصحابة، ولا التابعين بعده.
والراجح عندنا هو القول الأخير لقوة أدلة القائلين به، ولكون التوسل من باب الدعاء، والدعاء عبادة، والعبادة توقيفية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1422(1/712)
الاحتفاظ بأمتعة الميت وثيابه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد:
فإن لي أبا شيخا كنت أحبه ويحبني وكنت أزوره في كل سنة زيارة تدوم شهرا لأني كنت مغتربا.
فلما انتقل إلى جوار ربه زرته أيضا ووقفت على قبره. ولما عدت إلى البلد الذي أقيم فيه منذ ما يناهز
ثلاثة عقود كنت قد حملت معي قلنسوة كان يلبسها أبي في حياته كما حملت المئزر الذي غسل فيه
أثناء وفاته وقد غسلته بنفسي واحتفظت به في بيتي تارة أفترشه وتارة أخرى أضعه في مكان طاهر.
والسؤال:
ما حكم الشريعة في الاحتفاظ بثياب الميت والمئزر الذي غسل فيه علما بأن هذه الأمتعة كلها قد نظفت تنظيفا دقيقا بعد الوفاة؟
وشكرا على الإجابة
... ... ... ... ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز الاحتفاظ بثياب الميت، وأمتعته والانتفاع بها، ما لم يكن الاحتفاظ بها لأجل التبرك بها؛ إذ لا يشرع التبرك إلا بآثار النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من الناس مهما بلغ صلاحه.
كما يجوز التصرف فيها بجميع أنواع التصرف من بيع وإجارة وهبةٍ وتصدق، وللورثة أن يقتسموا هذه الثياب لدخولها في تركة الميت، وأن يتنازلوا عنها لمن شاؤوا. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1421(1/713)
التوسل ... المشروع منه والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء بجاه حق النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يجوز في الدعاء إدخال الرسول كواسطة لإجابة الدعاء.
2) هل الولي تظهر له روح النبي صلىالله عليه وسلم ككرامة فتفتح بصيرته.
3) كيف نفرق بين الولي والمدعي.
4) ما حكم الدين في الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم واقامته في كل مناسبة، بحيث إذا أرادوا شكر الله أو الاحتفال بمناسبة معينة، كزواج أو سابع مولود، اقاموا المولد، وما هو الرد على القائل بأن المولد إنما هي لتذكير الناس بسيرة الرسول. أرجو الرد سريعاً، إذا أمكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدعاء من أجلّ القرب وأعظم العبادات، بل هو العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم. والعبادة مبناها على التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لقوله: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه.
وقوله: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم.
وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى الأسباب المؤدية إلى قبول الدعاء كرفع اليدين، وإقبال القلب، وتكرار الدعاء، وتحري الأوقات الفاضلة كثلث الليل وبين الأذان والإقامة وغير ذلك، ولم ينقل عن نبينا صلى الله عليه وسلم بسند صحيح أنه أرشد أمته إلى التوسل بجاهه أو حقه، مع القطع والجزم بأن جاهه ومنزلته عند ربه فوق منزلة جميع ولد آدم.
ولا نُقل عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم مع حرصهم على الخير ومسارعتهم إليه، وكثرة دعائهم وتضرعهم أنه قال في دعائه: اللهم إني أتوسل إليك بحق محمد صلى الله عليه وسلم أو بجاهه، فعلم بهذا أنه ليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من أمر أصحابه، بل عدل الصحابة عن ذلك إلى التوسل بعمه العباس رضي الله عنه كما روى البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون. وهذا دليل على أنهم كانوا يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فلما توفاه الله توسلوا بالعباس رضي الله عنه، ولا يقال: إن هذا لضرورة فعل الصلاة ودعاء الاستسقاء، لأنا نقول: قد كان بالإمكان أن يصلي عمر أو غيره ثم يتوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه، فلما لم يكن شيء من ذلك، دل على أن الخير في غيره، وأن الشرع على خلافه.
وهكذا توسل الأعمى برسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو توسل بدعائه لا بذاته، لقوله صلى الله عليه وسلم له: "إن شئت دعوت لك، وإن شئت صبرتَ فهو خير لك"، فقال: فادعه… الحديث رواه النسائي والترمذي وأحمد وهذا لفظ الترمذي.
وعند أحمد: "إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك، وإن شئت دعوت لك" ولقول الأعمى في دعائه: اللهم فشفعه في، فعلم بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وشفع إلى الله فيه.
وأما حديث: "توسلوا إلى الله بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم" فهو حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح أيضا ما جاء في توسل آدم عله السلام بحق محمد صلى الله عليه وسلم.
والتوسل المشروع:
1- التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، كأن يقول: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق. أو اللهم إنا نسألك بأنك أنت الواحد الأحد.
2- التوسل إلى الله بالعمل الصالح، كما في قصة أصحاب الغار، الذين آواهم المبيت إلى غار في جبل، فانحدرت صخرة فسدت عليهم الغار فتوسل كل واحد منهم إلى الله بعمل صالح عمله، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون، كما ثبت ذلك في الحديث الطويل المتفق عليه، وهذا ملخص معناه.
أما ظهور روح النبي صلى الله عليه وسلم للولي، وجعل ذلك من الكرامات، فهذا لا أصل له في الشرع، وسادة الأولياء هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والعشرة المبشرون وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان، ولم ينقل عن واحد منهم حرف واحد في ظهور روح النبي صلى الله عليه وسلم له، ولا اجتماعه به بعد وفاته، إلا أن تكون رؤيا منام، فهذا لا نزاع في إمكانه وحصوله لبعض الناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة"، وفي رواية: "فقد رأى الحق"، وفي أخرى: "فإن الشيطان لا يتمثل بي" الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وما يعتقده بعض الجهال من حضور النبي صلى الله عليه وسلم إلى اجتماعاتهم ومجالسهم، وقيامهم له، انحراف ظاهر، وأعظم منه دعوى بعضهم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، فإن هذا خلاف الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فإن الموتى إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة لا في الدنيا، كما قال تعالى: (ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) [المؤمنون: 15، 16] .
وقال ابن حزم في مراتب الإجماع: واتفقوا أن محمداً عليه السلام وجميع أصحابه لا يرجعون إلى الدنيا إلا حين يبعثون مع جميع الناس (أ. هـ.) .
ومن تأمل حال سادات الأولياء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم علم الفرق بين الولاية وبين الشعوذة والخرافة، ولو كان ثم أحد يمكن أن يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ليرشده أو يفتح بصيرته ـ كما في السؤال ـ لكان أولى الناس بذلك أصحابه، لا سيما في أوقات الشدة والمحن، كاختلافهم في القبلة، وتنازعهم في خلافة عثمان رضي الله عنه، وبعد في خلافة علي.
وها هو عمر رضي الله عنه يقول: ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا بهن عهدا ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا. متفق عليه.
فلو كان صلى الله عليه وسلم يظهر لأحد بعد موته لظهر لعمر الفاروق رضي الله عنه، ولفقه عمر رضي الله عنه لم يتمن رؤيا منام يتلقى فيها هذه الأحكام، كما يدعيه بعض المتصوفة من أخذهم الأذكار والأوراد وعهود الطريق عن طريق المنام واليقظة، أما اليقظة فقد مضى ما فيها، وأما المنام فلا يؤخذ منه حكم شرعي على ما قرره أهل العلم، والله أعلم.
الفرق بين الولي والدعي:
المفهوم الشرعي لكلمة (ولي الله) يتجلى واضحاً في قوله تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون) [يونس: 62، 63] فكل من كان مؤمنا تقيا فهو من أولياء الله تعالى. وليست الولاية محصورة في أشخاص معينين، ولا يشترط لحصولها وقوع الكرامة. قال القرطبي: قال علماؤنا رحمهم الله: ومن أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات، وخوارق للعادات فليس ذلك دالاً على ولايته، خلافاً لبعض الصوفية والرافضة، حيث قالوا: إن ذلك يدل على أنه ولي، إذ لو لم يكن ولياً ما أظهر الله على يديه ما أظهر، ودليلنا: أن العلم بأن الواحد منا ولي لله تعالى لا يصح إلا بعد العلم بأنه يموت مؤمناً، وإذا لم نعلم أنه يموت مؤمناً لم يمكنا أن نقطع على أنه ولي لله تعالى. وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه.." الحديث.
فطريق الولاية في الكتاب والسنة هو المحافظة على الفرائض والحرص على النوافل، والتحقق بمقامات الإيمان، والتزين بلباس التقوى.
وبهذا يعلم أن المجانين والفسقة والعصاة لا يدخلون في ذلك، وغاية المجنون أن يرفع عنه القلم، لا أن يكون ولياً، فضلاً عن أن يكشف عنه الحجاب، فإن الحجاب لا يكشف لأحد في الدنيا، والوحي لا يتنزل إلا على الأنبياء، وإذا كان الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء لم يكن هذا دليلاً على ولايته، فإن الخوارق تقع على يد الكافر والملحد والفاسق كما تقع على يد المؤمن. ولهذا قال الجنيد رحمه الله: علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب ولم يكتب الحديث، فلم يتفقه، فلا يقتدي به.
وقال:"الطرق كلها مسدودة عن الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته، لأن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه، وعلى المقتفين أثره والمتابعين.
وليس للولي أن يدعي الولاية لنفسه أو يشهد لها بذلك، فإن هذا من التزكية المذمومة.
كما أن من المفاهيم الباطلة حول الولاية ما يلي:
1- اعتقاد أن الولي يتصرف في الكون، ويجوز دعاؤه والاستغاثة به في الشدائد، واعتقاد هذا خروج عن الإسلام جملة، وقدح في الربوبية والألوهية.
2- اعتقاد عصمة الولي وأن الله لا يخلق له الخذلان الذي هو قدرة العصيان، كما يقول القشيري عفا الله عنه.
3- اعتقاد أن الولي يعلم الغيب، وأنه يغني عن نفسه وعن الخلق.
4- أو أن الولي يتطور ويظهر في أشكال مختلفة، فتارة تراه أسداً، وتارة تراه شيخاً، وتارة تراه صبياً. وأنه يوجد في أماكن مختلفة في وقت واحد، على ما هو مدون في كثير من الكتب المعنية بذكر أولياء الصوفية.
5- اعتقاد أن الولي يباح له مخالفة الشريعة، وأنه يجب التسليم له وعدم الإنكار عليه ولو ترك الجمع والجماعات، لأنه صاحب حال كما يقول الشعراني وغيره
6- اعتقاد أن الولاية تكون بيد الولي الكبير يعطيها لمن يشاء من أتباعه، وهذا ضلال لا يحتاج إلى إقامة الدليل على بطلانه.
7- اعتقاد أن للولاية خاتماً كما أن للنبوة خاتماً، كما قال بذلك الحكيم الترمذي وقد نفي من ترمذ بسبب كتابه: ختم الولاية، وحكم عليه بالكفر بذلك، وقد جاء بعده من ادعى أنه خاتم الأولياء أو ادعي له ذلك كابن عربي وأحمد التجاني وغيرهما.
8- اعتقاد أن الولي يمكنه سلب العلم والهداية من مخالفيه، وهذا داخل تحت اعتقادهم أنه يتصرف في الكون.
فهذه الاعتقادات الباطلة مما يعلم يقيناً أنها مخالفة للكتاب والسنة ولما عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وأنها سيل أولياء الشيطان لا أولياء الرحمن، والموفق من وفقه الله تعالى.
الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أو بمولد غيره من الناس لم يكن من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم ولا هدي أصحابه رضوان الله عليهم.
وقد تقرر إن العبادة مبناها على التوقيف، وأن الشرع ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن كل عبادة تركها النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي لها وعدم المانع من فعلها، فتركها سنة وفعلها بدعة مذمومة. وهذا أدق ضابط لتعريف البدعة.
أما المقتضي فهو محبة النبي صلى الله عليه وسلم، وشكر الله على وجوده ومولده وبعثته، أو إظهار الفرح بذلك أمام المشركين واليهود والنصارى كما يقوله البعض، فهذا كله كان موجوداً في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ثمة مانع من إقامة هذا الاحتفال في عصره أو في عصر الخلفاء الراشدين وهم يفتحون البلدان ويحاربون أهل الكفر التي تعظم رجالها وتحتفل بهم.
فلما لم يكن شيء من ذلك في عهدهم، لم يكن لأحد بعدهم إحداثه، والله اعلم.
أما التذكير بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون بتدريس هذه السيرة وشرحها والحديث عنها في المساجد ودور التعليم، وليس في سردها في ليلة أو ساعة، أو إنشادها على أنغام الأوتار المحرمة، أو ختمها بنقض التوحيد الذي يبعث به صلى الله عليه وسلم، والمراد بذلك الاستغاثة والتوجه بالدعاء إلى غير الله من نبي أو ولي.
وقانا الله وإياكم شر البدع والحوادث. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/714)
الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل به لم يرد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء بجاه حق النبي صلى الله عليه وسلم , وهل يجوز في الدعاء إدخال الرسول كواسطة لإجابة الدعاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدعاء من أجلّ القرب وأعظم العبادات، بل هو العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم. والعبادة مبناها على التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لقوله: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". متفق عليه.
وقوله: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم.
وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى الأسباب المؤدية إلى قبول الدعاء كرفع اليدين، وإقبال القلب، وتكرار الدعاء، وتحري الأوقات الفاضلة كثلث الليل وبين الأذان والإقامة وغير ذلك، ولم ينقل عن نبينا صلى الله عليه وسلم بسند صحيح أنه أرشد أمته إلى التوسل بجاهه أو حقه، مع القطع والجزم بأن جاهه ومنزلته عند ربه فوق منزلة جميع ولد آدم.
ولا نُقل عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم مع حرصهم على الخير ومسارعتهم إليه، وكثرة دعائهم وتضرعهم أنه قال في دعائه: اللهم إني أتوسل إليك بحق محمد صلى الله عليه وسلم أو بجاهه، فعلم بهذا أنه ليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من أمر أصحابه، بل عدل الصحابة عن ذلك إلى التوسل بعمه العباس رضي الله عنه كما روى البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون. وهذا دليل على أنهم كانوا يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فلما توفاه الله توسلوا بالعباس رضي الله عنه، ولا يقال: إن هذا لضرورة فعل الصلاة ودعاء الاستسقاء، لأنا نقول: قد كان بالإمكان أن يصلي عمر أو غيره ثم يتوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه، فلما لم يكن شيء من ذلك، دل على أن الخير في غيره، وأن الشرع على خلافه.
وهكذا توسل الأعمى برسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو توسل بدعائه لا بذاته، لقوله صلى الله عليه وسلم له: "إن شئت دعوت لك، وإن شئت صبرتَ فهو خير لك"، فقال: فادعه… الحديث رواه النسائي والترمذي وأحمد وهذا لفظ الترمذي.
وعند أحمد: "إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك، وإن شئت دعوت لك" ولقول الأعمى في دعائه: اللهم فشفعه في، فعلم بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وشفع إلى الله فيه.
وأما حديث: " توسلوا إلى الله بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم" فهو حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح أيضا ما جاء في توسل آدم عله السلام بحق محمد صلى الله عليه وسلم.
والتوسل المشروع:
1- التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، كأن يقول: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق. أو اللهم إنا نسألك بأنك أنت الواحد الأحد.
2- التوسل إلى الله بالعمل الصالح، كما في قصة أصحاب الغار، الذين آواهم المبيت إلى غار في جبل، فانحدرت صخرة فسدت عليهم الغار فتوسل كل واحد منهم إلى الله بعمل صالح عمله، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون، كما ثبت ذلك في الحديث الطويل المتفق عليه، وهذا ملخص معناه.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1422(1/715)
الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل به لم يرد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء بجاه حق النبي صلى الله عليه وسلم , وهل يجوز في الدعاء إدخال الرسول كواسطة لإجابة الدعاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدعاء من أجلّ القرب وأعظم العبادات، بل هو العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم. والعبادة مبناها على التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لقوله: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم.
وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى الأسباب المؤدية إلى قبول الدعاء كرفع اليدين، وإقبال القلب، وتكرار الدعاء، وتحري الأوقات الفاضلة كثلث الليل وبين الأذان والإقامة وغير ذلك، ولم ينقل عن نبينا صلى الله عليه وسلم بسند صحيح أنه أرشد أمته إلى التوسل بجاهه أو حقه، مع القطع والجزم بأن جاهه ومنزلته عند ربه فوق منزلة جميع ولد آدم.
ولا نُقل عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم -مع حرصهم على الخير ومسارعتهم إليه، وكثرة دعائهم وتضرعهم- أنه قال في دعائه: اللهم إني أتوسل إليك بحق محمد صلى الله عليه وسلم أو بجاهه، فعلم بهذا أنه ليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من أمر أصحابه، بل عدل الصحابة عن ذلك إلى التوسل بعمه العباس رضي الله عنه كما روى البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون. وهذا دليل على أنهم كانوا يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فلما توفاه الله توسلوا بالعباس رضي الله عنه، ولا يقال: إن هذا لضرورة فعل الصلاة ودعاء الاستسقاء، لأنا نقول: قد كان بالإمكان أن يصلي عمر أو غيره ثم يتوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه، فلما لم يكن شيء من ذلك، دل على أن الخير في غيره، وأن الشرع على خلافه.
وهكذا توسل الأعمى برسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو توسل بدعائه لا بذاته، لقوله صلى الله عليه وسلم له: "إن شئت دعوت لك، وإن شئت صبرتَ فهو خير لك"، فقال: فادعه… الحديث رواه النسائي والترمذي وأحمد وهذا لفظ الترمذي.
وعند أحمد: "إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك، وإن شئت دعوت لك" ولقول الأعمى في دعائه: اللهم فشفعه في، فعلم بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وشفع إلى الله فيه.
وأما حديث: " توسلوا إلى الله بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم" فهو حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح أيضا ما جاء في توسل آدم عليه السلام بحق محمد صلى الله عليه وسلم.
والتوسل المشروع:
1- التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، كأن يقول: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق. أو اللهم إنا نسألك بأنك أنت الواحد الأحد.
2- التوسل إلى الله بالعمل الصالح، كما في قصة أصحاب الغار، الذين آواهم المبيت إلى غار في جبل، فانحدرت صخرة فسدت عليهم الغار فتوسل كل واحد منهم إلى الله بعمل صالح عمله، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون، كما ثبت ذلك في الحديث الطويل المتفق عليه، وهذا ملخص معناه.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/716)
الفرق بين التوسل والاستغاثة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم.
ما المراد بالتوسل والاستغاثة؟ قيل إن هناك خلافا في حكمهما. أليس من الأفضل تحريمهما سدا للذريعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالاستغاثة هي طلب الغوث عند حصول شدة غالباً. والاستغاثة بالمخلوق فيما لا يملك الغوث فيه شرك نص على ذلك أهل العلم، لأن الاستغاثة إنما هي الدعاء، والدعاء عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى. قال الله تعالى: (ولا تدعُ من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين وإن يمسسك الله بضرٍ فلا كاشف له إلاّ هو وإن يردك بخيرٍ فلا رادَّ لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) [يونس: 106-107] . والتوسل بشيء هو جعله وسيلة إلى الغرض المطلوب، والتوسل إلى الله تعالى أنواع منها ما هو مشروع بالاتفاق ومنها ما هو مختلف فيه. فالتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته وبأعمال العبد الصالحة كمحبة الله تعالى وتوكله عليه وطاعته له وعبادته له جائز بل مشروع مستحب باتفاق أهل العلم دلّت عليه نصوص الشرع الكثيرة الصحيحة الصريحة. أما التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء أو بوليٍ صالح فمختلف فيه بين أهل العلم، فأجازته طائفة لحديث الأعمى المشهور المعروف، ومنعته طائفة على أساس أنه وسيلة للشرك كما ذكرت. ومما لا خلاف في منعه من هذا النوع من التوسل أن يكون المتوسل يعتقد أن الله سبحانه وتعالى لن يقضي له حاجته إلاّ إذا توسل إليه بجاه فلان أو نحو ذلك. وننصح الجميع ونقول لهم إن فيما شرعه الله تعالى من التوسل مما اتفقت عليه هذه الأمة غنىً عما سوى ذلك مما لا يجوز أو مما هو مختلف فيه.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/717)
أنواع التوحيد في حديث (واعلم أن الأمة لو اجتمعت..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي في التوحيد.. سؤالي هو: ما نوع التوحيد الذي دلت عليه جمل هذا الحديث (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك) ، (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) ؟ نفعنا الله بعلمكم.. وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث يدل على توحيد الربوبية وعلى الإيمان بالقدر، وقد ذكره بعض شراح الطحاوية وشراح مقدمة رسالة ابن أبي زيد في الاستدلال لمسألة الإيمان بالقدر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1430(1/718)
الإبل خلقت من الشياطين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف خلق الجمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإبل خلقت من الشياطين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الإبل خلقت من الشياطين. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني وغيره.
ولم نقف على الكيفية التي خلقت بها، ومعلوم أن كل شيء في هذا الكون خلق بأمر الله تعالى وقوله له كن فيكون، قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {يس:82} ،
ولمزيد من الفائدة عن الإبل انظر الفتوى رقم: 34584.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1430(1/719)
سبب استثناء يأجوج ومأجوج وهم كفار
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في فضل الاستثناء (قول إن شاء الله) فضائل عدة ولها قصص عدة أقصد ما حدث مع الرسول – صلى الله عليه وسلم - عندما سئل عن الفتية ... ومع سليمان – عليه السلام - عند تطوافه على نسائه ولم يستثنِ ... والآن قرأت أن قوم يأجوج ومأجوج يحفرون السد حتى إذا أوشكوا على نقبه غابت الشمس فيقول الذي عليهم غدا تعودون فتحفرونه ولم يستثن فيعودون ليجدوه أشد مما كان حتى إذا جاء الموعد قالوا غدا تعودون فتحفرونه ويستثنون فيجدونه كما كان فيكملونه ويخرجون.
السؤال كيف يستثنون وهم من الكفرة؟ أليس هذا عجيبا؟ أريد إجابة مقنعة في ذلك. وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القصص التي ذكرتها عن الاستثناء كلها صحيحة، فأولاها وردت في كتاب الله، وعوتب عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقول الله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ {الكهف:23-24} .
والقصة التي نسبت إلى سليمان عليه السلام قد وردت في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال سليمان بن داود نبي الله: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كلهن تأتي بغلام يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه أو الملك: قل: إن شاء الله، فلم يقل ونسي، فلم تأت واحدة من نسائه؛ إلا واحدة جاءت بشق غلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركا له في حاجته.
كما أن قصة يأجوج ومأجوج وردت في حديث صحيح، أخرجه الترمذي وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في السد قال: يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا، فيعيده الله كأشد ما كان، حتى إذا بلغ مدتهم، وأراد الله أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا إن شاء الله واستثنى، قال: فيرجعون فيجدونه كهيئته حين تركوه فيخرقونه فيخرجون على الناس.
واعلم أن استثناءهم وهم كفار ليس فيه ما يُستغرب، فكثير من الكفار موحدون توحيد الربوبية، ويعتقدون أنه لا شيء في هذا الكون إلا بإرادة الله وإذنه ومشيئته، ولكن لهم أوجها أخرى من الكفر. فقد حكى الله تعالى عن بعض الكفار وما اتخذوه من دونه من أولياء، قال: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى {الزمر:3} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1428(1/720)
التوحيد وتسحير الكون للإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أبعاد التوحيد وتسخير الكون للإنسان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله خلق عباده ليوحدوه ويعبدوه ويخلفوه في الأرض بإقامة دينه واعلاء كلمته كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذريات:56} . وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً {البقرة: 30} . وقد سخر لهم مافي السماوات وما في الأرض من شمس وقمر وليل ونهار وحيوانات ونباتات ومعادن ليستعينوا بها على طاعته وعلمهم وهداهم للانتفاع بهذه الأشياء، وقد أعطى هذه النعم كلها ليسلم وينقاد له كما قال تعالى في ختام الحديث عن النعم بعد ذكر المأكولات والملبوسات والمركوبات والمشروبات والمنكوحات والمسكونات في سورة النحل التي يسميها بعض العلماء سورة الامتتان، قال في ختام الحديث عن النعم: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل: 81} . وقال تعالى آمرا بالعبادة مذكرا بالنعم التي خلقها لنا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ {البقرة: 22} . وقال تعالى داعيا للتأمل في تسخير ما في السماء والأرض لعباده: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً {لقمان: 20} . وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 723، 48855، 60360، 55970. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1426(1/721)
المشركون.. وتوحيد الربوبية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو معرفة ما جاء من الأثر (أي أقوال السلف خاصة الصحابة والقرون المفضلة) في بيان أن المشركين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا موحدين توحيد الربوبية
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الله تعالى أن المشركين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا موحدين توحيد الربوبية.
قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان: 25] .
وقال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: يقول الله تعالى مقررا أنه لا إله إلا هو، لأن المشركين الذين يعبدون معه غيره معترفون بأنه المستقل بخلق السماوات والأرض والشمس والقمر وتسخير الليل والنهار، وأنه الخالق الرازق لعباده، ومقدر آجالهم واختلافها واختلاف أرزاقهم، فَتفاوت بينهم، فمنهم الغني ومنهم الفقير، وهو العليم بما يصلح كلاً منهم ومن يستحق الغنى ممن يستحق الفقر، فذكر أنه المستقل بخلق الأشياء، المتفرد بتدبيرها، فإذا كان الأمر كذلك، فلم يُعبد غيره؟ ولم يتوكل على غيره؟ فكما أنه الواحد في ملكه، فليكن الواحد في عبادته.
وكثيرا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراض بتوحيد الربوبية، وقد كان المشركون يعترفون بذلك، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك؛ إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك.. انتهى.
كما قال ابن كثير أيضا عند تفسير قوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106] .
قال ابن عباس: من إيمانهم أنهم إذا قيل لهم: من خلق السموات ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، وهم مشركون به، وكذا قال مجاهد وعطاء وعكرمة والشعبي وقتادة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1424(1/722)
توحيد الربوبية يتحقق باتباع نهج القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نحقق توحيد الربوبية في حياتنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتوحيد الربوبية هو توحيد المعرفة والإثبات أي معرفة أن الله تعالى هو رب المخلوقات وخالقها ورازقها والمدبر لشؤنها، وأنه تعالى القادر على كل شيء، أحاط بكل شيء علماً، ووسع كل شيء رحمة وحلماً، وأنه القاهر فوق عباده، وأنه تعالى المتفرد بذلك لا شريك له ولا ند ولا مثيل، دلت على ذلك آياته في الآفاق وفي الأنفس، وصدق من قال:
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد.
فطريق تحقيق توحيد الربوبية وتثبيته في النفوس هو منهج القرآن الذي يقود إلى النظر ويأمر به، ويجعل توحيد الألوهية من مقتضى الإيمان بتوحيد الربوبية، وإليك بعض الآيات الدالة على ذلك:
1- قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام:75] ، فطريق اليقين والإيمان هو النظر في ملكوت السماوات والأرض.
2- وقال الله تعالى في الآية رقم 259 في سورة البقرة بعد أن ذكر قصة الرجل الذي مر على القرية: فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259] ، قال الإمام القرطبي في تفسيره: قال الطبري: المعنى في قوله فلما تبين له أي اتضح له عياناً ما كان مستنكراً في قدرة الله عنده. ثم أورد قولاً آخر ورجحه وهو: أنه أخبر عن نفسه عندما عاين من قدرة الله تعالى في إحيائه الموتى فتيقن ذلك بالمشاهدة فأقر أنه يعلم أن الله على كل شيء قدير. انتهى، وننصح بالرجوع إلى تفسير الإمام القرطبي والإمام ابن كثير عند هذه الآية، ولولا الإطالة لنقلنا من كلامهما حول الآية ما تطرب له العقول وتذعن له القلوب.
3- وقول الله تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:101] .
4- وقول الله تعالى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:185] .
5- وقوله تعالى: إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ* وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ* وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الجاثية:3-4-5] .
وفي هذه الآيات يخبرنا الله جل شأنه أن في السموات والأرض والمخلوقات والليل والنهار والأمطار والثمار والرياح آيات وعلامات دالة على ربوبيته، وقد عقب الله على آيات سورة الجاثية بقوله تعالى: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية:6] .
6- وقوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً..... [عبس:25] .
7- وقوله تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ...... [الغاشية:18] .
8- وقوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ [الطارق:6] .
فالنظر في آيات الله هو طريق تحقيق توحيد الربوبية، ولذا فعلى العبد أن لا يغفل عن التدبر والتأمل في آيات الله تعالى، وقد أورد الإمام ابن كثير بعض الأثار في تفسير قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران:190] .
قال الشيخ أبو سليمان الداراني: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة ولي فيه عبرة. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل والاعتبار، وعن الحسن البصري أنه قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.، وقال الفضيل قال الحسن: الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك.
وقال سفيان بن عيينه: الفكرة نور يدخل قلبك، وربما تمثل بهذا البيت:
إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كل شيء له عبرة ... ألخ، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية:
25708، 16146، 18262.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1424(1/723)
جواب شبهة حول خلق الله تعالى للكون
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من إنكار كامل لوجود الله وخلقه لكل شيء، حيث أرى أنه قد لا يكون الله هو الذى خلق الكون وأن إلها آخر غيره هو الذي خلقه، فما الدليل العلمي الذي يبطل هذه الشبهة، أرجوكم أجيبوني سريعا عن هذا السؤال الخطير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن أظهر حقائق الوجود وأثبتها وأصحها هي وجود الله تعالى الخالق البارئ المصور، ولا يستطيع إنكار ذلك أو حتى الشك فيها عاقل منصف، وحسبنا في ذلك آية واحدة من كتاب الله، تكفي مريد الحق لرفع الشك والريب، فهذا جبير بن مطعم كان كافراً، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فلما بلغ هذه الآية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ. قال: كاد قلبي أن يطير. رواه البخاري.
فكان سماعه لهذا الآيات الكريمات سبباً في إسلامه وهدايته، وكاد قلبه أن يطير من حسن هذا البيان وروعته، وفصاحته وبلاغته، ومن وضوح الحجة وسطوع الحق، فإن معناها: أم خلقوا من غير خالق، وذلك لا يجوز؛ فلا بد لهم من خالق، وإذا أنكروا الخالق فهم الخالقون لأنفسهم، وذلك في الفساد والبطلان أشد؛ لأن ما لا وجود له كيف يخلق؟! وإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا، ثم قال: أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ. أي إن جاز لهم أن يدعوا خلق أنفسهم فليدعوا خلق السماوات والأرض، وذلك لا يمكنهم، فقامت الحجة، ثم قال: (بَلْ لَا يُوقِنُونَ) فذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان، وهو عدم اليقين. وعلى أية حال فقد سبق لنا بيان الأدلة المتلوة والمرئية على وجود الله جل جلاله، والرد على الشاك في وجوده، في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 103949، 75468، 48913، 22055، 22279، 100160، 52377.
ويبقى بعد ذلك خصوص الشبهة التي ذكرها السائل -هداه الله ووفقه وشرح صدره وألهمه رشده- وهي تدور حول إمكانية مشاركة غير الله له في الخلق، وقد تولى القرآن الحكيم جواب ذلك بأوجز لفظ وأحسن بيان، في ما يعرف عند المنطقيين بدليل التمانع، ونحن نعرض ذلك من خلال ثلاثة مواضع من كتاب الله المجيد:
الموضع الأول: قوله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {الأنبياء: 22} ، قال ابن كثير: أي لو قُدِّر تعدد الآلهة، لانفرد كل منهم بما يخلق، فما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق، كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض، في غاية الكمال "مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ" ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض. والمتكلمون ذكروا هذا المعنى وعبروا عنه بدليل التمانع، وهو أنه لو فرض صانعان فصاعدا، فأراد واحد تحريك جسم وأراد الآخر سكونه، فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين، والواجب لا يكون عاجزًا، ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد. وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد، فيكون محالا فأما إن حصل مراد أحدهما دون الآخر، كان الغالب هو الواجب، والآخر المغلوب ممكنًا؛ لأنه لا يليق بصفة الواجب أن يكون مقهورا؛ ولهذا قال: وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. انتهى.
وقال السعدي: بيان ذلك: أن العالم العلوي والسفلي على ما يرى في أكمل ما يكون من الصلاح والانتظام، الذي ما فيه خلل ولا عيب، ولا ممانعة ولا معارضة، فدل ذلك على أن مدبره واحد، وربه واحد، وإلهه واحد، فلو كان له مدبران وربان أو أكثر من ذلك، لاختل نظامه، وتقوضت أركانه فإنهما يتمانعان ويتعارضان، وإذا أراد أحدهما تدبير شيء وأراد الآخر عدمه، فإنه محال وجود مرادهما معا، ووجود مراد أحدهما دون الآخر يدل على عجز الآخر، وعدم اقتداره واتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور، غير ممكن، فإذًا يتعين أن القاهر الذي يوجد مراده وحده، من غير ممانع ولا مدافع، هو الله الواحد القهار. انتهى.
وقال صاحب (الظلال) : الكون قائم على الناموس الواحد الذي يربط بين أجزائه جميعاً؛ وينسق بين أجزائه جميعاً؛ وبين حركات هذه الأجزاء وحركة المجموع المنظم.. هذا الناموس الواحد من صنع إرادة واحدة لإله واحد. فلو تعددت الذوات لتعددت الإرادات. ولتعددت النواميس تبعاً لها، فالإرادة مظهر الذات المريدة. والناموس مظهر الإرادة النافذة، ولانعدمت الوحدة التي تنسق الجهاز الكوني كله، وتوحد منهجه واتجاهه وسلوكه؛ ولوقع الاضطراب والفساد تبعاً لفقدان التناسق.. هذا التناسق الملحوظ الذي لا ينكره أشد الملحدين لأنه واقع محسوس. انتهى.
الموضع الثاني: قوله سبحانه: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {المؤمنون:91-92} ، قال السعدي: أي: لو كان معه آلهة كما يقولون {لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} أي: لانفرد كل واحد من الإلهين بمخلوقاته، واستقل بها، ولحرص على ممانعة الآخر ومغالبته، {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} فالغالب يكون هو الإله، وإلا فمع التمانع لا يمكن وجود العالم، ولا يتصور أن ينتظم هذا الانتظام المدهش للعقول، واعتبر ذلك بالشمس والقمر والكواكب الثابتة والسيارة، فإنها منذ خلقت وهي تجري على نظام واحد، وترتيب واحد، كلها مسخرة بالقدرة، مدبرة بالحكمة لمصالح الخلق كلهم، ليست مقصورة على مصلحة أحد دون أحد، ولن ترى فيها خللا ولا تناقضا، ولا معارضة في أدنى تصرف، فهل يتصور أن يكون ذلك تقدير إلهين ربين. {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} قد نطقت بلسان حالها، وأفهمت ببديع أشكالها، أن المدبر لها إله واحد كامل الأسماء والصفات، قد افتقرت إليه جميع المخلوقات، في ربوبيته لها، وفي إلهيته لها، فكما لا وجود لها ولا دوام إلا بربوبيته، كذلك، لا صلاح لها ولا قوام إلا بعبادته وإفراده بالطاعة. انتهى.
الموضع الثالث: قوله تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا * قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا * تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا. {الإسراء:42-43-44} .
قال السعدي: يخبر تعالى أنه صرَّف لعباده في هذا القرآن أي: نوَّع الأحكام ووضحها، وأكثر من الأدلة والبراهين على ما دعا إليه، ووعظ وذكر لأجل أن يتذكروا ما ينفعهم فيسلكوه، وما يضرهم فيدعوه. ولكن أبى أكثر الناس إلا نفورا عن آيات الله لبغضهم للحق ومحبتهم ما كانوا عليه من الباطل، حتى تعصبوا لباطلهم ولم يعيروا آيات الله لهم سمعا ولا ألقوا لها بالا. ومن أعظم ما صرف فيه الآيات والأدلة التوحيد الذي هو أصل الأصول، فأمر به ونهى عن ضده، وأقام عليه من الحجج العقلية والنقلية شيئا كثيرا، بحيث من أصغى إلى بعضها لا تدع في قلبه شكا ولا ريبا. ومن الأدلة على ذلك هذا الدليل العقلي الذي ذكره هنا فقال: ... قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا. أي: لطلبوا السبيل وسعوا في مغالبة الله تعالى، فإما أن يعلوا عليه فيكون من علا وقهر هو الرب الإله، فأما وقد علموا أنهم يقرون أن آلهتهم التي يعبدون من دون الله مقهورة مغلوبة ليس لها من الأمر شيء فلم اتخذوها وهي بهذه الحال؟ فيكون هذا كقوله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى} أي: تقدس وتنزه وعلت أوصافه {عَمَّا يَقُولُونَ} من الشرك به واتخاذ الأنداد معه {عُلُوًّا كَبِيرًا} فعلا قدره وعظم وجلت كبرياؤه التي لا تقادر أن يكون معه آلهة فقد ضل من قال ذلك ضلالا مبينا وظلم ظلما كبيرا. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(1/724)
الرد على من يشك في أن الله تعالى هو خالق الكون
[السُّؤَالُ]
ـ[أواجه شبهة في منتهى الخطورة وهى أنني أشك في أن الله هو خالق هذا الكون وأن إلها آخر غيره هو الذي خلقه. فأرجوكم أفتوني بالدليل الذي يبطل هذه الشبهة ويبعدها عن نفسي تماما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يهدي قلبك وأن يلهمك رشدك، وهذا الشك الذي يدور بعقلك هو من وساوس الشيطان، فالمشركون الذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعتقدون أن الله هو الخالق لهم وللكون ولكل شيء وإنما كان شركهم في صرف أنواع من العبادة لغير الله لتقربهم إلى الله، فكيف بك وأنت تنتمي إلى الإسلام ونشأت على الإسلام؟! وقد ذكر الله سبحانه هذا في كتابه في مواضع كثيرة منها: قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ. {العنكبوت:61} . وقال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. {العنكبوت:63} . وقال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ. {الزخرف:87} .
ثم هناك سؤال لابد منه وقد سأله الله مستنكرا على من لم يشكر نعمة الله عليه ولم يوحده سبحانه، فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ. {فاطر:3} . فمن شك في أن الله سبحانه هو الخالق، فما جوابه على هذا السؤال؟ وما هي صفة هذا الخالق المزعوم من دون الله عز وجل؟! هل له رسائل إلى خلقه ليعرفهم بنفسه أم خلق الخلق وتوارى واعتزل؟
ثم لماذا الشك هل هناك أي شبهة عقلية ولو من بعيد على وجود إله آخر خالق لهذا الكون غير الله، ما هو برهان ودليل من يدعي ذلك، قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ. {الأنبياء:16-24} .
فالمعنى: لو كان فيهما آلهة موصوفة بأنها غير الله لَفسدتَا، فامتنع أن يكون هناك شريك. يقول الله تعالى: قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً. {الإسراء: 42} .
الحق - سبحانه وتعالى - يعطينا القسمة العقلية في القرآن: فلنفرض جدلاً أن هناك آلهة أخرى: قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً.. {الإسراء: 42} أي: لو حدث هذا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً. {الإسراء: 42} .
السبيل: الطريق، أي طلبوا طريقاً إلى ذي العرش أي: إلى الله، لماذا؟ إما ليجادلوه ويصاولوه، كيف أنه أخذ الألوهية من خلف ظهورهم، وإمّا ليتقربوا إليه ويأخذوا ألوهية من باطنه، وقوة في ظل قوته، كما أعطى الله تعالى قوة فاعلة للنار مثلاً من باطن قوته تعالى، فالنار لا تعمل من نفسها، ولكن الفاعل الحقيقي هو الذي خلق النار، بدليل أنه لو أراد سبحانه لَسِلَبها هذه القدرة، كما جاء في قول الحق سبحانه وتعالى: قُلْنَا يانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ. {الأنبياء: 69} .
وقوله: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ... {المؤمنون: 91} وهذه الآية الكريمة وأمثالها تثبت أنه سبحانه موجود وواحد.
لكن، لماذا تفسد السماء والأرض إنْ كان فيهما آلهة غير الله؟
قالوا: لأنك في هذه المسألة أمام أمرين: إما أن تكون هذه الآلهة مستوية في صفات الكمال، أو واحد له صفات الكمال والآخر له صفة نقص. فإنْ كان لهم صفات الكمال، اتفقوا على خَلْق الأشياء أم اختلفوا؟
إنْ كانوا متفقين على خَلْق شيء، فهذا تكرار لا مُبرِّر له، فواحد سيخلق، والآخر لا عملَ له، ولا يجتمع مؤثران على أثر واحد.
فإن اختلفوا على الخَلْق: يقول أحدهم: هذه لي. ويقول الآخر: هذه لي، فقد علا بعضهم على بعض.
أما إنْ كان لأحدهم صفة الكمال، وللآخر صفة النقص، فصاحب النقص لا يصحّ أن يكونَ إلهاً. وهكذا الحق - سبحانه وتعالى - يُصرِّف لنا الأمثال ويُوضِّحها ليجلي هذه الحقيقة بالعقل وبالنقل: لا إله إلا الله، واتخاذ آلهة معه سبحانه أمر باطل. انتهى من تفسير الشيخ الشعراوي.
فاستعذ بالله أيها الأخ الكريم، وتذكر قول الرسل لأقوامهم: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. {إبراهيم: 10} . وخير وسيلة لمقاومة هذه الشبهات هي اللجوء إلى الله أن يهدي قلبك ويثبته على الإيمان، والإكثار من قول لا إله إلا الله مخلصا من قلبك لتذوق حلاوة الإيمان ويندفع عنك الشيطان، وعليك بالصحبة الصالحة المؤمنة وعليك بالعلم والقراءة ففي العلم أعظم علاج لتبديد ظلام الشبهات وتثبيت حقائق الإيمان وسوف نحيلك على بعض المراجع والفتاوى لتزداد علما، ومن ذلك:
كتاب مختصر معارج القبول للشيخ هشام عقدة، من أول: إثبات ذاته تعالى (البراهين على وجود الله عز وجل) وما بعدها من صفحات. ويمكنك تحميل الكتاب من هذا الرابط:
http://www.saaid.net/book/5/816.zip
كتاب: للكون إله، قراءة في كتابي الله المنظور والمسطور، تأليف: د. صبري الدمرداش، ويمكنك تحميل الكتاب من هذا الرابط:
http://www.archive.org/download/llkwon/LLKWN.pdf
كتاب: "الفيزياء ووجود الخالق " للدكتور جعفر شيخ إدريس ويمكنك تحميل نسخة منه من هذا الرابط:
http://www.saaid.net/book/9/2368.zip
كتب الشيخ عبد المجيد الزنداني ومنها: "إنه الحق، كتاب التوحيد، توحيد الخالق، البينة العلمية في القرآن، بينات الرسالة، رَسَائِل تَثبيت الإيمَان- طريق الإيمان (1) ، رَسَائِل تَثبيت الإيمَان - طريق الإيمان (2) علم الإيمان " ويمكنك تحميل نسخة منها من هذا الرابط:
http://www.saaid.net/book/9/2337.zip.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 52377، 22081، 39560، 53031، 122213.
ونسأل الله أن يهديك ويثبت قلبك على الإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(1/725)
التعريف بالرب جل جلاله
[السُّؤَالُ]
ـ[من ربك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا السؤال من أهم الأسئلة التي يتعين الاهتمام بها لتعلقه بأسئلة القبر، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الأصول الثلاثة كلاما مختصرا في هذا الأمر فقال: فإذا قيل لك من ربك؟ فقل ربي الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه وهو معبودي ليس لي معبود سواه. والدليل قوله تعالى: الحمد لله رب العالمين.
وقد عرف الله نفسه في القرآن بصفاته فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:21، 22} .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {النساء:1}
وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {الأعراف:54}
ويجب على المسلم أن يؤمن بربوبية الله وألوهيته وأسمائه وصفاته، وعليه أن يتفقه في ذلك فإن العلم بذلك هو الفقه الأكبر كما سماه بعض السلف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1430(1/726)
الشرك الخفي وحكم تقديم المصالح الدنيوية على الأوامر الربانية
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه للمسلمين، وإني أحبكم في الله.. لأن الشرك أخطر ما يمكن أن يقع فيه المسلم، ولأن الله تعالى من الممكن أن يغفر كل شيء إلا الشرك، فأرجو الإجابة الشافية الكافية على سؤالي التالي: لقد اطلعت على الفتوى رقم 7386 للتعريف بأنواع الشرك، وأردت أن أسأل: هل من الممكن فهم الشرك الأكبر على أنه صرف أي صفة من صفات الله تعالى (كالشافي والرزاق والضار النافع والناصر) لأحد من خلقه؟ فمثلا عندما يعتقد الرجل في الطبيب أنه هو الشافي لابنه؟ ويقول "لولا ذهبنا لهذا الطبيب لما شفي ابني"؟ وفي صفة الرزاق اعتقاد الرجل أن مديره في العمل هو مصدر زرقه، وأنه إذا فصله من العمل "سيقطع عيشه"؟ وهكذا في سائر صفات الله تعالي بما فيها صفات العبودية كالنذر والذبح لغير الله تعالى لأن من أسماء الله تعالى الإله، والإله لا تصرف العبادات إلا له؟ فهل من الممكن جعل أي شرك في أسماء الله تعالى وما لا يقدر عليه إلا الله شركا أكبر؟ وهل تقديم وتفضيل الشخص لشيء من الدنيا على أوامر الله تعالى يعتبر شركا؟ مثل استيقاظ الرجل للعمل لا لصلاة الفجر؟ وتقديمه في أثناء اليوم عمله على صلاة الجماعة؟ أم تفضيل الدنيا من الأشياء التي يقع فيها المرء ضعفا منه ولا تعتبر شركا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قول القائل لولا الطبيب لما شفي ابني وإسناد الشفاء والرزق للخلق يعتبر من الشرك الخفي وهو نوع من الشرك الأصغر، فقد روى ابن أبي حاتم بسند جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ {البقرة:165} ، قال: الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل وهو أن تقول والله وحياتك يلا فلانة وحياتي وتقول لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص ... انتهى. وفي المسألة تفصيل ذكرناه في الفتوى رقم: 16150.
وأما تقديم المصالح الدنيوية على الأوامر الربانية فلا يصل درجة الشرك، ولكن التفريط في الأوامر يدل على ضعف إيمان العبد، ومن العلماء من كفر تارك الصلاة عمداً، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 103984.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1429(1/727)
المقصود بالحاكمية وهل تعد قسما رابعا من أقسام التوحيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحاكمية؟ وما قولكم في من يجعل الحاكمية قسما رابعا للتوحيد؟
بارك الله بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقصد بالحاكمية عند من يطلقها أمر الحكم والتشريع فيعنون بتوحيد الحاكمية إفراد الله تعالى بالحكم فهو الذي يحكم وحده لا معقب لحكمه، قال سبحانه: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ {الرعد: 41} وقال: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ {يوسف: 67} وقد سبق أن بينا أنه في الأصل يدخل في توحيد الربوبية وإنما أفرد لأهميته في هذا العصر، وما دام قد تبين المراد به ومغزى إفراده فلا حرج في إطلاقه أو جعله قسما رابعا بهذا الاعتبار، وتراجع الفتوى رقم: 16146.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1428(1/728)
هل هناك مخلوقات فضائية
[السُّؤَالُ]
ـ[أود سؤال حضرتكم عن موضوع المخلوقات الفضائية.. هل ذكرت في القرآن أو السنة هل هناك فعلا مخلوقات فضائية إذا كان الجواب نعم.. لماذا لم تذكر في القرآن أو السنة وإذا كان الجواب لا فمن أين أتت هذه العبارة \"المخلوقات الفضائية \" وما رأيكم بالذين يقولون بأن هذه المخلوقات هي التي خلقت الإنسان بشكل يشبهها بواسطة DNA وهي التي ساعدت الفراعنة في بناء الأهرامات وبأنها قوة خارقة أدت إلى وجود البشرية والصور لهذه المخلوقات التي نراها على الإنترنت، هل هي حقيقية أم نسج من الخيال وما الهدف بإقناع الناس بوجودها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الذي خلق الإنسان من عدم وصوره ونفخ فيه من روحه، وأحكم صنع هذا الكون بما فيه من عجائب قادر على إيجاد مخلوقات فضائية، وقد دل القرآن الكريم على وجود مخلوقات ليست معلومة لدى البشرية في عصر النبوة، ودل كذلك على دور الاكتشافات العلمية، وأن لكل خبر موعداً سيظهر فيه، يقول جل من قائل: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {النحل:8} ، ويقول: لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ {الأنعام:67} .
ووردت في القرآن آيات تشير إلى وجود دواب في السماوات والأرض، منها قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ {الشورى:29} ، قال بعض العلماء إن لفظ (دابة) يدل على أنها مخلوقات غير الملائكة لأن الله عز وجل فرق بين الدواب والملائكة في الذكر في قوله: وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {النحل:49} ، فذكر دواب السماوات ودواب الأرض ثم أخر ذكر الملائكة.
وبمثل هذه الآيات ذكر بعض أهل العلم أنه لا مانع من أن تكون هذه إشارة إلى وجود عوالم أخرى، ولكن لا ينبغي القطع بمثل هذا، لأن مثل هذه الآيات تحتمل أكثر من وجه من التأويل.
وأما القول بأن هذه المخلوقات هي التي خلقت الإنسان بشكل يشبهها بواسطه DNA، وبأنها قوة خارقة أدت إلى وجود البشرية، فإن هذا في الحقيقة قول باطل مناف لما يجب اعتقاده.
ذلك أن أبا البشرية هو آدم عليه السلام، وقد خلقه الله تعالى من طين، ثم جعل ذريته بعد ذلك تتكاثر بواسطة النطف، مروراً بمراحل قصها الله علينا في محكم كتابه، حيث يقول: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {المؤمنون:12-13-14} .
ثم إن الطريقة التي بنى بها الفراعنة الأهرامات ومن ساعدهم في ذلك، هي من المسائل المجهولة التي لم يرد لها خبر يصلح للاستدلال، فالصواب للمسلم أن يبتعد عن الخوض فيها، لأنه لا يتوقف على معرفتها شيء من أمور الدنيا أو الآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1427(1/729)
حكم التمعن في ملكوت الله على الطريقة البوذية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التدبر والتمعن في ملكوت الله على الطريقة البوذية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يتعين عليه أن يحرص على متابعة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والسلف الصالح في جميع أموره، ففي ذلك غنية عن اتباع البوذيين في طريقتهم، فعلى المسلم أن يكثر من التأمل في آيات الله المتلوة التي تتحدث عن الله تعالى، ويتأمل في الآيات الكونية والنعم المبثوثة في الكون ويستدل بها على ربوبيته وألوهيته، وقد سبق أن فصلنا الحديث في ذلك في الفتوى رقم: 30404 // والفتوى رقم: 6342.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(1/730)
هل عاشت الأرواح في الأرض قبل خلق الأجساد
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لي أحد الشباب المثقفين بأنه سمع أحد العلماء على إحدى القنوات الفضائية يقول بأن الله سبحانه وتعالى قد خلق الأرواح أولا وعاشت في الأرض ثم خلق الأجساد.. ودليل ذلك أن الإنسان أحيانا تمر عليه أحداث أو حوادث ما فيشعر أنه قد رآها من قبل.... وذلك لأن روحه قد مرت بهذه الحادثة من قبل.. فأفيدوني بالجواب الدقيق لكي أخبره به وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه أخبرنا في محكم كتابه أنه لما خلق أبانا آدم عليه السلام أخذ العهد على ذريته أن يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئا. قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ {الأعراف: 172-173} .
وقد روى ابن كثير في تفسيره لهذه الآية أن ابن عباس قال: إن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وتكفل لهم بالأرزاق، ثم أعادهم في صلبه فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به نفعه الميثاق الأول، ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يقر به لم ينفعه الميثاق الأول، ومن مات صغيرا قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة.
وليس معنى هذا أن الناس عاشوا وشاهدوا من أمور الحياة ما يشاهدونه في حياتهم اليوم أو ما أشبه ذلك، وربما يكون الشخص يفكر في أمر أو يتخيله أو يتمناه فيحصل ذلك الأمر وقد نسيه فيخيل إليه أن هذا الأمر وهذا الموقف مر عليه من قبل وليس معنى ذلك أنه شاهده بالفعل قبل ذلك.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1426(1/731)
غير الله لا يملك لغيره نفعا ولا ضرا
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: بعد ما أكملت حجي هذا العام ورجعت إلى بلدي فتحت أمتعتي بعد فترة ووجدت إحدى حصى رمي الجمرات بداخل الكيس الذي زودتنا به الحملة لم أستعملها، وكنت قد أخذت بعضاً من الحصى على سبيل الاحتياط حسب ما أوصونا به مرافقونا من شيوخ الدين، وقد من الله علي برمي جميع الجمرات كاملة، وهذه الحصاة قد نسيتها داخل الكيس سهواً ولم أعرف بوجودها إلا في بلدي، هل علي إثم من إحضار هذه الحصاة معي دون علمي، وكيف لي التصرف فيها، وهل حسب ما يقوله بعض الناس من أن من أحضر معه أي شيء من الحرم يصيبه مكروه ما، أفيدوني أفادكم الله، فالموضوع يؤرقني جداً جداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا إثم عليك في بقاء تلك الحصاة في حقيبتك ولك أن تفعلي بها ما تشائين من رميها أو الانتفاع بها، وما سمعته من بعض الناس لا أصل له بل الواجب على المسلم اعتقاد أن الأمر كله بيد الله تعالى، وأن غير الله لا يملك لغيره نفعاً ولا ضراً، قال الله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا [الفرقان:3] .
هذا إضافة إلى أن ما يصيب الإنسان من مكروه قد قدره الله تعالى قبل خلق الإنسان، قال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22] .
وفي وصيته صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي والإمام أحمد في المسند.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(1/732)
الله خالق الخير والشر والليل والنهار والموت والحياة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكننا القول بأن الخير والشر والموت والحياة والليل والنهار كلها مخلوقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل ما ذكر في السؤال مخلوق؛ لورود الأدلة على ذلك إجمالا وتفصيلا:
أما إجمالا فلقوله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ {الزمر:62}
وقوله: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات:96}
وقوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} .
وأما تفصيلا فقد قال الله سبحانه عن الموت والحياة: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2}
وقال عن الليل والنهار وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {الأنبياء:33}
وقال عن الخير والشر: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ الأنبياء {الأنبياء:35}
وقال: وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا {النساء:78}
وفي حديث جبريل عليه السلام لما قال للنبي عليه الصلاة والسلام: فأخبرني عن الإيمان. قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره " رواه مسلم
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 60951.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1430(1/733)
عالم الذر وعالم الأرواح
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد انتشرت مؤخرا في المنتديات هذه المقولة فما مدى صحتها في الكتاب والسنة، قبل ان يخلق الله تعالى الأجساد خلق الأرواح وعاشت هذه الأرواح في عالم اسمه عالم الذر عالم الأرواح، ومن هناك كان تعامل هذه الأرواح مع بعضها البعض، فمن ترتاحين له يكون بالنسبة لك ارتياح في عالم الذر السابق والعكس صحيح، أنت تشعرين أنك تعرفين هذا الشخص ومتأكدة أنك رأيته في مكان ما ولكن الحقيقه أنك ترينه أول مرة، ولكن بعالم الذر سبق وأن تعاملت معه لذلك كل إنسان أنت تشعرين بأنك تعرفينه أو ترتاحين له فقد سبق لك بعالم الذر أن شعرت به كهذا الشعور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأرواح خلقت قبل الأجساد، وعالم الأرواح أعم من عالم الذر، فإن المراد بعالم الذر: الأرواح التي أخرجها الله من ظهر آدم وأخذ عليها العهد بتوحيده. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 99223.
وما يكون بين الناس من تآلف أو تنافر علله بعض أهل العلم بما جرى من التعارف بين الأرواح في عالم الذر، كما سبقت الإشارة إليه في الفتوى رقم: 73351.
وهذا أحد الأوجه التي ذكرها أهل العلم في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. متفق عليه.
فقد ذكر ابن حجر في فتح الباري والسيوطي في شرح الصدور أنه قيل: المراد الإخبار عن بدء الخلق على ما ورد أن الأرواح خلقت قبل الأجساد بألفي عام فكانت تلتقي فتتشامّ، فلما حلت الأجساد تعارفت بالمعنى الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم. انتهى..
وقد سبق بيان معنى هذا الحديث في الفتوى رقم: 99898.
وروى ابن عبد البر في التمهيد عن عبد الله بن مسعود قال: الأرواح جنود مجندة، تتلاقى في الهواء فتتشام كما تتشام الخيل، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، ولو أن مؤمنا جاء إلى مجلس فيه مائة منافق ليس فيه إلا مؤمن واحد لقيض له حتى يجلس إليه. انتهى.
وذكر أبو القاسم الأصفهاني في محاضرات الأدباء عن الحسين بن علي رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب قال: ثلاث لم أسأل عنهن رسول الله فقال علي: وما هن؟ قال عمر: حب الرجل الرجل لم يجر بينهما خلطة ولا معرفة، فأنى ذلك؟ .... فقال علي: أما ما ذكرت من حب الرجل الرجل لم تجر بينهما خلطة ولا معرفة فإن الله خلق الأرواح قبل الأجساد فتلتقي الأرواح على سبب بين السماء والأرض، فتتشام كما تتشام الخيل فما تعارف ثمَّ ائتلف هنا.... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1430(1/734)
الحياة على الكواكب الأخرى في منظار الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لقد نشط فى الصحف الغربية والعربية منذ التسعينات وحتى الوقت الحالى ما يدعونه بالمخلوقات الفضائية، والحياة على الكواكب الأخرى، وممن أكد ذلك أو يحاول تأكيده وكالة ناسا الفضائية التى تشير إلى وجود الحياة على الكواكب الأخرى، فهل يوجد لهذا الكلام سند صحيح من الكتاب والسنة؟ أرجو من سيادتكم إخباري بكل ما يتعلق بهذا الموضوع من الجانب الديني الإسلامي حتى تتضح الرؤية لكثير من الناس؟
وفى الختام خالص تحياتى على المجهود الرائع المبذول فى خدمة الدين الإسلامي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد في الكتاب ولا السنة من الأدلة ما يمنع وجود حياة على الكواكب الأخرى أو يثبته.
وقد سبقت لنا فتاوى في هذا الشأن، فراجع الفتويين رقمي: 8620، 4170.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1430(1/735)
الشرك الخفي وحكم تقديم المصالح الدنيوية على الأوامر الربانية
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه للمسلمين، وإني أحبكم في الله.. لأن الشرك أخطر ما يمكن أن يقع فيه المسلم، ولأن الله تعالى من الممكن أن يغفر كل شيء إلا الشرك، فأرجو الإجابة الشافية الكافية على سؤالي التالي: لقد اطلعت على الفتوى رقم 7386 للتعريف بأنواع الشرك، وأردت أن أسأل: هل من الممكن فهم الشرك الأكبر على أنه صرف أي صفة من صفات الله تعالى (كالشافي والرزاق والضار النافع والناصر) لأحد من خلقه؟ فمثلا عندما يعتقد الرجل في الطبيب أنه هو الشافي لابنه؟ ويقول "لولا ذهبنا لهذا الطبيب لما شفي ابني"؟ وفي صفة الرزاق اعتقاد الرجل أن مديره في العمل هو مصدر زرقه، وأنه إذا فصله من العمل "سيقطع عيشه"؟ وهكذا في سائر صفات الله تعالي بما فيها صفات العبودية كالنذر والذبح لغير الله تعالى لأن من أسماء الله تعالى الإله، والإله لا تصرف العبادات إلا له؟ فهل من الممكن جعل أي شرك في أسماء الله تعالى وما لا يقدر عليه إلا الله شركا أكبر؟ وهل تقديم وتفضيل الشخص لشيء من الدنيا على أوامر الله تعالى يعتبر شركا؟ مثل استيقاظ الرجل للعمل لا لصلاة الفجر؟ وتقديمه في أثناء اليوم عمله على صلاة الجماعة؟ أم تفضيل الدنيا من الأشياء التي يقع فيها المرء ضعفا منه ولا تعتبر شركا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قول القائل لولا الطبيب لما شفي ابني وإسناد الشفاء والرزق للخلق يعتبر من الشرك الخفي وهو نوع من الشرك الأصغر، فقد روى ابن أبي حاتم بسند جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ {البقرة:165} ، قال: الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل وهو أن تقول والله وحياتك يلا فلانة وحياتي وتقول لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص ... انتهى. وفي المسألة تفصيل ذكرناه في الفتوى رقم: 16150.
وأما تقديم المصالح الدنيوية على الأوامر الربانية فلا يصل درجة الشرك، ولكن التفريط في الأوامر يدل على ضعف إيمان العبد، ومن العلماء من كفر تارك الصلاة عمداً، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 103984.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1429(1/736)
الرسائل التي يدعى أنها تقضى بها الحوائج ويطلب نشرها
[السُّؤَالُ]
ـ[فلدي أكثر من سؤال عن قضية واحدة, وأتمنى أن تكتبوا عنها أيضا موضوعا لأنها بدأت تنتشر وبكثرة في وطننا العربي, وأرجو أن أعلم ما حكم موقفي وتعاملي مع كل موضوع ...
أولا, أنا كشاب مسلم قلت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله, وحضرت دروسا في حصة التربية الإسلامية عن العقيدة, تعاملي مع هذه القضية أنني فقط مسلم ولست عالما مسلما, فلا أكفر وأخرج الأحكام لأن الحكم لله تعالى والرسول مبلغا عن ربه, وأن الإسلام جاء ليحرر عقول الناس من الخرافات والجهل والعبودية إلى العلم والإيمان ... وأتمنى أن توضح لي الموضوع لأنني أخاف أن أكون قد تعاملت مع إحداها بطريقة خاطئة ...
تأتينا عادة الرسائل على الإنترنت في ثلاثة هيئئات (التي تخص الشريعة) ...
الأولى: شخص رأى في المنام أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أو صحابي أو صحابية (رضوان الله عليهم) وأخبره وحدثه مثلا أن يقول كلمة معين عشرون مرة فيحدث له شيء جميل الخ, وبدون سند أو حتى حديث يدل على ذلك.
وإحدى الأمثلة: رجل من الصالحين قال كلمة وبعد سنة عاد وقالها, فالملائكة مند أن قال الرجل الكلمة أول مرة لم تنته بعد من كتابتها حتى بعد سنة ...
أنا لا أعلم هل هذا صحيح أو غير صحيح, ولكن طالما لا أجد حديثا أو سندا أتأكد منه فلماذا أؤمن به , أين مصدره؟ هل هذا صحيح أم أنني مخطئ.
وأيضا الرسول أكمل وأتم دينه (ورضيت لكم الإسلام دينا) صدق الله العظيم, فلماذا أعتقد حتى لو أن ذاك الشاب كان قد رأى ذلك الحلم حقيقة أن علي إتباع حلم شخص لا أعلمه وحتى إذا رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أتم رسالته.
هل هذا صحيح, أم أنني مخطئ.
الثالثة: الرسالة إدا بعثتها يصيبك خير وإذا لم تبعثها يصيبك شر ...
والمصيبة في الموضوع قام أحد أصدقائي ببعثها لي, فتقول الرسالة تمنى أمنية ثم أقرأ القصيدة وستتحقق أمنيتك!!!
رددت على صديقي أن هذه الرسالة خطيرة, لأن من يرزق الإنسان , وأيضا من يستجيب دعاءه ويحقق أماني الإنسان هو الله عز وجل (في حين أن توكل عليه وسعى بجد) إنشاء الله ...
وأخبرته أن هذه الرسالة "قد" تؤدي إلى الكفر (ولم أكفر لأن هناك شروطا للتكفير ولأن هدا عائد لله سبجانه وتعالى) , في حين أن أعتقد أن هذه الرسالة ستحقق الأماني وستجلب له المنفعة وإذا ما بعثها ستجلب له الضر ...
ولكن للأسف صديقي لم يهتم وأخد يبعث لي المزيد من هذه الرسائل ولا أعلم إن كان يصدقها أو لا يصدقها, هذا أمر راجع له وبينه وبين الله عز وجل....
وآسف على الإطالة, ولكن ئتمنى لو أنك تستطيع إيضاح حكم هذه الرسائل الثلاث, وإن كنت قد أخطأت في التعامل مع هذه الثلاثة الرسائل حتى أصحح خطئي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القول بأن قراءة أو إرسال شيء ما تقضي به الحوائج، وأن من لم يرسله يلحقه ضرر يعتبر من الخطأ البين، وقد تكلمنا على مثل هذه المرائي وعلى الذكر الذي قاله أحد السلف.
في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13304، 2026، 80963.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1429(1/737)
يوم الأحد هل هو أول يوم خلقه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي الأحباء سمعت بعض الناس يقول إن أول يوم خلقه الله هو يوم الأحد وسمعت البعض الآخر يقول يوم الجمعة والمشكلة أن ليس عند أحد منهم الدلائل على صحة ما يتقدمون به فسؤاله ما هو أول يوم خلقه الله وما هي الدلائل على هذا وأنا بحتث ولم أجد شيئا وعلى رأيي فهذه الأمور لا يعلمها إلا الله وهي من أمور الغيب.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم دليلا من نصوص الوحي يحدد أول يوم خلقه الله تعالى، ولكنه ثبت ما يدل على أن بداية خلق السماوات والأرض كان يوم الأحد. وراجع الفتوى رقم: 35560.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1429(1/738)
مسألة حول الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[تعقيبًا على الإجابات التي أوردتموها بشأن الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض، أقول وبالله التوفيق: إن المرجع عند الاختلاف في دلالة كلمة هو لغة العرب، والقرآن كتاب مبين لا لبس فيه ويخاطب العقول بما تعي وتفهم، ولو كان المقصود ستة عصور أو أطوار كما ذكر بعض العلماء، فإنه لن يحددها بستة فقط، بل سيجعلها في نطاق علم الغيب الذي اختص ربنا بعلمه، كما ذكر عزوجل عن عدد أصحاب الكهف، فمعنى ستة أيام التي تكررت مرارا في القرآن الكريم هي ستة أيام من أيام الدنيا وهي الأيام التي نعرفها،
وأما الإشكال الذي قيل في أن الله قادر أن يخلقها بـ (كن) في لمح في البصر، فالجواب: أن الله خلق السماوات والأرض بـ (كن) والإنسان بـ (كن) والدواب بـ (كن) والزرع بـ (كن) ، وإنما وقت الخلق وانفعاله يمضي حسب المقدر له، فالله خلق الإنسان بـ (كن) ويستغرق خلقه تسعة أشهر ليتم خلقه، والله خلق الحيوان بـ (كن) ويستغرق زمنًا معينًا حسب كل كائن وكذلك كل المخلوقات.
إن الله الذي يخلق الإنسان في تسعة أشهر تزيد أو تنقص، هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ليدلك على أن الزمن لا يعيق طلاقة القدرة وإنما الحكمة والتقدير وفوق كل ذي عليم عليم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على الاتصال بنا ونرحب بتعليقاتك ونفيدك أن المسألة قد ذكرنا الأقوال فيها في عدة فتاوى سابقة، وذكرنا أن اليوم يطلق في اللغة على ما بين طلوع الشمس وغروبها، ويطلق على مدة من الزمان ومنه أيام الحرب، وهي تشمل زمنا طويلا شهرا وأكثر.
ولكن مما يؤيد أن المراد بالأيام ليس الأيام العادية المعروفة عندنا الآن أن اليوم العادي إنما نشأ من دوران الأرض حول نفسها في دورتها العادية.
والحديث عن خلق السماوات والأرض كان سابقا لهذا النظام الذي توجد به أرض تدور حول نفسها وحول الشمس.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 22344، 35560، 96985.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1429(1/739)
هل خلقت الأرواح قبل الأجساد
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ... } ، هل الروح التي ينفخها الملك يخلقها الله في تلك اللحظة أم أنها خلقت قبل ذلك وتوجد في عالم الأرواح، وما هو الفرق بين عالم الأرواح وعالم الذر، وما معنى كلمة الذر؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الأرواح قبل الأجساد، وعالم الأرواح أعم من عالم الذر، لأن المراد بعالم الذر الأرواح التي أخرجها الله من ظهر آدم وأخذ عليها العهد بتوحيده.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فظاهر كلام ابن القيم والشوكاني أن الأرواح كانت مخلوقة قبل دخول النطف في الأرحام، ومعنى كلمة الذر: النمل، والمراد بعالم الذر الأرواح التي أخرجها الله من ظهر أبينا آدم عليه الصلاة والسلام، حيث أخرجها كالذر أي كالنمل وأخذ عليهم الميثاق بتوحيده وعبادته فقال: ألست بربكم، قالوا: بلى ... فالأرواح كانت مخلوقة قبل أخذ الميثاق، ولا شك أن أخذ الميثاق تم قبل دخول الأرواح في أجسامها في الأرحام كما هو ظاهر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(1/740)
الحكمة من خلق الحيوان والنبات قبل الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد خلق الله الحيوانات والنبات والجماد منذ ملايين السنين قبل خلق الإنسان لماذا خلقت وما هو دورها في ذلك الزمن؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الله عز وجل لم يخلق هذا الكون عبثاً، وإنما خلقه لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، وفي صحيح مسلم أن الحيوان والنبات وغيرها خلقت قبل آدم عليه السلام، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 20193.
وخلق هذه الأشياء المذكورة وغيرها قبل خلق الإنسان لا شك أن له حكما جليلة.. علمها من علمها وجهلها من جهلها، ولعل من هذه الحكم أن الله عز وجل لما خلق الإنسان لعبادته وحده لا شريك له وكرمه على سائر مخلوقاته وجعل الكون كله في خدمته، كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {الإسراء:70} ، هيأ له الأرض وقدر فيها أقواتها وبث فيها الدواب.... ليكون ذلك كله في خدمة الإنسان المكرم حتى يؤدي الوظيفة التي من أجلها خلق وهي عبادة الله تعالى، وشأن الكريم أن يهيئ الإكرام لمن يريد إكرامه قبل قدومه، والله سبحانة وتعالى الذي كرم الإنسان هو أكرم الأكرمين.
يقول في محكم كتابه: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً {البقرة:29} ، قال أهل التفسير: خلقه للانتفاع والاعتبار والاختبار.. ويقول تعالى: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ {الجاثية:13} ، ويقول تعالى: وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ {الرحمن:10} ، فتهيئة الأرض للسكنى وخلق هذه الأشياء قبل خلق الإنسان هي من باب التكريم الذي خص الله تعالى به الإنسان، ينضاف إلى هذا أن هذه الأشياء كلها تسبح بحمد الله تعالى فهي في نفسها عابدة لله، قال الله تعالى: وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا {الإسراء:44} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1427(1/741)
أول مخلوقات الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذه الأسئلة صحيحة، وأرجو تفسير لماذا، من فضلكم أرجو الرد بسرعة، الله يبارك فيكم
س1: ما هو أول شيء خلقه الله سبحانه وتعالى؟ ج: القلم، ليرسم به السماوات والأرض والشمس و.....
س2: بماذا قتل قابيل أخوه هابيل؟ ج: بفك حمار (فك أسنان جمجمة حمار)
س3: ما هي خطيئة النبي نوح عليه السلام طوال حياته؟ ج: أنه نظر إلى كلب وقال في داخله ما أقبح هذا الكلب فرد الله عليه بما معناه (اخلق أفضل منه إن استطعت)
س4: ما هو الشيء الذي خلق من حجر ومن حفظ من الحجر ومن هلك بالحجر؟ ج: الشيء الذي خلق من الحجر هو ناقة صالح، ومن حفظ بالحجر أهل الكهف ومن هلك بالحجر جيش إبرهة الحبشي.
س5: من هم أكثر الأقوام فجورا وأقبحهم وأخبثهم، الذين أوجدوا فاحشه لم يسبق لها مثيل؟ ج: هم قوم لوط لم يسبقهم أحد لها هي تركهم لما أحل الله لهم من النساء تركوا النساء ولم يتزوجوهن وفعلوا الفواحش مع الذكور.
س6: من هو النبي الذي قال والله لأعاشر في هذه الليلة 50 امرأه (زوجاته) والـ50 ولد الذين سيحملن بهم سيكونون في طاعة الله ... لم يرزق إلا بولد واحد ودون أطراف (رجل وأيدي) ؟ ج: إنه سيدنا سليمان عليه السلام لأنه لم يقل كلمة إن شاء الله.
س7: من هو النبي الذي لا يزال على قيد الحياة ولم يمت؟ ج: سيدنا عيسى عليه السلام لم يمت بل رفع إلى السماء.
س8: من هو النبي الذي قبضت روحه في السماء؟ ج: سيدنا إدريس عليه السلام.
س9: نحن نعلم أن مناسك الحج كلها متعلقة بحياة سيدنا إبراهيم عليه السلام وما فعله من أعمال، ولكن ما هي قصه رمي الجمرات الصغرى الوسطى الكبرى؟ ج: إنه عندما كان إبراهيم مع ابنه إسماعيل ذاهبا لأداء ما أمرهم الله به وهو قتل إسماعيل كان الشيطان يخرج لسيدنا إبراهيم ليوسوس له ليمتنع عن قتل ابنه وليعزز مكانه ابنهم ولا يستطيع قتله وفي كل مرة يخرج الشيطان ليوسوس كان سيدنا إبراهيم يرميه بالحجر في المرة الأولى والثانية والثالثة وبعدها لم يخرج.
س10: ما هو الشيء الذي خلقه الله ونكره؟ ج: صوت الحمير.
س11: ما هو الشيء الذي خلقه الله سبحانه وعظمه؟ ج: كيد النساء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنعتذر إليك أيها السائل الكريم عن الإجابة على سؤالك لانشغال الموقع عن أسئلة المسابقات ونحوها بالفتاوى الشرعية والنوازل الفقهية مما يفيد المسلم وينفعه في دينه ودنياه، ولمثل تلك الأسئلة مواقعها وكتبها الخاصة بها.
إلا أننا ننبهك إلى مسألة وهي أن أول ما خلق الله سبحانه وتعالى الماء ثم العرش ثم القلم ثم السماوات والأرض، ودليل ذلك ما أخرجه أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين مرفوعاً: إن الماء خلق قبل العرش. وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة: إن الله لم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء.
وليس بين ما ذكرنا من بدء الخلق وبين ما رواه الترمذي وصححه عن عبادة بن الصامت مرفوعاً: أن أول ما خلق الله القلم ثم قال: اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة. تعارض كما نبه على ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح حيث قال: فإن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة، أي أنه قيل له: اكتب أول ما خلق. انتهى.
إذاً فأول ما خلق الله تعالى هو الماء، ولما خلق القلم قال له اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، ومن جملة ذلك السماوات والأرض ليس كما ذكرت ليرسم به السماوات والأرض فهذا المعنى لم يرد ولا يجوز إطلاقه إلا بدليل فانتبه أيها الأخ الكريم ولا تأخذ عن كل من هب ودب فالأمر خطير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1427(1/742)
خلق السموات والأرض وعلو الله تعالى على خلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤالان حيراني ولا أعرف لهما إجابة: أفيدوني أفادكم الله:
أولاً: الله سبحانه وتعالى خلق السماوات جميعها في يومين، وخلق الأرض في أربعة أيام.. لماذا؟!
لماذا كانت مدة خلق السماوات أقل من تلك لخلق الأرض؟ مع أن السماوات تحتوي على ملايين الكواكب والأرض لا تساوي ذرة بجانب هذه الكواكب والسماوات؟!!
فهل من إجابة؟
ثانياً: لطالما فكرت أين يوجد الله سبحانه؟! لا يوجد بالسماوات ولا بالقلوب ولا بالأرض. (هذه نماذج من الأجوبة التي تلقيتها من مصادر مختلفة) .
خلال تدبري. استنتجت أنه سبحانه لا يوجد بأي مكان! لأنه موجود قبل أن توجد الأماكن نفسها. موجود قبل أن تخلق السماوات والأرض وقبل أن يخلق الإنسان وقلبه. فأين يوجد سبحانه عز وجل؟ وما سبب خلق السماوات في مدة أقل من خلق الأرض؟
أرجو العجالة في الإجابة.. جزاكم الله خيرا، وجعلها في ميزان حسناتكم..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي – أيتها الأخت الكريمة – أن الأصل في المسلم أن يسأل عما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، وقد كره السلف رحمهم الله أن يُسألوا عن أشياء لا تعود عليهم بالنفع. ومن ذلك مثلاً لما سُئل الإمام ابن حجر رحمه الله عن سؤال الملكين في القبر بأي اللغات سيكون؟ أجاب بما حاصله: إن هذا أمر لا يهمك في قليل ولا كثير، ولكن اسأل عمَّا ينجيك من أهوال القبر ...
وفيما يتعلق بسؤالك الأول فإن الله تعالى قد أخبرنا أنه خلق الأرض في يومين، وأنه جعل من فوقها الجبال، وقدر فيها الأقوات في يومين آخرين، وأنه خلق السماوات في يومين. قال تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {فصلت:9-12} .
وورد شيء من التفصيل لوقت خلق هذه المخلوقات في السنة النبوية. فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل.
وهذه الأزمنة وهذا الخلق لا يقاس بالمقياس الذي يدبر به الإنسان أموره. فملايين الكواكب وملايين المجرات المحتواة في السماء، لا تحتاج من الله إلى عناء أو وقت. فالله تعالى قادر على أن يخلق كل المخلوقات في أقل من لحظة. قال جل وعلا: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {يس:82} . ولكنه أراد ما أراده لحكم بالغة، قد لا يدركها سائر الناس، وعلى المسلم أن يسلم بكل ما أخبر الله به، ويعتقد قدرة الله على كل شيء.
والله تعالى مستو على عرشه، وعرشه فوق سماواته، وهو بائن من خلقه جل وعلا، وليس حالاً فيهم، فهو العلي الأعلى، فوق جميع مخلوقاته سبحانه وتعالى وتقدس. وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل القرون المفضلة.
قال الله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {الأعلى:1} . وقال تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ {النحل:50} . وقال الله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ {الأعراف:54} .
وروى مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي في قصة ضربه لجاريته وفيه: ... فقلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟ قال: ادعها، فدعوتها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: اعتقها فإنها مؤمنة.
وأما الإجماع فقد حكاه غير واحد من أئمة المسلمين. قال الإمام الأوزاعي: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته. وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي: اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه، فوق سماواته. وقال الإمام ابن سعيد: هذا قول الأئمة في الإسلام وأهل السنة والجماعة: نعرف ربنا عز وجل في السماء السابعة على عرشه، كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {طه:5} .
وقبل أن يخلق الله مخلوقاته كان في عماء، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء.
ونسأل الله تعالى أن ينفعك بما أفتيناك به، وأن يزيل عنك الحيرة ويثبت إيمانك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1426(1/743)
الحكمة من خلق النجوم والكواكب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من خلق الله النجوم والكواكب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بين الله عز وجل بعض الحكم التي من أجلها خلق النجوم ... فمن هذه الحكم تزيين السماء ورجم الشياطين وهداية الناس لطرقهم في البر والبحر.... فقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {الأنعام:97} ، وقال تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ {الملك:5} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1426(1/744)
تثبيت الله تعالى الأرض بالجبال
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف وتد الله الجبال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أرسى الله سبحانه وتعالى الجبال في جوف القشرة الأرضية وبين الحكمة من ذلك وهو تثبيتها. وهو أشبه ما يكون بغرس الوتد في الأرض. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بعبارات صريحة منها قول الله تبارك وتعالى {ألم نجعل الأرض مهدا والجبال أوتادا} وقوله تعالى {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم}
ولم يكتشف الناس هذه الحقيقة إلا في القرون الأخيرة حيث تحققوا أن لهذه الجبال امتدادها الهائل منغرسة في جوف القشرة الأرضية إلى مسافات عميقة، وهذه الامتدادات إما أن تكون من نفس مادة الجبال البارزة على سطح الأرض أو أكثر كثافة منها.
وقد بين ذلك أهل الاختصاص من علماء المسلمين وغيرهم ووضحوه بالصورة وخاصة العلامة: زغلول النجار والشيخ عبد المجيد الزنداني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1426(1/745)
خلق الأرض وخلق السماء
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما خلق أولاً السموات أم الأرض، مع ذكر الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر غير واحد من المفسرين بأن الأرض خلقت أولاً ثم بعد ذلك خلقت السماء، ثم بعد ذلك دحيت الأرض وبسطت، وجعل فيها الجبال والأنهار والأشجار.... قال ابن كثير في التفسير: وهذه سنة الله تعالى في شأن البناء أن يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك. ثم قال رحمه الله تعالى بعد ذكر قول الله تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ* ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {فصلت:7-12} ، وقوله تعالى: أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا* رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا* وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا* وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا* أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا {النازعات:27-31} ، قال رحمه الله تعالى: ففي هذا دليل على أن دحي الأرض كان بعد خلق السماء، فأما خلق الأرض فقبل السماء بالنص، وبهذا أجاب ابن عباس رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري عند تفسير هذه الآية في صحيحه.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: إن الأرض خلقت أولاً، ثم خلقت السماء، ثم دحيت الأرض فالمتأخر عن خلق السماء هو دحو الأرض، وهو ما ذهب إليه علماء طبقات الأرض من أن الأرض كانت في غاية الحرارة، ثم أخذت تبرد حتى جمدت وتكونت منها قشرة جامدة ... ثم تشققت وهبطت منها أقسام وعلت أقسام بالضغط ... ويقدرون لحصول ذلك أزمنة متناهية الطول ... وقدرة الله تعالى صالحة لإحداث ما يحصل به ذلك في أمد قليل.
والحاصل أن خلق الأرض كان قبل السماء ثم خلقت السماء بعد ذلك ثم دحيت الأرض وأخرج منها الماء والمرعى وأرسيت فيها الجبال ... ولمزيد الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 22344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1425(1/746)
اعتقاد أن البرنس يسهل الأمور باطل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الدين (كتاب الله وسنة نبيه) أفيدوني أفادكم الله، تعتقد بعض النساء بأن البرنس يسهل الأمور، فمثلاً واحد في المحكمة ويحمل البرنس يطلع براءة، ويسهل غيره من الأمور حيث إن البرنس يولد به الطفل (ذكراً) ، وليس أي طفل إنما نادراً، ويقولون إنه مبارك من عند الله، فما هو حكم الدين، وليس قصدي الملابس إنما البرنس هو غشاء ملفوف به الجنين (الذكر فقط) ويولد به ولكن ليس كل الأطفال إنما نادراً، فيقولون إنه مبارك من عند الله فتعتقد بعض النساء هكذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الاعتقاد باطل وهو مجرد خرافة من الخرافات ولا يجوز اعتقاده ولا العمل بمقتضاه، وراجع الفتوى رقم: 48903.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1425(1/747)
الله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ولا يسأل عما يفعل.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ألم يقل الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه (أعطوا الأجير أجره قبل ان يجف عرقه) ... فهل معنى ذلك أن الله يعطينا أجورنا قبل أن يجف عرقنا.. وهل نستطيع أن نحس ذلك الأجر بعد كل عمل صالح نؤديه....؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القائل: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" هو النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن ماجه وليس الله سبحانه وتعالى، نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بوحي من الله، وهذا الحديث في حق المخلوق وليس في حق الخالق، فالخالق سبحانه يقبل عمل من شاء ويرد عمل من شاء، ويعطي من شاء ويمنع من شاء، ومن أعطاه فبفضله، ومن منعه فبعدله، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
قال سبحانه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الاسراء: 18] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1424(1/748)
لله تعالى القسم بما شاء على ما شاء
[السُّؤَالُ]
ـ[معلوم أن الحلف بغير الله حرام، ونجد الله تعالى حلف في القرآن بعدة أشياء (الليل، الصبح ... ) أرجو منكم تفسير ذلك
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لمسلم أن يقسم بغير الله تعالى، لأن القسم يقتضي تعظيم المحلوف به، وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى وهذا علة النهي عن الحلف بغيره، وانظر الفتوى رقم:
19237 ورقم:
26378
أما لماذا نجد أن الله تعالى يقسم بالمخلوقات، فقد أجاب عن ذلك أهل العلم بأن الله تعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، أو أن ذلك على حذف مضاف، أي ورب الشمس ورب القمر ورب الليل، وهكذا سائرها، قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: فإن قيل فقد أقسم الله تعالى بمخلوقاته، كقوله تعالى: والصافات صفاً، والذاريات، والطور، والنجم، فالجواب أن الله تعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيها على شرفه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1424(1/749)
الحسب والكفاية لله وحده
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ترك الصلاة من مسجد يقول حسبيه الله والنبي على كل ظالم ومعتد للانتقال للصلاه في عريش من الجريد والأخشاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب الاعتقاد بأن الله تعالى هو الكافي وحده، كما قال سبحانه: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:36] أي حسبهم الله.
وقال سبحانه: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ [التوبة:59] .
فنسب الإيتاء لله وللرسول، ولم يقل:"حسبنا الله والرسول" لأنه لا يتوكل إلا على الله وحده، والنبي صلى الله عليه وسلم وغيره كإبراهيم عليه السلام، يفردون الله سبحانه بهذا الاعتماد والالتجاء، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس قال في قوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] .
قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] .
وعليه، فهذا الإمام الذي يقول: حسيبه الله والنبي على كل ظالم ومعتدٍ مخطئ خطأ بيناً، بل يجب أن يقول: حسبي الله وحده، أي هو الكافي سبحانه، قال القرطبي رحمه الله: وحسب: مأخوذ من الإحساب وهي الكفاية، قال الشاعر:
فتملأ بيتنا إقطا وسمنا ... وحسبك من غني شبع وري. انتهى
والواجب نصح هذا الإمام وتبيين الحق له فإن استجاب فالحمد لله، وإن أصر على باطله تركت الصلاة خلفه حتى يتوب، ولا حرج حينئذ في الصلاة في هذا المكان المعد من الجريد والأخشاب، أو في أي مسجد آخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1423(1/750)
(الحسب) من خصائص الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول حسبي الله والنبي على كل ظالم ومعتد؟ الرجاء الإجابة عنا لأننا لم نحصل على الإجابة الأولى وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحسب بمعنى الكفاية، وقول المسلم: حسبي الله، معناه كافيني الله، أي سيكفيني الله عز وجل الشر.. أو نحو ذلك.
والحسب بهذا المعنى من خصائص الله عز وجل على القول الصحيح من أقوال أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (قال تعالى: (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله) [التوبة: 59] ولم يقل هنا: ورسوله، لأن الله وحده حسب جميع عباده المؤمنين، كما قال تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) أي هو حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين) انتهى كلامه رحمه الله.
وعليه، فالواجب على المسلم أن يفرد الله عز وجل بالحسب فيقول: حسبي الله، كما أخبر الله عز وجل عن أوليائه من الصحابة الكرام بقوله: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) [آل عمران:173]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1423(1/751)
الرحمة من الصفات المشتركة بين الله تعالى وخلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قول: ارحمني، أو ارحموني للناس؟ لأنني أسمع البعض يقول لا يجوز طلب الرحمة إلا من الله.
فنرجو التوضيح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في قول المسلم لغيره من الناس ارحمني أو ارحم فلانا، لأن الرحمة معناها في اللغة الرأفة واللين والعطف، وهي من صفات الله تعالى التي ينبغي للعبد أن يتخلق بها، وقد وصف الله-عز وجل- بها نبيه- صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {التوبة:128} . وقال النبي- صلى الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن لله مائة رحمة، فمنها رحمة بها يتراحم الخلق بينهم، وتسعة وتسعون ليوم القيامة. رواه مسلم.
والحاصل أن الرحمة من الصفات المشتركة التي اتصف بها الخالق- سبحانه وتعالى- ووصف بها بعض عباده.
وللمزيد، انظر الفتوى رقم: 18826.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1430(1/752)
شبهة حول حديث الجارية وتفنيدها
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى المناظرات مع الأحباش وتحديدا في موضوع حديث الجارية يستدل أحدهم بكلام الإمام محمد بن أحمد السرخسي والذي نصّه: فأما الحديث فقد ذكر في بعض الروايات: أن الرجل قال عليّ عتق رقبة مؤمنة، أو عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي أن عليه رقبة مؤمنة، فلهذا امتحنها بالإيمان، مع أن في صحة ذلك الحديث كلامًا، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أين الله؟ فأشارت إلى السماء، ولا نظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يطلب من أحد أن يثبت لله تعالى جهة ولا مكانًا، ولا حجة لهم في الآية، لأن الكفر خبث من حيث الاعتقاد، والمصروف إلى الكفارة ليس هو الاعتقاد إنما المصروف إلى الكفارة المالية، ومن حيث المالية هو عيب يسير على شرف الزوال. اهـ.
الحديث ثابت في كتابه ـ المبسوط ـ تثبّت منه لكني لم أجد تعليقا عليه من قبل العلماء المتقدمين أو المتأخرين. فأفيدونا بارك الله فيكم ولو بالقليل.
لم أجد ما يفيدني على الشبكة العنكبوتية وليس لنا في بلدنا مرجعيات كبيرة.
باقي الشبهات ـ فيما يخص حديث الجارية أو غيرها من الصفات ـ فقد وفقنا الله تعالى لدحضها وبارك الله فيكم.
أرجو منكم جوابا ولو مختصرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكلام الذي ذكره الإمام الفقيه السرخسي في المبسوط إنما ذكره في معرض رده على الشافعية القائلين باشتراط الرقبة المؤمنة في كفارة العتق، حيث إن الشافعية استدلوا بذلك على ما ذكره السرخسي ـ بآية وحديث الجارية الذي رواه مسلم، فأراد السرخسي أن يضعف قول الشافعية بتضعيف أدلتهم، فزعم أن في صحة الحديث كلاما، وأنه لا يظن بالرسول صلى الله عليه وسلم: أنه يطلب من أحد أن يثبت لله جهة أو مكانا، والرد على هذا القول من وجوه:
أولا: لم يبين الإمام السرخسي ما هو الكلام الذي يقدح في صحة الحديث حتى نرى هل هو كلام مبنى على أسس علمية أم لا؟ والإمام السرخسي إمام كبير في الفقة إلا أنه قليل البضاعة في الحديث شأنه شأن كثير من الفقهاء، ويدل على ذلك أنه يذكر في كتبه كثيرا من الأحاديث الضعيفة بل والتي لا أصل لها، وينسبها للنبي صلى الله عليه وسلم: ومثاله قوله في كتابه المبسوط: كما قال صلى الله عليه وسلم ـ أنا ابن الذبيحين. انتهى. وهذا الحديث لا أصل له، وانظر السلسلة الضعيفة للألباني.
ثانيا: أن الحديث ثابت صحيح لا مجال للشتكيك فيه، وقد صححه جهابذة وعلماء الحديث وفرسانه، فقد أخرجه مسلم، وغيره من أهل الصحاح، كأبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود، وصححه أيضا البيهقي والبغوي والذهبي والعسقلاني وغيرهم، أفنترك تصحيح هؤلاء جميعا وهم أهل الحديث وعلماؤه ونأخذ بقول السرخسي: إن في صحة ذلك الحديث كلاما؟.
ثالثا: هذا الحديث تشهد له النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التي فيها إثبات علو الله تعالى، كقوله تعالى: إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {آل عمران:55} .
بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء:158} .
وقوله تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ {فاطر:10} .
وقوله: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ {الملك:16-17} . وقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {طه:5} . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: الراحموان يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء. رواه أبو داوود. وقوله صلى الله عليه وسلم: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء. متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري.
وغير ذلك من الأدلة الكثيرة المبثوثة في السنة والآثار الكثيرة عن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين الدالة على إثبات علو الله تعالى، وأنه فوق السماء السابعة، وكلها تشهد لحديث الجارية.
رابعا: لفظ الجهة والمكان الذي ذكره السرخسي لفظ محدث لم يرد في الحديث، ويمكن أن يكون مراد السرخسي بذلك نفي إحاطة شيء بالله تعالى وهذا معنى صحيح، وإن أراد بذلك نفي العلو فهذا باطل. والحجة في كلام الله تعالى وفي كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(1/753)
الإسلام هو الدين الصحيح الذي لا يقبل الله غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد بدأت مؤخراً بالصلاة ويعلم الله أننى أريد المحافظة عليها، ولكن منذ أن بدأت الصلاة أخذ الوسواس يوسوس لي ويقول لي هل أنت متأكد أن هذا هو الدين الصحيح وهل المسلمون على حق أم لا، مع العلم بأنني أؤمن بالله ورسوله وبالإسلام ولكن هذا الهاجس أصبح قريبا من أن يدمر علي حياتي حيث إنه لا يجعلني أنام أو آكل أو أختلط بالناس؟ ووفقكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشيطان لا يني في السعي في تثبيط الناس عن الطاعات وحملهم على المعاصي فلا يزال يدعو الناس للشر ليكونوا من أصحاب السعير، وقد حلف على ذلك فقال: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف:16-17} ، وقال تعالى: قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ {الحجر:9} ، وقال تعالى: وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا {النساء:119} .
وبناء عليه؛ فلا يليق بالعاقل أن يستسلم لوسوسة الشيطان بل عليه أن يتعلم الدين الحق ويقرأ نصوص الوحي الدالة على صحته ويصاحب أهل الاستقامة والدين.. ويبتعد عن الاعتزال فإن العزلة تقوي الشيطان على الإنسان وتجعله يستحوذ عليه، ففي الحديث: عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
فاحرص يا أخي على الالتزام بالصلاة وأيقن أن الإسلام هو الدين الصحيح الذي لا يقبل الله غيره، فقد قال الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85} ، وأعرض عن الوساوس الشيطانية واشغل نفسك عنها بالمطالعة في كتب الترغيب والترهيب وسير السلف الصالح وقصص الأنبياء واضرع إلى الله تعالى واسأله أن يوفقك للتمسك بالحق والثبات عليه.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 48636، 49073، 54711.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1430(1/754)
الجواب الكافي عن أسئلة تتعلق بالعرش والكرسي وغيرهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أخوكم مشرف القسم الإسلامي في أحد المنتديات والحقيقة يواجهنا ما الله به عليم من أحاديث موضوعة وباطلة، والحمد لله أبحث في الإنترنت وأجد الجواب عليها إلا أن أحدهم نشر هذا الموضوع ولم أستطيع التحقق منه وكان عندي بعض التحفظ على بعض الألفاظ مثل (قدم الرحمن ... سرير الرحمن....يجلس على العرش) فأرجو بيان الصحيح من الخاطئ في هذا الموضوع في أقرب وقت ممكن
(لا يقدر قدره إلا الله وقد وردت آيات وأحاديث وأقوال للصحابة تصف عظمة العرش، قال تعالى: [رب العرش العظيم] ، ووصف العرش بالعظمة لأنه أعظم المخلوقات، حملة العرش عن ابن عباس: أن الله تعالى لما خلق حملة العرش قال لهم احملوا عرشي فلم يطيقوا فخلق لكل واحد منهم مثل قوة من في السموات السبع من الملائكة فقال احملوا عرشي فلم يطيقوا فخلق لكل واحد فيهم مثل قوة ما خلق في السموات من ملائكة ومن في الأرض من خلق وقال تحملوا عرشي فلم يطيقوا، فقال الله عز وجل قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله فلما قالوها حملوه فنفذت أقدامهم فى الأرض السابعة على متن الريح فلما لم تستقر أقدامهم على شيء تمسكوا بالعرش.....ولم يفتروا عن قولهم لا حول ولا قوة إلا بالله خيفة أن ينقلب أحدهم فلا يعرف أين يهوي فهم حاملون العرش وهو حاملهم والكل محمول بالقدرة الإلهية، أربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك وأربعة يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعماائة عام.
صفة العرش: قال البيهقى فى الأسماء والصفات: اتفقت الأقاويل على أن العرش هو سرير الملك وأنه خلقه الله وأمر ملائكته بحمله وتعبدهم بتعظيمه والطواف به كما خلق في الأرض بيتا وأمر بني آدم بالطواف به.
العرش مقبب ثبت في صحيح البخارى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة وفوقه عرش الرحمن، قال بن تيمية العرش مقبب: أوسط الجنة وأعلاها هو الفردوس وإن فوقه عرش الرحمن والأوسط لا يكون الأعلى إلا في القبة.
مسافة العرش: ذكر ابن كثير وغيره أن بعد ما بين العرش إلى الأض مسيرة خمسين ألف سنة واتساعه خمسون ألف سنة.
عندما اهتز العرش بالرغم من عظمة العرش وثقله ومكانته فإنه اهتز مرة واحدة فقط لموت أحد أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام إنه سعد بن معاذ وهو الذى نزل المهاجرون من مكة في حماه وفي ضيافته بالمدينة, أما كيفية الاهتزاز فلا يعلمها إلا الله تعالى.
الكرسي: إن أعظم آية في القرآن هي آية الكرسي
قال ابن عباس: هذا الكرسي الذي وسع السموات والأرض: لو أن السموات السبع والأرضين السبع بسطن ثم وصلن بعضهن ببعض ما كانوا من سعة الكرسي إلا بمنزلة الحلقة فى مفازة والمفازة: الأرض الوعرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهرى فلاة من الأرض، هذا الكرسي بهذا العظمة ما هو إلا ... موضع قدم الرحمن.... يا سبحان الله، سئل الرسول عليه الصلاة والسلام عن وسع كرسيه فقال كرسيه موضع قدمه والعرش لا يقدره إلا الله عز وجل وقال السدي عن أبي مالك: الكرسي تحت العرش والسموات السبع والأرض في جوف الكرسي والكرسي بين يدي العرش.
عن علي كرم الله وجهه قال: نور الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي ونور الكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش ونور العرش جزء من سبعين جزء من نور الحجب.
العرش عظيم والله أعظم.
عن النبى عليه الصلاة والسلام قال: إن الله يجلس على العرش ولا يبقى من العرش قدر أربع أصابع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نجيبك على ما وقفنا عليه من الكلام حول ما سألت فنقول وبالله التوفيق:
- قوله: (وصف العرش بالعظمة لأنه أعظم المخلوقات) هذا حق وقد قال القرطبي في تفسير آخر آية في سورة التوبة.. خصّ العرش لأنه أعظم المخلوقات.
- أثر بن عباس ( ... لما خلق الله حملة العرش قال احملوا عرشي....) لم نجد له أثرا لا في كتب السنة ودواوينها ولا في الكتب المصنفة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة , وسمات الوضع عليه ظاهرة فلا تنشر هذا الأثر في المنتدى.
- أثر (أربعة منهم يقولون.....) هذا رواه البيهقي في شعب الإيمان من قول هارون بن رئاب قال: حملة العرش يتجاوبون بصوت حسن رخيم يقول الأربعة: سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك، ويقول الأربعة الآخرون: سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك. ....انتهى، وذكره ابن كثير في تفسيره وابن القيم في كتاب الروح, وهارون هذا تابعي عابد ثقة إمام، والأثر موقوف عليه ولم يرد مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما علمنا.
ومن الطرائف أن لهارون هذا أخوين اثنين, يمان, وعلي , قال الذهبي: فهارون من أئمة السنة ويمان من أئمة الخوارج وعلي من أئمة الروافض وكانوا متعادين.... انتهى , فسبحان الله يهدي من يشاء فضلا ويضل من يشاء عدلا.
- حديث: أذن لي أن أتحدث ... حديث صحيح رواه أبو داوود في سننه في كتاب السنة باب في الجهمية , ورواه الطبراني في الأوسط وغيرهما.
- الكلام المنسوب للبيهقي (اتفقت الأقاويل ... ) لم نجده في كتاب الأسماء والصفات باللفظ المذكور, ولكن قال بلفظ قريب منه بدون نقل الاتفاق (.. وأقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير، وأنه جسم مجسم، خلقه الله تعالى وأمر ملائكته بحمله وتعبدهم بتعظيمه والطواف به، كما خلق في الأرض بيتا وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة ... انتهى) ، وهو كلام حق دلت عليه الأدلة الشرعية وقد ذكر البيهقي شيئا منها , وانظر الفتوى رقم: 60784.
- وأما كون العرش مقببا وحديث (فاسألوه الفردوس ... ) وكلام شيخ الإسلام فكل هذا صحيح وانظر الفتوى المشار إليها آنفا والفتوى رقم: 66332.
- الكلام المنسوب لابن كثير أن ما بين العرش إلى الأرض ... إلخ صحيح , فقد قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قول الله تعالى: ... قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ... قال: ... ولهذا قال بعض السلف: إن مسافة ما بين قطري العرش من جانب إلى جانب مسيرة خمسين ألف سنة، وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة.
- اهتزاز العرش لموت سعد هذا ثابت صحيح كما في الفتوى رقم: 24104 , ولم يرد نفي الاهتزاز في غير هذه الحادثة ولا إثباته – فيما نعلم - فلا ينبغي الجزم بأنه اهتز مرة واحدة.
- القول بأن آية الكرسي أعظم آية في القرآن هذا صحيح وانظر الدليل في الفتوى: 29702.
- أثر ابن عباس ( ... لو أن السماوات ... بسطن ... إلخ) هذا رواه ابن أبي حاتم في تفسيره قال: حدثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ابنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: في قوله: وسع كرسيه السماوات والأرض قالوا: لو أن السماوات السبع ... إلخ , وبشر ابن عمارة قال عنه النسائي ضعيف وقال عنه أبو حاتم ليس بالقوي وقال البخاري تعرف وتنكر, وقال الحافظ في التقريب ضعيف من السابعة.
- القول بأن الكرسي موضع القدم هذا صحيح وانظر التفصيل في الفتوى رقم: 96343، وانظر أيضا الفتوى رقم: 39292.
- حديث: كرسيه موضع قدمه، والعرش لا يقدر قدره.. هذا سنده ضعيف فلا يصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وانظر التفصيل في السلسلة الضعيفة للألباني رحمه الله تعالى , الحديث رقم 906.
- أثر علي (نور الشمس.... إلخ) لم نجد له أثرا كذلك حتى في الكتب المصنفة في بيان الأحاديث الموضوعة والضعيفة , فلعله من كذب الرافضة فإنهم مشهورون بالكذب ووضع الأحاديث.
- أثر الجلوس على الكرسي – وليس العرش كما ذكر السائل – وأنه لا يبقى إلا مقدار أربع أصابع لا يصح، وقد ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واسناده مضطرب جدا وعبد الله بن خليفه ليس من الصحابة فيكون الحديث الأول مرسلا وابن الحكم وعثمان لا يعرفان وتارة يرويه ابن خليفة عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة يوقفه على عمر وتارة يوقف على ابن خليفة وتارة يأتي فما يفضل منه الا قدر أربعه أصابع وتارة يأتي فما يفضل منه مقدار أربعة أصابع وكل هذا تخليط من الرواة فلا يعول عليه.. انتهى.
وأخيرا ننصح أخانا السائل بتقوى الله تعالى وأن يحرص على نشر الخير في منتداه وأن يحذر من ترويج الأحاديث الموضوعة والضعيفة أو البدع فيكون مشاركا في المنكر أعاذنا الله وإياه من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1429(1/755)
ثبوت صفة الغيرة لله عز وجل على ما يليق بجلاله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لله عز وجل صفة الغيرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصفة المذكورة ثابتة لله تعالى على ما يليق بجلاله، كما صرحت بذلك الأحاديث في الصحيحين وغيرهما، لكن يجب التنبيه على أن صفات الله تعالى مخالفة لصفات خلقه فنثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله من الصفات من غير تكييف ولا تعطيل ولا تشبيه، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الله يوصف بالغيرة، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته.. وقال أيضاً: لا أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث الرسل وأنزل الكتب، ولا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وقال أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1428(1/756)
المطلع والمدرك ليسا من أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اسم المطلع والمدرك من أسماء الله الحسنى من حيث المدرك هو الذي يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار، والمطلع هو الذي يطلع على عبده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الله سبحانه وتعالى مطلع على كل شيء، لا تخفى عليه خافية يعلم السر وأخفى ... وأنه تعالى مدرك لكل شيء، ولكن لا يجوز أن يسمى بالمطلع أو المدرك أو بغيرها مما لم يرد في نصوص الوحي من القرآن الكريم والسنة الصحيحة أنه من أسماء الله، لأن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفيه، كما سبق بيانه بالتفصيل والأدلة، في عدة فتاوى ومن أرقامها: 6009، 70802، 39558 نرجو أن تطلع عليها وعلى ما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1428(1/757)
خلق آدم عليه السلام ونظرية دارون
[السُّؤَالُ]
ـ[بنتي في الصف العاشر في ألمانيا, ودائما تسألها مدرستها وتحرجها أمام الطلاب ومن ضمن الأسئلة تقول المدرسة بأن قصة آدم وحواء هي خرافة وأن الإسلام جعلها قصة وتقول بأن الإنسان خلق من قديم الزمان بشكله المتعارف كالقرد وبتطور الزمن تغير شكل الإنسان ولا توجد قصة آدم وبشكله الجميل وبعدها جاءت حواء وغيرها فتريد من بنتي أن تثبت لها أن آدم كيف جاء وبأي شكل وما هو البرهان، بأي آية؟ وكذلك تسأل كيف يكون شكل الله. وما هو البرهان؟ فأنا اقترحت بأن لا تناقش المدرسة لأنها يهودية وسوف نتعب مهما شرحنا لها لكن بنتي تقول بأنها تريد أن تعرف أيضا ومصرة إصرارا قويا لأنها غيرت أفكار بنتي تغيرا لا منطقيا فأرجو مساعدتي بهذا الموضوع وما هي المصادر لكي أترجمها إلى الألمانية وأرسلها إلى المدرسة وبنفس الوقت بنتي كي تقتنع أيضا وجهودكم مشكورة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القول بتطور الكائنات الحية من شكل إلى آخر حتى وصلت إلى شكل الإنسان هو قول دارون وهو قول باطل، لأن الله تعالى ذكر في القرآن أنه خلق الإنسان من تراب خلقا خاصا بيده، كما خلق باقي الخلق خلقا خاصا بهم، كل نوع على حدة، قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ {النور: 45} وقال سبحانه عن خلق الإنسان: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً {البقرة: 30} . وقال: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ {الحج: 5} . وقال أيضا: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ {ص: 75} . وانظر الفتوى رقم: 23346.
ثم إن نظرية دارون منقوضة في ذاتها، إذ لا يوجد الجيل الوسيط بين القرد والإنسان، فإن التطور يقتضي جيلا يمثل حلقة الوصل بين السابق واللاحق، وهذا لم يوجد أبدا.
ثم لماذا لم يتحول القرد إلى إنسان؟ بل بقي القرد يعيش إلى جوار الإنسان، كما بقيت الأسماك والطيور والزواحف..
وانظر نقد العلماء المختصين بدراسة الكائنات الحية لنظرية دارون في الفتوى رقم: 4755.
هذا، وإن الشأن في المؤمنين أنهم يصدقون ما أخبرهم الله تعالى به في كتابه وما أخبرهم به رسوله، ولا يشكون في شيء من ذلك بعد أن قامت الأدلة والبراهين على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا امتدحهم الله بقوله: الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ {البقرة:1-3} . وإنما تتفاوت منازل الناس ورتبهم عند الله بمقدار اليقين الذي في قلوبهم بهذه المغيبات، ولذلك كان أبو بكر الصديق هو أفضل الأمة بعد نبينا، لأن ما وقر في قلبه من اليقين بالله وبما أخبر به أكبر بكثير من غيره، بل لو وزن إيمانه بإيمان باقي المؤمنين لرجح إيمان أبي بكر!!
وأما سؤال المدرسة عن شكل الله فهذا سؤال شخص متعنت شاك في الله، ويريد من الآخرين أن يشكوا مثله، فالله تعالى حق وهو في السماء، مستو على عرشه، بائن من خلقه، لكننا لا نراه في هذه الحياة الدنيا، وإنما يراه المؤمنون يوم القيامة، وفي الجنة.
فنحن نؤمن به ولم نره، ولكننا موقنون به أكثر من يقيننا بأنفسنا، ولا نستطيع أن نصفه بغير ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم مع قطع الطمع عن معرفة كيفية هذه الصفات، بل نؤمن جازمين أنه سبحانه ليس كمثله شيء، والتفكر في كيفية صفاته سبحانه من مواطن الهلاك والضلال. نسأل الله العافية من ذلك، ونحن لم نشاهده لأنه سبحانه من جملة المغيبات التي حجبها الله عنا كالجنة والنار والملائكة وعرش الرحمن ونحو ذلك.
ولكننا نعلم صفات الله الثابتة بالكتاب والسنة الصحيحة، ولا نخوض في كنه الله وحقيقته، فإن علم ذلك ليس إلينا. قال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ {الإسراء: 36} . وقال صلى الله عليه وسلم: تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله. رواه الطبراني في الأوسط وحسنه الألباني وانظر الفتاوى: 11727، 39560، 29135.
ولمزيد من التفصيل في نقض نظرية دارون وغيرها من النظريات الإلحادية راجع كتاب (العقيدة في الله) للدكتور عمر سليمان الأشقر، وكتاب (الإيمان والحياة) للشيخ يوسف القرضاوي، وكتاب (العلم يدعو إلى الإيمان) ، وكتاب (قصة الإيمان) لنديم الجسر، وكتاب (الإسلام يتحدى) لوحيد الدين خان، وكتاب (الإسلام في عصر العلم) لمحمد فريد وجدي، وكتاب (الله يتجلى في عصر العلم) .
هذا، واعلم أنك مسؤول عن رعيتك، وإن تعريض ابنتك لمثل هذه المدرسة التي تشككها في عقيدتها هو من تضييع الأمانة التي استرعاك الله إياها واستحفظك عليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة.. رواه مسلم. فيجب تجنيب ابنتك هذه المدرسة قبل أن يحل في قلب البنت ما يحل، نسأل الله العافية للجميع.
وانظر حكم العيش في بلاد الكفار في الفتوى رقم: 2007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1425(1/758)
لفظ الجلالة "الله" هو اسم الله الأعظم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو اسم الله الأعظم؟
ما ثواب حمل نعش الميت فى الجنازة؟ هل إذا دعا الإنسان أمام الكعبة عند أول رؤيتها أن يعلمه الله اسمه الاعظم هل يستجاب أفيدونا أفادكم الله....؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في تعيين اسم الله الأعظم، والراجح من أقوالهم في ذلك أنه "الله"، ولمعرفة تفصيل أقوالهم وأدلتهم على ذلك نحيلك إلى الفتوى رقم: 6604.
وأما حمل الميت والصلاة عليه والمشي معه ودفنه ففيه أجر عظيم وثواب كثير فقد روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تبع جنازة فصلى عليها ثم انصرف فله قيراط من الأجر، ومن تبعها فصلى عليها ثم قعد حتى يفرغ من دفنها فله قيراطان من الأجر، كل واحد منهما أعظم من أحد. وهذا لفظ النسائي.
ومن دعا الله تعالى وسأله أمراً مباحاً عند الكعبة أول ما يراها فنرجو أن يستجيب الله دعاءه، لأنه يدعو في أعظم مكان على وجه الأرض، وفي وقت خشوع وهيبة وانكسار لله عز وجل، وهذه الأمور كلها من أسباب استجابة الدعاء، فمن سأل الله تعالى في ذلك الوقت وفي ذلك المكان فإن الله تعالى سيستجيب له إن شاء ما لم تكن عنده موانع أخرى تمنعه من إجابة الدعاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1424(1/759)
الثناء على الله وثناء الله تعالى على نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك قول (ما مدح أحد الله تعالى بخير ما مدح به نفسه) أهو حديث أم حديث قدسي أم ماذا، يرجى تفضلكم بالإجابة، لأنه عليه مدار بحثي في البحث الذي أقوم به؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على هذا الحديث في المراجع التي بين أيدينا بهذا اللفظ، وقد ثبت ما يدل على مشروعية مدح الله تعالى، ولا شك أن أبلغ العبارات في الثناء هو ما أثنى به على نفسه، ففي الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل، من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين.
قال النووي في شرح مسلم: حقيقة هذا مصلحة للعباد لأنهم يثنون عليه سبحانه وتعالى فيثيبهم فينتفعون وهو سبحانه غني عن العالمين لا ينفعه مدحهم ولا يضره تركهم ذلك وفيه تنبيه على فضل الثناء عليه سبحانه وتعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده وتكبيره وسائر الأذكار. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1427(1/760)
مكان العلي الأعلى قبل خلق السموات والأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[أين كان الله سبحانه وتعالى قبل خلق السماوات والأرض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن بني تميم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء. وانظر الفتوى رقم: 35995.
وروى الإمام أحمد عن لقيط بن عامر العقيلي، قال: قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه، قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق العرش بعد ذلك. ورواه أحمد والترمذي في التفسير وابن ماجه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(1/761)
الله تعالى في السماء مستو على عرشه
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني أحد الأشخاص من جماعة الدعوة والتبليغ: أين الله؟
فقلت له: الله في السماء ... فقال: أعوذ بالله
ألم يأتنا في الحديث: أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى في السماء بمعنى على السماء، وعلى ذلك أدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف، وقد فصلنا هذه المسألة بأدلتها في الفتوى رقم: 6707،فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1424(1/762)
الفرق بين صفات الله وأسمائه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد توضيح صفات الله عز وجل مع ذكرها وذكر عددها والفرق بينها وبين الاسماء؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صفات الله تبارك وتعالى هي نعوت الكمال القائمة بذاته -سبحانه وتعالى- فمنها: الغني المطلق والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام.
والفرق بينها وبين الأسماء: أن الأسماء هي كل ما دل على ذات الله تبارك وتعالى، وأن الصفات تدل على كل ما قام بالذات العلية من النعوت والصفات.
وأسماء الله تعالى وصفاته لا حصر لها، كما جاء في الدعاء المأثور: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في لم الغيب عندك.. . الحديث رواه أحمد وغيره.
وعلى المسلم أن يثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء الحسنى والصفات العلى حسب ما جاء في نصوص الوحي من الكتاب والسنة على الوجه اللائق به ـ سبحانه وتعالى ـ من غير تشبيه له بخلقه ولا تعطيل له من صفاته.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى: 55011، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(1/763)
لا حرج في دعاء الله بـ (يا أكرم الأكرمين)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يدعو المسلم اللهَ سبحانه وتعالى بغير اسم من أسمائه، لأن هناك كثيرا من المشايخ والدعاة يدعون الله: يا أكرم الأكرمين. ومن المعلوم أن هذا ليس اسما من أسماء الله تعالى، وذلك لأن أسماء الله الحسنى توقيفية ولا يجوز الاجتهاد أو إعمال العقل فيها أو اشتقاقها من فعل أو ما شابه، وقد قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وجزاكم الله خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الكلام على دعاء الله سبحانه بغير أسمائه في الفتوى رقم: 124345.
وأما بخصوص دعائه بأكرم الأكرمين فنقول: لا شك أن الله عز وجل هو أكرم الأكرمين، وقد قال تعالى: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. {العلق:3} ، وعلى ذلك فالأكرم من أسماء الله الحسنى الثابتة بنص القرآن الكريم، وأما زيادة (الأكرمين) فهي لبيان متعلق اسمه (الأكرم) كما يقول أرحم الراحمين.
قال أبو سليمان: هو أكرم الأكرمين، لا يوازيه كريم، ولا يعادله فيه نظير، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم، كما جاء الأعز بمعنى العزيز. الأسماء والصفات للبيهقي.
وبهذا تعلم أنه لا حرج من دعاء الله تعالى بيا أكرم الأكرمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1430(1/764)
جواب شبهات حول مجيء الله تعالى ورؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الإستفسار عن صحة هذه المقالة حيث وجدتها منتشرة في أغلب المنتديات.
وجاء ربك والملَكُ صفًّا صفًّا. وجاءَ ربُّكَ معناهُ تلك العجائب التي تَظهَرُ يوم القيامة. ثمَّ الملائكةُ يَجُرُّون جُزءًا من جَهَنَّم كبيرًا سبعون ألف ملَك بسبعين ألف سلسلة يَجُرُّونها إلى حيثُ يراها الكفار قبل أن يدخُلُوا جَهَنَّم. ولو كان يوجد موت هناك لمات الكفار من شدّة هول ذلك المنظر لكن هناك في الآخرة لا يوجد موت. في الدنيا مَن اشتَدَّ عليه الألم قد يموت أمَّا في الآخرة لا يموت. أهلُ السُّنَّة يقولون: "وجاء ربُّك والملَك"، وجاء ربُّك أي ظهَرَت عجائبُ قُدرة الله لا يقولون جاء الله من فوق إلى تحت لا، هذا كفر. الوهابيةُ يقولون الله يأتي من فوق إلى الأرض المبدلة ليُحاسب الخَلق جَعلوا اللهَ سبحانه وتعالى كالملِك الذي يُقابلُ الرعية. اللهُ يُحاسب الخَلقَ بكلامه الذي ليس حرفًا ولا صوتًا ليس مقابلة، اللهُ مُستحيل أن يكونَ بينَهُ وبين شىءٍ من خلقه مُقابلة، مُستحيل أن يكونَ بين الله وبين شىء من خلقه مُقابلة، إنّما يُحاسبهم بكلامه يُسمعُهم كلامَه الذي هو ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً فيَفهمون منه السُّؤال أعطيتك كذا وكذا أنت فعلت كذا وكذا يفهمون، أنت فعلت كذا وكذا يوم كذا أنا أنعمتُ عليك بكذا لم فعلتَ كذا. الوقوفُ بينَ يدي الله ليس مَعناه أنَّ الخَلقَ يكونون في مُقابلة مع الله يومَ القيامة، اللهُ موجودٌ بلا مكان ولا جهة لا هو قريبٌ بالمسافة ولا هو بعيدٌ بالمسافة. الجسمُ إمَّا أن يَكونَ قريبًا منك بالمسافة أو بعيدًا عنك بالمسافة، القُربُ بالمسافة للحجم ليس لله، الذي يَظُنُّ أنَّ الوقوفَ بين يدي الله يوم القيامة القرب منه بالمسافة هذا ما عَرَفَ الله. الوهابيةُ يُفَسّرُون ءايات القرآن على الظاهر وهذا لا يجوز، الذي يُفَسّر كُلّ ءايات القرآن على الظاهر يَكفر كما قالَ سيّدُنا أحمدُ الرّفاعي رَضيَ اللهُ عنه: صونوا عقائدكم من التّمسّك بظواهر ما تشابه من الكتاب والسّنّة فإن ذلك من أصول الكفر. اهـ. أى أوقع كثيرا من الناس فى الكفر. كذلك أهلُ السُّنَّة يقولون المؤمنون بعد أن يستَقرّوا في الجنّة يَرَون الله، ليس مَعناه أنَّ الله مُستَقرٌّ في الجَنَّة، وليس مَعناهُ أنَّهم يرونَهُ ذاتًا قريبًا منهم وليس معناه أنَّهم يَرَونَهُ ذاتًا بعيدًا عنهم، يَرَونَهُ بلا كيف ولا جهة لا يَرَونَهُ هكذا إلى فوق ولا يَرَونَهُ هكذا مُتَحَيّزًا إلى يمينهم ولا يَرَونَهُ مُتَحَيّزًا إلى جهة تحت بل بلا كيفٍ ولا جهة يرونَهُ عندما يكونون في الجَنَّة، هُم في الجنَّة أمَّا اللهُ فَهُوَ مَوجُودٌ بلا مكان. الخلقُ تَراهُ وأنت تَنظُرُ إلى فوق أو تحت أو أمام أو إلى خلف ليس هكذا يرى المؤمنون الله. أهلُ السُّنَّة كُلُّ هذا فَهمُوه من حيثُ العقلُ أي أنَّ الخالقَ موجودٌ بلا جهة ولا مكان، القُربُ المسافيُّ والبُعدُ المسافيُّ هذا صفةُ الخَلق، أمَّا من القُرءان فمن قوله تعالى: ليس كمثله شىء. نحنُ أَخَذنا من الدَّليل العَقلي ومن هذه الآية أنَّ اللهَ مَوجودٌ بلا مكان ولا جهة.
ثُمَّ أهلُ الجَنَّة لمّا يَرَونَ اللهَ بعد استقرارهم في الجَنَّة لا يَشُكُّون أنَّهُ الله لأنَّهم رَأَوا شيئًا لا مثلَ له لذلك لا يَشُكُّون أنَّهُ الله. إ. هـ
أحمدُ بنُ حنبلٍ يُجَوِّزُ التَّأويلَ الَّذي هُوَ مُوَافقٌ لِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَلُغَةِ الْعَرَبِ لذلك أَوَّلَ قَوْلَهُ تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا. قال: جَاءَ أَمْرُهُ. وَفي رِوايةٍ: جَاءَتْ قُدْرَتُهُ. معناهُ اللهُ يُظهِرُ يومَ القيامةِ أهوالاً عَظيمةً، هِيَ آثارُ قُدرةِ الله، وَلَوْ كَانَ الإمَامُ أَحْمَدُ مُجَسِّمًا كَأَدْعِيَاءِ السَّلَفِيَّةِ في هَذَا الزَّمَانِ لَمَا أَوَّلَ الآيَةَ وَلَكَانَ أَخَذَ بِظَاهِرِهَا. أمَّا الْمُجَسِّمَةُ أَدْعِياءُ السَّلَفِيَّةِ فَيَقُولُونَ: التَّأويلُ تَعْطِيلٌ. اهـ. ـوالتَّعْطِيلُ هُوَ نَفيُ وُجُودِ اللهِ تعالى أَوْ صِفَاتهِ فَيَكُونُونَ بِذَلِكَ حَكَمُوا عَلَى أَحْمَدَ بِالْكُفْرِ لأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ مُعَطِّلاً، فَكَيْفَ بَعْدَ ذَلِكَ يَدَّعُونَ الانْتِسَابَ إِلَيه.
أحمدُ بنُ حنبلٍ يُنزِّهُ الله عنْ أَنْ يَكُونَ مُتَصَوَّرًا، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبَالِكَ فاللهُ بِخِلافِ ذلِكَ. رَوَاهُ أبو الْحَسَنِ التَّمِيميُّ الْحَنْبَليُّ في كِتَابِهِ الْمُسَمَّى اعتقادُ الإِمامِ الْمُبَجَّلِ أحمدَ بنِ حَنبلٍ، وَقَوْلُهُ هَذَا مَأخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الرسول صلى الله عليه وسلم: لا فِكْرَةَ في الرَّبِّ. رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الأَنْصَارِيُّ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي هذا المقال جانب كبير من الخطأ والمغالطة، وأصل ذلك أن يعلم السائل الكريم أن منهج أهل السنة والجماعة عدم تأويل الصفات مطلقا، وأن الألفاظ الشرعية لا يصح تأويلها إلا بدليل راجح، ويمكن أن تراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 64272، 74007، 12101 ومنها تعرف خطأ صاحب المقال في قوله (الوهابيةُ يُفَسّرُون آيات القرآن على الظاهر وهذا لا يجوز) !! فقوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا. {الفجر:22} ، لا يصح تأويله بظهور عجائب قدرة الله، وليس هذا هو مذهب أهل السنة كما ورد في هذا المقال، بل هذا مع مخالفته لظاهر القرآن يخالف نص السنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء، وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي. قال المنذري: رواه ابن أبي الدنيا والطبراني من طرق أحدها صحيح واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وحسنه الذهبي في العلو وصححه الألباني.
وبذلك قال أئمة التفسير.
قال الطبري: يقول تعالى ذكره وإذا جاء ربك يا محمد وأملاكه صفوفا صفا بعد صفّ. اهـ.
ثم أورد من الأحاديث والآثار ما يدل لقوله ويثبت مجيء الله تعالى.
وقال ابن كثير: وَجَاءَ رَبُّكَ. يعني لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعد ما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم.. فيشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء فيشفعه الله في ذلك.. فيجيء الرب تعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا. انتهى.
وهذا القول هو الذي نسبه الأشعري في (مقالات الإسلاميين) لأهل السنة في فصل: اختلاف الناس في التجسيم. بعد أن ذكر لهم ست عشرة مقالة، قال: وقال أهل السنة وأصحاب الحديث: ليس بجسم ولا يشبه الأشياء، وأنه على العرش.. وأن له وجها كما قال الله: (ويبقى وجه ربك) وأن له يدين، كما قال: (خلقت بيدي) .. وأنه يجيء يوم القيامة وملائكته، كما قال: (وجاء ربك والملك صفا صفا) .. . انتهى.
وأما ما نسب للإمام أحمد في تأويل هذه الآية بمجيء الأمر أو مجيء القدرة.
فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: هذا الذي ذكره القاضي وغيره أن حنبلا نقله عن أحمد في كتاب "المحنة" أنه قال ذلك في المناظرة لهم يوم المحنة لما احتجوا عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: تجيء البقرة وآل عمران، قالوا: والمجيء لا يكون إلا لمخلوق. فعارضهم أحمد بقوله: وجاء ربك. أو يأتي ربك. وقال: المراد بقوله "تجيء البقرة وآل عمران" ثوابهما، كما في قوله {وجاء ربك} أمره وقدرته. وقد اختلف أصحاب أحمد فيما نقله حنبل، فإنه لا ريب أنه خلاف النصوص المتواترة عن أحمد في منعه من تأويل هذا وتأويل النزول والاستواء ونحو ذلك من الأفعال. ولهم ثلاثة أقوال. قيل: إن هذا غلط من حنبل انفرد به دون الذين ذكروا عنه المناظرة، مثل صالح وعبد الله والمروذي وغيرهم.. وحنبل ينفرد بروايات يغلطه فيها طائفة كالخلال وصاحبه. قال أبو إسحاق ابن شاقلا: هذا غلط من حنبل لا شك فيه ... والقول الثاني: قال طائفة من أصحاب أحمد: هذا قاله إلزاما للخصم على مذهبه.. لا أنه يقول بذلك فإن مذهبه ترك التأويل. والقول الثالث: أنهم جعلوا هذا رواية عن أحمد. وقد يختلف كلام الأئمة في مسائل مثل هذه، لكن الصحيح المشهور عنه رد التأويل. انتهى.
وقال أيضا: قال الشيخ علي بن عبيد الله الزاغوني: وقد اختلف كلام إمامنا أحمد في هذا المجيء هل يحمل على ظاهره وهل يدخل التأويل؟ على روايتين، إحداهما أنه يحمل على ظاهره من مجيء ذاته، فعلى هذا يقول: لا يدخل التأويل إلا أنه لا يجب أن يحمل مجيئه بذاته إلا على ما يليق به، وقد ثبت أنه لا يحمل إثبات مجيء هو زوال وانتقال يوجب فراغ مكان وشغل آخر من جهة أن هذا يعرف بالجنس في حق المحدث الذي يقصر عن استيعاب المواضع والمواطن لأنها أكبر منه وأعظم يفتقر مجيئه إليها إلى الانتقال عما قرب إلى ما بعد، وذلك ممتنع في حق الباري تعالى لأنه لا شيء أعظم منه ولا يحتاج في مجيئه إلى انتقال وزوال لأن داعي ذلك وموجبه لا يوجد في حقه، فأثبتنا المجيء صفة له ومنعنا ما يتوهم في حقه ما يلزم في حق المخلوقين لاختلافهما في الحاجة إلى ذلك، ومثله قوله {وجاء ربك والملك صفا صفا} ... قال: وهذه الرواية هي المشهورة والمعمول عليها عند عامة المشايخ من أصحابنا.
قلت- أي ابن تيمية -: أما كون إتيانه ومجيئه ونزوله ليس مثل إتيان المخلوق ومجيئه ونزوله فهذا أمر ضروري متفق عليه بين علماء السنة ومن له عقل، فإن الصفات والأفعال تتبع الذات المتصفة الفاعلة، فإذا كانت ذاته مباينة لسائر الذوات ليست مثلها لزم ضرورة أن تكون صفاته مباينة لسائر الصفات ليست مثلها، ونسبة صفاته إلى ذاته كنسبة صفة كل موصوف إلى ذاته. ولا ريب أنه العلي الأعلى العظيم فهو أعلى من كل شيء وأعظم من كل شيء، فلا يكون نزوله وإتيانه بحيث تكون المخلوقات تحيط به أو تكون أعظم منه وأكبر هذا ممتنع، وأما لفظ "الزوال" و "الانتقال" فهذا اللفظ مجمل ... والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبت الله ورسوله باللفظ الذي أثبته وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه، وهو أن يثبت النزول والإتيان والمجيء؛ وينفي المثل والسمي والكفؤ والند. انتهى.
وراجع في إثبات المجيء ونحوه من الصفات الواردة في الكتاب والسنة، الفتويين: 120182، 93229.
وقول صاحب المقال المسؤول عنه: أحمد بن حنبل ينزه الله عن أن يكون متصوراً، فقد ثبت عنه أنه قال: مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك. رواه أبو الحسن التميمي الحنبلي في كتابه المسمى اعتقاد الإمام المبجل أحمد بن حنبل، وقوله هذا مأخوذ من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا فكرة في الرب. رواه أبو الحسن الأنصار.، فلم نجده في الكتاب المشار إليه هكذا، ولكن لفظه كما يلي: ذهب أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى إلى أن عدل الله عز وجل لا يدرك بالعقول؛ فلأجل ذلك كان من حمله على عقله جوره، وشرح بعض أصحابه ذلك فقال: لما كان الله سبحانه وتعالى لا يتصور بالعقول ولا يتمثله التمييز وفات العقول دركه، ومع ذلك فهو شيء ثابت، وما تصور بالعقل فالله بخلافه، وكذلك صفاته، فمن حمل الربوبية وصفاتها على عقله رجع حسيرا ورام أمرا ممتنعا عسيرا. انتهى.
والمشهور أن هذا الكلام من قول ذي النون المصري، كما رواه عنه ابن عساكر في (تاريخه) ونقله عنه القشيري في (الرسالة) والقاضي عياض في (الشفا) والذهبي في (السير) . وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب (الاستقامة) نحوه من كلام الحلاج ثم قال: هذا كلام مجمل، ومعناه الصحيح أن حقيقة الرب لا يتصورها العبد، من تصور شيئا اعتقد أنه حقيقة الرب فالله بخلاف ذلك. والمعنى الباطل أن يقال كلما تصوره العبد وعقله فهو مخالف للحق فليس الأمر كذلك انتهى..
وأما حديث (لا فكرة في الرب) فقال ابن كثير: ليس بمحفوظ بهذا اللفظ، وإنما الذي في الصحيح: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا حتى يقول: من خلق ربك، فإذا بلغ أحدكم ذلك فليستعذ بالله ولينته.
وقول صاحب المقال: (يُحاسب الخَلقَ بكلامه الذي ليس حرفًا ولا صوتًا ليس مقابلة) وبعده قوله: (يُحاسبهم بكلامه يُسمعُهم كلامَه الذي هو ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً) كلام يكفي في إبطاله تصوره، كما يقولون، وهو يخالف ما ثبت عن الإمام أحمد في كتاب (اعتقاد الإمام ابن حنبل) الذي نقل منه صاحب المقال، ففيه: إن القرآن كيف تصرف غير مخلوق، وإن الله تعالى تكلم بالصوت والحرف. انتهى.
وراجع في تفصيل ذلك الفتويين: 19390، 35232.
وقول صاحب المقال: (يَرَونَهُ بلا كيف ولا جهة لا يَرَونَهُ هكذا إلى فوق ولا يَرَونَهُ هكذا مُتَحَيّزًا إلى يمينهم ولا يَرَونَهُ مُتَحَيّزًا إلى جهة تحت بل بلا كيفٍ ولا جهة) ، فهذا الكلام حقيقته إنكار الرؤية، وهو من قول المبتدعة.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: والمؤمنون يرون ربهم يوم القيامة في الجنة في جهة العلو، وأما القول بأنه يرى لا في جهة فهو قول المبتدعة، وهو قول باطل يخالف ما ثبت في الأدلة من علو الله على خلقه. انتهى.
وفي بحث عن عقيدة الإمام الشافعي للدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس، نشر في (مجلة البحوث الإسلامية) قال: أخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان قال: حضرت محمد بن إدريس الشافعي جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ. قال الشافعي: فلما حجبوا هؤلاء في السخط كان هذا دليلا على أنهم يرونه في الرضا، قال الربيع: قلت: يا أبا عبد الله، وبه تقول؟ قال: نعم، إثبات أن الله متكلم بكلام حقيقي وكلام الله غير مخلوق به أدين الله.
قال: يرد الإمام الشافعي بقوله هذا على أصناف من الجهمية المعطلة كالمعتزلة حيث ينكرون رؤية المؤمنين ربهم بأبصارهم، كما يرد على الماتريدية والأشعرية حيث يزعمون أن المؤمنين يرون ربهم ولكن لا فوق ولا تحت ولا خارج ولا داخل ولا في جهة، وإلى آخر هذيانهم الذي جعلوا به الرؤية من المستحيلات الممتنعات، فصار قولهم هذا من أبطل الباطل لوجهين، الأول: الإنكار للرؤية وإن اعترفوا بها ظاهرا. الثاني: إنكار العلو لله تعالى. وهذا من أعظم الكفر وأقبح الإلحاد في صفات الله تعالى. انتهى.
ومن المناسب أن نختم الجواب على مسألة الرؤيا خاصة وعلى المقال عامة، بقول الطحاوي رحمه الله: والرؤية حق لأهل الجنة، بغير إحاطة ولا كيفية، كما نطق به كتاب ربنا: وجوه يومئذ ناضرة.. إلى ربها ناظرة. وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه، وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال، ومعناه على ما أراد لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه. انتهى.
ويا حبذا لو رجع السائل الكريم لشرح هذه الفقرة من العقيدة الطحاوية، وللمزيد من الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 2426، 31498.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1430(1/765)
معنى حديث: وكلتا يديه يمين
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حديثا: أن لله عز وجل يدين: يمينا ويسارا، وحديثا أن الله عز وجل كلتا يديه يمين، وقال العلماء ينبغي أن نؤمن بصفات الله كما جاءت، لأنه ليس كمثله شيء، والغريب أنني منذ مدة قرأت أو سمعت شريطاً للشيخ محمد بن صالح العثيمين قال معنى: كلتا يديه يمين أن كلتا يديه خير، فهل ذلك صحيح أم لا؟ وكيف أول الشيخ الصفات؟ مع أنه ـ رحمه الله ـ من علماء السنة، وما حكم ما قاله من وجهة نظرالشرع؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟.
وفي صحيح مسلم أيضاً عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المقسطين عند الله على منابر من نورعن يمين الرحمن عز وجل ـ وكلتا يديه يمين ـ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا.
ويمكن الجمع بين الحديثين بأن كلتا يديه سبحانه - وإن سميت إحداهما شمالاً - أي: ذات يمين وبركة وأنهما متصفتان بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما، بخلاف حال المخلوقين الذي تنقص يد أحدهم عن الأخرى في الشرف والقوة والكمال، ومن أهل العلم من ضعف رواية ـ بشماله ـ وصوب رواية أبي داود ـ يده الأخرى ـ وعلى كلا القولين، فنحن نؤمن بأن لله يدين، ونثبتهما له، وإنما كلامنا هنا على معنى كلمة اليمين وتوضيحه، وليس في هذا تأويل لصفة اليدين، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية: ومذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته أنهم يؤمنون بما جاء في كتاب الله عز وجل، وبما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تأويل ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، ولا يضاف إلى الله جل وعلا شيء من صفات النقائص وقوله في الحديث: كلتا يديه يمين. نقل البغوي عن الخطابي ـ رحمهما الله ـ أن هذه صفة جاء بها التوقيف، فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيفها، وننتهي إلى حيث انتهى بنا الكتاب والأخبارالصحيحة، وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
وقال بعض أهل العلم معنى: وكلتا يديه يمين. يعني في الشرف والفضل، وإن سميت إحداهما شمالاً. كما جاء في حديث ابن عمر في صحيح مسلم.
والشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ علم من أعلام أهل السنة، ويحسن بنا في هذا المقام أن ننقل كلامه، قال فضيلته: والجمع بين الحديثين واضح، أن الله تعالى له يمين وشمال، لكن كلتا اليدين يمين أي: يُمن وخير وبركة، فلا يتوهم واهم أنه إذا كانت له يد شمال أن يده الشمال قاصرة كما هي في المخلوقين، فالخلق أشرفهم البشر، والشخص يده الشمال قاصرة عن يده اليمين، ولهذا نهي الإنسان أن يأكل بشماله، أو يشرب بشماله، أو يأخذ بشماله، أو يعطي بشماله، فلما كان البشر هذه صفة اليد الشمال عندهم، رُفع هذا الوهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: كلتا يديه يمين. لقاء الباب المفتوح.
وبالتأمل في كلامه ـ رحمه الله ـ يتضح أنه يثبت لله يدين ـ على الوجه اللائق به سبحانه ـ دون تأويل، وإنما كلامه في توضيح معنى اليمن، ولماذا اتصفت به اليدان، وليس في هذا ما يخالف منهج أهل السنة والجماعة، وانظر الفتوى رقم: 63943.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1430(1/766)
الترهيب من وصف الله بـ (المايسترو الأعظم)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نقول فى وصف الحياة وما فيها بـ ـ سيمفونية الله ـ التى يؤدي فيها كل منا دوره فى الحياة وفي هذا اللحن إن كان هذا فى نص أدبي نثري؟ وهل يجوز أن نصف الله بأنه ـ المايسترو الأعظم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه يجب شرعا تعظيم الله تعالى وتعظيم حرماته فإن ذلك من مقتضى الإيمان، قال تعالى: مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا {نوح:13} . وقال عن حرماته وشعائره: وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ {الحج:30} . وقال أيضا: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32} .
ثم اعلم أنه لا يجوز أن يوصف الله تعالى إلا بنعوت وصفات الجلال والإكرام.
وأما يخصوص سؤالك فنقول: إن ـ السيمفونية ـ عبارة عن مقطوعة غنائية موسيقية، ووصف الحياة بأنها ـ سيمونية ـ الله مما لا يليق بالله تعالى، ويشعر بالاستخفاف بمقامه وسوء الأدب معه.
وأما ـ المايسترو ـ فتعني قائد الفرقة الموسيقية وموجهها، ووصف الله تعالى بأنه المايسترو الأعظم سوء أدب عظيم مع الله جل وعلا يتضمن القول على الله تعالى بغير علم وهو حرام، كما قال الله جل وعلا: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {الأعراف:33} .
ولا يستعمل هذه الألفاظ في حق الله تعالى إلا من لم يعرفه حق معرفته، قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {الزمر:67} .
وقال تعالى: مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا {نوح:13} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1430(1/767)
توضيح حول مناظرة الإمام عبد العزيز المكي وبشر المريسي
[السُّؤَالُ]
ـ[رقم الفتوى: 125860.
عنوان الفتوى: القرآن كلام الله حقيقة وليس عبارة عن ترجمة لكلام الله.
فلماذا فى المناظرة التى كانت أيام الخليفة المأمون عن نفس الموضوع محل الفتوى كان من حول الخليفة المأمون يقولون له إنه مخلوق؟ فأحضر واحدا منهم وأحضرعبد العزيز ـ الذى يقول إنه كلام الله غير مخلوق ـ فى المناظرة، سأل عبد العزيز الرجل الذى أحضره له المأمون هذا السؤال: هل الله عز وجل يعلم؟ فقال الرجل لا يجهل، لماذا لم يقل الله يعلم؟ أليس عند أهل السنة والجماعة أن الله يعلم؟ وكان الله بكل شىء عليما، لماذا تهرب من قول إن الله يعلم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمناظرة المذكورة كانت بين الإمام: عبد العزيز بن يحيى بن مسلم المكي المتوفى سنة 240 هجرية، وبين بشر بن غياث المريسي الجهمي المعتزلي المبتدع، وهي مطبوعة بعنوان: الحيدة والاعتذار في الرد على من قال بخلق القرآن.
وقد سأل الإمام عبد العزيز السني بشر المريسي في المناظرة المذكورة سؤالا، بعد أن ذكر الآيات التي تثبت علم الله تعالى فقال: فأخبر الله عز وجل بأخبار كثيرة في كتابه، أن له علماً، أًفَتُقِرُّ يا بشر أن لله علما كما أخبرنا أو تخالف التنزيل؟.
قال عبد العزيز: فحاد بشر عن جوابي وأبى أن يصرح بالكفر فيقول: ليس لله علم، فيكون قد رد نص التنزيل فتتبين ضلالته وكفره، وأبى أن يقول: إن لله علماً، فأسأله عن علم الله، هل هو داخل في الأشياء المخلوقة أم لا؟ وعلم ما أريد، وما يلزمه في ذلك من كسر قوله وإبطال حجته، فاجتلب كلاماً لم أسأله عنه، فقال: معنى علمه أنه لا يجهل. فأقبلت على المأمون فقلت: يا أمير المؤمنين لا يكون الخبر عن المعنى قبل الإقرار بالشيء، وإنما يكون الإقرار بالشيء ثم الخبر عن معناه، فليقر بشر أن لله علماً كما أخبرنا في كتابه، فإن سألته عن معنى العلم وهذا مما لا أسأله عنه فليجب أن الله لا يجهل، وقد حاد بشر يا أمير المؤمنين عن جوابي. انتهى.
فواضح من النقل السابق نفي بشر المريسي بأن الله يعلم وله علم، وذلك لأن الجهمية ينفون جميع صفات الله الثابتة له في القرآن والسنة ولا يقرون سوى بصفة الوجود المطلق له، ويعني الوجود مطلق في قولهم أنه لا يوصف بشيء إلا بالسلوب، يعني النفي فقط، ولهذا قال: لا يجهل، لما سئل عن علم الله، وهم معروفون في كتب أهل السنة والجماعة بأنهم نفاة الصفات، وقد تهرب من إثبات العلم، لأنه لو أثبتها لما استطاع أن يقول بأن علم الله مخلوق، لأن هذا القول مناقض مناقضة صريحة لآيات القرآن، وسيلزمه الإمام عبد العزيز بإثبات أن كلام الله غير مخلوق أيضا مثل العلم، وأن القرآن كلام الله فهو غير مخلوق. وتهرب من نفي العلم حتى لا يتبين كفره، كما ذكر الإمام عبد العزيز في النقل السابق.
وأما أهل السنة والجماعة فيثبتون لله صفة العلم وأنه عالم وعليم بكل شيء، وقد لخص ابن تيمية ـ رحمه الله ـ مذهب السلف الصالح في هذا الباب فقال: فالأصل في هذا الباب أن يوصف بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم نفياً وإثباتاً، فيثبت لله ما أثبته لنفسه، وينفي عنه ما نفاه عن نفسه، وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل. انتهى.
ولمزيد من التفصيل راجع الفتاوى التالية أرقامها: 24821، 26299، 27018، وكتاب: العقيدة السلفية في كلام رب البرية، وكشف أباطيل المبتدعة الردية للشيخ الجديع ص/298، والعقيدة في الله للأشقر، وشرح العقيدة الطحاوية للشيخ سفر الحوالي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1430(1/768)
حكم تعلم الصفات العشرين الواجبة لله تعالى على مذهب المتكلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[قد كثر الجدل في ماليزيا حول الصفات العشرين ـ الصفات الواجبة لله ـ ما هو حكم تعلم هذه الصفات العشرين؟ هل هو واجب أم غير واجب؟.
أفيدونا بإجابتكم رحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على المسلم الإيمان بما أثبت الله تعالى من الصفات لنفسه أو أثبته له الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يجب عليه تنزيه الله عما نزه عنه نفسه أو نزهه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فصفات الكمال كلها ثابتة لله تعالى، وصفات النقص مستحيلة عليه سبحانه وتعالى، فعلى المسلم أن يشتغل بمطالعة الكتاب والسنة ويتدبرها ويعتقد ما فيهما، ولا يضره جهل بعضها ما دام لا يعتقد ما يناقضها.
وأما عد الصفات الواجبة والصفات المستحيلة بسبع أو خمس أو عشرين أو ست وستين فهو منهج أهل الكلام. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 99624.
وقد قسم الأشاعرة وغيرهم من المتكلمين صفات الله تعالى إلى ثلاثة أقسام:
قسم واجب في حقه تعالى بمعنى: أن وصفه به تعالى واجب عقلا، لا يتصور في العقل عدمه. وقسم مستحيل عليه تعالى، بمعنى: أن وصفه به محال عقلا، لا يتصور في العقل وجوده. وقسم جائز في حقه تعالى: بمعنى أن وصفه به جائز عقلا، أي بحيث أن العقل يجوز أن يوصف به تعالى وأن لا يوصف.
والصفات الواجبة عندهم عشرون صفة هي: الوجود، والقدم، والبقاء، ومخالفته تعالى للحوادث، وقيامه تعالى بنفسه، والوحدانية، والقدرة، والإرادة، والعلم، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، وكونه تعالى قادرا، مريدا، عالما، حيا، سميعا، بصيرا، متكلما.
وأهل السنة والجماعة يتلخص منهجهم في: إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تجسيم ولا تكييف، سواء من هذه الصفات العشرين أو غيرها، كما سبق التنبيه عليه في الفتويين رقم: 44867، 26299، ولذلك فهم يثبتون صفات أخرى لله تعالى لورود الخبر بها، منها صفات فعلية، كصفة الاستواء والمعية والقرب والنزول إلى سماء الدنيا كما يليق به والمجيء يوم القيامة والتعجب والرحمة والرضا والضحك والفرح والغضب.
ومنها صفات ذاتية كصفة الوجه والنفس واليد والأصابع والعين والساق والقَدَم.
وقد سبق التنبيه على أن السلف يثبتون الصفة ويفوضون الكيفية في الفتوى رقم: 46438، وكذلك سبق بيان بعض القواعد في التعامل مع الصفات الإلهية في الفتوى رقم: 27018.
ولنضرب مثلا لبيان الفرق بين مذهب السلف ومذهب الخلف من المتكلمين، في واحدة من الصفات العشرين السابقة، وهو صفة مخالفة الله للحوادث. فمعناها على مذهب السلف أن الله تعالى لا يشبه أحدا من خلقه، ولا يشبهه أحد من خلقه، وهذا لا ينفي ثبوت الصفات التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، كما يقتضيه قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {الشورى: 11} .
أما المتكلمون فمخالفة الله للحوادث عندهم تعني نفي بعض صفات الكمال عنه، زعما منهم أن من أثبت هذه الصفات التي ذكرناها كالاستواء والمجيء، فقد شبه الله بخلقه. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 28417.
وقد سبق في الفتوى رقم: 24821، التنبيه على أن ما تنازع فيه المسلمون من المسائل العلمية والعملية أصولا وفروعا يجب أن يرد إلى الكتاب والسنة، ولا يحل لأحد كائنا من كان أن يتكلم في أصول الدين ومسائل التوحيد برأيه، أو أن يتخرص فيه بالظنون والأوهام، بل لا يتكلم في ذلك إلا من تلقاه من الكتاب والسنة، وما أجمع عليه سلف هذه الأمة. والمسائل الدقيقة في العقائد لا يجوز الكلام فيها أمام العامة ولا مخاطبتهم بها، وإنما يؤمرون بالجمل الثابتة من الكتاب والسنة والإجماع دون الخوض في التفاصيل والمسائل الدقيقة المشكلة. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 45708، ورقم: 53784.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1430(1/769)
جواب شبهة حول حديث (أن الله يضع السموات على إصبع..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة في الله، أما آن الأوان لكي نحكم العقل فيما ورد في السنة النبوية، والتي غالبا ما ترد فيها أشياء تنسب إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم. بغض النظر عن سند الحديث يجب التفكر في متنه، ولست أدعي العلم لكن الفطرة السليمة تأبى أن يصور الخالق بهذا الشكل على لسان يهودي، ليثبت أن الله تعالى لديه يد وخمسة أصابع، ونكتفي بالقول بدون تمثيل أو تجسيم أو تشبيه!! فهل بعد هذا التجسيم شيء آخر أو ليس هذا تجسيما وتشبيها؟ وهل انقطعت الدلائل والبراهين لإثبات قدرة الله تعالى إلا من خلال ذلك المشهد الذي لا يليق بالخالق؟ تعالى الله عما تصفون علوا كبيرا وإنا لله وإنا إليه راجعون. عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- قال: جاء حَبرٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول بيده: أنا الملك. فضحك رسول الله، وقال: وما قدروا الله حق قدره. متفق عليه.
المفردات: حبر: العالم من علماء اليهود.
المعنى الإجمالي: يتعاظم الإنسان في نفسه عند رؤية قوة كثير من مظاهر الطبيعة كالرياح، الزلازل، البراكين. ويقيس قوتها بما تحدثه من دمار هائل في الأرض والإنسان والحياة بشكل عام، ولكنه ينسى في خضم انشغاله بما يراه من قوة مظاهر الطبيعة القوة الحقيقة التي تحرك كل تلك القوى، وهي قوة الله سبحانه الذي يملك مقاليد الأمر في الأرض والسماء. والتذكير بهذه القوة ليس لتخويف العباد من ربهم بل من أجل زرع تعظيمه في نفوسهم تعظيما يولد حباً، ويعين على طاعته وشكر نعمه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ الحبر في كلامه حول عظمة الله وقوته، وكيف أنه بقوته يضع الرحمن السموات بعظمها على إصبعه، والأرض باتساعها وثقلها على إصبع، وهذه الجبال التي تتصاغر أنفسنا أمام علوها وارتفاعها يضعها الرب جميعا على إصبع، والأشجار بكثرتها، والأنهار بطولها، وسائر الخلق بتعدده وتنوعه يضعه الرب على إصبع، فأي عظمة هي عظمة الله، وأي قوة هي قوته سبحانه، فكيف يعصيه بشر، وكيف يكفر به إنسان، ألا ما أعظَمَ حلم الله على عباده.
الفوائد العقدية:
1- إثبات عظمة الله وقوته. 2- وجوب تعظيم الله وإجلاله. 3- إثبات الأصابع لله من غير تمثيل ولا تكييف. 4- إثبات اليد لله من غير تمثيل ولا تكييف. 5- إثبات صفة الكلام لله من غير تمثيل ولا تكييف. 6- موافقة أهل الكتاب فيما أخبروا به من الحق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لنتعجب أشد العجب من جرأة السائل وتهجمه على السنة النبوية الصحيحة الثابتة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: أما آن الأوان لكي نحكم العقل فيما ورد من السنة النبوية والتي غالبا ما يرد فيها أشياء تنسب إلى النبي الأكرم بغض النظر عن سند الحديث يجب التفكير في متنه! ... إلخ.
فقولك آن الأوان لكي نحكم العقل بغض النظر عن سند الحديث خطأ كبير فمن أنت حتى تحكم عقلك في النصوص الصحيحة الثابتة!
وكان الواجب عليك الرجوع إلى العلماء الثقات ليزيلوا عنك الشبهات ويردوك إلى جادة الصواب، ولذلك نجد أنفسنا مضطرين إلى بيان جملة من الأصول والقواعد التي ينبغي مراعاتها في التعامل مع مثل هذه الأحاديث التي أشار إليها السائل، ثم بيان التفسير الصحيح الذي اتبعه سلف الأمة لأحاديث الصفات:
الأصل الأول في الصفات وهو: أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل كما جمع الله تعالى بينهما في قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. {الشورى:11} .
فقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ نفي متضمن لكمال صفاته مبطل لمنهج أهل التمثيل، وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. إثبات لأسمائه وصفاته وإبطال لمنهج أهل التحريف والتعطيل، فنثبت ما أثبته الله لنفسه وننفي ما نفى الله عن نفسه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهذا هو المنهج السليم الواجب المبني على العلم والحكمة والسداد في القول والاعتقاد، وله دليلان أثري ونظري، وإن شئت فقل سمعي وعقلي.
أما الأثري السمعي فمنه قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. {الأعراف:180} . وقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. {الشورى:11} . وقوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. {النحل:74} .
وأما النظري العقلي فلأن القول في أسماء الله وصفاته من باب الخبر المحض الذي لا يمكن للعقل إدراك تفاصيله، فوجب الوقوف فيه على ما جاء به السمع.
واعلم أن الاشتراك في الأسماء والصفات لا يستلزم تماثل المسميات والموصوفات، كما دل على ذلك السمع، والعقل، والحس.
ومن قال بتحكيم العقل في هذا الباب يرد عليه من وجوه:
الأول: أن الرجوع إلى العقل في هذا الباب مخالف لما كان عليه سلف الأمة من الصحابة، والتابعين، وأئمة الأمة من بعدهم، فما منهم أحد رجع إلى العقل في ذلك وإنما يرجعون إلى الكتاب والسنة، فيثبتون لله تعالى من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسله إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل.
قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل: نصف الله بما وصف به نفسه، ولا نتعدى القرآن والحديث.
الثاني: أن الرجوع إلى العقل في هذا الباب مخالف للعقل؛ لأن هذا الباب من الأمور الغيبية التي ليس للعقل فيها مجال، وإنما تتلقى من السمع، فإن العقل لا يمكنه أن يدرك بالتفصيل ما يجب ويجوز ويمتنع في حق الله تعالى؛ فيكون تحكيم العقل في ذلك مخالفاً للعقل.
الثالث: أن الرجوع في ذلك إلى العقل مستلزم للاختلاف والتناقض، فإن لكل واحد منهم عقلاً يرى وجوب الرجوع إليه كما هو الواقع في هؤلاء، فتجد أحدهم يثبت ما ينفيه الآخر، وربما يتناقض الواحد منهم فيثبت في مكان ما ينفيه أو ينفي نظيره في مكان آخر، فليس لهم قانون مستقيم يرجعون إليه.
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتوى الحموية:
فيا ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة، فرضي الله عن الإمام مالك بن أنس حيث قال: أوكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء.
ومن المعلوم أن تناقض الأقوال دليل على فسادها.
الرابع: أنهم إذا صرفوا النصوص عن ظاهرها إلى معنى زعموا أن العقل يوجبه، فإنه يلزمهم في هذا المعنى نظير ما يلزمهم في المعنى الذي نفوه مع ارتكابهم تحريف الكتاب والسنة.
مثال ذلك: إذا قالوا المراد بيد الله عز وجل: القوة دون حقيقة اليد؛ لأن إثبات حقيقة اليد يستلزم التشبيه بالمخلوق الذي له يد. فنقول لهم: يلزمكم في إثبات القوة نظير ما يلزمكم في إثبات اليد الحقيقية؛ لأن للمخلوقات قوة، فإثبات القوة لله تعالى يستلزم التشبيه على قاعدتكم.
والقول الفصل المطرد السالم من التناقض ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها من إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه من الأسماء والصفات، إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل، وإجراء النصوص على ظاهرها على الوجه اللائق بالله عز وجل، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
ويتبين هذا بأصلين:
أحدهما: أن يقال لمن يثبت بعض الصفات دون بعض: القول في بعض الصفات كالقول في بعض. أي أن من أثبت شيئاً مما أثبته الله لنفسه من الصفات ألزم بإثبات الباقي، ومن نفى شيئاً منه ألزم بنفي ما أثبته وإلا كان متناقضاً.
الأصل الثاني: أن يقال لمن يقر بذات الله تعالى ويمثل في صفاته أو ينفيها: القول في الصفات كالقول في الذات.
يعني أن من أثبت لله تعالى ذاتاً لا تماثل ذوات المخلوقين لزمه أن يثبت له صفات لا تماثل صفات المخلوقين، لأن القول في الصفات كالقول في الذات، وهذا الأصل يخاطب به أهل التمثيل، وأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم.
فيقال لأهل التمثيل: ألستم لا تمثلون ذات الله بذوات المخلوقين؟! فلماذا تمثلون صفاته بصفات خلقه؟
أليس الكلام في الصفات فرعاً عن الكلام في الذات؟!
ويقال لأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم: ألستم تقولون بوجود ذات لا تشبه الذوات؟ فكذلك قولوا بصفات لا تشبه الصفات!!
مثال ذلك: إذا قال: إن الله استوى على العرش فكيف استواؤه؟
فيقال له: القول في الصفات كالقول في الذات فأخبرنا كيف ذاته؟
فإن قال: لا أعلم كيفية ذاته.
قيل له: ونحن لا نعلم كيفية استوائه.
وحينئذ يلزمه أن يقر باستواء حقيقي غير مماثل لاستواء المخلوقين، ولا معلوم الكيفية، كما أقر بذات حقيقية غير مماثلة لذوات المخلوقين، ولا معلومة الكيفية، كما قال مالك وشيخه ربيعة وغيرهما في الاستواء: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
والرد على من يقول في نصوص الصفات: لا يجوز إجراؤها على ظاهرها لأن ظاهرها غير مراد.
فجوابه أن يقال: ماذا تريد بالظاهر؟ أتريد ما يظهر من النصوص من المعاني اللائقة بالله من غير تمثيل، فهذا الظاهر مراد لله ورسوله قطعاً، وواجب على العباد قبوله، والإيمان به شرعاً؛ لأنه حق ولا يمكن أن يخاطب الله عباده بما يريد منهم خلاف ظاهره بدون بيان كيف، وقد قال: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم. {النساء: 26} وقال: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا. {النساء: 176} . ويقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ. {النحل: 44} . ويقول: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. {الشورى: 52} . ومن خاطب غيره بما يريد منه خلاف ظاهره بدون بيان فإنه لم يبين له ولم يهده.
أم تريد بالظاهر ما فهمته من التمثيل؟ فهذا غير مراد لكنه ليس ظاهر نصوص الكتاب والسنة؛ لأن هذا الظاهر الذي فهمته كفر وباطل بالنص والإجماع، ولا يمكن أن يكون ظاهر كلام الله ورسوله كفراً وباطلاً، ولا يرتضي ذلك أحد من المسلمين.
وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن نصوص الصفات تجرى على ظاهرها اللائق بالله عز وجل من غير تحريف، وأن ظاهرها لا يقتضي تمثيل الخالق بالمخلوق، فاتفقوا على أن لله تعالى حياة، وعلماً، وقدرة، وسمعاً، وبصراً، حقيقة، وأنه مستوٍ على عرشه حقيقة، وأنه يحب ويرضى، ويكره ويغضب حقيقة، وأن له وجهاً ويدين حقيقة؛ لقوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ. {الفرقان: 58} . وقوله: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. {البقرة: 29} . وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. {المائدة: 120} . وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. {الشورى: 11} . وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. {طه: 5} . وقوله: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ. {المائدة: 54} . رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه. {المائدة: 119} . وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ. {التوبة: 46} . وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ. {النساء: 93} وقوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ. {الرحمن: 27} . بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان. {المائدة: 64} .
فأجروا هذه النصوص وغيرها من نصوص الصفات على ظاهرها وقالوا: إنه مراد على الوجه اللائق بالله تعالى فلا تحريف ولا تمثيل.
وأما القول بأن صفة اليدين في قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء. {المائدة: 64} يستلزم إثبات جارحة.
فنقول فيه: إن ثبوت اليدين الحقيقيتين لله عز وجل لا يستلزم معنى فاسداً، فإن لله تعالى يدين حقيقيتين تليقان بجلاله وعظمته، وبهما يأخذ ويقبض، ولا تماثلان أيدي المخلوقين، وهذا من كماله وكمال صفاته، قال الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ. {الزمر: 67} وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل. فأي معنى فاسد يلزم من ظاهر النص حتى يقال إنه غير مراد؟!
ولابد من تقرير أمر مهم وهو: الكيف غير معلوم: وأما كون ما أخبرنا الله به عن نفسه مجهولاً لنا من جهة الكيفية فثابت بدلالة السمع والعقل.
فأما دلالة السمع: فكما في قوله تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً. [طه:110] . فإن نفي الإحاطة علماً شامل للإحاطة بذاته وصفاته، فلا يعلم حقيقة ذاته وكنهها إلا هو سبحانه وتعالى، وكذلك صفاته.
وأما دلالة العقل على ذلك: فلأن الشيء لا تدرك كيفيته إلا بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره المساوي له، أو الخبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق منتفية في كيفية ذات الله تعالى وصفاته، فتكون كيفية ذات الله وصفاته مجهولة لنا.
وأيضاً فإننا نقول: ما هي الكيفية التي تقدرها لذات الله تعالى وصفاته؟! إن أي كيفية تقدرها في ذهنك، أو تنطق بها بلسانك فالله أعظم وأجل من ذلك، وإن أي كيفية تقدرها في ذهنك، أو تنطق بها بلسانك فستكون كاذباً فيها؛ لأنه ليس لك دليل عليها.
ورجوعا إلى حديث عبد الله بن مسعود وقول الحبر: إن الله يضع السماء على إصبع ... إلخ
فنقول:
هذا الضحك من النبي صلى الله عليه وسلم تقرير لقول الحبر، ولهذا قال ابن مسعود: تصديقا لقول الحبر، ولو كان منكرا ما ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم ولا استشهد بالآية، ولقال له: كذبت كما كذب الذين ادعوا أن الذي يزني لا يرجم، ولكنه ضحك تصديقا لقول الحبر وسرورا بأن ما ذكره موافق لما جاء به القرآن الذي أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله: ثم قرأ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ. الآية: وهذا معنى الآية الذي لا تحتمل غيره، وأن السماوات مطويات كطي السجل للكتب بيمينه، أي: تبارك وتعالى، لأن ذلك تفسيره صلى الله عليه وسلم، وتفسيره في الدرجة الثانية من حيث الترتيب، لكنه كالقرآن في الدرجة الأولى من حيث القبول والحجة.
وأما تفسير أهل التحريف، فيقول بعضهم: (قبضته) ، أي: في قبضته وملكه وتصرفه، وهو خطأ، لأن الملك والتصرف كائن يوم القيامة وقبله.
قول بعضهم: (السماوات مطويات) ، أي: تالفة وهالكة، كما تقول انطوى ذكر فلان، أي: زال ذكره.
و (بيمينه) ، أي: بقسمه، لأن الله تعالى قال: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ. {الرحمن: 26-27} . فجعلوا المراد باليمين القسم ... إلى غير ذلك من التحريفات التي يلجأ إليها أهل التحريف، وهذا لظنهم الفاسد بالله، حيث زعموا أن إثبات مثل هذه الصفات يستلزم التمثيل، فصاروا ينكرون ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته رسوله وسلف الأمة بشبهات يدعونها حججا.
فيقال لهم: هل أنتم أعلم بالله من الله؟
إن قالوا: نعم، كفروا، وإن قالوا لا، خُصموا، وقلنا لهم: إن الله بين ذلك أبلغ بيان بأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والرسول صلى الله عليه وسلم أقر الحبر على ما ذكر فيما يطابق الآية، وهل أنتم أنصح من الرسول صلى الله عليه وسلم لعباد الله؟ فسيقولون: لا.
فهذا الحديث فيه إثبات الأصابع لله -عز وجل- وأنها من الصفات الذاتية التي تليق بالله وعظمته، وفيه إثبات خمسة أصابع لله عز وجل وأن الله تعالى يضع السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال على أصبع، والشجر على أصبع، وسائر الخلق على إصبع، فهذه خمسة أصابع.
قال ابن خزيمة في باب إثبات الأصابع لله عز وجل بعد ذكر أحاديث الأصابع:
والصواب والعدل في هذا الجنس مذهباً، مذهب أهل الآثار ومتبعي السنن، واتفقوا على جهل من يسميهم مشبهة، إذ الجهمية المعطلة جاهلون بالتشبيه ... كيف يكون مشبهاً من يثبت لله أصابع على ما بيّنه النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم للخالق البارئ.
ونذكر السائل بما آل إليه حال من سلك مسلك أهل الكلام في الصفات فقد قال بعض العلماء: أكثر الناس شكّاً عند الموت أهل الكلام.
وقد رجع بعضهم قبل موته إلى مذهب السلف، ومنهم الرازي حيث قال:
رأيت أقرب الطرق طريقة القرآن: أقرأُ في الإثبات: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. {طه: 5} يعني: فأثبت، وأقرأ في النفي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. {الشورى: 11} ، وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا. {طه: 110} . ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
لأنه أقر قبل هذا الكلام، فقال: لقد تأملت الطرق الكلامية ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن.
قال الشيخ ابن عثيمين:
والحاصل أن هؤلاء المنكرين لما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله عز وجل اعتماداً على هذا الظن الفاسد أنها تقتضي التمثيل قد ضلوا ضلالاً مبيناً، فالصحابة رضي الله عنهم هل ناقشوا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا؟ والذي نكاد نشهد به أنه حين يمر عليهم مثل هذا الحديث يقبلونه على حقيقته لكن يعلمون أن الله لا مثل له، فيجمعون بين الإثبات وبين النفي.
إذاً موقفنا من هذا الحديث الذي فيه إثبات الأصابع لله عز وجل أن نقر به ونقبله، ولا نقتصر على مجرد إمراره بدون معنى فنكون بمنزلة الأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، بل نقرؤه ونقول: المراد به إصبع حقيقي يجعل الله عليه هذه الأشياء الكبيرة، ولكن لا يجوز أبداً أن نتخيل بأفهامنا أو أن نقول بألسنتنا: إنه مثل أصابعنا، بل نقول: الله أعلم بكيفية صفاته، بل نكل علمها إلى الله سبحانه وتعالى إلخ كلامه رحمه، وللمزيد يمكنك أيها السائل مراجعة: ودرء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية، وتقريب التدمرية للشيخ ابن عثيمين، والقول المفيد على كتاب التوحيد للشيخ ابن عثيمين، وقد اعتمدنا في جوابنا على ما ذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في موقعه وبعض كتبه وهو رحمه الله كان له باع طويل في الرد على المخالفين وتقرير مذهب السلف أجزل الله له المثوبة ورحمه رحمة واسعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1430(1/770)
حكم الدراسة في جمعية عقيدة أصحابها تخالف السلف
[السُّؤَالُ]
ـ[ (الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية) الشيخ الكريم هذه الجمعية عندما قرأنا منهجها في العقيدة وجدنا أنهم يقولون إن الله في كل مكان، وإن معنى قوله سبحانه {الرحمن على العرش استوى) هو أن الرحمن على العرش استولى، ويزعمون أن عقيدتهم هذه مشتقة من عقيدة السلف ولا خلاف. فنرجو منكم التوضيح. وما حكم الدراسة في هذه الجمعية أعني دراسة العلم الشرعي، ونرجو أن لا تحيلونا إلى سؤال آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأجمع عليه الصحابة والتابعون والأئمة، أن الله تعالى بائن من خلقه مستو على عرشه، وعرشه فوق سمواته.. ومعنى الاستواء عند أهل السنة والجماعة هو: العلو والارتفاع والصعود.. وأن معية الله لنا مع علوه سبحانه معناه معية العلم والإحاطة ونحو ذلك، والقول بأن الله تعالى بذاته معنا في كل مكان كفر صريح، قال الإمام ابن خزيمة: من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ثم ألقي على مزبلة لئلا يتأذى به أهل القبلة ولا أهل الذمة. انتهى. وقد سبق تفصيل ذلك وبيان أدلته وأقوال الأئمة فيه، والرد على من يخالفه، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8825، 6707، 66332، 4117، 107461.
وأما حكم الدراسة في هذا المعهد فالأصل أن يبتعد المسلم عن أهل البدع والأهواء، فإن هذا العلم دين فينبغي أخذه من أهله، كما روى مسلم في صحيحه عن ابن سيرين قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
فإن توفر غيره من المعاهد التي تلتزم بمذهب أهل السنة فلا تصلح الدراسة فيه، فإن سماع البدع من المنكرات التي يحرم السكوت عليها مع القدرة على إنكارها، وقد قال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأنعام:68} ، وإذا لم يتوفر غيرها واستطعت الرجوع لأهل العلم الثقات للوقوف على حقيقة بدعهم بحيث لا تتأثر بها ولا تشتبه عليك، فلا حرج في إكمال تلك الدراسة إن شاء الله، فإنه من المعلوم أن الدراسة النظامية أقرب لتحصيل العلم بمنهجية وتدرج وانتظام، وعليك حينئذ أن تبين الحق بقدر طاقتك سواء للشيوخ أو الطلبة، وراجع للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30036، 38541، 48968، 117669.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1430(1/771)
إثبات صفة القدم وقواعد لمعرفة صفات الله
[السُّؤَالُ]
ـ[في صحيح مسلم، والبخاري، والترمذي، عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوى بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك ? ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله خلقا فيسكنهم فضل الجنة.
الشيخ الغزالي-رحمه الله- أخرج الحديث من باب الصفات في كتابه سر تأخر المسلمين، ص51 وقال: قال علماؤنا- رحمهم الله- أما معنى القدم هنا فهم قوم يقدمهم الله إلى النار ? وقد سبق في علمه أنهم من أهل النار ? وكذلك الرجل وهو العدد الكثير من الناس وغيرهم. وأورد الأدلة على ذالك. ولكن سألت أحد المبتدئين في طلب العلم عن هذا الحديث فقال لى: القدم معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وقال هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة.
1-فما هو القول الصواب في هذه المسألة؟
2-وما هو الضابط لمعرفة صفات الله-تعالى-من الكتاب والسنة؟
3-وهل هناك كتاب سهل العبارة جمع هذه الصفات بأسلوب سهل بسيط بعيدا عن تعقيدات علم الكلام وأورد الآراء فيها وبين صحيحها.؟
4-وإذا احتمل اللفظ معنى لغوى فهل يوجد مانع في إعماله؟
5-وما هو الكتاب الذي تنصح فضيلتك-بارك الله فيك- المسلم بقراءته في الصفات وهذا المجال عموما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصواب في هذه المسألة هو مذهب السلف -رضوان الله عليهم- من إثبات صفة القدم لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى، مع تفويض العلم بكيفيتها إلى الله عز وجل فهو أعلم بذاته منا.
وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة، فعن مالك، والأوزاعي، وسفيان، والليث، وأحمد بن حنبل أنهم قالوا في الأحاديث في الرؤية والنزول: أمروها كما جاءت. وروى عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أنه قال في الأحاديث التي جاءت إن الله يهبط إلى السماء الدنيا، ونحو هذا من الأحاديث: إن هذه الأحاديث قد رواها الثقات فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها. انظر مجموع فتاوى ابن تيمية.
وروى ابن أبي حاتم أيضا عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول: وقد سئل عن صفات الله وما يؤمن به؟ فقال: لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته لا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها لأن القرآن نزل بها. اهـ
ونقل أيضا عن حنبل أنه قال: سألت أبا عبد الله -يقصد الإمام أحمد بن حنبل- عن الأحاديث التي تروى أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى، ولا نرد منها شيئا، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا كانت بأسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف الله تبارك وتعالى بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ليس كمثله شيء. انظر مجموع فتاوى ابن تيمية.
والضابط في باب الإيمان بصفات الله هو أن نؤمن بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل نؤمن بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فلا ننفي عنه ما وصف به نفسه ولا نحرف الكلم عن مواضعه، ولا نلحد في أسماء الله وآياته، ولا نكيف ولا نمثل صفاته بصفات خلقه، لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفء له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى، فإنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا، وأحسن حديثا من خلقه.
وهذا يشتمل على قواعد لمعرفة صفات الله منها:
1- الأدلة التي تثبت بها أسماء الله وصفاته هي الكتاب والسنة، لا تثبت أسماء الله وصفاته بغيرهما.
2- الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف، لا سيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.
3- ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار، ومجهولة لنا باعتبار آخر، فباعتبار المعنى هي معلومة، وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة.
4- ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق وما يضاف إليه الكلام، فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في سياق ومعنى آخر في سياق. وتركيب الكلام يفيد معنى على وجه، ومعنى آخر على وجه.
وفي ضوء ما سبق يتضح أن الأصل في اللفظ حمله على الحقيقة إلا إذا جاءت قرينة تصرفه إلى معنى مجازي.
والأصل كذلك حمل اللفظ على ظاهره إلا إذا جاءت قرينة توجب تأويله بمعنى آخر.
وعلى ذلك فمجرد احتمال اللفظ لمعنى لغوي لا يجيز حمله على ذلك المعنى إلا بقرينة.
ومن الكتب السهلة في باب الأسماء والصفات كتاب: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
وننصحك بقراءة الكتاب المذكور، وكذلك كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية. وقد شرحها العلامة ابن عثيمين شرحا سهلا مفيدا. وكتاب: منهج ودراسات في آيات الأسماء والصفات. للعلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله.
وكذلك كتاب منهج الأشاعرة في العقيدة للشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي فهو بكامله رد على هذه المدرسة التي تؤول الصفات.
وإذا أردت التوسع في ذلك فاقرأ في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية المجلد الثالث: مجمل اعتقاد السلف، والمجلد الرابع: مفصل الاعتقاد. والمجلدين الخامس والسادس: الأسماء والصفات، ففيها ما يروي غليلك إن شاء الله تعالى.
وارجع كذلك إلى كتاب التسعينية في الرد على طوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة وغيرهم. لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو داخل في مجموع الفتاوى في بعض الطبعات.
كما ننصحك بقراءة كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، وسبقت فتوى عن إثبات صفة القدم لله سبحانه وتعالى برقم: 39292، وراجع للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 46438، 64272، 107461، 101823.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1430(1/772)
سؤال أين الله؟ وحكم امتحان الناس به
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أناس يسألون الناس أين الله ألا يصدق عليهم قول الله فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ... إلى آخره، علي كل حال لو أجاب بأنه الحاضر والناظر في كل مكان فيبادر أذهانهم إلى السؤال هل هو موجود في الحمام - فأنا أسأل منه هل يسمح لي كل ما أعمل في الحمام لأنك نفيت الرقابة، لو قلت إن علمه وقدرته شامل لهذه الأماكن فأي إنصاف هذا، تنفي ذاته وتشمل لها صفاته لهذه الأماكن، الله علم لذات واجب الوجود المستجمع لجميع صفات الكمال المنزه عن الزوال والنقصان، علم الله وقدرته صفات الله سبحانه وتعالى، الاستواء معروف والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة، فكان من المفروض أن لا يسأل الناس بهذا السؤل، أرجو من سعاتدكم التوضيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسؤال: أين الله؟ قد منع منه بعض العلماء، والصواب جوازه لما ثبت في صحيح مسلم في حديث معاوية بن الحكم السلمي في قصة ضربه لجاريته وفيه: قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها. فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة. وقد سبق ذكر ذلك في الفتوى رقم: 1360.
هذا من ناحية صحة السؤال وفائدته، أما أن يتخذ ذلك ديدنا يمتحن به الناس دون حاجة لذلك، فلا شك أن هذا مخالف للسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه سأل هذا السؤال لغير هذه الجارية ـ فيما نعلم ـ وكان سؤاله صلى الله عليه إياها لأمر جَدَّ وداعٍ وُجِد، ومصلحة وحاجة ظاهرة.
وقد سئل الشيخ عبد المحسن العباد: هل يستفاد من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ ومن أنا؟) جواز اختبار بعض الناس لمعرفة عقيدتهم وكذلك لمعرفة منهجهم بسؤالهم بعض الأسئلة؟
فأجاب: السؤال هناك حصل لمعرفة كونها من أهل الإيمان، فإذا كانت هناك حاجة إلى معاملة إنسان أو إلى مداخلة إنسان فيمكن للإنسان أن يحتاط في التعرف عليه بسؤاله عما يحتاج إلى معرفته. شرح سنن أبي داود، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 61916.
ثم ليعلم السائل الكريم أن الله تعالى بعلمه وإحاطته وقدرته في كل مكان، وهو مع ذلك مستو على عرشه بائن من خلقه، ذات واحدة مستجمعة لكل صفات الكمال، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6707، 8825، 70958.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1430(1/773)
مذهب السلف في الحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ابن تيمية يقول بأزلية العالم، ما رأيكم؟ وكيف له أن يقول بأن الله محدود، وقد قال علي رضي الله عنه: من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود. وأئمة السلف ينفون الحد، قال الطحاوي: وتعالى عن الحدود والغايات والآلات والأدوات، وهو مذهب كل السلف. ما رأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما قولك إن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول بأزلية العالم فغير صحيح، ولعل الأمر التبس عليك، وإنما وقع الخلاف في المسألة المسماة بحوادث لا أول لها، وهي مسألة من المسائل الدقيقة التي لا ينبغي أن يشتغل بها عوام المسلمين، والتي لا يتسع المقام للبحث فيها، ويمكنك أن تراجع فتوانا رقم: 63117 بخصوص هذه المسألة.
وأما قولك بأن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول بأن الله محدود إلى آخر كلامك، فجوابه أن لفظ الحد من الألفاظ المجملة التي لم ترد في الكتاب والسنة، فالصواب فيها عدم إثباتها ولا نفيها بالإجمال، وفي بيان ذلك يقول ابن أبي العز الحنفي في شرحه على العقيدة الطحاوية عند شرحه لكلام الطحاوي الذي ذكرته: الناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال: فطائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصل وهم المتبعون للسلف، فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا تبين ما أثبت بها فهو ثابت وما نفي بها فهو منفي، لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إجمال وإبهام كغيرها من الألفاظ الاصطلاحية فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي، ولهذا كان النفاة ينفون بها حقا وباطلا، ويذكرون عن مثبتها ما لا يقولون به، وبعض المثبتين لها يدخل لها معنى باطلا مخالفا لقول السلف ولما دل عليه الكتاب والميزان، ولم يرد نص من الكتاب ولا من السنة بنفيها ولا إثباتها، وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله نفيا ولا إثباتا وإنما نحن متبعون لا مبتدعون.
فالواجب أن ينظر في هذا الباب أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه وما نفاه الله ورسوله نفيناه، والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني، وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها فلا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها، فإن كان معنى صحيحا قيل لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص دون الألفاظ المجملة إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد، والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها ونحو ذلك. اهـ.
ثم قال ما خلاصته: فالمعنى الذي أراده الشيخ – يعني الطحاوي - رحمه الله من النفي الذي ذكره هنا حق لكن حدث بعده من أدخل في عموم نفيه حقا وباطلا فيحتاج إلى بيان ذلك وهو أن السلف متفقون على أن البشر لا يعلمون لله حدا وإنهم لا يحدون شيئا من صفاته.. وسيأتي في كلام الشيخ: وقد أعجز خلقه عن الإحاطة به، فعلم أن مراده أن الله يتعالى عن أن يحيط أحد بحده؛ لأن المعنى أنه متميز عن خلقه منفصل عنهم مباين لهم، سئل عبد الله بن المبارك: بم نعرف ربنا قال: بأنه على العرش بائن من خلقه، قيل: بحد قال: بحد. انتهى.
ومن المعلوم أن الحد يقال على ما ينفصل به الشيء، ويتميز به عن غيره، والله تعالى غير حال في خلقه ولا قائم بهم، بل هو القيوم القائم بنفسه المقيم لما سواه، فالحد بهذا المعنى لا يجوز أن يكون فيه منازعة في نفس الأمر أصلا، فإنه ليس وراء نفيه إلا نفي وجود الرب ونفي حقيقته، وأما الحد بمعنى العلم والقول وهو أن يحده العباد فهذا منتف بلا منازعة بين أهل السنة. اهـ.
فهذا الكلام النفيس - والذي نقلناه بطوله لنفاسته – يبين لك الصواب في مسألة لفظ الحد وما يشابهه، وهذا المعنى – وهو إطلاق الألفاظ المجملة التي لم ترد في الكتاب والسنة - قد قرره شيخ الإسلام في مواضع من كتبه.
أما الأثر المروي عن علي رضي الله عنه فلا يصح، فقد رواه أبو نعيم في حلية الأولياء من طريق عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن إسحاق عن النعمان بن سعد قال: كنت بالكوفة في دار الإمارة دار علي بن أبي طالب فذكر قصة فيها الكلام المذكور ضمن كلام طويل، ثم قال أبو نعيم: هذا حديث غريب من حديث النعمان كذا رواه ابن إسحاق عنه مرسلاً. اهـ.
وهذا إسناد لا يصح لعلتين: الأولى لأن النعمان بن سعد قال فيه الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: النعمان بن سعد الأنصاري الكوفي روى عن علي.. روى عنه ابن أخته عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ولم يرو عنه غيره فيما قال أبو حاتم، وذكره بن حبان في الثقات قلت – القائل هو الحافظ ابن حجر: والراوي عنه ضعيف كما تقدم فلا يحتج بخبره. اهـ. وعبد الرحمن بن إسحاق الذي تفرد بالرواية عن خاله النعمان بن سعد متفق على تضعيفه كما في تهذيب الكمال وتقريب التهذيب.
العلة الثانية: أن في السند انقطاعاً بين محمد بن إسحاق والنعمان بن سعد، فإن النعمان بن سعد لم يرو عنه غير عبد الرحمن بن إسحاق فهناك واسطة بين محمد بن إسحاق والنعمان بن سعد، ولهذا قال أبو نعيم: كذا رواه ابن إسحاق عنه مرسلاً.
وننبه هنا إلى أن القول بأن الله في السماء هو الذي دلت عليه نصوص الوحي، وراجع في ذلك فتوانا رقم: 101609.
كما ننبه على أن شيخ الإسلام ابن تيمية إمام فذ من أئمة أهل السنة، مشهود له بالعلم والاستقامة وسلامة المعتقد، وقد أفنى حياته العامرة في الدفاع عن عقيدة أهل السنة ونقد الفرق المنحرفة بأداة قوية وبيان ناصع، وقد أثنى عليه الموافق والمخالف، ويمكنك مراجعة نبذة مختصرة من ترجمته في فتوانا رقم: 45282، كما يمكنك مراجعة نبذة من ثناء العلماء عليه في الفتاوى ذوات الأرقام: 7022، 32029، 32476، 53961، 60591.
وينبغي أن يعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مع علمه وفضله وجلالته بشر يصيب ويخطئ، وليس معصوماً، فيؤخذ من قوله ويرد كما هو الشأن مع جميع العلماء، والعلماء إن أخطؤوا فخطؤهم مغمور في بحور فضائلهم، ولا يكون ذلك مدعاة لتنقصهم ولا الطعن فيهم لما وجب لهم من الاحترام والأدب والتوقير، وقد قرر هذا المعنى الحافظ الذهبي في عدة مواضع في كتابه سير أعلام النبلاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1430(1/774)
وجوب التوبة على من نسب الظلم لله
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أمر بكرب شديد وخشيت أن يغضب الله علي وكنت أحس أن المشكلة أكبر مني فقلت يا رب أعلم أنك لا تظلم أحدا ولكنك ظلمتني بأنك وضعتني في هذه المشكلة ولكني ندمت بعد ذلك. هل هذا ذنب؟ وهل لي توبة؟ أرجو الرد سريعا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأت خطأ عظيما في نسبتك الظلم إلى الله تعالى، فالله تعالى لا يظلم عباده كما قال تعالى: إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ {النساء:40} وقال تعالى: إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا {يونس:44} وفي الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. رواه مسلم
فيجب عليك أن تتوب توبة صادقة إلى الله تعالى مما صدر منك، واعلم بأن باب التوبة مفتوح للعباد دائما لقوله تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:39} وقوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام:54} وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً {النساء:110}
فبادر بالتوبة واحمل نفسك على حفظ لسانك من الكلام عن الله تعالى بما لا يليق، واحرص على إزالة كربك بكثرة الدعاء والالتجاء إلى مفرج الكروب، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 32644، 54967، 70670، 101542، 109344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1429(1/775)
أبو حيان الأندلسي هل التزم مذهب السلف في الأسماء والصفات
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في مقال على الموقع أن أبا حيان الأندلسي لم يلتزم مذهب أهل السنة والجماعة في مسائل الأسماء والصفات فهل هذا صحيح، مع التوضيح والدليل؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنص ما جاء في المقال المشار إليه في السؤال هو (والمتأمل في هذا التفسير، يلمس أن أبا حيان -رحمه الله- كان في منهجه بعيداً عن أقوال أهل الفلسفة، وبريئاً من مذهب أهل الاعتزال، غير أنه -في المقابل- لم يلتزم مذهب أهل السنة والجماعة في مسائل الأسماء والصفات، وإن ظهرت عنده بعض اللمسات التي تدل على تمسكه بمنهج أهل السنة والجماعة في ذلك، ومن أمثلة ما خالف فيه أبو حيان -رحمه الله- مذهب أهل السنة في مسائل الصفات قوله في صفة الإتيان: والإتيان حقيقة في الانتقال من حيز إل حيز، وذلك مستحيل بالنسبة إلى الله تعالى ... ولم يزل السلف في هذا وأمثاله يؤمنون، ويكلون فهم معناه إلى علم المتكلم به. تفسير البحر المحيط.. وهذا مع مخالفته لمذهب أهل السنة، فيه نسبة القول بتفويض المعاني للسلف، وليس بصحيح.
ومن أمثلة ذلك أيضاً قوله في صفة استواء الله تعالى على عرشه: أما استواؤه على العرش فحمله على ظاهره من الاستقرار بذاته على العرش قوم، والجمهور من السلف السفيانان ومالك والأوزاعي والليث وابن المبارك وغيرهم في أحاديث الصفات على الإيمان بها وإمرارها على ما أراد الله تعالى من غير تعيين مراد، وقوم تأولوا ذلك على عدة تأويلات، وقال سفيان الثوري: فعل فعلاً في العرش سماه استواء. البحر المحيط. وهذا أيضاً فيه نسبة القول بتفويض المعاني للسلف، وليس بصحيح.. وقد سبق بيان مذهب أهل السنة وإيراد النقول عنهم في هذه المسألة، وذلك في الفتوى رقم: 66332، والفتوى رقم: 72812، كما سبق بيان معنى قول السلف (الاستواء غير مجهول) في الفتوى رقم: 7256.
ومن أمثلة ذلك أيضاً كلامه على تفسير قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء {المائدة:64} ، حيث قال: معتقد أهل الحق أن الله تعالى ليس بجسم ولا جارحة له، ولا يشبه شيء من خلقه، ولا يكيف ولا يتحيز ولا تحله الحوادث، وكل هذا مقرر في علم أصول الدين، والجمهور على أن هذا استعارة عن جوده وإنعامه السابغ، وأضاف ذلك إلى اليدين جارياً على طريقة العرب في قولهم: فلان ينفق بكلتا يديه ...
ثم ذكر كلام الزمخشري في تأويل الآية ثم قال: وكلامه في غاية الحسن! وقيل عن ابن عباس: يداه نعمتاه. فقيل: هما مجازان عن نعمة الدين ونعمة الدنيا، أو نعمة سلامة الأعضاء والحواس ونعمة الرزق والكفاية، أو الظاهر والباطنة، أو نعمة المطر ونعمة النبات، وما ورد مما يوهم التجسيم كهذا. وقوله: (لما خلقت بيدي) و (مما عملت أيدينا) و (يد الله فوق أيديهم) و (لتصنع على عيني) و (تجري بأعيننا) و (هالك إلا وجهه) ونحوها، فجمهور الأمة أنها تفسر على قوانين اللغة ومجاز الاستعارة وغير ذلك من أفانين الكلام. البحر المحيط..
وفي هذا الكلام استحسان للغاية لمذهب المعتزلة النفاة وعلى رأسهم الزمخشري.. وقد سبق أيضاً بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في نحو هذه الصفات في الفتوى رقم: 26299، والفتوى رقم: 55066، وبيان أن السلف يثبتون الصفات ويفوضون الكيفية في الفتوى رقم: 46438، والفتوى رقم: 55619.
وقد أورد الشيخ محمد بن عبد الرحمن المغراوي في كتابه (المفسرون بين التأويل والإثبات) ثلاث وعشرين صفة من صفات الله تعالى، أولها أبو حيان من صفحة 1088 إلى صفحة 1111 من الكتاب المشار إليه، ويمكن الاستفادة في هذا الباب أيضاً من كتاب (أبو حيان وتفسيره البحر المحيط) للدكتور بدر بن ناصر بدر، ومع ذلك فكتاب أبي حيان في التفسير جاء فيه -كما ورد في المقال مثار السؤال- بعض اللمسات التي تدل على تمسكه بمنهج أهل السنة والجماعة، فهو أقرب وأسلم من غيره من كتب التفسير بالرأي، ولذلك قال الشيخ صالح آل الشيخ في (مناهج المفسرين) : من احتاج إذن إلى أن ينظر في تفسير من التفاسير بالرأي فليكن تفسير الشوكاني (فتح القدير) يتلوه وهو أصعب منه تفسير أبي حيان الأندلسي (البحر المحيط) فإنه في العقيدة يغلب عليه السلامة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1429(1/776)
حكم قول (إن الله بلا مكان وبلا كيف)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قول هذه الجملة جائز: إن الله بلا مكان وبلا كيف وإن كانت لا تجوز فكيف نرد على من يقولونها.
وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز إطلاق مثل هذه العبارات، فإنها عبارات تحمل معاني باطلة، ومخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة.
أما العبارة الأولى (بلا مكان) فالحق الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن الله تعالى في السماء، مستو على عرشه، بائن من خلقه، وقد سبق بيان ذلك وتفصيل أدلته في الفتويين: 6707، 59231.
وأما العبارة الثانية (بلا كيف) فهي موهمة، فإن كان المراد منها تفويض العلم بكيفية ذات الله تعالى وصفاته، فهذا حق بلا شك، كما قال الله تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {طه: 110} .
وإن كان المراد منها تفويض معاني النصوص الشرعية الثابتة في أسماء الله وصفاته، فهذا باطل، وقد سبق بيان ذلك أيضا في الفتويين: 55619، 46438.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1429(1/777)
لا يليق بحق الإله أن يقال في حقه (هل هو ذكر أو أنثى) !
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أنا وصديقي نتحاور في أحد المواضيع وسألني: هل الله ذكر أم أنثى؟ فقلت له: إنه لا يجوز هذا القول أو الحديث عنه، فقال لي: أنا أريد أن أعرف عن ربي، فقلت له: إذا الملائكة لا يجوز وصفهم بالذكور أو بالإناث فكيف برب العالمين، فقال لي إنه يمكننا الاستدلال من أسماء الله الحسنى، ويمكن القول بأن الله ذكر كما نقول العزيز وليس العزيزة وأتاني بآيات يقول لي إنه أيضا يصح الاستدلال منها، فانا سكت وقلت له: لا يجوز القول في مثل هذه الأشياء؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
هذا النوع من الأسئلة جهل بحقيقة الإنسان وبعقله ومدركاته، ومن وساوس الشيطان التي يصرف بها الإنسان عن ما خلق له ويستطيع فهمه ليجره إلى الانشغال بما لم يخلق له ولا يستطيع عقله المحدود إدراكه وتصوره وهو التفكير في ذات الله، فالله تعالى لا يصح عقلا ولا شرعا أن يوصف إلا بما وصف به نفسه في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل شيء عند هذا الإنسان الضعيف محدود وقاصر؛ فطاقاته العقلية والحسية قاصرة ومحدودة وضئيلة لا تستطيع الإحاطة ولا الإدراك لأكثر المخلوقات التي بين يديه ومن حوله في هذا الكون، فما بالك برب العزة جل جلاله العزيز الجبار المتكبر الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد..
فالذي يفكر في ذات الله تعالى ويسأل هذه الأسئلة لم يفكر في نفسه هو ولم يعرف حقيقة أمره ولم يتأمل في قول الله تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ {الروم:8} .
وفي قول الله تعالى: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {الذاريات:21} .
ثم إن طرق المعرفة التي يتوصل بها الإنسان إلى معرفة الشيء إما أن تكون بمعاينة هذا الشيء وإدراكه بالحواس، وهذه مستحيلة في حق الله تعالى؛ لقوله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الأنعام:103} .
أو تكون برؤية أو إدراك مماثل لهذا الشيء المراد معرفته، وهذه مستحيلة أيضا في حق الله تعالى، لأنه ليس له مماثل ولا شبيه ولا نظير.. حتى يقال: هو مثل كذا أو كذا، وقد قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11} .
أو تكون بالاستدلال بآثار هذا الشيء على معرفته ومعرفة صفاته؛ فإذا لاحظ الإنسان دقة هذا الكون وبديع صنعه من ذراته إلى مجراته وتأمل في ذلك علم أن خالقه عظيم وحكيم وقادر.. ومتصف بكل كمال يليق به ومنزه عن كل نقص؛ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا يشبه أحدا من خلقه ولا يشبهه أحد من خلقه؛ فكل ما يخطر بالقلب من التصورات.. فإن الله عز وجل بخلافها، ولا يمكن لعقل الإنسان الكليل أن يحيط بالخالق العظيم الجليل كما قال سبحانه وتعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {طه:110} .
أو تكون عن طريق الوحي المنزل من عند الله تعالى، وهذا الوحي أخبرنا بأن الله تعالى واحد أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، لا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون، ويعتبر المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في ماهية ذاته أو صفاته؛ لأن عقل الإنسان وجميع حواسه وإدراكاته لها حدود وطاقة معينة ومحدودة ليس باستطاعتها تجاوزها، ولذلك فإن هذا النوع من الأسئلة جهل بحقيقة الإنسان ومن وساوس الشيطان التي يلقيها على الإنسان عندما يعجز عن صرفه عن عبادة الله تعالى التي من أجلها خلق، يحاول أن يجره إلى الانشغال بما لم يخلق له أصلا ولا يستطيع عقله المحدود الضعيف إدراكه وتصوره وهو التفكير في ذات الله تعالى.
وعلاج ذلك بالانصراف عن هذه الوساوس والاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم, وهذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا حتى يقول له: من خلق ربك فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته.
ولذلك فإن الضمائر التي ترد في نصوص الوحي من القرآن والسنة وتعود إلى اسم الجلالة الله يجب أن تبقى كما هي من غير تفسير ولا تأويل فلا يصح عقلا ولا شرعا أن يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه في محكم كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وللمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 52270، 12300، 29135، 19691.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1429(1/778)
مسائل في الحد والجسم والاستواء والصفات
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت كتاب خلق أفعال العباد للبخاري وكتاب عقيدة السلف للصابوني واندهشت كثيرا لما وجدت أن عقيدة السلف هي الإثبات والإجراء على الظاهر وتفويض التأويل إلى الله لكن أنا حقيقة أنا والله خائف من أمور ثلاثة:
1.كثير من العلماء مثل النووي وابن حجر يكفرون من اعتقد أن الله في السماء وكذلك من اعتقد أن الله جسم أو له أعضاء أو لون الخ ... وهذا مذهب ابن حبان وذو النون المصري وغيرهما أيضا وأنا أخاف من أن اكفر وأنا لا أشعر لأن الكافر مآله جهنم عياذا بالله
2.أرجوكم إذا كانت هذه عقيدة السلف فما هو قول السلف في الألفاظ المحدثة كالحد والجسم وغيرها ... أرجوكم أن تكتبوا أقوال السلف كلها وعقيدتهم حول هذه الألفاظ المحدثة كالحد والجارحة هل كانوا ينفونها أم يفوضونها مع ذكر الأدلة على ذلك.....
3.أنا أرى أن العلماء مختلفون كثيرا في مسائل الصفات فهل أستطيع أن أقتصر على حفظ العقيدة الطحاوية وحدها فقط ولا أزيد عليها ولا أنقص ولا أقرأ غيرها ولا أهتم بعد ذلك إلا بالعبادات وفضائل الأعمال وغيرها مع عدم قراءة كتب العقيدة إطلاقا وعدم التفكير فيها والاهتمام بالعبادة وفضائل الأعمال بدلا من العقيدة وإذا فعلت هكذا فهل سأكون كافرا والعياذ بالله لأني أخاف كثيرا من أن أكفر وأنا لا أشعر....
أرجوكم ساعدوني والله أنا في مشكلة كبيرة لا أدري ما أفعل وأخاف من أن أكفر وأنا لا أشعر عندما قرأت كتاب خلق أفعال العباد بدأت أبكي لما قرأت بعض الآثار التي يكفرون فيها من لم يعتقد أن الله على العرش أرجوكم ساعدوني أرجوكم ساعدوني أنا في أمس الحاجة إلى المساعدة.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكن أن نجمل جواب ما أوردت من أسئلة في النقاط التالية:
النقطة الأولى: أن ما قرأت في كتابي خلق أفعال العباد للإمام البخاري وعقيدة السلف لأبي عثمان الصابوني هو الحق وهو مذهب السلف في باب الصفات، فتمسك به وكفى ودع عنك الوسواس، وأما الطحاوية فهي مشتملة على عقيدة السلف ولا حرج عليك في أن تكتفي بها ولكن مع قراءة تعليقات الشيخ ابن باز رحمه الله عليها أو شرح ابن أبي العز لما في ذلك من إيضاح عبارتها وبيان ما قد يشكل فهمه منها.
النقطة الثانية: أنه لم يكن من منهج السلف الخوض في الصفات وهم جروا إلى النقاش فيها بسبب خوض أهل الباطل فيها بباطلهم فاحتاج الأمر إلى بيان الحق ودفع شبهات أهل الباطل.
النقطة الثالثة: أن السلف لم يتعرضوا لمثل هذه الألفاظ كالجارحة والجهة والجسم لا نفيا ولا إثباتا، والقاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يستفصل قائلها فإنه قد يريد بها معنى حقا وقد يريد بها معنى باطلا، وقد سبق نقل كلامه بهذا الخصوص فراجعه بالفتويين: 66332، 19144.
النقطة الرابعة: أن صفة الاستواء ثابتة لله تعالى على الوجه اللائق بجلاله كما نطق بذلك الكتاب وبينت ذلك السنة ووردت بذلك أقوال سلف هذه الأمة، وقد نقل جملة منها الحافظ الذهبي في كتابه العلو للعلي القدير، وكذا ابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية وغيرهما، ولم نقف على كلام صريح للحافظين النووي وابن حجر بالقول بكفر من قال إن الله في السماء؛ بل قد نقل كل منهما مذهب من قال بكون المراد بالسماء العلو والفوقية ولم يتعقبه فضلا عن أن يكفر قائله، ولو ثبت عنهما تكفير من يقول إن الله في السماء فقد يعنون بذلك من جعل لله تعالى جهة تحيط به.
وأما ذو النون المصري فقد نقل عنه أبو نعيم في الحلية أبياتا تضمنت نفي الحد فإن ثبتت عنه فغاية ما فيها أنه ينزه الله تعالى عن المكان والكيف، وكذا ابن حبان فقد أورد في صحيحه حديث: كان الله ولم يكن شيء معه. أورد عبارة تفيد نفي الحد، والظن به أنه أراد بذلك معنى حقا وهو الرد على المشبهة، قال الذهبي في كتابه: سير أعلام النبلاء عند ترجمته لابن حبان: وقال أبو إسماعيل الأنصاري: سمعت يحيى بن عمار الواعظ وقد سألته عن ابن حبان؟ فقال: نحن أخرجناه من سجستان كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه. قلت: إنكاركم عليه بدعة أيضا والخوض في ذلك مما لم يأذن به الله ولا أتى نص بإثبات ذلك ولا بنفيه. اهـ
فتبين مما سبق أن الذي يأتي بمثل هذه العبارات نفيا أو إثباتا قد يريد بها معنى حقا وهذا هو الظن بأمثال هؤلاء الأئمة.
والحاصل أن عليك أن تعرف منهج السلف وتلتزمه وأن تدع ما سوى ذلك، فلا تتبع ما يدخل عليك الشكوك والأوهام، فما سلم في دينه إلا من سلم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ كما ذكر الطحاوي في عقيدته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1429(1/779)
دفاع عن الإمام أحمد بن حنبل وتبرأته مما نسب إليه من التأويل
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ أن أكرمني الله بالالتزام بديني وأنا أتعرض لقضايا الخلافات في العقيدة ما بين العقيدة السلفية والأشعرية، حتى اطمئن قلبي للعقيدة السلفية، لكني قرأت مرة في البداية والنهاية في ترجمة الإمام أحمد إمام أهل السنة رحمه الله ما نصه في المجلد 10/361 "وروى البيهقي عن الحاكم عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأول قول الله تعالى: (وجاء ربك) [الفجر: 22] أنه جاء ثوابه. ثم قال البيهقي: وهذا إسناد لا غبار عليه." فإن كان الإمام أحمد وهو من أبعد الناس عن التأويل تأول المجيئ في هذه الآية فلِمَ يشتد النكير على الأشاعرة، وإن كان الأمر من الخلافات المعتبرة فلِمَ لا يعذر بعضنا بعضا فيها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نسبة هذا الكلام للإمام أحمد غير صحيحة ولا يعرف عنه مثل هذا التأويل، ويدل لذلك أن الأشعري ذكر في كتابه الابانة -الذي عدل فيه عن منهجه الكلامي في التأويل ورجع لمنهج السلف- ذكر أنه يدين بما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ولم يذكر التأويل في المجيء فقد، قال رحمه الله: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل وبسنة نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل -نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته- قائلون، ولما خالف قوله مخالفون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيع الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم وكبير مفهم ... انتهى.
ثم ذكر الأشعري رحمه الله مسائل العقيدة وقال في مسألة المجيء: ونقول: إن الله عز وجل يجيء يوم القيامة كما قال سبحانه: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا.
وقد تكلم في تفسير الآية كثير من المفسرين الذين أبوا عن التأويل فيها والذين مالوا للتأويل ولم نر منهم من نسب هذا القول للإمام أحمد حتى ابن كثير الذي نقلت كلامه في البداية، وقد فند الشيخ عمرو بن عبد المنعم سليم نسبة التأويل للإمام أحمد في رده على السقاف في كتاب (لا دفاعاً عن الألباني فحسب بل دفاعاً عن السلفية) قال: الجواب عما نسبه السقاف إلى الإمام أحمد -رحمه الله- من التأويل وقد نسب السقاف التأويل -أيضاً- إلى الإمام أحمد في أربعة مواضع: قال: (روى الحافظ البيهقي في كتابه (مناقب الإمام أحمد) وهو كتاب مخطوط ومنه نقل الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (1/327) ، فقال: روى البيهقي عن الحاكم، عن أبي عمرو بن السماك، عن حنبل، أن أحمد بن حنبل تأول قوله تعالى: وجاء ربك أنه جاء ثوابه، ثم قال البيهقي، وهذا إسناد لا غبار عليه. انتهى. كلام ابن كثير، وقال ابن كثير أيضاً في (البداية) (10/327) : وكلامه -أحمد- في نفي التشبيه، وترك الخوض في الكلام، والتمسك بما ورد في الكتاب والسنة عن النبي؟ وعن أصحابه. اهـ
قلت: ومثل هذا لا يصح عن الإمام أحمد، وإن ورد عنه بإسناد رجاله ثقات، من وجهين:
أولهما: أن راويه عنه هو حنبل بن إسحاق، وهو وإن كان ثقة، ومن تلاميذ الإمام أحمد -وابن عمه- إلا أنه يغرب ويتفرد عنه ببعض المسائل، قال الحافظ الذهبي -رحمه الله- في السير (3/52) : له مسائل كثيرة عن أحمد، ويتفرد، ويغرب. ونقل العليمي في المنهج الأحمد (245/1) : عن أبي بكر الخلال قوله: قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية، وأغرب بشيء يسير، وإذا نظرت في مسائله شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم. قلت: فإن صح هذا الخبر عن حنبل، فيكون قد أغرب به على أبي عبد الله -رحمه الله- فإن المحفوظ عنه إمرار النص على وجهه، والتصديق، وعدم التأويل.
ثم وقفت بعد ذلك على كلام لابن رجب الحنبلي في شرحه على البخاري المسمى بـ (فتح الباري) (في دفع هذه النسبة، فقال رحمه الله (9/279) في معرض الكلام على حديث النزول: ومنهم من يقول: هو إقبال الله على عباده، وإفاضة الرحمة والإحسان عليهم، ولكن يردُّ ذلك: تخصيصه بالسماء الدنيا، وهذا نوع من التأويل لأحاديث الصفات، وقد مال إليه في حديث النزول -خاصة- طائفة من أهل الحديث منهم: ابن قتيبة والخطابي وابن عبد البر وقد تقدم عن مالك، وفي صحته عنه نظر، وقد ذهب إليه طائفة ممن يميل إلى الكلام من أصحابنا، وخرجوا عن أحمد من رواية حنبل عنه في قوله تعالى: وجاء ربك. أن المراد: وجاء أمر ربك. وقال ابن حامد: رأيت بعض أصحابنا حكى عن أبي عبد الله الإتيان، أنه قال: تأتي قدرته، قال: وهذا على حد التوهم من قائله، وخطأ في إضافته إليه.
حتى قال: والفرقة الثالثة: أطلقت النزول كما ورد، ولم تتعد ما ورد، ونفت الكيفية عنه، وعلموا أن نزول الله تعالى ليس كنزول المخلوق، وهذا قول أئمة السلف: حماد بن زيد وأحمد فإن حماد بن زيد سئل عن النزول فقال: هو في مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء، وقال حنبل: قلت لأبي عبد الله: ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا؟ قال: نعم، قلت: نزوله بعلمه أو بماذا؟ قال لي: اسكت عن هذا، مالك ولهذا، أتقن الحديث على ما روي بلا كيف ولا حدَّ، إلا بما جاءت به الآثار وبما جاء به الكتاب، فقال الله عز وجل: فلا تضربوا لله الأمثال. ينزل كيف يشاء بعلمه وقدرته وعظمته، أحاط بكل شيء علماً، لا يبلغ قدره واصف، ولا ينأى عنه هارب.
ثانيهما: أن هذه الرواية الأخيرة تدل على مذهب الإمام أحمد في حديث النزول، وهي موافقة لسائر الروايات عنه في ذلك، مما يدل على أن الرواية الأولى من المفاريد والغرائب عنه فهي غير مقبولة، ثم إن هذا الخبر من زيادات إحدى نسخ البداية والنهاية، وهي النسخة المصرية، وباقي النسخ لم يرد فيها هذا الخبر، فثبوته محل نظر. انتهى.
هذا وننصحك بكثرة مخالطة العلماء، ودراسة الشرع دراسه مرتبطة بالدليل، وسؤال العلماء عما أشكل عليك مما اختلف فيه، وأكثر قيام الليل، وادع في استفتاح القيام بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح به دائماً، كما في حديث عائشة: أنه كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. أخرجه مسلم.
وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 64272، 55066، 55619، 55011، 50216، 48689، 74007، 72812، 70958، 66332، 99624، 17967، 72813.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1429(1/780)
منهج الأئمة الأربعة في الاعتقاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما ردكم على من قال بأن الأئمّة الأربعة عقيدتهم توافق العقيدة الأشعرية؟
أرجو من سيادتكم الرد على هذا الافتراء الذي شاع في صفحات الإنترنت، وجزاكم الله خيرًا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فإن الأئمة الأربعة كانوا على منهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد، ولم يكونوا على منهج عقيدة الأشاعرة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأئمة الأربعة كانوا على منهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد يثبتون لله معاني الصفات التي أثبتها لنفسه ويفوضون علم كيفياتها إلى الله تعالى، وقد بينا هذا جليا في الفتوى رقم: 55619، فراجعها.
ولنذكر بعض النصوص عن هؤلاء الأئمة في مجال الاعتقاد يتبين بها صحة ما ذكرنا، ومن هذه النصوص ما ذكره الإمام أبو حنيفة في كتابه الفقه الأكبر الذي رواه عنه تلميذه أبو مطيع البلخي الحكم بن عبد الله حيث قال: قال أبو حنيفة: ومن قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر؛ لأن الله تعالى يقول: الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى، وعرشه فوق سبع سماوات. قلت: فإن قال: هو كافر لأنه أنكر أن يكون في السماء لأنه تعالى في أعلى عليين، وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل. اهـ
وروى ابن عبد البر في التمهيد بإسناده عن الإمام مالك أنه قال: إن الله في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه مكان. قال: وقيل لمالك: الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ فقال مالك رحمه الله تعالى: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك هذا بدعة، وأراك رجل سوء. اهـ.
وروى ابن أبي حاتم عن الشافعي رحمه الله تعالى قال: القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء.
وروى ابن أبي حاتم أيضا عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول: وقد سئل عن صفات الله وما يؤمن به؟ فقال: لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته لا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها لأن القرآن نزل بها. اهـ
وقال الإمام أحمد في كتاب الرد على الجهمية الذي رواه عنه الخلال من طريق ابنه عبد الله قال: باب بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله تعالى على العرش. وقال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى، قلنا لهم: ما أنكرتم أن يكون الله تعالى على العرش، وقد قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى. اهـ
فهذه بعض النصوص عن هؤلاء الأئمة، ومن تتبع أمثالها في كتب الاعتقاد والسنة تبين له الفرق الواضح بينهم وبين الأشعرية في مسائل الاعتقاد.
وننبه إلى أن الإمام أبا الحسن الأشعري نفسه قد رجع عن المنهج الذي يسير عليه الأشاعرة اليوم واتبع منهج السلف.
ولمزيد الفائدة يمكن مراجعة الفتاوى التاية أرقامها: 38987، 15695، 5719.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1429(1/781)
من أفضل من جمع الآيات القرآنية في صفات الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[الآيات التي جاءت لإثبات الصفات المعنوية لله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على الاتصال بنا، ونفيدك أنه ليس من اختصاصنا مساعدة الباحثين في بحوثهم، ولكن من أهم من جمع الآيات القرآنية في صفات الله تعالى، هو شيخ الإسلام في كتابه الواسطية، فطالع فيها وفي شروحها تجد بغيتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1429(1/782)
الإخبار عن الله تعالى بأنه موجود
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الحبيب!
هل يجوز إطلاق لفظة " موجود " على الله تعالى وقول "الله موجود " عِلما بأن..
1- " موجود " اسم مفعول من " وُُجد " لِذلك فهل يصح أن يُطلق على الله- تبارك وتعالى- هذا؟؟
وعِلما أيضا بأن -نقلا من أحد الإخوة-
2-قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوي جـ6:
ويفرق بين دعائه والإخبار عنه فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى وأما الإخبار عنه فلا يكون باسم سيء لكن قد يكون باسم حسن او باسم ليس بسيئ وإن لم يحكم بحسنه مثل اسم شيء وذات وموجود إذا أريد به الثابت وأما إذا أريد به الموجود عند الشدائد فهو من الأسماء الحسنى وكذلك المريد والمتكلم فان الإرادة والكلام تنقسم الى محمود ومذموم فليس ذلك من الأسماء الحسنى بخلاف الحكيم والرحيم والصادق ونحو ذلك فإن ذلك لا يكون إلا محمودا.
-نقلاً من بعض الإخوة- قال ابن القيم -رحمه الله- في بدائع الفوائد جـ1:
ويجب أن تعلم هنا أمور، أحدها أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء والموجود والقائم بنفسه فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا،،
3- وجدتُ أن شيخنا العثيمين -رحمه الله-
في شرح العقيدة الواسطية
في شرحه لقول شيخ الإسلام-رحمه الله-
" الإيمان بالله "
قال " أما مُجرّد أن تؤمن بأن الله موجود فهذا ليس بإيمان "
فهل هذه زلات من الشيوخ -رحمهم الله - ... وكيف يمكن الجمع بين 2،3 ... وبين 1 ... بارك الله فيكم شيخنا الحبيب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يتعين عليه إنصاف العلماء وحمل كلامهم على أحسن محمل مادام ذلك ممكنا. واعلم أن بعض أهل العلم ذكروا أن الأحسن التعبير عن الله تعالى بأنه حق بدلا من التعبير عنه بأنه موجود، وذلك لأن وصفه بأنه حق ثبت في نصوص الوحي مثل قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ {الحج: 6} وأما كلمة موجود فلم تأت في نصوص الوحي. فموجود ليست من أسمائه ولكنه يمكن الإخبار عنه بها كما قال شيخ الإسلام، ولا يمنع ذلك كون الصيغة الصرفية للكلمة اسم مفعول، فإنا نصفه بأنه معبود ومدعو لأن العباد يدعونه ويعبدونه ويخشونه ويرجونه ويسألونه فهذا لا محظور فيه، والله أخبر في عدة آيات عن وجود العباد إياه منها قوله: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً {النساء:110} وقوله: لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً {النساء: 64} وقوله: وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ {النور: 39} .
وأما كلام الشيخ ابن عثيمين فهو من هذا الباب فالإيمان بوجوده لا يكفي في الإيمان إذ ليس فيه توحيد لله بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته. راجع كلام ابن القيم في مدارج السالكين عن مرتبة الوجود.
ومما ذكرناه تعلم أنه لا تسوغ نسبة الزلل في هذه المسألة لهؤلاء العلماء المحققين رحمهم الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1428(1/783)
الإيمان بوضع الرب جل جلاله قدمه على جهنم
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث أن الله عز وجل يضع قدمه في جهنم حين طلبت المزيد، فكيف يمكن تفسير (في) بـ (على) أي على جهنم، لأنه إذا بقيت على حالها أصبحت جهنم تسع قدم الله وهذا محال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن في تأتي بمعنى على كما ذكره ابن هشام في المغني، ومثل له بقوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ {طه:71} ، ويدل لكون ذلك سائغاً في هذا الحديث ما ثبت في الرواية الأخرى من قوله: فيضع قدمه عليها. رواها الإمام أحمد وصححه الأرناؤوط.
وفي رواية للبخاري: فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها.
وراجع في إثبات ما ثبت في نصوص الوحيين من صفات الله تعالى وعدم تحكيم العقول فيها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 77605، 50216، 6707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1428(1/784)
لا نصف الله إلا بما ثبت وصفه به في الوحيين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من ينسب لله الجسم والحركة والتغير، فهل يكفر أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في المسلم أن يتثبت في حديثه عن الله فلا يصفه إلا بما ثبت وصفه به في الوحيين، فقد قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية: والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية هو سبيل أهل السنة والجماعة.
ولكنا لا نكفر ولا نضلل من وصف الله بما لم يثبت، بل نستفصل عما أراد، كما قال شيخ الإسلام، فإن أراد معنى يدل عليه الشرع قبل منه، وأن أراد معنى يرده الشرع رد عليه، وأن أراد معنى يصل لدرجة الكفر بين له الحق، فإن تعصب له بعد الرد على شبهته وتوفرت فيه ضوابط التكفير فإنه يصير كافراً نعوذ بالله، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53925، 23074، 19332.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1428(1/785)
التوقف عن وصف يد الخالق سبحانه بأنها جارحة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نؤمن بأن لله يدا كما قال، لكن هل يجب أن نؤمن أن يد الله جارحة أم غير جارحة، أم علينا أن نسكت ولا نبحث في هذه القضية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن يد الإنسان توصف بإنها جارحة لأنه يكتسب بها، وسميت جوارح الإنسان جوارح لما تكسبه من الحسنات والآثام، وسميت جوارح الكلاب والصقور جوارح لأنه يصطاد بها ويتكسب بها، ومن هذا قوله تعالى: وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ {المائدة:4} ، وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ {الأنعام:60} ، كذا في لسان العرب.
وأما يد الله تعالى فيجب الإيمان بها لثبوت الدليل عليها في نصوص الوحي، والأصل في الصفات التوقف على ما ثبت في الدليل، ولم يثبت في الوحي تسميتها جارحة، وإنما ثبت في الوحي أن الله فعال لما يريد وأنه خلق آدم بيده، فيجب الوقوف على ما ثبت في الوحي وعدم الخوض والتكلف فيما لم يأت به نص مع الاعتقاد الجازم أن الله تعالى لا يشبهه الخلق لقوله تعالى: ليس كمثله شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1428(1/786)
حكم إثبات صفة الجنب والحقو والنور والشم لله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لله صفة الجنب والحقو والنور والشم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن منهج السلف في باب الأسماء والصفات أن المؤمن يجب عليه الإيمان بجميع ما ثبت في الوحيين من الحديث عن الله تعالى والتعبد لله بمقتضاه وفهمه حسب ما يفهم من لغة العرب، وقد ذكروا كذلك أن باب الأخبار أوسع من باب الصفات، فليس كل خبر تستنبط منه صفة لله.
وقد ثبت في القرآن في الكلام على النور قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (سورة النور35) .
وثبت فيه قوله تعالى: أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ (سورة الزمر 56) ، وثبت في حديث البخاري ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم: خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن.
وأما الشم فلم نجد ما يدل على وصف الله به صراحة، وإنما ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
وهذه العبارة ليست صريحة في الشم وقد تحمل على أنه أعظم قيمة عند الله من ريح المسك أو أعظم ثوابا من استعمال المسك في العبادات.
وقد ذكر الإمام ابن القيم في الفوائد: أن العرب إذا قالوا هذا في جنب الله لا يريدون إلا فيما ينسب إليه من سبيله ومرضاته وطاعته لا يريدون غير هذا البتة.
وقد ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى أن جمهور المسلمين أثبتوا اسم النور لله تعالى وأنهم لم يؤولوه إلا الجهمية.
وراجع للبسط في الموضوع وفي الكلام على النور والحقو الفتوى رقم: 64272، والف توى رقم: 52952، والفتوى رقم: 19144، والفتوى رقم: 27018، والفتوى رقم: 11274.
وراجع شروح الحديث كالفتح لابن حجر وشرح النووي لمسلم وكتب التفسير للاطلاع على المزيد من كلام أهل العلم في المسألة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(1/787)
اتباع منهج السلف في الأسماء والصفات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
في موضوع العقيدة، تفسير بعض الآيات أو الأحاديث التي تتحدث عن المولى سبحانه وتعالى من مثل آيات العين واليد وأحاديث القدم وأن الله خلق آدم على صورته، تفسير هذه النصوص يحدث شيئا من القلق في نفس المسلم ويخشى على نفسه من ذلك، وبخاصة أن رأي السلف والخلف في هذه المسألة غير مقنع تمام الإقناع فرأي السلف يصعب هضمه وامتصاصه لأن كل كلمة يسمعها الإنسان ترتبط بمعنى أو صورة في ذهن المتلقي وإذا فصلت بينهما ضاع المعنى وتاه، ورأي الخلف (التأويل) وإن كان أقرب إلى الفهم والإدراك لكن المسلم يخشى الزيغ أو الضلال ... والسؤال: هل هذه المسألة من أساسيات العقيدة ويترتب عليها كفر وإيمان، وما هو أعدل وأوضح الأقوال في هذه المسألة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه المسألة من أساسيات العقيدة، فيجب على المسلم أن يتبع فيها منهج السلف ويصدق الله فيما أخبر به عن نفسه ويصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن ربه وثبت عنه، ويؤمن بما ثبت في الوحيين على مراد الله تعالى دون تحريف أو تأويل أو تمثيل أو تكييف، كما قال الإمام الشافعي وغيره من السلف، فمذهب السلف في ذلك هو أعدل الأقوال وأوضحها فهما لمن نور الله بصيرته.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 64272، 55066، 55619، 55011، 50216، 48689، 74007، 72812، 70958، 66332، 99624، 17967، 72813.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(1/788)
طريق الإيمان بصفات الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[كم صفات الله الواجبة، وكم صفات الله المستحيلة، من صفات الله مخالفته للحوادث قبل أن يخلق الله الخلق، فالله تعالى يخالف من؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يجب عليه الإيمان بما أثبت الله تعالى من الصفات لنفسه أو اثبته له الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يجب عليه تنزيه الله عما نزه عنه نفسه أو نزهه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فصفات الكمال كلها ثابتة لله تعالى، وصفات النقص مستحيلة عليه سبحانه وتعالى، فعلى المسلم أن يشتغل بمطالعة الكتاب والسنة ويتدبرها ويعتقد ما فيهما، ولا يضره جهل بعضها ما دام لا يعتقد ما يناقضها، والمعروف في منهج عرض القرآن للصفات هو التفصيل في الصفات المثبتة والإجمال في الصفات المنفية وعلى هذا درج كثير من علماء السلف.
وأما عد الصفات الواجبة والصفات المستحيلة بسبع أو خمس أو عشرين أو ست وستين فهو منهج أهل الكلام وقد بسطوه في كتبهم فليرجع لها من أرادها، وأما المخالفة للخلق فالمهم أن يعتقد العبد أن الله لا يشبهه شيء إيماناً منه بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11} ، ولا يختلف الأمر في هذا قبل خلق الخلق عن الأمر بعد خلقهم، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 61100، 27018، 31338، 28417، 53784.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(1/789)
ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية في الأسماء والصفات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في كتاب الأسماء والصفات لابن تيمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يوجد في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام جزءان في الأسماء والصفات، فإن كان هذا هو مراد السائل فإن ما ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى معتبر عند أهل العلم، وهو مرجع لكثير من علماء السنة وأساتذة الجامعات الإسلامية والباحثين الأكاديميين فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1428(1/790)
من صور الإلحاد في أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في مجلس علم عن أسماء الله الحسنى ومن ضمن ما تحدثت فيه المعلمة الإلحاد في أسماء الله الحسنى كأن ينطق اسم من أسمائه سبحانه خطأ مثل نطق اسم الرازق بالهمزة (الرازء) فذكرت وبالتالي عندما ندعو اللهم ارزقني كذا ... فلابد أن ننطقها بالقاف لا بالهمزة يعني لا نقول (اللهم ارزءني) لأن الرزء بالهمزة يعني المصيبة. وعندما ندعو لأحد لا نقول له (ربنا يرزءك) .
فما صحة هذا الكلام؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن تحريف أسماء الله تعالى بالنقص منها أو الزيادة فيها أو إبدال حرف منها بحرف آخر لا يجوز، فأسماء الله تعالى وصفاته توقيفية يجب أن نتوقف فيها على ما جاء من نصوص الوحي من القرآن والسنة.
وعلى ذلك، فإبدال حرف الميم بحرف آخر يعتبر إلحادا وتحريفا للاسم، لأن الإلحاد في الأصل معناه العدول عن القصد والميل والانحراف والجور.
قال ابن كثير في تفسيره عند قول الله تعالى: وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الأعراف:180}
قال: اشتقوا اللات من الله، والعزى من العزيز.
فهؤلاء المشركون غيروا في أسماء الله تعالى فسماهم ملحدين في أسمائه، فكذلك كل من يغير أو يبدل في أسماء الله فهو ملحد فيها
وقد قال بعض أهل العلم: إنه من يقول في قول الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى {طه:5} يقول فيها استولى فقد حرف الكلم عن مواضعه وألحد في صفات الله تعالى.
وعلى هذا، فإن ما قالته هذه المعلمة صحيح، بل هو أشد لما فيه من إفساد المعنى.
وللمزيد نرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 71644.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1428(1/791)
توضيح حول منهج السلف في الصفات
[السُّؤَالُ]
ـ[فهذا توضيح للسؤال السابق.. وهو كون الزمن مخلوقا فما أعتقد به هو عقيدة أهل السنه والجماعة أن الله حي متحرك فعال عليم بصير، لكن هذه الصفات بلا زمن وهذا من كون أن الله ليس كمثله شيء فصححوا لي ما أنا فيه مخطئ؟ جزاكم الله خير الجزاء.. والله أعلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن هذا السؤال في الفتوى رقم: 78492.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1427(1/792)
شبهة وجوابها حول إثبات صفة اليد لله عز وجل
[السُّؤَالُ]
ـ[في مسألة الأسماء والصفات قال لي أشعري إن قولنا مثلا إن لله يد ليست كأيدينا قول مبتدع لأن الصحابة ورد عنهم قولهم أمروها كما جاءت ولم يقولوا بمثل هذا أي يد ليست كيد.. الخ فنرجو من حضرتكم إجلاء الحق وتبيينه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقول بأن لله تعالى يدا ليست كأيدينا ليس قولا مبتدعا بل هو قول دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه أهل السنة والجماعة، قال الله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ {المائدة: 64} وقال تعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ {ص: 75} وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن آدم قال لموسى عليهما الصلاة والسلام: أنت يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوارة بيده. رواه مسلم والترمذي وأبوداود واللفظ له.
والقول بأن يد الله ليست كأيدينا دل عليه الوحي أيضا، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {الشورى: 11} وقال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا {مريم: 65} قال الإمام ابن عبد البر المالكي رحمه الله تعالى: أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة ولم يكيفوا شيئا منها، وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فقالوا من أقر بشيء منها فهو مشبه. اهـ.
فأنت ترى أن الإقرار بالصفات محل إجماع بين أهل السنة وهم مع ذلك لا يكيفون ولا يمثلون، وأما زعم صاحبك بأن هذا مخالف لقول الصحابة: أمروها كما جاءت. فجوابنا عليه من وجوه:
الأول: أن هذا ليس قولا مرويا عن الصحابة فيما نعلم، وإنما هو مروي عن جماعة من السلف من التابعين وأتباعهم بإحسان وهو قول حق.
ثانيا: أن الأشاعرة هم من يخالف هذا القول فهم يؤولون صفة اليد بالقدرة أو القوة فلم يمروها كما جاءت فهم يخالفون ما يستدلون به.
ثالثا: أن المقصود بقول السلف: أمروها كما جاءت. أي بلا تكييف وهذا هو المروي عنهم، روى البيهقي في سننه عن الوليد بن مسلم قال: سئل الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث: فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيفية. اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: أمروها كما جاءت بلا كيف. فإنما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 17967، حول إثبات صفة اليد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(1/793)
إيضاحات حول حديث النزول
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الرأي في هذا التأويل وأتكلم على النزول:
أولاً: حديث النزول مؤول بحديث آخر هذا إسناده وقد ذكرت إسناده في الرسالة
وأزيدك الحديث يقول (إن الله يمهل حتى إذا كان شطر الليل الآخر أرسل ملكاً...... وفي رواية أمر منادياً) هذا الحديث في شعب الإيمان للبيهقي ج3/ص335 _عمل اليوم والليلة النسائي ج/1ص340 الطبراني ج9/ص55 مسند إسحاق بن راهويه
إعتقاد أهل السنة اللالكائي ج1/222 وساق طرقاً كثيرة وقال رويت هذا الحديث في كتابي لأني رأيت أكثر من ثمانية صحابة رووه، الوهابية تقول النزول عقيده الصحابة وثرثرة طويلة بعيدا عن التحاكم الصحيح، وكذلك ساقه من حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه في ج1/ ص234 الترغيب والترهيب ج1/ص320
والترغيب والترهيب ج2/ص61 وفيه كل ليلة من رمضان فيض القديرج2/316 وعلل الترمذي ج1/ص83 ونيل الأوطار ج3/ص70 وج4/ص420
وغير هذا كثير، وأقول لك النزول مخالف للعلو ومناقض له والله هو العلي الأعلى وأنت لا تعرف كيف تضرب لله المثل الأعلى فجعلته نازلاً طوال العام فإذا كانت ليلة القدر نزل معه جبريل والملائكة
وحديث النزول على الظاهر مناقض لكل أصول الدين وهو يثبت حلول لله في السماء الدنيا مع نفي الكيفية، والله جل في علاه لا يحل في مخلوق وإن قلت ليس هذا بحلول تكون معنى كلمة (ينزل إلى السماء الدنيا لامعنى لها عندك، فهل تعقل أم أنتم تتحاكمون إلى اللغة وحسب ولا علاقة بالشرع، كفى هذا في النزول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول للأخ السائل أولاً: تمهل ولا تعجل، فالأناة من الرحمن، والعجلة من الشيطان، وبدلاً من كيل التهم فليكن الاستفسار والتبين فهذا أسلم للعاقبة، ثم نذكره بقاعدة السلف في صفات الله تعالى وهي (إمرارها كما جاءت بلا كيف) روى ابن بطة في الإبانة: عن حنبل بن إسحاق قال: قلت لأبي عبد الله: ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا؟ قال: نعم، قلت: نزوله بعلمه أم بماذا؟ قال: فقال لي: اسكت عن هذا، وغضب غضبا شديدا، قال ابن بطة: وقال مالك: ولهذا أمض الحديث كما روي بلا كيف.
وروى اللالكائي عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية ـ يعني رؤية الله يوم القيامة ـ فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف، والآثار عن السلف في ذلك لا تحصى.
وأما حديث النزول فهو حديث صحيح رواه أصحاب الكتب التسعة كلهم عن أبي هريرة ولفظه: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له. فهذا النزول نزوله سبحانه حقيقة على الوجه اللائق بجلاله وكماله، يدل على ذلك رواية مسلم وفيها: يقول: أنا الملك أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له. وهل يقول ملك من الملائكة: من يدعوني، من يسألني، من يستغفرني؟ وتأويل حديث النزول بأن معناه نزول الملك أو الرحمة لا دليل عليه، والتأويل إذا لم يستند إلى دليل كان تأويلا باطلا، ومشتملا على محذورين: الأول: تحريف الكلم عن مواضعه، والثاني: القول على الله بغير علم، وقد تقدم الإنكار الشديد من الإمام أحمد على من قال له: بعلمه أم بماذا؟
ثم إن هاهنا أمرا مهما وهو أن من تأول النزول على زعم أنه يلزم منه الحلول أو الزوال عن مكانه إنما أُتي من قبل وقوع المتأول في التشبيه لذلك قال من قال من السلف: إن كل معطل مشبه، لذلك قال ابن بطة في الإبانة في رده على من قال إنه يلزم من القول بنزوله زواله: فقلنا: أو لستم تزعمون أنكم تنفون التشبيه عن رب العالمين، فقد صرتم بهذه المقالة إلى أقبح التشبيه، وأشد الخلاف، لأنكم إن جحدتم الآثار وكذبتم بالحديث، رددتم على رسول الله قوله وكذبتم خبره، وإن قلتم لا ينزل إلا بزوال فقد شبهتموه بخلقه وزعمتم أنه لا يقدر أن ينزل إلا بزواله على وصف المخلوق الذي إذا كان بمكان خلا منه مكان، لكنا نصدق نبينا ونقبل ما جاء به فإنا بذلك أمرنا، وإليه ندبنا، فنقول كما قال: ينزل ربنا عز وجل، ولا نقول إنه يزول، بل ينزل كيف شاء، لا نصف نزوله ولا نحده ولا نقول إن نزوله زواله أهـ.
وأما الرواية المذكورة بالسؤال فقد رواها أيضا النسائي في السنن الكبرى، وقد حكم بعض أهل العلم بأنها منكرة، انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني، الجزء الثاني، الحديث رقم (3897) ، وعلى فرض صحتها فهي لا تعارض الروايات الأخرى، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فإن قيل: فقد روي أنه يأمر مناديا فينادي؟ قيل: هذا ليس في الصحيح، فإن صح أمكن الجمع بين الخبرين بأن ينادي هو، ويأمر مناديا ينادي، أما أن يعارض بهذا النقل النقل الصحيح المستفيض الذي اتفق أهل العلم بالحديث على صحته وتلقيه بالقبول مع أنه صريح في أن الله تعالى هو الذي يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، فلا يجوز أهـ.
وأما القول بأن النزول ينافي العلو فهو قول مفترض في نزول تعلم كيفيته وهو نزول المخلوق، وأما نزول الرب تبارك وتعالى فلا يعلم كيف هو حتى يقول فيه قائل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه درء تعارض العقل والنقل: وروى أبو اسماعيل الأنصاري بإسناده عن حرب الكرماني قال: قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: لا يجوز الخوض في أمر الله تعالى كما يجوز الخوض في فعل المخلوقين؛ لقوله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، ولا يجوز لأحد أن يتوهم على الله تعالى بصفاته وأفعاله، يعني كما نتوهم فيهم، وإنما يجوز النظر والتفكير في أمر المخلوقين، وذلك أنه يمكن أن يكون الله موصوفا بالنزول كل ليلة إذا مضى ثلثها إلى السماء الدنيا كما يشاء، ولا يسأل كيف نزوله، لأن الخالق يصنع ما يشاء كما يشاء. أهـ.
ولو كان اعتقاد الصحابة غير ظاهر الحديث على ما يليق بجلال الله سبحانه وتعالى لبينوه لنا فكيف يليق بهم أن يتركوا بيان أمر كهذا، فلما لم يتكلموا بتأويله علمنا أنهم أجروه على ظاهره؛ وإلا كانوا قد كتموا ما أمروا ببيانه وتبليغه، وحاشاهم من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1427(1/794)
الحكمة من إخفاء اسم الله الأعظم
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة القائمون على هذا الموقع أود أن أسأل عن اسم الله الأعظم أين يكون ما هو الاسم الذي اتفق معظم الباحثين أنه هو الاسم الأعظم وهل كان الرسول صلى هو من يعلم به فقط أم كل آل بيته السيدة فاطمة والحسن والحسين وسيدنا علي كرم الله وجهه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم -رحمهم الله تعالى- في تحديد الاسم الأعظم, والراجح عندنا هو أنه ضمن أسماء الله الحسنى ولا يُعرف بعينه, وسر إخفائه فيها ليقوم الداعي لله بدعائه بأسمائه كلها لينال فضيلة الدعاء بالجميع, ولو عرف لما دعا كثير من الناس إلا به وعطل بقية الأسماء, ولا نعلم دليلا صحيحا على أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدهم خص من بين الصحابة بمعرفة الاسم الأعظم، ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 55109.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1427(1/795)
فتاوى في صفات الله عز وجل
[السُّؤَالُ]
ـ[في مسألة الصفات التي تشعر بالتشبيه كاليد والوجه ونحوها هل صحيح أن مذهب السلف فيها هو الإمرار والإقرار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 55619، 19342، 46438، 27577، 28417، 35614، 19144، 50216، 27018، 55011، 64272.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1427(1/796)
مذهب السلف في الاستواء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو مذهب القرون المفضلة (السلف) في الاستواء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 6707، 66332، 50216، 52741، 69060.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1427(1/797)
عقيدة السلف الصالح في المعية والعلو
[السُّؤَالُ]
ـ[معلوم أن أهل السنة لا يؤلون الصفات فلماذا أولوا المعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل السنة يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات من غير تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل. ومن هذه الصفات صفة المعية؛ كما يثبتون له عز وجل صفة العلو. فهم يثبتون له جل وعلا هاتين الصفتين على ما يليق به سبحانه من غير أن تشبه معية المخلوقين ولا علوهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: ما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو علي في دنوه قريب في علوه.
وقد بين رحمه الله في مجموع الفتاوى عقيدة السلف الصالح في المعية والعلو بيانًا شافيًا فقال: والمقصود أنه تعالى وصف نفسه بالمعية وبالقرب، والمعية معيتان عامة وخاصة، فالأولى قوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ. والثانية قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ... إلى غير ذلك من الآيات. وأما القرب فهو كقوله: فَإِنِّي قَرِيبٌ. وقوله: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ. وافترق الناس في هذا المقام أر بع فرق.
ثم حكى مذاهب الفرق التي خالفت السلف في معنى المعية في أكثر من أربع صفحات. ثم قال:
الرابع: هم سلف الأمة وأئمتها أئمة أهل العلم والدين من شيوخ العلم والعبادة، فإنهم أثبتوا وآمنوا بجميع ما جاء به الكتاب والسنة من غير تحريف للكلم عن مواضعه. أثبتوا أن الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، وهم بائنون منه، وهو أيضًا مع العباد عمومًا بعلمه، ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية، وهو أيضًا قريب مجيب، ففي آية النجوى دلالة على أنه عالم بهم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل. فهو مع المسافر في سفره مع أهله في وطنه، ولا يلزم من هذا أن تكون ذاته مختلطة بذواتهم؛ كما قال: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ.. . أي على الإيمان؛ لا أن ذاته في ذاتهم، بل هم مصاحبون له. وقوله: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ.. يدل على موافقتهم في الإيمان وموالاتهم. فالله تعالى عالم بعباده وهو معهم أينما كانوا، وعلمه بهم من لوازم المعية؛ كما قالت المرأة: زوجي طويل النجاد عظيم الرماد قريب البيت من الناد. فهذا كله حقيقة ومقصودها أن تعرف لوازم ذلك وهو طول القامة والكرم بكثرة الطعام وقرب البيت من موضع الأضياف. وفي القرآن: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ. فإنه يراد برؤيته وسمعه إثبات علمه بذلك، وأنه يعلم هل ذلك خير أو شر؟ فيثيب على الحسنات ويعاقب على السيئات، وكذلك إثبات القدرة على الخلق كقوله: وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء. وقوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ. والمراد التخويف بتوابع السيئات ولوازمها في العقوبة والانتقام.
وهكذا كثير مما يصف الرب نفسه بالعلم بأعمال العباد تحذيرًا وتخويفًا ورغبة للنفوس في الخير ويصف نفسه بالقدرة والسمع والرؤية والكتاب. فمدلول اللفظ مراد منه، وقد أريد ايضًا لازم ذلك المعنى؛ فقد أريد ما يدل عليه اللفظ في أصل اللغة بالمطابقة والالتزام، فليس اللفظ مستعملاً في اللازم فقط، بل أريد به مدلوله الملزوم وذلك حقيقة.
وقد أجاب الشيخ ابن عثيمين في شرح لمعة الاعتقاد على دعوى أن أهل السنة أوَّلوا صفة المعية فقال:
قال أهل التأويل: أنتم يا أهل السنة أولتم قوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ. فقلتم: وهو معكم بعلمه. وهذا تأويل؛ فإن الله تعالى يقول: وَهُوَ مَعَكُمْ، والضمير في قوله وَهُوَ مَعَكُمْ يعود إلى الله. فأنتم يا أهل السنة أولتم هذا النص وقلتم: إنه معكم بالعلم. فإذن كيف تنكرون علينا التأويل؟
قلنا: نحن لم نؤول الآية، بل إنما فسرناها بلازمها وهو العلم؛ وذلك لأن قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ لا يمكن لأي إنسان يعرف قدر الله عز وجل ويعرف عظمته، أن يتبادر إلى ذهنه أنه هو ذاته مع الخلق في أمكنتهم، فإن هذا أمر مستحيل، كيف يكون الله معك في البيت، ومع الآخر في المسجد، ومع الثالث في الطريق، ومع الرابع في البر، ومع الخامس في الجو، ومع السادس في البحر ... إلخ. لو قلنا بهذا فكم إلهًا يكون؟ لو قلنا بهذا لزم أن يكون الله إما متعددًا أو متجزئًا - تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا - وهذا أمر لا يمكن، ولهذا نقول: من فهم هذا الفهم فهو ضال في فهمه، ومن اعتقده فإنه ضال إن قلد غيره بذلك، وكافر إذا بلغه العلم وأصر على قوله، ومن نسب إلى أحد من السلف أن ظاهر الآية أن الله معهم بذاته في أمكنتهم فإنه بلا شك كاذب عليهم. إذن أهل السنة والجماعة يقولون: نحن نؤمن بأن الله تعالى فوق عرشه، وأنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته، وأنه مع خلقه كما قال في كتابه، ولكن مع إيماننا بعلوه. ولا يمكن أن يكون مقتضى معيته إلا الإحاطة بالخلق علمًا، وقدرة، وسلطانًا، وسمعًا، وبصرًا، وتدبيرًا، وغير ذلك من معاني الربوبية.
أما أن يكون حالاً في أمكنتهم، أو مختلطًا بهم كما يقول أهل الحلول والاتحاد؛ فإن هذا أمر باطل لا يمكن أن يكون هو ظاهر الكتاب والسنة، وعلى هذا فنحن لم نؤول الآية ولم نصرفها عن ظاهرها؛ لأن الذي قال عن نفسه: وَهُوَ مَعَكُمْ، هو الذي قال عن نفسه: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ. وهو الذي قال عن نفسه: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ. إذن فهو فوق عباده، ولا يمكن أن يكون في أمكنتهم. ومع ذلك فهو معهم محيط بهم علمًا، وقدرة، وسلطانًا، وتدبيرًا وغير ذلك.
وإذا أضيفت المعية إلى من يستحق النصر من الرسل وأتباعهم اقتضت مع الإحاطة علمًا وقدرة، اقتضت نصرًا وتأييدًا؛ فنحن - ولله الحمد - ما خرجنا بهذا اللفظ عن ظاهره حتى يلزمونا بذلك.
وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله في كتبه المختصرة والمطولة أنه لا تعارض بين معنى المعية حقيقة وبين علو الله سبحانه وتعالى. قال:
لأن الله سبحانه ليس كمثله شيء في جميع صفاته؛ فهو عليٌّ في دنوه، قريب في علوه. وقال: إن الناس يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا، مع أن القمر في السماء وهم يقولون: معنا، فإذا كان هذا ممكنًا في حق المخلوق كان في حق الخالق من باب أولى.
والمهم أننا نحن معشر أهل السنة ما قلنا أبدًا ولا نقول إن ظاهر الآية هو ما فهمتموه، وأننا صرفناها عن ظاهرها، بل نقول: إن الآية معناها أنه سبحانه مع خلقه حقيقة، معية تليق به، محيط بهم علمًا، وقدرة، وسلطانًا، وتدبيرًا، وغير ذلك؛ لأنه لا يمكن الجمع بين نصوص المعية وبين نصوص العلو إلا على هذا الوجه الذي قلناه، والله سبحانه وتعالى يفسر كلامه بعضه بعضًا.
وقال في شرح العقيدة الواسطية ردًّا على من استدل بآيات المعية على أن الله تعالى في كل مكان، تعالى الله عمَّا يقولون:
فنقول لمن زعموا أن الله بذاته في كل مكان: دعواكم هذه دعوى باطلة يردها السمع والعقل:
أما السمع: فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه العلي، والآية التي استدللتم بها لا تدل على ذلك؛ لأن المعية لا تستلزم الحلول في المكان. ألا ترى إلى قول العرب: القمر معنا، ومحله في السماء؟ ويقول الرجل: زوجتي معي، وهو في المشرق وهي في المغرب؟ ويقول الضابط للجنود: اذهبوا إلى المعركة وأنا معكم، وهو في غرفة القيادة وهم في ساحة القتال؟ فلا يلزم من المعية أن يكون الصاحب في مكان المصاحب أبدًا. والمعية يتحدد معناها بحسب ما تضاف إليه، فنقول أحيانًا: هذا لبن معه ماء، وهذه المعية اقتضت الاختلاط. ويقول الرجل: متاعي معي، وهو متصل به. فهذه كلمة واحدة لكن يختلف معناها بحسب الإضافة، فبهذا نقول: معية الله عز وجل لخلقه تليق بجلاله سبحانه وتعالى كسائر صفاته، فهي معية تامة حقيقية؛ لكن هو في السماء.
وأما الدليل العقلي على بطلان قولهم؛ فنقول: إذا قلت: إن الله معك في كل مكان فهذا يلزم عليه لوازم باطلة فيلزم عليه:
أولاً: إما التعدد أو التجزؤ، وهذا لازم باطل بلا شك، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.
ثانيًا: نقول: إذا قلت: إنه معك في الأمكنة؛ لزم أن يزداد بزيادة الناس وينقص بنقص الناس.
ثالثًا: يلزم على ذلك ألا تنزهه عن المواضع القذرة، فإذا قلت: إن الله معك وأنت في الخلاء فيكون هذا أعظم قدح في الله عز وجل.
فتبين بهذا أن قولهم مناف للسمع ومناف للعقل، وأن القرآن لا يدل عليه بأي وجه من الدلالات، لا دلالة مطابقة ولا تضمن ولا التزام أبدًا. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1426(1/798)
مذهب ابن الجوزي في العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[مذهب ابن الجوزي (رحمه الله) الفقهي هو المذهب الحنبلي، ولكن هل صحيح أن مذهبه الاعتقادي هو الأشعري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لا نستطيع أن ننسب أبا الفرج ابن الجوزي إلى مذهب الأشاعرة في الاعتقاد، ذلك لأنه لا يوافقهم في جميع أصولهم، وإنما يوافقهم في بعضها، ومن ذلك تفويضه لمعاني صفات الله جل وتعالى، حيث قال بقول متقدمي الأشاعرة، وشيخ الإسلام ابن تيمية يفضل أصحاب أبي الحسن الأشعري المتقدمين على ابن الجوزي وشيخه ابن عقيل، ويراهم أقرب إلى ما كان عليه الإمام أحمد بن حنبل والأئمة، ولكنه يفضلهما على كثير من متأخري الأشاعرة الذين انتحلوا نحلة الجهمية.
قال ابن تيمية في شرح العقيدة الأصفهانية: وما في كتب الأشعري مما يوجد مخالفاً للإمام أحمد وغيره من الأئمة -فيوجد في كلام كثير من المنتسبين إلى أحمد كأبي الوفاء ابن عقيل وأبي الفرج ابن الجوزي وصدقة بن الحسين وأمثالهم ما هو أبعد عن قول أحمد والأئمة من قول الأشعري وأئمة أصحابه، ثم بين رحمه الله أن ابن الجوزي مع مخالفته لمعتقد أهل السنة والجماعة إلا أنه أفضل حالاً من متأخري الأشاعرة الذين غالوا في البدعة وخرجوا عن قول الأشعري نفسه، فقال رحمه الله: ومن هو أقرب إلى أحمد والأئمة من مثل ابن عقيل وابن الجوزي ونحوهما....- أقرب إلى السنة من كثير من أصحاب الأشعري المتأخرين الذين خرجوا عن كثير من قوله إلى قول المعتزلة أو الجهمية أو الفلاسفة. انتهى.
هذا.. وقد عاش ابن الجوزي رحمه الله ومن قبله شيخه أبو الوفاء علي بن عقيل -رحمه الله- تناقضاً بين انتمائه السلفي لمدرسة الحنابلة الأثرية الرافضة لعلم الكلام والبدع، وبين قوة التيار الكلامي الذي بلغ ذروته وأوج نشاطه في القرنين الخامس والسادس ... ومن ثم جاءت أقوالهما مضطربة متناقضة.
قال الحافظ ابن رجب في تعليل ما لقيه أبو الوفاء من أصحابه الحنابلة: والأذية التي ذكرها من أصحابه له، وطلبهم منه هجران جماعة من العلماء، نذكر بعض شرحها: وذلك أن أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد وابن التبان شيخي المعتزلة، وكان يقرأ عليهما في السر علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحرافٍ عن السنَّة، وتأولٍ لبعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه الله. انتهى.
وقد تأثر ابن الجوزي بشيخه تأثراً بالغاً، فحاد عن طريق سلفه من أئمة المذهب، وقال بقول أهل التأويل، لا سيما في كتابه (دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه) ، الذي صنفه في الرد على بعض مشايخ المذهب، كابن حامد، والقاضي أبي يعلى، وشيخه ابن الزاغوني، وليس في الرد على الحنابلة كما زعم بعضهم.
قال ابن رجب رحمه الله في ذكر كلام الناس فيه:.... ومنها وهو الذي من أجله نقم جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم من المقادسة والعلثيين، من ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكرهم عليه في ذلك، ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف، وهو إن كان مطلعاً على الأحاديث والآثار في هذا الباب، فلم يكن خبيراً بحل شبهة المتكلمين وبيان فسادها، وكان معظماً لأبي الوفاء ابن عقيل، يتابعه في أكثر ما يجد في كلامه، وإن كان قد رد عليه في بعض المسائل، وكان ابن عقيل بارعاً في الكلام، ولم يكن تام الخبرة بالحديث والآثار، فلهذا يضطرب في هذا الباب، وتتلون فيه آراؤه، وأبو الفرج تابعُ له في هذا التلون. انتهى.
وكذا قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن أبا الفرج نفسه متناقض في هذا الباب، لم يثبت على قدم النفي ولا على قدم الإثبات، بل له من الكلام في الإثبات نظماً ونثراً ما أثبت به كثيراً من الصفات التي أنكرها في هذا المصنف. انتهى.
هذا وللفائدة وانظر الفتوى رقم: 55619، والفتوى رقم: 50216.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1426(1/799)
نقول عن علماء السنة في مسألة الاستواء
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أناقش بعض الذي ينكرون أن الله فوق عرشه استوى.. ويزعمون أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ولا.. ولا.. إلى آخر تلك الترهات.. ونقلت له نقولاً عن سلفنا الصالح تؤكد أنهم يثبتون أن الله عز وجل فوق عرشه.. استوى كما يليق بجلاله.. فما كان منه إلا أن قال أن ذلك يعني أن الله في مكان.. وهذا كفر.. فقلت له إن العرش آخر المخلوقات.. وما دون العرش يوصف بأنه في مكان وجودي.. أما ما فوق العرش فليس بمكان أصلاً.. بل لقد أطلق عليه بعض العلماء أنه مكان عدمي.. فاستهزأ من كلمة (مكان عدمي) جدًا.. وقال إن كل المكان مخلوق.. وإذا قلنا إن الله فوق العرش إذن فهو في مكان.. وبالتالي لا يصح ذلك.. وقال إن آخر المخلوقات ليس العرش.. بدليل الحديث الذي فيه أن الله كتب كتابًا (فهو عنده فوق العرش) .. وأسئلتي بارك الله فيكم هي:
1- مدى صحة كلامي..؟
2- هل العرش آخر المخلوقات..، أم ماذا.. وكيف نجمع بين ذلك وبين الحديث..؟
3- هل إذا أثبتنا العلو لله نكون قد نسبنا له المكان أو الجهة.. أرجو التفصيل جدًا حول هذه النقطة أو الإحالة على فتوى مفصلة جدًا..
4- كان مما قيل له أن ارتفاع النقيضين محال عقلاً.. فقال رفع النقيضين عما يلزمه الاتصاف بأحدهما هو المحال وأما الله فلا يلزمه الاتصاف بأحدهما.. وقال إن الجدار لا يعلم ولا يجهل ولا إحالة عقلية هاهنا.. وهذه بتلك.. فما الرد على ذلك؟
5- نقل لي كلامًا عن بعض السلف أنهم ينفون المكان عن الله وكذلك الجهة.. من ذلك قول أبي حنيفة إن الله يرى لا في جهة.. وقول لأحد التابعين أن من قال إن الله على شيء فقد كفر.. ونقل قولاً للشافعي أنه كفَّر من اعتقد أن الله جالس على العرش أو فوق العرش.. يقول إن قول الشافعي ذلك في كتاب لابن المعلم القرشي (رجم المعتدي) .. فما قولكم بارك الله فيكم..؟
6- ما رأيكم بالشيخ عبد الرحمن دمشقية، أرجو التفصيل قليلاً.. وأخيرًا أعتذر عن الإطالة.. وعندي رجاء لكم.. أرجو أن تعطوني إيميل أحد أعضاء لجنة الفتوى أو أحد طلبة العلم بحيث أرجع إليه بسرعة.. وهذا بالفعل طلب مهم جدًا بالنسبة إليّ.. لأن مركز الفتوى زاده الله توفيقًا يتأخر بسبب كثرة الأسئلة.. أعانكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى طالب العلم الاعتصام بمنهج أهل السنة والجماعة في الاعتقاد والعمل، ولا يلزمه الاطلاع على مقالات المخالفين لهم، فضلاً عن مناظرتهم واستماع شبههم، فإن السلامة لا يعدلها شيء، وقد كان السلف رحمهم الله ينهون أشد النهي عن مجالسة أهل البدع، وإذا مروا بهم وضعوا أصابعهم في آذانهم لئلا يصل إليها شيء من شبههم، وذلك مع علم السلف وفهمهم، فكيف بمن بعدهم؟!
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه -وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد- لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات -أو كما قال- فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك، وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل ... انتهى.
وقال الإمام مالك: أرأيت إن جاء رجل أجدل من رجل يدع الرجل دينه كل يوم لدين جديد؟!.
وعلى هذا فننصحك بتجنب الجدال مع أهل البدع الاعتقادية، وليسعك التمسك بما أنت عليه من الحق الثابت بالدليل، والذي عليه أئمة أهل السنة من لدن الصحابة رضي الله تعالى عنهم إلى زماننا.
هذا وإن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله ولا يماثل استواء المخلوقين، وأنه بائن من خلقه، وانظر أدلة ذلك من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة في الفتوى رقم: 6707.
ومعنى الاستواء عند أهل السنة والجماعة هو: العلو والارتفاع والصعود، وليعلم أنه لا يجوز إبطال دلالة النصوص المثبتة لصفة الاستواء بمجرد أوهام يظن صاحبها أنها دلالات عقلية، إذ إن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح.
واعلم كذلك أن صفة المكان لم تثبت في الكتاب ولا في السنة، فلا نثبتها ولا ننفيها، والقول بالمكان العدمي لم يسبق إلى إثباته أحد من سلف الأمة، وليسعنا ما وسعهم وإن كان شيخ الإسلام رحمه الله قد عبر بألفاظ مرادفة كالحيز العدمي، فلا ينبغي أن يلجئك النقاش مع المبتدعة إلى تكلف ما ليس لك به علم.
هذا وإن أهل السنة يعتقدون أن الله تعالى فوق خلقه عالٍ عليهم بائن منهم، وهذا إن سماه المبتدعة جهة فإن ذلك لا يزحزحنا عن اعتقاده لتواتر النصوص به، وقد بين شيخ الإسلام في أكثر من موضع من كتبه أن الجهة لفظ مجمل يحتمل حقاً وباطلاً والسبيل فيما هذا شأنه من الألفاظ أن يستفصل عن معناه فإن كان باطلاً رد وإن كان حقاً قبل وعبر عنه باللفظ الشرعي وإليك شيئاً من كلامه رحمه الله فقد قال في منهاج السنة النبوية: وكذلك الكلام في لفظ الجهة فإن مسمى لفظ الجهة يراد به أمر وجودي كالفلك الأعلى ويراد به أمر عدمي كما وراء العالم، فإذا أريد الثاني أمكن أن يقال كل جسم في جهة وإذا أريد الأول امتنع أن يكون كل جسم في جسم آخر.
فمن قال: الباري في جهة وأراد بالجهة أمراً موجوداً فكل ما سواه مخلوق له ومن قال إنه في جهة بهذا التفسير فهو مخطئ، وإن أراد بالجهة أمراً عدمياً وهو ما فوق العالم، وقال إن الله فوق العالم فقد أصاب وليس فوق العالم موجود غيره فلا يكون سبحانه في شيء من الموجودات، وأما إذا فسرت الجهة بالأمر العدمي فالعدم لا شيء، وهذا ونحوه من الاستفسار وبيان ما يراد باللفظ من معنى صحيح وباطل يزيل عامة الشبه. انتهى.
وقال أيضاً في مجموع الفتاوى: وقد أخبرنا أيضاً أنه قد استوى على العرش فهذه النصوص يصدق بعضها بعضا والعقل أيضاً يوافقها ويدل على أنه سبحانه مباين لمخلوقاته فوق سماواته، وأن وجود موجود لا مباين للعالم ولا محايث له محال في بديهة العقل فإذا كانت الرؤية مستلزمة لهذه المعاني فهذا حق وإذا سميتم أنتم هذا قولاً بالجهة وقولا بالتجسيم لم يكن هذا القول نافيا لما علم بالشرع والعقل إذا كان معنى هذا القول والحال هذه ليس منتفياً لا بشرع ولا عقل.
ويقال لهم ما تعنون بأن هذا إثبات للجهة والجهة ممتنعة أتعنون بالجهة أمراً وجودياً أو أمراً عدمياً، فإن أردتم أمراً وجودياً وقد علم أنه ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق والله فوق سماواته بائن من مخلوقاته لم يكن والحالة هذه في جهة موجودة فقولكم إن المرئي لا بد أن يكون في جهة موجودة قول باطل فإن سطح العالم المرئي وليس هو في عالم آخر.
وإن فسرتم الجهة بأمر عدمي كما تقولون إن الجسم في حيز والحيز تقدير مكان وتجعلون ما وراء العالم حيزاً فيقال لكم الجهة والحيز إذا كان أمراً عدمياً فهو لا شيء وما كان في جهة عدمية أو حيز عدمي فليس هو في شيء ولا فرق بين قول القائل هذا ليس في شيء وبين قوله هو في العدم أو أمر عدمي فإذا كان الخالق تعالى مبايناً للمخلوقات عالياً عليها وما ثم موجود إلا الخالق أو المخلوق لم يكن معه غيره من الموجودات فضلاً عن أن يكون هو سبحانه في شيء موجود يحصره أو يحيط به.
فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل ويراعون أيضاً الألفاظ الشرعية فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة أيضاً وقالوا إنما قابل بدعة ببدعة ورد باطلا بباطل. انتهى.
وراجع للفائدة تفسير القرطبي رحمه الله لآية الاستواء في سورة الأعراف فإنه نقل اعتقاد السلف وأنه لم ينكر أحد منهم أنه سبحانه استوى على عرشه حقيقة وأنهم لم يقولوا بنفي الجهة بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله وإنما أحلناك إليها لترى ما نقله عن السلف لا لما يعتقده هو رحمه الله.
وأما العرش، فالصحيح أنه أعلى جميع المخلوقات وهو سقفها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والعرش فوق جميع المخلوقات، وهو سقف جنة عدن التي هي أعلى الجنة، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا سألتم الله فأسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وسقفه عرش الرحمن.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ... هو مالك كل شيء وخالقه، لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش، مقهورون بقدرة الله تعالى. انتهى.
وأما الجمع بين كون الله مستويا على عرشه وأن عرشه فوق جميع المخلوقات، وبين الحديث الدال على أن الله كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش، فلم نجد لأئمة أهل السنة ذكراً لذلك بحسب بحثنا، ونحن نؤمن بكل ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سمع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فلم يستشكلوه، فليسعنا ما وسعهم، ولا نخوض فيما ليس لنا به علم، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
وأما قول صاحبك (إن رفع النقيضين عما يلزمه الاتصاف بأحدهما هو المحال) ، فهذا القول لا يسلم له، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في التدمرية: ... وإن كان المخاطب من الغلاة نفاة الأسماء والصفات وقال لا أقول هو موجود ولا حي ولا عليم ولا قدير بل هذه الأسماء لمخلوقاته إذ هي مجاز لأن إثبات ذلك يستلزم التشبيه بالموجود الحي العليم، قيل له وكذلك إذا قلت ليس بموجود ولا حي ولا عليم ولا قدير كان ذلك تشبيها بالمعدومات وذلك أقبح من التشبيه بالموجودات، فإن قال أنا أنفي النفي والإثبات قيل له فيلزمك التشبيه بما اجتمع فيه النقيضان من الممتنعات، فإنه يمتنع أن يكون الشيء موجوداً معدوماً أو لا موجودا ولا معدوما ويمتنع أن يكون يوصف ذلك باجتماع الوجود والعدم أو الحياة والموت أو العلم والجهل أو يوصف بنفي الوجود والعدم ونفي الحياة والموت ونفي العلم والجهل.
فإن قلت إنما يمتنع نفي النقيضين عما يكون قابلا لهما وهذان يتقابلان تقابل العدم والملكة لا تقابل السلب والإيجاب فإن الجدار لا يقال له أعمى ولا بصير ولا حي ولا ميت إذ ليس بقابل لهما، قيل لك أولاً هذا لا يصح في الوجود والعدم فإنهما متقابلان تقابل السلب والإيجاب باتفاق العقلاء فيلزم من رفع أحدهما ثبوت الآخر.
وأما ما ذكرته من الحياة والموت والعلم والجهل فهذا اصطلاح اصطلحت عليه المتفلسفة المشاؤون والاصطلاحات اللفظية ليس دليلاً على نفي الحقائق العقلية وقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ. فسمى الجماد ميتاً وهذا مشهور في لغة العرب وغيرهم.
وقيل لك ثانياً فما لا يقبل الاتصاف بالحياة والموت والعمى والبصر ونحو ذلك من المتقابلات أنقص مما يقبل ذلك فالأعمى الذي يقبل الاتصاف بالبصر أكمل من الجماد الذي لا يقبل واحداً منهما، فأنت فررت من تشبيهه بالحيوانات القابلة لصفات الكمال ووصفته بصفات الجامدات التي لا تقبل ذلك، وأيضاً فما لا يقبل الوجود والعدم أعظم امتناعاً من القابل للوجود والعدم بل ومن اجتماع الوجود والعدم ونفيهما جميعاً فما نفيت عنه قبول الوجود والعدم كان أعظم امتناعاً مما نفيت عنه الوجود والعدم، وإذا كان هذا ممتنعاً في صرائح العقول فذاك أعظم امتناعاً فجعلت الوجود الواجب الذي لا يقبل العدم هو أعظم الممتنعات وهذا غاية التناقض والفساد. انتهى.
وقال في موضع آخر من التدمرية: واعلم أن الجهمية المحضة كالقرامطة ومن ضاهاهم ينفون عنه تعالى اتصافه بالنقيضين حتى يقولون ليس بموجود ولا ليس بموجود ولا حي ولا ليس بحي ومعلوم أن الخلو عن النقيضين ممتنع في بدائه العقول كالجمع بين النقيضين.
وآخرون وصفوه بالنفي فقط فقالوا ليس بحي ولا سميع ولا بصير وهؤلاء أعظم كفراً من أولئك من وجه وأولئك أعظم كفراً من هؤلاء من وجه فإذا قيل لهؤلاء هذا مستلزم وصفه بنقيض ذلك كالموت والصمم والبكم، قولوا إنما يلزم ذلك لو كان قابلا لذلك وهذا الاعتذار يزيد قولهم فساداً وكذلك من ضاهى هؤلاء وهم الذين يقولون ليس بداخل العالم ولا خارجه إذا قيل هذا ممتنع في ضرورة العقل، كما إذا قيل ليس بقديم ولا محدث ولا واجب ولا ممكن ولا قائم بنفسه ولا قائم بغيره، قالوا هذا إنما يكون إذا كان قابلا لذلك والقبول إنما يكون من التحيز فإذا انتفى التحيز انتفى قبول هذين المتناقضين فيقال لهم علم الخلق بامتناع الخلو من هذين النقيضين هو علم مطلق لا يستثنى منه موجود. انتهى.
وأما ما نسبه صاحبك لبعض الأئمة كالإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي من نفي علو الله ونفي استوائه على العرش، فهذا كذب عليهم، وإن الثابت عنهم عكس ذلك، فقد ذكر الإمام الحافظ الذهبي في كتابه العلو بعض النصوص عن الإمام أبي حنيفة في تكفير من أنكر أن الله في السماء مستو على عرشه، ومنها قوله: بلغنا عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي صاحب (الفقه الأكبر) قال: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء، أو في الأرض. فقال: قد كفر، لأن الله تعالى يقول: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. وعرشه فوق سمواته. فقلت: إنه يقول: أقول على العرش استوى، ولكن قال لا يدري العرش في السماء أو في الأرض. قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر. رواها صاحب (الفاروق) بإسناد عن أبي بكر بن نصير بن يحيى عن الحكم.
وسمعت القاضي الإمام تاج الدين عبد الخالق بن علوان قال: سمعت الإمام أبا محمد عبد الله محمد المقدسي مؤلف (المقنع) رحم الله ثراه وجعل الجنة مثواه، يقول: بلغني عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: من أنكر أن الله عز وجل في السماء فقد كفر. انتهى.
ونقل الإمام ابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية نصوصاً للإمام الشافعي تدل على إثباته صفة العلو لله تعالى وأنه سبحانه في السماء مستو على عرشه فقال: قال الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي حدثنا أبو شعيب وأبو نور عن أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال: القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء. قال عبد الرحمن وحدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول وقد سُئل عن صفات الله وما يؤمن به فقال: لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته لا يسع أحداً من خلق الله قامت عليه الحجة ردها. لأن القرآن نزل بها وصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القول (بها) فيما روى عنه العدول، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالروية والقلب ولا نكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، وتثبيت هذه الصفات وننفي عنها التشبيه كما نفى التشبيه عن نفسه فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ. وصح عن الشافعي أنه قال خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه حق قضاها الله في سمائه وجمع عليها قلوب أصحاب نبيه ومعلوم أن المقضي في الأرض والقضاء فعله سبحانه وتعالى المتضمن لمشيئته وقدرته، وقال في خطبة رسالته: الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به خلقه. فجعل صفاته سبحانه إنما تتلقى بالسمع. انتهى.
وللوقوف على مزيد من أقوال السلف في إثبات صفة العلو لله تعالى انظر (العلو للعلي الغفار) للإمام الذهبي أو مختصره للألباني، وانظر (اجتماع الجيوش الإسلامية) لابن القيم.
وأما كتاب (رجم المعتدي) فلا نعلم عنه ولا عن صاحبه شيئاً، وبالنسبة للشيخ عبد الرحمن دمشقية فإنه من الدعاة المعروفين الناصحين الذابين عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المدافعين عن سنته.
هذا وننصحك بمطالعة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وخصوصاً (العقيدة الواسطية) و (الفتوى الحموية الكبرى) ، وتجد بعض المواقع المختصة ببيان عقيدة السلف والرد على شبهات المخالفين في الفتوى رقم: 63082.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1426(1/800)
الفرق بين لفظ الجلالة \"الله\" وبين الأسماء الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[1-ما هو الفرق بين لفظ الجلالة \\\"الله\\\" وأسمائه الحسنى، ولماذا في الشهادتين نقول \\\" الله\\\" ولا نقول اسما من أسماء الله الحسنى؟
2-هل إذا آمنت أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق له مربوب يكون إيماني صحيحا؟
لقد أخذت ما قلتم في إحدى الفتاوى عن الشبهات حول العقيدة بما يتعلق بسؤالي الثاني، نقاطا وأريد الشرح لأني أوسوس كثيرا،، هذه هي النقاط: \\\"1- ... أن الله تعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء.
2- ... أن الله تعالى متصف بصفات الكمال أزلا وأبدا، ومنها كونه خالقا لما يشاء متى شاء، فعال لما يريد، فلم يأت عليه زمن كان معطلا فيه عن الخلق أو الكلام أو غير ذلك من صفات كماله ونعوت جلاله.
3- ... أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق له مربوب كائن بعد أن لم يكن. وبعد هذا إن تمكن طالب العلم من فهم كلام شيخ الإسلام وأدلته التي رد بها على الفلاسفة الدهرية
أرجو الإجابة في أسرع وقت ممكن]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفرق بين لفظ الجلالة "الله" وبين الأسماء الحسنى الباقية، هو أن لفظ الجلالة "الله" هو علم على الذات، فهو الدال على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث، المطابقة والتضمن واللزوم، فإنه دال على الهيئة المتضمنة لثبوت صفات الإلهية مع نفي أضدادها عنه، وصفات الإلهية هي صفات الكمال المنزهة عن العيوب والنقائص، ولهذا يضيف الله سبحانه وتعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى {الأعراف 180} ويقال الرحمن الرحيم والقدوس والسلام والعزيز كلها من أسماء الله، ولا يقال الله من أسماء الرحمن، ولا من أسماء العزيز
فعلم أن علم الذات "الله" مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دال عليها، وهي تبيين وتفصيل لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله.
كما أن لفظ الجلالة يدل على كونه سبحانه مألوها معبودا تألهه الخلائق محبة وتعظيما، وقد اختص الله سبحانه وتعالى بهذا الاسم وصرف عنه عباده فلم يتسم به أحد من خلقه.
قال في الحق الواضح المبين: وصفات الجلال والجمال أخص باسم الله وأصله الإله. قال تعالى: إِنَّما اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ولد
وبهذا تتبين خصوصية هذا الاسم وفضله وكونه لايؤتى في شهادة الإسلام بغيره، لأن معنى النطق بالشهادة الإقرار بألوهيته والعبودية له وأنه لا معبود بحق سواه, وليس في أسمائه الحسنى اسم يتضمن ذلك المعنى غير هذا الاسم، وهذا الأمر توقيفي لا مجال فيه للاجتهاد والرأي. قال تعالى. شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ {آل عمران: 18} وقال صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله.... متفق عليه.
وأما هل يكون إيمانك صحيحا إذا اعقتدت أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق له مربوب؟ فالجواب عنه أنه لا بد للمؤمن أن يعتقد ذلك مع اعتقاد توحيد الله بالعبودية ويعمل بمقتضاه فلا يصرف شيئا من العبادة لغيره، فذلك من حقه الخالص له، كما في حديث معاذ لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم: هل تدري ما حق الله على العباد؟ قلت لا، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا ي شركوا به شيئا. متفق عليه.
لا كما كان يفعل أهل الجاهلية، فقد كانوا يعتقدون ذلك ويؤمنون بربوبية الله، وأنه الخالق كما قال: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ {الزخرف: 87} ولكنهم لا يصرفون العبادة له وحده، وقالوا: أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ {ص 5} فلم يعملوا بمقتضى ما يعتقدونه لأنه إذا كان الله سبحانه وتعالى هو الخالق المربي لجميع عباده فهو المستحق للعبادة، وغيره من المخلوقين الذين لا يخلقون شيئا وهم يُخلقون، ولا يملكن لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا. من كانت تلك صفاته لا يستحق أن تصرف له العبادة وإنما تصرف للخالق البارئ مالك النفع والضر سبحانه، إذا اعتقد المرء ذلك وعمل بمقتضاه وآمن بأركان الإيمان كلها كان إيمانه صحيحا لأن الإيمان ليس مجرد قول باللسان وإنما هو قول وفعل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. قال البخاري: باب الإيمان وهو قول وفعل ويزيد وينقص.
وأما النقاط التي سألت عنها وهي كونه سبحانه وتعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه متصف بصفات الكمال أزلا وأبدا، وأنه سبحانه فعال لما يريد، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. ولم يأت عليه زمن كان معطلا فيه عن الخلق أو الكلام أو غير ذلك من صفات كماله ونعوت جلاله، ومنها كونه الرب الخالق المدبر لشؤون عباده وما سواه مخلوق مربوب كائن بعد أن لم يكن.
هذه النقاط كما ذكرت في الفتوى رقم: 63117 هي إجمال لما ينبغي للمسلم أن يقف عنده ولا يخوض فيما وراءه إلا إذا كان طالب علم متمكن يحتاج إلى مقارعة أهل الباطل ومعرفة شبههم وكيفية الرد عليهم، فمن كان كذلك فقد نصحناه بالاطلاع على كلام شيخ الإسلام لأنه ممن تصدى لأهل الباطل ودمغهم بحججه الساطعة وأدلته القاطعة.
وأما المسلم العادي فحسبه ما ذكرنا أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى متصف بصفات الكمال والجلال منزه عن صفات النقص ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. يتلو كتاب الله ويقرأ سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويثبت ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، وينفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم كما كان السلف الصالح يفعلون، فذلك هو السبيل الأسلم والنهج الأقوم للمسلم، لأن الخوض في ذلك بالعقل لا يفضي إلا إلى الشك والحيرة والتردد إذا لا مجال للعقل في هذا الأمر، ومن ذلك الباب يدخل الشيطان فيقذف الشبه والوساوس ويردي المرء في هاوية سحيقة، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه لما سألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: وقد وجدتموه! قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم، قال أبو حاتم رضي الله عنه إذا وجد المسلم في قلبه أو خطر بباله من الأشياء التي لا يحل له النطق بها من كيفية الباري جل وعلا أو ما يشبه هذه فرد ذلك على قلبه بالإيمان الصحيح وترك العزم على شيء منها كان رده إياها من الإيمان بل هو من صريح الإيمان لا أن خطرات مثلها من الإيمان.
قال ابن حبان في صحيحه: باب ذكر الإباحة للمرء أن يعرض بقلبه شيء من وساوس الشيطان بعد أن يردها من غير اعقتاد القلب على ما وسوس إليه الشيطان.
فينبغي للموسوس أن يصرف عنه ذلك ولا يتمادى مع وسوسة الشيطان ومحاجته كما في نوازل العلوي، ونظمه ابن مايأبى بقوله:
وما به يوسوس الشيطان * والقلب يأباه هو الإيمان
فلا تحاجج عنده اللعينا * فإنه يزيده تمكينا
فلتدعي عنك الوساوس ولتصرفي النظر عن الخوض في مثل هذه الأمور، وحسبك أن تعلمي أنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1426(1/801)
القول بإثبات العينين لله جل جلاله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثبت شيء من التجسيم عن شيخ الإسلام أو فناء النار أو عن ابن القيم (كتابه حادي الارواح) ...
وهل قال ابن تيمية إن لله عينان وليس هناك نص بهذا.,..أفيدونا بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعروف عن شيخ الإسلام الذي صرح به في كتبه وفتاواه هو إثبات ما أثبته الله لنفسه من الصفات إثباتا يليق بالله كما فهمه السلف الصالح، والتوقف عما لم يثبت، وقد بينا ثناء العلماء عليه ونفي اتهامه بالتجسيم في الفتوى رقم: 7022.
وقد بينا تحقيق القول في مسألة فناء النار وإثبات قوله بعدم فنائها في الفتاوى التالية أرقامها: 7485، 4228، 59060، 1676. وأما ابن القيم فقد نقل عنه كل من القولين، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 64739.
وأما لفظ العينين فليس هو في القرآن ولكن جاء في حديث. وذكر الأشعري عن أهل السنة والحديث أنهم يقولون إن لله عينين، ولكن الذي جاء في القرآن: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي {طه: 39} وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا هود: 37} وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا. اهـ.
وقد نقل في نقض التأسيس عن أبي الحسن الأشعري القول بإثبات العينين فقال: وقال أبو الحسن الأشعري في كتاب جمل المقالات: هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة، جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة الإقرار بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من الله وما تلقاه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون شيئا من ذلك، وأن الله واحد أحد فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه على عرشه كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {طه: 5} وأن له يدين بلا كيف كما قال: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ {الزمر: 75} وكما قال تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ {المائدة: 64} وأن له عينين بلا كيف كما قال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا {القمر: 14} .
وقد فصل ابن القيم في الصواعق المرسلة القول في المسألة ونقل كلام الأشعري من كتبه فقال:
التاسع: أن دعوى الجهمي أن ظاهر القرآن يدل على أن لله أيديا كثيرة على جنب واحد، وأعينا كثيرة على وجه واحد عضه للقرآن وتنقص له وذم، ولا يدل ظاهر القرآن ولا باطنه على ذلك بوجه ما ولا فهمه من له عقل، ولو كان ذلك ظاهر القرآن لكان المخبر به منفرا للمدعوين عن الإيمان بالله ورسوله ومطرقا له إلى الطعن عليه، والله سبحانه قال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا {القمر: 14} وقال: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا {هود: 37} وقال: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا {الطور: 48} وقال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا {يس: 71} وقال في قصة موسى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (طه:39)
فنذر العين المفردة مضاف إلى الضمير المفرد، والأعين مجموعة مضاف إلى ضمير الجمع، وذكر العين مفردة لا يدل على أنها عين واحدة ليس إلا. كما يقول القائل: افعل هذا على عيني وأجيئك على عيني وأحمله على عيني ولا يريد به أن له عينا واحدة، فلو فهم أحد هذا من ظاهر كلام المخلوق لعد أخرق.
وأما إذا أضيفت العين إلى اسم الجمع ظاهرا أو مضمرا فالأحسن جمعها مشاكلة للفظ كقوله: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا {القمر: 14} وقوله: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا {هود: 37} وهذا نظير المشاكلة في لفظ اليد المضافة إلى المفرد كقوله: بِيَدِهِ الْمُلْكُ {الملك: 1} و: بِيَدِكَ الْخَيْرُ {آل عمران: 26} وإن أضيفت إلى ضمير جمع جمعت كقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا {يس: 71} وكذلك إضافة اليد والعين إلى اسم الجمع الظاهر كقوله: بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ {الروم: 41} وقوله: قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ {الأنبياء: 61}
وفي نطق القرآن والسنة بذكر اليد مضافة إليه سبحانه مفردة ومثناة ومجموعة. وبلفظ العين مضافة إليه مفردة ومجموعة، ونطقت السنة بإضافتها إليه مثناة كما قال عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا قام في الصلاة قام بين عيني الرحمن فإذا التفت قال له ربه: إلى من تلتفت؟ إلى خير لك مني. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن ربكم ليس بأعور. صريح في أنه ليس المراد إثبات عين واحدة ليس إلا. فإن ذلك عور ظاهر، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وهل يفهم من قول الداعي: (اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام) . أنها عين واحدة ليس إلا (إلا) ذهن أقلف وقلب أغلف.
قال: خلف بن تميم: حدثنا عبد الجابر بن كثير: قال: قيل لإبراهيم بن أدهم: هذا السبع فنادى يا قسورة إن كنت أمرت فينا بشيء وإلا -يعني- فاذهب، فضرب بذنبه وولى مدبرا فنظر إبراهيم إلى أصحابه وقال: قولوا: (اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واكنفنا بكنفك الذي لا يرام وارحمنا بقدرتك علينا ولا نهلك وأنت الرجاء) .
قال عثمان الدارمي: الأعور ضد البصير بالعينين، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : في الدجال إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور. وقد احتج السلف على إثبات العينين له سبحانه بقوله: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا {القمر: 14} وممن صرح بذلك إثباتا واستدلالا أبو الحسن الأشعري في كتبه كلها فقال في المقالات والموجز والإبانة وهذا لفظه فيها: وجملة قولنا أن نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله إلى أن قال: وإن الله مستوي على عرشه كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {طه: 5} وأن له وجها كما قال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ {الرحمن: 27} وأن له يدين كما قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ {المائدة: 64} وقال: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ {الزمر: 75} وأن له عينين بلا كيف كما قال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا {القمر: 14} فهذا الأشعري والناس قبله وبعده ومعه لم يفهموا من الأعين أعينا كثيرة على وجه. اهـ
هذا، وننبه إلى أن الحديث الذي أشار إليه شيخ الإسلام في العينين ربما يكون حديث ابن أبي الدنيا الذي سبق بيان ذكر ابن القيم له في الصواعق وهو حديث ضعيف السند كما بينه العقيلي في الضعفاء والألباني في الضعيفة والشيخ مصلح الحارثي في تحقيق كتاب التهجد لابن أبي الدنيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1426(1/802)
منهج السلف عدم التأويل مطلقا إلا بثبوت دليل راجح
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك من يشنع على أهل الحديث ويصفهم بالحشوية والمشبهة لأنهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم دون تعطيل أو تشبيه ويقولون إن تلك الصفات إنما هي من المجاز المنتشر في لغة العرب ويدعون أن السلف أصحاب الحديث متناقضون إذ يمنعون التأويل في آيات ويجيزونه في آيات أخرى، فهل أن التأويل ممنوع مطلقا، أو أن هناك تفصيل، وما موقف السلف من قوله تعالى \"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا\" أو \"يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله\"، وما شابهها من الآيات والأحاديث، وكيف نرد على هؤلاء المبتدعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يتعين عليه تصديق الله فيما أخبر به عن نفسه، وإيمانه بما سمى به ووصف به نفسه من الأسماء والصفات، فالله أعلم منا بنفسه وهو أصدق فيما يصف نفسه به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالله وهو الصادق المصدوق، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا {النساء:87} ، وقال الله تعالى في وصف حال نبيه صلى الله عليه وسلم: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {النجم:3-4} .
فالإيمان بما ثبت عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم واجب شرعي، وقول المحدثين فيه أولى من قول العقلانيين، لأن المحدثين أدرى بنصوص الوحي ممن حكموا عقولهم في الوحي المنزل من عند الله زعما منهم أنهم ينزهون الله عما استحال عليه من الشبه بالمخلوق، فأنكر بعضهم الأسماء والصفات كما عمل الجهمية، وأنكر بعضهم الصفات كما عمل المعتزلة، وأوَّل بعضهم بعض الصفات كما عمل بعض الأشاعرة.
وأما أهل الحديث فإنهم أثبتوا ما أثبتته نصوص الوحي مصدقين الله ورسوله وفاهمين كلامهما حسبما يفهمه العرب الذين نزل القرآن فيهم، نافين للتشبيه، معتمدين في الإثبات للصفات على النصوص الثابتة فيها، وفي نفي التشبيه على قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11} ، فقد نفى التشبيه في أول الآية وأثبت بعض الصفات في نهايتها، وما يقال في صفة السمع والبصر من الإثبات مع نفي التشبيه يقال في جميع الصفات.
فالعرب الذين نزل القرآن بلغتهم وعاصروا نزوله لم يستشكل مسلموهم ولا كفارهم على النبي صلى الله عليه وسلم مسألة الصفات، فلم يقل كفارهم تناقض كلامك في نفي التشبيه وأثبت صفات تفيد التشبيه، ولم يستشكل مسلموهم ويذكروا عدم فهم ذكر الصفات المفيدة للتشبيه.
ولم يؤثر عن المفسرين من الصحب والتابعين صرف ألفاظ الوحي عن حقيقتها إلى مجازها إلا بدليل يفيد ذلك، فالأصل في كلام العرب حمل اللفظ على حقيقته، وعدم صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى لفظ مرجوح إلا بدليل وقرينة تدل على المراد، فالأصل إذاً هو عدم التأويل مطلقاً إلا إذا ثبت دليل يرجح المعنى المرجوح على الظاهر، فما أوهم حدوثاً أو نقصاً في ألفاظ الوحي بيَّن الشارع المراد منه ولم يترك لبسا يضطرنا لتأويل وتحريف معاني الكلم، ومن ذلك ما ثبت في الحديث القدسي في صحيح مسلم: إ ن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا بن آدم مرضت فلم تعدني، وقوله: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني.
فقد وضح الله المعنى المراد فيه بقوله: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، وقال في الإطعام: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه. ومثل ما قيل في هذا يقال في آية: من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا. فالمراد المطلوب من العباد هو إنفاقهم فيما يرضي الله من إطعام المحتاجين وإعانة الغزاة وما أشبه ذلك، ولا يفهم منه أن الله محتاج للقرض من الناس.
وأما آية: يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله، فإن المراد بها التفريط في حق الله، وهذا جار على المتعارف عليه من لغة العرب، ويدل لهذا أن حسرة هذا المتحسر إنما تكون على تقصيره في الطاعات التي هي من حقوق الله تعالى، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح: أنه لا يعرف عالم مشهور عند المسلمين ولا طائفة مشهورة من طوائف المسلمين أثبتوا لله جنبا نظير جنب الإنسان.
وقد بسط القول في ذلك ابن القيم في الصواعق المرسلة فلتراجع، وراجع تفسير ابن الجوزي عند هذه الآية، ثم إن نبز المحدثين بالحشوية والمشبهة يكذبه ما هو موجود بكثرة في كتب أهل الحديث من تصريحهم باعتقادهم نفي التشبيه وردهم على المشبهة.
واعلم أن أساطين المؤولة الكبار الذين أفنوا كثيراً من أعمارهم في علم الكلام قد رجعوا عن التأويل إلى مذهب أهل الحديث، ومنهم: الإمام الأشعري وإمام الحرمين الجويني والغزالي والفخر الرازي، وراجع كتاب الإبانة للأشعري وشرح الطحاوية لابن أبي العز للاطلاع على كلامهم، وراجع الحموية والوسطية وشرح ابن عثيمين لهما والصواعق المرسلة لابن القيم، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2359، 42748، 6707، 46017 55619، 28674، 31338، 2496، 5719، 60906.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1426(1/803)
إنكار الذهبي على ابن خزيمة تكفيره المطلق لمن لم يثبت الصفات
[السُّؤَالُ]
ـ[لي سؤالان..
أولهما: قال الذهبي عن ابن خزيمة: (كان رأسًا في الحديث.. رأسًا في الفقه.. من دعاة السنة.. وغلاة المثبتة) .. وذلك كما في مختصر العلو للألباني رحمه الله.. ص226 طبعة المكتب الإسلامي.. فما معنى (من غلاة المثبتة) .. هل ذلك ذم له.. والسؤال الثاني: وهو عاجل جدًا بارك الله فيكم.. أرجو منكم سرعة الرد.. وهو: في الفتوى رقم [6707] بعنوان: (الله فوق عرشه، بائن عن خلقه) .. ذكرتم أقوال الأئمة رحمهم الله جميعًا.. وبعض هذه الأقوال وقفت على مصادرها.. والبعض الآخر لم أقف عليه.. وأنا محتاج جدًا إلى هذه المصارد بارك الله فيكم.. فأرجو أن تبينوها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الذهبي هذا الكلام في كتابه العلو للعلي الغفار، ومن المعلوم أن الحافظ الذهبي رحمه الله كان من مثبتة الصفات كما هو واضح في كلامه في كتاب العلو، وفي كتابه سير أعلام النبلاء، فيمكن أن يحمل كلامه على إنكاره ابن خزيمة غلوه في الشدة على المخالفين.
وقد كان الذهبي يعترف بإمامة ابن خزيمة ويثني عليه كما يُعلَم من حديثه عنه في السير، وكان ينكر عليه تكفيره المطلق لمن لم يثبت الصفات.
قال الذهبي في السير بعد كلام طويل في الثناء على ابن خزيمة: قال الحاكم: سمعت محمد بن صالح بن هانئ، سمعت ابن خزيمة يقول: من لم يقر بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر حلال الدم وكان ماله فيئا، قلت: من أقر بذلك تصديقاً لكتاب الله ولأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به مفوضاً معناه إلى الله ورسوله ولم يخض في التأويل ولا عمق فهو المسلم المتبع، ومن أنكر ذلك فلم يدر بثبوت ذلك في الكتاب والسنة فهو مقصر والله يعفو عنه؛ إذ لم يوجب الله على كل مسلم حفظ ما ورد في ذلك، ومن أنكر ذلك بعد العلم، وقفا غير سبيل السلف الصالح وتمعقل على النص فأمره إلى الله. نعوذ بالله من الضلال والهوى.
وكلام ابن خزيمة هذا وإن كان حقا فهو فج لا تحتمله نفوس كثير من متأخري العلماء.
قال أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه: سمعت ابن خزيمة يقول: القرآن كلام الله تعالى ومن قال: إنه مخلوق فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل ولا يدفن في مقابر المسلمين، فليعذر من تأول بعض الصفات. وأما السلف فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا رحم الله الجميع بمنه وكرمه.
وأما الكلام على الفتوى المذكورة وعزو الأقوال المذكورة فيها إلى مصادرها فلعلك لم تجتهد في البحث عنها فهي موجودة فابحث عنها في كتب شيخ الإسلام والذهبي وابن القيم، وإذا عجزت عن بعضها فأرسل لنا ما عجزت عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1426(1/804)
التسمية باسم عبد المحسن
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت سؤالاً عن حكم التسمية بـ (عبد المحسن) ، وتفضلتم بالإجابة أن هذا الاسم لم يثبت.. ولكن من باب التناصح والتواصي بالحق.. وجدت محقق كتاب القواعد المثلى بعد أن ذكر تردد الشيخ العثيمين في إثبات اسم المحسن.. قال المحقق بعد ذلك إن الحديث (إن الله محسن يحب الإحسان..) حديث صحيح.. أخرجه عبد الرزاق والطبراني بإسناد رجاله ثقات كما قال الهيثمي.. وذكره الإمام الألباني في الصحيحة أيضاً عن أنس رضي الله عنه.. وصححه أيضاً في صحيح الجامع عن سمرة رضي الله عنه؟ جزاكم الله خيراً.. وأشهد الله على أني أحبكم فيه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكر لك تواصلك لنا ومناصحتك لنا، ونسأل الله أن يجزيك الخير ويثيبك أعلى المثوبة، ونفيدك أن الحديث صحيح كما ذكرت، ولكن ننبهك إلى أن أسماء الله توقيفية كما نبه عليه غير واحد من أهل العلم.
وقد أتت كلمة محسن في هذا الحديث بصيغة الإخبار عن إحسان الله تعالى، ولم تأت بصيغة اسم حيث لم تعرف بأل، ومن المعلوم أنه ليست كل صفة يسمى الله بها، علماً بأنه لم يعد اسم المحسن من أسمائه المذكورة في حديث الترمذي الذي ضعفه أهل العلم، ولا في الأسماء التي عدها الشيخ العثيمين، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية للفائدة: 6211، 20330، 12383، 49892، 51273، 28942، 53847، 57265.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(1/805)
كفر القائلين بخلق القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال استفهامي وهو ليس سؤالا نقاشيا – كوني من أهل السنة والجماعة وأرجو من الله ألا أكون من أصحاب البدع. هل يوجد في عقيدتنا نص واضح من القرآن الكريم أو السنة مفاده أن القرآن الكريم لم يخلق؟ وهل يجب تكفير من قال بخلق القرآن الكريم؟ علماً بأني أعلم أن بدعة خلق القرآن الكريم هي بدعة تعطيل لصفات لله عزوجل. ونحن نعلم أن عيسى إبن مريم \"كلمة الله\" وهو مخلوق. لماذا لا يكون القرآن الكريم مخلوقا دون تعطيل أو تشبيه لصفات الله عزوجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد الله الذي هداك للانتماء إلى أهل السنة والجماعة، ورزقك الاستقامة على منهجهم في العقيدة والعمل. واعلم أن مذهب السلف قاطبة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، تكلم الله به حقيقة بصوت وحرف، وأسمعه جبريل، ونزله على محمد صلى الله عليه وسلم. فإذا تقرر أن القرآن كلام الله، وأن كلام الله صفة من صفاته فإن من الكفر اعتقاد أن صفة الكلام أو غيرها من صفات الله تعالى مخلوقة، لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات. ولقد دل الكتاب والسنة على أن القرآن كلام الله تعالى، وأن الكلام صفة من صفاته قائمة به سبحانه، فقال جل تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً {النساء: 164} . وقال أيضاً: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ {لأعراف: 143} . وقال: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ {التوبة:6} . وقد بوب البخاري في صحيحه هذه الأبواب: باب: كلام الرب مع جبريل، ونداء الله الملائكة"، " باب: كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم"، " باب: كلام الرب مع أهل الجنة"، وأورد تحت كل باب منها أحاديث، ومن ذلك: ما رواه عن عدى بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مامنكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة. ومن ذلك أيضا ما رواه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا. وليعلم أن بدعة القول بخلق القرآن بدعة حادثة بعد جيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم تولى كبرها المعتزلة، وساعد على ظهورها تبني أركان الدولة لها وحملهم الناس عليها بقوة السيف. وليس لأصحاب القول بأن القرآن مخلوق أي دليل يستندون إليه، وإنما شبهات علقت في قلوبهم لما تركوا الاهتداء بالكتاب والسنة وعولوا على أفهامهم وأهوائهم. فنوصي الأخ السائل بقراءة ماكتبه السلف في إثبات صفة الكلام لله عز وجل، وأن القرآن ليس بمخلوق، ونوصيه كذلك بالابتعاد عن شبهات المبتدعة، وليسعك ماوسع السلف الكرام من إثبات صفة الكلام لله تعالى، وإذا أردت أن تقف على وهاء قول من ذهب إلى أن القرآن مخلوق ـ فارجع إلى كتاب" الحيدة" للإمام عبد العزيز لكناني الذي حكى فيه مناظرته لبشر المريسي المعتزلى المبتدع، وذلك بحضرة الخليفة المأمون، وانظر أيضا الرد على شبهات القائلين بخلق القرآن في كتاب " شرح العقيدة الطحاوية" للإمام ابن أبي العز الحنفي. وأما اعتقاد أن كلام الله مخلوق لأن نبي الله عيسى مخلوق مع أنه كلمة الله، فاعتقاد باطل مبني على فهم باطل، فقد قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {آل عمران:59} . وقال أيضاً: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ {النساء: 171} . فقوله: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ " يدل على أن الله خلق عيسى ابن مريم عليه السلام بالكلمة، وليس معنى الآية أن عيسى عليه السلام كلمة، لأنه بشر يأكل ويشرب وتجري عليه جميع الأحوال البشرية، عليه وعلى نبينا وسائر النبيين صلاة الله وسلامه. فسمى الله عيسى عليه السلام كلمته لوجوده بقوله: (كن) . قال الإمام أحمد في (الرد على الجهمية والزنادقة) : " الكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: كن: فكان عيسى بكن، وليس عيسى هو: كن. ولكن كان يكُن. فكن من الله تعالى قولاً، وليس كن مخلوقاً. وكذب النصارى والجهمية على أمر الله في أمر عيسى. اهـ. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبرائيل عليه السلام إلى مريم، فنفخ فيها من ورحه بأمر ربه عز وجل، فكان عيسى بإذن الله عز وجل، فهو ناشئ عن الكلمة ـ التي قال له: كن، فكان ـ والروح التي أرسل بها جبرائيل عليه السلام. اهـ.
وانظر الفتويين: 3988، 42856.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1426(1/806)
سجود الشمس ونزول الله جل جلاله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
هناك أحاديث نبوية شريفه لا أفهم معانيها انطلاقا من المادة العلمية التي باتت لا شك فيها مثل نظام المجموعة الشمسية. هذه الأحاديث بالتحديد هي ما ذكر في أحد الأسئلة وهو قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأبي ذر رضي الله عنه وقد غربت الشمس: أتدري أين تذهب؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب فتسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، فيوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها. أو قوله (ص) ما معناه أن الله جل جلاله ينزل في الثلث الأخير من الليل ويقول لعباده ادعوني. القارئ لهذه الأحاديث يفهم أن الشمس تغيب عن سطح الأرض في الليل أو أن هناك فترة الليل على سطح الأرض وفي واقع الحال أن الشمس تغيب على بقعة معينة من الأرض أو أن في كل ثانية جميع مراحل اليوم موجودة على سطح الأرض لكن في كل بقعة على الأرض في تعاقب منتظم كما تعلمون. سؤالي هو كيف نستطيع فهم هذه الأحاديث الشريفة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم بدلالة المشاهدة علما قطعيا لا شبهة فيه أن الشمس طالعة في كل وقت لا تغيب عن مكان إلا ظهرت في مكان آخر، وهذا لا ينافي سجودها تحت العرش، كما أن سجودها لا يعوقها عن الدأب في مسيرها والتصرف لما سخرت له، لأن الشمس خاضعة لمشيئة الله مثل كل المخلوقات، فتكون في دورانها خاضعة في جميع أحوالها ساجدة تحت العرش. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ويحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من الملائكة، أو تسجد بصورة الحال فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع في ذلك الحين. وقال الحافظ ابن حجر في موضع آخر: قال الخطابي: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن.. وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها. اهـ.
وقال الشيخ رشيد رضا: الشمس يصدق عليها أنها ساجدة تحت العرش بالمعنى الذي أثبت القرآن فيه سجود كل شيء لله عز وجل من الكواكب والشجر والنبات وغير ذلك، وذكرنا توجيها آخر لسجودها وهو أنه تمثيل لخضوعها في طلوعها وغروبها لمشيئة الله تعالى. اهـ.
أما نزول الرب سبحانه فثابت كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له. الحديث. رواه البخاري عن أبي هريرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب كل ليلة إلى السماء الدنيا من غير تشبيه بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف، بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتهون فيه إليه، ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله سبحانه وتعالى. اهـ.
وليس في نزول الله تعالى إشكال ولا يلزم منه أن يكون الرب تبارك وتعالى في السماء الدنيا في كل وقت، لأن هذا لازم للمخلوق ونزول الله عز وجل ليس كنزول خلقه، بل ينزل نزولا يليق به، والله عز وجل ليس كمثله شيء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الله سبحانه وتعالى قد نفى عن نفسه مماثلة المخلوقين له، فقال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
وقال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا. فأنكر أن يكون له سمي. وقال تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا {البقرة: 22} . وقال تعالى: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ {النحل: 74} وقال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ {الشورى: 11} ففيما أخبر به عن نفسه من تنزيهه عن الكفء والسمي والمثل والند وضرب الأمثال له بيان أنه لا مثل له في صفاته ولا أفعاله، فإن التماثل في الصفات والأفعال يتضمن التماثل في الذات، فإن الذاتين المختلفتين يمتنع تماثل صفاتهما وأفعالهما، إذ تماثل الصفات والأفعال يستلزم تماثل الذوات، فإن الصفة تابعة للموصوف بها، والفعل أيضا تابع للفاعل، بل هو مما يوصف به الفاعل، فإذا كانت الصفتان متماثلتين كان الموصوفان متماثلين حتى إنه يكون بين الصفات من التشابه والاختلاف بحسب ما بين الموصوفين. اهـ. وراجع الفتوى رقم: 19332، وللفائدة راجع الفتاوى ذوات الأرقام: 46438، 50216، 58098
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1426(1/807)
عقيدة العلامة ابن حزم في الصفات
[السُّؤَالُ]
ـ[نقل العلامة الألباني رحمه الله في المجلد الأول من السلسلة الصحيحة قولاً لابن عبد الهادي أن ابن حزم كان جهميًا جلدًا، وكان لا يثبت من الصفات إلا النزر اليسير.. ولكن بمراجعة كتاب (المحلى) لابن حزم وجدته يثبت الصفات على كيفية تليق بالله جل جلاله، ولم ألحظ شيئًا مما قاله ابن عبد الهادي، اللهم إلا قول ابن حزم إننا نصف الله بأنه سميع ولكن لا نقول له سمع لأنها لم ترد.. والسؤال بارك الله فيكم: ما مدى صحة كلام ابن عبد الهادي، وعبارة ابن حزم هل هي خاطئة، وأخيرًا ما رأيكم في كتاب (المحلى) ، وما رأيكم في ابن حزم عمومًا؟ وجزاكم الله خيرًا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف مع كثرة البحث على من سبق العلامة ابن عبد الهادي أو وافقه على هذا القول، ولكن من ترجم لأبي محمد كابن كثير أو الذهبي أو شيخ الإسلام ابن تيمية ذكروا أنه وافق الجهمية على نفي الصفات بسبب تأثره بعلم المنطق الذي تعلمه في صباه، ولكنه رحمه الله كان ناصراً للسنة حريصاً على متابعة الرسول، ومن تتبع كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل يجده قد هدم فيه أقوال الجهمية وأصولهم، فابن حزم على أصول أهل السنة وإن وافق الجهمية على بعض أقوالهم، والذي عليه أهل السنة في هذا الباب أن الله عالم بعلم ويتكلم بصوت ويبصر بعين، وراجع الفتوى رقم: 50216.
ولا شك في خطأ كلام ابن حزم -رحمه الله- في هذه المسألة، قال ابن كثير: كان من أشد الناس تأويلا في باب الأصول وآيات الصفات لأنه كان أولاً قد تضلع من علم المنطق، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي والكناني القرطبي، ففسر بذلك حاله في باب الصفات. انتهى.
أما كتاب المحلى، فقال الإمام الذهبي في السير: قال الشيخ العز بن عبد السلام وكان أحد المجتهدين: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم، وكتاب المغني لابن قدامة، قلت: صدق الشيخ عز الدين وثالثهما السنن الكبرى للبيهقي، ورابعهما التمهيد لابن عبد البر، فمن حصل هذه الدواوين وكان من أذكياء المفتين وأدمن المطالعة فيها فهو العالم حقاً. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالمسألة التي يكون فيها حديث يكون جانبه فيها ظاهر الترجيح، وله من التمييز بين الصحيح والضعيف والمعرفة بأقول السلف لا يكاد يقع مثله لغيره من الفقهاء. انتهى.
وقد أثنى الأكابر على العلامة ابن حزم قديماً وحديثاً، قال الإمام الذهبي في السير: الإمام الأوحد البحر ذو الفنون والمعارف الفقيه الحافظ المتكلم الأديب الوزير الظاهري صاحب التصانيف، رزق ذكاء مفرطاً وذهناً سيالاً وكتباً نفيسة مهر أولا في الأدب والأخبار والشعر وفي المنطق وأجزاء الفلسفة فأثرت فيه تأثيراً ليته سلم من ذلك، فإنه رأس في علوم الإسلام، متبحر في النقل، عديم النظير على يبس فيه وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول، وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بل فجج العبارة، وسب، وجدع فكان جزاؤه من جنس فعله بحيث أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة هجروها ونفروا منها، وبالجملة فالكمال عزيز، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نغلو فيه ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار، قال الحميدي: كان ابن حزم حافظاً للحديث وفقهه مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة مفنناً في علوم جمة، عاملا بعلمه، ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين. انتهى بتصرف.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكذلك أبو محمد بن حزم فيما صنفه من الملل والنحل، فإنه يستحمد بموافقة السنة والحديث مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك، بخلاف ما انفرد به من قوله في التفضيل بين الصحابة، وكذلك ما ذكره من باب الصفات فإنه يستحمد فيه بموافقة أهل السنة والحديث لكونه يثبت الأحاديث الصحيحة ويعظم السلف وأئمة الحديث، ويقول إنه موافق للإمام أحمد في مسألة القرآن وغيرها، ولا ريب أنه موافق له ولهم في بعض ذلك، وإن كان ابن حزم في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره وأعلم بالحديث وأكثر تعظيماً له ولأهله من غيره، لكن قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى، وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث باتباعه ظاهر لا باطن له، كما نفى المعاني في الأمر والنهي مضموماً إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر والإسراف في نفي المعاني ودعوى متابعة الظاهر، وإن كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مكابر، ويوجد في كتبه من كثرة الاطلاع والمعرفة بالأحوال والتعظيم لدعائم الإسلام ما لا يجتمع مثله لغيره. انتهى بتصرف بسيط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1425(1/808)
عقيدة القرطبي في الأسماء والصفات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي عقيدة الشيخ القرطبي في الأسماء والصفات؟ علما بأنه في تفسيره ينفي الجهة والعلو ...
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإمام القرطبي صاحب التفسير هو محمد بن أحمد بن أبي بكربن فرج أبو عبد الله الأنصاري الخزرجي القرطبي.
وأما عقيدته في باب الأسماء والصفات، فقد ذهب إلى ما ذهبت إليه الأشاعرة في هذا الباب، ويظهر ذلك لمن تتبعه في كتبه كالتفسير والأسنى والتذكرة، كما أن عمدته في عقيدة الأسماء والصفات هي أقوال أئمة الأشاعرة وأساطينهم كالجويني والأسفراييني والرازي وابن عطية وغيرهم.
والإمام القرطبي في تفسيره تبع منهج المؤولة في الصفات، ونقل كلامهم، وانظر تفصيل المسألة في كتاب: المفسرون بين التأويل والإثبات. للشيخ عبد الرحمن المغراوي.
هذا ونحيلك لمزيد فائدة حول عقيدة السلف في صفة العلو والكلام على الجهة على كتاب (مختصر العلو للعلي الغفار) للإمام الذهبي وكتاب (اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية) للإمام ابن القيم هذا فضلا عن مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ومنها درء تعارض العقل والنقل وغيرها كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1425(1/809)
التفويض عند السلف والخلف
[السُّؤَالُ]
ـ[درست أن منهج السلف إثبات صفات الله كما وردت مع تفويض الكيفية إلى الله، أي أننا لسنا مفوضة في باب معاني أسماء الله ولكن مفوضة في باب الكيفيات، ولكن مع مراجعة بعض أقوال السلف لاحظت أنها تنص على أن نمرها كما جاءت، وقرأت أيضًا لابن الجوزي أنه قال: مذهب السلف ليس الإثبات ولكن ترك البحث بالجملة.. أرجو تفسير قول السلف: (نمرها كما جاءت) وهل تفيد التفويض، وثانيًا أرجو التعليق على كلمة ابن الجوزي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التفويض في مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على طريقتهم هو تفويض العلم بكيفية ذات الله تعالى، وكيفية صفاته سبحانه.
أما معناه عند الخلف –أهل الكلام قديماً وحديثاً- فإنه تفويض معاني النصوص الشرعية الثابتة التي تعارض قواعدهم وعقائدهم التي لم يجدوا لها تأويلاً ولم يستطيعوا ردها مع اعتقادهم أن ظاهر النص غير مراد.
وعلى هذا يتبين الفرق الكبير في معنى التفويض عند السلف والخلف، فالسلف يعلمون معاني النصوص ويؤمنون بها إذا دل عليها ظاهر النص، ويفوضون علم الكيفية إلى الله تعالى. قال الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب، وبهذا يتبين خطأ ابن الجوزي في كتاب (دفع شبة التشبيه) في قوله: مذهب السلف تفويض علم هذه المعاني وترك البحث.
إذ لم يعرف القول بالتفويض بهذا المعنى في القرون الثلاثة الأولى، بل ظهر في القرن الرابع، كما قال ابن تيمية وقال: وأول من قال به أبو منصور الماتريدي –المتوفي 333هـ- وأبو الحسن الأشعري –المتوفي 324 في محاولة للتوسط بين منهج السلف في إثبات النصوص وبين المنهج العقلي المستمد من الفلسفة اليونانية ... وإنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله تعالى فيهم: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ. انتهى بتصرف.
أما معنى قول السلف نمرها كما جاءت: نمرها بلا كيف ولا نتعرض لكيفيتها لأنه لا يعلم كيفيتها إلا الله عز وجل، روى الخلال في السنة عن الوليد بن مسلم قال: سألت سفيان والأوزعي ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا: نمرها كما جاءت. قال الخلال: هذا في أحاديث الصفات وهو مذهب السلف إثبات حقيقتها ونفي علم الكيفية. انتهى.
قال الإمام الطحاوي: نمرها كما جاءت ونؤمن بها ولا نقول كيف وكيف. انتهى.
وقولهم كما جاءت يدل على إثباتهم للمعاني وإيمانهم بها وتفويضهم للكيف إذ أنها ألفاظ عربية جاءت لمعان فنمرها كما جاءت بإثبات تلك المعاني وتفويض كيفيتها إلى العالم بذلك وهو الله سبحانه وتعالى، راجع الفتوى رقم: 50216.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1425(1/810)
هل يطلع الله بعض خلقه على اسمه الأعظم
[السُّؤَالُ]
ـ[في الدعاء نقول اللهم إنا نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في أحد كتبك أو علمته أحد خلقك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا السؤال: هل هناك أحد من خلق الله لديه علم باسم الله الأعظم؟ أو هل أنزل في أحد الكتب السماوية؟ وما هي معلوماتكم حول هذا الموضوع؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اسم الله الأعظم رجح بعض أهل العلم أنه اسم الجلالة الله، وقد بينا كلام أهل العلم وأدلتهم على ذلك في الفتوى رقم: 27323.
وعليه، فاسم الله الأعظم مذكور قطعاً في القرآن الكريم والسنة، ولا مانع من أن يكون الله تعالى قد أطلع أو يطلع أحداً من عباده على أن لفظ الجلالة هو اسم الله الأعظم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1425(1/811)
الأدلة على إثبات صفة (الكف) لله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من قال إن لله كفا، أجيبونا؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكف صفة ذاتية خبرية ثابتة لله عز وجل بالأحاديث الصحيحة الثابتة منها ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه: ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله.
ومنها حديث اختصام الملأ الأعلى عند أحمد والترمذي من حديث معاذ: رأيت ربي في أحسن صورة ... فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري. صححه الألباني. وأخرج الدارمي وابن حبان عن عتبة بن عبد السلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ربي وعدني.... ثم يحثي بكفه ثلاث حثيات، فكبر عمر. الحديث، وأخرجه الطبراني من حديث أبي سعيد الأنماري، وقد احتج بالحديث الدارمي في إثبات صفة اليد والكف في معرض رده على بشر المريسي.
قال ابن القيم في الصواعق المرسلة: وقال ابن وهب عن أسامة عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر: والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه. قال: مطوية في كفه يرمي بها كما يرمي الغلام بالكرة. قال صديق حسن خان في قطف الثمر: ومن صفاته سبحانه: اليد والإصبع والكف. انتهى. قال أبو يعلى الفراء في إبطال التأويلات مثبتاً الكف -وراداً على من أول الصورة والكف في حديث الصورة بقوله: الثالث أنه وصفه بالصورة ووضع الكف بين كتفيه. انتهى، ومن الأدلة السابقة يتبين صحة قول من قال إن لله كفاً وأهل السنة يثبتوت لله ما أثبته لنفسه مع نفيه المثيل له سبحانه عملا بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11} ، فصفاته سبحانه نثبتها على وجه يليق بجلاله ولا يجوز لنا التفكر في كيفيتها بل نفوض ذلك إلى الله عز وجل ونقف حيث أوقفنا الله ورسوله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1425(1/812)
صفات الله تعالى بلغت المنتهى في الكمال
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أسئلة تجيب عنها الفطرة ولكن أرجو تدعيمها بالأدلة الشرعية - بلى ولكن ليطمئن قلبي وإليكم بعض الأسئلة التي طرأت لي وأجبت عنها لنفسي وأنا أريد تدعيم إجاباتي وزيادة الأدلة الشرعية في الإجابة، أولاً: هل صفات الله عز وجل غير محدودة (يعني هل علم الله غير محدود) وكذا حكمته و ... إلخ وأجبت على ذلك بنعم لأن الله يقول (إن الله لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء) ويقول (إن الله على كل شئ قدير) والقدرة غير المحدودة تستلزم علما غير محدود وحكمة غير محدودة وهكذا، وكذلك إن الله تعالى يقول (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) ولو كانت صفاته تعالى محدودة لشابه خلقه وذلك مناف للآية الكريمة. ثانياً: هل صفات الكمال لله تعالى (يعني كمالات الله تبارك وتعالى) لا نهائية وغير محدودة أو بعبارة أخرى لا تتناهى، وقد أجبت على ذلك بقوله تعالى (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) والبشر كمالاته منقوصة ومعدودة فلو كانت كمالات الله معدودة لشابه خلقه وذلك مناف للآية الكريمة، أنا أعلم أن صفات الله تعالى لا يعلم كنهها وحقيقتها إلا الله تبارك وتعالى لأن العبد لن يقدر قدر ربه ولكن ما نعلمه من صفات ربنا هو الآثار المترتبة على الصفة لا الصفة ذاتها. أرجو منكم إفاداتي بكثير من الأدلة في هذا الموضوع وتوجيهي التوجيه الصحيح فتح الله لنا ولكم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة في باب الصفات أنهم يثبتون ما أثبته الله تعالى لنفسه منها على الوجه اللائق به، من غير تشبيه له بخلقه ومن غير توهم كيفية لصفاته، ولا يتكلفون ماليس لهم به علم، لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فإن كنا لا نعرف حقيقة ذاته، فإننا بالأحرى لانعرف حقيقة صفاته، ولا نحيط بها علماً، إلا أنها بلغت الغاية في الكمال، ولا يشوبها نقص بوجه من الوجوه. ولتنتبه إلى أننا مع كوننا لا علم لنا بكيفية صفاته سبحانه وتعالى، إلا أننا نفهم معانيها على وفق ما تدل عليه لغة العرب، فإذا أثبت سبحانه لنفسه صفة السمع، فإننا نعلم معنى السمع، وأنه إدراك الأصوات، لكننا نفوض كيفية سمعه سبحانه لأننا لا علم لنا بها، وانظر الفتوى رقم: 27018. واعلم أن باب الصفات إنما يتلقى عن طريق السمع والنقل، ولا مجال للعقل فيه، لأن العقل أعجز من أن يبحث فيه، وإنما مجاله التفكر والتدبر والاعتبار، قال صلى الله عليه وسلم: تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله. رواه الطبراني. في الأوسط وحسنه الألباني، وانظر الفتويين: 11727، 53031. هذا، ونوصيك بدراسة سفر جليل في باب الأسماء والصفات، هو: العقيدة الواسطية. لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكذا شرحه للعلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى ففيهما بغيتك بإذن الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1425(1/813)
معنى (كلام الله قديم النوع حادث الآحاد)
[السُّؤَالُ]
ـ[الذي أعرفه من مذهب أهل السنة أن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد، فهل هذا يعني كون هذه الآحاد الحادثة مخلوقة، والجواب هو النفي قطعا، لكني أريد التوضيح، وبيان الفرق بين كونه حادثا وكونه مخلوقا؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بين العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- معنى ما قرره أهل السنة والجماعة من أن كلام الله تعالى قديم النوع حادث الآحاد فقال في شرح لمعة الاعتقاد: ومعنى قديم النوع أن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، ليس الكلام حادثاً منه بعد أن لم يكن، ومعنى حادث الآحاد أن آحاد كلامه أي الكلام المعين المخصوص حادث لأنه متعلق بمشيئته متى شاء تكلم بما شاء كيف شاء. انتهى.
ومن هنا تعلم أن قولهم حادث الآحاد ليس معناه أن كلامه مخلوق حادث؛ بل كما بين الشيخ -رحمه الله- أن كلامه تعالى متعلق بمشيئته، فإذا شاء تكلم وإذا شاء لم يتكلم سبحانه، كما قال تعالى: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ {الأعراف:143} ، فقد كلم الله موسى بكلام في وقت معين، وكان قبل ذلك موصوفا بالكلام على ما يليق به جل وعلا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكلام الله غير مخلوق عند سلف الأمة وأئمتها، وهو أيضاً يتكلم بمشيئته وقدرته عندهم لم يزل متكلماً إذا شاء فهو قديم النوع، وأما نفس النداء الذي نادى به موسى ونحو ذلك فحينئذ ناداه كما قال تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى. وكذلك نظائره، فكان السلف يفرقون بين نوع الكلام وبين الكلمة المعينة. انتهى، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 45686.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1425(1/814)
الجسم من الصفات التي لم يأت الكتاب والسنة بنفيها أو إثباتها
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة العلماء إكراماً وإجلالا أقدم لحضرتكم سؤالي، اهدوني إلى الصراط المستقيم إن بعض أصدقائي يقول إن إثبات الجسمانية لله تعالى كفر لأن الله تعالى ليس كمثله شيء ولا يمكن رؤيته لأن الجسم ضروري للرؤية، لهذا لا تدركه الأبصار في الدنيا ولا في الآخرة والله تعالى نور والنور أيضا لا يمكن رؤيته إلا بجسم آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الذي عليه السلف ودلت عليه النصوص أن الله تعالى لم يره أحد في الدنيا يقظة، بل ذكر العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- في شرحه لكتاب لمعة الاعتقاد لابن قدامة أن رؤية الإنسان ربه في الدنيا مستحيلة لنقص حياة البشر حينئذ، ولذلك لما قال موسى عليه السلام: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ. جاء الجواب من رب العزة تبارك وتعالى: لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي.... {الأعراف:143} ، أما رؤية الله في الآخرة فهي واقعة -إن شاء الله- لا محالة، وقد أجمع على ذلك السلف، ودل على ذلك الكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة ٌ {القيامة:22-23} ، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه: أسألك لذة النظر إلى وجهك ... وهو جزء من حديث رواه النسائي وغيره عن عطاء بن السائب عن أبيه وصححه الألباني.
ومعلوم أن حياة البشر يوم القيامة أكمل من حياتهم في الدنيا حيث لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم، وننبه هنا إلى أمر مهم جداً ذكره الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في فتاويه حيث قال رحمه الله: ولكن رؤيتنا لله -عز وجل- لا تقتضي الإحاطة به لأن الله تعالى يقول "ولا يحيطون به علما" فإذا كنا لا يمكن أن نحيط بالله علماً -والإحاطة العلمية أوسع وأشمل من الإحاطة البصرية- دل ذلك على أنه لا يمكن أن نحيط به إحاطة بصرية، ويدل لذلك قوله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ. فالأبصار وإن رأته لا يمكن أن تدركه، فالله عز وجل أعظم من أن يحاط به، وهذا الذي ذهب إليه السلف. انتهى.
واعلم أن المرء إذا جاءه الحق عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فالواجب عليه أن يسمع ويطيع، قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {النور:51} ، أما أن يخوض بعقله ورأيه في دين الله فلا يجوز بحال؛ بل قد يؤدي به ذلك إلى الكفر والضلال أعاذنا الله وإياك من ذلك، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {الأعراف:33} .
أما بخصوص القول المذكور في سؤالك، وهو أن الله تعالى لا يمكن رؤيته لأن الجسم ضروري للرؤية، أو لأنه نور، والنور لا يمكن رؤيته إلا بجسم آخر. فهذا قول باطل ظاهر البطلان، وهو يستلزم نفي أسماء الله تعالى بل وصفاته وأفعاله وكل شيء ثابت له سبحانه، لأننا إذا أردنا أن نثبت له سمعاً أو بصراً أو حياة على سبيل المثال فسيستلزم ذلك -حسب قوله- أن يكون له جسم، وبالتالي لا بد من نفي ذلك عنه، تعالى عما يقولون علوا كبيراً، وحقيقة أمر هؤلاء -وهم الذين ينفون ما ثبت لله تعالى بزعم أنه يستلزم إثبات الجسم له سبحانه- أنهم يعبدون عدما -والعياذ بالله- لأنهم يعطلون الله تعالى عن كل ما هو ثابت له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: فإن نفيت ما نفيت لكونك لم تجده في الشاهد إلا للجسم فانف الأسماء بل وكل شيء لأنك لا تجده في الشاهد إلا للجسم. انتهى.
وهذا قليل من كثير مما أجاب به شيخ الإسلام عمن يقول بمثل هذه الأقوال الباطلة.
واعلم أن الجسم من الصفات أو الألفاظ التي لم يأت الكتاب والسنة بنفيها ولا إثباتها، فإن أراد به مثبته معنى صحيحاً وافقناه على ذلك المعنى الصحيح، ولم نوافقه على استعمال ذلك اللفظ وإلا فلا، والأولى الإعراض عن هذا اللفظ على كل حال، فقد قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية: والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو سبيل أهل السنة والجماعة. وقال شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله- في الفتاوى الكبرى: الكلام في وصف الله بالجسم نفياً وإثباتاً بدعة لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها: إن الله ليس بجسم كما لم يقولوا: إن الله جسم؛ بل من أطلق أحد اللفظين استفصل عما أراد بذلك، فإن في لفظ الجسم بين الناطقين به نزاعاً كثيراً، فإن أراد تنزيهه عن معنى يجب تنزيهه عنه مثل أن ينزهه عن مماثلة المخلوقات فهذا حق. ولا ريب أن من جعل الرب جسماً من جنس المخلوقات فهو أعظم من المبتدعة ضلالاً؛ دع من يقول منهم: إنه لحم ودم ونحو ذلك من الضلالات المنقول عنهم. إلى أن قال رحمه الله تعالى: وهكذا مثبت لفظ الجسم إن أراد بإثباته ماجاءت به النصوص صوبنا معناه ومنعناه من الألفاظ المجملة، وإن أراد بلفظ الجسم ما يجب تنزيه الرب عنه من مماثلة المخلوقات رددنا ذلك عليه وبينا ضلاله وإفكه ... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1425(1/815)
جاهل الصفة لا يكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد جواباً شافياً حول صفات الله والتي إذا جهلها المرء كان كافرا وهل هي الصفات السبع كما يقول الأشاعرة وغيرهم، أرجو منكم الجواب فضيلة الشيخ، لأنه شيء حيرني وأتعبني؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جاهل الصفة لا يكفر ما دام مصدقاً بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، وهو الذي رجع إليه أخيراً أبو الحسن الأشعري كما ذكر ذلك سلطان العلماء العز ابن عبد السلام في كتابه القيم قواعد الأحكام في مصالح الأنام وقال النووي في شرح مسلم: وقد اختلف العلماء في تكفير جاهل الصفة قال القاضي: وممن كفره بذلك ابن جرير الطبري وقاله أبو الحسن الأشعري أولاً وقال آخرون لا يكفر بجهل الصفة ولا يخرج به عن اسم الإيمان بخلاف جحودها وإليه رجع أبو الحسن الأشعري وعليه استقر قوله ... انتهى.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: وأما قوله لئن قدر الله علي فقد اختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم هذا رجل جهل بعض صفات الله تعالى وهي القدرة قالوا ومن جهل صفة من صفات الله "عز وجل" وآمن به وعلم سائر صفاته أو أكثر صفاته لم يكن بجهله بعضها كافراً وإنما الكافر من عائد الحق لا من جهله والشواهد على هذا من القرآن كثيرة ... انتهى.
ثم قال رحمه الله: والدليل على أن من جهل صفة من صفات الله تعالى لا يكون بها كافراً إذا كان مصدقاً بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر وغيره سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القدر ومعناه قدم العلم أنه مكتوب عنده ما سبق في علمه وفي ذلك يجرى خلقه لا فيما يستأنف بل ما قد جف به القلم وكل صغير وكبير مسطر في اللوح المحفوظ فأعلمهم أنه ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم ومعلوم أنهم في حين سؤالهم وقبله كانوا مؤمنين. انتهى.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى: فهذا الرجل - وهو الذي أسرف على نفسه ثم أمر أبناءه عند موته بحرقه وذره في الرماذ وقصته مذكورة في الصحيحين - ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك وكل واحد من إنكار قدرة الله تعالى وإنكار معاد الأبدان وإن تفرقت كفر، لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلاً بذلك ضالاً في هذا الظن مخطئاً فغفر الله له ذلك. انتهى.
واعلم أن منكر الصفة جاهلاً أو متأولاً لا يكفر حتى تقام عليه الحجة الشرعية التي يكفر تاركها ويزال ما عنده من شبه أو تأويل باطل، قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ً {الإسراء:15} ، وقال تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286} ، وكل جاهل مخطئ، وقال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التوبة:115} .
قال ابن حزم: لأن المرء قبل أن يأتيه خبر الرسول غير ضال بشيء مما يفعله أصلاً فإنما سمى الله تعالى فعله في العبد إضلالاً بعد بلوغ البيان إليه لا قبل ذلك فصح بهذه الآية أنه تعالى يضلهم بعد أن يبين لهم. انتهى.
قال ابن تيمية تعليقاً على حديث عائشة: مهما يكتم الناس يعلمه الله، فهذه عائشة أم المؤمنين سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل يعلم الله ما يكتم الناس؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، وهذا يدل على أنها لم تكن تعلم ذلك ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالم بكل شيء يكتمه الناس كافرة، وإن كان الإقرار بذلك بعد قيام الحجة من أصول الإيمان وإنكار علمه بكل شيء كإنكار قدرته على كل شيء، هذا مع أنها كانت ممن يستحق اللوم على الذنب ولهذا لهزها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أتخافين أن يحيف الله عليك ورسوله. فقد تبين أن هذا القول كفر ولكن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها. انتهى.
وقال في موضع آخر: والتحقيق في هذا أن القول قد يكون كفراً كمقالات الجهمية الذين قالوا إن الله لا يتكلم ولا يرى في الآخرة، ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر، فيطلق القول بتكفير القائل كما قال السلف من قال القرآن مخلوق فهوكافر، ومن قال إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم، كمن جحد وجوب الصلاة والزكاة واستحل الخمر والزنا وتأول فإن ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه، فإذا كان المتأول المخطئ في تلك لا يحكم بكفره إلا بعد البيان له واستتابته كما فعل الصحابة في الطائفة الذين استحلوا الخمر ففي غير ذلك أولى وأحرى وعلى هذا يخرج الحديث الصحيح: في الذي قال إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين. وقد غفر الله لهذا مع ما حصل له من الشك في قدرة الله وإعادته إذا حرقوه. انتهى.
ومذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم في صفات الله هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فهو سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11} ، أما مذهب الأشاعره الذين يثبتون الصفات السبع ويؤولون ما عداها فهو مذهب باطل، راجع الفتوى رقم: 50216، والفتوى رقم: 15695.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1425(1/816)
فوائد وفضائل العلم بأسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في بعض الكتب فضائل أسماء الله الحسنى يعني إن قرأنا هذه الأسماء الحسنى فيكون كذا وكذا كذا وكذا لكن في هذه الكتب حوالات ما في موجودة فلذا أسألكم أن تبينوا لي بيانا واضحا أن فضائلها موجودة أو ليست موجودة.
فجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لحفظ أسماء الله الحسنى والدعاء بها فوائد عظيمة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة. متفق عليه. أي حفظها ودعا بها وعمل بمقتضاها
وِلتعلُّم هذه الأسماء فوائد كثيرة وجليلة.. فمنها: المعرفة بالله سبحانه، فإن العلم بمعاني أسمائه عز وجل وصفاته العلا يحقق العلم الصحيح بفاطر الأرض والسماوات، ومنها: أن معرفة الله بأسمائه وصفاته وسيلة إلى معاملته بثمراتها من الخوف والرجاء والتوكل وسائر العبادات، ومنها: تحقيق التوحيد والبراءة من الشرك، فهناك تلازم وثيق بين إثبات الأسماء والصفات لله وتوحيد الله، فكلما حقق العبد أسماء الله وصفاته علما وعملا كان أعظم وأكمل توحيدا. ومنها: الصبر على المكروهات والمصائب النازلة بالعبد، فهو سبحانه حكيم عليم، حكم عدل، ولا يظلم أحدا فمن عرف رباً كذلك صبر على قضائه وقدره، ولم نقف على أحاديث صحيحة تثبت أن من قرأ أسماء الله أو بعضها يكون له كذا أو كذا، ولذا فالاستفادة من أسماء الله تعالى تكون بالدعاء بها كما سبق، ونوصيك أن لا تأخذ أمور دينك إلا من كتب موثوقة عن أشخاص معروفين بالورع ولزوم السنة، واحذر من البدع وأهل البدع، وكل الخير في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكل الشر في الابتداع في الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1425(1/817)
(الدايم) ليس من أسماء الله تعالى ولا من صفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي صديقة كانت تعترض على اسم عبد الدايم فهي تقول ان كلمة الدايم ليست اسماً من أسماء الله وقلت لها إنها صفة من صفات الله عزوجل.
أرجو التوضيح
وجزاكم الله عنا كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في القرآن ما يدل على أن (الدايم) من أسماء الله تعالى ولا من صفاته، ولا نعلم في السنة الصحيحة ما يدل على ذلك أيضاً.
واعلمي أن أسماء الله وصفاته توقيفية، أي أن الواجب في باب أسماء الله وصفاته التوقف، بمعنى إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم منها، ولا مجال للعقل في إثبات الأسماء والصفات لله، فقد يستحسن العقل معنى، لكن لا تليق نسبته إلى الله، فكمال الله يختلف عن كمال المخلوق.
ونحب هنا أن نشير إلى أن من أسماء الله الحسنى اسم (الآخر) حيث قال تعالى عن نفسه في سورة الحديد: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الحديد:3)
وثبت عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه كان يقول في بعض أدعيته: " أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء.."
فاسم الله (الآخر) يتضمن نفس المعنى المراد في كلمة (الدايم) أي معنى الذي لا يلحقه زوال ولا يفنى ـ سبحانه ـ بل هو الآخر.
ولمعرفة الفرق بين أسماء الله وصفاته، راجعي الفتوى رقم: 28942.
وإذا أردت أن تدرسي منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته، فاقرئي (العقيدة الواسطية) لشيخ الإسلام ابن تيمية، والأفضل أن تقرئي شرحها للشيخ محمد خليل هراس أو الشيخ صالح الفوزان أو الشيخ ابن عثيمين فهذا الكتاب وشروحه من أنفع الكتب المؤلفة في هذا الباب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1425(1/818)
الاعتقاد الصحيح السليم في أسماء الله وصفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[ (فقد تناول فيه آيات الصفات وأحاديثها، وأنها تمر كما جاءت , دالة على معانيها اللائقة بجلال الله , من غير تأويل ولا تكييف , وهذا هو الوارد عن السلف في آيات الصفات أنهم قالوا: أمروها كما جاءت , دالة على معانيها. فتفويض السلف هنا , هو تفويض كيفٍ لا معنى. أعني: أن السلف يثبتون لله الأسماء والصفات دالة على المعنى العربي المخاطب به العربي الصحيح العاقل لمعاني الكلام مع التصريح بوجود الكيف، مع جهلنا به كما ورد عن أم سلمة رضي الله عنها، والإمام مالك رحمه الله، لما سئلا عن صفة الاستواء فقالا:
الاستواء معلوم , والكيف مجهول , والإيمان به واجب , والسؤال عنه بدعة.) وهناك من الأشاعرة من يقول ليس لله يد أو عين.. لأنه تعالى لم يقل: لي يد أو لي عين , كما قال سميع بصير, فنحن نثبت السمع والبصر ولا نثبت اليد أو العين.. ...
(أرجوا منكم شرح هذا الكلام بشيء من الإسهاب..) وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم يا أخي المسلم أن موضوع آيات الصفات وأحاديثها قد ضل فيه كثير من أهل القبلة، وهدى الله فيها أهل السنة والجماعة من السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان، حيث إنهم اعتقدوا أن لله سبحانه وتعالى أسماء حسنى وصفات عليا، كما قال تعالى: [وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا] (الأعراف: 180) فهم يؤمنون بها وبأن لها معاني حقيقية لائقة بجلال الله سبحانه، وأن صفات الله لها كيفية لا نعلمها، وهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل هو سبحانه كما أخبر عن نفسه: [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ] (الشورى: 11) . فاشتملت هذه الآية على إثبات الصفات لله عز وجل، ونفي المماثلة والمشابهة للخلق في صفاته.
قوله (إنها تمر كما جاءت ... ) يعني أمروها بلا كيف ولا نتعرض لكيفيتها لأنه لا يعلم كيفيتها إلا الله عز وجل، قال الطحاوي: نمرها كما جاءت ونؤمن بها ولا نقول كيف وكيف.
هذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة.
وقوله: (دالة على معانيها اللائقة بجلال الله من غير تأويل ولا تكييف) يعني أن صفات الله عز وجل تدل على معاني تليق بجلال الله وعظمته، فمثلاً يقول الله تعالى: [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى] (طه: 5) . فصفة الاستواء لها معنى ثابت وهو العلو والفوقية والاستقرار على الشيء، تقول: استوى الرجل على سطح البيت، أي علا واستقر فوقه، والله عز وجل عال على عرشه، بائن عن خلقه.
وإثبات صفات الله عز جل على الوجه اللائق به يستلزم نفي أربعة أشياء، كما جاء ذلك في كتاب "العقيدة الواسطية" حيث قال: ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصف به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وهذه الأربعة هي كالتالي:
الأول: التأويل بمعنى التحريف، كما عبر به شيخ الإسلام، وهو أولى لوجوه:
الوجه الأول: أنه اللفظ الذي جاء به القرآن. قال تعالى: [يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ] (النساء: 46) والتعبير الذي عبر به القرآن أولى من غيره، لأنه أدل على المعنى.
الوجه الثاني: أن التأويل ليس مذموما كله، قال تعالى: [وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ] (آل عمران: 7) .
فامتدحهم بأنهم يعلمون التأويل. فالتأويل قد يكون ممدوحا، وقد يكون مذموما، بخلاف التحريف فكله مذموم، ولأنه أشد تنفيرا عن هذه الطريقة المخالفة لطريق السلف.
الثاني: التكييف: وهو أن تذكر كيفية الصفة، ولهذا نقول: كيَّف يكيّف تكييفا، أي ذكر كيفية الصفة، والتكييف يسأل عنه بـ (كيف) فإذا قلت مثلا: كيف جاء زيد؟ تقول: راكبا إذا كيفت مجيئه.
وأهل السنة والجماعة لا يكيفون صفات الله مستندين في ذلك إلى الدليل السمعي، والدليل العقلي.
أما الدليل السمعي، فمثل قوله تعالى: [قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ] (الأعراف: 33) والشاهد في قوله: [وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ] فإذا جاء رجل وقال: إن الله استوى على العرش على هذه الكيفية ووصف كيفية معينة، نقول: هذا قال على الله ما لا يعلم، هل أخبرك الله بأنه استوى على هذه الكيفية؟ لا، أخبرنا بأنه استوى ولم يخبرنا كيف استوى، فنقول هذا تكييف، وقول على الله بغير علم.
وأما الدليل العقلي: فكيفية الشيء لا تدرك إلا بواحد من أمور ثلاثة لم تتحقق عندنا، فصفات الله عز وجل لم نشاهدها، ولم نشاهد لها نظيرا، ولم يأتنا خبر صادق عنها، لا من ربنا ولا من نبينا صلى الله عليه وسلم.
ومعنى قولنا: (بدون تكييف) : ليست معناه ألا نعتقد لها كيفية، بل نعتقد لها كيفية؛ لكن المنفي علمنا بالكفية، لأن استواء الله على عرشه لا شك أن له كيفية لكن لا تُعلم، نزوله إلى السماء الدنيا له كيفية لكن لا تعلم، لأنه ما من موجود إلا وله كيفية لكنها قد تكون معلومة وقد تكون مجهولة.
الثالث: التعطيل: ومعناه التخلية والترك، كقوله تعالى: [وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ] (الحج: 45) . أي مخلاة متروكة، والمراد بالتعطيل المنفي عن صفات الله عز وجل هو إنكار ما أثبت الله لنفسه من الأسماء والصفات، سواء كان ذلك بتحريف أو بجحود، هذا كله يسمى تعطيلا، فأهل السنة والجماعة لا يعطلون أي اسم من أسماء الله أو أي صفة من صفاته، ولا يجحدونها، بل يقرون بها إقرارا كاملا.
الرابع: التمثيل، ومعناه ذكر مماثل للشيء، وأهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل الصفات بدون مماثلة، يقولون: إن الله عز وجل له علم ليس كعلمنا، وله بصر ليس كبصرنا، وهكذا سائر الصفات، يقولون إن الله عز وجل لا يماثل خلقه فيما وصف به نفسه أبدا، ولهم أدلة سمعية وعقلية منها: [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ] وقوله تعالى: [هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا] (مريم: 65) وقوله تعالى: [وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ] (الإخلاص: 4) .
وقد نهى الله عن أن يجعل له نظراء مماثلين، حيث قال عز وجل: [فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] (البقرة: 22) والتفويض عند السلف هو تفويض كيفيتها، يقولون لا يعلم كيفية صفاته إلا هو سبحانه وتعالى، ولا يفوضون معناها، بل يثبتون المعنى؛ كما ورد عن الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فقوله رحمه الله: الاستواء معلوم، أي من حيث المعنى معلوم أن كلمة (استوى) إذا تعدت بـ (على) كان معناها العلو والاستواء، والكيف مجهول لدينا وغير معقول، وذلك بأن عقولنا لا تدرك كيفية استواء الله عز وجل فيجب علينا الكف عنها، والإيمان بها، وكلام الإمام مالك رحمه الله ميزان لجميع الصفات، فإن سئلت عن أي صفة من صفات الله عز وجل فقل فيها مثل ما قال الإمام مالك في صفة الاستواء على العرش.
ومذهب الأشاعرة في الصفات أنهم يثبتون سبع صفات فقط، وأهل السنة والجماعة يثبتون كما أسلفنا الصفات التي جاءت في الكتاب والسنة من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تمثيل ولا تكييف، ويفوضون كيفيتها إلى الله عز وجل.
وأخيرا ننصح السائل بأن يرجع إلى كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية بشرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمة الله عليهما، وكتاب القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لابن عثيمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1425(1/819)
العينان ثابتتان لله تعالى بغير تشبيه ولا تعطيل
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الفاضل السلام عليكم، وبعد أرسلت إليكم فتوى رقم 45839 وتفضلتم بإجابتي بقول: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الآية الكريمة إثبات العينين لله جل وعلا على ما يليق به سبحانه وتعالى، وإنما جمعتا للتعظيم كقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] ، قال شيخ الإسلام: وإن له عينين كما قال \"تجري بأعيننا\" والمعنى أن السفينة تجري تحت نظر الله وحفظه ورعايته وليس في داخل عين الله إذ لا يقول هذا عاقل، والعرب تقول \"أنت في عيني\" أي تحت نظري لا أنه داخل عينه.
والله أعلم.
ولكن مكمن السؤال حينما يقول قائل: يد الله قدرة الله، نرد عليه ب ... فهل يدخل في قولكم: والمعنى أن السفينة تجري تحت نظر الله وحفظه ورعايته. أن هذا الكلام يدخل فيه التأويل.
ثم الدليل على لفظ إثبات العينين. مع العلم أنني لا أثبت إلا ما ثبت بنص، ولا أوؤل.
وآسف إذ أسأل في ذلك.
أخوك]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحن أثبتنا العينين لله عز وجل في الفتوى المشار إليها وذلك استنادا إلى الآية الكريمة، وهناك أدلة أخرى في السنة، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور، إلا أن المسيح الدجال أعور عين اليمين كأن عينه عنبة طافية، وإنما اقتصرنا في الفتوى السابقة على الآية الكريمة لأنها محل سؤال السائل، وبعد بيان إثبات العينين لله جل وعلا دون تشبيه ولا تعطيل بينا المقصود بقوله تعالى: [تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا] (القمر: 14) وأن المقصود بذلك جريها تحت نظر الله ورعايته، ومن معاني الباء في اللغة العربية المصاحبة، وليس المعنى أنها تجري في داخل عيني الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وليس هذا هو الظاهر من النص حتى نحتاج إلى تأويله، فقول أهل السنة في تفسير الآية: تجري بمرأى منا ليس تأويلا، بل هو الظاهر، فإن أصر مصر على أن هذا تأويل قلنا هذا تأويل دليله هو ما اتفقت عليه النصوص الشرعية وأجمع عليه أهل العلم عن تنزيه الله تعالى عن مخالطة الخلق أو حلولهم فيه، بل هو العلي الأعلى البائن بنفسه عن جميع مخلوقاته، مع إثبات العينين لله تعالى من الآية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1425(1/820)
حكم قول القائل أخلاق الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز نسبة الخُلق إلى الله تعالى وأن نقول: على المسلم أن يتخلق بأخلاق الله تعالى، وهل تسمى صفات الله كالحياء والكرم خلقا , جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نجد بعد البحث في الوحي لفظا صحيحا يفيد إثبات نسبة الخُلُق إلى الله تعالى.
وقد وردت عدة أحاديث في نسبة الخُلُق إلى الله، ومنها ما هو ضعيف ومنها ما هو موضوع.
فمن ذلك حديث: إن لله تعالى مائة خلق وسبعة عشر من أتاه بخلق منها دخل الجنة.
رواه الطيالسي والبزار والترمذي الحكيم والبيهقي في الشعب والطبراني في الأوسط، وأبو يعلى وضعفه الألباني.
ومنها: السخاء خلق الله الأعظم. رواه الأصفهاني وابن النجار وضعفه الألباني.
ومنها: تخلقوا بأخلاق الله. ذكر ابن القيم في المدارج أنه لا أصل له.
ومنها: ألا وإن حسن الخلق خلق من أخلاق الله عز وجل. رواه الخطيب وابن النجار، وقال عنه الذهبي بأنه موضوع.
وقد وجدنا عدة علماء ذكروا في كتبهم الحث على التخلق بأخلاق الله تعالى، وهذا يدل على أن هذا كان معروفا عند أهل العلم.
فقد ذكره ابن الحاج في "المدخل" والسيوطي في "شرح سنن ابن ماجه " والمناوي في "شرح الجامع الصغير" والمباركفوري في "تحفة الأحوذي" والآبادي في "عون المعبود" ومحمد الصادق في "بريقة محمودية" والسندي في "شرح سنن النسائي " وغيرهم.
وأما الحياء والكرم فقد ثبت وصف الله بهما في الحديث: إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفرا. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.
والخلق والصفة معناهما واحد، كما يفيده كلام المناوي في شرح حديث الطيالسي السابق، فما قيل في أخلاق الله عموما يقال مثله في الحياء والكرم إلا أن الأولى بالمسلم أن يتقيد دائما في حديثه عن الله تعالى بما ثبت، لأن الأصل في ذلك التوقف عند ما ثبت وعدم تجاوزه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1425(1/821)
حكم ترتيب أسماء الله الحسنى وتنغيمها بطريقة معينة
[السُّؤَالُ]
ـ[في إذعة القرآن الكريم بمصر هناك سرد لأسماء الله الحسنى ولكن بتنغيم معين مع تقسيم الأسماء مجموعات وأنا أحفظ هذه الأسماء بهذه الطريقة فهل هذا بدعة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة. وجاء تعيين هذه الأسماء في رواية الترمذي، لكن العلماء اختلفوا في صحة ما زاده الترمذي، فمنهم من رآه صحيحا، ومنهم من اعتبره مدرجا، وليس للعلماء طريقة معينة في ترتيبها أو تقسيمها.
وعليه، فلا نرى بأسا في أن يرتبها الشخص بالطريقة التي تلائمه أو يصنفها حسب دلالاتها أو حسبما يختص الله تعالى به منها، وما يمكن أن يشارك المخلوق في التسمية به ونحو ذلك، طالما أن المرء يقصد منه قصدا حسنا.
وما ذكرته من التنغيم المعين فإن كنت تعني به أنهم يجتمعون لذكر هذه الأسماء على صوت واحد -مثلا- بنغمة معينة ونحو ذلك على وجه القربة، فإن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف الصالح، فهو بدعة إذاً، وإذا كان غير ذلك، فلا حرج فيه إن لم يؤد إلى شيء حرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1425(1/822)
السلف يثبتون الصفات ويفوضون الكيفية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سمعت كثيرا من يتكلم عن صفات الله تعالي الواردة في القرءان بوجوب التأويل حتى لا نقع في التشبيه فيؤول اليد مثلا إلى القدرة ويدعي أن هذا هو منهج السلف الصالح ومن يتكلم عنها كما هي دون تأويل أو تكييف أو تشبيه أو تمثيل ويدعي أيضا إن هذا هو منهج السلف فمن منهم علي صواب وهل يكفر الذي علي خطأ منهم؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصواب مع من يثبت لله سبحانه وتعالى صفاته التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسول الله من غير أن يتعرض لها بتأويل أو تكييف أو تشبيه أو تمثيل، لأن أهل السنة من السلف يؤمنون بها على ظاهرها دون الخوض في معرفة كيفياتها، وأصل ذلك قوله تعالى: [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ] (الشورى: 11) . ولذلك لما سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى عن قوله تعالى: [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى] (طه:5) . قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فدل جوابه رحمه الله على أمور ثلاثة وهي: الأولى: إثبات الصفات من غير تأويل. الثانية: تفويض الكيف. الثالثة: كراهة السلف للخوض في آيات الصفات، أما التكفير، فلا يقول به أحد، لأن تكفير المسلمين ليس أمرا سهلا، بل غاية أمر المخطئ أنه مبتدع.
والله أعلم ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1425(1/823)
عقيدة أهل السنة والجماعة في علو الله على خلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[تعلمون أن كثيرا من المشايخ المشهورين عندهم انحرافات عقائدية يقول الألباني في كتاب التوحيد أولا \"لو سألت اليوم كبار شيوخ الأزهر-مثلاً- أين الله؟ لقالوا لك: في كل مكان! \" ومع الأسف فإن عامة الناس يجهلون هذا فكيف نقنعهم، خاصة إذا قالوا -مثلا- \"هؤلاء علماء وهؤلاء علماء وكل مغفور له\"، أرجو - بارك الله فيكم- طريقة عملية نصل بها إلى نصر عقيدة السلف.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعقيدة سلف هذه الأمة هي أن الله تعالى: مستو على عرشه بذاته، وعرشه فوق سمائه، فالله تعالى فوق كل شيء، وهذا ما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأهل القرون المفضلة، ففي صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم في قصة الجارية: قلت: يا رسول الله: أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة.
فغير صحيح إذا أن الله تعالى في كل مكان، ويمكنك الرجوع إلى فتوانا ذات الرقم: 6707 فإنها قد تعرضت للموضوع وفصلته تفصيلا مع الأدلة الكافية، فإذا راجعتها بدقة وإمعان وجدت من الأدلة ما يكفي لرد ما يتعلق به أولئك الذين يجهلون.
ثم إن قولهم "هؤلاء علماء وهؤلاء علماء، وكل مغفور له" هو قول غير مطلق.
ولو سلمنا –جدلا- أن هؤلاء وأولئك كلهم مجتهدون، وإن كانوا مصيبين، فلهم أجران، أو مخطئين، فلهم أجر، فإن تقليد المخطئ لا يجوز إذا تبين أن الدليل يخالفه، وكونه هو معذورا فيما أداه إليه اجتهاده لا يبرر إباحة تقليده لمن وجد الدليل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(1/824)
بطلان ما نسب لابن تيمية في صفة الله بهذا الوصف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح قول ابن تيمية إن الله شاب أمرد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى غير صحيح، بل كلامه المسطور في أكثر كتبه مصرح بنفي ما ذكر عنه، وهذا كلامه في مجموع الفتاوى، قال رحمه الله تعالى: وثبت في الصحيح أن الله يدنو عشية عرفة وفي رواية إلى السماء الدنيا فيباهي الملائكة بأهل عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ما أراد هؤلاء، وقد روي أن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إن صح الحديث فإن هذا مما تكلم فيه أهل العلم
وكذلك ما روى بعضهم أن النبي لما نزل من حراء تبدى له ربه على كرسي بين السماء والأرض غلط باتفاق أهل العلم، بل الذي في الصحاح أن الذي تبدى له الملك الذي جاءه بحراء في أول مرة وقال له اقرأ فقلت لست بقارىء فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت لست بقارىء فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم فهذا أول ما نزل على النبي.
ثم جعل النبي يحدث عن فترة الوحي قال فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض رواه جابر رضي الله عنه في الصحيحين، فأخبر أن الملك الذي جاءه بحراء رآه بين السماء والأرض وذكر أنه رعب منه، فوقع في بعض الروايات الملك فظن القارىء أنه الملك وأنه الله وهذا غلط وباطل.
وبالجملة أن كل حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينيه في الأرض وفيه أنه نزل له إلى الأرض وفيه أن رياض الجنة من خطوات الحق وفيه أنه وطىء على صخرة بيت المقدس كل هذا كذب باطل باتفاق علماء المسلمين من أهل الحديث وغيرهم.
وكذلك كل من ادعى أنه رأى ربه بعينيه قبل الموت فدعواه باطلة باتفاق أهل السنة والجماعة لأنهم اتفقوا جميعهم على أن أحدا من المؤمنين لا يرى ربه بعيني رأسه حتى يموت، وثبت ذلك في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكر الدجال قال واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت.
وكذلك روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر يحذر أمته فتنة الدجال وبين لهم أن أحدا منهم لن يرى ربه حتى يموت فلا يظنن أحد أن هذا الدجال الذي رآه هو ربه.
ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله ويقين القلوب ومشاهدتها وتجلياتها هو على مراتب كثيرة قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صورة متنوعة على قدر إيمانه ويقينه فإذا كان إيمانه صحيحا لم يره إلا في صورة حسنة وإذا كان في إيمانه، نقص رأى ما يشبه إيمانه ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق.
وقد يحصل لبعض الناس في اليقظة أيضا من الرؤيا نظير ما يحصل للنائم في المنام فيرى بقلبه مثل ما يرى النائم وقد يتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه فهذا كله يقع في الدنيا.
وربما غلب أحدهم ما يشهده قلبه وتجمعه حواسه فيظن أنه رأى ذلك بعيني رأسه حتى يستيقظ فيعلم أنه منام وربما علم في المنام أنه منام.
فهكذا من العباد من يحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تفنيه عن الشعور بحواسه فيظنها رؤية بعينه وهو غالط في ذلك وكل من قال من العباد المتقدمين أو المتأخرين أنه رأى ربه بعيني رأسه فهو غالط في ذلك، بإجماع أهل العلم والإيمان.
نعم رؤية الله بالأبصار هي للمؤمنين في الجنة وهي أيضا للناس في عرصات القيامة كما تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب وكما ترون القمر ليلة البدر صحوا ليس دونه سحاب.
وقال: جنات الفردوس أربع جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن، وقال إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويجيرنا من النار، فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة.
وهذه الأحاديث وغيرها في الصحاح وقد تلقاها السلف والأئمة بالقبول واتفق عليها أهل السنة والجماعة، وإنما يكذب بها أو يحرفها الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة والرافضة ونحوهم الذين يكذبون بصفات الله تعالى وبرؤيته وغير ذلك وهم المعطلة شرار الخلق والخليقة.
ودين الله وسط بين تكذيب هؤلاء بما أخبر به رسول الله في الآخرة وبين تصديق الغالية بأنه يرى بالعيون في الدنيا وكلاهما باطل.
وهؤلاء الذين يزعم أحدهم أنه يراه بعيني رأسه في الدنيا هم ضُلاّل كما تقدم، فإن ضموا إلى ذلك أنهم يرونه في بعض الأشخاص إما بعض الصالحين أو بعض المردان أو بعض الملوك أو غيرهم عظم ضلالهم
وكفرهم وكانوا حينئذ أضل من النصارى الذين يزعمون أنهم رأوه في صورة عيسى ابن مريم.
وقال في موطن آخر: وهكذا أحاديث في بعضها أن محمدا رأى ربه في الطواف وفي بعضها أنه رآه وهو خارج من مكة وفي بعضها أنه رآه في بعض سكك المدينة إلى أنواع أخر، وكل حديث فيه أن محمدا رأى ربه بعينه في الأرض فهو كذب باتفاق المسلمين وعلمائهم هذا شيء لم يقله أحد من علماء المسلمين ولا رواه أحد منهم، وإنما كان النزاع بين الصحابة في أن محمدا هل رأى ربه ليلة المعراج فكان ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر علماء السنة يقولون إن محمدا رأى ربه ليلة المعراج وكانت عائشة رضي الله عنها وطائفة معها تنكر ذلك، ولم ترو عائشة رضي الله عنها في ذلك عن النبي ولا سألته عن ذلك، ولا نقل في ذلك عن الصديق رضي الله عنه كما يروونه ناس من الجهال أن أباها سأل النبي فقال نعم وقال لعائشة لا فهذا الحديث كذب باتفاق العلماء. اهـ
وقال الإمام الذهبي في السير: ولئن جوزنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، فهو أدرى بما قال، ولرؤياه في المنام تعبير لم يذكره صلى الله عليه وسلم، ولا نحن نحسن أن نعبره، فإما أن نحمله على ظاهره الحسي، فمعاذ الله أن نعتقد الخوض في ذلك بحيث أن بعض الفضلاء قال: تصحف الحديث، وإنما هو: رأي رِئِيَّة بياء مشددة. وقد قال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون.
وقد صح أن أبا هريرة كتم حديثاً كثيراً مما لا يحتاجه المسلم في دينه، وكان يقول: لو بثثته فيكم لقطع هذا البلعوم، وليس هذا من باب كتمان العلم في شيء، فإن العلم الواجب يجب بثه ونشره ويجب على الأمة حفظه، والعلم الذي في فضائل الأعمال مما يصح إسناده يتعين نقله ويتأكد نشره وينبغي للأمة نقله، والعلم المباح لا يجب بثه ولا ينبغي أن يدخل فيه إلا خواص العلماء. انتهى كلام الذهبي
وأما الحديث الذي فيه رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في صورة شاب أمرد، فقد تكلم العلماء فيه قال الهيثمي في مجمع الزوائد: وعن أم طفيل امرأة أبي بن كعب قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" رأيت ربي في المنام في صورة شاب موفر في خف عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب " قال الحديث.
رواه الطبراني، وقال ابن حبان: إنه حديث منكر لأن عمارة بن عامر بن حزم الأنصاري لم يسمع من أم الطفيل ذكره في ترجمة عمارة في الثقات
وقال صاحب كتاب أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب: حديث: " رأيت ربي في صورة أمرد وله وفرة " أي شعر في رأسه، وبلفظ: " رأيت ربي في صورة شاب أمرد ". وبلفظ: " يوم النفر على جمل أورق عليه جبة صوف أمام الناس ".
موضوع كما في الذيل، وكذا قال السبكي وغيره
وقال العلامة ملا علي القاري في كتابه الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: حديث رأيت ربي يوم النفر على جمل أورق عليه جبة صوف أمام الناس، موضوع لا أصل له كذا في الذيل، وفي اللآلىء عن ابن عباس رفعه
رأيت ربي في صورة شاب له وفرة وروي في صورة شاب أمرد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(1/825)
منهج أهل السنة والجماعة في الصفات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو منهج أهل السنة والجماعة في صفات الله تعالى، وما الدليل على ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمنهج أهل السنة والجماعة هو إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تجسيم ولا تكييف، وانظر الفتوى رقم: 26299، والفتوى رقم: 42748.
ودليلهم في ذلك قول الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1425(1/826)
الرد القويم على من يقول لله شكل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بماذا نرد على من يسأل "هل لله شكل؟ وإن كان له شكل فهل هو ثلاثي الأبعاد؟ "
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلفظ شكل ليس في الشرع إثباته ولا نفيه، فيجب أن يستفسر عن معناه عند من سأل، فإن أراد به إثبات ذات الله المقدسة المتصفة بصفات الكمال الواردة في القرآن والسنة فهذا حق، ولكن لا يعبر عنه إلا بالألفاظ الثابتة بالوحي، وإن أراد به إثبات جسم يشبه أجسام المخلوقين له طول وعرض وعمق (ثلاثي الأبعاد) فإن هذا كفر وضلال والعياذ بالله لأنه تشبيه لله بخلقه، والله تعالى يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] .
وراجع الفتوى رقم: 19144.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(1/827)
حكم استخدام الوزن الرقمي للحروف للتعرف على الأسماء الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من سيادتكم أن تفيدوني بأوزان الحروف بمعنى أن كل حرف فى اللغة العربية له وزن أو قيمة عددية فمثلا حرف الألف له وزن وليكن 1 مثلا وحرف اللام له وزن وليكن 30 وحرف الميم له وزن وليكن 40 مثلا، ومن هذه الأوزان يمكن معرفة وزن كل اسم من أسماء الله الحسنى فهذا يهمني؟ شكراً لسيادتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلمعرفة أوزان الحروف من الناحية الرقمية نحيلك على المعاجم التي ذكرت ذلك ومنها المعجم المسمى المنجد في اللغة والأعلام، ولكن ننبهك -وفقك الله- إلى أن العلماء إنما وصفوا أوزاناً للحروف ليستعينوا بها على ضبط الحساب وهذا مقصد صحيح، أما معرفة ذلك لأجل معرفة وزن كل اسم من الأسماء الحسنى فليس مقصداً صحيحاً، ولا يترتب عليه عمل نافع، إذ لو كان في ذلك فائدة لأرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ليستفيد منه المسلم.
والمشروع للمسلم أن يطلب معرفة الأسماء الحسنى ليتعبد بما تقتضيه من تعظيم وإجلال لله سبحانه وليدعو الله بها، كما قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180] ، ونحو ذلك من الثمار والفوائد الشرعية، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 31970.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1424(1/828)
ليس في الكتاب ولا السنة إثبات لصفة الفم لله عز وجل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثبت صفة الفم لله تبارك وتعالى أم لا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل يقصد بسؤاله إثبات صفة الكلام لله عز وجل وقد تقدم فيه فتوى برقم: 35232.
أما أن لله فماَّ فلم يأت بذلك شيء في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن لا نثبت لله تعالى إلا ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، مع تنزيهه عز وجل عن مشابهة المخلوقين "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1424(1/829)
إثبات الأسماء والصفات يكون بغير تحريف ولا تمثيل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قيل في أحد مواقع الإنترنت باللغة الفرنسية في شرح اسمي الله السميع البصير " ... لا يحتاج إلى عين ليبصر بها ولا إلى أذن ليسمع بها".
فبم نرد عليه؟ ثم هل من نصيحة نوجهها إليه حول كيفية دراسة الأمور العقائدية؟
بارك الله لكم وأمد في أعماركم بالصالحات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعتقاد أهل السنة والجماعة أنه لا يسمى الله ولا يوصف إلا بما سمى به نفسه أو وصفها به، أو بما سماه به أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم دون تحريف أو تمثيل، لقول الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] .
فالله تعالى سمى نفسه في كتابه "سميعا بصيرا" كما في الآية السابقة، وأثبت لنفسه عينين، كما في قوله تعالى: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر: 14] .
وإنما جمعهما للتعظيم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور، وأشار بيده إلى عينيه، وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية. رواه البخاري
فنحن نثبت لله بصرا وعينا وسمعا يليق به سبحانه وتعالى دون تحريف ولا تمثيل.
وأما الأذن، فلم يرد نص بإثباتها، فلا نثبتها للأصل الذي قدمناه، وعلى دارس العقيدة الإسلامية ومسائل التوحيد أن يختار شيخا عارفا بالكتاب والسنة، ومعتقد السلف الصالح وأقاويلهم ومناهجهم في ذلك، ولا يهجم على تلقي ذلك من الكتب مباشرة، لأن ذلك قد يكون سببا في زيغه وضلاله وعدم فهمه لحقائق الأمور، نسأل الله السلامة والعافية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(1/830)
نزول الرب كل ليلة إلى السماء الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل الرب ينزل إلى الأرض فعلا أم تنزل رحمته أم الملائكة هي التي تنزل أم ماذا؟
أفيدوني وجزاكم الله الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنزول الرب سبحانه، ثابت في الحديث الصحيح المتفق عليه: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب كل ليلة إلى السماء الدنيا، من غير تشبيه له بنزول المخلوقين، ولا تمثيل ولا تكييف، بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتهون فيه إليه، ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله سبحانه وتعالى. اهـ
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 19332.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/831)
كلام الله صفة ذاتية فعلية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
نسمع من بعض الخطباء قولهم: قال الله عز وجل ولا يزال قائلاً ويقرأ بعدها الآية فما معنى هذا الكلام؟ فهل يعني أن الحوادث ممتنعة في حق الله تعالى أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله تعالى لم يزل متكلمًا، وأنه يتكلم متى شاء، وأن كلامه بحرف وصوت يسمع؛ فالكلام صفة ذاتية فِعْلية، فهو صفة ذاتية باعتبار أصله، لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً، وصفة فعلية باعتبار آحاد الكلام، لأن الكلام يتعلق بمشيئته فيتكلم كيف شاء ومتى شاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: وأما أهل السنة وأئمة السنة وكثير من أهل الكلام كالهاشمية والكرامية وأصحاب أبي معاذ التومني وزهير اليامي وطوائف غير هؤلاء يقولون: إنه صفة ذات وفعل هو يتكلم بمشيئته وقدرته كلامًا قائمًا بذاته، وهذا هو المعقول من صفة الكلام لكل متكلم، فكل من وصف بالكلام من الملائكة والبشر والجن وغيرهم فكلامهم لابد أن يقوم بأنفسهم، وهم يتكلمون بمشيئتهم وقدرتهم، والكلام صفة كمال لا صفة نقص، ومن تكلم بمشيئته أكمل ممن لا يتكلم بمشيئته، فكيف يتصف المخلوق بصفات الكمال دون الخالق. اهـ
ومن هذا يتضح المراد للسائل من قول الخطباء ولا يزال قائلاً، وأن هذا إثبات دوام صفة الكلام لله تعالى، وليس نفياً لكلامه المتعلق بمشيئته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1424(1/832)
من ثمار وفوائد معرفة أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[إن لله تسعة وتسعين اسماً فما هي؟ وما فوائد تعلم هذه الأسماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق الكلام على قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة متفق عليه. ورواه الترمذي وزاد تعيين الأسماء الحسنى، وذلك في الفتوى رقم: 12383
أما فوائد تعلم هذه الأسماء الحسنى فهي كثيرة جليلة.. فمنها: المعرفة بالله سبحانه، فإن العلم بمعاني أسمائه عز وجل وصفاته العُلا يحقق العلم الصحيح بفاطر الأرض والسماوات، قال قوام السنة الأصفهاني (535) : قال بعض العلماء: أول فرض فرضه الله على خلقه معرفته، فإذا عرفه الناس عبدوه، قال الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (محمد: من الآية19) فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها فيعظموا الله حق عظمته، ولو أراد رجل أن يعامل رجلاً طلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه واسم جده، وسأل عن صغير أمره وكبيره، فالله خلقنا ورزقنا، ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطه أولى أن نعرف أسماءه وتفسيرها.
ويقول ابن القيم رحمه الله: لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا الإيمان حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرفها هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان.
ومنها: أن معرفة الله بأسمائه وصفاته وسيلة إلى معاملته بثمراتها من الخوف والرجاء والتوكل وسائر العبادات القلبية، قال العز بن عبد السلام -رحمه الله-: فهم معاني أسماء الله تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها من الخوف والرجاء والمهابة والمحبة والتوكل.. وغير ذلك من ثمرات معرفة تلك الصفات.
ويقول أيضاً: ذكر الله بأوصاف الجمال موجب للرحمة وبأوصاف الكمال موجب للمهابة، وبالتوحد بالأفعال موجب للتوكل، وبسعة الرحمة موجب للرجاء، وبشدة النعمة موجب للخوف، والتفرد بالإنعام موجب للشكر، ولذلك قال سبحانه: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (الأحزاب: من الآية41)
ومنها: العمل بها، نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن ابن بطال قوله: طريق العمل بها: أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم فإن الله يحب أن يرى حالها على عبده، فليعرف العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها، وما كان يختص بالله كالجبار والعظيم فيجب على العبد الإقرار بها والخضوع لها، وعدم التحلي بصفة منها، وما كان فيه معنى الوعد: نقف منه عند الطمع والرغبة، وما كان فيه معنى الوعيد: نقف منه عند الخشية والرهبة.
ومنها: تحقيق التوحيد والبراءة من الشرك، فهناك تلازم وثيق بين إثبات الأسماء والصفات لله وتوحيد الله، فكلما حقق العبد أسماء الله وصفاته علماً وعملاً كان أعظم وأكمل توحيداً، وفي المقابل: فإن هناك تلازماً وطيداً بين إنكار الأسماء أو الصفات وبين الشرك، يقول ابن القيم في تقرير هذا التلازم: كل شرك في العالم فأصله التعطيل، فإنه لولا تعطيل كلامه -سبحانه- أو بعضه وظن السوء به ما أشرك به، كما قال إمام الحنفاء لقومه: أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ*فما ظنكم برب العالمين (الصافات:86-87) أي فما ظنكم به أن يجازيكم، وقد عبدتم معه غيره؟ وما الذي ظننتم به حتى جعلتم معه شركاء؟ أظننتم أنه محتاج إلى الشركاء والأعوان؟ أم ظننتم أنه يخفى عليه شيء من أحوال عباده حتى يحتاج إلى شركاء تعرفه بهم كالملوك؟ أم ظننتم أنه لا يقدر وحده على الاستقلال بتدبيرهم وقضاء حوائجهم؟ أم هو قاسٍ فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده؟ ... والمقصود أن التعطيل مبدأ الشرك وأساسه، فلا تجد معطلاً إلا وشركه على حسب تعطيله فمستقل ومستكثر.
ومنها: الصبر على المكروهات والمصائب النازلة بالعبد، فهو سبحانه حكيم عليم، حكم عدل، ولا يظلم أحداً فمن عرف رباًّ كذلك صبر على قضائه وقدره، يقول ابن القيم: من صحت له معرفة ربه والفقه في أسمائه وصفاته علم يقيناً أن المكروهات التي تصيبه والمحن الذي تنزل به فيها ضروب من المصالح والمنافع التي لا يحصيها علمه ولا فكرته، بل مصلحة العبد في ما كره أعظم منها في ما يحب.
ومنها: حسن الظن بالله والثقة به تعالى، فمعرفة أنه قادر حكيم، فعال لما يريد، يوجب ذلك، يقول ابن القيم: وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفي ما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته، وعرف موجب حكمته وحمده.. ولو فتشت لرأيت عنده تعتباً على القَدَر وملامة له.. وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك.
ومنها: حسن الخلق وسلامة السلوك والسلامة من الآفات كالعجب والكبر والحسد ... إلخ.
فالمبتدعة الذي يزعمون أن العبد يخلق فعل نفسه، فالخير هو الذي أوجده وفعله، والجنة ثمن عمله يورثهم ذلك غروراً وعجباً، ولو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت الجلال وأنه المنعم المتفضل وما بالعباد من نعمة فمنه وحده لا شريك له، ومن تلك النعم التوفيق للعمل الصالح، بالشكر والتواضع ولم يعجب بعمله.
وكذلك لو عرف ربه بأسمائه وصفاته لم يتكبر ولم يحسد أحداً على ما آتاه الله، لأن الحسد في الحقيقة مضادة لله في حكمته، فإنعام الله على عبده تابع لحكمته والحاسد يكره هذا الإنعام وقد اقتضته حكمة الله، فهو مضاد لله تعالى في حكمته وقضائه وقدره.
ومنها: لهج العبد بدعاء ربه، فالدعاء من آكد العبادات وأعظمها فالدعاء هو العبادة، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو لا ينفك عن إثبات وفِقْه أسماء الله تعالى وصفاته، ويشير ابن عقيل -رضي الله عنه- إلى ذلك بقوله: قد ندب الله تعالى إلى الدعاء وفي ذلك معان:
أحدها: الوجود، فإن من ليس بموجود لا يدعى.
الثاني: الغنى، فإن الفقير لا يدعى.
الثالث: السمع، فإن الأصم لا يدعى.
الرابع: الكرم، فإن البخيل لا يدعى.
السادس: القدرة، فإن العاجز لا يدعى.
وبالجملة ففوائد تعلم أسماء الله الحسنى وصفاته العُلا كثيرة جداً، وفي ما ذكرناه تنبيه على ذلك، وإلا فإن الأمر يحتاج إلى مجلد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1424(1/833)
تشبيه صفات الخالق بالمخلوق والعكس كفر بالله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تشبيه صفات الخالق بالمخلوق؟ وتشبيه صفات المخلوق بالخالق؟ وما الفرق بينهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح على أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تأويل ولا تعطيل.
فتشبيه صفاته تعالى بصفات خلقه أو تشبيه صفات خلقه بصفاته بدعة قبيحة منكرة يكفر صاحبها، بعد إقامة الحجة عليه، قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] .
فليس كمثله شيء رد على الممثلة، وهو السميع البصير رد على المعطلة والمؤولة، والفرق بين تشبيه صفات المخلوق بالخالق والخالق بالمخلوق،
أن في تشبيه صفات المخلوق بالخالق تعظيماً للمخلوق ورفعة إلى مقام الألوهية وهذا شرك، أما تشبيه صفات الخالق بالمخلوق فحط من قدر الخالق -جل جلاله- وتنقيص له سبحانه، وهذا كفر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1424(1/834)
معنى مخالفة الله للحوادث عند أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[من الصفات الواجبة لله تعالى المخالفة للحوادث، فنرجو منكم توضيح المقصود بمخالفة الحوادث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أثبت أهل السنة والجماعة الصفات التي وصف الله بها نفسه، من غير تحريف ولا تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل، ومن أمثلة ذلك صفة اليد والقدرة والسمع والبصر والنزول والمجيء وغير ذلك، فأهل السنة يؤمنون بها على ظاهرها دون الخوض في معرفة كيفياتها، وأصل ذلك قول الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] .
ولذلك قال الإمام مالك -رحمه الله- لما سُئل عن قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] ، قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. انتهى
فالله تعالى لا يشبه أحداً من خلقه، ولا يشبهه أحدٌ من خلقه، وهذا لا ينفي ثبوت الصفات التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن صفات البشر وإن اتفقت مع بعض صفات الله تعالى في الاسم -كاليد والسمع ونحوهما- فإنها لا تماثلها في الكيفية، وهذا هو معنى مخالفة الله للحوادث عند أهل السنة والجماعة، لا كما زعم البعض من أن مخالفة الله للحوادث تعني نفي صفات الكمال عنه، زعماً منهم أن من أثبت الصفات -التي ذكرناها- فقد شبه الله بخلقه، وليس الأمر كذلك كما قدمنا لك، ولمزيد من الفوائد راجع الفتاوى التالية:
19332 -
5484 -
24821 -
17967.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(1/835)
منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته هو إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف، على حد قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] .
فقوله: "ليس كمثله شيء" رد على الممثل المكيف، وقوله: "وهو السميع البصير" رد على المعطل والمحرف.
فيثبت السلف ما أثبتته نصوص الشرع إثباتاً مفصلاً وينفون ما تنفيه نفياً مجملاً، على حد قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] ، فأثبت الله الصفات إثباتاً مفصلاً بأن عين أفراد الكمال كل واحدة على التعيين وهو قوله "وهو السميع البصير" فأثبت السمع والبصر، ونفى التمثيل نفياً مجملاً أي نفياً يستغرق جميع صفات النقص المنافي لكماله المقدس وهو قوله: ليس كمثله شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/836)
عقيدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) (واصنع الفلك بأعيننا) (الرحمن على العرش استوى)
ذكرت الآيات السابقة بعض صفات الله تعالى.. اذكر موقف أهل السنة والجماعة من هذه الصفات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن موقف أهل السنة والجماعة من هذه الآيات هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تبديل.
وهذا هو موقف السلف الصالح من صدر هذه الأمة، وهم الصحابة الذين هم خير القرون والتابعون لهم بإحسان، وأئمة الهدى من بعدهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(1/837)
استعمال لفظ الجلالة، واسم الجلالة. صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أصح لغوياً وشرعياً في الإعراب النحوي لكلمة (الله) أن نقول "لفظ الجلالة" أم " اسم الجلالة" ولماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالله: اسم للذات المقدسة ذات الله جل وعلا.
قال القرطبي: الله: هذا الاسم أبر أسمائه سبحانه وأجمعها.
وقال ابن كثير: الله: علم على الرب تبارك وتعالى.
والاسم: هو اللفظ الدال على معنى، فاسم الله لفظ يدل على معنى وهو صفة الألوهية، كما قال ابن عباسِ رضي الله عنهما: الله: ذو الألوهية على خلقه.
فتبين من هذا أن كلا الإطلاقين صحيح، وما زال العلماء يستعملون الصيغتين، فنقول: لفظ الجلالة، واسم الجلالة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1423(1/838)
هل يوصف الله بعبارات لم يصف بها نفسه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت على إحدى القنوات الفضائية لقاءاً مع أحد مشائخ بعض الطوائف المبتدعة وكان يتحدث عن الفنون ويقول بأن الله هو الفنان الأول وعلى حسب معرفتي المتواضعة فإن كلمة الفنان لغة تعني الحمار أجلكم الله فهل يجوز القول بأن الله هو الفنان الأول؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على كل مسلم أن يختار الألفاظ والعبارات اللائقة والأدبية إذا كان يتحدث عما هو معظم شرعاً، كما هو الحال في جانب المولى -سبحانه- وملائكته وكتبه ورسله إلى غير ذلك امتثالاً، لقوله الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج:30] . وبخصوص المسألة المسؤول عنها، فإنه من المعلوم عند أهل العلم أن صفات الله تعالى توقيفية.
وعليه، فلا يجوز لأحد أن يصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبناء على هذا، فإن قصد المتكلم أن الله هو المبدع لهذا الكون، وأنه سبحانه رتبه ترتيباً دقيقاً على غير مثال سابق، فالمعنى صحيح، والعبارة غير لائقة.
وأما إن قصد ما تقول!! وهذا ما لا يعقل من مسلم، فهذا كافر كفراً بواحاً مخرجاً من الملة نعوذ بالله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1423(1/839)
نزول الله -تعالى- ليس كنزول خلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت وسمعت حديثا بأن الله سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل من كل يوم فيقول هل من تائب فأتوب عليه 000 سؤالي هو نصف الليل بالسعودية حوالي الثالثة ص ومصر الرابعة والمغرب الخامسة وهكذا فهل يعني أن الله سبحانه وتعالى 24 ساعه بالسماء الدنيا أم كما أجابني الكثير بأن يوما عند الله كألف سنة مما نعد وجزاكم الله خيرا 000]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي ذكرته رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟.
قال الحافظ ابن حجر: فيجمع بذلك بين الروايات بأن ذلك -يعني نزول الرب جل وعلا- يقع بحسب اختلاف الأحوال، لكون أوقات الليل تختلف في الزمان وفي الآفاق، باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم وتأخره عند قوم.
وقال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب الأمة جميعاً بهذا الحديث الذي خصص فيه نزول الله -تبارك وتعالى- بثلث الليل الآخر فإنه يكون عاماً لجميع الأمة، فمن كانوا في الثلث الآخر من الليل تحقق عندهم النزول الإلهي، وقلنا لهم: هذا وقت نزول الله -تعالى- بالنسبة إليكم، ومن لم يكونوا في هذا الوقت فليس ثم نزول الله -تعالى- بالنسبة إليهم، والنبي صلى الله عليه وسلم، حدد نزول الله -تعالى- إلى السماء الدنيا بوقت خاص، فمتى كان ذلك الوقت كان النزول، ومتى انتهى انتهى النزول، وليس في ذلك أي إشكال.
وهذا وإن كان الذهن قد لا يتصوره بالنسبة إلى نزول المخلوق لكن نزول الله -تعالى- ليس كنزول خلقه حتى يُقاس به ويجعل ما كان مستحيلاً بالنسبة إلى المخلوق مستحيلاً بالنسبة إلى الخالق، فمثلاً: إذا طلع الفجر بالنسبة إلينا وابتدأ ثلث الليل بالنسبة إلى من كانوا غرباً قلنا: إن وقت النزول الإلهي بالنسبة إلينا قد انتهى.
وبالنسبة إلى أولئك قد ابتدأ، وهذا في غاية الإمكان بالنسبة إلى صفات الله - فإن الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في شرح حديث النزول: فالنزول الإلهي لكل قوم مقدار ثلث ليلهم، فيختلف مقداره بمقادير الليل في الشمال والجنوب، كما اختلف في المشرق والمغرب، وأيضاً فإنه إذا كان ثلث الليل عند قوم فبعده بلحظة ثلث الليل عند ما يقاربهم من البلاد، فيحصل النزول الإلهي الذي أخبر به الصادق المصدوق أيضاً عند أولئك، إذا بقي ثلث ليلهم وهكذا إلى آخر العمارة. انتهى كلامه رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1423(1/840)
التجسيم والتشبيه كفر بالله، وابن عبد الوهاب بريء من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[لمذا أنتم" أتباع محمد عبد الوهاب " تختلفون في العقيدة مع بقية أهل السنة والجماعة وتتبعون عقيدة التجسيم والتشبيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنحن والشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- أتباع لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وكل مسلم مطالب بأن يكون تابعاً لهذا النبي الكريم، ولا يصح الإسلام ولا الإيمان إلا بهذه المتابعة التي هي مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأهل السنة والجماعة يثبتون من الأسماء والصفات ما أثبته الله تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تأويل ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وهذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان، وهو ما تكلم به الفقهاء والمحدثون وأئمة الإسلام، ولمعرفة ذلك انظر دواوين السنة كصحيح البخاري وصحيح مسلم وبقية الكتب الستة ومسند أحمد، وانظر الإيمان لابن منده والتوحيد له أيضاً، والتوحيد لابن خزيمة، والسنة لعبد الله بن أحمد والسنة للخلال وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي وغير ذلك من الكتب التي عنيت ببيان معتقد أهل السنة والجماعة من خلال الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة.
والتجسيم أو التشبيه بدعة قبيحة منكرة بل هي كفر بالله عز وجل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى 5/196: وقال نعيم بن حماد الخزاعي: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله نفسه ورسوله تشبيهاً.
وقال شيخ الإسلام أيضاً: ومذهب السلف بين مذهبين، وهدي بين ضلالتين، إثبات الصفات ونفي مماثلة المخلوقات، فقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] . رد على أهل التشبيه والتمثيل، وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] . رد على أهل النفي والتعطيل، فالممثل أعشى، والمعطل أعمى، الممثل يعبد صنما، والمعطل يعبد عدماً. انتهى
وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- النفس في الرد على المشبهة وإبطال قولهم في كثير من مصنفاته، على عكس ما ينسبه أهل الجهل إليه، وقد برأه الأئمة والعارفون من هذه التهمة القبيحة، وانظر على سبيل المثال ما قاله العلامة ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح 8/148 في شأن ابن تيمية وابن القيم وأن الله صانهما عن هذه السمة الشنيعة والنسبة الفظيعة، وأنهما كانا من أهل السنة والجماعة بل ومن أولياء هذه الأمة، وهذا في معرض رده على كلام ابن حجر الهيتمي -رحم الله الجميع- وكلام الإمام نعيم بن حماد السابق الذي ذكره شيخ الإسلام آنفا، نقله الذهبي في سير أعلام النبلاء 13/299 قائلاً: وما أحسن قول نعيم بن حماد ثم ساقه وقال: معقباً عليه، قلت: أراد أن الصفات تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف تعالى ليس كمثله شيء في ذاته المقدسة، فكذلك صفاته لا مثل لها؛ إذ لا فرق بين القول في الذات والقول في الصفات، وهذا هو مذهب السلف. انتهى
ومن أعظم الفرية وأقبح الجرأة على الله وعلى كتابه أن يقال: إن ما في القرآن من إثبات اليد والاستواء والمجيئ ظاهره التشبيه: قل أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140] .
وأما الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- فقد شهد له العلماء المنصفون بالعلم والاستقامة والصلاح، وهو المصلح المجدد لما اندرس من معالم التوحيد في زمنه رحمه الله، وهو بريء من التشبيه والتجسيم، وهذه كتبه ومؤلفاته في متناول الباحث، فليوقفنا على جملة واحدة منها تدعو إلى ذلك أو تقره وترضى به، وانظر في التعريف بالشيخ محمد بن عبد الوهاب وذكر ثناء العلماء عليه في الفتوى رقم:
5408 والفتوى رقم:
7070.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1423(1/841)
تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هل التفكير في ذات الله حرام؟ وما عقوبة من يفكر في ذات الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن أراد معرفة ربه وخالقه فعليه أن يعرفه بما عرف به سبحانه نفسه في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله الكريم، من الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وبما بثه في هذا الكون الفسيح من الآلاء والآيات الدالة على عظمته وربوبيته وألوهيته سبحانه، ولا يمكن لمخلوق مهما كان أن يدرك حقيقة ذات الخالق سبحانه، لقوله سبحانه: (ولا يحيطون به علماً) وقوله: (لا تدركه الأبصار) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله" أخرجه أبو الشيخ والطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما، وحسنه الألباني.
ومما يشهد لهذا أن فرعون لما سأل موسى عليه السلام قائلا: (وما رب العالمين) قال له موسى: (رب السماوات والأرض وما بينهما) ففرعون سأل عن ذات الله، وموسى أجابه بصفاته.
وهذا هو المسلك السليم للمؤمن. ومن وجد في نفسه وسوسة للشيطان بالتفكر في ذات الله فليستعذ من ذلك، وليقل آمنت بالله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1422(1/842)
حقيقة الأسماء البرهتية والجلجلوتية
[السُّؤَالُ]
ـ[مارأي الدين في الأسماء البرهتية والجلجلوتية هل هي فعلا أسماء لله بلغة أخرى مثل العبرانية والسريانية مثال: برهتية قيل: إنه سبوح قدوس.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأسماء الله تعالى توقيفية، فلا يسمى ولا يوصف إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
وليس لأحد أن يتعبد الله باسم لا يعلم ثبوته، ويدخل في هذا ما ورد في السؤال من الأسماء التي يقال إنها في اللغة العبرانية أو السريانية، وما في أيدي أهل الكتاب من ذلك لا يوثق به، ولا يعتمد عليه، فقد نهينا عن تصديقهم، ولا ينبغي أن يغتر المسلم بما عليه بعض المبتدعة من المتصوفة، وغيرهم ممن يستعملون هذه الأسماء الغريبة التي لا يعلم معناها، وربما كانت أسماء للشياطين كتلك التي يستعملها السحرة في باطلهم.
ولا ينقضي العجب ممن يعرض عن أسماء الله تعالى الواردة في الكتاب والسنة، يذكر الله أو يدعوه بأسماء لا يعرف سندها ولا معناها. قال الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) [الأعراف:180] .
وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا الأمر، ودعوا الله تعالى بأسمائه الثابتة المعلومة، ولم يرد عنهم استعمال شيء من تلك الأسماء التي تسمى برهتية أو جلجلوتية، وقد أكمل الله تعالى الدين، ورضي الله لنا ما ارتضاه لنبيه صلى الله عليه وسلم، وما لم يكن يومئذ ديناً، فلن يكون اليوم ديناً. فالواجب الاقتصار على ما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة، والإعراض عن جميع الأسماء المبتدعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1422(1/843)
هل يصح تسمية الله بـ (الغالب) و (الواقف)
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت بالأمس شيئاَ أزعجني كثيراً، سمعت مغنية تغني وتقول: الله غالب، الله واقف؟!!!
ألا تعتقد معي بأن هذا الكلام خطير؟ وإذا كان كذلك لماذا لا يوضع حد لذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تسمية الله سبحانه ب (الغالب) مختلف فيها بين أهل العلم، فقد ذكر البيهقي وغيره أنه من أسماء الله تعالى، لقوله سبحانه: (والله غالب على أمره) [يوسف:21] وذهب كثير من أهل العلم إلى أنه ليس اسماً لله تعالى لأنه لم يرد بصيغة الاسم وأما اسم (الواقف) فلم يرد دليل من كتاب أو سنة أنه اسم لله تعالى.
وتسمية الله سبحانه بهذا الاسم من الإلحاد في أسمائه - سبحانه - ووجه كونه إلحاداً أن أسماء الله توقيفية، أي لا تؤخذ إلا من نصوص الشريعة الثابتة. وقد توعد الله الملحدين في أسمائه فقال سبحانه: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) [الأعراف:18] فكل اسم لم يأت في الكتاب أو السنة أنه اسم لله تعالى لا يكون من أسماء الله الحسنى، حتى ولو صح معناه لغة أو عقلاً أو شرعاً.
فعلى ولاة أمر المسلمين ومن له سلطان منهم، أن يمنع مثل هذا الإلحاد وغيره من العبث بعقيدة الأمة، وانتشار الغناء والتبرج والإعلام الفاضح ونحوها من المنكرات. وعليهم تسخير وسائل الإعلام لتعليم الأمة ما ينفعها في دينها ودنياها، حتى تكون هذه الوسائل عوامل بناء لا معاول هدم. وعلى المسلمين جميعاً اجتناب جميع المنكرات، وعليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل حسب استطاعته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1421(1/844)
لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا في كثير من الأحيان أقول في نفسي والله إني أحبك يا الله يا رب أنت عسل. شكرا لك يا أصيل. وأقول هذا كثير جدا لا سيما عندما أقع في مصيبة. إنني أخشى أن يكون هذا حراما لأنه فيه وصف لله ليس من أسمائه جل وعلا. أفيدوني جزاكم الله الفردوس.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقولك إنك تحب الله أو تقسم بالله أنك تحبه - سبحانه - فنرجو أن يكون ذلك موافقاً لما في القلب، لأن هذا من كمال الإيمان، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما….الخ الحديث" الذي رواه البخاري ومسلم. أما قولك عن ربنا ـ سبحانه ـ أنت عسل ومخاطبتك له سبحانه يا أصيل.
فهذا لا يجوز لأن أسماء الله وصفاته توقيفية، فلا يجوز لأحد أن يسمى الله إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول في دعائه "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك…الخ" رواه أحمد.
وقال سبحانه (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ... ) [الأعراف: 180] ودعوته باسم لم يسم به نفسه، ولم يسمه به رسوله صلى الله عليه وسلم قد تكون من الإلحاد في أسمائه، ولا يخفى ما في ذلك من خطر. وإذا ألمت بك مصيبة فعليك بالذكر والدعاء المشروع من مثل قوله سبحانه: (إنا لله وإنا إليه راجعون) ، ودعاء ذي النون (لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) ، واصبر على ذلك، وادع الله بتفريجها، والجأ إليه سبحانه بالعبادة والتذلل، فإن مع العسر يسراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/845)
معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق آدم على صورته.
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التكرم بتوضيح معنى الحديث (إن الله خلق آدم على صورته) وهل هذا الحديث يقتضي التشبيه وإذا كان معنى الحديث يُفسر بالتأويل فلماذا لا نقول بالتأويل في جميع آيات الصفات. وجزاكم الله خيراً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل.
ومعاذ الله أن يكون في نصوص الوحي ما يقتضي تشبيهاً أو تمثيلاً، فإن الله تعالى يقول: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) . [الشورى: 11] .
ولو كان في شيء من النصوص ما يقتضي ذلك لما كانت دالة على الهدى داعية إلى الرشد.
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين، ولفظ مسلم: " إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته". وقد ذهب جماعة من السلف والخلف إلى أن الحديث على ظاهره، وأنه لا يستلزم تشبيهاً ولا تمثيلاً، وممن بين هذا ووضحه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله حيث قال: " الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث - وهذا لا يلزم منه التشبيه والتمثيل.
والمعنى عند أهل العلم: أن الله خلق آدم سميعاً بصيراً متكلماً، إذا شاء، وهذا هو وصف الله تعالى، فإنه سميعٌ بصيرٌ متكلمٌ إذا شاء، وله وجه جلّ وعلا.
وليس المعنى التشبيه والتمثيل، بل الصورة التي له غير الصورة التي للمخلوق وإنما المعنى أنه سميع بصير متكلم إذا شاء، وهكذا خلق الله آدم سميعاً بصيراً، ذا وجه ويد وذا قدم، ولكن ليس السمع كالسمع، وليس البصر كالبصر، وليس المتكلم كالمتكلم، بل لله جلّ وعلا صفاته التي تليق بجلاله وعظمته، وللعبد صفاته التي تليق به، صفات يعتريها الفناء والنقص، وصفات الله سبحانه كاملة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء، ولهذا قال الله عزوجل:
(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى:11] .
وقال سبحانه: (ولم يكن له كفواً أحد) [الإخلاص: 4] . انتهى.
فهذا التعبير: " على صورته " لا يقتضي مماثلة الصورة للصورة، ولا الصفة للصفة، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أضوء كوكب في السماء ". متفق عليه، ومعلوم أن هذه الزمرة ليست مماثلة للقمر. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/846)
حكم إطلاق (المخوف) على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها الشيوخ الكرام: هل يجوز لنا أن نقول شرعا الله المخيف أو المخوف أو يخيف؟ وهل من صفات الله أو أسمائه المخيف أو المخوف؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأسماء الله تعالى توقيفية، فلا يصح إثبات اسم لله تعالى إلا بدليل، ولا مدخل للقياس في ذلك، قال البغوي في تفسيره: الإلحاد في أسماء الله تسميته بما لم يتسم به ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وأهل العلم الذين قرروا ذلك قد اختلفوا في ما جاءت به النصوص منسوبا إلى الله تعالى بصيغة الفعل وبصورة الاسم المضاف، هل يجوز اشتقاق الاسم منها؟ أم أن هذا ينافي التوقيف؟ وقد سبق بيان ذلك، وأن الراجح هو أن ندور مع النصوص الشرعية لفظا ومعنى، فما ورد بصيغة الاسم أثبتناه اسما بلفظه، وما ورد مضافا أو بصيغة الفعل لم نتجاوز وصف الله تعالى به بالصيغة التي ورد بها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 125377.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 6009، 23074، 127333.
هذا في باب تسمية الله تعالى ثم وصفه، أما باب الإخبار عنه سبحانه فهو أوسع، فيصح بكل ما يصح نسبته إليه عز وجل، ولا يجب أن يكون توقيفيا، قال ابن القيم: ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيا، كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه. اهـ.
وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 124345، 102169، 15709، 47902.
وقال الغزالي في ـ المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى ـ في اسم الله: المؤمن: لعلك تقول الخوف على الحقيقة من الله تعالى، فلا مخوف إلا إياه، فهو الذي خوف عباده، وهو الذي خلق أسباب الخوف فكيف ينسب إليه الأمن؟ فجوابك: إن الخوف منه والأمن منه وهو خالق سبب الأمن والخوف جميعا، وكونه مخوفا لا يمنع كونه مؤمنا، كما أن كونه مذلا لم يمنع كونه معزا، بل هو المعز والمذل، وكونه خافضا لم يمنع كونه رافعا، بل هو الخافض الرافع، فكذلك هو المؤمن المخوف، لكن المؤمن ورد التوقيف به خاصة دون المخوف. اهـ.
وقد أخبر الله تعالى عن نفسه، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم، أنه يخوف عباده ليتقوه، قال سبحانه: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ {الزمر: 16} .
وقال تبارك وتعالى: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا {الإسراء:59-60} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله تعالى يخوف بها عباده. متفق عليه.
وقال الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني في المختصر في التعرف على أسماء الله الحسنى: الأسماء التسعة والتسعون التي وردت بنصها في الكتاب المقدس ـ يعني عند أهل الكتاب ـ منها أيضا عشرون اسما متفقة مع ضوابط الإحصاء التي تقدمت، وهي أسماء لم ترد في الإسلام بنصها، ولا يصح تسمية الله بها عند المسلمين، ولكن يصح إطلاقها على الله من باب الأوصاف والأفعال والإخبار. اهـ.
وذكر منها: المخوف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(1/847)
لا يشترط في حفظ الأسماء الحسنى ترتيب معين
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد التحية: إنني حافظ لأسماء الله الحسنى كاملة، ولكن غير متسلسلة، فهل يجوز هذا أم لا؟.
ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حفظ الأسماء الحسنى لا يشترط فيه ترتيب معين، وحديث الترمذي الوراد في ترتيبها ضعفه كثير من أهل العلم؛ منهم شيخ الإسلام ابن حجر، وراجع الفتاوى التالية أرقامها للاطلاع على معنى حفظها وللمزيد من الفائدة: 12383، 44198، 47291.
ومن ذلك تعلم أنك لست مطالبا بحفظ الأسماء مسلسلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1430(1/848)
لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح لنا أن نقول: إن الله ليس مذكرا ولا مؤنثا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز وصف الله سبحانه وتعالى بأنه مذكر أو مؤنث، فإن الله جل جلاله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، ووصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أنه ليس كل شيء يصح وصفه بالذكورة أو الأنوثة، وانظر لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 110357، ورقم: 54404.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1430(1/849)
معنى حديث: اسم الله الأعظم في سور من القرآن ثلاث.... الحديث.
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقصد بالاسم الأعظم في ثلاث سور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الحديث: اسم الله الأعظم في سور من القرآن ثلاث: في البقرة، وآل عمران، وطه.
قال الألباني: أخرجه ابن معين وابن ماجه. وحسنه الألباني في السلسلة، ونقل رواية عن القاسم بن عبد الرحمن أنه قال: التمست في البقرة فإذا هو في آية الكرسي: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وفي آل عمران فاتحتها، وفي طه: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ. {طه: 111} . وذكر الألباني في مجلد آخر من السلسلة أن الأقرب عنده أن المراد بما في طه قوله تعالى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا. {طه: 14} . وذكر أن ذلك هو الموافق لبعض الأحاديث الصحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1430(1/850)
صفات الله لا تشبه صفات المخلوقين
[السُّؤَالُ]
ـ[الضوء هو مخلوق لله، ولكن الضوء ليس مثل الله سبحانه، والمسلمون لا يعبدون أي مخلوق، لذلك فالمسلم لا يعبد الضوء، وأنا أعرف أن هذا صحيح، ولكني سألت لأتأكد، فإني مصاب بنوع من الوسوسة. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الأضواء والأنوار التي نراها لا شك أنها مخلوقة، سواء كانت أعيانا كالشمس والقمر والمصابيح، أو كانت أعراضا مثل ما يقع من شعاع الشمس والقمر والنار على الأجسام الصقيلة وغيرها.
والعبادة إنما تكون لله وحده، لا شريك له من خلقه. قال تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ {فصِّلت:37} .
ومن صفات الله سبحانه وتعالى أنه نور، وهي صفة ذات لازمة له تعالى على ما يليق به، فلم يزل ولا يزال سبحانه وتعالى متصفا بها، وبهذا الوصف وصفه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه. وفي صحيح مسلم: حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
وفي حديث الإسراء أنه لما قرب صلى الله عليه وسلم من سدرة المنتهى غشي السدرة من النور ما حجب بصره من النظر إليها أو إليه.
ولا يعني هذا مشابهة الله لخلقه، فإن هذا النور الذي هو اسمه وصفته تعالى لا يشبه نورالمخلوقين، وإنما هو نور يليق بعظمته وكبريائه وجلاله تعالى، ولا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه، كالشأن في سائر أسمائه وصفاته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء، وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره، وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريدعن الإضافة والتخصيص اتفاقهما ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص.
فقد سمى الله نفسه حيا، فقال: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وسمى بعض عباده حيا فقال: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ. وليس هذا الحي مثل هذا الحي؛ لأن قوله ـ الحي ـ اسم لله مختص به، وقوله: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، اسم للحي المخلوق مختص به، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين المسميين، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق.
ولا بد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته، يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى.
فلا بد من إثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي مماثلته بخلقه. انظر مجموع الفتاوى: (1/10 – 16)
وانظر الفتوى رقم: 52952.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1430(1/851)
حكم الدعاء بما ليس من الأسماء الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقول الإنسان يا مسهل الحال، يا رب، بالرغم من أن اسم مسهل ليس من الأسماء الحسنى أو يقول يا ميسر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في هذا الموضوع، فمنهم من منع تسمية الله بغير ما صح في الشرع من أسمائه الحسنى، ومنهم من أجاز تسميته بكل ما صح معناه في اللغة، ومنهم من فرق في ذلك بين الدعاء والإخبار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح: إن المسلمين في أسماء الله تعالى على طريقتين: فكثير منهم يقول: إن أسماءه سمعية شرعية فلا يسمى إلا بالأسماء التي جاءت بها الشريعة؛ فإن هذه عبادة، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع.
ومنهم من يقول: ما صح معناه في اللغة وكان معناه ثابتا له، لم يحرم تسميته به؛ فإن الشارع لم يحرم علينا ذلك فيكون عفوا. والصواب القول الثالث، وهو أن يفرق بين أن يدعى بالأسماء أو يخبر بها عنه، فإذا دعي لم يدع إلا بالأسماء الحسنى كما قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ. {الأعراف: 180} وأما الإخبار عنه فهو بحسب الحاجة. اهـ
وقال الإمام ابن القيم في بدائع الفوائد: ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء والموجود، والقائم بنفسه. فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا.
وقال أيضا: ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه. اهـ.
وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية بجواز الدعاء بمثل ما سألت عنه وهذا نص السؤال وجوابها:
س: هل يجوز قول الإنسان عند الاستعانة مثلا -بالله عز وجل: يا معين، يا رب، أو عند طلب التيسير فيأمر: يا مسهل، أو يا ميسر يا رب، وما الضابط في ذلك؟ وما حكم من يقول ذلك ناسيا أو جاهلا أو متعمدا؟
ج: يجوز لك أن تقول ما ذكرت؛ لأن المقصود من المعين والمسهل والميسر في ندائك هو الله سبحانه وتعالى؛ لتصريحك بقولك: يا رب، آخر النداء، سواء قلت ذلك ناسيا أو جاهلا أو متعمدا. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
وبما أن المسألة مسألة اجتهاد وهي مما يسوغ فيه الاختلاف، فلا حرج في أن يدعو المرء على النحو الذي سألت عنه، لكن الأورع له أن يخرج من الخلاف فيقتصر على الدعاء بما صح من أسمائه الحسنى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1430(1/852)
إيضاح حول استواء الرحمن على العرش
[السُّؤَالُ]
ـ[أنتم تناقضون كلامكم، والإمام الأشعري بريء منكم، لأنكم تشبهون الله بخلقه وتقولون هذا ما كان عليه. كيف تفسرون القرآن على ظاهره، والقرآن لا يفسر على الظاهر، هناك آيات محكمات وآيات متشابهات. العلماء فسروها ليس أنتم، أنتم تأخذونها على ظاهرها، وتناقضون القرآن، والقرآن لا يتناقض، لله صفات تليق به، وصفة العلو لا تليق بالله لأنها من صفات البشر، كيف تقولون إنكم لا تشبهون الله بشيء وتقولون إنه في السماء، أو جالس على العرش. أليس هذا من صفات البشر؟ ألا تعرفون ماذا قال الإمام أبو حنيفة في كتابه الفقه الأكبر: قبل خلق المكان لم يكن يوجد لا فوق ولا تحت، ولا سماء ولا عرش، كان موجودا بلا مكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على ماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض. رواه مسلم. هذا الحديث ينافي ما تقولونه وتنسبونه إلى العلماء، العلماء كانوا على عقيدة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أن الله موجود بلا مكان. هناك تفسير يليق بالله وفسر العلماء بما يليق بالله، وآيات المتشابهات لها تفسير يليق بالله: السماء هي مهبط الرحمات وقبلة الدعاء، هكذا فسرها مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء، وليست مسكنا لله. والعرش هو جرم كبير له حجم والله ليس له حجم كي يكون جالسا عليه، هذا ينافي التوحيد. استوى لها كثير من المعاني كما فسر العلماء تأتي بمعنى قهر، تأتي بمعنى حفظه، وليس على ظاهرها، لو تركوها على ظاهرها لصار تناقض في القرآن، لأن أصرح آية في القرآن أنه ليس كمثله شيء. أسال الله أن يرزقني الفهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي كتاب الفقه الأكبر الذي ذكره السائل ما يكفي للرد على إشكالاته، ففيه: فصل في إثبات العلو.
قال فيه الإمام أبو حنيفة: من قال: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، فقد كفر. وكذا من قال: إنه على العرش، ولا أدري العرش أفي السماء أو في الأرض. والله تعالى يدعى من أعلى لا من أسفل، ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء، وعليه ما روي في الحديث أن رجلا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء فقال: وجب علي عتق رقبة أفتجزئ هذه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أمؤمنة أنت؟ فقالت: نعم. فقال: أين الله؟ فأشارت إلى السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 118504.
وفي كلام الإمام أبي الحسن الأشعري أيضا ما يكفي السائل الكريم لو كان مريدا للحق دون تعصب، فقد عقد ـ رحمه الله ـ في كتاب الإبانة عن أصول الديانة بابا بعنوان: ذكر الاستواء على العرش، قال فيه: إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل له: نقول: إن الله عز وجل يستوي على عرشه استواء يليق به من غير طول استقرار. كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. {طه:5} .
وقد قال تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ. {فاطر:10} . وقال تعالى: بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. {النساء:158} . وقال تعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ. {السجدة:5} . وقال تعالى حاكيا عن فرعون لعنه الله: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ*أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا. {غافر:،37،36} . كذب موسى عليه السلام في قوله: إن الله سبحانه فوق السماوات. وقال تعالى: أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض. فالسماوات فوقها العرش فلما كان العرش فوق السماوات قال: أأمنتم من في السماء. لأنه مستو على العرش الذي فوق السماوات وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات، وليس إذا قال: أأمنتم من في السماء. يعني جميع السماوات وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات، ألا ترى الله تعالى ذكر السماوات فقال تعالى: وجعل القمر فيهن نورا. ولم يرد أن القمر يملؤهن جميعا وأنه فيهن جميعا. ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض. انتهى.
ثم عقد فصلا مفصلا للرد على المعتزلة والجهمية والحرورية القائلين إن معنى قول الله تعالى: الرحمن على العرش استوى. أنه استولى وملك وقهر، وأن الله تعالى في كل مكان، وجحدوا أن يكون الله عز وجل مستو على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، فنرجو من السائل الكريم أن يراجع هذا الفصل بطوله لعظم فائدته ووضوحه.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على رسالة أبي إسحاق الماراني في الذب عن أبي الحسن الأشعري وكتابه: الإبانة عن أصول الديانة. وهي متوفرة على موقع المكتبة الشاملة.
وقد سبق لنا إيراد نقول عن علماء السنة في مسألة الاستواء في الفتوى رقم: 66332. كما سبق لنا بيان أن الله فوق عرشه بائن عن خلقه، والرد على من قال: إن الله في كل مكان، في الفتويين: 6707، 8825. وكذلك بيان أن التجسيم والتشبيه كفر بالله، وتبرئة علماء أهل السنة من ذلك، في الفتويين: 19144، 31338.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1430(1/853)
إثبات المجيء والاستواء والنزول لله تعالى لا يستلزم التجسيم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا تنزهون الله تعالى عن الجسمية، وأهل السنة مجمعون على أن الله تعالى منزه عن الجسمية. قال الإمام الشافعي: المجسم كافر. رواه السيوطي في الأشباه والنظائر، ونقل ابن حمدان في نهاية المجتهدين عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: إن من قال إن الله جسم فهو كافر، ونقله أيضا صاحب الخصال من الحنابلة، وقال أبويعلى الحنبلي: اتفقت طبقات الحنابلة على أن من نسب إلى الله الجسم أو صفات الأجسام كالانتقال فهو كافر. فلماذا لا تنزهون الله تعالى عن الجسمية والحركة والانتقال تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل.
وهذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان، وهو ما تكلم به الفقهاء والمحدثون وأئمة الإسلام، ولمعرفة ذلك انظر دواوين السنة كصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وبقية الكتب الستة، ومسند أحمد، وانظر الإيمان لابن منده، والتوحيد له أيضاً، والتوحيد لابن خزيمة، والسنة لعبد الله بن أحمد، والسنة للخلال، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، وغير ذلك من الكتب التي عنيت ببيان معتقد أهل السنة والجماعة من خلال الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة.
والتجسيم بدعة قبيحة منكرة بل هي كفر بالله عز وجل، قال نعيم بن حماد الخزاعي: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله نفسه ورسوله تشبيهاً.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميةً: ومذهب السلف بين مذهبين، وهدى بين ضلالتين، إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات، فقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. {الشورى:11} . رد على أهل التشبيه والتمثيل، وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. [الشورى:11] . رد على أهل النفي والتعطيل، فالممثل أعشى، والمعطل أعمى، الممثل يعبد صنما، والمعطل يعبد عدماً. انتهى. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.
واعلم أن المرء إذا جاءه الحق عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فالواجب عليه أن يسمع ويطيع، أما أن يخوض بعقله ورأيه في دين الله فلا يجوز بحال؛ بل قد يؤدي به ذلك إلى الكفر والضلال أعاذنا الله وإياك من ذلك، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. {الأعراف:33} .
ومن ناحية أخرى فإن الذين ينفون ما ثبت لله تعالى بزعم أنه يستلزم إثبات الجسم له سبحانه فهم إنما يعبدون عدما -والعياذ بالله- لأنهم يعطلون الله تعالى عن كل ما هو ثابت له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في مجموع الفتاوى: فإن نفيت ما نفيت لكونك لم تجده في الشاهد إلا للجسم فانف الأسماء بل وكل شيء؛ لأنك لا تجده في الشاهد إلا للجسم. انتهى.
وأما سؤالك عن الحركة والانتقال فلعلك تقصد به قوله تعالى: وجاء ربك والملك صفا صفا. وقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ. {البقرة:29} . وما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له.
فنقول: منهجنا في ذلك إثبات صفة المجيء، وصفة الاستواء، وصفة النزول لله تعالى، على الوجه الذي يليق بجلاله، فأي محذور في ذلك؟ هل تنقم منا إلا أن آمنا بما قاله الله عن نفسه وبما قاله عنه رسوله عليه الصلاة والسلام دون زيادة أو نقصان أو تحريف؟!
فإن قلت: إن إثبات المجيء والاستواء والنزول يستلزم تشبيهه بخلقه؛ لأن المجيء والاستواء والنزول من صفات الأجسام، فيجب تأويل هذه النصوص. قلنا: لا يلزمنا صرف هذه النصوص عن ظواهرها؛ لأننا إنما أثبتنا له مجيئا يليق بجلاله، واستواء يليق بجلاله، ونزولا يليق بجلاله، لا مجيئا كمجيء خلقه، ولا استواء كاستواء خلقه، ولا نزولا كنزول خلقه.
فإن قلت: إذن أنتم تقولون إنه جسم لا كالأجسام. قلنا: إن الجسم من الصفات أو الألفاظ التي لم يأت الكتاب والسنة بنفيها ولا إثباتها، لذلك لم يتعرض لها السلف لا نفيا ولا إثباتا، والقاعدة في ذلك أن يستفصل قائلها، فإن أراد به مثبته معنى صحيحاً وافقناه على ذلك المعنى الصحيح، ولم نوافقه على استعمال ذلك اللفظ وإلا فلا، والأولى الإعراض عن هذا اللفظ على كل حال، فقد قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية: والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو سبيل أهل السنة والجماعة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله- في الفتاوى الكبرى: الكلام في وصف الله بالجسم نفياً وإثباتاً بدعة، لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها: إن الله ليس بجسم، كما لم يقولوا: إن الله جسم؛ بل من أطلق أحد اللفظين استفصل عما أراد بذلك، فإن في لفظ الجسم بين الناطقين به نزاعاً كثيراً، فإن أراد تنزيهه عن معنى يجب تنزيهه عنه مثل أن ينزهه عن مماثلة المخلوقات فهذا حق. ولا ريب أن من جعل الرب جسماً من جنس المخلوقات فهو أعظم من المبتدعة ضلالاً؛ دع من يقول منهم: إنه لحم ودم ونحو ذلك من الضلالات المنقول عنهم. إلى أن قال رحمه الله تعالى: وهكذا مثبت لفظ الجسم إن أراد بإثباته ما جاءت به النصوص صوبنا معناه ومنعناه من الألفاظ المجملة، وإن أراد بلفظ الجسم ما يجب تنزيه الرب عنه من مماثلة المخلوقات رددنا ذلك عليه وبينا ضلاله وإفكه ... انتهى.
وراجع للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53925، 19144، 110330
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1430(1/854)
الاستقرارهو أحد المعاني الصحيحة للاستواء على العرش
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تردون على من أثبت عن أبي حنيفة النعمان أنه قال في كتابه الوصية ضمن مجموعة رسائل أبي حنيفة بتحقيق الكوثري: ونقر بأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة واستقرار عليه، وهو حافظ على العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوقين، ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي صحة نسبة كتاب الوصية للإمام أبي حنيفة خلاف ونظر، فأثبتها طائفة ونفاها آخرون. فممن أثبتها القاضي تقي الدين الغزي في ترجمة الإمام أبي حنيفة، فقال: للإمام الأعظم وصية مشهورة، أوصى بها أصحابه تشتمل على كثير من أصول الدين، نقلها كثير من المؤرخين، يتعين إيرادها هنا، لما اشتملت عليه من صحيح الاعتقاد ... (الطبقات السنية في تراجم الحنفية) ثم ذكرها بطولها، ومنها الجمل الواردة في السؤال.
وقال القاضي بدر الدين بن جماعة المولود سنة 639 هـ في كتاب (إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل) : قال التابعي الجليل الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى في كتابه الوصية: نقر بأن الله تعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة واستقرار عليه، وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج. اهـ.
وذكر هذه الجمل باختصار د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، في كتاب (مجمل اعتقاد أئمة السلف) نقلا عن الغزي.
وهذه الوصية مما اعتمد عليه الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس في بحث موسع له لنيل درجة الدكتوراه في أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله. وكذا في كتابه (اعتقاد الأئمة الأربعة) .
ونقل منها جماعة من أهل العلم، منهم علامة الشام الشيخ محمد بهجة البيطار في كتابه (الكوثري وتعليقاته) فقال: وقال ـ يعني الإمام أبا حنيفة ـ في كتاب الوصية (ص10) : ونقر بأن الله على العرش استوى. اهـ. وممن نفى صحة نسبة هذا الكتاب، المستشرق غولتزير، فقال: إ ن نسبة هذا الكتاب إلى أبي حنيفة النعمان خطأ (تاريخ آداب اللغة) لزيدان.
وفي رسالة جامعية بعنوان (براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة) ص 76- 79 للدكتور: عبد العزيز بن أحمد الحميدي. تناول فيه هذه الوصية بالدراسة إسنادا ومحتوى، فأورد إسنادها وقال: إنه مسلسل بالمجاهيل.
ثم قال عن محتواها: في هذا الكتاب مسائل كثيرة مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة في الاعتقاد بل، ومخالفة لما هو منقول معروف عن الإمام أبي حنيفة. اهـ
ثم أورد أمثلة لهذه المسائل ثم قال: وبعد فقد ظهر أيضاً أن كتاب الوصية متضمن لتقرير العقيدة الأشعرية التي إنما حدثت بعد وفاة الإمام أبي حنيفة بأكثر من قرن ونصف من الزمان، فهذا يؤكد مع سقوط سند الكتاب أيضاً براءة الإمام رحمه الله من هذا الكتاب وما تضمنه من مسائل محدثة، مخالفة لأصول أهل السنة والجماعة.
أما العبارات المنقولة في السؤال من هذه الوصية، فمنها الصواب الموافق لمذهب أهل السنة، كنفي الحاجة عن الله تعالى، قال الطحاوي في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب الإمام أبي حنيفة: والعرش والكرسي حق وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه.
وأهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله ولا يماثل استواء المخلوقين، وأنه بائن من خلقه، وانظر أدلة ذلك من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة في الفتوى رقم: 6707.
وقد سبق لنا أيضا إيراد مذهب الأمام أبي حنيفة وغيره في إثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه، في الفتوى رقم: 66332.
وأما الخطأ في هذه العبارات فهو نفي الاستقرار عن الاستواء، وقد سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم: 50216، أن صفة الاستواء لها معنى ثابت وهو العلو والفوقية والاستقرار على الشيء. وراجع لمزيد الفائدة في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 60784، 76111، 7256.
وقد ذكر ابن القيم هذه المعاني الأربعة في نونيته فقال:
فلهم عبارات عليها أربع قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك ار تفع الذي ما فيه من نكران
وكذاك قد صعد الذي هو رابع..
وقال الشيخ الغنيمان في شرح العقيدة الواسطية: ذكر السلف لمعنى الاستواء ألفاظاً أربعة كلها مترادفة، فقالوا هو: الارتفاع والعلو والصعود والاستقرار، فهذه الألفاظ الأربعة جاءت مروية بأسانيد عن الصحابة وغيرهم، وكلها بمعنىً واحد، وهو الاستواء. اهـ.
بهذا يعلم ما في نفي الاستقرار عن معنى الاستواء من الخطأ.
ثم لابد من التنبه إلى أن كل لازم يُنفَى معنى الاستقرار من أجله، أنه يلزم مثله في لفظ الاستواء نفسه، وفي بقية معانيه من الصعود والارتفاع والعلو.
وقد ذكر شيخ الإسلام في القاعدة الرابعة من الرسالة التدمرية: أن كثيرا من الناس يتوهم في بعض الصفات أنها تماثل صفات المخلوقين ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فهمه فيقع في أربعة أنواع من المحاذير:
أحدها كونه مثل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل.
الثاني أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها وعطله، بقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات.
الثالث أنه ينفي تلك الصفات عن الله عز وجل بغير علم.. الرابع: أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الأموات والجمادات أو صفات المعدومات.
ومثال ذلك أن النصوص كلها دلت على وصف الإله بالعلو والفوقية على المخلوقات واستوائه على العرش، فيظن المتوهم أنه إذا وصف بالاستواء على العرش كان استواؤه كاستواء الإنسان على ظهور الفلك والأنعام، فيخيل له أنه إذا كان مستويا على العرش كان محتاجا إليه كحاجة المستوي على الفلك والأنعام، فقياس هذا أنه لو عدم العرش لسقط الرب سبحانه وتعالى، ثم يريد بزعمه أن ينفي هذا فيقول: ليس استواؤه بقعود ولا استقرار. ولا يعلم أن مسمى القعود والاستقرار يقال فيه ما يقال في مسمى الاستواء؛ فإن كانت الحاجة داخلة في ذلك فلا فرق بين الاستواء والقعود والاستقرار، وليس هو بهذا المعنى مستويا ولا مستقرا ولا قاعدا، وإن لم يدخل في مسمى ذلك إلا ما يدخل في مسمى الاستواء فإثبات أحدهما ونفي الآخر تحكم (مجموع الفتاوى 3 / 48 باختصار) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1430(1/855)
المسافة بين السموات والماء والعرش
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن توضحوا الاعتقاد الصحيح في الجزء العلوي مثل السموات السبع وما فوقهن من الماء وما فوق الماء من حملة العرش؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بين أهل العلم استنادا لبعض الآثار المروية في هذا الشأن عظمة المخلوقات العلوية وتباعد ما بين أجرامها، فالسموات سبع طباق بعضها فوق بعض، مسافة ارتفاعها عن الأرض مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء والتي تليها مسافة خمسمائة عام، وسمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وفوق السماء السابعة الكرسي، وفوق الكرسي البحر، وبينهما مسيرة خمسمائة عام وعمق البحر مسيرة خمسمائة عام، وفوق البحر العرش، والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم.
وهناك ملائكة حملة للعرش، قال تعالى: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية {الحآقة:17}
وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف البعض منهم، مما يشهد بعظم صورهم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام. أخرجه أبو داود في السنن.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: العرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم.
قال الذهبي: رواه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة له وأبو بكر بن المنذر وأبو أحمد العسال وأبو القاسم الطبراني وأبو الشيخ وأبو القاسم اللالكائي وأبو عمر الطلمنكي وأبو بكر البيهقي وأبو عمر بن عبد البر في تواليفهم وإسناده صحيح.
وروى الدارمي والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: مابين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله تعالى فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه. والحديث صححه ابن القيم والذهبي وقال: ابن عثيمين: هذا الحديث موقوف على ابن مسعود، لكنه من الأشياء التي لا مجال للرأي فيها، فيكون له حكم الرفع، لأن ابن مسعود رضي الله عنه لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات.
وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 31341، 110528، 69060، 35995، 52741
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1429(1/856)
الضابط في جواز إطلاق أسماء الله الحسنى على الأشخاص والأشياء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم تسمية بناية أو عمارة باسم المجيد، والمجيد وكما أعلم هو اسم من أسماء الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمجيد من أسماء الله عز وجل الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال الله تعالى: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ {البروج:15} ، وقال تعالى: قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ {هود:73} ، وفي حديث التشهد في الصلاة المشهور: ... إنك حميد مجيد.. متفق عليه.
والتسمي باسم من أسماء الله عز وجل سواء أكان لشخص أو لبناية أو غيرهما من المخلوقات يكون على قسمين:
الأول: أن يقصد بالاسم ما دل عليه من صفة الله تعالى ففي هذه الحال لا يسمى به غير الله، كما لو سميت أحداً بالعزيز والمجيد وما أشبه ذلك، فإن هذا لا يسمى به غير الله إذا لوحظ فيه إثبات ما تضمنه من الصفة لمن سمي به، ولهذا غير النبي صلى الله عليه وسلم كنية أبي الحكم التي يكنى بها، لأن أصحابه يتحاكمون إليه، ففي الحديث عن شريح بن هانئ عن أبيه هانئ: أَنّهُ لَمّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ فَدَعَاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: إِنّ الله هُوَ الْحَكَمْ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ، فَلِمَ تُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ؟ فقالَ: إِنّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا في شَيْءِ أَتُوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَا أَحْسَنَ هَذَا فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟ قالَ: لِي شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ الله. قالَ: فَمنْ أَكْبَرّهُمْ؟ قالَ قُلْتُ: شُرَيْحٌ قالَ: فأَنْتَ أَبُو شُرَيْحِ. رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.
فدل ذلك على أنه إذا تسمى أحد باسم من أسماء الله ملاحظاً بذلك معنى الصفة التي تضمنها هذا الاسم فإنه يمنع، لأن هذه التسمية تكون مطابقة تماماً لأسماء الله سبحانه وتعالى.
أما القسم الثاني: فهو أن يتسمى باسم غير محلى بأل، ولا مقصود به معنى الصفة؛ بل قصد به مجرد العلمية فهذا لا بأس به، مثل مجيد أو حكيم ونحو ذلك.
وعلى هذا؛ فلا يجوز إطلاق اسم المجيد المعرف بأل على تلك العمارة مع ملاحظة ما تضمنه الاسم من معنى، وفي الأسماء الحسنة الكثيرة متسع، وللاستزادة انظر الفتوى رقم: 10300، والفتوى رقم: 64522.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1429(1/857)
صفات الله لا يشتق منها أسماء له سبحانه
[السُّؤَالُ]
ـ[والقاعدة الثالثة: أن صفات الله لا يجوز أن يشتق منها أسماء لله فلا يشتق من صفة المشيئة اسم الشائي، ولا من صفة المجيء اسم الجائي.
تدل هذه القاعدة أنه لا يجوز ذكر صفة وهي بالأصل اسم من أسماء الله عز وجل وقد أتت بعض الصفات مخالفة لما ذكر في القاعدة الثالثة ومثال على ذلك الباطنية: وهي صفة من صفات الله تعالى مأخوذة من اسمه (الباطن) الوارد في قوله تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} (الحديد:3) والوارد في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر) رواه مسلم ومعنى صفة الباطنية: احتجاب الله عن الخلق في الدنيا فلا يرونه ولا يحسونه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقاعدة التي ذكرت صحيحة، كما أنها غير متعارضة مع ما مثلت به لأن المثال يفيد أن الاسم يشتمل على وصف له عز وجل، لا أن الوصف يشتق منه اسم له سبحانه. وهذا قد بينه أهل العلم ونصوا على كونه منهج أهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة الذين يثبتون الأسماء وينفون الصفات.
ثم إننا ننبهك على إن تفسير الباطن بما ذكرت ليس هو الأولى بل الأولى أن يفسر بأنه الأقرب إلى كل شيء، كما قد فسره النبي فيما ذكرت في الحديث من قوله وأنت الباطن فليس دونك شيء، فاسْمُهُ الْبَاطِنُ: دَالٌّ عَلَى قُرْبِهِ وَمَعِيَّتِهِ.
قال ابن القيم في طريق الهجرتين: وهو تبارك وتعالى، كما أنه العالي على خلقه بذاته فليس فوقه شيء، فهو الباطن بذاته فليس دونه شيء، بل ظهر على كل شيء فكان فوقه، وبطن فكان أقرب إلى كل شيء من نفسه، وهو محيط به حيث لا يحيط الشيء بنفسه، وكل شيء في قبضته، وليس في قبضة نفسه، فهذا قرب الإحاطة العامة، انتهى.
وقيل معناه: العالم بالخفيات. كما ذكره النووي في شرح مسلم.
. قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: الْبَاطِنُ أَيْ الْمُحْتَجِبُ عَنْ أَبْصَارِ الْخَلَائِقِ وَأَوْهَامِهِمْ فَلَا يُدْرِكُهُ بَصَرٌ وَلَا يُحِيطُ بِهِ وَهْمٌ. اهـ.
وجاء في تفسير السراج المنير: ظاهر وباطن: جامع للظهور بالأدلة، والخفاء فلا يدرك بالحواس. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1429(1/858)
حكم حفظ أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال إن حفظ أسماء الله الحسنى بدعة، فهل هذا القول صحيح، فأفتونا جزيتم خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحفظ أسماء الله الحسنى ليس بدعة بل سنة رغب فيها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ... لله تسعة وتسعون اسماً من حفظها دخل الجنة ... رواه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ. وفي لفظ آخر: ... من أحصاها دخل الجنة.. وانظر الفتوى رقم: 29327.
وحفظ تلك الأسماء المباركة له فوائد عظيمة ذكرنا بعضها في الفتوى رقم: 51785، فالقول بأن حفظها بدعة هذا القول هو البدعة ولا نظن أن أحداً شم رائحة العلم الشرعي يقول به، وأما من لم يخطر العلم بباله فلا يبعد أن يقول ما هو أعظم من ذلك، ويقال لهم كما قال موسى عليه السلام لأمثالهم: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ {الأعراف:138} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1429(1/859)
الأسماء الواردة في حديث الترمذي مدرجة من بعض الرواة
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول د/ محمود عبد الرزاق (د/ في التصوف الإسلامي وأستاد في الشريعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في برنامج لعمرو أديب أن في 99 لأسماء الله يوجد 20 اسماً غير صحيحة، وكان معهم في هذا اللقاء خالد الجندي، فهل هذا صحيح؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الدكتور يعني الأسماء الواردة في حديث الترمذي فإن هذا الحديث ضعيف عند أهل العلم، فلا يعتبر كافياً في إثبات ما اختص به من الأسماء، لأن أهل العلم ذكروا أن الأسماء المذكورة فيه مدرجة من بعض الرواة، والمدرج من أقسام الضعيف عند المحدثين، وعليه يكون كلام الشيخ صحيحاً، وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 101344، 97032، 12383، 70802.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1429(1/860)
عدم مشابهة صفات الخالق للمخلوق في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد أدلة من السنة تدل على أن صفات الله تعالى لا تشابه صفات المخلوقين مثل الاستواء واليد وهل توجد أدلة من السنة تدل على أن الأرض كروية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نفي التشابه بين صفات الخلق وصفات الله ثبت في نصوص الوحي، فقد دل عليه من القرآن كما في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11} ، كما دلت عليه السنة كحديث ابن ماجه الذي رواه عن ابن عباس قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله نداً، قل: ما شاء الله وحده. والند في لغة العرب يطلق على الشبيه وعلى الضد، كما قال صاحب اللسان.
وأما كروية الأرض فلا نعرف دليلاً عليها من السنة يثبتها ولا ينفيها، وراجع فيها وفي صفات الله تعالى الفتاوى ذات الأرقام التالية: 55011، 50216، 12870، 19144، 55066، 66332.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(1/861)
الاشتقاق من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاشتقاق من الأسماء والصفات، والرجاء منكم أن تدلوني على شيخ بمصر كي أدرس على يديه العقيدة السليمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأسماء الله تعالى وصفاته توقيفية لا تثبت إلا بدليل، ولا يصح الا شتقاق منها إلا بدليل كذلك.
قال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه معجم المناهي اللفظية ص 3838: ومن هذا الغلط التعبيد لأسماء يظن أنها من أسماء الله تعالى، وهي ليست كذلك ... والجهة الثانية: التعبد بما لم يسم الله به نفسه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وكثير منها من صفات الله، لكن قد غلط غلطا ً بيناً من جعل لله من كل صفة أسماء واشتق منها، فقول الله تعالى: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ. لا يشتق منها اسم القاضي لهذا فلا يقال عبد القاضي وهكذا. انتهى.
وأما الدلالة على شيخ بمصر كي تدرس على يديه العقيدة السليمة، فالأولى أن تسأل عن ذلك في مصر نفسها، فنحن هنا ليست لنا معرفة بالأشياخ هناك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(1/862)
تنزيه الله عن العبث ومشابهة المخلوقات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إشراك الله تعالى فيما لا ينبغي له تعالى! مثل ما يفعله أهل كرة القدم وعشاقها؟ ما أعلمه هو أن الشرك 3 فروع خبيثة! ... ...
1) الشرك بالله تعالى وهذا معروف.
2) الإشراك الله تعالى فيما لا ينبغي له مثل اللهو واللغو واللعب.
3) مشاركته تعالى فيما لا ينبغي إلا له فقط مثل من يدعي الكبر والعظمة والجبروت!
ولهذا الموضوع أهمية كبيرة إذا كانت هناك رهبة وتقدير بحق الله تعالى!
وان نزلت (وإياي فارهبون) كما نزلت من قبل على بنى إسرائيل.. أقول إن نزلت في هذا الزمان فمن يكون أهلها؟؟؟! وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يشبه الله بخلقه ولا يشرك به غيره، وأما الخوف فهو أمر واجب على جميع الأمم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه تنزه عن الفحشاء واللهو واللعب ومشابهته المخلوقين فلا يجوز وصفه بما لا يليق به، فقد قال سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ {الشورى: 11} وقال سبحانه وتعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ {الأنبياء:16-17}
وأما الرهبة من الله فهي واجب شرعي تعبدنا الله به فقال: فارهبون. وخافون. واخشون.
وأما الخوف من غيره فراجع في أقسام أهله وأحكامهم الفتوى رقم: 2649، والفتوى رقم: 21313، والفتوى رقم: 11500، والفتوى رقم: 66109.
وأما الآية المذكورة فهي موجهة لكل الناس، فكل مطالب بتوحيد الله بأنواع العبادة ومنها الخوف من الله ورهبته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1428(1/863)
لفظة "الشارع" ليست اسما من أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التوضيح هل عبارة (الشارع) من أسماء الله أو من أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ترد على لسان بعض الفقهاء على أنها منسوبة لله وترد تارة أخرى على أنها لرسول الله، فأرجو توضيح الحق في ذلك؟ ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن كلمة (الشارع) ليست من أسماء الله تعالى ولا من أسماء رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما هي صفة لمن سن الشرع أو من يحق له وضع الشرائع.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز هو المشرع وهو سبحانه وتعالى الذي يحق له وضع الشرائع لخلقه، كما قال الله تعالى: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {الأعراف:54} ، وقال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ {الأنعام:57} ، وقال تعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ... {الشورى:13} ، فالله تعالى هو المشرع في محكم كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا {الحشر:7} ، ومن هنا فإن كلمة الشارع تأتي دائماً على ألسنة العلماء أو في نصوصهم ويراد بها المشرع وهو الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم باعتبار أنه صلى الله عليه وسلم هو المبين لما شرعه الله لعباده، وليس القصد منها أنها اسم من أسماء الله أو أسماء الرسول لأن أسماء الله وأسماء رسوله توقيفية ولم يرد في شيء منها هذا الاسم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1428(1/864)
حكم قول: (شخص الله) و (الذات الإلهية) .
[السُّؤَالُ]
ـ[في حال التكلم عن الباري عز وجل هل يجوز القول شخص الله أو الذات الإلهية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجواب هذا السؤال يقتضي الكلام في ثلاث مسائل:
الأولى: حكم إطلاق كلمة (شخص) على الله.
الثانية: حكم أن يقال شخص الله.
الثالثة: حكم إطلاق كلمة (الذات الإلهية) للتعبير بها عن الله تعالى.
أما المسألة الأولى: فقد ورد في إطلاق الشخص على الله، ما أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا شخص أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش إلخ.... وفي حديث أبي رزين العقيلي وهو لقيط بن عامر - وفيه: كيف وهو شخص واحد ونحن ملء الأرض. رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة. وقد ترجم البخاري باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا شخص أغير من الله.
وقد اختلف أهل العلم في إطلاق اسم الشخص على الله، قال القاضي أبو يعلى: وأما لفظ الشخص فرأيت بعض أصحاب الحديث يذهب إلى جواز إطلاقه، ووجهه أن قوله: (لا شخص) نفي من إثبات، وذلك يقتضي الجنس، كقوله: لا رجل أكرم من زيد، يقتضي أن زيداً يقع عليه اسم رجل، كذلك قوله: لا شخص أغير من الله يقتضي أن يقع عليه اسم شخص.
قال: وقد ذكر أبو الحسن الدارقطني في كتب الرؤية ما يشهد لهذا القول، وذكر حديث لقيط بن عامر المتقدم، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد. فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على قوله، وقد ذكر أحمد هذا الحديث في الجزء الأول من مسند الكوفيين، فقال: قال عبد الله -يعني ابن أحمد قال عبيد الله القواريري ليس حديث أشد على الجهمية من هذا الحديث، قوله: لا شخص أحب إليه المدحة من الله. قال القاضي: ويحتمل أن يمنع من إطلاق ذلك على الله، لأن لفظ الخبر ليس بصريح فيه، لأن معناه: لا أحد أغير من الله، لأنه قد روي ذلك في لفظ آخر، فاستعمل لفظ الشخص في موضع أحد، ويكون ذلك استثناء من غير جنسه ونوعه، كقوله تعالى: مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ. وليس الظن من نوع العلم. انتهى.
وبهذا يتبين أن إطلاق اسم الشخص على الله فيه نزاع بين أهل الحديث من أصحاب الإمام أحمد وغيره على قولين، وعليه فلا حرج على المسلم في الأخذ بأحد القولين.
وأما المسألة الثانية: فلا يجوز أن يقال (شخص الله) لأن هذا تركيب حادث مبتدع، ليس في القرآن أو السنة ولم يؤثر عن السلف الصالح، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. رواه أحمد. وإنما يستعمل هذا التركيب النصارى فيقولون في مواعظهم (التأمل في شخص الله) (الثقة في شخص الله) ونحو ذلك، ثم إن هذا التركيب قد يوهم التشبيه والتجسيم فإن الشخص في اللغة كما يقول صاحب لسان العرب: الشخص كل جسم له ارتفاع وظهور فيتعين المنع من هذا التركيب درءا لتلك المفاسد.
وأما المسألة الثالثة: فمن أهل العلم من أنكر أن يقال الذات الإلهية، لأن هذا أيضاً من التراكيب الحادثة، وقد نقل الإمام ابن القيم عن الإمام السهيلي قوله: أما الذات فقد استهوى أكثر الناس ولا سيما المتكلمين القول فيها أنها في معنى النفس والحقيقة. ويقولون ذات الباري هي نفسه ويعبرون بها عن وجوده وحقيقته ويحتجون في إطلاق ذلك بقوله في قصة إبراهيم ثلاث كذبات كلهن في ذات الله. رواه البخاري ومسلم، وقول خبيب: وذلك في ذات الإله. قال: وليست هذه اللفظة إذا استقريتها في اللغة والشريعة كما زعموا ولو كان كذلك لجاز أن يقال عند ذات الله واحذر ذات الله كما قال تعالى ويحذركم الله نفسه، وذلك غير مسموع ولا يقال إلا بحرف في الجارة وحرف في للوعاء وهو معنى مستحيل على نفس الباري تعالى إذا قلت جاهدت في الله تعالى وأحببتك في الله تعالى محال أن يكون هذا اللفظ حقيقة لما يدل عليه هذا الحرف من معنى الوعاء وإنما هو على حذف المضاف أي في مرضاة الله وطاعته فيكون الحرف على بابه كأنك قلت هذا محبوب في الأعمال التي فيها مرضاة الله وطاعته وأما أن تدع اللفظ على ظاهرة فمحال. ثم علق على ذلك الإمام ابن القيم بقوله: فتأمل ذلك فإنه من المباحث العزيزة الغريبة التي يثنى على مثلها الخناصر والله الموفق والمعين.
وقال شيخ الإسلام: الذات هي كلمة مولدة، ليست قديمة وقد وجدت في كلام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لكن بمعنى آخر مثل قول خبيب الذي في صحيح البخاري (ص342) ، وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات كلهن في ذات الله. وعن أبي ذر: كلنا أحمق في ذات الله. وفي قول بعضهم: أصبنا في ذات الله. والمعنى في جهة الله وناحيته؛ أي لأجل الله ولابتغاء وجهه، ليس المراد بذلك النفس، ونحوه في القرآن: فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ. وقوله: عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. أي الخصلة والجهة التي هي صاحبة بينكم وعليم بالخواطر ونحوها التي هي صاحبة الصدور، فاسم (الذات) في كلام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والعربية المحضة: بهذا المعنى. ثم أطلقه المتكلمون وغيرهم على النفس.
وقال الشيخ محمد حسن الددو: لفظ ذات إنما جاء إطلاقه على مقابل الصفة في العصور المتأخرة، وإن كان بعض أئمتنا يطلقه لكنه إنما يقصد بذلك المجاراة وأصبحت كلمة دارجة في عرف الناس، والناس يقولون: خطأ مشهور خير من صواب مهجور، وهذه الخيرية نسبية، لأنها إذا كانت تقتضي إثباتاً أونفياً في مجال الاعتقاد فليست كذلك، لكن المقصود به الإفهام والمجاراة، فإذا كان الناس لا يعرفون مقابل الصفة إلا بالذات فإننا نقيس عليه هذه الكلمة، وإن كانت ليست في لغة العرب أصلاً، فليس في لغة العرب لفظ (ذات) تطلق على مقابل الصفة، وإنما هي من ألفاظ المتكلمين التي اندرجت بالعربية فأصبحت دارجة فيها، فهي من الكلام الدارج.
وعلى هذا فالأولى ترك استعمال هذا التركيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1428(1/865)
أسماء الله الحسنى لا تنحصر بعدد معين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإجابة بارك الله فيكم ونصر بكم الإسلام
قام أستاذ كبير من جامعة الملك خالد بالبحث عن الأسماء الحسنى الواردة في الكتاب والسنة وقال إن الوارد في القرءان والسنة 99 اسم فقط لكن الله تعالى استأثر بعلم باقي الأسماء بمعنى أن أسماء الله أكثر من 99 لكن ما علمه الله لنا 99 فقط، لكن عارضه بعض الناس وقالوا إنه خالف ما تلقته الأمة بالقبول (حديث الترمذي) ، وأنه نفى ما أقره العلماء قبله وأنه بذلك خارج عن علماء الأمة، فالسؤال الأول في هذا الأمر:
هل هذا البحث جديد على الأمة الإسلامية؟ وهل الباحث الدكتور مبتدع وزائغ وخارج عن علماء الأمة؟؟
وقد اشترط الباحث 5 شروط:1-علمية الاسم 2- النص عليه في القرآن أو صحيح الحديث فلا يكون مشتقا عن أفعاله وصفاته 3- دلالته على الكمال المطلق بنفسه لا بالإضافة 4- أن يكون دالا على صفة فلا يدخل في الأسماء الحسنى الأسماء الجامدة التي لا تدل على صفة كالدهر مثلا.
والسؤال الثاني هو:
هل هذه الشروط بدعة؟؟
السؤال الثالث هل نشر مثل هذه الأبحاث وترجمتها من قبيل إثارة الفتن؟؟
أعتذر عن إدخال أكثر من سؤال لكني فعلت ذلك لترابط الموضوع، بارك الله فيكم ومعذرة على إثقالنا عليكم.
ملحوظة لهذه الدراسة موقع:
www.asmaullah.com]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس من اختصاص الموقع التعقيب على البحوث العلمية ولا تقويمها.
ولكنا نفيدك أن أسماء الله ليست محصورة، وقد استأثر الله تعالى بعلم بعضها فلم يعلمه للناس؛ ولكنه علم الخلق من أسمائه ما يفوق التسعة والتسعين اسما، فعلمهم أسماء في القرآن وفي غيره.
كما يدل له حديث المسند حيث ثبت فيه تعليم الله لعباده أسماء ليست في القرآن، مع أن الأسماء التي في القرآن بالنظر لمجموع ما عده الشيوخ كالحافظ الحكمي وابن عثيمين والقحطاني وغيرهم فإنه يوجد في القرآن أكثر من تسعة وتسعين اسما.
ونص حديث المسند هو: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ...
وأما الشروط التي ذكرها الباحث فلا تبعد من الصحة عند من يقول بأن أسماء الله تعالى توقيفية، وهذا هو القول الراجح عندنا فيها، إلا أن اسم الجلالة اختلف فيه هل هو علم غير مشتق أو هو مشتق من الألوهية؟ وقد فصل الكلام عليه كل من القرطبي والبيضاوي في تفسيريهما.
واختلف في الأسماء المضافة وسنحيلك على فتاوى تبين الراجح فيها. وبناء على هذا فإنه لا يبدع بها، وأما حديث الترمذي فهو ضعيف على الراجح.
وأما نشر البحوث العلمية.. فالأصل فيه أن الباحث يحقق فيما يؤلفه ولا ينشره قبل التأكد من صحته ثم ينشره بعد ذلك.
وبما أن العصمة ليست لأحد بعد الرسل، وأنه لا يوجد كتاب سالم من الأخطاء؛ إلا كتاب الله كما قال تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً {النساء: 82} فيتعين على طلاب العلم أن ينظروا في البحوث العلمية بإنصاف، ويعترفوا بما فيها من الفضل، وأن يبينوا رأيهم فيما يلاحظون بعد التاكد من الأمر بطريقة لينة حكيمة دون تجريح ولا تنقيص، وأما الموقع المذكور فلم نتمكن من فتحه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 49892، 34057، 30452، 53649، 31970، 63946، 28942، 26137، 12383.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1428(1/866)
أسماء الله تعالى في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في القرآن الكريم اسم لله جل وعلا، وقد تكرر ست مرات وهو (ذو الفضل العظيم) ولم يذكر مع أسمائه الحسنى السؤال لماذا لم يذكر؟
السؤال الثاني ماذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عن صفات اسم الله الأعظم؟
أسأل المولى أن يهدي قلبي وقلوب إخوتي إلى الرشد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأسماء الله عز وجل توقيفية بمعنى أنها لا تتلقى إلا من الوحي، ولا يسمى الله عز وجل إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، والأسماء الواردة في النصوص منها ما ورد بصيغة الاسم المفرد مثل الله والرحمن والرحيم ونحو ذلك، وهذا لا خلاف بين العلماء في عده من أسماء الله تعالى، ومنها ما ورد بصيغة الإضافة مثل خير الغافرين، وأحسن الخالقين، ونحو ذلك، فهذا النوع من العلماء من يعده من أسماء الله تعالى، ومنهم من يقتصر على النوع الأول، والذين يعدون هذا النوع أعني الثاني منهم المقل ومنهم المكثر، وهذا الاسم وهو ذو الفضل قد عده جماعة من العلماء في أسماء الله تعالى، منهم البيهقي والخطابي وابن العربي والقرطبي وجماعة.
واما اسم الله الأعظم فقد اختلف أهل العلم في تحديده، وقد بينا كلامهم في الفتوى رقم: 27323، فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1428(1/867)
لا يوصف الله بالتقصير في حق عباده
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أرد الله به خيرا سلط الله عليه من يظلمه؟ ونسخ الله الحديث وقال الله جل جلاله يا عبدي حرمت الظلم على نفسي وجعلته حراما بينكم فلا تظالموا. ذلك بأن في الحديث الأول الذي لرسول الله ,ص؛ جعل الظلم حلالا من حيث إذ أراد الله بعبده الخير أباح الظلم من حيث الظالم يظلم بمشيئة الله في هذه الحالة يزبااله الظالم والمظلوم ويكون الله قد قصر في حق عبده ولذلك يكون الحديث القدسي أتى ناسخا لحديث رسول الله ,ص، ولكن في الحققة إذ أراد الله بعبده خيرا إبتله وتصلت عليه من يظلمه.؟ وفي هذه الحالة يكون الله ابتلى عبده وما زال الظلم حراما. من حيث الله يكون ابتلى عبده وابتلى بعبده عباده من حيث الذي يبتليه الله على العباد بأن يعينوه لا أن يظلموه. بأن العبد الذي ابتلاه الله لا حول ولا قوة له إلا بالله وكيف يكون حاله إذ زاده العباد بلاء عن بلاء بظلمهم له. ولكن في حالة أن العبد أعان أخاه الذي ابتلاه الله يكون قد فاز برضى ربه وإذا ظلمه يكون فاز بسخط ربه بأن الله حرم الظلم ولم يجعله حلالا وإذ جعله حلاال يكون قد أحل السيئة وقصر في حق عباده من حيث إذ سلط الله من يظلم عبده يكون شريكا في السيئة بأن الظلم وقع بمشيئته والله أعلم بأن الحق هو الحق والبطل هو الباطل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما قولك: "من أرد الله به خيرا سلط الله عليه من يظلمه"، فلم نقف على من نسبه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإنما المعروف أنه كلام منسوب إلى فضيل بن عياض ولفظه هو: إذا أراد الله عز وجل أن يحب العبد سلط عليه من يظلمه.
ثم اعلم أن الله تعالى لم يجعل الظلم حلالا، حاشاه سبحانه وتعالى، فقد قال تعالى: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ {فصلت: 46} ، وقال: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً {الكهف: 49} . وقال في الحديث القدسي الذي أوردت أنت جزءا منه: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. رواه مسلم.
ثم حاشى لله أن يوصف بالتقصير في حق عباده، وإنما يبتلي خلقا منهم لحكم كثيرة يعلمها هو جلت قدرته. وكنا قد بينا طرفا منها، ولك أن تراجع فيها فتوانا رقم: 13270.
واعلم أنه ليس من شأن المؤمن أن يعترض على الله تعالى في شيء من أفعاله؛ لأن الله هو العلي الخبير، وهو المالك لجميع من في الكون، وهو المدبر له، وهو الأدرى بمصالحه ... ، فأبعد نفسك عن هذه الفلسفات والسفسطات، فإنها لا تفيد شيئا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(1/868)
حكم إطلاق اسم الرزاق على المخلوق
[السُّؤَالُ]
ـ[في مجتمعنا كل من يحمل اسم "عبد الرزاق" ينادونه ب:"رزاق"طبعا بدون أداة التعريف. فهل لا شيء على هذه المناداة من الناحية الدينية؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرزاق اسم من أسماء الله الحسنى كما ورد في الأحاديث الشريفة. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة. ورواه الترمذي، وزاد تعيين الأسماء كالتالي: هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق ... إلى آخر الحديث.
واختلف العلماء في صحة رواية الترمذي فبعضهم صححها وبعضهم ضعفها، وبعضهم قال: إنها مدرجة من بعض الرواة.
وسواء قلنا بصحة تلك الرواية أو بضعفها.. فإن الرزاق اسم من أسمائه تعالى كما بين ذلك أهل العلم؛ لقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ {الذاريات: 58} .
وتسمية الإنسان بأسماء الله تعالى المختصة به غاية في الحرمة، قال ابن القيم في تحفة المودود: فلا يجوز التسيمة بالأحد والصمد، ولا بالخالق والرزاق، وكذا سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالى.
وعليه، فلا يجوز أن يناديك الناس ب::"رزاق" ولو كان بدون أداة التعريف؛ لأنها صيغة مبالغة من رزق، فهي -إذن- صفة من صفات الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1427(1/869)
عقاب الله للعاصي لا ينافي الشرع والعقل
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت في قناة الحياة المسيحية رجلا يتکلم ويقول إن المسلمين أخرجو بعض أسماء الله الحسني من قائمة الأسماء مثل: المعز والمذل و ... لعدم وجود دليل من القرآن والسنه يثبت وجودها، وقد اعترض هذا الرجل علي بعض الأسماء الموجوده کالمنتقم وقال بأنها لا تليق بالله سبحانه فما قولکم؟
وجزاکم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكلمنا في الفتوى رقم: 49892، على تفصيل القول في اسم الله المنتقم، وبينا أنه ليس من الأسماء الثابتة، وأما انتقام الله ممن عصاه وعقوبته له فهو أمر ثابت، ويدل له قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ {السجدة: 22} فعقاب الله للعصاة مما يليق بالله تعالى ولا ينفيه شرع ولا عقل، وراجع في المعز والمذل الفتوى رقم: 70802، وراجع الفتوى رقم: 72520، والفتوى رقم: 60321.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1427(1/870)
نسبة السمع لله يراد بها معنيان
[السُّؤَالُ]
ـ[سمع الله سبحانه وتعالى نوعان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسمع صفة ثابتة لله تعالى على ما يليق بكماله وجلاله، لا يشابه سمعه سمع المخلوقين، كما قال عز من قائل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11} ، ولكن قد يرد لفظ (سمع) في النصوص من القرآن والسنة منسوباً إلى الله تعالى بمعنيين: الأول: إدارك الأصوات، ومنه قوله تعالى: لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء {آل عمران:181} ، وقوله تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم {الزخرف:80} ، وقوله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى {طه:46} .
الثاني: الإجابة والقبول، ومنه قوله تعالى حاكيا قول الخليل إبراهيم عليه السلام في آخر دعائه: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء {إبراهيم:39} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع. أي لا يستجاب له، رواه أبو داود، وقول المصلي: سمع الله لمن حمده، أي استجاب الله دعاء من حمده، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 55011.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1427(1/871)
من خصائص لفظ الجلالة ((الله))
[السُّؤَالُ]
ـ[تميز اسم الله جل جلاله بخصائص ماهي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فلفظ الجلالة علم الذات " الله " قد تميز عن غيره من أسماء الله سبحانه وتعالى بخصائص كثيرة ومنها كونه (علم على الذات العلية الواجبة الوجود المستحقة لجميع المحامد، أنزله على آدم في جملة الأسماء وهو أشهر أسمائه، ولهذا تأتي بعده أوصافا له، وقد قبض الله تعالى عنه الألسن فلم يسم به سواه عز وجل. قال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا {مريم:65} أي هل تعلم أحدا تسمى الله استفهاما بمعنى النفي، وقد ذكر في القرآن الكريم ألفين وثلاث مائة وستين مرة. وهو أعرف المعارف وأتمها. نقلا عن مقدمة الإتقان والأحكام بتصرف.
ومن خصائصه أيضا كونه اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى فالراجح من أقوال العلماء - والله أعلم- أن اسم الله الأعظم هو "الله" وذلك لثبوته في أغلب الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان الاسم الأعظم،، وممن صرح بأن اسم الله الأعظم هو "الله" الخطيب الشربيني -رحمه الله- حيث قال في شرحه لمتن الإقناع لأبي شجاع: وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم، وقد ذكر في القرآن العزيز في ألفين وثلاثمائة وستين موضعاً. انتهى
وقال ابن عابدين في رد المحتار: وروى هشام عن محمد عن أبي حنيفة أنه اسم الله الأعظم، وبه قال الطحاوي وكثير من العلماء. انتهى
ومن خصائصه أنه أبر أسماء الله تعالى وأجمعها، قال القرطبي: الله: هذا الاسم أبر أسمائه سبحانه وأجمعها. وقال ابن كثير: الله: علم على الرب تبارك وتعالى، وقال في المقصد الأسنى 1/61: واسم الله أعظم أسماء الله التسعة والتسعين.
- لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الإلهية كلها، بينما سائر الأسماء لا يدل آحادها إلا على آحاد المعاني من علم وقدرة أو فعل أو غيره.
- لأنه أخص الأسماء إذ لا يطلقه أحدُ على غيره لا حقيقة ولا مجازاً، وسائر الأسماء قد يسمى بها غيره كالقادر والعليم والرحيم وغيره.
- ولأن معاني سائر الأسماء يتصور أن يتصف العبد بشيء منها كالرحيم والعليم والحليم والصبور والشكور وغيره، وإن كان إطلاق الاسم عليه على وجه آخر يباين إطلاقه على الله عز وجل، وأما معنى هذا الأسم فخاص خصوصاً لا تتصور فيه مشاركة لا بالمجاز ولا بالحقيقة.
- ولأجل هذه الخصوصية توصف سائر الأسماء بأنها اسم الله عز وجل فيقال الصبور والشكور والملك والبار من أسماء الله، ولا يقال الله من أسماء الصبور والشكور لأن ذلك من حيث هو أدل على كنه المعاني الإلهية وأخص بها، فكان أشهر وأظهر فاستغني عن التعريف بغيره وعرف غيره بالإضافة إليه. انتهى
وهذه جملة من خصائص هذا الاسم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1427(1/872)
(النافع، الضار، المعز، المذل، المقسط) ليست من أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل (النافع، الضار، المعز، المذل، المقسط) من أسماء الله الحسنى؟، والأدلة، وهل يوجد نص حديث صحيح جمعها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد تسمية الله سبحانه وتعالى بالأسماء المشار إليها في السؤال في حديث رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة، هو الله....... المعز المذل ... المقسط.... الضار النافع.... الحديث. وقد اختلف العلماء في سند هذا الحديث بين مصحح ومضعف، كما في الفتوى رقم: 12383.
ومن المعلوم أن أسماء الله تعالى توقيفية, بمعنى أن الله لا يسمى إلا بما سمى به نفسه في كتابه، أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، ولا نعلم دليلاً من الكتاب أو حديثا صحيحاً من السنة بإثبات الأسماء المشار إليها.
نعم ورد في كتاب الله تعالى الإخبار بإنه يعز من يشاء ويذل من يشاء وأنه عز وجل إن يمسس عبده بضر فلا كاشف له إلا الله, وإن يمسسه بخير فلا راد لفضله.
ولكن الإخبار لا يؤخذ منه اسم، فقد أخبر تعالى عن نفسه أنه يستهزئ بالمنافقين، فقال: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ {البقرة:15} ، ولا يشتق لله اسم من هذا الإخبار، وانظر الفتوى المشار إليها سابقاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1426(1/873)
المعية العامة والخاصة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي معية الله وأنواعها مع الاستدلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعية نوعان: معية بالعلم والإحاطة وهي عامة لجميع الخلق، وإياها عني بقوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ {الحديد:4} ،
ومعية بالنصر والرعاية والإعانة، وهي خاصة بالمؤمنين المتمسكين بالدين، وهي التي عني بقوله تعالى: إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ {النحل:128} ، وبقوله تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} ، وراجع الفتوى رقم: 6707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1426(1/874)
لا مجال للرأي في اسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[إني قرأت مقالة في جريدة الأهرام تفيد بأن أسماء الله الحسنى التي نعرفها جميعا لم يرد بها نص صريح وصحيح من النبي وأن الوليد بن مسلم عندما ذكر حديث النبي إن الله له 99 اسما كان يذكر معها الأسماء التي نعرفها ولكنها كانت من اجتهاده ووصلت للناس على أساس أنها نص من النبي وأفاد بأن الاسم لابد أن يذكر اسما كما هو سواء في القرآن أوأحاديث صحيحة ولا يجوز أن نستنبط من الفعل أما مثل يعز لا نجعلها المعز وهكذا. فأفيدوني أثابكم الله هل من المعقول بعد هذه السنين يقال لنا ذلك ولماذا تكتب في هذا التوقيت للأسف الشديد أنها تجعل الناس تشك في أحاديث كثيرة فإني أتمني أن يعمل كتاب واحد به نص الأحاديث الصحيحة ويتم نشره بقوة لجميع الناس حتي لا نضع مجالا للتشكيك مثل القرآن الكريم خاصة أن أحد زملائي قال لي بالحرف الواحد تخيل أن حديث إن رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النيران الذي نسمعه كل سنة في الراديو والتليفزيون وفي المساجد حديث ضعيف وقال لي إنه قرأها ومتأكد من ذلك فهل علماؤنا لا يعلمون ذلك وزميلي المجتهد يعلم ذلك فلماذا لم يصل لنا الأشياء الصحيحة فقط فإني حزين أن يكون الأشياء الأكثر شيوعا تكون ضعيفة رجاء عمل هذا الكتاب وأفيدوني هل هذه المقالة سليمة أم لا وخاصة أنه أقنعني بأن لفظ الضار لا يصح أن يكون من أسماء الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الذي ورد فيه سرد الأسماء الحسنى سبق أن بينا الكلام عليه في الفتوى رقم: 49892، والفتوى رقم: 50733، كما بينا أن أسماء الله توقيفية في الفتوى رقم: 6057، وراجع في حديث رمضان وفي موضوع الأحاديث الصحيحة الفتوى رقم: 25773، والفتوى رقم: 69275، والكلام في هذين الحديثين وغيرهما ليس جديداً بل المتكلم إنما ينقل كلام أهل العلم القدامى.
هذا وليعلم أنه لا داعي للحزن من كثرة سماعك للأحاديث الضعيفة ممن يذكرونها، فإن الحديث الضعيف تجوز حكايته إذا كان في فضائل الأعمال مع شروط بينها أهل العلم، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أقارمها: 16194 // 41058 // 19826 // 13202.
هذا وننصحك بدراسة العلم الشرعي وكثرة المطالعة في كتب السنة وسؤال الله أن يهديك للحق في كل ما اختلف فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1426(1/875)
كلام الله تعالى في كتابه عن نفسه بصيغة الجمع
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا سؤال يكرره العديد من المسلمين الجدد: لماذا الله عز وجل عندما يصف نفسه يصفها بصيغة الجمع وليس بالمفرد في كتابه الكريم. ... ... ... ... ... ... ... ... ...
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع للإجابة على هذا السؤال الفتوى رقم: 20024.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1426(1/876)
عجز الله سبحانه غير ممكن بالذات
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لي حديث مع ملحد حول وجود الله وعظمته وقدرته فسألني سؤالا عجزت معه عن الإجابة قال:\"إذا كان الله على كل شىءٍ قديرا فهل يقدر أن يخلق صخرة عظيمة يعجز حتى هو سبحانه عن رفعها؟ \"
فكيف يمكن الإجابة عن سؤاله؟ جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عن سؤالك نقول لك أولاً: إنه من الخير لك الابتعاد عن مصاحبة أصدقاء السوء والنقاش معهم، لأن في ذلك خطرا عظيما، وبلاء كبيرا يعرض الإنسان لأنواع من المفاسد في دينه ودنياه. ولك أن تراجع فيما يمكن أن يجلبه ذلك من المفاسد فتوانا رقم: 20995. وأما الذي سألت عنه حول قدرة الله وعظمته، فإن الله تعالى قادر على كل شيء، ولا يماري في ذلك إلا مكابر.
ولا شك أن من أبدع السماوات والأرض وما فيهن قادر على خلق صخرة على أي حجم أو وزن كانت. وأما أن يخلق الله سبحانه ما يعجز هو نفسه عن رفعه، فهذا من المستحيل، لأن العجز يتنافى مع القدرة.
وعجزه سبحانه وتعالى غير ممكن بالذات، والمقصود من عموم قدرته هو شمولها لكل أَمر ممكن دون الممتنع بالذات، فلا تتعلق القدرة الإلهية به أَبدا، لا لقصور في الفاعل بل لقصور في المورد.
وهذا القدر كاف في الرد على من له أدنى قدر من الذكاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1426(1/877)
الصفة اللازمة والصفة المتعدية
[السُّؤَالُ]
ـ[كل اسم من أسماء الله الحسنى يدل على ذاته وعلى صفة من صفاته، سؤالي هو: ما الصفة اللازمة والصفة المتعدية في أسماء الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصفة اللازمة الصفة القائمة بالله عز وجل كالحياة وهي غير الصفة المتعدية وهي الصفة الفعلية التي يفعلها الله متى شاء كالخلق والكلام ونحو ذلك، فالله متصف بالخلق والكلام إلا أنه يخلق ويتكلم متى شاء فهذه الصفة تسمى الصفات الفعلية، وأما الحياة والعلم فصفات ذاتية لا تجدد فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1426(1/878)
تفسير آيتين
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك سؤالان منذ فترة وأنا أفكر بهما وأحاول إيجاد تفسيرات لهما وهما عبارة عن آيتين أتمنى أن توضحوا لي تفسيرهما:
أولا: في كثير من الآيات نجد عبارة (جنة عرضها السموات والأرض) ونحن نعرف أن الأرض لا تساوي شيئا بالنسبة إلى السموات السبع، فلماذا كان الجمع بين السموات والأرض
ثانيا: (اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) ما المقصود بكلمة ننساهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وصف الله سبحانه وتعالى عرض جنته التي أعدت للمتقين فقال: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ {الحديد 21} ومعنى ذلك أن عرض الجنة كعرض السموات والأرضين إذا ضم بعضها إلى بعض، كما قال ابن جرير الطبري، ونقله عن السدي وعن ابن عباس قال: ولا يعلم طولها إلا الله، ووصف عرضها بالسموات والأرض تشبيها في السعة والعظم.
قال القرطبي: فلما كانت الجنة في الاتساع والانفساح في غاية قصوى حسنت العبارة عنها بعرض السموات والأرض، وليس المقصود تحديد العرض وإنما أراد بذلك ضرب المثل بأوسع ما رأيتموه. انتهى. منه بتصرف قليل.
فضرب سبحانه بذلك مثلا بما هو مشاهد من المخلوقات العظيمة، والسموات والأرض هي أعظم ما نشاهده من مخلوقات الله في هذا الكون وإلا، فهنا لك ما هو أعظم منها كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما السموات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدرهم ألقي في فلاة من الأرض، وما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض.
فتلك مخلوقات أعظم بكثير من السموات والأرض، ولكن الله سبحانه وتعالى ضرب المثل بما هو مشاهد لتقريب الصورة والمعنى في الذهن كما ضرب المثل لنوره بالمثل في قوله: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ {النور:34} وذلك هو ما أخذه أبو تمام فقال:
لا تعجبوا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراس
وليس في ذلك تعارض فالآية جمعت بين عرض السموات والأرض، والمعنى أن الجنة عرضها كعرضهما مجتمعين مع بعضهما، فمحل الإشكال في ذلك غير وارد وإنما يكون لو ضرب المثل لعرض الجنة بالسموات في آية ثم ضرب لعرضها بالأرضين في آية أخرى، ولكن ذلك لم يكن كما بينا.
أما الآية الثانية وهي قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا {الأعراف: 51} فمعناها نتركهم في النار وننساهم في العذاب كما تركوا لقاء يومهم هذا، فلم يعملوا له كما نقل ابن جرير الطبري عن مجاهد، وهذا من باب المشاكلة في اللفظ وهو واقع في لغة العرب، ومنه قول أبي الرقعمي
وجماعة نشطت لشرب مدامة * بعثوا رسولهم إلي خصوصا
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخة * قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
فأولئك القوم لما نسوا عهد الله ولقاءه ولم يعدوا لذلك عدته عاملهم الله سبحانه وتعالى بمثل عملهم فنسيهم في العذاب وتركهم فيه والجزاء من جنس العمل، ولا يطلق النسيان على الله سبحانه وتعالى مطلقا وإنما في تلك الصيغة التي ذكر، ومثله في الكيد والمكر كما في قوله: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا {الطارق: 15-16}
ونحو ذلك من الألفاظ التي لا تدل على المدح والكمال بإطلاق، كما ذكر العلماء وهو مبحث في باب الأسماء والصفات، وانظر الفتوى رقم: 59862 والفتوى رقم: 43955 ففيهما زيادة توضيح لذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1426(1/879)
الفرق بين مكر الله تعالى ومكر غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى" ومكروا ومكر الله" فما الفرق بين مكرهم ومكر الله سبحانه وتعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من الفروق بين مكر الله ومكر هؤلاء أن مكر الله صفة مدح في حقه سبحانه وتعالى وذلك أنه بكمال علمه وقدرته وحسن تدبيره لا ينطلي عليه خداع ومكر الماكرين ولا تخفى عليه حيلهم وأكاذيبهم وهو سبحانه وتعالى قادر على إيقاع البأس بهم من حيث لا يشعرون، وعلى إفشال خططهم التي دبروها، وقد ذكر ابن القيم في إغاثة اللهفان عند كلامه على كيد الله ليوسف في أخذ أخيه أن الله سبحانه نسب ذلك الكيد لنفسه بقوله: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ {يوسف: 76} . قال بن القيم: وهو سبحانه ينسب إلى نفسه أحسن هذه المعاني وما هو منها حكمة وصواب وجزاء للمسيء وذلك غاية العدل والحق كقوله: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً *وَأَكِيدُ كَيْداً. وقوله: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ. وقوله: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. وقوله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ. وقوله: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ، فهذا منه سبحانه في أعلى مراتب الحسن وإن كان من العبد قبيحا سيئا لأنه ظالم فيه وموقعه بمن لا يستحقه، والرب تعالى عادل فيه موقعه بأهله ومن يستحقه.. وراجع للزيادة في الموضوع الفتوى رقم: 59862. وراجع تفسير الطبري وابن كثير عند قوله تعالى: الله يستهزئ بهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1426(1/880)
صفات الله كما وردت في كتاب الله عز وجل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السادة الكرام في موقع الشبكة الإسلامية
أشكركم جزيل الشكر على موقعكم الطيب ويطيب لي إحاطتكم علما بأنني حاليا أحضر رسالة الدكتوراه في الترجمة بعنوان \"المشاكل المصاحبة لترجمة أسماء الله الحسنى من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية\" وإن لي بعضا من الاستفسارات التي أرجو أن تردوا عليها ووفقكم الله لما يحبه ويرضاه، ما هو الفرق بين أسماء الله الحسنى وصفاته، ما هو تعريف كل منهما، ما هي أسماء الله الحسنى التي ذكرت في القرآن الكريم، ما هي صفات الله التي ذكرت في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 28942 الفرق بين أسماء الله وصفاته، كما بينا في الفتوى رقم: 12383 الأسماء الواردة في القرآن العظيم لله سبحانه وتعالى.
وأما الصفات الواردة في كتاب الله سبحانه وتعالى فنقول: كل اسم من تلك الأسماء المذكورة يتضمن من صفات الكمال ما يدل عليه، وقد يتضمن الاسم صفة واحدة، وقد يتضمن أكثر من صفة بحسب ما يدل عليه من ذلك، مثل صفة الأحد فهي تدل على الكمال المطلق؛ كما تدل على نفي صفة الولادة والتولد، وإن ورد ذلك في آية أخرى وهي قوله في سورة الإخلاص: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {الإخلاص:3} ، وقوله في سورة الجن: مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا {الجن:3} ، وغيرها.
وأما غير تلك الصفات المشتقة من الأسماء فمنها بعض الصفات المتعلقة بالذات، مثل صفة الوجه كما في قوله تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ {الرحمن:27} ، وصفة اليدين كما في قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ {المائدة:64} , وصفة العين كما في قوله تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي {طه:39} ، وصفة النفس كما في قوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ {الأنعام:54} ، وصفة الكلام كما في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا {النساء:164} ، وهذه الصفة من الصفات الفعلية أيضاً، وصفة المعية كما في قوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ {الحديد:4} .
وأما الصفات الفعلية التي لم تشتق من الأسماء فهي صفة الاستواء كما في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {طه:5} ، وصفة المجيء كما في قوله تعالى: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا {الفجر:22} ، وقوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ {البقرة:210} ، وصفة الرضا كما في قوله تعالى: رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ {المائدة:119} ، وصفة المحبة كما في قوله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ {المائدة:54} ، وصفة الغضب وصفة اللعن كما في قوله تعالى: وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ {النساء:93} ، وقوله تعالى: وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا {النساء:52} ، وقوله تعالى: يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {البقرة:159} ، وصفة السخط كما في قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ {محمد:28} ، وصفة العجب كما في قوله تعالى: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ {الصافات:12} ، على قراءة ضم التاء، وصفة الكره كما في قوله تعالى: وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ {التوبة:46} ، وصفة المحاربة كما في قوله تعالى: فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ {البقرة:279} .
وهنالك بعض الصفات التي ذكرت في القرآن ولكنها لا تطلق إلا في باب المقابلة كما قال أهل العلم، فقد أطلقها سبحانه وتعالى على نفسه على سبيل الجزاء والعدل والمقابلة، وهي فيما سيقت فيه مدح وكمال؛ ولكن لا يجوز أن يشتق لله منها أسماء ولا تطلق عليه في غير ما سيقت فيه من الآيات، مثل صفة المخادعة كما في قوله تعالى: يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ {النساء:142} ، وصفة المكر كما في قوله تعالى: وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ {آل عمران:54} ، وصفة النسيان كما في قوله تعالى: نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ {التوبة:67} ، وصفة الاستهزاء كما في قوله تعالى: وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ* اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ {البقرة:14-15} ، وصفة الكيد كما في قوله تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا* وَأَكِيدُ كَيْدًا {الطارق:15-16} ، وصفة السخرية كما في قوله تعالى: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ {التوبة:79} ، فتلك هي الصفات التي لم تشتق منها أسماء ولم تشتق هي من الأسماء المذكورة في الفتوى المحال إليها.
والخلاصة أن الصفات الواردة في كتاب الله منها ما اشتق من أسماء الله الواردة في القرآن وقد بينا تلك الأسماء مثل (الله) يتضمن صفة الألوهية و (الرب) يتضمن صفة الربوبية و (السميع) يتضمن صفة السمع و (العليم) يتضمن صفة العلم، وهكذا في باقي الأسماء، وأما الصفات غير المشتقة من تلك الأسماء فقد ذكرناها بأدلتها.
وللاستزادة حول هذا الموضوع نرجو مراجعة الكتب التالية: كتاب (إبطال التأويلات لأخبار الصفات) للفراء، وكتاب (التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل) لابن خزيمة، وكتاب (الصفات الإلهية في الكتاب والسنة) للدكتور محمد أمان الجامي، وكتاب (النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى) للشيخ محمد الحمود، وكتاب (منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات) للشيخ محمد الأمين الشنقيطي.
ولا بد للباحث سيما في تلك المرحلة من الرجوع إلى كثير من المراجع ولا يكتفي بمصدر واحد أو اثنين، ولا بد له كذلك من الاستقصاء لأقوال أهل العلم ومناقشتها وبيان الراجح منها ودليل ذلك، فهي مرحلة الإبداع والتمييز وإثبات الذات، نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1426(1/881)
صفات الله تعالى ليست محلا للأحاجي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم اللغز هذا؟ ما هو الشيء الذي أنا أراه وأنت تراه وعين الله لا تراه؟ والجواب النوم، وهل يعتبر أننا ننقص الله عز وجل؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا اللغز وإن أمكن حمله على معنى صحيح وهو أن كل إنسان ينام وعين الله لا تنام لقوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ {البقرة: 255} .فإن ظاهر اللفظ في ذلك اللغز يوهم ما لا يليق بذات الله عز وجل فلا يجوز التحاجي بمثل ذلك سدا للذريعة، وقد نها نا الله عن استعمال الألفاظ الموهمة التي تحمل معنى صحيحاً وتحمل معنى فاسداً فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ {البقرة:104} . كما نهى الله سبحانه وتعالى عن سب آلهة المشركين لئلا ينتقم المشركون ممن سب آلهتهم فيسبون ذات الله عز وجل كما في قوله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام: 108} . كما أنه لا يجوز أن تكون صفات الله وأسماؤه موضعا للأحاجي والنكات لما يوهم ذلك من تندر واستخفاف، ولأن ما وصف به نفسه سبحانه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه يقتضى التنزيه المطلق فيجب الحذر كل الحذر في هذا الجانب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1426(1/882)
التعبير عن الله تعالى بلفظ واجب الوجود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إطلاق (واجب الوجود) على ذات الله عز وجل، علما بأن هناك من العلماء من اعتبرها هي الأزلية فأجاز الإطلاق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواجب الوجود هو الذي يكون وجوده من ذاته ولا يحتاج إلي شيء أصلاً، وقد استخدم علماء أهل السنة هذا اللفظ في مباحثهم العقائدية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن الله تعالى الخالق قديم أزلي واجب الوجود بنفسه قيوم.
وقال أيضاً: فإنه واجب الوجود بنفسه قديم بذاته وصفاته لا يجوز عليه عدم شيء من صفاته فيمتنع في حقه الاستحالة والفساد.
وقال أيضاً: فإن واجب الوجود بنفسه لا يكون محتاجا إلى غيره. انتهى. من مجموع الفتاوى، قال الإمام البيهقي في كتاب الاعتقاد والهداية: وقيل في معنى القيوم إنه الدائم، وقال ويبقى وجه ربك فهو باق وله بقاء ومعنى وصفه بذلك أنه واجب الوجود فيما لا يزال. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1426(1/883)
عرش الرحمن واستواؤه تعالى عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف ما هوالعرش (عرش الرحمن) ؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دل الكتاب والسنة وإجماع السلف على أن العرش حق، وأن الله تعالى مستو عليه، وأنه أعلى المخلوقات وسقفها، وأنه مقبب وله قوائم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والكرسي فوق الأفلاك كلها، والعرش فوق الكرسي، ونسبة الأفلاك وما فيها بالنسبة إلى الكرسي كحلقة في فلاة، والحملة بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة، وأما العرش فإنه مقبب لما روي في السنن لأبي داود عن جبير بن مطعم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال يا رسول الله: جهدت الأنفس وجاع العيال.. وذكر الحديث، إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله على عرشه، وإن عرشه على سماواته، وأرضه هكذا، وقال بأصبعه مثل القبة. اهـ. بتصرف.
وقال في شرح الطحاوية: والعرش في اللغة عبارة عن السرير الذي للملك، كما قال تعالى عن بلقيس: وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وليس هو فلكا ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن إنما أنزل بلغة العرب، فهو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو كالقبة على العالم، وهو سقف المخلوقات. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1426(1/884)
بطلان تأويل حديث نزول الله بنزول الملك
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن الاستدلال بحديث النزول على الظاهر مع دلالة نزول الملائكة وجبريل عليه السلام في ليلة القدر مع ضرب المثل الأعلى لله عز وجل.. وهل ثلث الليل الأخير أفضل من ليلة القدر؟ أرجوالاهتمام بالرد لأن هذا يسبب إثارة في أن المذهب القائل بحديث النزول على الظاهر مع نفي الكيفية باطل وأن الحديث مؤول بنزول الملك كما في كتاب الإمام النسائي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على مثل هذا السؤال في الفتوى رقم: 58758. أما تأويل الحديث بنزول الملك فتحريف باطل، وهو قول للجهمية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن قلت الذي ينزل ملك قيل هذا باطل من وجوه منها: أن الملائكة لا تزال تنزل بالليل والنهار إلى الأرض؛ كما قال تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ {النحل: 2} . وقال تعالى: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ {مريم: 64} . وفي الصحيين عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي أنه قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ... الحديث. وكذلك ثبت عن أبي هريرة: إن لله ملائكة سياحين فضلاً يتتبعون مجالس الذكر.... الحديث. والوجه الثاني أنه قال فيه: من يسألني فأعطيه؟ ومن يدعوني فأستجيب له؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟ وهذه العبارة لا يجوز أن يقولها ملك عن الله، بل الذي يقول الملك ما ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال: إذا أحب الله العبد نادى جبريل إني أحب فلاناً فأحبه، فيجبه جبريل، ثم ينادي في السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. فالملك إذا نادى عن الله لا يتكلم بصيغة المخاطب بل يقول: إن الله أمر بكذا أو قال كذا. وهذا تأويل من التأويلات القديمة للجهمية فإنهم تأولوا تكليم الله لموسى بأنه أمر ملكاً فكلمه، فقال لهم أهل السنة: لو كلمه ملك لم يقل: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني، بل كان يقول كما قال المسيح: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم. فالملائكة رسل الله إلى الأنبياء تقول كما كان جبريل عليه السلام يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ {مريم: 64} . ويقول: إن الله يأمرك بكذا ويقول كذا، لا يمكن أن يقول ملك من الملائكة: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي {طه: 14} . ولا يقول: من يدعوني فأستجيب له ... . ولا يقول: لا يسأل من عبادي غيري. كما رواه النسائي وابن ماجة وغيرهما وسندهما صحيح أنه يقول: لا أسأل عن عبادي غيري. وهذا أيضا مما يبطل حجة بعض الناس، فإنه احتج بما رواه النسائي في بعض طرق الحديث (أنه يأمر منادياً فينادي) . فإن هذا إن كان ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الرب يقول ذلك ويأمر منادياً بذلك، لا أن المنادي يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن روى عن النبي أن المنادي يقول ذلك فقد علمنا أنه يكذب على رسول الله، فإنه مع أنه خلاف اللفظ المستفيض المتواتر الذي نقلته الأمة خلفاً عن سلف فاسد في المعقول فعلم أنه من كذب بعض المبتدعين كما روى بعضهم يُنزِل بالضم. اهـ. بتصرف.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 41473. أما قولك: كما في كتاب النسائي. فغير واضح، فهل المقصود رواية النسائي للحديث، فإن كان كذلك فقد سبق توجيه رواية النسائي في كلام ابن تيمية، وإن كان المقصود أن النسائي يؤول الحديث بنزول الملك فلم نجد للنسائي في كتبه المنشورة ما يفيد ذلك؛ بل المشهور عنه رحمه الله هو قول السلف في إثبات الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تشبيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1426(1/885)
أسماء الله الحسنى تقتضي آثارها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي خاطرة لا أعلم صحتها ولكنني أشعر بها من عدد من النصوص والآيات والغريب أنني أشعر فيها بأنها أساسية في عقيدة المسلم بل إنني أرى أن هذه الخاطرة هي المحور الأساسي الذي تدور حوله الحياة كلها ومع هذا لم أقرأها بصورة واضحة من قبل لذلك أحببت أن أستشير سيادتك في صحتها وهل سبق أن ذكرت في كتاب قرأته من قبل أو هل لديك شاهد وأدلة على صحتها, والخاطرة هي التالي: أن الله خلق الكون كله لكي يثبت أسماءه الحسنى: فخلق رجلا عزيزا لكي يثبت اسم المعز ورجلا ذليلا لكي يثبت اسم المذل ورجل مريضاً ليشفيه فيكون سبحانه هو الشافي ورجل مذنب لكي يتوب ويستغفر الله فيكون الله سبحانه هو التواب الغفور ويحدث زلازال وبراكين فيكون الله هو المنتقم الجبار ويميت رجلا ويحيي رجلا فيكون الله هو المحيي المميت وعلى هذا فإن كل ما في الكون من رخاء وفقر, من يسر وضيق هو كله لإثبات أسماء الله جل جلاله فما رأيكم في هذا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى ليس بحاجة إلى الخلق لكي يثبت أسماءه الحسنى وصفاته العلا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ولكنه أثبت لنفسه ما يستحق من صفات الكمال، ولم يستفد كمالا بأفعاله، بل له الكمال التام المطلق، وفعاله عن كماله بخلاف المخلوق الذي كماله عن فعاله. وأسماؤه الحسنى تقتضى آثارها وتستلزمها، فإن من أسمائه: الخلاق المقتضي لوجود الخلق. ومن أسمائه: الرزاق المقتضي لوجود الرزق. وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله فقال في كتابه مفتاح دار السعادة: فصل: ومنها أنه سبحانه له الأسماء الحسنى، ولكل اسم من أسمائه أثر من الآثار في الخلق والأمر لا بد من ترتبه عليه، كترتب المرزوق والرزق على الرازق، وترتب المرحوم وأسباب الرحمة على الراحم، وترتب المرئيات والمسموعات على السميع والبصير، ونظائر ذلك في جميع الأسماء. فلو لم يكن في عباده من يخطئ ويذنب ليتوب عليه ويغفر له ويعفو عنه لم يظهر أثر أسمائه الغفور والعفو والحليم والتواب وما جرى مجراها، وظهور أثر هذه الأسماء ومتعلقاتها في الخليقة كظهور آثار سائر الأسماء الحسنى ومتعلقاتها، فكما أن اسمه الخالق يقتضي مخلوقا، والبارئ يقتضي مبروا، والمصور يقتضي مصورا ولابد.... انتهى. فالله تعالى يعرف نفسه لعباده بأسمائه وصفات كماله ونعوت جلاله وأفعاله، وأنه واحد لا شريك له وما يتبع ذلك. قال العلامة السعدي في تفسيره عند قوله تعالى: قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ. لأن كلامكم بحسب ما ظننتم، وأنا أعلم بالظواهر والسرائر، وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذه الخليقة أضعاف أضعاف مافي ضمن ذلك من الشر، فلو لم يكن في ذلك إلا أن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ولتظهر آياته للخلق ... اهـ. ولمزيد فائدة راجع الفتويين: 31970، 27018.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1426(1/886)
نزول الله تعالى يليق بجلاله وعظمته
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن الاستدلال لحديث النزول على الظاهر مع دلالة نزول الملائكة وجبريل عليه السلام فى ليلة القدر مع ضرب المثل الأعلى لله عز وجل.. وهل ثلث الليل الأخير أفضل من ليلة القدر؟ أرجو الرد.
ولسيادتكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل، قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى: 11} .
وراجع الفتوى رقم: 19144.
وحديث النزول ثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له.
قال ابن تيمية: وليس لله صفة يماثله فيها غيره، فلهذا لم يجز أن يستعمل في حقه قياس التمثيل ولا قياس الشمول الذي تستوي أفراده، فإن ذلك شرك إذا سوي فيه بالمخلوق بل قياس الأولى، فإنه سبحانه له المثل الأعلى في السموات والأرض فهو أحق من غيره بصفات الكمال وأحق من غيره بالتنزيه عن صفات النقص. اهـ
وراجع الفتوى رقم: 35614.
أما الثلث الأخير من الليل فهو أفضل وقت في الليلة طيلة العام، ومنها ليلة القدر، لنزول الله تعالى في ذلك الوقت وتفضله على عباده بالإجابة والعطاء والمغفرة، وأما ليلة القدر فخير ليالي العام عموماً، فلا تعارض بينهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1425(1/887)
هل المبدع من أسماء الله الحسنى أو صفاته العليا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المبدع من أسماء الله أم من صفات الله؟ أرجو التوضيح لأنه وقع خلاف بيني وبين أخت فاضلة على اسم عضو في المنتدى الإسلامى يلقب نفسه بـ \"المبدع\".. فقلت لها لا يجوز التسمي بأسماء الله مطلقة ومعرفة بـ\"أل\"على أن المبدع من أسماء الله.. فردت أنه ليس من الأسماء لأن أسماء الله توقيفية؟ فقلت لها إذن هو من الصفات فلا يجوز أيضاً فقالت لي ماهو الدليل على أنه من الصفات؟ أرجو الإجابة، ومنكم نستفيد إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن (المبدع) ليس اسماً من أسماء الله تعالى ولا صفة من صفاته لعدم وروده في الكتاب أو السنة لأن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية ولا سبيل إلى معرفتها بالعقل، قال العلامة ابن عثيمين: صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها فلا نثبت لله تعالى إلا ما دل الكتاب والسنة على ثبوته، وقال الإمام أحمد: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث. وقال في موضع آخر: أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها فلا يزاد فيها ولا ينقص لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله تعالى من الأسماء. اهـ. ولكن من صفات الله الواردة في الكتاب والسنة بديع السماوات والأرض، قال ابن جرير رحمه الله: أي مبدعها، ومعنى المبدع المنشىء والمحدث مالم يسبقه إلى إنشاء مثله أو إحداثه أحد. أهـ. وقد عد بعض العلماء من أسماء الله البديع ولكنه مردود كما نبه عليه غير واحد لوروده في النص مقيدا، وعليه فيجوز إطلاق لقب المبدع على أي شخص ما دام ليس اسماً ولا صفة لله، وللمزيد راجعي الفتوى: 12383، وننصحك بمراجعة كتاب (القواعد المثلى) للعلامة محمد بن عثيمين وكتاب (صفات الله الواردة في الكتاب والسنة) لعلوي السقاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1425(1/888)
حكم الدعاء بقول: يا كنز.. يا ذخر.. يا كهف
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
في إحدى المرات اجتمعت مع بعض الإخوان للقيام بختمة وكالعادة في نهايتها يقوم أحدنا بالدعاء ففوجئت بالداعي يقول يا كنز من لا كنز له ويا ذخر من لا ذخر له ويا كهف من لا كهف له ... فسألت أحد العلماء في بلادي فقال لي إنه جائز قول كلمة كنز وذخر ولكن من المستحسن الابتعاد عنها ولكن كلمة كهف غير جائزة وهي كلمة لو استمر عليها الداعي بعد علمه بأنها لا تجوز يكفر فما كان مني إلا أن ذهبت إليه وأخبرته بذلك فصرخ في وجهي وقال فسأقولها وتركني وذهب فهل يجوز وصف الله بغير صفاته كما في هذا الدعاء؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أن الله عز وجل لا يسمى ولا يوصف إلا بما سمى ووصف به نفسه في كتابه، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكن باب الإخبار عن الله عز وجل أوسع من ذلك، وقد أثر عن السلف التوسع فيه بما لم يرد به نص، وراجع الفتوى رقم: 15709.
وقول الداعي الذي أشرت إليه: يا كنز، يا ذخر. لا بأس به، لأنه لا يستلزم نقصاً، ولكن في القرآن والسنة من الصفات الثابتة لله عز وجل غنية يستغني بها الداعي عن إحداث أوصاف لم يرد بها نص ولم تؤثر عن السلف، أما كلمة يا كهف فإنها كلمة قد توهم معنى غير لائق فلا يوصف بها الله تعالى ولو في الدعاء.
ومع ذلك لا يحكم على قائلها بالكفر، لأنه قد يقولها متأولا، ويقصد بأن الله هو الذي يلجأ إليه العبد، وقد يقولها وهو يعلم عدم جواز هذا القول ونحو ذلك، والقصد أنه لا يحكم عليه بالكفر بهذه السهولة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1425(1/889)
العقول واللغات لا يحكم بها على كلام الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا دائم النقاش عن الإسلام في المهجر سألتني إحداهن هذا السؤال: عندما يتكلم الله عز وجل شأنه ويقول مثلاً بسم الله الرحمن الرحيم (هو الله لا إله إلا هو) قالت هو ليس بذكر ولا أنثى فلماذا مصطلح هو، فلم أجد الجواب أنيرونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبهك إلى أن كلام الله تعالى حق والواجب الإيمان به وعدم تحكيم اللغات والعقول فيه لأنه أقدم من لغات الناس وعقولهم.
ومن المعلوم أن الحديث عن الله تعالى يتوقف فيه على ما ثبت عن الشارع ولا يحق للناس الخوض فيه بما لم يثبت وروده شرعاً، وأما التعيير عنه بضمير هو فإنه جار على لغة العرب في رد الضمير على المذكور سابقاً.
وأعلم أنه ليس كل شيء يوصف بالذكورة والأنوثة فالملائكة مثلاً ليسوا ذكوراً ولا إناثاً كما نص عليه المناوي، وأسماء المعاني لا توصف بذكورة ولا أنوثة كالملك والعز والفقر والغنى ونحن نعبر عن الملائكة وأسماء المعاني فنرد عليهم الضمير المذكر لأنه هو الأصل، وأما التأنيث فهو فرع عنه للفرق بين الذكر والأنثى في المزدوجين وقد رد الله الضمير المذكر على جبريل في قوله تعالى: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ {البقرة: 97} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1425(1/890)
هل يطلق على الله سبحانه اسم (الطبيب)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من أسماء الله اسم (الطبيب) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وصف الله تعالى بالطبيب في عدة أحاديث منها: حديث أبي رمثة رضي الله عنه، وفيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أرني هذا الذي بظهرك، فإني رجل طبيب، قال: الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق، طبيبها الذي خلقها. رواه أبو داود واللفظ له، وأحمد، وصححه الألباني وأحمد شاكر.
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ثم مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعت يدي على صدره فقلت: أذهب البأس، رب الناس، أنت الطبيب، وأنت الشافي، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ألحقني بالرفيق الأعلى. رواه أحمد والنسائي في السنن الكبرى، والبيهقي في كتابه الأسماء والصفات، وصححه شعيب الأرناؤوط في تخريج مسند أحمد.
قال في عون المعبود: (الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق) أي: أنت ترفق بالمريض وتتلطفه، والله يبرئه ويعافيه. انتهى.
أما تسمية الله تعالى باسم الطبيب على وجه الإطلاق دون تقييد فلا، وعلى هذا درج البيهقي والمناوي وغيرهما. وبناء على ذلك نقول: الطبيب صفة من صفات الله تعالى وليست اسماً، قال البيهقي في كتاب (الأسماء والصفات) : فأما الطبيب فهو العالم بحقيقة الداء والدواء والقادر على الصحة والشفاء، وليس بهذه الصفة إلا الخالق البارئ المصور، فلا ينبغي أن يُسمى بهذا الاسم أحد سواه، فأما صفة تسمية الله جل ثناؤه فهي: أن يذكر ذلك في حال الاستشفاء، مثل أن يقال: اللهم إنك أنت المُصح والممرض والمداوي والطبيب ونحو ذلك، فأما أن يقال: يا طبيب كما يقال: يا رحيم أو يا حليم أو يا كريم، فإن ذلك مفارقة لآداب الدعاء. والله أعلم ... إلخ. انظر الأسماء والصفات (1/217) للبيهقي.
وقال المناوي في (فيض القدير) : لكن تسمية الله الطبيب إذا ذكره في حالة الاستشفاء نحو أنت المداوي أنت الطبيب سائغ، ولا يقال يا طبيب، كما يقال يا حكيم؛ لأن إطلاقه عليه متوقف على توقيف. انتهى.
ويستفاد من كلام المناوي أنه ذكر العلة في عدم إطلاق اسم الطبيب على الله تعالى لأن أسماء الله تعالى توقيفية، فلا يثبت شيء منها لله تعالى إلا بالدليل.
والله أعلم.
هذا ما تيسر نقله في هذه المسألة، ومن أراد المزيد فليراجع كتاب (أسماء الله الحسنى) لـ عبد الله بن صالح بن عبد العزيز الغصن. ماجستير، وكتاب (الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى) للقرطبي ... إلخ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1425(1/891)
أسماء لم يسم الله تعالى بها نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كلا من المعين والستار والعال من أسماء الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العالي لم يثبت كونه اسما من أسماء الله تعالى ولكن ثبت معناه، فثبت اسم العلي والظاهر، يقول الله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سورة سبأ: 23] . ويقول تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [سورة الحديد: 3] .
وأما المعين فلم يثبت في النص كونه من أسماء الله، وإنما يروى عن بعض السلف، فقد رواه أبو نعيم عن جعفر الصادق.
وأما الساتر فقد تقدم الكلام عليه في الفتوى رقم: 10507.
وراجع في سرد الأسماء الحسنى الفتوى رقم: 12383.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(1/892)
كمال الناس لا يقارب كمال الله
[السُّؤَالُ]
ـ[تناقشت مع أحد الزملاء عن الكمال، وقال لي إن البشر أيضا لهم الكمال، ولما حاججته بأن لا عصمة إلا لنبي ولا كمال إلا لله، قال لي: إنه يقصد الكمال الإنساني فهل يوجد كمال إنساني، وهل من المؤمنين حالياً من يحمل هذه الصفة وكيف حملوها، وقد قال إن هناك حديثاً في البخاري ما معناه إن الكمال من الرجال كثير ومن النساء أربع فهل هناك حديث صحيح بهذا المعنى؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون. رواه البخاري ومسلم.
وقد ذكر النووي في شرح الحديث: أن الكمال يطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه، والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى.
وهذا يدل على وجود الكمال في الناس بحسبهم، ولا يعني هذا أنه يصل أو يقارب كمال الله تعالى، لأنه تقدس وتنزه عن جميع النقائص، ولا على أن الناس معصومون لأن العصمة خص بها الأنبياء.
وأما عن وجود من هو متصف بالكمال من المؤمنين حالاً، فهذا ما لا نعلم شيئاً فيه، فقد يكون موجوداً، فقد نصوا على أن بعض العلماء بلغ هذا الكمال.
قال المباركفوري في شرح الترمذي عند هذا الحديث: كمل أي صار كاملاً وبلغ مبلغ الكمال من الرجال كثير أي كثيرون من أفراد هذا الجنس حتى صاروا رسلاً وأنبياء وخلفاء وعلماء وأولياء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(1/893)
تفصيل القول في اسم الله المنتقم
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لي أحد الإخوة الأفاضل إنه قرأ بحثا للشيخ العثيمين يفيد بأن أسماء الله الحسنى ال 99 التي نعرفها جميعا، بها أسماء غير صحيحة مثل اسم المنتقم المشتق من قوله تعالى (ذو انتقام) حيث إنه لا يجوز اشتقاق اسم من صفة إلا بمحاذير وأيضا لا يجوز اشتقاق اسم من التالية ل \"ذو\" مثل (ذو الجلال والإكرام) فما صحة هذا الكلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنريد أن ننبهك أولا إلى أن أسماء الله تعالى أكثر من تسعة وتسعين مع أن هذا العدد ورد في أحاديث صحيحة. ففي الصحيحن من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة. ومما يدل على أن أسماءه تعالى أكثر من هذا العدد ما أخرجه الإمام أحمد من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك........الحديث.
والأسماء التسعة والتسعون قد أوردها الترمذي في حديث عن أبي هريرة مرفوعا: وذكر فيه من ضمن التسعة والتسعين: المنتقم وذو الجلال والإكر ام.
ولكن العلماء اختلفوا في تصحيح حديث الترمذي هذا، فمنهم من رآه صحيحا ومنهم من اعتبره مدرجا، أي أن أحد من روى عنهم الترمذي هذا الحديث هو الذي اجتهد في استنباط هذه الأسماء من الكتاب والسنة. وعلى تقدير صحة الحديث تكون الأسماء كلها صحيحة ولا يجوز نفي شيء منها، لأن أسماءه تعالى توقيفية ولا يجوز التغيير فيها.
ولكن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ممن يعتقد الإدراج في الحديث المذكور، وقد اجتهد في تعيين تسعة وتسعين اسما بالاستقراء من الكتاب والسنة، وليس منها المنتقم ولا ذو الجلا ل والإكرام.
ويمكنك أن تراجع في هذا الفتوى رقم: 12383.
وقد سُبق ابن عثيمين إلى القول بالإدراج في هذا الحديث وإلى أن المنتقم ليس مما ثبت في الحديث من أسماء الله الحسنى.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: واسم المنتقم ليس من أسماء الله الحسنى الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جاء في القرآن مقيدا كقوله تعالى: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [سورة السجدة:22] ، وقوله:
إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [سورة إبراهيم: 47] .
والحديث الذي في عدد الأسماء الحسنى الذي يذكر فيه المنتقم، فذكر في سياقه البر التواب المنتقم العفو الرءوف، ليس هو عند أهل المعرفة بالحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل هذا ذكره الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أو عن بعض شيوخه، ولهذا لم يروه أحد من أهل الكتب المشهورة إلا الترمذي رواه عن طريق الوليد بن مسلم بسياق ورواه غيره باختلاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1425(1/894)
حكم قول المرء \"يا ستار\" أو \"يا ساتر\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قول يا ستار أو يا ساتر هل فيه حرمة إذ أنه ليس من أسماء أو صفات الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إثبات أسماء الله تعالى أمر توقيفي، فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما عن الأسماء المذكورة في السؤال، فإن الستار والساتر لم يرد ما يدل على أنهما من أسماء الله تعالى، لكن ورد اسم الستير، فقد روى أحمد وأبو داود والنسائي عن يعلى ابن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر. صححه الألباني.
ولما كان باب الإخبار عن الله تعالى أوسع من باب الأسماء فلا حرج من قول يا ستار ويا ساتر من باب الإخبار عن الله تعالى بأنه ساتر وستار لذنوب عباده وخطاياهم.
ومن هذا الباب –باب الإخبار- ما ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (1/207) أن الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة علم بعض أصحابه أن يقول: يا دليل الحيارى دلني على طريق الصالحين.
ولم يرد في الكتاب ولا في السنة أن من أسماء الله (دليل الحيارى) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1425(1/895)
حكم التسمية بالأسماء المشتركة بين الخالق والمخلوق
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما نسمي أبناءنا على أسماء الله الحسنى نضيف إليها كلمة (عبد) قبلها، مثل (عبد الله) ولكني أسمع عن بعض الأشخاص يضيفون إلى هذه الأسماء (الـ) التعريف فتصبح على النحو التالي (العبد الكريم- العبد اللطيف- وغيرها) ، وهذا يؤدي إلى تغيير في المعنى النحوي للاسم من مضاف ومضاف إليه (عبد الحكيم) والتي فيها تقديس العبودية لله بأسمائه الحسنى، إلى معنى آخر من صفة وموصوف (العبد الحكيم) والتي فيها إيجاد صفات للعبد، فهل يجوز ذلك، وإذا كان جائزاً فماذا عن الأسماء (القدوس- الواحد- المحيي- المميت) عندما نضيفها ونقول (العبد المحي- العبد المميت- العبد الله) التي فيها صفات الألوهية والتوحيد والإحياء والقدسية والتي هي صفات خاصة بالله وحده لا يجوز اتصاف العبد بها، فما فتواكم في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا جواز تسمية المخلوق بالأسماء المشتركة التي تطلق على الخالق جل وعلا كالرحيم واللطيف والكريم، فيجوز أن يقال العبد الكريم والعبد اللطيف على سبيل الصفة، مع الاعتقاد بأن الصفة التي لله تختص به وتليق به، والصفة التي في المخلوق تختص به وتليق به، وإنما الذي يحرم هو التسمية بكل اسم يختص بالله تعالى، كالخالق والقدوس والمميت، فلا يجوز أن يسمى بالعبد القدوس أو العبد الخالق أو خالق أو قدوس بدون أل التعريف، وراجع الفتوى رقم: 8726.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(1/896)
القول الراجح في المقصود بإحصاء الأسماء الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[وفقكم الله لما فيه خير للبلاد والعباد ...
سؤالي.. أريد شرح حديث \" إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة.\"
لأني سمعت من أحد المشايخ الفضلاء إن الإحصاء لا يقصد به التعداد ...
أريد منكم شرح الحديت لأنني مشرف على إحدى الساحات الإسلامية فمن مسؤولياتي التوضيح لإخواني الأعضاء..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: من أحصاها دخل الجنة وذلك لأن الإحصاء في اللغة يشمل العد والحفظ، قال ابن منظور في اللسان: والإحصاء: العد والحفظ، وأحصى الشيء أحاط به.
ورجح النووي أن المراد بها الحفظ، كما في شرح مسلم قال بعدما ذكر الخلاف: قال البخاري وغيره من المحققين: معناه: حفظها، وهو الأظهر؛ لأنه جاء مفسَّراً في الرواية الأخرى مَنْ حفظها.
وقيل معناه: العمل بها لا عدها وحفظها؛ لأن ذلك قد يقع للكافر والمنافق.
وقيل معناه: عدّها والعمل بها، فالذي يقصد بالعمل أن لله أسماء يختص بها كالأحد والمتعال والقدير ونحوها، فيجب الإقرار بها والخضوع عندها، وله أسماء يُستحب الاقتداء بها في معانيها كالرحيم والكريم والعفو ونحوها، فيستحب للعبد أن يتحلى بمعانيها ليؤدي حق العمل بها، فبهذا يحصل له الإحصاء العملي.
وأما الإحصاء القولي فيحصل بجمعها وحفظها والسؤال بها، ولو شارك المؤمن غيره في العد والحفظ فإن المؤمن يمتاز عنه بالإيمان بها والعمل بها.
وهذا ما أفاده الحافظ ابن حجر في الفتح نقلاً عن جمع من العلماء، ولعله هو الراجح إن شاء الله تعالى، لجمعه لمعاني الكلمة من حيث اللغة ومن حيث العمل، فإن حمل المشترك على جميع معانيه إن أمكن أولى من قصره على بعضها.
وأما ما يقصد بقوله صلى الله عليه وسلم:..اقرأ وارتقِ ورتِّل كما كنت ترتل في الدنيا. فقد سبق أن أجبنا عنه، فنحيلك إليه في الفتوى رقم:
1018.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1424(1/897)
أسماء الله تعالى وآياته وأحاديث رسوله يجب صيانتها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد عرفت أن الذي يترك ورقة مكتوباً بها اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى أو أسماء أنبيائه في مكان قذر فإنه يخرج بذلك من ملة الإسلام، فهل يكون لزاما علي أن أنبه كل شخص أعرفه بذلك من تلقاء نفسي وليس إذا سألني أو إذا رأيته يفعل ذلك؟ وهل آثم إذا لم أفعل ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأوراق المكتوبة عليها أسماء الله تعالى أو آياته، أو أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن تصان ويحافظ عليها من أن تلقي أو تترك في الأماكن غير اللائقة بها، ولا شك أن تعمد رمي هذه الأوراق إهانة للمكتوب فيها لا تصدر عن مسلم.
وعلى من وجد شيئاً من هذه الأوراق في مكان غير لائق أن يأخذها ليضعها في مكان مناسب أو يتلفها.
هذا، وإذا رأيت أحداً من المسلمين يلقي هذه الأوراق فعليك نصحه لحديث: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده.... رواه مسلم.
واعلم أنه لا يجب عليك تنبيه كل أحد عرفته أو لم تعرفه إلى هذا الأمر ابتداء، إذ الأمر بالمعروف فرض على الكفاية ولم يتعين عليك هنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(1/898)
الغضب صفة ثابتة لله تعالى بغير تأويل
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف المزيد عن غضب الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء في شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي عند قول الطحاوي رحمه الله: والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى. ما نصه: قال الله تعالى: رضي الله عنهم، لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18] ، وقال الله تعالى: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ [المائدة:60] ،: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النساء:93] ،: وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة:61] ، ونظائر ذلك كثيرة، ومذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب، والرضا والعداوة والولاية والحب والبغض، ونحو ذلك من الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة، ومنع التأويل الذي يصرفها عن حقائقها اللائقة بالله تعالى، كما يقولون مثل ذلك في السمع والبصر والكلام وسائر الصفات. انتهى.
وقد بين الله عز وجل في كتابه أنه يغضب على العاصين من الكفار والمنافقين ونحوهم، وجاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: من لم يسأل الله يغضب عليه. رواه الترمذي، وحسنه الألباني، قال في تحفة الأحوذي: لأن ترك السؤال تكبر واستغناء، وهذا لا يجوز للعبد، ونعم ما قيل:
الله يغضب إن تركت سؤاله ... وترى ابن آدم حين يُسأل يغضب. انتهى.
وقد غضب الله على اليهود لما علموا ولم يعملوا بعلمهم، فقال تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] .
وفي سنن أبي داود عن الشريد بن سويد قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري، واتكأت على ألية يدي، فقال: أتقعد قعدة المغضوب عليهم.، صححه الألباني.
قال في عون المعبود: قال الطيبي: والمراد بالمغضوب عليهم اليهود. انتهى.
وقال تعالى في شأن الزوجة الزانية التي يلاعنها زوجها: وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور:9] ، ووجه غضب الله عليها هنا أنها كتمت الحق وهي موقنة به، وهذا مما يستوجب غضب الله تعالى، وهناك أمثلة كثيرة في القرآن والسنة، يمكن الرجوع إليها عن طريق تتبع الآيات التي تكلمت عن غضب الله تعالى، علماً بأن العبد إذا فعل ما يوجب غضب الله تعالى ثم تاب، فإن الله يتوب عليه، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(1/899)
الفرق بين الرحمن والرحيم
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو رحمن اليمامة وما الفرق بين الرحمن والرحيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الرحمن والرحيم اسمان من أسماء الله تعالى، فالرحمن دال على المبالغة، حيث يدل على شمول رحمة الله تعالى لجميع خلقه، أما الرحيم، فهو يدل على خصوصية الرحمة بالمؤمنين.
قال ابن كثير في تفسيره: قال أبو علي الفارسي الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة، يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين، قال تعالى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب: 43] . إلى أن قال: فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة، لعمومها في الدارين لجميع خلقه، والرحيم خاص بالمؤمنين، لكن جاء في الدعاء المأثور: رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، واسمه تعالى: الرحمن خاص به، لم يسم به غيره، كما قال تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الاسراء: 110] .
أما رحمان اليمامة، فقد أطلقها مسيلمة الكذاب لقبا على نفسه، قال ابن كثير في تفسيره أيضا: ولما تَجَهْرَم مسيلمة الكذاب وتسمى برحمان اليمامة، كساه الله جلباب الكذب وشهر به، فلا يسمى إلا مسيلمة الكذاب. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1424(1/900)
يجب الإيمان المجمل بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
لقد قيل لي إن العقيدة الأشعرية ضالة، فهل هذا صحيح، كما قيل لي إنه لكي تكمل عقيدتي تجب معرفة كم يد لله وكم عين وكم رجل فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسبق الكلام عن الأشاعرة في الفتوى رقم:
27552.
وأما ما يجب على العبد أن يعقد عليه قلبه في باب الاعتقاد فهو الإيمان المجمل، فيثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينفي عنه ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسكت عما سكت عنه الشرع، مع اعتقاد أن لله الأسماء الحسنى والصفات العلى، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأنه مستوٍ على عرشه بائن من خلقه، وأما التفاصيل فلا يجب العلم بها، ومن علم بها من أهل العلم وطلابه وجب عليه الإيمان بما تضمنته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1424(1/901)
يسعنا السكوت عما سكت عنه الشرع.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي اللغة التي تحدث بها الله سبحانه وتعالى مع آدم؟ .. واللغة التي تحدث بها سبحانه مع كليمه موسى عليه السلام؟
وفقكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن غاية ما ذكر الله في كتابه عن آدم عليه السلام أنه سبحانه قد كلمه كما قال: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35] . وأما اللغة التي كلمه بها، فلا نعلم عليها دليلاً، ولو كانت في ذلك فائدة لجاء بها الخبر، فيسعنا السكوت عما سكت عنه الشرع. وأما موسى عليه السلام فقد كان لسانه العبرانية، وقد أوحى الله تعالى إليه بلغته التي يفهمها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وقد أوحى الله إلى موسى بالعبرانية، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم بالعربية. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1424(1/902)
أصل الظلم منفي عن الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله"وما الله بظلام للعبيد" أطلقت صفة الظلم بالمبالغة فإذا نفيناها تصبح صفة الظلم منسوبة إليه، وهذا خطأ وشرك كيف تفسرون الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن نفي الظلم عن الله تبارك وتعالى ورد بصيغة المبالغة في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، من ذلك قوله تعالى: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ* كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ [لأنفال:51-52] .
وقوله تعالى: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ* وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ [الحج:10-11] .
وقوله تعالى:) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [قّ:29] . وقوله تعالى: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ* إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت:46-47] .
وأما قول السائل الكريم "وما الله بظلام للعبيد" فلم يرد بهذا اللفظ في القرآن الكريم، ومعنى الآية إجمالا: نفي جميع الظلم عن الله تبارك وتعالى وانه لا يعاقب من ليس بمجرم لأن الله تعالى لما وضع للناس الشرائع وبين الحسنات والسيئات ووعد وأوعد فقد جعل ذلك قانونا فصار العدول عنه إلى عقاب من ليس بمجرم ظلما، إذ الظلم هو الاعتداء على حق الغير في القوانين المتلقاة من الشرائع الإلهية، بتصرف من كتاب تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور.
إذن فالمنفي هنا هو الظلم من أصله، ونفي صيغة المبالغة قد دلت أدلة كثيرة منفصلة على أن المراد به نفي الظلم من أصله، فمن ذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40] ، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً [يونس:44] ، وقوله تعالى: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49] ، والقرآن يفسر بعضه بعضا ويبين ما أجمل منه.
والإشكال الذي أشار إليه السائل الكريم وهو أن لفظة ظلام فيها صيغة مبالغة ونفي المبالغة لا يستلزم نفي الفعل من أصله
قد أجاب عنه اهل العلم بأجوبة شافية واضحة نحيلك إليها في تفسير أضواء البيان للشنقيطي وتفسير التحرير والتنوير لابن عاشور.
ونختصر لك منهما ما يتسع له المقام قالوا: وأما صيغة ظلام المقتضية المبالغة في الظلم فهي معتبرة قبل دخول النفي على الجملة التي وقعت فيها، وقال علماء المعاني: إن النفي إذا توجه إلى كلام مقيد قد يكون النفي، نفيا للقيد وقد يكون القيد قيدا للنفي ومثلوا بالآية المذكورة، وهذا استعمال دقيق في الكلام البليغ في نفي الوصف المصوغ بصيغة المبالغة، ومن تمام عدل الله تعالى أن جعل كل درجات الظلم في رتبة الظلم الشديد.. أفاده ابن عاشور في التحرير.
ومن الأوجه التي تستلزم نفي الظلم من أصله وإزالة الإشكال عن التعبير بصيغة المبالغة هو أن الله تعالى نفى ظلمه للعبيد والعبيد في غاية الكثرة، والظلم المنفي عنهم تستلزم كثرتهم كثرته، فناسب ذلك الإتيان بصيغة المبالغة للدلالة على كثرة المنفي التابعة لكثرة العبيد المنفي عنهم الظلم، إذ لو وقع على كل عبد منهم ظلم ولو قليلا كان مجموع ذلك الظلم في غاية الكثرة، وبذلك يعلم اتجاه التعبير بصيغة المبالغة، وأن المراد بذلك نفي أصل الظلم عن كل عبد من أولئك العبيد الذين هم في غاية الكثرة. أفاده الشنقيطي في الأضواء.
وبهذا تعلم أن صيغة المبالغة هنا في غاية البلاغة فقد جاءت في هذا السياق لنفي الظلم من أصله عن الله عز وجل الذي حرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 2306.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1424(1/903)
الفرق بين أسماء الله تعالى وصفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين صفات الله وأسمائه سبحانه وتعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفرق بين أسماء الله تعالى وصفاته يرجع إلى أمرين:
الأول: أن الأسماء هي كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به، مثل: الحكيم والعليم والسميع، فهي تدل على ذات الله، وما قام به من الحكمة والعلم والسمع والبصر.
والصفات: هي نعوت الكمال القائمة بذات الله تعالى، كالحكمة والعلم والسمع والبصر.
فالاسم يدل على أمرين، والصفة تدل على أمر واحد.
والثاني: أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، فمن صفاته سبحانه، الإتيان والمجيئ والنزول، وليس لنا أن نشتق من هذه الصفات أسماء لله تعالى، فلا يقال: الآتي ولا الجائي ولا النازل.
أما الأسماء فيدل كل اسم منها على صفة كما سبق، فالرحمن والسميع والبصير تدل على الرحمة والسمع والبصر.
ومن صفات الله تعالى ما يتعلق بأفعاله سبحانه كالفرح والضحك والغضب، وأفعاله لا منتهى لها، جل وعلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(1/904)
قواعد في التعامل مع الصفات الإلهية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأمورالتي يجب مراعتها أثناء البحث عن الصفات الإلهية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طريقة السلف الصالحين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة الأعلام وسائر أهل السنة والجماعة هي: الاعتقاد بأن لله تعالى أسماء حسنى وصفات عليا يؤمنون بها، وبأن لها معاني حقيقية، وأن كيفية صفات الله لا تُعْلَم، وأنهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل هو سبحانه كما أخبر عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] .
فاشتملت هذه الآية على قاعدتين هما أساس التعامل مع الصفات الإلهية، وهما: إثبات الصفات لله، ونفي المماثلة والمشابهة للخلق في صفاته.
وينضاف لهما قاعدة أخرى مهمة وهي: قطع الطمع عن إدراك كيفية صفات الله عز وجل كما في الآية الكريمة: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [طه:110] .
وللمزيد من الفائدة نحيل السائل على كتاب قيم في هذا الباب وهو كتاب "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وعلى كتاب آخر قيم أيضاً هو كتاب "منهج ودراسات في آيات الأسماء والصفات" للعلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1423(1/905)
السبب في ذكر الله نفسه في القرآن بصيغة الجمع
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال لم يجبني عنه أحد وقد سألت كثيرا وهو: إن الله واحد أحد لا شريك له اللهم نعوذ بك من الشرك
لماذا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز يتكلم بالجمع وليس بالمفرد؟ فمثلا يقول في كتابه العزيز إنا اعددنا للكافرين ,أم نحن الخالقون,, وهناك الكثير؟ وشكرا لكم
اسلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن القرآن العظيم نزل بلغة العرب، وبالتالي كانت أساليبه في التعبير على نمط أساليبهم في الكلام لأنه نزل "بلسان عربي مبين" -كما قال تعالى- وإذا تقرر هذا.. فإنه من المعلوم عند من له دراية بلغة العرب أن الرجل إذا أراد أن يعظم نفسه ينزلها منزلة الجمع، فبدلا من أن يقول: أنا فعلت كذا، يقول: نحن فعلنا كذا.
قال صاحب المعجم الوسيط: نحن ضمير يعبر به الاثنان أو الجمع المُخْبِرون عن أنفسهم، وقد يعبِر به الواحد عند إرادة التعظيم.
ومما لا ريب فيه أن الله تعالى متصف بصفة العظمة فإذا ما أخبر سبحانه عن نفسه بهذه الصفة فهي صفة وافقت موصوفها. فإذا قال العظيم: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، إلى غيرها من الآيات الدالة على هذا المعنى، فلا يظن السائل أن في هذا تعارضا مع وحدانية الله سبحانه كلا، وإنما هو من باب التعظيم الذي درج العرب على استعماله في خطابهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1423(1/906)
المكر والكيد من صفات الفعل الاختيارية
[السُّؤَالُ]
ـ[شبهة حول صفة مكر الله سبحانه وتعالى
يثير البعض هذه الشبهة حول صفة المكر لله سبحانه وتعالى ويقولون كيف يمكن أن تكون هذه الصفة المذمومة لله سبحانه وتعالى؟
وللرد عليهم وتبيان جهلهم ننقل لكم ما جاء في مفردات الراغب الأصفهاني أن المكر هو صرف الغير عما يقصده بحيلة، وذلك ضربان:
مكر محمود، وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل، وعلى ذلك قال سبحانه وتعالى: {والله خير الماكرين} فلا يكون مكره إلا خيرا
ومكر مذموم، وهو أن يتحرى به فعل قبيح، قال تعالى {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} فاطر: 43،
فالمكر يكون في موضع مدحاً ويكون في موضع ذماً: فإن كان في مقابلة من يمكر، فهو مدح، لأنه يقتضي أنك أنت أقوى منه. وإن كان في غير ذلك، فهو ذم ويسمى خيانة. ولهذا لم يصف الله نفسه بصفة المكر على سبيل الإطلاق وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها أي على سبيل المقابلة والتقييد فيقال: يمكر بأعدائه، أو يمكر بمن يمكر برسله والمؤمنين، وما أشبه هذا كما قال الله تعالى: {ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون} وقال تعالى {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} آل عمران: 45 وقوله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} الأنفال: 30، وقوله تعالى: {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} النمل: 51
وكذلك قوله سبحانه وتعالى: ((وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ)) وقوله: ((وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)) أي برسلهم، وبالحق الذي جاءت به الرسل، فلم يغن عنهم مكرهم ولم يصنعوا شيئاً، وقوله ((فلله المكر جميعاً)) أي: لا يقدر أحد أن يمكر مكراً إلا بإذنه، وتحت قضائه وقدره ومشيئته سبحانه وتعالى. فلا عبرة بمكرهم ولا قيمة له ولا يلتفت إليه، فَلِلَّهِ أَسْبَاب الْمَكْر جَمِيعًا , وَبِيَدِهِ وَإِلَيْهِ , لا يَضُرّ مَكْر مَنْ مَكَرَ مِنْهُمْ أَحَدًا إلا مَنْ أَرَادَ ضُرّه بِهِ , فلا يَضُرّ الْمَاكِرُونَ بِمَكْرِهِمْ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه أَنْ يَضُرّهُ ذَلِكَ.
ومن هنا نعرف أن المكر هو التدبير، فإن كان في شر فهو مذموم، وإن كان في خير فهو محمود.
________________
-
__________________
قرأتها في أحد المنتديات فما رأيكم حفظكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مكر الله على من يمكر به من صفاته الفعليه الخبرية التي لا يوصف بها وصفا مطلقا، والدليل على هذه الصفة الآيات المذكورة في السؤال. قال الطيبي: المكر الخداع، وهو من الله إيقاع بلائه بأعدائه من حيث لا يشعرون. وقال ابن الملك: المكر الحيلة والفكر في دفع عدوه بحيث لا يشعر به العدو. قال ابن تيمية: كذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن كلفظ المكر والاستهزاء والخديعة والسخرية المضاف إلى الله تعالى، وزعموا أنه سمي باسم ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك؛ بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلما له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلا، كما قال تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ {يوسف: 76} . فكاد له كما كادت إخوته. اهـ. الفتاوى
قال الشيخ محمد خليل هراس في شرح الواسطية عند قوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ {آل عمران 54} . تضمنت هذه الآيات إثبات صفة المكر والكيد وهما من صفات الفعل الاختيارية، لكن ينبغي أن لا يشتق له من هاتين الصفتين اسم فيقال له: ماكر وكائد، بل يوقف عند ما ورد به النص من أنه خير الماكرين، وأنه يكيد لأعدائه الكافرين. اهـ.
وقال العلامة العثيمين في المجموع الثمين: لا يوصف الله تعالى بالمكر إلا مقيدا، فلا يوصف الله تعالى به وصفا مطلقا، والمكر التوصل إلى إيقاع الخصم من حيث لا يشعر، فإن قيل: كيف يوصف الله تعالى بالمكر مع أن ظاهره أنه مذموم؟ قيل: إن المكر في محله محمود يدل على قوة الماكر وأنه غالب على خصمه، ولذلك لا يوصف الله تعالى به على الإطلاق، فلا يجوز أن تقول: إن الله ماكر. اهـ.
ومما سبق يتبين أن ما نقل في السؤال عن الراغب الأصفهاني في مفرداته صحيح لا غبار عليه، وهو كلام أهل السنة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 43955.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1426(1/907)
صفة السكوت ثابتة لله تعالى بضوابط الصفات المعروفة.
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صفة السكوت ثابتة لله عزوجل للحديث (وما سكت عنه فهو عفو) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فصفة السكوت صفة ثابتة لله عزوجل، دلّ على ثبوتها السنة الصحيحة والإجماع.
أما السنة فما رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أحل الله في كتابه فهو الحلال، وما حرم فهو الحرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته ".
وفي حديث أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرم محارم فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها ".
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في مجموع الفتاوى 6/178 - عن شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري الهروي - قوله بعد ذكر الفتنة الواقعة زمن الإمام ابن خزيمة: (فطار لتلك الفتنة، ذاك الإمام أبوبكر، فلم يزل يصيح بتشويهها، ويصنف في ردها، كأنه منذر جيش، حتى دون في الدفاتر، وتمكن في السرائر، ولقن في الكتاتيب، ونقش في المحاريب: أن الله متكلم إن شاء تكلم، وإن شاء سكت، فجزى الله ذاك الإمام، وأولئك النفرالغر عن نصرة دينه، وتوقير نبيه خيراً) انتهى.
ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويقول الفقهاء في دلالة المنطوق والمسكوت، وهو ما نطق به الشارع وهو الله ورسوله، وما سكت عنه تارة تكون دلالة السكوت أولى بالحكم من المنطوق، وهو مفهوم الموافقة، وتارة تخالفه وهو مفهوم المخالفة، وتارة تشبهه وهو القياس المحض.
فثبت بالسنة والإجماع أن الله يوصف بالسكوت، لكن السكوت يكون تارة عن التكلم، وتارة عن إظهار الكلام وإعلامه) انتهى.
فالحاصل أن السكوت صفة ثابتة لله عزوجل، على ما يليق به سبحانه: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ، ومن تكلم باختياره ومشيئته، سكت باختياره ومشيئته.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/908)
معنى الأسماء الحسنى الواردة في آية الكرسي
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدة آي القرآن: هي آية الكرسي، ورد أنها جمعت أكثر من 17 اسما من أسماء الله الحسنى، وأنا بحاجة إلى شرح هذه 17 اسما من أسماء الله الحسنى، لأنني لم أستطع التوصل إليها.
وبارك الله فيك أولا وأخيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن آية الكرسي هي أعظم آية في القرآن، كما يدل له حديث مسلم، وأما ما ذكر السائل من كونها جمعت أكثر من 17 اسما، فإنه لا يصح إلا باعتبار ما فيها من الضمائرالراجعة إلى الله تعالى، والضمائرلا تعتبر من الأسماء، كما نبه عليه شيخ الإسلام، وذكر أنه لا يشرع الذكر بقولنا هو هو، ولا الدعاء بـ: يا هو، وإذا علم هذا فلينتبه إلى أن في الآية من الأسماء الحسنى خمسة فقط وهي: الله، الحي، القيوم، العلي، العظيم.
وقد تكلم الشيخ السعدي على تفسير هذه الأسماء في مؤلف له سماه: تفسير أسماء الله الحسنى، فذكر أن الله: هو الاسم الجامع لمعاني الألوهية كلها وجميع أوصاف الكمال. وأما الحي فهو: من له الحياة الكاملة العظيمة.
وأما القيوم: فهو الذي قام بنفسه واستغنى عن جميع خلقه وقام بجميع الموجودات.
وأما العلي فيدل: على أن جميع معاني العلو ثابتة له من كل وجه، فله علو الذات، كما أخبر أنه استوى على عرشه، وله علو القدر وعظمة الشأن، وله علو القهر والغلبة.
وأما العظيم: فهو الجامع لصفات العظمة والكبرياء.
والكلام على هذه الأسماء طويل الذيل، فطالع للمزيد فيه كتب التفسير وكتاب السعدي الذي ذكرنا وشرح الأسماء الحسنى للشيخ القحطاني والقواعد المثلى لابن عثيمين، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 29702، 65641، 30452.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1430(1/909)
(الحفي) هل هو من الأسماء الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي جزاكم الله خير الدنيا والآخرة: هل من أسماء الله الحسنى الحفي؟ نرجو التفصيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اسم الحفي عده بعض أهل العلم من أسماء الله الحسنى، فقد ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، وذكره الشيخ ابن عثيمين في القواعد المثلى، وهو مأخوذ من قول إبراهيم عليه السلام لأبيه في سورة مريم: سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا. {مريم: 47} . وعلى ذلك فهو من أسماء الله الحسنى.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتويين: 12383، 115221، والفتوى رقم: 125377
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1430(1/910)
حكم التسمية بـ: عبد الخافض وعبد المنعم
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من شيخ موثوق في علمه يعطى محاضرة في التلفزيون قال: مثلا الحديث أن الله سبحانه وتعالى لا ينام يخفض القسط. .كما ثبت في الحديث وبالتالي لا يصح اشتقاق اسم أعظم لله تعالى من ذلك وبالتالي الخافض ليس من أسماء الله الحسنى.
وأضاف مثلا الآية يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي..... قال المنعم ليس من أسماء الله لا يصح اشتقاق الاسم من هذا الفعل. وبالتالي من يسمى ابنه عبد المنعم خطأ.
ما مدى صحة هذا الكلام الذي يردده بعض الشيوخ أن 99 اسما -الأسماء الحسنى لله عز وجل- التي مع عوام الناس ليست كلها صحيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأسماء الله تعالى توقيفية، فلا يصح إثبات اسم لله تعالى إلا بدليل، ولا مدخل للقياس في ذلك.
قال البغوي في تفسيره: الإلحاد في أسماء الله تسميته بما لم يتسم به ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقال السفاريني في منظومته:
لكنها في الحق توقيفية * لنا بذا أدلة وفية. اهـ.
وأهل العلم الذين قرروا ذلك قد اختلفوا في ما جاءت به النصوص منسوبا إلى الله تعالى بصيغة الفعل وبصورة الاسم المضاف، هل يجوز اشتقاق الاسم منها أم أن هذا ينافي التوقيف؟ وجدير بالذكر أن أكثر أهل العلم الذين تكلموا في أسماء الله مع كونهم نصوا على أن أسماء الله تعالى توقيفية إلا أنهم عدوا بعض الأسماء التي لم ترد إلا مضافة أو بصيغة الفعل، ومن هؤلاء جعفر الصادق وأبو زيد اللغوي وسفيان بن عيينة كما ذكر ذلك عنهم الحافظ ابن حجر. ومن هؤلاء أيضا: الزجاج في تفسير أسماء الله الحسنى، والقشيري في شرح أسماء الله الحسنى، والخطابي في شأن الدعاء، وابن منده في التوحيد، والحليمي والبيهقي في الأسماء والصفات، وقوام السنة أبو القاسم الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة، وابن تيمية في مجموع الفتاوى، وابن القيم في بدائع الفوائد وغيره، وابن الوزير في إيثار الحق على الخلق، وحافظ حكمي في أعلام السنة المنشورة، والسعدي في تفسير أسماء الله الحسنى.
ومن ذلك اسم الخافض الذي ورد في السؤال، فقد عده في الأسماء كل من الخطابي والحليمي والبيهقي وأبو القاسم الأصبهاني، وابن العربي والقرطبي وابن تيمية وابن القيم والسعدي وغيرهم. واسم المنعم عده جعفر الصادق وابن منده.
والسبب في كون من ذكر اسم الخافض أكثر ممن ذكر اسم المنعم أن اسم الخافض جاء في خبر عد الأسماء المشهور عند الترمذي وابن ماجه. ولكن سرد هذه الأسماء في هذا الحديث لا تصح نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال العراقي في طرح التثريب: قال القاضي عياض: تعيين هذه الأسماء لم يخرج في الصحيحين، وخرجه الترمذي وغيره وفيها اختلاف ثبتت أسماء في رواية وفي أخرى أسماء أخر تخالفها، وقد اعتنى بعض أهل العلم بتخريج ما منها في كتاب الله مفردا غير مضاف ولا مشتق من غيره كقادر وقدير ومقتدر وملك الناس ومالك وعليم وعالم الغيب، فلم تبلغ هذا العدد، واعتنى آخرون بذلك فحذفوا التكرار ولم يحذفوا الإضافات فوجدوها على ما قالوا تسعة وتسعين في القرآن كما ذكر في الحديث، لكنه على الجملة لا على تفسيرها في الحديث، واعتنى آخرون بجمعها مضافة وغير مضافة ومشتقة وغير مشتقة وما وقع منها في هذا الحديث على اختلافها وفي غيره من الأحاديث، وما أجمع عليه أهل العلم على إطلاقه فبلغها أضعاف هذا العدد المذكور في الحديث، وقيل: إن هذه التسعة والتسعين مخفية في جملة أسماء الله تعالى كالاسم الأعظم فيها، وليلة القدر في السنة. اهـ.
وممن انتصر للقول بالاشتقاق وشنع على من يرده القاضي أبو بكر بن العربي، عند قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا. {الأعراف:180} . من كتابه أحكام القرآن ومما قال: والذي يعضد ذلك أن الصحابة وعلماء الإسلام حين عددوا الأسماء ذكروا المشتق والمضاف والمطلق في مساق واحد إجراء على الأصل. اهـ.
ونقل عنه القرطبي في الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى أنه قال: لتعلموا أن السلف كانوا يشتقون الأفعال من الأسماء والأسماء من الأفعال فاقتدوا بهم ترشدوا. اهـ.
والخلاصة أن بين أهل العلم خلافا معتبرا في عد اسمي الخافض والمنعم، بناء على اختلافهم في جواز اشتقاق الأسماء مما ورد في الشرع بصيغة الفعل. ولا يقتصر ذلك على هذين الاسمين فقط، فقد عد الحافظ ابن حجر سبعة وعشرين اسما مما ورد في خبر الأسماء عند الترمذي مما لم يرد في القرآن بصيغة الاسم، وهي: الْقَابِض الْبَاسِط الْخَافِض الرَّافِع الْمُعِزّ الْمُذِلّ الْعَدْل الْجَلِيل الْبَاعِث الْمُحْصِي الْمُبْدِئ الْمُعِيد الْمُمِيت الْوَاجِد الْمَاجِد الْمُقَدِّم الْمُؤَخِّر الْوَالِي ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام الْمُقْسِط الْمُغْنِي الْمَانِع الضَّارّ النَّافِع الْبَاقِي الرَّشِيد الصَّبُور. اهـ.
ولا شك أن الأولى والأحوط والأبرأ للذمة، أن ندور مع النصوص الشرعية لفظا ومعنى، فما ورد بصيغة الاسم أثبتناه اسما بلفظه، وما ورد مضافا أو بصيغة الفعل لم نتجاوز وصف الله تعالى به بالصيغة التي ورد بها، وعلى ذلك فالتسمية مثلا بعبد الخافض أو عبد المنعم أقل ما يقال فيها إنها خلاف الأولى. وراجع للفائدة الفتويين: 100094، 108449.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1430(1/911)
معنى: السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أفهم المعنى الصحيح في كلمة: سلم في اللهم صل وسلم على النبي محمد. هل كلمة سلم تعني أن الله عز وجل سيبلغ السلام للمصطفى من عند من أقرأه السلام وقال اللهم صل وسلم على النبي محمد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقال ابن حجر: قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: السَّلَام بِمَعْنَى السَّلَامَة كَالْمَقَامِ وَالْمَقَامَة, وَالسَّلَام مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى وُضِعَ الْمَصْدَر مَوْضِع الِاسْم مُبَالَغَة, وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَالِم مِنْ كُلّ عَيْب وَآفَة وَنَقْص وَفَسَاد, وَمَعْنَى قَوْلنَا: السَّلَام عَلَيْك الدُّعَاء أَيْ سَلِمْت مِنْ الْمَكَارِه, وَقِيلَ مَعْنَاهُ اِسْم السَّلَام عَلَيْك كَأَنَّهُ تَبَرَّكَ عَلَيْهِ بِاسْمِ اللَّه تَعَالَى اهـ.
وقال النووي: قِيلَ: مَعْنَاهُ التَّعْوِيذ بِاَللَّهِ وَالتَّحْصِين بِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى, فَإِنَّ السَّلَام اِسْم لَهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى، تَقْدِيره: اللَّه عَلَيْكُمْ حَفِيظ وَكَفِيل, كَمَا يُقَال: اللَّه مَعَك أَيْ بِالْحِفْظِ وَالْمَعُونَة وَاللُّطْف. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ السَّلَامَة وَالنَّجَاة لَكُمْ, وَيَكُون مَصْدَرًا كَاللَّذَاذَةِ وَاللَّذَاذ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين} اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1430(1/912)
قد يطلع الله بعض عباده على اسمه الأعظم
[السُّؤَالُ]
ـ[فقد سمعت مند قريب أن لله اسما أعظم إذا دعي به أجاب، وأن هذا الإسم لا يعرفه إلا بعض الأولياء الصاحين. فهل هذا الكلام صحيح فضيلة الشيخ وهل يعرف هذا الاسم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لله تعالى اسما أعظم إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، وهو موجود في القرآن الكريم، وفي الحديث النبوي الشريف، ولكن الله تعالى قد أخفاه لحكمه أرادها ـ سبحانه وتعالى ـ كما أخفى ليلة القدر في رمضان، وساعة الإجابة في يوم الجمعه، وفي كل ليلة، حتى يظل العبد على صلة بربه سبحانه وتعالى، ويدعوه بكل أسمائه وفي جميع أوقاته.
وقد يطلع الله تعالى بعض عباده الصالحين على اسم الله الأعظم، أو على غيره من هذه الأمور التي أخفاها أو على بعضها، فلا مانع من ذلك شرعا كما سبق بيانه في الفتويين: 107638، 116096، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1430(1/913)
اسم الله الأعظم هل هو غير مذكور في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي صديق يقول لي أن اسم الله الأعظم لم يذكره الله في قرآنه ولا النبي في سنته وهناك اختلاف بين العلماء ما هو اسم الله الأعظم لأنه لو ذكر سوف تدعو به الناس ربها ويستجاب لهم ويتركون باقي العبادات لأنه جاء في نص الحديث لما سمع النبي أحد الصحابة يدعو ويقول يا حي يا قيوم قال النبي: أتدرون بم يدعو: لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى.
وضرب لي مثلا في ليلة القدر وقال إنه لو حددت ليلتها لتساهل الناس في العبادة واجتهدوا في الليلة المحددة مسبقا..وأنا ليس لي العلم الكافي لكي أرد عليه أو أوافقه.
فأفيدونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن اسم الله الأعظم مذكور في كتاب الله تعالى وفي حديث نبيه- صلى الله عليه وسلم- لكن أخفي عنا تعيينه.
وقد اختلف أهل العلم في تحديد الاسم الأعظم والراجح من أقوالهم أنه اسم الجلالة الله، وراجع فيه فتوانا رقم: 27323.
والحكمة من إخفائه- كما قال أهل العلم- كالحكمة من إخفاء ليلة القدر في شهر رمضان وساعة الإجابة في يوم الجمعة وفي كل ليلة.. حتى يظل العبد على صلة بربه- سبحانه وتعالى- ويدعوه بكل أسمائه وفي جميع أوقاته..
هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة والتفصيل في الفتوى رقم: 73548، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1429(1/914)
مسألة حول أسماء الله الحسنى وتعداداها
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: موضوع كتب في منتدى أنا مشتركة فيه ونريد معرفة صحة هذا الكلام لكي يكون الناس جميعاً على بينة؟ هذا هو الموضوع: أكدت دار الإفتاء المصرية في ردها علي ما أثاره علماء أزهريون بشأن بعض أسماء الله الحسني على نحو ما اشتهرت به عند الناس، أن هناك اجتهادات قديمة من قبل العلماء في هذا الموضوع، لكن رواية الترمذي الشهيرة هي أرجحها، موضحة كذلك أنها لا تنحصر في التسعة والتسعين اسمًا المعروفة، وإنما تتجاوز ذلك دون تحديد، واعتبرت محاولات العلماء لتعيين التسعة والتسعين اسمًا، اجتهادات مقبولة، ويجوز للمسلم تقليد إحداها، لكنها مع ذلك رفضت التعصب لرأي معين، والحكم ببطلان ما عداه، كما ذهب العلماء الذين أنذروا شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي من أجل إلغاء 21 اسمًا من أسماء الله الحسني، بدعوى عدم صحتها، وعدم جواز تسمية الله بها، واستبدالها بالأسماء الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة.
وعلقت على الإنذار الذي وجهه الشيخ يوسف البدري ومجموعة أخرى من العلماء والدعاة، بقولها: إنه لا ينبغي أن يعلن أحدهم (العلماء) أنه اكتشف خطأ الأمة في اختيارها حديث الترمذي، وأقصي ما يكون له أن يساهم بمساهمته كما فعل ابن حجر، والقرطبي، وغيرهما، فهو بذلك وقع في إلغاء ما عول عليه العلماء، وفي إشارة إلي دعوتهم بإلغاء أسماء الله الحسني مثار شكوكهم، عدت دار الإفتاء الأمر كارثة أن يعمد المجتهد - إن كان مجتهدًا - لإلغاء ما قبله من أقوال، كما أنه ليس له أن يصور للناس أنه جاء بجديد، فقد سلك قبله ابن حجر والقرطبي وغيرهما هذا المسلك، فنسأل الله أن يرزقنا الفهم.
وكان الدكتور عبد الرازق الرضواني، وهو عالم مصري متخصص في العقيدة الإسلامية، انتهي في دراسة إلى عدم توافر الشروط التي حددها العلماء في 29 من أسماء الله الحسني المشتهرة بين الناس، وهي: الخافض الرافع المعز المذل العدل الجليل الباعث المحصي المبديء المعيد المحيي المميت الواجد الماجد الوالي المنتقم ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع المغني الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الرشيد الصبور.
من ناحيتها، أشارت دار الإفتاء إلى ما ذهب إليه جماهير العلماء من أن أسماء الله الحسني لا تنحصر في العدد الوارد في حديث أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم: إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة، وإنما هي أكثر من ذلك، وإن خالف بعض العلماء في ذلك كابن حزم الظاهري، حيث عد ذلك خطأ منهم.
وحصرت السبيل إلي معرفة أسماء الله سبحانه وتعالي بطريق واحد هو الشرع، فأسماء الله توقيفية، إذ يقول الرازي: إن مذهبنا أن أسماء الله تعالي توقيفية لا قياسية، فقوله أولاً: اذْكُرُوا اللَّهَ أمر بالذكر، وقوله ثانيًا: وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ أمر لنا بأن نذكره سبحانه بالأسماء والصفات التي بينها لنا وأمرنا أن نذكره بها، لا بالأسماء التي نذكرها بحسب الرأي والقياس.
وحسب قولها، فإن هناك طرقًا ثلاثة في تعيين أسماء الله الحسني، أولاها اعتماد المتفق عليه في حديث الترمذي من الأسماء المذكورة فيه، التي جاءت في القرآن وصحيح السنة، وثانيها محاولة تغيير بعض الأسماء، التي لم ترد أو وردت بأحاديث ضعيفة، وثالثها محاولة استخراج جميع الأسماء من القرآن الكريم.
ومما ورد علي خلاف رواية الترمذي - الشهيرة عند العامة - ما ذكره ابن حزم، فقد نقل ابن حجر العسقلاني عن الغزالي: لم أعرف أحدًا من العلماء اعتني بطلب الأسماء وجمعها من الكتاب سوى رجل من حفاظ أهل المغرب يقال له: علي بن حزم، فإنه قال: صح عندي قريب من ثمانين اسمًا، اشتمل عليها الكتاب.
وعلق الغزالي علي ذلك بقوله: فليتطلب الباقي من الصحاح من الأخبار. وأظنه لم يبلغه الحديث الذي في عدد الأسماء، أو بلغه واستضعف إسناده.
في حين أكد ابن حجر أن ما ذكره ابن حزم لم يقتصر فيه علي ما في القرآن، بل ذكر ما اتفق له العثور عليه منه، وهو سبعة وستين اسمًا متوالية، كما نقلته عنه آخرها: الملك، والأخرى من الأحاديث.
وزاد ابن حجر عليه، اثنين وثلاثين اسمًا، هي: المولي، النصير، الشهيد، الشديد، الحفي، الكفيل، الوكيل، الحسيب، الجامع، الرقيب، النور، البديع، الوارث، السريع، المقيت، الحفيظ، المحيط، القادر، الغافر، الغالب، الفاطر، العالم، القائم، المالك، الحافظ، المنتقم، المستعان، الحكم، الرفيع، الهادي، الكافي، ذو الجلال والإكرام، وجميعها وردت واضحة في القرآن إلا الحفي فإنه في سورة مريم.
وانتهت دار الإفتاء إلي جواز اتباع أي السبل المذكورة في معرفة أسماء الله الحسني، لكنها رجحت اعتماد ما ورد في حديث الترمذي، لأنها الرواية المشتهرة في أسماء الله الحسني، ولأن كبار العلماء عولوا عليها في شرح أسماء الله الحسني كأبي حامد الغزالي في كتابه المقصد الأسني وغيره من العلماء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الراجح عند المحققين من أهل العلم هو ضعف حديث الترمذي، فقد ضعفه شيخ الإسلام وابن حجر وغيرهما، والراجح كذلك أن أسماء الله توقيفية، وما ذكر في هذا الكلام من طرق تعيين الأسماء الحسنى كلام قديم لأهل العلم واجتهادات لها حظ من النظر، ولكن الأولى في تعيينها هو التتبع لما صح في الكتاب والسنة كما جزم ابن كثير من المحققين.
وقد جمع الشيخ ابن عثيمين في القواعد المثلى تسعا وتسعين اسما ثبت ذكرها في الكتاب والسنة ولا شك أن تقدير جهود العلماء الأقدمين أمر مهم جدا، كما أن اختيار بعض أهل العلم لما ترجح عنده بالدليل لا ينبغي أن ينكر عليه ولا يعاب.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 97032، 12383، 49892، 101344، 57265، 97032.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1429(1/915)
معنى: المالك، والملك، والمليك، ومالك الملك
[السُّؤَالُ]
ـ[من أسماء الله الحسنى المالك، والمَلِك، والمليك، ومالك الملك
فهل ممكن إذا تكرمتم وجزاكم الله كل الخير أن تشرحوا لنا معانيها، وما الفرق بينها؟
وهل معنى اسم المالك مثل معنى اسم مَلِك أم أعم وأشمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الملك والمليك ومالك الملك ثبتت في الوحي، فقد قال الله تعالى: فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ {المؤمنون:116} وقال تعالى: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ {القمر:55} وقال تعالى: قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {آل عمران:26}
وأما المالك فقد ضعف الألباني الحديث الذي وردت فيه في ضعيف الجامع.
وأما معانيها فمتقاربة فهي صفات تفيد ملك الله تعالى لخلقه، ولكن المليك أبلغ من مالك لأنهما تستعملان في المبالغة إذا كان الفعل متعديا.
ق ال الزجاج في كتابه تفسير أسماء الله تعالى: قال أصحاب المعاني: الملك النافذ الأمر في ملكه إذ ليس كل مالك ينفذ أمره وتصرفه فيما يملكه، فالملك أعم من المالك، والله تعالى مالك المالكين كلهم والملاك إنما استفادوا التصرف في أملاكهم من جهته تعالى. اهـ.
وقال أيضا: مالك الملك الله تعالى يملك الملك يعطيه من يشاء وهو مالك الملوك والملاك يصرفهم تحت أمره ونهيه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.
وقال سعيد بن علي بن وهف القحطاني في كتابه شرح أسماء الله الحسنى في شرح هذه الصفات: هو الموصوف بصفة الملك وهي صفات العظمة والكبرياء، والقهر والتدبير الذي له التصرف المطلق في الخلق والأمر والجزاء.
وله جميع العالم العلوي والسفلي كلهم عبيد ومماليك ومضطرون إليه. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1429(1/916)
المقصود بأنه لا ضار إلا الله ولا نافع إلا هو سبحانه
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن اسأل عن اسمي الله ... الضار والنافع ... أعلم أنه ينبغي التوحيد فيهما لأنهما من صفات الربوبية ... ولكني لا أفهم معني كيف أنه لا ضار إلا الله ... وأنا مثلا إذا جاء شخص وألحق بي الضرر والأذى فإنه بذلك ضار لي فما معني أنه لا ضار إلا الله إذاً.... نفس الأمر بالنسبة لصفة النافع.... فأرجو الإفادة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى أنه لا ضار ولا نافع إلا الله أنه لن يستطيع أي أحد من الناس أن يلحق ضرراً بأحد ولا نفعاً إلا إذا كان قد كتبه الله له، كما في حديث الترمذي: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.
فلا يستقل أحد بالنفع والضر على الكمال إلا الله وحده، كما قال الله تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {يونس:107} ، أما غيره فلا ينفعون ولا يضرون إلا بإذن الله، ومن ها هنا كان الله سبحانه وتعالى هو النافع الضار، ولا نافع ولا ضار إلا الله، وراجع للمزيد من الفائدة والتفصيل الفتاوى ذات الأرقام التالية: 50733، 64129، 70802، 37362، 75915.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1429(1/917)
معنى: التواب والغفور
[السُّؤَالُ]
ـ[من أسماء الله الحسنى التواب والغفور والله سبحانه وتعالى يحث في القرآن العظيم على التوبة والاستغفار فسؤالي هو ماهو الفرق ال لغوي بين التوبة والمغفرة وكذلك الفرق في ذكرهما في المناسبات في القرآن؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
التوبة لغة: الرجوع والندم، والمغفرة لغة: التغطية والستر. والمعنى الاصطلاحي غير بعيد من المعنى اللغوي، والتواب والغفور يأتيان في القرآن الكريم تعقيبا على معنى يناسبهما.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال أهل اللغة: التوبة: الرجوع من الذنب. وفي الحديث: النَدمُ توبَةٌ. وكذلك التَوْبُ مثله، وتاب إلى الله توبةً ومتاباً. وقد تاب الله عليه: وَفَّقَهُ للتوبة وقبلها منه.
ومن أسماء الله الحسنى: التواب، قال تعالى: فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {البقرة:160} قال أهل التفسير: أتوب عليهم بالقبول والمغفرة. وأنا التواب الرحيم المبالغ في قبول التوبة.
وأما الغفر فأصله في اللغة التغطية والستر.. والمغفرة إلباس الله تعالى العفو للمذنبين وسترهم بذنوبهم بعدم إطلاع العباد عليها.
ومن أسماء الله الحسنى: الغَفَّار والغَفُور، وهما من أبنِية المُبالَغة ومعْناهما السَّاترِ لذُنوبِ عِبَاده وعُيوبهم المُتَجاوِز عَن خَطَاياهُم وذنوبهم.
وبذلك تعرف الفرق اللغوي بين التوبة والمغفرة.
وأما الاسمان العظيمان فيأتيان في القرآن الكريم في الغالب تعقيبا على سياق يتضمن معنى يناسب معناهما من التوبة والمغفرة والرحمة..
كما في قول الله تبارك وتعالى: فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
وكما في قوله تعالى: قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1429(1/918)
القبض والبسط من الله تعالى يعمان كل شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[الله سبحانه وتعالى يقبض ويبسط فهل القبض والبسط من المولى عز وجل في الرزق خاصة أم عام في كل شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقبض والبسط قد وردا في قول الله تعالى: مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {البقرة:245} ، قال الطبري: يعني بقوله: يقبض، يقتر بقبضه الرزق عمن يشاء من خلقه، ويعني بقوله: ويبسط، يوسع ببسطه الرزق على من يشاء منهم. وقال ابن كثير في تفسيره: والله يقبض ويبسط أي أنفقوا ولا تبالوا، فالله هو الرازق يضيق على من يشاء من عباده في الرزق، ويوسعه على آخرين.
فالقبض والبسط في خصوص الآية الكريمة قد وردا في الرزق، لكن القبض والبسط من الله تعالى يعمان كل شيء لأن من أسمائه تعالى القابض والباسط، قال القرطبي في تفسيره: والله يقبض ويبسط هذا عام في كل شيء فهو القابض الباسط، وقد أتينا عليهما في شرح الأسماء الحسنى في الكتاب الأسنى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1428(1/919)
معنى اسم الله تعالى المقيت
[السُّؤَالُ]
ـ[واحد من أسماء الله الحسنى هو المقيت فما معناه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فسر أهل العلم (المقيت) بالحفيظ، والشهيد، والحسيب، وقال بعضهم: القائم على كل شيء بالتدبير، وقيل: القدير، وقيل غير ذلك. قال الطبري: والصواب من هذه الأقوال قول من قال: معنى المقيت القدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1428(1/920)
شرح اسم الله تعالى الشكور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله (الشكور) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشكور صيغة مبالغة من الشكر, وقد ذكر الجزري في النهاية أن الشكور هو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء, فشكره لعباده مغفرته لهم, وقد نقله المباركفوري في شرح الترمذي مقرا له, وذكر في موضع آخر أن الشكور هو المثنى على عباده المطيعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1427(1/921)
شرح اسم الله تعالى القهار
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو معنى القهّار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقهار اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، وهو مشتق من القهر, والقهار هو الذي لا موجود إلا وهو مسخر تحت قهره وقدرته عاجز في قبضته، قال أحمد بن حسين البيهقي في كتابه الاعتقاد والهداية: القهار هو القاهر على المبالغة وهو القادر فيرجع معناه إلى صفة القدرة التي هي صفة قائمة بذاته، وقيل هو الذي قهر الخلق على ما أراد. قال الطبري عند قوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ {غافر: 16} قال: القهار لكل شيء سواه بقدرته الغالب بعزته. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(1/922)
معنى اسم الله (الكبير)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله الكبير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ {الرعد:9} الكبير الذي هو أكبر من كل شيء. اهـ.
وقال فيها الشوكاني: العظيم الذي كل شيء دونه. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(1/923)
أسماء الله الحسنى في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[في أي سورة من القرآن الكريم يوجد أسماء الله الحسنى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في القرآن سورة تضمنت جميع أسماء الله الحسنى بل هي متناثرة في مجموع سور القرآن الكريم. وأكثر ماورد منها في مكان واحد في سورة واحدة قوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {الحشر 22-24} الآيات الأخيرة من سورة الحشر، وأغلب سور القرآن تضمنت بعضا من أسماء الله الحسنى، وانظر الفتوى رقم: 12383
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1427(1/924)
(الفرد) ليس من أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الفرد اسم من أسماء الله تعالى؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفرد ورد في عدة أحاديث لا تخلو من كلام، منها حديث الطبراني: اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من أعطى ... وقد ضعف سنده الهيثمي في المجمع فقال: فيه فضال بن جبير وهو ضعيف مجمع على ضعفه.
وقد ورد في حديث آخر نسبه السيوطي في الجامع الصغير إلى أبي الشيخ وابن مردويه والحاكم، وقد ضعفه الألباني. وقد ذكره الترمذي في حديث الأسماء الحسنى، وذكر الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج.
وذكره كثير من العلماء عرضاً في حديثهم عن الله تعالى منهم: ابن تيمية وابن القيم وابن كثير والقرطبي.
وذكره حافظ الحكمي في سلم الوصول، ومحمد سالم بن عدود في نظمه في العقيدة. وذكر بعض العلماء أنه موجود في القرآن في سورة مريم، ولكن الظاهر في الآيتين اللتين ذكرت فيهما كلمة فرد في سورة مريم أنه لا يراد بهما الله تعالى. بل الظاهر أن العبد يأتي فرداً ليس معه أهله ولا ماله.
وقد ترك ذكره الشيخ العثيمين والقحطاني في عدهما للأسماء الحسنى؛ وهذا الأخير هو الصواب -إن شاء الله تعالى- لأن مبنى هذا الباب على التوقيف، وما دامت الأحاديث لم تثبت فلا يجوز الإطلاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1426(1/925)
الصبور من أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصبور اسم من أسماء الله الحسنى؟ إن كان نعم، فما معناه بحق الله سبحانه وتعالى؟ لأني مرة كنت في مسجد وكان هناك ورقة بها أسماء الله الحسنى ومن بينها الصبور ولم أفهم معنى الصبور بحق الله سبحانه وتعالى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصبور اسم من أسماء الله تعالى، وقد ورد في أسمائه التسعة والتسعين في رواية الترمذي والبيهقي وابن حبان ومعناه كما قال النووي في شرحه على صحيح مسلم قال: قال القاضي: والصبور من أسماء الله تعالى، وهو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام وهو بمعنى الحليم في أسمائه سبحانه وتعالى، والحليم هو الصفوح مع القدرة على الانتقام.
وكذلك قال ابن حجر في الفتح، وقال المناوي في فيض القدير: والصبور الذي لا يستعجل في مؤاخذة العصاة أو الذي لا تحمله العجلة على المنازعة إلى الفعل قبل أوانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1426(1/926)
الفرق بين (الواحد) و (الأحد)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين كلمتي (الواحد) و (الأحد) في القرآن؟ كما في قوله تعالى (هو الله الواحد) وقوله تعالى (قل هو الله أحد..) ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلا الاسمين من أسماء الله الحسنى كما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والواحد في أسماء الله تعالى هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر.
والفرق بين الواحد والأحد أن الأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد، تقول: ما جاءني أحد، والواحد اسم بني لمفتتح العدد، تقول: جاءني واحد من الناس ولا تقول: جاءني أحد، فالواحد منفرد بالذات في عدم المثل والنظير، والأحد منفرد بالمعنى.
وقيل: الواحد هو الذي لا يتجزأ ولا يثنى ولا يقبل الانقسام ولا نظير له ولا مثل، ولا يجمع هذين الوصفين إلا لله تعالى.
انظر النهاية في غريب الحديث والأثر للجزري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1426(1/927)
الأسماء الحسنى التي لم ترد في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول صلي الله عليه وسلم (لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة) وقد جاء ذكر هذه الأسماء في القرآن الكريم إلا أن من أسماء الله تعالى مالم يأت ذكرها صراحة في كتاب الله وإنما ذكرت معانيها ومشتقاتها وما يدل عليها فما هي أسماء الله التي لم يأت ذكرها صراحة في القرآن الكريم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأسماء الحسنى التي لم ترد في القرآن وردت في صحيح السنة، وراجع الفتوى رقم: 12383. فليرجع إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1425(1/928)
حكم تغيير الاسم والتسمي بعبد القدير
[السُّؤَالُ]
ـ[أود ان أسأل عن تغير اسمي من (عبد القديم) إلى (عبد القدير) ، لذا أحتاج إلى نصيحتكم المشرفة حول الاسم من الناحية الشرعية، أيهما أصح (عبد القدير) أم (قدير) ؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعاً من تغيير الاسم، وخاصة إذا كان التغيير إلى الأحسن إذا لم يؤد ذلك إلى ضرر لك أو لغيرك من تضييع الحقوق ... فقد غير النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأسماء، كما في صحيح مسلم عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنها.
والقديم جاء الوصف بها لله تعالى في بعض الآثار، كما في سنن أبي داود، ولتفصيل ذلك وأقوال العلماء نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 15709.
والأولى أن يتسمى بعبد القدير الذي هو اسم من أسماء الله الحسنى سمى به نفسه في محكم كتابه، فقال تعالى: وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ {الروم:54} ، وأما قدير بالتنكير (بدون أل) فلا مانع من التسمية بها شرعاً هذا إذا كنت تقصد التسمية بقدير.
وأما إذا كنت تقصد التسمية بعبد قدير، فإن الأصح أن تتسمى بعبد القدير بأل، لأن الاسم الكريم لا يعتبر اسما في غير حال الدعاء إلا إذا كان مصحوباً بأل، وأحب الأسماء إلى الله تعالى ما أضيف إلى اسم من أسمائه بلفظ العبودية له سبحانه وتعالى، كما جاء في صحيح مسلم: أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن. ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 10793.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1425(1/929)
(الكافي) من أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[نود من سماحتكم التفضل بالإجابة على سؤالنا وهو: هل الكافي من أسماء الله الحسنى أم لا، مع ذكر الدليل على ذلك، أفيدونا مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يوصف بأنه كافٍ عباده ما يحتاجون إليه، وهي صفة ثابتة بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {البقرة: 137} . وقوله تعالى: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ {الحجر:95} . وقوله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ {الزمر: 36} . والدليل من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا. رواه مسلم. وروي أيضاً عن أنس في قصة الغلام والراهب وفيه: اللهم اكفينيهم بما شئت.
قال الشيخ السعدي في تفسيره: الكافي عباده جميع ما يحتاجون ويضطرون إليه، والكافي كفاية خاصة من آمن به وتوكل عليه واستمد منه حوائج دينه ودنياه.
قال الإمام الطبري عند قوله تعالى: قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُون َ {الزمر: 38} ، فإنه الكافي وبيده الضرر والنفع. اهـ. وقال: عند قوله تعالى: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ يقول: أسلم أمري إلى الله، وأجعله إليه، وأتوكل عليه، فإنه الكافي من توكل عليه. اهـ.
وقد ورد الكافي في أسماء الله تعالى عند ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. وقد ذكر القاضي ابن العربي المالكي في أحكام القرآن، والحافظ ابن حجر في فتح الباري وكذلك في التلخيص الحبير أن الكافي من أسماء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1425(1/930)
النور من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا
[السُّؤَالُ]
ـ[عاجل!!!!
معنى كلمة النور في القرآن وردت كلمة النور في القرآن أكثر من ثلاثين مرة. فأود أن أرفع شبهة من الشبهات العظيمة ولا شك أنه من افتراء الكذب على الله سبحانه، وتعالى عما يصفون، ففي سورة النور: الله نور السماوات والأرض ... الآية. منهم من فسر بنفسه هذه الآية وزعم أن الله نور بذاته سبحانه وتعالى, وزادهم في ضلالتهم الحديث الذي سئل فيه النبي صلي الله عليه وسلم: هل رأيت ربك فقال رأيت نورا.
فالرجاء المساعدة جزاكم الله لرفع هذا البهتان لأني كل ما أردت أن أبين لهم لم يصدقوني؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن من الاعتقاد الصحيح الموافق لعقيدة أهل السنة والجماعة أن تعتقد أن الله تعالى نور، وأن النور اسم من أسمائه الحسنى وصفة من صفاته تعالى العليا، وهي صفة ذات لازمة له تعالى على ما يليق به، فلم يزل ولا يزال سبحانه وتعالى متصفاً بها. قال الإمام ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل: ولما كان النور من أسمائه الحسنى وصفاته كان دينه نوراً ورسوله نوراً، وداره نوراً يتلالأ، والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين ويجري على ألسنتهم ويظهر على وجوههم. انتهى
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى: وإن مما قضى الله علينا في كتابه ووصف به نفسه ووردت السنة بصحة ذلك أنه قال: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [سورة النور: 35] . ثم قال عقيب ذلك: نُّورٌ عَلَى نُورٍ وبذلك دعاه النبي صلى الله عليه وسلم: أنت نور السماوات والأرض. انتهى
هذا وقد جاء عن بعض السلف تفسير قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بأنه هادي أهل السموات والأرض وفسر أيضاً بأنه منور السموات والأرض، وهذا لا يتنافى أبداً مع كونه تعالى نوراً. قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى: ثم قول من قال من السلف: هادي أهل السموات والأرض لا يمنع أن يكون في نفسه نوراً، فإن من عادة السلف في تفسيرهم أن يذكروا بعض صفات المفسر من الأسماء أو بعض أنواعه، ولا ينافي ذلك ثبوت بقية الصفات للمسمى، بل قد يكونان متلازمين ولا دخول لبقية الأنواع فيه. انتهى
وقال أيضاً في موضع آخر: فقول من قال الله نور السموات والأرض، هادي أهل السموات والأرض كلام صحيح، فإن من معاني كونه نور السموات والأرض أن يكون هادياً لهم أما إنهم نفوا ما سوى ذلك، فهذا غير معلوم وأما إنهم أرادوا فقد ثبت عن ابن مسعود قال: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار نور السموات من نور وجهه وقد تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر نور وجهه وفي رواية: النور ما فيه كفاية، فهذا بيان معنى غير الهداية، وقد أخبر الله في كتابه أن الأرض تشرق بنور ربها، فإذا كانت تشرق من نوره كيف لا يكون هو نوراً. انتهى
وقال كذلك رحمه الله: وكذلك من قال منور السموات والارض لا ينافي أنه نور فهما متلازمان.
وبهذا تعلم أن من فسر أن الله تعالى نور بذاته قد أصاب، ولم يخطئ كما يفهم من سؤالك، وهذا النور الذي هو اسمه وصفته تعالى لا يشبه نور المخلوقين وإنما هو نور يليق بعظمته وكبريائه وجلاله تعالى ولا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وهو القائل جل وعلا: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {طه:110} ، وفي ختام الجواب نرجو من الله تعالى أن يكون الحق قد بان لك، فإذا عرفت فالزم حتى يستنير قلبك بنور الإيمان وإلا فإن المخالف محروم من ذلك النور، والله تعالى يقول: وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ [سورة النور: 40] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1425(1/931)
وجه اقتران اسم الله العزيز باسميه الحكيم والجبار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله العزيز ولماذا ترد دائما مع الحكيم أو الجبار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأسماء المذكورة من أسماء الله الحسنى التي تضمنت بعض صفاته العلى، وقد ورد اسم العزيز بالتعريف مقروناً بالحكيم في سبع وعشرين موضعاً من كتاب الله عز وجل أولها في سورة آل عمران وآخرها في سورة التغابن.
وبالتنكير مرفوعاً عزيز حكيم، في ثلاثة عشر موضعاً أولها في البقرة وآخرها في لقمان، وبه منصوباً: (عزيزاً حكيماً) في خمسة مواضع أولها في النساء وآخرها في الفتح، وأما العزيز الجبار، فقد وردت في القرآن الكريم مرة واحدة في سورة الحشر.
ومعنى العزيز في اللغة: القوي المنيع من العزة والمنعة التي هي ضد الذل والهوان، ومعنى الحكيم: العالم المدبر للأمور المتقن لها.
ومعنى الجبار: القوي العظيم الذي جبر الخلائق على ما أراد، أو جبر حالهم بمعنى أصلحهم.
ويرد ذكر العزيز مقروناً بالحكيم كثيراً في ختام الآيات والتعقيب على سياق يكون التعقيب عليه بالعزة والحكمة مناسباً لمعناه، كما في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ [البقرة: 129] .
قال الطبري في تفسيره: العزيز: القوي الذي لا يعجزه شيء أراده، الحكيم: الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل.
ويقول في آيات أخرى: العزيز في انتصاره ممن كفر به إذا شاء والحكيم في عذره وحجته إلى عباده.
وفي سياق آخر يقول: عزيز في نقمته حكيم في أمره.
ويقول في موضع آخر: العزيز الذي لا يمتنع عليه شيء أراده ولا ينتصر منه أحد عاقبه أو انتقم منه الحكيم في تدبيره.
وفي موضع آخر يقول: العزيز في انتقامه من أهل الكفر بأيدي أوليائه وأهل طاعته الحكيم في تدبيره لكم أيها المؤمنون على أعدائكم.
وهكذا....
وهذه التفاسير كلها تؤول لمعنى واحد وهو ما أشرنا إليه في البداية، وإن كانت العبارات تختلف باختلاف السياق المعقب عليه.
وأما قوله تعالى: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ.
فقال عنه ابن عباس كما في تفسير البغوي: هو العظيم، وجبروت الله عظمته، وقيل هو من الجبر أي الإصلاح، فهو سبحانه وتعالى يصلح حال عباده، يغني الفقير ويجبر الكسير ويشفي السقيم....
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1425(1/932)
معنى (الهادي) و (الوارث) من أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو من أسماء الله عز جل ما معنى الهادي والمورث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اسم الله سبحانه وتعالى (الهادي) جاء في سنن الترمذي ضمن أسماء الله الحسنى
ومعناه كما جاء في شرحه: أي الذي بصر عباده وعرفهم طريق معرفته حتى أقروا بربوبيته.. وهدى كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام وجوده، كما قال تعالى: ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
وقوله تعالى: والذي قدر فهدى..
وأما المورث فلم يرد في الأسماء الحسنى
ولعلى السائل الكريم يقصد: (الوارث) ومعناه الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم
كما قال تعالى: إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون..
وقال تعالى: كل شي هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون. .
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 12383.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1425(1/933)
لا بأس بحفظ أسماء الله الحسنى دون الإحاطة بمعناها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى أو تفسير أسماء الله الحسنى، وهل يجوز على المسلم أن يحفظ أسماء الله الحسنى دون أن يعرف جميع معانيها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكنك الرجوع في تفسير أسماء الله الحسنى إلى كتاب شعب الإيمان للإمام البيهقي، أو إلى كتاب من الكتب المذكورة في الفتوى رقم: 30452.
ولا يلزم لحفظها العلم بمعانيها، وانظر الفتوى رقم: 29327.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1425(1/934)
السر في تسمية الله نفسه باسم \"الله\"
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا الله تعالى اتخذ اسم (الله) ، ما هو السر في هذا الاسم، ولماذا لم يتخذ اسم آخر ما معنا هذا الاسم؟ شكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قد سبق الجواب عنه في الفتوى رقم: 45868
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1425(1/935)
الله أبر أسمائه سبحانه وأجمعها
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا الله تعالى اتخذ لنفسه الشريفة اسم (الله) ، ما هو السر في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله اسم الذات المقدسة ذات الله جل وعلا، قال القرطبي: الله: هذا الاسم أبر أسمائه سبحانه وأجمعها.
وقال ابن كثير: الله: علم على الرب تبارك وتعالى، وقال في المقصد الأسني 1/61.
واسم الله أعظم أسماء الله التسعة والتسعين.
- لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الإلهية كلها، بينما سائر الأسماء لا يدل آحادها إلا على آحاد المعاني من علم وقدرة أو فعل أو غيره.
- لأنه أخص الأسماء إذ لا يطلقه أحدُ على غيره لا حقيقة ولا مجازاً، وسائر الأسماء قد يسمى بها غيره كالقادر والعليم والرحيم وغيره.
-ولأن معاني سائر الأسماء يتصور أن يتصف العبد بشيء منها كالرحيم والعليم والحليم والصبور والشكور وغيره، وإن كان إطلاق الاسم عليه على وجه آخر يباين إطلاقه على الله عز وجل، وأما معنى هذا الأسم فخاص خصوصاً لا تتصور فيه مشاركة لا بالمجاز ولا بالحقيقة.
- ولأجل هذه الخصوصية توصف سائر الأسماء بأنها اسم الله عز وجل فيقال الصبور والشكور والملك والبار من أسماء الله، ولا يقال الله من أسماء الصبور والشكور لأن ذلك من حيث هو أدل على كنه المعاني الإلهية وأخص بها، فكان أشهر وأظهر فاستغني عن التعريف بغيره وعرف غيره بالإضافة إليه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1425(1/936)
(المتكبر) من الأسماء الحسنى بخلاف (الضار)
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في أسماء الله الحسنى اسم (الضار) ، واسم (المتكبر) ، فهل هذه الصفات موجودة في الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن من أسماء الله الحسنى المتكبر كما قال الله تعالى في سورة الحشر: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر:23] .
ومعنى المتكبر أي العظيم ذو الكبرياء، وقيل: المتعالي عن صفات الخلق، وقيل: المتكبر على عتاة خلقه، والكبرياء هنا العظمة والملك، أو هي عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود، ولا يوصف بها إلا الله تعالى.
وجاء في فيض القدير: المتكبر ذو الكبرياء وهو الملك أو الذي يرى غيره حقيراً بالإضافة إليه، فينظر إلى غيره نظر المالك إلى عبده، وهو على الإطلاق لا يتصور إلا لله تعالى وتقدس، فإنه المتفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة لكل شيء من كل وجه، ولذلك لا يطلق على غيره إلا في معرض الذم. انتهى.
وقال في موضع آخر: " المتكبر" المظهر كبرياءه لعباده بظهور أمره حتى لا يبقى كبرياء لغيره. انتهى.
وقال القرطبي: المتكبر الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله، وقيل: المتكبر عن كل سوء، المتعظم عما لا يليق به من الصفات، وأصل الكبر والكبرياء الامتناع وقلة الانقياد.
قال حميد بن ثور: عفت مثل ما يعفو الفصيل فأصبحت * بها كبرياء الصعب وهي ذلول
فالمقصود أن الكبرياء في صفات الله مدح لما تقدم من معانيها، وفي صفات المخلوقين ذم.
وأما الضار فلم يثبت أنه من أسماء الله تعالى والحديث الوارد فيه ضعيف، ولكن إيصال الضرر بمن شاء من عباده صفة له جل وعلا، وكما هو معلوم فإن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، قال الله تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ [الأنعام:17]
فالرب من صفاته أن ينفع من يعبده ويطيعه ويضر من يكفر به ويعصيه، وإنما الذي لا ينفع ولا يضر هو العاجز، والله منزه عن العجز.
على أن هذه الصفة أو هذا الاسم إن صح أن يسمى الله به، لا يذكر في حق الله تعالى إلا مقروناً أو مقيداً بما يفيد معنى حسناً في حق الله، ذلك أن صفة الضر تكون كمالاً في حال ونقصاً في حال ثان، كما هو الأمر في صفة المكر والكيد والخداع والاستهزاء المذكورة في حق الله، كما قال الله تعالى: وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين َ، وقال تعالى: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم ْ، وقال تعالى: يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُم ْ، وقال تعالى: وَأَكِيدُ كَيْدًا، فلا بد من اقتران هذه الصفات بما يدل على أنها في حق الله كمال، وذلك عندما تكون في مقابلة من يفعل ذلك، لأنها حينئذ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بمثل فعله أو أكثر، وأنه لا تنطلي عليه حيلة ولا يمكن خداعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1424(1/937)
(المبارك) ليس من أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل (المبارك) من أسماء الله الحسنى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمبارك ليس من أسماء الله تعالى، لأن أسماء الله تعالى توقيفية، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة تسمية الله بذلك، ولكن باب الإخبار عن الله واسع، فيصح أن يقال عن الله تعالى إنه مبارِك بكسر الراء، أي يجعل البركة في المخلوق.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1424(1/938)
المنان اسم من أسماء الله تعالى الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[يا حنان ويا منان ليست من أسماء الله، ولكن يقال إنها من صفاته.
فهل هذا صحيح؟ وهل من آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو قدسية تدل على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمنان اسم من أسماء الله تعالى، لما روى أحمد وأبو داود وابن حبان عن أنس أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلي، ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى.
وأما الحنان، فلم يثبت كونه اسما لله تعالى في السنة الصحيحة، ولهذا فقد كره مالك رحمه الله الدعاء به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد نقل عن مالك أنه قال: أكره للرجل أن يقول في دعائه: يا سيدي يا سيدي، يا حنان يا حنان، ولكن يدعو بما دعت به الأنبياء: ربنا ربنا، نقله عنه العتبي في العتبية. انتهى من مجموع الفتاوى 10/285.
لكن ثبتت لله تعالى صفة الحَنَََان بمعنى الرحمة، لقوله تعالى: وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا [مريم: 13] .
قال ابن عباس: ورحمة من عندنا.
وقال الضحاك: رحمة من عندنا لا يملك عطاءها أحد غيرنا.
وفُسِّر "الحَنَان" بالتعطف وبالرحمة، وبالتعظيم، كما أورده الطبري في التفسير.
ونقل القرطبي عن ابن الأعرابي قوله: الحنّان من صفة الله تعالى مشددا: الرحيم، والحنَان مخفف: العطف والرحمة، والحنان: الرزق والبركة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1424(1/939)
كتاب عن: شرح أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[أين أجد أسماء الله ومعانيها على الإنترنت
وشكرا"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نقف على موقع يذكر أسماء الله تعالى الحسنى ويشرحها شرحاً صحيحاً، ولذا ننصح الأخ السائل بشراء كتيب اسمه "شرح أسماء الله الحسنى" تأليف سعيد بن علي بن وهف القحطاني، وفيه غنية عن غيره ولله الحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(1/940)
المبين من أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المبين من أسماء الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المبين من أسماء الله عز وجل قال الله تعالى: أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور: 25] .
ولمزيد من الفائدة حول أسماء الله الحسنى نحيل السائل إلى الفتوى رقم:
12383
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1424(1/941)
توضيح معنى اسمه تعالى "المؤمن"
[السُّؤَالُ]
ـ[من أسماء الله سبحانه وتعالى المؤمن، فما معناه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد فسر ابن كثير اسمه تعالى "المؤمن" قائلا: المؤمن: قال الضحاك عن ابن عباس: أي أمن خلقه من أن يظلمهم.
وقال قتادة: أمن بقوله أنه حق.
وقال زيد: صدق عباده المؤمنين في إيمانهم به. انتهى.
وقال القرطبي في تفسيره: "المؤمن" أي المصدق لرسله بإظهار معجزاته عليهم، ومصدق المؤمنين ما وعدهم به من الثواب، ومصدق الكافرين ما أوعدهم من العقاب.
وقيل: المؤمن الذي يؤمن أولياءه من عذابه ويؤمن عباده من ظلمه، يقال: آمنه من الأمان الذي هو ضد الخوف، كما قال تعالى: وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش: 4] . فهو مؤمِّن
وقال مجاهد: المؤمن الذي وحد نفسه بقوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران: 18] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1424(1/942)
الفتاح من أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الفتاح من أسماء الله الحسنى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أسماء الله العظيمة الفَتَّاح جل جلاله، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى: قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ [سبأ:26] .
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 12383.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1424(1/943)
الطيب من أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الطيب من أسماء الله، أجيبوا على السؤال بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الطيب من أسماء الله تعالى، وقد رود هذا الاسم في أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. رواه مسلم وغيره، عن أبي هريرة.
واعلم أن ما رود من أسماء الله في القرآن وفي السنة ليس هو جميع أسماء الله، بل توجد أسماء استأثر الله بها لا يعرفها أحد، يشير إلى ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:..... أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أوعلمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك.... أخرجه الإمام أحمد عن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله، وصححه الحاكم وابن حبان وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1424(1/944)
معنى اسم الله الخالق والباريء والمصور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق في المعنى بين: الخالق , البارئ ,المصور؟
جزاكم الله عنا كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفرق بين أسماء الله عز وجل (الخالق) و (الباري) و (المصور) هو ما ذكره ابن كثير -رحمه الله في تفسيره (4/344-345) عند تفسير قوله تعالى:) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّر [الحشر: من الآية24] حيث قال هناك: (هو الله الخالق البارئ المصور) الخلق: التقدير، والبرء: هو الفري وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود، وليس كل من قدر شيئاً ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل، قال الشاعر يمدح آخر:
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ... ـــض القوم يخلق ثم لا يفري
قدر الجلاد ثم فرى، أي قطع على ما قدره بحسب ما يريده، وقوله تعالى: (الخالق البارئ المصور) أي الذي إذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون على الصفة التي يريد، والصورة التي يختار كقوله تعالى: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (الانفطار:8) ولهذا قال: المصور، أي الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1424(1/945)
كتب حول أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[من الذي قام بجمع وترتيب أسماء الله الحسنى بشكلها المعروف ومتى؟ أم أن هذا الترتيب قد ورد في حديث قدسي أو نبوي؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت بعض أسماء الله الحسنى في الحديث الذي رواه الترمذي وسبق في الفتوى رقم: 12383، وقد ألفت في أسماء الله مؤلفات كثيرة منها:
ألواح الذهب وأسرار الطلب في أسماء الله الحسنى للشيخ شهاب الدين السهروردي.
الحرز الأسنى شرح أسماء الله الحسنى لعلاء الدين الشافعي.
الأنباء في شرح الصفات والأسمى للأزهري.
المقصد الأسنى شرح الأسماء الحسنى للغزالي.
منتهى المنى في شرح أسماء الله الحسنى للبيضاوي.
الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للإمام القرطبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1424(1/946)
معاني كلمة (رب)
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد الصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تحية إسلامية ... وبعد:
جرت مناقشة حادة بيني وبين أحد الأصدقاء في كلمة اسم (ربي) فهو كما يزعم أنها اشتقت من التربية ويقول في ذلك أن الرب رباه، كما أنه مربي الإنسانية جمعاء بمسلميها وغيرها، بينما أنا أقول أن كلمة الرب لا تعني ما يقول البتة لأن مثل هذه الكلمة تطلق على الكثير، نقول مثلا رب العمل ورب كلمة تقال: أما رب العائلة وربة البيت فيصح أن تدخل فيها التربية، هكذا قولي: وأرجو الجواب الصحيح من فضلكم عاجلاً وغير آجل.
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالرب اسم من أسماء الله تعالى، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة، تقول: رب الدار، رب كذا، وأما الرب فلا يقال إلا لله عز وجل، وقد قيل إنه الاسم الأعظم، كما ذكر ذلك عدد من المفسرين.
وهو في اللغة يطلق على عدة معانٍ:
يطلق على المالك، كما يقال لمالك الدار: رب الدار ويطلق على السيد، ومنه قوله تعالى: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك [يوسف:42] ،: وفي الحديث: أن تلد الأمة ربتها أي سيدتها، كما يقال لمالك الدار رب الدار، ويطلق على المصلح والمدبر والقائم. قال الهروي وغيره: يقال لمن قام بإصلاح شيء وإتمامه: قد ربه يربه فهو رب له، ومنه سمي الربانيون لقيامهم بالكتب. وفي الحديث: هل لك من نعمة تربُّها عليه. أي تقوم بها وتصلحها.
ويطلق على: المعبود، ومنه قول الشاعر:
... أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذل من بالت عليه الثعالب
وهو بكل هذه المعاني صحيح إطلاقه على الله تعالى فهو المالك وهو السيد وهو المصلح والمدبر وهو المعبود بحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1424(1/947)
الأشياء التي خلقها الله بيده
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأشياء التي خلقها الله بيده وما هي الأدلة على ذلك ولماذا خص اليد بالذكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخبر الله تعالى أنه خلق آدم عليه السلام بيده، قال تعالى: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ [ص:75] .
وخلق جنة عدن وغرس أشجارها بيده، كما أخرج الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلق الله جنة عدن وغرس أشجارها بيده، فقال لها: تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(1/948)
اسم الله الأعظم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله عز وجل له 99 اسماً فهل يمكن أن نعرف اسمه المائة الذي إذا سأل به أحد أعطي؟ وما الآيات التي ورد فيها اسم الله المائة وما هي الأحاديث التي أشارت إلى وجودها وما هو إن كان معلوم؟ وجزاكم الله كل خير وشكراً ...
السلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان السائل يريد معرفة اسم الله الأعظم، فالراجح من أقوال العلماء - والله أعلم- أن اسم الله الأعظم هو "الله" وذلك لثبوته في أغلب الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان الاسم الأعظم، وراجع في هذا الفتوى رقم: 6604، ففيه الأحاديث التي طلبت ذكرها، وممن صرح بأن اسم الله الأعظم هو "الله" الخطيب الشربيني -رحمه الله- حيث قال في شرحه لمتن الإقناع لأبي شجاع: وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم، وقد ذكر في القرآن العزيز في ألفين وثلاثمائة وستين موضعاً. انتهى
وقال ابن عابدين في رد المحتار: وروى هشام عن محمد عن أبي حنيفة أنه اسم الله الأعظم، وبه قال الطحاوي وكثير من العلماء. انتهى
والراجح -والله أعلم- أن اسم الله الأعظم داخل ضمن الأسماء التسعة والتسعين، وهو أحد احتمالين ذكرهما الإمام الغزالي في المقصد الأسنى فقال: ويحتمل أن يُقال: إنها تشتمل على اسم الله الأعظم، ولكنه مبهم فيها. انتهى
أما إن كان السائل يقصد أن هناك اسماً لله يكمل المائة فنقول له: إن اسماء الله تعالى ليست محصورة في العدد المذكور في الحديث، وليست مائة فقط ولكنها كثيرة، تصعب معرفتها كلها فضلاً عن حصرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك...... رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
ولمعرفة كثير من المعلومات عن أسماء الله الحسنى راجع الفتوى رقم:
12383.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1423(1/949)
أقوال العلماء في الفرق بين اسم الرحمن واسم الرحيم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين كلمة الرحمن وكلمة الرحيم في الآية: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) سورة البقرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللعلماء أقوال في الفرق بين اسم الرحمن واسم الرحيم، فمنهم من يقول:
- هما بمعنى، وإنما جمع بينهما للتوكيد.
- وقيل: ليس بناء فعلان كفعيل، فإن فعلان لا يقع إلا على المبالغة.
- وقيل: إن الرحمن خاص الاسم عام الفعل، والرحيم عكسه أي عام الاسم خاص الفعل، والمعنى أن صفة الرحمة في الرحمن تعني صاحب الرحمة الذي تشمل رحمته جميع المخلوقات.
أما الرحيم، فإن الرحمة تكون فيه خاصة بالمؤمنين، وليس اسماً خاصاً بالله سبحانه، ونسب القرطبي هذا القول للجمهور، وهو الأقرب بدليل: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) [الأحزاب:43] .
وانظر تفسير القرطبي (1/105) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1423(1/950)
عدد ورود كلمة (بصير) في القرآن، ومعناه
[السُّؤَالُ]
ـ[اسم بصير اسم من أسماء الله الحسنى فكم مرة ذكر في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
إن الله جل وجلاله له أسماء حسنى وصفات عُلا دالة على كماله ونعوت جلاله، تعرَّف بها إلى عباده قال تعالى: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:24] .
ومن فضل الله على عباده أنه جعل هذه الأسماء ليدعى بها دعاء مسألة، فيتوسل بها لطلب الحوائج ودفع النوائب، أو دعاء عبادة بتدبر معانيها ومعرفة مقتضاها فيتعبد بها سبحانه، قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوه بها [الأعراف:180] .
ومن هذه الأسماء اسمه "البصير" ومعناه: الذي لا يغيب عن إدراكه شيء وإن دق وخفي.
ومعرفة هذا المعنى تحقق في النفس الخوف من الله تعالى ومراقبته في السر والعلن وفي الخلوة والجلوة، فيراقبه العبد في جميع أموره، ويستحي أن يراه في معصيته.
هذا هو الأمر الأهم في معرفة الأسماء الحسنى، ولا بأس من التعرف على عدد المرات التي ورد بها الاسم إذا كان في ذلك علم ينفع، وقد ورد اسمه "البصير" في القرآن (51) مرة ورد بلفظ "بصيراً" (11) إحدى عشر مرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1423(1/951)
أسماء الله الحسنى كما وردت في القرآن الكريم والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[كم اسم من أسماء الله ورد في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة" ورواه الترمذي، وزاد تعيين الأسماء كالتالي: هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الوارث الرشيد الصبور.
وقد اختلف العلماء في صحة رواية الترمذي فبعضهم صححها وبعضهم ضعفها، وبعضهم قال: إنها مدرجة من بعض الرواة، وممن حكم بضعفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ولكن اجتهد العلماء في تعينها بالاستقراء من الكتاب والسنة، وقد ذكر الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه القواعد المثلى تسعة وتسعين اسماً أخذها من القرآن والسنة، وهي على النحو التالي:
الله الأحد الأعلى الأكرم الإله الأول
والآخر والظاهر الباطن البارئ البر البصير
التواب الجبار الحافظ الحسيب الحفيظ الحفي
الحق المبين الحكيم الحليم الحميد الحي
القيوم الخبير الخالق الخلاق الرءوف الرحمن
الرحيم الرزاق الرقيب السلام السميع الشاكر
الشكور الشهيد الصمد العالم العزيز العظيم
العفو العليم العلي الغفار الغفور الغني
الفتاح القادر القاهر القدوس القدير القريب
القوي القهار الكبير الكريم اللطيف المؤمن
المتعالي المتكبر المتين المجيب المجيد المحيط
المصور المقتدر المقيت الملك المليك المولى
المهيمن النصير الواحد الوارث الواسع الودود
الوكيل الولي الوهاب
ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الجميل الجواد الحكم الحيي الرب الرفيق السبوح السيد الشافي الطيب القابض الباسط المقدم المؤخر المحسن المعطي المنان الوتر.
ونشير هنا إلى أن هذه الأسماء هي من أسماء الله، وليست كل أسماء الله، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ... " رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما، وما استأثر الله به في علم الغيب لا يمكن لأحد الاطلاع عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1422(1/952)
(الستير) من أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من أسماء الله الحسنى: الساتر أو الستير أو الستار؟ وما هو الدليل الشرعي؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إثبات الأسماء لله تعالى أمر توقيفي، فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما عن الأسماء المذكورة في السؤال، فإن الساتر والستار لم يرد - فيما نعلم - ما يدل على أنها من أسماء الله تعالى.
وأما الستير، فقد روى أحمد وأبو داود والنسائي عن يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر" وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1422(1/953)
الفرق بين الواحد والأحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الواحد والأحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فقد اختلف العلماء في الكلام عليهما على قولين:
الأول: لا فرق بينهما بل هما بمعنىً واحدٍ، قال الخليل بن أحمد، يجوز أن يقال: أحد اثنان، كما يجوز أن يقال: واحد اثنان في الأعداد المتتالية الخ. وهمزة أحد مقلوبة من الواو فأصل أحد وحدٌ.
الثاني: أن الواحد والأحد ليسا اسمين مترادفين، قال الأزهري: لا يوصف شيء بالأحدية غير الله تعالى، فلا يقال: رجل أحد، ولا درهم أحد. بل يقال: رجل واحد ودرهم واحد. وقيل: أحد صفة من صفات الله تعالى استأثر بها، فلا يشركه فيها شيء.
وذكروا وجوهاً في الفرق، منها: أن الواحد يدخل في الأحد ولا عكس. ثانيها: تقول فلان لا يقاومه واحد، بل يقاومه اثنان، بخلاف الأحد فلا تقول: لا يقاومه أحد بل يقاومه اثنان. ثالثها: أن الواحد يستعمل في الإثبات وفي النفي، والأحد لا يستعمل في النفي، والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/954)
رؤية الله تعالى لا تعني الإحاطة به
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وعدنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بأننا سوف نرى ربنا يوم القيامة، فهل سوف نرى وجهه فقط؟ أم أننا سوف نرى يديه ورجليه واستواءه على عرشه سبحانه وتعالى؟.
جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرؤية الله تعالى ثابتة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 2426. وقد جاءت النصوص في ذلك مطلقة دون تقييد بالوجه، كقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {القيامة:22-23} . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم سترون ربكم عيانا. متفق عليه. واللفظ للبخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أهل الجنة الجنة قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل. رواه مسلم.
فينبغي أن تبقى دلالة هذه النصوص على إطلاقها كما يليق بجلال الله تعالى من غير تكييف، مع التنبه إلى أن الإحاطة والإدراك منفيان عن الله تعالى، كما قال عز وجل: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَار ُ {الأنعام:103} . وقال: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {طه:110} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء، ولم ينف مجرد الرؤية، لأن المعدوم لا يرى وليس في كونه لا يرى مدح، إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحا، وإنما المدح في كونه لا يحاط به ـ وإن رئي ـ كما أنه لا يحاط به ـ وإن علم ـ فكما أنه إذا علم لا يحاط به علما، فكذلك إذا رئي لا يحاط به رؤية، فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحا وصفة كمال، وكان ذلك دليلا على إثبات الرؤية لا على نفيها، لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها. انتهى.
وقال ابن حجر: نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين: رؤيتنا لله عز وجل لا تقتضي الإحاطة به، لأن الله تعالى يقول: ولا يحيطون به علما. فإذا كنا لا يمكن أن نحيط بالله علما، والإحاطة العلمية أوسع وأشمل من الإحاطة البصرية، دل ذلك على أنه لا يمكن أن نحيط به إحاطة بصرية، ويدل لذلك قوله تعالى: لا تدركه الأبصار. وهو يدرك الأبصار، فالأبصار ـ وإن رأته ـ لا يمكن أن تدركه، فالله عز وجل أعظم من أن يحاط به، وهذا الذي ذهب إليه السلف. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1430(1/955)
هل كل كلام الله تعالى يعد قرآنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل كلام الله تعالى قرآن؟ ويوم القيامة ألا يتكلم الله وقت الحساب فهل هذا قرآن؟ وهل صحيح القول بأن الله تعالى يفسر لنا القرآن؟ وكيف نفسر قوله تعالى: فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقرآن اصطلاح يخص بعض كلام الله تعالى، وهو كلام الله المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز وللتعبد بألفاظه، المكتوب في المصاحف. وما عدا ذلك من كلام الله تعالى لا يسمى قرآنا في الاصطلاح. حتى كلام الله المنزل وحياً على الأنبياء السابقين كالتوراة والإنجيل والزبور وإن كان من كلام الله كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 68647، إلا إنه لا يسمى قرآنا في الاصطلاح، وإن سمي قرآنا من حيث اللغة أو الاستعمال العربي، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: خفف على داود عليه السلام القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه. رواه البخاري، وفي رواية أخرى عنده: خفف على داود القراءة.
قال ابن حجر: الْمُرَاد بِالْقُرْآنِ مَصْدَر الْقِرَاءَة لَا الْقُرْآن الْمَعْهُود لِهَذِهِ الْأُمَّة اهـ. وقال في موضع آخر: قِيلَ: الْمُرَاد بِالْقُرْآنِ الْقِرَاءَة، وَالْأَصْل فِي هَذِهِ اللَّفْظَة الْجَمْع وَكُلّ شَيْء جَمَعْته فَقَدْ قَرَأْته. وَقِيلَ: الْمُرَاد الزَّبُور. وَقِيلَ: التَّوْرَاة، وَقِرَاءَة كُلّ نَبِيّ تُطْلَق عَلَى كِتَابه الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ قُرْآنًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى وُقُوع الْمُعْجِزَة بِهِ كَوُقُوعِ الْمُعْجِزَة بِالْقُرْآنِ أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِب الْمَصَابِيح وَالْأَوَّل أَقْرَب. اهـ.
وقال ابن القيم: وَالْمُرَاد بِالْقُرْآنِ هَهُنَا الزَّبُور، كَمَا أُرِيد بِالزَّبُورِ الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ. اهـ.
والأصل في ذلك أن يعلم السائل الكريم أن كلام الله لا منتهى له، كما قال سبحانه: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا {الكهف: 109} وقال عز وجل: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {لقمان: 27}
قال السعدي: أخبر تعالى عن سعة كلامه وعظمة قوله، بشرح يبلغ من القلوب كل مبلغ، وتنبهر له العقول، وتحير فيه الأفئدة، وتسيح في معرفته أولو الألباب والبصائر، فقال: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ يكتب بها وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مدادا يستمد بها، لتكسرت تلك الأقلام ولفني ذلك المداد، ولم تنفد كَلِمَاتُ اللَّهِ تعالى ... بل دلنا الدليل الشرعي والعقلي، على أنه لا نفاد له ولا منتهى، وكل شيء ينتهي إلا الباري وصفاته وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى.. اهـ.
وقد تقدم بيان أن كلام الله تعالى قديم النوع حادث الآحاد، وأنه صفة ذاتية فِعْلية، في الفتويين: 54133، 35232.
وبهذا يتبن أن كلام الله تعالى يوم القيامة ليس من القرآن اصطلاحا، إلا ما أنزله الله وحيا على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وكتب في المصحف، كقوله تعالى يوم القيامة: أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ {القصص: 62} وقوله: مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ {القصص: 65} . وقوله سبحانه لأهل النار: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ * قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ {المؤمنون: 108-112} .
وأما قول السائل الكريم: (هل صحيح القول بأن الله تعالى يفسر لنا القرآن؟) فإن كان مراده حصول ذلك في الدنيا فقد نص أهل العلم على أن خير ما يفسر به القرآن هو القرآن، وأن الله تعالى أنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم ليبينه للناس، كما قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {النحل: 44} قال السعدي: وهذا شامل لتبيين ألفاظه وتبيين معانيه وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فيه فيستخرجون من كنوزه وعلومه بحسب استعدادهم وإقبالهم عليه. اهـ.
وقال سبحانه: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {النحل: 64} .
وإما إن كان مراد السائل أن الله تعالى يفسر للناس القرآن يوم القيامة فلا نعلم على ذلك دليلا صحيحا من الكتاب أو السنة. وإنما روي أن الله تعالى يتلو القرآن يوم القيامة لأهل الموقف عامة ولأهل الجنة خاصة، فمن ذلك ما رواه السجزي في الإبانة عن أنس مرفوعا: كأن الناس لم يسمعوا القرآن حين يتلوه الله عليهم في الجنة. وما رواه الديلمي عن أبي هريرة مرفوعا: كأن الخلق لم يسمعوا القرآن حين يسمعونه من الرحمن يتلوه عليهم يوم القيامة. وما رواه الحكيم الترمذي عن بريدة مرفوعا: إن أهل الجنة يدخلون على الجبار كل يوم مرتين فيقرأ عليهم القرآن وقد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت والزمرد والذهب والفضة بالأعمال فلا تقرأعينهم قط كما تقر بذلك ولم يسمعوا شيئا أعظم منه ولا أحسن منه ثم ينصرفون إلى رحالهم وقرة أعينهم ناعمين إلى مثلها من الغد. وضعف الألباني الأحاديث الثلاثة في ضعيف الجامع.
ومنه ما رواه أبو الفضل الرازي في فضائل القرآن والديلمي عن أبي هريرة مرفوعا: إذا كان يوم القيامة يقرأ الله القرآن فكأنهم لم يسمعوه فيحفظ المؤمنون وينساه المنافقون.
وأما قوله تعالى: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {المائدة: 48} وقوله سبحانه: ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {الأنعام: 164} فمعناه كما قال ابن كثير: أي فيخبركم بما اختلفتم فيه من الحق، فيجزي الصادقين بصدقهم، ويعذب الكافرين الجاحدين المكذبين بالحق، العادلين عنه إلى غيره بلا دليل ولا برهان، بل هم معاندون للبراهين القاطعة، والحجج البالغة، والأدلة الدامغة. اهـ.
وقال السعدي: فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من الشرائع والأعمال، فيثيب أهل الحق والعمل الصالح، ويعاقب أهل الباطل والعمل السيئ. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1430(1/956)
مجيء الله تعالى وإتيانه يوم القيامة ثابت في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينزل الله جل وعلا على الأرض بنهاية الكون أو أي يوم آخر، والله من وراء القصد، وجزاكم الله كل خير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيبدو أن السائل الكريم يعني ـ والله أعلم ـ مجيء الله تعالى وإتيانه لفصل القضاء بين عباده يوم القيامة، وهذا أمر ثابت في القرآن، قال عز وجل: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ {البقرة: 210} .
وقال سبحانه: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ {الأنعام: 158} .
وقال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {الزمر:68-69} .
قال الطبري: فأضاءت الأرض بنور ربها.. وذلك حين يبرز الرحمن لفصل القضاء بين خلقه.
وقال البغوي: وذلك حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين خلقه.
وقال ابن القيم في روضة المحبين: إذا جاء سبحانه وتعالى يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده تشرق لنوره الأرض، وقال أيضا في تحفة المودود: يساقون إلى المحشر حفاة عراة غرلا بُهْما، مع كل نفس سائق يسوقها وشهيد يشهد عليها، وهم بين مسرور ومثبور وضاحك وباك، وجوه يومئذ مسفرة. ضاحكة مستبشرة. ووجوه يومئذ عليها غبرة. ترهقها قترة حتى إذا تكاملت عدتهم وصاروا جميعا على وجه الأرض تشققت السماء وانتثرت الكواكب ونزلت ملائكة السماء فأحاطت بهم، ثم نزلت ملائكة السماء الثانية فأحاطت بملائكة السماء الدنيا، ثم كل سماء كذلك، فبينما هم كذلك إذ جاء رب العالمين سبحانه لفصل القضاء فأشرقت الأرض بنوره، وتميز المجرمون من المؤمنين، ونصب الميزان..
وقد عقد الحافظ ابن كثير فصلا في كتاب النهاية في الملاحم والفتن بعنوان: مجيء الرب سُبْحَانه وَتَعَالى يَومَ الْقِيَامَة لفصل القَضَاء.
ويجب أن نعتقد في صفة المجيء والإتيان المنسوب لله تعالى أن كيفيته لا يعلمها إلا هو سبحانه، وأنه يخالف صفات المخلوقات والحوادث، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {الشورى: 11} .
وقال عز وجل: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {طه: 110} .
وقد قيل مهما خطر ببالك فالله خلاف ذلك، وقد سبق بيان ذلك أيضا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 50216، 35870، 41070.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1429(1/957)
سبب وصف الله تعالى لنفسه بأنه الشهيد
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو توضيح لماذا وصف ربنا الكريم نفسه بالشهيد؟
وأرجو منكم أن تدعوا لي وإخواني المسلمين بالهداية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى وصف نفسه بأنه شهيد ليعرف عباده بشيء من أوصاف ذاته، وأنه رقيب عليهم مطلع على أعمالهم كما في قوله تعالى: وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ {آل عمران:98}
ومعناه أنه سبحانه مطلع عليهم عالم بأمورهم وأحوالهم فهو مثل وصفه بالعليم والخبير.
قال الألوسي في تفسيره: والشهيد العالم المطلع. انتهى.
وقال صاحب النهاية: الشهيد هو الذي لا يغيب عنه شيء. ..انتهى.
ونسأل الله أن يهدينا وإياك وكافة المسلمين إلى الصراط المستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1429(1/958)
إثبات النفس لله عز وجل
[السُّؤَالُ]
ـ[دعاء "اللهم إنا نسألك بكل اسم سميت به نفسك" ويقول الله سبحانه "كل نفس ذائقة الموت" فهل يجوز أن نصف الله بأنه نفس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الدعاء ثبت في حديث رواه الحاكم وابن حبان وأحمد وأبو يعلى وقد صححه الألباني ويؤيده قوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.. {الأنعام:54} ، وقوله: وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ.. {آل عمران:28} ، وقوله إخباراً عن عيسى عليه السلام أنه قال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ {المائدة:116} ، وفي الحديث القدسي: إ ني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا. رواه مسلم.
وفي الحديث القدسي أيضاً: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني أن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ... متفق عليه، وبناء عليه فلا حرج فيما ثبتت به النصوص، واعلم أن الله جل وعلا مخالف لخلقه ليس كمثله شيء، وقد قال: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ... {القصص:88} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1429(1/959)
علو الله تعالى على خلقه ومعنى كونه في السماء
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا تقولون إن الله في السماء مع أن الله غير محدود؛ لأنه لو كان في السماء لكان محصورا فيها، والله يقول كل شيء خلقناه بقدر، فكيف سيكون الله أيضا له مقدار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القول بأن الله في السماء هو الذي دلت عليه نصوص الوحي مثل قوله تعالى: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء. {سورة الملك 16} .
وقوله صلى الله عليه وسلم: ارحموا من في الأرض يرحمكم من السماء. رواه الترمذي وصححه.
فما ثبت بنص الوحي يجب الإيمان به وعدم تحكيم العقول البشرية القاصرة فيه، فالله أعلم بنفسه منا وهو الصادق فيما يخبر به عن نفسه.
ولكنه يمكن لمن لم يفهم شيئا أن يسأل عنه، فيقول ما معنى كونه في السماء، فنقول السماء في اللغة يطلق على ما علا ويطلق على السماء المعروفة، والله سبحانه متصف بالعلو كما قال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. {سورة الأعلى 1} .
فمعنى كونه في السماء هو اتصافه بالعلو، وإذا قلنا إن المراد بالسماء هي السماء المعروفة؛ فيكون قوله في السماء أي على السماء وتكون في بمعنى على، وهو سبحانه تعالى فوق العرش والعرش فوق السماوات، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تجاوز السماوات السبع.
وراجع للبسط في الموضوع الفتاوى التي أرقامها: 6707، 96599، 99150، 76111، 66332، 64272.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1428(1/960)
تفسير كون الله تعالى في السماء
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الله تعالى في السماء بدليل قوله تعالى أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور.. وبدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. وبدليل حديث الجارية
هناك بعض التفاسير تقول إن قوله: أأمنتم من في السماء أي من قدرته وهو تفسير القرطبي: قَالَ اِبْن عَبَّاس: أَأَمِنْتُمْ عَذَاب مَنْ فِي السَّمَاء إِنْ عَصَيْتُمُوهُ. وَقِيلَ: تَقْدِيره أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء قُدْرَته وَسُلْطَانه وَعَرْشه وَمَمْلَكَته. وَخَصَّ السَّمَاء وَإِنْ عَمَّ مُلْكه تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْإِلَه الَّذِي تَنْفُذ قُدْرَته فِي السَّمَاء لَا مَنْ يُعَظِّمُونَهُ فِي الْأَرْض. وَقِيلَ: هُوَ إِشَارَة إِلَى الْمَلَائِكَة. وَقِيلَ: إِلَى جِبْرِيل وَهُوَ الْمَلَك الْمُوَكَّل بِالْعَذَابِ. قُلْت: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى: أَأَمِنْتُمْ خَالِق مَنْ فِي السَّمَاء أَنْ يَخْسِف بِكُمْ الْأَرْض كَمَا خَسَفَهَا بِقَارُونَ وفي حال كان هذا التفسير صحيحا فهو يصح على الحديث أما حديث الجارية ففي موطأ ابن مالك أن الجارية أشارت إلى السماء حين سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تقل في السماء إلا في صحيح مسلم وبالتالي فإن الحديث في موطأ مالك أقرب إلى الصحة (كما قرأت في بعض الكتب) إضافة إلى ذلك كيف نسلك أن الله في السماء وهو يقول (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) ، وقوله تعالى (وسع كرسيه السماوات والأرض) أرجو الرد لأن هذا الموضوع يؤرقني؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه فوق المخلوقات كلها كما دل على ذلك كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع سلف الأمة، وقد بينا هذا بأدلته مع بيان معنى هذه الآية المسؤول عنها في الفتوى رقم: 6707، والفتوى رقم: 76111، والفتاوى المحال عليها فيها فالرجاء مراجعتها بتأمل وتأن، ثم التمسك بما فيها والإعراض عما سوى ذلك ولو نقله من نقله أو وجد في أي تفسير، أما حديث الجارية فهو حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه ورواه الإمام مالك بن أنس وأبو داود والنسائي وغيرهم.
وبمراجعة ما في الفتاوى التي أشرنا إليها يعلم أن قوله تعالى (من في السماء) ليس معناه أنها تحويه أو أنه محتاج إليها تعالى الله عن ذلك؛ بل المعنى أنه عليها وفوقها وفوق العرش الذي هو سقف المخلوقات جميعاً، فهو سبحانه وتعالى غير داخل في شيء من خلقه؛ بل فوق جميع خلقه عال عليه، أما الكرسي فهو أعظم من السماوات السبع، والعرش أعظم من الكرسي، فقد روى ابن حبان وصححه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا ذر: ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة. مع أن في تفسير الكرسي خلافاً ذكرناه في الفتوى رقم: 96343.
وإذا تبين تفسير كونه تعالى في السماء فإنه لا معارضة بين ذلك وبين طيه السموات والأرض يوم القيامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1428(1/961)
عرش الرحمن والفرق بينه وبين الكرسي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو "عرش الله" عز وجل, هل هو ملكه، وهل هناك فرق بين العرش والكرسي, على سبيل المثال في الآيتين في قوله تعالى: "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية", وقوله عز وجل: "وسع كرسيه السماوات والأرض"؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعرش الرحمن هو أعظم مخلوق خلقه، فقد روى ابن حبان وصححه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا ذر: ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في التفسير بسند صحيح عنه. وهناك من أوَّل العرش بأنه الملك، وهذا الحديث يرد هذا التأويل ويبطله، وكذلك يبطله قوله تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ {الحاقة:17} ، وأما الكرسي في قوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ {البقرة:255} ، فقيل: هو العرش ذاته، وقيل: هو علم الله، وقيل: موضع القدمين من العرش، وهو الأقرب، وقد بينا هذه الثلاثة الأقوال، ومن ذهب إليها من أهل العلم في الفتوى رقم: 34465.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1428(1/962)
علو الله تعالى واستوائه على عرشه
[السُّؤَالُ]
ـ[أتمنى إعطائي أدلة من كتب المذاهب الأربعة على علو الله واستوائه على العرش سبحانه وتعالى، وبالأخص الإمام الشافعي إن أمكن؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 6707، فقد بينا فيها أن منهج أهل السنة اعتقاد إثبات علو الله تعالى واستوائه على عرشه، وضمنا هذه الفتوى أدلتهم ونقل بعض أهل العلم إجماع السلف على ذلك، هذا بالإضافة إلى بعض المراجع التي اهتمت ببيان هذه المسألة، فراجع هذه الفتوى فإنها جامعة ومفيدة، وراجع أيضاً الفتوى رقم: 66332، ففيها أيضاً نقل عن الإمامين أبي حنيفة والشافعي في صفة العلو وإثباتها لله تعالى، وأما كتب المذاهب الفقهية فهي لا تتعرض لهذه المسألة في الغالب لأنها من مسائل العقيدة، وليست من مسائل الفقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1428(1/963)
الإرادة من صفات الله تعالى الثابتة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في الله:
أرجو المساعدة من فضلكم أريد شرح وتفسير هذه الكلمات: الحمد لله العالم (المريد) ، وجعل الحياة لابن آدم مزرعة لأعماله يحصد ما زرع فيها عند (مآله) ؟ مع خالص الشكر والتحية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن (المريد) هنا -في هذا السياق- صفة لله تعالى وهي مشتقة من الإرادة الثابتة له -سبحانه وتعالى- في نصوص الوحي، كما في قوله تعالى: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ... {البقرة:185} ، وقوله تعالى: يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ {النساء:26} ، وقوله تعالى: فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ {البروج:16} ، قال الذهبي في كتاب العلو: نقول: سبحان الله العلي العظيم السميع البصير المريد....
وأما كلمة (مآله) فمعناها ما يؤول إليه أمره وتكون إليه نهايته وهي الآخرة، فالعبد يحصد في الآخرة -التي هي المآل- ما زرعه في الدنيا التي يعيش فيها، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1428(1/964)
سمع الله محيط بكل شيء وإن دق
[السُّؤَالُ]
ـ[يساورني سؤال غريب وشك في ذات الوقت أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يغفر لي وهو
كيف يعلم الله ما يفعله كل هؤلاء الناس بل ويسمع حديثهم بل ويعلم ما في صدورهم وما يفكرون فيه لحظة بلحظة وفي وقت واحد.
إن الناس ستة مليارات فكيف هذا إلى جانب المخلوقات الأخرى أمر لا أستطيع أن أستوعبه بعقلي كثيرا أود أن أشكو همي إلى الله ولكن يأتيني الشك أن ملايين تدعو فكيف يعلم الله شكوى كل واحد في وقت واحد
معذرة ولكن هذا الشك يتملكني أحيانا فيجعل مني عبدا مقصرا في أمور كثيرة خاصة في الدعاء أشعر أن دعوتي ستضيع في زحام الدعوات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى هو السميع العليم الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ولا يحصل حدث في الكون إلا بعلمه وإذنه وهو خالق العباد وخالق أعمالهم والمحيط علما بخطرات نفوسهم. قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات: 96} وقال: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك: 14} وقال تعالى: أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {هود: 5} وقال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ {التوبة: 78}
وقد دل لعلمه بدقائق أحداث الكون حسن تدبيره له وتربيته لشتى المخلوقات أحسن تربية سواء في ذلك صغيرها وضعيفها وكبيرها وصغيرها كما ثبتت النصوص الدالة على سمعه دعاء الداعين واستجابته لهم مهما كثروا.
ويدل له أيضا وقوع علمه بخفايا النفوس كما قال تعالى حكاية عن عيسى: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ {المائدة: 116} قال القرطبي في التفسير: تعلم سري وما انطوى عليه ضميري الذي خلقته كما يدل له ما ثبت من سماعه لكلام المجادلة مع أن عائشة معها في البيت وقد خفى عليها بعض كلامها قالت عائشة: تبارك الله الذي وسع سمعه كل شيء إني لا أسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه ... فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا {المجادلة: 1} . رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وفي الحديث: اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا تدعون سميعا بصيرا قريبا. متفق عليه.
وفي الحديث القدسي: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1426(1/965)
لا حرج في عبارة (العرش لا يحيط به)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل في العبارة التالية ((الله في السماء السابعة فوق عرشه بائن من خلقه والعرش لا يحيط به)) هل فيها شيء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى قد استوى على عرشه كما أخبر عن نفسه في سبع آيات من القرآن الكريم، وعرشه فوق السماء السابعة وليس فيها، وباقي العبارة لا شيء فيه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 52741، 26016، 8825، 1360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1426(1/966)
الهرولة من صفات الله العليا
[السُّؤَالُ]
ـ[أحسن الله وبارك في علمكم هل نثبت لله جل وعلا (صفة الهرولة) وذلك لما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) فنرجو من فضيلتكم إيضاح هل نثبت صفة الهرولة لله جل وعلا وما المقصود بها في الحديث؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالهرولة صفة خبرية فعلية ثابتة لله عز وجل، والدليل عليها حديث أبي هريرة المذكور في السؤال.
قال أبو إسماعيل الهروي في كتاب: الأربعون في دلائل التوحيد. باب صفة الهرولة لله عز وجل ثم أورد الحديث. وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: هل لله صفة الهرولة، فأجابت: نعم صفة الهرولة على نحو ما جاء في الحديث القدسي الشريف على ما يليق به. اهـ
وقال العلامة محمد بن صالح بن عثيمين في كتاب (الجواب المختار لهداية المحتار) : صفة الهرولة ثابتة لله عز وجل، كما في الحديث وهذه الهرولة صفة من صفات أفعاله التي يجب علينا الإيمان بها من غير تكييف ولا تمثيل، لأنه أخبر بها عن نفسه فوجب علينا قبولها بدون تكييف، لأن التكييف قول على الله بغير علم وهو حرام، وبدون تمثيل لأن الله تعالى يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى: 11} . اهـ
أما معنى الهرولة لغة فالمشي السريع، كما قال أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث: وقال أبو موسى المديني في المجموع المغيث: هي مشي سريع بين المشي والعدو. اهـ
واعلم أن السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم يجرون هذه النصوص على ظاهرها وحقيقة معناها الظاهر اللائق بالله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما دنوه نفسه وتقربه من بعض عباده فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه ومجيئه يوم القيامة ونزوله واستوائه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث والنقل عنهم بذلك متواتر. اهـ من مجموع الفتاوى
ولمزيد فائدة راجع الفتويين: 27577، 55619.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1426(1/967)
حكم وصف الله تعالى بالمسعر
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا
قرأت في كتاب البيوع حديث إن الله هو المسعر فهل يوصف سبحانه بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الوارد في السؤال حديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله سعر لنا، فقال: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان وابن حزم وابن حجر والألباني.
وهذا الحديث يفيد إثبات ما أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم لربه فهو سبحانه وتعالى المتحكم في الأمور يرفع ما يشاء ويخفض ما يشاء، ويغلي ما يشاء ويرخص ما يشاء، والرسول صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بالله وقد وصف الله تعالى بهذه الصفة فهي من صفات الأفعا ل، وقد عدها من أسماء الله تعالى ابن حزم والشوكاني.
وبناء عليه؛ فإنه لا مانع من وصف الله بهذه الصفة في أسلوب يماثل السياق الذي أوردها فيه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر الغزالي في المقصد الأسنى: أن ما كان يطلق على العباد من أسمائه تعالى على جهة الحقيقة مثل الزارع والكاتب لا يطلق على الله مجردا، بل يطلق حيث أطلقه على لفظه مع ما يتعلق به من السياق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1425(1/968)
قدرة الله المطلقة على الخلق والإيجاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 19سنة وأود لو سمحتم أن أفهم شيئا بعد أن عرفت أن الإنسان لا يمكن أبدا أن يخلق من العدم احترت كيف يمكن للديدان أن تخلق في آنية فيها العجين إن بقيت لمدة طويلة أي بدون أن تكون متأتية من التناسل. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي رحمك الله أن الله على كل شيء قدير، فيمكنه سبحانه أن يخلق من عدم ومن غير عدم، قال الله تعالى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {البقرة: 117} .
ثم إن الدود المتولد في العجين ليس مخلوقا من عدم، فمن المعلوم أن الجو المحيط بنا مليء بالفيروسات والجراثيم، فإذا وجدت البيئة المناسبة أنتجت بقدرة الله تعالى الطور الثاني وهو البيضة، ثم اليرقة، ثم الفراشة، ثم الحشرة الناملة. قال ابن سينا في القانون: الديدان تتخلق في المواد العفنة الرديئة الرطبة، حيث تتحول إلى حياة دودية أو ذبابية. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1425(1/969)
يخص الله من يشاء من خلقه بما يشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا اتخذ الله إبراهيم خليلاً، ولماذا كلم الله موسى تكليماً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لله تعالى الحكمة البالغة في تفضيل بعض خلقه على بعض وتخصيص بعضهم بمزايا دون بعض، فهو سبحانه وتعالى الفعال لما يريد، يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة من أمرهم، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
ولهذا فإنه سبحانه وتعالى يفضل بعض الأزمنة على بعض كما يفضل بعض الأمكنة على بعض وهكذا الناس والأشياء، يقول الله سبحانه وتعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [الحج:75] ، ويقول الله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ [البقرة:253] ، ويقول تعالى: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [الإسراء:55] .
ومن هذا الباب اتخذ الله إبراهيم خليلاً كما قال الله تعالى: وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء:125] ، ومنه كذلك تكليم الله لموسى، كما قال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164] ، فهذه وما أشبهها خصائص يختص الله تعالى بها من يشاء من خلقه، كما قال الله تعالى: يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة:105] ، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 28507.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1425(1/970)
فوقية الله تعالى ليست كفوقية الأشياء فيما بينها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من القطعي أن الأرض كروية، وأن كل ما هو فوق الأمريكيتين -مثلا- هو تحتنا، وأن كل ما هو فوقنا نحن هو تحتهم، فكيف نفسر -بارك الله فيكم- علو الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنريد أن ننبه السائل الكريم إلى أن الفوقية والتحتية وسائر الجهات الأخرى هي مسائل تتحدد بالنسبة إلى ما هي منسوبة إليه، فهي نسبية، وكل شيء في هذا الوجود هو فوق باعتبار وتحت باعتبار آخر، ثم إن هذه الأرض التي نحن عليها والتي لم ندرك بعد إلا القليل من أسرارها، إنما هي كوكب من ضمن تسعة كواكب تضمها مجرة درب التبانة، ومجرة درب التبانة تعتبر من أصغر المجرات، كما أن الأرض من أصغر الكواكب، وعدد المجرات التي تم اكتشافها حتى الآن يقدر بالملايين، فمن تأمل ذلك عرف ضيق أفق هذا الإنسان بالنسبة للأفق العام.
والله تعالى لا يقارن بمخلوقاته، فهو فوقها جميعا، وفوقيته ليست كفوقية الأشياء فيما بينها، وقد أثبتها لنفسه، قال تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل: 50] .
وقال: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام: 18] .
وقال: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج: 4] .
وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر: 10] . والأدلة في الموضوع كثيرة جدا.
وإذا كان ذهن الإنسان أضعف من أن يدرك هذه الفوقية، ولا يمكن أن يتصورها في المخلوقات التي بين يديه، فليعلم أن الله على كل شيء قدير، وليُسلِّم بما أخبر الله به، ويترك الخوض فيما لا يستطيع الوصول إلى كنهه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1424(1/971)
القدم ثابتة لله على الوجه الذي يليق به سبحانه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو توضيح إثبات القدمين لله مع الدليل والتفصيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمذهب أهل السنة والجماعة أن ما أثبته الله تعالى لنفسه وأثبته له نبيه عليه الصلاة والسلام، فهو ثابت له على حقيقته بلا تمثيل ولا تعطيل، والصفات كلها من باب واحد.
أما بخصوص الأدلة على صفة القدم أو الرجل فهي كثيرة، نقتصر منها على ما يلي:
1-ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل حتى يُنشئ الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة. هذا لفظ مسلم.
وقد ورد لفظ الرجل في رواية البخاري وهي: فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله تقول: قط قط.
2-قال ابن عباس رضي الله عنهما: الكرسي موضع قدميه، والعرش لا يقدر قدره. أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم. .
3-قال الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد 2/202: باب ذكر إثبات الرجل لله عز وجل وإن رغمت أنوف المعطلة الجهمية، الذين يكفرون بصفات خالقنا عز وجل التي أثبتها لنفسه في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
4-قال الشيخ ابن عثيمين في شرح العقيدة الواسطية:
والحاصل أنه يجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى قدماً، وإن شئنا قلنا رجلاً على سبيل الحقيقة مع عدم المماثلة، ولا تكيف الرجل،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن لله تعالى رجلا أو قدما،
ولم يخبرنا كيف هذه الرجل أو القدم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1424(1/972)
الكرسي والجلوس
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أود أن أعرف هل كرسي الرحمن الذي تحت العرش يجلس عليه الرحمن عند الساعة -أي عند المحاسبة- أم ماذا؟
أفيدوني جزاكم الله خيراً حتى أنقل هذه المعلومة بشكل صحيح.
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللعلماء ثلاثة أقوال في معنى الكرسي المذكور في قوله تعالى: وَسَعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ [البقرة:255] :
- الأول أنه بمعنى علم الله، وهو عن ابن مسعودٍ وابن عباس وسعيد بن جبير وقال به: ابن جرير الطبري، وهو الذي يدل عليه ظاهر القرآن.
- الثاني: أنه هو العرش، وهو مروي عن الحسن.
- الثالث: أنه موضع القدمين بالنسبة للعرش، وهو مروي عن أبي موسى والسدي ومسلم البطين وابن عباس.
وقد روى ابن جرير بسنده إلى عبد الله بن خليفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وإنه ليقعد عليه فما يفضل مقدار أربع أصابع، وإن له أطيطًا كأطيط الرحل وقد رواه أيضًا الخطيب والضياء المقدسي وغيرهما، وضعفه طائفة من أهل العلم منهم: ابن الجوزي والإسماعيلي والألباني وغيرهم.
وروى البيهقي في السنن والشُّعَب والطبراني في الأوسط وابن أبي عاصم عن بريدة قال: لما قدم جعفر من الحبشة لقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني بأعجب شيء رأيته بأرض الحبشة. قال: مرت امرأة على رأسها مكتل فيه طعام فمر بها رجل على فرس فأصابها فرمى به، فجعلت انظر إليها وهي تعيده في مكتلها وهي تقول: ويل لك يوم يضع الملك كرسيه، فيأخذ للمظلوم من الظالم، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال: كيف تقدس أمة لا تأخذ لضعيفها من شديدها حقه وهو غير متعتع.
وقد صحح الحديث الألباني في ظلال الجنة، ففيه إثبات نصب الكرسي وليس فيه ذكر جلوس الله عليه.
فالخلاصة أن وجود الكرسي أمر ثابت من الأحاديث. أما جلوس الله عليه فليس بثابت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1424(1/973)
اختلاف الألوان دليل على بديع قدرة الباري
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة على رسول الله، أما بعد، فسؤالي عن الأعراق والأجناس، فسبحان الله كيف خرجت هذه الأعراق (الأبيض والأسود والعرب والصينيون ... ) من أم وأب واحد، أنا أعلم أنها من آيات الله في كونه، لكن هذا السؤال خطر في بال بعض الشباب وسأل عنه ورُدَ عليه بهذه الإجابة (من آيات الله) ولكنها لم تكن كافية، حيث سأل عن دليل من الكتاب أو السنة. ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اختلاف ألوان البشر وألسنتهم من آيات الله الدالة على كمال قدرته، ومثل ذلك اختلاف ألوان وروائح وطعوم النباتات، واختلاف ألوان الجبال والحيوانات. قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ [الروم:22] .
قال الشوكاني عند تفسير هذه الآية: واختلاف ألوانكم من البياض والسواد والحمرة والصفرة والزرقة والخضرة، مع كونكم أولاد رجل واحد وأم واحد، ويجمعكم نوع واحد وهو الإنسانية، حتى صرتم متميزين في ذات بينكم، لا يلتبس هذا بهذا، بل كل فرد متميز عن غيره، وفي هذا من بديع القدرة ما لا يعلمه إلا العالمون.
وقال الله تعالى مبينا بعض آيات قدرته في اختلاف ألوان الناس والجبال والحيونات والنباتات: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر:27-28] .
ذكر ابن كثير في تفسيره أن الله تعالى نبه بهذه الآية على كمال قدرته في خلق الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد وهو الماء الذي ينزل من السماء، فيخرج به ثمرات مختلفا ألوانها من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض إلى غير ذلك من ألوان الثمار، كما هو مشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها.
وخلق الجبال مختلفة الألوان كما هو المشاهد، من بيض وحمر وسود، وفي بعضها طرائق مختلفة الألوان.
وخلق الحيوانات مختلفة الألوان حتى في الجنس الواحد، بل الحيوان الواحد يكون أبلق فيه من هذا اللون وهذا اللون.
وخلق الناس كذلك، فمنهم أحباش في غاية السواد، ومنهم صقالبة وروم في غاية البياض، ومنهم العرب بين ذلك، ومنهم الهنود دون ذلك.
والسبب في اختلاف ألوان الناس ما بينه الحديث من أن آدم خلق من قبضة قبضها الله من جميع الأرض فاختلفت ألوان بني آدم بسبب اختلاف ألوان الأرض.
ففي الحديث: أن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك. رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي موسى وصححه الأرناؤوط والألباني
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1424(1/974)
معنى قول السلف: "بائن من خلقه"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول العلماء عن الله: بائن عن خلقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: الحق عدم تكفير أهل القبلة،
فمعنى قول السلف: "بائن من خلقه" أي غير مماس لهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد اتفق سلف الأمة، وأئمتها على أن الخالق تعالى بائن من مخلوقاته ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته. انتهى
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
6707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/975)
هل يقاس علم الله بعلم المخلوقات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعتذر عن الاختصار الشديد ولكن أريد الإفادة في أقرب وأسرع وقت للأهمية
هناك سؤال وهو وبالنسبة الرياضية: ماهي نسبة علم المخلوقات إلى علم الله؟
أريد الإجابة في أسرع وقت وللأهمية.
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن علم الله تعالى صفة من صفاته العلا، والتي لا تناسب بينها وبين صفات المخلوقين على الإطلاق.
فعلم الله تعالى لا يشبه بعلم المخلوقات المحدود ولا يقاس عليه، قال تعالى: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:74] . قال القرطبي: لا تضربوا لله مثلاً يقتضي نقصاً أو تشبيهاً بالخلق. وقال الطبري: لا تمثلوا لله الأمثال، ولا تشبهوا له الأشباه.
فمن أراد أن يحدد نسبة علم المخلوقات بالنسبة لعلم الله تعالى فقد أخطأ خطا بيِّناً وغلط غلطاً فاحشاً، ولم يقدر الله حق قدره؛ لما في ذلك من تشبيه صفات الخالق بصفات المخلوق.
وقال نعيم بن حماد: من شبه صفات الخالق بصفات المخلوق فقد كفر.
فشتان ما بين علم الخالق وعلم المخلوق، فعلم الله تعالى لا تحده حدود، ولا يقاس بعلم المخلوقين. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]
وقال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59] .
وقال تعالى: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] .
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس من قصة موسى والخضر عليهما السلام:.. فجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر نقرة في البحر، فقال الخضر لموسى: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1423(1/976)
معنى قول الله (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والأكرام)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي هو كيف نرد على من يقول بأن قول الله تعالى " ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " قاصمة ظهر السلفية؟؟؟ أرجو منكم الإفادة جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأهل السنة فسروا الوجه بالذات في قول الله تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:27] .
ولم ينقضوا بهذا أصلهم من منع التأويل، لأن التأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره، وهذا المعنى "الذات" هو الظاهر من اللفظ بدليل أنه المتبادر إلى الذهن عند سماع الآية، إذ ليس للوجه خصوص في البقاء دون الذات، كما أنه يلزم من بقاء الصفة بقاء الذات، ولهذا لما أضاف الله الوجه إلى الذات، وأضاف النعت إلى الوجه دل على أن ذكر الوجه ليس بصلة، وأن قوله: ذو الجلال والإكرام صفة للوجه، والوجه صفة الذات. ذكره البيهقي نقلاً عن الخطابي فعبر بالوجه عن الذات.
على أن أهل السنة إنما يمنعون التأويل الذي لم يدل عليه دليل.
ولا مجال في هذا المقام للحديث عن هذه القضية.. ونكتفي بإيراد عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والتي نقلها عنه الإمام القاسمي في تفسير محاسن التأويل فقال: نحن نقول بالمجاز الذي قام دليله، وبالتأويل الجاري على نهج السبيل، ولم يوجد في شيء من كلام أحد منا أنا لا نقول بالمجاز والتأويل -والله عند كل لسان- ولكن ننكر من ذلك ما خالف الحق والصواب، وما فتح به الباب إلى هدم السنة والكتاب واللحاق بمحرفة أهل الكتاب. محاسن التأويل 17/6156
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1423(1/977)
جلاء معنى (المتكبر-الجبار) وأنهما من صفات الكمال
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول بعض غير المسلمين: لم تقولون إن المتكبر من أسماء الله؟
مع أن هذه الصفة ذميمة، وليست مطلوبة
والله تعالى لا يتصف من الصفات إلا بما هو كامل ولا يدل على شيء غير محمود؟
فكيف نرد عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن صفات الله تعالى باعتبار المقارنة بصفات العبد أقسام:
القسم الأول: ما هو كمال في الخالق والمخلوق، وذلك: كالسمع، والبصر، والحياة، والإرادة، و… وهذه تثبت لله سبحانه.
القسم الثاني: ما هو كمال في المخلوق ونقص في الخالق، كالنوم، والأكل، والشرب. وهذه لا تثبت لله سبحانه، بل هي من الصفات السلبية.
القسم الثالث: ما هو نقص في المخلوق كمال في الخالق، كالتكبر، والتجبر. قال سبحانه وتعالى عن نفسه: (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) [الحشر:23] .
قال ابن الجوزي في زاد المسير (8/227) : فأما المتكبر ففيه خمسة أقوال:
أحدها: أنه الذي تكبر عن كل سوء. قاله: قتادة.
الثاني: أنه الذي تكبر عن ظلم عباده. قاله: الزجاج.
الثالث: أنه ذو الكبرياء، وهو الملك. قاله: ابن الأنباري.
الرابع: أنه المتعالي عن صفات الخلق.
الخامس: أنه الذي يتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة فقصمهم.
ذكرهما الخطابي -يعني القولين الأخيرين- وقال: التاء في المتكبر تاء التفرد والتخصص، لأن التعاطي والتكلف والكبر لا يليق بأحد من المخلوقين، وإنما سمة العبد الخضوع والتذلل، وقيل: إن المتكبر من الكبرياء الذي هو عظمة الله، لا من الكبر الذي هو مذموم في الخلق. انتهى كلامه
وقال صاحب كتاب (جواهر القرآن) (18/47) :
المتكبر الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله، وقيل: المتكبر عن كل سوء، المتعظم عما لا يليق به من صفات الحدث والذم، وأصل الكبر والكبرياء الامتناع وقلة الانقياد.
وقال حميد بن ثور: (عفت مثل ما يعفو الفصيل فأصبحت بها كبرياء الصعب وهي ذلول) والكبرياء في صفات الله مدح، وفي صفات المخلوقين ذم، وفي الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى - أنه قال: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني في واحد منهما قصمته، ثم قذفته في النار".
وقيل: المتكبر معناه: الكبير، لأنه أجلُّ من أن يتكلف كبراً، وقد يقال: تظلم بمعنى: ظلم، وتشتم بمعنى: شتم، واستقر بمعنى: قر، كذلك المتكبر بمعنى: الكبير، وليس كما يوصف به المخلوق إذا وصف بتفعل إذا نسب إلى ما لم يكن منه ثم نزه نفسه، فقال: سبحان الله أي تنزيها لجلالته وعظمته عما يشركون. انتهى
وقال ابن كثير: وقوله تعالى العزيز أي: الذي قد عز كل شيء فقهره، وغلب الأشياء فلا ينال جنابه لعزته وعظمته وجبروته وكبريائه، ولهذا قال تعالى: (الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) أي: الذي لا تليق الجبرية إلا له، ولا التكبر إلا لعظمته، كما تقدم في الصحيح م 2620: "العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما عذبته".
وقال قتادة: الجبار: الذي جبر خلقه على ما يشاء، وقال ابن جرير: الجبار: المصلح أمور خلقه المتصرف فيهم بما فيه صلاحهم، وقال قتادة: المتكبر يعني: عن كل سوء، ثم قال تعالى: (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) . انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1423(1/978)
ثبوت صفة القدم لله سبحانه في السنة وعن أئمة السلف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز في الدعاء قول (يا قديم الإحسان) وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....أما بعد:
فلا مانع من هذا الدعاء لأن إحسان الله صفة من صفاته، وصفاته قديمة أزلية لا أول لها، وقد أطلق هذا الوصف جماعة من العلماء منهم الإمام ابن القيم -رحمه الله- في حادي الأرواح (1/264) فقال: " فإنه سبحانه وتعالى دائم المعروف لا ينقطع معروفه أبداً، وهو قديم الإحسان أبدي الإحسان..... " ويقول الإمام النووي -رحمه الله- في الأذكار (كتاب أذكار الجهاد / باب الدعاء والتضرع) ، ويقول: (يا قديم الإحسان يا من إحسانه فوق كل إحسان يا ملك الدنيا والآخرة يا حي يا قيوم، ياذا الجلال والإكرام....) ثم قال: فكل هذه المذكورات جاء فيها حث أكيد وهي مجربة. أ. هـ.
وجاء في السنة وصف صفات الله تعالى بالقدم ففي سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: " أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم.." وجاء تسمية الله تعالى بالقدم في سنن ابن ماجه في كتاب الدعاء، باب أسماء الله عز وجل (3681) وفي سنده عبد الملك بن محمد الصنعاني وهو لين الحديث، وأبو المنذر زهير بن محمد وهو صدوق سيء الحفظ.
وقد علَّم الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة بعض أصحابه أن يقول (يادليل الحيارى دلني على طريق الصالحين) ذكر ذلك شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (1/207) و (2/17) ، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة (دليل الحيارى) .
ولما كان باب الإخبار عن الله تعالى أوسع من باب الأسماء لم يكن في ذلك حرج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1423(1/979)
الرد على من قال: إن الله في كل مكان
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرجل: إن الله معنا. كيف تفسرها وكيف يكون الله معنا؟
قلت له: إن الله معنا بقوته وبحفظه وقدرته وعلمه.. الخ..
فقال: هذا هو الكفر بعينه..
إن الله هو الله وهو ذاته يكون معنا ...
فلا تقل لا بكذا ولا بكذا ...
دار النقاش بيننا حتى قطعه جليسنا الآخر فما رأيكم؟ أفيدونا بارك الله فيكم ووفقكم لما فيه الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وأجمع عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام أن الله تعالى استوى على عرشه، وعرشه فوق سمواته، بائن من خلقه وأن معنى قوله تعالى: (هو معهم أينما كانوا) [المجادلة:7] أي بعلمه. وقد سبق بيان ذلك مفصلاً تحت الفتوى رقم 6707
والقول بأن الله تعالى بذاته معنا في كل مكان كفر صريح، قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله: (من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ثم ألقي على مزبلة لئلا يتأذى به أهل القبلة ولا أهل الذمة) .
وقال الباقلاني: (ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه، والحشوش، والمواضع التي يرغب عن ذكرها، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها ما لم يكن، وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان، ولصح أن يُرغب إليه إلى نحو الأرض وإلى خلفنا وإلى يميننا وإلى شمالنا، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله) .
وقد أورد الإمام أحمد رحمه الله في رده على الزنادقة والجهمية حجة عقلية لا سبيل إلى ردها، وحاصلها أن المخالف يقر بأن الله تعالى كان ولا مكان، ثم خلق المكان، فلا يخلو من أن يقول:
1- خلق المكان في نفسه، فيكون حينئذ في كل مكان، وهذا كفر، لأنه يعني أنه أدخل الجن والوحش والقذر في نفسه.
2- أو أن يقول: خلقه خارجاً عنه ثم دخل فيه، فصار في كل مكان، وهذا كفر، لأنه يعني أنه دخل في كل مكان قذر وخبيث، وفي نفوس الإنس والشياطين.
3- أو أن يقول: خلقه خارجاً عنه ولم يدخل فيه، بل علا عليه سبحانه وتعالى، فهو فوق جميع مخلوقاته من أرض وسماء وكرسي وعرش وغير ذلك، وهذا هو الحق الذي دلت عليه النصوص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1422(1/980)
معنى قول السلف (الاستواء غير مجهول....)
[السُّؤَالُ]
ـ[في كتاب أعلام السنة المنشورة ورد سؤال عن أقوال أئمة الدين من السلف الصالح في مسأله الاستواء (الرحمن على العرش استوى) وجاء في جوابه قولهم: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول؟ الرجاء توضيح قولهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمراد من قول السلف: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، إثبات صفة استواء الله على عرشه من غير تأويل ولا تكييف. فالاستواء غير مجهول: أي معلوم المعنى، وقد ورد تفسيره عن السلف بالعلو والارتفاع والصعود.
وفي إثبات معنى الاستواء إبطال لمذهب المفوضة الذين يؤمنون باللفظ دون المعنى، ويزعمون أن معاني الصفات لا يعلمها إلا الله.
وقول السلف: والكيف غير معقول: تفويض للكيفية، فلا يعلم كيفية استواء الله تعالى إلا الله، كما لا يعلم كيفية سمعه وبصره وعلمه ومجيئه ونزوله إلى السماء الدنيا إلا هو سبحانه وتعالى، إذ العلم بكيفية الصفات فرع عن العلم بكيفية الذات. والله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
فقاعدة أهل السنة في هذا الباب إثبات الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة بلا تأويل، ولا تكييف، ولا تمثيل، مع إثبات المعنى وتفويض الكيف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1421(1/981)
الله فوق عرشه، بائن عن خلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو منكم الإجابة على هذا السؤال:
ما الحكم فيمن قال بأن الله في كل مكان.
وهل هذه العبارة صحيحة.
أفتوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يعتقد أن الله تعالى مستو على عرشه، وعرشه فوق سماواته، وأنه بائن من خلقه جل وعلا ليس حاّلاً فيهم، فهو العلي الأعلى، فوق جميع مخلوقاته سبحانه وتعالى وتقدس. وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل القرون المفضلة.
قال الله تعالى (سبح اسم ربك الأعلى)
وقال الله تعالى (يخافون ربهم من فوقهم)
وقال الله تعالى (ثم استوى على العرش) في سبعة مواضع من القرآن.
وقال الله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب)
وقال الله تعالى (بل رفعه الله إليه)
وقال الله تعالى (أأمنتم من في السماء)
والسماء بمعنى العلو، أو هي السموات المعروفة و (في) بمعني (على) أي: على السماء، إذ ليس الله تعالى محصوراً ولا داخلا في شيء من خلقه، وهذا نحو قوله تعالى (قل سيروا في الأرض) أي على الأرض. وكقوله تعالى (ولأ صلبنكم في جذوع النخل) أي على جذوع النحل.
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على علوه تعالى على خلقه.
كما دلت عليه نصوص السنة ومنها:
1- ما رواه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي في قصة ضربه لجاريته وفيه.. فقلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟
قال: "ادعها، فدعوتها، فقال لها أين الله؟ قالت: في السماء.
قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة ".
2- ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم عرفة: " ألا هل بلغت؟ فقالوا: نعم _ يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إليهم _ ويقول: اللهم اشهد ".
3- ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الملائكة يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون ".
4- ما رواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ".
5- ما رواه البخاري عن أنس أن زينب بنت جحش كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول:" زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سموات ".
6- ما في الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء".
7- ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها ".
8- ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان ملك الموت يأتي الناس عياناً، فأتى موسى عليه السلام فلطمه فذهب بعينه، فعرج إلى ربه عز وجل فقال: يارب بعثتني إلى موسى فلطمني" الحديث.
9- ما رواه النسائي من حديث سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن معاذ: " لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سموات ".
10- وما جاء في قصة معراجه صلى الله عليه وسلم وارتفاعه إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام، وكلامه مع ربه جل وعلا، ثم مروره على موسى، ثم رجوعه إلى ربه جل وعلا سائلاً التخفيف في أمر الصلاة.
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة الثابتة الدالة على إثبات هذا الأمر العظيم.
وهذا الأمر مستفيض عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وحسبنا من ذلك ما قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
شهدت بأن وعد الله حق ... ... ... وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة كرام ... ... ... ملائكة الإله مقربينا
وأما الإجماع فقد حكاه غير واحد من أئمة المسلمين.
1_ قال الإمام الأوزاعي (المتوفى سنة 157هـ) : (كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته) .
2- وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي (المتوفى سنة 280 هـ) في رده على بشر المريسي:
(اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه، فوق سماواته) .
3ــ وقال الإمام قتيبة بن سعيد (المتوفى سنه 240هـ) : (هذا قول الأئمة في الإسلام وأهل السنة والجماعة: نعرف ربنا عز وجل في السماء السابعة على عرشه، كما قال (الرحمن على العرش استوى)
4ــ وقال الإمام أبو زرعة الرازي (المتوفى سنة 264هـ) والإمام أبو حاتم: (أدركنا العلماء في جميع الأمصار، فكان مذهبهم أن الله على عرشه بائن من خلقه، كما وصف نفسه، بلا كيف، أحاط بكل شيء علما) .
5ــ وقال الإمام بن عبد البر حافظ المغرب (المتوفى سنة 463هـ) في كتابه التمهيد (6/ 124) في شرح حديث النزول (…
وهو حديث منقول من طرق متواترة، ووجوه كثيرة من أخبار العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم … وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله عز وجل في كل مكان وليس على العرش. والدليل على صحه ما قاله أهل الحق في ذلك: قول الله عز وجل (الرحمن على العرش استوى …) انتهى
6- وقال الإمام الحافظ أبو نعيم صاحب الحلية في كتابه محجة الواثقين: (وأجمعوا أن الله فوق سمواته، عال على عرشه، مستو عليه، لا مستولٍ عليه كما تقول الجهمية إنه بكل مكان …) .
وبهذا يعلم أن القول بأن الله في كل مكان ليس من أقوال أهل السنة، بل هو قول الجهمية والمعتزلة، ولهذا قال ابن المبارك رحمه الله (المتوفى سنه 181هـ) وقد سئل: كيف ينبغي أن نعرف ربنا؟ قال: على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول: كما تقول الجهمية: إنه هاهنا في الأرض) .
قال الإمام الذهبي في نهاية كتابه: العلو: (والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر الأول، ونقله عنهم الأئمة. وقالوا ذلك رادين على الجهمية القائلين بأنه في كل مكان محتجين بقوله (وهو معكم) فهذان القولان هما اللذان كانا في زمن التابعين وتابعيهم، وهما قولان معقولان في الجملة. فأما القول الثالث المتولد أخيراً من أنه تعالى ليس في الأمكنة ولا خارجا عنها ولا فوق العرش ولا هو متصل بالخلق، ولا بمنفصل عنهم، ولا ذاته المقدسة متحيزة، ولا بائنة عن مخلوقاته، ولا في الجهات، ولا خارجا عن الجهات، ولا، ولا، فهذا شيء لا يعقل ولا يفهم، مع ما فيه من مخالفة الآيات والأخبار، ففر بدينك وإياك وآراء المتكلمين) . انتهى
فمن قال: إن الله في كل مكان، يريد نفي علوه على عرشه، وأنه بذاته في الأمكنة فقوله باطل بل هو كفر بالله تعالى، لما فيه من إثبات الحلول والامتزاج بالمخلوقات.
ولهذا قال الإمام ابن خزيمة (من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ثم ألقي على مزبلة لئلا يتأذى به أهل القبلة ولا أهل الذمة) .
ومن قال إن الله في كل مكان يريد بذلك علمه تعالى وأنه لا يعزب مكان عن علمه، فهذا حق، وينبغي له أن يصرح مع ذلك بأن الله بائن عن خلقه مستو على عرشه لئلا يوهم كلامه حلول الله في خلقه، تعالى الله عن ذلك.
وهذا هو معنى قوله تعالى (وهو معهم أينما كانوا)
وقوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم …) الآية. وقد صح عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله أنه قال: (الله في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء) وقد نقل الإمام أبو عمرو الطلمنكي الإجماع على أن المراد بهذه الآية: العلم. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه الإبانة:
(فإن قال: فهل تقولون إنه في كل مكان؟
قيل له: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه فقال الرحمن على العرش استوى) وقال الله (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وقال (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور) . ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه، والحشوش، والمواضع التي يرغب عن ذكرها، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها ما لم يكن، وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان، ولصح أن يُرْغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا وإلى يميننا وإلى شمالنا، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله) انتهى
وهذه المسألة قد اهتم أهل السنة ببيانها والتصنيف فيها، فمن أراد الاطلاع على كلام السلف واستدلالاتهم فليرجع إلى هذه المصادر، ومنها:
1- كتاب الإيمان والتوحيد لابن منده.
2- الإبانة لابن بطة العكبري.
3- التوحيد لابن خزيمة.
4- كتاب أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للطبري اللالكائي.
5- كتاب الإبانة للإمام أبي الحسن الأشعري.
6- كتاب العلو للحافظ الذهبي.
7- كتاب الفتوى الحموية لابن تيمية.
8- كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1421(1/982)
الفرق بين العلو والاستواء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين العلو والاستواء على العرش؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
العلو والاستواء على العرش صفتان من صفات الله تعالى أثبتهما سبحانه لنفسه في محكم كتابه وأثبتهما له رسول صلى الله عليه وسلم ويجب الإيمان بهما على حقيقتهما من غير تعطيل ولا تأويل ولا تشبيه ولا تمثيل.
وصفة العلو تقتضي علو الله تعالى على جميع مخلوقاته بما فيها العرش وغيره.
وصفة الاستواء تقتضي علو الله تعالى على عرشه واستواءه عليه ومنه يتبين لك ما بين الصفتين من فرق في المعنى.
ويضيف العلماء هنا:
أن العلو ثابت بالفطرة والنص، أما الاستواء فثابت بالنص فقط.
وأن العلو صفة ذات لله تعالى، فهو متصف بها أزلا وأبدا لا تنفك عنه.
وأما الاستواء فهو صفة فعل، متعلقة بمشيئة الله جل وعلا. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... والله أعلم.
... ... ... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/983)
رؤية الله تعالى في الآخرة.
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القول باستحالة رؤية الله في الدنيا والآخرة يعتبر عقيدة فاسدة تدخل صاحبها النار لمخالفتها النصوص القطعية من القرآن والسنة؟ أرجو ذكر الدليل في حال الإيجاب أوالنفي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دل الكتاب والسنة على أن المؤمنين يرون ربهم سبحانه وتعالى في الجنة، وعلى ذلك أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أهل الهدى.
قال الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة* إلى ربها ناظرة) [القيامة22-23:]
وقال سبحانه: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) [المطففين: 15]
قال الشافعي: لما حجب هؤلاء في السخط دل على أن أولياءه يرونه في الرضى.
وقال عز وجل: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) فالحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي النظر إلى وجه الله الكريم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ وتنجنا من النار؟. قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة.)
وفي الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال " إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته "
وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة أن ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر"؟ قالوا: لا يا رسول الله قال "هل تضامون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ " قالوا: لا يا رسول الله. قال: "فإنكم ترونه كذلك " الحديث أي ترونه رؤية صحيحة لا مضارة فيها.
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي رواها بضعة وعشرون صحابياً وهي أحاديث متواترة كما بين ذلك أهل العلم.
وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فإنها جائزة عقلاً، لكنها غير واقعة شرعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم محذراً من الدجال: " تعلمون أنه لن يرى أحدكم ربه حتى يموت، وإنه مكتوب بين عينه ك ف ر يقرؤه من كره عمله" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وليس في هذا خلاف بين أهل السنة إلا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نوراً وهو الحجاب. كما روى مسلم في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قد سألته - أي عن رؤيته لربه - فقال: "رأيت نوراً ".
وفي مسلم أيضاً من حديث أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: " نور أنى أراه " أي كيف أراه!
وقد دل على أن النور هو الحجاب قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: " إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
وسبحات وجهه، أي: نوره وجلاله وبهاؤه.
قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلاً، وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين، وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلاً، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ومن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين، ورواها نحو من عشرين صحابياً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآيات القرآن فيها مشهورة، واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة … وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فقد قدمنا أنها ممكنة، ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين وغيرهم أنها لا تقع في الدنيا …) انتهى كلام النووي رحمه الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/984)
أين الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أين الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم أما بعد:
يعتقد أهل السنة والجماعة أن الله تعالى مستو على عرشه، وعرشه فوق سمائه، فالله تعالى فوق كل شيء. ومعنى قول الله تعالى: (أأمنتم من في السماء) . [الملك: 16] . أي على السماء كقوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض) . [الحج: 46] ، أي على الأرض وكقوله تعالى (ولأصلبنكم في جذوع النخل) . [طه: 71] ، أي على جذوع النخل، هذا إذا كان المراد بالسماء السماوات المعروفة. وأما إذا كان المراد بالسماء: العلو، فلا إشكال. واعتقاد أن الله تعالى فوق جميع خلقه بذاته المقدسة هو ما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين أهل القرون المفضلة. وأما السؤال فأين الله؟ فقد منع منه بعض العلماء. والصواب جوازه لما ثبت في صحيح الإمام مسلم في حديث معاوية بن الحكم السلمي في قصة ضربه لجاريته وفيه " قلت يا رسول الله أفلا اعتقها؟ قال ائتني بها، فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت في السماء، قال من أنا " قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة" وللاطلاع على عقيدة أهل السنة في هذه المسألة مع أدلتها المفصلة ننصحك بالرجوع إلى كتاب (العلو) للحافظ الذهبي، وكتاب أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للحافظ الطبري وكتاب التوحيد للإمام ابن خزيمة، وكتاب الإبانة للإمام ابن بطة العكبري وكتاب التمهيد للإمام ابن عبد البر وغيرها، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/985)
الإشارة باليد لتوضيح معاني القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أثناء تحفيظي القرآن الكريم لأولادي أن أشير بيدي لتوضيح المعنى ومعرفته بسهولة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج ـ إن شاء الله- في هذه الإشارة باليد، إذ لا نعلم مانعا شرعيا منها، بل قد ورد ما يدل على جوازها، فقد قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا {النساء:58} ، فوضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عين هـ. قال المقرئ ـ أحد رواة الحديث-: يعني أن لله سمعا وبصر ا. رواه أبو داود وصحح الألباني إسناده.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 105893.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1430(1/986)
الإشارة لليد عند الحديث عن صفة الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ، علمنا بأن لله يدا والقدم والساق وهذه الصفات لا تشبه المخلوقات، ولكن ما حكم الذي يشير إلى يده حينما يشرح عن هذه الصفات ليبين معناها لا كيفيتها لله، مثلا قال الرجل: قال ربنا إن له يدا فنؤمن أن له يدا ومعنى اليد معلوم هو اليد -ويشير إلى يده- ثم يقول ولكن يده تعالى لا تشبه يد المخلوقات ولم يشر بشيء، فما حكم هذا الفعل، فأفيدونا يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي سنن البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً وأشار إلى سمعه وبصره. قال العلماء: إن هذه الإشارة هنا لبيان إثبات حقيقة الصفة لله -عز وجل- فيكون في ذلك رد على من يتأول الصفات الثابتة لله عز وجل ويتوهم أنها مجاز في حقه سبحانه أو ينفيها بالكلية كما يقول بكل ذلك أهل الكلام.
وورد عن الإمام أحمد رحمه الله ما يفيد كراهته لذلك حيث ذكر عنه اللالكائي: أن رجلاً قرأ عليه (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ... ثم أوما الرجل بيده فقال له الإمام أحمد: قطعها الله قطعها الله قطعها الله. ويمكن أن يقال -كما قال بعض أهل العلم- إن المتكلم إذا أمن على المستمعين ورود التشبيه عندهم، وكان أيضاً هو ممن يوثق أنه ليس عنده مبدأ تشبيه فلا مانع، أما إن انتفى أحد الأمرين بمعنى أن المستمعين ربما يشوش عليهم هذا الأمر أو ربما يفهم أن هذا فيه تشبيه أو كان المتكلم عنده مظنة التشبيه والتمثيل فلا يجوز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1429(1/987)
الاعتقاد بأن لله ولدا من أشنع الكفر وأعظم الضلال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تأثير الاعتقاد بأن لله ولدا في صفاته تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الاعتقاد بأن لله ولدًا من أشنع الكفر وأعظم الضلال، وقد قال تعالى ردًا على هذا الاعتقاد الفاسد: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {التوبة:30} . وقال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا {مريم: 88 – 95} . وقال: وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا {الكهف:4، 5} .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: شتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، وكذبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك. فأما شتمه إياي فقوله: إني اتخذت ولدًا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوًا أحد. وأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني. وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته.
وهذا الاعتقاد يقتضي إثبات مثل وند لله في ذاته وصفاته، فإن الولد من جنس الوالد ونظير له، كما أنه يستلزم وصفه تعالى بالنقص والحاجة والفقر؛ فإن الولد يتخذه المتخذ لحاجته إلى مساعدته ومعاونته له، ولذا حمد سبحانه نفسه على عدم اتخاذ الولد لما في ذلك من كمال صمديته وغناه وملكه وعبودية كل شيء له. قال تعالى: قَالُواْ اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {يونس:68} . وقد بين سبحانه استحالة هذا الاعتقاد الفاسد عقلاً، فقال في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ {الإخلاص:1-4} .
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ما ملخصه: ولهذا امتنع عليه أن يلد وأن يولد وذلك أن الولادة والتولد وكل ما يكون من هذه الألفاظ لا يكون إلا من أصلين، وما كان من المتولد عينا قائمة بنفسها فلابد لها من مادة تخرج منها ...
فالأول: نفاه بقوله أحد فإن الأحد هو الذي لا كفؤ له ولا نظير، فيمتنع أن تكون له صاحبة؛ ولهذا قال تعالى: أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {الأنعام:101} .
والثاني: نفاه بكونه سبحانه الصمد، فهذا المتولد من أصلين يكون بجزئين ينفصلان من الأصلين كتولد الحيوان من أبيه وأمه بالمني الذي ينفصل من أبيه وأمه، وهذا ممتنع في حق الله تعالى فإنه صمد لا يخرج منه شيء.
وراجعي لزامًا الفتاوى التالية: 30506، 49754، 60321.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1426(1/988)
خطورة تخيل الذات الإلهية العلية في شكل معين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مشكلتي أنني أتخيل (استغفر الله) ذات الله تعالى في شكل إنسان محدد ضخم جدا أكبر من كل الكون بدأ عندي هذا الخيال -المصيبة- منذ السابعة من عمري فكان يوجد حين ذاك رجل قوي وفارع البنية في قريتنا يسمى أحمد وهو يصرع كل من يشاجره ويردد بإلحاد سافر أنه هو الله عز وجل وكنت وقتها طفلا وذكر لنا أحد جهلاء القرية أن ربنا الحق هو إنسان ضخم جدا أكبر من السماوات والأرض فصدقناه وربطت بين حديث الرجلين ووضعت صورة في ذهني أن الله الحقيقى إنسان ضخم جدا ويشبه تماما الرجل أحمد الملحد ويلبس جلبابا رماديا كبيرا كالذى يلبسه أحمد المذكور ... ورغم أنني انتقلت من القرية إلى الخرطوم منذ ذلك الوقت إلا أننى كلما ذكرت الله لاحت لي تلك الصورة في ذهني وكلما حاولت الخشوع في العبادة أكثر كلما لاح لي الشكل ذاته أكثر ورغم أنني أبلغ من العمر الآن ستة وثلاثين خريفا إلا أنني لا أزال أعاني من تلك المشكلة رغم يقيني التام بأن هذا الخيال غير صحيح وأن الله تعالى ليس بشرا وليس كمثله شيء وكل ما خطر ببالك أو مر على خيالك فالله ليس كذلك ومشكلتي أن خيالي واسع جدا فمتى ما حكي لي عن أي قصة تجدني أتخيل صورة محددة لكل شخصية في القصة وبتفاصيل دقيقة حتى الملابس والحذاء وأصر على هذا الشكل الخيالي وأنا الآن أتخيل صورة محددة لكل نبي ورسول وملبسه حتى الملائكة لدي شكل محدد جدا لكل ملك منهم ولو كنت أجيد الرسم لرسمت كل فرد منهم بما أتخيله حتى أنني أتخيل مكاتبكم وأشكالكم في هذا الموقع الإسلامى المميز والذي أرغب أن يكون المنقذ لي من هذه الخيالات والخواطر الباطلة.
فأفيدوني رحمكم الله كيف الخلاص من هذه الخيالات العالقة بقوة بذهني خاصة صورة الله عز وجل؟ وهل علي ذنب بذلك؟
وجدير بالذكر أن تعليمي جامعي وعقلي مائة بالمائة وأداوم على الصلوات وقراءة القرآن وأصدقائي صالحون وأنا مستقيم جدا والحمد لله.
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 39560، 62615، 2081، 58741، 52270.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1426(1/989)
من الأدلة على استحالة اتخاذ الله ولدا
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسال ما هي وجوه استحالة اتخاذ ألله ولدا له أو ولدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأدلة استحالة اتخاذ الله سبحانه الولد أكثر من أن تحصى، وسوف نقتصر منها على ما يلي:
1 أن المسلم يكفيه ما صح واستقر في النصوص المعصومة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وقد ورد فيها ما يؤكد نفي الولد عن الله، قال تعالى: [قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ] (4) .
وقال تعالى: [مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ] (مريم: 35) .
وقال تعالى: [وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ] (البقرة: 116) .
2 أن الأصل في الأشياء العدم، وهي قاعدة صحيحة، وعليها فالذي ينسب لله الولد هو المكلف بإيراد الدليل ولن يجد إليه سبيلا.
3 أن المعروف عادة أن الولد يجانس والده ولا يعقل أن يكون لله شبيه ولو تصورناه جدلا فهل سيكون محدثا أو قديما؟! فإذا قلتم إنه محدث فقد حصل التنافي، إذ المحدث لا يجانس القديم، وإذا قلتم إنه قديم فكيف يكون ولدا وهو قديم.؟!
أضف إلى كل هذا أن الحاجة إلى الولد يقتضيها حب بقاء النوع وحب المساندة والمؤازرة ونحو ذلك مما تختص به المخلوقات لضعفها ونقصها، والله تعالى غني عن كل ذلك وهو المالك للكون بأسره والمدبر والمتصرف فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1425(1/990)
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
[السُّؤَالُ]
ـ[سبق أن سألت سؤالا أكثر من مرة وهو: هل يجوز لي أن أتخيل شكل الله عز وجل؟؟ تقبل الله صيامكم وجميع أعمالكم، آمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يحل لإنسان أن يتخيل صورة أو شكلاً معيناً لله تعالى، لأن الله تعالى لا يحيط به عقل ولا يتخيله ذهن، فهو أعظم من كل شيء، ولذا قيل كل ما خطر ببالك فالله أعظم من ذلك، وتخيل شكل معين لله تعالى يعتبر تشبيهاً له بالمخلوقات، والله تعالى يقول عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] ، ويقول: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [طه:110] .
فاحذر أخي الحبيب من هذا الوهم والخواطر التي تجول في ذهنك، واستعذ بالله العظيم منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1424(1/991)
كل ما خطر ببالك فالله أعظم من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من مشكلة كلما أقوم بالشعائر الإسلامية سواء كانت صلاة، استغفارا أو تسبيحا، وحتى أثناء المشي والعمل، وهي أنني أرسم في قلبي صورة لله سبحانه وتعالى، وأحاول أن أبعد هذه الصورة بتذكر الجبال والغابات والأنهار ومخلوقات عظيمة أخرى، ولكن رغم ذلك لا تزال هذه الصورة في ذهني، فكيف تساعدونني على التخلص منها؟ أريد الجواب باللغة العربية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالله تعالى أعظم وأكبر من أن يتصوره مخلوق، ولذا مهما خطر للإنسان من خيال لذات الله، فالله ليس كذلك، ولذلك قيل: كل ما خطر ببالك فالله أعظم من ذلك.
وعليه فاعلم أخي الكريم أن ما يخطر ببالك هو وسواس وكيد من الشيطان، وعلاج ذلك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتقول: آمنت بالله العظيم. وتصرف ذهنك عن هذا الخيال. وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1424(1/992)
حكم الإشارة على وجه التمثيل لصفات الله عز وجل
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة دخلت مرة لتعد وجبة عشاء وعندما أخذت الدجاجة وفتحت جوفها أخذت قلب الدجاجة ووضعته بين أصبعيها وقالت لأختها إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الله عز وجل يقلبهما كيف شاء السؤال: ما حكم هذا التشبيه؟ وهل عليها شيء؟
وجزاكم الله الف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مذهب أهل السنة والجماعة هو إثبات الأسماء والصفات لله تعالى على الوجه الذي يليق به، وتنزيهه عما لا يليق به، إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل.
وإن ذكر بعض الصفات كصفة الإصبع والإشارة بالإصبع للتوضيح فعلٌ قد يؤدي إلى فتنة عوام المسلمين، ووقوعهم في التشبيه أو التعطيل، وقد عقد الإمام البخاري -رحمه الله- باب: من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، فيقعوا في أشد منه.
وقد روى البخاري تعليقاً عن علي رضي الله عنه أنه قال: حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟.
وثبت في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: ما أنت محدثٌ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
وما ورد في بعض الأحاديث من الإشارة، فيحمل على ما إذا أمنت الفتنة، ومن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [الزمر:67] . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده يحركها، يقبل ويدبر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1423(1/993)
وجه عصيان الشيطان مع علمه بأن الله هو المحيي المميت
[السُّؤَالُ]
ـ[تراودني شكوك كثيرة هذه الأيام ولا أجد لها جوابا، يأتيني شك عن الشيطان كيف يعصي الله وهو يعلم أتم العلم بأن الله خالق الكون وأنه قادر بأن يمحيه من الأرض وبالتالي يعصيه, ويعلم بأن الله سيدخله النار يوم القيامة وأيضا يعصيه؟ أرجوكم ادعو لي بالثبات والهداية وأن يجعل القرآن ربيع قلبي ونور طريقي. وجزاكم عني كل خير. سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لنا ولك الهداية والثبات، وننصحك أن تعرضي عن هذه الشكوك وتشغلي وقتك وطاقتك بمطالعة نصوص الوحيين وكتب أهل العلم التي تتحدث عن العقيدة الصحيحية والأمور التي تزيد الإيمان.
وأما كون الشيطان يعصي مع علمه بأن الله خالق الكون وأنه هو المحيي والمميت فإن هذا هو كفر العناد وهو حاصل لكثير من الأنس والجن الذين يعصون الله عناداً واستبكاراً، وهؤلاء يصرف الله عنهم التوفيق للتوبة والإيمان كما قال الله تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ. {الأعراف:146} ، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 117624.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1430(1/994)
التصدي للملحدين المنكرين لوجود الرب سبحانه
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني أنا طالب سعودي أدرس في إحدى الولايات الأمريكية أكيد أن عنوان الرسالة لن يعجبكم لكن أريد منكم قراءة الرسالة وإفادتي فيها للضرورة أدرس ماده تدرس اختلاف الديانات وأثناء دراستنا للإنجيل والتوراة والقرآن قامت إحدى الطالبات من الجنسية الصينية بتعليق بكلام أزعجني وذلك لأنها قالت إن جميع هذه الكتب قصص وهمية ليس لديها من الصحة أي شيء وأنه ضحك على عقول الناس وأنها لا تؤمن بالله لأنه إذا كان الله لماذا يخلق ويعذب لماذا يخلقنا ويبعث رسلا لماذا يفضل هؤلاء الرسل عن سائر البشر رددت عليها قائلا إن الله خلقنا لنعبده ويعذبنا عندما نعصي أوامره ويختبرنا كي يكشف إيماننا به أنا مسلم وأني أصدق بجميع الرسل وبجميع الكتب مع أنها كتبت من جديد سألتني هل تؤمن بالإنجيل فقلت نعم ولكن الإنجيل الحقيقي التي لم يترجم ولم يصحح من قبل البشر ديني أمرني بالإيمان بكل الرسل وكل الكتب ولكني أؤمن أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو آخر الرسل والقرآن هو آخر الكتب لتوضيح القرآن لم يتغير منذ أن نزل على نبينا محمد فردت علي قائلة إن كنت تؤمن بالله وتؤمن بأنه وضع القدر للخلق لماذا لم يدخلنا الجنة ويدخل من في النار في النار وإذا كان ربك من خلقك فمن خلقه هو رددت ردا ضعيفا قائلا الله له في خلقه شؤؤن خلقنا وقسم الرزق علينا فينا الغني وفينا الفقير علمنا أمور الدين والدنيا عن طريق كتابه ونبيه القرآن فيه معجزات الى الآن لم نكتشف معظمها سألتها متى تم معرفة أن الأرض كروية الشكل فردت وذكرت السنة فقلت لها أنا أؤمن بذلك منذ أكثر من 1400 سنه منذ نزول القرآن فقد ذكر في القرآن أن الأرض كروية من قبل أن تكتشف ولكن لم أشعر أني أقنعتها أود من أحد الإخوان مساعدتي على تصحيح معلوماتها وهدايتها إن أمكن ليس هي فقط بل الكثير أيضا من النصارى الذين بدأوا يصدقون كلامها وينتقدون الإنجيل وينتقدون الله أسأل الله أن يغفر لي إن أخطأت في شيء وان شاء لله أنتهي من هذه المادة المجبر على دراستها والتي استفدت منها الكثير ولكن الحوار في هذه المسألة يفقدني صبري على غباء بعض الأشخاص وتفكيرهم أتمنى منكم النصيحة والمساعدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على غيرتك على الدين وحرصك على الدفاع عنه، ولا شك أن هذا أمر طيب تشكر عليه، وينبغي أن تعلم أن المسلم مطالب باجتناب أسباب الفتنة، ولا ريب أن مثل هذه الدراسة – نعني مقارنة الأديان – من أسباب الفتنة إذا لم يكن المسلم على علم راسخ يستطيع به أن يدفع ما قد يرد عليه من الشبهات، ولذا فقد نبهنا كثيرا وسنظل ننبه وندق ناقوس الخطر على وجوب الحذر من سلوك هذا السبيل، وكذا التصدي لمحاورة أهل الباطل لمن لم يكن مؤهلا لذلك، فتكون النتيجة أن يكون المسلم هو الذي يبحث عن سبيل لإنقاذ نفسه بعد أن كان يحاول إنقاذ الآخرين.
وهنالك أمر مهم ينبغي عدم إغفاله عند التصدي لمحاورة أمثال هؤلاء الملحدين وهو جرهم إلى القضية الأساسية وهي أن يعرفوا بالله تعالى من خلال آياته التي بثها في هذا الكون البديع، فإن الواحد منهم إذا عرف الله تعالى وأيقن عظمته وجلاله لم يسأل مثل هذه الأسئلة التي تتعلق بالقرآن أو بحكمة الخلق أو القضاء والقدر ونحو ذلك.
وانظر إلى القرآن كيف يرجع الناس إلى هذا الأصل عندما تأتي مثل هذه الشبهات، فعندما زعموا أن القرآن ما هو إلا كذب وبهتان عرفهم بنفسه وأنه هو المنزل له، قال تعالى: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا {الفرقان: 5}
وقد سبق أن ذكرنا بعض الأدلة التي تثبت صحة القرآن وأنه منزل من عند الله تعالى، فراجع الفتويين: 19694، 21599.
والاستدلال بالإعجاز العلمي على صحة القرآن أسلوب جيد، ولكن ينبغي الحذر من التكلف في إثبات ذلك فيقع المسلم في القول على الله بغير علم. وقد ذكرنا بالفتوى رقم: 18220، بعض مواقع الإعجاز العلمي في القرآن فراجعها.
وكما ذكرنا أنه لا بد أن هذا الكون لا بد له من خالق، وإذا كان هو الخالق فيلزم أن يكون له المنتهى في صفات الكمال، فلا يمكن أن يكون هذا الخالق مخلوقا لأن هذا يلزم منه تسلسل الحوادث إلى ما لا نهاية، والتسلسل باطل باتفاق العقلاء. وفي القرآن كثير من الأدلة العقلية في إثبات مثل هذه القضايا.
قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ {الطور:35} .
وقال سبحانه: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {الأنبياء:22} .
وراجع الفتويين: 12986، 48913.
فإذا ثبت أنه سبحانه الخالق، فغيره مخلوق له، وإذا كان هو المالك فغيره مملوك له، وللمالك أن يتصرف في ملكه بما يشاء وفقا لعلمه وحكمته، فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء، وهو حين يعذبهم لم يظلمهم بذلك، فإنه أقام عليهم الحجة بإنزال تلك الكتب وإرسال هؤلاء الرسل، وأما المفاضلة بين الرسل وسائر البشر فقد كانت حسب علمه وحكمته. قال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص:68}
وإذا ثبت أنه سبحانه الخالق بطل السؤال عمن خلقه، ولذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا ورد على المسلم مثل هذا السؤال فعليه أن يستعيذ بالله من الشيطان وأن يقول: آمنت بالله.
وننبهك في الختام إلى أن الذي يهم أكثر أن تسلم أنت أخانا السائل من التأثر بمثل هذه الشبهات، وإذا أمكنك العودة للدراسة في بلد مسلم فافعل، فذلك أسلم لدينك، وأبعد لك عن دواعي الفتنة.
وراجع الفتويين: 2007، 28551.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1429(1/995)
آثار الاستماع لأباطيل أهل الضلال
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة ذات يوم كنت أشاهد التلفاز وكان هناك برنامج عن التنصير واعتناق المسيحية وبعدها بدأت أشعر في صدري بضيق مستمر وبدأت أشك وتوسوسني نفسي عن الإسلام والقرآن وهذا شهر ونصف وأنا أعاني من هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا الفتوى رقم: 33080، أنه لا يجوز الاستماع لأباطيل أهل الضلال فإن ذلك قد يترتب عليه وقوع شيء من أباطيلهم في القلب فيؤدي إلى الفتنة فيهلك صاحبه، وهذا ما لم يكن من يريد الاستماع إليهم من الراسخين في العلم فيستمع إليهم ليرد على أباطيلهم.
فالذي ننصحك به هو التوبة وعدم العود لمثل ذلك، واعلم أن مجرد هذه الخواطر لا تضرك، ولكن يجب عليك مدافعتها، وعليك بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والإكثار من دعاء الله تعالى أن يثبت قلبك بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.
والأولى بهؤلاء النصارى أن يلتفتوا إلى ما في دينهم من ترهات وأفكار وأباطيل وضلال، فيرجعوا إلى الحق ويدخلوا في دين الإسلام بدلا من محاولة النيل من الإسلام والطعن في القرآن، وأنى لهم ذلك. ولمعرفة شيء من أباطيل النصرانية راجع الفتاوى: 10326، 30506، 33974، 2105.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1429(1/996)
قدرة الله لا تتعلق بالمحال
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التكرم بالبحث عن إجابة لشبهة بدأت هذه الأيام وإرسالها إلى بريدي المذكور سابقا التي سيتم إرسالها إلى أندونسيا فقد أثارها هناك خمسة صينيين ولدينا هناك طلاب مسلمين فطلب الصينيون الإجابة عليها فإذا أُجيب على السؤال سوف يدخلون الإسلام، الشبهة تقول (أستغفر الله العظيم) يقولون: أنتم أيها المسلمون تقولون بأن الله على كل شيء قدير وأنه حي لا يموت فإذا كان الله على كل شيء قدير فهل يستطيع أن يخلق من يقتله (أستغفر الله العظيم) فإن كان قادرا على خلق من يقتله فهو ليس حي لا يموت (أستغفر الله العظيم) وإذا كان لا يستطيع أن يخلق من يقتله فهو ليس على كل شيء قدير (أستغفر الله العظيم) (أستغفر الله العظيم) (أستغفر الله العظيم) ، طلابنا هناك في حيرة من أمرهم عن الرد على هذه الشبهة ويريدون أن يحصلو على الإجابة المقنعه لهؤلاء الصينيين فأحملكم المسؤولية أمام الله تعالى عن الرد على مثل هؤلاء في البحث عن الرد الشافي من المشائخ والعلماء والدعاة أسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم والله يرعاكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب أن تعلم في هذا المقام عدة حقائق نجيب من خلالها على تساؤلك ... :
أولاً: أن أمثال هؤلاء إنما مقصدهم تشكيك المسلمين في عقيدتهم ودينهم وليس مقصدهم البحث عن الحق، فإن الحق واضح أبلج، ولو كان هؤلاء يريدون الحق فليطلبوه من مظانه وليطرحوا شبهاتهم لا على آحاد المسلمين من العوام بل على علمائهم طالبين استيضاح الحق لا الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق.
ثانياً: هذا الطرح ونحوه ليس جديداً من هؤلاء الشيوعيين الملحدين بل هم يتبعون في ذلك أسلافهم ورؤسائهم في الكفر، وهم اتباع إبليس لما لبس على بعض العباد من المسلمين وذلك كما سيأتي في النقطة الموالية.
ثالثاً: قد أجاب علماء المسلمين على هذه الشبهات الداحضة ببساطة متناهية بأن قالوا: إن هذا ممتنع تصوره أصلاً وهو من باب فرض المحال فليس بحقيقة ولا يترتب عليه شيء ولا ينشأ عنه إلزام.. جاء في منهاج السنة النبوية لابن تيمية: والله تعالى على كل شيء قدير لكن اجتماع الضدين لا يدخل في عموم الأشياء فإنه محال لذاته، وهذا بمنزلة أن يقال: هلا أقدر هذا العبد أن يسافر في هذه الساعة إلى الغرب للحج وإلى الشرق للجهاد فيقال: لأن كون الجسم الواحد في مكانين محال لذاته فلا يمكن هذا السفران في آن واحد، وليس هذا بشيء حتى يقال إنه مقدر بل هذا لا حقيقة له وليس بشيء بل هو أمر يتصوره الذهن كتصوره لنظيره في الخارج ليحكم عليه بالامتناع في الخارج، وإلا فما يمكن الذهن أن يتصور هذا في الخارج، ولكن الذهن يتصور اجتماع اللون والطعم في محل واحد كالحلاوة البيضاء والبياض ثم يقدر الذهن في نفسه هل يمكن أن يجتمع السواد والبياض في محل واحد كاجتماع اللون والطعم ...
فيعلم أن هذا الاجتماع ممتنع في الخارج ويعلم أنه يمكن أن زيدا قد يكون في الشرق وعمراً في الغرب، ويقدر في ذهنه هل يمكن أن يكون زيد نفسه في هذين المكانين كما كان هو وعمرو فيعلم أن هذا ممتنع ... انتهى.
ويوضح ذلك ويجليه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الشياطين قالوا لإبليس: يا سيدنا، ما لنا نراك تفرح بموت العالم ما لا تفرح بموت العابد؟ والعالم لا نصيب منه والعابد نصيب منه؟ قال: انطلقوا إلى عابد، فأتوه في عبادته، فقالوا: إنا نريد أن نسألك، فانصرف، فقال إبليس: هل يقدر ربك أن يخلق مثل نفسه؟ فقال: لا أدري، فقال: أترونه! لم تنفعه عبادته مع جهله ... فسألوا عالماً عن ذلك، فقال: هذه المسألة محال لأنه لو كان مثله لم يكن مخلوقاً، فكونه مخلوقاً وهو مثل نفسه مستحيل، فإذا كان مخلوقاً لم يكن مثله، بل كان عبداً من عبيده، فقال: أترون هذا! يهدم في ساعة ما أبنيه في سنين. انتهى.
ومنذ فترة قريبة ورد سؤال في إذاعة لندن كهذا السؤال وهو: إذا كان الله على كل شيء قدير فهل يقدر أن يخلق أكبر منه أو أعظم منه؟! فعرضها من سمعها على بعض أهل العلم من المعاصرين فأجاب قائلاً: هذه الشبهة لا يقولها إنسان عاقل، لأن هذا الإنسان العاقل إن كان مؤمناً بالله، فإن كل من يؤمن بالله من مسلم أو يهودي أو نصراني أو غير ذلك يؤمن بأن الله على كل شيء قدير، وأنه سبحانه وتعالى لا شيء مثله، ولا شيء أكبر منه، فشيء يحيله العقل كيف تسألون عنه، هل يفعله الله أو يقدر عليه؟! فقد تناقضتم مع اعترافكم ومع إقراركم بأنه محال، فالسؤال إنما يكون عن الأمور الممكنة، ولا يحتاج أن يرد عليكم إلا ليبين تناقضكم في نفس سؤالكم من نفس كلامكم وما تعتقدونه.
فأنتم تقولون وكل العقلاء إن المحال شيء والممكن شيء آخر، وأن الوصفين لا يجتمعان في حق أي شيء فيكون ممكنا ومحالاً في نفس الوقت، فالسؤال هذا هو عن الإمكان، والسؤال عن الإمكان لا يكون بالمحال، وهذه من فلسفات الزنادقة، وتمويهات السفسطائية، يريدون أن يلبسوا على المسلمين وخاصة العوام بأمثال هذه الفلسفات التي لا أصل لها ولا حقيقة لها. انتهى.
رابعاً: الواجب على كل مسلم خاصة إذا كان غير ضليع في العلم أن لا يسمع لأمثال هؤلاء المشككين، بل يمتثل لقول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ {النساء:140} ، وكان السلف رحمهم الله يحذرون من الاستماع لأهل البدع ومجالستهم، فكيف بأهل الكفر والإلحاد!.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1429(1/997)
خطأ مقولة أن أعلى مراتب كلمة التوحيد أن لا موجود بحق إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقول أن لا إله إلا الله تبدأ بتحقيق لا معبود بحق إلا الله وأعلى مراتبها أن لا موجود بحق إلا الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نفي وجود ما سوى الله ليس من التوحيد في شيء، فالله تعالى قد تعبدنا بالتأمل في آياته الكونية الدالة على عظمته وقدرته ونهانا عن تعظيم وعبادة المخلوقات ولم يطلب منا اعتقاد عدم وجودها.
فقد قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ {فصلت:37}
وقال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {البقرة:164}
فالمطلوب من العباد تحقيق عبادة الله والبعد عن عبادة ما سواه كما قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:256}
وفي حديث مسلم: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله.
وهذا الكلام المذكور فيه شبه بكلام أهل وحدة الوجود وهي عقيدة كفرية، وراجع في شأنها الفتاوى التالية أرقامها: 11542، 40352، 100954.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1429(1/998)
جواب شبهة حول كون اليهود مشركين بالله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن القول بأن اليهود موحدون بالله؟ حيث إنهم لا يشركون به كما يفعل النصارى بشركهم المسيح إياه، فيقول اليهود لا يعبدون إلا الله كما يفعل المسلمون، وحيث إن الذين قالوا إن عزيرا ابن الله غير موجودين الآن، فما جواب هذا أثابكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كثيرا من اليهود وقعوا في الكفر والشرك وإن ادعوا أنهم لا يعبدون إلا الله، فقد عبد بعضهم عزيرا وأشرك كثير منهم شرك الطاعة في التحليل والتحريم، وكفر أغلبهم ببعض الرسل قالوا في الله ما لا يليق فوصفوه بالفقر والعجز وحرفوا التوراة، وقد قال الله تعالى: وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ {البقرة:93} وقال تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {التوبة:31} وقال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {التوبة:30} وقال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ {المائدة:64} وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً*أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا {النساء:151،152}
وفي حديث الصحيين أنهم يقال لهم يوم القيامة: من كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد عزير ابن الله.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 39870، 7299، 2924، 16329، 56030، 13395، 25317، 3920، 49581.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1429(1/999)
دحض شبهة حول وجود الخالق جل وعلا
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال يحيرني ويطرحه لي الكثير من الناس من غير المسلمين ويقولون لي إذا كان الله موجوداً فلماذا توجد كل هذه الحروب والمآسي ولماذا لا يتدخل ويترك الظالمين يفعلون ما يفعلون، بالله عليكم أجيبوني جوابا دقيقا جداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وجود الله سبحانه وتعالى أمر محسوس بالعقول لا يمكن أن ينكره من عنده فطرة سليمة، وأما ما يوجد بين الناس من الحروب فهو من مظاهر عقوبة الله تعالى للعصاة فيذيق بعضهم بأس بعض، كما قال تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ {الأنعام:65} ، وفي صحيح البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْ قِكُمْ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك، قال: أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ. قال: أعوذ بوجهك، قال: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أهون أو هذا أيسر.
وراجع في أدلة وجود الله تعالى النقلية والعقلية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 97683، 75468، 48913، 22279، 22055، 100160.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1429(1/1000)
جواب شبهة حول الاستواء على العرش
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تفسير استواء الرحمن على العرش بالجلوس!! وهل حقا ورد هذا التفسير عن ابن تيمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الكلام مكذوب على شيخ الإسلام، وقد عزي إلى ابن بطوطة أنه نقله عنه، وقد أكد المحققون أن ابن بطوطة لم يلق شيخ الإسلام، وأن شيخ الإسلام لم يكن يخطب ولا يدرس على المنبر، وعلى المسلم ألا يجعل قلبه موردا للشبهات لئلا يتشربها قلبه فيزيغ ويضل، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 41473، 66332، 7256، 69060، 52741، 50216.
فقد بسطنا الكلام فيها على معنى الاستواء، وعلى حفظ القلب من إيراد الشبه عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(1/1001)
جواب شبهة حول الطواف بالبيت
[السُّؤَالُ]
ـ[الإسلام يحرم عبادة الأصنام. فماذا تعتبرون الطواف حول الكعبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الطواف بالبيت فيه امتثال أمر الله في قوله: وَلْيَطَّوَفُوا. وفيه اتباع لسنة إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، فهو بعيد من الشبه بعبادة المخلوقات، وراجع للبسط في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 4406، 56329، 73029، 28383، 2448.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1428(1/1002)
جواب شبهة حول استواء الله على عرشه وعلوه على خلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل قليل قرأت الفتوى رقم 6707 والمتعلّقة بإجماع الأمّة صحابة وتابعين ومن جاء بعدهم من أهل القرون المفضّلة على أنّ الله عزّ وجلّ فوق عرشه بائن عن خلقه. وهي فتوى في غاية الوضوح والدّقّة ولا مجال للتّشكيك. ما أريد أن أقوله هو أنّه في جامع الزّيتونة لدينا، هناك درس ينتظم كلّ يوم خميس بعد العصر ويتعلّق بحفظ القرآن الكريم لكنّ الشيخ جزاه الله خيرا يفسّر أحيانا بعض الآيات التي نحن بصدد حفظها ويجيب عن بعض الأسئلة التي تطرح عليه مع العلم أنّه يتقن القراءات العشر ويكرّس معظم وقته لخدمة كتاب الله بتدريس القراءات وأنا دائما أدعو له بالخير وهو أيضا إمام خطيب. أذكر أنّه قال ردّا على الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله " سامحه الله ... يقولون الله في السّماء ... يجعلون لله مكانا ... الله أكبر من كلّ شيء ... ولماذا نقول إذا في أوّل الصّلاة الله أكبر ... " أمّا عن حديث الجارية فحسبما أذكر أنّه قال فيه طعن (أو شيء في هذا المعنى) هذا أمام جمع كبير من الحاضرين يزيد عن المئتين وربّما ثلاثمائة. لكن من الذي يعترض؟ لا أحد. الكلّ آذان صاغية.
أنا أعتبر شخصيا الأمر خطير لأنّه يتتعلّق بالعقيدة والتّوحيد. هل في رأيكم من يقول مثل هذا الكلام تصحّ منه الفتوي في مسائل تتعلّق بالعقيدة؟
ما هو واجبي من النّصيحة لأصدقائي الذّين يحضرون للدّرس باستمرار؟
أرجو الرّدّ في أقرب وقت إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي يعتقده أهل السنة والجماعة أن الله تعالى متصف بالعلو وأنه استوى على عرشه، وعرشه فوق سمائه، فالله تعالى فوق كل شيء، وهذا هو ما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين أهل القرون المفضلة، وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {الأعلى:1} وقال الله تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ {النحل:50} وقال الله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ {الرعد:2} في سبعة مواضع من القرآن، وقال الله تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ {فاطر:10} وقال تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ {النساء:158} ، وقال الله تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ {الملك:16} ، وقال الإمام الأوزاعي: كنا والتابعون نقول إن الله تعالى فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته، وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي: اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه، فوق سماواته، وقال الإمام ابن سعيد: هذا قول الإئمة في الإسلام وأهل السنة والجماعة نعرف ربنا عزوجل في السماء السابعة على عرشه كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {طه:5} .
وأما حديث الجارية فصحيح فقد رواه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي في قصة ضربه لجاريته وفيه: فقلت يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ادعها فدعوتها فقال لها أين الله؟ قالت في السماء، قال من أنا؟ قالت أنت رسول الله قال اعتقها فإنها مؤمنة، فالواجب السعي في إقناع الناس بالحق ودعوتهم للإيمان بما أثبت الله تعالى لنفسه وأثبت له رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما العالم الذي يعلم الناس القرآن ويفسره لهم ويفتيهم في الأمور العقدية فهو مأجور إن شاء الله فيما علم الناس من الحق، مخطئ فيما دعا له من الباطل، ونرجو أن يسامحه الله إن لم يكن حقق في آيات وأحاديث الصفات، وأما إن كان على علم بها وأنكرها تعصبا وعنادا فهو على خطر عظيم، فقد قال الذهبي في الرد على ابن خزيمة في تكفيره المطلق لمن لم يثبت الصفات: من أقر بذلك تصديقا لكتاب الله ولأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به مفوضا معناه إلى الله ورسوله ولم يخض في التأويل ولا عمق فهو المسلم المتبع، ومن أنكر ذلك فلم يدر بثبوت ذلك في الكتاب والسنة فهو مقصر، والله يعفو عنه إذ لم يوجب الله على كل مسلم حفظ ما ورد في ذلك، ومن أنكر ذلك بعد العلم وقفا غير سبيل السلف الصالح وتمعقل على النص فأمره إلى الله نعوذ بالله من الضلال والهوى. اهـ، هذا وننصحكم بالتلطف بالشيخ نفسه لعله يرجع ويستبين هداه، فاهدوه ما تيسر من تفاسير السلف المتبعين لمنهج السلف في الصفات كابن كثير ورسالة ابن أبي زيد القيرواني إضافة لبعض كتب العقيدة السلفية، فلعله حين يطالعها وحده يستفيد منها كما حصل لكثير من العلماء في مصر والهند والمغرب، رجعوا لمذهب السلف بعد ما اطلعوا بأنفسهم على كتب شيخ الإسلام وابن القيم وأبي الحسن الأشعري، ولا ننصحكم بسؤاله عما يحتمل أن يفتي فيه بالباطل، بل تعلموا منه القرآن والفقه واللغة، وراجع الفتوى رقم: 66332 / 49050 / 57719.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1427(1/1003)
جواب شبهة حول الحكمة من خلق الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا السؤال يشغل فكري وبالي دائما ويمنعني من النوم أحيانا، ولكن كثيرا ما تتسلل الوساوس إلى نفسي لتقودني إلى طريق مظلم، مع أنني أؤدي الصلوات الخمس في وقتها وأحرص على الصلاة جماعة في المسجد قدر الإمكان وأداوم على قراءة القرآن، ما الغرض من خلقنا؟ إذا كان الجواب لعبادة الله سبحانه وتعالى، فأنا أسأل سؤالا إنكاريا: وهل الله يحتاج إلى عبادتنا؟ بالطبع لا، إذن ما الغرض؟ وما الحكمة؟ قرأت مؤخرا مقولة قالها Friedrich Nietzsche
((من غير المعقول أن يعطيك الخالق مجموعة من الغرائز والتطلعات وفي نفس الوقت يصدر تعاليم بحرمانك منها في الحياة ليعطيك إياها مرة أخرى بعد الموت))
هل بالإمكان الرد على هذه الجملة؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى خلقنا لعبادته وشرفنا بذلك مع أنه لا يحتاج لعبادتنا بل نحن الفقراء والمحتاجون لعبادته نظرا لما يسببه لنا القيام بها من سعادة الدنيا والآخرة، أما الله تعالى فهو غني كما قال سبحانه وتعالى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ {الزمر: 7} وقال تعالى: وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ {إبراهيم: 8} وقد تكرر في عدة آيات أن مصلحة الإتيان بالأعمال الصالحة إنما ترجع للعبد لا إلى الله وأن ضرر المعاصي إنما يرجع للعاصي لا إلى الله فقد قال تعالى: وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ {النمل: 40} وقال تعالى: وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ {فاطر: 8} وقال تعالى: وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ {العنكبوت: 6} وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا {فصلت: 46} وقال تعالى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا {الاسراء: 7} إلى غير ذلك من الآيات المؤكدة لما ذكرنا.
وأما المقولة التي ذكرت فهي باطلة فإن الله تعالى لم يحرم على الناس الاستجابة لما فيهم من الغرائز وإنما نظم حياتهم حسب نظام يحقق لهم المنافع ويسلمهم من المضار فقد جعل فيهم غزيزة حب النكاح ولم يحرمه بل أباحه ورغب فيه حسب نظام الشرع وهو اتيان الأزواج وما ملكت اليمين بالنسبة للرجال، وحرم الزنى لما يسببه من اختلاط الأنساب وضياعها والتفكك الاجتماعي والاعتداء على الأعراض والتضرر بأضرار الأمراض الفتاكة، وجعل في الناس غريزة حب التملك فأباح لهم التكسب ورغب فيه حسب نظام الشرع الذي يكفل للجميع الإنصاف والعدل ومنع بعض المظاهر المحرمة كالاعتداء والغصب والغش والربا لما فيها من الأضرار وبذر الأحقاد والشنآن وجعل فيه غريزة حب الأكل والشرب وأباح المآكولات والمشروبات ولم يحرم إلا ما فيه ضرر كالخنزير والميتة والخمر فهي تؤدي للامراض وفقد العقل وحرم الخبائث لخبثها كما قال تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ {الأعراف: 157} ويدل لما ذكرناه من إباحة الانتفاع بما أحب العبد مما خلق الله في الأرض قوله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ {الأعراف: 32} وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا {البقرة: 29} وقوله تعالى: قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى {طه:50} وقوله تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً {الروم: 21}
هذا وننبه إلى أن المسلم يتعين عليه التركيز على النظر في نصوص الوحي وتدبرها والبعد عن متابعة شبهات أهل الزيغ والضلال وسماع كلامهم لئلا يوقعه ذلك للشك في دينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1427(1/1004)
شبهة وجوابها حول الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[في الليلة الماضية كنت أشاهد برنامجا عن النار والجحيم، وهو من إعداد الكفار في بلدهم، هم كانوا يتكلمون عن دين قديم، لا أعرف اسمه بالعربية واسمه بالإنجليزي هو: zoroasthronism.
هذا الدين عنده نفس الاعتقاد في الصراط والنار مثل الإسلام، فهل هذا معناه أن الإسلام عبارة عن مجمع للأديان القديمة، كما يدعي المسيحيون؟
هذا الموضوع أحدث لي مشكلة إيمانية كبيرة!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يتعين على المسلم الذي يحب الموت على الإسلام أن يحرص على حماية مداخل قلبه أن يتسرب إليه منها ما يؤدي لخلخلة عقيدته أو ضعف إيمانه، فعليه أن يحمي بصره وسمعه وفكره من نظر وسماع ما يشكك في عقيدته أو أن يتفكر في ذلك، فلا يسوغ أن ينظر إلى القنوات التي تبث الإلحاد والكفر أو يستمع إلى شبههم إلا إذا كان من المتخصصين في علم الشرع الذين وقفوا على أرضية ثابتة، ويريدون الاطلاع على شبه الكفار ليردوا عليهم ويفندوا كلامهم، رغبة في هدايتهم ومنعهم من التأثير على ضعفة المسلمين كما فعل ابن تيمية وابن القيم، وقد نص أهل العلم على منع النظر في كتب أهل الكتاب بالنسبة للعوام، نص على ذلك جمع من فقهاء المذاهب الأربعة قديما وحديثا، وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية، فعلى المسلم أن يشغل وقته بقراءة القرآن ومطالعة كتب الحديث وسير السلف أو بما يفيده في مصالحه الدنيوية ويبتعد عن فضول النظر في القنوات التي يستخدمها أهل الإلحاد والفجور، ثم اعلم أن الإسلام هو دين الله الذي اختاره للبشرية وأرسل به رسله عليهم الصلاة والسلام وختمهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم شيئا عن أصحاب الأديان الأخرى، فلم يأخذ عن معاصريه من أهل الكتاب ولا من الكتب التي عندهم، وإنما أخذ ما جاء جبريل به من الوحي الذي أنزله الله عليه، وقد جعل الله رسالته صلى الله عليه وسلم خاتمة لرسالات الرسل ومهيمنة عليها وناسخة لما خالفها، وأوجب على الرسل إذا أدركوه أن يتابعوه وينصروه، ولا غرابة أن تكون الكليات التي جاء بها الأنبياء كلهم موجودة في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيرها من الرسالات، لأن الرسالات اتفقت في كليات الإيمان والأخلاق، وإنما اختلفت في بعض الأحكام والتشريعات رحمة بالبشر، كما في حديث البخاري: الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد. وفي رواية رواها أحمد وصححها الألباني: الأنبياء إخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى.
وللمزيد من التفصيل في الموضوع راجع لزاما الفتاوى التالية ارقامها: 69531، 61288، 47046، 54711، 47728، 39118، 14742، 20030، 49073، 39414.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1427(1/1005)
شبهة حول ادعاء النصارى ألوهية عيسى وجوابها
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني أحد المسيحيين في العمل عن تفسير الآية الكريمة من سورة التوبة رقم31 (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) وأن هذه الآية دليل على أن الله سبحانه وتعالى عما يصفون حينما عطف السيد المسيح عليه بالواو أصبحوا إلها واحد كما هو مبين في آخر الآية الكريمة.
أرجو الإفادة مع جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {التوبة:31} .
وقوله تعالى: وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ: معطوف على (رُهْبَانَهُمْ) أي أن النصارى اتخذوا المسيح ابن مريم ربا من دون الله، ولهذا جاء لفظ المسيح منصوبا (الْمَسِيحَ) لأنه معطوف على منصوب (رهبانَهم) ، وكذا لفظ (ابنَ) لأنه بدل منه، ولو كان كما يقولون ـ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ـ لجاءا مجرورين: المسيحِ ابنِ مريم، ثم إن بقية الآية ترد عليهم بوضوح، وهي قوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
قال الشوكاني في فتح القدير:
قوله: (وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) معطوف على رهبانهم: أي اتخذه النصارى رباً معبوداً، وفيه إشارة إلى أن اليهود لم يتخذوا عزيرا رباً معبوداً. اهـ
وقد سأل عدي بن حاتم الطائي النبي صلى الله عليه وسلم ـ وكان قد تنصر في الجاهلية ـ عن هذه الآية مستشكلا بعضها فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم عما استشكله، لكنه لم يستشكل ما ذكره هؤلاء لكونه عربيا ويفهم لغة العرب، فعن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال يا عدي اطرح عنك هذا الوثن وسمعته يقرأ في سورة براءة {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
ثم إن القرآن الكريم مليء بالرد على اعتقاد النصارى في عيسى عليه السلام وتأليههم له، كقوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {المائدة: 17} .
وقوله سبحانه: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ {المائدة:72} .
وقوله تبارك وتعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) .
وقوله عز وجل: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {المائدة: 116و117} .
وقوله جل وعلا: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا {الكهف: 4-5} .
وقوله عز من قائل: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا {مريم: 88-93) . وغيرها من الآيات التي لا يمكن حصرها في هذه الفتوى.
هذا وإن الواجب على المسلم أن يصون دينه عن الشبهات، فلا يستمع إليها، لأن الشبهة قد تستقر في قلبه ولا يستطيع دفعها لضعف إيمانه أو قلة علمه أو للأمرين جميعاً، وقد نص العلماء على حرمة النظر في كتب أهل الكتاب لما فيها من التحريف، فكيف بالاستماع إلى شبهات هؤلاء؟ فإنه أشد تحريماً، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 14742، والفتوى رقم: 9985. ... ... ... ... ... ... ... ...
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1426(1/1006)
شبهة وجوابها حول أهل الفترة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما كيفية الجمع بين قوله تعالى (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) وبين أن أهل الفترة لم يصلهم رسول كما في الحديث في صحيح الجامع وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يمكن الجمع بين الحديث والآية بأن الأمم السابقة قد جاءتها النذر وأن أهل الفترة السابقين لعهد النبي صلى الله عليه وسلم كان هو نذيرهم ولم يأتهم نذير قبله، ويدل لهذا قوله تعالى: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ {القصص: 46} .
وقوله: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ {المائدة: 19} .
وقوله تعالى: وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ {سبأ: 44} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1426(1/1007)
الرد على شبهات الملحد المكذب بالقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي جار ملحد وأريد أن أقنعه بالإسلام ... فساعدوني على إثبات وجود الله.. كما أنه قال بأن القرآن محرف بسبب تعدد رواياته ... وقال إنه بإمكانه بناء بيت وتغطيته بغطاء أسود ويسميه بالبيت الحرام ... كما أنه استغرب من زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعمرها 9سنوات ...
حيرتني أسئلته ولم أعرف الإجابة عنها ... ساعدوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على دعوة الملحدين والكافرين ب دين الإسلام، ولكن التصدي لهذا الأمر ينبغي أن يكون للمؤهلين حتى لا تنطلي عليهم شبهات أهل الضلال والإلحاد، وبإمكانك أن تدله على بعض المواقع والمنتديات المتخصصة في دحض شبهات أهل الزندقة والإلحاد مثل:
HTTP://70.84.212.52/VB/INDEX.PHP?S=229BC1720CCF8387BBB6D26A1DD567F4 &
HTTP://WWW.ALMANHAJ.NET/VB/
HTTP://WWW.ALJAME3.COM/
HTTP://WWW.D-SUNNAH.NET/FORUM/INDEX.PHP
كما أن هناك مراجع تعينك في إثبات وجود الله على منكريه، ومنها:
- قصة الإيمان لنديم الجسر.
- الإيمان والحياة ليوسف القرضاوي.
- العقيدة في الله لعمر الأشقر.
- العلم يدعو إلى الإيمان لوحيد الدين خان.
- جميع مؤلفات الشيخ عبد المجيد الزنداني ومن أهمها الإيمان والتوحيد.
- جميع مؤلفات الدكتور زغلول النجار.
وللفائدة انظر بعض أدلة وجود الله تعالى في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 22055، 31281، 12986.
وانظر بعض أدلة وجود الخالق وأدلة حفظ القرآن من التحريف في الفتوى رقم: 48913 وانظر بعض الأدلة على صحة دين الإسلام في الفتويين: 20984، 53965.
وللرد على من طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه تزوج أم المؤمنين عائشة وهي صغيرة انظر الفتوى رقم: 8218.
وأما ادعاء ذلك الملحد أن بإمكانه بناء بيت ويغطيه بغطاء أسود ويسميه البيت الحرام فهذا هذيان لا يستحق الانشغال بالرد عليه، ولكن نقول له: كيف ستجعل أفئدة الناس تهوي إليه ويزورونه راجلين وراكبين من كل فج عميق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(1/1008)
التباس الحق بالباطل في أمور الدين.. الأسباب.. والعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ من فضلك وأسألك بالله يا شيخ تساعدني حتى تمر محنتي، يا شيخ أنا تلبس علي الحق بالباطل، ولكن الحمد لله لم يسيطر علي الباطل فأنا ما زلت أنطق بالشهادة، ولكن يا شيخ الحق لم يستقر بداخلي على الرغم من أني أعرفه ولكن جهلي كبير، منذ البداية كنت أود أن أعرف ديني لنفسي وأبلغ به غيري، ولكن تعرفت على بعض الإخوان الذين ينسبون إلى جماعة التبليغ والدعوة فجعلوا اهتمامي كله بالتبليغ أولاً فبدأت أقرأ أهتم بالظاهر دون الباطن حتى ضاع الإخلاص تكلبت علي الشياطين حتى شككوني في كل ما حولي وبدأت أقتني كتب العقيدة حى أتعلم من جديد وأبدأ واشتريت كتاب عقيدة المؤمن لسماحة الشيخ الوالد أبو بكر جابر الجزائري وبدأت أتعلم ولكن سرعان ما يذهب عني هذا العلم، وتأتيني الشبه من كل مكان وقرأت في الفلسفة حتى كدت أن أفقد عقلي، ولكن كلما توصلت إلى دليل ينشرح به صدري، كنت أخشى النوم فكنت أنام وأستيقظ ولم يبق في ذهني إلا الشبه والهواجس ولا أدري ما أفعل، فكلما أبدأ تهجم علي الشبه ولا أستطيع إقامة الصلاة ولا حتى سماع كلام الله على الرغم من أني أعلم أنه كلام الله، ولا أعرف ما هو الدليل الذي أستدل به، ولكن الحمد لله فأنا ما زلت أنطق بالشهادة، وأعلم أن هذا من رحمة ربي بي ولكن شككوني في كل شيء ونفسي أعود إلى ما كنت عليه من الإيمان والعمل الصالح ولكني يمنعني شيء بداخل نفسي، وكلما تعلمت مسألة لا تستقر بعقلي، فماذا أفعل فإني والله أخشى أن يتوفاني الله وأنا على مثل هذا، أرجو المساعدة وكان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التباس الحق بالباطل في أمور الدين وخاصة العقيدة يجعل المرء على شفا هلكة إذا لم يتداركه الله برحمته، وهذا الالتباس سببه عدم العلم الشرعي مع الاسترسال في الوسوسة والشكوك وإهمال تزكية النفس وإصلاح القلب والإصغاء إلى شبه المشككين من الفلاسفة ونحوهم.
وهذا كله أنت وقعت فيه! فانشغالك بالدعوة وانقطاعك إليها قبل أن تتضلع من العلم الشرعي الواجب خطأ ومخالفة لهدي القرآن ومنهج السلف، فقد قال الله تعالى لنبيه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108} ، فقوله: على بصيرة يعني: على بيان وحجة واضحة غير عمياء، كما قال القاضي البيضاوي، وقال القرطبي: على بصيرة أي: على يقين وحق. انتهى، والحجة الواضحة واليقين لا يتوصل إليهما إلا بالعلم.
وعلى ذلك؛ فإن العمل -ومنه الدعوة إلى الله- يشترط له البصيرة والعلم، ولهذا بوب الإمام البخاري في صحيحه بقوله: باب: العمل قبل القول والعمل. وقد نقل الحافظ الذهبي في السير قول عبد الله بن وهب: كان أول أمري في العبادة قبل طلب العلم، فولع بي الشيطان في ذكر عيسى ابن مريم عليه السلام، كيف خلقه الله تعالى؟ ونحو هذا. فشكوت إلى شيخ، فقال لي: ابن وهب؟! قلت: نعم، قال: اطلب العلم، فكان سبب طلبي العلم.
ثم إن قراءتك لكتب الفلاسفة لهي من أكبر الخطأ، لأنها من مضلات العقول، وكم أردت من نفوس وأظلمت من قلوب!! فالفلاسفة أصلاً مترددون، شاكُّون، مذبذبون، ولذلك حذر علماء السلف من قراءة كتبهم، فكيف تطلب الحق من خلالهم؟! وانظر الفتوى رقم: 15514 فإن فيها تفصيل أكثر.
ثم إن خطرات نفسك والوساوس التي تعتريك كان ينبغي أن تقطعها ولا تسترسل معها، فخطرات النفس لم ينج منها أحد -كما قال ابن عباس - وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليستعذ بالله ولينته.
وقال تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {فصلت:36} ، وقال أيضاً: وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ {المؤمنون:97-98} ، قال بعض السلف لتلميذه: ماذا تصنع بالشيطان إذا سول لك؟ قال: أجاهده، قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده، قال: هذا يطول!! أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنعك من العبور، ما تصنع؟ قال: أكايده وأرده جهدي، قال: هذا يطول عليك، ولكن استغث بصاحب الغنم. وانظر الفتوى رقم: 19691 فإن فيها مزيد بيان.
هذا وننصحك -أخي الكريم- بمنهج صحيح تجاه المشتبهات والشبهات، وهو أن تستحضر في قلبك المحكمات والأدلة الواضحات القاطعات المشتهرات، ثم لتعرض أي شبهة تعرض لك عليها، فإنك ستجد هذه الشبه قد سقطت على جدار حصون المحكمات، وستراها قد احترقت تحت ضوء شمس الأدلة الباهرات، وتصبح تلك الشبه -حتى لو لم تجد لها جواباً- كحفنة تراب ألقاها عدو حاقد على جدار حصن عظيم، هل تؤثر فيه شيئاً؟! أما أن تجعل قلبك خلوا من تحصينات المحكمات، فإنه سيكون حينها مستودعاً للمتناقضات، ولن تدوم على عقيدة إلا وقد تحولت عنها إلى غيرها، حقاً كان أو باطلاً، وكأن قلبك حينها قطعة من قطن تمتص كل ما لمسها، صفواً كان أو كدراً، طيباً كان أو خبيثاً.
وعليك كذلك أن لا تهمل تزكية نفسك، فقد قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {الشمس:9} ، واعتن بقلبك وانشغل بعبادة ربك في السر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. رواه مسلم. وقال أيضاً: إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. رواه البخاري ومسلم.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: في هذا الحديث التأكيد على السعي في صلاح القلب وحمايته من الفساد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1425(1/1009)
التفكر في الذات العلية يوقع في البلية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد:
بداية أود أن أشكر كل العاملين على إنجاز هذا الموقع والسهر على أن يقدم الفائدة الكبرى والمعلومات القيمة في مختلف مجالات علوم الدين، جزاكم الله كل الخير، أما سؤالي هو: ما حكم الخوض في الذات الإلهية، وأرجو أن يرفق جوابكم بالأدلة التي ارتكزتم عليها في الإجابة؟ ولكم جزيل الشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التفكر في ذات الله فضلاً عن الخوض فيها من المضلات التي يزينها الشيطان ليضل بها الناس، قال الله تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {طه:110} ، وقال تعالى: وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء {البقرة:255} ، وقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11} .
قال ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس: ومن ذلك أن الشيطان يأتي إلى العامي فيحمله على التفكر في ذات الله وصفاته فيتشكك، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسألون حتى تقولوا هذا الله خلقنا فمن خلق الله؟ قال أبو هريرة: فوالله إني لجالس يوماً إذ قال رجل من أهل العراق هذا الله خلقنا، فمن خلق الله؟ قال أبو هريرة: فجعلت أصبعي في أذني ثم صحت: صدق رسول الله، الله الواحد الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم له كفوا أحد. انتهى.
قال أبو جعفر الطحاوي: ولا نخوض في الله ولا نماري في دين الله. قال الشارح: قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء بل يصفه بما وصف به نفسه. انتهى.
قال أبو عبيد القاسم ابن سلام تعليقاً على أحاديث الصفات الذاتية لله تبارك وتعالى: أما هذه الأحاديث عندنا حق يرويها الثقات بعضهم عن بعض إلا أنا إذا سئلنا عن تفسيرها قلنا ما أدركنا أحداً يفسر منها شيئاً ونحن لا نفسر منها شيئاً، نصدق بها ونسكت.
قال الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنها بدعة. انتهى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله. رواه الطبراني في الأوسط وأبو الشيخ عن ابن عمر وحسنه الألباني في الجامع، وفي رواية عند أبي نعيم في الحلية: تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله. حسنه الألباني أيضاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1425(1/1010)
الإرشاد إلى وجود رب العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أخت لإخوة ذكور (2) عمر الأخ الأكبر 18 سنة وهو مراهق بالطبع والثاني 17 سنة، أما الأخ الكبير تبين لنا في آخر هذه الأيام أنه يتكلم عن عدم وجود الخالق عز وجل، هذا والعلم أن أبي علمنا الإيمان وأداء الواجبات منذ الصغر لكن للأسف لنا ابن عم عديم المسؤولية مفسد وفقط يفكر في إيذاء بنات الناس وهو مدلل لأنه هو الوحيد المتبقي في هذا البلد من باقي إخوته وكل شيء يحصل عليه بسهولة، المهم أن أهلي حاولوا إبعاده عنه لكن دون فائدة مع العلم أن أخي جاء بعد خمس بنات وكان مدللا بعض الشيء وأيضا للعلم إن أبي أيضا كفيف، والآن أخي الثاني ينساق وراء أخيه ونخاف أن يصبح جميع إخوتنا الذكور كذلك لا يخافون الله ويجادلوننا بعدم وجود الله، وأشياء كثيرة مثال أن الكلب ليس نجسا وقلنا له سنجلب حديثا عن نجاسة الكلب، لكنه يقول قبل ذلك إن في سورة الكهف يوجد كلب فكيف يمشي معهم؟؟ وأيضا عن الصلاة (لماذا تصلون....) يجادل في كل شيء وأن القرآن محرف ... المهم ساعدونا أرجوكم جزاكم الله خيراً ونحن الأخوات نبحث عن الدلائل التي تسكته عن تفكيره السيئ فأرجو إرسال الطرق التي يجب أن نتعامل مع هذه الحالة التي تنكر وجود الله، مع وجود السبب أمامه صاحب السوء دون المقدرة عن إزاحة المفسدين من حوله وجزاكم الله كل الخير. الرجاء الرد سريعا لانقاذه قبل ضياعه إلى الأبد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أوغل أخوك في الخطأ والبعد عن الصواب، فإنكار الخالق جل وعلا من أعلى درجات الكفر، والقول بتحريف القرآن كفرثان، وإنكار وجوب الصلاة أو التشكيك في مطلوبيتها وأهميتها كفر آخر، والعياذ بالله.
وعلاج هذه الأمور يكون بالدعاء أولاً لهما بالهداية والاستقامة فإنه أحسن علاج. قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر: 60) وقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (البقرة: 186) .
ثم بتبصيرهما الأدلة العقلية والنقلية المفيدة لوجود الخالق، وأولها وجود هذا الكون بسماواته وأراضيه وشمسه وقمره وبحاره وأنهاره ودوابه وإنسه وجنه، وما هو عليه من حسن تنسيق وتدبير، وغير ذلك مما يشهد بوضوح بوجود خالق، ومن يكون ذلك الخالق غير الله؟!!
ثم لفت انتباههما إلى الآيات القرآنية الدالة على الخالق، قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (العنكبوت:20) {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت:53) {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} (الطور:36 ـ 37)
ثم يبين لهما سوء العاقبة والمصير بالنسبة لمن مات على غير ملة الإسلام.
ومع كل هذا فينبغي التعامل معهما بالحكمة والعقل والكياسة، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125)
وحاولي قدر المستطاع تنحية أخوك عن ابن العم الذي ذكرت من أمره ما ذكرت.
وأما نجاسة الكلب فهي وإن كانت هي الراجحة، وقال بها جمهور أهل العلم، إلا أنها محل خلاف، كما سبق أن بينا في فتاوى سابقة ويمكن أن تراجعي فيها الفتوى رقم: 4993.
وعليه؛ فلا ينبغي أن تكون في الأولويات عند محاورة الأخوين ونقاشهما لأنها ولو قيل بالاتفاق عليها فإنها لا تقرب من رتبة أمور تبلغ درجة الكفر، ناهيك عن أن الخلاف فيها خلاف قوي ومشهور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(1/1011)
قصة لا تثبت عن الأمام مالك رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في سوريا (دمشق) في إحدى خطب الجمعة تكلم الخطيب عن قصة، وهي كالتالي: دخل أحد الخلفاء العباسيين المسجد النبوي فوجد رجلاً منكباً على قبر الرسول (عليه الصلاة والسلام) ، فقال له ويحك يا رجل أتقبل حجراً، فإذا بالرجل يلتفت إلى الخليفة فإذا به الإمام مالك رضي الله عنه ثم استنبط منها أحكاماً غريبة ومنها جواز تقبيل قبر الرسول، فهل هذه القصة ثابتة عن الإمام مالك رضي الله عنه، وإذا كانت كذلك يرجى ذكر المصدر؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نقف على ما يفيد إثبات نسبة هذه القصة للإمام مالك، واعلم أن المعروف من منهج الإمام مالك هو البعد عن الابتداع، وقد كان ينشد في مجلسه دائماً: وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع.
ومن منهجه سد الذرائع إلى المحرمات كما قال صاحب المراقي: سد الذرائع إلى المحرم حتم كفتحها إلى المحتم.
ويمكنك أن تسأل الإمام برفق عن مرجع القصة وترسله إلينا لننظر في صحتها، وما نظن أنها يمكن أن تقع من مثل مالك بحال من الأحوال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1425(1/1012)
ثبوت إعجاز القرآن- تهافت الادعاء بأن الله غير عادل
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق يدعي أن القرآن غير معجز، وأن الله غير عادل، وهو الآن على درجة الإلحاد فأفيدوني لكي ننقذ هذا الشاب قبل أن يقع في براثن الشيطان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إعجاز القرآن أثبت وأوضح من الشمس، ومما يدل لذلك أن الله تحدى العرب بالإتيان بقرآن مثله فعجزوا، ثم تحداهم بالإتيان بعشر سور مثله فعجزوا، ثم تحداهم بسورة من مثله فعجزوا، ثم أخبر سبحانه وتعالى أنهم لن يأتوا بمثله ولو تعاونوا جميعاً. ولم يسمع في التاريخ من ذلك العصر إلى اليوم أن أحداً كتب مقالاً يحاكي القرآن، وصدق الله تعالى إذ يقول: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88] ، قال ابن كثير في البداية والنهاية في معرض حديثه عن دلائل النبوة المعنوية: وهو معنوية وحسية، فمن المعنوية إنزال القرآن عليه وهو أعظم المعجزات، وأبهر الآيات، وأبين الحجج الواضحات لما اشتمل عليه من التركيب المعجز الذي تحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا عن ذلك مع توافر دواعي أعدائه على معارضته وفصاحتهم وبلاغتهم، ثم تحداهم بعشر سور منه فعجزوا، ثم تنازل إلى التحدي بسورة من مثله فعجزوا عنه وهم يعلمون عجزهم وتقصيرهم عن ذلك، وأن هذا ما لا سبيل لأحد إليه أبداً، قال الله تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88] ، وهذه الآية مكية. وقال في سورة الطور وهي مكية: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُون* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ، أي إن كنتم صادقين في أنه قاله من عنده فهو بشر مثلكم فأتوا بمثل ما جاء به فإنكم مثله، وقال تعالى في سورة البقرة وهي مدنية معيدا للتحدي: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24] ، وقال الله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ [هود:13-14] ، وقال الله تعالى: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ* أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [يونس:37-38-39] ، فبين تعالى أن الخلق عاجزون عن معارضة هذا القرآن بل عن عشر سور مثله بل عن سورة منه، وأنهم لا يستطيعون ذلك أبداً، كما قال الله تعالى: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ أي فإن لم تفعلوا في الماضي ولن تستطيعوا ذلك في المستقبل، وهذا تحدٍ ثان وهو أنه لا يمكن معارضتهم له لا في الحال ولا في المآل، ومثل هذا التحدي إنما يصدر عن واثق بأن ما جاء به لا يمكن للبشر معارضته ولا الإتيان بمثله، ولو كان من منقول من عند نفسه لخاف أن يعارض فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصده من متابعة الناس له. ومعلوم لكل ذي لب أن محمداً من أعقل خلق الله بل أعقلهم وأكملهم على الاطلاق في نفس الأمر، فما كان ليقدم هذا الأمر إلا وهو عالم بأنه لا يمكن معارضته وهكذا وقع، فإنه من لدن رسول الله، وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبداً فإنه كلام رب العالمين الذي لا يشبهه شيء من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فأنى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق. انتهى.
وأما ادعاء أن الله غير عادل، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، فإنه مردود شرعاً وعقلاً، وصاحبه متبع لإبليس لعنه الله، قال شيخ الإسلام: ومن طعن في عدل الله وحكمته كان شبيهاً بإبليس، فإن الله ذكر عنه أنه طعن في حكمته وعارضه برأيه وهواه، وأنه قال: قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:39] .
فالله سبحانه وتعالى هو العدل الحكم لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وقد أخبر عن نفسه فقال: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49] ، وقال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40] ، وفي الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا..... أخرجه مسلم.
وقد أوجب سبحانه على الحكام العدل بين الناس في الحكم، فقال: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58] ، وقد أنزل الوحي المشتمل على هذه الشريعة التي هي عدل ورحمة كلها، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها.
وأما الوسائل المساعدة في إنقاذ هذا الشاب، فمن أهمها الدعاء له بالهداية ومحاورته وتعليمه إن كان جاهلاً، وجداله بالتي هي أحسن إن كان متأثراً بالأفكار الإلحادية، ووعظه وترقيق قلبه وتذكيره بآيات الله، قال الله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125] ، وعليك بإعارته ما تيسر من الأشرطة النافعة والكتب المفيدة والسعي في ربطة بصحبة صالحة لعلها تجره إلى الخير، فإن الرجل على دين خليله، كما في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
والمدارسة معه في مسألة الإعجاز والعدل انطلاقاً مما ذكرناه سابقاً ومما تراه في كتب التفسير عند الآيات التي ذكرناها، وننصحك إن لم تكن واثقاً من نفسك بالقدرة على جداله أن تستخدم في جداله من يقدر على ذلك لأن إيراد الشبه على القلب يمرضه، فلهذا يتعين عليك أن تحتاط لنفسك حتى لا يؤثر عليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1425(1/1013)
دلالة وجود الخالق. ودلائل حفظ القرآن من التحريف
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي استفسار: إذ أننا نعيش في زمن فتن لذا فإنني أواجه الكثير من الاستفسارات وهي: ما هي الدلائل على وجود الله ثم وجود إله واحد، والغرب يدعي بأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ابتدع القرآن وأنه ليس برسول لذا فقلت إن القرآن محفوظ إلا أن نفسي أو الشيطان وسوس لي بأنه ما المانع بأن يكون القرآن قد زور ثم أضيفت الآية التي تؤكد حفظه وأريد مقارنة سريعة ودقيقة مع تأكيد بأن القرآن ليس مزوراً وبأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتبه، مع تفسيرات واضحة ودقيقة لكي لا يوسوس لي الشيطان ومقارنة بين الديانات لأتأكد بأنني أسير على الدين الصحيح، أرجو الرد وبسرعة أنجدوني ينجدكم الله، وبارك الله فيكم، وأدعو لي بأن لا أموت قبل أن أحصل على اليقين، والله على ما أقول شهيد؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتطلع إلى معرفة الخالق سبحانه وتعالى أمر مركوز في فطرة كل إنسان، والعاقل المتأمل في نفسه وفي الكون من حوله يعلم حقيقةً أن لهذا الكون خالقاً متصفاً بكل كمال، منزها عن كل نقص.
فهذا الكون كله بنظامه ودقته شاهد على وجود خالق، بل الإنسان نفسه أكبر دليل على وجود خالقه لأن الله تعالى خلقه من العدم، ومرَّ بمراحل وأطوار متعددة في بطن أمه حتى خرج إلى هذا العالم، ومن هنا جاء التنبيه القرآني: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] ، وللمزيد عن هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 22055، والفتوى رقم: 22279.
ومما يدل على وجود إله واحد لا شريك له أنه لو فرض تعدد الألهة لترتب على ذلك ما يلي:
1- اختلال نظام الكون حيث سينفرد كل منهم بما خلق، والكون منتظم كما هو مشاهد.
2- كان كل واحد يطلب القهر والغلبة على الآخر فيعلو بعضهم على بعض، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: فقال الله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [المؤمنون:91] ، أي لو قدر تعدد الألهة لانفرد كل منهم بما خلق، فما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق، كلٌ من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال، مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ، ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه فيعلو بعضهم على بعض.
وقال الإمام القرطبي عند تفسيره لقول الله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22] : والمعنى لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها، وقال غيره: أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير لأن أحدهما إن أراد شيئاً والآخر ضده كان أحدهما عاجزا، وقيل معنى لفسدتا أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بالاختلاف الواقع بين الشركاء، فسبحان الله رب العرش عما يصفون نزه نفسه وأمر العباد أن ينزهوه عن أن يكون له شريك أو ولد. انتهى.
ولا تلتفت إلى أقوال الكافرين الذين يطعنون في رسالة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن رسالته خاتمة للرسالات السابقة وقد بشر بها الرسل من قبله، فقد قال تعالى حكاية عن عيسى عليه الصلاة والسلام قوله: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6] ، فكل من لم يؤمن برسالته صلى الله عليه وسلم فهو كافر مخلد في النار إن مات على ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم.
وقد جاء هذا النبي الأمي بتلك المعجزة الباقية وهي القرآن الكريم وتحدى البشر أن يأتوا بمثله، ولا يزال يتحداهم فعجزوا عن الإتيان بمثل سورة من سوره بل بمثل آية من آياته، والقرآن معجز بما فيه من فصاحة وبيان، وبما فيه من أخبار مستقبلة صادقة، وبما فيه من حقائق علمية لا يزال العلم الحديث يكتشفها فيجدها مطابقة لما أخبرالقرآن، مما يدل على أنه من كلام خالق هذا الكون الذي أحاط به علماً.
والقرآن كلام الله تعالى وهو محفوظ من التغيير والتبديل ولا أدل على ذلك من وجود هذه الأعداد الكثيرة من المصحف متفقة غير مختلفة مع تباعد الأقطار، فالمصحف في الصين لا يختلف عن المصحف الموجود في الغرب، وتفصيل هذه المسألة في الفتوى رقم: 6472، والفتوى رقم: 32547.
وما تجده من وساوس وخطرات من كيد الشيطان، وعليك دفعه وعدم الالتفات إليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكثيراً ما تعرض للمؤمن شعبة من شعب النفاق ثم يتوب الله عليه، وقد يرد على قلبه بعض ما يوجب النفاق ويدفعه الله عنه، والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره؛ كما قالت الصحابة: يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لإن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الإيمان. وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان؛ كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد، والصريح الخالص كاللبن الصريح.
وإنما صار صريحاً لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها فخلص الإيمان فصار صريحاً، ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس، فمن الناس من يجيبها فيصير كافراً أو منافقاً، ومنهم من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين فإما أن يصير مؤمناً وإما أن يصير منافقاً. انتهى.
ثم عليك أن تعلم أن دين الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده فلا يقبل غيره من الأديان، وكل من كان على دين غيره فهو كافر ضال مخلد في النار إذا مات على غير دين الإسلام، فقد قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19] ، وقال الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] ، فالواجب عليك اعتقاد صحة هذا الدين وأن غيره كفر وضلال، ومن الجدير التنبيه عليه أن الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا للضرورة الملحة، ونحيلك للتفصيل في هذا إلى الفتوى رقم: 2007.
كما ننبه إلى ضرورة التفقه في دين الإسلام بتعلم أحكامه ومجالسة العلماء الربانيين والأخذ عنهم حتى تعبد الله على بصيرة وتتفقه في دينك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1425(1/1014)
تصحيح شبهات حول الإسلام والقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أريد أن أصحح عقيدتي في الإسلام. أنا ما زال الشك يملأ عقلي وقلبي عن صحت الإسلام. سؤالي هو. لماذا خلق الله كثيرا من أنواع الشعوب باختلاف لغاتهم, وجعل القرآن باللغة العربية. وكذلك أريد أن أعرف لماذا نحن مسلمون وما الشيء الذي يجعلنا معتقدين بصحة الإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاختلاف لغات الشعوب دليل واضح على عظمة الله تعالى واستحقاقه لأن يفرد بالعبادة وحده، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ [الروم:22] وللتفصيل في هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 42971
ونزول القرآن باللغة العربية خصوصا دليل على فضل هذه اللغة العربية وعلو مكانتها، وهذا الأمر تقدير من الله تعالى فله الارادة المطلقة.
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. كما قال تعالى في سورة الأنبياء
والواجب على المسلم التسليم لقضاء الله تعالى والرضا به واعتقاد أنه مشتمل على كل حكمة وخير، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36] وكوننا مسلمين يعتبر مِنَةً من الله تعالى وتوفيقا منه لنا، ودليلا على الهداية إلى الطريق المستقيم قال تعالى: فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء [الأنعام:125] واعتقادنا بصحة هذا الدين العظيم واعتناقنا له ثمرة قناعتنا العقلية والنقلية على صحته وأنه من عند الله، وأنه الذي ارتضاه الله تعالى لعباده. وقد أيد الله عز وجل رسوله بالبراهين الدالة على صدقه، ومن ذلك القرآن فهو المعجزة الخالدة الذي لايزال يتحدى البشر أن يأ توا بمثله، وجعل الله الإسلام خاتما للأ ديان السماوية قبله، حيث قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19]
وقال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]
وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [المائدة:48] وللمزيد عن هذا الموضوع نحيلك إلى الأجوبة التالية:
511، 3887 3، 11486
وحتى يزول مافي قلبك من شكوك، أكثر من الالتجاء الله تعالى ودعائه أن يشرح صدرك إلى اتباع الحق واليقين به.
ثم عليك بمطالعة الكتب الصحيحة التي تتحدث عن دين الإسلام، إضافة إلى حضور مجالس العلماء الربانيين حتى تتفقه في دينك، وعليك بدفع مثل هذه الشكوك والوساوس فذلك دواء ناجع لها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وكثيرا ما تعرض للمؤمن شعبة من شعب النفاق ثم يتوب الله عليه، وقد يرد على قلبه بعض ما يوجب النفاق ويدفعه الله عنه، والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره؛ كما قال الصحابة: يارسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الايمان وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به. قال: الحمدلله الذي رد كيده إلى الوسوسة، أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الايمان؛ كالمجاهد الذي جاءه العدو صريحا فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد، والصريح الخالص كاللبن الصريح، وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها فخلص الايمان فصار صريحا.
ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس، فمن الناس من يجيبها فيصير كافرا أو منافقا، ومنهم من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين، فإما أن يصير مؤمنا وإما أن يصير منا فقا. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1425(1/1015)
العقيدة الصحيحة هي أساس الأعمال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى العقيدة ولم يركز عليها العلماء أكثر من بقية الأمور كالحديث والفقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقيدة هي جملة من الأمور التي تصدق بها النفوس وتطمئن إليها القلوب، وتكون يقينا عند أصحابها، لا يمازجها ريب ولا يخالطها شك، ولذا تدور مادة (عقد) في اللغة على اللزوم والتأكيد والاستيثاق، والعقيدة في الإسلام تقابل الشريعة، إذ الإسلام عقيدة وشريعة، فالشريعة تعني التكاليف العملية من العبادات والمعاملات، أما العقيدة فليست أمورا عملية، بل هي أمور علمية يجب على المسلم أن يعتقدها ويؤمن بها، وأصول العقيدة وأركان الإيمان ما جاء في حديث جبريل قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. متفق عليه.
وأما سبب تركيز العلماء على العقيدة أكثر أو قبل بقية أمور الدين كالفقه، لأن هذا هو منهج الأنبياء ومنهم النبي عليه الصلاة والسلام، فإنه مكث ثلاثة عشر عاما في مكة يدعو إلى العقيدة وإلى التوحيد والنهي عن الشرك.
وكل نبي يبعث إلى قومه يكون أول ما يدعوهم إليه توحيد الله عز وجل: [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ] (الانبياء:25)
[وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ] (النحل: 36) .
وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه هذا المنهج، فقد ورد في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وفي رواية للبخاري: فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله. ولأن العقيدة الصحيحة هي أساس الأعمال، والأعمال هي ثمرة العقيدة. قال تعالى: [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ] * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا] (ابراهيم: 24-25) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1425(1/1016)
حول دراسة تفاصيل العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد انتشرت أخطاء كثيرة في العقيدة مثل الأشعرية والصوفية، فهل لا بد لنا من دراسة العقيدة وفهم الصحيح؟ أم يجوز لنا أن نترك الأمر ونظل على التوحيد مؤمنين بأن كل ما في القرآن صحيح عن ذات الله وغير ذلك من أمور العقيدة دون التدقيق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم هو الاعتقاد الإجمالي، وهو أن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأن له صفات الجلال والكمال، ولا يعتريه نقص ولا عيب ونحو ذلك، وأما دراسة تفاصيل العقيدة، فليس بواجبة على كل أحد، ولكن لو انتشرت البدع ولم يوجد من يردها ويبين للناس وجه الحق فيها أصبح فرضا على عموم المسلمين أن تقوم طائفة منهم بهذا الواجب وهو تعلم دقائق العقيدة والرد على المخالفين والعابثين بعقيدة المسلمين، وراجع الجواب: 27699.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(1/1017)
دحض شبهة لبعض الملحدين
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله رب العالمين، وبعد لقد سألني أحد الشيوعيين ماذا كان الله سبحانه وتعالى هل يستطيع خلق شيء أكبر من ذاته فإذا لم يفعل ذلك فهو ليس بالقدير وإن فعل ذلك فهو ليس أكبر شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكره هذا الشيوعي باطل من كل وجه، لأن خلق الله لشيء أكبر منه أو أقوى منه أو صخرة يعجز عن حملها أو خلق الله لمثله أو اتخاذ الولد كل هذا مستحيل في حق الله تعالى، ووجه استحالته أنه يتنافى مع ربوبيته سبحانه وقهره وقوته، فإن قيل إن قولكم باستحالته يستلزم وصف الله بالعجز، قلنا: هذا الإلزام باطل، ولا يصدر إلا من عقل سخيف، وذهن بليد جهل بديهيات الأمور، إذ ما لا تتعلق به القدرة لا يصح أن يقال إنه قد عجز عنه، والقدرة إنما تتعلق بالممكنات لا بالمستحيلات، فإن فهم الشيوعي هذا فقد ألجم، وإن لم يفهم فنقول زيادة في الإيضاح لو جاريناك وفرضنا وقوع المستحيل، وهو أن يخلق الله من هو أقوى منه لكان هذا المخلوق قادراً على قهر الخالق، وكان الخالق عاجزاً ضعيفاً، وما كان عاجزاً ضعيفاً فليس برب ولا قادر ولا قاهر، وعموماً فلا يصدر هذا الكلام إلا ممن جهل ربه ولم يقدره حق قدره، فلو علم العبد أن الأرض التي يعيش على سطحها لا تساوي جزءاً من مليون جزء من الشمس، وأن الشمس ليس بيننا وبينها إلا ثمان دقائق ضوئية، فكيف بالنجوم التي يسافر الضوء منها إلينا في مليون سنة ضوئية أو مليار سنة ضوئية وما هذه النجوم قريبها وبعيدها إلا زينة السماء الدنيا، فكيف بالسماء الثانية والثالثة والرابعة إلى السابعة، ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة -أي صحراء- وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة. رواه ابن حبان في صحيحه، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري: وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في التفسير بسند صحيح، فكيف بخالق العرش والكرسي القائل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (طه:5) ، والقائل: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ (الأنعام: من الآية18) ، وانظر الفتوى رقم: 6825.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1425(1/1018)
تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوزللمسلم أن يتخيل شكل الله عز وجل؟ أفتوني والله يرعاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يتخيل شكلاً لذات الله سبحانه وتعالى، لأن كل شكل يتخيله العقل أو يخطر بالبال، فإن الله تعالى بخلافه.
قال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] .
وعقل الإنسان المحدود لا يمكن عقلا ولا يجوز شرعا أن يدرك ذات الله عز وجل أو يتصورها، وكل من يتوهم شيئا في مخيلته أو يرسم شكلا يتوهمه لله عز وجل، فإنه مشبه، والمشبه يعبد صنما، كما أن المعطل يعبد عدما، كما قال أهل العلم.
ولهذا، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفكر في ذات الله تعالى، وأمر بالتفكر في آياته، كما في معجم الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله.
وقد تتابعت نصوص أهل العلم في النهي عن التفكر في ذات الله عز وجل، والحث على التفكر في آياته الكونية المرئية، وآياته الشرعية المقروءة، ونعمه التي تغمر الإنسان وتحيط به.
قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي في "الرسالة": لا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون.. يعتبر المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في ماهية ذاته..
وقال أبو جعفر الطحاوي: لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، ولا يشبه الأنام..
وذلك لأن طرق معرفة الشيء والحكم عليه، تكون بثلاثة أمور:
الأول: معاينته ومشاهدته، وهذه مستحيلة في حق الله عز وجل، حيث يقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103] .
الثاني: قياسه على شيء مثله قد رآه الشخص، فيحكم من خلال المرئي على مماثله الذي لم يره.. وهذه أيضا مستحيلة في حق الله عز وجل، لأن الله تعالى يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] .
الثالث: الحكم على الشيء ومعرفته من خلال آثاره المرئية المحسوسة بأنه قادر -مثلا- إذا لاحظ آثار قدرته، أو أنه حكيم إذا لاحظ آثار حكمته.. وهكذا.
وهذه هي الوسلية الوحيدة التي يمكن للإنسان من خلالها أن يدرك ويتيقن أن الله تعالى واحد لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وأنه متصف بكل كمال يليق به جل وعلا، منزه عن كل نقص.
ولهذا جاء الحث في القرآن الكريم على التفكر في النفس والكون والآفاق حتى يدرك الإنسان عظمة الله عز وجل.
قال تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ [الروم: 8] .
وقال تعالى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ [الأعراف: 185] .
والحاصل أنه لا يجوز للمسلم أن يتخيل شكلا لله عز وجل، ومن عبد شكلا يتخيله فإنما يعبد صنما، فالله سبحانه وتعالى "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"
وعلاج من وجد شيئا من ذلك أن يعرض عنه ويقطع التفكير فيه.. ويستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، وليقل "لا إله إلا الله، آمنت بالله".
ولمزيد من الفائدة، نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 19691.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1424(1/1019)
لا مقارنة بين القولين إطلاقا
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا السؤال وجه إلي من أحد المسيحيين:
كيف ترفضون فكرة ابن الله وتقولون (صلى الله على محمد) فكيف يصلي الخالق على مخلوقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مقارنة بين قول النصارى ببنوة عيسى عليه السلام لله تعالى، وبين قول المسلمين في النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، فالذي يقارن بين القولين لا يعرف معناهما.
فقول النصارى في المسيح وعقيدتهم فيه أنه ابن الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- فهذه العقيدة على سخافتها وتناقضها مع ما يعتقده النصارى من أن المسيح قتل وصلب..... فالعقل السليم يرفضها.
وأما قول المسلمين في محمد -صلى الله عليه وسلم- "صلى الله عليه وسلم"، فهذا دعاء له صلى الله عليه وسلم بالبركة والرحمة والزيادة في الخير والذكر من الله تعالى في الملأ الأعلى، لأن معنى الصلاة في اللغة العربية يشمل تلك المعاني كلها، إذا علمنا هذا فلا مقارنة إطلاقاً بين القولين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1424(1/1020)
تعظيم شعائر الله من علامات التقوى
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت موضوعاً لأحد الكتاب الذين يهدفون إلى تشويه صورة الإسلام وقد جاء في هذا الموضوع بأن شعائر الحج ما هي إلا صورة من صور الوثنية وأن الطواف بالكعبة وتقبيل الحجر الأسود هو بمثابة تقديس وعبادة الأصنام؟ فكيف يمكن الرد على من يفتري بمثل هذه الفرية,,,, أفيدونا جزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحج من أركان الإسلام الخمسة، وله مكانة عظيمة في الإسلام، والطعن في شيء من شعائره طعن في الإسلام، وردة عن الدين وتهجم عليه، وتطاول على الله تعالى الذي شرعه، وعلى مقام النبي صلى الله عليه وسلم الذي علم شعائره، فقد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس حجة الوداع، وفعل هذه الأفعال من طواف بالبيت، وتقبيل للحجر الأسود وغير ذلك من الشعائر، وقال للناس: لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه. أخرجه أحمد عن جابر.
وكيف يقال إن هذه الشعائر نوع من الوثنية وقد جاء الإسلام لمحاربة الوثنية وإبطالها، وقضى النبي صلى الله عليه وسلم عمره كله في الدعوة لنبذ الوثنية، والبعد عن الشرك بالله سبحانه؟ !!
ولذلك اشتدت نفرة الصحابة الذي رباهم النبي صلى الله عليه وسلم تحت عينه من كل أشكال الوثنية، فهذا عمر رضي الله عنه يقبل الحجر الأسود ويخاطبه: لقد علمت أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. رواه البخاري وأحمد مختصراً.
فالأمر عندهم تسليم لأمر الله، واتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الشعائر جعلها الله تعالى من علامات الإيمان والتقوى لمن عظمها: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] .
وهي إحياء لذكرى إبراهيم عليه السلام، واتباع لملته التي أمرنا باتباعها، وإبراهيم عليه السلام كان أبا الأنبياء، وسيد الموحدين، فنسأل الله السلامة من الفتن، وراجع الفتوى رقم:
4406.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(1/1021)
سؤال يلقيه الشيطان ليكدر صفاء الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا سأل من هو بعيد عن الإسلام وقال كما تقولون الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟
والله أعلم وهو ولي التوفيق وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا السؤال من أسئلة الشيطان التي يلقيها على ألسنة أوليائه ورسله إلى عباد الله تعالى ليَضلوا وليُضلوا عن سواء السبيل، وقد يلقيه الشيطان مباشرة على قلوب الذين آمنوا ليكدر عليهم صفو إيمانهم بالله تعالى، وليقذف ذلك شبهة في قلوب من ليست لهم قدم راسخة في الإيمان، والعلم الرباني.
وإن دفع ذلك وعلاجه هو بالاستعاذة بالله تعالى، والالتجاء إليه والإعراض كلاً عن تلك الوساوس والخواطر الخطيرة.
وننبه أيضاً إلى أن هذا السؤال لا يسأل عنه عاقل أصلاً، وقد فصلنا هذا الموضوع في فتاوى سابقة منها الفتوى رقم: 19691، والفتوى رقم: 12986.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1423(1/1022)
سؤال باطل لا يرضاه قلب مؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني أحد الزنادقة عن دور الله سبحانه وتعالى بعد أن يدخل أهل الجنة الجنة ويدخل أهل النار النار فبماذا أجيبه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله سبحانه وتعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] .
وهذا يقتضي أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد: لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:115] .
وإذا أردنا أن نتنزل مع هذا الزنديق لقلنا له: ماذا كان يفعل الله قبل خلق الخلق أصلاً؟
هذا من باب التنزل لا أننا نقر السائل على سؤاله، إذ سؤاله من الباطل الذي لا يقره مسلم، ولا يرضاه قلب مؤمن، لأن الله تعالى متصف بالخالقية قبل خلق الخلق، فصفة الخلق صفة لله تعالى لا أولية ولا آخرية، ولذلك قال الطحاوي في عقيدته: ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداثه البرية استفاد اسم البارئ، له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وكما أنه محيي الموتى بعدها أحيا، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم، ذلك بأنه على كل شيء قدير، وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير، لا يحتاج إلى شيء، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. انتهى
وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه الأول والآخر، فقال تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3] .
الأول فلا شيء قبله، والآخر فلا شيء بعده، وقال تعالى: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [النجم:42] .
فإذا أقررنا بذلك فقد تم لنا العلم بأن الله تعالى يخلق ما يشاء متى يشاء، فهو على كل شيء قدير، أما ماذا سيخلق؟ أو ما هي أفعاله؟
فلا يليق بعبد حقير أن يتجرأ على سيده بهذا السؤال! فهو سبحانه القائل: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1423(1/1023)
الدواء الشافي للشك: آمنت بالله والاستعاذة والانتهاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أسألكم عن الشكوك والوساوس التي تصيبني أحياناً في العقيدة - وكنت قد سألت أحد الإخوة بالقرب مني فنصحني بالبحث عن رد الشبهات وكذلك دفع الوسوسة- وأصل الشبهة عندي هى تحول اليقينيات وأصول العقيدة كشهادة التوحيد ونبوة الرسول إلى ظنيات- أقصد الشك في اليقينيات- تدفعني إلى البحث والاستقصاء والسؤال كيف أرد شبهة الشك في اليقينيات وأيضا ما هي أصول أو مقومات الشك المحض؟ وجزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى وعصمنا وإياك من مضلات الفتن ومسالك الردى: أن الشك في أصول الدين ومسلمات العقيدة كتوحيد الله تعالى، ونبوة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصدقه فيما جاء به عن الله تعالى.. أقول: الشك في ذلك من أخطر ما يخطر على القلوب فهو من خطوات الشيطان، ومزلات الأقدام، ومواطن الهلكة، فيجب على من أحس بشيء من ذلك أن يفزع إلى الله تعالى، ويستغيث به، ويعتصم بحبله المتين، وأن يسأله في السر والعلن، وبالتضرع والإلحاح أن يبعد ذلك الشك عن قلبه، وأن يصرف تلك الشبهات عنه، ثم عليك أن تفزع إلى كتاب الله تعالى قراءة وتدبراً ففيه شفاء لما في الصدور، يقول الله سبحانه وتعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82] . ويقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57] .
ويقول: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23] .
ويقول: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً [فصلت:44] .
إلى غير ذلك من النصوص الصريحة الدالة على أن القرآن الشفاء النافع لكل ما يعتري القلوب من شكوك، والسلاح الدافع لكل ما يرد عليها من شبهات وفتن.
ثم عليك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي مبينة لكتاب الله تعالى مفسرة له، وفيها من التوجيهات النبوية ما يرشد الحيران ويهدي من أراد الهدى، ومن توجيهاته في هذا الباب ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا: خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد شيئاً من ذلك فليقل: آمنت بالله. هذه رواية مسلم.
وفي الصحيحين أنه قال: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا.. حتى يقول له من خلق ربك، فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته.
فانتبه أيها الأخ لقوله صلى الله عليه وسلم: فليقل: آمنت بالله.
ولقوله: فليستعذ بالله ولينته.
قال النووي في شرحه لهذا الحديث: إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله في دفع شره عنه، وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء، فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالانشغال بغيرها.
ثم عليك بمجالسة الصالحين من أهل العلم وتلقي العلم الشرعي عنهم، والانشغال بذلك عن مجالسة أهل الباطل، والاستماع إلى ما يثيرونه من وحي الشيطان إليهم.
فهذه أساسيات علاج ما تعاني منه وهذا هو المنجي إن كنت تريد نجاة بصدق.
ونعود فنكرر لك أن الأمر عظيم جد عظيم، فبادر إلى العلاج، فإن الشك في أمور العقيدة يفضي -والعياذ بالله- إلى الشقاء الأبدي، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الشهادتين اللتين هما أساس أصول الدين: لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة. رواه مسلم وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1423(1/1024)
القضية الأساس في الحوار الإيمان بالله ثم تلتمس الحكم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
بداية أعتذر عن الخوض في مثل هذا السؤال ولكني في حيرة من أمري وقد قرأت أجاباتكم المسبقة عن هذا السؤال عن أن الحكمة من الخلق هي عبادته سبحانه وتعالى وعن أننا خلقنا للاختبار ولكن مازال السؤال عندي ما هي الحكمة من خلق الإنسان إذا كان الله عز وجل مستغنياً عنا وعن عبادتنا فلماذا نتعرض لمثل هذا الاختبار أصلا وكان من الممكن عدم خلقنا وتعرضنا لهذا الاختبار أرجو أن يكون سؤالي واضحا كما أرجو أن أتلقى عنه إجابة واضحة لأنني كنت في بعثة بدولة أوروبية وسئلت هذا السؤال من زميل بوذي ولم أستطيع الإجابة عنه حتى الآن واعتذر مسبقا مرة أخرى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإجابة على هذا السؤال تكون من جانبين:
الجانب الأول: يتعلق بالسائل كواحد من المسلمين آمن بالله تعالى رباً عليماً حكيماً، فالواجب عليه أن يؤمن بأن الله عز وجل لا يفعل شيئاً إلا لحكمة قد نعلمها وقد نجهلها، ولا يتوقف إيماننا بذلك على معرفة هذه الحكمة، بل الواجب علينا هو التسليم، كما قال سبحانه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36] .
وهذا لا يمنع من التماس الحكمة ليزداد القلب طمأنينة، ولا يجوز لك كمسلم الالتفات لمثل هذه الوساوس والشبهات، وقد كان المشركون في الجاهلية يجادلون المسلمين ويقولون: ما ذبح الله بسكين من ذهب -يعني الميتة- فهو حرام، وما تذبحون أنتم بسكين فهو حلال، فنزلت: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام:121] .
الجانب الثاني: يتعلق بهذا البوذي، فإن الحوار مع أمثال هؤلاء إنما يتم من خلال مناقشتهم عن القضية الأساسية، وهي قضية الإيمان بالله ورسله، لأن كل القضايا الأخرى إنما تنبني على هذا، والحوار معهم في جانب الحكمة قد لا يؤدي إلى نتيجة، لأن الحكمة قد تدرك وقد لا تدرك، ولو أدركت قد يفهمها وقد يقصر فهمه عنها.
فيقال لهذا البوذي: هب أنك لم تدرك الحكمة من خلق الإنسان، فهل يعني هذا أن الكون وما فيه من إبداع وتنظيم وترتيب وجد صدفة، وخلق عبثاً؟
إن الإنسان بأدنى تأمل يدرك أن هذا الوجود لا بد له من موجد حكيم عليم قدير، فإذا أقر بهذا لم يكن له وجه في الاعتراض على حكمته من خلق الإنسان وابتلائه واختباره.
وقد سبق في الفتوى رقم: 5492 بيان أن من الحكم في ذلك ظهور آثار أسماء الله تعالى وصفاته، كما سبق في الفتوى رقم: 17543 بيان فائدة العبادة وحكمتها، وأن تكليف الإنسان بها إكرام له، وإنعام عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1423(1/1025)
سؤال خاطئ لا ينبغي أن يجول في الخاطر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال لا أعرف هل هو حرام أم لا؟ ولكني أحتاج إلى إجابة حتى لو كان لا يصح السؤال ولكن أرجو في حالة وجود إجابة أن تكون مشفعة بالقرآن الكريم والسؤال هو:
"god create us ,who create god?)
لقد خلَقَنا الله فمن خلق الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخبرنا الله في كتابه عن عداء الشيطان لعباد الرحمن فقال: (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور*إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:5،6] وبين الله أن الشيطان يسعى لإغواء بني آدم بكل الوسائل والسبل، قال تعالى عن الشيطان: (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم*ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) [الأعراف:16،17] وذكر الله أن الشيطان بعد أن يوقع الناس في شباكه، وبعد أن يوقعهم في الكفر، يعلن براءته منهم ومن كفرهم، قال تعالى: (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين) [الحشر:16] وقال تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [ابراهيم:22]
وبهذا الدافع -أعني دافع العداوة- يحرص الشيطان على أن يوقع الإنسان في الكفر بقذف الشبهات الباطلة في قلبه، والشكوك التي تورثه الحيرة والتردد، ومن ذلك هذه الشبه الساقطة، وللرد عليها نقول:
أولا: يُسلِّم جميع العقلاء أن العدم لا يخلق شيئاً، ومن قال بخلاف ذلك فقد أخرج نفسه من نطاق العقلاء، وقد ناظر عالم من علماء المسلمين بعض الملاحدة الذين ينكرون وجود الرب سبحانه، ويقولون إن المخلوقات وجدت صدفة، وتواعد العالم معهم في مكان لا يصل إليه إلا بعبور نهر، فحان موعد المناظرة وتأخر العالم عن الحضور، فقالوا: إنه لم يتأخر إلا لعجزه عن المناظرة وإقامة الحجة، ثم جاء العالم متأخراً وقال لهم: لعلكم تعجبون لماذا تأخرت؟! قالوا: نعم، قال: أردت المجيء إليكم فلما وصلت إلى شاطئ النهر لم أجد قارباً يحملني إليكم، فانتظرت، وإذا بي أرى بعض الأشجار تطير من مكانها، وترتص وتجتمع على شاطئ النهر، وإذا بحبل يطير فيلتف حول تلك الأشجار، فتكوَّن من ذلك كله قارب، فركبته وجئتكم، وكان هذا هو سبب تأخري، قالوا: هذا لا يعقل، ولا يمكن أن يحدث، فقال لهم: لا تقرون بسفينة توجد صدفة، وتقولون إن السموات والأرض وما فيهن من الإتقان والإحكام وجد صدفة، فبهتوا وسكتوا.
وإذا سلمنا كما يسلم العقلاء أن لكل مخلوق خالقاً، ولكل مصنوع صانعاً، فمن هو خالق هذا الوجود؟ ومن هو خالق هذا الخلق البديع؟ من أرض وسماء وجبال وأشجار وأنهار، هل يمكن أن يكون الخالق طبيعة صماء بكماء؟! وهنا تأتي القاعدة التالية وهي:
ثانياً: (فاقد الشيء لا يعطيه) فهذه الطبيعة لا تسمع، فكيف تعطي السمع؟! ولا تبصر فيكف تعطي البصر؟! ولا تقدر فكيف تعطي القدرة؟! إلى آخر ما هنالك.
فلا بد أن يكون خالق هذا الوجود سميعاً بصيراً عليماً حكيماً قديراً، يتصف بصفات الكمال، ويتنزه عن صفات النقص والإخلال.
وإن من صفات المخلوقين (النقص والاحتياج) فكل مخلوق محتاج في وجوده إلى غيره، لأنه لا يمكن أن يوجد مخلوق خالقه العدم، لأن العدم لا يخلق شيئاً، ولا يمكن للمخلوق أن يخلق نفسه لأنه قبل خلق نفسه كان عدماً، والعدم لا يخلق شيئاً، قال تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) [الطور:35]
والخالق هو الغني فلا يحتاج في وجوده إلى غيره فهو الأول بلا ابتداء، (الذي ليس قبله شيء) وهو الآخر بلا انتهاء (الذي ليس بعده شيء) وعليه فالسؤال، أعني سؤال: (من خلق الله؟) من حيث هو لا يصح لأنه جمع بين نقيضين، بين كونه سبحانه خالقاً غنياً، غير محتاج في وجوده لأحد، وأنه خالق الحياة وأسبابها، والموت وأسبابه، وهو عامل في الأسباب، والأسباب لا تعمل فيه.
وبين كونه فقيراً محتاجاً في وجوده إلى غيره، وهذا تناقض لا يسلم به عاقل.
وسبب وجود هذه الشبهة التصور الفاسد، وتشبيه الخالق بالمخلوق، وقد أبطل الله ذلك بقوله سبحانه: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى:11] وقوله تعالى: (قل هو الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفؤ أحد)
وننبه الأخ السائل وأنفسنا والمسلمين إلى أهمية الاستعاذة بالله من الشيطان ووساوسه وكيده، وأن يلجأ المرء إلى الله بالدعاء أن يرزقه الله يقيناً يعصمه من الشبهات، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بقوله: (اللهم أعطني إيماناً ويقيناً ليس بعده كفر، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة) رواه الترمذي عن عبد الله بن عباس.
وراجع الجواب:
12300
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1422(1/1026)
قول الملحد: هل يقدر الله على خلق صخرة لا يستطيع تحريكها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السادة الأفاضل.. إنني أحمل اليكم سؤالاً غريبا وأنا في الحقيقة خجل من أسأل عنه أحداً من الأساس ولكن أريد أن أسمع إجابة شافية.
أما بعد فإنني شاب مسلم ولقد تربيت على الإسلام وأنا الآن أدرس في الولايات المتحدة وهناك الكثير من شياطين الإنس والجن كما تعلمون! وفي أحد الأيام سألني أحد الملحدين الذين لا هم لهم إلا الإنكار (أستغفر الله) . المهم قد قال: مادام الله قادر على كل شيء كما تؤمن أنت فهل يستطيع الله أن يخلق صخرة كبيرة بحيث لا يستطيع هو تحريكها؟ وقال أيضا: , بما أنك تؤمن أن الله خلق الدنيا في سبعة أيام وخلق آدم وحواء فماذا كان يفعل الله قبل ذلك؟؟ أرجوكم سامحوني على هذه الأسئلة الغريبة فأنا خجل حقا منها وأرجو من الله أن يغفر لي هذه الجرأة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطريقة السلف الصالح الإعراض عن مجالسة أهل الأهواء والشبهات، لأن مجالستهم تمرض القلب، وتورث الشبهة، وتوقع في الريب. لا سيما من لم يكن مؤهلا لذلك برسوخه في العلم، ودرايته بالمناظرة وآدابها.
ولهذا ننصحك بتجنب ذلك ما أمكنك.
وأما قول هذا الملحد: هل يستطيع الله ... إلخ كلامه الباطل، فجوابه أن الله تعالى على كل شيء قدير، ومن كان قادراً كيف يخلق صخرة لا يستطيع تحريكها؟! وما المخلوق بالنسبة للخالق؟! إن هو إلا كذرة في الفضاء يحركها الله تعالى كيف يشاء، ويعدمها حين يشاء. وهل يصل خيال الإنسان إلى صخرة أعظم من السموات أو الأرض أو الأفلاك؟!
والسموات والأرض يطويها الله تعالى يوم القيامة.
فهذا السؤال خطأ من أصله، فالله قادر على أن يخلق هذه الصخرة الكبيرة، وهو قادر على إفنائها، وإعدامها فضلا عن تحريكها. وافتراض أنه يعجز عن ذلك نفي للقدرة.
والله تعالى ليس كمثله شيء، ولا تُضرب له الأمثال، ولا يسأل عما يفعل سبحانه، ولا يفعل إلا لحكمة جل وعلا.
وآثار قدرته وعظمته واضحة جلية، لا تخفى إلا على من أعمى الله بصيرته، فليتخيل هذا الملحد أعظم مخلوق يراه، أو يسمع عنه من بحر أو جبل أو كوكب، ثم ليعْلم أن هذا المخلوق لم يوجد صدفة، ولم يسر على هذا الترتيب البديع الدقيق، إلا بمسير ومقدر عظيم هو الله سبحانه وتعالى.
وليعتبر الإنسان بأبسط المخترعات، فلو نظر إنسان إلى "مصباح كهربائي"، وزعم أن مادته وأسلاكه اجتمعت صدفة، ثم تشكلت بهذا الشكل، وأنارت دون تدخل من صانع، لكان كلامه هذا من جنس كلام المجانين، أفيكون هذا العالم وما فيه من مخلوقات عظيمة موجوداً بنفسه صدفة؟!
قال الله تعالى: (أم خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون) [الطور: 35، 36] .
وقد وجه الله الإنسان لينظر في نفسه، وما حوله مما خلق الله، ليتعرف على عظمة الله وقدرته: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) [الذاريات: 21] .
(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت) [الغاشية: 17-20] .
وأما سؤاله عن الله تعالى وفعله قبل خلق آدم وحواء والسموات والأرض.
فالجواب: أن الله تعالى أخبرنا عن خلق السموات والأرض، وعن خلق آدم، وعن خلق القلم الذي كتبت به مقادير الخلائق، وأخبرنا عن وجود الملائكة والجن قبل خلق آدم، فالواجب الإيمان بذلك، والسكوت والإمساك عن الغيب الذي لم يطلعنا الله عليه مع الإيمان بأن الله تعالى هو الخالق والخلاق العليم، وأن الخلق صفة من صفاته، ثابتة له سبحانه كسائر صفاته، ولا يتوقف ثبوتها على وجود هذه المخلوقات التي نعلمها، بل لم يكن الله تعالى معطلاً عن صفة الخلق، لكنه لم يخبرنا عن مخلوقاته، فنؤمن بما أخبر ونسكت عما عداه.
قال الإمام الطحاوي في عقيدته التي تلقاها الأئمة بالقبول: (خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة، مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة. ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، لم يزدد بخلقهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته، كما كان بصفاته أزلياً، كذلك لا يزال عليها أبدياً. ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداثه البرية استفاد اسم الباري، له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وكما أنه محي الموتى بعدما أحيا، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم.) انتهى.
والقاعدة التي يقوم عليها الإيمان: قوله تعالى، (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) [الأنبياء: 23] .
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1421(1/1027)