ـ[فتاوى الشبكة الإسلامية]ـ
المؤلف: لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية
تم نسخه من الإنترنت: في 1 ذو الحجة 1430، هـ = 18 نوفمبر، 2009 م
تنبيه: هذا الملف هو أرشيف لجميع الفتاوى العربية بالموقع حتى تاريخ نسخه (وعددها 90751) [وتجد رقم الفتوى في خانة الرقم، ورابطها أسفل يسار الشاشة]
__________
http://www.islamweb.net(/)
آلية الإفتاء وفريق الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الفتوى في هذا الموقع (*) تخضع لآلية منضبطة في إعدادها ومراجعتها، وفي إجازتها ونشرها، فهي تبدأ بتحرير الفتوى من أحد الشيوخ في اللجنة، أو من تستعين بهم من خارجها، ممن ترتضي منهجه وتثق في علمه ـ كل حسب اختصاصه والمجال المعني به ـ ثم تحال إلى رئيس اللجنة لمراجعتها، وفي حال تطابقت وجهتا النظر في الفتوى فإنها تأخذ طريقها إلى الطباعة، ثم تحال بعد ذلك إلى المدقق الذي يقوم بمراجعتها ثانية..ثم تحال إلى الآذن بالنشر الذي يتولى المراجعة النهائية، في جانبيها؛ الشرعي والأسلوبي، ومن ثم تأخذ طريقها للنشر على الموقع. وفي حال الاختلاف في مسألة معينة من المسائل الاجتهادية التي قد تختلف فيها أنظار أهل العلم، فإن اللجنة تجتمع وتناقش هذه المسألة من جوانبها حتى يتم الوصول إلى ما يترجح، بعد مناقشة الأدلة وأقوال أهل العلم فيها. ولجنة الفتوى ذات شخصية مستقلة، وهي مؤلفة من كوكبة من طلاب العلم من حملة الشهادات الشرعية، ممن تمرس في الفتيا والبحث العلمي. ويشرف على اللجنة ويرأسها اثنان من حملة الدكتوراه في الفقه وعلوم الشريعة. وهذه اللجنة بكامل أعضائها تتبنى وتعتمد منهج أهل السنة والجماعة في النظر والاستدلال، وفي التعامل مع المخالف، من غير تعصب لمذهب أو بلد أو طائفة. فهي فتاوى محكمة بحمد الله، وليست فتاوى شخصية. نسعى فيها إلى الوصول إلى الحق جهدنا، مراعين سلامة الاستدلال ومقاصد الشرع، وملابسات الواقع وتغير الحال، قدر الإمكان، ولا نزكي على الله أحداً، والله نسأل أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يحب ويرضى، وأن يعيننا على أمور ديننا ودنيانا، وأن يعفو عنا ويصفح عن زللنا. والله تعالى أعلم.
__________
(*) وهو موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net(/)
منزلة الفتوى وخطرها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فإن الفتوى من الأمور الجليلة الخطيرة، التي لها منزلة عظيمة في الدين، قال تعالى: (ويستفتونك فى النساء قل الله يفتيكم فيهن ... ) [النساء: 127] . وقال تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ... ) [النساء: 176] ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى هذا الأمر في حياته، وكان ذلك من مقتضى رسالته، وكلفه ربه بذلك قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) [النحل:44] . والمفتي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء وظيفة البيان - نسأل الله العون والصفح عن الزلل - والمفتي موقع عن الله تعالى، قال ابن المنكدر: "العالم موقع بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم". والمفتي إنما هو العالم بالمسألة التي يفتي فيها، تأسيسا لا تقليدا، مع ملكة في النظر، وقدرة على الترجيح والنظر المستقل في اجتهاد من سبقوه، لا مجرد نقل وحكاية الأقوال. فإن أقدم على الفتوى بمجرد الخرص وما يغلب على الظن فهو آثم، وعمله محرم، وقول على الله وعلى رسوله بغير علم، وهو يتحمل وزر من أفتاه. فعن مسلم بن يسار قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أُفتي بغير علم، كان إثمه على من أفتاه " رواه أبو داود. ولا يشفع له أن يكون أصاب الحق في فتوى بعينها، ذلك أن المفتي إنما يفتي بكلام الله تعالى، أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو بالقياس عليهما، أو بالاستنباط منهما، وهذه لا يجوز فيها الخرص، وقد قال سبحانه: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون) فقسم الناس في هذا الباب إلى عالم وجاهل، ولم يجعل بينهما واسطة. فإن أخطأ بعد استفراغ الوسع، والنظر الصحيح، فخطؤه مغفور له ـ إن شاء الله ـ لكن لايتابع عليه، بل يجب تنبيهه، ويجب عليه الرجوع إلى الحق إذا تبين له. والفتوى قد تختلف من مفت إلى آخر، بحسب الحظ من العلم والبلوغ فيه، والسائل أو المستفتي عليه أن يسأل من يثق في علمه وورعه، وإن اختلف عليه جوابان فإنه ليس مخيرا بينهما، أيهما شاء يختار، بل عليه العمل بنوع من الترجيح، من حيث علمُ المفتي وورعُه وتقواه، قال الشاطبي رحمه الله: "لا يتخير، لأن في التخير إسقاط التكليف، ومتى خيرنا المقلدين في اتباع مذاهب العلماء لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات والهوى في الاختيار، ولأن مبنى الشريعة على قول واحد، وهو حكم الله في ذلك الأمر، وذلك قياساً على المفتي، فإنه لا يحل له أن يأخذ بأي رأيين مختلفين دون النظر في الترجيح إجماعاً، وذهب بعضهم إلى أن الترجيح يكون بالأشد احتياطاً" ولعل الصواب أن يكون مناط الترجيح تحقيق مقاصد الشرع، ومراعاة حال المكلفين. والاختلافات الفقهية منها ما هو سائغ ومنها ما هو غير سائغ، فما كان منها سائغاً فإنه يعذر الآخذ به، وإن كان مرجوحاً في نظر غيره. وما لم يكن سائغاً فإنه لا يسع أحداً أن يعمل به. ولا تنبغي حكاية هذا الخلاف إلا في معرض الرد والإبطال له، وقد قيل: وليس كل خلاف قيل معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر وما لم يكن سائغاً فإنه لا يسع أحداً أن يعمل به. وليعلم المستفتي أنه لا تخلصه فتوى المفتي عند الله، إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي بذلك، لحديث أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها" رواه البخاري. فلا يظن المستفتي أن مجرد فتوى فقيه تبيح له ما سأل عنه، سواء تردد أو حاك في صدره، لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لعلمه بجهل المفتي، أو بمحاباته له في فتواه، أو لأن المفتي معروف بالحيل والرخص المخالفة للسنة، أو غير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه، وسكون النفس إليها، فليتق الله السائل، وليعرف خلاص نفسه، فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى. وبعد: فإننا ننبه الإخوة السائلين إلى أن المعمول به في هذا الموقع ـ إن شاء الله ـ هو الإفتاء بمقتضى الكتاب والسنة والإجماع وقياس أهل العلم، وإن كان ثمة تعارض فإننا لا نتخير إلا الراجح في المسألة والأقوى دليلاً، ولسنا بالخيار نأخذ ما نشاء ونترك ما نشاء، وقد قال الإمام النووي رحمه الله: ليس للمفتي والعامل في مسألة فيها قولان أو أكثر أن يعمل بما شاء منها بغير نظر، بل عليه العمل بأرجحها. أهـ. وكذلك لا نتتبع رخص المذاهب وسقطات العلماء، حيث عد بعض أهل العلم ـ منهم أبو إسحاق المروزي وابن القيم - من يفعل ذلك فاسقاً، وقد خطأ العلماء من يسلك هذا الطريق، وهو تتبع الرخص والسقطات، لأن الراجح في نظر المفتي هو مظنه حكم الله تعالى عنده، ولولا ذلك لم يكن راجحا، فتركه والأخذ بغيره لمجرد اليسر والسهولة استهانة بالدين. هذا ما نتبناه منهجا، ونحاوله ـ جهدنا ـ عملا وممارسة. والله نسأل بمنه وكرمه أن يوفقنا لصواب القول والعمل. والله تعالى أعلم.(/)
لماذا أنت مسلم وماذا قدم لك الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد دخلت في حوار مع شخص مسيحي فسألني لماذا أنت مسلم؟ وماذا أعطاك الإسلام؟ أرجو منكم الرد على هذا الكلام وأتمنى أن يكون الرد بالإنجليزية لأني أريد أن أعطيه جوابا يخرسه.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
كل شيء في هذا الكون يجعل المسلم يقتنع بهذا الدين العظيم؛ لأنه الدين الوحيد الذي يعطي الطمأنينة للقلب، والسعادة للنفس، ويقنع العقل بصحته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إيمان المسلم بدينه يجب أن يكون عن قناعة عقلية تامة لا يتطرق إليها شك؛ لأنه ليس عن تقليد أعمى كما في بعض الأديان التي تقول لأتباعها: اغمض عينيك واتبعني..؛ فقد أعطى الإسلام لأهله طمأنينة القلب، وسعادة النفس، وقناعة العقل بأنه دين الله الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..
وقناعة المسلم بدينه نابعة من كونه: هو دين الله الذي توالت رسل الله جميعا للدعوة إليه من عهد أبي البشرية آدم ومرورا بأنبياء الله كلهم إلى أن انتهى الأمر إلى محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن نضج العقل البشري بتوالي الرسل إليه وتراكمت عليه التجارب التاريخية..
ونابعة أيضا من: ملاءمة هذا الدين العظيم لفطرة الإنسان وتلبيته لحاجاته المادية والمعنوية وانسجامه مع عقله في عقائده وعباداته وأخلاقه ومعاملاته وأحكامه كلها.
ونابعة كذلك من: أن هذا الدين لم يأت إلا بما تشهد به العقول السليمة، أو بإمكانها أن تدركه.. ولا يأت بماهو مستحيل عقلا أبدا، بخلاف غيره من الأديان التي حشيت بالباطل وبالخرافات والأوهام والترهات.
ولذا فإن إيمان المسلم يزداد يوما بعد يوم؛ فكلما تقدم العلم وتجددت المعارف وظهرت الاكتشافات.. ازداد المسلم إيمانا بهذا الدين العظيم؛ فالاكتشافات العلمية كلها تأتي مؤيدة وملائمة لدين الإسلام مصداقا لقول الله تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. {فصلت53} .
وقوله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ. {النحل:89}
فكل شيء في هذا الكون من حولنا يجعل المسلم يرفع رأسه عاليا ويقول بصوت مرتفع: أنا مسلم؛ لأن كل شيء في هذا الكون يشهد بصحة الإسلام وعظمته..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1429(1/1)
ارتباط العقيدة بالسلوك
[السُّؤَالُ]
ـ[ممكن معلومات عن صلة العقيدة بالسلوك وأريد المعلومات ترسل على إيميلي....مع شكري وأحتاجها اليوم ضروري شكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصد بالسلوك الأخلاق، فالعلاقة بينها وبين العقيدة أن العقيدة دافعة إلى حسن الخلق وكلما صحت عقيدة الإنسان واستقامت كلما حسنت أخلاقه وتمت وكلما حصل انحلال في العقيدة فإنه ينتج عن ذلك فساد في الأخلاق وفوضى في التفكير ونقص في العقل ورقة في الدين.
وما أجمل ما قرره شيخ الإسلام في آخر عقيدته الواسطية بعدما ذكر أصول الإيمان.
عند أهل السنة حيث قال رحمه الله:
ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة.
ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبرارا كانوا أو فجارا، ويحافظون على الجماعات.
ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه» ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» .
ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء والرضا بمر القضاء.
ويدعون إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» .
ويندبون إلى أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.
ويأمرون ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك.
وينهون عن الفخر، والخيلاء، والبغي، والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق.
ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفسافها.
وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره؛ فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة، وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1429(1/2)
ما يجب على المسلم أن يعتقده ويؤمن به
[السُّؤَالُ]
ـ[عقيدة المسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السائل لم يوضح ما يسأل عنه، ولكنا ننبه على أن المسلم يجب عليه أن يعتقد ويؤمن بجميع ما ثبت في الكتاب والسنة، فيؤمن بأركان الإيمان الستة المذكورة في حديث مسلم: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.
وتفصيل هذه الأمور ذكرنا فيه فتاوى كثيرة يمكن الاطلاع عليها ضمن موضوعات العقيدة في فتاوانا، كما أنها مبسوطة في كتب أهل العلم التي ألفوها في العقيدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1429(1/3)
ما يجب على المسلم المكلف تعلمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن العبادات "الواجب" على النساء تعلمها..وأين أجد العلوم المتعلقة بذلك؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على المسلم المكلف سواء كان رجلا أو امرأة أن يتعلم العقيدة الصحيحة، ويتعلم من أحكام الطهارة والصلاة ما تصح به عبادته، وكذلك الصيام، وأحكام الزكاة لمن له مال، والحج لمن كان مستطيعا، والكتب التي تخص العقيدة وأحكام الطهارة والصلاة والصيام توجد بكثرة في المكتبات، نذكر منها على سبيل المثال في باب الفقه كتاب: الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان فهو كتاب ميسر يستفيد منه أغلب الناس، هذا إضافة إلى كتاب فتاوى أحكام النساء لابن الجوزي وكتاب فتاوى المرأة المسلمة.
وللفائدة فيما يتعلق بالموضوع تراجع الفتوى رقم: 18934.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1428(1/4)
الإسلام دين جميع الأنبياء،
[السُّؤَالُ]
ـ[نسمع ونقرأ الكثير عن حوار الحضارات؟ نسمع ونقرأ عن الحوار بين الديانات؟ وأنا كإنسان يتبع الديانة المسيحية أتساءل وأكاد أصاب بالحيرة لدرجة الجنون: أليس من أهم مقومات وأسس الحوار بين فريقين هو اعتراف فريق بالفريق الآخر؟ كيف يقوم حوار بين شخصين لا يعترف أحدهما بالآخر؟ لماذا هذا الضحك والتملق من أحد الأفرقاء على الآخر؟ أنملك من الجرأة والإيمان أن ننادي وقبل بداية أي حوار باعتراف متبادل بين المتحاورين؟ الدين الإسلامي وفي القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وفي سيرة حياته لم نجد إلا توكيدا" بالاعتراف بنبوة عيسى عليه السلام وحتى أن السيدة العذراء كرمت وذكرت في القرآن الكريم أكثر مما ورد ذكرها في الانجيل المقدس؟ لن أعدد ولن أطيل ولكن ما أود التصريح عنه بل سأصرخ صرخة صادق: أما آن الأوان لأتباع الديانة الأخرى الاعتراف الصريح بنبوة الرسول ومن ثم يأتي من بعدها المناداة بالحوار؟ ألا يوجد من أتباع الديانة المسيحية ورؤسائها من يتصدى للقيام بحملة اعتراف صريح لا مواربة فيها بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ كم أتوق لهذا اليوم لأكون من أوائل من ينضم أو يؤسس لهذه الحملة ومن بعدها صدقوني ستكون أمة العرب خير أمة أخرجت للعالم ... هل من سبيل لديكم لإطلاقة شرارة هذه الحملة؟ ملاحظة: أنا اسمي غسان سلطانه –عمري 52 سنة ومن الجنسية السورية وأملك مكتبا" خاصا" في دمشق ... أدعو لكم بالتوفيق لما فيه خير البشرية لكم تقديري]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نشكرك على هذا التواصل مع موقعنا ونسأل الله أن يرزقنا وإياك الهدى للحق، ويجنبنا وإياك الباطل، إنه ولي ذلك والقادر عليه
واعلم ان المتحاورين في الديانات يجب عليهم أولا أن يعلموا ان الخلق خلق الله خلقهم الباري جل وعلا لعبادته وحده لا شريك له؛ كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات: 56
فيجب عليهم أن يدينوا لله بالخضوع وأن يسلموا له ويذعنوا لطاعته وأن يعلموا أن اصلاحهم العلاقة مع مالكهم ومدبر أمورهم ومن إليه مرجعهم ومصيرهم وبيده محياهم ومماتهم هو اولى ما يتعين السعي فيه حتى يسعدهم في الدارين
فمراد الله من الخلق هو الاستسلام والانقياد لدينه الذي ارتضاه الله للبشرية وربط به هدايتهم، وحكم على من ابتغى غيره من الأديان بالخسارة، قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ {آل عمران:19} ، وقال تعالى: وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ {آل عمران:20} ، وقال الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85} ، وقال تعالى: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل:81} ، وهذا الدين هو الذي جاء به الرسل كلهم وهم متفقون في كلياته وقد تختلف الشرائع في بعض الجزئيات ولكنه يجب في كل عصر اتباع الرسول المبعوث أو الرسل المبعوثين في ذلك العصر مع الايمان بالانبياء الاخرين ومحبتهم وتقديرهم جميعا وعدم التفريق بينهم وعدم الايمان ببعض والكفر ببعض، وقد وصف الله تعالى المتمسكين بدينه الحق بالإسلام سواء كانوا أنبياء أو أتباع الأنبياء، فقد أخبر الله تعالى أن إبراهيم ويعقوب أوصيا بالموت على الإسلام، وأن إبراهيم كان من المسلمين، وذلك حيث يقول تعالى في شأن إبراهيم: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. البقرة:131-132.
وأخبر أن بني يعقوب أقروا على أنفسهم بالإسلام فقال: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {البقرة:133} ، وأخبر أن إبراهيم وإسماعيل كانا يقولان في دعائهما: ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، وقد وصف إبراهيم بالإسلام ونفى عنه اليهودية والنصرانية، فقال: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {آل عمران:67} ، وأخبر أن سحرة فرعون بعد إسلامهم دعوا الله تعالى فقالوا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ {الأعراف:126} ، وأخبر أن نوحا عليه السلام قال في خطابه لقومه: فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {يونس:72} ، وأخبر أن موسى عليه السلام قال في خطابه لبني إسرائيل: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ {يونس:84} ، وأخبر أن سليمان عليه السلام قال في رسالته لسبأ: إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ {النمل:30-31} ، ووصف سبحانه وتعالى بيت لوط بالإسلام، فقال فيهم: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ {الذاريات:36} ، وأخبر تعالى أن الحواريين أشهدوا عيسى على إسلامهم، فقال: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {آل عمران:52} .
فالإسلام بمعناه العام الذي هو الاستسلام لله تعالى وإفراده بالعبادة هو دين جميع الأنبياء، ومنهم موسى وعيسى عليهما السلام، وأتباعهم الصادقون الذين يعملون بما أخذ على النبيين من الميثاق في وجوب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ونصرته واتباعه والإيمان بما جاء به وعدم العدول عنه إلى غيره. كما قال تعالى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه {آل عمران: 81}
فيجب على المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ان يؤمنوا بجميع الرسل صلى الله عليهم وسلم والا يفرقوا بينهم، ويجب كذلك على اليهود والنصارى الايمان بجميعهم، وقد نص القرآن على أن من جحدوا نبوة أحد من الأنبياء وفرقوا بين الرسل أنهم كافرون متوعدون بالعذاب، قال تعالى: إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا {النساء: 150-151} .
فنحن المسلمين نؤمن بنبوة عيسى ابن مريم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ونعتقد ان عيسى ومريم براء مما افتراه اليهود في حقهم، وذلك لأن الإيمان بالرسل كافة من أركان الإيمان، قال تعالى: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملآئكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير {البقرة:285} ، وفي حديث جبريل الطويل، قال صلى الله عليه وسلم: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأنبياء إخوة لعلات، دينهم واحد وأمهاتهم شتى. رواه أحمد وصححه الألباني،
ومن هذا المنطلق فنحن نشكر لك انصافك وندعوك وننصح جميع النصارى بالبدار بالاذعان لله والتصديق بجميع ما جاءت به رسله قبل ان يموتوا ويخلدوا في النار يعذبون فيها عذابا ابديا. وهم في هذا العصر مخاطبون باتباع خاتم الانبياء محمد صلى الله عليه وسلم الذي بشر به عيسى صلى الله عليه وسلم فقد قال الله عز وجل: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار* لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم* أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم* [المائدة:72-73-74-] .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم.
ولقد ثبت في الإنجيل ما يبشر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنجيل برنابا في الباب الثاني والعشرين جاء فيه: وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعته. اهـ. وكذا في (سفر أشعيا وسفرحبقوق) راجع كتب ومحاضرات ديدات وكتاب عبد المجيد الزنداني (البشارات بمحمد في الكتب السماوية السابقة) . ويمكنك الاطلاع على الفتاوى التالية في موقعنا: 53029، 6828، 9732، 8210، 74500، 70824، 27986
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1428(1/5)
رفع عيسى إلى السماء بجسده وروحه وحكم من أنكر ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تلزمنا نصوص القرآن بالاعتقاد بأن المسيح رفع إلى السماء بجسده، وهل القول بإلزامها يعني القول بتكفير من يعتقد غير ذلك؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما يجب على المسلم اعتقاده والإيمان به هوأن الله سبحانه وتعالى رفع عيسى عليه السلام إلى السماء، بروحه وجسده، وأنه حي وأنه سينزل في آخر الزمان، كما دلت على ذلك الآيات والأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {آل عمران:55} .وقال في سورة النساء: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء:157-158} وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما نصه: يجب الإيمان بأن عيسى ابن مريم رفع إلى السماء بجسده وروحه حيا لم يمت حتى الآن ولم يقتله اليهود ولم يصلبوه ولكن شبه لهم فزعموا أنهم قتلوه وصلبوه.) انتهى
وجاء فيها أيضا: ومقتضى الإضراب في قوله تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ أن يكون سبحانه قد رفع عيسى عليه الصلاة والسلام بدنا وروحا حتى يتحقق به الرد على زعم اليهود أنهم صلبوه وقتلوه لأن القتل والصلب إنما يكون للبدن أصالة ولأن رفع الروح وحدها لا ينافي دعواهم القتل والصلب فلا يكون رفع الروح وحدها ردا عليهم ولأن اسم عيسى عليه السلام حقيقة في الروح والبدن جميعا فلا ينصرف إلى أحدهما عند الإطلاق إلا بقرينة ولا قرينة هنا. انتهى
وجاء فيها أيضا: ثبت بالأدلة من الكتاب والسنة أن عيسى بن مريم عليه السلام لم يقتل ولم يمت بل رفعه الله إليه حيا، وأنه سينزل آخر الزمان حكما عدلا في هذه الأمة فمن قال إن عيسى قد مات وأنه لا ينزل آخر الزمان فقد خالف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأخطأ خطأ فاحشا ويحكم بكفره بعد البلاغ وإقامة الحجة عليه لتكذيبه لله ورسوله. انتهى.
وإذا كان هذا هو حكم من أنكر نزول عيسى الثابت بالسنة فمن باب أولى من أنكر رفعه إلى السماء الثابت بنص كتاب الله تعالى. وعليه، فإن من أنكر أن الله رفع عيسى عليه السلام إن كان من غير المسلمين فلا يحتاج إلى تكفير لأن ذلك تحصيل الحاصل والعياذ بالله تعالى، وإن كان من المسلمين وأنكر رفعه إلى السماء فإنه يوضح له الحق وتقام عليه الحجة، فإن أصر فإنه مرتد، لأنه بإنكاره لهذا الأمر بعد قيام الحجة عليه يكون قد كذب القرءان والسنة، وما دام جاهلا عذر بجهله. وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 29269.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1428(1/6)
توضيح حول كتاب إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل االسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت منظومة في العقيدة تسمى إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة هل هي من الكتب المعتمدة في هذا الفن؟.
وماذا تنصحون به من منظومات العقيدة المختصرة.
وجازاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه المنظومة صاحبها أشعري، وقد نظمها في العقيدة الأشعرية المتضمنة لتاويل الصفات، ولا يخفى أن ذلك مجانف لما هو الحق وهو معتقد السلف الصالح، وتوجد بعض المنظومات التي تحوي معتقد أهل السنة ومن أهمها نظم سلم الوصول للشيخ حافظ الحكمي، ونظم السفارينية، ونونية ابن القيم، ونونية القحطاني، ومقدمة نظم مختصر خليل للشيخ محمد سالم بن عدود الشنقيطي، وتوجد كذلك بعض المختصرات المنثورة المهمة في اعتقاد أهل السنة والجماعة ومن أهمها مقدمة رسالة ابن أبي زيد، والإبانة للأشعري، والعقيدة الطحاوية، والواسطية لابن تيمية وكتاب التوحيد وشروحه، والقواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين، وقد نظمت مقدمة رسالة ابن أبي زيد نظمين وهما مطبوعان.
هذا، وليعلم أن أهم المراجع في الاعتقاد التي تنمي الإيمان وتزيده ولا يغني عنها غيرها كتاب الله تعالى وكتب السنة وكتاب السير وقصص الأنبياء الثابتة، فعلى المسلم أن يجعل لنفسه وقتا يوميا يعيش فيه مع تدبر شيء من القرآن الكريم ويطالع بعض الأحاديث النبوية وسير الأنبياء والسلف الصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1428(1/7)
الإسلام دين الأنبياء جميعا بما فيهم موسى وعيسى عليهم السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدنا إبراهيم عليه السلام كان مسلماً، سؤالي هو: كيف يكون هناك ديانات يهودية ونصرانية بعد ذلك، وهل هي ديانات أم رسالات، وعندما يسألون في قبورهم عن دينهم ماذا سيجيبون؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للبشرية وربط به هدايتهم، وحكم على من ابتغى غيره من الأديان بالخسارة، قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ {آل عمران:19} ، وقال تعالى: وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ {آل عمران:20} ، وقال الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85} ، وقال تعالى: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل:81} ، وقد وصف الله تعالى المتمسكين بدينه الحق بالإسلام سواء كانوا أنبياء أو أتباع الأنبياء، فقد أخبر الله تعالى أن إبراهيم ويعقوب أوصيا بالموت على الإسلام، وأن إبراهيم كان من المسلمين، وذلك حيث يقول تعالى في شأن إبراهيم: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {البقرة:131-132} .
وأخبر أن بني يعقوب أقروا على أنفسهم بالإسلام فقال: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {البقرة:133} ، وأخبر أن إبراهيم وإسماعيل كانا يقولان في دعائهما: ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، وقد وصف إبراهيم بالإسلام ونفى عنه اليهودية والنصرانية، فقال: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {آل عمران:67} ، وأخبر أن سحرة فرعون بعد إسلامهم دعوا الله تعالى فقالوا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ {الأعراف:126} ، وأخبر أن نوحا عليه السلام قال في خطابه لقومه: فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {يونس:72} ، وأخبر أن موسى عليه السلام قال في خطابه لبني إسرائيل: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ {يونس:84} ، وأخبر أن سليمان عليه السلام قال في رسالته لسبأ: إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ {النمل:30-31} ، ووصف سبحانه وتعالى بيت لوط بالإسلام، فقال فيهم: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ {الذاريات:36} ، وأخبر تعالى أن الحواريين أشهدوا عيسى على إسلامهم، فقال: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {آل عمران:52} .
وبهذا يُعلم أن الإسلام وهو الاستسلام لأمر الله تعالى وعبادته وحده هو دين الأنبياء جميعاً، فقد اتفقت كلمتهم على الدعوة إلى عبادة الله وحده، ولكن اختلفت الشرائع فقد يباح لقوم ما يحرم على آخرين والعكس، ويباح في زمان ما يحرم في آخر لما يعلمه سبحانه من مصالح العباد، والإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم امتداد لدين الله الذي شرعه للبشر من قديم الزمان وناسخ لما قبله من الشرائع، فلا يقبل من أحد دين غيره بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وأما تسمية اليهود يهوداً فإنها -كما قال بعض أهل العلم- مأخوذة من اسم ولد يعقوب الذي ينتمون إليه، وكان اسمه يهوذا، وقيل غير ذلك.
وسمي أتباع دين النصرانية بالنصارى نسبة إلى بلدة الناصرة في فلسطين، والتي ولد فيها المسيح عليه السلام، أو لأنهم نصروا عيسى عليه السلام، واليهودية والنصرانية ديانتان سماويتان، وكانتا صحيحتين قبل دخول التحريف والتبديل عليهما، ولا فرق بين أن نصفهما بأنهما ديانتان سماويتان وبين أن نصفهما بأنهما رسالتان، ومع أن الديانتين المذكورتين رسالتان من عند الله فإن أصحابهما إذا سئلوا في قبورهم عن دينهم فلا علم لنا بما سيجيبون به، لأن ذلك من علم الغيب الذي لا يجوز الكلام فيه إلا بدليل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1427(1/8)
العقيدة الصحيحة والعقائد الباطلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المعتقدات الباطلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العقائد الباطلة كثيرة متعددة لا يمكن حصرها، فقد قال الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {الأنعام: 153} .
وفسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فعن عبد الله بن مسعود قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال هذه سبل قال يزيد: متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ. رواه أحمد وصححه الألباني وحسنه شعيب الأرناؤوط.
فالسبل متعددة، بينما صراط الله واحد، وكل ما خالف صراط الله المستقيم هو من السبل.
ولهذا نقول: كل ما خالف العقيدة الصحيحة هو من العقائد الباطلة.
والعقيدة الصحيحة هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الأوائل، أصحاب القرون المفضلة، وهي عقيدة أهل السنة والجماعة، ويدل على ذلك قوله تعالى: فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ {البقرة: 137} .
وللمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية: 54581، 46517، 25174، 45809.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1426(1/9)
من الدلائل التي سلكها القرآن في غرس العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تفيدوني بمعلومات حول -أهمية العقيدة للفرد والمجتمع، -الوسائل التي اتبعها القرآن لترسيخ العقيدة في قلوب المسلمين، -العقيدة فطرة في نفس البشرية، تقبل الله صيامكم وقيامكم وسائر أعمالكم ووفقكم إلى إنارة الطريق لهذه الأمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا سعادة حقيقية للفرد ولا للمجتمع إلا باتباع العقيدة الصحيحة التي ارتضاها الله لعباده، قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ {آل عمران:19} ، وقال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين َ {آل عمران:85} .
وحاجة الإنسان للعقيدة أعظم من حاجته للطعام والشراب فبها تحيا القلوب وتطمئن النفوس وتصح الأبدان، وينعم الفرد والمجتمع، وإلا عاشوا في بهيمية نكراء يأكل القوي الضعيف، وكان اختلافهم عن سائر الحيوانات في الشكل والصورة فقط، ولزمتهم الحيرة والنكد والحياة التعيسة التي يحياها كل من أعرض عن العقيدة الصحيحة، فهم وإن تنعموا بملذات الدنيا ونعيمها فقد فقدوا أغلى ما فيها، ويتقلبون في ظلمات الشك وبحور التيه، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124} .
أما الوسائل التي اتبعها القرآن في ترسيخ العقيدة فكثيرة منها: المقارنة بين عقائد الموحدين وعقائد المشركين وضرب الأمثال، قال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {الزمر:29} ، ومنها الدعوة للنظر والتأمل وإعمال العقل، قال تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا {الأنبياء:22} ، وقال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ {آل عمران:190} .
وغير ذلك كثير.. ولا نستطيع أن نذكر جميع الوسائل لمخالفته لمقصود الفتوى، فراجع: معارج القبول، والعقيدة الواسطية، وتيسير العزيز الحميد، وغيرها من كتب العقائد.
أما كون العقيدة فطرة في النفس البشرية: فإن الأدلة الشرعية والحسية تضافرت على أن الله فطر عباده على التوحيد، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا {الأعراف:172} ، ومعنى الآية عند كثير من المفسرين أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وأمرهم بعبادته وتوحيده سبحانه وأخذ عليهم الميثاق بذلك، وقال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {الروم:30} ، قال ابن عباس (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه ِ) أي لدين الله.
ومن أدلة السنة ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة.
وروى مسلم عن عياض بن حمار قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً. ولمزيد فائدة راجع الفتويين: 18723، 26645.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1425(1/10)
العقيدة الصحيحة هي أساس الأعمال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى العقيدة ولم يركز عليها العلماء أكثر من بقية الأمور كالحديث والفقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقيدة هي جملة من الأمور التي تصدق بها النفوس وتطمئن إليها القلوب، وتكون يقينا عند أصحابها، لا يمازجها ريب ولا يخالطها شك، ولذا تدور مادة (عقد) في اللغة على اللزوم والتأكيد والاستيثاق، والعقيدة في الإسلام تقابل الشريعة، إذ الإسلام عقيدة وشريعة، فالشريعة تعني التكاليف العملية من العبادات والمعاملات، أما العقيدة فليست أمورا عملية، بل هي أمور علمية يجب على المسلم أن يعتقدها ويؤمن بها، وأصول العقيدة وأركان الإيمان ما جاء في حديث جبريل قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. متفق عليه.
وأما سبب تركيز العلماء على العقيدة أكثر أو قبل بقية أمور الدين كالفقه، لأن هذا هو منهج الأنبياء ومنهم النبي عليه الصلاة والسلام، فإنه مكث ثلاثة عشر عاما في مكة يدعو إلى العقيدة وإلى التوحيد والنهي عن الشرك.
وكل نبي يبعث إلى قومه يكون أول ما يدعوهم إليه توحيد الله عز وجل: [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ] (الانبياء:25)
[وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ] (النحل: 36) .
وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه هذا المنهج، فقد ورد في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وفي رواية للبخاري: فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله. ولأن العقيدة الصحيحة هي أساس الأعمال، والأعمال هي ثمرة العقيدة. قال تعالى: [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ] * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا] (ابراهيم: 24-25) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1425(1/11)
دين الإسلام يشتمل على أصول وفروع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه يجوز أن نقول هناك لدينا أصول وفروع أي هل هناك فروع في الدين وما هو الصحيح في هذا وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص أهل العلم على أن دين الإسلام يشتمل على أصول وفروع، ويقصدون بالأصول علم العقائد، لأنه هو أساس الدين، وشرط في قبول الطاعات، فمن لم يحقق الإيمان بالله تعالى لا يقبل منه عمل، لقوله تعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً] (النحل: 97) .
وفي هذا المجال يقول الشيخ ابن أبي العز الحنفي في مقدمة شرحه على "العقيدة الطحاوية":
أما بعد: فإنه لما كان علم أصول الدين أشرف العلوم، إذ شرف العلم بشرف المعلوم، وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع، ولهذا سمى الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه ما قاله وجمعه في أوراق من أصول الدين (الفقه الأكبر) وحاجة عباد الله إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة، لأنه لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواه. انتهى.
وعليه، فإن المقصود بأصول الدين علم العقائد، وما يجب على المسلم اعتقاده في حق الله تعالى ورسله واليوم الآخر، إلى آخر ذلك.
ويقصد بعلم الفروع الطاعات التي تصدر عن الجوارح كالصلاة والزكاة والحج وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1425(1/12)
حكم إطلاق لفظ الوالد على العالم أو الكبير
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشتهر في الوقت الحالي إطلاق لقب والد على علماء الدين الإسلامي كبار السن والعلم والمقام فهل إطلاق هذا اللفظ يجوز مع ملاحظة الآتي: أن النصاري يطلقون لفظ البابا على علمائهم الكبار في العلم والمقام ولم يرد عن الرسول صلى الله علية وسلم أو الصحابة أو التابعين أو السلف إطلاق لفظ الوالد الأب على العلماء. ولو كان لأحد أن يلقب بالوالد لما كان أحق بها من رسول الله الذي قال ربنا فيه: "ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله إليكم".
برجاء الإجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع من إطلاق هذا اللفظ على الكبير -عالماً كان أو غيره- فهو من قبيل المجاز الصحيح في اللغة، وهو سائغ أيضاً من حيث المعنى، وجائز من حيث الشرع، يقول الله تعالى: (قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) [البقرة:133] .
وإسماعيل من أعمامه لا من آبائه.
وقد سئل ابن الصلاح عن مسألة في الأبوة: هل يجوز أن يطلق في الكتاب العزيز والحديث الصحيح الأب من غير صلب ... ؟ ونرى مشايخ الطرقية يسمونهم أبا المريدين فيجب بيان هذا من الكتاب العزيز والحديث الصحيح.
فأجاب رحمه الله قال الله تعالى: (قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) وإسماعيل من أعمامه لا من آبائه، وقال سبحانه: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) وأمه قد كان تقدم وفاتها قالوا: والمراد خالته، ففي هذا استعمال الأبوين من غير ولادة حقيقة وهو مجاز صحيح في اللسان العربي، وإجراء ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم والعالم والشيخ ... سائغ من حيث اللغة والمعنى، وأما من حيث الشرع، فقد قال الله سبحانه وتعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ) .
وفي الحديث: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلِّمكم" فذهب بعض علمائنا إلى أنه لا يقال فيه صلى الله عليه وسلم إنه (أبو المؤمنين) وإن كان يقال في أزواجه (أمهات المؤمنين) وحجته ما ذكرت، فعلى هذا يقال هو مثل الأب، أو كالأب، أو بمنزلة أبينا، ولا يقال هو: أبونا، أو والدنا.
ومن علمائنا من جوزه وأطلق هذا أيضاً، وفي هذا للمحقق مجال بحث يطول، والأحوط التورع والتحرز عن ذلك. انتهى.
وقال النووي رحمه الله: هل يقال للنبي صلى الله عليه وسلم أبو المؤمنين؟ فيه وجهان لأصحابنا: أصحهما عندهم الجواز وهو نص الشافعي أنه يقال أبو المؤمنين أي في الحرمة، ومعنى الآية: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) [الأحزاب:40] . لصلبه. . ا. هـ من معجم المناهي اللفظية لبكر أبو زيد.
وهذا الخلاف في حق النبي صلى الله عليه وسلم هل يقال له أبو المؤمنين أم لا؟
وأما كبير السن، سواء أكان عالماً أم لا، فلم نر من خالف في جواز إطلاق الوالد عليه تعظيماً وتبجيلاً.
هذا؛ ولما كان إطلاق هذا اللقب على كبار السن من أهل العلم والفضل من باب التشريف والتوقير كان ممدوحاً مرغباً فيه شرعاً، ففي الحديث: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم" رواه أبو داود.
ولا يعد المنادي لهم بهذا كاذبا، لأنه إما أن يقوله تشريفاً، وقد سبق حكمه، أو تعريفاً، فيكون قصده حينئذ مجرد التعريف لا حقيقة مدلوله.
وأما ما أورده السائل من إيرادات على استعمال هذا اللقب، فغير مسلَّم له، فقوله: إن النصارى يطلقون لفظ (البابا) على علمائهم، فليس في هذا إشكال، فنحن لا نقول بابا، وإنما نقول في مقام التعريف الوالد فلان، أو الأب فلان.
ثم إن البابا عندهم لقب ثابت لمن يتولى رئاسة الكنيسة، ونحن إنما نقول ذلك -كما مر- في مقام التعريف والتشريف، ثم لو فرضت المشابهة، فهي من باب الاشتراك في الألفاظ، ولا يلزمنا أن نترك كل لفظ أو لقب شاركنا فيه غيرنا.
وأما أن السلف لم يستعملوا هذا في حق العالم الكبير، فدعوى غير صحيحة، بل ما زال المسلمون سلفاً وخلفاً ينادون كبير السن بالوالد والأب، وينادون الصغير بالولد والابن، ولو لم تكن هناك بنوة حقيقية أو أبوة حقيقية، وفي الحديث الصحيح عن أنس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بُنيِّ إذا دخلت على أهلك فسلم" رواه مسلم.
وأما قوله: لو كان لأحد ... فقد سبق جوابه في كلام ابن الصلاح رحمه الله والنووي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(1/13)
قراءة الأذكار جماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة المأثورات للشهيد حسن البنا جماعة بصوت واحد أو فرادى؟ جزاكم الله خيراً.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بأس في قراءة كتاب المأثورات للشيخ حسن البنا وغيره من كتب الأذكار، وقد بينا ضوابط ذلك في الفتوى رقم: 8381.
وفيها أن الذكر الجماعي بصوت واحد من البدع المحدثات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1423(1/14)
مستقر الأرواح وقت النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم التكرم بإفادتي عن السؤال التالي: أين تذهب الروح عند النوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن قتيبة في الغريب أن الروح يعرج بها إلى العرش، فإن كان النائم نام على طهارة أذن لها بالسجود وإن كان جنبا لم يؤذن لها.
وقال المناوي وفي خبر الب يهقي: أن الأوراح يعرج بها في منامها فتؤمر بالسجود عند العرش فمن بات طاهرا سجد عند العرش ومن كان ليس بطاهر سجد بعيدا عنه.
ولا نعلم شيئا ثابتا من هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ما روي في هذا موقوف على الصحابي عبد الله بن عمرو ولم نطلع على كلام لأهل العلم في الحكم على هذه المرويات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1429(1/15)
شرع الله الشرائع وأرسل الرسل قبل العرب وإسرائيل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن لنا أن نسأل عن الذي اخترع الدين، هل اخترعه بنو إسرائيل أم العرب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدين ليس من اختراع البشر؛ بل هو تشريع من الله تعالى، وقد شرع الله الشرائع وأرسل الرسل قبل العرب وإسرائيل، قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [النحل:36] ، وقال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ، وأخبر الله تعالى عن إبراهيم جد إسرائيل أنه وصى بنيه بالدين الذي اصطفاه الله تعالى، قال الله تعالى: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة:132] ، وفي حديث البخاري: الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(1/16)
أعز شيء عند المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أعز حاجة عند الإنسان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأعز حاجة عند الإنسان تختلف باختلاف هذا الإنسان، هل هو مسلم أم كافر، فأعز حاجة عند المسلم الالتزام بالإسلام، الذي أكرمه الله به والذي يرى أن سعادة الدنيا والآخرة مرهونة باتباعه.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 25251، والفتوى رقم: 26235، والفتوى رقم: 12529، والفتوى رقم: 18941.
والله وأعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1424(1/17)
ما المقصود بالسلفية العلمية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالسلفية العلمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسلفية العلمية مصطلح حادث على الساحة الإسلامية يطلقه البعض على من يرون أنهم يجعلون جل اهتمامهم منصباً على طلب العلم دون غيره، وعلى أي حال فينبغي الإعراض عن هذه المسميات والتقسيمات لأنها في النهاية لن تخدم الصف الإسلامي بل تقود إلى التشرذم والتحزب والاختلاف، والواجب على المسلمين كافة أن يعتصموا بحبل الله تعالى، وأن يرجعوا إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وإلى المعين الصافي الموروث عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 64715، والفتوى رقم: 10157.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1428(1/18)
معنى كل من (الموت والوفاة)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تختلف كلمة يموت عن كلمة يتوفى في المعنى، فقد ذكر في القرآن عن عيسى عليه السلام \" إني متوفيك ورافعك إلي \" ونحن نعلم أن سيدنا عيسى لم يمت بل هو حي في السماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لفظ الموت والوفاة يطلق على المنية ومفارقة الروح للبدن حقيقة فيدلان على نفس المعنى، وكلاهما يستعمل استعمالا مجازيا في النوم، فيطلق الموت على النوم كما في قوله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور. وتطلق الوفاة على النوم أيضا كما في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ {الأنعام: 60} . وقد يستعمل اللفظان في غير ذلك من المعاني كشدة الفقر ونحوه مما يدل عليه السياق والسباق واللحاق وبسط ذلك في المعاجم اللغوية كلسان العرب لابن منظور والقاموس المحيط للفيروزآبادى والمصباح للفيومي وغيرها. وأما المقصود بذلك في قوله تعالى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ {آل عمران: 55} . وقوله: فلما توفيتي كنت أنت الرقيب عليهم، فقد ذكرناه مفصلا في الفتوى رقم: 18818، والفتوى رقم: 29269.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1426(1/19)
تعريف البصيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي البصيرة؟
في أمان الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البصيرة قد تطلق على العلم واليقين، كما في قوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف: 108} . وقد تطلق على نور القلب كما يطلق البصر على نور العين. قال الراغب: البصر يقال للجارحة الباصرة والقوة التي فيها، ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1426(1/20)
معنى (الأعر)
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى الأعر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فإن الأعر هو الأجرب يقال جمل عار وأعرأي جرب كذا في اللسان، والعر الجرب ومنه قول النابغة الذبياني.
فحملتني ذنب امرئ وتركته ... كذا العر يكوى غيره وهو راتع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1425(1/21)
من هم الدهرية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف ما معنى الملاحدة الدهريين- والشيوعيين؟ أرجو الإجابه بأسرع وقت ممكن للضرورة القصوى؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الشيوعيين في الفتوى رقم: 5893.
أما الدهريون فقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: يخبر تعالى عن دهرية الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا [الجاثية:24] .
ما ثم إلا هذه الدار، يموت قوم ويعيش آخرون، وما ثم معاد ولا قيامة.
وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون للمعاد، ويقوله الفلاسفة الإلهيون منهم، وهم ينكرون البداءة والرجعة.
وتقوله الفلاسفة الدهرية (الدورية) المنكرون للصانع، المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى، فكابروا المعقول وكذبوا المنقول، ولهذا قالوا: وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ، قال الله سبحانه: وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24] ، أي يتوهمون ويتخيلون.
فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح، وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار.
وفي رواية: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر. وفي رواية: لا يقل ابن آدم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر، أرسل الليل والنهار، فإذا شئت قبضتهم.
قال في شرح السنة: حديث متفق على صحته، أخرجاه من طريق معمر من أوجه عن أبي هريرة قال: ومعناه أن العرب كانت من شأنها ذم الدهر وسبه عند النوازل، لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره، فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها، فكان مرجع سبها إلى الله عز وجل، إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يصفونها، فنهوا عن سب الدهر. انتهى باختصار.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1424(1/22)
لا يشك المسلم الصادق في أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[وأنا أتصفح الأنترنت إذ وقعت عيني على منتدى خبيث يسعى لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ووجدت موضوعا يحمل عنوان: أريد أن أسلم فساعدوني، لا أعرف إن كان كاتب الموضوع صادقا أم كاذبا. خلاصة الموضوع أنه يقول بأنه سيعلن إسلامه بمجرد أن يجد جوابا مقنعا لسؤاله. يقول: إن نبيكم محمدا يقول إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، فما رأيكم أن نقول لملك السعودية أن يفتح قبر نبيكم محمد ونرى إن كان مازال جسده سالما. أنا لم أشأ أن أرد عليه من فهمي المتواضع فسؤال خبيث كهذا يحتاج أدلة وبراهين. فساعدوني للإجابة على هذا السؤال وجزاكم الله عني كل خير. والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على غيرتك على دين الله، وحرصك على الدفاع عنه ضد أعدائه، ولكن ينبغي أن تعلمي أنه ينبغي لكل مسلم أو مسلمة أن يجتنب الدخول على مثل هذه المواقع المشبوهة إن لم يكن له من العلم ما يستطيع به الرد على شبهات أهل الباطل. وراجعي الفتوى رقم: 29347.
ثم إن مثل هؤلاء الملحدين ينبغي جرهم إلى الحوار إلى قضايا الإيمان الأساسية وأن يعرف بالرب سبحانه وتعالى، فإذا عرفه حق معرفته سهل عليه أن يصدق أخباره ويؤمن بما جاء به شرعه، وأما الاسترسال مع أمثال هذه المطالب لهؤلاء الملحدين فلا يجدي، إذ لا يجوز شرعا أو عادة أن يحقق له مثل هذا المطلب وهو على علم بذلك، وإنما يهدف بهذا إلى التشكيك في صحة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقديما قد سأل أسلافه من الكفار مثل ما سأل عن آيات وعدوا أن يؤمنوا إذا رأوها فلم يؤمنوا بعد ما رأوها، روى الإمام أحمد عن جبير بن مطعم قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين: فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد. فقالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم.
قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ*وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ. {القمر: 2،1} .
وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ*وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ. {يونس:97،96} .
وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ. {الأنعام:111} .
فنوصيك أن لا تلتفتي إلى وساوس شياطين الإنس، وأن تتيقني ما جاء به خبر الصادق المصدوق من كون الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي قال قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون بليت. فقال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء.
ولا غرابة في هذا عند من علم أن الله على كل شيء قدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1430(1/23)
أصول العقيدة وفروعها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أصول العقيدة وما هي فروعها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أصول العقيدة هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وأما الفروع فهي ما يتفرع عن هذه الأصوال من المباحث العقدية.
فالإيمان المجمل بالأصول يتوقف عليه إيمان المسلم، ويصح إيمان من خفي عليه أمر بعض الفروع، إلا أنه لا يسوغ له إنكاره بعد أن يثبت له ما وردت به النصوص الشرعية، بل يجب عليه الإيمان بما عمله. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 73978، والفتوى رقم: 37863.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1428(1/24)
من خصائص العقيدة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي خصائص العقيدة الأسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعقيدة الإسلامية تختص عن غيرها من العقائد بأمور كثيرة منها:
- أنها من عند الله سبحانه وتعالى وحده.
- وأنها لم يدخلها التحريف والتبديل والتغيير.
- وأنها توافق العقل.
- وأنها توافق الفطرة السليمة.
- وأنها توافق الواقع لأنها من عند الله، والله سبحانه هو الخالق ولا يمكن أن يحصل التعارض بين ما يأتي من عنده وبين ما خلقه.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2246، 8577، 30306، 25174.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1424(1/25)
حقيقة ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) ماهو دين سيدنا إبراهيم عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن دين إبراهيم هو دين الإسلام الذي ارتضاه الله للبشرية، فقد كان حنيفاً مسلم براء من الشرك وأهله، سليم القلب، سريع الانقياد لأمر الله مهما كانت صعوبته على النفس، وقد بين الله تعالى ذلك في كتابه فقال: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67] .
وقال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4] .
وانظر الفتوى رقم: 27614، والفتوى رقم: 36905.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(1/26)
أسس العقيدة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[أذكر أسس العقيدة الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعرفة أسس العقيدة الإسلامية هي أهم الأمور التي يجب على المسلم الاعتناء بها وتقديمها على غيرها، قال حافظ الحكمي في سلم الوصول:
أول واجب على العبيد ... معرفة الرحمن بالتوحيد
إذ هو من كل الأمور أعظم ... وهو نوعان أيا من يفهم.
لكننا لا يمكننا الوفاء بطلبك كاملاً في جواب أو فتوى، لذا فإننا نحيلك على كتب العقيدة التي تتعرف من خلالها على أسسها، ولمعرفة ذلك راجع الفتوى رقم: 27677، والفتوى رقم: 4412.
ولمعرفة معنى العقيدة وبعض ما يتصل بها، راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2246، 34532، 33445، 30306، 12517، 18348، 20502، 25047، 9203.
كما يمكنك في البحث الموضوعي في الفتاوى بالشكبة الوصول إلى فتاوى أخرى عديدة تفيدك في هذا الشأن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1424(1/27)
دين الأنبياء جميعا الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
ما هو تعريف كلمة الإسلام؟ كيف كان سيدنا إبراهيم مسلما قبل مجيء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام قد عرفه ابن كثير في تفسيره عند قول الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ [آل عمران:19] ، حيث قال: هذا إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل في ما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لقي الله بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بدين على غير شريعته فليس بمتقبل. انتهى.
فجميع الأنبياء كلهم دينهم واحد وهو الإسلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد. متفق عليه.
فإبراهيم عليه الصلاة والسلام على دين الإسلام، كما وصفه الله تعالى في قوله: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67] .
وقال في وصيته لبنيه: يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132] .
وللمزيد من التفصيل في الموضوع يرجع إلى الفتوى رقم: 7299، والفتوى رقم: 26235.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1424(1/28)
معنى العقيدة والاعتقاد
[السُّؤَالُ]
ـ[- ما الفرق بين العقيدة الاعتقاد والمعتقد؟
- هل يلزم على كل مكلف عقيدة؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العقيدة لغة: فعيلة بمعنى مفعولة، والمراد بها ما يعقد الإنسان عليه قلبه صالحاً كان أم فاسدًا. وقد وضح الشيخ الألباني ما يراد بها في الاصطلاح عند العلماء فقال: المقصود بالعقيدة في اصطلاح العلماء: كل خبر جاء عن الله أو رسوله يتضمن خبرًا غيبيًّا لا يتعلق به حكم عملي شرعي، كالحديث، والآخرة، والجنة، والنار، وخروج الدجال، ونزول عيسى، وعذاب القبر. اهـ
أما الاعتقاد فهو مصدر من اعتقد الشيء يعتقده.
وأما المعتقد فيحتمل أن يكون مصدرًا ميميًا، ويحتمل أن يكون اسم مفعول من اعتقد.
ويجب على كل مكلف أن يعتقد ما أوجب الله عليه اعتقاده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1424(1/29)
مصطلح العقيدة متضمن في كلمة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالعقيدة وفي أي زمن ورد هذا المصطلح؟ علما بأنه لم يرد في القرآن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما ما هو المقصود بمصطلح العقيدة، فقد سبق جوابه في الفتوى رقم:
2246، وما ذكرته من أن هذا المصطلح لم يرد في القرآن صحيح، ونزيدك علما أنه لم يرد في السنة أيضا.
لكن كلمة عقيدة وإن لم ترد في القرآن والسنة بهذا اللفظ، إلا أن معناها جاء في كلمة الإيمان، كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات: 15] .
وقال: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه [البقرة:285] .
وقد أطبق علماء الإسلام قديما وحديثا على استعمال كلمة عقيدة واعتقاد في المسائل العلمية التي صح بها الخبر عن الله ورسوله، والتي يجب أن ينعقد عليها قلب المسلم.
وعليه، فلا مشاحة في الاصطلاح، إذا المعنى متفق عليه، وأما من أول من استعمل هذه الكلمة في هذا المعنى؟ فلا نعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1424(1/30)
سبب تسمية العقيدة الواسطية
[السُّؤَالُ]
ـ[علل لي تسمية العقيدة الواسطية بهذا الأسم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعقيدة الواسطية قد سميت بهذا الاسم، لأن الرجل الذي قدم على شيخ الإسلام وطلب منه أن يكتب له عقيدة يأخذ بها هو وأهل بيته، كان من واسط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1424(1/31)
حول العقيدة الإسلامية والدين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف بدأت العقيدة الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعقيدة الإسلامية هي عقيدة جميع الأنبياء والمرسلين من آدم عليه الصلاة والسلام إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل:85] .
واخبرنا عن نبيه نوح أنه قال: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: 72] .
وأمر خليله إبراهيم أن يقول: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة: 131] . وجاء في دعاء نبي الله يوسف: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101] . ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد، والأنبياء إخوة لعلات. متفق عليه.
والإخوة لعلات: هم الإخوة من الأب، أشار بذلك إلى أن الأنبياء عقيدتهم واحدة وشرائعهم قد تختلف.
وإنما طرأ الانحراف على أتباع الديانات السابقة، فتركوا الدين الذي جاء به أنبياؤهم، ووقعوا في الشرك، فأرسل الله الرسول تلو الرسول ليصححوا هذا الانحراف كلما وقع، حتى انتهى الأمر إلى مقدم الأنبياء وسيدهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ففتح الله به أعيناً عميا وآذناً صما وقلوباً غلفا، وحفظ دينه من التبديل والتحريف، فلم يجر عليه ما جرى على ما قبله من التحريف، كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] .
والمقصود بالذكر: الكتاب والسنة اللذان هما أساس هذا الدين.
ولا تزال أمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ معصومة من الاجتماع على ضلالة، فهي وإن وقع في بعض طوائفها ابتعاد عن هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أنه لا تزال طائفة منها -بحمد الله ـ على الحق مصداقاً لقوله ـ صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك متفق عليه.
وإذا عرفت هذا، فاعلم أن سؤالك يحتمل أمرين: فإما أن تكون تسأل عن بداية مجموعة الحقائق الثابتة في هذه العقيدة، والجواب: أن هذه ليست لها بداية لأنها حقائق ثابتة أزلاً، لأنها متعلقة بالله وأسمائه وصفاته، ومقتضيات هذه الأسماء الصفات.
وإما أن تكون تسأل عن بداية معرفة الإنسان بها، وقد تقدم لك الجواب في ثنايا المقدمة، وعلمت أن آدم عليه الصلاة والسلام كان على هذه العقيدة التي هي عقيدة جميع الأنبياء والمرسلين، ففي مسند أحمد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن أبينا آدم: أو نبياً كان؟ يا رسول الله، فقال: نبي مكلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1424(1/32)
الروزادية
[السُّؤَالُ]
ـ[شرح الديانة الروزدية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبالرجوع إلى موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة وبعد البحث والتقصي لم نعثر على شيء يختص بالديانة الروزدية، ولعل السائل الكريم قد أخطأ في تهجي الكلمة، فإن كان الأمر كذلك فنرجو إعادة كتابة الكلمة بطريقة صحيحة حتى يمكن لنا أن نجيب على سؤالك، والله المسؤول أن يفقهنا وإياك في دينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(1/33)
معنى العقيدة الصحيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى صحة العقيدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعقيدة لغة: مأخوذة من العقد والجزم، وشرعاً: هي حكم الذهن الجازم، فإن طابق الواقع فهي العقيدة الصحيحة، وإن لم يطابقه فهي العقيدة الباطلة.
والعقيدة الصحيحة هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الأوائل، أصحاب القرون المفضلة ويدل على ذلك:
-قوله تعالى: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا..)
-قوله سبحانه: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه)
-قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية: " وهم من كانوا على مثل ما أنا عليه وأصحابي." رواه الترمذي
-قوله صلى الله وسلم: " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.. ." رواه البخاري
والأدلة على ذلك كثيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1423(1/34)
الإلهيات ومباحث العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الإلهيات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيراد بالإلهيات ما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته. وكثير من المتكلمين يقسم مباحث العقيدة إلى ثلاثة أقسام:
الإلهيات، والنبوات، والسمعيات، ويعنون بها: البرزخ واليوم الآخر وما فيه.
وخير من ذلك وأولى أن نقسم مباحث العقيدة على مقتضى حديث جبريل عليه السلام: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر.
والإيمان بالله: يشمل أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الألوهية، والربوبية، والأسماء والصفات، وليس للمتكلمين اعتناء بتوحيد الألوهية، وجل مباحثهم إنما هي في الربوبيه والأسماء والصفات مع انحراف في ذلك
يقوم في أكثره على التأويل والتحريف والتعطيل، والذي عليه أهل السنة والجماعة في هذا الباب: أن يثبت لله ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تأويل ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1423(1/35)
ليس للعامة الخوض في آيات الصفات ومسائل العقيدة الدقيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم عندنا مجموعة من الشباب نتحدث في صفات الله وآيات التجسيد والتشبيه وخبر الآحاد من الأحاديث وسبب ذلك بلبلة بين المصلين ولما كان علمي الشرعي متواضعاً رغم أني أحمل شهادة في الفيزياء فقد لجأ إليَّ البعض أرجو أن توضحوا لي هذه القضايا خاصة رؤية الله عز وجل يوم القيامة وهل هي للمؤمنين أم الجميع، وعن الخلود في النار للكافرين؟ وجزاكم الله خيراً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما تنازع فيه المسلمون من المسائل العلمية والعملية أصولاً وفروعاً يجب أن يرد إلى الكتاب والسنة، كما قال الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النساء:59] .
وإذا لم يردوه إلى الله ورسوله لم يتبين لهم وجه الحق في ذلك، وحصل بينهم الاختلاف والبغي والعدوان؛ إلا أن يرحمهم الله.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية لا يحل لأحد كائناً من كان أن يتكلم في أصول الدين، ومسائل التوحيد برأيه، أو أن يتخرص فيه بالظنون والأوهام، بل لا يتكلم في ذلك إلا من تلقاه من الكتاب والسنة، وما أجمع عليه سلف هذه الأمة.
ومن تكلم برأيه وما يظنه دين الله ولم يتلق ذلك من الكتاب والسنة فهو آثم وإن أصاب، ومن أخذ من الكتاب والسنة فهو مأجور، وإن أخطأ، لكن إن أصاب يضاعف أجره. ا. هـ من كلام شارح الطحاوية.
ثم اعلم أنه لا يجوز الكلام في المسائل الدقيقة في العقائد أمام العامة، ولا مخاطبتهم بها، وإنما يؤمرون بالجمل الثابتة من الكتاب والسنة والإجماع دون الخوض في التفاصيل والمسائل الدقيقة المشُكلة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الواجب أمر العامة بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، ومنعهم من الخوض في التفصيل الذي يوقع بينهم الفرقة والاختلاف، فإن الفرقة والاختلاف من أعظم ما نهى الله عنه ورسوله. الفتاوى 12/237.
وأما ما سألت عنه في قضية رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وخلود أهل النار فيها، فجواب ذلك تجده في الفتوى رقم: 4228.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1423(1/36)
أركان الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي قواعد الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقواعد الإسلام هي التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور، وفيه: وقال يا محمد: أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. رواه مسلم عن عمر بن الخطاب.
وقد فصلت كتب العقيدة والتوحيد هذه القواعد، وبينت واجب المسلم تجاهها، وقد ذكرنا في ذلك جواباً مفصلاً برقم: 8577.
وليعلم أن الإسلام عند الإطلاق يقصد به جميع مراتب الدين، الإسلام والإيمان والإحسان، ولمعرفة حكم تارك الصلاة، راجع الفتوى رقم:
1145.
ولمعرفة حكم ترك جنس العمل راجع الفتوى رقم:
17836.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1423(1/37)
ماهية أصول الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أصول الدين، أوهل يمكن حصرها في نقاط؟
وجزاكم الله ألف ألف خير..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا أردت حصر أصول الدين فيمكنك الرجوع إلى كتب العقائد التي عنيت بهذه الأمر، كالعقيدة الطحاوية مع شرحها لا بن أبي العز الحنفي، وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، والإيمان لابن تيمية، والعقيدة الواسطية له، ومعارج القبول للشيخ حافظ الحكمي وغير ذلك.
وقد تضمن حديث جبريل عليه السلام مجموعة من الأصول، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن الإسلام، " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت، ثم قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك" قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان" ثم قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" رواه مسلم.
قال الإمام الطحاوي: (والإيمان هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وحلوه ومره من الله تعالى) قال الشارح: (تقدم أن هذه هي أصول الدين، وبها أجاب النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور المتفق على صحته…) .
ومن أعظم الأمور التي يجب تجنبها والحذر منها: الإشراك بالله سبحانه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معاذ: أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً" رواه البخاري ومسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار" رواه البخاري. قال: الإمام ابن القيم رحمه الله:
والشرك فاحذره فشرك ظاهر ذا القسم ليس بقابل الغفران
وهو اتخاذ الند للرحمن أيا كان من حجر ومن إنسان
يدعوه أو يرجوه ثم يخافه ... ويحبه كمحبة الديان
فلا بد من الكفر بالطاغوت مع قول لا إله إلا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله" رواه مسلم.
قال في قرة العيون: فيه دليل أنه لا يحرم ماله ودمه إلا إذا قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، فإن قالها ولم يكفر بما يعبد من دون الله، فدمه وماله حلال لكونه لم ينكر الشرك ويكفر به، ولم ينفه كما نفته لا إله إلا الله. فتأمل هذا الموضوع فإنه عظيم النفع. انظر فتح المجيد هامش صفحة 111 وعلى آية حال فالكلام حول أصول الدين ونواقضه، وشرائطه، وما يتبع ذلك يطول، وفي ما ذكرنا ما يمكن أن يكون مدخلاً صالحاً لمعرفة ذلك إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1422(1/38)
معنى العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى العقيدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
العقيدة: هي جملة من الأمور التي تصدق بها النفوس وتطمئن إليها القلوب وتكون يقينا عند أصحابها لا يمازجها ريب ولا يخالطها شك. ولذا تدور مادة (عقد) في اللغة على اللزوم والتأكيد والاستيثاق، قال تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) . [المائدة: 89] ، والعقيدة في الإسلام تقابل الشريعة، إذ الإسلام عقيدة وشريعة، والشريعة تعني التكاليف العملية التي جاء بها الإسلام من العبادات والمعاملات. والعقيدة ليست أموراً عملية بل هي أمور علمية يجب على المسلم أن يعتقدها في قلبه لأنها جاءت عن طريق الكتاب والسنة. وأصول العقائد التي أمرنا الله جل وعلا باعتقادها هي التي جاءت في حديث جبريل المشهور عندما سأله عن الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى) رواه مسلم. فهي - أي العقيدة - تدور حول قضايا معينة أخبرنا بها الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/39)
الرسائل التي فيها رؤى معينة ويطلب نشرها ويتوعد من يستهين بها
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا، وصلني إيميل من أحد الأصدقاء يقول باختصار إن هنا فتاة مريضة، وحلمت بالسيدة عائشة وأعطتها ورقة أوصتها بأن توزعها على عدد معين مكتوب عليها الشهادة أو شيء آخر لا يتضح لي من الإيميل، فقامت البنت بتوزيعها، وكان كل فرد يهتم بتوزيعها يكتب له الخير، وأما من كان يستهين بنشر هذه الرسالة فكان لا يلقى من أمره إلا كل الشر، وهناك وصية بنهاية الإيميل توصيني أنا بتوزيع 25 نسخة من الرسالة التي يحمل قصة هذه الفتاة والرسالة الموجهة، هل لهذا الكلام أساس من الصحة، علماً بأني لم أقم حتى الآن بإرسال أي نسخة منه.. فأرجو التوضيح في هذه المسألة جزاكم الله خيراً.. وإذا لم يكن الأمر واضحاً يرجى تنبيهي بذلك لأقوم بإرسال نسخة من الإيميل إليكم حسب الطريقة التي تفضلونها..؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا النوع من الرسائل لا يلتفت إليه، فما هو إلا أباطيل ينشرها الشياطين، وعلى من أراد نشر الخير أن ينشر القرآن والأحاديث الثابتة. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13304، 51772، 72059، 2026.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1430(1/40)
ماهية اللعن الوارد في عصاة الموحدين
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً نريد رأيكم في هذا الموضوع وهو منتشر في المنتديات عشرة نساء لا يدخلون الجنة ...
1-الوشم: (لعن الله الواشمات والمستوشمات المغيرات خلق الله) البخاري.. الواشمة: هي التي تغرز الإبر بالبدن ثم تحشوه بكحل أو نحوه.
2- النمص: (لعن الله المتنمصات) النمص: النامصة هي التي تقوم بنتف الحاجبين أو ترقيقهما.. المتنمصة: المفعول بها ذلك بناء على طلبها.
3- التفلج: (لعن الله..... والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) ، التفلج: برد ما بين الأسنان الثنايا والرباعيات.
4- الوصل: (لعن الله الواصلة والمستوصلة) ، الواصلة: هي التي تقوم بوصل شعر بشعر آخر.. ومنه الباروكة، المستوصله: المفعول به ذلك بناء على طلبها.
5- المرأه الساخط زوجها عليها: إذا دعى الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح. البخاري ومسلم.
6- المتشبهات بالرجال: لعن صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال.
7- زائرات القبور: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور أي كثيرات الزيارة للقبور.
8- النائحة.
9- المحلل له.
10- المتبرجه: (نساء كاسيات عاريات....... ملعونات) لا ننسى بأن اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وتذكري أختي بأن جمال الدنيا زائل ولن يبقى لنا إلا العمل الصالح، قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فيهن: يا معشر النساء تصدقن، فإنكن أكثر أهل النار. اللهم يا مثبت القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأحاديث المذكورة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي تفيد خطورة هذه المعاصي ولعن أصحابها والترهيب الشديد من فعلها، ولكنه لم يأت في أغلبها ما يفيد منع دخول الجنة، وإنما جاء ذلك في حديث النساء الكاسيات العاريات، وقد قدمنا فى فتاوى سابقة الكلام عليه وعلى ثبوت دخول الجنة لمن مات على التوحيد وأنه لا يخلد في النار وأن اللعن الوارد في عصاة الموحدين لايفيد منعهم من دخول الجنة، فراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 79561، 103370، 77394، 65864.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1429(1/41)
الدين الإسلامي لا يقارن بغيره من الأديان
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني رجل هندي عن الفرق بين الدين الإسلامي ودينه هو الذي يسمى بال من حيث نقاط الاتفاق والاختلاف بينهما في العقيدة والتعاليم وما استطعت الإجابة، فطلب مني أن أبحث وأجيبه لعل الله يوفقه للإسلام.
الإجابة العاجلة باللغة الانجليزية التي يفهمها هو جيدا وأستطيع محادثته بها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نرحب بك ونشكرك على سعيك في هداية هذا الرجل، ففي حديث البخاري: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.
ونفيدك أنه ليس لنا علم بدين بال حتى نقارنه بغيره، وأما دين الإسلام فهو دين الله الذي ارتضاه لخلقه وسار عليه الخيرة من الخلق والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ولا يقبل الله من أحد غيره، ومن اختار غيره محكوم عليه بخسران الدارين والخلود الأبدي في النار، فقد قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا. {المائدة:3} وقال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. {آل عمران:85} وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ. {البينة:6}
فلا مجال لمقارنة الدين الإسلامي بغيره، بل الواجب الدخول في دين الإسلام وترك كل ما خالفه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 30306، 39118، 49073، 71164.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1429(1/42)
توحيد الحاكمية وأقسام التوحيد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التوحيد أربعة أقسام؟ الأول توحيد الربوبية والثاني توحيد الألوهية والثالث توحيد الأسماء والصفات فماذا عن توحيد الحاكمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد علم بالتتبع والاستقراء لنصوص الكتاب والسنة تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أنواع، توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
ومن العلماء من قسم التوحيد إلى قسمين فقط وهما:
1ـ توحيد المعرفة والإثبات. ويدخل فيه توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.
2ـ توحيد الطلب والقصد. ويعني به توحيد الألوهية.
والمعنى واحد، وليس في الأمر إلا الإختلاف في الاصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح. ومن هذا الباب ما اصطلح بعض الناس على تسميته حق التشريع لله وحدة بتوحيد الحاكمية، فأفرده لأهميته، وإلا فهو في الأصل من توحيد الربوبية. ... ... ... ... ... ... ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1428(1/43)
دين واحد وشرائع شتى
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكر لكم سرعة الرد والله يوفقكم لخدمة الإسلام والمسلمين.. أرجو إفادتي: ما حكم تعدد الأديان منذ نشوء الخليقة، أقول لماذا لم يتعدد الأنبياء جيلا بعد جيل وهم ينشرون دين الإسلام، ولماذا كانت هناك المسيحية والصابئة وووو؟ ولكم جزيل الشكر والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دين الله تعالى دين واحد وهو دين الإسلام الذي لا يقبل الله تعالى غيره، وهو الدين الذي جاء به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم، فكان الله كلما جاء الضلال أرسل رسولاً، وجميع ما جاءوا به من الدين متفق في كلياته، وقد تختلف الشرائع في بعض الأحكام، وكانت خاتمة الرسالات رسالة نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت ناسخة لما قبلها من الشرائع، ولم يعد يقبل ممن سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يؤمن به ويتبعه وينصره، فلم تعد المسيحية ولا الصابئة ديناً صحيحاً، وراجع للاطلاع على التفصيل في الموضوع مع أدلته الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34493، 39118، 39852، 49073، 65031، 59877، 71164، 59579، 23568، 58961، 62022، 60891، 61288.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(1/44)
الإسلام هو الدين المقبول عند الله
[السُّؤَالُ]
ـ[يقولون إن الإسلام لا يعترف بالأديان الأخرى - ما رأيكم في هذا؟ وإذا كان الإسلام ليس به إكراه في الدين فكيف يقتل المرتد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم من الذين تعنيهم بـ (يقولون) وهل يحق لأحد القول في هذا بعد قول الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران: 85} وبعد قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ {آل عمران: 19} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار. رواه مسلم.
وراجع للمزيد في الموضوع، وفي موضوع المرتد والتوفيق بين قتله وعدم الإكراه في الدين الفتاوى التالية أرقامها: 72232، 65031، 59239، 49073، 33562، 13987، 39237، 14927، 57035، 60321.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1427(1/45)
الإسلام دين الله الذي ارتضاه للبشر من قديم الزمان
[السُّؤَالُ]
ـ[نقرأ كثيراً في القرآن الكريم كلمات مسلمين وكلمات مسلمون، سؤال: هل الإسلام موجود قبل مولد محمد صلى الله عليه وسلم، هل المسلمات والمسلمون موجودون قبل مولد سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني قبل الإسلام؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للبشرية وربط به هدايتهم وحكم على من ابتغى غيره من الأديان بالخسارة، قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19] ، وقال تعالى: وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ [آل عمران:20] ، وقال الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] ، وقال تعالى: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ [النحل:81] ، وقد وصف الله تعالى المتمسكين بدينه الحق بالإسلام سواء كانوا أنبياء أو أتباع الأنبياء، فقد أخبر الله تعالى أن إبراهيم ويعقوب أوصيا بالموت على الإسلام، وأن إبراهيم كان من المسلمين، وذلك حيث يقول تعالى في شأن إبراهيم: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة:131-132]
وأخبر أن بني يعقوب أقروا على أنفسهم بالإسلام فقال: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:133] .
وأخبر أن إبراهيم وإسماعيل كانا يقولان في دعائهما: ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، وقد وصف إبراهيم بالإسلام ونفى عنه اليهودية والنصرانية فقال: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67] ، وأخبر أن سحرة فرعون بعد إسلامهم دعوا الله تعالى فقالوا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [الأعراف:126] .
وأخبر أن نوحا عليه السلام قال في خطابه لقومه: فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:72] ، وأخبر أن موسى عليه السلام قال في خطابه لبني إسرائيل: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ [يونس:84] ، وأخبر أن سليمان عليه السلام قال في رسالته لسبأ: إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:31] ، ووصف سبحانه وتعالى بيت لوط بالإسلام فقال فيهم: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:36] ، وأخبر تعالى أن الحواريين أشهدوا عيسى على إسلامهم فقال: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52]
وبهذا يعلم أن الإسلام امتداد لدين الله الذي شرعه للبشر من قديم الزمان، وأن من يحاربونه هم الذين انحرفوا عن المنهج الصحيح الذي كان عليه الأنبياء وأصحاب موسى وعيسى ولكن ذلك لن يطفئ نور الله؛ بل سيصل دينه كل بيت وينال العز من تمسك به وينال الذل والصغار من أبى عنه، فعن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل والنهار، لا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر.
وكان تميم الداري يقول: عرفت ذلك في أهل بيتي لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان كافرا الذل والصغار والجزية. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1425(1/46)
دين الأنبياء الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل جميع الأنبياء كانوا مسلمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وما من شك أن جميع الأنبياء والمرسلين كانوا مسلمين، وقد دل على ذلك كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِما [آل عمران: 67] .
وقال تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ [الحج: 78] .
وقال تعالى عن نوح عليه السلام وهو يخاطب قومه: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:72] .
وقال تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام وهو يخاطب قومه أيضا: يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس: 84] .
وقال تعالى عن يعقوب لما حضرته الوفاة: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:133] .
وكان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يقولان وهما يبنيان البيت: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَك [البقرة: 128] .
وقال أيضا عن إبراهيم: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:131] .
وقد أخبر سبحانه أن إبراهيم وصّى أبناءه بالإسلام، وكذلك يعقوب، فقال تعالى: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132] .
وأخبر سبحانه أنه لا يخالف ملة الإسلام إلا السفيه، فقال تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَه [البقرة: 130] .
أي: ظلم نفسه بسَفَهِهِ وسوء تَدْبِيره.
وقال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً [النساء: 125] .
وأما في السنة: فقد روى البخاري في صحيحه عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد. فقوله دينهم واحد: هو دين الإسلام الذي أخبر سبحانه وتعالى عنه فقال: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1424(1/47)
الإسلام دين البشرية من آدم إلى قيام الساعة
[السُّؤَالُ]
ـ[الله يقول: "إن الدين عند الله الإسلام" ويقول: " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" أي أن الإسلام هو الدين الأحب عند الله، فلماذا خلق الله المسيحية واليهودية؟ ولماذا بدأ الدعوة بسيدنا إبراهيم؟ فكان من الممكن أن يبدأ بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسؤالك لماذا خلق الله اليهودية والمسيحية؟ كأنك تقصد به الديانتين بعدما طرأ عليهما من التحريف والتبديل، حيث إن الإسلام بالمعنى العام، هو: التعبد لله تعالى بما شرعه من العبادت التي جاءت بها رسله، فمذ أن خلق الله الخلق إلى أن تقوم الساعة. فهو على هذا المعنى يشمل ما جاء به نوح، وما جاء به موسى، وما جاء به عيسى، ويشمل ما جاء به إبراهيم عليهم السلام، وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تدل على أن الشرائع السابقة كلها إسلام، منها قوله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا واحَدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:133]
وعليه.. فإن اليهودية والنصرانية في أصلهما قبل دخول التحريف والتبديل عليهما كانت الديانة فيها هي الإسلام.
قال سبحانه في معرض الثناء على الحواريين أصحاب عيسى عليه السلام: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَاريِينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدُوا بَأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [المائدة:111] .
ولكن الإسلام بالمعنى الخاص يختص بما بُعِث به النبي صلى الله عليه وسلم فصار من اتبعه مسلمًا، ومن خالفه ليس بمسلم؛ لأنه لم يستسلم لله، بل استسلم لهواه، فاليهود مسلمون في زمن موسى عليه السلام، والنصارى مسلمون في زمن عيسى عليه السلام، وأما بعد أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم فكفروا به فليسوا بمسلمين.
فإذا تقرر هذا تمكن صياغة سؤالك بطريقة أوضح، وهي: لماذا شاء الله انحراف كثير من أصحاب الديانتين عن الإسلام؟ والجواب هو أنه سبق في مشيئة الله وقدره ألا يكون الناس أمة واحدة، قال سبحانه: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أَمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحَمَ رَبُّك وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:118] .
ومشيئة الله تقع وفق حكمته، وقد يطلع الله تبارك وتعالى بعض خلقه على شيء من حِكَمه، وقد يستأثر الله تبارك وتعالى بحكمته، كما قال سبحانه لملائكته حين قالوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحَنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ * قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:30] .
وأحيل السائل الكريم إلى كتاب "شفاء العليل في مسائل القدر والحكمة والتعليل" لـ ابن القيم رحمه الله، فقد استفاض في بيان ذلك فأجاد.
ومن الحِكَم في خلقه سبحانه وتعالى لملل ونحل الكفر:
1- إتمام كلمة الله تعالى، حيث وعد النار أن يملأها. قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود:118] .
2- حكمة الابتلاء، والتدافع بين الخير والشر، قال الله تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعضٍ [محمد:4] .
3- إقامة الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإنه لولا الكفر والمعاصي لم يكن هناك جهاد ولا دعوة.
أما سؤالك: ولماذا بدأ الدعوة بسيدنا إبراهيم؟
فليس بصحيح؛ لأن الدعوة إلى عبادة الله وتوحيده بدأت مع أول انحراف للبشرية بعد نزول آدم إلى الأرض، وقد أرسل الله لدعوة الناس الذين انحرفوا عن عبادته في كل زمان رسلاً كثرا مبشرين ومنذرين قبل أن يرسل إبراهيم عليه السلام، فلم تخلُ الأرض منذ انحرافهم من دعاة ورسل يدعون إلى دين الله الحق، فمن هؤلاء الرسل الذين بعثهم الله لعباده قبل إبراهيم: نوح، وإدريس، وهود، وصالح، وغيرهم كثير، كما قال تعالى: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164] .
ومن الحكمة في كون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء أنه أرسل لجميع الثقلين الإنس والجن، وكانت الرسل قبله يبعثون إلى قومهم خاصة، فوجب أن يكون من أرسل إلى الناس عامة آخرًا لا أول؛ ولأن شريعته هي أكمل الشرائع، والتي نسخ الله بها شرائع من قبله من الأنبياء، فوجب أن تكون الشريعة المهيمن كتابها على الكتب كلها، والتي أظهرها الله على الدين كله آخر الشرائع لا أولها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1424(1/48)
مراتب الخوف
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وبعد
زادكم الله فضلا وعلما....كما تعلمون فإن للخوف مراتب.. ولا شك أن موسى عليه السلام.. قال (رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون) .... فرد الله عليه فقال ... (يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون) ... السؤال يا جهابذة الشبكة الاسلامية هو: ما هي المرتبة في خوف موسى عليه السلام؟ وماذا تقصدون بالخوف الذي هو نوع من الشرك وهو محرم؟ ماذا يعني نوع من الشرك هل هو الشرك؟ الاصغر؟ والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان مراتب الخوف في الفتوى رقم: 2649.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1424(1/49)
من هم الموحدون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الموحدون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وهو قسيم الشرك الذي هو عبادة غير الله تعالى، فعلى هذا فإن الموحد هو من أخلص عبادته لله تعالى، قال الطبري في تفسيره عند قول الله تعالى: وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ [الزمر:29] يقول: ورجلاً خلوصاً لرجل يعني المؤمن الموحد الذي أخلص عبادته لله، لا يعبد غيره ولا يدين لشيء سواه بالربوبية. انتهى.
والتوحيد هو الذي يدخل بسببه الموحد الجنة، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة.
ومن حرم التوحيد حرم دخول الجنة، فقد قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] .
ثم إن التوحيد سبب في منع صاحبه من الخلود في النار، والشرك مخلد لصاحبه في النار، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم:
12284، والفتوى رقم: 31033.
هذه نبذة مختصرة عن التوحيد والموحدين.
وإن كان المقصود بالسؤال دولة الموحدين فهي دولة كانت بالمغرب العربي، في القرن السادس الهجري، أسسها محمد بن تومرت الملقب بالمهدي والمتوفى سنة أربع وعشرين وخمسمائة من الهجرة، ولمعرفة المزيد عن أخبار هذه الدولة تمكن مراجعة كتب التاريخ، ومنها مقدمة ابن خلدون وكتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1424(1/50)
أنواع التوحيد علمت باستقراء نصوص الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام:
- توحيد ألوهية.
- توحيد ربوبية.
- توحيد أسماء وصفات.
ولكن البعض يشنع على هذا التقسم ويقولون إنه مثل تقسيم النصارى إلى ثلاثة أقسام!! حتى أن أحد أهل الضلال ألف كتاب سماه (التنديد لمن عدد التوحيد) فما هو الرد المناسب عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يشنع على من يقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام ويعده كتثليث النصارى يعتبر من أجهل الناس وأضلهم عن سواء السبيل، وذلك لأن هذا التقسيم علم بالتتبع والاستقراء لنصوص الكتاب والسنة، وهو بيان وإيضاح لمعنى توحيد الله الذي هو إفراد لله تعالى بما يختص به، وما يجب له من حقوق، لا تقسيم للذات الإلهية، كما تقول النصارى: إن الله ثالث ثلاثة، والثلاثة واحد وهو ما تنكره بَدَائِهُ العقول، إذ كيف تكون الذات الواحدة ثلاثة، والثلاثة واحدة، ولا يسوي بين تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أنواع، وتثليث النصارى، إلا جاهل زائغ.
ومن العلماء من قسم التوحيد إلى قسمين فقط وهما:
- توحيد الربوية، ويسمى: توحيد المعرفة والإثبات.
- وتوحيد الألوهية، ويسمى: توحيد الطلب والقصد.
قال ابن أبي العز الحنفي في شرحه على العقيدية الطحاوية: ثم التوحيد الذي دعت إليه رسل الله، ونزلت به كتبه نوعان:
1/ توحيد في الإثبات والمعرفة.
2/ وتوحيد في الطلب والقصد.
فالأول هو: إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه ليس كمثله شيء في ذلك كله، كما أخبر عن نفسه، وكما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أفصح القرآن عن هذا كل الإفصاح، كما في أول (الحديد، وطه، وآخر الحشر، وأول آلم تنزيل السجدة، وأول آل عمران، وسورة الإخلاص بكاملها) وغير ذلك.
والثاني: وهو توحيد الطلب والقصد، مثل ما تضمنته سورة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) ، وأول تنزيل الكتاب وآخرها، وأول سورة يونس وأوسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام.
وهؤلاء أدخلوا توحيد الأسماء والصفات ضمن توحيد الربوبية، والذين أفردوه إنما أفردوه لأهميته وكثرة من ضل فيه من الطوائف المنحرفة كالمعتزلة والأشاعرة والمفوضة وغيرهم، كما أفرد بعض العلماء توحيد الحاكمية في هذا العصر، وهو جزء من توحيد الربوبية لأهميته وكثرة من نازع الله فيه في هذا العصر، كأصحاب المجالس التشريعية، وأرباب القوانين الوضعية، وأدلة هذه الأقسام كثيرة.
فدليل توحيد الربوبية والأولوهية قد سبق في كلام ابن أبي العز رحمه الله، ودليل توحيد الأسماء والصفات قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11] .
ودليل توحيد الحاكمية قوله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) .
وقد سبق تفصيله في الفتوى رقم: 6572، وكل هذه الأقسام -كما رأيت- بينها تداخل وتلازم، فتوحيد الربوبية يدخل تحته توحيد الأسماء والصفات وتوحيد الحاكمية، وتوحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية، كما قال ابن أبي العز: وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس، فمن لا يقدر على أن يخلق يكون عاجزاً، والعاجز لا يصلح أن يكون إلهاً، قال تعالى: (أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [الأعراف:191] ، وقوله تعالى: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [النحل:17] .
وتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، قال ابن أبي العز رحمه الله: ومن ذلك أنه -الله- يقرر توحيد الربوبية، ويبين أنه لا خالق إلا الله، وأن ذلك مستلزم أن لا يعبد إلا الله، فيجعل الأول - توحيد الربوبية- دليلاً على الثاني - توحيد الإلوهية - إذ يسلمون الأول وينازعون في الثاني، فيبين لهم سبحانه أنكم إذا كنتم تعلمون أنه لا خالق إلا الله، وأنه هو الذي يأتي العباد بما ينفعهم، ويدفع عنهم ما يضرهم لا شريك له في ذلك، فلم تعبدون غيره، وتجعلون معه آلهة أخرى، كقوله تعالى: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل:59-60] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1423(1/51)
قول سهل التستري في وصف أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا محلقة بأحد مساجد الجزائر العاصمة، ولقد رغبت في إلقاء دروس مكثفة مركزة، أقرر فيها عقيدة السلف الصالح، خاصة ما يتعلق منها بمسائل وجوب لزوم الجماعة ومحبة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وعدم جواز الخروج على الحاكم. وقد وقع اختياري على كلام الإمام سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى، الذي أورده الإمام اللالكائي رحمه الله تعالى في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، وهذا لوجازتها. فهل هذا الاختيار صائب؟ أرشدوني جزاكم الله خيرا وبارك فيكم وفي موقعكم، ونفع به وبكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يعينك على تعلم العلم وتعليمه، ونشر اعتقاد السلف في الناس.
وأما ما ذكره اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة عن اعتقاد سهل بن عبد الله التستري ـ رحمه الله ـ فهو كلام متين، ولفظه أنه قيل له: متى يعلم الرجل أنه على السنة والجماعة؟ قال: إذا عرف من نفسه عشر خصال: لا يترك الجماعة، ولا يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخرج على هذه الأمة بالسيف، ولا يكذب بالقدر، ولا يشك في الإيمان، ولا يماري في الدين، ولا يترك الصلاة على من يموت من أهل القبلة بالذنب، ولا يترك المسح على الخفين، ولا يترك الجماعة خلف كل وال جار أو عدل. اهـ.
فإفراد كل جملة من هذه العشر بدرس مستقل وإيضاحها بتركيز سيفيد أهل الحلقة وينفعهم بإذن الله.
ثم هذه المسائل الثلاثة المذكورة في السؤال من المسائل المهمة والتي يترتب على الخطأ فيها انحرافات شديدة، أما المسألة الأولى فقد سبق التنبيه على معنى لزوم الجماعة ونبذ الفرقة، في الفتويين: 7938، 43417.
وكذلك مسألة الخروج على الحاكم، سبق أن ذكرنا أن مذهب أهل السنة والجماعة عدم جواز الخروج عليه إلا إذا بدا منه كفر بواح، وحتى في هذه الحالة فإن جواز هذا الخروج يدور مع المصلحة وجودا وعدما، وذلك في الفتوى رقم: 29130.
وأما مسألة محبة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فالأفضل أن تعمم لكي تتناول مكانتهم واعتقاد أهل السنة فيهم، ويمكن الاستفادة من كتاب الصحابة ومكانتهم عند المسلمين وهي رسالة الماجستير للدكتور محمود عيدان الدليمي. وكتاب عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام للشيخ ناصر بن علي عائض حسن الشيخ. وكلاهما متوفر على موقع المكتبة الشاملة. كما يمكن الاستفادة من عنوان: القدح والطعن في الصحابة في الفهرس الموضوعي للفتاوى.
وقد سبق أن ذكرنا بعض الكتب الهامة لدراسة مسائل العقيدة عموما في الفتوى رقم: 4412. كما سبق أن ذكرنا بعض أصول الإسلام المتفق عليها بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأئمة الإسلام، في الفتوى رقم: 39214.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1430(1/52)
الفرقة الناجية كما نعتها النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[يقولون إن الإسلام 72 شعبة، واحدة صواب، والباقي في النار؟ على أي أساس قالوا إن واحدة صواب فقط ومن هي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأساس هذا الافتراق، قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة. رواه ابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
ولم يُرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الافتراق المذموم: المختلفين في فروع الفقه من أبواب الحلال والحرام، وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد، وفي تقدير الخير والشر، وفي شروط النبوة والرسالة، وفي موالاة الصحابة، وما جرى مجرى هذه الأبواب، كما سبق بيانه مع ذكر بعض الروايات الأخرى للحديث، وذكر معناها، في الفتويين رقم: 12682، 52059.
وكذلك سبق بيان أن هذا الحديث يتضمن الإخبار عما سيكون، لا أنه يكرس ويؤصل لهذه الفرقة، وذلك في الفتوى رقم: 20042.
وسبق أيضا بيان أن شرع الله واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، والكلام عن المذاهب وحكمها وكيف تكونت، وأسباب الخلاف، في الفتويين رقم: 40050، 13146. ويرجى لمزيد الفائدة مراجعة الفتويين رقم: 10945، 10157.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1430(1/53)
ماهية العقيدة التي تنجي العبد يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي شك حول العقيدة من حيث أنني لا أعرف ما هي الفرقة الناجية. فمرة أشعري، ومرة سلفي، ومرة معتزلي، وأخاف أن أموت على هذه الحالة، وأنا متمسك الآن بعقيدة السلف. ولكن سؤالي هو:
هل يجوز أن أدعو الله إن كانت عقيدته هي عقيدة السلف أن يهديني إليها وإن كان غيرها فليهديني إليها حتى لو كانت عقيدة الشيعة، فهل عند دعائي بذلك أكون كافرا أو مخالفا للعقيدة، وبصراحة أنا لا أستطيع التركيز فأقرأ ردود السلف على الأشاعرة والعكس، وأنا طالب جامعي في قسم اللغات فأرجو إرشادي؟
ولقد قرأت للإمام محمد بن عبد الوهاب بأنه من كان في شك من أمره فليدع الله أن يهديه إلى الحق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجبُ على كل مسلم أن يعتقدَ أنه لا ينجيه غداً بين يدي الله إلا أن يعتقد العقيدة التي كان عليها الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان، وأئمة الهدى من بعدهم، وهي العقيدة الصافية النقية المتلقاةُ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وهي التي ربى النبي صلى الله عليه وسلم عليها الصحابة وعلمهم إياها، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن تشعب الأمة وافتراقها، ووضح سبيل النجاة توضيحاً لا يلتبس معه الحق بالباطل، فقال صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وقد شرط الله عز وجل في إيمان من يجيءُ بعد الصحابة أن يكون مماثلاً لإيمانهم، لكي يكون مهتدياً، قال عز وجل: فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ {البقرة:137} .
وشك المسلم في هذه القاعدة الكبرى والركيزة الأساسية من ركائز الدين يُعد خللاً في إيمانه وضعفاً في عقيدته، فالواجبُ عليك -أيها الأخُ الفاضل- أن تلزم الحق وتثبت عليه، وأن تنظر إلى ما كان عليه السابقون الأولون من الهدى والاعتقاد فتلزمه، وأن تقطع وتجزم أنكَ لا تنجو إلا بهذا، قال عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة:100} .
وعليكَ أيضاً أن تقطع وتجزم ببطلان كل من خالف هذا المنهج الواضح، وأن عقائد أهل الكلام والفلسفة فضلاً عن من هم أشد منهم بدعة ليسَ فيها من الحق إلا ما وافقوا فيه الكتاب والسنة، وعليكَ إن كنت في شكٍ من أمرك وحيرة أن تخلص قصدك ونيتك لله، واجتهد في سؤاله الهداية إلى سواء السبيل، وهذا الدعاء الذي ذكرته ليسَ كفراً، وليس فيه مخالفة إلا من حيثُ شكك في كون عقيدة السلف هي الواجب اعتقادها، وخيرٌ من هذا الدعاء الذي ذكرته ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: اللهم اهدني وسددني. أخرجه مسلم.
وتدعو كذلك بالمأثور عن أبي بكرٍ رضي الله عنه: اللهم أرني الحق حقاً وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه، ولا تجعله مُلتبساً علي فأضل.
وأنت في كل ركعةٍ من ركعات صلاتك تدعو قائلا: اهدنا الصراط المستقيم، فلو صدقت في هذه الدعوة، وأخلصت لربك عز وجل فإن الله عز وجل لا يخيبك ولا يحولُ بينك وبين الهداية.
واحذر أشد الحذر من وساوس الشيطان ومكايده، فإنه لا يريده للإنسان الخير مطلقا، وما ذكرته هو من وساوسه الخبيثة.
ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54581، 5608، 64890، 77988.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1430(1/54)
السلفية من حيث المفهوم والتطبيق
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أؤمن بالفكر السلفي كجماعة تلزم أتباعها بمحاربة البدع والفتوى بدون علم طالما هو يتبع الجماعة فكل ما يقوله صحيح وما يقوله غيره خطأ وبدعي والتشكيك في كل العلماء الذين لا ينتمون للفكر كالقرضاوي والغزالي والشعراوي وحتى السلفيين مثل سفر الحوالي والعودة. وما يقوله الألباني لا يصل إلي قلبي ,أحفظ القرآن كاملاً بحمد الله , حفظته لأبنائي ,أقوم بتنفيذ كل الأحاديث التي أرى أنها ملزمة من غير طريق الألباني فهل في إيماني شك كما يدعي أحد أبنائي وهو سلفي ويقول إن صلاتي غير صحيحة لأني أقف في الصلاة وقدماي علي شكل 7 وليس علي شكل 11 كما يقف هو ولا أحب أن ألتصق مع المصلين وأحرك أصابعي في كل مرة للتأكد من صحة وقوفي وأن هذا الأمر يزعجني كثيرا ويشتت تركيزي ويفقدني الخشوع مع أني أقف مجاورا للذي يليني بمقدار 1مم ولا أتحرك بعد ذلك وإن كانت هنالك فجوة؟ فهل هنالك شك في إيماني وفي صلاتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأعلم أن خير الأمور الوسط، فلا إفراط ولا تفريط، بل ينبغي الإنصاف وتحري الحق أينما كان فإن على الحق نورا.
وأعلم أن السلفية منهج يقوم على الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، وهذا نهج لا نظن أنك تخالفه أو لا ترتضيه لأنه النهج الذي ينبغي أن يكون عليه كل مسلم.
وما ذكرته هنا لا يتعلق بالسلفية وإنما هو عبارة عن مواقف لبعض ممن ينتمي إلى السلفية، ومن المعلوم أن الناس يخطئون أو يصيبون، فالفتوى بغير علم والنيل من العلماء أمر مذموم من أي شخص حصل بغض النظر عن انتمائه، وأما محاربة البدع فهي أمر مطلوب شرعا، روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
وما يفعله بعض الشباب من الكلام عن بعض العلماء والتشهير بهم أمر منكر ولا يجوز، فهؤلاء العلماء لهم قدم صدق وقدموا الكثير من أجل الإسلام، وليسوا بمعصومين، ومن أراد أن يبين خطأ حدث من أحدهم فليتزم الأدب، فلحوم العلماء مسمومة كما سبق ونبهنا في عديد من الفتاوى فراجع منها الفتويين رقم: 11967، 33943.
ونرجو أن تنتبه إلى أنك من جهة أخرى وقعت في نفس الخطأ الذي وقع فيه بعض هؤلاء الشباب، ونخشى أن يكون هذا من التعامل بردود الأفعال، فالشيخ الألباني عالم من علماء المسلمين وله باع عظيم في علم الحديث شهد له بذلك معاصروه، وأنت لست ملزما بالأخذ بتصحيح الألباني للأحاديث أو تضعيفها ولا يترتب على ذلك شك في إيمانك، ولكن لا تنتقص من قدره بل ينبغي أن تعرف له فضله.
وراجع الفتوى رقم: 30623.
وأما مبطلات الصلاة فقد بينها الفقهاء، وما ذكرت من أمر صفة الوقوف للصلاة لا علاقة له بما يبطل الصلاة.
وقد سبق أن بينا أنه يستحب أن يستقبل المسلم بقدميه القبلة عند الصلاة وليس ذلك بواجب، وراجع الفتوى رقم: 78835.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1430(1/55)
على طلبة العلم مراعاة أدب الخلاف وترك التنابز بالألقاب
[السُّؤَالُ]
ـ[وبعد تحيتي لكم أقدم لكم استفساري هذا والمتعلق بخلافات بين شباب أعرفهم جميعا في قضية الحكم بغير ما أنزل الله، وتكمن المشكلة في أن هؤلاء يحذرون من هؤلاء ويرمونهم بكلمة ما كنت أحب ذكرها ولكن للتوضيح (سرورية) ويرمونهم بالبدعية والضلال، والقسم الآخر يتحدث عن هؤلاء وكونهم مرجئة هذا الزمان وغيرها مما أحزن والله من سماعه من كلا الطرفين.
عموماً سؤالي ليس تحديدا عن القول في هذه المسألة بقدر ما هو تساؤل عن التعامل الواجب مع أحد الفريقين إذا كنت أقول بقول الآخر، وبصورةٍ أوضح هل تبدع هذه المسألة طرفا دون طرف بحيث تمنع الجلوس معه والسماع لقوله وعلمه وهجرانه، أم أنها من المسائل التي يسعنا فيها الخلاف مع الآخر ومن جملة الخلاف المعتبر الذي لا يفسق ولا يبدع صاحبه خاصة وهو يأتي بالدليل وأقوال العلماء، علما أنني بحمد الله ما حاولت قط جعل هذه القضية مدعاة للفرقة والهجر بيني وبين أي من الطرفين، بل أرى الإثنين أصحاب خير وعلم وعقيدة صحيحة ودعوةٍ لصحيح منهج الإسلام، آسف لإطالة السؤال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى أن الشرع قد أمر بالوحدة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، وقد ثبتت بهذا الأصل كثير من نصوص الكتاب والسنة، قال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ {آل عمران: 103} . وقال سبحانه: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {آل عمران: 105} .
وروى أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة. وزاد الترمذي في روايته: لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذاكم لكم أفشوا السلام بينكم.
ومن المعلوم أن الله تعالى قد أمر بالرجوع إلى الكتاب والسنة عند ورود الاختلاف فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {النساء: 59} . وقال: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {الشورى: 10} .
فعلى هذا، فلا يليق بهؤلاء الإخوة أن يصل بهم الخلاف إلى هذا الحد من التفرق والتنابز بمثل هذه الألقاب، وكتاب الله بين أيديهم، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودة بينهم، فليتحاكموا إليهما وليتحاوروا في مثل هذه المسألة بكل تجرد ودون هوى أو عصبية، وهذه المسألة قد بحثت في كتب أهل العلم منذ قديم الزمان.
وينبغي لهؤلاء الشباب أن يراعوا فيما بينهم أدب الخلاف وحسن الأسلوب في التحاور، وأما أن يسارع الدعاة إلى أن يكفر بعضهم بعضا أو يفسق بعضهم بعضا أو يبدع بعضهم بعضا، فليس هذا من شأن أهل السنة والجماعة، بل من طريقة أهل البدعة والفرقة. فهذا مما قد يشغل عن الهدف الأسمى وهو الدعوة إلى الله تعالى وتعليم الأمة أمر دينها والتصدي لعدوها المشترك. ...
والله أعلم. ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1429(1/56)
واجب من ينبذ المعتقد الفاسد ويسلك في المعتقد الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في الموقع الكرام أنا أحد المسلمين على مذهب مخالف للسنة وأريد أن أطرح عليكم بعض أفكاري الجديدة وما اكتشفته وما قررته. أنا ومنذ صغري ترعرعت في هذا المذهب وفي مرور الزمن اكتشفت أن المذهب السني هو خير أو أحق من مذهبي ولقد درست الموضوع وقرأت بعض كتب إخواني السنة، جزاهم الله خيرا ولقد قررت أن أتحول إلى المذهب السني فما المطلوب مني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرجوع إلى الحق والتوبة إلى الله تعالى من المعتقد الفاسد واجب شرعي، وعلى المسلم أن يحرص على معرفة الحق بدليله والتمسك به، ومن أعظم ما يساعده على ذلك مخالطة أهل العلم والدراسة عليهم وسؤالهم عما أشكل وعما لم يتضح له دليلا، وصحبة أهل الخير والاستقامة، إضافة إلى كثرة سؤال الله الهدى فيما اختلف فيه.
وراجع الفتوى رقم: 70032. للاطلاع على ما يعين على الالتزام بالمنهج النبوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1429(1/57)
الإخوان المسلمون من أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب نشأت في كنف الإخوان المسلمين وتربيت في وسطهم وأعجبت كثيراً بالمنهج الإخواني إلا أنه هناك بعض الأمور التي أراها بعيني وقلبيا لا أقبلها مثل قضية اللحية، وسؤالي هو: هل الإخوان المسلمون من أهل السنة والجماعة ومن أهل السلف الصالح أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جماعة الإخوان المسلمين داخلة تحت مظلة جماعات أهل السنة والجماعة، ووجود بعض الأخطاء في الممارسة والتطبيق من بعض أفرادها لا يخرجها عن مظلة أهل السنة، كما أنه لا ينبغي أن يكون الاختلاف فيما يسوغ فيه الاختلاف بين الجماعات الإسلامية المنضوية تحت مظلة أهل السنة - لا ينبغي أن يكون ذلك سبباً لوجود الفرقة والبغضاء، بل ينبغي أن تسود بينها المحبة والتعاون على الخير والتناصح والحوار بالحسنى في أمور الخلاف. وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 10157.
وأما بالنسبة لحلق اللحية فهو محرم على الراجح من أقوال العلماء، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 2711، وهذا فيما يتعلق بحلقها بالكلية، وأما تخفيفها وأخذ ما زاد على القبضة منها فقد رخص فيه بعض العلماء، كما هو مبين في الفتوى رقم: 3851.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1429(1/58)
عقيدة أهل السنة والجماعة في الحكم على الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي قبل أسبوع ابن عمي غرقا في البحر علما أنه قبل دخوله البحر حذره أصدقاؤه، فقال توكلت على الله، أمه راضية عنه فهو كان مطيعا لأمه لم يكن يصلي إلا أنه قبل وفاته نوى أن يصلي
قال الشيوخ الذين غسلوه إن وجهه أبيض وقد كان رافعا السبابة.
سؤالي هل هو شهيد لأنه مات غرقا؟ وهل هو من أهل الجنة إن شاء الله؟ وهل هو يتعذب في القبر؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلن يستطيع أحد أن يخبرك هل ابن عمك من أهل الجنة أم لا، وهل هو يعذب الآن أم لا، لأن هذا من علم الغيب، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم لا يشهدون لمعين بجنة ولا بنار إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يرجون للمحسنين ويخافون على المسيئين، وإن من أعظم الإساءة وأكبر المصائب ترك الصلاة، بل ذهب كثير من أهل العلم إلى أن تركها كفر مخرج من الملة، ومنهم من ذهب إلى أنه ليس بكافر، ومن مات غرقا من المسلمين فإنه شهيد كما ورد بذلك الحديث الصحيح، ويرجى أن يكون هذا الميت كذلك، وانظر الفتوى رقم: 100560، والفتوى رقم: 18137، والفتوى رقم: 6061.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1429(1/59)
ماهية الفرقة المنهي عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] ، ف ما هي الفرقة وما السبب في ذلك وما هي عواقبه ونتائجه؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الفرقة المنهي عنها هي أن تكون الأمة شيعاً وفرقاً، ويكفر بعضها بعضاً، ويضلل بعضها بعضاً في الدين، ولذلك قال الله تعالى: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ {الشورى:13} ، وقال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ {آل عمران:103} ، وقال تعالى: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ {آل عمران:105} ، فنهى الله عن التفرق في الدين وأمر بالاعتصام بحبله، ونبههم إلى أن التفرق بعد وضوح البينات الآمرة بالجماعة الداعية إلى الألفة هو شأن الأمم الهالكة التي حل عليهم سخط الله ولحقهم عقابه، وسبب ذلك الهوى واتباع شهوات الشيطان والإعراض عن الدين: فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء {المائدة:14} .
ولا يدخل في هذا الخلاف الفقهي في مسائل الفقه في الجملة، وإن كان قد يفضي إلى التنازع؛ إلا أن التكفير والتفسيق والتبديع والتضليل لا يقع بين الفقهاء بسبب اختلافهم في هذه الفروع.
وأما ما ينتج عن هذا فهو سخط الله على أهل الضلال المفرقين للأمة، وينتج عن هذا تسليطه أعداءهم عليهم وعدم التمكين لهم وذهاب شأنهم ودولتهم: وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ {الأنفال:46} ، ونسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 63306.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1429(1/60)
الانتساب لمدرسة الظاهرية لا يخرج عن مسمى السلفية
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أستفسر عن جواب لسؤالي هذا: ما هي الفروق بين السلفية والظاهرية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسلفية منهج متكامل لفهم الدين على طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن اتبعهم بإحسان، وقد سبق الكلام عنها في عدة فتاوى نحيلك منها على الفتوى رقم: 60400، والفتوى رقم: 39218.
وأما الظاهرية فمدرسة فقهية تستمد فقهها من الأصول العامة التي ينبني عليها الفقه الإسلامي وهي الكتاب والسنة والإجماع، ولكنهم أفرطوا في التمسك بالظاهر ونفي القياس، ولذا لقبوا بالظاهرية، وانظر لذلك الفتوى رقم: 58853.
ومن هنا فإن الانتساب إلى هذه المدرسة لا يخرج المرء عن مسمى السلفية وأنه على سبيل نجاة ما لم ينحرف عن معتقد أهل السنة والجماعة وينتمي إلى مناهج الفرق الضالة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1429(1/61)
دفاع عن ابن كثير وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم من يقول الأشاعرة والماتريدية هم أهل السنة والجماعة وأن السلفية والوهابية دعاة تجسيم
وما رأيكم عن هذه الرواية عن سيدنا علي يقول يرجع من هذه الأمة عند اقتراب الساعة كفار (ينكرون خالقهم فيصفونه بالجسم والأعضاء) رواه ابن المعلم القرشي في كتاب نجم المهتدي ورجم المعتدي (واني وضعة نصف الرواية)
وهل ابن تيمية تاب ورجع إلى مذهب الأشعرية
وهل ابن كثير كان أشعريا فان كان جوابكم لا فلماذا لم يفسر على تفسير السلفية عند صور يوم يكشف عن ساق
وأرجو منكم الرد على هذه الأسئلة لأنه بعض الأشخاص يطعنون بالشيوخ بأنه دعاة التجسيم وهل أحد من الصحابة كان يؤول الآيات القرآنية أو أحد من الأمة مثل احمد بن حنبل والشافعي
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأهل السنة والجماعة هم كل من اتبع سنة محمد صلى الله عليه وسلم واجتمع على الحق، وهم صحابة رسول الله ومن اقتفى أثرهم، وهم الذين يصفون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالمحامد، وبالأسماء الحسنى وبالصفات العلى، ويثبتون له ما أثبته لنفسه، وهم - دون غيرهم - الطائفة المنصورة والفرقة الناجية.
قال في معارج القبول في وصفهم (وهو كلام مستفاد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية) :
فهم الوسط في فرق هذه الأمة كما أن هذه الأمة هي الوسط في الأمم، فهم وسط في باب صفات الله تعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة وهم وسط في باب أفعال الله تعالى بين الجبرية والقدرية وفي وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج، فهم والله أهل السنة والجماعة وهم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة الذين لم تزل قلوبهم على الحق متفقة مؤتلفة وأقوالهم وأعمالهم وعقائدهم على الوحي لا مفترقة ولا مختلفة فانتدبوا لنصرة الدين دعوة وجهادا وقاوموا أعداءه جماعات وفرادى ولم يخشوا في الله لومة لائم ولم يبالوا بعداوة من عادى فقهروا البدع المضلة وشردوا بأهلها واجتثوا شجرة الإلحاد بمعاول السنة من أصلها فبهتوهم بالبراهين القطعية في المحافل العديدة وصنفوا في رد شبههم ودفع باطلهم وإدحاض حججهم الكتب المفيدة فمنهم المتقصي للرد على الطوائف بأسرها ومنهم المخلص لعقائد السلف الصالح من غيرها.
ولم تنجم بدعة من المضلين الملحدين إلا ويقيض الله لها جيشا من عباده المخلصين فحفظ الله بهم دينه على العباد وأخرجهم بهم من ظلمات الزيغ والضلالة إلى نور الهدى والرشاد وذلك مصداق وعد الله عز وجل بحفظه الذكر الذي أنزله؛ كما قال تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. اهـ
وأما القول بان أهل السنة هم الأشاعرة والماتريدية فقول بعيد عن الحق، والإنصاف يقتضي القول بأنهم أقرب أهل المقالات إلى السنة، وهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه السنة، وليسوا منهم فيما خالفوها، وقد سبق في الفتوى رقم: 38987، أن هاتين الفرقتين تخالفان منهج أهل السنة في مسائل عديدة؛ فراجعها.
وأما القول بأن السلفية والوهابية دعاة تجسيم فكذلك لا يصح وهذا من تشنيع أهل البدعة عليهم، والمعروف عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه أنهم دعاة إلى التوحيد الذي كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من أئمة الإسلام على ذلك.
والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- قد شهد له العلماء المنصفون بالعلم والاستقامة والصلاح، وهو من المصلحين المجددين لما اندرس من معالم التوحيد في زمنه رحمه الله، فهو بريء من التشبيه والتجسيم، وهذه كتبه ومؤلفاته في متناول الباحث، فليوقفنا على جملة واحدة منها تدعو إلى ذلك أو تقره وترضى به، وانظر في التعريف بالشيخ محمد بن عبد الوهاب وذكر ثناء العلماء عليه الفتوى رقم: 5408، والفتوى رقم: 7070.
وننبه السائل هنا إلى أن الشيخ وأتباعه لم يختاروا ولم يسموا أنفسهم بهذا اللقب، وإنما أسماهم به مخالفهم ممن أراد التشنيع عليهم وإلا فهم لم يدعوا إلا لمذهب السلف.
كما ننبه إلى أن السلفية لا تعني طائفة بعينها من المسلمين أو حزبا يدعي ذلك بل كل من اتبع منهج السلف الصالح فهو سلفي.
وأما ما ذكرت عن علي رضي الله عنه فلا يعرف في شيء من كتب السنة كما لا يعلم راو بهذا الاسم المذكور ولا كتاب بهذا الاسم، فالظاهر أنه من تلفيق أهل البدع وافترائهم.
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية فهو إمام فذ من أئمة أهل السنة، وهو من أعظم من بين مذهبهم ونافح عنه وانتصر له من علماء عصره ومن جاء بعدهم، وممن بين حيدة منهج الأشاعرة عن منهج أهل السنة فيما خالفوا الحق فيه، ومؤلفاته شاهدة بذلك فكيف يقال بأنه رجع إلى مذهب الأشاعرة ثم كيف تسمى تلك توبة؟ ومن ادعى شيئا من ذلك فليأت عليه ببينة.
وأما ابن كثير فهو من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية ومن أعلام أئمة السلف وما ورد عنه في تفسير الآية المذكورة ليس خروجا عن منهج السلف بل هو التزام به حيث إنه أورد في تفسير تلك الآية ما جاء عن النبي ثم أورد ما جاء عن السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وهذا نص كلامه قال رحمه الله:
لما ذكر تعالى أن للمتقين عنده جنات النعيم، بين متى ذلك كائن وواقع، فقال: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ يعني: يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء والامتحان والأمور العظام. وقد قال البخاري هاهنا: حدثنا آدم، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يَكشِفُ رَبّنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طَبَقًا واحدًا". وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما من طرق وله ألفاظ، وهو حديث طويل مشهور.
وقد قال عبد الله بن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ قال: عن أمر عظيم، كقول الشاعر: وقامت الحرب بنا عن ساق. وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ قال: شدة الأمر. اهـ
وما توهمه البعض من كون الشيخ ابن كثير قد أول هنا صفة الساق فهو غير صحيح إذ الساق في الآية ليست مضافة إلى الله تعالى كما هي في الحديث، فكان خلاصة ما ذكره أن الساق هنا إما أن يراد بها صفة من صفات الله عز وجل، وإما أن يراد بها غير ذلك كما ذكره عن ابن عباس وغيره، وليس في كون المراد بها في الآية غير الصفة ما يفيد أنه يؤول صفة الساق الثابتة لله عز وجل، ومما يبطل هذا الوهم انه أورد حديثا دالا على ثبوتها، ثم إن من أراد الإنصاف في الحكم فإنه لا يأخذ موضعا اشتبه عليه فيه كلام المحكوم عليه ويهمل غيره؛ بل الواجب جمع كلامه بعضه إلى بعض، وبالرجوع إلى تفسير ابن كثير في سائر كلامه عن صفات الله عز وجل يعلم يقينا أنه يلتزم منهج أهل السنة والجماعة.
وهكذا لم يكن أحد من أئمة أهل السنة كالإمام أحمد أو الشافعي أو غيرهما يؤولون الصفات فضلا عن غيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1429(1/62)
أهل السنة والجماعة هل يدخل فيهم أتباع المذاهب الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينطبق حديث الفرقة الناجية على أهل السنة والجماعة ككل بما فيهم جميع مذاهيهم (من شافعية وسلفية وغيرهم) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفرقة الناجية يدخل فيها جميع أهل السنة والجماعة مهما كانت مذاهبهم الفقهية، فيدخل فيها المتمسكون بما كان عليه الرسول وصحبه من أتباع المذاهب الأربعة، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 22612، 39465، 56777.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1429(1/63)
المنهج الذي سار عليه سلف الأمة يتعين اعتباره واتباعه
[السُّؤَالُ]
ـ[يتهم خطيبي السلفيين بالتشدد على الرغم من أن منهجي سلفي، فتراه إذا ما سئل عن السلفيين يقول بتشددهم فوراً ولا يبالي وقد يتهمهم بما ليس فيهم بسبب وجود بعض الناس الذين يدعون أنهم سلفيون فيفعلون ما لا يليق بالدين ... أريد أن أعرف ما حكم قوله بخصوص التدخين والسلفيين وما حكم اتباعه للفتاوى التي تأتي على هواه، وترك ما لا يأتي على هواه فهو لا شيخ محدد له وإنما يتبع الفتوى التي تلائمه، وكيف أواجهه وأقنعه بحرمانية ما يفعل، وأيضاً هل من الممكن تعريف الحرام وما حكم تحليل الحرام وكذلك ما حكم ممارسة الحرام، مع العلم بأنه حرام وهل هذا يخرج من الملة وما عقوبته الدنيوية والأخروية إن وجد؟ وجزاكم الله خيراً.. وبارك فيكم وعذراً على الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على المسلم أن يحرص على اتباع ما رجح دليله عند الخلاف ولا يكون إمعة يمشي مع كل ناعق، ولا يتبع الرخص والظنون وأهواء النفوس، ولا يجوز للمسلم أن يفعل ما علم حرمته بالدليل مقلداً لقول لا دليل عليه، وأولى الناس بالاتباع والاقتداء به هم الصحابة ومن تابعهم بإحسان من سلف هذه الأمة، فقد قال الله تعالى: فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ {البقرة:137} ، وقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة:100} ، فمن سار على منهج السلف الأول يتعين تقديره واحترامه ولا يسوغ أن يتنقص بسبب ما قد يحصل من بعض الناس من أخطاء، كما أنه لا يسوغ أن يعتقد في أي من الناس المعاصرين أن كل أفعاله صواب مهما كان، فالبشر عرضة للخطأ، ولكن المنهج الذي سار عليه سلف الأمة يتعين اعتباره واتباعه.
وأما تحليل الحرام فهو محرم لأن التحريم والتحليل من حق الله تعالى، ولا يجوز لأحد أن يحلل ولا أن يحرم دون استناد للشرع، وأما تعريف المحرم فهو ما نهى الشارع عنه نهياً جازماً، ومقترف الحرام لا يخرج بارتكابه له من الملة، وطالعي كتب الترغيب والترهيب للاطلاع على عقوبته، وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31871، 70032، 77988، 20725، 94905، 58470، 44633، 34460، 73902، 74992.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1429(1/64)
أهل السنة والجماعة وحكم تلقي العلم من الأشرطة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين حبيبنا وأسوتنا الحسنة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أما بعد:
فإن الفرقة الناجية بإذن الحي القيوم هي المتبعة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والمحافظة على الجماعة ... المهم فنشكر الله ونحمده على أن هدانا لمعرفة الحق ولكن من المشايخ الذين تلقيت منهم العلم من موقعكم -ونشكر في ذلك القائمين عليها- أنهم يقومون بمحاضرات يومية وذلك مما يحافظ على الجماعة، ولكن لا يتوفر ذلك في بلدي وكذلك مشايخ أتلقى منهم العلم، ونحن (أنا) والحمد لله نستمع يوميا لمحاضرات متسلسلة لمواكبة العلم كتفسير القرآن الكريم وغير ذلك وبالتالي نشعر كأننا نعيش مع الجماعة وللأسف لا نجد في بلادنا شيئا من ذلك.... فهل إذا تلقيت العلم عن طريق الأشرطة هل ذلك مناف للجماعة، ونرجو منكم أن توضحوا لنا معنى الجماعة التي وردت في الحديث بالتفصيل؟ وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
أهل السنة والجماعة هم المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأفضل للمسلم أخذ العلم من شيخ وإن تعذر عليه ذلك جاز أخذه من شريط.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أهل السنة والجماعة إنما تعني المتمسكين بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قولا وعملا وسلوكا والمجتمعين على ذلك ... وإذا تقرر ذلك عرفت أنك إذا تلقيت العلم الصحيح المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطبقت ذلك في حياتك اليومية وفي سلوكك، ودعوت إليه إخوتك وجيرانك وأهل المجتمع الذي تعيش فيه، وتعاونتم على ذلك كنتم من أهل السنة والجماعة.
وليس من شك في أن أخذ العلم من أفواه العلماء أولى من أخذه من الأشرطة ونحوها، وإذا تعذر أخذه مباشرة من العلماء فإنه يتعين أخذه عن طريق الأشرطة أو بأية واسطة أخرى، مع التوقف عن أي مسألة يشك المرء في فهمها حتى يسأل عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1429(1/65)
المسائل التي خالف فيها الأشاعرة أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المسائل التي يخالف فيها الأشاعرة أهل السنة والجماعة؟ أنا قرأت في كتاب أن الأشاعرة يخالفون أهل السنة والجماعة في ست عشرة مسألة. أرجو منكم الجواب.
جزاكم الله أحسن الجزاء.........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فإن المسائل التي خالف فيها الأشاعرة الكلابيون أهل السنة والجماعة كثيرة يصعب حصرها وتفصيلها في فتوى، وقد ذكرنا بعضها مع مراجع تتكلم عليها بالتفصيل.
فراجع الفتوى رقم: 10400، والفتوى رقم: 5719، والفتوى رقم: 4118، والفتوى رقم: 15695.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(1/66)
ماهية منهج السلفية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى سلفي وإلى ماذا تدعو هذه الجماعة التي تسمي نفسها سلفيين، وما هو الفرق بينهم وسائر المسلمين السنيين، هل اتباعهم يمكن أن يحيد بالمسلم عن كتاب الله والسنة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السلفي في الأصل نسبة إلى السلف، والسلف في الاصطلاح هم من سلفوا من هذه الأمة في القرون الثلاثة الأولى المزكاة الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. رواه البخاري. وأفضل هذه القرون هو قرن الصحابة الكرام الذين زكاهم القرآن، فقد قال الله فيهم: فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ {البقرة:137} ، ثم أصبح هذا الاصطلاح يطلق على من يدعو للتمسك بالإسلام عقيدة وشريعة على منهاج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، فهم جماعة من المسلمين يدعون لتمسك المسلمين بالكتاب والسنة، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية للمزيد من التفصيل في الموضوع: 31293، 60400، 39218، 26056، 31871، 41459، 77988.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1428(1/67)
من عرف الحق عرف أهله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسألكم عن عدد الفرق الحالية والصحيحة منها ومن هي أشرها؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم كثرة الفرق التي تنتمي إلى الإسلام اليوم، ومن الصعب حصر عددها، فإن الفرق الواحدة قد تتفرع منها طوائف، ولا ينبغي للمسلم الاهتمام بأمر عدها، أو معرفة أشرها، بل ينبغي أن يصرف همته إلى معرفة الحق، فمن عرف الحق عرف أهله، فيتبين له بعد ذلك من هو على خلاف الحق من الفرق، كما قد قيل: وبضدها تتميز الأشياء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 7938.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1428(1/68)
مسائل قليلة في العقيدة فيها خلاف بين أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد خلاف بين أهل السنة والجماعة في بعض المسائل العقائدية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ورد عن أهل السنة خلاف في بعض المسائل العقدية وهي قليلة، ومن ذلك خلاف عائشة مع بعض الصحابة كابن عباس في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء.
وراجع للاطلاع على بحث المسألة تحفة الأحوذي وفتح الباري ومعارج القبول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1428(1/69)
مرجعية المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نحن أهل السنة عندنا مراجع تقليد وماذا نقول لمن يسألنا هذا السؤال من الشيعة، وما حكم هؤلاء المراجع فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.. وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مرجعية المسلم هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهما المصدران اللذان أمر الله تعالى بالرجوع إليهما، لأن أصلهما وحي الله تعالى، قال سبحانه: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {النساء:59} ، وقال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ {الشورى:10} ، ولا يستغني المسلم عن أهل العلم، فهم منارات هدى ومصابيح دجى، لا يرجع إليهم من أجل تقليدهم؛ ولكن من أجل أن يستبصر بفهمهم لنصوص الكتاب والسنة فيعرف منهم أحكام الشرع، قال الله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {الأنبياء:7} ، وعلى رأس هؤلاء العلماء الذين يرجع إليهم المسلم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم سادة أهل العلم، أثر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة. أولئك أصحاب محمد، أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. انتهى. ونرجو أن تراجع للمزيد من الفائدة في الموضوع الفتوى رقم: 29646.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1428(1/70)
السلفية لا تتعارض مع التقدم والحضارة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يخوضون في السلفية وأنهم ينظرون إلى الماضي ويمشون عكس التقدم، فكيف يتم الرد عليهم بأسلوب علمي نقلي وعقلي؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في عدة فتاوى أن السلفية معناها الدعوة إلى العمل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفهمهما على ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان في العمل والفهم، وانظر لذلك الفتوى رقم: 77988، والفتوى رقم: 39218.
وهي بهذا المعنى الحق الذي أمر الله تعالى به في كتابه وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تخالف الواقع ولا تتعارض مع التقدم، فالدعوة إلى الالتزام بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما فهمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعارض التقدم العلمي أبداً، والتاريخ يشهد بأن الأمة الإسلامية لما تمسكت بمفهوم السلفية الصحيح صارت هي رائدة التقدم في العالم، وسطعت شمسها على مشارق الأرض ومغاربها، ولما انحرفت عن الصراط المستقيم تغير حالها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1428(1/71)
الدعوة السلفية والعلماء السلفيون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في الدعوة السلفية وما صحة زعمهم أنهم هم الفرقة الناجية وأنهم هم على ما كان عليه رسول الله وأصحابه، وما رأيكم في العلماء السلفيين، الرجاء التفصيل مع الأدلة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعوة السلفية هي الدعوة إلى العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفهمهما على ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان في العمل والفهم، وفي جميع مناحي الحياة سواء كانت في العبادات أو المعاملات، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وغيرها.
والدعوة السلفية بهذا المعنى هي دعوة الحق التي أمر الله بها في كتابه، وأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته. قال الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ {الأعراف: 3} ، وقال تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا {النساء:115} وقال تعالى: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا {البقرة: 137} وقال تعالى مثنيا على المهاجرين والأنصار ومن اتبعهم: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ. {التوبة:100}
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي.. الحديث.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق الأمة إلى بضع وسبعين فرقة، ثم بين أن فرقة واحدة من تلك الفرق هي الناجية، ووصفها بأنها من كان على ما كان عليه هو صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 76858، والفتوى رقم: 61082.
فهذه هي السلفية اتباع الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ومن سلف من الصحابة والتابعين أهل القرون المفضلة.
وقول السائل: ما رأيكم في العلماء السلفيين؟ فجوابه أن كل علماء الأمة المتقدمين منهم والمتأخرين الذين ساروا على طريق الصحابة هم من العلماء السلفيين، فمالك وأحمد والشافعي وأبو حنيفة هم علماء سلفيون اتبعوا سبيل من سلفهم من الصحابة ولم يبتدعوا.
وكذلك العلماء المتأخرون مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وكثير من العلماء المعاصرين كالشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني وأعضاء اللجنة الدائمة الموقرة وغيرهم كثير -وليس مرادنا الحصر- فكل هؤلاء علم منهم الصدق والدعوة إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والدفاع عنهما، ولهم لسان صدق في الأمة ولله الحمد.
وقد سبق لنا أن بينا تراجم لبعض العلماء السلفيين في موقعنا.. فانظر الفتوى رقم: 5408، عن الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب والفتوى رقم: 7022، عن ابن تيمية رحمه الله، والفتوى رقم: 76359، عن الشيخ العثيمين رحمه الله، والفتوى رقم: 64977، عن الشيخ الألباني والفتوى رقم: 11168، عن الشيخ ابن باز رحم الله جميع موتى المسلمين والعلماء الصادقين، وجمعنا بهم في مستقر رحمته من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وأخيرا نحيل السائل إلى الفتوى رقم: 5608، والفتوى رقم: 39218، وفيهما مزيد إيضاح عن السلفية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1427(1/72)
ثوابت الدين لا يجوز فيها الاختلاف
[السُّؤَالُ]
ـ[ازدادت مؤخرا حدة الخلاف بين المسلمين العاملين في الدعوة الإسلامية في قضايا متعلقة بالثوابت فما السبيل لتفادي العداوة المتأججة التي يجب أن توجه توجيهها الصحيح لأعداء الأمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن الشرع قد أمر بالوحدة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، ومن الاختلاف ما هو محمود ومنه ما هو مذموم، وقد سبق أن بينا ضابط كل منهما بالفتوى رقم: 8675، ومن المهم جدا معرفة الفرق بينهما، وذلك لأن بعض مسائل الخلاف بين هذه الجماعات من النوع المحمود، فيعتقد بعض الناس أنها من النوع المذموم، فيعقد عليها الولاء والبراء فيكون سببا في تشتيت شمل الأمة، وتراجع الفتوى رقم: 10157، وثوابت الدين لا يجوز فيها الاختلاف، ولا يجوز لمسلم أن يثير خلافا في مثل هذه المسائل، ومن فعل وجب الإنكار عليه وبيان بطلان ما ذهب إليه لئلا يلتبس الحق بالباطل، ولأن مثل هذا الاختلاف يضعف الأمة ويسلط الأعداء عليها، فالسبيل لتحقيق الوحدة والقضاء على الخلاف هو العودة إلى النبعين الصافيين الكتاب والسنة، وفهمهما على فهم السلف الصالح، وتراجع لمزيد من الفائدة الفتويين: 35219، 49909.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1427(1/73)
الشيخ حسن قارئ ودعوته إلى تحقيق الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في شريط كشف الستار عن مدعي الحوار الذي يرد على الشيخ حسن قارئ لقد تأثر الناس بهذا الشريط وما رأيكم فيما فعله الشيخ حسن قارئ من بتر النصوص وإخفاء منهج سلف الأمة من الأئمة الأعلام
وهل هذه تعد نصيحة منه للشيخ الجفري أمام الملايين من الناس عوامهم وعلمائهم.
وما موقف علماء الأمة من هذين الشريطين حوار هادئ وكشف الستار؟
أرجو الإجابة وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على الشريطين المذكورين, وبذلك لا نستطيع الحكم عليهما, ولكن المعروف عندنا أن الشيخ حسن قارئ رجل من أهل السنة والجماعة وله جهود مهمة في الدعوة إلى الله تعالى والرد على أهل البدع وراجع الجواب رقم: 21290.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1427(1/74)
ضوابط هادية لمعرفة الجماعات السائرة على نهج أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدونا يرحمكم الله في صحة ما طالعتنا به إحد الجماعات في المغرب وحتى لا آخذ الكثير من وقتكم بارك لكم الله فيه أكتفي بنقل الرابط ضمن السؤال
http://www.yassine.net/Default.aspx?article=Lahum_Bushra
جزاكم الله عنا خير الجزاء والله المستعان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس من منهجنا الحكم على الجماعات أو الأشخاص لأن هذا يتطلب منا الوقوف على مناهجهم بالكامل، وهذا غير متوفر لدينا الآن, كما أننا مشغولون بالإجابة على الأسئلة الكثيرة الأخرى، ويمكنك أن تسأل عن هذه الجماعة أهل العلم في بلد هذه الجماعة.
وقد اطلعنا في عجالة على الموقع المحال عليه في السؤال فوجدناه عبارة عن رؤى ومنامات، يحكيها من رآها تأييداً لهذه الجماعة، والأصل في هذا الباب أن الرؤى والمنامات لا ينبني عليها حكم شرعي، مع العلم بأننا لم نتمكن من قراءة ما في هذا الموقع لطوله ولانشغالنا، وسنعطيك بعض الضوابط في هذا الموضوع فنقول:
أولاً: لمعرفة أي الجماعات على الصواب يلزمك أن تعرف أنه من كان من هذه الجماعات متبعاً للكتاب والسنة وفق منهج وفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان فهو على الصواب، وهو أحق بأن يتعاون معه على البر والتقوى، وبناءً عليه يلزمك التعرف على المنهج الصحيح وتعلم العقيدة الصحيحة أولاً، ثم بعد ذلك سيتبين لك الحق إن شاء الله, وما أجمل قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله. وللمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5608، 7881، 14986، 4321.
ثانياً: يجب عليك الحذر من الفرق المبتدعة كغلاة الصوفية، ولا عبرة بانتسابهم زوراً إلى أهل السنة والجماعة، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 596، 8500، 13742، 20393.
ثالثاً: ولمعرفة هل الجماعات الإسلامية تدخل في حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة, راجع في ذلك الفتوى رقم: 10945.
وللمزيد من التفصيل حول بعض ما ينسب لهذه الجماعة مع الرد عليه، راجع الفتوى رقم: 72119.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1427(1/75)
يشرع بيان خطأ المخالف بالحكمة والهدوء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من قال في خاتمة جداله، أو كما قال بالنسبة لي أولئك هم كفار. ويقصد علماء السعودية أو أهلها جميعاً، مع العلم بأنه صاحب بدع في العبادات ويجمع الناس عليها من حوله، فهل يجوز الصلاة خلفه، وهل يجوز التحذير منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خطورة تكفير المسلمين قد أشبعنا البحث فيها في عدة فتاوى سابقة يمكنك الاطلاع عليها عند تصفح الفتاوى المندرجة تحت موضوع ضوابط التكفير في شجرة موضوعات العقيدة، وذلك عند الدخول على خيار (عرض موضوعي) ، وأما الصلاة خلف المبتدعة فقد سبق أن بينا تفصيل القول فيها في الفتوى رقم: 24730، والفتوى رقم: 64740.
وعليكم بالجد في تعلم الحق وتعليمه مع العناية بالأدلة وسؤال الله الهداية للصواب فيما اختلف فيه، ويشرع التحذير من أقوال أهل الضلال ببيان الأدلة الشرعية المفيدة لبطلان تلك الأقوال بالحكمة والهدوء دون أن تنفروا الناس من الصلاة في الجماعة، أو أن تحدثوا مشاكل بينكم وبين من انتصبوا أئمة لعامة الناس، وإذا أمكن وجود مسجد في الحي يؤمه عالم من أهل السنة فلتنشطوا في تعميره بالدروس العلمية المؤصلة، وادعو الناس لحضورها وبذلك سينجذب الناس للصلاة فيه ويستغنوا به عما سواه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1427(1/76)
متى يكون الشخص خارجا عن منهج السلف
[السُّؤَالُ]
ـ[جاءني أخ سلفي سائلاًًً فقال: أنت تعرف أني سلفي حتى النخاع، وفي لحظة أقل من خمس ثواني غششت أخاً سلفياً في بيعة، فهل أنا بذلك خرجت عن حد السلفية وأنا تائب وحزين عشر سنوات وأنا سلفي، هل خمس ثوانٍ تخلع عني سلفيتي، فاختلف الإخوة الحاضرون من قائلٍ: إن السلفية تنتفي عنك في حالة الإصرار، ومنهم من قال: نعم أنت لست منا كسلفي، وعدت إلى السلفية بالتوبة وما إلى ذلك، فأرجو التبيين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صدور خطأ من هذا السائل في حق أخيه في بيع أو أي معاملة، إنما يعتبر معصية تجب التوبة منها واستحلال صاحب الحق، ولا يعتبر فاعلها خارجاً عن الإسلام ولا عن منهج السلف، لأن الخروج عن منهج السلف الذي يعتبر صاحبه مخالفا للفرقة الناجية لا يكون إلا بمخالفة في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة، كما قرره الشاطبي في الاعتصام.
وأما الذنوب فلا يسلم منها إلا المعصوم، ويدل لما ذكرناه أن السلف في عهد النبوة وعهد الخلافة الراشدة حصلت أخطاء من بعضهم ولم يحكم عليهم بالضلال ولا بالابتداع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1426(1/77)
منهج المفتين بالشبكة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[المرجو مسامحتي لكن قلبي ليس مطمئنا كفاية من مصدر هذه الأجوبة وصحتها، لذا أود أن أتعرف عليكم أكثر، رحمكم الله فبماذا تنصحونني وخصوصا أنه عندما أتحدث مع بعض أصدقائي بشأن بعض الفتاوى التي تصدرونها يقولون لي بألا أتبع ما تقولونه نظرا لعدم معايشتكم لواقع بلادنا هنا في المغرب ولتشددكم في الدين، رغم أن هذا الدين دين يسر وليس دين عسر، فأرجو أن تسامحوني إذا أخطأت في حقكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنخبرك أننا على منهج أهل السنة والجماعة، والمفتى به في موقعنا هو ما يقتضيه الكتاب والسنة والإجماع وقياس أهل العلم، ملتزمين في ذلك بما قرره أئمة الإسلام وعلماؤه في المذاهب الفقهية المعتمدة، وإذا وجد في مسألة تعارض بين الأدلة فإننا لا نتخير إلا ما نراه أقوى دليلاً.
وكوننا لم نعايش بلدكم لا يمنع من إفتاء المستفتين منكم، لأن الشريعة لها ثوابت ومتغيرات، فما كان منها من الثوابت فإنه لا يتغير بتغير الزمان أو المكان، وما كان منها من المتغيرات، فإننا ننصح فيه غالباً بالرجوع إلى علماء البلد ومحاكمه، وفي بعض الحالات نسأل من لهم علم ببلد السائل إن كانت الفتوى تقتضي ذلك، ولك أن تراجع لزيادة التعريف بنا الفتوى رقم: 1122.
وعلى أية حال، فلا حرج عليك فيما قلته أو ظننته عن موقعنا، طالما أنك تبحث عن الصواب، غفر الله لنا ولكم جميعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1426(1/78)
الوهابية والصوفية
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا نسمع في وسائل الإعلام أن أولئك وهابيون وأن الآخرين صوفيون, كيف نوحد الأمة على الكلمة الحق وننهي هذه الاختلافات المفتعلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الخلاف في أصول الدين وكلياته المجمع عليها، وإنما يكون الخلاف في بعض الأحكام الفرعية التي يسوغ فيها الخلاف، وانظر بعض أسباب اختلاف الفقهاء في الفتوى رقم: 26350.
هذا، والفرقة الناجية هم من عصمهم الله تعالى من الاختلاف في أصول الدين وكلياته وقطعياته، هم القائمون على الحق الآخذون بالكتاب والسنة السائرون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في الاعتقاد والسلوك والعمل، وباختصار هم أهل السنة والجماعة الذين بين النبي صلى الله عليه وسلم أنهم الفرقة الوحيدة الناجية من النار الموصوفة بقوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة وبين أن جميع الفرق في النار إلا واحدة: ما أنا عليه اليوم وأصحابي.
وتوحيد الأمة ينبغي أن يكون على أصول أهل السنة والجماعة الذين هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
وإن لأهل السنة والجماعة خصائص وخصال، انظرها في الفتوى رقم: 64890 والفتاوى المتفرعة عنها، وأهل السنة غرباء في الناس، وهم أقل من القليل لكنهم موجودون ولا يخلو منهم زمان. قال صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله. رواه مسلم.
وانظر صفة الغرباء في الفتوى رقم: 58011.
هذا، وليعلم أنه لا توجد فرقة أو طائفة تنعت نفسها بالوهابية، وإنما هذا لقب أطلقه بعض المبتدعة على من أنكر عليهم بدعهم الاعتقادية من أتباع أحد دعاة أهل السنة وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وانظر ترجمته في الفتوى رقم: 7070.
وأما الصوفية فهم ليسوا سواء في المنزلة، فمنهم المتبعون لسنة محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم المبتدعة الذين أحدثوا في الدين ما لم يأذن به الله، وانظر تفصيل الكلام عنهم في الفتوى رقم: 64723 وما تفرع عنها.
واعلم أن الخلاف في الأمة أمر قدري قال تعالى: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ {هود: 118-119}
وقال صلى الله عليه وسلم إن هذه الامة ستفترق..
فينبغي أن لا يشغلك أمر الخلاف الواقع عما يجب عليك في خاصة نفسك، وهو الاستقامة على أمر الله والتمسك بدينه والانقياد لشرعه والبحث عن أهل السنة في المكان الذي تعيش فيه، فتنتظم في سلكهم وتعبد الله معهم وتكثر سوادهم، ثم تجتهد في دعوة من ليس منهم إلى الانتماء إلى منهجهم، ثم تصبر على ما قد تلقى من البلاء في سبيل ذلك، وذلك مقتضى قوله تعالى: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1426(1/79)
خصائص أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من الجمهوريه اليمنية ومن المتدينين أبحث عن الحقيقه كما بحث عنها سلمان الفارسي، ونرجو إرشادنا إلى الصواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أراد الهداية في الدنيا والنجاة في الآخرة فليتمسك بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام، وذلك هو منهج الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: إن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة. رواه أبو داود وحسنه الألباني، وفي رواية: هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي.
ففتش عن أهل السنة هؤلاء والزمهم، وفر من أصحاب العقائد المنحرفة، واترك ما أحدثوه من بدع بعد محمد صلى الله عليه وسلم. وأهل السنة والجماعة لهم صفات وخصال، منها تعظيم الكتاب والسنة والتحاكم إليهما عند الاختلاف واطراح أقوال الرجال إذا خالفتهما، وتعظيم آثار السلف الصالح صحابة رسول الله، ويعرفون لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حقهم ويحبونهم ويعظمونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أنهم يعظمون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعرفون لهم حقهم ويقدمون أبا بكر وعمر على سائر الصحابة، ولأهل السنة والجماعة خصال أخرى انظرها في (أهل السنة والجماعة.... معالم الانطلاقة الكبرى) لمحمد عبد الهادي المصري، (وخصائص أهل السنة) لأحمد فريد، ولمزيد من الفائدة والتفصيل راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 59231، 58248، 2496، 62721، 5608، 10157.
كما ننصحك باستماع محاضرة بعنوان (السلفية منهج ملزم لكل مسلم) وتجدها على موقع طريق الإسلام على الإنترنت http://www.islamway.com/
هذا وإن هناك أسباباً للثبات على الحق والاستقامة على الصراط المستقيم من أعظمها طلب العلم النافع الذي يعرفك بمولاك وأسمائه وصفاته وأفعاله وحقوقه على عبيده وما أعده لمن أطاعه وما توعد به من عصاه، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800، 1208، 16610، 12744، 6603.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1426(1/80)
اتباع الرسول ومن سار على نهجه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف الإسلام الدنيوي، وأي طريقة أوأي شيخ يتبعه الواحد منا من الناحية الإسلامية السنية
شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالبحث عن الإسلام الرباني الذي شرعه الله تعالى وأرسل به رسوله، وأكمله لنا وامتن علينا بذلك ووضح تفصيل أحكامه في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فاجعل الرسول متبوعك الوحيد، ولا حرج بعد ذلك في سؤالك من عُلِم باتباع السنة وسلامة المعتقد من العلماء عما تجهلينه من الشرع، ولا يلزم اتباع شخص بعينه ولا فئة معينة. قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا {المائدة: 3} وقال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ {آل عمران: 164} وقال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل: 43}
وقد تيسرت وسائل الاتصال بالعلماء عن طريق وسيلة الإنترنت والاستفادة من كتبهم ومحاضراتهم عن طريقه، فاشتغلي بحفظ القرآن ومطالعة كتب السنة والاستفادة من دروس علماء السنة، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 4378، 4174، 3913، 47397.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(1/81)
ضوابط في مسميات أتباع الدين الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[س: هل أسماء أهل السنة والجماعة توقيفية أم اصطلاحية، وإن كانت اصطلاحية فهل يصح تسميتهم بأسماء غير الأسماء المعروفة كالسنية نسبة إلى طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمحمدية نسبة إلى اسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والراشدة، إلى غير ذلك مما يمكن إطلاقه عليهم من الأسماء، مع الدليل أو التعليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مصطلح أهل السنة والجماعة ليس توقيفيا، وإنما اصطلح عليه ليكون علامة على طائفة من المسلمين لهم صفات وخصائص معينة، وهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وإن أول من أثر عنه هذا اللفظ هو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وانظر الفتوى رقم: 2496.
وأهل السنة والجماعة: هم المستمسكون بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الذين اجتمعوا على ذلك، وهم الصحابة والتابعون، وأئمة الهدى المتبعون لهم، ومن سلك سبيلهم في الاعتقاد والعمل إلى يوم الدين، الذين استقاموا على اتباع الكتاب والسنة، ومجانبة محدثات الأمور والبدع في الدين، في أي مكان وزمان، وهم باقون منصورون إلى يوم القيامة.
هذا، وقد يُسمى أهل السنة ببعض أسمائهم أو صفاتهم المأثورة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أوعن أئمتهم المقتدى بهم، فقد يُطلق عليهم ((أهل السنة)) دون إضافة ((الجماعة)) . ومن ذلك أن بعض من صنف في الاعتقاد في القرون المفضلة أطلق على كتابه اسم (السنة) مثل: ((السنة)) للإمام أحمد، و ((السنة)) لعبد الله بن الإمام أحمد، و ((السنة)) للخلال.
وقد يُطلق عليهم ((الجماعة)) فقط، أخذاً من وصف النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة وهي الجماعة. رواه أبوداود وحسنه الألباني. وكذلك أخذًا من الاجتماع، وهو الاتفاق، وضده الاختلاف، فأهل السنة موصوفون بالاجتماع على أصول الدين، وكذلك بالاجتماع على أئمة الدين وولاة الأمر.
كما يُطلق عليهم - أيضاً – ((أهل الأثر)) أي السنة المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.
وكذلك يُسمون: ((أهل الحديث)) ، وهم الآخذون بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواية ودراية، والمتبعون لهديه - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطناً. فأهل السنة كلهم أهل حديث على هذا المعنى.
وتسمية أهل السنة والطائفة المنصورة والفرقة الناجية بأنهم أهل الحديث هذا أمر مستفيض عن السلف، لأنه مقتضى النصوص ووصف الواقع والحال، وقد ثبت ذلك عن ابن المبارك، وابن المديني، وأحمد بن ح نبل، وغيرهم - رضي الله عنهم أجمعين.
وكذا سماهم كثير من الأئمة، وصدّروا مؤلفاتهم بذلك، مثل: كتاب ((عقيدة السلف أصحاب الحديث)) للإمام إ س ماعيل الصابوني، ت:449.
ويطلق عليهم أيضًا: ((الفرقة الناجية)) ، وهي التي تنجو من النار باتباعها سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذاً من قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة وهي الجماعة. رواه أبوداود وحسنه الألباني.
وكذا كان كثير من السلف وأئمة الدين يصفون ((أهل السنة)) بـ ((الطائفة المنصورة)) ، وهم الذين عناهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة. رواه مسلم.
ويُوصفون - أيضاً - بـ ((أهل الاتباع)) لأن من طريقتهم اتباع آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باطناً وظاهراً، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. رواه أبوداود وغيره وصححه الألباني.
مما سبق يتبين أنه لا مشاحة في اصطلاح تسمية لأهل الحق يُعرَفون بها ـ من تلك الأوصاف التي ذكرها الأئمة في مصنفاتهم ـ في مقابل الفرق الضالة وأصحاب المناهج المنحرفة المنسوبة للإسلام. بحيث يكون الانتماء لمنهجهم الذي أمرنا باتباعه والذي ورثوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما ينبغي التنبه عليه هنا هو أن العبرة بالمنهج الذي عليه الفرد أو الجماعة، وأنه لا اعتبار لهذه المسميات إذا لم يكن المتسمي بها ملتزما بمنهج الحق الذي كان عليه سلف هذه الأمة الأخيار.
ولمزيد بيان راجع: ((شرح العقيدة الواسطية)) لمحمد خليل هراس. و ((مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة)) لعبد الكريم بن ناصر العقل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1426(1/82)
الطائفة المنصورة.. ماهيتهم.. ومكان وجودهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح قول من يقول: 1- أن الطائفة المنصورة لم تكن موجودة في أول الزمان وإنما ستأتي في آخر الزمان. والدليل على أنها لم تكن موجودة في أول الزمان: أن الشام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر لم تكن فيها جماعة مسلمة.2- وأن مكانها في الشام. والدليل:1- عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين , لعدوهم قاهرين , لايضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك , قالوا وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد والطبراني في الكبير.2- عن أبي عبد الله الشامي قال: سمعت معاوية رضي الله تعالى عنه يخطب وهو يقول: ياأهل الشام ثني الأنصاري _ يعني زيد بن أرقم _ أن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _: ((لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يأتي امر الله)) وإني أراكموهم يا أهل الشام. أخرجه الطيالسي. 3- عن عمير بن هانئ قال: سمعت معاوية على المنبر يقول: سمعت رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _: ((لاتزال طائفة من أمتي قائمة بأمرالله لايضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)) أخرجه مسلم وزاد أحمد: ((فقام مالك بن يخامر السكسكي فقال: يا أمير المؤمنين سمعت معاذ بن جبل يقول: وهم أهل الشام , فقال معاوية _ ورفع صوته _: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول: وهم أهل الشام.3- وأنها إذا جاءت هذه الطائفة لاتنقطع حتى يقاتل آخرها المسيح الدجال. والدليل: عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق , ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال)) أخرجه مسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أصل الطائفة المنصورة وسادتها وكبراءها هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تابعوهم ثم تابعو تابعيهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. متفق عليه. وكل من جاء بعدهم وسار على منهجهم فهو من الطائفة المنصورة.
وهذه الطائفة المنصورة هي الفرقة الناجية التي عينها النبي صلى الله عليه وسلم امتدادا لتلك بكونها على منهاج النبوة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. رواه أبو داود والترمذي. وراجع الفتاوى ذوات الأرقام: 25101، 12682، 41566، 26056، 59231.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي. فلا دلالة فيه على أن الطائفة لم تكن موجودة بل إنها (لا تزال) تفيد عكس ذلك أي أن تلك الطائفة كانت موجودة ولن تزال كذلك حتى يأتي أمر الله، وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم: وهم بالشام. لا ينفي وجودهم في مكان آخر، وهذا أمر مشاهد، وهذه الطائفة المنصورة لايلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض كما ذكر النووي في شرح مسلم.
ولله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1426(1/83)
الفرقة الناجية والطائفة المنصورة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن هناك فرق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية حيث يقال: إن الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة أما الطائفة المنصورة فهم المجاهدون من الفرقة الناجية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا فارق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وراجع الفتاوى ذات الأرقام: 56776، 25101، 41566. فالطائفة المنصورة لا يلزم أن تكون من المجاهدين فقط ولكنها منهم ومن غيرهم كالعالم والعابد والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، قال الإمام النووي في شرح مسلم عن قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لايضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله. فقال البخاري: هم من أهل العلم، وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم، قال عياض: إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث، قلت ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ومنهم أهل أنواع أخرى ولا يلزم أن يكون مجتمعين بل قد يكونوا متفرقين في أقطار الأرض. اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:..صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوائب هم أهل السنة والجماعة وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى ... وفيهيم الأبدال: الأئمة الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: لاتزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1426(1/84)
الجانب النظري والعملي في المنهج السلفي
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي يا فضيلة الشيخ بعض الملاحظات على الذين يسمون أنفسهم باسم سلفيين اسم على غير مسمى حيث في بلادي الجزائر نرى كثيرا من المتدينين ولله الحمد وهذا شيء يفرح، ولكن ما أن جلست مع أحدهم ما هو أو شهر كلمهم هو تبديع الناس وطعن في كل واحد يخالفهم، وإذا خالفته وقلت إن أخذت رأي فلان من علماء الأزهر ماذا يقولك هذا يفتي بأهوائه
ويقولون إن في الأزهر لا يوجد علماء وإذا قلت له الشيخ محمد الغزالي يقول يالطيف، وهنالك عبارات أسوء، فهل كان السلف الصالح هكذا حاشى لله حتى أساءو لبعض الملتحين، وأصبح الناس عندما يرون الملتحين يقولون هؤلاء أهل التعصب وكذلك عندما ينصب إمام في البلاد يحضرون الدرس ثم يرون هل هو ملتحي أو مسبل أو غير ذلك ثم يطعنون فيه، وأصبح هذا الإمام مبتدعا وينشرون بدعته فما بينهم وبعضهم بعد فترة، عندما كان يطعن يصبح لا يصلي فلا حول ولا قوة إلا بالله، وآسف على التطويل فماهي نصيحتكم لهؤلاء؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السلفية تعني اتباع سلفنا الصالح من أهل القرون الثلاثة المفضلة واقتفاء أثرهم والتزام فهمهم للكتاب والسنة، وعلى ذلك فإن كل من التزم هذا المنهج في العقيدة والعمل فإنه سلفي المنهج، وانظر الفتوى رقم: 5608.
وليعلم أن المنهج السلفي الذي هو منهج الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة -ليس مقصوراً على مسائل علمية نظرية اعتقادية- وإنما يشتمل أيضاً جوانب عملية تطبيقية سلوكية، فإن السلف رضي الله تعالى عنهم كما تميزوا بصفاء الاعتقاد وسلامة التصور، فإنهم تميزوا كذلك بحسن الخلق والسلوك الحسن، وتميزوا بالنشاط إلى العبادة، وبالزهد في الدنيا، وبالورع والأدب وإحسان الظن بالناس وغير ذلك.
والذي يريد أن ينتمي إلى السلف يجب عليه أن يأخذ كلا الجانبين: النظري والعملي، فإن اقتصر على الجانب النظري ولم يعمل بعمل السلف فإن انتسابه لمذهب السلف مجرد ادعاء أجوف والسلف منه براء، وراجع الفتوى رقم: 56337.
ولمزيد تفصيل راجع كتاب (مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة) للدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل، وكتاب (أهل السنة والجماعة معالم الانطلاقة الكبرى) لمحمد عبد الهادي المصري، واستمع لمحاضرة بعنوان (السلفية منهج ملزم لكل مسلم) للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، وتجدها على موقع (طريق الإسلام) على الإنترنت islamway.com
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1426(1/85)
الانتفاع بما لا يخالف منهج أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في كتاب شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين للإمام أبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الدمشقي توضيح وبيان لدقائق المعاني وبدائع الأحكام في الأحاديث النبوية الشريفة قام بخدمته وشرحه والتعليق عليه خادم الكتاب والسنة الشيخ محمد علي الصابوني وأيضا كتاب (التفسير الواضح الميسر) تفسير حديث جامع بين المأثور والمعقول بأسلوب سهل ميسر مع بيان أسباب النزول، والشواهد من الأحاديث النبوية الصحيحة بقلم خادم الكتاب والسنة الشيخ محمد علي الصابوني هل تنصحنا بقراءة هذين الكتابين؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لم نطلع على الكتابين المشار إليهما، والشيخ الصابوني يوجد على مؤلفاته بعض المؤاخذات، انظريها في الفتوى رقم: 22224.
والرجل مؤلفاته نافعة، ولكن عليها المؤاخذات المشار إليها في الفتوى آنفاً، فإن آنست من نفسك القدرة على تمييز الصحيح من غيره، وتوقَيت ما يخالف منهج أهل السنة والجماعة فانتفعي بها، وإلا فإن هناك مصنفات كثيرة قد سلمت مما أخذ على الشيخ الصابوني، ومنها: شرح العلامة محمد بن صالح العثيمين على (رياض الصالحين) ، و (تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير) لمحمد نسيب الرفاعي، أو (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) للشيخ السعدي وغير ها كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1426(1/86)
من خصائص أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أكرمني الله وهداني إلى الإسلام بعد أن كنت صابئا ولكن المشكلة هنا في الغرب أنني كلما اقتربت من المسلمين للسؤال والاستفسار عن أمور العقيدة أقع في حيرة من أمري أي الفرق هي أهل السنة والجماعة فكل يقول نحن فقط الناجون والآخرون كفرة وفسقة ومشبهة ووووو......... فأنا جاهل وأريد معرفة ويقينا فسألت يوماً عن الله ففرقة تقول هو في السماء وأخرى تقول في كل مكان وثالثة تقول موجود بلا مكان فبالله عليكم ما هذا؟ وأين أنا؟ وكيف سأهدي زوجتي وأولادي وماذا أُجيبهم عن هذا الأمر فأنا ذو اطلاعِ واسع فيا حبذا لو وجد عالم أُراسله كلما تعرضت للجهل في مسألة وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليك بنعمة الإسلام وكفى بها نعمة، فقد قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ {آل عمران: 19} . وقال أيضا: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمرا، 85} .
هذا، ولقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.
وهذه الفرقة الناجية المشار إليها في الحديث هم الذين لا اسم لهم فلا يتسمون قدرية ولا جبرية ولا خوارج ولا روافض ولا نواصب.
والمنتمون لهذه الفرقة لهم خصائص تميزهم منها انتماؤهم للحق وحده، فلا يجعلون الأشخاص معيارا للولاء والبراء، ومنها أنهم يعتصمون بالكتاب والسنة ولا يتلقون عن غيرهما، ثم إنهم يفهمون الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، فلا يقدمون على فهمهم عقلا ولا هوى في تفسير نصوص الشرع، وراجع في ذلك "مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة" للدكتور ناصر عبد الكريم العقل، و"خصائص أهل السنة" للشيخ أحمد فريد، و"أهل السنة والجماعة معالم الانطلاقة الكبرى" لمحمد عبد الهادي المصري.
أما عن وجود الله فالحق الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف أنه في السماء، مستو على عرشه، بائن من خلقه، وذلك لأدلة كثيرة، انظر بعضها في الفتوى رقم: 6707، وكذلك يمكنك مراجعة كتاب "العلو للعلي الغفار" للحافظ الذهبي، وكتاب" اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية" للإمام ابن القيم، فقد كفيا ووفيا في ذكر أدلة علو الله على خلقه، ورد شبهات المخالفين لأهل السنة في هذا الباب.
هذا، ويمكنك تعلم دينك وزيادة معرفتك به من خلال التواصل مع المواقع الآتية على الإنترنت ومرسلة القائمين عليها:
- ... ... موقع الشيخ ابن عثيمين.
- ... ... موقع الشيخ سلمان العودة (الإسلام اليوم) .
- ... ... موقع الإسلام، سؤال وجواب – الشيخ المنجد.
- ... ... موقع الشيخ صالح بن فوزان.
- ... ... موقع الشيخ سليمان بن ناصر العلوان.
- ... ... موقع الشيخ ممدوح الحربي.
كما ننصحك باقتناء الكتب التالية:" شرح العقيدة الطحاوية"،" تفسير الحافظ ابن كثير" أو مختصره" تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير" لمحمد نسيب الرفاعي،" وصحيح الإمام البخاري" وأكثر من المطالعة في هذه الكتب، فهي من عمد مصنفات أهل السنة والجماعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1426(1/87)
التعامل مع مخالفي منهج أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن تجريح العلماء وعدم السماع لفلان لأن له أخطاء وعنده شركيات وأنه ليس سلفيا ويحرض على الصوفية وغيرها وهذه الطريقة انتشرت انتشارا كبير في ليبيا وأصبحنا تائهين في ديننا لم نعرف إلى من نستند وأي شيخ نأخذ بفتواه، أفيدوني أفادكم الله.. وأريد التوضيح في هذا الموضوع من جميع جوانبه لأنه على ردكم أعتمد وأحدد طريقى. وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن ثبتت مخالفته لأصول منهج أهل السنة والجماعة وتلبس بالبدع أو الشركيات ـ فإن الواجب نصحه والإنكار عليه، وينبغي أن يكون الحامل على الإنكار عليه: الرحمة به والإشفاق عليه، وينبغي كذلك أن يكون تذكيره بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن أصر بعد أن اتضحت له المحجة ـ فإن الواجب التحذير منه وصرف الناس عنه. أما من لم يثبت في حقه أنه مخالف لأصول منهج السلف ـ فإن الواجب صيانة عرضه، والذب عنه، وعدم الخوض فيما وراء ظاهر حاله. وانظر في الفتوى رقم: 18788. نصيحة في هذا المجال للعلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله. ومما ينبغي التنبه له أن الحكم على الأشخاص يجب أن يكون بعلم وعدل، وليس ذلك لأحاد الناس، وإنما لمن توفرت فيه شروط، انظرها في الفتوى رقم: 18051. وانظر قواعد في التعامل مع كلام العلماء في الفتوى رقم: 6506. ولمزيد فائدة حول هذا الموضوع انظر الفتاوى: 56482، 56337، 11967، 4402، 19536، 4321، 7881.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1425(1/88)
اختلاف العلماء في فهم النصوص لا يناقض آية إكمال الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[كما هو معلوم بأن الدين الإسلامي قد اكتمل، وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أدى رسالته على أكمل وجه، وبين الأحكام والشرائع السماوية من دون نقصان , والدليل على ذلك هو قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ... ) حيث نزلت الآية الكريمة في حجة الوداع كما هو معلوم ... فالآية واضحة الدلالة , وسؤالي هو قد قرأت في صحيح مسلم الحديث الشريف التالي:- عن جابر بن سمرة قال:- قال النبي صلى الله عليه وسلم:- (لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة قال ثم تكلم بشيء لم أفهمه فقلت لأبي ما قال، فقال كلهم من قريش) ... هذا هو نص الحديث في \" صحيح مسلم \" , كما أنه ورد في \" صحيح البخاري \" كذلك ولكن مع اختلاف بسيط في الألفاظ, وقد قرأت رأي العلماء في تفسيرهم لهذا الحديث ولم أصل إلى رأي ثابت لديهم حيث تضاربت تناقضت آراؤهم في من يكون \" الاثني عشر \" خليفة من بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم) ....ألا يعتبر تناقض العلماء وتضاربهم مع بعضهم البعض , مناقضا للآية الكريمة؟ كيف ذلك والدين قد اكتمل بنص القرآن الكريم؟.... أوضحوا تلك الشبهة
رحمكم الله.... لكم فائق الاحترام والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما بالنسبة للحديث الذي أوردته، والذي حيرك اختلاف العلماء حول تعيين الأئمة الاثني عشر المذكورين فيه، فقد كنا تعرضنا للاختلاف حوله في فتاوى سابقة، وبينا الراجح من أقوال أهل العلم فيه، فراجع في ذلك فتوانا رقم: 6305.
وعن تضارب العلماء واختلافهم في أمور الدين فليس فيه ما يستغرب، وليس مناقضا للآية الكريمة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} (المائدة: 3)
فالوحي قد كمل قطعا، والدين قد تم، ولكن هذا لا يمنع من الاختلاف في فهم آية أو صحة حديث، أو كون بعض ذلك ناسخا أو منسوخا، أو مخصصا أو مقيدا أو مبينا، ونحو ذلك مما تمليه أساليب اللغة وأصول التشريع.
والاختلاف في الدين ينقسم إلى قسمين، فما كان منه متعلقا بالعقائد وأصول الأحكام، وما ثبت بإجماع صحيح فهذا لا يجوز التفرق فيه.
وما كان من خلاف في الفروع، والمسائل الخاضعة للاجتهاد فهذا لا حرج في الاختلاف فيه ولا مذمة، وراجع في نوعي الاختلاف الفتوى رقم: 8675.
وبناء عليه فلا ضير في تضارب أقوال أهل العلم حول تعيين الأئمة في الحديث المذكور طالما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرِّف بهم، ولم يعط من صفاتهم ما يقطع النزاع فيهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1425(1/89)
أهلها يؤذونها لتمسكها بعقيدة أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أهلي كثيرو الأذى لي ولا أعرف لماذا ربما لأنني أميل لأخذ تعاليم أهل السنة والجماعة وبصراحة تامة أنني على السنة وكثيرة الأخذ من علم أهل السنة والجماعة وهم يحسون بذلك، وهم كثيرو الأذى لي حيث يعتبروني نجسة ويضربون حتى جسمي يخضر من الضرب ولا أعرف ماذا أفعل حيث إنني مازلت في الجامعة وباقي سنة وأتخرج ولا أعرف ماذا أفعل وخائفة أن أهرب من هذا القبر لقبر الزوج لأنني لا أريد رجلاً على مذهبهم، اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنا سلطاناً نصيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو الله أن يقيك شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يمسكك بتعاليم الدين الصحيحة، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي تسعدين به في الدنيا والآخرة.
وعليك بالصبر على دينك ولا تجاملي فيه قريباً ولا صديقاً، فإنه هو السبب الوحيد لنجاتك من عذاب الله، وقد روى الحاكم وأحمد بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وإذا كان يلحقك من الضرر من أهلك ما لا يمكن تحمله بسبب تمسكك بمنهج أهل السنة والجماعة فلا شك أن الأفضل لك هو الصبر على ذلك، ومع ذلك فلا حرج عليك في أن تظهري لهم أنك لا تتمسكين بهذا المنهج، فالله تعالى رفع الإثم عمن نطق بكلمة الكفر تحت الضغط، قال الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] .
واعلمي أنك مأجورة على ما لحقك من الضرر ومن أذى أهلك، روى الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
وفيما يتعلق بالزواج فليس لأهلك أن يقوموا بإكراهك على من لا ترغبين في الزواج منه، روى البخاري وأصحاب السنن وأحمد من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن.... الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1425(1/90)
إسلامية المجتمع المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التوقف والتبين من الأشخاص الذين لا نعرف حالهم خاصة في مصر كثر الشرك وخاصة شرك الحاكمية وشرك الولاء والبراء وعبادة غير الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القول بالتبيُّن، أي: التوقف عن الحكم على الأشخاص أنهم مسلمون أو لا حتى تتبين حالهم هو من البدع المحدثات التي لم يقل بها أحد من سلف هذه الأمة.
فالأصل أن المجتمع المسلم يحكم لجميع أفراده بأنهم مسلمون ما لم يظهر منهم ناقض من نواقض الإسلام.
ولبيان هذه النواقض راجع الفتاوى رقم: 8106، ورقم: 16205، ورقم: 20442.
والواجب إحسان الظن بالمسلمين، خاصة الذين ظهر منهم الصلاح، وإن سوء الظن بالمسلمين محرم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (الحجرات: 12)
وقد فسر الحافظ ابن كثير الظن المنهي عنه بـ " التهمة والتخون للأهل والناس ـ في غير محله ".
ولمعرفة حكم سوء الظن وكفارته وعلاجه، راجع الفتوى رقم: 10077، والفتوى رقم: 48025.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1425(1/91)
عقيدة جماعة التبليغ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي عقيدة جماعة التبليغ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحب أن نبين للسائل الكريم أن هذا الموقع ليس معنياً بتقييم الجماعات والطوائف، وليس هذا مجال تخصصه، فإن الحكم على جماعة حكماً دقيقاً يتطلب الوقوف على منهجها العلمي والعملي من خلال كتبهم ومؤلفاتهم، ولا نعلم لجماعة التبليغ كتباً ومؤلفات يمكن أن نجيب من خلالها على معتقد هذه الجماعة. أما ما يقال عنهم، فقد تصح نسبته إليهم، وقد يُنسب إليهم زوراً وبهتاناً، وقد يكون ما نسب إليهم ليس الغالب على هذه الجماعة وإنما تصرف من بعض أفرادها.
ونحيل أخانا السائل إلى الفتاوى التالية أرقامها: 9565، 21072، 21741.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1425(1/92)
هل يجب التسمي بالسلفية
[السُّؤَالُ]
ـ[ـ هل لزامٌ علينا أن نتسمّى بتسمية السلفية، وإن كُنّا على الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح؟ أم نكتفي بهذه الصيغة (نحن على الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح) ؟ علما ً بأن هذه الصيغة مألوفة ٌ بين الناس، والدولة، ولا ينكّرون عليها، ولا يحاربونها؟ أما إذا قلنا ((نحن سلفيون)) فتُشنُّ علينا الحربُ من الناس والدولةً، لأنهم يعتقدون أنها حزبٌ من الأحزاب؟
ـ سائل ٌ يطلبُ من سماحتكم دليلا ً من الكتاب والسنة، وأقوال السلف على وجوب التسمية بكلمة السلفية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزم المسلم التسمي بالسلفية لاسيما إن كانت ستترتب على هذه التسمية مفسدة، لأن العبرة بالحقيقة والتسمية إنما هي للتميز، ويكفي التسمي بأهل السنة والجماعة أو بمسلم فقط، فقد قال الله تعالى: هو سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ (الحج: من الآية78) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1425(1/93)
بين السلفية والوهابية
[السُّؤَالُ]
ـ[5- هل جماعة السلف هم من جماعة الوهابية؟؟
8- هل جماعة الوهابين هم الذين على الطريق الصواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
5 و 8
وبعد: فقد تقدم الكلام عن السلفية والوهابية، وذلك في الفتاوى التالية: 41710، 41459، 39218.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1425(1/94)
منهج السلف في الاعتقاد والسلوك والاستدلال والنظر هو المنهج الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا انتهدي لولا أن هدانا الله وإن كنا من قبل لفى ضلال مبين والصلاة والسلام على من لا نبى بعده أما بعد
الإخوة الكرام بعد أن هداني الله إلى اتباع منهج السلف الصالح رضى الله عنهم صدف ذلك محاربة شديدة من جميع غالبية الناس من الأهل والأصدقاء هداهم الله ... وبسبب عدم تحصيلي لما يلزمني من العلم للثبات في هذه الظروف نرجو منكم النصيحة لي ولمن في مثل ظروفي هذه ولكم جزيل الشكر.
بعض الناس كلما دار بيننا حوار حول اللحية مثلا أو غيرها من الأمور غالبا ما يكون رده بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن\"ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا\"أفادكم الله لطالما انتهى هذا الحديث بالحوار إلى طريق مغلق خاصة أن الحديث صحيح وسؤالي هنا عن كيفية الرد على من يعاجلني بهذا الحديث. ونأسف الإطالة وجزاكم الله عنا خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن منهج السلف في الاعتقاد والسلوك والاستدلال والنظر هو المنهج الحق، وقد حث الله عز وجل على اتباعهم فيه، كما قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ (التوبة: 100) . والمقصود باتباعهم في الفهم والنظر وفي مسائل الاعتقاد والحلال والحرام.
ومن كان على هذا المنهج فلزمه وإن حصل بسببه أذى، فإنه على هدى مستقيم. ولكن الذي لمسناه أن كثيرا من الشباب الحديثي عهد بالالتزام وبدراسة منهج السلف أنهم يعمدون إلى فروع من الدين فيجعلونها أصولا، وإلى مسائل الخلاف فيجعلونها من المتفق عليه، ويقيمون معارك في غير ميدان ولا يراعون سلم الأولويات، ويفرقون المسلمين على أمر لهم فيه سعة، فالذي ننصح به الشباب أن لا يخوضوا مع الناس في مسائل الحلال والحرام حتى يطلبوا العلم الشرعي من أهله المحققين، ويأخذوا قدرا يفرقون به بين الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والسنة والفرض.
وأما الحديث المشار إليه، فهو حديث صحيح، ويستدل به على أن المسلم يأتي من الأمر الشرعي ما يستطيع، كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (التغابن:16)
قال الشافعي: ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم فأتوا منه ما استطعتم: أن يقول عليهم إتيان الأمر فيما استطعتم، لأن الناس إنما كلفوا ما استطاعوا في الفعل استطاعة شيء، لأنه شيء متكلف، وأما النهي، فالترك لكل ما أراد تركه يستطيع، لأنه ليس يتكلف شيء يحدث إنما هو شيء يكف عنه. اهـ.
وفي موضوع إعفاء اللحية، فقد جاء الحديث بالأمر بإعفائها، كما في حديث ابن عمر: خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى. متفق عليه.
وهذا الأمر للوجوب عند أكثر العلماء كما بينا في الفتوى رقم: 14055، وإذا كان الأمر كذلك، فإن على المكلف التزام هذا الأمر حسب استطاعته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1425(1/95)
الفرق بين أهل السنة والجماعة والماتريدية والأشاعرة والمعتزلة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
الرجاء توضيح الفرق بين أهل السنة والجماعة وكل من الماتردية والأشاعرة والمعتزلة في موضوع العقيدة، لاسيما في الصفات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتوضيح الفرق بين أهل السنة والجماعة والماتريدية والأشاعرة والمعتزلة يحتاج إلى بسط كبير، وهذا لا يمكن في فتوى من طبيعتها الإيجاز والاختصار.
ولذا نحيلك على ما كتبه أهل العلم في هذا الصدد، مثل ما كتبه اللالكائي في "أصول الاعتقاد"، والأصفهاني في "الحجة"، وابن خزيمة في "التوحيد"، وابن مندة في "التوحيد".
وما كتبه شيخ الإسلام في الفتاوى، وفي كتابه درء تعارض العقل والنقل، ونقض التأسيس، وما كتبه تلميذه العلامة ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية، والصواعق المرسلة، وما كتبه الذهبي في العلو، ومنهج الأشاعرة في العقيدة، للدكتور سفر الحوالي، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة للدكتور عبد الرحمن المحمود، والماتريدية للدكتور شمس الأفغاني، ونحو ذلك من الكتب المعتمدة في المعتقد، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10400، 38987، 5719، 17236.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1424(1/96)
الشبكة الإسلامية موقع سلفي سني
[السُّؤَالُ]
ـ[هل موقعكم الفاضل من المواقع "السلفية"؟ وأرجو إرشادي لبعض المواقع السلفية ... ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عبارة السلفية معناها اتباع المنهج السلفي القائم على اتباع سبيل المؤمنين من صالح سلف هذه الأمة، وهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وليست السلفية من الفرق التي انقسمت إليها هذه الأمة، وانظر المزيد من تعريفها في الفتوى رقم: 5608.
وموقعنا هذا (الشبكة الإسلامية) موقع إسلامي دعوي، ينتهج منهج أهل السنة والجماعة في المعتقد والعمل، يسعى إلى ترسيخ القيم الإسلامية، ونشر العقيدة الصحيحة وتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام، والاهتمام بقضايا المسلمين وبدعوة غير المسلمين، وبهذا التعريف تدرك أن موقعنا موقع سني سلفي.
وبالنسبة للشطر الثاني من سؤالك، فإن المواقع السلفية كثيرة جداً وبدخولك على Google وكتابة كلمة مواقع إسلامية أو مواقع سلفية، فإنك ستجد بغيتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(1/97)
كيف تتعرف على الطائفة المنصورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة الطائفة المنصورة، هل هي السلفية الجهادية أو السلفية العلمية المرجئة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكل من التزم منهج السلف الصالح الذي يعتمد على العمل بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فهو على خير مهما كان اسمه، فإن الاسم لا يغني عن المسمى شيئاً، وقد بينا الخطوط العريضة التي يتميز بها أهل السنة والجماعة عن غيرهم، وذلك في الفتوى رقم: 23201، والفتوى رقم: 2496.
كما بينا الموقف الذي نراه صواباً من الجماعات الموجودة على الساحة في العصر الحاضر، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7938، 35667، 10515، 14264، 38322.
أما المرجئة فإنها فرقة من أضل الفرق التي طار شررها في عصور الإسلام المختلفة، نجانا الله من شرها، وحفظنا من إفكها، وقد بينا حقيقتها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10346، 20932، 36668.
وإننا لنوصي الأخ السائل بأن يتقي الله في تعلم ما يتلقى واختيار من يتلقى عنه، ولا يتبع في ذلك هواه، بل يأخذ الدين عمن زكي له، ونال شهادة الأمن من الولوج في أهل البدع، أو أصحاب الأفكار المنحرفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1424(1/98)
وسطية.. لا تفلت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الوسطية في الدين؟ وهل للدين وسطية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق لنا أن أصدرنا فتوى في بيان معنى الوسطية في الإسلام، فنحيل السائل إليها، وهي برقم: 25338 وانظر الفتوى رقم: 26673، فإن لها تعلقا بالموضوع.
ونحب أن نلفت نظر السائل إلى أن كثيرا من الناس يطلقون هذه الكلمة "الوسطية" و "الإسلام وسط" ونحو هذه العبارات ويريدون أو يعنون بذلك التخلص من الأوامر الشرعية والواجبات والوقوع في الموبقات والمحرمات، فإذا نهيتم عن محرم دل عليه الكتاب والسنة، قالوا لك: "الإسلام وسط وليس فيه تشدد وغلو" وهذه كلمة حق أريد بها معنى باطل وهو مفهوم خاطئ للوسيطة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1424(1/99)
الجماعات الإسلامية.. اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الاختلاف؟ وهل ما نعانيه اليوم يعتبر اختلافا بين المجموعات والفرق الإسلامية؟ كالاختلاف الحاصل بين جماعة الإخوان المسلمين وجماعة السلفيين السنيين؟ أرجو الإجابة الشافية الكافية وآراء العلماء في هذا الشأن (علماء السلفية وعلماء الإخوان المسلمين) ؟ وجزاكم الله عنا كل خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالاختلاف منه ما هو مذموم وهو اختلاف التضاد، ومنه ما هو سائغ وهو اختلاف التنوع، والاختلاف الموجود اليوم بين الجماعات الإسلامية المنضوية تحت راية أهل السنة والجماعة -وهو عنوان يدخل فيه كل من التزم منهج أهل السنة والجماعة من سائر الطوائف- هو اختلاف تنوع سائغ، لا يفسده إلا التعصب المقيت الحامل لصاحبه على البغضاء والظلم والعداوة، وننصح السائل بمراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2788، 10157، 10515، 13411.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1424(1/100)
عقيدة أهل السنة والجماعة في مصير فساق المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى فضيلة الشيخ: أريد الدليل من القرآن الكريم على أن جميع المسلمين سوف يدخلون الجنة مهما عملوا من المعاصي ما داموا ماتوا موحدين مسلمين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن أصحاب المعاصي من المسلمين إذا مات الواحد منهم على المعصية فهو تحت مشيئة الله تعالى يوم القيامة، فإن شاء عذبه على ذنوبه ثم أدخله الجنة، وإن شاء عفا عنه، ولا يخلد أحد منهم في النار، قال الطحاوي في النبذة التي ألفها في بيان عقيدة السلف: وأهل الكبائر في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ومذهب أهل السنة والجماعة أن فساق أهل الملة ليسوا مخلدين في النار، كما قالت الخوارج والمعتزلة، وليسوا كاملين في الدين والإيمان والطاعات، بل لهم حسنات وسيئات، يستحقون بهذا العقاب وبهذا الثواب. انتهى 7/679.
ومن الأدلة التي استند إليها أهل السنة في إثبات هذه العقيدة جملة من نصوص الكتاب والسنة، نذكر منها ما يلي:
أولاً: قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] .
قال السفاريني في لوامع الأنوار: فالتوحيد من أعظم بل أعظم أسباب المغفرة، فهو السبب الأعظم، فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به أتى بأعظم أسباب المغفرة، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] . انتهى.
ثانياً: قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:178] .
وجه استدلالهم بهذه الآية هو أن الآية أثبتت أخوة الإيمان مع حدوث هذا الذنب العظيم ألا وهو القتل، فدل ذلك على أن مثل هذه الكبائر لا تخرج صاحبها من دائرة الإيمان، فإذا مات على هذا الذنب ولم يغفر له، لم يستحق بسببه الخلود في نار جهنم، ومن هذا الباب استدلالهم بقوله سبحانه: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات:9] ، فقد ذكر عقبها قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10] ، فأثبت الأخوة الإيمانية مع وقوع القتال بينهم.
ثالثاً: من أدلة السنة وهو حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه بشأن البيعة، وفيه قوله عليه الصلاة والسلام: ... فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه. رواه البخاري ومسلم.
رابعاً: ومن أدلة السنة أيضاً ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قبله مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها.
إلى غير ذلك من أدلة تمكن مراجعتها في كتابي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي، ولوامع الأنوار للسفاريني، وغيرهما من كتب العقيدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1424(1/101)
العلماء الربانيون نسبتهم إلى أهل السنة الجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت في إحدى تراجم العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله أنه وهابي تيمي، ولعل هذا يعني الانتساب لشيخي الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب رحمهما الله، فماذا يعني الانتساب إليهما، وهل الألباني رحمه الله هو كذلك منتسب إليهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الشيخ محمد عبد الوهاب رحمه الله ودعوته، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5408، 3198، 7070.
وتقدم الكلام عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتوى رقم: 7022.
والشيخ ابن عثيمين، والشيخ الألباني رحمهما الله لا يرضيان لأنفسهما النسبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا لشيخ الإسلام، وكذا الشيخ ابن عبد الوهاب وشيخ الإسلام لا يرضيان بنسبة أحد إليهما، ولكن الكل ينتسب إلى أهل السنة والجماعة، ويريدون من الجميع نسبتهم إلى ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(1/102)
المذاهب الأربعة على سنة النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أقرب مذهب إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم من المذاهب الأربعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكل المذاهب الأربعة -بفضل الله- على السنة واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وكلها على صواب من حيث الجملة، وإنما يعرف قرب كل مذهب أو بعده عن السنة في مسألة ما بموافقة الدليل أو مخالفته، وعلى المسلم -إن كان منتسباً لمذهب منها- أن لا يتعصب له، وإنما يتبعه في ما وافق فيه الدليل ويخالفه في ما خالف فيه الدليل، وقد تقدمت لنا فتاوى كثيرة في هذا المعنى نحيلك على اثنتين منها لتراجعهما، وهما في الرقم: 7763، والرقم: 22612.
ولا بأس أن نستأنس بقولٍ لشيخ الإسلام ابن تيمية تجده في مقدمة شرح العمدة المسمى بالعدة مع تحقيق عبد الرزاق المهدي، فقد قال هنالك: إن مذهب الإمام أحمد أصح المذاهب الأربعة أصولاً، ومذهب الإمام مالك أصحها فروعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1424(1/103)
السلفية تعريفها ومنهجها وموقفها من الجماعات الأخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو من حضرتكم إفادتي بمعلومات حول السلفيين، منهاجهم في العمل وموقفهم من الآخرين من الجماعات الإسلامية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسلفية نسبة إلى السلف الصالح، وهم أهل القرون الثلاثة المفضلة، كما جاء في الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.
فمن سار على نهجهم واقتفى أثرهم، فهو سلفي.
وعماد المنهج السلفي هو لزوم الطريقة التي كان عليها الصحابة من التمسك بالكتاب والسنة علما وعملا، وفهما وتطبيقا، وهذا المنهج باقٍ إلى يوم القيامة، يصح الانتساب إليه، أما من رمي ببدعة أو شهر بلقب غير مرضي، مثل: الخوارج، والروافض، والمعتزلة، والمرجئة، والجبرية، وسائر الفرق الضالة، فهو خارج من السلفية، بل خارج عليها.
قال عليه السلام: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك. متفق عليه.
وأشهر الحركات السلفية الإصلاحية الحديثة: حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقد دعت إلى تنقية مفهوم التوحيد، وحاربت الشرك ووسائله ودعاته، وتصدت لشطحات الطرق الصوفية، وقضت على البدع والخرافات، وأحيت فريضة الجهاد.
وهناك جمعية أهل الحديث، وهي من أقدم الجمعيات والجماعات الإسلامية في شبه القارة الهندية، ومن مقاصدها: تصفية الإسلام من البدع والخرافات، واتباع منهج السلف الصالح في العلم والعمل، ونبذ التعصب المذهبي.
وهناك جماعة أنصار السنة المحمدية، قامت في مصر أولا، ثم انتشرت في غيرها على أساس التوحيد الخالص والسنة الصحيحة وتطهير الاعتقاد ونبذ البدع والخرافات شرطا لعودة الخلافة، والنهوض بالأمة الإسلامية.
من خلال ما تقدم من تعريف للدعوة السلفية، ندرك أهمية المقاصد التي ترمي إليها، فهي تدعو إلى الإسلام الصافي النقي من أدران الشرك والخرافات والبدع والمنكرات، وتعزز في شخصية المسلم مفهوم الولاء والبراء ونبذ التعصب للأشخاص والأسماء وللافتات
وأما موقف الجماعة السلفية من الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة الإسلامية: فلا يعدو موقف المسلم من المسلم من حيث كونهم في خندق واحد، فهم كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا، وهم يقبلون الحق من محسنهم، ويتجاوزون عن مسيئهم، ويسعون إلى تأليف القلوب وجمع الكلمة وإخراج الأمة من الحزبيات الضيقة والولاءات المحدودة، إلى فضاء الإسلام وسعته وشموله على قاعدة: يوالى الرجل ويحب على قدر دينه، ويعادى ويبغض على قدر معصيته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1424(1/104)
أصول الإسلام المتفق عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أصول الإسلام المتفق عليها بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وعلماء الأمة في القرون المفضلة؟ .
أرجو أن تكون الإجابة واضحة ومحددة تماما كما لو أني أسأل عن ميثاق الأمم المتحدة، فيقال لي: إن ميثاق الأمم المتحدة هو: 1-.. 2-..
وهكذا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أصول الإسلام المتفق عليها بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأئمة الإسلام كثيرة، نذكر منها:
1- شهادة أن لا إله إلا الله ومعناها: لا معبود بحق إلا الله.
2- إفراد الله عز وجل بالربوبية، فلا خالق ولا رازق ولامدبر ولا مالك للخلق إلا الله.
3- إثبات الأسماء الحسنى والصفات العلى الواردة في الكتاب والسنة لله عز وجل من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
4- شهادة أن محمدا رسول الله وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر.
5- عبادة الله وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فلا نعبده إلا بما شرع.
6- توقيره صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، ومحبته صلى الله عليه وسلم أكثر من النفس والمال والولد والناس أجمعين.
7- إقام الصلاة.
8- إيتاء الزكاة.
9- حج بيت الله الحرام.
10- صوم رمضان.
11- الإيمان بالملائكة الكرام.
12- الإيمان بالكتب المنزلة على الأنبياء والمرسلين إجمالا، وبما ذكر منها في القرآن والسنة خصوصا.
13- الإيمان بالرسل إجمالا، وبمن ذكر منهم في القرآن الكريم والسنة خصوصا.
14- الإيمان باليوم الآخر وجميع ما ورد بما يكون فيه، كالصراط والميزان والحوض والشفاعة والرؤية والجنة والنار، وغير ذلك.
15- الإيمان بالقضاء والقدر.
16- الولاء والبراء لله وفي الله.
17- الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
18- الحب في الله والبغض في الله.
19- محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذَّبُّ عنهم، وموالاتهم.
20- الكفر بجميع ما يعبد من دون الله عز وجل.
21- بغض الكافرين ومعاداتهم.
22- اعتقاد أن هذا الدين قد كمل وتم، فلا مزيد عليه من أحد من الناس، وكل بدعة ضلالة.
23- اعتقاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، فلا نبي بعده.
24- الإيمان بكل ما أخبر الله به في كتابه، وبما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.
25- تحريم ما حرم الله عز وجل، وتحليل ما أحل الله عز وجل.
26- الحكم لله عز وجل، كما قال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه [يوسف:40] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(1/105)
الوهابيون وأهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الأختلاف بين مذهب الوهابيين والسنة، وأيهما الأقرب إلى ديننا الحنيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أهل السنة هم أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم على منهج السلف الصالح، الذين ساروا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة ومن تبعهم رضوان الله عليهم أجمعين، وهؤلاء يسمون بأهل السنة والجماعة، وكل من سار على الطريق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منهم.
والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء بالتوحيد ونبذ الشرك والدعوة إلى عبادة الله وحده دون سواه.
أما كلمة الوهابيين فيطلقها عدد من الناس على دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي الحنبلي رحمه الله، ويسمونه وأتباعه بالوهابيين، وقد علم كل من له أدنى بصيرة بحركة الشيخ محمد عبد الوهاب رحمه الله ودعوته أنه قام بنشر دعوة التوحيد الخالص والتحذير من الشرك بسائر أنواعه، كالتعلق بالأموات والأشجار والأحجار ونحو ذلك، وهو رحمه الله في العقيدة على مذهب السلف الصالح والتابعين، كما تدل على ذلك كتبه وفتاواه وكتب أتباعه من أبنائه وأحفاده وغيرهم، وقد طبعت كلها وانتشرت بين الناس، وكانت دعوته وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والوهابية ليست طريقة أو مذهباً، وإنما كانت دعوة للتوحيد وتجديد ما اندثر من معالم الدين.
وإطلاق كلمة الوهابيين للتشنيع بها على من تمسك بالعقيدة الصحيحة والتحذير منهم، إنما هي طريقة الجاهلين والمغرضين، نسأل الله العافية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1424(1/106)
بين السلف الصالح والصوفية
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يقول علماء السعودية نحن على ما عليه السلف الصالح؟ ولماذا يقول أهل المغرب نحن متصوفون؟ أليس ما بعث به محمد عليه الصلاة والسلام هو عبادة الله الواحد الأحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمسلم مأمور بأن يعبد الله وحده بما شرع على لسان نبيه، لا أن يعبده بالبدع، وقد طبق السلف هذا أعظم تطبيق، كما هو واضح لكل من قرأ سيرتهم، وعلى هذا، فلا عيب على من قال: نحن على ما عليه السلف الصالح، لأن ما عليه السلف الصالح لا يكون إلا حقا، فإن السلف الصالح هم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، ومن سار على نهجهم من أئمة المسلمين من أمثال مالك وأحمد والشافعي وأبي حنيفة، وراجع لمزيد من التفصيل الفتوى رقم: 14527.
أما الانتساب إلى الصوفية، فلا يخلو من محاذير كثيرة، ولا سيما في وقتنا الراهن، فقد دخلت في الصوفية على مدار التاريخ طوائف عديدة من أهل البدعة والزندقة، حتى صارت الصوفية جماعات متعددة، ومذاهب شتى، منهم الزنادقة، ومنهم الضُّلاَّل، وأقلهم من هو قريب من السنة.
ولا شك أن المشاهد اليوم والمعروف من حال أكثر أهل التصوف في أرجاء العالم المخالفة لبعض أو معظم سنته صلى الله عليه وسلم، وإحداث أمور في الدين ما كانت معروفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذه المخالفة شأنها خطير، يكفي في بيان خطورتها قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63] .
فليحذر المسلم من الانتساب إلى هؤلاء، وراجع الفتوى رقم: 8500، والفتوى رقم: 29243.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(1/107)
موقعنا ليس حكما على الجماعات والأشخاص
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف رأيكم في جماعة العدل والإحسان الموجودة في المغرب، أرجو أن تجمعو معلومات عن هذه الجماعة، لأنها متهمة بالابتداع في الدين من طرف السلفيين، وهذا موقع للجماعةhttp://www.aljamaa.com/arabic1/baramij2.htm#22
أسأل الله أن يكون هذا الموقع طريق هداية للشباب الصاعد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ليس من طبيعة عملنا الحكم على الجماعات والأشخاص، لأن هذا يتطلب منا الوقوف على منهاجهم الكامل، ونحن مشغولون بالإجابة على الأسئلة الكثيرة الأخرى التي نرى أنها أولى بالاهتمام من هذه الأسئلة، ويمكنك أن تسأل عن هذه الجماعة أهل العلم والوسطية في بلد هذه الجماعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1424(1/108)
الوهابية.. مبادؤها.. وأسباب محاربتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي قصة الوهابية ولماذا البلاد معظمها تحاربها، أريد أن أعرف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالوهابية لقب أطلق على دعوة الشيخ المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لها من الآثار الحميدة والسجايا الكريمة والجهود العظيمة في نشر الإسلام، وإحياء السنة وإماتة البدعة، ما يدل على صدق وإخلاص الشيخ وأتباعه رحمهم الله، ولمزيد من التفصيل ترجى مراجعة الفتوى رقم: 5408.
أما لماذا تحارب هذه الدعوة؟ فالجواب: أن الدعوة إلى الحق لا توافق أهواء أكثر الناس، ولهذا ينصبون لها العداء، قال الله تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] ، وقال تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] .
وقال تعالى: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذريات:52] .
وفي صحيح البخاري أن ورقة بن نوفل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. وراجع للأهمية الفتوى رقم: 23711.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1424(1/109)
الحق لا يعرف بالرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل ما يقوله عبد السلام ياسين فضيلة الشيخ حق أم لا، هل أتبعه أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فموقعنا ليس معنياً بالحكم على الأشخاص، لكننا نوصيك بوصية عامة جامعة، كان السلف يوصون بها دائماً، وهي "إن الحق لا يُعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله"، ذكر ذلك كثير من العلماء، منهم ابن مفلح في الآداب الشرعية نقلاً عن ابن الجوزي في كتابه السر المكتوم، الذي رواه بدوره عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وقد بينا أغلب تلك الضوابط في فتوانا رقم: 23342، حينما سئلنا عن جماعة العدل والإحسان، والله نسأل لنا ولك الهداية والتوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1424(1/110)
الطائفة المنصورة هم أهل الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت عن موقع الطائفة المنصورة، فما هذا الموقع، وماهو عنوانه؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمركزنا مخصص للفتاوى الشرعية وليس مخصصاً للدلالة على المواقع، ولا علم لنا بالموقع المذكور، والطائفة المنصورة هم أهل الحق، ولأهل الحق مواقع كثيرة لا تحصى، وراجع الفتوى رقم: 23201.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1424(1/111)
حكم سماع دروس المخالفين لعقيدة أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
كثر في الآونة الأخيرة الكلام في حكم سماع أشرطة (العلماء) المخالفين للعقيدة السلفية فما حكم سماع هذه الأشرطة وكيفية التحذير من أمثال هولاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى المسلم أن يجعل الحق بغيته فيقبله ممن جاء به، فإن كان قادراً على التمييز بين السنة والبدعة، وسبق له أن درس عقيدة أهل السنة والجماعة على أيدي العلماء الموثوقين المعروفين بعلمهم وسلامة منهجهم، فلا بأس باستماعه للمخالفين لهذه العقيدة للأمن من الوقوع في شبههم، وأما إن كان لم يصل إلى هذه الحال، فلا ينبغي له أن يفتح أذنه وقلبه لأهل البدع، فإن الشبهة ترد على القلب فتجده فارغاً من علمٍ يردها فتتمكن فيه، ولهذا كثر تحذير علماء السلف رحمهم الله من مجالسة أهل البدع، وكلامهم في ذلك منتشر مشهور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1424(1/112)
طريق أهل السنة والجماعة هو الذي يلزم اتباعه
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على شاب اعتنق الإسلام حديثا وقد علم أن المسلمين فئتان: فئة على منهج أهل السنة والجماعة وأخرى على غير هذا المنهج، وقد طلب مني إفادته بهذا الشأن لكي يعلم أي الطريقين يسلك، لكن معلوماتي محدودة في هذا المجال ولا أريد أن ألقنه مفاهيم خاطئة فأحمل وزرها، لذلك أتمنى منكم أن تساعدوني، ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطريق أهل السنة والجماعة هو الطريق الذي يلزم كل مسلم اتباعه، فقد قال الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (الأنعام:153)
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: " خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله وقال: (هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه) وقرأ: وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ".
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصراط المستقيم بسنته كما قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (النحل: من الآية44) وقال سبحانه لنبيه: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (الشورى: من الآية52) ، وروى ابن ماجه عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال: " قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد." قال الشيخ الألباني: صحيح.
ولهذا كان سلفنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، قال الإمام مالك: السنة سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، والحمد لله فقد ركب الصحابة هذه السفينة وأمروا الأمة جميعاً بركوبها فنقلوا إلينا السنة وبلغوها لنا، فلم يبق عذر لأحد في مخالفة طريقهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن طوائف من أمته سوف تخرج عن هذا الصراط المستقيم، فقال صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة وافترقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة. رواه الحاكم وصححه، زاد في رواية: كلها في النار إلا واحدة، فقيل له ما الواحدة؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي رواه الحاكم والطبراني في معجميه الأوسط والصغير، وفي رواية قال: واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: الجماعة. رواه ابن ماجه.
فهذا يبين أن الصراط المستقيم الذي ينجو من سلكه هو طريق النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وهذا هو طريق أهل السنة والجماعة.
أما من خرج عن هذا الطريق فهو من هذه الفرق التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في النار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1424(1/113)
الانتماء للحركات الإسلامية واجب أم لا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب للمساهمة في نصرة الإسلام الانتماء لجماعة مجاهدة مثل جماعة الإخوان المسلمين، أم هو مجرد فضل (الرجاء تدعيم الإجابة بالنصوص الشرعية) ؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنصرة الإسلام واجبة على المسلمين لا شك ولا ريب في ذلك، ولا بد لهذه النصرة حتى تؤتي ثمارها من عمل جماعي يسير على خطى ثابتة وفقاً لمفاهيم ومبادئ وقيم وخطط مرسومة، والجماعات الإسلامية الموجودة اليوم في الساحة والمنتمية للسنة والجماعة فيها الصواب وفيها الخطأ، فيعانون على الخير والصواب وينصحون في الخطأ.
أما الانتماء والانتساب لهذه الحركات فقد تقدم الجواب عنه مفصلاً في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23342، 22510، 20522، 4321.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1424(1/114)
أنصار السنة المحمدية - الأصوليون
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
رجاء إعطاء نبذة مختصرة عن هذه الجماعات ومدى بعدها أو قربها من اعتقاد أهل السنة والجماعة:
(أنصار السنة المحمدية - التبليغ والدعوة - السلفيون - الأصوليون) ؟ وجزاكم الله عن الإسلام خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق الحديث مفصلاً عن جماعة التبليغ في الفتوى رقم: 21741، وفي أرقام الفتاوى المشار إليها في سؤال تلك الفتوى فراجعها.
وسبق بيان المقصود بالسلفية في الفتوى رقم:
5608.
وأما أنصار السنة المحمدية.. فهم جماعة إسلامية سلفية قامت في مصر أولاً، ثم انتشرت في غيرها للدعوة إلى الإسلام على أساس من التوحيد الخالص والسنة الصحيحة لتطهير الاعتقاد ونبذ البدع والخرفات كشرط لعودة الخلافة ونهضة الأمة الإسلامية.
وفي الموسوعة الميسرة نبذة وافية عنهم يمكن الأخ السائل الاطلاع عليها وهي في المجلد الأول صـ186.
وأما الأصوليون.. فهو مصطلح يطلق في العصر الحاضر على أهل الحق الذين تمسكوا به ودعو إليه وجاهدوا في سبيله، وأما قديماً فكان يطلق على المشتغلين بأصول الفقه الإسلامي، كما يطلق أيضاً على حركة فكرية بروتستانتية ظهرت في الغرب في القرن التاسع عشر الميلادي، كما في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة المجلد الثاني صـ974.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1424(1/115)
الأدلة على صحة منهج السلف الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأدلة من القرآن الكريم على السلفية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبداية ينبغي أن نبين معنى هذه الكلمة -السلفية- لغة واصطلاحاً.
فالسلفية: نسبة إلى السلف، قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: سلف، السين واللام والفاء أصل يدل على تقدم وسبق، من ذلك السلف الذين مضوا، والقوم السلاف: المتقدمون.
وقال الراغب الأصفهاني في المفردات: السلف: المتقدم، قال الله تعالى: فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ [الزخرف:56] أي معتبراً متقدماً..... ولفلان سلف كريم: أي آباء متقدمون، جمعه: أسلاف وسلوف....
والسلف في الاصطلاح الآن: هم الصحابة والتابعون وتابعوهم من الأئمة الذين يقتدى بهم كالأئمة الأربعة وسفيان الثوري والبخاري وسفيان بن عيينة وغيرهم من الأئمة الأجلاء الأعلام الذي شُهد لهم بالإمامة في الدين والورع والتقوى.
فالسلفية: هي المدرسة التي تلقت العقيدة والمنهج الإسلامي من الكتاب والسنة طبقاً لفهم السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وأبرز خصائص أتباع هذه المدرسة -أي السلفيين- التمسك بمنهج النقل، ولهذا يعرف أتباعها أيضاً بأهل الحديث أو أهل الأثر.. تمييزاً بينهم وبين من انسلخ من هذا المنهج.
ولا ريب أن هذا المنهج -أي المنهج السلفي- هو المنهج الذي يجب على كل مسلم اتباعه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لايكون إلا حقاً. وراجع للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5484، 14527، 23342، 26056.
والأدلة على صحة هذا المنهج كثيرة، نذكر منها:
قوله تعالى: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:137] ، فجعل الله سبحانه الإيمان بمثل ما آمن به الصحابة علامة على الهداية، وجعل التولي عن ذلك دليلاً على الشقاق والضلال.
وقوله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء:115] ، وسبيل المؤمنين ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام قولاً وعملاً واعتقاداً، حرم الله الخروج عنها واتباع غيرها، وتوعد على ذلك بجهنم وسوء المصير.
وقوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100] ، فأثنى الله على من اقتدى بالصحابة بقوله: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ وهذا لأن الصحابة رضي الله عنهم تلقوا الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة ففهموا من مقاصده صلى الله عليه وسلم، وعاينوا من أقواله وسمعوا منه مشافهة ما لم يحصل لمن بعدهم.
قال الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله: قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشفها كانوا أقوى..... فلئن قلتم حدث بعدهم فما أحدثه إلا من خالف هديهم ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه ما يشفي وتكلموا منه بما يكفي، فما فوقهم محسر، وما دونهم مقصر، لقد قصر عنهم قوم فجفوا وتجاوز آخرون فضلوا، وإنهم فينا بين ذلك لعلى هدى مستقيم. أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن بطة في الإبانة الكبرى، وابن القيم في إعلام الموقعين، وقد روى شيخ الإسلام كلاماً شبيهاً بهذا عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، ولقد سار التابعون وتابعوهم على نهج الصحابة واقتفوا أثرهم، ولهذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم..... رواه البخاري.
قال إبراهيم النخعي -من التابعين-: لو بلغني عن الصحابة أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفراً ما جاوزته، وكفى بالقوم وزراً أن تخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم صلى الله عليه وسلم، والآثار عن التابعين وتابعيهم مستفيضة بذلك. فالسعيد من سار مسار هذه القرون الثلاثة المفضلة ولم يحد عنه يمنة أو يسرة.
نسأل الله أن يجمعنا بهم في جنته، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1424(1/116)
من التزم بمنهج الفرقة الناجية كان منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام في معنى الحديث.
-تتفرق أمتي على 73 فرقة منها 72 في النار وواحدة في الجنة.
ما هو المطلوب من المسلم لكي يكون مع الفرقة الناجية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي أشار إليه السائل سبق الكلام عنه في الفتاوى بالأرقام التالية: 18486 12682 17713 والمطلوب من المسلم لكي يكون مع الفرقة الناجية أن يلتزم منهجهم، وانظر الفتوى رقم: 25174
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1424(1/117)
المسلمة السافرة هل تخلد في النار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة ملتزمة أصلي وأصوم وأطبق جميع التعاليم الشرعية باستثناء الحجاب الشرعي بسبب طبيعة عملي، فهل أنا مرتكبة كبيرةً من الكبائر؟ وأنني سأحرم من رحمة الله ولن أدخل الجنة كما سمعت من أحد المشايخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق لنا عدة فتاوى في بيان حكم وجوب الحجاب للمرأة، وأن التخلي عنه من أعظم الذنوب التي يجب على المسلمة الحذر منها؛ إلا إذا دعت إلى ذلك ضرورة ملحة، وانظري الفتوى رقم:
2595، والفتوى رقم: 8287.
ومن هذا يتبين للسائلة حرمة نزع الحجاب أمام الرجال الأجانب عليها لغير ضرورة، أما بخصوص العمل فإن كان لضرورة، وتوفرت الضوابط الشرعية التي ذكرناها في الفتوى رقم: 522، والفتوى رقم: 3859، فهو جائز وإلا كان حراماً.
وننبه السائلة هنا إلى أن مذهب أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة إذا مات مصراً عليها هو أنه في مشيئة الله عز وجل إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء أدخله النار؛ لكن إن دخلها فإنه غير مخلد فيها، ولا بد أن يخرج منها إلى الجنة، والأدلة على هذا كثيرة من القرآن والسنة، فمن القرآن قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] .
لكن بفضل الله عز وجل ورحمته أن العبد إذا تاب من ذنوبه فإنه بمنه ولطفه يقبل توبته ويغفر زلته ولو كان ذنبه الذي تاب منه الشرك بالله، فعليك أيتها السائلة بالتوبة إلى الله تعالى، والالتزام بجميع تعاليم الدين الإسلامي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1423(1/118)
مسائل في المذاهب الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أود معرفة المذاهب الإسلامية الأربعة مع معرفة هل منهم من عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن المذاهب الإسلامية الأربعة في الفتاوى التالية: 22612 -
2397 -
5812 -
7763 -
18248.
وليس أحد من أئمة المذاهب الأربعة كان معاصرا للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض الفتاوى المشار إليها تجد تواريخ ميلادهم ووفاتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(1/119)
لا بأس بالاختلاف في الفروع مع الأدب بعد الاجتماع على الأصول
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
يوجد الآن اختلاف كبير بين العلماء في مسألة التكفير وقد وصل بهم الأمر إلى التشهير ببعضهم البعض على المنابر وفي المحاضرات ونحسبهم جميعاً على خير لأنهم يتبعون السلف في العقيدة وطلب العلم ولكنهم مختلفون أشد الاختلاف في مسألة التكفير هذه فما هو الواجب علينا وأي الفريقين نتبع؟ مع العلم بأن كل منهم يعتبر الآخر من الفرق الضالة.
أن موضوع التكفير لا يعنيني بالمرة ولكن الذي يحز في نفسي هو درجة الخلاف الشديد أفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن مسألة التكفير وضوابط ذلك، في الفتاوى التالية أرقامها: 721، 3869، 8106، 12883، 12800، 19773.
وتقدم الكلام عن الاختلاف والطعن والتشهير بين المنتسبين إلى الدعوة والحركات الإسلامية، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 10157، 4402، 13411، 15701، 16387، 26350.
أما قول السائل فماذا يجب علينا وأي الفريقين نتبع؟ فجوابه: أن الواجب عليكم هو جمع الناس على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والمهم هو الاجتماع على الأصول الكليات والقطعيات، ولا بأس بعد ذلك بالاختلاف في مسائل الفروع والظنيات، مع وجوب مراعاة آداب الخلاف.
وأما عمن تتبعون، فإنكم لم تبينوا لنا ماذا يقول هؤلاء؟ وماذا يقول هؤلاء؟ ولكن نقول عليكم بعرض هذا الخلاف على العلماء الربانيين، فهم الذي يهمهم جمع كلمة المسلمين وتوحيدهم على الهدى.
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1423(1/120)
أمة واحدة وليست شيعا وأحزابا
[السُّؤَالُ]
ـ[سلام الله عليكم
ظهر مؤخرا في إحدى القرى عندنا أمر غريب وهو قسمة السلفية إلى قسمين الحجازيين والألبانيين
نرجو من فضيلتكم التنبيه والتوضيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السلفية منهج يعني الرجوع إلى ما كان عليه سلف هذه الأمة الصالح من الصحابة والتابعين في فهم الكتاب والسنة والعمل بهما.
وواجب هذه الأمة أن تكون أمة واحدة تقوم على أساس هذا المنهج لا على أساس التفرق والتحزب الذي يخضع لأهواء الناس.
وإن الشيخ الألباني رحمه الله، وإخوانه من علماء الحجاز كانوا على هذا المنهج لم يحيدوا عنه، فلم يكن أحدهم منقسماً على الآخر أو خصيماً له، وإنما وقع الاختلاف بينهم في مسائل وقع الاختلاف فيها بين العلماء في مختلف العصور دون أن يكون أحدهم مبغضاً للآخر، فليسع الناس ما وسع أولئك السلف الأبرار.
وليكن المسلمون على حذر من اتباع خطوات الشيطان الذي يريد لهم أن يكونوا شيعاً وأحزاباً ليقعوا في غضب الله وسخطه، وبراءة الرسول صلى الله عليه وسلم منهم، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام:159] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1423(1/121)
وسيلة تحقيق سلامة المعتقد واستقامة السلوك
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أكون سليم المعتقد والفكر والسلوك والمنهج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فصحة المعتقد وسلامة المنهج واستقامة السلوك لا تكون إلا بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل بهما على منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين، مع البعد كل البعد عن كل اعتقاد وقول وعمل يخالفهما، قال الله تعالى (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:115) ولتحقيق ذلك يستعين المؤمن بأهل العلم الموثوقين، وبالرفقة الصالحة للإعانة على الخير، والحث عليه، وللزجر عن الشر، والابتعاد عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1423(1/122)
الإسلام ... توازن وتدرج
[السُّؤَالُ]
ـ[حول النظم الشرعية ماهومفهوم التدرج ومفهوم التوازن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
التدرج معناه: التنقل من مرحلة إلى مرحلة، أو الصعود من درجة إلى درجة أعلى.
والتدرج سنة من سنن الله تعالى في هذا الكون نلاحظ ذلك في أنفسنا وفي الآفاق من حولنا.... وقد خلق الله تعالى السماوات والأرض في ستة أيام، ولو شاء لخلقها في أقل من طرفة عين، قال القرطبي: ولو أراد خلقها في لحظة لفعل؛ إذ هو القادر على أن يقول لها: كوني فتكون، ولكنه أراد أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور ... وحكمة أخرى من خلق السماوات والأرض في ستة أيام، لأن لكل شيء عنده أجلا..
هذه السنة جارية على الإنسان والحيوان والنبات......
والتدرج سنة من سنن الأنبياء والدعاة والمصلحين في كل زمان ومكان، فقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى كلمة التوحيد.... وظل يتدرج في دعوته شيئاً فشيئاً والقرآن يتنزل عليه طيلة ثلاث وعشرين سنة إلى أن أكمل الدين ونزل قول الله تبارك وتعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] .
فكمل الدين في هذه المدة الطويلة بعد تدرج متأن، ومراحل متتابعة يسلم بعضها إلى بعض، فلم ينتقل نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى حتى نعمت الجزيرة العربية بظلال الإسلام في تدرج وحكمة.
وهكذا تابع خلفاؤه الراشدون وصحابته الكرام هذه المسيرة، وكذلك من سار على نهجهم من التابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا.
وأما التوازن فيقصد به: الاعتدال والوسطية وعدم الإفراط والتفريط أو الغلو والتقصير.
وهذه سمة الإسلام البارزة وطبيعته الدائمة.. فهو وسط في الأخذ بالمادة وعدم الغلو في الروحانية.
فلا مقارنة بين الإسلام وبين غيره من الأديان والنظم والفلسفات في هذا الجانب أو أي جانب آخر.
فالإسلام دين التوازن بين الروح والجسد.... التوازن القائم على العدل الملائم لفطرة الإنسان التي فطره الله عليها.
ويتضح توازن الإسلام في منهج أهل السنة والجماعة القائم على الوسطية بين الإفراط والتفريط والغلو والتقصير.. نلاحظ ذلك في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات.. فهو منهج وسط بين مناهج الفرق الإسلامية الأخرى والتي جنح بعضها إلى الغلو فصار فيه شبه من النصارى، وجنح بعضها إلى التقصير فصار فيه شبه من اليهود.
وباختصار فإن التوزان هو: الاستقامة التي لا اعوجاج فيها، والسداد والمقاربة التي لا غلو فيها ولا تقصير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1423(1/123)
ضوابط الحكم على الفرق والجماعات المعاصرة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هناك حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يتحدث فيه عن انقسام الأمة إلى 72 أو73 فرقة كلهم في النار، إلا واحدة وهي التي كانت على ما كان عليه رسول الله وأصحابه، في ما معنى الحديث. فالسؤال هو هل يمكن حاليا معرفة الفرقة الناجية والفرق الضالة مع بعض الشرح، وإلى أية فرقة ينتمي "الإخوان المسلمين"، وأتمنى أن ترفقوا الإجابة بأدلة من القرآن والسنة. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق تخريج الحديث بألفاظه وبيان الفرقة الناجية والضابط الذي حكم من خلاله على فرقة أو جماعة ما بأنها ناجية أو هالكة، وذلك في الفتوى رقم: 12682 والفتوى رقم:
5608 وبمراجعة هاتين الفتويين يمكنك الحكم على الفرق والجماعات الموجودة في هذا العصر وفي غيره بعد معرفة منهجها العلمي والعملي، وموقعنا يهتم بالإجابة على الأسئلة والاستفسارات دون تقييم الجماعات والأشخاص والحكم عليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1423(1/124)
تعريف عام بشريعة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم جديد أريد التعرف على شريعة الإسلام السمحة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنقول اختصارا لما سألت عنه من التعرف على شريعة الإسلام:
الإسلام هو الدين الخاتم الذي ختم الله به جميع الأديان، ولا يقبل ديناً سواه كما قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) [آل عمران:85] وهو دين شامل كامل، صالح لكل مكان ولكل زمان، وهو دين عالمي لكل الشعوب والأمم، وهو دين التوحيد والوحدة والعدالة والرحمة والمساواة، يكفل لمن تمسك به السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة.
ويقوم على أركان خمسة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر الذي رواه الشيخان، قال صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً." هذه هي أركان الإسلام، أما الإيمان فله ستة أركان بينها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصحيحين قال: " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره."
وإذا بلغ العبد مرحلة من مراقبة الله وخشيته بحيث إنه لما يعبد الله يعبده وكأنه يراه فهذه الدرجة تسمى الإحسان، وجاءت في حديث عمر المتقدم، وفي آخره قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك."
والإسلام يعتني بشؤون الحياة جميعها، من شؤون الفرد وصحته، وشؤون الأسرة وأحكامها، من زواج وطلاق وعِشْرة وقيام بحقوق الزوجة والأبناء والوالدين، وأحكام الميراث، وكذلك يعنى بشؤون المعاملات من بيع وشراء، وإجارة ونحوها، ويهتم بالحقوق للآخرين كحق الجار والصديق، ويحث على عيادة المرضى وصلة الأرحام والإحسان على الخلق جميعاً، قال الله سبحانه: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) [النحل:90]
كما يحث أتباعه على التحلي بمكارم الأخلاق، كالصدق والأمانة والحلم والصبر والشجاعة، وينهاهم عن أراذل الأخلاق ومساوئها كالخيانة والكذب والغش.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1423(1/125)
السلف ... منهجهم ... عقيدتهم وفقههم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف ما هو منهج السلف الصالح؟ وما هي الكتب التي تؤدي إلى اتباع هذا المنهج من البداية إلى النهاية؟ وهل يعتبر السلف فرقة من الفرق التي تدعي لنفسها بأنها الإسلام الصحيح أم ماذا تكون؟
أرجو الرد بأسرع وقت ممكن وجزاكم الله خيرا عن المسلمين جميعاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسلف هم الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان، ومنهجهم هو القرآن والسنة، وأتباع هذا المنهج لا يحصرهم زمان، ولا يحدهم مكان، وليس لهم اسم ينسبون إليه سوى السنة.
واعلم أخي أن منهج السلف ليس حكراً على طائفة تنسب نفسها إلى السلف أو تتسمى بذلك، بل كل من اعتقد عقيدة السلف وعمل بمنهجهم فهو منهم، ولمعرفة عقيدتهم انظر الكتب المحال عليها في الفتوى رقم: 16542.
وكتب شيخ الإسلام كالعقيدة الواسطية والتدمرية، وكتاب شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي.
وانظر الفتاوى التالية: 5608، 14527، 18486، 10515.
وما سبق بيانه هو منهج أهل السنة من حيث الاعتقاد، وأما من حيث الفقه فلأهل السنة أربعة مذاهب سنية متبوعة، وهي المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، وهذه هي التي حفظت ونقلت نقلاً متواتراً، وإلا فيوجد مسائل لأئمة من أهل السنة نقلت نقلاً لم يبلغ حد التواتر، ولم يحفظ قولهم في كل المسائل كالليث والأوزاعي والسفيانيين وغيرهم كثير.
ولكن ينبغي لمن درس مذهباً أن يجتنب التعصب المقيت الذي نهى عنه الشرع، وأن يلزم الحق حيث كان، ولمعرفة الكتب النافعة في ذلك انظر الفتوى رقم: 23156 والفتوى رقم: 22007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1423(1/126)
الوسطية في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الوسطية في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالوسط هو الخيار والأعلى من الشيء، والوسط من كل شيء أعدله، وأصل هذا أن خير الأشياء أوساطها، وأن الغلو والتقصير مذمومان.
قال الزمخشري: وقيل للخيار وسط؛ لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأوساط محمية محوَّطة، ومنه قول أبي تمام:
كانت هي الوسط المحمي ما اكتنفت ... بها الحوادث حتى أصبحت طرفًا
قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:143] . أي عدولاً خياراً.
ومنه قوله تعالى: قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ [القلم:28] . أي خيرهم وأعدلهم.
هذا؛ والشرع والعقل داعيان إلى التوسط والاعتدال، ففي الحديث: إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا ... رواه البخاري، وفي رواية: القصد القصد تبلغوا.
والتوسط والاعتدال هو الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية، فالإنسان خلق ضعيفًا يعتريه الفتور والكسل، وتعرض له الشواغل، ويتقلب بين قوة وضعف، وصحة ومرض، فكان الاعتدال هو المناسب له المتفق مع حاله، وإن أحس من نفسه همة عالية وقوة فجنح إلى التشدد فمرده إلى الضعف وانقطاع المسير.
وهذه الأمة المسلمة أمة وسطية بكل معاني الوسط:
وسط في النبوة والرسالة، فلا هي غلت في نبيها كما غلت النصارى في نبيهم، ولا هي أساءت إليهم وآذتهم وقتلتهم كما فعلت يهود.
وهي وسط في الشريعة والأحكام، كما يقوله الإمام الشاطبي: الشريعة جارية في التكليف بمقتضاها على الطريق الوسط الأعدل الآخذ من الطرفين بقسط لا ميل فيه، الداخل تحت كسب العبد من غير مشقة عليه ولا انحلال، بل هو تكليف جارٍ على موازنة تقتضي في جميع المكلفين غاية الاعتدال.
وبالجملة فهذه الأمة المسلمة وسط في الأمم بجموعها لا بجميعها، وأهل السنة والجماعة وسط في الأمة بين فرقها ونحلها المتنازعة في مسائل الدين كلها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذه الفرقة الناجية أهل السنة هم وسط في النحل كما أن ملة الإسلام وسط في الملل.
وقال أيضًا: وكذلك في سائر أبواب السنة هم وسط؛ لأنهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. مجموع الفتاوى 3/375.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/127)
المعيار الذي تعرف فيه الفرقة الناجية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الفرقة -الطائفة- الناجية التي خصها الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف، وماذا تقولون في جماعة التبليغ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الفرقة الناجية هم من عصمهم الله تعالى من الاختلاف في أصول الدين وكلياته وقطعياته، هم القائمون على الحق، الآخذون بالكتاب والسنة، السائرون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في الاعتقاد والسلوك والعمل، وباختصار هم أهل السنة والجماعة الذين بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم الفرقة الوحيدة الناجية من النار الموصوفة بقوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة وبين أن جميع الفرق في النار إلا واحدة: ما أنا عليه اليوم وأصحابي. رواه الحاكم وغيره.
وهذا هو المعيار الذي تقاس عليه أي جماعة أخرى، سواء كانت التبليغ أو غيرها، فما وافق ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة فهو الحق، بغض النظر عمَّن قام به.
ويراجع الفتوى رقم:
9565 والفتوى رقم: 5900
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1423(1/128)
سبب انحطاط المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[لمذا نحن في انحطاط]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فانحطاط المسلمين يرجع إلى بعدهم عن دينهم وتفرق كلمتهم وعدم أخذهم بسنن الله سبحانه وتعالى في التدافع والتقدم هذا في الجملة، ومن حيث التفصيل فهو مبين في الفتوى رقم 18945
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1423(1/129)
أجوبة حول أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم أهل الجماعة والسنة وكيف أكون مثلهم؟ ومن هم الأشاعرة والماتريدية والصوفية وماذا يقولون ويفعلون حتى نتجنبهم ولا نكون مثلهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، والفرق بينها وبين الأشاعرة والماتريدية والصوفية في الفتاوى التالية أرقامها:
10400
17236
21700
4118
5484
8500.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1423(1/130)
اتهام لا يقوى على النهوض لأتباع السلف الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤال عن ما يسمى بالمذهب السلفي هل هو مذهب صحيح؟ ولماذا يرفض أو يتغاضى من يسمون أنفسهم سلفيين عن الاهتمام بأمور المسلمين وأولها قضية فلسطين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان معنى السلفية، ومنهجهم في الفتاوى التالية أرقامها:
5608
14527
2496
10400
وتبين منها أن السلفية هم أتباع السلف من الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن تبعهم بإحسان، وليس ادعاء الانتماء إلى السلفية هو الميزان الذي نزن به الأدعياء، ولكن علينا أن ننظر في منهج المدعي، فإن وجدناه على طريق السلف قبلنا دعواه، وإن وجدناه خلاف ذلك علمنا كذبه.
وإن من أهم النقاط التي يرتكز عليها المنهج السلفي الاهتمام بأمر المسلمين، متبعين في ذلك سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم القائل: المؤمنون كرجل واحد، إن اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. رواه مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.
فمن ادعى الانتماء إلى السلف ثم فرط في شيء من منهجهم القويم، فالعيب فيه لا فيما انتمى إليه، وليعلم أن الأهتمام بقضايا المسلمين لا ينحصر في مجرد عرضها على الناس في الخطب والدروس، بل يتعدى ذلك إلى كثير من الطرق والوسائل التي تتيسر لكل إنسان بحسبه، ومن أهم هذه السبل: مساعدتهم بالمال والدعاء لهم، وتحذير المسلمين من مكر أعدائهم، وتنوير عقول المسلمين بتوضيح أحكام الشرع المتعلقة بهذا الشأن، ونسأل الله تعالى التوفيق لنا ولكم ولجميع المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1423(1/131)
الجادة الصحيحة في اتباع القرآن والسنة وفهم سلف الأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[بالله عليكم ويحاسبكم أريد الديل القاطع على هذا السؤال أنا أخ التزمت منذ شهور والحمدلله لن أترك فرضاً ولا سنة والتحيت رغم معارضة أهلي ولكن كلما أتعمق في الدنيا أجد ما يسمى بالفرق الإسلامية مثل أهل السنة أهل الإسماعلية ماهذا وما أفعل كي أكون مسلمآ حقيقيا ولو يوجد بعض الشرائط والكتب أرجو أن تبلغوني بها كي أشتريها أو أحملها من النت وجزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإنسان إذا أراد السلامة والنجاة في دينه فإن عليه أن يسلك طريق أهل السنة والجماعة المبين في القرآن والسنة، وفهم السلف الصالح من هذه الأمة، ويتبع منهجهم القويم، فإنهم وحدهم من بين جميع الفرق على الجادة الصحيحة التي لا اعوجاج فيها ولا انحراف، ولمزيد الفائدة نحيلك إلى الجواب رقم: 10400
أما ما يتعلق بقولك: كيف أكون مسلماً حقيقياً؟ فاعلم أن الطريق إلى ذلك هو تعلم القرآن والسنة والاستقامة عليهما، والاستفادة من مؤلفات أهل العلم، وإذا كنت مبتدأ فننصحك بقراءة المختصرات المؤلفة في العقيدة والفقه الإسلامي. حتى تتعلم أحكام عقيدتك وما فرض الله عليك من الطهارة والصلاة وغير ذلك، ثم تتدرج في طلبك للعلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيراً يفقه في الدين " رواه البخاري ومسلم
وإننا ننصحك بلزوم أهل الصلاح والخير وحضور المحاضرات الدينية والدروس العلمية، ونسأل الله أن يوفقك ويثبتك على دينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1423(1/132)
اعرف الحق تعرف أهله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأيكم في الجماعات الإسلامية التي ظهرت وما حكم اتباعها في ما يخص العدل والإحسان والسلفيين أيهما أحق بالاتباع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ليس من منهجنا الحكم على الجماعات أو الأشخاص لأن هذا يتطلب منا الوقوف على مناهجهم بالكامل، وهذا غير متوفر لدينا الآن كما أننا مشغولون بالإجابة على الأسئلة الأخرى، ولذا فإننا سنعطيك بعض الضوابط في هذا الموضوع فنقول:
أولاً: يجب عليك الحذر من الفرق المبتدعة كغلاة الصوفية، ولا عبرة بانتسابهم زوراً إلى أهل السنة والجماعة، وراجع في هذا الفتاوى التالية أرقامها:
596
8500
13742
20393.
ثانياً: لمعرفة أي الجماعات أحق بالاتباع يلزمك أن تعرف أنه من كان من هذه الجماعات متبعاً للكتاب والسنة وفق منهج وفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان فهو أحق بأن يتعاون معه على البر والتقوى.
وبناءً عليه يلزمك التعرف على المنهج الصحيح وتعلم العقيدة الصحيحة أولاً ثم بعد ذلك سيتبين لك الحق إن شاء الله وما أجمل قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله.
ثالثاً: لمعرفة أي الجماعات السلفية أحق بأن يتعاون معها يلزمك البحث عن أكثر هذه الجماعات اتباعاً للحق واقتفاء لآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وأحرصها على موافقة النبي صلى الله عليه وسلم في القول والعمل، ومعرفة هذا أمر يسير بإذن الله، وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
5608
7881
14986
4321.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1423(1/133)
الطريق لأهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أكون من أهل الجماعة والسنة؟ وجزاكم الله خيراً........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتكون من أهل السنة والجماعة عندما تلتزم بمنهجهم، ومنهجهم مبين في الفتاوى التالية أرقامها:
5608
2496
10400
10157
10945.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1423(1/134)
سواد الأمة الأعظم تبع لأهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لم لا يتبع جميع المسلمين المنهج السلفي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نجاة للمسلم إلا بالتزام شرع الله تعالى وفق فهم سلف الأمة لهذا الدين، قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ.....الآية [التوبة:100] .
والدين الذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم هو الذي ارتضاه الله لعباده، قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55] .
واعلم أن أكثر الأمة وسوادها الأعظم هم تبع لأهل السنة والجماعة، وانظر الفتوى رقم:
12682.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1423(1/135)
الأئمة الأربعة كلهم على هدى..وبيان الفرقة الناجية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على من اتبع الهدى وبعد
لقد راسلتكم منذ فترة ليست قصيرة ولم يردني أي رد. أتمنى أن يكون السبب خيراً.
أرجو منكم بيان أصح المذاهب الأربعة؟ كما أرجو منكم بيان الفرقة الناجية التي ورد ذكرها في الحديث المشهور ( ... وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) على أن تكون الإجابة مدعمة بالأدلة القرآنية.
والسلام عليكم ورحمة ألله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكل أئمة المسلمين على هدى وخير، ويحرم على المسلم أن يتعصب تعصباً أعمى يؤدي به إلى بغض إخوانه المسلمين وتضليلهم، وقد قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد وسائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم، فجزاهم الله تعالى عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأكمله وحشرنا في زمرتهم. وإذا كانوا كلهم على هدى من الله سبحانه وتعالى فلا حرج على من أرشد غيره إلى التمسك بأي مذهب من المذاهب الأربعة وإن خالف مذهبه واعتقاده، لأنه أرشده إلى حق وهدى انتهى، وانظر الفتوى رقم:
16387 والفتوى رقم:
6787.
وأما الفرقة الناجية فهي كل من كان على النهج الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذه الفرقة لا تحصرها جماعة ولا تحدها بلاد بل هي منهج، من تمسك به فهو من هذه الطائفة، قال أحمد بن حنبل رحمه الله: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم.
قال القاضي عياض: إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحديث.
قال الإمام النووي: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم: شجعان مقاتلون، ومنهم: فقهاء، ومنهم: محدثون ومنهم: زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم: أهل أنواع آخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1423(1/136)
التنوع المحمود والتنوع المذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز في الإسلام تكوين طوائف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب على الأمة الإسلامية أن تكون أمة واحدة متآلفة مترابطة متحابة، ولا يجوز لها التفرق والتشرذم والتناحر والتباغض.
لكن إذا كان تعدد الطوائف من أجل التخصص والتنوع للقيام بفروض الكفايات فهذا أمر حسن، وقد كان موجوداً في زمن الصحابة والسلف الأوائل، أما إذا كان تعدد تباغض وتدابر أو تعدد مناهج ونحل فإنه لا يجوز.
وقد تقدمت لنا عدة فتاوى في ذلك وهي بالأرقام التالية:
2788
6512
4321
10157
10515.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1423(1/137)
حملة منهج الأنبياء عرضة لعداوة شياطين الإنس والجن
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء مدي ببعض المعلومات حول السلفيين والخطوط العريضة لمذهبهم؟ ولماذا يواجهون معاملة سيئة في العديد من البلدان؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق لنا فتوى رقم: 5608 فيها بيان حقيقة السلفيين وعقيدتهم ومنهجهم.
وأما قول الأخ السائل: لماذا يواجهون معاملة سيئة في العديد من البلدان، فنقول: لأنهم يحملون منهج الأنبياء الذي جاؤوا به لإصلاح واقعهم ومجتمعاتهم، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فكذبهم وحاربهم وعاداهم شياطين الإنس والجن، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [الأنعام:112] . وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيرا) ً [الفرقان:31] .
والعلماء وأتباعهم في كل عصر يقومون بدعوة الناس وإرشادهم إلى الحق، لأنهم ورثة الأنبياء فلا بد أن يواجهوا ما واجهه الأنبياء.
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، ويجنبنا ما يسخطه ويأباه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1423(1/138)
أسباب تراجع المسلمين وانهزامهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو سبب تراجع المسلمين وتفرقهم وهل صحيح أن هناك صحوة إسلامية وكأنه هناك تناقض وجزاكم الله عنا كل خير أخوكم أبوزيد
علما أنه للمرة الأولى التي أكتب فيها عنوان بريد إلكتروني لأنه ليس لدي عنوان ولكن أحاول أن يكون هذا عنواني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلتراجع المسلمين أسباب عديدة يأتي على رأسها الأسباب التالية:
1- ذهاب ريح المسلمين قال الله تعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] . قال جمع من المفسرين الريح الدولة، ولا شك أنه بسقوط الخلافة الإسلامية، تمزقت الأمة الإسلامية وضاعت دولتهم وقوتهم، وأصبحوا دويلات صغيرة، فقدت قرارها، وبسط العدو نفوذه على كثير من بلاد الإسلام فأخذ ثرواتهم، وسلب خيراتهم ورزع الشحناء والبغضاء بينهم، فأصبحوا يعيشون في حروب داخلية متواصلة مما أفقدهم بقية القوة التي يمتلكونها.
2- تغلغل الأفكار الهدامة والأحزاب التي تتبنى مناهج غريبة على الإسلام ومنافية لتعاليمه، وتم ذلك في ظل دعم من قبل أعداء الإسلام وغفلة من علمائه، وجهل من أبنائه، وإذا بالشباب خصوصاً والناس عموماً، يسيرون في طريق التراجع عن الإسلام، ويخفت نور الإيمان في قلوبهم بسبب حملات التشكيك المتواصلة، والإعلام الهابط من تلفاز ومجلات وجرائد وإنترنت وقنوات فضائية. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
3- إقصاء الشريعة من الحكم وتنحيتها من الواقع، وقيام بعض دول الإسلام بأخذ دساتير لبلدان كافرة وترجمتها وحكم المسلمين بها. والله تعالى يقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] .
4- الهزيمة النفسية أمام الأعداء: وأي أمة لا تستعمر إلا إذا كانت عندها القابلية لذلك. يقول الأمير شكيب أرسلان: من أعظم أسباب انحطاط المسلمين في العصر الأخير فقدهم كل ثقة بأنفسهم وهو من أشد الأمراض الاجتماعية، واخبث الآفات الروحية، لا يتسلط هذا الداء على أمة إلا ساقها إلى الفناء.
5- ظهور بعض الشخصيات القيادية التي لها دورها في المجتمع وقيامها بتنفيذ مخططات أعداء الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن حذيفة بن اليمان: دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: صفهم لنا، قال: هم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا. إلا أن هؤلاء المفسدين يلمعون إعلامياً من قبل أعداء الدين والملة ويظهرون بمظهر المصلح الحريص، وصدق الله حيث قال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ*أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة: 11-12] .
6- افتتان جماهير من المسلمين بالثقافات الغربية، وسعيهم في تقليدهم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري.
7- حب الدنيا: ومتى ما أحبت النفوس الدنيا وشهواتها ولذائذها انصرفت عن معالي الأمور وانشغلت بسفاسفها وانصرفت عن الآخرة واقبلت على الدنيا وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الداء العضال في الحديث الذي روه الإمام أبو داود وغيره عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أومن قلة نحن يؤمئذ؟ قال: بل أنتم يؤمئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت.
أما ما ذكرت من وجود بعض الاختلاف بين فصائل العمل الإسلامي فالذي نرجوه من الله تعالى أن يكون هذا الاختلاف اختلاف تنوع لا تضاد، وانظر الفتاوى التالية أرقامها:
2788
4321
5900
6512
10157
10515
13411.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1423(1/139)
المقتضيات الموجبة للاقتداء بالسلف الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا نتبع السلف الصالح؟
الرجاء التوضيح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمقصود بالسلف الصالح ابتداءً الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ثم من سار على منهجهم من أئمة الإسلام.
وعليه، فإننا نتبع السلف الصالح لأمور:
الأول: أنهم أزكى هذه الأمة نفوسًا وأطهرها قلوبًا وأكثرها علمًا وأقلها تكلفًا، فقد زكاهم الله عز وجل وأكثر من الثناء عليهم في القرآن فوعدهم بالجنة وأخبر برضوانه عنهم وبأنهم صدقوا في إيمانهم، حتى قال سبحانه وتعالى مخاطبًا لهم: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) [البقرة:137] .
الثاني: أنهم قوم نزل القرآن بلسانهم وشاهدوا مواقع التنزيل، فكانوا بلا شك أعلم هذه الأمة بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وأدراهم بمقاصدها.
الثالث: شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بأنهم خير الأمة، فقال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" رواه البخاري.
الرابع: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا نجاة إذا حصل الافتراق في هذه الأمة، إلا باتباع ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد روى الترمذي في جامعه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة. قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي" حسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1423(1/140)
ليس ابن تيمية وحده هو الذي رد على الأشاعرة والماتريدية
[السُّؤَالُ]
ـ[تدعي أنك من أتباع منهج الوسطية إلا أني لاحظت أنك تتكلم كلاماً غير لائق عن الأشعرية ولم يفعل ذلك سوى ابن تيمية وأتباعه.
وجميع أهل الكلام من أهل السنة سواء كانوا من الماتريدية أو الأشعرية.
لذا انتبه إلى ما تقول لأنك مسؤول أمام الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمنهج الأشاعرة والماتريدية في العقيدة ليس هو منهج أهل السنة والجماعة، بل إن الأشعري -رحمه الله- رجع عن كثير من آرائه التي يتبناها من يزعمون أنهم أتباعه اليوم، ومعتقده الموافق لأهل السنة مدوَّن في آخر ما ألفه من مؤلفات كـ: (مقالات الإسلاميين) و (الإبانة) و (رسالة إلى أهل الثغر) .
وليس شيخ الإسلام ابن تيمية وحده هو الذي رد عليهم خطأهم، ومن شاء فليقرأ معتقد السلف في ما دونه اللالكائي في (أصول الاعتقاد) والأصفهاني في (الحجة) والذهبي في (العلو) ، وقبلهم عبد الله بن أحمد بن حنبل في السنة وابن خزيمة في (التوحيد) وابن منده في (التوحيد) أيضاً، وغيرها من دواوين أهل الإسلام المعتمدة في المعتقد.
والقول: بإن أهل الكلام جميعاً من أهل السنة محض افتراء، ويرد عليه ويكذبه أن الأشاعرة والماتريدية -والذين يدعي السائل أنهم من أهل السنة- يضللون ويبدعون أهل الاعتزال الذين هم أصل أهل علم الكلام، وكثير من أهل الكلام من الأشاعرة والماتريدية، وقليل منهم من أهل السنة والجماعة.
والمنصف في كلامه وحكمه هو الذي ينظر في كتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة والتابعين من بعدهم من أهل القرون المفضلة، وفي أقوال أئمة المسلمين كالأئمة الأربعة وأمثالهم، ويقارن بينها وبين كلام الأشاعرة والماتريدية وبينها وبين كلام أهل السنة، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وسيعلم أن ابن تيمية ومن وافقه هم الموافقون للكتاب والسنة وأقوال السلف والأئمة، لا الأشاعرة والماتريدية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1423(1/141)
العبرة باتباع السلف
[السُّؤَالُ]
ـ[1- هل السلفية نسبة شرعية لمذهب السلف الصالح؟ وما رأيكم فيمن ينكر هذه التسمية ويقول أنا مسلم فقط محتجا بالآية: (هو سماكم المسلمين من قبل) [الحج: 78] ؟
2- هل يحق لمن كان على مذهب السلف الصالح إذا سئل عن مذهبه أن يقول أنا سلفي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن الله سبحانه وتعالى سمانا بالمسلمين، وهو الاسم الشرعي الذي ينتسب إليه كل من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحسبنا ما سمانا الله به ومن انتسب إلى السلف الصالح وقال أنا سلفي فلا حرج عليه، لكن المهم أن يكون المسلم على نهجهم ومعتقدهم وعملهم، فالعبرة بما عليه المسلم لا بالاسم الذي ينتحله. وانظر الجواب رقم: 5608.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1423(1/142)
توضيح: بشأن افتراق الأمة، والحجاب، والأمر بالإيمان بعيسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أقوم بالدعوة إلى الله عن طريق الإنترنت وتكلمت مع ملحد، والحمد لله فقد اهتم بالإسلام وسألني عدة أسئلة وهي:
-لماذا يوجد فرق كثيرة في الإسلام؟
-لماذا اعترف الإسلام بعيسى عليه السلام؟
-لماذا أوجب الإسلام الحجاب على النساء؟
أريد منكم أن تساعدوني في الجواب عن هذه الأسئلة
جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإسلام الذي نزل به القرآن وجاء به محمد صلى الله عليه وسلم دين واحد، لا تناقض فيه ولا اضطراب، وإنما حصل التفرق والاختلاف في بعض من انتسب إلى هذا الدين، وهذا الافتراق يرجع إلى سببين رئيسيين:
الأول: سوء الفهم.
الثاني: سوء القصد.
وقد شرع الله عز وجل لنا ما يعصمنا من الافتراق، وذلك بالأخذ بضد هذين السببين:
أما الأول: فقد أمرنا باتباع الصحابة في فهمهم لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق) [البقرة: 137]
وأما الثاني: فقد أمرنا سبحانه بإخلاص الدين لله والنصيحة له ولكتابه ولنبيه وللمؤمنين.
ولما ساءت أفهام بعض من ينتسب للإسلام، وانضم إليهم سوء قصد من يتظاهر بالإسلام لغرض الإفساد، وإيقاع الفتنة جرى قدر الله عز وجل بحدوث الافتراق. ولكن تبقى طائفة من المسلمين قائمة بأمر الله، محافظة على الدين كما جاء، وتلك هي الفرقة الناجية، التي جعلت من سلف الأمة الصحابة وأئمة الدين من التابعين سلفاً لها.
وأما سؤالك لماذا اعترف الإسلام بعيسى عليه السلام؟ فالجواب أن الإسلام هو دين الأنبياء جميعاً، كلهم يدعو إليه، وإن اختلفت بعض الأحكام والشرائع، وأما أصل الدين وهو توحيد الله عز وجل، وتصديق أنبيائه فذاك دين الجميع، فكيف يتصور بعد ذلك أن يأتي القرآن بإنكار عيسى أو تكذيبه؟!!! فهذا محال.
وأما سؤالك عن الحكمة في إيجاب الحجاب على النساء فالجواب أن ذلك أمر أشار إليه المولى سبحانه في كتابه، فقال جل شأنه: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) [الأحزاب:59]
فقد بين سبحانه وتعالى أن الحكمة من ذلك هو حماية المرأة ووقاية عرضها، ودرء الفتنة عن المجتمع، وإنما كان الحجاب على النساء، ولم يكن على الرجال لسبب ظاهر تقره العقول السليمة، وهو أن المرأة هي الجانب الأضعف، وهي المطلوبة والرجل طالب، فإذا تحجبت وغطت محاسنها أمنت الفتنة، ولم يوجد ما يستدعي الرجال إلى الاعتداء والوقوع في الفاحشة.
بخلاف ما إذا كان الحجاب على الرجل والمرأة متكشفة، فهذا لا يحصل ذلك الغرض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1422(1/143)
حديث افتراق الأمة ومعناه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
قد سمعت حديثا نبوبا فيما معناه أن الأمة ستنقسم إلى 73 حزبا ولن يدخل الجنة إلا حزب واحد فقط. ما هو نص هذا الحديث؟ وما تفسيره؟ وما هو هذا الحزب الداخل الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قيل: من هي يا رسول الله؟
قال: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي" وفي بعض الروايات: "هي الجماعة" رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
وقال عنه ابن تيمية: (هو حديث صحيح مشهور) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وفي رواية معاوية بن أبي سفيان (هي الجماعة) قال عنها ابن تيمية رحمه الله: (هذا حديث محفوظ) ، وقال عنه الألباني: صحيح، في السلسلة الصحيحة.
وتحديد الفرقة الناجية في هذا الحديث اختلفت فيه أقوال العلماء، فقد ذكر فيها الإمام الشاطبي في كتاب الاعتصام خمسة أقوال، عزاها إلى قائليها، إلا قولاً واحداً لم يعزُه، وهي:
1-السواد الأعظم: قال: فعلى هذا القول يدخل في الجماعة مجتهدو الأمة، وعلماؤها، وأهل الشريعة العاملون بها، ومن سواهم داخلون في حكمهم، لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم.
2-أئمة العلماء المجتهدين: والمقصود بهم العلماء الأعلام من أئمة الهدى المتبعين للكتاب والسنة، قال الشاطبي: (فمن خرج على علماء الأمة مات ميتة جاهلية)
3-الصحابة على الخصوص: قال الشاطبي: (فعلى هذا القول فلفظ الجماعة مطابق للرواية الأخرى، في قوله عليه الصلاة والسلام: "ما أنا عليه وأصحابي" فكأنه راجع إلى ما قالوه، وما سنوه، واجتهدوا فيه حجة على الإطلاق.)
4-جماعة أهل الإسلام: إذا أجمعوا على أمر وجب على بقية أهل الملل اتباعهم، قال الشاطبي: (وكأن هذا القول يرجع إلى الثاني وهو يقتضي أيضاً ما يقتضيه، أو يرجع إلى القول الأول وهو الأظهر) .
وهذا القول مشكل جداً لأن أهل الإسلام أنفسهم ينقسمون إلى فرق، والمقصود تحديد الفرقة الناجية.
ولذلك لم يذكره ابن حجر عن الطبري، وذكر الأقوال الأربعة الأخرى، فإسقاط هذا القول أولى، لاسيما وأن الشاطبي لم يذكر قائله.
5-أنها جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير وجب على بقية الأمة لزومه.
قال الشاطبي في بيانه: (وحاصله أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة، وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المذكورة، كالخوارج ومن جرى مجراهم.) هذا، ولما كان القول الرابع منتقداً لأنه ينافي المقصود من الحديث لم ينقله ابن حجر في فتح الباري عن ابن جرير الطبري، واكتفى بنقل الأقوال الأربعة الباقية.
ونحن نجد بالنظر أن خلاصة هذه الأقوال الأربعة أن المقصود بالجماعة الناجية أمران:
الأول: جماعة العقيدة والمنهج، وذلك بأن يلتزم المسلم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين، من أمور الاعتقاد وأصول الدين، وهذا هو الأصل والأساس.
الثاني: الجماعة -بالمعنى الخاص- وذلك بلزوم جماعة المسلمين التي لها إمام موافق للشرع، وعدم مفارقتها، وعدم نكث بيعة الإمام فضلاً عن الخروج عليه. وراجع في ذلك كتاب: وجوب لزوم الجماعة.
وقد نحا الإمام الخطابي منحى آخر قريباً من هذا في كتاب العزلة فقال: الفُرقة فرقتان: فرقة الآراء والأديان، وفرقة الأشخاص والأبدان، والجماعة جماعتان، جماعة هي الأئمة والأمراء، وجماعة هي العامة والدهماء. ا. هـ
وهذا الحديث السابق علامة من علامات النبوة، حيث أخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر غيبي، وقد حصل افتراق الأمة إلى فرق كثيرة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فوقع كما أخبر.
ولكي نحدد مواقع المختلفين في كل زمان لا بد من وضع ضابط نستطيع به أن نعرف هذه الفرق من غيرها، إذ ليس كل اختلاف بين المسلمين يُدخلهم في هذه الفرق، كما هو الحال في هذه الأيام، إذا حصل اختلاف بين المسلمين في وسائل الدعوة إلى الله، وطريقة تحصيل العلم الشرعي وفقه الواقع، فكل هذا ليس مما نحن بصدده من تعيين الفرق المذكورة في الحديث، وقد ذكر المباركفوري في شرحه على سنن الترمذي ضابط الداخلين في هذه الفرق، والخارجين منها، فقال: (قال العلقمي: قال: شيخنا: ألف الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي، في شرح هذا الحديث كتاباً قال فيه: قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم لم يُرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه، من أبواب الحلال والحرام، وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد، وفي تقدير الخير والشر، وفي شروط النبوة والرسالة، وفي موالاة الصحابة، وما جرى مجرى هذه الأبواب، لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضاً، بخلاف النوع الأول، فإنهم اختلفوا فيه من غير تكفير ولا تقسيم للمخالف فيه، فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الخلاف.
انظر تحفة الأحوذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1422(1/144)
الجماعات الإسلامية ... هل تدخل في حديث:
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
كما تعرفون فإن الساحة تعج بعدد من الجماعات والحركات الإسلامية، ولكن أيها على صواب وأيها على خطأ. وقد ترددت على أكثر من جماعة (صوفية، سلفية، إخوان ... الخ) ولكنني تهت بينها فكل واحدة منهم تدعي أنها الصواب وأن عند غيرهم بعضا من الأخطاء.
أرجو منكم أن توضحوا لي الصورة لأكون على دراية بأمر هام من ديني وبأي طريق أسير ومن ناحية أخرى لم كل هذه التفرعات؟ وهل هذه الجماعات هي التي ذكرها الرسول صلى، وبأي طريق أسير حتى أكون على الحق
أعينوني وأفتوني جزاكم الله خيرا وسامحوني على الإطالة ولكنني يقلقني هذا الأمر كثيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه مما لا شك فيه أن الائتلاف، واتحاد الكلمة والصف خير من الخلاف، وأن الافتراق مذموم في أغلب أحواله.
دلت على ذلك الآيات المتكررة، والأحاديث الصحيحة المصرحة.
أما بخصوص هذه الجماعات، فقد تكلمنا على اختلافها في المناهج في الجواب رقم: 10157، وذكرنا هنالك الضوابط التي إذا تقيدت بها كان اختلافها - إن شاء الله تعالى - مثل اختلاف أئمة الفقه، فليرجع إلى هذا الجواب ففيه التفصيل الكامل.
وأما الحديث الذي أشار إليه السائل، فالظاهر - والله أعلم - أنه لم يتناول هذه الجماعات في الغالب الأعم، لأن ذلك الافتراق المذكور في الحديث هو الافتراق في أصول الدين، والشذوذ عن أهل السنة والجماعة مثل: شذوذ الجهمية والقدرية والمرجئة ونحوهم.
قال الإمام القرافي أثناء كلامه الطويل على الحديث المذكور: وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقاً لخلافها للفرقة الناجية في معنى الدين، أو قاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزء من الجزئيات، إذ الجزء والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1422(1/145)
الانتساب إلى الجماعات الإسلامية مشروع بهذه الضوابط
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثرت في عصرنا الحالي الفرق والجماعات وكثرت الأسماء والمسميات والفرق في المجتمع الاسلامي، فمنهم من يقول أنا سلفي وأنت إخواني والآخر من جماعة التبليغ وذاك من جماعة الدعوة والتبليغ وغير ذلك من الأسماء، ويقول البعض أنا سلفي من الفرقة الناجية والفرق الأخرى ضالة. وهذا ما فرق إخواننا المسلمين وجعل بينهم البغض والحقد والصراعات في أمور كثيرة.
إذن هل يجوز التصريح بهذه الأسماء في المجتمع الإسلامي. وفقكم الله وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في هذه الأسماء أنها مشروعة في نفسها إذا لا دلالة فيها على معنى باطل، والانتساب إليها في معنى الانتساب إلى المذاهب الفقهية من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، فهذه المذاهب الفقهية مدارس في فروع الدين، وتلك مدارس في مناهج التغيير، وبذل السبل المشروعة والمتاحة في فرض الحل الإسلامي على المجتمعات الإسلامية، فهي وإن اختلفت مسالكها إلا أن الهدف منها يظل هدفاً واحداً، وهو: تحكيم شرع الله في شتى مناحي الحياة، لكن لابد من التنبه إلى أمور ثلاثة:
الأول: نبذ التعصب: فكما أن التعصب في المذاهب الفقهية مذموم، فكذلك التعصب في المدارس الفكرية مذموم أيضاً، بل لو قيل: إن التعصب في شأن المناهج قد يكون أشد ضرراً على الأمة من التعصب للمذاهب لكان ذلك القول صواباً، لأن المناهج قد تصطدم - في بعض المراحل - إذا اشتد تعصب أصحاب كل منهج له، وإذا اصطدمت - على ذلك النحو -فإن الآثار قد تكون مدمرة، بخلاف ما إذا اختلف تابعا مذهبين في فرع، فإن أثر الاختلاف بينهما سيكون محدودا، إذ يمكن لكل منهما أن يعمل بالفرع على وفق ما يراه، دون أن يبذل كل منهما ما في وسعه لحمل الآخر على الأخذ بوجهة نظره هو، وحيث ذكرنا المدارس المنهجية فإننا نعني بهذه المدارس ما ذكرت في سؤالك من: سلفيين وإخوان وتبليغيين (كمناهج في التغيير) لا أولئك الذين يقوضون بنيان الإسلام وينسفون أحكامه بدعوى التجديد.
الثاني: عدم امتحان الناس بهذه الأسماء، وعدم عقد الولاء والبراء عليها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (بل الأسماء التي يسوغ التسمي بها مثل انتساب الناس إلى إمام كالحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، أو إلى شيخ كالقادري والعدوي ونحوهم ... فلا يجوز لأحدٍ أن يمتحن الناس بها، ولا يوالي بهذه الأسماء ولا يعادي عليها، بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي طائفةٍ كان، وأولياء الله - الذين هم أولياؤه - هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ... وقد جعل الله فيها - أي في نصوص الكتاب والسنة - عباده المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وجعلهم إخوة، وجعلهم متناصرين متراحمين متعاطفين، وأمرهم سبحانه بالائتلاف ونهاهم عن التفرق والاختلاف، فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103] .
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [الأنعام:159] .
فكيف يجوز لأمة محمد بعد هذا أن تفترق وتختلف، حتى يوالي طائفة ويعادي طائفة أخرى بالظن والهوى بلا برهان من الله تعالى، وقد برأ الله نبيه ممن كان هكذا، فهذا فعل أهل البدع كالخوارج الذين فارقوا جماعة المسلمين، واستحلوا دماء من خالفهم.
وأما أهل السنة والجماعة فهم معتصمون بحبل الله، وأقل ما في ذلك أن يفضل الرجل من يوافقه على هواه، وإن كان غيره أتقى لله منه، وإنما الواجب أن يقدم من قدمه الله ورسوله، ويؤخر من أخره الله ورسوله، ويحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، وينهى عما نهى الله عنه ورسوله، وأن يرضى بما رضي الله به ورسوله، وأن يكون المسلمون يداً واحدة) . انتهى من مجموع الفتاوى ج 3/415-420.
وهو كلام غاية في الجمال، وبيان هدي الإسلام في مثل هذا الاختلاف، ولو طبقه أفراد الحركات الإسلامية اليوم لكانت أبعد ما تكون عن التشرذم والتفرق، فليس الخطر في الأسماء السائغة شرعاً، وإنما الخطر في الممارسة الخاطئة للانتماء، وراجع الجواب رقم:
4321.
الثالث: التنبه إلى أن هذه الجماعات وإن اتفقت في الهدف والمقصد، وهو تحكيم شرع الله في شتى مناحي الحياة، إلا أن بينها من الخلاف في بعض مسائل الاعتقاد والعمل ما يوجب على المسلم أن يكون على بصيرة في التعامل معها، وأن لا يقبل إلا ما وافق الكتاب والسنة، وأن يعتصم بفهم سلف الأمة، فإن الخير كله في اتباع من سلف، والشر في ابتداع من خلف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1422(1/146)
الاختلاف المحمود والاختلاف المذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الا فتراق فى الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتفرق في الدين أو الاختلاف فيه ينقسم إلى قسمين:
الأول: ما كان اختلافاً في العقائد، وأصول الأحكام الثابتة، وما ثبت بإجماع صحيح عن خير القرون، فهذا تفرق مذموم بلا شك، ذلك أن دلائل تلك المسائل واضحة في الكتاب والسنة، مجمع عليها عند سلف الأمة، فالمخالف فيها متبع للهوى مفارق لسبيل المؤمنين، مقدم عقله على نصوص الوحي، وهذا قد ذمه الله ورسوله والمؤمنون.
الثاني: ما كان خلافاً في الفروع الفقهية والمسائل التي لم تجمع الأمة فيها على رأي واحد، وذلك كالاختلاف الواقع في المذاهب الأربعة، وكثير من المسائل الحادثة التي اختلف فيها أهل العلم، فهذا النوع من الاختلاف غير مذموم إذا وقع من أهله العارفين بأصوله، بل يمدح إن كان الحامل عليه اتباع الحق وتقديمه، ذلك أن نصوص القرآن والسنة في بيان تلك الأحكام ظنية في دلالتها، فربما رجح مجتهد مالم يرجحه آخر، فالكل مأجور في اجتهاده، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" متفق عليه.
وقد كان خلاف الصحابة، وأئمة السلف من هذا النوع، فلم يوجب فسقاً ولا بدعة، بل كان بعضهم يجل بعضاً، ويكرمه من غير أن يكون خلافهم لتفرقهم، طالما أن الحق بغية كل واحدٍ منهم ومطلبه، لكن خلفهم خلوف ادعى كل طائفةٍ منهم التمسك برأي إمامٍ، وتعصب كل فريق لإمامة، وضلل الطائفة الأخرى، فتركت كل طائفة بعض ما أمرت به من الحق، وارتكبت بعض ما نهيت عنه، فوقعت العداوة والبغضاء، شأن أهل الكتاب من قبلنا، فلله الأمر من قبل ومن بعد. والله المستعان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1422(1/147)
الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة الآن هل ينتظمها قول الرسول: "فاعتزل تلك الفرق كلها ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يرويه معاذ بن جبل:" كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أساله عن الشر مخافة أن يدركني ... فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: فاعتزل الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة ... )
السؤال هو: هل نستدل من هذا الحديث على اعتزال الفرق الإسلامية التي تتواجد في الساحة الآن كالحركة الإسلامية والدعوة والتبليغ والصوفية والسلفية وغيرها من الحركات الإسلامية الأخرى؟
أفيدونا مع الدليل الشرعي أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء الأمر بلزوم الجماعة، ونبذ الفرقة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في نصوص كثيرة منها هذا الحديث المتفق عليه.
عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم". وقلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن". قلت: وما دخنه؟. قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر". قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟. قال: "نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها". قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا". قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: " فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك".
والجماعة الواردة في النصوص لها معنيان:
الأول: الجماعة بمعنى الحق والنهج والعقيدة، وذلك بأن يلتزم المسلم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين من أمور الاعتقاد، وأصول الدين.
الثاني: الجماعة بالمعنى الخاص، وهي جماعة المسلمين التي لها إمام شرعي.
هذا حاصل ما ذكره العلماء، كالخطابي والشاطبي، وشيخ الإسلام وغيرهم في معنى الجماعة. انظر: وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق، رسالة ماجستير للباحث: جمال بن أحمد بن بشير بادي.
وعلى هذا فالاعتزال إنما يكون عند تخلف الأمرين: إمام المسلمين، وجماعة المسلمين، فإن لم يوجد للمسلمين إمام، لكن وجدت تجمعات تلتزم مذهب أهل السنة والجماعة، فالواجب على المسلم حينئذ أن يلتزم مذهب أهل السنة والجماعة، وأن يتعاون وينصر ويوالي هذه التجمعات القائمة على الحق.
وأما حين لا توجد جماعة على الحق، ولا إمام عام، بل فرق من أهل الأهواء والبدع، وهذه الحالة قد توجد في بعض الأمكنة دون بعض، فهنا يطالب المسلم باعتزال الفرق، ولزوم الحق في خاصة نفسه.
وينبغي التنبه إلى أن الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة، كالصوفية بفرقها المنحرفة الآن يجب اعتزالها سواء وجدت جماعة المسلمين وإمامهم، أو لم يوجد شيء من ذلك.
كما أن التعاون مع تجمعات أهل السنة والجماعة، لا يعني التحزب، وعقد الولاء والبراء على أسمائها، أو رموزها، فهذا من التعصب المذموم المنهي عنه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1422(1/148)
يقصد بالسلفية: اتباع السلف الصالح واقتفاء منهج النبوة.
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي من فضلكم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة" فقالوا: من هي يا رسول الله؟ قال "ما أنا عليه وأصحابي" هل منهج أو مذهب السلفية من ضمن تلك الأقسام والحنفي والحنبلي والشافعي؟ لم أفهم أفيدوني. أثابكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليست السلفية من الفرق التي انقسمت إليها أمة محمد صلى الله عليها وسلم، حيث إن السلفية يقصد بها اتباع السلف الصالح فيما كانوا عليه من نهج إسلامي صحيح، والسلف الصالح يقصد بهم الصحابة الكرام وتابعوهم ومن تبعهم بإحسان، لأن النبي صلى الله عليه سلم خص قرنه وقرنين بعده بالخيرية فقال صلى الله عليه وسلم "إن خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - ثم قال عمران راوي الحديث: فلا أدري بعد قرنيه قرنين أو ثلاثة - ثم يكون بعد ذلك قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن" أخرجاه في الصحيحين. وقال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) [آل عمران: 110] فعن الضحاك: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاة الذين أمر الله المسلمين بطاعتهم. فأتباع هؤلاء هم الفرقة الناجية إن شاء الله تعالى، لأنه جل وعلا قد زكى صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وليس مجرد الانتساب إليهم أو انتحال اسم بعينه كالسلفية أو السلف ونحوها من الدعاوى كاف، فالعبرة بحقائق الأشياء لا بأسمائها، والمعيار في ذلك موافقة الكتابة والسنة.
كما أن الحنفية أو الشافعية أو الحنبلية أو المالكية لا تدخل تحت الفرق، لأن هذه مذاهب فقهية اتفقت في النهج ولكنها اختلفت في الفروع، والمنتسب إلى هذه المذاهب على سبيل نجاة ما لم ينحرف عن معتقد أهل السنة والجماعة وينتمي إلى مناهج الفرق الهالكة.
والضابط الذي يحكم به على منهج فرقةٍ ما هو: متابعتها أو خروجها عن منهج السلف الصالح في الأصول والعقائد، يقول الشاطبي رحمه الله في الاعتصام: "وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزء من الجزئيات، إذ الجزء والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعا، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية" ثم قال: "مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات، فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة…."الخ. ومن تأمل حال الفرق المنحرفة وجدها تخالف أهل السنة في معنى أو عدة معان كلية، واعتبر ذلك بحال الخوارج والمرجئة والمعتزلة، والرافضة وغلاة المتصوفة وغيرهم من الانحراف، فالقول بكفر مرتكب الكبيرة، أو أن العمل ليس من الإيمان، أو حصر الكفر في التكذيب والجحود، أو نفي الصفات، أو الطعن في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أو تسويغ عبادة المقبورين، أو القول بوحدة الوجود، كل ذلك يعد من الأصول والمعاني الكلية المخالفة لمنهج الفرقة الناجية. هدانا الله وإياك إلى صراطه المستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1421(1/149)
حقيقة المنهج السلفي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أوجه الاختلاف بين المنهج السلفي والمناهج الأخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإنه يقصد بالمنهج السلفي المنهج القائم على اتباع سبيل المؤمنين من السلف الصالح وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهم في كل عصر الفئة التي قال عنها رسول الله صلى عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك.) رواه مسلم. والمنهج السلفي يعني أن من انتسب إليه وسلك سبيله ليس بخارجي يستحل دم المسلم بالمعصية، ولا رافضي يكفر الصحابة، ولا محرف متأول بالباطل ممن ينفي صفات الله وينفي معانيها، وليس مشبها لله بخلقه، ولا حلوليا ممن يقول بوحدة الوجود أو أن الله قد حل في خلقه، أو صوفيا ممن يعبدون القبور ويقدمون لها النذور. فهو - المنهج السلفي – الطريق والنهج الذي سار فيه الصحابة والخلفاء الراشدون. وأما المناهج الأخرى فقد حادت عن هذا الطريق، فأصابت في أشياء وأخطأت في أخرى، وتختلف فيما بينها قرباً وبعداً من منهج السلف، بقدر إصابتها الحق الذي اشتمل عليه منهج السلف، وحيدتها عنه. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1421(1/150)
يجوز الانتساب إلى حركة إسلامية تتبنى منهاج أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدخول في جماعات الدعوة الإسلامية والحركات الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن العمل الجماعي نوع من التعاون والتناصر والتآخي على الحق، ولذا فهو مشروع مرغب فيه لعموم الأدلة الدالة على فضيلة الجماعة والاتفاق والتعاون. ما لم يتخذ ذلك ذريعة إلى التحزب والتعصب للأسماء والشعارات، أو رفض الحق وإنكاره حين يأتي من خارج جماعته. وإذا كانت الجماعة المذكورة تتبنى منهج أهل السنة والجماعة في المعتقد والفكر والسلوك والمنهج جاز لك التعاون معها ومناصرتها وتأييدها في ما عندها من الحق. وينبغي أن يكون معلوماً أن الحق لا يعرف بالرجال، وأن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم. وأما غيره فإن طاعته مقيدة بطاعة الله ورسوله. كما ينبغي للمسلم أن يوطن نفسه على قبول الحق من كل من جاء به، مهما كان شأنه أو انتماؤه. وننصح كل من يتعاون مع هذه الجماعات أن يكون واضحاً صريحاً في منهجه، يبين لإخوانه أنّ ولاءه للحق، وأنّ عمله مع مجموعة ما، لا يعني براءته أو كرهه لغيرها، بل كل مؤمن يوالى، ويحب على قدر طاعته ودينه من أي طائفة كان. وأما عقد الولاء على اسم أو شعار أو شخص فهذا من فعل أهل البدع، ومن زعم أنه يجب مبايعته أو مبايعة طائفته، ونزّل أحاديث البيعة في ذلك فهو مبتدع مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة، فإن البيعة المذكورة في الأحاديث إنما هي للإمام العام الذي يجتمع عليه الناس، وليكن معلوماً أيضاً أن هذه الجماعات وإن كان قصد أصحابها نصرة الحق والدعوة إلى الالتزام بالإسلام إلا أنها ليست على قدم سواء في سلامة المنهج وشموله لجوانب الإسلام المختلفة. والإسلام ليس محصوراً في شيء منها ... وقصارى أمرها أن تكون طرائق في الدعوة وفهم الإسلام، والإسلام حاكم عليها، وأكثر المسلمين لا يتبعون أياً من هذه الجماعات وفيهم العلماء والدعاة والمجاهدون. فيجب أن نفقه أسباب نشأة هذه الجماعات، وأن نضعها في إطارها الطبيعي، وألا تنقلب الوسائل إلى غايات تفضي إلى نقيض المقصود. ومع ذلك فالذي نراه- والله أعلم- أن الجماعات الإسلامية التي تنتسب للدعوة والعمل الإسلامي في تنام وازدياد مستمر، ولذا فإننا ننصح بالاكتفاء بالموجود، وتكوين جماعة إسلامية إضافية لا يتناسب مع ما يدعو إليه الكثير من الغيورين من لمّ الشمل ووحدة الصف وتضافر الجهود ما أمكن.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1422(1/151)
المرجعية الحقيقية للمسلمين كتاب الله والسنة الشريفة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سمعنا من فضيلة الشيخ القرضاوي في إحدى برامجه أن مرجعية النصارى هي البابا ونحن ليس لدينا بابا. ما هو شكل مرجعيتنا بعد سقوط الخلافة في عصرناالحالى كأهل سنة وجماعة وأرجوالمقارنة مع مرجعية الشيعة الحالية التي هي ولاية الفقيه وما مدى صحة هذه المرجعية الشيعية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم..... وبعد: ليست المرجعية للمسلمين لشخص يحل شيئا اليوم ويحرمه غدا فكل التشريع يرجع إليه ولكن المرجعية لنا معاشر المسلمين هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهما يأخذ العلماء الأحكام، لا من عند أنفسهم فهما الميزان القويم قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) [النساء:59] فقد أفرد الله نفسه بطاعة، وأفرد نبيه كذلك بطاعة وجعل طاعة أولي الأمر من العلماء والحكام مقرونة بطاعة الله ورسوله وأمر برد الأمر عند التنازع إلي كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقال تعالى (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي لأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم.) [النساء:83] . والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1421(1/152)
أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[من الذي أطلق على المسلمين مصطلح أهل السنة والجماعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فربما ظن البعض أن ثمة تنافراً بين مسمى المسلمين وغيره من الألقاب التي تطلق ويراد منها إيضاح وإبراز معنى تميزت به طائفة من المسلمين عن غيرهم، كمصطلح أهل الحديث، وأهل الأثر، وأهل السنة والجماعة، فمصطلح أهل السنة والجماعة -مثلاً- نشأ عندما ظهرت البدع في أواخر عهد الصحابة كبدعة التشيع، والقدرية، والخوارج، وأول من أثِر عنه هذا اللفظ الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، إذ قال في تفسير قوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) [آل عمران106] حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة، ذكرها الحافظ ابن كثير في تفسيره والمقصود من هذا المصطلح إظهار أعظم ما تميز به أهل السنة آنذاك، وهو تمسكهم بطريقة النبي صلى الله عليه وسلم في العلم والعمل، وتمسكهم بجماعة المسلمين فلم يفرقوها، ولم ينزعوا يداً من طاعةٍ لمن وجبت طاعته، وهذان الوصفان مجتمعان يعتبران من أهم ما خالف فيه الخوارج أهل السنة، وأكثر خلاف باقي الفرق التي حادت عن الجادة إنما كان في الوصف الأول.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1421(1/153)
الحديث الذي يطلق عليه اسم أم السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[يطلق على الفاتحة اسم أم الكتاب، فما هو الحديث الذي يطلق عليه اسم أم السنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الحافظ ابن حجر ناقلا عن القرطبي قوله في حديث سؤال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة، قال القرطبي: هذا الحديث يصلح أن يقال له أم السنة، لما تضمنه من جمل علم السنة، وقال الطيبي: لهذه النكتة استفتح به البغوي كتابيه "المصابيح" و "شرح السنة" اقتداء بالقرآن في افتتاحه بالفاتحة. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1424(1/154)
الزمان والمكان هل هما عرضان أم جوهران
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر الزمان والمكان من المسائل المطروحة في موضوع العرض والجوهر؟
فهل يعتبر الزمان عرضا لأنه مرتبط بالحركة، ويعتبر المكان جوهرا لأنه مرتبط بالمادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجوهر والعرض، والأين والمتى اللذان هما المكان والزمان، من مباحث علم الكلام والفلسفة، وعلى صعوبة هذه العلوم فإنها مما لا ينفع غالبا بل قد يضر، قال ابن القيم في (مدارج السالكين) : فلا تجد هذا التكلف الشديد والتعقيد في الألفاظ والمعاني عند الصحابة أصلا، وإنما يوجد عند من عدل عن طريقهم، وإذا تأمله العارف وجده كلحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقل، فيطول عليك الطريق ويوسع لك العبارة ويأتي بكل لفظ غريب ومعنى أغرب من اللفظ، فإذا وصلت لم تجد معك حاصلا طائلا.. فالمتكلمون في جعاجع الجواهر والأعراض والأكوان والألوان والجوهر الفرد والأحوال والحركة والسكون والوجود والماهية والانحياز والجهات والنسب والإضافات والغيرين والخلافين والضدين والنقيضين والتماثل والاختلاف، والعرض هل يبقى زمانين، وما هو الزمان والمكان، ويموت أحدهم ولم يعرف الزمان والمكان اهـ.
ويكفيك أن ترجع لكلام الجرجاني أو الكفوي مثلا، في تعريف الجوهر والعرض لترى مصداق كلام ابن القيم.
ومن العبارات السهلة في ذلك قول ابن حزم في (التقريب لحد المنطق) : الخلق ينقسم قسمين لا ثالث لهما أصلا: شيء يقوم بنفسه ويحمل غيره، فاتفقنا على أن سميناه جوهرا. وشيء لا يقوم بنفسه ولا بد أن يحمله غيره، فاتفقنا على أن سميناه عرضا. فالجوهر هو جرم الحجر والحائط والعود وكل جرم في العالم. والعرض هو طوله وعرضه ولونه وحركته وشكله وسائر صفاته هي محمولة في الجرم اهـ.
وقال ابن حزم أيضا: أجناس الأجناس التي لا تكون نوعا أصلا وهي أوائل في قسمة العالم، ذكر المتقدمون أنها عشرة ثم حققوا فقالوا: إن الأصول منها أربعة، فالعشرة منها هي: الجوهر، والكم، والكيف، والإضافة، والمتى، والأين، والنصبة، والملك، والفاعل، والمنفعل. والأربعة التي حققوا أنها رؤوس المبادئ وأوائل القسم: الجوهر والكم والكيف والإضافة. وأما الست البواقي فمركبات من الأربع المذكورة، أي من ضم بعضها لبعض على ما يقع في أبوابها، إن شاء الله عز وجل. واعلم أن الجوهر وحده من جملة الأسماء التي ذكرنا - قائم بنفسه وحامل لسائرها، والتسعة الباقية محمولات في الجوهر وأعراض له وغير قائمات بأنفسها اهـ.
وقال أيضا: هذه التسع المسميات عرضا كون مختلف، وحمل الجوهر لها حمل مختلف، لأن بعضها محمول في شخصه وعرض فيه كالكيفيات، وبعضها محمول في طبيعته وعرض فيها كالعدد والزمان، وبعضها عرض له من قبل غيره، ومحمول في طبيعته بطبيعة غيره، كالإضافة اهـ.
ويتضح بهذا الكلام أن الزمان والمكان كلاهما عرض، وقد نص ابن سينا على ذلك في كتاب (المنطق) . والغزالي في (معيار العلم) وعرَّف الزمان بقوله: هو مقدار الحركة موسوم من جهة التقدم والتأخر. وعرف المكان فقال: هو السطح الباطن من الجوهر الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي اهـ.
وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية على القائلين بأن الزمان والمكان جوهران، فقال: هل وراء ذلك جوهر قائم بنفسه سيال هو الدهر؟ هذا مما تنازع فيه الناس، فأثبته طائفة من المتفلسفة من أصحاب أفلاطون، كما أثبتوا الكليات المجردة في الخارج التي تسمى المثل الأفلاطونية والمثل المطلقة، وأثبتوا الهيولى التي هي مادة مجردة عن الصور، وأثبتوا الخلاء جوهرا قائما بنفسه. وأما جماهير العقلاء من الفلاسفة وغيرهم فيعلمون أن هذا كله لا حقيقة له في الخارج، وإنما هي أمور يقدرها الذهن ويفرضها؛ فيظن الغالطون أن هذا الثابت في الأذهان، هو بعينه ثابت في الخارج عن الأذهان، كما ظنوا مثل ذلك في الوجود المطلق، مع أن المطلق بشرط الإطلاق وجوده في الذهن، وليس في الخارج إلا شيء معين وهي الأعيان وما يقوم بها من الصفات، فلا مكان إلا الجسم أو ما يقوم به، ولا زمان إلا مقدار الحركة، ولا مادة مجردة عن الصور ... اهـ.
وقال ـ رحمه الله ـ في (بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية) : هذه المادة قد ذكروا عن أفلاطون أنه قال: يمكن انفرادها عن الصورة. كما يحكون عنه نظير ذلك في المدة وهي الدهر، وفي المكان وهو الخلاء، إنهما جوهران قائمان خارجان عن أقسام العالم، وفي المثل المعلقة الأفلاطونية: المكان والزمان والمادة والصور. قول متشابه، وجمهور العقلاء يعلمون أن هذا الذي أثبته في الخارج إنما هو في الأذهان لا في الأعيان اهـ.
وقد سبق بيان معنى الفلسفة ونشأتها وحكمها وعلاقتها بالإسلام، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15514، 16115، 64218.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1430(1/155)
علم الكلام
[السُّؤَالُ]
ـ[1-ماهو علم الكلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلم الكلام يسمى بعلم أصول الدين، قال ابن عابدين: هو منطق الإسلاميين الذي مقدماته قواعد إسلامية فلا وجه للقول بحرمته. وقال صاحب منح الجليل: ومما يتوقف العلم الشرعي عليه عند بعض غير المالكية المنطق، لقول شارح المطالع: ولأمر ما أصبح العلماء العاملون الذين تلألأت في ظلمات الليالي قرائحهم الوقادة، واستنار على صفحات الأيام آثار خواطرهم المنقادة، يحكمون بوجوب معرفة علم المنطق.
وفي المقابل ورد عن جماعات من السلف ذم علم الكلام، قال ابن عابدين في رد المحتار: روي عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: (لأن يلقى الله عبد بأكبر الكبائر خير من أن يلقاه بعلم الكلام) فإذا كان حال الكلام المتداول بينهم في زمانهم هكذا! فما ظنك بالكلام المخلوط بهذيان الفلاسفة المغمورين بين أباطيلهم المزخرفة. أهـ
وذهبت طائفة تدعي التحقيق إلى أن النهي عن تعلم هذا العلم خاص بمن خيف عليه الزلل، قال ابن أمير حاج في كتابه التقرير والتحبير: وإنما توهم عنهم من نهيهم عن تعلم علم الكلام والاشتغال به، ولكن من تتبع حالهم علم أن نهيهم محمول على من خيف أن يزل فيه، حيث لا يكون له قدم صدق في مسالك التحقيق فيقع في شك أو ريبة، لا على من له قوة تامة وقدم صدق.
وقال الأخضري في السلم:
والخلف في جواز الاشتغال به على ثلاثة الأقوال
فابن الصلاح والنواوي حرما وقال قوم ينبغي أن يعلما
والقولة المشهورة الصحيحة جوازه لكامل القريحة
ممارس السنة والكتاب ... ليهتدي به إلى الصواب
وقد ذهب ابن بون الشنقيطي الجكني إلى أبعد من هذا فقال:
وإن تقل حرمه النوواي وابن الصلاح والسيوطي الراوي
وخص في المقالة الصحيحة جوازه لكامل القريحة
قلت نرى الأقوال ذي المخالفة محلها ما صنف الفلاسفة
أما الذي خلصه من أسلما لا بد أن يعلم عند العلماء
لأنه يصحح العقائدا ... ويدرك الذهن به الشواردا
والذي نراه هو أن هذا التفصيل مدفوع، وأنه لا خير في تعلم هذا العلم لما يجلب على صاحبه من الحيرة ولو بلغ من الذكاء ما بلغ، واسمع إلى كلام الغزالي عنه- وعند جهينة الخبر اليقين- حيث قال ما ملخصه:
وأما فائدته -يعني علم الكلام- فقد يقال إنه يوصل للحقيقة- يعني معرفة الله على الوجه الصحيح- ولكن هيهات، فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب النبيل، وغاية ما فيه إنما هو تهويل وتضليل، وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوي- والكلام ما زال للغزالي - عف الله عنه- ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا، فاسمع هذا ممن خبر علم الكلام وانتهى فيه إلى ما وصل إليه المتكلمون، ثم جاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخرى تناسب علم الكلام - يعني الفلسفة- ثم تحقق أن طريق المعرفة من هذا الوجه مسدود…
ولكل من الشهرستاني: صاحب الملل والنحل والآمدي وإمام الحرمين كلام بليغ في خاتمة حياته، يقول أحد الأولين:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وقلبت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم
ويقول الآخر:
نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
أما إمام الحرمين فقد تمنى أن يموت على عقيدة أمه وذلك عند ما حضرته الوفاة فقال لقد تركت أهل الإسلام وعلومهم ووقعت في الذي نهوني عنه، والآن أموت على عقيدة أمي، أو على عقيدة عجائز نيسابور..إلى آخر كلامه البليغ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1422(1/156)
الإسقاط النجمي ضرب من التقول بلا برهان
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى الإسقاط النجمي: هو خروج الروح من الجسد الأثير وتجولها فى الأماكن، فهل هذا حلال شرعا أم حرام؟. وأرجو الرد بسرعة، لأن الشباب كلهم جذب هذا الموضوع عقولهم، وأرجو الأدلة من القرآن والسنة على التحليل أو التحريم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسقاط النجمي ـ كما يصفه المشتغلون به هو: عملية ترتكز على فرضية وجود جسد ثان للإنسان من إشعاع، والإسقاط النجمي يتمثل بخروج هذا الجسد الإشعاعي وانفصاله عن الجسد المادي، ويحدث ذلك في ظروف معينة دقيقة أهمها أن يبلغ الإنسان حالة ما بين الوعي والغفوة.
وهذا الأمر الذي يذكرونه ضرب من التخرص والتقول بلا برهان، وقد قال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا {الإسراء: 36} .
قال السعدي: أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك. هـ.
وذكر ابن كثير أقوال المفسرين في هذه الآية ثم قال: مضمون ما ذكروه أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال، كما قال تعالى: اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات: 12} .
وفي الحديث: إياكم والظن، فإن الظن أكذبُ الحديث.
وفي سنن أبي داود: بئس مطيةُ الرجل زعموا.
وفي الحديث الآخر: إن أفرى الفِرَى أن يُرِي عينيه ما لم تريا.
وفي الصحيح: من تحلم حلما كُلف يوم القيامة أن يعقد بين شَعيرتين، وليس بعاقد. هـ.
ويحسن بنا هنا أن ننقل للسائل جواب الدكتورة فوز بنت عبد اللطيف كردي ـ أستاذة العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة بكلية التربية للبنات بجدة ـ على السؤال التالي: هل الجسم الأثيري له أصل في الشرع أم أنه مجرد توقعات أو سحر وخزعبلات؟.
فكان الجواب: بالنسبة للجسم الأثيري فهو أولا: قول مبني على نظرية قديمة تفترض وجود مادة الأثير، وهي مادة مطلقة قوية غير مرئية تملأ الفراغ في الكون سماها أرسطو العنصر الخامس وعدّها عنصرًا ساميًا شريفًا ثابتًا غير قابل للتغيير والفساد، وقد أثبت العلم الحديث عدم وجود الأثير، ولكن الفلسفات القديمة المتعلقة بالأثير بقيت كما في الفلسفات المتعلقة بالعناصر الخمسة أو الأربعة.
ثانياً: قول تروج له حديثاً التطبيقات الاستشفائية والتدريبية المستمدة من الفلسفة الشرقية، ومع أن التراث المعرفي المستمد من الوحي المعصوم بيّنٌ أوضح البيان وغني كل الغنى بأصول ما يعرّف الإنسان بنفسه وقواه الظاهرة والخفيَّة إلا أن عقدة المفتونين بالعقل والمهووسين بالغرب والشرق من المسلمين جعلتهم يلتمسون ذلك فيما شاع هناك باسم ـ الأبحاث الروحية ـ فنظروا إليها على أنها حقائق علمية أوخلاصة حضارة شرقية عريقة، وأعطوا لأباطيلها وتخرصات أهلها مالم يعطوا لمحكمات الكتاب وقواطع السنة، ومن ذلك القول بتعدُّد أجساد الإنسان، وقد يسمونها ـ الأبعاد ـ أو ـ الطاقات ـ للقطع بأنها اكتشافات علميّة، وهذا القول حقيقته بعث لفلسفة الأجساد السبعة المعروفة في الأديان الشرقيَّة ومفادها: أنّ النفس الإنسانيّة تتكوَّن من عدَّة أجساد اختلفوا في عدِّها ما بين الخمسة إلى التسعة بحسب وجهات نظر فلسفيّة تتعلّق بمعتقدهم في ألوهية الكواكب أو المؤثرات الخارجية والمتَّفق عليه من هذه الأجساد: الجسم البدنيّ أو الأرضيّ، والجسم العاطفيّ، والجسم العقليّ، والجسم الحيويّ والجسم الأثيريّ، فالجسم البدنيّ: هو الظاهر الذي نتعامل معه وتنعكس عليه حالات الأجساد الأخرى.
والجسم الأثيري: هو أهم هذه الأجساد وأساس حياتها وهو منبع صحة الإنسان وروحانيته وسعادته، وقد سرى هذا المعتقد في أوساط المسلمين بعد أن عُرض على أنه كشف علمي عبر التطبيقات الشرقية المروجة على شكل دورات تدريبية أو تمارين استشفائية مفتوحة لعامة الناس بعد أن كان هذا المعتقد غامضًا محصورًا في حجر تحضير الأرواح عند خبراء حركة الروحية الحديثة.
فالاعتقاد بالجسم الأثيريّ كالاعتقاد بالعقل الباطن وقوى النفس، إنما شاع ذكره عند من غفل عن حقائق الغيب ورام الوصول إليها من غير طريق الرسل، فأصل هذه المعتقدات مأخوذ من التراث المنقول في الديانات الوثنيّة الشرقيّة والمعتقدات السرِّية الباطنيّة، وكلّ تطبيقاتها الرياضيّة والعلاجيّة الحديثة تدعو إلى تطوير قوى هذا الجسد لتنمية الجنس البشريّ حيث يصبح بإمكان الإنسان في المستقبل فعل ماكان يُعدّ خارقة في العصور الماضية، كأن يصبح صاحب لمسة علاجيّة أو قدرة على التنبُّؤ أو التأثير عن بعد وغير ذلك، دون أن يكون متنبِّئًا أو كاهنًا، ومن ثم لا يحتاج لأيِّ مصدر خارج عن نفسه ويستغني عن فكرة الدين أو معتقد الألوهية ـ عياذا بالله. هـ.
وسئل الدكتور وهبة الزحيلي كما في موقعه: عن علوم ما وراء الطبيعة والخوارق حلال أو حرام، وذكر السائل من جمل ذلك: الخروج الأثيري عن الجسد فكان الجواب: هذه وسائل وهمية، وإن ترتب عليها ـ أحياناً ـ بعض النتائج الصحيحة، ويحرم الاعتماد عليها وممارستها ـ سواء بالخيال أو الفعل ـ فإن مصدر العلم الغيبي هو الله وحده، ومن اعتمد على هذه الشعوذات كفر بالله وبالوحي كما ثبت في صحاح الأحاديث النبوية الواردة في العَّراف والكاهن ونحوهما. هـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(1/157)
ما يقوله المسلم عند تعريفه بمعتقده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على الإنسان عند التعريف بمعتقده أن يكتفي بأن يقول أنا مسلم أم لا بد من أن يقول أنا مسلم سلفي، علما بأن عقيدته موافقة لعقيدة السلف الصالح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة على السؤال نريد أولاً التنبيه إلى أن المرء لا يجب عليه التعريف بأنه مسلم أو أنه سلفي ونحو ذلك ثم اعلم أن المعتقد الإسلامي الصحيح هو ما كان عليه سلف الأمة، والسلفية ما هي إلا اتباع الكتاب والسنة وفهمهما على ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان في العمل والفهم.
فالسلفية بهذا المعنى هي دعوة الحق التي أمر الله بها في كتابه، وأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، قال الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا. {النساء:115} . وقال تعالى مثنياً على المهاجرين والأنصار ومن اتبعهم: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. {التوبة:100} . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ... الحديث.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق الأمة إلى بضع وسبعين فرقة، ثم بين أن فرقة واحدة من تلك الفرق هي الناجية، ووصفها بأنها من كان على ما كان عليه هو صلى الله عليه وسلم وأصحابه. والأصل فيمن يقول: أنا مسلم. أن ينصرف ذلك إلى الاعتقاد الإسلامي الصحيح الموافق لما كان عليه السلف، ما لم يتبن القائل اعتقاداً مخالفاً لما كانوا عليه، كمعتقدات الخوارج والروافض والمعتزلة والمرجئة والجبرية وسائر الفرق الضالة، وعلى ذلك فيكفي المسلم في التعريف بمعتقده أن يقول: أنا مسلم. وإن زاد، فقال: أنا مسلم سلفي، فلا بأس بذلك.. وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 101557.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1430(1/158)
لا يجوز للمسلم أن يتعبد بشيء من شرائع الأنبياء السابقة إلا إذا أقرتها الشريعة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت فى نقاش مع أحد الأصدقاء نتحدث عن القسيسة الأمريكية التي اعتنقت الإسلام واحتفظت بالمسيحية وأنها تقيم شعائرهم مع شعائر الإسلام، فهل من الممكن أننا كمسلمين أنه فى حالة وجود الإنجيل الصحيح والتوراة التي نزلت على نبي الله موسى عليه السلام أن نتطوع بأن نقيم صلوات المسيحيين واليهود التي كانت في عهد أنبياء الله عيسى وموسى أي قبل التحريف بجانب شعائرنا وإن كنت قد أجبت على هذا السؤال دون فتوى مني بأنه لا يجوز، حيث إننا قد كلفنا من قبل الله سبحانه وتعالى بأركان الإسلام الخمسة فقط، وإن الإسلام يجب ما قبله. أفتوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لأحد أن يعبد الله تعالى بشيء من العبادات الواردة في الشرائع السابقة إلا إذا أقرتها الشريعة الإسلامية، وورد التعبد بها لله تعالى في الشريعة الإسلامية، كما أن الكتب التي بأيدي اليهود والنصارى الآن ليست هي التوراة والإنجيل اللذين أنزلهما الله تعالى على موسى وعيسى عليهما السلام، بل قد دخلهما التحريف والتبديل فاختلط الحق بالباطل.
وبيان ذلك أن الشريعة الإسلامية التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخة للشرائع السابقة بالإجماع، فما أثبتته الشريعة الإسلامية حقاً فهو حق وما سوى ذلك فهو منسوخ أو باطل، قال الله تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ {المائدة:48} ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني. رواه أحمد والدارمي.
وعيسى بن مريم عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان فإنه لا يخرج عن الشريعة المحمدية ولا يحيد عنها كما تدل على ذلك الأحاديث، ثم إن الكتب التي بأيدي أهل الكتاب دخلها الكثير من التحريف والتزوير، فما فيها من العبادات والتكاليف فإنه لا يمكننا الجزم بأنها من شريعة أولئك الأنبياء الذين نسبت إليهم تلك الكتب، بل إننا نجزم أن أكثر ذلك ضلالات ابتدعها من حرفوها وبدلوها، ومن المفيد أن يعلم أن التكاليف والعبادات التي في تلك الكتب على ثلاثة أقسام:
الأول: ما هو مشروع في ديننا مع كونه كان مشروعاً لهم أو لا نعلم أنه كان مشروعاً لهم ولكن هم يفعلونه، وهذا نتعبد الله به لأنه مما جاءت به الشريعة الإسلامية كصوم يوم عاشوراء وكأصل الصيام والزكاة.
الثاني: ما كان مشروعاً لهم ثم نسخه شرع القرآن بالكلية كالسبت أو إيجاب صومٍ أو صلاةٍ أو تحريم أكل الشحوم وكل ذي ظفر، فهذا يحرم علينا التعبد به لأنه منسوخ.
الثالث: ما لم يكن مشروعاً بحال وإنما هم أحدثوه، ومعلوم أنه لا يجوز التعبد به، وننبه إلى أن الجمع بين العقيدة النصرانية التي تدعو إلى الكفر بالله تعالى والتثليث وبين الشريعة الإسلامية التي تدعو إلى التوحيد كفر، ولا يصح إيمان العبد حتى يكفر بتلك العقائد الكفرية المزورة على الأنبياء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1428(1/159)
مقومات غرس العقيدة الإسلامية الصحيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الوسائل والطرق التي تساعد على بناء عقيدة سليمة للمسم بحيث تنعكس على جميع تصرفاته وتعاملاته في الدنيا وينجو يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أن العقيدة الإسلامية الصحيحة تستقى من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكذا ما أجمع عليه السلف الصالح من أهل القرون المفضلة، وأعظم الوسائل والطرق التي تساعد على بناء تلك العقيدة السليمة لدى المسلم هي دراسة كتب العقيدة التي سطرها علماء المسلمين الذين عُرِفوا بصفاء العقيدة والخلو من البدع والخرافات، والذين أخذوا ما سطروه من العقيدة من تلك المصادر المشار إليها، الكتاب والسنة والإجماع، فدراسة المسلم لتلك الكتب تجعله على بصيرة من دينه وعقيدته، وتربي في نفسه الأثر الطيب لتلك العقيدة مثل مراقبة الله تعالى والخضوع والذل له والاستكانة إليه واللجوء إليه، وغير ذلك مما يظهر أثره في السلوك في الدنيا والنجاة في الآخرة، وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 51404، والفتوى رقم: 54581، والفتوى رقم: 24402 بعض كتب العقيدة، كما أن كتب الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب تعتبر من الكتب المهمة التي بينت العقيدة الإسلامية من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فينبغي الاهتمام بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1428(1/160)
اختبار عقائد الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز اختبار عقائد الناس بأسئلة معينة كـ (أين الله) ، ثم الحكم عليهم بناءاً على الجواب، وما هو الدليل على ذلك، إن كان الجواز، وإن لم يجز الاختبار فما نصيحتكم لمن وقع في هذا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من ولد بين المسلمين وعاش معهم مقراً بالتوحيد عاملاً بمقتضاه حسب الظاهر يحكم بإسلامه ولا داعي إلى اختباره في عقيدته، كما لا يسوغ اتهامه في عقيدته ما لم تظهر منه مخالفة عقدية.
اللهم إلا إذا كانت هناك حاجة داعية لذلك، مثل إذا أراد شخص ما أن يستخدم رجلا في تدريس أبنائه أمور الشرع فإنه لا مانع من الاطمئنان على سلامة معتقده مما يؤثر على تعليم الأولاد، وعلى مثل هذه الحالة يحمل حديث الجارية لأن سيدها أراد عتقها في رقبة لزمته.
ومثل ذلك في الجواز سؤال الأستاذ الطلاب عن مقررهم الدراسي الذي درسهم، ويدل لما ذكرناه من عدم اتهام المسلم أو التوقف في إيمانه حتى يسأل هذا السؤال أن المعروف في أغلب هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو دعوة الناس إلى التوحيد فإذا أقروا بكلمة التوحيد قبلوا من المدعو وعلموه شرائع الإسلام، ولم يشترطوا في إسلامه علمه بتفاصيل أمور العقيدة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو وفود الحج بمكة يقول لهم: يأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. رواه أحمد وصححه الأرناوؤط.
وفي الصحيحين أنه أرسل معاذاً إلى اليمن وأمره بدعوتهم للتوحيد أولاً، فإذا أقروا به أمرهم بالصلاة والزكاة، فقال له: إ نك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ...
وذكر أصحاب السير أن مصعب بن عمير رضي الله عنه وأسعد بن زرارة ذهبا إلى حديقة بني عبد الأشهل ولقيا بها أسيد بن حضير وسعد بن معاذ ودعاهم مصعب إلى التوحيد وأسلما وانطلق سعد إلى قومه فدعاهم إلى الله والقصة مفصلة في البداية والنهاية لابن كثير.
ولم يشترط في إسلام جميع من تقدم علمهم بتفاصيل أمور العقيدة مع المدعوين المهتدين الجدد، هذا وننبه إلى أهمية تعليم العقيدة وتدريس العلماء لها ودعوتهم المجتمعات إليها، انطلاقاً مما ثبت في الوحي من الحديث عنها، وانطلاقا من فهم السلف الصالح لها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1426(1/161)
منهج السلف في الاستدلال على أصول العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ هنا في منطقتنا في كثير من أهل البدع ويخالفون السنة وعندهم كلام عجيب فلو سمحت أنا أطلب منكم أن ترشدوني إلى كتب تتحدث عن منهاج السلف في الاستدلال على أصول العقيدة يعني كتب تعلمني هذا وأيضا كتب عن طريقة الصحابة في كيفية تلقيهم للسنة وحفظها وصونها وروايتها فأرجو أن تسمحوا لي فالأمر خطير وليتكم ترشدوني إلى الكتب التي تشفي صدري.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد الله الذي من عليك بنعمة الاهتداء إلى منهج أهل السنة والجماعة في الوقت الذي أصبح فيه المنتمون لذلك المنهج غرباء في الناس كغربة الإسلام بين الملل الأخرى. وأهل السنة مع غربتهم هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وهم الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله. رواه مسلم. وانظر صفة الغرباء في الفتوى رقم: 58011،
وبالنسبة للكتب التي تتحدث عن منهج السلف في الاستدلال على أصول العقيدة نرشدك إلى الكتب والبحوث التالية: منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، للدكتور/ عثمان علي حسن. طبعة دار الرشد ـ الرياض.
2ـ منهج التلقي والاستدلال بين أهل السنة والمبتدعة، للشيخ/ أحمد بن عبد الرحمن الصويان. طبعة المنتدى الإسلامي. 3ـ الاعتصام، للإمام الشاطبي ـ الباب الرابع: في مأخذ أهل البدع بالاستدلال. 4ـ منهج التلقي بين السلف والخلف، للدكتور/ عبد العظيم بدوي. 5ـ مقدمة كتاب (صحيح الترغيب والترهيب) للشيخ/ الألباني.
هذا، ومما ينبغي التنبه إليه أن أهل السنة لا يتميزون عن غيرهم من الفرق في الجانب العلمي من باب الاعتقاد ومصدر التلقي ومنهج الاستدلال فقط؛ بل إنهم يتميزون عن باقي الفرق بمنهجهم العلمي المتفرد في باب السلوك والأخلاق والتعامل مع المخالف من أهل القبلة، وفي التعامل مع الكفار والمشركين، وكذلك في باب التعبد والتأله والتزكية، وراجع في شمول منهج أهل السنة والجماعة للجانبين العلمي والعملي في الكتب التالية: 1ـ أهل السنة والجماعة ـ معالم الانطلاقة الكبرى، لمحمد عبد الهادي المصري. 2ـ خصائص أهل السنة والجماعة، للشيخ/ أحمد فريد. 3ـ الجزء الثامن والعشرون من"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ". 4ـ جميع مؤلفات الشيخ/ محمد إسماعيل المقدم.
وبالنسبة لموضوع السنة وحفظ الصحابة لها وروايتها ونحو ذلك راجع الكتب التالية: 1ـ تدوين السنة نشأته وتطوره، للدكتور/ محمد مطر الزهراني. 2ـ السنة قبل التدوين/ لمحمد عجاج الخطيب. 3ـ السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، للدكتور/ مصطفى السباعي. 4ـ الحديث والمحدثون، للشيخ/ محمد أبو زهو. 5ـ حجية السنة، للشيخ/ عبد الغني عبد الخالق.
وفقك الله لما يحب ويرضى ورزقك الثبات على الهدى ودين الحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1426(1/162)
تعريف عام بدين الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلك علمني عن ديني (بالغة العربية) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله على نعمة الإيمان، والحمد لله على نعمة الإسلام.
أخي الكريم! اعلم رحمك الله أن الواجب عليك تصحيح عقيدتك وعبادتك، وتصحيح عقيدتك يكون بمعرفة الكلمة التي تُدخل في الإسلام وشروطها ومقتضياتها ونواقضها، وراجع في ذلك الفتاوى أرقام: 7839، 8937، 20994، 30900، 38608، 5098، 5150، 5398، 23420، 31008، 36035.
كما أنه يجب عليك معرفة أركان الإيمان، وهي أسسه، ويجب اعتقادها إجمالاً، وهي التي وردت في حديث جبريل الطويل، عندما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: " الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ".
وأما تصحيح عبادتك فيكون بمعرفة مايجب عليك من الطهارة، وما تصح به صلاتك وصيامك، وكذلك ما يجب عليك من عبادات أخرى بحسب حالك وقدرتك وما تحتاج إليه، فإن كنت من أهل الأموال ـ وجب عليك تعلم نصاب الزكاة ومقدار الواجب فيها، وإن كنت ممن وجب عليه الحج ـ وجب عليك تعلم أركانه وواجباته، وإن كنت من التجار ـ وجب عليك تعلم فقه البيوع ومعرفة الجائز منها والمحرم ... كل ذلك بحسب قدرتك.. وإن كنت عاجزاً عن التعلم ـ فيجب عليك سؤال أهل العلم فيما يعرض لك، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ} (الأنبياء: 7)
كما أنه يجب عليك معرفة الكبائر وأمهات الذنوب والمعاصي والمحرمات المهلكات لتجتنبها، وعليك معرفة الآداب ومكارم الأخلاق لتأتي بالواجب منها.
علماً بأنه لا يكفي الاجابة على سؤالك فتوى بهذه العجالة، لذلك فإننا نحيلك على بعض الكتب المختصرة، في العلوم التي تعينك على معرفة دينك.
ففي العقيدة كتاب للدكتور محمد نعيم ياسين وهو: (الإيمان: أركانه وحقيقته ونواقضه) ، وفي الفقه: (الملخص الفقهي) للدكتور صالح الفوزان، وفي التفسير: (زبدة التفسير من فتح القدير) للدكتور محمد سليمان الأشقر، أو (تيسير الكريم الرحمن في تفسيره كلام المنان) للعلامة السعدي وفي الحديث: (شرح الأربعين النووية) للإمام النووي، وفي السيرة: (الرحيق المختوم) للمبار كفوري، وفي الأخلاق والآداب: (رياض الصالحين) للإمام النووي، ولمعرفة كبائر الذنوب راجع: (الكبائر) للشيخ محمد بن عبد الوهاب وكذلك القسم الخاص بالمهلكات من (مختصر منهاج القاصدين) ، وفي النهاية ننصحك بملازمة أحد طلاب العلم ممن على منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل، واستفد منه في دراسة هذه الكتب وغيرها، ولا تنس نصيبك من الأذكار وقراءة القرآن بتدبر والخشوع في الصلاة وغير ذلك مما يقربك إلى مولاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1425(1/163)
أفراد الأمة مطالبون بالتفقه في أمور العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم. نشكر لكم جهدكم لخدمة الأمة من خلال هذا الموقع؟
ظهرت مقولة تكفر كل الناس ولو كانوا يشهدون الشهادتين لقيامهم ببعض الأفعال المكفرة، علما بأنهم لا يعلمون أن هذه الأفعال غير جائزة. ما حكم تكفير الناس؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن موضوع التكفير وضوابطه وشروطه وموانعه صدرت فيه فتوى معلنة تحت رقم: 721 كما صدرت فتوى في العذر بالجهل رقمها:
19084
وعلى طلاب العلم أن ينشطوا في توعية المجتمعات، وتبصيرهم بمسائل العقيدة حتى يسلموا من الوقوع في الأفعال المكفرة.
وينبغي لجميع أفراد الأمة أن يحرصوا على التفقه في هذه الأمور، وأن يكثروا من الدعاء الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أبابكر إليه حيث قال له: والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره، قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1424(1/164)
معرفة العقيدة من أهم أسباب السلامة من الوقوع في الشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[السلا م عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً وبعد: فماذا على من يجد نفسه أحيانا واقعا فى أمور مخرجة من الملة لم يكن يعلمها، وهو الآن يعتقد أنه يتمتع بعقيدة صحيحة لكنه من قبل كان يعيش فى مجتمع من أهل الصوفية، ولم يعد يستغيث بالأموات ولكنه يجد أحيانا أن لديه خللاً عقدياً كبيراً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب على المسلم أن يتفقه في أمور الدين ولاسيما أمور التوحيد، فهي أهم ما ينبغي الاعتناء به لأنها أساس الدين، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل معاذا إلى اليمن أوصاه وقال: إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى. رواه البخاري.
وينبغي التفقه في جزئيات شعب الإيمان وشعب الكفر والنفاق، والتعرف على الشرك الأصغر والأكبر حتى يطمئن العبد على إيمانه وتوحيده لخالقه، وللسلامة من الوقوع في خطر الشرك بسبب جهله عليه أن يكثر من الدعاء الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه أبا بكر رضي الله عنه، حيث قال له: والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره، قل: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. رواه البخاري في الادب المفرد وصححه الألباني.
وإذا كان الإنسان تربى في جو بعيد عن العلماء وأهل السنة وفاته التفقه في بعض الجزئيات، ثم أحس بعد ذلك بأنه واقع في أمور شركية كان يجهلها، فعليه أن يقلع عنها ويتوب إلى الله منها فوراً، وهو إن شاء الله معذور لجهله فيما سبق.
إذ أن من شروط تكفير الشخص انتفاء الجهل عنه وإقامة الحجة عليه، كما نص عليه شيخ الإسلام، ويدل له الحديث: كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه، ففعلت فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت، قال: يارب خشيتك، فغفر له. رواه البخاري ومسلم.
هذا ونوصيك بالحرص على الاستقامة ومصاحبة أهل السنة والجماعة ومواصلة طلب العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1424(1/165)
تعريفات مفيدة بكتب في العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هي العقيدة الطحاوية والعقيدة الواسطية والعقيدة التدمرية وما الفروق بينها ولماذا تم تسميتها كذلك؟
جزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الكتب المذكورة في السؤال يجمع بينها أنها ألفت في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، وتختلف هذه الكتب من حيث المؤلفين لهذه الكتب.. فإن مؤلف كتاب العقيدة الطحاوية هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي فنسبت إليه فصارت بهذا الاسم.
أما كتابا العقيدة الواسطية والعقيدة التدمرية فهما لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية ألف الكتاب الأول جواباً على سؤال ورد إليه من أهل واسط عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وألف كتاب العقيدة التدمرية في جواب مسائل وردت إليه من أهل تدمر تتعلق بالأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين الشرع والقدر.
بقي أن نذكر أن كتابي العقيدة الطحاوية والعقيدة الواسطية كل منهما عبارة عن نبذة مختصرة في مسائل العقيدة، وأن كلاً منهما قد وجد عناية كبيرة فشرح عدة شروح من أشهرها شرح العقيدة الطحاوية للإمام ابن أبي العز الحنفي، وشرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد خليل هراس، أما كتاب التدمرية فهو في أصله بحث مطول في الأسماء والصفات، والجمع بين الشرع والقدر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1423(1/166)
رؤية الله تعالى في الدنيا في منظار الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد أحد منذ بداية الخلق رأى الله عز وجل، وهل سيدنا آدم رأى الله حينما قال: قال يآدم أنبئهم بأسمائهم وكذلك فتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه، سيدنا موسي حينما كان على جبل الطور هل رأى الله، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان الإسراء والمعراج عندما قال له سيدنا موسي أرجع إلى ربك فاسأله التخفيف عندما فرضت الصلاة هل النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله، أريد جواباً وجزاكم الله خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرؤية الله تعالى في الدنيا جائزة عقلاً، إلا أنها غير واقعة شرعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: تعلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني.
قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلاً، وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين.. وقال أيضاً: وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فقد قدمنا أنها ممكنة، ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين وغيرهم أنها لا تقع في الدنيا.. انتهى.
وليس في هذا خلاف بين أهل السنة إلا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نوراً وهو الحجاب، كما روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قد سألته -أي عن رؤيته لربه- فقال: رأيت نوراً.
وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه، أي: كيف أراه! .
وقد دل على أن النور هو الحجاب قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. وسبحات وجهه، أي: نوره وجلاله وبهاؤه.
وأما موسى عليه السلام فقد دل القرآن صراحة على عدم رؤيته لله، قال تعالى: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ {الأعراف:143} ، فدلت الآية على أن موسى عليه السلام صعق فلم ير ربه.
وأما آدم عليه السلام فلا نعلم دليلاً على رؤيته لله، ولا يلزم من تعليم الله له الأسماء وتلقي آدم من ربه للكلمات أن تكون الرؤية قد وقعت له بالضرورة، وراجع للمزيد في ذلك الفتوى رقم: 101268.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1430(1/167)
بعض ضوابط العذر بالجهل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم شيخنا بكتاب: العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي، وكتاب: المختصر المفيد في عقائد أئمة التوحيد. والكتابين للشيخ مدحت آل فراج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فموقعنا يهدف إلى إسعاف المستفتين بإجابة أسئلتهم واستفساراتهم، وليس معنياً بتراجم الأشخاص وتقييمهم والحكم على عقائدهم ومناهجهم ومؤلفاتهم.
وقد سبق لنا ذكر بعض ضوابط العذر بالجهل وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19084، 60824، 75673. وذكر بعض الكتب الهامة لدراسة العقيدة في الفتوى رقم: 4412.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1430(1/168)
العذر بالجهل في كلام العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[من قال من أهل العلم بالعذر بالجهل, وما دليله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعذر بالجهل يختلف باختلاف الأشخاص والأمكنة والمسائل، وخلاصة القول فيه ما قاله الإمام السيوطي -رحمه الله-: كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل منه دعوى الجهل، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية يخفى فيها مثل ذلك كتحريم الزنا والقتل والخمر والكلام في الصلاة والأكل في الصوم. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وأما من لم تقم عليه الحجة مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك، أوغلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر؛ كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر وأمثال ذلك، فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم، فإن أصروا كفروا حينئذ، ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك. انتهى.
ومثل ما قاله السيوطي وشيخ الإسلام وابن تيمية في المحرمات يقال في الواجبات المعلومة من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة والصوم والزكاة والحج.
وأدلة العذر بالجهل كثيرة، منها قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء:15} وقوله تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ {الأنعام: 19} ، ومنها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين ففعلوا به ذلك، فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك، فغفر له. فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك، وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك.
ومنها حديث ذات أنواط، فهو من جملة أدلة العذر بالجهل لمن كان حديث عهد بإسلا، م وقد صرح بذلك راويه أبو واقد الليثى والحديث صحيح وهو في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وغيرهما.
والخلاصة أن العذر بالجهل يقول به جميع أهل العلم، إلا أنهم يتفاوتون في كيفية الأخذ به، وفي المسائل التي يعذر فيها بالجهل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1427(1/169)
ما يسوغ الاختلاف فيه وما لا يسوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لي أحد الإخوة إنه مقتنع بمذهب السلف في باب أسماء الله وصفاته، ولكنه لا يرى داعيًا إلى التشنيع على المخالفين، ويقول لماذا لا نتقبل هذا الخلاف كما نتقبل الخلاف في مسائل الفقه كالنزول على الركبتين أم اليدين، وغيرها.. بماذا نرد على هذا التساؤل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مسائل العلم والدين متنوعة منها ما يسوغ الخلاف فيه لتكافؤ الأدلة، أو لعدم ورود نصوص صريحة، أو ما شابه، ومنها ما لا يسوغ الخلاف فيه لقيامه على أسباب غير مشروعة، أو لأن الخلاف فيه يعتبر شذوذاً. ـ فأما الأول فلا ينكر فيه على المخالف، ولا يكون سبباً للتفرق في الدين، ولا يؤدي إلى التنازع والبغضاء، مثل الخلاف في الفروع الفقهيه بين المذاهب، قال الإمام أحمد: لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على قوله، أو في المسائل العقائدية المختلف فيها بين السلف ـ وهي قليلة ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية:.. إني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى التكفير أو تفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى وعاصياً أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية، كما أنكر شريح قراءة من قرأ (بل عجبت ويسخرون) وقال: إن الله لا يعجب، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي، فقال: إنما شريح شاعر يعجبه علمه، كان عبد الله أعلم منه وكان يقرأ (بل عجبت) وكما نازعت عائشة وغيرها من الصحابة في رؤية محمد ربه وقالت: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. ومع هذا لا نقول لابن عباس ونحوه من المنازعين إنه مفتر على الله، وكما نازعت في سماع الميت كلام الحي، وفي تعذيب الميت ببكاء أهله وغير ذلك. وقد آل الشر إلى الاقتتال مع اتفاق أهل السنة أن الطائفتين جميعاً مؤمنتان، وأن الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم لأن المقاتل وإن كان باغيا فهو متأول، والتأويل يمنع الفسوق. اهـ.
أما الثاني أي حيث لا يسوغ الخلاف، وينكر على المخالف فيه فهو المسائل المجمع عليها في العقائد والفروع الفقهية، قال تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً {النساء:115} . فهذا ما يجب فيه الإنكار على المخالف، ومن ذلك الخلاف الحادث في كثير من مسائل أصول الدين، وكان إجماع سلف الأمة على خلافه كالتأويل الذي لا مسوغ له في صفات الله عز وجل اعتماداً على العقل وما شابه ذلك من البدع الحادثة. ولا يعني هذا تكفير المخالف أو تبديعه أو تفسيقه حتى تقام عليه الحجة الرسالية، وتقبل هذا الخلاف بغير إنكار وتبيين للحق يؤدي إلى التباس الحق بالباطل، وإقرار الفرق الضالة على ما عندهم من ضلالات، وتعطيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يخفى ما في ذلك من الفساد. وبهذا يتبين أن تشبيه الخلاف في باب الأسماء والصفات بالخلاف في المسائل الفقهية كالنزول على اليدين غير صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1425(1/170)
شرب الدخان لا يقدح في توحيد الشخص
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين وبعد:
هل يعتبر عصيان المؤمن كشربه الدخان نقصا في التوحيد؟
أفتونا بارك الله فيكم وجزاكم عنا كل خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتدخين معصية يستحق صاحبها العقوبة من الله إذا لم يتب، وليس التدخين ولا غيره من المعاصي التي تتعلق بأمور العقيدة حتى يقدح في توحيد الشخص، ولكن لا شك أنه كلما قوي إيمان المؤمن كان أبعد عن المعاصي والذنوب، وغشيانه لها بقدر ضعف إيمانه.
وراجع في حكم التدخين الفتوى رقم: 32820، 1671.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(1/171)
أصول الدين بينها الشرع الحكيم
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الإمام الحسين؟ وكيف قتل؟ وهل معرفة ذلك واجبة لاكتمال الدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهو الحسين بن عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، وقد سبق بيان أحداث قتله في الفتاوى التالية أرقامها: 15838، 5255، 5568.
وأما كون معرفة ذلك واجبًا، فهذا مما لا نعلم عليه دليلاً من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما مصدرا التشريع عند المسلمين، بل ولا نعلم قائلاً بذلك من أئمة الدين المعتبرين من سلف هذه الأمة الصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1424(1/172)
من الأفعال ما ينافي الإسلام لكنه لا يخرج من الملة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للإنسان أن يعمل المفاسد وهو بطبعه يقول إني مسلم؟ أنا لم أفهم شيئا من هذه العقيدة، أشكركم كثيرا على استقبالكم بهذاالبرنامج وشكرا لكل مسلم مساهم في هذه المشاركة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من الأفعال ما ينافي الإسلام، ولكنه مع ذلك لا يخرج من الملة، فالإيمان شُعَبٌ كثيرة متعددة، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. متفق عليه.
وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها: كشعبة قول لا إله إلا الله، فمن لم يعترف بأن لا إله إلا الله، فهو ليس من جملة المسلمين، ومثل ذلك من لم يعتقد صحة ما جاءت به الرسل من عند الله، ومن استخف بشيء مما عظمه الشرع، كالأنبياء والكتب والملائكة ... ومن أنكر ما علم من الدين ضرورة، كوجوب الصلاة والصيام وحرمة الخمر والخنزير ... وكذلك ترك الصلاة عند جماعة من العلماء للأحاديث التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم االصلاة، فمن تركها فقد كفر. رواه الترمذي والنسائي وأحمد.
ومن هذه الشعب ما لا يزول الإيمان بزوالها، فمن كان يزني ويسرق ويشرب الخمر، فإنه من جملة المسلمين، ما لم ينكر حرمة هذه الأفعال، ولكن إيمانه ناقص.
روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن. متفق عليه، وفسر بأن إيمانه غير كامل، أو أنه في الوقت الذي يمارس فيه هذه الأفعال ليس في قلبه مخافة الله، أو أنه يفعل أفعال غير المسلمين، أو أن هذا يؤول به إلى الكفر، أو هو كافر إذا اعتقد حليتها ...
وهو بذلك يستحق العقوبة من الله ما لم يتب، ولكنه غير مخلد في النار، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
والمقصود بالدخول هنا الخلود، لأن بعض المؤمنين يعذبون على ارتكاب بعض المعاصي أو ترك بعض الواجبات، ولكنهم لا يخلدون في النار، بخلاف الكفار.
وصفوة القول في ذلك أن المسلمين لهم مراتب كثيرة، فأعلاهم درجة من يعبد الله كأنه يراه، فلا يرتكب شيئا مما نهى عنه، ومنهم من يمارس بعض الذنوب كالنظر الخفيف لما لا يحل، والكذب في الممازحة، ونحو ذلك وهؤلاء قال الله فيهم: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً. النساء: 31.
ومنهم من يمارس الفواحش ويرتكب الكبائر، وهؤلاء استحقوا العقاب بأفعالهم، ولكن الله بفضله وسعة رحمته يمكن أن يعفو عنهم، لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء. [النساء: 48] .
ويمكن أن لا يعفو عنهم، فيعذبون عذابا ليسوا فيه بمخلدين، روى أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أن من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق. متفق عليه.
واعلم أن جميع المعاصي تكفرها التوبة الصادقة. قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1424(1/173)
مرضى متلازمة داون ما لهم وما عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو معرفة حكم الأشخاص المصابين بمرض متلازمة داون (المنغوليين) أي هل تجب عليهم الصلاة والصيام وما إلى ذلك أي كيف يعاملون من وجهة نظر الحقوق والواجبات في منظار الشريعة الإسلامية.
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما وقفنا عليه من معلومات عن المرض الذي ذكرت أفادتنا أنه يترتب عليه حدوث خلل في المخ والجهاز العصبي ينتج عنه عوق ذهني. وأنه تختلف القدرات العقلية والجسدية للمصابين من شخص لأخر وهذا يعني أنهم قادرون على التعلم والاستيعاب ولكن لا بد من مجهودات إضافية لتحقيق ذلك من خلال عملية الشرح المكثف. فإذا كان الحال هكذا فالمصاب بهذا المرض ما دام قادرا على التعلم والاستيعاب فهو كغيره من العقلاء تجب عليه الواجبات الشرعية التي يستطيعها وله من الحقوق في الشرع مثل مالغيره من العقلاء، أما إذا كان المرض المذكور يترتب عليه خلل في العقل يصل إلى مرحلة الجنون أو العته فإنه يسقط عنه التكاليف الشرعية أما الحقوق ففيها تفصيل يطول يرجع إليه في مظانه من كلام أهل العلم إذ بجنون الشخص تثبت له حقوق كحق النفقة على الوالد وإن كان المجنون كبيراً وتسقط بعض الحقوق كحق الولاية ونحو ذلك. وراجع التفصيل في الأجوبة التالية أرقامها: 46264، 50687، 12277، 20350.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1426(1/174)
إذا حاضت البنت فقد بلغت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك فرق - بالنسبة للمرأة - ما بين سن البلوغ وسن التكليف؟
فهناك من تبلغ المحيض وهي في التاسعة من عمرها
فهل يعتبر هذا بداية سن التكليف عندها؟
وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرأة إذا حاضت لتسع سنين فأكثر فإنها تعتبر بالغة سن التكليف، ويلزمها القيام بالواجبات واجتناب المحرمات كغيرها من المكلفين، ولمزيد الفائدة عن علامات البلوغ تراجع الفتوى رقم: 10024.
والبلوغ اصطلاحا مشتق من بلوغ الصبي أو البنت سن التكليف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1425(1/175)
يؤاخذ الإنسان على ما صدر منه بقصد واختيار
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي أخي يوم تاسوعاء من الشهر المحرم ودفن في يوم عاشوراء، أخي كان عمره 19 سنة كان شخصاً طيباً جداً جداً وكان مميزاً فيه جداً حبه الشديد لأمه وكذلك حبها له، لا أعرف بالضبط كيف أخبركم قصته فأنا نفسي لا أعلم حائر بين أمرين لم أجد لهما إجابة هل كان أخي عبد العاطي ملموسا بالجان كما يقولون أم أنه مريض نفسياً ولم يكتشفه أحد، أنا أخته دكتورة أرى في العديد من تصرفاته أنه كان مريضاً نفسياً ولكنهم قالوا لي أنه ممسوس بالجان، بدأت قصته منذ 4 سنين قبل وفاته كان كل ما مرض عمل أشياء شيطانية وضرب الجميع وأساء لهم وحاول الانتحار أكثر من مرة، فمرة سقط من على سطح المنزل وعندما آفاق سألناه لماذا فعلت هذا يا عبد العاطي قال: لست أنا بل قدماي هما من أسقطاني فأنا كنت أحاول أن أجرهما بعيداً عن حافة السطح ولكني لا أتحكم فيهما وكأنهما ليسا قدماي، ومرة لف على عنقه حبلاً ليشنق نفسه وفي آخر لحظه انتبه إلى الحبل الذي يلف رقبته فأزاله بسرعة هذا من ناحية، من نواحي أخرى كان عبد العاطي دائم المشاكل وعصبياً جداً وهذا جعل أبي يطرده من البيت أكثر من مرة وقبل وفاته كان مطروداً من البيت، ولقد حاول أن يطلب السماح من أبي في عيد الأضحي ولكن أبي لم يرض عنه وطرده وأسمعه كلاماً جرحه فيه، ولقد أخذ إخوتي عبد العاطي إلى أكثر من معالج بالقرآن فقالوا إنه مسحور ويسكنه جن وقال جن إنه لن يخرج إلا بموت عبد العاطي، وأيضاً أحياناً عبد العاطي كان يقول أنا لا أحب الحياة فلا قيمة لي فيها وهو يفكر في الانتحار، المهم أنه قبل يوم عاشوراء بيوم أطلق الرصاص على نفسه وتوفي بعدها وعندما أطلق الرصاص على نفسه بدأ ينادي على من حوله، وسأله أول القادمين لنجدته لماذا فعلت هذا فقال لا أدري لم أعي لنفسي إلا بعد أن رأيت الدم يغطيني، المهم أنا أريد أن أعرف هل يعتبر عبد العاطي منتحراً ويعتبر كافراً أم أنه ليس مسؤولاً عما حصل، وكان غير مواظب على صلاته يصلي أحياناً ويترك أحياناً ولكنه كان بدأ يصلي قبل وفاته بأربع أيام.. كان عبد العاطي على عصبيته محبوباً جداً ممن حوله لدرجة لا تصدق ولا يوجد أحد ممن حوله يحمل له ذرة كره ولو ضئيلة الكل كان يحبه، أريد أن أعرف ما يخص موته، وكل ما يتعلق به، هل يعتبر كافراً، وأريد أن أعرف ماذا أستطيع أن أفعل له ليصله في قبره ويكون في ميزان أعماله، وأرجوكم أرجوكم أرجوكم أريد الإجابة بالتفصيل وفي أسرع وقت جزاكم الله ألف ألف ألف ألف خير عني وعن جميع المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت هذه الأفعال تصدر من أخيك بغير قصد منه نتيجة للمرض الذي ألم به سواء كان سحراً أو مرضاً نفسياً فهو في حكم المجنون غير مؤاخذ بها، وإنما يؤاخذ الإنسان على ما صدر منه بقصد واختيار، وعليه فما تركه من الصلوات أو ارتكبه من المحرمات كقتل نفسه دون قصد منه كما ذكر، فهو غير مؤاخذ به، ونرجو الله جل وعلا أن يعفو عنه ويغفر له.
وأما ما يمكنك نفعه به فهو يتمثل في الآتي:
1- قضاء ما عليه من الديون التي لزمته لله تعالى سواء كانت صوماً أو زكاة مال أو حجاً أو نحو ذلك.
2- قضاء ما عليه من الديون التي للخلق.
3- الدعاء له والاستغفار.
4- الصدقة عنه.
والله عز وجل نسأل أن يعينك ويأجرك على فعل ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1425(1/176)
ضعف العقل هل يسقط التكاليف الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كثرة ذهاب العقل أعني ضعف الذاكرة والنسيان والنجاسة الدائمة تقريباً تعفيه من الصلاة والواجبات الدينية. . . الفتاك الذي يصيب الإنسان في كبره يعتبر من حسن الخاتمة, وهل كثرة ذهاب العقل أعني ضعف الذاكرة والنسيان والنجاسة الدائمة تقريباً تعفيه من الصلاة والواجبات الدينية الاخرى, وإذا أراد الإنسان أن يصوم كصدقة عن ميت هل يفيده, ذلك وكيف يفيده تماما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان المقصود بذهاب العقل النسيان، فليس هذا مسقطا للأحكام والتكاليف ال شرعية. وإن كان المقصود وجود ضعف عقلي يحول دون إدراك الأحكام الشرعية وعملها، فهذا هو المعتوه، وقد سبق بيان حكمه في الفتوى رقم: 20350 والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1424(1/177)
الإثم مرفوع عن الصغير حتى يحتلم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ارتكب الإنسان في صغره (فترة المراهقة) كبيرة ترده عن الإسلام مثل سب الله في حالة الغضب وذلك من جراء نفس غافلة لا تدرك أن هذا الإثم أشد من الكفر نفسه لكنه تاب منذ سنوات عن هذا الكفر وازداد ندماً أشد الندم لَمَّا علم مدى عظيم وخطورة ما اقترفه في حق الله عز وجل فهل يقبل التواب توبته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما فعلته ذنب عظيم يكفر به صاحبه فيستتاب فإن تاب وإلا قتل.
ولمعرفة كيفية التوبة من ذلك راجع الفتوى رقم:
8927.
ومادمت قد تبت إلى الله وندمت على ما فعلت وعزمت على ألاَّ تعود وكنت صادقاً في ذلك فإن الله يتجاوز عنك ويغفر لك ويفرح بتوبتك. قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] .
هذا إذا كنت قد فعلت ما فعلت بعد البلوغ، أما إن كنت فعلت ذلك في صغرك وقبل بلوغك فلا شيء عليك إن شاء الله، لما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل. رواه أحمد وأصحاب السنن، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(1/178)
شروط صحة إسلام الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إشهار نصراني لإسلامه للزواج من مسلمة؟ وما هي الشروط كي يكون إسلامه حقيقياً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز ولا يصح نكاح كافر لمسلمة، سواء كان نصرانياً أو يهودياً أو غير ذلك، لأن الله تعالى يقول في كتابه الكريم: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بإذنه ... ) [البقرة:221] .
ولكن إذا أسلم الكافر لله رب العالمين وحسن إسلامه وخلقه، فلا حرج إن يتزوج المسلمة بعد ذلك، لأنه صار مسلماً.
وأما شروط صحة إسلامه بالنسبة لنا لكي نجري عليه أحكام الإسلام، فهي أن ينطق بالشهادتين، وبهذا يكون قد دخل في الإسلام ثم عليه أن يلتزم بما لا يصح إسلامه إلا به من الأعمال كالصلاة، والكف عن المكفرات كلبس الصليب. وإذا فعل هذا حكمنا بإسلامه ونكل باطن أمره إلى الله، وقد قال عمر: إنما نحكم بالظواهر، والله يتولى السرائر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1423(1/179)
كلف الله الناس بالمعقول، وسبل التفقه ميسرة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله وبعد
أنا شاب لا يحفظ ولا يعمل بما لا يفهمه وهذا هو حالي منذ مدة طويلة.
فالقرآن الذي لا أفهمه لا أعمل به ولا أريد حفظه، الحديث الذي لا أفهمه لا أعمل به....
وغير ذلك المهم أنني لا أعمل إلاَّ بما أفقه.
ما الحل لأنني بدأت أشك وقد اعتراني بعض الوسواس هل هذا شيء مبتدع أم ماذا جزاكم الله خيرا الجزاء (الفردوس لكم سأسأل الله إن أجبتموني فإنني أحترق قلقاً) .
... RKEZADRI yahoo.frهذا بريدي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك أخي الكريم أن تسعى في طلب العلم الذي ينور لك طريقك ويبصرك بما يرضي ربك، فالعلم فرقان بين الحق والباطل، والله تعالى يقول (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: من الآية11] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم" رواه الترمذي.
وما كلفنا الله إلاَّ بمعقول مفهوم عند عامة المسلمين، ولا يجوز أن يتوقف المسلم عن فعل واجب بحجة أنه لم يفهم الآية أو الحديث، فطرق التفقه مفتوحة متيسرة، والله تعالى يقول (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل:43] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً أو متعلماً" رواه الترمذي عن أبي هريرة، واحذر مداخل الشيطان وخطواته، فإنه يستدرج من أطاعه من خطوة إلى خطوة حتى يرديه في نار الجحيم، وفقك الله وسدد خطاك وألهمك رشدك. ولعلاج الوسواس، انظر الفتاوى التالية:
2081 2477 10355
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1423(1/180)
الحوار بين الأديان.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة العلماء الأفاضل:
هل صراعنا مع اليهود صراع ديني استشهاداً بالآية الـ 82 من سورة المائدة بقوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] ، وإذا كان كذلك ما الحكمة من حوار الأديان الذي يقام هذه الأيام، مع العلم بأن الحوار لا بد أن ينتج عنه تليين في المواقف والمعلوم أن الأديان ثابتة لا تتغير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاليهود وغير اليهود من أهل الكفر، منهم المحارب ومنهم غير المحارب، ولكل واحد منهما في الشرع ما يناسبه من الأحوال والأحكام، والأصل في ذلك قوله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الممتحنة:8-9} ، وعليه، فإنه لا حرج في البر والإحسان إلى الكافر غير المحارب، والتصدق عليه وإسداء أنواع المعروف إليه، دون موالاة ومحبة له بالقلب، فهذا إنما يكون لله ورسوله والذين آمنوا وحسب، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 59983، كما سبق بيان هدي الشرع في معاملة غير المسلمين وضوابط العلاقة بين المسلم وغيره، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19652، 47321، 9896.
والصراع الذي ذكره السائل الكريم، سواء كان في صورة حرب أو فكر أو أي نوع من أنواع العداوة، ينبغي أن يكون مبنياً على عقيدة، فالمسلم إن قاتل فإنه يقاتل في سبيل الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا، وإن عادى فإنه يعادي أيضاً في الله، كما أنه يحب في الله، ويوالي في الله، وعليه فصراع المسلمين مع اليهود وغيرهم من أهل الملل الباطلة صراع على أساس ديني، فإن المسلم إنما يوالي ويعادي ويحب ويبغض في الله ولله، وهذا هو أوثق عرى الإيمان، كما روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب، قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي عرى الإسلام أوسط؟ قالوا: الصلاة. قال: حسنة وما هي بها، قالوا: الزكاة، قال: حسنة وما هي بها. قالوا: صيام رمضان. قال: حسن وما هو به. قالوا: الحج، قال: حسن وما هو به. قالوا: الجهاد. قال: حسن وما هو به، قال: إن أوسط عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله. وحسنه الألباني بطرقه. وهذه هي عقيدة الولاء والبراء، التي سبق لنا بيان المقصود بها في الفتوى رقم: 32852، كما سبق أيضاً بيان أن بغض الكفار غير المحاربين لا يعني عدم البر والقسط إليهم، وذلك في الفتوى رقم: 99348.
وأما قضية حوار الأديان فقد أجمل الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- القول فيها فقال: ظهرت في الآونة الأخيرة مقولة: حوار بين الأديان، وهي فكرة لاقت رواجاً، وصار يعقد لها لقاءات ومؤتمرات، وهي فكرة خطيرة يجب التأمل فيها وفي أهدافها على النحو التالي:
1- إن كان المحاورون يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ويؤمنون بما أنزل عليه من ربه، وجب عليهم اتباعه وترك ما هم عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى العالمين كافة، قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا. والرسول يطاع ويتبع.
2- إن كانوا لا يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان الهدف من الحوار معهم بيان بطلان ما هم عليه ودعوتهم إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعه، فهذا الحوار مشروع، وقد جاء به القرآن الكريم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ... الحديث.
3- إن كانوا لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا يقبلون الدعوة إلى الإسلام، بل يريدون منا أن نعترف بصحة دينهم ونوافقهم عليه، فإنه لا يجوز الحوار معهم لعدم الجدوى منه، ولما في ذلك من إقرار الباطل، وهم لا يكفون عن شرهم وعداوتهم للمسلمين ولا يرضون إلا أن نترك ديننا وندخل في دينهم: وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ. وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ. والذين يدعون إلى الحوار منهم هم الذين يقتلون المسلمين شر قتله الآن ويشردونهم من ديارهم: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ. اه من (البيان لأخطاء بعض الكتاب) ..
وقد سبق في الفتوى رقم: 77730. أن المقصد بحوار الأديان إن كان هو التقريب والوحدة بينها، فإن ذلك لا يجوز شرعاً ولا يصح عقلاً، ومن يدعو إلى ذلك يجب أن ينبذ ويحذر منه، وأما قوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون َ {المائدة:82} ، فقد سبق تفسيرها في الفتوى رقم: 28378.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1430(1/181)
حديث النفس وحكم الكافر الذي نفع البشر ومات ولم يسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[على مستوى الأفعال ضميري مرتاح جداً، لكن على مستوى النوايا والأفكار أنا أتعذّب، من ذلك مثلا أنّه حتى أثناء الصلاة تهاجمني من داخلي أصوات تسب الجلالة وتسخر منها، وعلى مستوى الأفكار العديد من الأسئلة لم أجد لها أجوبة مقنعة، من ذلك مثلا كيف عالم ضحّى بصحّته وماله في سبيل الإنسانية وكان حسن الأخلاق طيبا جدّا، يدخل النار وكلّ ذنبه أنّه لم يعرف الإسلام أو عرفه لكن لم يفكّر في اعتناقه، أنا الذي سيفقدني صوابي أنّ الله عادل وواثق أن في الأمر سرا لكني عجزت تماما عن إدراك هذا السرّّ، فأرجوكم ساعدوني على معرفة هذا السر وأيضا على التخلّص من الأصوات التي تتهكّم وتسبّ الجلالة؟ وجزاكم الله كلّ خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يدور في نفس الإنسان دون أن يتكلم به معفو عنه، لما في الحديث: إ ن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. متفق عليه. والواجب الإعراض عن ذلك والتشاغل عنه بما يفيد من تعلم أو تكسب أو رياضة مباحة، فاحرص على الصلاة في الجماعة والإكثار من سماع القرآن وتلاوته والمحافظة على الأذكار المأثورة، وخالط وجالس أهل الخير والاستقامة، ولا تكثر الانفراد وحدك عن الناس والاسترسال في الخواطر الشيطانية، فدواء وساوس الشيطان الإعراض والتلهي عنها، ودواء القلق النفسي بالذكر والدعاء والأعمال الصالحة، فقد قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97} ، وقال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124} .
وأبشر وأيقن بأن استعظامك وردك لما تجد في نفسك دليل على الإيمان لما في الحديث عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: أنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: أوقد وجدتموه، قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. وفي رواية لأحمد وأبي داود: قالوا: أنا نجد في أنفسنا ما لو يكون أحدنا حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة.
وأما اعتقاد عدل الله تعالى فواجب على المسلم ولا يجوز الشك فيه، فإن لم يفهم حكمة ما فيجب عليه التسليم واتهام عقله بقصور الفهم، وأما الكافر الذي ذكرت فإن مقصد خلقه أولاً هو عبادة الله وتوحيده، لقوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} ، وقد أسبغ على العباد نعمه ليسلموا له وينقادوا لطاعته، كما قال تعالى: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُون َ {النحل:81} ، فلا ذنب أعظم من ترك الإسلام وعدم البحث عنه والتعرف عليه.
وأما إذا اشتغل العبد بنفع الخلق وأهمل توحيد وعبادة الخالق فقد ضل الطريق وسيجزيه على إحسانه إلى الناس في الدنيا ويعاقبه على الشرك ويخلده في نار جهنم، ففي الحديث: إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم. وقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ {البينة:6} ، وفي الحديث: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. فمن سمع بالإسلام ثم لم يسلم لا يعذر مهما كانت خدمته للخلق ومن لم يسمع به حتى مات فسيمتحن في الآخرة.
وراجع في بيان عدل الله وفي المزيد عن أمر الوساوس ومصير الكفار الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 96569، 65864، 63821، 75056، 97132، 94055، 79113، 70476.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(1/182)
الحوار بين الأديان.. الجائز والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في شخص يزعم أنه داعية ويستدل بحديث موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم وهو (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) ، وينسبه للرسول صلى الله عليه وسلم ويدعو كذلك إلى حوار الأديان وتقاربها، فهل يجوز تتبع برامجه، مع العلم بأن العامة قد فتنوا ببرنامجه؟ وبارك الله فيكم وسدد خطاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن يكون كل مسلم داعية إلى دين الله تعالى حسب وسعه واستطاعته بلسان حاله أو مقاله ... ولا يعفيه من هذه المسؤولية العظيمة عدم التخصص، فهذه مهمة الأنبياء وأتباعهم، فقد قال الله تعالى مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف:108} ، ومن أراد أن يتصدر للدعوة أو يتفرغ لها ويتخصص لا بد له أن يتحلى بصفات أساسية ذكرناها في الفتوى رقم: 8580. نرجو أن تطلع عليها لمعرفة من يستحق أن يوصف بالداعية.
ولا ينبغي للداعية ولا لغيره أن يعتمد على الأحاديث الضعيفة أو يحدث بها، وقد اختلف أهل العلم في الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة، فرخص فيها بعضهم بشروط، ومنعها بعضهم، وفصل آخرون، وسبق بيانه بالتفصيل في الفتوى رقم: 16194 نرجو أن تطلع عليها.
والحديث المذكور (أصحابي كالنجوم ... ) حديث ضعيف ضعفه غير واحد من أهل العلم، وذهب الشيخ الألباني رحمه الله إلى أنه موضوع، وسبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 10986، ومن المعلوم أن الحديث الموضوع لا يجوز التحديث به إلا لبيان أنه موضوع..
وأما حكم الحوار بين الأديان فلا مانع منه شرعاً، فقد قال الله عز وجل: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {آل عمران:64} ، وقال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {العنكبوت:46} .
وأما إن كان القصد بالتقريب الوحدة فيما بينها ... فإن ذلك هذا لا يجوز شرعاً ولا يصح عقلاً، ومن يدعو إلى ذلك يجب أن ينبذ ويحذر منه. وانظر الفتوى رقم: 33974.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1427(1/183)
المعيار الصحيح في مسائل الاعتقاد
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في مصر المتصدرون للمناصب في الأزهر يعلنون أن عقيدتهم أشعرية وأنها هي العقيدة الصحيحة وأن غيرهم إما مجسم أو من الخوارج وعلى رأس من يقول هذا المفتي، فما موقفي من أخذ فتواهم والتعلم منهم، وإليكم هذا الرابط للاطلاع على قولهم في الاستواء والعقيدة؟
http://www.dar-alifta.org/ViewFatwa.aspx?ID=4307]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولاً أن الحجة في الوحي المتمثل في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهم سلف هذه الأمة الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، فنهجهم في مسائل الاعتقاد هو النهج الصحيح الذي يجب على المسلم اتباعه، وهو الحكم على أي نهج آخر، وهو الميزان الذي توزن به المناهج الأخرى، فما وافقه قبل، وما خالفه رد مهما كان قائله في العلم والفضل، وتراجع الفتوى رقم: 38113، والفتوى رقم: 2556.
وقد سبقت لنا بعض الفتاوى في بيان ماهية الأشعرية راجع منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27552، 10400، 5719.
وأما طلب العلم فله آدابه، ومن هذه الآداب أن يحسن الطالب اختيار من يتلقى عنه العلم، وهو من عرف عنه الاستقامة عقيدة وعملاً، وقد سبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 30036، والفتوى رقم: 32327، وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 32487، والفتوى رقم: 31659.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1427(1/184)
عقيدة التوحيد والتثليث لا تجتمعان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح فى زماننا هذا من يجمع الدينين الإسلام والمسيحية السمحة بسبب نزول عيسى بن مريم عليه السلام فى آخر الزمان؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان المقصود بالجمع بين الدينين (الإسلام والمسيحية) هو ما يروج له اليوم باسم وحدة الأديان، أي خلطها ومزجها بحيث تصير ديناً واحداً يضم عقيدة الإسلام والمسيحية واليهودية.
فإن هذا كفر واضح وردة صريحة فإنه لا يصح إسلام المسلم إلا بإقراره بالتوحيد وكفره بالشرك والطاغوت، كما قال عز وجل: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ [البقرة:256] .
فكيف يجمع بين التوحيد والشرك وكيف يجمع بين عقيدة لا إله إلا الله وعقيدة الله ثالث ثلاثة.
وإن كان المقصود هو حوار الأديان والمجادلة بالتي هي أحسن فلا مانع منه، والله تعالى يقول: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46] .
وقال تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] .
وأما نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام في آخر عمر الدنيا فحق، ولكه ينزل ليحكم بالإسلام لا بالمسيحية ولا باليهودية، فالإسلام هو دين الرسل جميعاً ولا يقبل الله غيره، وبه يحكم عيسى بن مريم عند نزوله، وفي الحديث الصحيح: والذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر: قوله يكسر الصليب ويقتل الخنزير، أي يبطل دين النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقة، ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1424(1/185)
مؤلف كتاب عقيدة المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[مؤلف كتاب عقيدة المسلم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للشيخ محمد الغزالي رحمه الله كتابا اسمه عقيد المسلم، ولكل من الشيخ الشعراوي وعبد الحميد السائح كتاب بهذا الاسم، وللشيخ أبي بكر الجزائري حفظه الله كتاب اسمه عقيدة المؤمن، وللشيخ محمد جميل زينو حفظه الله رسالة مختصرة اسمها عقيدة المسلم السني، وللشيخ صالح البليهي رحمه الله كتاب اسمه عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1429(1/186)
مصادر العقيدة والصحيحة وشروحها
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أقرب إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهج الشيخ الألباني أم الهرري، أفيدوني جزاكم الله خيراً لما نحن فيه من حيرة، وكيف نستطيع أن نستدل على صحة ما نسمع؟ بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن منهج عبد الله الهرري بعيد عن منهج أهل السنة والجماعة، والرجل منحرف في باب الاعتقاد، ولقد حذر منه العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز في مجموع فتاويه، ولمزيد بيان عن هذا الرجل وفرقته الضالة راجع كتاب "الموسوعة الميسرة في المذاهب والأديان المعاصرة" والذي طبعته الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وراجع الفتوى رقم: 14817.
وأما الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له، فهو حافظ الوقت وناصر السنة في هذا الزمن وممن جدد الله به الدين، وليس معنى ذلك أنه معصوم، فهو مجتهد، يخطئ ويصيب، لكنه خطأه أقل من صوابه، وهو مغمور في بحر حسناته.
والذي نحب أن ننبه عليه أن العقيدة في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر لا تؤخذ عن الشيخ الألباني ولا عن غيره من أهل العلم، وإنما ينبغي أن تؤخذ العقيدة في كل ذلك من القرآن والسنة الصحيحة بفهم سلف الأمة رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين.
فإذا رأيت من يشرح أبواب الإيمان من صحيح البخاري وصحيح مسلم فالزمه فهي أحاديث النبي وآثار الصحابة والتابعين، وكذلك كتاب "الشريعة" للآجري، و"السنة" لعبد الله بن الإمام أحمد و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للإمام اللالكائي، فمثل هذه الكتب اقتصر مصنفوها على إيراد الآيات والأحاديث والآثار التي تقرر العقيدة الصحيحة.
وإن من أهم من لخص اعتقاد السلف في كتب ميسرة، ورد على المخالفين لهم وفند شبههم الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية، فعليك بكتبه فإنها نافعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1425(1/187)
العقيدة الإسلامية.. مصدرها وخصائصها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي خصائص العقيدة الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العقيدة الإسلامية من خصائصها أنها ربانية المصدر لأنها مأخوذة من القرآن والحديث، وأنها موافقة للفطرة السليمة والعقل السليم، وأنها واضحة سهلة الفهم ليست مثل النظريات المنطقية، وأنها وسطية فلا غلو فيها ولا تفريط، وللزيادة في الموضوع راجع كتب التوحيد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(1/188)
مصادر الحديث عن آدم عليه السلام وبدء الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا والحمد لله مؤمن بالله عز وجل ولكن أريد أن أعرف من أين يأتي أصحاب المؤلفات التي يكتبون فيها عن بداية الخلق ووصف خلق آدم كيف عرفوا ذلك؟ سوف أجن بالله عليكم أرجو الرد السريع أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذين يوردون مثل ما ذكره السائل قسمان:
القسم الأول: يأخذون ذلك من القرآن الكريم وتفسير الصحابة والسلف له، ومن الأحاديث النبوية الصحيحة أوالإسرائيليات الموافقة للشريعة أو التي لا تعارضها، وهذا هو المنهج السليم في مثل هذا.
القسم الثاني: يأخذون ذلك عن الأحاديث الموضوعة والضعيفة ويعتمدون على الإسرائيليات التي تعارض الشريعة، أو التي لا يمكن أن يصدقها العقل، وهذا المنهج غير سليم،
وننصح السائل بالرجوع إلى كتاب البداية والنهاية للحافظ ابن كثير "المجلد الأول" وسيجد فيه الآيات والأحاديث الواردة في بدء الخلق ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1423(1/189)
العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد
[السُّؤَالُ]
ـ[قد يتساءل البعض عن العلاقة بين الوحي والعقل، فرفع البعض من شأن العقل حتى جعله مساويا للوحي أو يزيد كما غض البعض من شأنه حتى أنكروا عليه أن يصل إلى شيء من الحق، ما وجهة نظر الإسلام تجاه هذين الرأيين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
قال الله تعالى: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [البقرة:269] . وقال تعالى: إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الرعد:19] .
وقال تعالى: وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [إبراهيم:52] .
وقال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [صّ:29] .
وقال تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:18] .
وقال تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78] .
فمن قرأ هذه الآيات بتأمل وبتدبر علم أن الله تعالى خلق هذا العقل ليتعقل به الوحي ويعرفه، فكيف يسوغ أن يُرفع شأن العقل حتى يكون مساوياً للوحي أو يزيد؟ وكيف يمكن إنكار وجود العقل وقيمته؟ لقد أخطأ هؤلاء وأولئك جميعاً، كل في ما ذهب إليه، ذلك لأن العقل والوحي كليهما من عند الله ولا تعارض بينهما.
فمتى كانت المقدمات التي استند إليها العقل صحيحة قطعية، كانت النتائج كذلك قطعية، ويستحيل أن يحصل تناقض بين قطعي وقطعي، سواء كانا سمعيين أو عقليين أو كان أحدهما سمعياً والآخر عقلياً.
فما كان من الأمور التي تعرض لها الوحي وللعقل فيها مجال، فإما أن تكون نصوص الوحي قطعية الدلالة والورود، فإن نتائج العقل لن تناقضها إلا إذا بنيت على مقدمات خاطئة، وإما أن تكون النتائج التي توصل إليها العقل قطعية لكونها مبنية على مقدمات صحيحة قطعية، فإن نصوص الوحي لن تناقضها إلا إذا لم تكن قطعية الورود أو كانت دلالتها غير قطعية، وعليه فإن القطعيّ منهما يحكم على المحتمِل.
وأما ما لا مجال فيه للعقل من أمور الوحي فإن المؤمن يؤمن به وسيسلم به، قال الله تعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران:7] .
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والإستسلام.
قال شارح الطحاوية: أي لا يثبت إسلام من لم يسلم لنصوص الوحي، وينقاد إليها، ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه، روي عن الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله أنه قال: من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التسليم، وهذا كلام جامع نافع، وما أحسن المثل المضروب للنقل مع العقل وهو: أن العقل مع النقل، كالعامي المقلد مع العالم المجتهد، بل هو دون ذلك بكثير، فإن العامي يمكنه أن يصير عالماً، ولا يمكن العالم أن يصير نبياً رسولاً، فإذا عرف العامي المقلد عالماً، فدل عليه عامياً آخر، ثم اختلف المفتي والدال، فإن المستفتي يجب عليه قبول قول المفتي دون الدال، فلو قال الدال، الصواب معي دون المفتي، لأني أنا الأصل في علمك بأنه مفتٍ، فإذا قدمت قوله على قولي قدحت ي الأصل الذي به عرفت أنه مفتٍ، فلزم القدح في فرعه! فيقول له المستفتي: أنت لما شهدت له بأنه مفتٍ، ودللت عليه، شهدت له بوجوب تقليده دونك، فموافقتي لك في هذا العلم المعين، لا تستلزم موافقتك في كل مسألة، وخطؤك في ما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك، لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفتٍ، هذا مع علمه أن ذلك المفتي قد يخطئ، والعقل يعلم أن الرسول معصوم في خبره عن الله تعالى، لا يجوز عليه الخطأ، فيجب عليه التسليم له، والانقياد لأمره. انتهى.
كما أن العقل مع الوحي كنور العين مع نور الشمس، فإن العين لا تبصر إلا مع ضوء الشمس، قال شيخ الإسلام رحمه الله: بل كما أن نور العين لا يرى إلا مع ظهور نور قدامه، فكذلك نور العقل لا يهتدي إلا إذا طلعت عليه شمس الرسالة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(1/190)
أمر العقيدة وأمور الغيب متوقفة على الإيمان بالوحي
[السُّؤَالُ]
ـ[التصديق بالوحي هو الأساس الذي تترتب عليه جميع حقائق الدين وضح ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتصديق بالوحي هو الأساس الذي ينبني عليه الإيمان بالغيبيات فالإيمان بالملائكة والجنة والنار وعذاب القبر لم يأتنا إلا عن طريق الوحي، وكذلك التسليم بفعل ما أمر الله، وترك ما نهى عنه لا يكون إلا ممن سلم للوحي زمامه وصدق به، فأمر العقيدة وأمور الغيب متوقفة على الإيمان بالوحي، وأمر العبادة وتحكيم الشريعة متوقف على الإيمان بالوحي، ومن لم يصدق الوحي فقد كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالذي جاء به.
ولذا فقد أيد الله أنبياءه بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة الدالة على صدق الوحي، فمن نظر في هذه المعجزات وتأمل في هذه الآيات لم يكن له بد من الإيمان بالله، وما جاء عن الله، إلا من غلب عليه الكبر والجحود، قال تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (الأنعام: من الآية33) ، وقال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ (النمل: من الآية1) 4) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(1/191)
لا تحتاج لسؤال أهل العلم لأن الله وهبها عقلا
[السُّؤَالُ]
ـ[قد سألت سابقا عن موضوع خطبتي، وأني أقيم بالخارج وخطبت قبل سفري ب 3 أو4 أيام في الاستشارة رقم:2215210. ونسيت أن أذكر أني شكلا لم أقتنع بالعروسة مع أن الجميع يقول إنها جميلة، لكن اقتناعي بها كان على أساس الدين والأخلاق، والأهل، فشخصيتي كمسلم تجعلني أبحث عن زوجة تعمر بيتا وتربي أطفالا، والجمال يكون في آخر المراتب. لكن سؤالي هنا: عندما كنت أتناقش معها أجدها حاليا بها أحد العيوب المعروفة عن المرأة في الإسلام وهي العند، والمخالفة، وهو ما بدأت أشعر به منها مثلا عندما أقول لها: اسألي فالمواقع الإسلامية عن حدود الله بيننا وما هو الصح من الخطأ، يجب أن نكون قريبين في الله، مع العلم والحمد لله أننا مجتمعون على الصيام في يوم واحد، وقراءة القرآن وحفظة سويا فقد ختمناه قراءة مرتين حتى الآن والحمد لله، ودعاء، وعبادة وما إلى ذلك لنكون في من يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، ونجتمع على حب الله. الخلاصة أني لا أعيب عليها في شيء فهي أيضا حافظة لأجزاء من القرآن، مع علمي أيضا أن كل ما سبق وأشرت إليه يعتبر من حماسة أو لذة الارتباط في أوله، ومن الممكن أن يقل أو يفتر فيما بعد، أو بعد الزواج نفسه، لكن ما يحيرني الآن أمران:
أولا: كلما فاتحتها في موضوع كتب الكتاب وقت ذهابي إجازة في المرة القادمة، وتكون الدخلة بالإجازة التالية، علما بأن الشقة ستكون جاهزة بإذن الله، لكن المشكلة في مواعيد التسليم من المقاول والحمد لله يعتبر الأمر ميسرا نسبيا وليس هناك عوائق مادية بأمر الله، لكنها تقول إن أهلها سيخافون من هذا الأمر بالإضافة أنها تشعرأننا لم نتآلف بالشكل المرغوب بالنسبة لها، وعندما أرسلت لها فتوى الموقع شعرت أنها لم تضعها في حساباتها في تكوين رأيها وهو ما أقلقني، لأن في ذلك نواة لعدم الالتزام بالدين. الأمر الثاني الذي أقلقني: عندما أناقشها في الفترة الأخيرة أجدها تقلب النقاش إلى جدال، وعندما أقول لها اسألي بالمواقع الإسلامية أو شخصا ممن حولك يعرف الدين كشيخ مسجدك أو شيء من هذا القبيل تقول أنا لدي عقل أفكر به، وأنا أعرف الصح من الغلط، ولست محتاجة لأن أسأل أحد، وأنا لست مقتنعة بالسؤال على النت لأنه يتأخر، ولأني لا أستطيع التواصل مع من أمامي لأني لا أراه، وهو الأمر الذي أقلقني، فالمرأة من عيوبها أنهن تكفر العشير، ومخلوقة من ضلع أعوج، وما يصلح ويغلب على هذه المشكلة هو الدين وهو ما أجده بها، فهي تجادلني وتخالفنني لمجرد الخلاف في الرأي، أو لتصميمها على أنها الصح في أمر استشارة عقلها على استشارة أهل الدين، وإن كان الاحتمال الأول فهو مؤشر لخطر أو شيء خطأ، أو الاحتمال الثاني فهو مؤشر أخطر، ومن الممكن لو لمست أنها لا تضع الدين في حسبانها في تكوين وجهة نظرها من الممكن أن أتراجع في خطبتي منها لهذا السبب.
لذا أرجو منكم إجابتي بتفصيل وعدم استخدام ألفاظ لغوية فصحى أكثر من اللازم، والإسراع في الرد؟ مع اعتذاري للإطالة والمغالاة في السؤال لكني فعلا في حيرة من أمري وأود أن أفهم وأعرف ماذا أفعل؟ لذا أرجو منكم الإسراع في الرد لسرعة اتخاذ قرار مناسب مع هذا الأمر لأنه بناء على فتواكم سأستطيع تكوين رأي كامل؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابتداء ننبهك أيها السائل الكريم إلى أنه لا يجوز لك الاسترسال في العلاقة مع خطيبتك بهذه الطريقة التي تذكر حتى ولو كان ذلك في مجال الطاعة والتعاون على البر والتقوى، وذلك لأنها ما زالت أجنبية عنك، طالما أنك لم تعقد عليها، والانبساط في العلاقة مع المخطوبة بجانب كونه من المحظورات الشرعية، فهو أيضا له آثاره السيئة وعواقبه الوخيمة، وهذا قد أشبعناه كلاما في عشرات إن لم يكن مئات الفتاوى على الموقع.
أما ما تتذرع به خطيبتك من أنها وأهلها لن يوافقا على عقد الزواج فترة الإجازة بحجة أنه لم يحدث تعارف كاف بينكما، فهذا كلام مبني على فهم خاطئ، ولو أنهم فقهوا أن المرأة في فترة الخطوبة أجنبية عن زوجها وأنه لا يجوز لها أن تنبسط إليه في العلاقة لأدركوا أن تطويل أمد الخطبة لن يحقق لهم ما يريدون، بالإضافة إلى أن فترة الخطوبة هي في الغالب فترة تجمل وتودد، وكل واحد من الخاطبين إنما يحرص على إظهار أفضل ما لديه من خلق وإخفاء جميع عيوبه وسيئاته، وقد أرشدناك في فتوانا السابقة إلى استحباب تعجيل العقد وعدم تطويل فترة الخطبة.
أما ما تزعمه هذه الفتاة –هداها الله - من عدم حاجتها لسؤال أهل العلم لأن الله وهبها عقلا، فهذا الكلام إنما يدل على جهل بأحكام الله وغفلة عن أوامره، فإن الله سبحانه لم يجعل العقل مشرعا ولا هاديا لتفاصيل التكليف، وإنما يعرف ذلك من الأنبياء وما أرسلوا به من البينات والزبر، ثم بسؤال ورثتهم من بعدهم وهم العلماء قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. {النحل: 43} .
قال القرطبي رحمه الله: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه، أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده فيسأله عن نازلته فيمتثل فيها فتواه، لقوله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. {النحل: 43} . وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. انتهى.
وإلا فلماذا لا تستغني بعقلها عن سؤال أهل الطب إذا ألمّ بها مرض، ولماذا لا تستغني بعقلها عن سؤال أهل الهندسة إذا أرادت تشييد بناية ونحوها، ولكن الدين هو المطية السهلة عند كثير من الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وإذا كان الاستفتاء عبر المواقع الالكترونية يسبب لها بعض الحرج نظرا لتأخر الفتوى، أو عدم قدرتها على التواصل مع أهل العلم، فيمكنها أن تقصد أهل العلم مباشرة بالسؤال فتشافههم بالسؤال، أو تتواصل معهم بالهاتف ونحوه من وسائل الاتصال وهذا في غاية اليسر لمن شرح الله صدره للدين.
والذي ننصحك به هو أن تقف معها وقفة صريحة عند أول لقاء بها وفي وجود بعض محارمها، ثم تصارحها بما لديك من هواجس بشأن ما ذكرت من حديثها، وأن تبين لها خطأ تفكيرها هذا، وتعلمها أنه لا ينال عبد حقيقة الإيمان حتى يحكم الله ورسوله في كل أموره دقيقها وجليلها، فإن استجابت لك في ذلك وأذعنت لما تقول ورضيت بالشرع حكما ومرجعا، فأخبرها ووليها برغبتك في إتمام العقد وأنك لن تأتي إليهم بعد ذلك لأنه لا يجوز لك تكرار اللقاء بها بغير حاجة، فإن أجابوك فأتمم عقد الزواج على بركة الله، وإن طلبوا منك إمهالهم فالأمر إليك فإن شئت وافقتهم بشرط ألا يحملك طول أمد الخطبة على انتهاك محارم الله، وإن شئت انصرفت عنهم.
أما إن ظهر عدم استجابتها لك أصلا، وأنها معرضة عما تعظها به، فعليك أن تنصرف عنها وتبحث عن غيرها من ذوات الخلق والدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1430(1/192)
هل يؤاخذ المجنون على عمله بعد البلوغ وقبل الجنون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الفاقد عقلة بعد سن الرشد هل يحاسب على عمله في السابق أي قبل الفقدان أم لا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن جن أو فقد عقله فإنه لا يؤاخذ على عمله بعد الجنون أو فقدان العقل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاث. ... وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق. رواه أهل السنن، ولكنه يؤاخذ على عمله بعد البلوغ وقبل الجنون، إلا أن يعفو عنه الله تعالى، لأنه مكلف في ذلك الوقت، وهذا هو الأصل ولم يرد في الكتاب والسنة فيما نعلم أن من جن لا يؤاخذ بما سبق قبل جنونه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1429(1/193)
تميز الإنسان بمميزات كثيرة عن باقي المخلوقات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر العقل الشيء الوحيد الذي يميز الإنسان عن باقي مخلوقات الله عز وجل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقل منحة إلهية أيد الله بها الإنسان وامتن عليه بها، وهو الذي يميز الإنسان عن الجماد والحيوان، وبه كلف الله الإنسان، فالمكلف هو البالغ العاقل، وبالعقل يميز الإنسان بين الخير والشر وبين الهدى والضلالة ... ولكننا لا نقول إن العقل هو الشيء الوحيد الذي يميز الإنسان عن باقي مخلوقات الله عز وجل، فالإنسان له شكله الخارجي الذي لا نعلم مخلوقاً يشاركه فيه، ويتميز أيضاً بخاصية الضحك والبكاء.
كما أنه يتميز من الناحية البيولوجية بعدد من الكروموزومات، وأنواع كثيرة من الجينات يختلف فيها عما سواه من المخلوقات.
وهو متميز في جهازه العضلي والغدي وهيكله العظمي، وقد لا نكون مبالغين إذا قلنا إنه يتميز في كافة أجهزته عن سائر المخلوقات.
ثم إنه يتميز تميزا خاصاً بإكرام الله له وتفضيله على بقية المخلوقات تفضيلاً واضحاً بينه قول الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {الإسراء:70} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1429(1/194)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عيكم ورحمة الله وبركاته
لقد سمعت من زوجي بأنه قرأ في حديث لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أن العقل في القلب وكان ذلك شيئا عجيباً أن أسمعه لأن دائماً أسمع وأقرأ بأن العقل في الدماغ وقرأت هذا الحديث بنفسي أيضا، أود أن تشرحوا لي معنى هذا الحديث لأن زوجي يقول أن لا أحد من الذين يعرفهم صدقوا عندما أخبرهم بهذا الحديث؟ وجزاكم الله خيراً ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وجد الخلاف قديماً في مكان وجود العقل.. فمذهب الشافعية وجماهير المتكلمين أن العقل في القلب، وهذا القول محكي أيضاً عن الفلاسفة.
وقال أبو حنيفة: إن العقل في الدماغ، وهذا القول محكي عن الأطباء.
وقد احتج القائلون بأنه في القلب بقول الله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46] .
وبقوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [قّ:37] .
قال المفسرون: معناه لمن كان له عقل، وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. رواه مسلم.
فإنه صلى الله عليه وسلم جعل صلاح الجسد وفساده تابعاً للقلب، مع أن الدماغ من جملة الجسد فيكون صلاحه وفساده تابعاً للقلب، فعلم أنه ليس محلاً للعقل.
واحتج القائلون بأنه في الدماغ بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل، ويكون من فساد الدماغ الصرع، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسكن العقل من الجسد؟ فأجاب: وأما قوله: أين مسكن العقل فيه؟ فالعقل قائم بنفس الإنسان التي تعقل، وأما من البدن فهو متعلق بقلبه، كما قال الله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46] . ...
وقيل لابن عباس: بماذا نلت العلم، قال: بلسان سئُول وقلب عقول.
لكن لفظ القلب قد يراد به المضغة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن التي جوفها علقة سوداء، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد.
وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقاً، فإن قلب الشيء باطنه كقلب الحنطة واللوزة والجوزة ونحو ذلك، ومنه سمى القليب قليباً لأنه أخرج قلبه وهو باطنه.
وعلى هذا.. فإذا أريد بالقلب هذا فالعقل متعلق بدماغه أيضاً، ولهذا قيل: إن العقل في الدماغ، كما يقوله كثير من الأطباء، ونقل ذلك عن الإمام أحمد، ويقول طائفة من أصحابه: إن أصل العقل في القلب فإذا كمل انتهى إلى الدماغ.
والتحقيق أن الروح التي هي النفس لها تعلق بهذا وهذا، وما يتصف من العقل به يتعلق بهذا وهذا؛ لكن مبدأ الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة وأصل الإرادة في القلب، والمريد لا يكون مريداً إلا بعد تصور المراد، فلا بد أن يكون القلب متصوراً فيكون منه هذا وهذا، ويبتدئ ذلك من الدماغ وآثاره صاعده إلى الدماغ، فمنه المبتدأ، وإليه الانتهاء، وكلا القولين له وجه صحيح. انتهى
وما ذكره شيخ الإسلام هنا هو الأقرب إلى الصواب ... على أن الخوض في هذا الأمر خوض فيما له تعلق بالروح، وقد قال جل وعلا عن الروح: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1423(1/195)
ذرية الزوجين المسلمين مسلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أناسيدة مسلمة متزوجة من هولندي مسلم وأنجبت منه طفلة فهل تعبر ابنتي أيضاً مسلمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهي مسلمة اتفاقاً، وليس بين أهل العلم خلاف في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1426(1/196)
كل البشر مفطورون على التوحيد
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم يخلق ربنا سبحانه وتعالى كل الناس مسلمين؟ الله سبحانه وتعالى خلق كفارا مثل قسم من (الهند) إذا كان يعرف ربنا سبحانه وتعالى بأنهم كفار لماذا يخلقهم؟
(ارسل الجواب جزاك الله خيرا) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب الانتباه إلى تأكيد وأهمية وفرضية الأدب مع الله تعالى، فإن الله تعالى لا يجب لعباده عليه شيء، كما حققه غير واحد من أهل العلم، ولا يقال في فعله: لماذا؟ لأنه تعالى فعال لما يريد، ولا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا يسأل عمَّا يفعل.
فإذا تقرر هذا، فاعلم أن الله تعالى فطر خلقه على توحيده وعبوديته، فجاءتهم الشياطين الإنسية والجنية فاجتالتهم عن دينهم فاستجابوا لهم وامتنعوا عن طاعة الرسل واتباعهم، وأبوا إلا أن يشركوا بالله. قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف:172] .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه، قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30] . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه. وفي رواية: على هذه الملة
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله: إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم.
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقول لأهون أهل النار عذابا: لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم، قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك. متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
وقال ابن كثير أيضًا في تفسير قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ: يقول تعالى: فسدِّدْ وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم الذي هداك الله لها، وكملها لك غاية الكمال، ولازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره.
وذكر أن الله ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك، ولا تفاوت بين الناس في ذلك. اهـ
ثم اعلم أن الله تعالى لما انحرف الناس عن التوحيد بعث خيرة خلقه، وهم رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام، مبشرين بوعد الله من أطاعه، ومنذرين من وعيده من عصاه، فكان من الناس من أطاع الرسل، ومنهم من اتبع الشيطان واغتر بأكاذيبه وغروره. قال تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [البقرة:213] ، ,قال تعالى: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ [الصافات:71، 72] .
وقال تعالى إخبارًا عن إبليس وهو يخطب أمام جماهيره في النار: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ [إبراهيم:22] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1424(1/197)
الفطرة مع الحق كضوء الشمس مع العين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الفطرة حجة مستقلة في إنزال الأحكام , بحيث لو فعل شخص ما الكفر الأكبر, فإنه لا يكفر لأنه مفطور على توحيد الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفطرة لا تكفي وحدها لهداية الناس، فالشرعة مكملة للفطرة ومفصلة للأحكام التي لا تستقل الفطرة بإثباتها، فمثل الفطرة مع الشريعة كمثل العين مع النور، فإن العين إذا غاب النور عنها لم تبصر شيئاً وكذلك الفطرة إذا غابت عنها الشريعة المنزلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالفطرة مكملة بالفطرة المنزلة، فإن الفطرة تعلم الأمر مجملاً والشريعة تفصله وتبينه، وتشهد بما لا تستقل الفطرة به. انتهى
ويقول أيضاً: فإن الله فطر عباده على الحق، والرسل بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لا بتحويل الفطرة وتغييرها.
ومن وقع في الشرك أو الكفر فقد حاد عن الفطرة، إذ الفطرة لا تقبل ذلك بل تقبل التوحيد، وليس معنى الفطرة أن الخلق يكونون حين الولادة معتنقين الإسلام ملتزمين بأحكامه، وإنما هي كما يقول ابن تيمية: السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة. انتهى
فمن وقع في الشرك أو الكفر فقد فسدت فطرته لأن الفطرة يعرض لها من الشهوات والشبهات ما يحجب عنها الحق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: ومثل الفطرة مع الحق مثل ضوء العين مع الشمس، وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأى الشمس، والاعتقادات الباطلة العارضة من تهود وتنصر وتمجس مثل حجاب يحول بين البصر ورؤية الشمس. وكذلك أيضاً كل ذي حس سليم يحب الحلو إلا أن يعرض في الطبيعة فساد يحرفه حتى يجعل الحلو في فمه مراً. ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالعقل، فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاَ، ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق الذي هو الإسلام بحيث لو ترك من غير مغير لما كان إلا مسلماً. وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع..هي فطرة الله التي فطر الناس عليها. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1423(1/198)
الجهة التي يلجأ لها الشخص لتأويل الرؤيا
[السُّؤَالُ]
ـ[نشأت في أسرة متدينة، أحفظ من القرآن 15حزءا. أصبت بمرض الوسواس القهري المتعلق بذات الله عز وجل وذهبت إلى أكبر الأطباء النفسيين الذين أخبروني أني مريضة ولن أحاسب على ما يأتي في ذهني. رغم ذلك فأنا دائما خائفة من غضب الله، وكلما أتتني هذه الأفكار التي تلازمني كل دقيقة وفي جميع أفعالي أشعر أني كافرة فأتشهد وأدخل للاغتسال حتى أدخل في الإسلام من جديد، وأقضي في الغسل ما لا يقل عن الساعتين. المشكلة أني حلمت حلما أني كنت في مكان به غائط كثير قرأت تفسيره في ابن سيرين فكان معناه الإصابة بالهم. تكرر الجلم بشكل آخر فكنت أحدث الغائط في الحلم ولكن لا أدري كيف؟ وكان معي في الحلم بعض الأشخاص ولكن لا أعلم هل رأوني أم لا ولكن أعتقد أنهم رأوني، بصراحة أنا لا أتذكر الحلم جيدا ولست متأكدة من أنهم رأوني. ووجدت في التفسير أن من أحدث في وسط جماعة من الناس فهذا دليل على غضب الله عليه وملائكته وستناله فضيحة. سؤالي هو: لا أعلم ماذا أفعل؟ أنا في خوف شديد أخشى أن ينطبق هذا التفسير على حلمي. كيف أعرف هل الله غاضب علي أم لا. لا أستطيع النوم وأبكي ليلا ونهارا أكاد أصاب بالجنون أخاف من غضب ربي.
حياتي عادية لا أفعل شيئا سوى مراعاة ابنتي وزوجي أو زيارة أقربائي، وأحافظ على فروضي وأراقب الله في معظم أعمالي، وأحفظ القرآن الكريم إلا أني توقفت منذ ولادتي لابنتي لعدم تمكني من الذهاب إلى التحفيظ. لا أعلم ذنبا بعينه أصر عليه حتى يكون سببا لغضب الله علي وإلا تركته فورا.
أرجوكم ساعدوني أريد أن أعرف هل هذا التفسير صحيح أم لا؟ وإذا كان صحيحا فماذا أفعل؟ وكيف أعرف سبب غضب ربي علي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسال الله لنا ولك العافية. ونفيدك أنه ليس من اختصاصنا تفسير الأحلام، وننصحك بالإعراض عن هذه الأفكار والوساوس. فقد ذكر أهل العلم أن تفسير الرؤى لا يجوز أن يؤخذ من الكتب وإنما يؤخذ من أهل الخبرة الثقات. فعليك بالحفاظ على العبادات والطاعات، والمواظبة على الأذكار المقيدة والمطلقة، والإكثار من سؤال الله العافية. وستجدين العافية والسلامة من المكاره إذا حافظت على ذلك. وراجعي للاطلاع على البسط في الموضوع وأسباب نيل رضى الله والبعد عن غضبه الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 69883، 74127، 47241.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1430(1/199)
التوجيه النبوي لمن رأى رؤيا تحزنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج ولدي أطفال، في ليلة من الليالي حلمت أني رجعت إلى بيتي ولم أجد زوجتي في البيت، وبحثت عنها ووجدتها في بيت آخر مع رجل، وغضبت عليها وضربتها. فقالت لي إن الذي تفكر فيه قد حصل. أرجو إفادتي في وضعي لأني أعيش حالة نفسية بسبب هذا الحلم. أرجو الاهتمام جزاكم الله خيرا. أخوكم في الاسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الرؤيا الصالحة من الله، والرؤيا السوء من الشيطان، فمن رأى رؤيا فكره منها شيئاً فلينفث عن يساره ثلاثاً، وليتعوذ بالله من الشيطان لا تضره، ولا يخبر بها أحداً، فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر بها ولا يخبر إلا من يحب. متفق عليه من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
جاء في عمدة القاري شرح صحيح البخاري عند شرحه لهذا الحديث:....أي الرؤيا الغير الصالحة أي الكاذبة أو السيئة، وإنما نسبت إلى الشيطان لأن الرؤيا الكاذبة يريد بها الشيطان أن يسيء ظنه ويحزنه ويقل حظه من شكر الله ولهذا أمره بالبصق عن يساره. انتهى بتصرف.
وفيه أيضا: والرؤيا المكروهة هي التي تكون عن حديث النفس وشهواتها، وكذلك رؤيا التهويل والتخويف يدخله الشيطان على الإنسان ليشوش عليه في اليقظة وهذا النوع هو المأمور بالاستعاذة منه لأنه من تخيلاته، فإذا فعل المأمور به صادقا أذهب الله عنه ما أصابه من ذلك. انتهى.
وبهذا تعلم – أيها السائل - أن الشيطان يلجأ إلى مثل هذه الأحلام ليحزن الذين آمنوا ويلقي في قلوبهم الهم والريب , فلا داعي لانزعاجك من مثل هذا خصوصاً إذا اتبعت توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم المبينة في الفتوى: 108928.
ثم ننبهك إلى أن الرؤى لا تؤخذ منها أحكام شرعية، ولا تنبني عليها أمور مستقبلية، ولا يجوز لك أن تسيء الظن بأهلك أو تنسبهم إلى الشر استنادا إلى هذه الرؤيا أو غيرها, وقد فصلنا القول في ذلك في الفتاوى تحت الأرقام التالية: 18129، 20604، 9555.
ثم نوصيك بالنوم على طهارة، والمواظبة على أذكار النوم من قراءة آية الكرسي فقد ثبت في حديث أبي هريرة الطويل: أن الشخص إذا قرأها حين يأوي إلى فراشه فلا يزال عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح. والحديث رواه البخاري وغيره.
والمحافظة على قراءة خواتيم سورة البقرة، والمعوذات ... إلخ مع الإكثار من الطاعات، والإكثار من ذكر الله، وتلاوة القرآن الكريم، وإزالة المنكرات من البيت -إن وجدت- والابتعاد عن ما يغضب الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1430(1/200)
رؤية الروضة الشريفة في النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت الروضة الشريفة بالإضافة لقبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مع العلم بأنني كنت مع أخي وأمي وقلت لأمي وأخي بأن سجاد الروضة تغير لونه إلى أخضر بدرجة مغايرة، بالإضافة لباب قبر أبو بكر رضي الله عنه أصبح من خشب بطريقة جميلة جدا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو أن تكون رؤياك رؤيا خير، وقد سبق أن بينا جواز تفسير الأحلام وتأويل الرؤيا لمن يحسن ذلك، في الفتويين: 4473، 38258. ولكن نعتذر عن عدم تأويلها؛ لأن الموقع خاص بالرد على الأسئلة الشرعية، وليس فيه ركن لتفسير الرؤيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1430(1/201)
مدى علاقة تفسير الحلم بوقوعه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو عن الأحلام والرؤى: هل الأحلام مرتبطة بالقضاء والقدر؟ بمعنى إذا فسر أحدهم الحلم قد وقع قدر الله؟ وأن قضاء الله وقدره ارتبط بتفسير الحلم من أول شخص قابله الحالم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل شيء بقضاء الله وقدره، فقد قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ. {القمر:49} .
وفي حديث مسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
وأما علاقة تفسير الحلم بوقوعه فقد ثبت فيه الحديث: إن الرؤيا تقع على ما تعبر، ومثل ذلك رجل رفع رجله فهو ينتظر فهو متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وفي الحديث: الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت، ولا تقصها إلا على وادٍّ أو ذي رأي. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وهذا محله إذا كان صادقة وعبرت تعبيرا صحيحا، وأما أضغاث الأحلام والتعابير الفاسدة فلا أثر لها.
وقد ذكر صاحب النهاية في شرح الحديث: أنها على رجل قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر، وهي لأول عابر يعبرها، أي أنها إذا احتملت تأويلين أو أكثر فعبرها من يعرف عبارتها وقعت على ما أولها وانتفى عنها غيره من التأويل. اهـ.
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين: لم يرد بقوله: فإذا عبرت وقعت. أن كل من عبرها وقعت وإنما أراد بذلك العالم بها المصيب الموفق لا الجاهل، ولا أراد أن كل رؤيا تعبر لأن أكثرها أضغاث. اهـ.
هذا، ويتعين العمل بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من عدم ذكر الرؤيا إلا لواد ناصح عالم، كما ينبغي للمعبر أن يتفاءل الخير للرائي.
فقد ذكر ابن حجر في الفتح أنه روى سعيد بن منصور بسند صحيح عن عطاء كان يقال: الرؤيا على ما أولت. وعند الدارمي بسند حسن عن سليمان بن يسار عن عائشة قالت: كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر يختلف يعني في التجارة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي غائب وتركني حاملا فرأيت في المنام أن سارية بيتي انكسرت وإني ولدت غلاما أعور، فقال: خير يرجع زوجك إن شاء الله صالحا وتلدين غلاما برا فذكرت ذلك ثلاثا فجاءت ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب فسألتها فأخبرتي بالمنام فقلت: لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك وتلدين غلاما فاجرا فقعدت تبكي، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مه يا عائشة، إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على خير فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها. اهـ.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للاطلاع على المزيد: 73361، 54700، 41751
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1430(1/202)
ما يسن فعله لمن رأى رؤيا يكرهها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة لست متزوجة ولكني أعاني من مشكلة القرينة فأنا أرى في أحلامي قطة تتحول على شكل فتاة وتضربني وتحاول أن تؤذيني وعندما أصحو من نومي أكون مريضة وأحيانا أكون أمشي في الشارع وفجأة أرى قطة سوداء تقف أمامي وتنظر إلي مما يجعلني أشعر بالخوف فكيف يمكنني التخلص منها وما هي الآيات التي يجب أن اقرأها بالرغم من أنني دائما مترددة ومتقلبة الرأي ولا أستطيع فعل أي شيء كأنما يوجد شخص يمنعني. لذلك أرجو مساعدتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيسن لمن رأى رؤيا يكرهها أن يتعوذ بعد الاستيقاظ من نومه الذي رأى فيه ما يكره، لما في الحديث: من رأى رؤيا فكره منها شيئا فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره. رواه مسلم.
ثم ننصحك بالمواظبة على الفرائض ولا سيما الصلاة، وحافظي على الأذكار المقيدة والمطلقة، واصرفي ذهنك عن مثل هذه الأشياء، واستعملي وقتك وطاقتك وتفكيرك فيما يعود عليك بالمصلحة في الدنيا والآخرة.
واشتغلي بتعلم القرآن ومطالعة كتب الحديث والسيرة وخدمة المسلمين والإحسان للأهل والجيران.
وأما الآيات فمن أعظمها سورة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة.
ففي الحديث: قل هو أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا تكفيك من كل شيء. رواه أبو داود.
وفي البخاري: أن الشيطان قال لأبي هريرة إذا أويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم صدق ذلك.
وفي الصحيحين: من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 11014، 69805، 73010، 57129.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1430(1/203)
مدى تأثير الأحلام في أمور الشخص
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت في منامي عدة مرات أني أتزوج خطيبي ولكن بعد دخول الشقة نجد أهله موجودين معنا وتارة أخرى أجد أن الشقة لم ينته تشطيبها وأهله أيضا نائمين عندنا ولم نجد لنا غرفة للمبيت فيها وقد أعطتني أمه في هذا الحلم بيضا وليمونا وكنت متضايقة جدا في الحلم وبكيت بسبب عدم قدرتي على التمتع بالوحدة أنا وزوجي.
فسؤالي هنا هل من الممكن أن يكون ذلك إشارة من الله أن هناك مشكلة ستحدث وأن أنهي الخطبة أم مجرد حلم مع العلم أنه تكرر. وأني وخطيبي في أحسن حال، ولقد قلقت كثيرا بسبب ذلك المنام أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فغاية ما في هذا الأمر أنه حلم، وأنه قد يكون من الشيطان أو من حديث النفس، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من يرى ما يكره أن يقوم بعدة أمور، ومن ذلك أن لا يحدث بها أحدا، وللمزيد راجعي الفتوى رقم: 11014. فما رأيت في المنام لا يلزم منه أن أمرا ما سيحدث.
فننصحك بعدم الانشغال بما رأيت في منامك، وإذا كان هذا الخاطب صاحب دين وخلق فعليك بالموافقة على إتمام الزواج، ولكن قبل ذلك عليك بالاستخارة، فإن كان في زواجك منه خير يسره الله لك، وإن لم يكن فيه خير صرفه عنك، وهذا ما تكون به نتيجة الاستخارة نعني التوفيق من عدمه، كما بينا بالفتوى رقم: 35920.
وننبه إلى أن الخاطب أجنبي عن مخطوبته حتى يعقد له عليها، وقد سبق بيان ذلك بالفتوى رقم: 30292.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1430(1/204)
أبالنبوة يلعب؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن الخوف، أختي تخاف حلما رأته لأنها سألت زوجها عن تفسير الحلم وفتح هو كتابا لتفسير الأحلام
لا أعرف اسم الكتاب، وقال لها معنى ذلك الحلم أنها ستقترف جرماً عظيماً، علما بأن أختي كانت قد وضعت أول مولود لها آنذاك، ولا تزال تخاف من ذلك الحلم، وذلك الخوف يأتيها فترات متباعدة وخصوصا عندما تكون وحيدة، فأفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من رأى رؤيا مكروهة ينبغي له أن يكتمها ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره، وأما تعبير الرؤيا ممن لا علم له بالتعبير بل بمجرد النظر في كتب تعبير الأحلام فإنه لا يجوز كما صرح به أهل العلم، فلا يجوز التلاعب أو التهاون بأمر تأويل الرؤى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة. رواه الشيخان.
قال ابن عبد البر في التمهيد: قيل لمالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يلعب؟ وقال مالك: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيراً أخبر به، وإن رأى مكروهاً فليقل خيراً أو ليصمت، قيل: فهل يعبرها على الخير، وهي عنده على المكروه لقول من قال: إنها على ما أولت عليه؟ فقال: لا، ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة. انتهى.
فلا يصح الاعتماد على الكتب في تأويلها، فإن الرؤيا تختلف باختلاف الحال والزمان والمكان، فلحال الشخص أثر كبير في تفسير الرؤيا، فقد يرى اثنان نفس الرؤيا ويكون تفسيرها مختلفاً باختلاف الحال، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7314، 40637، 41552، 41233.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره. رواه الشيخان.
ففي هذا الحديث الشريف ذكر ما ينبغي لأختك فعله، من التعوذ بالله من شر ما رأته في منامها ومن شر الشيطان، فإنها إن شاء الله لا تضرها، وهذا يتطلب حسن الظن بالله وتجريد التوكل عليه، وصدق اللجوء إليه والاستعانة به سبحانه..
ونوصيها كذلك بكثرة الصلاة والدعاء والذكر، واستعمال الرقية الشرعية، مع لزوم تقوى الله تعالى في السر والعلن، فإن من اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن حفظه حفظه ولم يكله إلى غيره، كما قال الله تعالى: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {آل عمران:120} ، وقال عز وجل: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ.... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:2-3-4} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح وصححه الألباني ... وقد سبق الكلام على أنواع الرؤى والآداب المتعلقة بكل نوع في الفتوى رقم: 4473، كما سبق بيان علاج الخوف والقلق في الفتوى رقم: 64507، والفتوى رقم: 65730.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1429(1/205)
حكم ممارسة الجنس في الحلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من يحلم أنه يمارس الجنس مع فتاة غيره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا إثم على المرء فيما يجده في منامه من أحلام، وللفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21078، 69633، 17884.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1429(1/206)
قد يكون ما ترينه في المنام تذكيرا لك بالخير وأهله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من ترى في منامها زوجات الرسول والصحابيات بالرغم من أنها لها ذنوب في الفترة الأخيرة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرؤى في المنامات لا يترتب عليها حكم، وهي خارجة عن التكليف، وإن كنت تسألين عن تفسير ما رأيت فلا علم لنا به، ولعلك تحدثين نفسك في اليقظة بالتوبة وتندمين على ما تفعلين من ذنوب فيكون ما ترين تذكيراً لك بالخير وأهله لتعودي إلى الله وتلزمي أهل طاعته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1429(1/207)
حكم أخذ من له دراية بتعبير الرؤى أجرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي استفسار شرعي وأرجو التكرم بالرد عليه للضرورة فلقد سبق وقرأت أن تفسير الأحلام والرؤى هو (ظني) وأنه لا يجوز اخذ مقابل عليه، فقد قرأت في مقال وهو للشيخ فهد الغامدي في حوار تم معه على صحيفة عربيات.
يقول الشيخ فهد الغامدي ‘ن علم تفسير الرؤى علم ظني وليس علما يقينيا, والظن لا يجوز بيعه بأي حال (لأن الظن لا يغني من الحق شيئا) . فأخذ المال على أمور ظنية أخذ مال بالباطل لأنه قد لا تقع الرؤية وقد تكون عكسية وقد تكون لغير الرائي والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال.
ويمضي الشيخ في قوله: وهذه الطائفة من الناس والتي تقوم ببيع تفسير الرؤيا بمقابل مادي اجتهدوا والأصل أن هذا العلم لا يمكن لأحد أن يجزم به لا المعبر ولا المعبر له، حيث لا يعتبر التعبير صحيحا حتى يقع, فالفيصل فيه هو الوقوع, وإن كان اشترط بأن يأخذ مالا في حالة وقوعه فهذا عقد على مالا يملك لأن المفسر لا يملك الوقوع وبيع مالا يملك غير جائز شرعا ولم يأت من السلف أن أحدا كان يأخذ أموالا مقابل تفسير الرؤى.
انتهى..
لذلك سؤالي: ما حكم تفسير الأحلام بمقابل مادي هل يجوز أم لا؟
وإذا كان نعم على أي أساس يتم حساب هذا النظير المادي؟
وما رأيكم فيمن يتباهى بهذا التخصص ويقدم في كل حديث للآخرين أنه سبق وتم استضافته في حديث صحفي وأن لدية أرقام هواتف لكثيرين يحلمون بتفسير هذا المفسر لأحلامهم , وأنه قُدمت عروض له لتفسير الأحلام في أكثر من جهة وهو لم يوافق ,, لدرجة انه يقول بي ستنجحون وبي ستتقدمون وبدوني انتم لا شيء؟؟
وجزاكم الله خيراً.
شيوخنا الكرام ... ورد هذا السؤال في أحد المنتديات، ووقع جدال بين الأعضاء. فأرجو الإجابة من سيادتكم بالتفصيل..... وسأنقل الفتوى إلى المنتدى المشاركة فيه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر -والله أعلم- أنه إذا كان هذا الشخص حاذقا وله دراية بتعبير الرؤى وكان يأخذ هذه الأجرة مقابل ما بذل من جهد لتعبيرها لا مقابل تفسيرها على وجه القطع بمعناها بحيث لا تحتمل معنى غيره أنه لا حرج عليه في ذلك، جاء في كتاب مجمع الأنهر وهو في الفقه الحنفي في معرض كلامه عن أخذ الأجرة على الطاعات قوله: بخلاف بناء المساجد وأداء الزكاة وكتابة المصحف والفقه وتعليم الكتابة والنجوم والطب والتعبير والعلوم الأدبية، فإن أخذ الأجرة في الجميع جائز بالاتفاق. اهـ.
ومجرد كون هذا الأمر قائما على الظن فليس بمانع شرعا من أخذ الأجرة على جهده لا على صدق هذا التعبير ونحوه، ونظير ذلك أخذ الطبيب أجرة على ما يبذله من جهد في المعالجة، وأخذ الراقي أجرا على الرقية على ذلك، فالأجرة جائزة عند عامة أهل العلم لأنها على الجهد المبذول لا على الشفاء الذي قد يحصل وقد لا يحصل، وتحديد الأجرة يكون حسب ما يتراضى عليه الطرفان.
ولا ينبغي للمسلم الإقدام على تعبير الرؤى إلا إذا كانت له ملكة تؤهله لذلك، ولا ينبغي لمن مكن على شيء من هذا العلم أن يغتر بذلك؛ بل عليه أن يتذكر أن هذه نعمة أنعم الله بها عليه، وأنه ربما سلبها بسبب اغتراره،
ولمزيد الفائدة يمكن مطالعة الفتويين: 57652، 38258.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1429(1/208)
دلالة رؤية من خطبها في المنام بعد رفضه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل حضرتكم: إن شخصا طلب يدي من أهلي ورفضوه، لأنه ليس عنده بيت، وإنما أراه دائماً في منامي نتكلم عن الخطبة، إنه دائماً في بالي فماذا أفعل، ما معنى هذا أريد الجواب بأسرع وقت ممكن؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأولاً لا علم لنا بتأويل الأحلام، ولا يلزم أن يكون لهذا معنى، فليس كل حلم رؤيا وله معنى. فمجرد تفكيرك في الزواج، أو بهذا الشاب يمكن أن يكون سبباً في رؤيته في المنام، فلا تشتغلي بمعرفة معنى ذلك، وليكن همك رضا الله عز وجل، وطاعته فهو سبحانه الذي صرف عنك هذا الشاب، والخير فيما اختار، وسليه أن يقدر لك الخير حيث كان، ويرزقك الزوج الصالح والذرية الطيبة.
وننصحك بالمبادرة إلى الزواج متى تقدم لك الكفء المرضي في دينه وخلقه، وفقك الله ويسر أمرك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1429(1/209)
الفرق بين الفتوى وتفسير الأحلام
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسيرالأحلام هل هو من الفتوى أم لا؟، وماهو الفرق بين الفتوى والتفسير؟
أفتوني رحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تفسير الأحلام ليس من الفتوى في اصطلاح أهل العلم، لأن الفتوى في الاصطلاح يراد بها الإخبار بالحكم الشرعي فيما سئل عنه المفتي على غير وجه الإلزام.
وأما تفسير الأحلام فيراد به تعبير المعبر حسب فهمه للرؤيا، ولا يثبت بها حكم شرعي، وهذا التعبير مشروع لمن عنده أهلية له، فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم المرائي وفسرت بحضرته، راجع الفتوى رقم: 11052.
وهذا الذي ذكرناه هو الغالب في اصطلاح أهل العلم، ولكن في الدلالة اللغوية تشمل دلالة كلمة الفتوى على بيان المشكل والجواب عما سئل عنه الإنسان من الأحكام والمرائي، فيقال أفتيت فلانا في رؤيا عبرتها له وأفتيته في مسألة أجبته عنها، كذا قال صاحب اللسان.
ويدل لصحة إطلاق الفتوى على الجواب في شأن الرؤيا قوله تعالى في قصة يوسف: قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ {يوسف: من الآية41}
قال ابن عاشور في تفسيره: الاستفتاء مصدر استفتى إذا طلب الإفتاء وهو الإخبار بإزالة مشكل أو إرشاد إلى إزالة حيرة. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1428(1/210)
استحباب السؤال عن الرؤيا والمبادرة إلى تأويلها وتعجيلها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة تدعوني أحياناً لزيارتها تطلب مني أن نبقى نصلي مثلا على النبي صلى الله عليه وسلم كل واحدة على حدة لا بصوت جماعي لوقت معين كـ 10 دقائق، مثلاً كما أن هناك مجموعة من الأشخاص يجتمعون أسبوعياً لدرس وبعدها يقومون بالاستغفار أو أي ذكر آخر لوقت معين وأحياناً يكون لهم عدد للدقائق لتحديد وقت الذكر وذلك حتى في سائر الأيام (لا بصفة جماعية أيضاً) ، فهل يجوز هذا أيضاً نفس هاته المجموعة يجتمعون لمدة يومين أو ثلاثة في بيت أحدهم فيعتكفون فيه يصومون ويقومون الليل إلخ، وفي الصباح بعد الصلاة يسأل بعضهم من رأى منكم رؤيا ويسمونه مجلس الرؤيا لتأويل الرؤى ويعللون ذلك بأن ذلك وارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل كل هذه الأمور جائزة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتحديد الذكر بدقائق معينة على سبيل التعبد بتحديد الدقائق -سواء كان الذكر استغفاراً أو غيره- يعتبر من البدع الإضافية، كما صرح بذلك الإمام الشاطبي، كما في الفتوى رقم: 8381، كما يمكن الرجوع إلى الفتوى رقم: 6823.
وتنظيم درس أسبوعياً لا مانع فيه، بدليل ما ثبت في صحيح البخاري وغيره عن أبي وائل قال: كان عبد الله يذكِّر الناس في كل خميس، فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا. وعبد الله هو: ابن مسعود كما في فتح الباري، والاعتكاف لا يعتبر شرعاً إلا في المسجد، كما في الفتوى رقم: 22785.
وقيام الليل جماعة لا مانع منه؛ إلا إذا تعلق بتخصيص ليلة بعينها بالقيام فيكون ذلك بدعة، كما في الفتوى رقم: 21699.
وكذلك من البدع أيضاً تحديد أيام بالصيام لم يرد تحديدها كأن تكون غير الخميس والاثنين أو يوم عرفة أو عاشوراء ونحوها من الأيام التي ورد تخصيصها بالصيام.
والسؤال عن الرؤيا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري عن سمرة بن جندب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه، فقال: من رأى منكم الليلة رؤيا.
وفي صحيح مسلم عن سمرة أيضاً قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه فقال: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا.
قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: وفيه استحباب السؤال عن الرؤيا والمبادرة إلى تأويلها وتعجيلها أول النهار لهذا الحديث، ولأن الذهن جمع قبل أن يتشعب بإشغاله في معايش الدنيا، ولأن عهد الرائي قريب لم يطرأ عليه ما يشوش الرؤيا عليه، ولأنه قد يكون فيها ما يستحب تعجيله كالحث على خير أو التحذير من معصية ونحو ذلك، وفيه إباحة الكلام وتفسير الرؤيا ونحوهما بعد صلاة الصبح. انتهى.
وعليه؛ فالسؤال عن الرؤيا وتعبيرها ممن يعرف ذلك مشروع لكن لم يثبت شرعاً ما يعرف بمجلس الرؤيا، وللتعرف على حكم تعبير الرؤيا، راجعي الفتوى رقم: 38258.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1425(1/211)
الموقع غير متخصص بتأويل المنامات
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ أكبر مني يعاني من سرطان في المعدة وأنا دائما أدعو الله أن يشفيه وواثقة بقدرة الله سبحانه على شفائه ومنذ يومين قبل أن أنام كنت أقرأ دعاء صلاة الاستخارة لأن أخي سوف يسافر الأسبوع المقبل للعلاج إن شاء الله ثم حلمت أن شخصا يقول لي أن أخبر أخي إذا أحس بألم أن يضع يده فوق مكان الألم ويقرأ سورة الفاتحة فما تفسير ذلك؟؟
أرجو الرد على سؤالي وأكون شاكرة لكم تعاونكم
وجعله الله في ميزان حسناتكم
وأسال الله أن يشفي جميع مرضى المسلمين اللهم آمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفي مريضك ومرضانا، وجميع مرضى المسلمين، وأن يستخدمنا في طاعته.
وأما تأويل الرؤيا فنعتذر عنه لأنه لا يوجد عندنا من يتقن تأويلها، ومع هذا فالظاهر أن هذه رؤيا طيبة وفيها أمر بشيء مشروع وهو التداوي بالقرآن الذي هو شفاء للأرواح والأبدان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1425(1/212)
كفارة الكذب في الرؤيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لي بنت مريضة بالمستشفى منذ شهرين، وقد رأيت حلما من أيام تقول فيه واحدة أعرفها ادعوا الطبيب يرى ما في أنفها، وعندما ذهبت لأرى الطبيب وبدأت أخبره عن الحلم لا أدري لماذا قلت له إني رأيت سيدي محمدا يخبرني بهذا ربما لأني حاولت أن أشد انتباهه ولكني بعد أن تركته بدأت أفكر ما الذي فعلته وما الذي جنيته في حق نفسي، ماذا أفعل الآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فإن استدعاء الطبيب للعلاج أمر مباح، فقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم التداوي وأمر به، فقال: تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء. رواه أحمد وأبو دود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والأرناؤوط والألباني.
وأما الأحلام والرؤى، فإنها لايثبت بها شيء، ولا مانع من الاستئناس بها.
وأما الكذب فيها فهو حرام، لما في حديث البخاري: إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يرى عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.
والواجب عليك الآن أن تتوب إلى الله تعالى توبة صادقة وتكثر العمل الصالح، ونرجو الله أن يغفر لك، لقوله تعالى:
فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:39] .
وللمزيد من التفصيل في الموضوع، راجع الفتاوى التالية أرقامها: 14267، 15012، 15611، 4214.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1424(1/213)
هل يحدث من رأى النبي في المنام كل أحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإفصاح عن رؤية الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأي أحد حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أمر حسن، ولا بأس أن يحدث الإنسان من يحب بهذه الرؤيا، ففي الصحيحين عن أبي سلمة قال: إن كنت لأرى الرؤيا تمرضني، قال: فلقيت أبا قتادة فقال: وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث بها إلا من يحب، وإن رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها، ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1424(1/214)
أصدق الرؤيا وأسرعها تأويلا
[السُّؤَالُ]
ـ[نوم بعد الظهر، هل هذا رؤيا أم حلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الليل والنهار طرفان للرؤيا، فهي لا تختص بواحد منهما دون غيره، ولكن تتفاوت في الصدق والتأويل، والحلم نوع من الرؤيا، كما هو واضح في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32576، 2970، 4473 فتراجع.
ومما يدل على ما تقدم ما جاء في البخاري (باب رؤيا الليل) ، وأتبعه بباب رؤيا النهار قال: قال ابن عوف عن ابن سيرين رؤيا النهار مثل رؤيا الليل. انتهى.
قال الحافظ: وقد تقدم نحو ما نقل عن بعضهم في التفاوت، وقد يتفاوتان أيضاً في مراتب الصدق ... ذكر نصر بن يعقوب الدينوري أن الرؤيا أول الليل يبطؤ تأويلها، ومن النصف الثاني يسرع بتفاوت أجزاء الليل، وأن أسرعها تأويلاً رؤيا السحر ولا سيما عند طلوع الفجر، وعن جعفر الصادق أسرعها تأويلاً رؤيا القيلولة. انتهى.
وروى الترمذي وأحمد، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أصدق الرؤيا بالأسحار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(1/215)
يستأنس بالرؤيا الصالحة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
لدي صديقة كلما تنام وترى حلما في المنام تسأل أو تبحث في الإنترنت عن مواقع تفسير الأحلام وتؤمن بما يكتب, وما رأيك في من يؤمن بالأبراج؟ هل في ذلك من إثم يقع؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قسم الرؤيا إلى ثلاثة أقسام، كما هو مفصل في الفتوى رقم: 4473.
فلتنظر الأخت فيما تراه حتى تتبين من أي الأقسام المذكورة، وتطبق عليه ما ينبغي شرعا.
لكن على الأخت المذكورة أن تعلم أن الرؤيا ليست دليلا شرعيا يعتمد، ولا تُبْنَى عليها الأحكام، كما هو معروف عند أهل العلم، فقد قال النووي في المجموع: لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان ولم ير الناس الهلال، فرأى إنسان النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: الليلة أول رمضان، لم يصح الصوم بهذ المنام، لا لصاحب المنام ولا لغيره. انتهى.
وقد يستأنس بالرؤيا، فيراها الشخص بشرى له يسر بها، أو تنبيها له من غفلة وقع فيها، كما حدث لعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: رأى في النوم رجلين ذهبا به فشاهد النار وأنها مطوية كطي البئر، ورأى فيها قوماً عرفهم، وآخرين لم يعرفهم، وجعل يستعيذ بالله تعالى منها، فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الرؤيا، فقال: نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم الليل، فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا. والحديث متفق عليه.
فينبغي للأخت المذكورة أن لا تضيع وقتها في البحث عن هذه التفسيرات، وأن تحول اهتمامها إلى البحث عما يفيدها في أمور دينها ودنياها.
أما ما يتعلق بالإيمان بالأبراج، فيرجع فيه إلى الفتوى رقم: 4045 وتراجع الفتوى: 27840.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1424(1/216)
الرؤيا الصالحة لا تعدو أن تكون تبشيرا أو تذكيرا
[السُّؤَالُ]
ـ[تنتشر بين الناس عادة إرسال الرسائل عبر الجوالات؛ وكان من بينها: رؤيا صالحة لأهل الخليج؛ اقرأ سورة الأنعام
ونبهني أحد الإخوة الصالحين بقوله: الرؤيا لا ينبني عليها حكم شرعي
فهل كلامه صحيح؟؟
الرجاء الإفادة؛ وجزيتم خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الرؤيا ليست بمصدر شرعي يعتمد عليه، وتبنى عليه الأحكام، والرؤيا إذا كانت صالحة لا تعدو أن تكون مبشرة ومنذرة، توقظ صاحبها من غفلته، وتؤدي به إلى طريق التوبة.
فقد حكى الإمام النووي في شرح مسلم عن القاضي عياض في الاحتجاج بما يراه النائم في منامه قوله: أنه لا يبطل بسببه -أي المنام- سنة ثبتت، ولا يثبت به سنة لم تثبت، وهذا بإجماع العلماء.
وقال النووي: وكذا قال غيره من أصحابنا وغيرهم، فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع. انتهى
وقال النووي أيضاً في المجموع: لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان ولم ير الناس الهلال، فرأى إنسان النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: الليلة أول رمضان لم يصح الصوم بهذا المنام، لا لصاحب المنام ولا لغيره. انتهى.
والرؤيا الصالحة حق، غير أنها لا تعدو أن تكون من المبشرات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا: وما المبشرات قال: الرؤيا الصالحة. متفق عليه.
وقد تكون سبباً في يقظة صاحبها من غفلته ومدعاة لتوبته، كما وقع لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه رأى في المنام كأن ملكين أخذاه فذهبا به إلى النار! يقول رضي الله عنه: فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار. قال: فلقينا ملك آخر، فقال لي: لم ترع. فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً. متفق عليه.
فالرؤيا يمكن أن يستأنس بها، ولكنها ليست مصدرا لتلقي الأحكام، فتبين من هذا أن قراءة سورة الأنعام في كارثة تنزل بالأمة لا تثبت بدليل شرعي، بل على المسلمين أن يعتصموا بحبل الله، وأن يتخذوا الوسائل المشروعة التي أرشد الله تعالى إليها من أجل الحصول على أسباب القوة.
كما ينبغي للمسلم أن لا يكون وسيلة لإشاعة الخرافات، وعليه أن يتثبت مما يحدث به، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالمرء إثماً أن يحدِّث بكل ما سمع. رواه مسلم.
ويمكن الرجوع إلى الجوابين التاليين: 10835، 11052.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1424(1/217)
رأى في منامه ما يكره.. فهل من توجيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت في المنام أن أمي قد توفيت، فضاقت علي الدنيا بما رحبت، وبكيت كثيرًا إلى أن أيقظني بكاء طفلة صغيرة، وكان هذا قبل أذان الفجر بعد أن ارتكبت معصية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان السنة، في من رأى ما يكره في نومه، وذلك في الفتوى رقم: 2970.
وإن كان مقصود السائل تعبير الرؤيا، فليس هذا من اختصاص الموقع، كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 9548.
لكن ننبه الأخ السائل إلى الحذر من الوقوع في المعاصي، ووجوب المسارعة إلى التوبة منها، فإنها قد يترتب على فعلها من الآثار ما لا تحمد عقباه، سواء في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1424(1/218)
طلب النائم من النبي الدعاء لا يتعلق به حكم شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وبعد:
فماهي أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة في السنة التي إذا رآها الإنسان في النوم فكأنما رآه عليه الصلاة والسلام؟ وهل يجوز طلب الدعاء منه بالنسبة لمن رآه في المنام؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت ترغب في معرفة أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم، فعليك بالرجوع إلى كتب السنة، فإن فيها بياناً شافياً لها، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، ولا بالجعد القطط ولا بالبسط.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 13717.
وإذا رأى الإنسان في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفات الثابتة له صلى الله عليه وسلم، فإنه يكون بذلك قد نال شرف الرؤية في النوم بالفعل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتمثل الشيطان به كما ثبت ذلك في البخاري وغيره، وانظر الفتوى رقم: 23970.
أما بالنسبة لطلب النائم من رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء، فهو أمر لا يتعلق به حكم شرعيٌ، لأن أفعال النائم وما يصدر منه يصدر لا عن إرداة، وما كان كذلك لا يوصف بالجواز ولا بالمنع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1424(1/219)
الاحتلام من الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل الاحتلام من الله أم من الشيطان؟ والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان؛ كما في الصحيحين عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان....
قال الإمام النووي: قوله: الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان. لا على أن الشيطان يفعل شيئاً، فالرؤيا للمحبوب والحلم اسم للمكروه، وهذا كلام المازري، وقال غيره: أضاف الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف بخلاف المكروهة، وإن كانتا جميعاً من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته ولا فعل للشيطان فيهما، لكنه يحضر المكروهة ويرتضيها ويسر بها. انتهى.
والاحتلام من الشيطان ولذلك ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم جواز احتلام النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء لأن فيه تلاعباً من الشيطان، وفرحاً لما يجري للمحتلم، والأنبياء معصومون من ذلك، ويؤيد هذا ما رواه الطبراني في المعجم الكبير والأوسط وابن عدي في الكامل عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً ومرفوعاً وفيه ضعف: ما احتلم نبي قط، إنما الاحتلام من الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1424(1/220)
الدعوة إلى الله بصدق قد تؤهل لرؤية النبي في المنام
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل رمضان بثلاثة أيام نمت متوضئا ثم رأيت النبي عليه السلام شديد جمال الوجه أكحل العينين.. وأتخيل وأذكر أننا كنا في قاع البحر في مكان جميل جدا وفيه أسماك رائعة الجمال ثم بعد ذلك خرج عليه السلام أمامي متحركا ثم أشار لي إلى مقام ابراهيم كأنه يريد أن يخبرني أن هذا هو مقام إبراهيم وأنا وراء الرسول أتبعه وبعد ذلك انطلق عليه السلام أمامي وارتفع إلى الأعلى سابحا طبعا لك أن تتخيل فضيلتك أن ذلك كان متتابعا أي الأسماك ثم تحرك إلى الأمام إلى المقام ثم خروجه عليه السلام إلى الأعلى وبعد ذلك استيقظت للفجر وكان أثر الدموع في عيني لم تجف أي استيقظت باكيا!! اجيبونا بالتفصيل أحسن الله إليكم ولكم الدعاء بالمناسبة أنا طالب في أوكرانيا وداعية نشيط إن شاء الله للدين وقد يكون تفسير الرؤيا يتعلق بالدعوة لاسيما أن إبراهيم كان إمام الدعاة؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنعتذر للسائل الكريم عن تأويل الرؤيا، وبإمكانه أن يحوله إلى أي جهة مختصة في تعبير الرؤيا، ومع ذلك نطمئنه بأن هذه الرؤيا رؤيا حسنة إن شاء الله تعالى، كما نهنئه برؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بي.
ومن كان يدعو إلى الله تعالى بصدق وإخلاص فهو أهل لأن يرى النبي صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1423(1/221)
اشغلي فكرك في المهتوف به لا الهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت هاتفا عند الفجر يهتف في أذني "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا" إنني مؤمنة بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر ولكن ليس لدرجة من التدين ما الذي يجب أن أفهمه من هذا النداء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يحتمل أن يكون هذا الهاتف قد صدر من جني يريد لك الخير، وقد ثبت في السنة أن بعض الجن يأمرون الناس بالخير، ويدلونهم عليه صراحة أو إشارة، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير".
وفي صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب سأل رجلاً كان كاهناً في الجاهلية عن أعجب ما جاءته به جنيته، قال: بينما أنا يوماً في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت:
ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها بعد إنكاسها
... ... ... ... ولحوقها بالقلاص وأحلاسها ...
قال عمر: صدق.
بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ، لم أسمع صارخاً قط أشد صوتاً منه، يقول: يا جليح، أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، قال: فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، فقمت، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي، وقوله: بينما أنا نائم من كلام الكاهن.
قال ابن كثير في تفسير سورة الأحقاف: وسائر الروايات تدل على أن الكاهن هو الذي أخبر بذلك عن رؤيته وسماعه. والله أعلم. ا. هـ
وبغض النظر عن كون هذا الهاتف من الجن، أو كونه رؤيا صالحة، أو كونه إلهاماً، أو حديث نفس، أو غير ذلك، فإنه ينبغي لك أن تشغلي نفسك بالتفكير في المهتوف به لا الهاتف، فالمهتوف به آية عظيمة من كتاب الله تعالى، وهي آخر آية من سورة آل عمران.
قال ابن عطية في تفسيره: ثم ختم الله تعالى السورة بهذه الوصاة التي جمعت الظهور في الدنيا على الأعداء، والفوز بنعيم الآخرة، فحض على الصبر على الطاعات وعن الشهوات، وأمر بالمصابرة. ا. هـ
وقال ابن كثير: قال الحسن البصري -رحمه الله-: أُمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم، وهو الإسلام، فلا يَدَعوه لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا لرخاء حتى يموتوا مسلمين، وأن يصابروا الأعداء الذين يكتمون دينهم، وكذا قال غير واحد من السلف.
وأما المرابطة: فهي المداومة في مكان العبادة والثبات، وقيل: انتظار الصلاة بعد الصلاة، قاله ابن عباس وسهل بن حنيف ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم. ا. هـ
وعلى الأخت السائلة ألا تنزعج من مثل هذا، كما أنه ينبغي لها ألا تطمئن له وتركن إليه، لأن الانزعاج منه مدعاة إلى الاضطراب والقلق، والركون إليه سبيل إلى ترك العمل والتواني عنه والتكاسل فيه.
والله نسأل أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1423(1/222)
الرؤى لا يبنى عليها حكم شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[تسبب صديق في قتل فتاة خطأ بسيارته وتم دفع الدية ولكنه منذ ذلك الوقت وهو يتصورها كلما نام وهي تقول له أنها تعلم أنه قتلها دون قصد وتتكرر له هذه الصورة كلما نام فبماذا تنصحونه؟
ولكم الأجر والثواب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد يكون سبب تكرر رؤية هذا الرجل لهذه المرأة هو اهتمامه بتلك الحادثة وعظمها في نفسه، وهذا علامة -إن شاء الله تعالى- على أنها حصلت فعلاً بغير قصد منه، وأنه نادم عليها.
وعلى كل حالٍ، فالرؤى لا يبنى عليها حكم شرعي مهما كانت، وعلى السائل أن يراجع الفتوى رقم: 10835 لمزيد الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1423(1/223)
رؤية المرأة في المنام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التحلم بالنساء التي حرم الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كنت تقصد بالتحلم بالنساء هو أن تراها في المنام في حالة تجعلك تمني فلا حرج عليك ولا إثم في ذلك لأنه بغير إرادتك واختيارك.
وإن كنت تقصد تخيل النساء في اليقظة فحكمه مبين في الفتوى رقم:
5473 والفتوى رقم:
8993.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1423(1/224)
دلالة الرؤيا الصادقة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الرؤيا في المنام التي تتحقق. هل هي دليل عن رضى من الله أم العكس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالرؤيا الصادقة التي تتحقق إذا رآها المؤمن علامة خير له، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
والرؤيا الصادقة من صفات أولياء الله تعالى، روى أحمد والترمذي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: لهم البشرى في الحياة الدنيا قال: هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له.
فعلى من أكرمه الله تعالى بصدق الرؤيا أن يشكر الله على هذه النعمة، وأن يزداد تمسكاً بدين الله وشرعه.
ولا يغتر بذلك ولا يتكل عليه، فالرؤيا الصادقة الصالحة تسر ولا تغر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1423(1/225)
رؤياك تذكير للغافل ببعض عذاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت أصلي لكن كان ذلك غصباً عني ولم أكن منتظماً إلى أن جاءني الثعبان الأقرع في منامي ولكن لم يؤذني فلم أجد إجابة لذلك الحلم فقط ومنذ تلك اللحظة وأنا منتظم في الصلاة والسؤال هنا ما تفسير ذلك الحلم؟ ولكم جزيل الشكر وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المشهور على ألسنة الناس في عقوبة تارك الصلاة والذي فيه ذكر الثعبان المسمى بالشجاع الأقرع والذي يضرب تارك الصلاة على تضييعه لها حديث موضوع لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما هو مبين في الفتوى رقم:
3275.
لكن ذلك لا يعني التهوين من شأن الصلاة، ولا أن عقوبة تاركها ليست عظيمة في الدنيا والآخرة، فتركها من أعظم الكبائر وابشع الجرائم، ولقد ذهب المحققون من أهل العلم إلى كفر تاركها ولو تكاسلاً، كما هو مبين في الفتوى رقم:
6061.
ونعتذر عن تأويل الرؤيا لكن لعل فيها خيراً لك، لما فيها من التذكير ببعض عذاب الله الذي يسلطه على من فرط في فرائضه، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني شدقيه- ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا: ولايحسبن الذين يبخلون....
وانظر الفتوى رقم:
3830.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1423(1/226)
ما يراه بعض الناس من مباركة مريم لهم تلبيس شيطاني
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أسمع على لسان بعض النصارى وأيضا المسلمين أنهم يرون السيدة مريم العذراء بصورتها على شكل نور تظهر لهم تباركهم وتشفي مرضاهم وتعطيهم الخير الكثير فما هو التفسير لهذا؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه الرؤيا سواء كانت في اليقظة أو في المنام، فإنها نوع من التلبيس الشيطاني، فإن من مات لا يمكن أن يرجع إلى الدنيا مرة أخرى، لقول الله تعالى: (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون:100] . هذا على فرض أن ذلك يحدث يقظة.
وعلى فرض أن ذلك يحدث مناماً، فإنه تلبيس شيطاني أيضاً، لأن الذي لا يتمثل الشيطان به هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في صحيح مسلم ومسند أحمد عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رآني في المنام فقد رآني، إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي" وهو في صحيح البخاري بألفاظ أخرى.
والدليل على كون هذه الرؤيا من الشيطان هو كون ما زعم أنه مريم يباركهم ويشفي مرضاهم، لأن البركة والشفاء من معاني الربوبية التي اختص بها المولى عز وجل، فهو المبارك وهو الذي يبارك، قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [الملك:1] .
وقال عن عيسى عليه السلام: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ) [مريم:31] .
والله هو الذي يشفي، كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:80] .
فلا تفسير لهذا لو وقع إلا أنه من تلبيس الشيطان ليفسد على الناس عقيدتهم، ويوقعهم في الشرك بالله عز وجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1423(1/227)
لا يجوز الاعتماد على الرؤى في إثبات الأحكام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاعتماد على تفسير الرؤى والأحلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم الرؤى، وهل يمكن أن يقع ما رآه الرائي أم لا في فتوى سابقة برقم: 15785 فليراجع.
ونزيد هنا القول بأنه لا يجوز الاعتماد على الرؤى في إثبات الأحكام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1423(1/228)
لا مؤاخذة فيما يراه النائم من أحلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمةالله وبركاته ...
ماحكم الأحلام الجنسية ... ؟ ! ... مع العلم أني لا أشاهد تماماً أي أفلام أباحية والحمد لله وأحافظ على غض نظري على قدر استطاعتي "والله المُعين" ... وخاصة أني أحلم بأشخاص أعرفهم جيداً وهذا ما يثير غضبي واشمئزازي
لدرجة أني أستيقظ في غاية الاشمئزاز من هذا الحلم القذر
فهل هذه الأحلام -التي لا دخل لي فيها- تغضب ربنا " سبحانه وتعالى "
أرجو الإفادة في هذا الموضوع المحير.. وشكراً
جزاكم الله خيراَ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنما يراه النائم من الأحلام والتخيلات لا يؤاخذ به إذ لا طاقة له على دفعه، وقد قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] .
وقال صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ...... إلى آخر الحديث الذي رواه الترمذي وغيره.
وفي الأخير ننصح الاخ بالمواظبة على أذكار والنوم وعدم الاسترسال في التخيلات وأحاديث النفس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1423(1/229)
الوجهة الشرعية لتأويل الرؤيا، والفرق بينها وبين الحلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما وجهة نظر الإسلام في تفسير الأحلام؟ وهل بالإمكان أن تتحقق هذه الأحلام؟ وما الفرق بين الحلم والرؤيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تفسير الأحلام أمر جائز شرعاً، ولا بأس به لمن كان فيه أهلية لذلك، فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الأحلام، وفسرت بحضرته، ولا مانع من تحقق ما يراه النائم، فلو كان مستحيلاً لما كان لتفسيرها الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولسؤاله عنها معنى، ثم إن الرؤيا اسم للمحبوب، والحلم اسم للمكروه، وكل منهما من خلق الله عز وجل وتدبيره وبإرادته، ولكن الرؤيا المحبوبة أضيفت إلى الله عز وجل إضافة تشريف بخلاف الرؤيا المكروهة التي هي الحلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1423(1/230)
ما يراه المرء في منامه من المتوفى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كلام المتوفى في الرؤيا حق بما يقوله
أفيدوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....
أما بعد:
فليس كل ما يراه المرء في منامه يعتبر حقاً، بل إن منه ما هو حق ومنه ما هو تلاعب من الشيطان.
ومن جملة ذلك من يراه النائم من الموتى وما يحدثونه به. وراجع الأجوبة التالية أرقامها:
2970 936 10835.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1423(1/231)
الرؤيا لا ينبني عليها أحكام دينية أو دنيوية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمتة وبركاتة وبعد:
لقد صليت صلاة الاستخارة في أمر سفري أنا وأبنائي إلى زوجي خوفا مني أن يكون فيه عجلة من الأمر ونمت طاهرة مصلية وإذا بي في الصباح أتذكر ما رأيت فى المنام وانقبض قلبي لأنني رأيت نفسي في بيت يجلس فيه الأولاد ولكن هناك على الطاولة شخصان ينامان ولكنهما ميتان فخفت كثيرا على أبنائي وزوجي وقررت عدم السفر ولكن زوجي أصر على ذلك فنفذت وأنا كلي قلق مع إيمانى بالله إيمانا عميقاً ولكني قد جربت صلاة الاستخارة في كثير من أمور حياتي وجدت تطابق هذه الرؤى مع الواقع بعد فترة من الوقت وأنا الآن أعيش في قلق وخوف من هذه الرؤيا أفيدوني أفادكم الله مع أنني إنسانة أخاف ربي كثيراً في كل تصرفاتي وتعاملاتي مع أن كل بني آدم خطاءون ولكني أعود وأستغفر سريعاً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الرؤى والأحلام لا يمكن أن يبني الإنسان عليهما أمراً أساسياً من دينه أو دنياه، بحيث يعمل بمقتضاهما كفاً أو امتثالاً.
وعليه فما دام زوجك يريد منك السفر إليه فأطيعيه، ولا تكترثي بالأحلام، ولا تلقي لها بالاً.
وخصوصا إذا كانت من هذا النوع، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الرؤيا الصالحة من الله، والرؤيا السيئة من الشيطان" فإذا تقرر أن ما يراه النائم مما يكره في نومه هو من الشيطان، فما عليك أيتها السائلة إلا أن تعتمدي على ربك، وتتوكلي عليه، وتتيقني بقدره، وتمتثلي ما أمرك به زوجك. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى العلاج الواقي من شر رؤيا السوء الشيطانية، فقال عليه الصلاة والسلام: "فمن رأى رؤيا فكره منها شيئا فلينفث عن يساره، وليتعوذ بالله من الشيطان، لا تضره، ولا يخبر بها أحداً " إلى آخر الحديث وهو في صحيح مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1422(1/232)
تفسير الرؤيا جائز
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الر حيم،
هل تفسير الأحلام عند علماء الدين حلال أم حرام؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تفسير الأحلام أي الرؤيا جائز، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه ورؤيا غيره، وفسرها أبو بكر بحضرته، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يحدث أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها، فالمستكثر منهم والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذه رجل آخر فعلا به، ثم أخذه رجل آخر فانقطع به، ثم وصل، فقال أبو بكر: يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اعبر" قال: أما الظلة فالإسلام، أما الذي تنطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت وأمي أصبت أم أخطأت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصبت بعضاً، وأخطأت بعضاً" قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت، قال: " فلا تقسم".
فهذا الحديث يدل على جواز تفسير الرؤيا، وعلى جواز ذلك لغير النبي صلى الله عليه وسلم. وأما تفسيره لها صلى الله عليه وسلم فأحاديثه كثيرة مخرجة في الصحاح.
وقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا إلى ثلاثة أقسام، فعن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرؤيا ثلاثة: منها أهاويل الشيطان ليحزن به ابن آدم، ومنها ما يهتم به في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزءاً من ستة وأربعين جزءا من النبوة" أخرجه ابن أبي شيبة وابن ماجه وغيرهما، وهو حديث صحيح.
فأما القسم الأول الذي هو أهاويل الشيطان فلا ينبغي تعبيره بل ولا التحدث به، فعن جابر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وهو يخطب فقال: يا رسول الله رأيت فيما يرى النائم البارحة كأن عنقي ضربت، فسقط رأسي فاتبعته فأخذته ثم أعدته مكانه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدثن به الناس" أخرجه مسلم.
وأما القسم الثاني فكذلك، لأنه ليس رؤيا، وإنما هو أشياء يهتم بها الإنسان في يقظته، فتبقى في ذاكرته فيراها في النوم.
وأما القسم الثالث الذي هو جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة فهو الذي ينبغي تعبيره، وقيل لمالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: لا، أبالنبوة يلعب؟! وقال: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها فإن رأى خيراً أخبر به، وإن رأى غير ذلك فليقل خيراً أو ليصمت. وبالجملة فتعبير الرؤيا لا خلاف فيه عند العلماء لكثرة أدلته، والرؤيا لا ينكرها إلا أهل الإلحاد، أو شرذمة من المعتزلة.
قاله ابن عبد البر في التمهيد.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/233)
الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد أرجو أن تسمحوا لي بأن أطرح على فضيلتكم هذا السؤال وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقكم بالإجابة عليه. رأيت في المنام بأن زوجتي والعياذ بالله تزني وبرغم ثقتي الكبيرة فيها إلا أن هذه الرؤيا جعلتني أشك فيها. مع العلم أن هذه الرؤيا تكررت مرتين مع فارق الأحداث والزمن البعيد بينهما. وقد قرأت في كتاب تفسير الأحلام بأن من رأى في المنام زوجته تزني فقد زنت. وهذا ما جعلني أطرح على فضيلتكم هذا السؤال راجياَ من فضيلتكم الإجابة مهما كانت؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ينبغي للمؤمن أن يعلق على الرؤيا أحكاماً أو تجعله يشك فيمن أحسن عشرته وكان ظاهره الصلاح. فإن الرؤيا تسر ولا تضر بإذن الله. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره" رواه البخاري. وروى البخاري أيضا عن أبي قتادة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم حلماً يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره" فعليك إذا رأيت مثل ذلك أو ما تكره في منامك أن تبصق عن يسارك وتستعيذ بالله من شرها ولا تحدث بها أحدا ولا يضرك مثل ما رأيت واحذر من وساوس الشيطان، فإنه أحرص ما يكون على الوقيعة بين الرجل وزوجه في هذا الباب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/234)
لا نفسر الأحلام
[السُّؤَالُ]
ـ[عن الحلم (حلم عادي بدون كابوس , كل ما اروح مكان اجد حفرة واتجنبها لعدم الوقوع في الحفرة. وايضا يوجد قريب من حفرة في مسجد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
فنرجو الله جل وعلا أن تكون رؤياك رؤيا خير، ونعتذر عن عدم الإجابة لأن الموقع خاص بالرّد على الأسئلة الشرعية، وليس فيه ركن لتفسير الأحلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/235)
الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لقد رأت زوجتي في منامها وذلك بعد أدائها صلاة الفجر أنها ولدت بنتا جميلة يميل لونها إلىالسمرة باسمة وقد تضايقت بادئ الأمر من الولادة ذلك أننا قد قررنا تأجيل موضوع الإنجاب في المرحلة الحالية لظروف عملنا أنا والزوجة وفي البداية لم تجد لها ملابس تكسوها وبينما هي تبحث لها عن ملابس لتلبسها من ملابس إخوتها كانت البنت تكبر سريعا وتنمو ومع أنها تقبلتها سريعا وزال عنها الامتعاض إلا إن كتف البنت كان عليه أثار كانها عملية جراحية أرجو منكم التكرم بإجابتنا عن سؤالنا وجزاكم الله خيرا وقد أحدث هذا الحلم لنا حيرة. بارك الله فيكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام في هذا الشهر الفضيل؟ علما أننا نمر بضائقة مالية. أنا غير مرتاح في عملي وزوجتي قد توفيت والدتها منذ حوالي أسبوعين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
...
اعلم وفقك الله تعالى لما فيه الخير أن الرؤيا تسر ولا تضر إن شاء الله تعالى، فإذا رأيت أمرا ما تكرهه فإن عليك ألا تحدث به أحدا وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتتفل عن يسارك ثلاث مرات، وإذا رأيت ما تحب فحدث به من تحب، لما روى البخاري في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم حلماً يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره" وروى أحمد في مسنده عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، فإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره". وأما تأويل ما رأت زوجتك فإنا نعتذر لك عن عدم تأويلها لأن هذا الركن لا يختص بتأويل الرؤى فهو مخصص للفتوى فقط.. والله تعالى أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/236)
ادعاء معرفة الغيب هي الكهانة المجمع على حرمتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي العلوم الروحانية التى لاتتعارض مع العقيده لتكون سببا فى كشف وتحقيق مطالب محجوبة وغير مكشوفة ومبهمة ـ باذن الله؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود بالمطالب المحجوبة: الأمورالغيبية المطلقة، فإنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، وادعاء معرفة الغيب: هي الكهانة المجمع على حرمتها، وقد سبق بيان معناها وحكم تعاطيها، وبيان أنه لا يعلم الغيب إلا الله في الفتاوى التالية أرقامها: 49086، 17507، 41084، 55240.
وليس هناك ـ لا في الشرع ولا في العقل ـ علوم أو رياضيات معينة تمكن صاحبها من معرفة المغيبات، واللهث وراء معرفة المغيبات يوقع المرء في ما لا تحمد عقباه في دينه ودنياه. ولمزيد الفائدة عن موضوع الكشف والإلهام والفراسة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 118553. وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1430(1/237)
الفراسة ليست من ادعاء علم الغيب
[السُّؤَالُ]
ـ[فمنذ أن أخذنا درس ادعاء علم الغيب أتاني وسواس في هذا، فلو قلت لشخص أنت تعلم ما أقصد، يقول لي الشيطان وما أدراك أنه يعلم؟ هل تدعي علم الغيب؟ وأنا - ولله الحمد - قد أعطاني الله ذكاء، بحيث أعرف مقصد الشخص من فعله، ولكن الشيطان يوسوس لي بأنني أدعي علم الغيب، ولو ذهب شخص مثلا ليفعل شيئاً ما ـ وبعد فترة قد يغلب على ظني أنه فعله ـ أقول لشخص آخر إن قد فعله، ولكن يوسوس لي الشيطان أنني أدعي علم الغيب، ولو مزحت مع شخص في محادثة وقلت له أنت تجلس في مكان كذا وتفعل كذا، وأنا لا أعرف إن كان يفعل كذا ويجلس في هذا المكان وهو فعلا يجلس فيه ويفعل كذلك يوسوس لي الشيطان أنني أدعي علم الغيب، فهل هذا من ادعاء علم الغيب؟ أم فراسة؟ وهل يجوز ذلك؟.
جزاكم الله خيرا، وبارك فيكم وسدد خطاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكر في السؤال ليس من ادعاء علم الغيب في شيء، وإنما هو من باب الإخبار بما غلب على ظنك، وقد يكون بعضه فراسة. وننصحك بدفع هذا الوسواس عن نفسك، والتلهي عنه بذكر الله والإقبال على ما ينفعك في دينك ودنياك.
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 49272، 2081، 62996، 118553.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1430(1/238)
هل يمكن معرفة بعض الأحوال الباطنة ببعض العلامات الظاهرة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال غريب وأتمنى أنكم تفهموني، لا أعرف ماذا أقول، أحس بأحاسيس غريبة في الفترة الأخيرة: عندما يكون في خاطري شيء أغلب الحالات أحصله ومرات أقول يمكن أن يكون ذلك مصادفة. مرات أتخيل أشياء ستحدث وتحدث بالفعل وسأذكر لكم بعضا منها:
الحالة الأولى: الوالدة كانت مريضة وبالخارج والوالد كان معها وبعد فترة جاءنا اتصال من الوالد يخبرنا بأنها تعبانة جدا. ثم ذهبت إلى الغرفة وجاءني تخيل كأنه واقعي بأنها ستموت والكل سيبكي لفراقها وكنت أحس أنها ستموت مع أنها كانت تتعب بشدة ولكنها تتجاوز المرحلة الخطيرة وأثناء تخيلي سمعت الصراخ بالخارج وعرفت أنها ماتت.
2- الحالة الثانية،، كان أخي يسوق سيارته وكنت أقول في نفسي أخي دائما يسرع ولا يتسبب بحادث، وبعد فترة الظهيرة جاءت أختي تخبرني أنه تسبب في حادث وتضررت السيارة بشدة ولكنه والحمد الله لم يتضرر، كأنه عندي إحساس بأنه سيتسبب بحادث ولم أتفاجأ.
3- الحالة الثالثة،، كانت أختي أمامي تتزين وتنظف وجهها فقلت في نفسي إن بشرتها جميلة بيضاء وذهبت عنها.. في اليوم التالي رأيت أختي وقد تحسس وجها وجسمها وقد ذهبت إلى المستشفى مرتين ولا تعرف ما السبب عندها تذكرت ما قلت عنها.
4 - الحالة الرابعة وهذه التي تضايقت منها أني كنت عائدة من العمل مع السائق وأختي وتخيلت أننا سنصاب بحادث، وفجأة سمعت السائق يهرن بالسيارة بشدة وقد استخدم البريك بشدة ويصرخ لأن سيارة كانت ستصطدم بنا وتذكرت أني كنت أتخيل قبل قليل وكنت خائفة جدا.
والمشكلة أني بعد أن أتخيل الأشياء أو أقول شيئا في خاطري ويتحقق كأن أحدا يذكرني ويقول تذكري ما قلت..
أنا متضايقة لأن الأشياء المضرة أتخيلها وتتحقق.. لا أعرف هل هذه مصادفة أم أنها أحاسيس عابرة أو أنها عين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أن الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، ولكن قد يكشف الله تعالى لبعض الناس عن بعض الغيب وخاصة عباده الصالحين وأولياءه المتقين، كما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدَّثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فهو عمر بن الخطاب. والمحدثون هم الملهمون، الذين يجري الله تعالى على ألسنتهم بعضاً من المغيبات كأنما حدثوا بها. وأما إمكان تحقق ذلك لبعض الأشخاص فلا مانع منه شرعاً ولا عقلاً، ولكن ما كان منه على جهة الكرامة لا بد لصاحبه أن يكون تقياً مستقيما على طاعة الله؛ كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 25660.
وقد سبق الكلام على الإلهام والكشف، والتمييز بين ذلك وبين الخواطر الشيطانية، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 68772، 65433، 64898، 5416.
وهناك طريقة أخرى يخبر بها بعض الناس عن بعض أمور المستقبل، وهي الفراسة، وحقيقتها: القدرة على معرفة بعض الأحوال الباطنة ببعض العلامات الظاهرة. والظاهر أن ما ذكرته السائلة قد يكون من هذا النوع، وقد سبق الكلام على الفراسة معناها وحقيقتها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 101966، 47147، 54250.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ليس هناك من البشر من يتلقى عن الله مباشرة شيئا من الوحي إخبارا أو تشريعا سوى الأنبياء أو الرسل عليهم الصلاة والسلام، وإلا الرؤيا الصادقة يراها الرجل الصالح أو تُرى له مناما لا يقظة، فإنها جزء من ستة وأربعين جزءا من الوحي، وإلا الفراسة الصادقة فإنها نوع من الإلهام كما كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. انتهى.
ومن الأمثلة التي ذكرتها السائلة الكريمة ما يظهر أنه إصابة العين، كقولها عن أختها: (بشرتها جميلة بيضاء) وقولها عن أخيها: (دائما يسرع ولا يتسبب بحادث) والظاهر أنها قالت ذلك دون أن تدعو بالبركة، وقد سبق أن بيَّنا أن العين قد تكون من محب، في الفتوى رقم: 71554. وأنها حق وتصيب بإذن الله وذلك في الفتويين: 23861، 16755.
كما سبق أن بينا ما يسن قوله وفعله لمن أعجبه شيء من نفسه وغيره، وحكم من أتلف شيئا بإصابة عينه، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 33932، 48731، 58591.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1430(1/239)
الحاسة السادسة والفراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقيقة الحاسة السادسة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحواس هي الوظائف الموجودة في الجسم من إبصار وسمع وذوق وشم ولمس، والتي يتعرف المرء عن طريقها بما يجري حوله من أمور، وقال بعض الباحثين إن الإحساس بالحقيقة خارج إطار الحواس الخمس لا يحدث بطريقة خارقة، وأنه إنما يأتي نتيجة قيام الدماغ باختزان معلومات عديدة ومتنوعة عن الموضوع ذاته في أوقات وأزمنة مختلفة، وقال آخرون إن الحاسة السادسة هي القدرة على التوقع أو الشعور أو ما وراء النفس، وأنها تختلف من فرد لفرد، وأنها زائدة على الحواس الخمس.
وأما المسلمون فيسمون هذا النوع من الشعور فراسة، وقد قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة: العزيز في يوسف حيث قال لامرأته: أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا، وابنة شعيب حين قالت لأبيها في موسى: اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ، وأبو بكر في عمر رضي الله عنهما حين استخلفه.
والفراسة أنواع منها:
1- فراسة إيمانية: سببها نور يقذفه الله في قلب عبده يفرق به بين الحق والباطل والصادق والكاذب.
2- فراسة الرياضة: وهي تعتمد على تجرد النفس من العوالق، وتكون مشتركة بين المؤمن والكافر، جاء في مجموع الفتاوى: سئل ما الحكمة في أن المشتغلين بالذكر والفكر والرياضة ومجاهدة النفس وما أشبهه يفتح عليهم من الكشوفات والكرامات وما سوى ذلك من الأحوال -مع قلة علمهم وجهل بعضهم- ما لا يفتح على المشتغلين بالعلم ودرسه؟
فقال بعد كلام طويل:.. وههنا -أصل آخر-: وهو أنه ليس كل عمل أورث كشوفاً أو تصرفاً في الكون يكون أفضل من العمل الذي لا يورث كشفاً وتصرفاً، فإن الكشف والتصرف إن لم يكن مما يستعان به على دين الله وإلا كان من متاع الحياة الدنيا، وقد يحصل ذلك للكفار من المشركين وأهل الكتاب، وإن لم يحصل لأهل الإيمان الذين هم أهل الجنة، وأولئك أصحاب النار.
ففضائل الأعمال ودرجاتها لا تتلقى من مثل هذا، وإنما تتلقى من دلالة الكتاب والسنة، ولهذا كان كثير من الأعمال يحصل لصاحبه في الدنيا رئاسة ومال فأكرم الخلق عند الله أتقاهم.
وثمت أنواع أخرى من الفراسة ... لكن ما يمتلكه عامة الناس من بين هذه الأنواع هو فراسة الرياضة التي تحدث عنها الكثير من الباحثين باسم الحاسة السادسة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1428(1/240)
بين الفراسة وسوء الظن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقيقة هذه الأمور وهل هي فراسة حقيقية صادقة، معرفة الشخصية عن طريق شكل العين.. مثال ذلك إذا كانت عين الإنسان ذات شكل معين فهذا دليل أنه إنسان صادق أو نصاب أو غيره أو عن طريق خط اليد على الورق بالقلم، أو غيرها من الأمور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس عندنا ما يمكن الجزم به في هذا الأمر، ونفيدك أن الأصل براءة الناس حتى يثبت ما يتهمون به، وأما الفراسة من المؤمن فكثيراً ما تصدق، كما قدمنا ذلك في الفتوى رقم: 47147.
وراجع في خطورة وحكم سوء الظن بالناس واتهامهم بغير بينة، الفتاوى ذات الأرقام التالية: 70169، 71640، 48025، 71821، 74383.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(1/241)
دلالة إحساس بعض الناس بأن شيئا ما سيقع ثم يقع
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن الإحساس بشيء داخل نفسي بشعور قوي أنه من عند الله، ذلك الإحساس قد يكون بشرى بشيء أو تحذير من شيء وتتحقق هذه التحذيرات، فهل هذا ممكن الحدوث، وهل أي إنسان معرض له أم أناس خاصون؟ وشكراً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد يحصل لبعض الناس إحساس بأن شيئاً ما سيقع ثم يقع، وقد يكون الإحساس مبنياً على استنتاج من أحداث معينة، وقد يكون مجرد تفرس أو إلهام من الله أو غير ذلك، وعلى المسلم في كل حال أن يظل ملتزماً بالشرع ويستعيذ بالله من الشر ويبتعد عن الوساوس وألا يرجع عن شيء هم به بسبب تشاؤم، ويحسن أن يستخير فيما يعمله دائماً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1428(1/242)
بين الستر والفراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: هل يصح الأثر الوارد عن عثمان بن عفان في أن رجلا نظر إلى امرأة فلما دخل على عثمان قال له: أيدخل أحدكم على أمير المؤمنين وفي عينيه أثر الزنا، فقال الرجل أوحيٌ بعد رسول الله...... إلخ، وإن كانت تصح هل هذا يتنافى مع ستر الله على المؤمن في أنه إذا عصى لا يفضحه الله، وجزاكم الله عن الأمة كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الأثر لم نر من حكم عليه بصحة أو ضعف، ولكنه ذكره ابن القيم رحمه الله في عدة من كتبه بدون سند محتجاً به على موضوع الفراسة، وابن القيم إمام محقق نرجو أن لا يستشهد إلا بما ثبت عنده. وذكره كذلك المناوي في فيض القدير، والقرطبي في التفسير، والغزالي في الإحياء.
وأما ستر الله على المؤمن فهو ثابت كما قال ابن حجر فيمن ستر نفسه حياء من الله تعالى فيكرمه الله بالستر والمغفرة، كما يدل له حديث الصحيحين: إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته.. وهذا لا ينافي صدق فراسة عثمان، فإن المتفرس قد يرى بصدق فراسته ونور بصيرته أثر المعصية على عين الناظر للحرام، كما يرى أي واحد منا أثر الدم في يد القاتل وسيفه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1428(1/243)
التمييز بين لمة الملك ولمة الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يميز المسلم بين لمة الشيطان ولمة الملك وحديث النفس خصوصا في مجال الخير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لمة الملك لا تكون إلا في الخير، وأغلب لمة الشيطان أنها لا تكون إلا في الشر، وقد يأمر الشيطان بالخير أحيانا ليشغل به العبد عما هو أفضل كأن يشغله بالعبادات أو النوافل الانفرادية عن العبادات المتعدي نفعها للغير كطلب العلم وتعليمه والتكسب الذي يحصل به العبد ما يتصدق به.
وأما النفس فإنها تختلف باختلاف أحوالها فالنفس الطيبة تأمر بالخير، والنفس الشريرة أمارة بالسوء.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع ولعلاج ما يأتي من خواطر الشر: 68468، 67853، 65433، 61062، 54808، 62037، 30224.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو الحجة 1426(1/244)
التمييز بين الإلهام الرباني والخواطر الشيطانية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يتم التمييز بين وسوسة الشيطان ومصطلح الإلهام عندما نقول عن أمر\" إلهام من الله\"؟ في أمان الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التمييز بين الإلهام الرباني والخواطر الشيطانية، هو بميزان الشريعة، فما كان موافقا للشرع فمن الله، وما كان مخالفا له فمن الشيطان، فكل ما كان فيه حث على الاستقامة وفعل الخير والتصديق بما جاء عن الله تعالى ... فهو إلهام من الله، وكل ما خالف ذلك فهو من وساوس الشيطان.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فيما رواه الترمذي وابن حبان والنسائي وغيرهم فقال: إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة: فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قرأ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} . وللمزيد من الفائدة عن هذا الموضوع نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5416، 54568، 61300، 64898.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1426(1/245)
تعريف البصيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي البصيرة؟
في أمان الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البصيرة قد تطلق على العلم واليقين، كما في قوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف: 108} . وقد تطلق على نور القلب كما يطلق البصر على نور العين. قال الراغب: البصر يقال للجارحة الباصرة والقوة التي فيها، ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1426(1/246)
من هم أهل الرؤية القلبية (الفراسة)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الرؤية بالحاسة القلبية ومن يستطيع أن يرى بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرؤية القلبية هي شعور الإنسان بقلبه وبصيرته بأمر ما عن طريق التفرس والتفكر في الأشياء والحدس، فإن الشعور القلبي أهم من الشعور بالعين، ولذلك يقول الله تعالى: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ {الحج: 46} .
وأما الذين يرون بها فهم أهل البصيرة والتفرس، وهم المذكورون في قول الله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ {الحجر: 75} .
وفي الحديث: اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله. رواه الترمذي والطبراني، وحسنه السخاوي والعجلوني والهيثمي.
وفي الحديث: إ ن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم. رواه الطبراني وحسنه الهيثمي بسنده، فراجع تفسير الآية في ابن كثير.
وراجع شرح الحديثين في تحفة الأحوذي وفيض القدير، وتحصل الفراسة من أهل الحدس والتجربة والكهانة، وقد ذكر ابن القيم في المدارج كثيرا من أمثلة تفرس السلف أهل الإيمان، وتفرس أهل التجربة والحدس والكهانة، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 25660، 50790، 47147.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1425(1/247)
الفراسة.. تعريفها.. وسببها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد منحني الله سبحانه وتعالى فهم أحوال الإنسان سواء أكان غاضبا أو غير ذلك.. السؤال المطروح هوأني لما بدأت العمل في الإنترنت واستوعبت بعض المفاهيم الدينية أصبحت عاجزا على فهمه (الإنسان) ما العمل إذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا يسمى بالفراسة وهي القدرة على معرفة بعض الأحوال الباطنة ببعض العلامات الظاهرة، وقد جاء في الأثر: اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله. وكلما صفت الروح ورقت كلما كثرت فراستها وصدقت، قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (الحجر:75) ، وهم المتفرسون الآخذون بالسيما، وهي العلامة، قال تعالى: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ (محمد: من الآية30) ، وقال تعالى: تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ (البقرة: من الآية273) ، قال ابن القيم رحمه الله: الفراسة الإيمانية سببها نور يقذفه الله في قلب عبده يفرق به بين الحق والباطل والحالي والعاطل والصادق والكاذب، وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان -وكان أبو بكر الصديق أعظم الأمة فراسة- ... إلى آخر كلامه رحمه الله في الفراسة.
وعليه؛ أيها الأخ السائل فقد يكون سبب هذا العجز قسوة في القلب أو عدم فهم المفاهيم، أو ضعف في الإيمان، والعلاج بكثرة قراءة القرآن، أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد: من الآية28) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(1/248)
هل الإيمان بما ورد في كتب السيرة من أخبار النبي وتفاصيل حياته شرط لصحة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله أنا أومن بالله والنبي عليه الصلاة والسلام، ولكن هل الايمان بما ورد في كتب السيرة من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وكافة تفاصيل حياته يعتبر من شروط صحة الايمان وهل تعلم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم واجب شرعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم معناه التصديق بكل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وأنه بلغ عن الله كل ما أمر به؛ وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وليس من شروط صحة الإيمان معرفة تفاصيل كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأحرى معرفة كل ما ورد في السير، لكن ما علمت على وجه التفصيل بدليل صحيح وجب عليك الإيمان به.
ثم إن تعلم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم خير لجميع البشرية، فهو الأسوة والقدوة، فتمسك بذلك تجد الخير كله، وتعلم السيرة قد يكون واجبا في بعض النواحي التي تتعلق بها أمور واجبة كأحكام العقائد والعبادات والجهاد ونحو ذلك؛ وقد يكون مستحبا في بعض النواحي كمعرفة هيئته صلى الله عليه وسلم في المأكل والمشرب والنوم ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1429(1/249)
حب الإسلام أعظم النعم
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب ثم أحب ثم أحب الدين الإسلامي أنام وأنا مرتاحة لأني أقوم بكل شيء ديني وأنا عمري 10 أعوام وأحب أن أقول لجميع الأطفال أن يقوموا بالأمور التي حثنا الله سبحانه على فعلها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حبك الإسلام، ونسأل الله تعالى أن يرزقك الثبات عليه حتى الممات، وأن يكثر من أمثالك. ولا شك أن هذه من أعظم علامات الخير، ونعمة من أعظم النعم تستوجب شكر الله عليها ببذل الأسباب التي تعين على الاستقامة والثبات على الحق، وراجعي وسائل الثبات بالفتوى رقم: 1208، وحسنا أن تكوني على هذا الحال وأنت في عمر العشر سنوات، وندعو من خلال موقعنا أن يكون شباب الإسلام على الذي أنت عليه.
واعلمي أن للإيمان حلاوة يجدها المسلم في قلبه، وهذه هي سر سعادته في الدنيا والآخرة فنوصيك بالمحافظة على هذه الثمرة فهي نتيجة لحب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب الخير وأهله، وبغض الشر وأهله. وراجعي لمزيد الفائدة الفتاوى: 58511، 99536، 22296.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(1/250)
نصوص في أهمية العلم والإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن بأن تفيدوني بأحاديث وآيات تنصب نحو هذا المفهوم (بالعلم والإيمان نحقق كل ما نصبوا إليه) ؟ مع خالص الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنه لا فلاح للعبد ولا نصر ولا عزة له إلا بالإيمان، قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {الؤمنون:1} ، وقال أيضاً: وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {البقرة:189} ، وقال سبحانه: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ {السجدة:24} ، وإن الطريق إلى الإيمان واليقين هو العلم، قال الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ {محمد:19} ، فبدأ سبحانه بالعلم قبل القول والعمل، لأنه الدليل والمرشد إليه.
وهناك نصوص كثيرة في بيان كون العلم والإيمان والصبر من أسباب النصر والتمكين والفلاح في الدارين، انظرها في الفتوى رقم: 32949، والفتوى رقم: 31768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1426(1/251)
حلاوة الإيمان وطعمه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
حلاوة الإيمان كثيراَ ما أسمعه فما هي حلاوة الإيمان هذه؟ وهل حقيقة للإيمان طعم ولذة كما لوضع شهوة الحرام لذة مثلاً؟ فإذا كان كذلك فما هي علامات لذة الإيمان سواء كانت الظاهرية أم الباطنية؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحلاوة الإيمان حقيقة معنوية يجعلها الله في قلوب الصالحين من عباده.
قال الإمام النووي في شرحه لمسلم: قال العلماء: معنى حلاوة الإيمان استلذاذه الطاعات، وتحمله المشاق في رضى الله ورسوله، وإيثار ذلك على عرض الدنيا.
ولا ريب أن للإيمان لذة كما في الحديث: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: ذاق طعم الإيمان: من رضي بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً. رواه مسلم.
والذي يريد أن يذوق طعم الإيمان يحافظ على الفرائض ثم يكثر من النوافل والطاعات، كما في الحديث: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به....
فإذا اتصف العبد بهذه الصفات، وتقرب إلى الله تعالى بالطاعات فلا شك أنه سيجد حلاوة الإيمان، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
ولذة الإيمان لا تشبه لذة الحرام، لأن لذة الإيمان لذة قلبية روحية. أما لذة الحرام فهي لذة شهوانية جسدية، ويعقبها من الآلام والحسرات أضعاف ما نال صاحبها من المتعة، ولله در من قال:
تفتى اللذات ممن نال صفوتها ... ... ... ... من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها ... ... ... ... ... لا خير في لذة من بعدها نار
وراجع الفتوى رقم: 30657.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1425(1/252)
الأدلة القرآنية لأركان الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[اذكر الأدلة من القرآن التي بين الله فيها أركان الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حقيقة الإيمان في الفتوى رقم:
12517.
أما عن الأدلة التي بين الله تعالى فيها أركان الإيمان الستة فمنها قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] . وقوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] .
ففي الآية الأولى ذكر الله تعالى خمسة أركان وهي:
1- الإيمان بالله. ...
2- الإيمان باليوم الآخر.
3- الإيمان بالملائكة.
4- الإيمان بالكتاب.
5- الإيمان بالنبيين.
وفي الآية الثانية ذكر الله تعالى الركن السادس، وهو الإيمان بالقدر.
وقد وصف الله تعالى غير المؤمنين بالكفر، فقال عز وجل: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً [النساء:136] .
فإذا كان غير المؤمن بها كافراً كان الإيمان بها واجباً، وننصحك لمعرفة المزيد عن أركان الإيمان والإسلام أن تراجع الأصول الثلاثة، وهو كتاب لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وشرحها للشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- وزادك الله حرصاً على معرفة دينك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1423(1/253)
عقول البشر قاصرة عن إدراك حكمة الله في كل ما شرعه لعباده
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس لا يفعل أي شيء من العبادات إلا بعد أن يعرف ما الفائدة منها حتى وإن كانت ثابتة وصحيحة عن الرسول صلي الله عليه وسلم، فهل هذا صحيح؟
سمعت من البعض أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا عندما يأتي وحي للرسول صلي الله عليه وسلم بجديد في العبادات يفعلونه من غير أن يسألوا، وهذا من حبهم لله عز وجل وطاعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم فهل ما قلته صحيح أم لا؟ وما هي الأمثلة على ذلك؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن انقياد المسلم لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يتوقف على معرفة حكمة من الحكم أو الفائدة من التشريع، وذلك لأننا عبيد لله عز وجل فمهما أمرنا بشيء فالواجب علينا السمع والطاعة، وهذا مقتضى العبودية، ثم إن عقول البشر قاصرة وعاجزة عن إدراك حكمة الله عز وجل في كل حكم من أحكامه، فلو توقف الانقياد على معرفة الحكمة إذن لتعطلت كثير من الشرائع، بل الواجب على المسلم أن يبادر بالامتثال لأمر ربه تعالى عالما أن ربه تعالى حكيم لا يشرع ما يشرع إلا لمصلحة، وهذه المصلحة قد تظهر للعبد وقد تخفى عليه، فإن ظهرت لم يزده ذلك إلا انقيادا وإن خفيت لم يجعل انقياده متوقفا عليها.
وما أحسن ما قاله أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في معتقده: ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام.
وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين من عباده بأنهم يبادرون بالسمع والطاعة لأوامره تعالى من غير توقف ولا تلبث ولا تردد، قال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ {البقرة:285} .
وأمر تعالى عباده بالانقياد لأمره والمبادرة بامتثاله من غير توقف فقال سبحانه: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء: 65} .
وقال جل وعلا: ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب: 36} .
والآيات وكذا الأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا تضيق هذه الفتوى المختصرة عن استقصائها.
وأما ما ذكرته عن حال الصحابة رضي الله عنهم ومسارعتهم إلى الامتثال فلا شك في صحته، وقد كانوا رضوان الله عليهم في الذروة من هذه الفضيلة وهي الإذعان لأمرالله والمبادرة إلى امتثاله من دون سؤال ولا مناقشة، وهل كانت حياتهم كلها إلا مثالا حيا لهذا الخلق؟ وقصصهم وأخبارهم في ذلك ممّا لا تحيط به الأسفار العظام، وهل وجدت أعظم من أن بذلوا أرواحهم ومهجهم طواعية من غير تردد طاعة لله ورسوله؟ وفارقوا ديارهم وأهليهم رغبة في ثواب الله عز وجل، ومن أمثلة مبادرتهم بالانقياد وما أكثرها، ما أخرجاه في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه: نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية إنها رجس، قال جابر، فأكفأت القدور بما فيها.
وفيهما أيضا عن أنس قال: كنت ساقي القوم في بيت أبي طلحة يوم حرمت الخمر، فجاء رجل فقال إنها قد حرمت الخمر فقالوا أكفئها يا أنس، فكفأتها.
فهذه مبادرة منهم بالامتثال مع ما كان أكثرهم عليه من التعلق بالخمر رضي الله عنهم، والأمثلة في هذا المعنى في غاية من الكثرة يضيق هذا المقام عن ذكرها، فعلى المسلمين جميعا أن يتأسوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في انقيادهم لأوامر الشرع واجتهادهم في تنفيذها ومبادرتهم بالتسليم لحكم ربهم جل وعلا دون تردد أو توقف، وفقنا الله جميعا لما فيه طاعته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1430(1/254)
قول شيخ الإسلام ابن تيمية في رؤية الله تعالى في الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الرد العلمي على من افترى على ابن تيمية أنه يقول برؤية الله فى الدنيا. والكلام فى الفتاوى
والمشاهدات التي تحصل للعبد فى اليقظة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرد على هذه الفرية يتضح ببساطة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه، قال رحمه الله:
كل من ادعى أنه رأى ربه بعينيه قبل الموت فدعواه باطلة باتفاق أهل السنة والجماعة؛ لأنهم اتفقوا جميعهم على أن أحدا من المؤمنين لا يرى ربه بعيني رأسه حتى يموت، وثبت ذلك في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكر الدجال قال: واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت.
وكذلك روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر يحذر أمته فتنة الدجال، وبين لهم أن أحدا منهم لن يرى ربه حتى يموت، فلا يظنن أحد أن هذا الدجال الذي رآه هو ربه.
ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله، ويقين القلوب ومشاهدتها، وتجلياتها هو على مراتب كثيرة. قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان، قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صورة متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحا لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق.
وقد يحصل لبعض الناس في اليقظة أيضا من الرؤيا نظير ما يحصل للنائم في المنام، فيرى بقلبه مثل ما يرى النائم، وقد يتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه، فهذا كله يقع في الدنيا.
وربما غلب أحدهم ما يشهده قلبه وتجمعه حواسه، فيظن أنه رأى ذلك بعيني رأسه حتى يستيقظ فيعلم أنه منام، وربما علم في المنام أنه منام.
فهكذا من العباد من يحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تفنيه عن الشعور بحواسه فيظنها رؤية بعينه، وهو غالط في ذلك، وكل من قال من العباد المتقدمين أو المتأخرين أنه رأى ربه بعيني رأسه فهو غالط في ذلك بإجماع أهل العلم والإيمان. ا. هـ مجموع الفتاوى
فظهر بما تقدم أن شيخ الإسلام رحمه الله ينفي وقوع الرؤية بالعين في الدنيا، ويبطل من ادعى وقوع ذلك.
أما الرؤيا في المنام فيقول شيخ الإسلام بجواز وقوعها، لكن حكمها غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق، ولذلك تختلف الرؤيا في المنام من شخص لآخر حسب إيمانه، مما يؤكد أن لها حكما يخالف رؤيا اليقظة.
وغاية ما قد يحدث في اليقظة أن يحصل للبعض مشاهدة قلبية نظير ما يراه النائم، فيرى بقلبه مثل ما يرى النائم، فيظنها رؤية بعينه. وهذا قد صرح شيخ الإسلام بتغليطه.
وعليه، فلا يصح أن ينسب إلى شيخ الإسلام القول برؤية الله في اليقظة بعد ما تقدم من كلامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1430(1/255)
أثر الإيمان والصلاة في حصول السكينة والراحة النفسية
[السُّؤَالُ]
ـ[1_كيف يؤدي الإيمان بالله إلى الشعور بالطمأنينة والسكينة.
2 _ كيف تساهم الصلاة في محاربة الأمراض النفسية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ضرب الله مثلا يوضح حقيقة العلاقة بين الإيمان وحصول آثاره من راحة القلب وطمأنينة الصدر وطيب النفس وصلاح البال، ف قال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {الزمر: 29} .
قال السعدي: {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} ليسوا متفقين على أمر من الأمور وحالة من الحالات حتى تمكن راحته، بل هم متشاكسون متنازعون فيه، كل له مطلب يريد تنفيذه ويريد الآخر غيره، فما تظن حال هذا الرجل مع هؤلاء الشركاء المتشاكسين؟ {وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ} أي: خالصا له، قد عرف مقصود سيده، وحصلت له الراحة التامة. {هَلْ يَسْتَوِيَانِ} أي: هذان الرجلان {مَثَلا} ؟ لا يستويان. كذلك المشرك، فيه شركاء متشاكسون، يدعو هذا، ثم يدعو هذا، فتراه لا يستقر له قرار، ولا يطمئن قلبه في موضع، والموحد مخلص لربه، قد خلصه الله من الشركة لغيره، فهو في أتم راحة وأكمل طمأنينة اهـ.
فبهذا يعرف أن الإيمان الذي يتوفر به صاحبه على وجهة واحدة، يعلم أنها هي التي تضر وتنفع، وتعطي وتمنع، وتخفض وترفع، هو الذي تحصل به السكينة والطمأنية، فلا شك أن المؤمن الذي يعبد من بيده الضر والنفع أحق بهذه النعمة من المشرك الذي يعبد ما لا يضره ولا ينفعه، بل ضره أقرب من نفعه.
ثم إن الإيمان الذي يدور حول معرفة الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وأفعاله المثلى، يرسخ في القلب أنواعا من العبوديات، تتحقق بها سعادته وطمأنينته، فمن أيقن أن الله تعالى هو العليم الخبير، العزيز الحكيم، الغفور الرحيم، الغني الكريم، الحليم العظيم، الحي القيوم، من أيقن بذلك وعاش في الدنيا بمقتضاه لا شك أنه يطمئن قلبه وتسكن نفسه؛ ثقة بالله وتوكلا عليه وركونا إليه، حيث يعلم أن الله أرحم به من نفسه ومن أمه التي ولدته، وأن اختياره له خير من اختياره لنفسه.
ثم إذا نظرنا إلى أركان الإيمان كلٌّ على حدة لاحظنا ما لها من علاقة وثيقة بنزول السكينة وحصول الطمأنينة، فمثلا الإيمان باليوم الأخر يزهد العبد في الدنيا ويهون عليه مصائبها. والإيمان بالقدر يبعث في النفس الطمأنينة يريحها من كد التطلع إلى ما لم يكن، ويخفف عنها عناء حصول ما يكره، لأنه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ.. {الحديد:22 -23} .
ومن ناحية أخرى فإن الجزاء من جنس العمل، ولذلك كان الأمن ثمرة من ثمرات الإيمان، كما قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ {الأنعام: 82} ولا يخفى ما يعنيه حصول الأمن من حصول منافعه من السكينة والطمأنينة وغير ذلك. وذلك أن الله تعالى هو الشكور الذي يشكر القليل من صالح العمل، ويعفو عن الكثير من الزلل، ولا يضيع أجر المحسنين، وجزاؤه سبحانه لعبده المؤمن لا يقتصر على الآخرة، بل يكون في الدنيا أيضا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يُعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة رواه مسلم.
ومن هذا الجزاء الحسن للمؤمن في الدنيا أن يرزقه الله الطمأنينة وصلاح البال وطيب الحياة، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ {محمد:2} .
وقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97} .
وقال: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28} فمن آمن بالله وأقبل عليه بالعمل الصالح كانت له في الدنيا الحياة الطيبة والسعادة الحقيقية كما قال تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا.. {طه:123-124} . وقال: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {الأحقاف:13} .
ولمزيد الفائدة عن هذا الموضوع يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 102116، 115393، 38814، 67502.
وأما الصلاة وأثرها النافع في علاج الأمراض النفسية فلا شك فيه، فإنها أعظم صور الإيمان العملي، وقد سماها الله إيمانا فقال: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ {لبقرة: 143} فهي صورة مثلى لصلة العبد بربه، حيث يقف بين يديه يناجيه ويتأهل لنزول رحمته وفضله، وهذا هو أساس صلاح النفس وخلاصها من آفاتها وشفائها من أمراضها، كما قال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45} .
ولقد كان من عظيم أثرها وكبير شأنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا حزبه أي أمر اشتد عليه صلى. رواه أبو داود وأحمد. وحسنه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: جعلت قرة عيني في الصلاة رواه النسائي وأحمد وصححه الألباني.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها. رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.
فعلم بذلك أن الصلاة تفرج بها الكروب، وتقر بها العيون، وترتاح لها النفوس، ولذلك أمر الله تعالى بالاستعانة بها مع الصبر، فقال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين {البقرة: 153} .
وقد سبق ذكر الصلاة ضمن أدوية نافعة وناجعة في علاج القلق النفسي، في الفتويين: 16790، 51827. كما سبقت الإشارة إلى كون الصلاة راحة نفسية وسكينة وطمأنينة في الفتوى رقم: 28759.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1430(1/256)
مظاهر قدرة الله ودلائل الإعجاز أكثر من أن تحصى
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في إسلام ويب أريد الحصول إذا أمكن على عنوان موقع يختص بآيات الله الجلية في الأرض مثل الشجرة الراكعة لله على هيئة بني آدم والتفاحة التي عليها اسم الجلالة وغير ذلك من الآيات وأيضا سمعت عن البنت التي مسخها الله إلى قردة لأنها أخذت القرآن الكريم من يد أمها ورمته على الأرض، فهل هذا صحيح؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم موقعاً يختص بمثل هذه الأمور، والله عز وجل قد يظهر في هذا الكون من الآيات ما يظهر به للناس قدرته وتدبيره لأمر هذا الكون، قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {فصلت:53} ، واعلم أن كثيراً من الأخبار التي تروى من نحو ما ذكرت إنما هي أخبار يتداولها الناس عبر المنتديات التي توجد على الإنترنت أو عبر غيرها من الوسائط، فالله أعلم إن كانت قد حدثت فعلاً أم لا، ولا ينبغي للمسلم أن يشغل بها نفسه ويتكلف البحث عنها، وفي هذا الكون من مظاهر القدرة ودلائل الإعجاز ما يزداد به المسلم إيماناً على إيمانه، ويقينا إلى يقينه، قال تعالى: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {الذاريات:21} ، ورحم الله ابن المعتز حيث قال:
فيا عجبا كيف يعصى الإله * أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 6342، والفتوى رقم: 113672.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(1/257)
الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان المطلق يراد به الإيمان الكامل فلا يوصف به العصاة والمقصرون في الطاعات. وأما مطلق الإيمان فيعنى به من كان عنده أصل الإيمان، ولكن عنده تقصير في الطاعات فيدخل فيه العصاة من المؤمنين والمقصرون في بعض الطاعات.
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية:
الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به عبده كله، وترك ما نهاه عنه كله. اهـ
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في كتاب الإيمان والرد على أهل البدع: مطلق الإيمان هو وصف المسلم الذي معه أصل الإيمان إذا كان مصرا على ذنب أو تاركا لما وجب عليه مع القدرة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1429(1/258)
شروط صحة الإيمان وسبيل الوصول إلى حقيقته
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة شروط إيمان المسلمات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شروط إيمان المسلمات هي شروط إيمان المسلمين جميعا؛ فيشترط لصحة إيمان المؤمن ذكرا كان أو أنثى حصول اليقين الجازم بأركان الإيمان الستة المذكورة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره، وقد سبق بيان شروط صحة شهادة التوحيد في الفتوى رقم: 5098، فراجعها.
وبهذه الأركان الستة يحصل مطلق الإيمان، ولكنه لا يكمل حقيقة إلا بتمام شعبه من امتثال الأوامر واجتناب النواهي والتأدب بآداب الشرع والتخلق بأخلاق الإسلام الفاضلة.
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان. رواه مسلم وغيره، وفي رواية غيره أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان.
وإذا كانت السائلة الكريمة تقصد: كيف يمكن للمسلمة أن تكون مؤمنة حقا؟
فالجواب عليه أن ذلك يتحقق بمراقبة الله تعالى وامتثال أوامره واجتناب نواهيه في السر والعلانية والالتجاء إليه بالدعاء والتقرب إليه بالنوافل وفعل الخيرات والخوف منه والرجاء له والتوكل عليه والجهاد في سبيله بكل مستطاع؛ فقد وصف الله تعالى عباده المؤمنين بقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ {الأنفال: 1-4} .
هذا وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتاوى الآتية أرقامها: 64543، 47159، 36680.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1429(1/259)
عدم التوبة من الذنب هل تنفي الإيمان بالكلية
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تبارك وتعالى فى كتابه الكريم: إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما. ويقول كذلك: إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا. ويقول كذلك فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين. هل أفهم من هذه الآيات أنه من لم يتب بعد ليس بمؤمن؟ أفيدوننا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن توبة المشرك يشترط فيها الإيمان، وأما التوبة من المعاصي التي لا تبلغ حد الشرك فعدم حصولها من المؤمن وإصراره على عدم التوبة لا يفيد أنه غير مؤمن ولكنه ناقص الإيمان وضعيفه بسبب الإصرار على عدم التوبة من المعاصي، ولكنه لا يخرج من الدين بالكلية، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 25080، 31033، 79561، 41594.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1429(1/260)
التوحيد من أركان الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نمزج بين الإيمان والتوحيد، فأفيدونا؟ جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن في هذا السؤال شيئاً من الغموض فنرجو من السائل أن يوضح مراده أكثر، ونفيده أن التوحيد جزء من موضوعات الإيمان، لأن أركان الإيمان يشتمل الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل والآخرة، ومن ضمن مواضيع الإيمان ما يتعلق بتوحيده سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1429(1/261)
الإيمان والتوازن الداخلي للمسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يؤدي الإيمان إلى حصول التوازن الداخلي للمسلم?]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الإيمان بالله تعالى يقتضي التسليم بقضاء الله وقدره، والمؤمن يحتسب الأجر في المصائب. والكثير من حالات فقدان التوازن سببه قلق الإنسان من حاضره أو مستقبله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان بالله تعالى يقتضي التسليم بأن كل ما يجري في هذا الكون هو من قدر الله وقضائه، وأنه مكتوب عند الله قبل خلق الخلق. قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ [الحديد: 22, 23] . وقال عز من قال: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ {التغابن: 11} .
والمؤمن يحتسب الأجر في وقوعه في المصائب طمعا في الثواب وتكفير الخطايا، ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
والمقرر عند علماء النفس أن الكثير من حالات فقدان التوازن الداخلي يكون سببه القلق من المصائب التي تصيب الإنسان أو مما يتوقعه منها في المستقبل.
فإذا عرفت هذا علمت السر في أن الإيمان يؤدي إلى حصول التوازن الداخلي للمسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1429(1/262)
الإيمان وأعمال الجوارح
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لي سؤال هام يحيرني ويحير كثيرا جداً من الشباب المسلم الذي يسعى إلى الالتزام وهو عن الإيمان فقد انقسم فيه الشباب في قريتنا إلى نصفين أحدهما يقول العمل شرط كمال وأن من لم يعمل خيرا قط بجوارحه حتى مات يدخل الجنة يوما من الدهر بناء على كلام لشيخنا الفاضل دكتور ياسر برهامي، أما المخالفون فيقولون العمل ركن أو جزء في الإيمان وأنه لا بد من جنس العمل حتى ينجو في الآخرة.
فالرجاء التفصيل في هذه المسألة لأن هناك كثيرا من الشباب فتن في هذه المسألة وترك طريق الالتزام؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك أن العمل بأوامر الشرع والبعد عن المنهيات واجب على المسلمين، ولا شك أن الإيمان قول وعمل واعتقاد فهو يشمل اعتقاد القلب وإقرار اللسان وأعمال الجوارح، وأهم ما يعني الشباب المسلم هو السعي في إكمال الإيمان في أنفسهم وفي أفراد أمتهم، فلينشطوا في الدعوة إلى الله تعالى والتفقه في الدين وتعليم الناس وإرشادهم لما يحتاجون له حتى يؤمنوا بالكتاب كله ويدخلوا في السلم كافة كما أمرهم الله تعالى، ولا يسوغ شرعاً ولا عقلاً أن يكون الخلاف الاصطلاحي في مسألة ما سبباً في ترك طريق الالتزام بالدين ولا سيما في خيرتهم.
وأما دخول المؤمن الذي عاش مقراً بشهادة التوحيد غير منكر للشرائع في الجنة يوماً من الدهر وعدم خلوده في النار إذا عذب فيها، فقد دلت عليه نصوص كثيرة، فمن ذلك ما ذكرناه من النصوص في الفتوى رقم: 68656، والفتوى رقم: 99597، والفتوى رقم: 64621.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1428(1/263)
أعمال الجوارح والإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[سئلت سؤالا هذا نصه: عندنا بمصر دكتور يسمى ياسر برهامي يشرح العقيدة ويقول إن الإيمان قول وعمل ويقول إن أعمال الجوارح شرط كمال في الإيمان ويقول إن من ترك أعمال الجوارح طوال حياته حتى مات أنه عنده أصل الإيمان وهو اعتقاد القلب وقول اللسان وأنه سوف يخرج من النار بناء على حديث لم يعمل خيرا قط فهل هذا الكلام صحيح أم لا، دلوني على الحقيقة لأني في حيرة من أمري فكانت الإجابة وعنوان السؤال الفتوى: 99597 عنوان الفتوى مصير الناطق بالشهادتين المفرط في العمل وأنا لا أسأل عن المفرط فالمفرط هو الذي يأتي بأعمال ويترك أعمالا بل أسأل عن تارك عمل الجوارح بالكلية أي لا يأتي بأي عمل طوال حياته البتة هل يكون مؤمنا وعنده أصل الإيمان ألا وهو إيمان القلب هذا ما أقصده من سؤالي من لم يعمل بجوارحه أي عمل قط طوال حياته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقر بشهادة التوحيد المعتقد لها بقلبه يعتبر مؤمنا ولكنه إذا لم يأت بشعب الإيمان التي هي الأعمال الصالحة يعتبر ناقص الإيمان فنرجو الله أن يدخله الجنة كما سبق أن ذكرنا لك في الفتوى الماضية.
وعلى من عرفه أن يسعى في تقوية إيمانه وحضه على الإتيان بالأعمال ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، فعليك أن تبذل طاقتك في هداية أولئك المضيعين للصلوات المهملين للأوامر الشرعية المنهمكين في المعاصي حتى يتوبوا إلى الله، فلأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم كما في حديث البخاري.
هذا وليعلم أن هناك نواقض للإسلام من ارتكبها فقد ارتكب مناقضا للإسلام، وهناك من الأعمال ما يكفر بتركها مثل الصلاة فقد كفر بعض أهل العلم من يتركها وكذا يكفر من أنكر ماعلم من الدين بالضرورة كمن أنكر وجوب واجب من الواجبات المعروفة بعد إقامة الحجة عليه.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16389، 67970، 98353، 65864.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1428(1/264)
الغاية من خلق الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو هدف المسلم في هذه الحياة وكيف يطبق هذا في حياته اليومية وشكرا.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هدف المسلم في هذه الحياة -باختصار- هو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو الهدف الذي من أجله خُلِق؛ كما بين الله عز وجل في محكم كتابه فقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} وقال تعالى: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا {هود: 61}
وعبادة الله تعالى تشمل كل ما يحبه الله تبارك وتعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.. ومن ذلك عمارة الارض وتحقيق الاستخلاف فيها بالعدل وفق منهج الله عز وجل الذي أرسل به رسله وختمهم بأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما كيفية تطبيق ذلك فباتباع تعاليم الشرع، والسير على هدي النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من هذه الأمة حسب الوسع والاستطاعة، وبالمقاربة والتسديد.
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتاوى التالية أرقامها: 28002، 30385، 34585، 38814، 46926، 49995، 23201.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1428(1/265)
علم الغيب وهل يمكن الاطلاع على بعض الغيبيات
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفسير الآيات التي ذكر الله سبحانه وتعالى فيها أنه يعلم الغيب ويعلم ما في الأرحام, والغيث, وماتكسبه النفس وبأي أرض تموت، خاصة مع التطور العلمي حيث يعتبر الناس أن علم الأحوال الجوية والطب الحديث يعلم بعض هذه الغيبيات
الرجاء الاجابة عاجلا عاجلا بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 36924، 15244، 3197، 20497.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1427(1/266)
أدلة عقلية على العدل المطلق لرب البرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه الأسئلة كثيراً ما تتكرر وأتمنى من الله أن أجد الإجابة الوافية، وشكراً جزيلا.
هل الأنبياء معصومون عن الخطأ، كيف يمكننا القول بالعدل الإلهي ونحن نشاهد الفروق والاختلافات في المخلوقات خاصة في البشر؟ فلماذا لم تخلق الأشياء متساوية ومتشابهة؟ وما هو سرّ اختلاف الناس في أذواقهم وأحاسيسهم ورغباتهم؟ أليس من الأفضل أن يمتلك الكلّ أعلى مستوى من القدرات الذاتية والقابليات والأذواق، كيف يتلاءم العدل الإلهي مع وجود المصائب والأمراض والكوارث الطبيعية (أمثال السيل والزلزلة) والمتاعب الاجتماعية (أمثال الحروب وألوان الظلم) ، رغم أن الذنوب المرتكبة في الدنيا محدودة فكيف يتلاءم ذلك مع العذاب الأبدي وهل ينسجم ذلك مع العدل الإلهي، إذا كانت الحكمة الإلهية تقتضيه لحياة الإنسان في هذا العالم فلماذا يميته وينهي حياته، وهل البناء ثم التخريب يتلاءم مع الحكمة والعدل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مسألة عصمة الأنبياء فيما يبلغون عن الله تعالى أمر متفق عليه عند أهل العلم، وأما عصمتهم من الوقوع في بعض صغائر الخطايا وكبائرها، فقد سبق أن بينا تفصيل القول فيها في الفتاوى التالية أرقامها فراجعها: 6901، 25834، 68705، 48422، 31507.
وأما مسألة العدل الإلهي فإنه من العجب أن يتكلم فيها رجل عاقل ولا سيما إذا كان مسلماً، فكيف يمكن لعاقل أن يحاكم الله تعالى ويحاسبه ويتكلم في تصرفاته في ملكوته وينسى حكمته البالغة في تدبيره لخلقه وأنه يخلق ما يشاء ويختار.
أما قرأت في القرآن أنه أحكم الحاكمين، وأنه لا يسأل عما يفعل، أما قرأت في أسمائه الحسنى أنه الحكم العدل اللطيف الخبير، أما علمت أن تصرف المالك في ملكه يسمى عدلاً لا يسمى جوراً، أما علمت أنه حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين العباد، فالواجب على المسلم أن يرضى بالله رباً ويؤمن بقضائه وقدره ويستسلم لحكمته وتدبيره، ويسأله العافية ويصرف عنه البلاء ويعالج ما حصل منه بكثرة الدعاء والعمل الصالح والبعد عن المعاصي.
وأما عن الخلاف بين أحجام الأشياء فإن الله لا يجب عليه شيء في الأصل لمخلوقاته فالاعتراض عليه بأنه لم يساوهم غير وارد، ولكنه سبحانه وتعالى رحيم بمخلوقاته وهو أرحم بعباده من الأم بولدها وهو أدرى بمصالحهم، وقد صورهم في أحسن صورة، خلقهم وسواهم وعدلهم في أحسن هيئة، وفي تفاوتهم في الرغبات مصالح كثيرة من أهمها أنهم يتبادلون المنافع فيما يحب هذا يجده عند غيره في وقت يكون غيره قليل الرغبة فيه، ومنها أنهم لا يتنازعون في وقت واحد على شيء واحد، فاختلاف رغبات الرجال في مواصفات النساء، سبب السلامة من نزاع كثير من الرجال على امرأة واحدة، ومثله اختلافهم في البقاع فبعضهم يحب أرضا أو بلداً ما والآخر لا يحبه.
واعلم أن الله تعالى قد أعطى الناس العقول والأسماع والأبصار والأبدان وجعل هذه النعم قابلة للتنمية بحسب ما يعمل العبد من استخدامها وتمرينها، فالحمال بسبب كثرة قيامه بحمل الأمتعة يستطيع حمل الشيء الثقيل الذي لا يستطيع حمله غيره، والرياضي الذي يكثر عمل الرياضة يستطيع من الجري والقفز والحركات أكثر مما يستطيع غيره.
وأما الابتلاءات التي تحصل أحياناً فإنها لا تنافي العدل، فهي أما أن تكون سبباً لتكثير حسنات المؤمن ورفع درجاته أو عقوبة للمجرم تكفر بها سيئاته إن كان مؤمناً، واعلم أن الذنب الذي يستوجب صاحبه الخلود في النار هو ذنب الشرك بالله، ومن العدل أن الله تعالى يعاقب من أنكر وجوده أو حقه في العبودية ولم يخضع له أن يعاقبه بالخلود في العذاب، وليست العبرة بمحدودية الذنب بل العبرة بعظمة من عصى وكفر به وجحد حقه اتباعاً للأهواء وطاعة للشياطين.
وأما إماتة الناس وإحياؤهم فهو من الابتلاء الذي جعله الله ليبلوا الخلق أيهم أحسن عملاً وبموتهم ينتقلون من الدنيا القليلة الفاني نعيمها وعذابها إلى دار الأخرى الباقية العظيم نعيمها وعذابها، وينال كل جزاءه إن خيراً فخير وإن شراً فشر. وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8652، 51171، 59536، 2306، 12222، 8546، 2855، 24499، 5492.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1427(1/267)
الله تعالى قدير وكل شيء عليه يسير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا يا إخوان:
دم الإنسان يكتب اسم الله أكثر من مليون مرة في كل دقيقة حيث إن الدم يتكون من كرات الدم البيضاء والحمراء. وهذه الكرات تتحد ببعضها وتتلامس داخل حركة دائمة وآلية لا تتوقف ليلا ونهارا سواء كنت نائما أو متقيظا, وقد بحث العلماء في شكل هذه الكرات البيضاء والحمراء عند اتحادها, فوجدوها تشكل شكلا دائريا وعند تكبيره وجدوا انه اسم الله عز وجل وقد كتب بطريقة دائرية والإعجاز الكبير أنه مكتوب باللغة العربية سبحان الله تتجلى قدرته في كل شيء.
وجزاكم الرحمن عنا خير الجزاء وغفر لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته الأخت الكريمة ليس بمعجز للقدرة الإلهية إذا أراد الله ذلك، لكننا لم نطلع على هذا ولم نقف عليه، وبالتالي، لا يمكننا أن نقول فيه شيئا سوى أن الله على كل شيء قدير, وأن كل شيء عليه يسير.
المهم أن يثبت ذلك في الواقع، أما مجرد التخيلات والظنون فإنها لا تغني من الحق شيئا.
وفيما بثه الله تعالى في الأنفس والآفاق من الآيات الظاهرة الدالة على قدرته وحكمته ما يغني عن مثل هذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1427(1/268)
العقيدة والإعجاز العلمي
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي. ماأثر الإعجاز العلمي على العقيدة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يستمد عقيدته من نصوص الوحي الثابتة ولا مانع أن يستفيد من الإعجاز العلمي فيتأمل في آيات الله الكونية ومظاهر قدرته سبحانه وتعالى ويتأمل فيما اكتشفه الخبراء حديثا وكان قد سبقهم القرآن للحديث عنه، فيزداد إيمانه بذلك، ويمكن أن يخاطب به من يدعوهم إلى الله ممن انبهروا بالاكتشافات العلمية والأمور التجريبية وضعف أو عدم إيمانهم بنصوص الوحي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1427(1/269)
الإسلام والإيمان إذا اجتمعا وافترقا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول أهل العلم عن الإسلام والإيمان: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
فمعناه أنهما إذا ذكرا معا في موضع واحد فلكل واحد منهما معناه الخاص به، وإذا ذكر أحدهما دون الآخر فإن المذكور يتضمن معنى غير المذكور، ولذلك فهما متداخلان إذا ذكر أحدهما، متباينان إذا ذكرا معاً، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل والأمثلة في الفتوى رقم: 26368 نرجو الاطلاع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1426(1/270)
لا تقبل العبادات قبل الدخول في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم متزوج بامرأة مسيحية, زوجتي متدينة جدا وقد قالت لي إنها ستصلي وتصوم معي في رمضان، فهل تقبل صلاتها وصيامها، قمت بسؤال أحد الشيوخ فقال لا تقبل, فإذا كانت لا تقبل فقد يشرح الله قلبها للإسلام مع أنها تؤمن بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام وتؤمن بالقرآن حتى أنها تقرأه معي لكني لم أفاتحها بموضوع أن تسلم لأن الدين يأتي بالترغيب ولا إكراه فيه, أرجو الدعاء لها والإجابة على السؤال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزوجتك المذكورة لا تعتبر مسلمة إلا بعد النطق بالشهادتين مع الاعتقاد الجازم بهما والسلامة من ناقض من نواقض الإسلام بعد ذلك.
وبالتالي فلا تقبل منها صلاة ولا صيام قبل الدخول في الإسلام، قال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85} ، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16351، 31032، 44351.
وكونها تؤمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتؤمن بالقرآن مع بقائها على المسيحية لا يفيدها ذلك، ولا تعتبر مسلمة بذلك، فاجتهد في نصحها ودعوتها إلى الإسلام برفق ولين وحكمة مع الابتهال إلى الله تعالى في سبيل أن يهديها إلى الإسلام خصوصاً في الأوقات التي يظن فيها استجابة الدعاء، وعجل بدعوتها فلعلها تسلم قبل أن ينزل بها الموت، كما ينبغي لك نصحها بصحبة بعض النسوة الصالحات لكي يقمن بدعوتها إلى الإسلام والتأثير عليها.
نسأل الله تعالى أن يمن عليها بالهداية إلى الدين الحق وأن يرزقها الاستقامة والثبات عليه إنه سميع مجيب، ثم اعلم أن دعوة المسيحي أو غيره من الكفار وتبليغه دين الإسلام واجب ديني لمن يستطيعه ويتمكن منه، ولا تتنافى الدعوة إلى الإسلام والأمر بها مع عدم الإكراه الثابت بنص القرآن، فالإكراه شيء وهو المنفي، والدعوة شيء آخر وهو المأمور به، وهذا شيء واضح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1426(1/271)
ما سوى الله مخلوق محدث بعد أن لم يكن
[السُّؤَالُ]
ـ[كتب أحدهم في أحد المنتديات ما يلي وكيف نرد عليه؟؟؟
((هذا جزء من نونية ابن زفيل---والشرح لتابع له يسمى\"خليل هراس \"
وهو يتناول موضوع القدم النوعي---إذ القدم النوعي عند ابن زفيل وشيخه ابن تيمية من أساسيات الدين---وملخصه كما قال هرّاس \"وأما النوع فهو مستمر أزلاً وأبداً بلا ابتداء ولا انتهاء \"---لاحظوا ----مستمر أزلا-- وقولهم هذا خروج سافر عن العقيدة
---------------------------------------------------------------------------
ما قال ذو عقل بأن الفرد ذو ... * أزل لذي ذهن ولا أعيان
بل كل فرد فهو مسبوق ... * بفرد قبله أبداً بلا حسبان
ونظير هذا كل فرد فهو ... * ملحوق بفرد بعده حكمان
النوع والآحاد مسبوق ... * وملحوق وكل فهو منها فان
والنوع لا يفني أخيراً فهو ... * لا يفني كذلك أولاً ببيان
وتعاقب الآنات أمر ثابت ... * في الذهن وهو كذاك في الأعيان
---------------------------------------------
الشرح
هذا رد لتلك الشبهة التي بنى عليها الأشعري وموافقوه الفرق بين الدوام في جانب الأزل وبين الدوام في جانب المستقبل، وملخص الدفع أن هذه التفرقة مغالطة وتلبيس لا يروح إلا على السذج البسطاء من الجهلة وأنصاف العلماء، إذ لم يقل أحد من العقلاء الذين ذهبوا إلى دوام فاعلية الرب تعالى وتسلسل أفعاله ماضياً ومستقبلاً أن شيئاً من أعيان المخلوقات وأفرداها قديم، لا ذهنا ولا خارجاً، بل قالوا أن كل فرد منها فهو مسبوق بفرد قبله إلى غير بداية يمكن أن يحصرها العد والحساب، مع قولهم بأن كل فرد منها حادث. ونظير هذا قولهم أن كل فرد فهو ملحوق بفرد آخر يجيء بعده بلا نهاية، كذلك فالآحاد كلها لها ابتداء وانتهاء، سواء في ذلك السابق منها واللاحق، وأما النوع فهو مستمر أزلاً وأبداً بلا ابتداء ولا انتهاء. وقس ذلك على آنات الزمان، وهي أجزاؤه، فإنها تتعاقب في الوجود شيئاً بعد شيء لا إلى نهاية مع امتدادها كذلك في جانب الأزل بلا بداية، فليست تبتدىء من آن هو أول الآنات. ولا تنتهي إلى آن هو آخرها، مع أن كل آن منها له بداية وانتهاء، لأنه واقع بين آنين، فكل آن منها يبتدىء من نهاية الآن الذي قبله بابتداء الذي بعده ومع ذلك فجمله الآنات لا أول لها ولا آخر لا في الذهن ولا في الخارج. فكل فرد من أفراد المخلوقات حادث موجود بعد أن لم يكن.
وأما النوع الذي هو من لوازم الكمال لأنه وصفه تعالى فلا مبتدأ له ولا منتهى، بل لم يزل الله فعالاً لما يريد، لأنه لا يمكن أن يكون في وقت من الأوقات فاقداً لشيء من الكمال.)) )) )
أفيدونا بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الأبيات من نونية الإمام ابن القيم المسماة الكافية الشافية، والإمام ابن القيم لا يطلق عليه لقب ابن زفيل، فإن ذلك لا يعرف عنه، وإنما نبزه بذلك بعض المخالفين له، ولقد بحث الشيخ بكرأبو زيد في كتابه: ابن القيم حياته وآثاره وموارده، أصل هذه التسمية، فقال بعد أن بسط البحث: إذن فالمتحصل بعد هذا التبسيط أن هذا النبذ (ابن زفيل) لا حقيقة له فيما أعلم. اهـ.
ثم إن هذه المسألة التي تسأل عنها هي من المسائل الدقيقة التي لا ينبغي أن يشتغل بها عوام المسلمين وهي ليست من أسياسات الدين، كما يدعي أصحاب ذلك المنتدى الذي ذكرها، وإنما تكلم فيها شيخ الإسلام ابن تيمية ليبين بطلان مذهب الفلاسفة وضعف أدلة المتكلمين حول إثبات الصانع وحدوث العالم، وهي مباحث عويصة، قال عنها شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية: إنها من محارات العقول، أي من المسائل التي تحير العقول بل إنه قال عن بعض مسائلها إنها من الكلام المذموم.
هذا، وإن مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية بل مذهب أهل السنة والحديث هو القول بجواز حوادث لا أول لها، وليس في ذلك موافقة للفلاسفة الذي يقولون بقدم العالم، فإن شيخ الإسلام قد قرر في مناسبات عديدة أن ما سوى الله محدث مخلوق كائن بعد أن لم يكن، وأن كل قول يخالف ذلك هو قول باطل، وهو إنما يقرر ذلك ليبين أن مذهب السلف مخالف لما قد يتوهمه بعض المتكلمين من أن القول بحدوث العالم لا يتم ولا يصح إلا بأن يقال إن الله سبحانه كان معطلا عن الفعل ثم فعل، وإلا لزم القول بقدم العالم كما يقول الفلاسفة، وهذا الظن من المتكلمين ظاهر البطلان.
ولا ريب أن المسألة بتفصيلاتها ولوازمها دقيقة المنزع وعرة المسالك، بعيدة الغور، إلا أننا نذكر خلاصة ما يجب على المسلم لاسيما طالب العلم معرفته في هذا الشأن، وهو هذه الأمور:
1- ... أن الله تعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء.
2- ... أن الله تعالى متصف بصفات الكمال أزلا وأبدا، ومنها كونه خالقا لما يشاء متى شاء، فعال لما يريد، فلم يأت عليه زمن كان معطلا فيه عن الخلق أو الكلام أو غير ذلك من صفات كماله ونعوت جلاله.
3- ... أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق له مربوب كائن بعد أن لم يكن. وبعد هذا إن تمكن طالب العلم من فهم كلام شيخ الإسلام وأدلته التي رد بها على الفلاسفة الدهرية وعلى المتكلمين واستطاع أن يميز بين النوع والآحاد ويبين حكم الواحد وحكم المجموع فقد انكشف له أصل المسألة وإن لم يفهمه فلا يضره الوقوف بالساحل، وإنما الضير في التخبط بلا هدى.
هذا، وإنك تجد هذه المسألة بتفصيلاتها، وتجد بيان شيخ الإسلام للمذهب الذي تؤيده النصوص في كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة للدكتور عبد الرحمن المحمود.
هذا، وإننا ننصحك بعدم التردد على المنتديات التي لا تعظم منهج السلف ولم يصف نبعها، فإن الخطأ في مسائل الاعتقاد مردٍ، وصاحبه على شفا هلكة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(1/272)
التعرف على الله من خلال آياته الكونية والشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أسافر كثيراً وسئلت عن ماهية الله؟ فماذا أقول كأفضل إجابة. ثانياً: لماذا تزوج الرسول من كل هؤلاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أفضل ما يقال في الحديث عن الله والتعريف به هو ما عرف به نفسه في القرآن وعرفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث.
فقد عرف سبحانه وتعالى نفسه من خلال آيات قدرته في الكون وبديع صنعه وجميل إنعامه وتكريمه لخلقه، فتأمل ذلك في سورة الرعد والنحل والأنعام والفرقان والحديد والملك بتدبر وإمعان ومطالعة للموضوع في كتب التفسير، ويمكنك الاطلاع على هذا إن لم تكن حافظا بواسطة البحث في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم عن كلمة (الله الذي) أو كلمة (وهو الذي) .
وأما الحديث عن ماهية الله والتفكر في ذلك، فإنه من الغيب الذي لا يمكن التقول فيه بغير علم ولا الاطلاع على حقيقته بتفرس ولا حدس، وقد حثنا الشرع على التفكر في آيات الله، وعدم التفكر في الله نفسه كما في الحديث: تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله. رواه أبو نعيم وحسنه الألباني.
فاحرص على ربط الناس بربهم عن طريق التذكير بنعمته وآياته وبين لهم فضل الرسول عن طريق التذكير بنعمة رسالته وكريم شمائله وأخلاقه ومعجزاته.
وأما حكمة تعدد زوجاته فهي متعددة، وراجع فيها الفتاوى التالية أرقامها: 12207، 13991، 1570.
ومقالا من مقالات الشبكة عنوانه: شبهات حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(1/273)
القول الحق في الاستثناء في الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما دليل الأشاعرة على وجوب الاستثناء في الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن أبي العز وشيخ الإسلام أن من حجة من يوجب الاستثناء في الإيمان، أن الإيمان هو ما مات الإنسان عليه والإنسان إنما يكون عند الله مؤمناً أو كافراً باعتبار الوفاة وما سبق في علم الله أنه يكون عليه، وما قبل ذلك لا عبرة به قالوا: والإيمان الذي يعقبه الكفر فيموت صاحبه كافراً ليس بإيمان كالصلاة التي أفسدها صاحبها قبل الكمال والصيام الذي يفطر صاحبه قبل الغروب وهذا مأخذ كثير من الكلابية وغيرهم. انتهى.
ومن المعروف أن الكلابية من فرق الأشاعرة، وأن المذهب الصحيح في المسألة الذي عليه جمهور السلف هو القول بالجواز، وقد بسط القول في مسألة الاستثناء في الإيمان، وبين خلاف العلماء فيها شيخ الإسلام وابن أبي العز في شرح الطحاوية، والغزالي في الإحياء، والخلال في السنة، وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة، وابن منده في الإيمان فراجع كتبهم في الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(1/274)
جواز السؤال عن الله تعالى على وجه التعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السؤال عن ذات الله في حال الجهل وليس بسبب الشك , الرجاء إرفاق الأدلة وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج على المسلم الجاهل أن يسأل سؤال متعلم عن الله تعالى، والطريقة المثلى أن يسأل عن تفسير الآيات والأحاديث التي تتحدث عن الله تعالى، ويحفظ تلك النصوص، وأن يؤمن بجميع ما ثبت ذكره في الوحيين، كما فهمه الصحابة الذين نزل عليهم القرآن، وأن لا يتكلف التعرف على حقيقة ذات الله ولا صفاته لأن ذلك مما لا يستطيع البشر أن يحيطوا بعلمه.
ومما يدل لجواز السؤال عن الله تعالى رغبة في الاستفادة ما رواه ابن أبي حاتم والطبري في تفسيريهما أن أعرابيا قال يا رسول الله: أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ {البقرة: 136} .
وجه الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الأعرابي الجاهل سؤاله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1426(1/275)
الاستقامة على منهج الله بعد تصحيح الإيمان فريضة وضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تلخيص خطوات الحياة في هذه الحياة الدنيا للإنسان المسلم، وشكرا لكم جزيل الشكر ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أول خطوة يخطوها المسلم في هذه الحياة هي تصحيح الإيمان وتقويته.. ثم معرفة ما أمره الله تعالى به فيأتي منه ما استطاع، وما نهاه عنه فيجتنبه، ثم يستقيم على ذلك. فقد روى مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله؛ قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك؟ قال: قل آمنت بالله ثم استقم. وقال صلى الله عليه وسلم: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم. رواه مسلم.
والاستقامة على منهج الله تعالى بعد تصحيح الإيمان فريضة على كل مسلم كما رأينا، ولكنها مع ذلك ضرورة من ضرورات الحياة للمسلم، وخاصة في هذا العصر الذي تشعبت فيه الآراء وتفرقت السبل وكثرت البدع وأعجب كل ذي رأي برأيه.
وهي كذلك مصدر قوة وسر نجاح لمن تمسك بها وسار على نهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، فيعمل لدينه كأنه يموت غدا، ويعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 44404.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(1/276)
إشهار الإسلام إجراء توثيقي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت بنتا نصرانية والحمد لله ربنا أنعم علي بالإسلام منذ فترة، وأنا الآن أريد أن أشهر إسلامي، ولكن لا أعلم ما هي الخطوات، مع العلم بأن شيخاً في الأزهر قال لي إنه لا يجوز قانونياً أن أشهر إسلامي قبل أن أتم 21 سنة، فهل هذا صحيح، وما هو السن الذي يجوز فيه الإشهار، وأرجو الرد سريعاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتقبل منك، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، فإن المرء إذا هُدي إلى دين الحق فقد فاز الفوز العظيم، قال الله تعالى: فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ {الأنعام:125} ، وقال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33} ، وقال تعالى: مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ {الحج:78} .
وإذا شرح الله صدر المرء للإسلام ثم مات على ذلك فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ولا يضره أشهر إسلامه أم لا، لأن الإشهار ما هو إلا توثيق للأمر وليس هو ذات الإسلام، فالدخول في الإسلام يتم بالنطق بالشهادتين مع التصديق القلبي به وعمل الجوارح بمقتضى ذلك، كما بيناه في الفتوى رقم: 23416، مع مراجعة ما أحيل عليه من فتاوى ضمنها.
فإذا تيسر الإشهار في الوقت الحاضر، فلا داعي للانتظار، ففي الإشهار توثيق وتأكيد وحماية للمرء من الفتن التي قد تعرض له، وإذا لم يتيسر ذلك فلا مانع من التأجيل للمصلحة مع الحرص على القيام بأركان الإسلام وواجباته، وليس في الإسلام سن معين لإشهار الإسلام، فقد أسلم سيدنا علي بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين، وعرف عنه ذلك في وقته، أما بالنسبة لتحديد القانون إشهار الإسلام بسن معين فلا علم لنا به، ويُرجع في هذا إلى المتخصصين من أهل القانون، علماً بأن المعلوم عن الجهات الحكومية في القطر الذي تعيشين فيه أنها تقوم بحماية من أعلن إسلامه، وراجعي الفتوى رقم: 16789.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1425(1/277)
العقيدة والإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما العلاقة بين العقيدة والإيمان وهل بازدياد العقيدة يزداد الإيمان؟ وكيف تفسر قولهم العقيدة ثابتة والإيمان يزيد وينقص وقولهم أن الإيمان يزيد وينقص دخل من ضمن مفهوم العقيدة؟ وعرف لنا العقيدة لغة واصطلاحا؟ ومتى نشأ هذا المفهوم أي العقيدة؟ وبارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عبارة: العقيدة ثابتة، والإيمان يزيد وينقص. لا نعلمها ثابتة عن أحد من الأئمة الذين دونوا عقائد السلف. ولكن ثبت عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: الإيمان مركب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصاً يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة، فالناس فيه ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق. اهـ. ويقصد شيخ الإسلام أن الإيمان مثل عبارة اشتملت على أركان وواجبات ومستحبات. وهذه الأركان متى تركت لم تصح العبادة، وأما الواجبات فإن تاركها عمداً ياثم، وأما المستحبات فإن فاعلها تكمل عبادته ولا يأثم بتركها. وكذلك الإيمان ـ كما سبق ذكره ـ ومن ثم فإن الناس متفاوتون في الإيمان، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات بإذن الله. فالمؤمنون يتفاوتون في إيمانهم تفاوتاً عظيماً، ولم يكمل إيمان واحد منهم إلا إيمان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأكملهم إيماناً نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا التفاوت الحاصل بحسب ما في قلوبهم من قوة اليقين في الله والتصديق به وحبه ورجائه وخشيته والتوكل عليه والتسليم لحكمه والرضا بقضائه وقدره ونحو ذلك، وبحسب قيامهم بما أوجب الله عليهم من الأعمال الصالحة، وابتعادهم عما حرم الله من الأعمال، وانظر معنى " العقيدة" في الفتوى رقم: 2246. ولمزيد فائدة في الموضوع: انظر أهمية العقيدة في الفتوى: 45809. وانظر تعريف الإيمان عند أهل السنة في الفتوى رقم: 12517، وانظر سبل تقوية الإيمان في الفتوى رقم: 10894. وانظر مظاهر ضعف الإيمان في الفتويين: 43418، 43278.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1425(1/278)
الأدلة متظاهرة على وجود الخالق جل وعلا
[السُّؤَالُ]
ـ[زرت في أثناء ألعيد صديقاَ لي ودار حديث بيننا عن سؤال طُرح عليه وكلانا لم نعرف الإجابة عنه وهو:
يدعي أحد ألرجال أنه الدليل على عدم وجود ألله سبحانة وتعالى أنه: إن كان موجوداَ هل يستطيع أن يخلق من هو أقوى منه أو صخرة لا يستطيع حملها؟
وللأسف لم نستطع الإجابة عليه. فبالإجابة بنعم حينها نقضنا صفة القوة منة والعياذ باللة وإن قلنا كلا فقد كفرنا لأن الله على كل شيء قدير.
أرجو الرد بسرعة.
... ... ... ... ... ... ... ... ... وشكراَ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجيب على سؤالك في الفتوى رقم: 44982
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1425(1/279)
لا تعارض بين قوة المؤمن وبين تذلله وخضوعه لله
[السُّؤَالُ]
ـ[دار حوار بيني وصديق أخبرته بضرورة أن يلتزم الإنسان بالخشوع والتذلل إلى الله في الصلاة فلم يوافق وأخبرنى أن الله يحب المؤمن القوي - أجبته بضرورة التذلل لله الخالق المتعالي مالك الملك فلم يوافق على االرأي؟ أرجو الإفادة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل يحب المؤمن القوي بلا شك، ويحب من عبده الخضوع والتذلل أيضاً، وكلا الأمرين حق ولا تعارض بينهما، بل إن مقتضى كونه مؤمناً قوياً أنه أكثر تذللا وخضوعاً لله تعالى، قال النووي في شرحه على مسلم: والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة. انتهى.
ويكفي هنا أن نذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً وأسوة، فقد وصفه الله تعالى في القرآن الكريم بالعبودية في مواضع من أشرف المقامات، ففي مقام الإسراء قال تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ليلاً (الاسراء: من الآية1) ، وفي مقام الوحي قال: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (لنجم:10) ، وفي مقام الدعاء قال تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (الجن:19) ، وفي مقام التحدي قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ (البقرة: من الآية23) ، والعبودية هي كمال الذل والخضوع مع كمال المحبة والتعظيم، فهي مبنية على هذين الأمرين، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس وأقواهم إيماناً، وهذا الأمر لا يجادل فيه إلا أحد رجلين، إما جاهل، وإما مكابر، وقد أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين، وذكر من صفاتهم قوله سبحانه.. قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (المؤمنون:2) ، وروى أبو داود والنسائي عن مطرف عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأكزيز المرجل. وتراجع لمزيد من الفائدة الفتاوى: 23481 / 24093 / 25324 / 2649.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(1/280)
لا يدخل الإسلام بالنطق بالشهادتين بغير تصديق قلبي
[السُّؤَالُ]
ـ[وشكراً لجميع العاملين في هذه الشبكة الغراء، هل يجوز لفتاة بوذية أن تعلن إسلامها وتنطق بالشهادتين قبل أن تؤمن بالإسلام 100% من داخل قلبها، وهل يجوز الزواج منها بهذه الحالة؟ وشكراً جزيلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكافر لا يدخل في الإسلام إلا إذا صدق به ونطق بالشهادتين، أما مجرد النطق بالشهادتين دون التصديق بالقلب فلا يدخل به في الإسلام، وعليه فإذا علمت أن هذه المرأة نطقت بالشهادتين لأجل الزواج بها دون أن تصدق بقلبها فلا يحل لك نكاحها، لأنها لا تزال كافرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار..... رواه البخاري.
وأما إذا لم تعلم صدقها من عدمه ونطقت بالشهادتين، فالأصل تصديقها وإجراء أحكام الإسلام عليها ومن ذلك النكاح، وقد جاء في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله، قلت: كان متعوذاً، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
الله وأعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1424(1/281)
الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي علامات ضعف الإيمان 0وعذرا فلقد سالت هذا السؤال من قبل ولكني نسيت رقمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن علامات ضعف الإيمان كثيرة، وجماعها ترك بعض الطاعات أو فعل بعض المنكرات، لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد بينا ذلك بالتفصيل في الفتاوى التالية أرقامها: 40757 / 10800 / 33780 / 34687 / 31874.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1424(1/282)
الله مع عباده بعلمه وإحاطته لا بذاته
[السُّؤَالُ]
ـ[ (وهو معكم أينما كنتم) ... سورة الحديد
(وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العزيز) .....سورة الأحقاف
تدل الآيتان على وجود الله عز وجل في كل مكان ولكن يختلف الناس على طبيعة هذا الوجود فبعض العلماء يرى وجود الله بذاته في كل مكان والبعض الآخر يرى أن الله موجود في السماء ولكن وجوده في كل مكان يكون بعلمه وسمعه وبصره.
فنرجو منكم توضيح الأمر أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن يعتقد أن الله في كل مكان بذاته فإنه ليس من العلماء، بل هذا من أعظم الجهل لأنه كفر والعياذ بالله، لأن من لوازمه حلول الله في الأنجاس والأقذار، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
أما من يقول إن الله في كل مكان بعلمه وسلطانه ونحو ذلك، فإن هذا هو الاعتقاد الحق، وهو معنى الأدلة التي وردت في المعية، مثل قوله تعالى: وهو معكم أينما كنتم، أما قوله تعالى: وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله فمعناها وهو المعبود في السماء والمعبود في الأرض، لأن الإله هو المعبود.
وراجع أيضاً الفتوى رقم:
6707
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1424(1/283)
آثار الإيمان في حياة المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أثر الإيمان في حياة الإنسان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن للإيمان في حياة المسلم آثاراً كبيرة منها:
أنه يحيا حياة سعادة مطمئنة، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النحل:97) .
ومنها زيادة الهداية والتوفيق من الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى: ويزيد الله الذين اهتدوا هدى [مريم:76] .
ومنها التمكين في الأرض والاستخلاف وانتشار الأمن، قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (النور: من الآية55) .
ومنها أن الإيمان أعظم باعث على الرغبة والرهبة، وكلما ازداد إيمان العبد ازداد من الأعمال الصالحة طمعاً في رضا الله عز وجل، وازداد بعداً عن الذنوب خوفاً من عقاب الله عز وجل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزلة. رواه الترمذي.
ومنها أن الإيمان سبب للأمن في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (الأنعام:82) .
وقال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (طه:112) .
ومنها أن الإيمان هو مصدر الثبات أمام الفتن، كما قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ (إبراهيم:27) .
وقال تعالى: وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (الأحزاب:22) .
ومنها أن الإيمان يجعل صاحبه طاهراً لا ينجس أبداً، قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن لا ينجس. رواه الشيخان، بعكس الكافر فإنه نجس، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (التوبة: من الآية28) .
ومن آثار الإيمان أيضاً أن المؤمن معصوم الدم والمال والعرض، إلى غير ذلك من آثار الإيمان في حياة المسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1424(1/284)
السر في عدم ذكر القرآن عن لوط أنه دعا قومه إلى التوحيد
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الأعراف يقول الله على لسان الأنبياء هود وصالح ونوح مخاطبا قومهم اعبدوا ربكم إلا على لسان لوط لم يذكر قوله اعبدوا نفس الأمر يجري في سورة هود إلا على لسان لوط لم يذكر فما هو السر"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ينبغي أولاً أن يعلم أن لوطًا كغيره من الرسل عليهم السلام، جاءوا أقوامهم بالتوحيد ودعوهم إليه، كما نص الله تعالى على ذلك مجملاً في القرآن: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [النحل:36] ، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] .
فإذا علمت هذه الحقيقة انحل الإشكال في القضية من حيث العموم، لكن يبقى لماذا لم يذكر القرآن الكريم عن لوط عليه السلام أنه دعا قومه إلى التوحيد على وجه الخصوص كما فعل مع باقي إخوانه من الرسل عليهم السلام؟
نقول: لعل السر في ذلك هو بشاعة ما كان عليه قوم لوطٍ من العصيان، ومخالفتهم للطبع والشرع، حيث ابتدعوا ذنوبًا لم يُسْبَقوا إليها، كان أشدها إتيانهم الرجال، وقد أشار القرآن صراحة إلى استنكار لوط لذلك بقوله: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [الأعراف:80، 81] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1424(1/285)
لا يتصور وجود إله مخلوق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الله قادر على خلق إله آخر أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن هذا السؤال خطأ من أصله، فالله تعالى "على كل شيء قدير" " ليس كمثله شيء" " لا يسأل عما يفعل" ولا يفعل إلا الحكمة جل وعلا.
وهو أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد.
وكيف يتصور العاقل وجود إلهين؟
واعلم أنا لو تصورنا -جدلا- وجود إلهين، فإنهما لن يكونا إلا متقارنين في القدرة، أو على مستوى واحد، وكلا الاحتمالين باطل، ذلك لأنهما إذا كانا متفاوتين في القدرة، فإن الأقوى منهما سيكون هو الإله وحده، والآخر تابع له، فليس إلها إذاً. وإن كانا على مستوى واحد في القدرة، وأراد أحدهما خلق شيء ولم يرده الآخر، وقع المحال، إذ لا يتصور أن يكون الشيء موجودا وغير موجود في آن واحد.
قال تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ [الأنبياء:22] .
وقال: قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً *سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً [الإسراء:42-43] .
وقال: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ...... أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.... أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ... أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ... أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [النمل: 60-64] .
فتبين -إذاً- من جميع ما ذكر أن وجود إلهين مستحيل عقلا ونقلا، كما أنه لا يتصور أن يكون إله مخلوقا موجودا بعد أن لم يكن شيئا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1424(1/286)
مشاعل الإيمان لرجل غير مسلم حيران
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل غير مسلم ميسور الحال جامعي إيماني بالله ضعيف جداً أشعر بفراغ روحي قاتل قرأت في كثير من الكتب الدينية لم أقتنع بها أرجو المساعدة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يهديك إلى الإسلام، وأن يشرح صدرك له، واعلم أن الله لا يقبل من عباده إلا الإسلام، قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] .
ومن أقام على يهوديته أو نصرانيته بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر خالد في جهنم أبد الآبدين.
وأما إثبات وجود الله تعالى، وأنه متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص، فقد جاءت الشرائع كلها بإثباته، وهذا ما تسلم به كل العقول الصحيحة السليمة، ولا ينكر ذلك إلا مختل العقل، لأن المصنوع لا بد له من صانع، فلو سألت عاقلاً عن سيارة مركبة من حديد ومحركات وعجلات، وغير ذلك من الأمور الدقيقة هل صنعت وركبت بلا صانع لسخر منك، وكل ما حولك من أرض وسماء وأشجار وأنهار وبحار ومخلوقات أدلة على وجود الله سبحانه، وانظر الفتاوى التالية: 22279، 12986، 22055.
ومن أحسن ما ندلك على سماعه وقراءته شريط إنه الحق -شريط فيديو- لفضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني، وكتاب الإيمان، وكتاب التوحيد للشيخ الزنداني حفظه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1424(1/287)
أثر الإيمان بوجه الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نؤمن بأن لله وجها لا يشبه المخلوقين ما هو أثر الإيمان بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن أثر الإيمان بوجه الله تعالى:
أولاً: الاستعاذة بوجهه سبحانه، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى جابر بن عبد الله أنه لما نزلت هذه الآية: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام: 65] . قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك.
ثانياً: إجابة من سألك بوجه الله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بوجه الله فأعطوه. صحيح سنن أبي داود.
ثالثاً: الطمع في رؤية وجه الله، عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيرًا خيرًا لي. إلى أن قال: وأسألك لذة النظر إلى وجهك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(1/288)
واجبات من شرح الله صدره للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الشروط الواجبة في المسلم الجديد الداخل في الإسلام = بالأحرى امرأة وليس رجلاً = ... ؟؟ ولكم جزيل الشكر ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يحكم بدخول المرء في الإسلام ما لم ينطق بالشهادتين؛ إلا إذا كان به مانع كالخرس ونحوه، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى التالية أرقامها:
17454
20638
11403.
والواجب على كل من دخل في الإسلام -رجلاً كان أو امرأة- أن يلتزم أحكام الإسلام فيجب عليه فعل الفرائض كالصلاة والصيام والزكاة والحج والحجاب بالنسبة للمرأة، ويجب عليه الامتناع عن فعل المحرمات كالربا والزنا والسرقة والقتل ونحوها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الممتحنة:12] .
ومما يعين من أسلم حديثاً على أمر دينه التزام جماعة المسلمين، والحرص على صحبة الصالحين منهم، والإقبال على الله تعالى بكثرة التعبد، ولا ننسى أن نهنئ أختنا المسلمة على دخولها في دين الإسلام الذي لا يرتضي الله لعباده غيره، كما أننا نسأل الله لها الثبات والتوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1423(1/289)
لا يصح الإسلام دون النطق مع القدرة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[- هناك بعض المواقع على الإنترنت تقوم بعملية تلقين الشهادة والدخول في الإسلام عن طريق الإنترنت فهل هذا يجوز وهل يعد الشخص مسلماً؟ بعض الناس يقولون إن تم كتابته فلا يجوز ولا يعتبر الشخص مسلماً لأن هذا من قبيل الخبر وليس من قبيل الاعتقاد، فما رأي فضيلتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النطق بالشهادتين لا يصح إسلام المرء بدونه، إلا إذا عجز عن ذلك لعذر كالأخرس، وذلك لما ورد في كثير من الأحاديث مما يدل على وجوب النطق بهما، ومنها ما رواه البخاري عن معاذ بن جبل أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.... الحديث.
وكذا رواه النسائي والدارمي. وفي رواية مسلم: فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.... وكذا رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن أبي شيبة.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم: واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذي يُحكم بأنه من أهل القبلة، ولا يُخلد في النار، لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقاداً جازماً خالياً من الشكوك، ونطق مع ذلك بالشهادتين، فإن اقتصر على أحدهما لم يكن من أهل القبلة أصلاً، بل يُخلد في النار، إلا أن يعجز عن النطق لخلل في لسانه أو لعدم التمكن منه لمعاجلة المنية أو لغير ذلك، فإنه يكون مؤمناً
فعلى من يدعون الكفار إلى الإسلام عبر الإنترنت أن يطلبوا منهم مع كتابة الشهادتين النطق بهما، لأنه لا يصح الإسلام مع القدرة على النطق بدون النطق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1423(1/290)
وجوب معرفة أصول الإيمان مع أدلتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو شرح الأصول الثلاثة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
الأصول الثلاثة هي معرفة العبد ربه سبحانه وتعالى ومعرفة دينه، ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، ولمَّا يُلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم ذكر الحديث إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربُّك؟ فيقول ربيَّ الله، فيقولان له: وما دينك؟ فيقول دينيَ الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله" وفي رواية: "هو عبد الله ورسوله، جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به واتبعناه" [رواه البخاري] وللأصول الثلاثة شرح مطبوع للشيخ محمد بن عبد الوهاب.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/291)
سبل دعوة من لا يقر بوجود الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مع حوار مع أحد أقربائي أنصحه بأن يصلي وأن يبتعد عن ذنوبه ومعاصيه، فقال لي سأخبرك بشيء أول مرة أخبر به أحدا، أنا أصلاً غير مقتنع بالصلاة، وأيضاً أقول في نفسي لا يوجد شي اسمه الـ ... ثم توقف عن الكلام فلم يستطيع نطقها وكان يقصد (الله) والعياذ بالله.
وأخبرني بأن هذه الأفكار تزيد في نفسه شيئا فشيئا. أنا صدمت من كلامه ولم أستطع الرد عليه بكلمة، حيث إنه في السابق كان لديه بعض التقصير في الصلاة وبعض المنكرات، وليس إلى هذه الدرجة.
طلبي منكم بأن ترشدوني كيف أستطيع أن أبعد عنه هذه الأفكار وأقنعه بوجود الله وبالصلاة.
وهل بكلامه هذا قد خرج عن الملة؟
أرجوكم أن تساعدوني فوضعه لا يحتمل، ولا أستطيع أن أراه وقد وصل إلى هذا الوضع وأسكت عن نصحه، لكن ليس لدي الخبرة بالرد عليه، فأرجوكم أرجوكم أن تساعدوني.
وأثابكم الله الفردوس وصحبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجنبا وإياك مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يثبت قلوبنا على دينه، فمن شك في وجود الله تعالى أو جحده كفر وخرج من الملة والعياذ بالله، ومثل هذا لا يستغرب منه أن لا يقتنع بالصلاة ولا غيرها من شعائر الدين، فإن الشيء من معدنه لا يستغرب، ولا يصح أن يدعى إلى الصلاة مع شكه في الله، فإنه لابد من معرفة الله وتوحيده أولا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم.. متفق عليه.
فعليك أخي الكريم أن تركز مع قريبك على معرفة الله وتوحيده أولا، ودع عنك أمر الصلاة حتى يغلب على ظنك أن قريبك هذا أصبح مؤمنا بالله تعالى.
ومسألة وجود الله تعالى هي أثبت الحقائق وأظهرها.
وليس يصح في الأذهان شيء * إذا احتاج النهار إلى دليل
وكيف يشك العاقل في وجود خالقه، وكل هذا الكون بنظامه ودقته من دلائل وجوده، بل الإنسان نفسه بما فيه من عجائب الخلق وإتقانه أحد هذه الشواهد، كما قال تعالى: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {الذاريات:21} .
ثم إنه من المعلوم عقلا أن كل مخلوق لا بد له من خالق، لامتناع أن يكون هو خلق نفسه، أو أنه وجد دون موجد. ولهذا قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ {الطور:35-36} فكيف بخلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة، قال تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ {غافر: 57} ولذلك قالت الرسل لأممهم: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {إبراهيم: 10} وقد سبقت لنا عدة فتاوى عن الأدلة المتلوة والمرئية على وجود الله جل جلاله، منها الفتاوى التالية أرقامها: 22279، 35673، 52377، 63790، 75468، 33504.
فراجع هذه الفتاوى وخذ منها ما يناسب قريبك، فإن هو آمن بالله تعالى، فأعلمه أن الله تعالى الذي أوجدنا من العدم، وأسبغ علينا النعم، له فينا أمر ونهي، كما قال تعالى: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {الأعراف: 54} قال البغوي: له الخلق لأنه خلقهم، وله الأمر، يأمر في خلقه بما يشاء اهـ.
ومن أعظم أمر الله وشرعه: الصلاة، التي هي عماد الدين وأول ما يسأل عنها العبد يوم القيامة. ومن قال: إن الصلاة ليست مهمة استهزاءا بها، فهذا كافرا كفرا مخرجا من الملة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 46813. وقد سبق أيضا بيان عقوبة تارك الصلاة في الدنيا والآخرة في الفتوى رقم: 6061.
فاجتهد أخي الكريم في إنقاذ قريبك من الهلاك، فإنه إن مات شاكَّا في الله كان من المخلدين في النار، وعليك أن تتحلى بالصبر والحلم والأناة والدعوة إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، لعل الله أن يهديه على يديك، ويمكنك الاستعانة بغيرك ممن تظن أنه يؤثر فيه ويقبل منه، وليس عليك إلا البلاغ والتلطف بالنصح والتوجيه والإرشاد والتعليم، ولا تنس أن تلح على الله في الدعاء له بالهداية، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1430(1/292)
أظهر حقائق الوجود وأثبتها وأصحها: وجود الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص متعلم مصل تربيت في بيئة إسلامية ولكن تلازمني أسئلة ليس لها إجابات عندي. والله إنني لست شخصا أعرف الحق وأنكره بل لا أحس بأي تصديق لأدلة وجود الخالق -هل الله موجود؟ هل الشيطان خدعة نفسية أم ماذا؟ ما هو الدليل أن هذا القرآن معجز -أنا لا ألمس الإعجاز -قصائد محمود درويش أيضا أراها بنفس الجمال اللغوي؟ يقولون لم يتغير مند 1400 سنة. وما أدراني أنا -أحس أن قصص الإعجاز العلمي مجرد تلفيق وتقويل للألفاظ أكبر من معناها -عندما تسأل شخصا عن وجود الله يطلب منك أن تتأمل وتستنتج. وأن تنظر إلى الشجر والكون؟ أريد دليلا قاطعا -؟ تناقض كبير أعلم ذلك لكن الواقع هو ما قلت لك - لا أستطيع أن أثبت أن الله غير موجود. ولا أقول الناس مخطئون وأنا على صواب والعكس صحيح. أعيش في مكان كل من حولي يقول الله حق حتى الشيطان واليهود والناس أغلبهم يقولون الله موجود، هذا يجعلني أشعر أنه ربما أكون مخطئا لكن ماذا أفعل؟ وعقلي وقلبي يقول لا بلغات أهل الأرض جميعا. سؤالي كيف يمكن أن أعالج هذا التناقض والإلحاد؟ لا أعلم لماذا أشعر دائما أني أريد أن أقتنع من داخلي أن الله موجود عن يقين تام وأستغرب كثيرا عندما أرى من هم يعتقدون أنه موجود. إني أحسدكم مسيحين أو مسلمين على اليقين الذي عندكم بوجود رب تمنيت كثير لو أكون كذلك. أعيش تعاسة حقيقية، ولا أستطيع الاقتناع بأدلة وجود الله -يقولون اطرد الشيطان واقرأ القران -كيف ذلك وأنا أعاني في هذا الشك هل هناك مواقع أو معلومات عقلية بحتة لا عاطفية. بالأمس كنت أقرأ كتاب الله القرآن الكريم ... لكني وجدت نفسي أشك في الكلام المكتوب فيه ما الدليل أنه كلام الله؟ أرجوكم أريد حلا لمشكلتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكفل الله تعالى بالحياة الطيبة للمؤمن العامل للصالحات فقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97}
وأما من أعرض عن ذلك فليس له إلا المعيشة الضنك، كما قال سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى * أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى {طه:128،127،126،125،124}
فما يذكره السائل عن نفسه من التعاسة الحقيقية التي يعيشها، هي النتيجة الحتمية لهذا الشك المستنكر في أظهر حقائق الوجود وأثبتها وأصحها: وجود الله تعالى، هذه الحقيقة التي لا يستطيع إنكارها أو حتى الشك فيها عاقل منصف، ولهذا لما قال الكفرة لرسلهم: إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ. اكتفى الرسل بقولهم: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {إبراهيم: 10} .
قال السعدي: {وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} أي: موقع في الريبة، وقد كذبوا في ذلك وظلموا. ولهذا {قَالَتْ} لهم {رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} أي: فإنه أظهر الأشياء وأجلاها، فمن شك في الله {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} الذي وجود الأشياء مستند إلى وجوده، لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات، حتى الأمور المحسوسة، ولهذا خاطبتهم الرسل خطاب من لا يشك فيه ولا يصلح الريب فيه. انتهى.
فالشك في هذه الحقيقة الناطقة التي تدركها الفطرة، وتدل عليها آيات الله المبثوثة في ظاهر الكون المتجلية في صفحاته، يبدو مستنكراً قبيحاً. وقد استنكر الرسل هذا الشك، والسماوات والأرض شاهدان.
وطلب السائل لما يسميه بأدلة قاطعة بعيدا عن النظر والتأمل في الكون، ما هو في حقيقته إلا رفض للإيمان بالغيب؛ فإن الله تعالى لا يُرى في الدنيا، ويكفينا النظر في آياته المرئية في الكون، وآياته المتلوة من الوحي، لكي نوقن لا بوجوده فحسب، بل باتصافه بكل صفات الكمال، وتنزهه عن كل صفات النقص، سبحانه وبحمده.
ونكتفي هنا بآية واحدة من كتاب الله، تكفي مريد الحق لرفع الشك والريب، فهذا جُبَير بن مُطْعِمٍ كان كافرا، فسمع النبي صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَقْرَأُ سورة الطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ. قَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ. رواه البخاري.
فكان سماعه لهذا الآيات الكريمات سبباً في إسلامه وهدايته، وكاد قلبه أن يطير من حسن هذا البيان وروعته، وفصاحته وبلاغته، ومن وضوح الحجة وسطوع الحق، فإن معناها: أم خلقوا من غير خالق، وذلك لا يجوز؛ فلا بد لهم من خالق، وإذا أنكروا الخالق فهم الخالقون لأنفسهم، وذلك في الفساد والبطلان أشد؛ لأن ما لا وجود له كيف يخلق؟! وإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا، ثم قال: (أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) أي إن جاز لهم أن يدعوا خلق أنفسهم فليدعوا خلق السماوات والأرض، وذلك لا يمكنهم، فقامت الحجة، ثم قال: (بَلْ لَا يُوقِنُونَ) فذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان، وهو عدم اليقين.
وعلى أية حال فقد سبق لنا بيان الأدلة المتلوة والمرئية على وجود الله جل جلاله، والرد على الشاك في وجوده، في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 103949، 75468، 48913، 22055، 22279، 100160.
وكذلك الشك في القرآن إنما سببه ضعف اليقين والبصيرة، فلا يمكن أن يقرأ القرآن منصف بقلب حاضر وتدبر لمعانيه وإلا ويسجد قلبه إعظاما لهذا الكلام وقائله، ويقينا بأنه لا يمكن أن يكون من كلام المخلوقين، كما قال تعالى: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ {يونس:37}
وتكفيك مطالعة ما يعرف الآن بإعجاز القرآن لتقف على اليقين أنه كلام رب العالمين، فمن العجب أن يقول عاقل ذو لسان عربي: قصائد محمود درويش أراها بنفس الجمال اللغوي!!! فهذا أعظم البهتان، ونحيل السائل، على ما سبق أن ذكرناه في مسألة حقيقة القرآن وبيان أوجه إعجازه، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27843، 99228، 49129.
ثم ننبه السائل على أن حسده للنصارى على يقينهم، في غير محله، فما عندهم لا يصح وصفه باليقين.
وفي الختام ننصحك أيها السائل بقول صادق وقلب مشفق رحيم أن تكف فورا عن هذه الأباطيل ومخادعة النفس وتتوب إلى الله تعالى، وتنصح لنفسك وتعود إلى رشدك فإنك على خطر لعلك لا تتخيل حقيقته كما ينبغي، فأنت الآن تخسر دنياك وأخراك جملة وتفصيلا. فالله الله في نفسك قبل أن يفوت الأوان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1430(1/293)
أفي الله شك فاطر السماوات والأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أخت في الله من تونس أردت أن تفيدوني يا شيخي ليس في مسألة تخصني بل في مسالة تخص أختا لي في الله وهي صغيرة في السن عمرها 18 سنة ولقد تحدثت معي في مشكلتها لكن أرادت أن يفيدها شيخ لكي تقتنع أكثر فأردت أن تساعدوني لكي أعين الأخت على حل مشكلتها التي تتمثل في أنها متدينة من وهي في سن 12 سنة وما شاء الله صيام وقيام وقرآن لكن من سنة ونصف أصبحت تبحث وتقرأ في عديد المذاهب مثل الوجودية والشيوعية والماركسية والآن العلمانية وهي وصلت إلى مرحلة أنها تقول أنها أصبحت تفسر كل شي بالعلم لكن هناك تعارض في تفكيرها أي أنها خائفة من الله عز وجل فكيف الخوف من ذات الله والشك في وجود ذات الله. قلت لها هذه شبهات من الشيطان لقوة إيمانك أراد أن يدخل لك من هذا الباب. هي شبهات فقط. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. أنه يوحي للعبد من خلق السماء من خلق الأرض من خلق من خلق ثم يحاول يضل ويقول من خلق الله فقال لنا رسولنا إذا تأتي أفكار مثل هذه يكثر من قول لا إله إلا الله. لكن هي تريد ردا شافيا من شيخ أو عالم. أرجوكم شيخي أفتوني في المسألة بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يعرض على القلب من شك في وجود الخالق على قسمين:
الأول: أن يكون مجرد وسوسة شيطانية مع استقرار الإيمان في القلب، فالواجب في هذه الحالة دفع الوساوس والاستعاذة بالله وعدم الكلام بمقتضاها.
الثاني: أن يستقر الشك في القلب ولا يكون مجرد حديث نفس بل قد يترتب عليه مقتضاه من قول أو فعل فهذا كفر بالله تعالى. وهذا إن حصل فهو من المضحكات المبكيات إذ كيف يشك الإنسان في وجود خالقه، وكل هذا الكون بنظامه ودقته من دلائل وجوده، بل الإنسان نفسه بما فيه من عجائب الخلق وإتقانه أحد هذه الشواهد. كما قال تعالى: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {الذاريات:21}
ثم إن من المعلوم عقلا إن كل مخلوق لا بد له من خالق لامتناع أن يكون هو خلق نفسه أو أنه وجد دون موجد، ولهذا قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ {الطور:35، 36}
فكيف بخلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة. قال تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {غافر:57} .
ولذلك قالت الرسل لأممهم: أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ {إبراهيم:10}
وقد سبق لنا ذكر الدلائل القاطعة على وجود الخالق في عدة فتاوى فيمكن للسائلة الكريمة مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية 22081، 22279، 33504، 36191، 52377. وما أحيل عليه فيها من مراجع وفتاوى.
كما سبق لنا بيان معنى الوجودية ومعتقداتها وحكم الإسلام فيها في الفتوى رقم: 14526.
وكذلك الماسونية والشيوعية والعلمانية في الفتوى رقم: 5894
ويمكن لزيادة الفائدة عن الشيوعية مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5893، 5888، 35638، 97509.
وعلى كل حال فإننا ننصح الأخت بالعكوف على كتاب الله تعالى بتدبر وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بتأمل، وأن تقرأ كتب أهل السنة، وتبتعد عما سوى ذلك من أهل الزيغ والضلال والانحراف فالسلامة في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1429(1/294)
دلائل وبراهين وجود الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بخصوص تعريف ابني (4 سنوات) بالله سبحانه وتعالى، ولكن هو له أسئلة كثيرة مثل من هو الله وأين هو وكيف شكله وكيف خلقنا وكيف يرانا.... أنا أحاول أن أوضح له أن الله ليس كمثله شيء ولكن أريد أسلوبا أجيب به على أسئلته بشكل مقنع ويناسب عمره واستيعابه، نحن نعيش فى الولايات المتحدة وسوف يلتحق بالمدرسة هذا العام وأريد أن لا أترك مجالا لأي أفكار غير صحيحة أن تملأ رأسه جزاكم الله خيراً، فأفيدوني.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أن تخبري الولد أن الله موجود، وبيني له دلائل وجوده من خلال تحديثه عن الآيات الكونية وآثار صنعته في هذا الكون، فهو الذي خلقنا وأعطانا السمع والبصر، وخلق السماء والشمس والأرض والجبال وأنبت الثمار.. وبيني له أنه من المستحيل أن توجد هذه المخلوقات بغير موجد، ولا يستطيع إيجادها إلا الله تعالى، فالله إذاً موجود لكنه لا يُرَى في الدنيا، وإنما يرى في الجنة، وليس كل شيء موجود نراه بأعيننا، فالهواء لا نراه ونحن متأكدون ومعتقدون وجوده، والروح في بدن الإنسان والحيوان كذلك، واصرفي ذهنه عن التفكير في ذات الله، وحضيه على التفكير في آياته الكونية، وفي نعمه التي أسبغها علينا ظاهرة وباطنة.
ففي الحديث: تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله. أخرجه أبو الشيخ والطبراني وحسنه الألباني. وفي رواية لأبي نعيم حسنها الألباني: تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1429(1/295)
شرح أثر ابن عباس في كيفية معرفته لربه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله: ما صحة الآتي وما معناه: أن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قيل له: بماذا عرفت ربك؟ فقال: من طلب دينه بالقياس لم يزل دهره في التباس، خارجاً عن المنهاج، ظاعناً في الاعوجاج، عرفته بما عرف به نفسه، ووصفته بما وصف به نفسه. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا علم لنا بصحة الأثر المذكور عن ابن عباس رضي الله عنهما لكنه قد أورده عنه ابن تيمية في مجموع الفتاوى فقال: وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: بِمَاذَا عَرَفْت رَبَّك؟ فَقَالَ: مَنْ طَلَبَ دِينَهُ بِالْقِيَاسِ لَمْ يَزَلْ دَهْرَهُ فِي الْتِبَاسٍ خَارِجًا عَنْ الْمِنْهَاجِ ظَاعِنًا فِي الِاعْوِجَاجِ: عَرَفْته بِمَا عَرَّفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفْته بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ اهـ.
وأما عن معنى الأثر فقال رحمه الله بعد أن أورده:
فَأَخْبَرَ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْقَلْبِ حَصَلَتْ بِتَعْرِيفِ اللَّهِ وَهُوَ نُورُ الْإِيمَانِ وَأَنَّ وَصْفَ اللِّسَانِ حَصَلَ بِكَلَامِ اللَّهِ وَهُوَ نُورُ الْقُرْآنِ ... وَقَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ الكوراني: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ تَعَرَّفَ إلَيْنَا فَعَرَفْنَاهُ: يَعْنِي إنَّهُ تَعَرَّفَ بِنَفْسِهِ وَبِفَضْلِهِ.
... فَإِذَا كَانَ الْحَقُّ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَمُؤَصِّلُ كُلِّ أَصْلٍ وَمُسَبِّبُ كُلِّ سَبَبٍ وَعِلَّةٍ هُوَ الدَّلِيلُ وَالْبُرْهَانُ وَالْأَوَّلُ وَالْأَصْلُ الَّذِي يَسْتَدِلُّ بِهِ الْعَبْدُ وَيَفْزَعُ إلَيْهِ وَيَرُدُّ جَمِيعَ الْأَوَاخِرِ إلَيْهِ فِي الْعِلْمِ كَانَ ذَلِكَ سَبِيلَ الْهُدَى وَطَرِيقَهُ كَمَا أَنَّ الْأَعْمَالَ وَالْحَرَكَاتِ لَمَّا كَانَ اللَّهُ مَصْدَرَهَا وَإِلَيْهِ مَرْجِعُهَا كَانَ الْمُتَوَكِّلُ عَلَيْهِ فِي عَمَلِهِ الْقَائِلُ أَنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا.
فَجِمَاعُ الْأَمْرِ: أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْهَادِي وَهُوَ النَّصِيرُ وَكَفي بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا. وَكُلُّ عِلْمٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ هِدَايَةٍ وَكُلُّ عَمَلٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ قُوَّةٍ. فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَصْلُ كُلِّ هِدَايَةٍ وَعِلْمٍ وَأَصْلَ كُلِّ نُصْرَةٍ وَقُوَّةٍ وَلَا يَسْتَهْدِي الْعَبْدُ إلَّا إيَّاهُ وَلَا يَسْتَنْصِرُ إلَّا إيَّاهُ. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1429(1/296)
الشك في وجود الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أؤمن بوجود الله ولكن يأتيني شك بوجوده. إني أتوقع أن الله موجود ولكن أخاف أن أكون من الكافرين وأخاف من عذاب الله. فهل أن يكون في قلبي مثقال ذرة من الإيمان يكفي. اشرح لي الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن لم يؤمن بوجود الله تعالى فليس بمؤمن، وإن كان شاكا في وجوده فكذلك، لكن ما يعرض على القلب من شك في وجود الخالق على قسمين:
القسم الأول: أن يكون مجرد وساوس من الشيطان مع استقرار الإيمان في القلب، فالواجب في هذه الحالة دفع الوساوس، والاستعاذة بالله، وعدم الكلام بمقتضاها.
القسم الثاني: أن يستقر الشك في القلب، ولا يكون مجرد حديث نفس، بل يترتب عليه مقتضاه من قول أو فعل فهذا كفر بالله تعالى.
إذا ثبت هذا فإن كان حالك على ما ورد في القسم الأول فأنت مؤمن. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: "ذاك صريح الإيمان ".
وبما أنك ذكرت أنك تخاف أن تكون من الكافرين وتخاف من عذاب الله، فهذا دليل على أنك مؤمن والحمد لله.
وعلى أية حال، فإن عليك أن تبادر إلى التوبة، وكيف يشك الإنسان في وجود خالقه، وكل هذا الكون بنظامه ودقته شاهد على وجوده. بل الإنسان نفسه أكبر دليل على وجود خالقه، فهو أوجد من العدم، ومر بمراحل وأطوار متعددة في بطن أمه، ثم خرج إلى هذا العالم وعاش أطوار حياته، فتم كل ذلك وفقا لسنن كونية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، ومن هنا جاء التنبيه القرآني: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ {الذاريات:21} . هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإنه يستحيل عقلا أن يوجد شيء من تلقاء نفسه دون موجد له، ولتنظر إلى أبسط المخترعات الحديثة، الجهاز الإذاعي مثلا، هل من الممكن أن نتصور تجمع مادته بنفسها صدفة ليتكون منها هذا الجهاز البسيط؟ إذا كان هذا مستحيلا، فكيف يعقل أن نتصور وجود هذا العالم بكل هذه الدقة والنظام دون أن يكون له خالق له المنتهى في صفات الكمال؟!
ولنتدبر قول الله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ {الطور:35-36} .
وأما طلبك شرح الإيمان فنحيلك في جوابه على فتوانا رقم: 12517.
ونسأل الله أن يقوي إيمانك، ويبعد عنك كل الشكوك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1428(1/297)
الإيمان بوجود الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أؤمن بالله ولكني أحاول إقناع نفسي بوجود الله لأني لا أريد أن أتعذب يوم القيامة ولكني متوتر ولا أقدر على إقناع نفسي فأرجو المساعدة. وأنا لم أصم رمضان العام الماضي وأندم الآن لأني كنت غافلا فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وجود الله جل جلاله أمر فطري تشهد به الآيات الشرعية والآيات الكونية، ويقر به العقل السليم ولا يصح إيمان أحد ولا تقبل منه عبادة حتى يجزم بوجود الله جل جلاله، وأنه خالق الكون ومدبره، وأنه الإله الحق الذي لا يجوز أن يعبد غيره سبحانه وتعالى، ومما يوجب الاقتناع به النظر لعظيم مخلوقات الله من شمس وقمر ونجوم وكواكب، وكيفية سيرها وأبعادها وأحجامها، وكذلك النظر في الأرض وما فيها من البحار والأنهار والكائنات الحية بأنواعها وأشكالها واختلاف طبيعة عيشها، وكذلك أعضاء الإنسان وحواسه ووظائف أعضائه إلى غير ذلك مما يدل على وجود الله ووجوب توحيده تعالى. ولمعرفة المزيد عن دلائل وجود الله العقلية والنقلية راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 75468، 48913، 35673، 22279، 31281، 58942.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(1/298)
الخلق يحتاجون لمن يخلفهم لا الخالق الغني
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم فتح قلبكم لي بسؤال أجده غريبا على نفسي لأني لم أسأله لنفسي ولا فكرت فيه لإيماني بالله العظيم القوي، والسؤال هو: أنني كنت قبل أيام في العمل ولدي زميلة يهودية ولكنها لا تؤمن بوجود الله وكنت أحدثها عن الإسلام ومحاسنه عسى أن ينفتح قلبها لقولي لها، لكن من ضمن أقوالها قالت إنه كل شيء موجود لا بد له من موجد والمعنى خالق لكل شيء، فإن كان الله موجودا من أوجده وكيف وجد.... أستغفر الله من كل ذنب.. لكن قلت لها إن بالإسلام أمورا كثيرة وخطيرة وفتاوى ليس كل إنسان يعرف تفسيرها أو حكمتها، وقلت لها إنني سوف أسأل المختصين بهذا الأمر وأرد عليها عند تأكدي من الإجابة الصحيحة لكي لا أقع في الحرام،
أرجو أن لا أكون أطلت عليكم بالسؤال؟ واشكركم على هذا الجهد الكبير واسال الله ان يجعله في ميزان حسناتكم يوم القيامه ان شاء الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك على ما أنعم الله به عليك من الإيمان والسعي في هداية الناس، ونذكرك بأهمية ذلك لما في الحديث: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري.
كما نشكرك على اتصالك بنا وتقديرك لجهدنا، ونفيدك أنه ينبغي التحري في دعوة النساء ومحاولة دعوتهن من خلال النساء، لأن الكافرات يغلب عليهن التبرج وعدم التحفظ من الرجال فلا يؤمن على من يدعوهن من الفتنة بهن.
أما هذا الإشكال فهو مما يورده الشيطان على قلوب الناس ليضلهم، وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين عند ما يورده الشيطان عليهم أن يستعيذوا بالله ويقولوا: آمنا بالله ورسله، ويقرؤوا سورة الإخلاص، وأما الكافر فيتعين صرف ذلك عنه بما يفهمه من الأدلة العقلية فيبين له أن المخلوقات محتاجة لمن يخلقها نظراً لحاجتها وفقرها وأصالة العدم فيها، وأما الله تعالى فهو الغني لا يحتاج لغيره حتى يُسأل من خلقه، ثم ينبغي لفت نظر الكافر إلى آيات الله الكونية الدالة على عظمته وتوحيده، ولا ينبغي أن يجادل الكفار من ليس عنده علم بالمسألة المتكلم فيها، وراجع للبسط فيما ذكرنا الفتاوى ذات الأرقام التالية: 52377، 12986، 19691، 27834، 65021، 62995.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1428(1/299)
الله مستو على عرشه
[السُّؤَالُ]
ـ[أين الله وهل معرفة هذا المعتقد فرض وهل يترتب على عدم معرفته دخول النار والخلود فيها.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الله هو العلي الأعلى وقد استوى على عرشه، وعرشه فوق السموات السبع، والتصديق والاعتقاد لذلك بعد سماع نصوص الوحي فيه واجب، ولا يجب على كل الأمة أن يتعلموه ابتداء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معتقد أهل السنة أن الله متصف بالعلو، وأنه استوى على عرشه كما ذكر في عدة آيات من القرآن، والعرش فوق السموات السبع، والإيمان بهذا المعتقد واجب شرعي لما فيه من الإيمان بنصوص الوحي الدالة عليه.
ولا يجب على كل فرد من الأمة أن يتعلم هذا المعقتد كما قال الذهبي. ولكنه لا يجوز لمسلم أن ينكره بعد اطلاعه على النصوص الواردة فيه.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 76111، 6707، 12284.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1428(1/300)
إثبات وجود الله عن طريق الرياضيات
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت في إحدى خطب الجمعة أنه يمكن إثبات وجود الله تعالى عن طريق الرياضيات وشرح الطريقة، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان كذلك أرجو أن تعطوني الطريقة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوجود الله تعالى حقيقة واضحة، فالكون كله دال على وجوده تعالى ومن الأدلة على ذلك:
1ـ الفطرة فكل مخلوق قد فطر على الإيمان من غير سبق تفكير أو تعلم، ولا ينصرف عن مقتضى الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها لقوله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء.
2ـ العقل فهذه المخلوقات والكائنات الموجودة في هذا الكون لابد لها من موجد أوجدها ويتصرف فيها ومحال أن توجد نفسها.
3ـ الشرع فالكتب السماوية كلها ناطقة بذلك فالله تعالى قال في القرآن الكريم: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {الأعراف: من الآية54} .
4ـ الحس فهو دال على وجود الله تعالى من وجهين:
أولهما: سماع ومشاهدة إجابة الداعين وغوث المكروبين، الشيء الدال دلالة قطعية على وجوده تعالى الذي قال: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ {الأنبياء: من الآية 83-84}
الثاني: أن المعجزات المسموعة والمشاهدة والتي يجريها الله تعالى تأييدا لرسله دليل قاطع على وجود مرسلِهم وهو الله تعالى فهي أمور خارجة عن قدرة البشر.
والطريقة الرياضية التي يمكن من خلالها إثبات وجود الله تعالى لا علم لنا بها وليست من اختصاصنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1428(1/301)
الحكمة من عدم رؤية الناس لربهم في الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يظهر الله نفسه للبشر فيؤمنوا بالله وحده لا شريك له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أقام الله هذه الدنيا للابتلاء والاختبار، فقال: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2} ، وقضى سبحانه وقدر أنه لن يراه أحد في الدنيا لأنه لو حصل ذلك لآمن كل الناس وانتفت الحكمة التي من أجلها أوجد الله الناس في هذه الحياة، وبين الله تعالى أن هذه الرؤية لا تحصل في الدنيا ولكنها تحصل للمؤمنين في الآخرة، ولذلك لما طلب موسى من ربه أن يريه نفسه قال الله له: قَالَ لَن تَرَانِي {الأعراف:143} ، أي في الدنيا.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت. والسبب هو الابتلاء والامتحان في هذه الدنيا، ليؤمن بعض الخلق بالغيب ويكفر البعض الآخر، ومع أن الله عز وجل قد كلفنا الإيمان بالغيب ومنه الإيمان بوجوده سبحانه؛ إلا أنه أقام البراهين والأدلة الدالة على وجوده سبحانه، فالكون كله يشهد بوجود خالق عليم حكيم قدير، وأما في الآخرة فلما انتهت هذه الحكمة تكرم الله تعالى بمنح المؤمنين رؤيته ومنع الكافرين، فقال عن المؤمنين: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {القيامة:22-23} ، وقال عن الكافرين: كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون َ {المطففين:15} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1428(1/302)
العرب الجاهليون كانوا يعرفون الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يسمون في الجاهلية عبد الله وعبد الله وهم كانوا يعبدون الأصنام ويستمر المدعى أنهم كانوا يلبون? أنا أريد التواصل معكم في هذا المجال بتزويدي بكل ما يفيدني في رد الشبهات من علمك الغزير وأرجو أن ترسلوا الإجابات بشكل رابط على ايميلي لقراءتها من موقعكم فجهازي لا يستقبل اللغة العربية وبارك الله في جهودكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعرب في جاهليتهم كانوا يعرفون الله تعالى ويعظمونه، ويؤمنون بأنه الخالق الرازق المحيي المميت، ولكن الضلال جاءهم من كونهم يشركون معه غيره من الأصنام والأحجار والأشجار، ويعتقدون أنها تشفع لهم عند الله. قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ {الزخرف:87} . وقال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزِيزُ العَلِيمُ {الزُّخرف:9} . وقال تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ {يونس:31} . وقال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ {يونس:18} . وقال: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى {الزمر:3} .
وأخبر الله تعالى أنهم في حال الشدة ينسون معبوداتهم ويلجأون إلى الله وحده، قال سبحانه: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ {العنكبوت:65} .
فهم -إذاً- كان الكثيرون منهم موحدين توحيد الربوبية، وأما الذي يفقدونه جميعا فهو توحيد الألوهية.
فإذا تقرر هذا علمت أنه لا غرابة بعدُ في أن تجد من بين الأسماء في الجاهلية عبد الله إلى جانب الأسماء الأخرى كعبد العزى وعبد الكعبة وعبد الدار وغير ذلك ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1428(1/303)
الكافر يسبح بلسان حاله لا بلسان مقاله
[السُّؤَالُ]
ـ[سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم، السؤال هو هل الكافر يسبح لله، وإذا كان يسبح لله ما هو الدليل على هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {الحشر:1} ، وقوله تعالى: وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ {الإسراء:44} ، وقوله تعالى: وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ {الرعد:15} ، يعني أن كل شيء في هذا الكون يسبح بحمد الله تعالى ويسجد له، إلا أن ذلك يكون من الكافر كرها، ومن المؤمن طواعية، وقد استثنى الله الكافر بقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء* {الحج:18} .
وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ. الحق أن المؤمن يسجد ببدنه طوعاً، وكل مخلوق من المؤمن والكافر يسجد من حيث إنه مخلوق يسجد دلالة وحاجة إلى الصانع، وهذا كقوله: وإن من شيء إلا يسبح بحمده. وهو تسبيح دلالة لا تسبيح عبادة. انتهى.
فالكافر إذاً يسبح بلسان حاله لا بلسان مقاله، فخلقته وصنعه تدل على الخالق سبحانه وتعالى وعلى تنزيهه من كل عيب ونقص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(1/304)
الله تعالى خلق الزمان والمكان
[السُّؤَالُ]
ـ[فمع جزيل الشكر للعمل العظيم بإعتنائكم لكل ما يكتب لكم حتى ما ترونه خارجا عن اختصاصكم، فتردون بكل سماحة وتفان أن الأمر ليس من اختصاصكم ولكن أسئلتي ستأتي على أقسام، وهذا السؤال الأول مع ملاحظة أن أسئلتي كلها ليست كما تعتقدون بأنها أقرب إلى البحث الجامعي لكن احتياجي لكل المصادر المذكورة في السؤال السابق هو لعمق الأسئلة وما زلت الآن في مجموع الفتوى وكأني لم أقرأها مرتين لبعض الأجزاء وأكثر لبعض من قبل ثلاث سنين فما تجدد لي من علوم والحمد لله جعلني أعمق استيعابا لها لكن السؤال وقد تكلم حول قريب منه شيخ الإسلام في نهاية الجزء الأول من مجلد الأسماء والصفات ومع ذلك أتساءل هل الزمن مخلوق وهو حدوث الشيء بعد الشيء، وبما أن الزمن حوادث متتالية والله سبحانه ليس محلا للحوادث كذلك صفاته غير حادثة والخلق هو فعل الله وصفة من صفاته وليس هو المخلوق فما أجد هو أن وجود الله وأفعاله ليس بزمن لكن الزمن في المخلوق فصححوا لي إن كنت مخطئا؟
جزاكم الله خير الجزاء.
والله أعلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الزمان والمكان، فهو خالق الليل والنهار؛ كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {الأنبياء: 33} وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا {الفرقان: 2} وقال تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ {غافر: 62}
وقد نص على أنه تعالى خلق الزمان كثير من العلماء منهم شيخ الإسلام والغزالي وابن الجوزي وغيرهم.
هذا.. وننصح السائل أن يكثر من تلاوة القرآن وتدبره ويجعله مصدر التعرف على الله تعالى وعلى صفاته، وأن يبعد عن إيراد الشبه على عقله، وأن يؤمن بصفات الله على مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وليراجع الفتاوى التالية أرقامها: 63117، 27577، 39560، 45708، 37863.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1427(1/305)
وجود الله وأسرار قدرته
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستفسر لما وقع في حياتي أنا فتاة أبلغ من العمر 28 سنة، لا أتذكر أبي لأنه توفي وأنا صغيرة السن المهم لدي إخوة وأخوات، ولكن افترقنا في الصغر عشت أنا وأمي وأخي الصغير وجدتي في منزل قديم بعيدا عن إخوتي كنت أحس بالنقص من ناحية الملبس والأكل والنظافة والتجهيزات المنزلية اتجاه إخوتي ولم أكن أخرج كثيرا من البيت أخرج فقط للدراسة كنت متفوقة في دراستي لغاية الباكلورية، ولكن قليلا ما كنت أصلي رمضان كنت أصومه وكنت أخاف الله، لكن عندما دخلت إلى الجامعة قل اهتمامي بالدراسة وهناك تعرفت على طالبات وطلبة غير ملتزمين بالدين ليس لهم مبادئ، فهناك من لا يؤمن بالله أو لا يخاف جهنم وبعد ذلك حصلت على دبلوم ثم سافرت للخارج لأتم دراستي، لكن عند وصولي إلى هذا البلد بدأت أفكر فقط في الدين تاه عقلي في كثرة الديانات ذهبت إلى الكنيسة لم أقتنع بما يقولون وبعد ذلك بدأت أفكر هل الله موجود أم لا حتى جننت لأنه تارة عقلي يقول موجود وتارة أخرى يقول غير موجود وعندما كنت أقرأ الآيات القرآنية يتهيأ لي أنها معكوسة وكنت أحس أن شخصا يدفعني للرمي بنفسي من النافذة ولكن الحمد لله أنقدتني صديقة لي علما أنا طيبة كثيراً لا أعرف الشر أحب الناس إذا آذيت أحدا أستسمحه وأحب أمي وإخوتي وأثناء المرض بدأت أصلي وارتديت الحجاب الحمد لله شفيت الآن لكن ضاع مستقبلي لم يقبلوني في العمل بسبب مرضي بدعوى غير قادرة، أريد أن أعرف ما حصل لي هل هو غضب من الله لأني لم أكن أصلي منذ صغري، وكيف أحب الله في فأنا أحس بالذنب وأحس بقرب الآخرة ولم أعد أحب هذه الدنيا لأني أشعر مثل المحبوسة، فأنا ابتعدت عن جميع أشكال الحرام، وأشعر بصعوبة العيش في هذا الزمن الذي فيه الكثير من الحرام والفتن، فما العمل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي أنقذك مما وقعت فيه، ونهنئك على ما طرأ لك من الالتزام، ونفيدك بأنه يتعين عليك الانتباه لموضوع الصحبة، فالصاحب ساحب كما في المثل، وفي الحديث: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود.
فقد عرفت تأثرك السلبي من طالبات الجامعة الفاسدات، وعرفت الاستفادة الإيجابية التي حصلت لك من صديقتك مؤخراً، واعلمي أن العاقل المستخدم لعقله في التفكير لا يمكن أن يشك في وجود الله وهو يرى آثار قدرته وتصرفه في هذا الكون، أما رأيت تسييره للشمس من المشرق إلى المغرب كل يوم، وتقليبه الليل والنهار، وتصريفه الرياح والمد والجزر في البحار، وحيوانات تعيش في البحر مرتاحة وأخرى تهلك بمجرد ما تبقى دقائق غارقة وسطه، أما رأيت آياته في الناس في اختلاف ألوانهم ولغاتهم ومواهبهم وأحجامهم وحاجياتهم، فكم من مطعوم يُشفى به مريض ويمرض به صحيح، وكم من جو وبيئة يمرض فيها إنسان ويصح فيها آخر، هذا واعلمي أن الشك في وجود الله تعالى أو ربوبيته لخلقه أو حقه في العبادة كل ذلك كفر والعياذ بالله، والتوبة منه أن يجدد المرء الواقع فيه إسلامه، وعليه أن ينظر في المخلوقات بما يزيل عنه ذلك الشك ويقوي إيمانه.
وأما رجوعك للكنيسة فهو أمر مستغرب جداً من فتاة وصلت للدراسة العالية!! فكيف يلجأ مثقف للكنيسة وهو يرى تناقضها وعجزها عن الجواب عما يستشكل عليها من موضوع التثليث والتناقض بين الأناجيل المحرفة، وقد سبق أن بينا بعض ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8210، 10326، 30506، 48278.
وأما إضاعة الصلاة والصوم فراجعي فيما يعين على التوبة منه وعلى الدواء من المرض وإزالة ما تعانين منه من الكرب، ومشروعية السعي في العلاج مما هو مشروع في الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 77285، 25809، 39971، 48562، 9347، 53348، 70670، 41361، 64214، 49953.
وراجعي في دلائل وجود الله وتوحيده، وفي حكمة الابتلاء وما يعمل به عند نزوله الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65325، 30404، 67584، 13270، 9803، 72458.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(1/306)
بحث المسلم في الأدلة ليزداد يقينه بأنه على الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص مسلم والحمد لله سلالتي كلها مسلمة والحمد لله من أب وأم فأنا ولدت مسلما ولكني بعد ما أسمعه أن الأديان وكل ناس في ديانتها تعتقد أنها على الطريق الصحيح فأردت أن أتأكد بنفسي من هذا الأمر وبحثت عنه مما أسمعه وقرأته بين المسيحية والإسلام حيث تأكدت وآمنت حقا أنني على الطريق الصحيح فهل أنا أخطأت أم لا كما أنني فكرت في وجود الله وعدمه والعياذ بالله لكي يكون إيماني كاملا لكي أتأكد بنفسي فهل هذه الأمور أخطات فيها وأنها مختصة بالأنبياء فقط فإن أخطأت دلوني على أن أصلح خطئي علما بأني والحمد لله مؤمن جدا الآن بوجود لله وبالدين الإسلامي وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد للمسلم أن يعتقد اعتقادا جازما بأن الله تعالى موجود، وأنه لا معبود بحق إلا هو، وأن الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، وأنه هو الدين الحق الناسخ لما سواه من الأديان والمهيمن عليها، هذا هو رأس عقيدة المسلم وهو مقتضى الشهادتين، فمن اعتقد هذا ثم طمحت نفسه إلى التحقق والتأكد من كذب ما يزعم غير المسلمين من كونهم على حق.. ونحو ذلك من المقاصد التي لا محذور فيها، أو أراد أن ينظر في آيات الله تعالى الدالة على وجوده وقدرته وكمال صنعته ليزداد إيمانه ويقوى يقينه فلا حرج عليه في هذا مادام تطلعه إلى زيادة اليقين والقضاء على كل الوساوس التي قد يلقيها الشيطان في قلب المؤمن ثم يرفضها المؤمن ويصده من غير شك في وجود المولى جل جلاله، أو في صدق الرسالة المحمدية أو في كون القرآن من عند الله ولا في صدق جميع مضامينه، ويدل على هذا قول إبراهيم عليه السلام لما سأل ربه أن يريه كيف يحي الموتى: قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. ولا نعلم أن هذا خاصا بإبراهيم عليه السلام ولا بغيره من الأنبياء، وإذا تقرر هذا فإنا نقول للسائل مادام بحثك وتطلعك ليتأكد من نفسك على ماذكرت فلا نرى بأسا عليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1427(1/307)
الرد على الشاك في وجود الله سبحانه وتعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً على ما تقومون به لصالح الأمة، حكايتي مع زميل لي في الدراسة كنت قد لاحظت عدم قيامه بالصلاة فنصحته مراراً وفي كل مرة يرد السبب إلى الكسل، المهم صارحني مرة فقال لي متحدثا عن نفسه أنا لا أكاد أظلم أحداً أبداً، كما أنه ابتلاني بأشياء كثيرة لا تعلمها أنت (وفي هذه أنا معه فهو شديد الانطواء على نفسه ولا يكلم أحداً ولا يمس أحداً بسوء أو بغيبة) ، في حين أن كثيراً من المصلين تراهم يغتابون ويهرجون ولم تنفعهم صلاتهم، وما دام من صفات الإله العدل فهو حتما سيعطيني حقي وسيجزيني أحسن من أولئك الذين يصلون، فناقشته في ذلك موضحا له أن رأيه بعيد عن الصواب فكيف أترك الصلاة لا لشيء إلا لأن الآخرين لا تنهاهم صلاتهم عن المنكر فهذا رأي أقرب ما يكون إلى الغباء، وبقينا نتناقش حتى دخلنا في موضوع جديد وهنا الطامة الكبرى فقد قال لي نحن نؤمن بالله فنفترض أنه موجود فإن كان موجوداً فقد ربحنا لأنا آمنا به وإن لم يكن موجوداً فإننا لم نخسر شيئا، فقلت له هذا ليس بإيمان فالإيمان يستوجب الاعتقاد المطلق بوجود الله من دون شك، ولكنه لم يقتنع، فكيف يمكن إقناعه وهل كلامه كفر بالله، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وجود الله جل جلاله أمر فطري تشهد به الآيات الشرعية والآيات الكونية ويقر به العقل السليم، ولا يصح إيمان أحد حتى يجزم بوجود الله جل جلاله، وأنه خالق الكون ومدبره، وأنه الإله الحق الذي لا يعبد غيره سبحانه وتعالى، ويقال للشاك في ذلك:
1- كل مخلوق لا بد له من خالق، لأن المخلوق لا يمكن أن يخلق نفسه ولا أن يخلق غيره، فلا بد له إذن من خالق موجد له وهو الله جل جلاله، قال الله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ {الطور:35-36} .
2- انتظام سير السفينة والسيارة وغيرهما لا يكون إلا بمدبر لها، فهذا الكون المنظم بشمسه وقمره لا يكون إلا بمدبر له، ولا أحد يستطيع أن يقول إنه هو المدبر له، ولذلك لما ناظر نبي الله إبراهيم الخليل النمرود قال له: فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {البقرة:258} ، ويحكى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن قوماً من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية، فقال لهم: أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها وتعود بنفسها فترسي بنفسها وتفرغ وترجع كل ذلك من غير أن يدبرها أحد، فقالوا هذا محال لا يمكن أبداً، فقال لهم إذا كان هذا محالاً في سفينة فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله. وتحكى هذه الحكاية أيضاً عن غير أبي حنيفة رحمه الله.
وفي القرآن الكريم: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {فصلت:53} ، وسأل الأصمعي أعرابياً قائلاً: بم عرفت ربك؟ فأجاب بقوله: البعرة تدل على البعير، وآثار الأقدام على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير.
فمنكر وجود الله مكابر للعقل والحس والفطرة والأديان ومتبع لهواه، وقد بينا الدلائل على وجود الله في الفتوى رقم: 22279، فحاول أن تنقذ هذا الشخص مما هو فيه من الشك والحيرة، وبين له الأدلة التي ذكرنا في الجواب عسى الله أن ينفعه بك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1427(1/308)
وجود الله تعالى وجود حقيقي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل معنى أن الله موجود أننا نستشعر وجوده تعالى معنا كباقي الماديات؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإيمان بوجود الله تعالى من الإيمان بالغيب، وهو وجود حقيقي، دلت عليه آياته الكونية وآياته الشرعية، وراجع في هذا الفتوى رقم: 22279.
فإن كان مقصودك من قولك نستشعر وجوده، أي أنه وجود حقيقي فنعم، إذ إنه ليس وجوداً ذهنياً فقط بحيث لا يكون له وجود في الواقع، بل له ذات علية، متصفة بصفات الكمال.
وأما إن كان المقصود وجوداً يقتضي مخالطته لخلقه فلا، فقد دلت الأدلة على أن الله تعالى مبائن لخلقه، وقد ذكرنا مجموعة من هذه الأدلة في الفتوى رقم: 6707، وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 70958.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1427(1/309)
وجود الله معلوم بالبداهة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل وطئ على الأرض إنسان لم يعلم بوجود رب واحد وإله أحد، أم أن الله أرسل لكل البشر منذرين فعلموا وإن لم يعملوا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتطلع إلى معرفة الخالق سبحانه وتعالى أمر مركوز في فطرة كل إنسان، والعاقل المتأمل في نفسه وفي الكون من حوله يعلم حقيقة أن لهذا الكون خالقاً متصفاً بكل كمال، منزها عن كل نقص.
فهذا الكون كله بنظامه ودقته شاهد على وجود خالق، بل الإنسان نفسه من أكبر الأدلة على وجود خالقه لأن الله تعالى خلقه من العدم، ومر بمراحل وأطوار متعددة في بطن أمه حتى خرج إلى هذا العالم، ومن هنا جاء التنبيه القرآني: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {الذاريات:21} .
ومع هذا فإن الله تعالى لطفا منه بالعباد، لم يترك أمة من الأمم إلا وبعث إليها رسولاً، قال الله تعالى: إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ {الرعد:7} ، وقال تعالى: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ {فاطر:24} ، وقال تعالى: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ* قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ {الملك:8-9} .
واستثني من هذا التعميم فترات من الزمن لم تبعث فيها رسل، ولكن الله رفع التكليف عن أهلها، قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {الإسراء:15} .
فتحصل إذا، أنه لا إنسان على الأرض إلا وقد علم بوجود الله، إما عن طريق النظر في هذا الكون، وإما عن طريق الرسالات السماوية، إلا أن يكون هذا الإنسان مات في الصغر قبل بلوغ سن النظر والاستدلال، أو كان معتوها ممن لا يتعقل الأمور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1426(1/310)
بم عرفت ربك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف عرفت ربك بربك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معرفة العبد بربه وتوحيده في عبادته حتى يخضع له تمام الخضوع ويعبده حق العبادة هي مقصد الخلق، قال جل جلاله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا ليعبدون أي إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً.
وقال ابن جريج ومجاهد في تفسيرها إن معناها: إلا ليعرفون، قاله ابن كثير والقرطبي والبغوي، وهذه المعرفة إنما تحصل بالتأمل في آيات الله المتلوة والكونية بقلب يستنير بنور الوحي، ويتأمل في صفات الله وأسمائه وبديع صنعه في مخلوقاته، وتفرده بتدبير أمور خلقه مستدلا لذلك بما ثبت في الوحي، قال المناوي في الفيض: فمنزلة الله عند العبد في قلبه على قدر معرفته إياه وعلمه به وإجلاله وتعظيمه، والحياء والخوف منه وإقامة الحرمة لأمره ونهيه، والوقوف عند أحكامه بقلب سليم، ونفس مطمئنة، والتسليم له بدنا وروحاً وقلبا، ومراقبة تدبيره في أموره ولزوم ذكره والنهوض بأثقال نعمه ومننه، وترك مشيئته لمشيئته وحسن الظن به، والناس في ذلك درجات، وحظوظهم بقدر حظوظهم من هذه الأشياء، فأوفرهم حظاً منها أعظمهم درجة عنده وعكسه بعكسه.
وقد ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى: أنه قيل لابن عباس: بماذا عرفت ربك؟ فقال: من طلب دينه بالقياس لم يزل دهره في التباس، خارجاً عن المنهاج ظاعنا في الاعوجاج، عرفته بما عرَّف به نفسه، ووصفته بما وصف به نفسه، فأخبر أن معرفة القلب حصلت بتعريف الله وهو نور الإيمان، وأن وصف اللسان حصل بكلام الله وهو نور القرآن.
قال في درء تعارض العقل والنقل: وقد قيل لعلي رضي الله عنه: بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرفني نفسه، لا يشبه صورة ولا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس. وعن ابن عباس حين سأله نجدة الحروري فقال: يا ابن عباس؛ بم عرفت ربك إذ عرفته؟ فأجاب بنحو من جواب أمير المؤمنين. انتهى.
وذكر في الجواب الصحيح أنه قد نقل عن أبي سعيد الخراز أنه قيل: بماذا عرفت ربك؟ قال: بجمعه بين الأضداد، وقرأ قوله: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. قال شيخ الإسلام: أراد بذلك أنه مجتمع في حقه سبحانه ما يتضاد في حق غيره، فإن المخلوق لا يكون أولاً آخراً باطناً ظاهراً. انتهى.
ومن أحسن ما ذكروه في الاستلالال بالآيات الكونية ما أجاب به الأعرابي الأصمعي عن سؤاله له، بم عرفت ربك؟ حيث قال: البعرة تدل على البعير، وآثار الأقدام على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير.
وروى أبو نعيم في الحلية عن أحمد بن يونس قال: سئل سفيان الثوري بم عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم ونقض الهمة.
ونقل الأصبهاني في العظمة عن أحمد بن أبي الحواري رحمه الله قال: التقى حكيمان من الحكماء، فقال أحدهما لصاحبه: بم عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم ومنع الهم لما عزمت، فأزالني القدر وهممت فحال بيني وبين همي، فعلمت أن المستولي على قلبي غيري. قال: فبم عرفت الشكر؟ قال: بكشف البلوى لما رأيته مصروفاً عني موجوداً في غيري شكرته على ذلك، قال: فبم أحببت لقاءه؟ قال: بأصل التخيير وانتفاء التهمة، قال: فما أصل التخيير وانتفاء التهمة؟ قال: لما اختار لي تبارك وتعالى دين الأنبياء والملائكة أحسنت به الظن ونفيت عنه التهمة، وعلمت أن الذي اختار لي هذا لا يسيء إلي فأحببت لقاءه.. انتهى.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: وإذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل: أعرفه بآياته ومخلوقاته، ومن آياته: الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته: السماوات السبع، ومن فيهن، والأرضون السبع ومن فيهن وما بينهما، والدليل قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1426(1/311)
خروج البترول من الارض من آيات الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل استخراج البترول من باطن الأرض معجزة أم لا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعجزة قد عرفها أهل العلم بأنها أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، يجريها الله تعالى على أيدي أنبيائه تصديقا لهم وإقامة للحجة على العباد. ومن هذا التعريف يتبين لك أخي الكريم أن استخراج البترول من باطن الأرض ليس معجزة، وإنما هو آية أجراها الله تعالى دليلا على كمال قدرته. وليس إيجاد البترول بأغرب من هذه الآيات الكونية الكثيرة.
والذي خلق هذا الإنسان من عدم وصوره ونفخ فيه من روحه، وأحكم صنع هذا الكون بما فيه من عجائب قادر على إيجاد ما هو كالبترول أو أعظم من البترول، يقول جل من قائل: وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ {النحل: 8} . ويقول: لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ {الأنعام:67} . وخلق الله الملائكة والجان وهم من عجائب خلقه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في وصف أحد الملائكة: أذن لي أن أتحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام. رواه البيهقي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1426(1/312)
وجود الله تعالى والغاية من الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[وكي لا أطيل عليكم سأدخل في صلب الموضوع، بعد تفكير دام فترة السنوات الستة الأخيرة، حول لم يريدنا الله أن نعبده ولم خلقنا في الأساس (وهنا لا أتحدث عن لم خلقنا الله يعني ما دورنا في الحياة -أنا هنا أتحدث عن لم خلقنا؟ أي سبب الله من الخلق أي ما هو هدف الله في خلقنا) ، المهم توصلت في النهاية إلى الآتي:
يستحيل إثبات وجود الله إثباتاً قاطعاً، لم يذكر الله سببا وجيهاً لكي نعبده، والخلاصة هي: لا يمكنني أن أعبد الله محبة فيه ولا إيماناً قاطعاً بوجوده بل فقط، مرغمة على فعل ذلك (مخافة العقاب) ، والسؤال الآن هو: هل عبادتي على هذا النحو ستجيرني من العقاب؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله نسأل أن يشرح صدرك للإيمان وأن ينزع الشك من قلبك، أما قولك: لم خلقنا الله؟ فقد أجاب الله سبحانه في كتابه، فقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ {الذاريات:56-57} ، وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2} ، وقال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا* إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان:3} ، وقال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ {المؤمنون:116} ، ولمزيد من التفصيل راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17543، 31767، 56985.
أما قولك لا نستطيع إثبات وجود الله تعالى فخطأ ظاهر؛ لأن وجود الله ومحبته وتعظيمه مما فطر الله عليه عباده وذلك مما أجمع عليه العقلاء ولم ينكره إلا من شذ من أهل الإلحاد والشهوات عناداً وتكبراً، قال الله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {النمل:14} ، وقال تعالى: فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ {الأنعام:33} ، وقال تعالى: وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {الأنعام:27-28} ، قال ابن كثير: ظهر لهم ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صدق ما جاءتهم به الرسل في الدنيا وإن كانوا يظهرون لأتباعهم خلافه كقوله مخبراً عن موسى أنه قال لفرعون: لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر. انتهى، ولمعرفة دلائل وجود الله العقلية والنقلية، راجعي الفتوى ذات الأقام: 48913، والفتوى رقم: 35673.
واعلمي أن عبادة الله مع الشك في وجود الله مع تمكن ذلك من القلب لا تنفع فاعلها ولا تنجيه من عذاب الله، لأن تمكن الشك من القلب ينقض عقد الإسلام، لأنه ينافي قول القلب وهو الاعتقاد فيجب عليك التوبة والاستغفار، وتجديد إيمانك، وعبادة الله على بصيرة حباً في ثوابه وخوفاً من عقابه، وراجعي الفتوى رقم: 47961.
كما ننصحك بقراءة كتاب الله بتدبر وبالتأمل في آيات الله قال ابن قيم الجوزية: وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم جملة فلا يسمعها ولا يلتفت إليها، وأما مع التفاته إليها ونظره فيها فإنه لا يبقى معه شك؛ لأنها مستلزمة للصدق ولا سيما بمجموعها، فإن دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار. انتهى.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الكتب التالية: كتاب التوحيد وكتاب الإيمان لعبد المجيد الزنداني، الإيمان والحياة للقرضاوي، العقيدة في الله للأشقر، العلم يدعو إلى الإيمان لوحيد خان، وقصة الإيمان لنديم الجسر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1426(1/313)
الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تعبت من كثرة إرسال سؤالي التالي إلى العديد من الشيوخ عبر الإنترنت إلا أنه لغاية الآن لم أتلق أي رد من أي منهم لقد فقدت الأمل في شيوخنا المعاصرين فمن واجبهم الإجابة على الأسئلة حتى لو كانت هذه الأسئلة سخيفة من وجهة نظرهم فأنا فعلا بحاجة لإجابة ماسة لسؤالي التالي: ظهرت فكرة يروج لها الآن في الدول الأوروبية وهذه الفكرة تقول بأن الدراسات أثبتت ان كلمة (الله) تعني إله القمر وأن العرب قديما كانوا يعبدون الله على أنه إله القمر بل وإنهم الآن يريدون حذف كلمة الله من طبعات الأنجيل الجديدة في اللغة العربية وذهبوا إلى أكثر من ذلك في إثبات فكرتهم فمنهم من قال إن الكعبة هي قبلة المسلمين لأنه لا يزال في داخلها بقايا من الآلهة الذين كانوا يعبدون أيام الجاهلية وأن المسلمين لا يعبدون الله الذي يعبده اليهود والمسيحيين هل لكم أن توضحوا معنى كلمة (الله) في اللغة العربية من حيث المعنى وأصل الكلمة؟ كذلك أن توضحوا ماذا يوجد حاليا داخل الكعبة المشرفة؟
أتمنى عليكم الإجابة بالسرعة الممكنة ويا حبذا لو كانت الإجابة باللغة الانجليزية.
جزاكم الله كل خير.
والسلام عليكم ورحمة الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه أفكار باطلة متهاوية وافتراءات شنيعة هدفها زعزعة الإيمان عند عوام المسلمين، والطعن في عقائدهم وثوابتهم، وهيهات هيهات، قال الله تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {الصف: 8} .
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ {الأنفال: 36} .
أما كلمة (الله) فقال ابن منظور في لسان العرب: مأخوذ من أله يأله إذا تحير؛ لأن العقول تأله في عظمته ... وقيل مأخوذ من أله يأله إلى كذا أي لجأ إليه، لأنه سبحانه المفزع الذي يلجأ إليه من كل أمر. اهـ
وقال ابن تيمية: الإله ما تألهه القلوب بالمحبة والتعظيم ونحو ذلك. اهـ
وقال ابن القيم: الصحيح أن الله أصله الإله كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه. اهـ
وروى ابن جرير الطبري في تفسيره عن ابن عباس قال: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وأما ما أطلقه مشركوا العرب وغيرهم من المشركين على الآلهة الباطلة فكلمة (إله) وليس (الله) وكما تقول النصارى المسيح إله، أما إرادتهم حذف كلمة (الله) من الأناجيل فلا زال النصارى يخرجون على الناس في كل حين بطبعة جديدة فريدة ومنقحة من الإنجيل، فكلما أرادوا تحريف شيء أو زيادة شيء غيروا كتابهم المقدس!!
ولمعرفة ما يوجد داخل الكعبة المشرفة راجع الفتوى رقم: 9016
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1425(1/314)
معرفة الله لا تتم إلا بالعقل والقلب معا
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت مقولة يقولها عامة الناس إن الله عرفوه بالعقل أريد أن أعرف هذه المقولة، وهل الله عرفناه بالعقل ولا القلب وأريد الفرق بين القلب والعقل، وماذا عن هذا وعن هذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما مقولة (إن الله عرفوه بالعقل) فهي صحيحة في الجملة لأن الله كرم الإنسان بالعقل وجعله مناط التكليف، وهيأ له السبل كي يبحث في الكون بالنظر والتأمل والاستدلال، ومن المعلوم أن الإنسان يستدل على معرفة الله بالعقل والشرع، ولكن تفاصيل المعرفة وما يترتب عليها من تكاليف شرعية لا تثبت إلا بالوحي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح فقط، وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع، وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار كمسائل التوحيد والصفات ومسائل القدر والنبوات والمعاد وغير ذلك، ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط. انتهى. من درء تعارض العقل والنقل.
وقولك: عرفناه بالعقل ولا بالقلب: فمعرفة الله سبحانه تكون بالعقل والقلب معاً، فالتفكر في مخلوقات الله يكون بالعقل، ثم ينتقل من دائرة العقل إلى دائرة اليقين بالقلب، وقد قرنت الآيات القرآنية التفكر في خلق السماوات والأرض -وهذا يكون بالعقل- بالتوجه القلبي لذكر الله وعبادته، فقال الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {آل عمران:190-191} .
قال ابن القيم في الفوائد: الرب تعالى يدعو عباده في القرآن إلى معرفته عن طريقين: أحدهما: النظر في مفعولاته، والثاني: التفكر في آياته وتدبرها، فتلك آياته المشهودة، وهذه آياته المسموعة المعقولة. انتهى.
أما الفارق بين العقل والقلب: فالعقل يراد به الغريزة التي بها يعلم الإنسان، وقيل: هو نور في القلب يعرف الحسن والقبيح والحق والباطل، والقلب هو محل العلم والإرادة، قال تعالى: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ {الحج:46} .
قال ابن تيمية: إن العقل له تعلق بالدماغ والقلب معاً، حيث يكون مبدأ الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة والقصد في القلب، فالمريد لا يكون مريداً إلا بعد تصور المراد. انتهى بتصرف.
ولهذا يمكن أن يقال: إن القلب موطن الهداية، والعقل موطن الفكر، ولذا قد يوجد في الناس من فقد عقل الهداية الذي محله القلب واكتسب عقل الفكر الذي محله الدماغ والعكس، فهذا بعض ما قيل في الفرق بين العقل والقلب، وقد قيل غير ذلك، وعلى كل حالٍ فلا ينبغي أن يضيع المرء وقته ويشغل فكره في هذا لأنه لا طائل من وراء معرفة الفرق بينهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1425(1/315)
سؤال الملحد لأبي حنيفة عن الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إيفادي بنص لحادثة: عندما أتى ملحد للإمام أبي حنيفة وسأله أين الله؟. ورد عليه الإمام عندما سأله بسؤاله: عن الروح إذا كان يراها؟ فرد الملحد بعدم رؤية الروح. وقال له الإمام: إذا كنت لا تستطيع أن ترى الروح فكيف تريد أن ترى الله!؟ أرجومن حضرتكم نص الحادثة كاملة.
وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القصة لم نجدها ثابتة عن الإمام أبي حنيفة مع كثرة البحث عنها في كتب العقائد والتراجم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1425(1/316)
من الأدلة القاطعة على أن الله تعالى هو الخالق
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد من فضلكم أن تجاوبوا على سؤالي بشكل علمي ومنطقي لأن الدين فضل العقل عن القلب والعلم على الجهل.........
لماذا نقول إن الدين الاسلامي صحيح وطبعا كل الديانات وهي لم تجاوب على السؤال الذي شغل العقل البشري منذ الخليقة وهو من صانع هذا الكون وإذا كان جوابكم أنه الله فمن خلق الله إذا؟ إن سورة الإخلاص تجيب على السؤال بطريقة ذكية جدا وتخبرنا أنه لا تبحث بهذا المجال لأنك لن تجد جوابا.
إذا ما الجديد الذي أجاب عنه الإسلام هل بالحجاب أم بكيفية الصلاة؟
أطلب من حضرتكم الإجابة عنه ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأدلة على أن الله تعالى خالق الكون كثيرة جدا، ومحل هذه المسألة كتب العقيدة، لكننا نكتفي في هذا المقام بالإشارة إشارة سريعة إلى أربعة أدلة من الكون نفسه تشهد بأن الله تعالى هو الخالق، وقد أشار إليها ربنا في فاتحة سورة الأعلى، حيث قال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى {الأعلى: 1-3} .
والدليل الأول وجود الخلق، وهو يشهد بوجود خالقه، قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ {الطور: 35} . والدليل الثاني: التسوية، ومعناه أن الله تعالى خلق الخلق بإتقان بديع، وهذا يظهر مثلا في جوارحنا، فما من جارحة إلا وأتقنها الله إتقانا بديعا حتى تؤدي وظيفتها التي خلقت من أجلها على أكمل وجه. قال تعالى: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ {النمل: 88} . والدليل الثالث: التقدير، ومعناه أن الله تعالى خلق كل شيء بتقدير وحساب وترتيب بحيث يتناسب مع مكان وجوده وزمانه، وبحيث يتلاءم مع غيره من الموجودات. قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر: 49} . ومن الأدلة على ذلك الشمس تبعد عنا مسافة لو نقصت لكان من الممكن أن نحترق، ومن ذلك هذا التكامل بين النبات وسائر الحيوان، فالنبات يتنفس ثاني أكسيد الكربون ويخرج الأكسجين، وسائر الحيوان يتنفس الأكسجين ويخرج ثاني أكسيد الكربون، والدليل الرابع: دليل الهداية، ومعناه أن الله تعالى هدى كل مخلوق إلى ما يصلحه. قال تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى {طه: 50} . ومن الأدلة على ذلك المولود يولد فيهديه الله تعالى إلى التقام ثدي أمه.
أما جواب سؤال من خلق الله، فجوابه يعرف فيما ذكرناه لك آنفا من أدلة على أن الله تعالى هو الخالق، فإذا ثبت أنه سبحانه الخالق فكيف يكون مخلوقا؟! فهذا أمر محال ولا يقبله عقل أبدا، وقد نقل الحافظ ابن حجر عن الخطابي قوله: على أن قوله من خلق ربك كلام متهافت ينقض آخره أوله، لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقا، ثم لو كان السؤال متجها لاستلزم التسلسل وهو محال، وقد أثبت العقل أن المحدثات تفتقر إلى محدث، فلو كان هو مفتقرا إلى محدث لكان من المحدثات. انتهى. واعلم أن الطريق الأمثل للتخلص من هذه الوسوسة التي بدت لنا جلية من خلال طرحك للسؤال هو أن تمتثل لما جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتي يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته. وجاء في سنن أبي داود: فإذا قالوا ذلك فقولوا: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. ثم ليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ من الشيطان. والحديث حسنه الألباني. وجاء في مسند أبي يعلى عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماوات؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا كان ذلك فليقل آمنت بالله ورسله. والحديث قال فيه الشيخ حسن أسيد إسناده صحيح.
فهذا علاج نبوي كريم ناجع إن شاء الله، ونحن على يقين أنك إذا أخذت به فسيذهب ما بك من وسواس ولن يرجع إليك إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1425(1/317)
التفكر في المخلوقات يقود إلى معرفة الخالق
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب عمري 23 سنة والحمد لله أقوم بأداء الفرائض المفروضة وأقرأ القرآن ومؤمن بأن لا إله إلا الله محمد رسول الله ولكن لست متفقه في الدين بالدرجة التي أعلم بها بعض الإعجاز القرآني والأمور الدينية التي تمكنني بالتيقن التيقن الكامل بديننا مع أني عندما أشعر بهذا الشعور يقشعر بدني وأتعوذ من الشيطان وأقول إن ديننا هو الدين الصحيح
فأرجو منكم أن تقدموا لي النصائح والدلائل التي تقطع الشك باليقين وتجعلني أتمتع بديني وأتمسك به وتجعل كلمه لا إله إلا الله في قلبي عن يقين لا شك فيها
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله جل وعلا أن ينور قلبك ويشرح صدرك ويعينك على طاعته والثبات على دينه، ونقول لك: إن ما تجده من خواطر ووساوس تشكك في أصول الدين هي من الشيطان اللعين، ولكن ما دمت تكره ذلك ويقشعر من ذلك بدنك فأنت مؤمن، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: أو قد وجدتموه؟! قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان أي استعظامكم لما يخطر ببالكم والحرج من النطق به، فضلا عن اعتقاده دليل على قوة إيمانكم، لأن مجرد حدوث مثل هذه الخواطر وهو الإيمان، وعليه، فادفع هذه الخواطر ولا تسترسل معها، وقد بينا العلاج الشافي لمن أصيب بهذه الخواطر في الفتوى رقم: 19691 والفتوى رقم: 28751 فراجعهما.
ومن جملة ذلك التفكر في مخلوقات الله عز وجل الدالة على ربوبيته وقدرته وتفرده بالخلق سبحانه.
ثم التفكر في دلائل نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم فهذا القرآن بين أيدينا يتحدى جميع البشر في الإتيان بمثله ولم يحاول ذلك أحد، فضلا عن أن يأتي بمثله، فتفكر في مخلوقات الله وانظر فيها نظر المتأمل تدلك على خالقها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1425(1/318)
دور العقل في ترسيخ الإيمان بالله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد بحثا حول دور العقل في الإيمان بالله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعقل نور شرف الله تعالى به الإنسان، وميزه به عن غيره من الجماد والحيوان، وجعله مناط التكليف بشرائع الإسلام.
فبالعقل يميز الإنسان بين الخير والشر والهدى والضلالة، والصحيح والفاسد.
وبه يهتدي إلى طريق الخير والإيمان، ومع ذلك، فلا يمكن للإنسان أن يستغني بعقله مهما بلغ من الذكاء عن وحي السماء وهدي الأنبياء، ليسترشد به إلى الطريق القويم ويهتدي بنوره في مجاهيل التفكير وظلمات الجهل.
وفي ذلك يقول الله تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام: 122] .
وقد تواترت الآيات القرآنية في الحث على التفكير واستعمال العقل، ليصل الإنسان من خلال ذلك عن طريق العقل واستعمال التفكير إلى الإيمان الجازم واليقين القاطع بأن الله تعالى واحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وصفاته وأسمائه، وأن ما جاء به أنبياء الله تعالى عدل حق، وما أخبروا به صدق.
فإذا تأمل الإنسان العاقل في السياق القرآني التالي، فلا بد أن يتأمل ويستعمل فكره في نفسه وفيما حوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاء [البقرة: 21- 22]
وفي قوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ*خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ*يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ*إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ [الطارق:5- 8]
فلا تكاد تفتح صفحة من المصحف الكريم إلا ووجدت الدعوة صريحة إلى استعمال العقل، والدعوة إلى التفكير في النفس والآفاق للوصول إلى الحقيقة الكبرى وترسيخها في العقول والدعوة إليها وهي الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر.
وعليه، فدور العقل في ترسيخ الإيمان بالله تعالى دور أساسي لا غنى عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(1/319)
كيف يوقن الرسول أن من يخاطبه ويأمره هو الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
لقد توصلت بعد التفكر والقراءة إلى أمرين، وأريد المساعدة في الثالث
1- وجدت أن كل الأمور والقوانين لحد الآن تؤدي إلى وجود خالق حكيم؟
2- وجدت أن كل الأمور لحد الآن تؤدي إلى صدق محمد بأنه رسول؟
3- كيف السبيل إلى تصديق المرسل بأنه الخالق وأن علينا أن نطبق كل ما أرسله لنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجواب السؤال الثالث ينبني على النتيجة الثانية التي توصلت إليها وهي اعتقادك صدق محمد صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرك أنه مرسل من عند الله خالق هذا الكون الذي لا خالق له سواه.
قال الله تعالى آمراً محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158] .
وهذا الرسول الصادق أخبرنا أن الله افترض علينا طاعته وتصديقه في ما يخبر به عن الله تعالى، وقد يتبادر إلى ذهنك سؤال، وهو كيف يوقن المُرسَل "الرسول" أن من يخاطبه ويأمره هو الله خالق الكون؟ فجوابه: أن الله تعالى يطلع الرسول ويعطيه من الآيات ما يجعله يعتقد جازماً أن مرسله هو الله جل وعلا، قال الله تعالى عن نبيه موسى عليه الصلاة والسلام: قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى* فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى [طه:19-20] .
وقال: لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى* اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:23-24] .
وقال عن محمد صلى الله عليه وسلم: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1424(1/320)
الرد على من زعم تصرف الطبيعة في الكون
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أنتم بتوفيق الله تعالى إغاثة لهفان هذا الزمان بالعلم والإيمان وبعد:
أريد رداً شافياً كافياً على من يزعم من الملحدين بأن الطبيعة هي التي تخلق وتدبر مع ذكر أسماء لأفضل المراجع في هذا الشأن.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القول بصدفية الكون، وزعم تصرف الطبيعة في الكون، ليس وليد اليوم ولا أمس، بل هو قول قديم، أنتجته عقول الفلاسفة والزنادقة، ولذلك فإن العلماء قد عنوا بالرد عليهم قديمًا وحديثًا، بصريح المعقول وصحيح المنقول، ويمكن أن يطلع الباحث على هذه الأمور في "شرح العقيدة الطحاوية" لابن أبي العز الحنفي، و"لوامع الأنوار البهية" للسفاريني، ونحوهما من كتب العقيدة. كما يمكن الاطلاع على كتاب "الإسلام يتحدى" لوحيد الدين خان، أو كتاب "الله جل جلاله"، أو "الرسول صلى الله عليه وسلم" للأستاذ سعيد حوَّى.
قال حافظ الحكمي في المنظومة الميمية، في الوصايا والآداب العلمية، مبيِّنًا كفر من يقول بهذا القول:
ولاعتناق الطبيعات ليس لها ... مدبر فاعل ما شاء لم يضم
قامت لديهم بلا قيوم أبدعها ... مسخرات لغايات من الحكم
سموه مدحًا له العلم الجديد بل الـ ... كفر القديم ومنه القول بالقدم
تقسموه الملاحيد الطغاة على ... سهم وأكثر لا أهلاً بذي القسم
ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية: 33504، 12986، 4755.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1424(1/321)
أدلة على وجود الله تعالى وبديع خلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أحد أقاربي متزوج من مشركة وله ابنة عمرها 12 هذه الطفلة تسألني أسئلة إلحادية بدون أن تقصد يعني تريد معرفة الله سؤالي هو: أعينوني كيف أستطيع إقناعها بوجود الله وإثباته بالمنطق والعقل وليس بالقرآن لأنها لا تعلم شيئاً ولا تؤمن.. إخوتي أعينوني على إنقاذ هذه الطفلة قبل أن يخطفها تيار الإلحاد ونسأل الله لكم التوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك ولهذه الطفلة وأمها الهداية والسلامة والعافية، ولا شك أن هذه النتيجة السيئة هي من الآثار المرة للزواج من مشركة، حيث نهى الله تعالى عن ذلك في كتابه الكريم بقوله: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة:221] .
وإذا ثبت أن هذه المرأة مشركة أو ملحدة غير كتابية، فالواجب مفارقتها إن لم تؤمن بالله وحده، لقوله تعالى: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10] . وإلا حرم على الزوج البقاء معها ومعاشرتها، ولا يخفى ما في البقاء معها من خطر على دين أبنائها، كما هو واضح من السؤال.
أما كيفية إنقاذ هذه البنت من الإلحاد فيكون بلفت نظرها لعظيم مخلوقات الله من شمس وقمر ونجوم وكواكب، وكيفية سيرها وأبعادها وأحجامها، وكذلك النظر في الأرض وما فيها من البحار والأنهار والكائنات الحية بأنواعها وأشكالها، واختلاف طبيعة عيشها، وكذلك بتعريفها أعضاء الإنسان وحواسه ووظائف أعضائه، مما يدل على وجود الله تعالى، وتمكنك الاستفادة مما ورد في الفتوى رقم: 22279، والفتوى رقم: 31281.
وننبه إلى ضرورة استخدام أسلوب الترغيب والتحبيب والتشويق، وهنالك برامج حاسوب تعليمية كثيرة هادفة تنمي الإيمان، وتغرس حب الله في الأطفال، تمكنك الاستعانة بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(1/322)
هذه الأفكار هي من وضع الفلاسفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ِِِبسم الله الرحمن الرجيم
قبل أن تتحدث لأحد عن الوجود بمختلف أشكاله يجب أن تقنعه بأنه هو موجود، حيث يقول أظن -أرسطو- أنا أفكر إذاً أنا موجود. ما هي العلوم التي تختص بهذا المجال -العلوم الإسلامية-? الله الموفق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن مثل هذه الأفكار هي من وضع الفلاسفة الذين لا يستضيئون بهدي رباني ولا يستنيرون بنور الوحي، بل مبنى أفكارهم على الأوهام والخيالات. والموجود إذا كانت ذاته مدركة بأحد الحواس، فإنكاره جهل وغباء، فضلاً عن إعمال العقل وإضاعة الوقت في إثبات وجوده، ومثل هذا لا يمكن أن يكون محل نظر علماء الإسلام، إذ أنهم يثبتون ما تواتر عند الناس وجوده من البلدان والأشخاص ونحو ذلك؛ لأن العادة استحالة التواطؤ على الكذب في مثله، فالعلم الذي يحصل عن طريقه علم ضروري، يستحيل دفعه وإنكاره، فإذا أثبت علماء الإسلام مثل هذه الموجودات من هذا السبيل، فكيف يضيعون أوقاتهم في وضع قواعد ونظم أفكار، نظير قواعد وأفكار أرسطو وأمثاله من الفلاسفة: (أنا أفكر، إذن أنا موجود) .
فحاشا علماء الإسلام ثم حاشاهم من السقوط في الدرك الأسفل من الفكر. وأما إثبات وجود الله ونحو ذلك من أمور الغيب، كالملائكة والجن من أمور التي تتعلق بالإيمان، والتي جاء بها الشرع، فقد كان محل اهتمام هؤلاء العلماء، واجتهدوا في إثبات ذلك بالأدلة الشرعية والعقلية، وكتبهم خير شاهد على ذلك، ومحله كتب العقيدة.
ولمعرفة أصل الفلسفة ومصدر نشأتها تراجع الفتوى رقم: 16115.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1424(1/323)
مدى جواز قول "الله بالعين ما شفناه، بالعقل عرفناه"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة العبارة التالية: "الله بالعين ما شفناه، بالعقل عرفناه " وهي من العبارات التي يتداولها العامة في أحاديثهم، وما علة النهي عن قولها، وما الدليل في ذلك.
وجزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في هذه العبارة؛ إذ من المعلوم أنه يستدل على معرفة الله عز وجل بالعقل والشرع، لكن تفاصيل هذه المعرفة، وما يترتب عليها من تكاليف شرعية لا تثبت إلا بالوحي، والعقل الصريح لا يتعارض مع الوحي سواء في مسائل التوحيد أو غيرها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "رد تعارض العقل والنقل": ما عُلم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط، وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه، فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع، وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار، كمسائل التوحيد والصفات، ومسائل القدر والنبوات والمعاد، وغير ذلك، ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط.
أما نفي رؤية الله تعالى بالعين في الدنيا فصحيح، بخلاف الآخرة فإنها ثابتة للمؤمنين. ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وقد اتفق أئمة المسلمين على أن أحدًا من المؤمنين لا يرى الله بعينه في الدنيا، ولم يتنازعوا إلا في النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، مع أن جماهير الأئمة على أنه لم يره بعينه في الدنيا، وعلى هذا دلت الآثار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأئمة المسلمين.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 22279 والفتوى رقم: 31281
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(1/324)
القول بالمصادفة بعيد عن المعقول
[السُّؤَالُ]
ـ[وددت لو أعرف كيفية الرد على من يزعمون بأن الكون وليد الصدفة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من جملة الشبه القديمة والحديثة التي حاول ويحاول أصحابها أن يجعلوها علة لوجود الكون، القول بالمصادفة، وهذا القول ليس قولاً بعيداً عن الصواب فحسب، بل هو قول بعيد عن المعقول، يدخل صاحبه في عداد المصابين بالجنون أو الخرف، يقول وحيد الدين خان بعد أن نقل قول هؤلاء: إن أي كلام من هذا القبيل لغو مثير بكل ما تحويه هذه الكلمة من معانٍ، فإن جميع علومنا تجهل إلى يوم الناس هذا أية مصادفة أنتجت واقعاً عظيماً ذا روح عجيبة في روعة الكون.
وقال: إن الرياضيات التي تعطينا نكتة المصادفة هي نفسها التي تنفي أي إمكان رياضي في وجود الكون الحالي بفعل قانون المصادفة.
وخذا هذا المثال الذي نقله وحيد الدين خان عن العالم الأمريكي كريستي موريسون يبين فيه استحالة القول بوجود الكون صدفة، قال: لو تناولت عشرة دراهم وكتبت عليها الأعداد من واحد إلى عشرة ثم رميتها في جيبك وخلطتها جيداً ثم حاولت أن تخرج من الواحد إلى العاشر بالترتيب العددي، بحيث تلقي كل درهم في جيبك بعد تناوله مرة أخرى، فإمكان أن تتناول الدرهم المكتوب عليه واحد في المحاولة الأولى هو واحد في العشرة، وإمكان أن تخرج الدراهم: (1،2،3،4) بالترتيب من (1إلى 10) بالترتيب واحد في عشرة بلايين، وعلى ذلك فكم يستغرق بناء هذا الكون لو نشأ بالمصادفة، إن حساب ذلك بالطريقة نفسها يجعل هذا الاحتمال خيالياً يصعب حسابه فضلاً عن تصوره.
مثال آخر ذكر الدكتور/ عبد المجيد الدمرداش في مقدمة كتابه: "الله يتجلى في عصر العلم" قال: إذا كان لدينا صندوق كبير مليء بآلاف عديدة من الأحرف الأبجدية، فإن احتمال تنظيم هذه الحروف لكي تكون قصيدة مطولة من الشعر أو خطاباً من ابن إلى أبيه فإنه يكون ضئيلاً إن لم يكن مستحيلاً، وقد حسب العلماء احتمال اجتماع الذرات التي يتكون منها جزيء واحد من الأحماض الأمينية (وهي المادة الأولية التي تدخل في بناء البروتينات واللحوم) فوجدوا أن ذلك يحتاج إلى بلايين عديدة من السنين، وإلى مادة لا يتسع لها هذا الكون المترامي الأطراف، هذا لتركيب جزيء واحد على ضئالته، فما بالك بأجسام الكائنات الحية جميعاً من نبات وحيوان وما بالك بما لا يحصى من المركبات المعقدة الأخرى، وما بالك بنشأة الحياة وبملكوت السماوات والأرض، إنه يستحيل عقلاً أن يكون ذلك قد تم عن طريق المصادفة العمياء، أو الخبطة العشواء، لا بد لكل ذلك من خالق مبدع عليم خبير أحاط بكل شيء علما وقدر كل شيء ثم هدى. انتهى.
وننصح الأخ الكريم بقراءة كتاب: "للكون إله" للدمرداش وكتاب: "الله يتجلى في عصر العلم" وكتاب: "الإسلام يتحدى" وكتاب: "التوحيد" للزنداني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1424(1/325)
اسم الله ليس مكتوبا على الأيدي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اليد اليمنى مكتوب عليها اسم الله وفي القلب أيضا؟
أرجو أن تصلني الإجابة في أسرع وقت ممكن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يظهر على أيدي الناس ما ذكرت، ولا يمنع أن يوجد ذلك عند بعضهم، وقد وضع الله تعالى من الآيات الدالة على وحدانيته وربوبيته ما يغني عن تتبع ما ذكرت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1424(1/326)
أين كان ربنا تبارك وتعالى قبل الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[أين كان الله قبل الخلق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالجواب عن هذا السؤال جاء صريحاً من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وذلك في حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه قال: أين كان ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: كان في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق العرش ثم استوى عليه رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي، وصححه الترمذي في موضع، وحسنه في موضع، وحسنه الذهبي.
و (عماء) يعني: (سحاب) ، ورويت بالقصر (عمى) أي: ظلمة، أو عمىً بمعنى شأنه مُعَمَّى على خلقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(1/327)
العقل والنقل مطبقان على وجود الخالق جل وعلا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول البعض: (إن الله عرفوه بالعقل) ؟ وهل معنى هذا أن هناك من الناس من لا يعلم بوجود الله؟
وإن كان كذلك فلم يعذبهم الله لو ماتوا علي عدم علمهم بوجود الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التطلع إلى معرفة الخالق سبحانه وتعالى أمر مركوز في فطرة كل إنسان، والعاقل المتأمل في نفسه، وفي الكون من حوله يعلم حقيقة أن لهذا الكون خالقاً متصفاً بكل كمال، منزهاً عن كل نقص.
وهذه إحدى الطرق لمعرفة الله تعالى، والتي أرشدنا إليها القرآن الكريم، حيث قال جل وعلا: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت:53] .
فهذا الكون، كما قال أحد العلماء: كتاب مفتوح يقرأ فيه العالم والأمي، ولا يعني هذا أن الإنسان يمكن أن يستغني بعقله وتفكيره عن الوحي، ولكن العقل هو النور الذي يساعده للمعرفة، وبه يفهم الوحي، ولهذا جعله الإسلام مناط التكليف.
قال العلماء: إن الله تعالى إذا سلب ما وهب (العقل) أسقط ما وجب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل" رواه أحمد وأصحاب السنن.
أما الطريق الثاني لمعرفة الله تعالى، فهو النقل: وهو ما جاء في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من التفصيل في هذا الموضوع في الفتوى رقم: 22279.
والله عز وجل بفضله ومنه لا يكلف عباده ولا يلزمهم طاعته بمجرد المعرفة الفطرية، ولذلك فإن أهل الفترة الذين لم يأتهم رسول من عند الله تعالى، ومن كان في حكمهم ممن لم تصل إليهم الدعوة في هذا العصر، لا يعذبون حتى تقام عليهم الحجة، قال الله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء:15] .
وقد ورد في مسند الإمام أحمد مرفوعاً أنهم يمتحنون يوم القيامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1424(1/328)
الأدلة المتلوة والمرئية على وجود الله جل جلاله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن لي أن أتأكد من وجود الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدليل على وجود الله عز وجل أمران:
أحداهما: مقروء، والآخر: مرئي.
فأما الأول: فهو ما أنزله الله من الآيات البينات في كتابه العزيز.
قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] .
وقال تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:3] .
وقال تعالى: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا [الأنبياء:43] .
فقد شهد الباري عز وجل بوجوده، وأنه إله الكون وخالقه، وكفى بالله شهيداً، قال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53] .
وأما الأمر الثاني: فهو النظر والاعتبار والتفكر في هذا الكون الفسيح، والسير في أرجائه لأخذ العبرة منه: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [العنكبوت:20] .
وقال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53] .
وقد حث الله تعالى الخلق على تدبر هذا الكون ومعرفة أسراره ليستفيدوا من ذلك الإيمان بخالقهم سبحانه، قال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذريات:20-21] .
وقال تعالى في معرض الحديث عن الدلائل على وجود الخالق ليقر العباد بطريق الإلزام بربهم سبحانه وتعالى، فيعبدوه وحده لا شريك له.. أقول: قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ* أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور:35-37] .
فالله عز وجل يقول لهؤلاء المنكرين خالقهم: أنتم أيها البشر موجودون، وهذه حقيقة لا تنكرونها، وكذلك السموات والأرض موجودتان ولا شك في ذلك.
وقد تقرر في العقول أن الموجود لا بد له من سبب لوجوده، وهذا يدركه راعي الإبل في الصحراء فيقول: إن البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على العليم الخبير.
فكيف لو قال شخص: إن السموات والأرض أو هو نفسه قد وجد دون خالق مدبر حكيم عليم بيده مقاليد كل شيء؟!! قال تعالى: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ* قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:84-89] .
هذا.. وإذا تقرر عند العبد وجود الخالق جل وعلا استوجب ذلك التقرب إليه بالعبادة والسعي في رضا مولاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1423(1/329)
دلائل وجود الخالق، وبراهين صدق محمد عليه الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
لقد أصبح لي سنتان وأنا واقعة بين الظن واليقين في مسألة وجود الخالق وصدق محمد، وأنا الآن في مرحلة الظن فما حكم الإسلام في مسألة زواجي من رجل مسلم أهي حلال أم حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما يعرض على القلب من شك في وجود الخالق على قسمين:
القسم الأول: أن يكون مجرد وساوس من الشيطان مع استقرار الإيمان في القلب، فالواجب في هذه الحالة دفع الوساوس، والاستعاذة بالله، وعدم الكلام بمقتضاها.
القسم الثاني: أن يستقر الشك في القلب، ولا يكون مجرد حديث نفس، بل قد يترتب عليه مقتضاه من قول أو فعل فهذا كفر بالله تعالى.
إذا ثبت هذا فإن كان حالك على ما ورد في القسم الأول فيجوز لهذا الرجل الزواج منك، وإن كان على ما ذكر في القسم الثاني فلا يجوز له الزواج منك إلا إذا تبت من ذلك.
ويجب عليك التوبة، إذ كيف يشك الإنسان في وجود خالقه، وكل هذا الكون بنظامه ودقته شاهد على وجوده، بل الإنسان نفسه أكبر دليل على وجود خالقه، فهو أوجد من العدم، ومر بمراحل وأطوار متعددة في بطن أمه، ثم يخرج إلى هذا العالم ويعيش أطوار حياته، فيتم كل ذلك وفقاً لسنن كونية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، ومن هنا جاء التنبيه القرآني: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] . هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإنه يستحيل عقلاً أن يوجد شيء من تلقاء نفسه دون موجد له، ولتنظر إلى أبسط المخترعات الحديثة، المصباح الكهربائي مثلاً، هل من الممكن أن نتصور تجمع مادته بنفسها صدفة ليتكون منها هذا الجهاز البسيط!!؟ إذا كان هذا مستحيلاً، فكيف يعقل إذن أن نتصور وجود هذا العالم بكل هذه الدقة والنظام دون أن يكون له خالق له المنتهى في صفات الكمال؟!!.
ولنتدبر قول الله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36] .
هذا غيض من فيض فيما يتعلق بالأدلة على وجود الله والمقام لا يحتمل البسط فلنكتف بهذا.
أما صدق الرسالة فيتضح فيما يلي:
أولاً: ما عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة من حسن السيرة والخصال الحميدة ومكارم الأخلاق من الصدق والأمانة والوفاء بالعهد، فكيف يجرؤ أحد قد اتصف بهذه الصفات أن يكذب على رب العالمين ويزعم أنه نبيه الأمين، وهو لم يكن يكذب على الخلق فكيف يكذب على الله تعالى!!!.
ثانياً: المعجزات التي قد أيده الله تعالى بها، وقد تواترت أخبارها، وبقي القرآن المعجزة العظمى شاهداً على صدق نبوته، ولم يتجرأ أحد على الإتيان بمثله، أو معارضته، مع فصاحة أعدائه وشدة تحديه وإحراجه لهم.
ثالثاً: ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من أمور غيبية، قد وقعت في الماضي أو ستقع في المستقبل، وكان منها ما وقع طبقاً لما أخبر، كفتح القسطنطينية على أيدي المسلمين وغيرها من الأخبار.
رابعاً: انتصاره على أعدائه، وما فتح على يديه من الأمصار وما كان من فتوحات في عهد خلفائه، مما يشهد بصدق رسالته، إذ قد ثبت في الواقع المشاهَد قصم الجبابرة الكذابين وقطع دابرهم كمسيلمة الكذاب وغيره ممن ادعى النبوة.
هذا وإننا لنرجو أن تراجع السائلة نفسها، وإنا على يقين أنها فاعلة ذلك إن شاء الله، لما نستشف من سلامة فطرتها، فلتجتهد في إزالة هذه الغشاوة العابرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1423(1/330)
سؤال خاطئ لا ينبغي أن يجول في الخاطر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال لا أعرف هل هو حرام أم لا؟ ولكني أحتاج إلى إجابة حتى لو كان لا يصح السؤال ولكن أرجو في حالة وجود إجابة أن تكون مشفعة بالقرآن الكريم والسؤال هو:
"god create us ,who create god?)
لقد خلَقَنا الله فمن خلق الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخبرنا الله في كتابه عن عداء الشيطان لعباد الرحمن فقال: (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور*إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:5،6] وبين الله أن الشيطان يسعى لإغواء بني آدم بكل الوسائل والسبل، قال تعالى عن الشيطان: (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم*ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) [الأعراف:16،17] وذكر الله أن الشيطان بعد أن يوقع الناس في شباكه، وبعد أن يوقعهم في الكفر، يعلن براءته منهم ومن كفرهم، قال تعالى: (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين) [الحشر:16] وقال تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [ابراهيم:22]
وبهذا الدافع -أعني دافع العداوة- يحرص الشيطان على أن يوقع الإنسان في الكفر بقذف الشبهات الباطلة في قلبه، والشكوك التي تورثه الحيرة والتردد، ومن ذلك هذه الشبه الساقطة، وللرد عليها نقول:
أولا: يُسلِّم جميع العقلاء أن العدم لا يخلق شيئاً، ومن قال بخلاف ذلك فقد أخرج نفسه من نطاق العقلاء، وقد ناظر عالم من علماء المسلمين بعض الملاحدة الذين ينكرون وجود الرب سبحانه، ويقولون إن المخلوقات وجدت صدفة، وتواعد العالم معهم في مكان لا يصل إليه إلا بعبور نهر، فحان موعد المناظرة وتأخر العالم عن الحضور، فقالوا: إنه لم يتأخر إلا لعجزه عن المناظرة وإقامة الحجة، ثم جاء العالم متأخراً وقال لهم: لعلكم تعجبون لماذا تأخرت؟! قالوا: نعم، قال: أردت المجيء إليكم فلما وصلت إلى شاطئ النهر لم أجد قارباً يحملني إليكم، فانتظرت، وإذا بي أرى بعض الأشجار تطير من مكانها، وترتص وتجتمع على شاطئ النهر، وإذا بحبل يطير فيلتف حول تلك الأشجار، فتكوَّن من ذلك كله قارب، فركبته وجئتكم، وكان هذا هو سبب تأخري، قالوا: هذا لا يعقل، ولا يمكن أن يحدث، فقال لهم: لا تقرون بسفينة توجد صدفة، وتقولون إن السموات والأرض وما فيهن من الإتقان والإحكام وجد صدفة، فبهتوا وسكتوا.
وإذا سلمنا كما يسلم العقلاء أن لكل مخلوق خالقاً، ولكل مصنوع صانعاً، فمن هو خالق هذا الوجود؟ ومن هو خالق هذا الخلق البديع؟ من أرض وسماء وجبال وأشجار وأنهار، هل يمكن أن يكون الخالق طبيعة صماء بكماء؟! وهنا تأتي القاعدة التالية وهي:
ثانياً: (فاقد الشيء لا يعطيه) فهذه الطبيعة لا تسمع، فكيف تعطي السمع؟! ولا تبصر فيكف تعطي البصر؟! ولا تقدر فكيف تعطي القدرة؟! إلى آخر ما هنالك.
فلا بد أن يكون خالق هذا الوجود سميعاً بصيراً عليماً حكيماً قديراً، يتصف بصفات الكمال، ويتنزه عن صفات النقص والإخلال.
وإن من صفات المخلوقين (النقص والاحتياج) فكل مخلوق محتاج في وجوده إلى غيره، لأنه لا يمكن أن يوجد مخلوق خالقه العدم، لأن العدم لا يخلق شيئاً، ولا يمكن للمخلوق أن يخلق نفسه لأنه قبل خلق نفسه كان عدماً، والعدم لا يخلق شيئاً، قال تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) [الطور:35]
والخالق هو الغني فلا يحتاج في وجوده إلى غيره فهو الأول بلا ابتداء، (الذي ليس قبله شيء) وهو الآخر بلا انتهاء (الذي ليس بعده شيء) وعليه فالسؤال، أعني سؤال: (من خلق الله؟) من حيث هو لا يصح لأنه جمع بين نقيضين، بين كونه سبحانه خالقاً غنياً، غير محتاج في وجوده لأحد، وأنه خالق الحياة وأسبابها، والموت وأسبابه، وهو عامل في الأسباب، والأسباب لا تعمل فيه.
وبين كونه فقيراً محتاجاً في وجوده إلى غيره، وهذا تناقض لا يسلم به عاقل.
وسبب وجود هذه الشبهة التصور الفاسد، وتشبيه الخالق بالمخلوق، وقد أبطل الله ذلك بقوله سبحانه: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى:11] وقوله تعالى: (قل هو الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفؤ أحد)
وننبه الأخ السائل وأنفسنا والمسلمين إلى أهمية الاستعاذة بالله من الشيطان ووساوسه وكيده، وأن يلجأ المرء إلى الله بالدعاء أن يرزقه الله يقيناً يعصمه من الشبهات، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بقوله: (اللهم أعطني إيماناً ويقيناً ليس بعده كفر، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة) رواه الترمذي عن عبد الله بن عباس.
وراجع الجواب:
12300
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1422(1/331)
الكون مليء بالآيات الدالة على وحدانية الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من سكان منطقة تدعى شنني من ولاية قابس من البلاد التونسية، أفقنا في يوم من أيام الأسبوع المنقضي على حادثة لم نعهدها من قبل وهي أن دودة حرير رسمت بخيوطها على كوم من القش عبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله. فما تفسير ذلك علما وأن أكثر سكان تلك المنطقة هم ناس متدينون ويحافظون على صلة الرحم. أود أن أعرف الحكمة من هذه المعجزة والحكمة من ورود هذه الحادثة في هذه المنطقة بالذات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكون مليء بالآيات الدالة على وحدانية الله وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. {فصلت:53} . ولعل الحادثة المشار إليها هي واحدة من تلك الآيات.
وأما حدوثها في هذا المنطقة بالذات فهذا علمه عند الله جل وعلا.
ولا مانع من ظهور بعض الآيات في أوساط أناس متدينين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(1/332)
الأدلة النقلية والعقلية والحسية على تفرد الله بالألوهية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن هذا كلام الملحدين وأريد ـ لو سمحتم ـ ردا عليه: إذا كان الله هو الذى خلق هذا الكون بسمواته وأرضه، أليس من المحتمل أن هناك آلهة لها ـ هي الأخرى ـ سموات وأرض فى أكوان تخصهم؟.
فالقرآن يقرر أن التوراة كتاب الله، والإنجيل والزبور كذلك، فلماذا سمح الله بتحريف هذه الكتب؟ ولم يسمح بتحريف القرآن مع أن الكل كلامه.
ـ لماذا يتكلم الله عن نفسه فى القرآن مرة بصيغة الجمع ومرة بصيغ المفرد؟ فهل الله واحد أم جمع؟. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
- لماذا لاتصدقون أن هذا الكون خلق بمحض الصدفة؟ أو حسب نظرية ـ أن الكون نتج عن الانفجارالكوني الرهيب.
- القرآن يقرر أن المشركين والكافرين خالدين فى جهنم أبدا، مع أنهم كفروا على قدر أعمارهم60 سنة مثلا: أليس من العدل أن يعذبوا على قدر أعمارهم في الدنيا ـ وأنتم تقولون إن الله عدل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أولا: فما ذكرت من احتمال وجود آلهة أخرى غير الله ـ تعالى الله عن ذلك ـ احتمال باطل يجتمع على بيان بطلانه النقل والعقل والحس, أما النقل فإذا كنت مصدقا بالله مؤمنا به وبألوهيته ـ كما يظهر من كلامك ـ فنقول: قد أخبر الله سبحانه في القرآن الكريم أنه لا إله غيره ولا رب سواه. فقال سبحانه: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا {طه: 14} . فدلت هذه الآية على انفراده سبحانه بالألوهية.
وقال سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ {الأنعام: 102} . فدلت هذه الآية على انفراده بالألوهية والربوبية، أما دلالتها على انفراده بالألوهية فواضح صريح, وأما دلالتها على انفراده بالربوبية، فذلك قوله تعالى: خالق كل شيء. فدل ذلك على أنه المتفرد بالخلق وأنه ما من شيء إلا والله سبحانه هو الذي خلقه, وغير ذلك من الآيات كثير فكيف يصح بعد ذلك القول بأن هناك آلهة أخرى؟!. هذه دلالة النقل.
أما دلالة العقل فنقول: لو افترضنا ـ جدلا ـ وجود إلهين مثلا, فهذان الإلهان، هل يعلم أحدهما بالآخر؟ أو لا يعلم؟ إن قلت: لا يعلم، فكيف يكون إلها وهو جاهل لا يعلم؟ وهل هذا إلا تناقض؟ وإن قلنا يعلم أحدهما بالآخر، فماذا لو أراد أحدهما شيئا وأراد الآخر ضده؟ كما لو أراد أحدهما بقاء شيء وأراد الآخر فناءه, أو أراد أحدهما حياة إنسان وأراد الآخر موته, حينئذ، إما أن يتحقق مرادهما معا، وهذا مستحيل عقلا، لأنه لا يمكن أن يجتمع الضدان, وإما أن لا يقدر واحد منهما على تنفيذ مراده، وحينئذ تنتفي عنهما الربوبية، إذ لا يكون العاجز ربا ولا إلها, وإما أن ينفذ مراد أحدهما دون الآخر، فمن نفذ مراده فهو الإله القادر.
وأما الحس: فإنا لم نسمع أن هناك آلهة أخرى مع الله ولم تعرفنا هذه الآلهة بنفسها ولم تدعنا لعبادتها.
مع التنبيه على أن هذا القول الذي تقوله لم يقل به أحد!! فجميع ملل الكفر التي تؤمن بوجود الله تقر مع ذلك بوحدانيته, حتى من يدع مع الله آلهة أخرى فإنه يجعلها في مرتبة دون الله سبحانه، ولم يجعل أحد منهم إلها مساويا لله سبحانه ـ لا اليهود ولا النصارى ولا مشركو العرب ولا غيرهم.
ثانيا: أما قولك، لماذا حفظ الله القرآن وحده وترك باقي الكتب السابقة تتلاعب بها أيدي المحرفين والمبدلين؟ فنقول: هذه إرادة الله وهو سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا يسأل عما يفعل, والقرآن هو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الخالدة إلى يوم القيامة، بخلاف الرسل السابقين فلم تكن معجزاتهم في كتبهم, بل كانت معجزاتهم حسية, من إحياء الموتى بإذن الله، أو إبراء المرضى، أو انقلاب العصا حية، ونحو ذلك مما هو مشهور معلوم.
ثم ليس معنى كون الكلام من كلام الله سبحانه أن لا يقبل التحريف من البشر، فهذا التلازم غير صحيح فقد يكون القول من قول الله جل وعلا, ثم يحرفه البشر إذا شاء الله ذلك وهذا يشمل القرآن أيضا فكان من الممكن أن تمتد إليه أيدي المحرفين والمغيرين لولا تعهد الله سبحانه بحفظه, وكلنا يرى ويسمع كثيرا من أهل الكفر والضلال في زماننا هذا وغيره يسبون الله ـ سبحانه ـ سبا صريحا ويسبون رسله وكتبه, بل ويمزقون كتبه ويطئونها بأقدامهم, والله ـ عز وجل ـ يملي لهم، بل ويرزقهم ويعافيهم, فهل يقدح هذا في ألوهيته؟ سبحانه ـ حاشا لله.
ثالثا: أما قولك، لماذا يتحدث الله سبحانه عن نفسه تارة بصيغة الجمع وتارة بصيغة المفرد؟ فنقول: من له أدنى معرفة بلغة العرب يعلم أن الواحد قد يتكلم عن نفسه وقد يتكلم عنه غيره بصيغة الجمع تعظيما وتفخيما, وهذا معروف مشهور حتى في زماننا هذا.
رابعا: أما القول بأن الكون نشأ وليد الصدفة، فهذا قد بينا بطلانه ومناقضته للعقل في الفتوى رقم: 33504.
خامسا: أما قولك إن تخليد الكفار في النار مع أن كفرهم وعصيانهم كان في أمد محدود مما ينافي العدل, فإنا نقول: هذا الكلام باطل من أصله، لأن الله سبحانه لا يسأل عما يفعل وأفعاله سبحانه لا تقارن بأفعال خلقه ومن رام قياس شيء من أفعاله على أفعال خلقه فقد سلك بابا من أبواب الضلال ويوشك أن يضل كما ضل إبليس الذي عارض حكم الله بآرائه الفاسدة, ذلك أن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
ولقد حكى ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ في كتابه ـ صيد الخاطرـ أن ابن الرومي اعترض على تخليد الكفار في النار ورأى أن التأبيد مزيد من الانتقام ينكره العقل, وكان من رد ابن الجوزي عليه وعلى من قال بقوله أنهم إن كانوا لا يصدقون بصحة الخبر في ذلك فالكلام إذن في إثبات النبوة وصحة القرآن، فلا وجه لذكر الفرع مع جحد الأصل, وإن كانوا يصدقون فلا بد وأن يتكلفوا ويتمحلوا لإقامة العذر لا أن يقفوا أمام النصوص معارضين لها, وذكر ـ رحمه الله ـ بعض العلل لتخليد الكفار في النار، منها قوله: ومن الجائز أن يدوم العذاب لدوام الاعتراض وذكر المعذب بما لا يحسن، فكلما زاد عذابهم زاد كفرهم واعتراضهم فهم يعذبون لذلك, ودليل كفرهم: ويحلفون له كما يحلفون لكم.
فإذن كفرهم ما زال، ومعرفتهم به ما حصلت، والشر كامن في البواطن، وعلى ذلك يقع التعذيب: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. انتهى.
ولكن هذا الذي ذكره ابن الجوزي وإن استقام في حق بعض أهل النار فإنه لا يستقيم في حق الجميع, لأن الله سبحانه حكى عن بعضهم اعترافهم بالذنب، كمال قال سبحانه وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ {الملك: 10، 11} .
وقوله سبحانه: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ {السجدة: 12} .
وذكر غيره أن تخليد الكفار في النار إنما هو بسبب عزمهم على الكفر في الدنيا أبد الآبدين إذا كتب لهم الخلود فكان التعذيب على هذا العزم، ومعلوم أن العزم المصمم المتصل يفعل ما عزم عليه مؤاخذ به في الشريعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1430(1/333)
حكم طلب الرحمة والمغفرة من المخلوق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم طلب الرحمة أو العفو من غير الله؟ مثلا قلت لشخص ما: ارحمني أو العفو منك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في أن يطلب من المخلوق ما هو قادر عليه عادة، ويدخل في هذا الرحمة والعفو، فقد طلب الشارع من الخلق عملهما كما في الحديث: الراحموان يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وفي الحديث: ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم. رواه البخاري في الأدب وصححه الألباني.
وقال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22}
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 53995.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1430(1/334)
أول من قسم التوحيد إلى ربوبية وألوهية وأسماء وصفات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن أول من قسم التوحيد إلى أنواع ثلاثة ربوبية وألوهية وأسماء وصفات هو شيخ الإسلام ابن تيمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الدكتور بكر أبو زيد أن هذا التقسيم أشار إليه الطبري وابن منده وذكر أنه قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في كتبهما كما قرره الزبيدي في تاج العروس والشيخ الشنقيطي في الأضواء، وقد ذكر الشيخ عبد الرحيم السلمي في كتابه التوحيد بين المتكلمين وأهل السنة من قال بهذا التقسيم من السلف قبل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهذا التقسيم إنما هو مستقرأ من نصوص الكتاب والسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1429(1/335)
الطيران في الهواء هل هو أمارة على الولاية
[السُّؤَالُ]
ـ[قيل هناك يوجد ولي الله, هو يعيش ويطير فى عالم غير عالم الإنسان, هو يرانا غير أننا لا نراه, أو نراه فى بعض من الأوقات المعينة, هو ينفع ويضر للإنسان إذا أراد منه فى حاجة ما، سيأتي في حين يريد صاحبه المعونة, ومن العجيب كان هذا الولي سيختار فى الصحبة من بين ملايين الإنسان في العالم، فأ رجو من فضيلتكم تفاصيل الإجابة؟ ويسعدكم الله فى خدمة الإسلام والمسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد
فإن أمارة الولي الكاشفة له هي الإيمان والتقوى، فقد قال الله تعالى: ألا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. (يونس، 62، 63)
وأما الطيران فليس أمارة للأولياء، وإذا ظهر على يد شخص غير متمسك بالدين فهو دليل على أنه مشعوذ.. وأما دعوى أن شخصاً ما ينفع أو يضر من أراد منه حاجة ما فهذا مناقض لما يجب على المسلم اعتقاده من ربوبية الله وألوهيته تعالى، وأنه لا أحد يشاركه في التصرف في هذا الكون، ولا أحد ينفع أو يضر إلا بإذنه، فمن الشرك طلب الحاجة التي لا يمكن للمخلوق فعلها من غير الله واعتقاد أن لغيره تأثيراً، فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ* وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {يونس:106-107} .
وبهذا يعلم الأخ السائل أن ما ذكره في السؤال كذب وبهتان لا يجوز للمسلم تصديقه واعتقاده..
وراجع للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25852، 107197، 25984، 57259.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1429(1/336)
الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو ما حكم عدم الأخذ بالأسباب والتوكل على الله؟ فمثلا إذا مرض الإنسان أيهما أفضل الدعاء بدون التداوي أم الدعاء مع التداوي؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأخذ بالأسباب مشروع ولا يتنافى مع التوكل على الله تعالى، جاء في الموسوعة الفقهية: والتَّوَكُّلُ على الله وَاجِبٌ، وَلَكِنْ يَجِبُ مَعَهُ الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ. وَوَرَدَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُرْسِلُ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ. . والحديث أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
وتناول الدواء واستخدام العلاج والرقية الشرعية والدعاء لا يتنافى مع التوكل على الله تعالى والاعتماد عليه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتوكلين يتعاطى الأسباب ويستعمل الرقى ويأمر بالتداوي ويقول: يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء ... الحديث رواه الترمذي.
وعلى ذلك فإن الأفضل للمسلم أن يجمع بين الدعاء والدواء كما كما كان يفعل سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
وللمزيد من الفائدة والتفصيل انظر الفتاوى التالية أرقامها: 15012، 30645، 31887، 62685.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1429(1/337)
حكم الاستغاثة وطلب المدد من رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء هل تجوز هذه القصيدة:
يا إمام الرسل يا سندي
وحبيب الواحد الأحد
إن جرحي زاد في كبدي
جد على الولهان بالمدد
يا ابن عبد الله يا أملي
وملاذ الخائف الوجل
نظرة فالعمر في عجل
وبغوث حل لي عقدي
بك سحب الجود ماطرة
وبحار الخير زاخرة
وبك الأجواء عاطرة ...
ونجاة القلب من كمد ...
ما رأت عين وليس ترى
مثل طه في الورى بشرا
من إلى الأقصى مشى
وسرى يقظةً بالروح والجسد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الشعر يشتمل على بعض الألفاظ التي تحوي عبارات الاستغاثة وطلب المدد من الرسول صلى الله عليه وسلم ودعائه، والاستغاثة والدعاء وطلب المدد منه صلى الله عليه وسلم محرم شرعا، لما في الحديث: إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله. رواه الطبراني وصححه الألباني
وقال الله تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ {يونس:106} وقال تعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ {فاطر:13}
وعليه، فلا يجوز الدعاء بهذه القصيدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1429(1/338)
أعظم الواجبات في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أعظم واجب علينا كمسلمين؟ أو بعبارة أخرى، ما أعظم واجب في الاسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أعظم واجب على المسلمين تحقيق توحيد الله تعالى وكمال الخضوع والعبودية له، فيجب على المسلم السعي في تحقيق ذلك في نفسه وأهله وأمته.
ولا بد لتحقيق ذلك من تعلم العلم الشرعي حتى يعرف العباد ربهم بأسمائه وصفاته، ويتعرفوا على أوامر الله تعالى وأحكامه، فيبعبدوه عبادة موافقة للشرع ويدعو إلى معرفته وتوحيده وطاعته, ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: يا معاذ: أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ...
وقال الشيخ حافظ الحكمي في منظومته في العقيدة:
أول واجب على العبيد معرفة الرحمن بالتوحيد إذ هو من كل الأوامر أعظم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1429(1/339)
الاستعانة بشخص فيما يمكن أن يساعد فيه عادة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قصدت أحدا ليقضي لي حاجة هل يعتبر ذلك خرقا لحديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي يقول: وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله. ومتى يخرق هذا الحديث إن كانت الإجابة لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاستعانة بشخص من الناس فيما يمكن أن يساعد فيه عادة لا حرج فيها، وإنما الممنوع شرعاً الاستعانة بما لا يقدر عليه الناس في العادة، مع العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في عدم سؤال الناس، وراجع للاطلاع على الأدلة وكلام أهل العلم في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 36008، 25984، 22722، 53995، 9845، 39228، 57031، 76374، 1519، 20195.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1428(1/340)
لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال في العقيدة:
يروي بعض المشايخ أن ابن عمر أصابه بأس فقيل له اذكر من تحب فقال يا محمد فشفي. يقولون إن هذا أورده ابن القيم في كتاب الكلم الطيب وأن (أظن البخاري) أورده وأن الألباني صححه. كيف يتوافق هذا مع تحريم الاستغاثة بالنبي (هم يقولون إنهم لا يعتقدون بالنفع من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن النفع من الله. هم يقولون إن الاستغاثة حللها كثير من العلماء في عصر التابعين.
السؤال بصيغة أخرى: هل التوسل (للمعتقد بأن النافع والضار هو الله فقط) حرام بحد ذاته أم هو محرم من باب سد الذرائع لأن الناس قد تمادوا فيه في العصور الأخيرة. فالدليل السابق ذكره يوحي لي بأنه محرم من باب سد الذرائع فقط.
عذرا على الإطالة مع التنويه بأني لست متخصصا ولكن لفت انتباهي بعض أدلة مشايخ الصوفية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم محرمة شرعا، لما في الحديث: إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله.
وفي الحديث: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. رواه الترمذي. ولا نعلم أن أحدا من التابعين أحل الاستغاثة، وإنما أباح بعض العلماء التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وراجع في تفصيل القول في شأنه وفي شأن الاستغاثة والفرق بينهما، وفي سبب تحريم التوسل بالنسبة لمن حرموه، وفي تضعيف الألباني لأثر ابن عمر الفتاوى التالية أرقامها: 14616، 6900، 39386، 14616، 36008، 31448، 76164، 67918، 58306، 52015. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1427(1/341)
الدين واحد لا أديان شتى
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة حكمة الله عز وجل في نزول عدة أديان وخاتمها الدين الإسلامي مع أن جميع الديانات تدعو لتوحيد الله , لماذا لم ينزل فقط الدين الإسلامي.
جزاكم الله عنا خير جزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 39118، 39852، 49073، 813.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1427(1/342)
موقف المسلم من المغالاة في الصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي الكرام، أنا اسمي لمات سيد مالك موريتاني، لكن معجب بكم وعليه أود دائما أن أوجه لكم استفساراتي، سؤالي هو هناك بعض من الأشخاص يغالي في الصالحين ما هو موقفكم من ذلك؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمغالاة في الصالحين لها مظاهر مختلفة، منها دعاؤهم وتخليد ذكرى وفاتهم والتبرك بقبورهم واتخاذها مساجد وتصويرهم ونحو ذلك من الوثنيات الجاهلية ... وإن الشرع الحنيف قد سد كل ذريعة إلى الوثنية الجاهلية، وأغلق كل باب يؤدي إلى عبادة غير الله. ويجب على المسلمين سد تلك الأبواب، حماية لعقيدة التوحيد، وصيانة لهم من الوقوع في مهاوي الضلال. روى البخاري ومسلم أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله. ولهما عن عائشة قالت: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها فقال -وهو كذلك-: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك. وروى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وروى أبو داود في سننه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا.
فهذه النصوص –وغيرها كثير- تحث على البعد عن الغلو في الصالحين الذي قد يؤدي إلى عبادتهم كما حصل لقوم نوح.
وقد تبين لك من هذه الفتوى موقفنا ممن يفعل ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(1/343)
أهل لا إله إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ من هم أهل لا إله إلا الله الحق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جميع من قال لا إله إلا الله عارفاً لمعناها موقناً به معتقدا له عاملاً بمقتضاه، يعتبرمن أهل لا إله إلا الله، وراجع الفتوى رقم: 5398، والفتوى رقم: 5098.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1426(1/344)
تهافت الزعم بتعدد الآلهة
[السُّؤَالُ]
ـ[وقعت لي شبهة حول المجوس والرد على قولهم إن خالق الخير غير خالق الشر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن المجوسية في الفتوى رقم: 38828، فليرجع إليها، أما قولهم إنه يوجد إلهان اثنان أحدهما إله للخير والآخر للشر، وأن بينهما صراعا دائما- فقول باطل مخالف لبداهة العقول، وليس له أساس من الصحة. ولو فرض تعدد الآلهة -كما يزعمون- لترتب على ذلك اختلال نظام الكون حيث سينفرد كل واحد منهم بما خلق، وذلك لاختلاف صفات الإلهين من علم وحكمة وإرادة وقدرة مطلقة، ومن نظر إلى نظام الكون البديع وجده منتظم الصنعة، بديع النظام، صادرا عن إله واحد لا إله إلا هو العلي الكبير. قال الله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {الأنبياء:22} . قال القرطبي: والمعنى لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها. وقال غيره: أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير لأن أحدهما إن أراد شيئا والآخر ضده كان أحدهما عاجزا. وقيل معنى (لفسدتا) : أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بالاختلاف الواقع بين الشركاء. وقال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ {المؤمنون:91} . قال ابن كثير: أي لو قدر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم بما خلق فما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق كل من العالم العلوي والسفلي، مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ {الملك: 3} . ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه فيعلو بعضهم على بعض. اهـ.
فكل ما ذكرنا ينافي كمال الرب، ومن المعلوم أن الرب لابد أن يكون منزهاً عن كل نقص، موصوفا بكل كمال. ووحدانية الخالق سبحانه معلومة بالأدلة القاطعة العقلية والنقلية وبداهة العقول، ومن يقول بتعدد الآلهة فلا تقبل منه دعواه حتى يأتي بدليل صحيح يرجح العدد الذي يدعيه، وأنَّى له ذلك. وراجع الفتوى رقم: 2855.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1426(1/345)
ركنا التوحيد
[السُّؤَالُ]
ـ[كم أركان التوحيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلمة التوحيد لها ركنان: النفي والإثبات. نفي الألوهية عن غير الله تعالى وإثباتها لله، فهي كفر بالطاغوت وإيمان بالله. قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى {البقرة: 256} . وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ {النحل: 36} . وقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا {النساء: 36} . وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ {الرعد: 36} . فدلت الآيات على أن حقيقة التوحيد تتحقق بإثبات العبادة لله وحده ونفيها عما سواه. قال ابن القيم: وطريقة القرآن في مثل هذا أن يقرن النفي بالإثبات، فينفي عبادة ما سوى الله ويثبت عبادته، وهذا هو حقيقة التوحيد، والنفي المحض ليس بتوحيد، وكذلك الإثبات بدون النفي، فلا يكون التوحيد إلا متضمنا للنفي والإثبات. اهـ.
ولمعرفة شروط التوحيد راجع الفتوى رقم: 5398 ولمعرفة نواقضه راجع الفتوى رقم: 7386.
وإن كنت تعني بالتوحيد الإيمان فأركانه ستة كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الطويل، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1425(1/346)
الاستعانة بالحي فيما يقدر عليه مشروعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت في تفسير كتاب كشف الشبهات للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن الاستغاثة نوعان:
الاستغاثة بالأحياء وهي جائزة لا حرج فيها وقد استدل الشارح -صالح بن فوزان الفوزان- بالآية (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) القصص 15، وبالحديث تعاونوا على البر والتقوى ... والاستغاثة بالأموات وهي شرك.
وليس هذا موضع سؤالي والحمد لله، وإلى هذا الحد ليس لي إشكال حتى وقعت على تفسير لمعاني التوحيد للشيخ أسامة القوصي حيث لم يقل خلاف ذلك ولكن قال من تمام التوحيد أن لا تطلب الاستغاثة والاستغاثة إلا بالله واستدل بالآية التي في سورة يوسف (أذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين) وقال في التفسير لبضع سنين أنه عليه السلام مكث 7 سنوات لأنه طلب الاستعانة من غير الله، فالرجاء أن تفيدوني بتوضيح الربط بين الآيتين والمعنيين العظيمين لأني أرجو الله أن نكون من الذين يدخلون الجنة بدون حساب والعذاب وهم الذين توفرت فيهم أعلى معاني التوحيد؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اتفق الفقهاء على جواز الاستغاثة برسول الله وبكل مخلوق حال حياته فيما يقدر عليه، واحتجوا بقوله تعالى: وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ {الأنفال:72} ، وقوله تعالى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّ هِ {القصص:15} ، وقوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى {المائدة:2] ، وفي حديث أويس القرني: فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فقال له عمر فاستغفر لي فاستغفر له. رواه مسلم عن أسيد بن جابر عن عمر بن الخطاب، وثبت بالتواتر أن الصحابة كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء في الأمور الدنيوية والأخروية.
وقال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا {النساء:64} ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والمخلوق يطلب من هذه الأمور ما يقدر عليه منها. انتهى.
وفي موسوعة الفقه الكويتية: اتفق الفقهاء على أن الاستغاثة لدفع شر أو جلب نفع مما يملكه المخلوق، تجوز بالمخلوقين مطلقاً فيستغاث بالمسلم والكافر والبر والفاجر. انتهى.
وكذلك قالت اللجنة الدائمة: الاستعانة بالحي والحاضر فيما يقدر عليه جائزة كمن استعان بشخص فطلب منه أن يقرضه نقوداً أو استعان به في يده أو جاهه عند سلطان لجلب حق أو دفع ضر. انتهى.
فتبين من هذه النقولات جواز الاستعانة بالمخلوقين الأحياء فيما يقدرون عليه، وأنه لا ينافي كمال التوحيد وقد ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمر السابق وفعله يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم وقد شهد الله له أنه من عباده المخلصين والمخلص لا يكون مخلصاً مع توكله على غير الله، قال الله تعالى: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {يوسف:24} ، فلا يليق بمكانة الأنبياء وتعظيمهم وتوقيرهم أن نقول إن ما فعلوه ينافي تمام التوحيد، فمن كَامِل التوحيد إذن؟!!
وقال شيخ الإسلام في معرض كلامه عن هذا الموضوع: قالوا الأولى أن يتوكل على الله، ولا يقول اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فلما نسي أن يتوكل على ربه جوزي بلبثه في السجن بضع سنين، فيقال: ليس في قوله " اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ" ما يناقض التوكل، بل قد قال يوسف: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ. كما أن قول أبيه: لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ. لم يناقض توكله، بل قال: وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ. وقوله: اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ. مثل قوله لربه: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ.
فلم يكن في قوله: اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ترك لواجب ولا فعل لمحرم حتى يعاقبه الله على ذلك بلبثه في السجن بضع سنين، وكان القوم قد عزموا على حبسه إلى حين قبل هذا ظلماً له مع علمهم ببراءته من الذنب، قال تعالى: ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ {يوسف:35} ، ولبثه في السجن كان كرامة من الله في حقه ليتم بذلك صبره وتقواه، فإنه بالصبر والتقوى نال ما نال، ولهذا قال: إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90} ، فتبين مما سبق أنما فعله يوسف عليه السلام لا ينافي كمال الإيمان، وأن لبثه في السجن ليس عقوبة، بل كان كرامة وزيادة ثواب وأجر عند الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1425(1/347)
اليقين شرط في قبول كلمة التوحيد
[السُّؤَالُ]
ـ[الأخوة الأفاضل سمعت مؤخرا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه أنه يبشر بدخول الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ومن دون شك فكيف يمكن التوفيق بين هذا الحديث ووحديث آخر بأن الشك محض الإيمان…؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة)
ففي هذا الحديث أن اليقين شرط في صحة الإيمان، وشرط في قبول كلمة التوحيد، وهذا الشرط مذكور في قوله تعالى " إنما المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) (الحجرات: من الآية 15)
وليس هناك أي حديث فيه أن الشك محض الإيمان، وإنما الوارد في ذلك هو أن الوسواس الشيطاني الذي يكرهه الإنسان ويجاهده دليل على أن ذلك من صريح الإيمان، والمراد بصريح الإيمان مجاهدة المرء لذلك دفعه له،
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: أو قد وجدتموه؟ قالوا نعم، قال ذلك صريح الإيمان، وراجع الفتوى رقم: 5098 والفتوى رقم: 187
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1425(1/348)
الاستغاثة المشروعة والممنوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الاستغاثة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاستغاثة هي طلب الغوث عند حصول كرب ونحوه وهي على قسمين القسم الأول: استغاثة مشروعة وهي على نوعين:
النوع الاول: الاستغاثة بالله تعالى.
النوع الثاني: الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه بشرط أن يعتقد أن المغيث الحقيقي هو الله، وأما المخلوق فإنما هو سبب وقد دل على ذلك قول الله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ {الأنفال: 9}
وقوله تعالى عن نبيه موسى عليه الصلاة والسلام: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ {القصص: 15}
القسم الثاني: استغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا كفر أكبر كأن يقول يا فلان ارزقني الولد أو اشفني من المرض ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1427(1/349)
شبهات حول الاستغاثة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وبعد:
فلدي سؤال فى العقيدة وهو: أنه هنالك من إذا أنكرت الاستغاثة بالأموات قال إن الشهداء ليسوا أمواتا مما يبيح عنده الاستغاثة بهم فكيف يرد عليه؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الاستغاثة في الفتوى رقم: 22722، وما أحلنا عليه فيها من الفتاوى.
وتقدم الكلام عن الشبهة المذكورة في السؤال في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27347، 21496، 23341.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1424(1/350)
الفرق بين كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أطلب تفسيرا مفصلا للتوحيد، وتوحيد الكلمة، وكلمة التوحيد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التوحيد لغة: مصدر وحَّده جعله واحداً.
والتوحيد شرعاً: هو ما دلت عليه كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) من نفي وإثبات.
والتوحيد نوعان:
1-توحيد في المعرفة والإثبات، وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات.
2-توحيد في الطلب والقصد، وهو توحيد الألوهية، والعبادة، وكل ذلك مبسوط في كتب العقيدة لأهل السنة.
وكلمة التوحيد هي: (لا إله إلا الله) كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
وأما توحيد الكلمة: فهو أن يوحد المسلمون كلمتهم، ويرصُوا صفوفهم، ويؤلفوا بين قلوبهم تجاه قضاياهم الكبيرة، ومبادئهم الأساسية، لإقامة كيانهم المنشود، وتحقيق الهدف الذي من أجله خلق الكون بأسره.
وليتحقق ذلك الهدف تحققاً حقيقياً لا بد أن يكون توحيد الكلمة مبيناً على أساس ما اقتضته كلمة التوحيد حقاًّ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1422(1/351)
تأييد صحة القول بأن (الذي يؤمن بالله ويؤمن بالطاغوت كافر)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد فهل هذه الفتوى صحيحة:
الذي يؤمن بالله ويؤمن بالطاغوت كافر.
وجزاكم الله خيرا والسلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتوحيد الله تعالى قائم على الإيمان به، والكفر بالطاغوت، وهو: كل ما يعبد من دون الله من شيطان أو حجر أو شجر أو قبر أو غير ذلك، إلا أنه لا شيء على من عُبِد دون أن يرضى بذلك، كالمسيح وأمه وغيرهما من الأنبياء أو الصالحين.
قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) [النحل:36] وقال (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) [البقرة:256] .
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله".
فلا يحرم الدم والمال ولا تنفع لا إله إلا الله إلا إذا انضم إليها الكفر بما يعبد من دون الله، بل هذا هو حقيقة النفي الوارد في قولنا: لا إله إلا الله.
وهذه هي ملة إبراهيم عليه السلام، كما جاء في قوله تعالى (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) [الممتحنة:4] .
والمؤمن بالله حقاً لا بد أن يكون كافراً بالطاغوت، وإلا لما صح إيمانه، لكن قد يوجد من يؤمن بربوبية الله فقط، لكنه يشرك به في ألوهيته، كما هو حال المشركين الذين قال الله فيهم (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) [يوسف:106] فهم يقرون بأنه الخالق الرازق، ويعبدون غيره، وإيمانهم هذا ليس بنافع لهم.
وبناء على ما تقدم فالفتوى المذكورة صحيحة إذا كان المراد بها ما ذكرنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1422(1/352)
التوحيد لغة واصطلاحا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم سؤالي هو ما تعريف التوحيد لغة واصطلاحا؟ وجزاكم الله خيرا كثيرا ... والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ...
فالتوحيد لغة: مصدر وحّد يوحد توحيدا، أي جعل الشيء واحداً. وهذا التوحيد لا يكون إلا بنفي وإثبات وهما ركنا كلمة التوحيد لا إله (نفي) وإلا الله (إثبات) أي لا إله معبود بحق إلا الله.
واصطلاحا: إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة فلا يشرك به شيء. ...
والتوحيد على أنواع: وهذه الأنواع إنما ثبتت من خلال الاستقراء والتتبع.
النوع الأول: توحيد الربوبية، وعرفه أهل العلم: بأنه إفراد الله بأفعاله، أي أننا نعتقد أن الله منفرد بالخلق والملك والتدبير. قال تعالى (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) [الزمر:62] .
الثاني: توحيد الألوهية وهو توحيد الله بأفعال العباد. أي أنّ العباد يجب عليهم أن يتوجهوا بأفعالهم إلى الله سبحانه فلا يشركون معه أحداً. قال تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) [الكهف: 110] .
الثالث: توحيد الأسماء والصفات وهو إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تأويل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولكن على حسب قوله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى:11] .
ولهذه الأقسام تفصيل يرجع إليه في كتب التوحيد. وهذا هو التوحيد الذي بعث الله به الرسل ليخرجوا به الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد سبحانه وتعالى قال الله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [الأنبياء 25] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/353)
معنى: المعبود بحق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى المعبود بحق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعبود بحق، هو الله تعالى، والتقييد بحق يخرج به الآلهة المعبودة بباطل، فإنها قد عبدت، والمنفي هو استحقاق العبادة عن غير الله عز وجل لا وقوعها. كما في معارج القبول.
وقال الشيخ صالح آل الشيخ: لا إله إلا الله معناها لا معبود حق أو بحق إلا الله، معنى ذلك أن كل المعبودات إنما عبدت بغير الحق، قال جل وعلا: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. ولكونه جل وعلا هو الحق كانت عبادته وحده دون ما سواه هي الحق، قال: لا إله لا إله بحق، لا معبود بحق، لكن ثم معبودات بغير الحق، ثم معبودات بالباطل، ثم معبودات بالبغي، بالظلم والعدوان، لكن المعبود بحق ينفي عن جميع الآلهة إلا الله جل وعلا، فإنه هو وحده المعبود بحق. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1430(1/354)
حكم من يتلفظ بكلمة التوحيد ولا يعمل بمقتضاها
[السُّؤَالُ]
ـ[نسأل ما حكم من يقول لا إله إلا الله ويقر بوجود الله فقط وتصنيفه من أنواع الكفر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يكفي لنجاة المرء من عذاب الله في الآخرة التلفظ بكلمة التوحيد بل يجب أن يأتي بها مع تحقيق لوازمها من العمل الصالح من صلاة وزكاة وصيام وحج وغير ذلك، ومع ترك ما يناقضها من الكفر والنفاق، ومع تحقيق شروطها من الإخلاص والصدق واليقين والمحبة والعلم والانقياد والقبول..
ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ.
وفي مسند أحمد عَن أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَن أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَبْشِرُوا وَبَشِّرُوا النَّاسَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ صَادِقًا بِهَا دَخَلَ الْجَنَّة.
جاء في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: قوله: من شهد أن لا إله إلا الله أي: من تكلم بها عارفاً لمعناها، عاملاً بمقتضاها، باطناً وظاهراً، فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولهما، كما قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الله. {محمد: 19} ، وقوله: إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {الزخرف86} .
أما النطق بها من غير معرفة لمعناها، ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، فغير نافع بالإجماع.
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم:- باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لابد من استيقان القلب ـ هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كافٍ في الإيمان، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها.
ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعاً. انتهى.
وقال: وقد أجمع العلماء على أن من قال: لا إله إلا الله ولم يعتقد معناها، ولم يعمل بمقتضاها: أنه يقاتل حتى يعمل بما دلت عليه من النفي والإثبات. اهـ
وقد دل على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5098، 5398، 106440.
وأما في الدنيا فإن تحزبت جماعة على هذا المعتقد وامتنعت من أداء ما فرضه الله من شعائر الدين وجب على الإمام قتالهم ولم يكفهم تلفظهم بلا إله إلا الله.
ففي صحيح البخاري أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ؟
فَقَالَ وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. اهـ.
وأما عد هؤلاء من أصناف الكفار من عدمه فلا شك أن هذا المعتقد من الضلال البين لكن يختلف حال كل شخص عن غيره، ولا يسارع بالحكم بالكفر على المرء بمجرد ذلك فإن التكفير شأنه عظيم وخطير وهو ليس إلى أي أحد، وقد بينا في الفتوى رقم: 2453 حقيقة العلمانية وأنها كفر، وكذا الدعوة إليها، إلا أن شخصا يدعي الإسلام ويقول لا اله إلا الله وينتمي مع ذلك إلى العلمانية أو لا ينتمي إليها ولكن يكتفي بالنطق بكلمة التوحيد دون تحقيق معناها والقيام بمقتضاها فمثل هذا لا نستطيع الحكم عليه إلا بعد معرفة حاله وتوفر الشروط وانتفاء الموانع، فمن توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع حكم بكفره، وإلا فلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1429(1/355)
ما يتميز به الإسلام عن غيره من الديانات الأرضية
[السُّؤَالُ]
ـ[إن صديقاً لي أسلم من قريب وسألني لماذا يجب أن أكون مسلما بمعنى آخر ما الذي يميز الإسلام عن غيره من الديانات. وما معنى لا إله إلا الله؟
أرجو التكرم وإرسال الإجابة باللغتين العربية والإنكليزية. وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) معناها لا معبود بحق إلا الله ‘ فهي تنفي الألوهية الحقة عما سوى الله تعالى ‘ وتثبتها لله وحده عز وجل ‘ فإذا قال القائل (أشهد أن لا إله إلا الله) فمعنى ذلك أنه يقر ويعترف ويؤمن بأنه لا أحد يستحق أن يُعبد إلا الله تعالى لكماله وعظمته، فلا يشرع صرف العبادة لغيره، ومن صرفها لغيره فقد كفر بالله كفرا مخرجا من الملة.
وأما لماذا يجب أن يكون الإنسان مسلما، وما الذي يميز الإسلام عن غيره ... إلخ‘ فجوابه أن كل أحد مطالب بأن يكون مسلما؛ لأن الإسلام هو دين الله تعالى الذي أمر به جميع العباد ‘ وهو الدين الذي لا يقبل من أحد دينا سواه؛ كما قال تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. {آل عمران: 85} ‘ كما أن الإسلام هو الدين الذي بُعث الله به جميع الأنبياء والمرسلين؛ كما ذكرناه في الفتوى رقم: 39118، والفتوى رقم: 77096 وكذا الفتوى رقم: 25416.
ومما يميز الإسلام أيضا عن غيره من الديانات الأرضية مع كونه من عند الله ودين جميع الأنبياء أنه يوافق الفطرة السليمة التي تخضع وتذل لخالقها جل وعلا، وينسجم مع متطلبات البشر وحاجاتهم، وينظم شؤونهم، بخلاف الأديان التي اخترعها البشر حيث ملئت بالمتناقضات وما يصادم فطرة الإنسان، وألقت به في أتون الحرج والضيق أو الانحلال والفجور ‘ وصدق الله العظيم إذ يقول عن دين الإسلام: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً.... . {البقرة: 138} أي صبغة الله أحسن صبغة وهي الإسلام، فسمي الدين صبغة استعارة من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين، كما يظهر أثر الصبغ في الثوب ‘ وانظر الفتوى رقم: 28002. حول أثر الإسلام في جوانب حياة الإنسان كلها.
وأما فتاوى اللغة الإنجليزية فانظر الفتوى رقم: 81396. والفتوى رقم: 88906. والفتوى رقم: 83990 ‘ وجميعها حول التعريف بالإسلام وحقيقة عيسى عليه السلام وإخبار التوراة والإنجيل بمحمد صلى الله عليه وسلم. وننبه إلى أن الدخول إلى أرقام هذه الفتاوى يكون من الصفحة الإنكليزية في موقعنا
وأخيرا نوصي الأخ السائل بصديقه المسلم الجديد خيرا ‘ وليحرص على تعليمه أصول الدين وأركان الإسلام ‘ وليحرص على اصطحابه إلى المراكز التي تعنى بالمسلمين الجدد، لعل الله تعالى أن يثقل ميزانه يوم القيامة إن كان سببا لثبات صديقه على الإسلام.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1428(1/356)
أفضل الذكر لا إله إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أسرار قول لا إله إلا الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلمة لا إله إلا الله هي مفتاح التوحيد فلا يقبل الدخول في الإسلام بغيرها، وهي أفضل الذكر على الإطلاق، ففي سنن الترمذي وابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله. وحسنه الشيخ الألباني.
وللنطق بالشهادة شروط من علم ويقين وصدق وإخلاص وقبول وانقياد ومحبة إلى آخر الشروط المذكورة في الفتوى رقم: 5398. ولم نقف على قول لأهل العلم بوجود أسرار للنطق بهذه الكلمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1428(1/357)
الشهادتان هما الركن الأول من أركان الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يؤمن بأن الشهادتين هم ثلاثة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ما تعني بالشهادتين في سؤالك، فإن كنت تعني الشهادة لله بالوحدانية والشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، فهما شهادتان فقط، وهما الركن الأول من أركان الإسلام، وبالنطق بهما يحكم للمرء بالإسلام، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان. وروى البخاري ومسلم أيضا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله.
وأما القول بأن هنالك شهادة ثالثة بهذا الاعتبار فلا يجوز.
وإن كنت تقصد غير هذا فبينه لنا. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1427(1/358)
هل يشمل المنافقين والكافرين الوعد بالجنة لمن قال كلمة التوحيد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد تعارض بين الأحاديث المذكور فيها أنه يخرج من النار من كان فى قلبه حبة خردل من إيمان وأيضاً من قال لا إله إلا الله, مع الآيات المذكور فيها أن المنافقين خالدين في النار مع أنهم قالوا لا إله إلا الله وأيضاً الكافرون والمشركون الذين قال الله فيهم إنهم لا يؤمنون إلا قليلاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة لا إله إلا الله لا تقبل إلا إذا توفرت شروطها:
ومن شروطها: الصدق المنافي للنفاق، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار. رواه البخاري من حديث معاذ، وروى مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستقيناً بها قلبه فبشره بالجنة.
ومن شروطها أيضاً: الكفر بما يعبد من دون الله، يدل على ذلك قوله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:256} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله. رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل. رواه البخاري ومسلم.
وبذلك تعلم أن المنافقين والكافرين والمشركين لا تشملهم الآيات والأحاديث التي تشهد للمؤمنين أو لمن قال لا إله إلا الله بدخول الجنة، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ {آل عمران:91} ، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ {الأعراف:40} ، وللمزيد من التفصيل والفائدة حول شروط لا إله إلا الله راجع الفتوى رقم: 5098.
وأما عصاة المؤمنين فإنهم قد يدخلون الجنة ابتداء، إذا تابوا من الذنوب توبة صادقة مستوفية لشروطها قبل موتهم، لقول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وهذا ما فسر به البخاري في صحيحه الأحاديث التي في معنى ما ذكره السائل، ففي صحيح البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر. وكان أبو ذر حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر. قال أبو عبد الله -أي البخاري -: هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وقال لا إله إلا الله غفر له.
وأما إن ماتوا قبل التوبة فهم تحت مشيئة الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، لقول الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا {النساء:116} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1427(1/359)
أركان وشروط (لا إله إلا الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[1) نواقض الشهادتين
2) فرائض الشهادتين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبقت لنا فتاوى عديدة ذكرنا فيها نواقض الإسلام ومنها الفتوى رقم: 10765 فنوصيك بمراجعتها حيث إنها قد تضمنت إحالات على أجوبة كافية في شطر السؤال الأول، أما الشطر الثاني فالذي نعلمه أن العلماء ذكروا لـ (لا إله إلا الله) ركنين وشروطا، أما الركنان: فنفي الإلهية عن غير الله تعالى، وإثباتها له عز وجل.
وأما شروط لا إله إلا الله وهي ما يظهر لنا أنك تقصده بسؤالك فقد فصلنا القول فيها في الفتوى رقم: 5098، فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(1/360)
هل مجرد النطق بالشهادتين يكفي لمعاملة المرء بالإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل معرفة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (والاستشهاد) هي تكفي لكي يكون المرء مسلما حتى ولو جهل باقي أركان الإسلام، وإذا كان لا ما هو أقل ما يجب أن يعرفه المرء لكي يكون مسلما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من نطق بالشهادتين يعتبر مسلماً ويعامل معاملة المسلمين، إذا كان عارفاً بمعناها معتقداً له، ويدل لهذا ما ثبت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من اعتبار المرء مسلماً بمجرد نطقه بشهادة التوحيد، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهم قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحه حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله، قال: قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذا، قال: فقال: أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله، قال: فما زال يكررها علي حتى تمنيت إني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
ويتعين عليه مع ذلك الكفر بما سوى الله والعمل بمقتضى شهادة التوحيد وشروطها وتعلم باقي أركان الإيمان واعتقادها والتزام حق الشهادتين من الخضوع والاستسلام للشرع، كما قال صلى الله عليه وسلم: إلاَّ بحقها. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5398، 50911، 12284، 12517، 11344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1426(1/361)
يصح قول أشهد أنه لا إله إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتم نطق \"أشهد أن لا إله إلا الله\"؟ وهل يجزىء قول \"أشهد (أنه) لا إله إلا الله\" في النطق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجزئ قول أشهد أنه لا إله إلا الله، ويدل لذلك أن أصل أنَّ في قولنا أشهد أن لا إله إلا الله أن المشددة ولكنها خففت وحذف اسمها وهو الضمير وبقي خبرها وهو الجملة.
قال ابن مالك:
... وإن تخفف أنَّ فاسمها استكن ... والخبر اجعل جملة من بعد (أنّْ)
ويدل لهذا أنه ورد التعبير بهذا اللفظ في بعض الأحاديث، ومنها ما رواه الطبراني في الكبير أن عمير بن وهب شهد بهذه اللفظة بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1425(1/362)
الشهادتان هما أول أركان الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تقرير عن الشهادتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أنه لا يدخل أحد في دين الله ولا يصير مؤمنا إلا بالشهادتين.
قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه [الحجرات: 15] .
وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
فهما أول أركان الإسلام وبوابة الإيمان، فمن اعتقد الإيمان بقلبه ولم ينطق بهما فليس بمؤمن.
قال ابن تيمية: من لم يصدق بلسانه مع القدرة، لا يسمى في لغة القوم مؤمنا، كما اتفق على ذلك سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. انتهى
وإذا تقرر ذلك، فما معنى الشهادتين وما شروطهما؟
فأما شهادة أن لا إله إلا الله، فمعناها: نفي استحقاق العبادة عن كل ما سوى الله وإثباتها لله عز وجل، ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله هو: التصديق الجازم من صميم القلب المواطئ لقول اللسان بأن محمدا عبده ورسوله إلى كافة الناس، فيجب تصديقه في ما أخبر، وطاعته في ما أمر، والكف عما عنه نهى وزجر.
وأما شروط الشهادتين فسبعة هي: الإخلاص واليقين والعلم والقبول لها، وراجع في هذه الشروط الفتوى رقم: 5098.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1424(1/363)
بالضد تتبين الأشياء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو التفسير الخاطىء لشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمعنى الصحيح للا إله إلا الله هو: لا معبود بحق إلا الله.
والمعنى الصحيح لمحمد رسول الله هو: لا متبوع بحق إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا علمنا المعنى الصحيح فماعداه باطل، مثل تفسير بعضهم للا إله الله بـ: لا معبود في الوجود إلا الله، لأنه يناقض الواقع ففي الوجود آلهة كثيرة تعبد من دون الله، كما قال الله تعالى عن المشركين: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً [صّ:5] .
وكذلك تفسير محمد رسول الله: لا متبوع إلا رسول الله، والواقع أننا نجد من يتبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقدسه، ويقدم أقواله على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1424(1/364)
أسس وأركان توحيد الألوهية
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أركان توحيد الألوهية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتوحيد الألوهية هو إفراد الله تعالى بالعبادة، من الحب والخوف والرجاء والصلاة والزكاة والدعاء والنذر والطاعة.. وغير ذلك من الأقوال والأفعال التي يحبها الله ويرضاها.
وقد ذكر بعض العلماء أن الشرك في الألوهية على أنواع:
1-شرك الدعاء أو النسك.
2-شرك النية والإرادة والقصد.
3-شرك المحبة.
4-شرك الطاعة.
وعلى هذا التقسيم يمكن أن يقال: إن أسس وأركان توحيد الألوهية قائمة على:
1-إفراد الله بالدعاء والنسك.
2-إفراد الله بالنية والإرادة والقصد (الإخلاص)
3-إفراد الله بالمحبة أو بالولاية.
4-إفراد الله بالطاعة.
وهذه التقسيمات المراد منها الإيضاح والشرح، وهي مأخوذة من قول الله تعالى: (قل أغير الله أتخذ ولياً فاطر السموات والأرض وهو يُطعِم ولا يُطعَم) [الأنعام:14]
وقوله: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً [ألأنعام114]
وقوله: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ [الزمر:11]
وقوله: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1423(1/365)
معنى الطاغوت لغة واصطلاحا وحكم التحاكم إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه لخدمة الإسلام والمسلمين.
سؤالي هو:
أولا: ماهو الطاغوت؟
ثانيا: هل يجوز التحاكم الىالطاغوت؟
أفتونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالطاغوت لغة: من طغا يطغى طغياً، ويطغو طغياناً أي: جاوز القدر، وارتفع، وغلا في الكفر، وكل مجاوز حده في العصيان طاغٍ.
ولا يخرج معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي إذ يقول الإمام الطبري: والصواب من القول عندي في الطاغوت: أنه كل ذي طغيان على الله، فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، إنساناً كان ذلك المعبود أو شيطاناً، أو وثناً، أو صنماً، أو كائناً ما كان من شيء. اهـ الطبري 21/3.
وقد زاد الإمام ابن القيم تعريف الإمام الطبري توضيحاً، فقال: (الطاغوت كل ما تجاوز العبد به حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرةٍ من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها، وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلوا عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته) . إعلام الموقعين 1/50.
ولا يخفى وجوب تقييد ذلك بحال الرضا ممن يعبد من دون الله عز وجل، أما من عبد من دون الله وهو غير راضٍ بذلك، فليس بطاغوت ألبتة، ولا إثم عليه في غلو من غلا فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1422(1/366)
ركنا كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد أركان لا اله الا الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه الكلمة العظيمة "لا إله إلا الله" لها ركنان أساسيان:
النفي والإثبات، والمراد بذلك: نفي الألوهية عن غير الله، وإثباتها لله تعالى، فهي كفر بالطاغوت، وإيمان بالله، كما قال تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) [البقرة: 265] .
وقال سبحانه: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) [النحل: 36] .
ولمعرفة شروط هذه الكلمة العظيمة، وما اشتملت عليه من أنواع التوحيد، وما يناقضها من الشرك، ننصحك بمراجعة الفتاوى الآتية أرقامها:
5398، 2495، 7386
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1422(1/367)
قول أهل العلم في حكم الكافر إذا صلى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم صلاة الكافر -كتابيا أو غير كتابي- منفردا كان أو جماعة مع المسلمين، في المسجد أو غيره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولاً أنه يجوزُ تمكين الكافر من دخول المسجد لمصلحة راجحة، وقد أوضحنا ذلك مفصلا في الفتويين رقم: 4041، 118857.
واعلم أن الكافر إذا صلى لم تصح صلاته إجماعاً، ولا يكونُ مُثاباً عليها، قال البهوتي في الروض:
ولا تصح الصلاة من مجنون وغير مميز لأنه لا يعقل النية، ولا تصح من كافر لعدم صحة النية منه. انتهى
قال ابن قاسم في الحاشية: أي من الكافر الأصلي، يهودياً كان أو نصرانياً أو مجوسياً أو غيرهم، حكاه الشيخ وغيره إجماعاً، لفقد شرطهما، وهو الإسلام. وقال المازري: لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفاً بمن تقرب إليه، والكافر ليس كذلك. انتهى.
وقد اختلف أهل العلم في حكم الكافر إذا صلى هل يصيرُ بذلك مسلماً أو لا؟، قال ابن قدامة في المغني: وإذا صلى الكافر، حكم بإسلامه، سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام أو صلى جماعة أو فرادى. وقال الشافعي: إن صلى في دار الحرب، حكم بإسلامه، وإن صلى في دار الإسلام، لم يحكم بإسلامه ; لأنه يحتمل أنه صلى رياء وتقية. ولنا: أن ما كان إسلاما في دار الحرب كان إسلاما في دار الإسلام، كالشهادتين، ولأن الصلاة ركن يختص به الإسلام، فحكم بإسلامه به كالشهادتين. واحتمال التقية والرياء، يبطل بالشهادتين. وسواء كان أصليا أو مرتدا. انتهى.
والمشهورُ عن الشافعية أن الكافر لا يصيرُ مسلماً إذا صلى ولو في دار الحرب، هذا مذهبُ جمهورهم، وإن كان ما ذكره ابن قدامة قول في المذهب، قال النووي في شرح المهذب: وإذا صلى الكافر الأصلي إماما أو مأموما أو منفردا، أو في مسجد أو غيره لم يصر بذلك مسلما، سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام، نص عليه الشافعي في الأم والمختصر، وصرح به الجمهور وقال القاضي أبو الطيب: إن صلى في دار الحرب كان إسلاما، وتابعه على ذلك المصنف والشيخ أبو إسحاق، وقال المحاملي: يحكم بإسلامه في الظاهر، ولكن لا يلزمه حكم الإسلام، وقال صاحب التتمة: إذا صلى حربي أو مرتد في دار الحرب قال الشافعي: يحكم بإسلامه بشرط أن لا يعلم أن هناك مسلما يقصد الاستهزاء، ومغايظته بالصلاة، وذكر صاحب الشامل أن المذهب: أنه لا يحكم بإسلامه ثم حكى قول أبي الطيب، ثم قال: وهذا لم أره لغيره واتفق المتأخرون الذين حكوا قول القاضي أبي الطيب على أنه ضعيف، وأن المذهب: أنه لا يحكم بإسلامه كما نص عليه الشافعي والمتقدمون، وهذا النص الذي حكاه صاحب التتمة غريب ضعيف.
قال أصحابنا: وصورة المسألة إذا صلى، ولم يسمع منه الشهادتان فإن سمعتا منه في التشهد أو غيره فوجهان مشهوران: الصحيح وبه قطع الأكثرون: أنه يحكم بإسلامه. انتهى.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1430(1/368)
هل دخول الجنة يتحقق بمجرد النطق بلا إله إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كثيراً ما أسمع أن كل المسلمين يدخلون الجنة، بعضهم مباشرة وبعضهم بعد دخول النار كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله فقد دخل الجنة. فهل يقصد بهذا الحديث مجرد نطق هذه الكلمات
أم ضرورة العمل بها؟ وهل الحاكم الذى يعمل على إشاعة الفاحشة ويحارب دين الله ويحكم بغير شريعة الإسلام ويوالي الكفار حتى وإن كان يصلي.... فهل يخلد فى النار أم يدخل الجنة بعد أن يمكث مدة معينة فى النار؟ وما حكم الإسلام فى من يعاونونه على محاربة الإسلام من شرطة ومثقفين وإعلاميين يعملون على إشاعة الفاحشة ... إلخ، فهل يخلدون فى النار أم يمكثون فترة ثم يدخلون الجنة؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل من قال لا إله إلا الله إيماناً بها وتصديقاً بمدلولها ومات على ذلك فإنه يدخل الجنة في نهاية المطاف، ومهما طال عذابه أو مكثه في نار جهنم فإن مآله إلى الجنة، فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، كما سبق بيانها وأدلتها في عدة فتاوى انظر منها الفتويين رقم: 31033، 103320 وما أحيل عليه فيهما.
ومجرد النطق دون اعتقاد لا ينفع صاحبه، وإنما ينفعه الاعتقاد والإيمان، ولو فعل مع ذلك ما فعل من الذنوب والمعاصي. ولكن صبغة واحدة أو غمسة في نار جهنم -والعياذ بالله تعالى- تنسي صاحبها كل نعيم مر به، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب.. الحديث رواه مسلم وغيره.
وأما الحاكم وأعوانه، فإن كانوا يقولون لا إله إلا الله ويؤمنون بها ويفعلون ما يفعلون مما أشرت إليه من المعاصي والمنكرات فإنهم يجري عليهم ما يجري على أصحاب الكبائر والذنوب -كما ذكرنا- فما تعلق منها بحق الله تعالى فأمره إليه سبحانه وتعالى إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم، كما قال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء. {النساء:48} ، وما كان من حقوق العباد فأمره إلى العباد، هذا إذا كانوا مؤمنين، وأما إذا كانوا غير مؤمنين أصلاً أو مرتدين أو لا يؤمنون بما يقولون-منافقين- فإنهم مخلدون في النار، كما قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا. {النساء:145} .
وللمزيد من الفائدة ومعرفة ما يكفر به من الموالاة والحكم بغير ما أنزل الله انظر الفتويين رقم: 117416، 35130 وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1430(1/369)
أسباب محبة الله وحكم الشعور ببغضه تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل المؤمن وهو يشعر أحيانا بأنه لا يحب الله لأنه تمر به ظروف وهموم كثيرة يشعر أن الله لا يعينه فيها وقد يصل الأمر إلى حد الكراهية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الشعور الذي تتحدث عنه مجرد خاطر سرعان ما يذهب، أو وسوسة وحديث نفس ثم تجاهدها ولا تركن إليها، فلا يضرك ذلك إن شاء الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم. متفق عليه.
وإذا كان العبد يجاهد نفسه فهو على خير، وأما إذا وصل الأمر إلى درجة الركون وطمأنينة النفس ببغض الله عز وجل وكراهيته فهذا أعظم الخطر، فإن أثمن كنز يحصله عبد أن تستقر محبة الله عز وجل في قلبه، وأعظم خسارة تلحقُ بالعبد أن يُحرم محبة الله عز وجل التي هي شرف الدنيا والآخرة.
قال ابن القيم -رحمه الله- في شأن منزلة المحبة: وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون. وإليها شخص العاملون. وإلى علمها شمر السابقون. وعليها تفانى المحبون. وبروح نسيمها تروح العابدون. فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون. وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات. والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات. والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام. واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام. وهي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه. إلى آخر كلامه النفيس رحمه الله. انتهى
فمن كان يكره الله عز وجل ويبغضه فهو خارجٌ من جملة المسلمين عياذاً بالله من الخذلان، وقد عد العلماء بغض الله أو رسوله أو شيءٍ مما جاء به من نواقض الإيمان، وكذا جعلوا أن من شروط لا إله إلا الله الحب المنافي للبغض، وانظر الفتوى رقم: 64695.
وإذا كان العبدُ تصيبه البلايا والمصائب فليعلم أنه هو المتسبب فيها بمعصيته ومخالفته أمر ربه، وأن الله عز وجل حكيمٌ عليم، وأنه تعالى لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون، فالواجبُ على هذا العبد أن يرجع إلى ربه عز وجل تائباً، وأن يتنصل من ذنبه وجنايته، ويلقي باللوم على نفسه، فإنها المتسببة فيما أصابه من شر قال تعالى فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا {النساء:99} ، وقال عز وجل: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41} ، وقال تبارك وتعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30} ، وعن عليٍ -رضي الله عنه- أنه قال: ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة.
وأما أن يلقي العبد باللوم على ربه متهماً له بأنه ظلمه أو بخسه حقه، ويؤدي به ذلك إلى بغضه تبارك وتعالى، فهذا من أعظم الخذلان، وهذه هي المصيبة التي لا تُجبر، وهي أعظم من كل ما يصيب العبد من مصائب، ونحنُ نسوق إليك أيها الأخ الكريم، ولإخواننا القراء الأسباب الجالبة لمحبة الله عز وجل باختصار كما ذكرها الإمام ابن القيم في مدارج السالكين عسى الله أن ينفع بها، فمنها:
1- قراءة االقرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد بها.
2- التقرب إلى الله عز وجل بالنوافل بعد الفرائض، فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة.
3- دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدر نصيبة من هذا الذكر.
4- إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى.
5- مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها.
6- مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته.
7- وهو من أعجبها، انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى.
8- الخلوة به وقت النزول الإلهي ـ في ثلث اليل الأخيرـ لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
9- مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم
10- مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1430(1/370)
هل يدخل في الإسلام من ترك عادات أهل الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[سافرت إلى الخارج، وجاهدت على أن أحافظ علي نفسي وتمسكي بديني إلا أن الشيطان غلبني تهت في بحر المعصية مع نفس لوامة بكيت كثيرا، وتبت أكثر من مرة، مشكلتي مع النساء، وعلمت بأن علاجي هو الزواج، لا أشرب الخمر ولا أدخن ولا أسرق ولا آكل المحرمات، ولكني فعلت ما هو أكثر من هذا ألا وهو أني زنيت.. فآلمتني نفسي جدا، ولكني أعلم بحال نفسي، وأعلم أن لن يصلحني الله إلا أن أبدأ أنا بإصلاح نفسي، وحاولت الالتزام وتقدمت كثيرا، إلا في يوم تعرفت علي فتاة مسيحية لها عقل راجح، فلم يكن لها دين من قبل كمجتمعها ولكنها كانت تبحث عن دين لأنها تشعر أن الله موجود، ولكن لتقصيرنا نحن المسلمين لم تجد أمامها إلا حركات التنصير، ورأت بصيصا من الضوء فتمسكت به، وأصبح لديها معتقدات وتمسكت بدينها، وابتعدت عن المحرمات التي فعلتها من قبل فقط ابتغاء وجه الله التي ضلت الطريق إليه أيضا، ولكنها اقتربت من الله أكثر من ضلالها السابق، على كل حال تعرفنا سويا تكلمنا في الدين والفرق بينهما رأيت أنها خائفة فهي تظن باني سأبعدها عن الله التي رأته في الكنيسة أو في النصرانية، وعلمت بأن السبيل لها هو أن أريها الإسلام في شخصي، ولكن كيف وأنا العاصي الزاني سابقا. زادت علاقتنا وخطط لنا الشيطان طريقنا وأنسانا هدفنا فوقعنا فيما حذرنا، وهيأ لي الشيطان أن أتركها بعد ذلك وأن أتزوج بخير منها.. ولكنني رأيت أن هذه لعبة الشيطان معي، وهذا هو الباب الذي يدخل لي منه.. فلماذا أطلب خيرا مني أنا؟ ولماذا لا أقبل على الآخرين ما افعله أنا، فهي ندمت وبكت وقالت كثيرا إن الله لن يغفر لنا، ولكني قد عزمت أمرا بداخلي واستخرت الله بأن يبين لي الطريق فقلت لها بأن الحب شيء والأسرة والحياة شيء فلأننا نبغي التوبة لشعورنا بالندم والخوف من الله والعقاب..قالت أنا نصرانية وخائفة من الإسلام لا أعرف عنه شيئا..قلت الحق نور لا يخطئه الا من في عينيه مرض.. وعرضت عليها الزواج لأكثر من سبب أولا: أن طريقها إلي الإسلام سيصلح لي حالي، وينبغي علي أن أتبع ديني لأدلها عليه، فالدين حسن الخلق.
ثانيا: أنها جيدة، فما حدث سابقا كان عاديا بالنسبة لمجتمع لا يعلم حتى ما معنى كلمة دين (في رقابنا ورقاب أئمة المسلمين غياب الدعوة وتقصيرنا وهي بعد تنصرها اجتنبته وانتظمت.
ثالثا: طمعي في إسلامها وهو خير من حمر النعم، فلقد تذوقت مرارة الحياة وعلمت أن نعيمها زائل تزوجنا بمهر وولي وشهود وحفل عرس صغير، وعلم الناس جميعا أننا تزوجنا وبدأ التغيير ... بدأت أصلي. لا يعتريني أي مشاعر تجاه النساء، الآن اطمئن قلبي وقلبها، بدأت تسال بل وتفعل أشياء من الإسلام، ولكني أعلم أن الهداية من عند الله، وما أنا إلا مبلغ، وأطمع في أن يهديها الله هي الآن نصف مسلمة اعتدلت في زيها من بعد توجيهاتي، الآن أصبحت هي تراعي زيها بأن يكون غير عار أو شفاف..أقلعت عن لحم الخنزير باقتناع، ولكن ليس بسهولة، أصبحنا سعداء، وزال الألم من قلوبنا، واطمأن قلبي بعد ما كنت لا أستطيع النوم فهل هذا فعلا اطمئنان؟ أو أنه تزيين آخر من الشيطان؟ فأخاف أن أكون غارقا فيما لا أحسبه ولكني فعلا نية وقالبا وقلبا فعلت هذا لأني أعلم أنه السبيل الوحيد لاقتلاعي عن ما كنت أعمل ولأني أبتغي الاعتدال وأبتغي وجه الله.. لأني أعلم أن الغريب ليس له إلا الله، فليس هنا من يوجهني أو يسددني بل أنا لأكثر من سنة أعيش بمفردي في شقة. فأعلم أن الشيطان يراني فريسة سهلة، فلا يد الله معي لأني لست في جماعة. أطلت عليك سيدي فاعذرني.. فأفتني فيما حكيت إليك لعلي أجد عندكم دواء القلوب وأكسير الراحة واستقرار العقل. أرجو من سيادتكم إفتائي هل ما فعلته صحيح؟ وما علي أن أفعل لاحقا؟ وما حكم توبتي وكيف أتوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يغفر لك ما كان، وأن يوفقك للتوبة، وأن يثبت قدمك عليها.
وعليك أيها السائل أن تبحث لنفسك عن صحبة صالحة تعينك على طاعة الله إذا ذكرت، وتنصحك وتذكرك إذا غفلت، ثم عليك بالإكثار من الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة ونحو ذلك، فإن الله يكفر بها السيئات ويمحو بها الخطيئات قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} .
ثم تنبه إلى أن من أعظم أسباب ما أصابك من البلاء والفتنة في دينك إنما كان بسبب إقامتك في بلاد الكفر، وقد جاء النهي الصريح من رسول الله عن الإقامة في هذه البلاد، فقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: لا تراءا ناراهما. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه الألباني. فاجتهد في العودة إلى بلاد المسلمين مهما يكن الأمر، فإن الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز لمن خاف على نفسه الفتنة في دينه.
وأما زواجك من هذه الفتاة فهو باطل لأن صحة الزواج بالكتابية يهودية كانت أو نصرانية مشروطة بكونها عفيفة. قال تعالى: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ {المائدة:5}
ومعنى المحصنات أي العفيفات عن الزنا، فالزواج بامرأة زانية من أهل الكتاب زواج باطل.
فالواجب عليك إن كانت هذه المرأة قد أقلعت عن هذه الفاحشة وتيقنت ذلك منها هو أن تجدد هذا الزواج مرة أخرى، بعد استبرائها بحيضة لأنه لا يحل لك البقاء معها في هذه الحال. أما قولك إنها صارت "نصف مسلمة" فليس لهذا الوصف اعتبار في الشرع، لأن الناس في حكم الشرع قسمان: مؤمن وكافر، وليس هناك من بعضه مؤمن وبعضه كافر، نعم تركها لبعض عادات أهل الكفر وفواحشهم من التبرج وأكل الخنزير شيء حسن، ولكنه لا يخرجها عن الكفر ولا يدخلها في الإسلام، طالما أنها لم تشهد شهادة الحق ولم تتبع أحكام الدين. فاجتهد في دعوتها للإسلام، فلأن يهديها الله بك خير لك مما طلعت عليه الشمس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(1/371)
متى يحكم على غير المسلم بدخول الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على شاب غير مسلم, فطلب مني الزواج فقلت له إنه يجب أن يدخل الاسلام لكي نتزوج, فوافق ولكن فقط لنتزوج, هل ذلك جائز ما دام قد قام بالاغتسال والوضوء بنية دخول الاسلام؟ واذا كان غير جائز ماذا أفعل مع العلم أني متزوجة به حاليا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدخول في الإسلام يكون بالنطق بالشهادتين والعمل بمقتضاهما من التزام بأركان الإسلام وتعاليمه والتخلي عن أمور الكفر التي كان عليها الشخص قبل إسلامه، ولا يحصل بمجرد الاغتسال أو الوضوء بنية ذلك، فالاغتسال ليس بشرط في صحة الإسلام بل هو مستحب عند بعض أهل العلم وأوجبه بعضهم، وراجعي في ذلك الفتوى رقم 57749، والفتوى رقم: 11403.
وعليه؛ فإذا كان الشاب المذكور قد نطق بالشهادتين والتزم بأركان الإسلام ولم يتعاط ما يناقض إسلامه من أمور الشرك والكفر فنكاحه صحيح، وإن بقي على حالته الأولى ولم يلتزم بتعاليم الإسلام بل تظاهر بالإسلام للزواج من مسلمة فهذا تحايل للحصول على غرض معين ـ وهذه ظاهرة كثر وجودها في هذه الأزمنة ـ والنكاح باطل يجب فسخه فورا ويجب عليك الابتعاد عن هذا الشخص فهو أجنبي منك فتحرم الخلوة به أو ملامسته فضلا عن أن تمكنيه من نفسك، وما حصل من أولاد فهم لاحقون به، وراجعي الفتوى رقم: 15412، والفتوى رقم: 71438.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1429(1/372)
لا يشترط لصحة الإسلام إشهاره بين الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الكريم لدي سؤال هام جداً أتمنى أن تجيبوني عليه، ما هي شروط الدخول بالإسلام فأنا أؤمن بأن الإسلام هو دين الحق وقد نطقت الشهادتين، ولكن من الصعب علي الآن أن أشهر إسلامي، فهل يجوز هذا وهل أنا الآن مسلم حقاً فأرجوكم هل من يجيبني على هذا السؤال أنا من عائلة مسيحية؟ وشكراًُ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدخول في الإسلام يكون بالنطق بالشهادتين، ثم عليه الالتزام بشرائعه، وما دام أن السائل قد نطق بالشهادتين مع إيمانه بأن دين الإسلام هو الحق فهو بهذا مسلم، وأخ لنا من جملة المسلمين إن شاء الله، وما عليه إلا أن يلتزم ببقية أركان الإسلام فيقيم الصلاة ويصوم شهر رمضان ويحج البيت ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ويؤدي الزكاة، ولا يشترط لصحة إسلامه أن يشهره بين الناس ويشهدهم عليه، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 57749.
وقد كان كثير من الناس يسلمون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ويلتزمون أركان الإسلام ولا يشهرون إسلامهم لبعض الظروف التي تحيط بهم.
ونسأل الله أن يوفق أخانا السائل لما يحبه ويرضاه، كما أننا نرحب بأسئلتك واستفساراتك، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 26235، والفتوى رقم: 66610.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1429(1/373)
اليقين وصف للإيمان وليس مرادفا له
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الإيمان واليقين، وهل عندما نقول الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل نستطيع أن نقول اليقين ما وقر في القلب و....؟ جزاكم الله خير الجزاء وأسكنكم الفردوس.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان هو التصديق، وهذا التصديق قد يكون تصديقاً فيه ضعف ويكون الإيمان حينئذ ضعيفاً، وقد يكون تصديقاً جازماً بحيث لا يتطرق إليه شك وهذا هو اليقين، إذاً فاليقين صفة للإيمان إذا لم يخالطه شك، فالإيمان واليقين ليسا مترادفين إذا حتى نعبر بأحدهما عن الآخر في كل موطن.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في رسالة له إلى بعض إخوانه: اليقين هو الإيمان الجازم الثابت الذي لا ريب فيه ولا تردد ولا شك. انتهى بحذف قليل. وقال أيضاً في نفس الرسالة: وقال أبو بكر بن طاهر: العلم تعارضه الشكوك واليقين لا شك فيه وعند القوم: اليقين لا يساكن قلبا فيه سكون إلى غير الله وقال ذو النون: اليقين يدعو إلى قصر الأمل، وقصر الأمل يدعو إلى الزهد، والزهد يورث الحكمة. انتهى. والأثر الذي ذكره الأخ السائل إنما صح من كلام الحسن البصري رحمه الله وليس بحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1428(1/374)
الحجة قائمة على كل من بلغته دعوة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مسيحيو مصر يعتبرون ممن أقيمت عليهم الحجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن بلغته رسالة الإسلام من الكفار، على أي دين كان هذا الكافر، ومن أي بلد كان، فقد قامت عليه الحجة، قال الله تعالى: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ {النساء:165} ، وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. وللمزيد من الفائدة يمكن أن تراجع الفتوى رقم: 2924.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(1/375)
من قال لا إله إلا الله عصم دمه وماله
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وقع الكافر الأصلي في أيدي المسلمين في قتال الدفع، فهل تقبل منه لا إله إلا الله أم تقبل فقط في الطلب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكافر إذا قال لا إله إلا الله ولو كان في أيدي المسلمين فإنها تقبل منه ولا يجوز قتله، فعن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أناس من جهينة، فأتيت إلى رجل منهم فذهبت أطعنه فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فقتلته، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: أقتلته وقد شهد أن لا إله إلا الله؟ قلت: يا رسول الله إنما فعل ذلك تعوذا، قال: فهلا شققت عن قلبه؟ . متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأدفعن اللواء غداً إلى رجل يحب الله ورسوله، يفتح الله به، قال عمر: ما تمنيت الإمرة إلا يومئذ، فلما كان الغد، تطاولت لها، فقال لعلي: قم، اذهب وقاتل ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك. فقال: يا رسول الله: علام أقاتلهم؟ قال: حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها حرمت دماؤهم وأموالهم إلا بحقها. قال السيوطي: وسنده صحيح.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1427(1/376)
الدخول في الإسلام مقدم على الغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[الأساتذة الكرام إني أواجه مشكلة ولا أعرف كيف حلها أو بمعنى أصح لا أجد من يدعمني ويساعدني.
في الحقيقة بدأت القصة عندما تعرفت على فتاة تعمل معي بالشركة كانت علاقة عمل واحترام لا غير وبعد شهر من عملي معها اكتشفت أنها على الدين المسيحي ولها مني كل احترام , بعد ذلك قررت أن أكسب بها أجرا وأدعوها إلى الإسلام عن طريق الترغيب بالله العظيم سبحانه وعن طريق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأن هذه الدنيا زائلة ولا تساوي عند الله جناح بعوضة , في بداية الأمر واجهت صعوبة كبيرة بحيث كانت لا تتكلم معي إذا جئت بسيرة الإسلام لكن كنت أحس من اتجاهها أنه يوجد استلطاف وبالفعل صدق حدسي وقررت أن أستغل هذه النقطة لكي أوصلها إلى معنى الإسلام ومعنى الآخرة ومعنى الجنة والحمد لله رب العالمين رب القلوب بدأت تتقبل الكلام وبدأت تتساءل أكثر فأكثر حتى طلبت منها أن تسلم والحمد لله لبت النداء وفي يوم اتصلت معي وقالت ما هو المطلوب مني لكي أدخل الإسلام وقلت لها أن تغتسل وتنطق الشهادتين وبفضل من الله كل يوم أعطيها ما تيسر لي من علم الإسلام من وجوب طهارة وصلاة وستر عورة ومن الأمور الأساسية لكن أواجه مشكلات عديدة منها:
أنها تخاف من أن يعرف أهلها وتضعف أمامهم وترجع عن دين الإسلام. وأنا أريد الزواج لأني أحببتها وخوفا من أن ترتد وأن أضمن وهي عندي عدم ارتدادها عن الإسلام لكن أهلي غير متقبلين الفكرة خوفا من مشاكل العائلات.
ما علي فعله إذا أهلي أصروا على رأيهم بعدم زواجي منها هل أعترض أم أقبل طاعتهم؟
وهل يجب على الفتاه أن تطيع أهلها أم تعترض وتصر على إسلامها؟
وأخيرا أطلب منكم رفع المعنويات لدينا لأني سوف أطلعها على ردكم. وما الأجر والثواب لي ولها؟ .
وشكرا لكم جزيلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على ما قمت به من دعوة هذه المرأة إلى الإسلام، ونسأل الله لك التوفيق, وهنيئاً لك اندراجك في قوله صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله على يديك أو بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم. وانظر الفتوى رقم: 11441.
وهنيئاً لهذه المرأة الإسلام، فإن الإسلام يجب ما قبله من الذنوب، وانظر الفتوى رقم: 18958.
وننبه إلى أن من أراد الدخول في الإسلام فإنه لا يؤخر حتى يغتسل، بل يقدم الدخول في الإسلام والتلفظ بالشهادتين، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع: (فرع) إذا أراد الكافر الإسلام فليبادر به ولا يؤخره للاغتسال، بل تجب المبادرة بالإسلام، ويحرم تحريما شديدا تأخيره للاغتسال وغيره، وكذا إذا استشار مسلما في ذلك حرم على المستشار تحريما غليظا أن يقول له أخره إلى الاغتسال, بل يلزمه أن يحثه على المبادرة بالإسلام. هذا هو الحق والصواب. وبه قال الجمهور. وحكى الغزالي رحمه الله في باب الجمعة وجها أنه يقدم الغسل على الإسلام ليسلم مغتسلا. قال: وهو بعيد, وهذا الوجه غلط ظاهر لا شك في بطلانه وخطأ فاحش, بل هو من الفواحش المنكرات, وكيف يجوز البقاء على أعظم المعاصي وأفحش الكبائر ورأس الموبقات وأقبح المهلكات لتحصيل غسل لا يحسب عبادة لعدم أهلية فاعله. وقد قال صاحب التتمة في باب الردة: لو رضي مسلم بكفر كافر، بأن طلب كافر منه أن يلقنه الإسلام فلم يفعل, أو أشار عليه بأن لا يسلم، أو أخر عرض الإسلام عليه بلا عذر، صار مرتدا في جميع ذلك, لأنه اختار الكفر على الإسلام. وهذا الذي قاله إفراط أيضا, بل الصواب أن يقال: ارتكب معصية عظيمة.
وأما قول النسائي في سننه: باب تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم، واحتج بحديث أبي هريرة أن ثمامة انطلق فاغتسل ثم جاء فأسلم فليس بصحيح ولا دلالة فيما ذكره لما ادعاه. اهـ
وعلى هذه الأخت أن تتمسك بالإسلام، ولو تعرضت لأشد البلاء، فإن نجاتها في الآخرة بهذا الدين، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ونذكرها بحال الصحابة الذين ابتلاهم الله تعالى بكفار قريش يعذبونهم ويسومونهم سوء العذاب، ويَمُرُّ النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فيقولون له: ادع الله لنا، فيقول صلى الله عليه وسلم: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه, ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون. رواه البخاري عن خباب بن الأرت، ولقد كان بلال يوضع في بطحاء مكة وعلى ظهره وبطنه الحجارة الحارة فيقول: أحد أحد، وقتل خبيب ومزق إربا إربا فما ثناه ذلك عن إيمانه، بل قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
وانظر الفتوى رقم: 64120.
ولا مانع أن تتزوج بهذه المرأة، ويتولى عقد نكاحها قاضي المسلمين، أو جماعتهم، أو واحد منهم، وأما عن طاعة الوالدين في ترك الزواج بامرأة معينة فسبق في الفتوى رقم: 71134 ولكن إذا ترتب على ترك الزواج بهذه المرأة أن تعود في الكفر بسبب ضغوط الأسرة ونحو ذلك، فمصلحة إعانة هذه المرأة على الثبات على الدين مقدمة على مخالفة رأي الوالدين في ترك الزواج بها، ثم تسعى بعد ذلك في إرضائهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1427(1/377)
الإسلام دين جميع الأنبياء وعمره عمر البشرية
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء حواري مع أجنبي على الشات.. قال لي إن الإسلام عمره أقل من المسيحية حيث إن الإسلام لم يتجاوز 1500 عاما أما المسيحية فقد وصلت إلى 2005 فماذا يكون الرد على ذلك الكلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دين الإسلام هو دين الأنبياء جميعا ابتداء من آدم عليه الصلاة والسلام وانتهاء بمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا {الشورى: 12}
وقال تعالى: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {البقرة: 132} وقال تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {البقرة: 133} فالإسلام هو دين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده، وهو الذي توالت رسل الله تعالى للدعوة إليه، كما قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ {آل عمران: 18} وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران: 85} والإسلام بهذا المعنى هو دين موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبلهم، لأن معناه الاستسلام والانقياد لله تعالى وإفراده وحده بالعبادة.
وكون محمد صلى الله عليه وسلم بعثه خاتما للأنبياء، فذلك لحكمة واضحة وهي أن شريعته نسخت كثيرا من الأحكام الشرعية التي جاءت بها
وأما أساس الدين الذي هو الانقياد والاستسلام لله تعالى وإفراده بالعبادة فهذا محل اتفاق بين جميع الرسالات كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
وبهذا تعلم أن دين الإسلام قديم وعمره عمر البشرية من بدايتها، ولكن الرسالات ختمت ب محم د صلى الله عليه وسلم ونرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 61288.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1426(1/378)
تريد الدخول في الإسلام والمشكلة زوجها الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على إحدى الأمريكيات في إحدى غرف الشات الإسلامية عن طريق الإنترنت كانت قد قرأت الكثير عن الإسلام وشرح الله صدرها له كما أبدت أشد الإعجاب به وأخبرتني أنها تريد الدخول فيه ولكن أمامها مشكلة كبيرة حالت بينها وبين إعلان الشهادتين واعتناقها للإسلام طلبت مني عرضها على مشايخ العلم حفظهم الله للإجابة عليها وتتمثل في كون زوجها لا ديني وقد أخبرته برغبتها العارمة في دخول الإسلام فلم يمانع بتاتاً لكنه أخبرها أنه لا يرغب في اعتناق أي دين رغم أنها حاولت أن تكلمه عن الإسلام وتجذبه إليه ولكنه لم يقتنع قالت لي أنها قرأت أن الإسلام يحرم على المسلمة الزواج بغير المسلم وهنا مكمن المشكلة فهو الأب الوحيد لأبنائها ولا تستطيع أن تفرق بينه وبينهم كما أنها تحبه كثيراً وتقول إنه شخص طيب ولطيف وأن الله لو شرح قلبه لأسلم بكل تأكيد فهي محتارة هل تبقى على الكفر حتى يهدي الله قلب زوجها إليه أم تسلم وبالتالي تصبح العلاقة بينها وبين زوجها علاقة زنا والعياذ بالله خياران أحلاهما مر, أتمنى من فضيلتكم إيجاد حلٍ لمشكلتها في أسرع وقت ممكن فوالله الذي لا إله إلا هو أني لمست في كلامها وطريقة تعبيرها مرارة لا يعلم بها إلا الله ومحبة وإعجابا عظيما بهذا الدين دين الفطرة التي فطر الله الثقلين عليه فسبحان الله رب العالمين
أفيدونا مأجورين والله يحفظكم ويرعاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم وفقنا الله وإياك وفقهنا في دينه أن أول ما يدعى إليه الناس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أجابوا إليها ودخلوا في الإسلام، فإنهم يدعون إلى الصلاة ثم الزكاة ثم بقية فرائض الإسلام، ثم يبين لهم نواهي الإسلام ومحرماته، دل على ذلك ما رواه الجماعة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن قال: إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله عز وجل افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم ... الحديث.
فيبين للمدعو أن شرط الدخول في الإسلام أن يصدق بقلبه وينطق بلسانه ويعمل بجوارحه بشيء من شرائع الإسلام كالصلاة، فإذا فعل ذلك، فإنه يكون مسلماً مؤمنا، ومن أهل النجاة من الخلود في النار، ومآله إلى الجنة، لأنه لا يخلد في النار مؤمن، ويبين له كذلك أن فعل المسلم أفعالاً محرمة لا يخرجه من الإسلام كالزنا -مثلاً- بل هو معصية وكبيرة وفاعلها متوعد بالعذاب، لكنه يبقى مسلماً ولا يخرج من دائرة الإسلام.
نريد بهذه المقدمة أن نصل إلى نتيجة، وهي أنه على هذه المرأة أن لا تفهم من كون الإسلام يحرم عملاً ما، أن معنى ذلك أنه لا يكون الشخص مسلماً حتى يترك هذا العمل، نعم لا يكون مؤمناً كامل الإيمان، ولكنه يبقى مؤمناً عنده أصل الإيمان، الذي تكون به النجاة من الكفر الذي يوجب لصاحبه الخلود في النار، إذا تقرر هذا نقول لهذه المرأة: بادري بالدخول في الإسلام، ثم عليك القيام بما تستطيعين من أوامر الإسلام، واجتناب نواهيه، وما قصرت فيه من الأوامر أو وقعت فيه من النواهي، عليك التوبة إلى الله منه، ومجاهدة نفسك لتكوني من المؤمنين كاملي الإيمان.
تأتي المسألة محل البحث والإشكال عند هذه المرأة، فنقول لها: نعم الإسلام لا يحل للمسلمة أن تتزوج بكافر أو تبقى مع كافر بعد إسلامها، قال تعالى: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ {الممتحنة: 10} .
فحاولي إقناع زوجك بالإسلام بعد أن تسلمي أنت، وإخباره أن دينك لا يسمح لك بالبقاء معه، وإنك ستتركينه إن لم يسلم، فربما دخل في الإسلام رغبة في بقائك معه، وقد حدث مثل ذلك لبعض الصحابيات حين أسلمن وهن تحت أزواج مشركين، ففي سنن النسائي من حديث أنس رضي الله عنه قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: يا أبا طلحة ما مثلك يرد، ولكنك أمرؤ كافر وأنا مسلمة لا تحل لي، فإن تسلم فذلك مهري، فأسلم فكان ذلك مهرها. فإذا تلفظ بالشهادة واعتنق الإسلام، فتبقين معه، ما لم يصدر منه فعل يدل على كفره.
أما إذا لم يستجب هذا الزوج للإسلام وفضل على ذلك ترك زوجته وأبنائه، فيجب عليها تركه، ولا يحل لها البقاء معه، وسيعوضها الله عز وجل خيراً منه، في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1426(1/379)
كيف يتحقق الدخول في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل غير ال مسلم عندما يريد الدخول في الإسلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يحتاج الداخل إلى الإسلام إلى طقوس كما هي الحال في الديانات التي هي من صنع البشر، وإنما يتحقق الدخول إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين: أشهد أن لا لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله.
هذا، وننصحك بالمبادرة في الدخول في الإسلام فالموت لا يمهل، وهو يأتي فجأة، فسارع ليختم لك بالإيمان وتحشر في زمرة المسلمين.
ولمزيد فائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 57749، 34954، 36035.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1426(1/380)
مصير من كان يؤمن فقط بوجود الله الواحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من كان يؤمن فقط بوجود الله الواحد ولا إله غيره يدخل فيمن قال فيهم الله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا بد من الإيمان بالله وبنبيه صلى الله عليه وسلم، وبمن سبقه من الأنبياء وبقية أركان الإيمان، وإلا كان من لم يؤمن ببعض ذلك من أهل النار، فمن سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به ويتبعه لا ينفعه ادعاؤه التوحيد بل هو من أهل النار، لما في حديث مسلم: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. ولقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً* أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا {النساء:151} ، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 63969، 63821، 59524، 48346.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1426(1/381)
لا يشترط الإشهاد للدخول في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من شروط دخول الإسلام قول الشهادتين بشهادة اثنين من المسلمين؟ مع الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيتحقق الدخول في الإسلام بالنطق بالشهادتين، ولا يلزم الإشهاد على ذلك، بل يكتفى بالنطق.
ولقد علق رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول الجنة على النطق بالشهادتين، ولم يشترط الإشهاد على ذلك، فقال: من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء. رواه مسلم. وكذلك في القرآن ما يدل على ثبوت عقد الإسلام لمن استسر بإسلامه ولم يشهد عليه، ومن ذلك قوله تعالى: وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ {الفتح: 25} .
هذا ويجب فهم معنى الشهادتين. ومعنى أشهد: أي أعتقد اعتقادا جازما خال من أي شك. ومعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله. ومعنى محمد رسول الله: لا متبوع بحق إلا محمد صلى الله عليه وسلم فهو الواسطة الوحيدة بين الله وخلقه، ولا تعرف شريعة الله إلا عن طريقه، وأن أي خروج عن هديه ابتداع في الدين وإحداث مردود على صاحبه.
واعلم أن النطق بالشهادتين يقتضي الانقياد لحكم الله والتزام شرعه والوقوف عند حدوده. وانظر شروط الانتفاع بـ "لا إله إلا الله" في الفتوى رقم: 5398.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1425(1/382)
يحكم بالإسلام بالنطق بالشهاتين والالتزام بالشعائر الظاهرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحد الأدنى من الواجبات التي يجب أن يقوم بها الإنسان ليكون مسلمًا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيتحقق الدخول في الإسلام بالنطق بالشهادتين، واعتقاد معناهما، اعتقادًا جازمًا خاليًّا من الشك، وذلك يقتضي الالتزام بشعائر الإسلام الظاهرة، كالصلاة والصيام ونحوهما. ولمزيد من الفائدة نحليك على الفتويين التاليتين: 7810، 5398.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1424(1/383)
من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لهذا الموقع الإسلامي العظيم وإن شاء الله في ميزان حسنات القائمين عليه. أما بعد. لدي هذه الاسئله راجيا الحصول على الاجابة بأسرع وقت ممكن مع الشكر الجزيل
هل قول لا إله إلا الله محمد رسول الله مع اليقين الكامل التام الصحيح بذلك سبب من الأسباب الكافية لدخول الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا قال العبد: لا إله إلا الله محمد رسول الله موقناً بمعناها يقيناً كاملاً يستلزم العمل بمقتضى هذه الشهادة والكفر بما ينافيها، ومات وهو على ذلك، فإنه سيدخل الجنة، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " متفق عليه، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وراجع للأهمية الجواب رقم 5398
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1424(1/384)
النطق بالشهادتين يسلتزم القيام بأركان الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم النبي صلى الله عليه وسلم لأي كافر نطق الشهادتين من توه بالإسلام كيف يجمع هذا وبين هذين الحديثين " أمرت أن أقاتل.... " وفي آخره ويقيموا الصلاة ويؤْتوا الزكاة والحديث الثاني حديث جبريل المشهور في تعريفه الإسلام بالأركان الخمسه دون الاقتصار على الشهادتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يمكن أخذ الحكم الشرعي في هذه المسألة من نص واحد أو نصين، بل لا بد من جمع النصوص بعضها إلى بعض، وبجمعها يزول الإشكال ويرتفع اللبس، وقد أثبتت النصوص أنه يحكم للمرء بالإسلام إذا نطق بالشهادتين، كما في حديث أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلاً، فقال: لا إله إلا الله فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقال لا إله إلا الله وقتلته!! قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها من أجل ذلك أم لا؟ فمازال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. رواه مسلم.
فقد دل هذا الحديث على الحكم للمرء بالإسلام إذا نطق بالشهادتين، ولكن جاءت بعض النصوص الأخرى فدلت على أن الناطق بالشهادتين مطالب بعدهما بالقيام بأركان الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج وغير ذلك.
منها قوله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله. رواه البخاري ومسلم.
ومنها حديث جبريل المشهور الذي أشرت إليه في السؤال، وقوله تعالى عن المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [التوبة:11] .
وقد سبق لنا أجوبة عديدة بينا فيها التلازم بين النطق بالشهادتين والعمل بمقتضاهما ومنها:
20638
17836
5098
8832
10280.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1423(1/385)
لا تغني إحدى الشهادتين عن الأخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الحمن الرحيم
السلام عليكم أستاذنا الفاضل
لماذا يجب على المسلم أن يشرك اسم النبي محمد (اللهم صل عليه) مع اسم الله عزّ وجل في الشهادة
له مع أن الله رب العالمين ذكر لنا في سورة المنافقون آية (1) أن المنافقين هم الذين يشهدون إنه لرسول الله والله يعلم إنهم لكاذبون.
مع جزيل الشكر. ...
السلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النطق بالشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الاعتقاد الجازم بمقتضاهما، والعمل بذلك هو الذي يدخل الشخص به في مسمى الإسلام، ويستحق أحكامه، ولا تغني إحدى الشهادتين عن الأخرى، بل لابد منهما معاً.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه جبريل في صورة رجل وسأله عن الإسلام قال له: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً" متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله" رواه البخاري.
ويقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) [النور:62] .
فالشهادة برسالة النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به، واتباعه، وطاعته، وتصديقه ... كل هذا شرط في صحة إسلام الشخص، لا تغني عنه الشهادة بالله عز وجل، وإنما لابد من الشهادتين معا، فالله سبحانه جعلهما متلازمتين.
أما ما ذكره السائل من أن المنافقين هم الذين يشهدون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس هذا هو معنى الآية التي استدل بها، وإنما معناها أنهم يقولون هذه الشهادة نطقاً بألسنتهم، ولا يعتقدون ذلك في قلوبهم، فهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وهذا هو حال المنافقين، كما قال تعالى: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) [البقرة:14] .
وقال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون:1] .
فالمنافقون يشهدون بهذه الشهادة كذباً بألسنتهم فقط، وليست شهادة حقيقية نابعة من قلوبهم، ولهذا قال تعالى: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون:1] .
فالمنافق هو من يعلن الإسلام بالنطق بالشهادتين، ويضمر الكفر، لأنه لا يعتقد ما يقول، وهذا هو معنى الآية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1422(1/386)
شهادة أن لا إله إلا الله تقتضي الإيمان والعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك جدل كبير في حديث للرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه (من قال لا إله إلا الله فقد دخل الجنة) وهل هناك تكملة للحديث تقول وإن زنى وسرق؟ أرجو الاجابة والتوضيح في هذا الأمر بالتفصيل خصوصا في صحة الحديث ومعناه وما هو حق هذه الكلمة العظيمة؟ وهل مجرد النطق والاعتقاد بها يكفي لدخول الجنة؟ وجزاكم الله خيرا على ماتقدمونه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام أزكى وأتم التسليم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بشأن الشهادتين كثيرة جداً منها المطلقة ومنها المقيدة، ولا يصح الاحتجاج بالمطلقة دون النظر إلى المقيدة، فمثلاً قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة". رواه الحاكم بسند صحيح، وصححه النووي، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، فقال أبو ذر وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق". رواه البخاري ومسلم، من الأحاديث المطلقة العامة وقد جاء ما يخصصها ويفسرها، كقوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله" رواه مسلم. فلابد من الكفر بكل ما يعبد من دون الله، مع قوله لا إله إلا الله.
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في قرة عيون الموحدين: (فيه دليل أنه لا يحرم ماله ودمه إلا إذا قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله فإن قالها ولم يكفر بما يعبد من دون الله فدمه وماله حلال لكونه لم ينكر الشرك ويكفر به، ولم ينفه كما نفته لا إله إلا الله. فتأمل هذا الموضوع فإنه عظيم النفع) . انتهى.
ومن الأحاديث المخصصة قوله صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله: وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" رواه البخاري ومسلم.
قال في فتح المجيد: (قوله: "من شهد أن لا إله إلى الله" أي: من تكلم بها عارفاً لمعناها، عاملاً بمقتضاها، باطناً وظاهراً، فلابد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولهما، كما قال تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) [محمد: 19] . وقوله: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) [الزخرف: 86] ، أما النطق بها من غير معرفة لمعناها، ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه: من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، فغير نافع بالإجماع.
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم:- باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لابد من استيقان القلب ـ هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كافٍ في الإيمان، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها.
ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعاً) . انتهى.
"نقلاً عن فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ص (39-40) .
وقوله "من شهد" يستفاد منه أن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن علم، ويقين، وصدق، وإخلاص. وهذه هي شروط لا إله إلا الله التي لابد منها لكي تكون لا إله إلا الله صحيحة مقبولة، من قالها دخل الجنة، فلابد من قولها مع العلم بها لما تقدم من الأدلة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه مسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، فبشره بالجنة" رواه مسلم. ولابد من الإخلاص في قولها: لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله". رواه البخاري ومسلم.
ولابد من الصدق المنافي للكذب لقوله صلى الله عليه وسلم: "وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً، يصدق قلبه لسانه، ولسانه قلبه". رواه أحمد.
ولابد من القبول المنافي للرد، وقد أخبر الله أن المشركين يردون هذه الكلمة قال تعالى: (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) [الصافات: 35] .
وهذا هو الشرط الخامس من شروط لا إله إلا الله، أما السادس فهو: الانقياد المنافي للترك، قال تعالى: (وأنيبوا إلى ربكم وأسْلِمُوا له) [الزمر: 54]
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) [النساء: 65] .
والسابع والأخير: المحبة لهذه الكلمة ولأهلها المنافية لضدها، والأدلة على ذلك كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان" رواه أبو داود. وصححه السيوطي. وقوله تعالى: (والذين آمنوا أشد حباً لله) [البقرة: 165] .
هذا بالإضافة إلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، ولابد من معرفة حق هذه الكلمة العظيمة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" رواه البخاري ومسلم.
قال في فتح المجيد: (وقد أجمع العلماء على أن من قال: "لا إله إلا الله" ولم يعتقد معناها، ولم يعمل بمقتضاها: أنه يقاتل حتى يعمل بما دلت عليه من النفي والإثبات) .
والكلام حول حقوق هذه الكلمة يطول، ويمكن الرجوع في ذلك إلى فتح الباري شرح صحيح البخاري، وإلى شرح النووي على صحيح مسلم وغيرهما. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/387)
من ترك العمل معتقدا أنه سيدخل الجنة فهو جاهل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يوم القيامة سوف يشفع لأمته ... حيث يدخل الجنة من قال لا إله إلا الله وفي قلبه ذرة من خير ... فهل معنى هذا أن الإنسان المسلم من الممكن أن يرتكب ذنوبا كما يشاء لأنه سوف يشفع له أم ماذا ... أرجو منكم إفادتى....وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت أحاديث تدل على أن من مات لا يشرك بالله شيئاً أن النبي صلى الله عليه وسلم سيشفع فيه، ويخرج من النار بفضل الله تعالى، لكنه صلى الله عليه وسلم أيضا هو الذي قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري.
ومن استرسل في المعاصي فقد عصى الله ورسوله، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سأله أن يتركوا العمل ويتكلوا على ما قدر لهم من جنة أو نار، نهاهم عن ترك العمل، والاتكال على كتابهم، وقال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" رواه البخاري.
فمن أراد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فليمتثل أمره وليعمل لآخرته.
وقد ذكر العلماء أن الاسترسال في المعاصي والإصرار عليها من أسباب سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى، ومن المعروف أن من ساءت خاتمته ومات على الشرك فمصيره الخلود في النار، لا تنفعه شفاعة شافع، لقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) [النساء: 48] .
فمن ترك العمل متكلاً على أنه سيموت مؤمنا، وأنه إن دخل النار فسيخرج منها ولو بعد حين لأنه مؤمن، فإنه جاهل مغرور.
ومن يضمن له الموت على الإيمان وهو مصر على الكبائر، وآمن من مكر الله، والله تعالى يقول: (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) [الأعراف: 99] .
ثم إن شيطانه الذي زين له ارتكاب المعاصي والإصرار عليها سيدعوه إلى مفارقة دينه في اللحظات الأخيرة من حياته، وربما أطاعه في ذلك، لأنه تعود على طاعة الشيطان، ومعصية الله تعالى.
ثم إن الاستهانة بعذاب الله للعصاة يوم القيامة، وهو عذاب أليم، قد يمتد إلى فترات طويلة هو نظر من ضعف عقله، ولم يقدر الله حق قدره. وإذا كان المرء لا يطيق أهون عذاب الدنيا لحظات، فكيف بعذاب الآخرة آماداً طويلة؟.
والخلاصة أن الاعتماد على الأحاديث التي تدل على أن من مات لا يشرك الله شيئاً دخل الجنة، وعلى الشفاعة، وأن ترك الشرك كافٍ، واتخاذها ذريعة إلى طرح التكاليف، يستلزم طيَّ بساط الشريعة من أصلها، والخروج من نظام الملة، ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وهذا من أعظم مظاهر مناقضة الشرع، وإبطال مقاصده في العمل والتعبد لله.
أجارنا الله من ذلك. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/388)
شهادة أن لا إله إلا الله تقتضي الإيمان والعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك جدل كبير في حديث للرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه (من قال لا إله إلا الله فقد دخل الجنة) وهل هناك تكملة للحديث تقول وإن زنى وسرق؟ أرجو الاجابة والتوضيح في هذا الأمر بالتفصيل خصوصا في صحة الحديث ومعناه وما هو حق هذه الكلمة العظيمة؟ وهل مجرد النطق والاعتقاد بها يكفي لدخول الجنة؟ وجزاكم الله خيرا على ماتقدمونه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام أزكى وأتم التسليم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بشأن الشهادتين كثيرة جداً منها المطلقة ومنها المقيدة، ولا يصح الاحتجاج بالمطلقة دون النظر إلى المقيدة، فمثلاً قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة". رواه الحاكم بسند صحيح، وصححه النووي، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، فقال أبو ذر وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق". رواه البخاري ومسلم، من الأحاديث المطلقة العامة وقد جاء ما يخصصها ويفسرها، كقوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله" رواه مسلم. فلابد من الكفر بكل ما يعبد من دون الله، مع قوله لا إله إلا الله.
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في قرة عيون الموحدين: (فيه دليل أنه لا يحرم ماله ودمه إلا إذا قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله فإن قالها ولم يكفر بما يعبد من دون الله فدمه وماله حلال لكونه لم ينكر الشرك ويكفر به، ولم ينفه كما نفته لا إله إلا الله. فتأمل هذا الموضوع فإنه عظيم النفع) . انتهى.
ومن الأحاديث المخصصة قوله صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله: وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" رواه البخاري ومسلم.
قال في فتح المجيد: (قوله: "من شهد أن لا إله إلى الله" أي: من تكلم بها عارفاً لمعناها، عاملاً بمقتضاها، باطناً وظاهراً، فلابد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولهما، كما قال تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) [محمد: 19] . وقوله: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) [الزخرف: 86] ، أما النطق بها من غير معرفة لمعناها، ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه: من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، فغير نافع بالإجماع.
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم:- باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لابد من استيقان القلب ـ هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كافٍ في الإيمان، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها.
ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعاً) . انتهى.
"نقلاً عن فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ص (39-40) .
وقوله "من شهد" يستفاد منه أن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن علم، ويقين، وصدق، وإخلاص. وهذه هي شروط لا إله إلا الله التي لابد منها لكي تكون لا إله إلا الله صحيحة مقبولة، من قالها دخل الجنة، فلابد من قولها مع العلم بها لما تقدم من الأدلة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه مسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، فبشره بالجنة" رواه مسلم. ولابد من الإخلاص في قولها: لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله". رواه البخاري ومسلم.
ولابد من الصدق المنافي للكذب لقوله صلى الله عليه وسلم: "وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً، يصدق قلبه لسانه، ولسانه قلبه". رواه أحمد.
ولابد من القبول المنافي للرد، وقد أخبر الله أن المشركين يردون هذه الكلمة قال تعالى: (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) [الصافات: 35] .
وهذا هو الشرط الخامس من شروط لا إله إلا الله، أما السادس فهو: الانقياد المنافي للترك، قال تعالى: (وأنيبوا إلى ربكم وأسْلِمُوا له) [الزمر: 54]
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) [النساء: 65] .
والسابع والأخير: المحبة لهذه الكلمة ولأهلها المنافية لضدها، والأدلة على ذلك كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان" رواه أبو داود. وصححه السيوطي. وقوله تعالى: (والذين آمنوا أشد حباً لله) [البقرة: 165] .
هذا بالإضافة إلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، ولابد من معرفة حق هذه الكلمة العظيمة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" رواه البخاري ومسلم.
قال في فتح المجيد: (وقد أجمع العلماء على أن من قال: "لا إله إلا الله" ولم يعتقد معناها، ولم يعمل بمقتضاها: أنه يقاتل حتى يعمل بما دلت عليه من النفي والإثبات) .
والكلام حول حقوق هذه الكلمة يطول، ويمكن الرجوع في ذلك إلى فتح الباري شرح صحيح البخاري، وإلى شرح النووي على صحيح مسلم وغيرهما. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/389)
التمسك بالشرع لا يعني التشدد والتعصب
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد دعوت ربي أن يرزقني بزوج صالح، ثم في يوم من الأيام التقيت بخطيبي وبدا من أول وهلة أنه ما كنت أبحث عنه، فقد كان يشاطرني الرأي وخاصة في أمور ديننا، وأعترف أنني كلمته في الهاتف قبل الخطوبة، ثم رجعت إلى الصواب وقلت له: لا، أنا أخاف ربي وأريد بركته فإما الخطوبة أو لا شيء. فوافق وقال لي إنه سأل ووجد أن ذلك حرام وأن الخطوبة تجيز التكلم في الهاتف بضوابط، وهكذا خطبنا وكان يأتي إلى المنزل ونتكلم في الهاتف ونمزح سويا، وهذا ما جعلني أقلل المكالمات الهاتفية، وفي يوم كلمني غاضبا وقال لي إنه جد حزين لأنه يحتاج إلى الحنان من زوجته المستقبلية، ثم قال لي إنني متعصبة وأنه لا يرى الحرام في خروجنا في أماكن عامة ولا يرى الحرام في الموسيقى..الخ. فقررت الانفصال، ولكن أهلي يرفضون لأنهم غير ملتزمين وأهله كذلك، وهم يريدون أن نرجع سويا. وهو سيأتي للمنزل لكي نتفاهم فقررت أنني سأتخلق بخلق النبي صلى الله عليه وسلم، وأبين له أن هذا الدين رحمة وليس ضيقا، وأريد أن يهديه الله ولكن لن أرجع إليه. فبماذا تنصحونني بقوله له بدون أن أغضب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخاطب حكمه حكم الأجنبي عن الفتاة التي خطبها ما دام لم يعقد عليها، وقد سبق بيان حدود تعامل الخاطب مع خطيبته في الفتوى رقم: 8156.
وبعض الناس يخلط بين التفريط والتسيب وبين التيسير، وكذلك يخلط بين التمسك بالشرع والوقوف عند حدوده وبين التشدّد والتعصّب، فما يصفك به هذا الخاطب من التعصّب غير صحيح، والواجب عليك الاقتصار في الكلام معه على قدر الحاجة وترك المزاح معه، وهذا هو السلوك الصحيح الموافق للشرع، وليس في ذلك تشدّد أو مغالاة.
فعليك أن تبينّي له ذلك، وتعرّفيه أن الخاطب أجنبي عن المخطوبة شأنه شأن أي رجل أجنبي، فإذا كان يريد أن يشعر بحنان الزوجة فعليه أن يعقد العقد الشرعي ليحلّ له ذلك، وأمّا عن سماع الموسيقى فهو حرام، وانظري في ذلك الفتوى رقم: 28790.
فإن استجاب والتزم حدود الله فلا مانع من بقاء الخطبة، وإلّا فلعل الله يعوّضك خيراً منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1430(1/390)
علاقة المسلم بربه وأسرته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي علاقتي بربي؟ وما هي علاقتي بأسرتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلاقة المسلم بربه هي علاقة الحب له وإجلاله سبحانه، وتوحيده وإفراده بجميع أنواع العبادات القلبية كالخوف والرجاء، والمالية كالصدقة والزكاة، والبدنية كالصلاة والحج.
والإيمان بأنه لا إله غيره، والإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وبأنه وحده هو الرب الذي خلق ورزق وأنعم، لا شريك له في شيء من ذلك، وأن يطيع المسلم ربه ويؤدي ما افترضه عليه، وينتهي عما نهاه عنه، ويجمع هذا كله قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. {الذريات:56} . وقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. {التغابن:16} .
وثبت في الصحيحين من حديث مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا.
وراجع الفتويين رقم: 17543، 69481. فقد ذكرنا في الأولى: عبادة الله تعالى ... غايتها ... وفوائدها، وفي الثانية: حكمة الخلق والابتلاء والتكليف.
وأما العلاقة بالأسرة: فللوالدين حق الإحسان إليهما، والبر بهما، وإكرامهما، ورعايتهما، وحبهما، والاعتراف بفضلهما عليك، ولا يستطيع أحد أن يكافئ والديه مهما فعل، ولعظم حقهما ذكره الله مقرونا مع حقه فقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى. {النساء: 36} . وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً. {الاسراء:23} .
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ.
ومن الأدب في العلاقة مع الوالدين ما ذكره عُروةَ، أن أبا هريرة أبصَرَ رجلين، فقال لأحدهما: ما هذا منكَ؟ فقال: أبي، فقال: لا تُسمِّهِ باسمهِ، ولا تمشِ أمامَه، ولا تجلِسْ قبلَه. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وللولد حق أيضا على أبويه، فمن حقِّ الولدِ على والده: أن يُؤدِّبَه، ويُعَلِّمَه، ويَنصحَ له، وأن يُحسِن إليه، ويَعطف عليه، وأن يعدل بين الأولادِ في العطيَّةِ والهِبَةِ، ولا يُفرِّق بينهم في عطاء.
وبقية أفراد أسرتك كالأخوة والأخوات لهم حق المحبة والإحسان إليهم، وأن تحب لهم ما تحب لنفسك، وأن تدفع عنهم الأذى، وأن تساعدهم بقدر ما تستطيع، والسؤال يحتاج إلى مساحة أكبر من التفصيل ليس هذا موضعها فراجع في ذلك: دائرة معارف الأسرة المسلمة للباحث: علي بن نايف الشحود. وفي هذا الرابط نسخة الكترونية من الكتاب المذكور:
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=6&book=5243
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1430(1/391)
هل النظر إلى الكعبة حقيقة أو في الصور أو التلفاز يعد عبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[النظر الى الكعبة عبادة، فهل يشمل ذلك النظر إليها من خلال التلفاز أو من خلال الصور (البوسترات) ؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روي في فضل النظر إلى الكعبة آثار موقوفة ومقطوعة، رواها الأزرقي في (أخبار مكة) والجندي في (فضائل مكة) وغيرهما. وذكرها الصالحي في (سبل الهدى والرشاد) وقد نص بعض الفقهاء على ذلك. انظر الفتوى رقم: 58806.
وروي في هذا بعض الأحاديث المرفوعة، ولكن لم يصح منها شيء فيما اطلعنا عليه (انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم: (4701، 256، 6245)
والظاهر أن النظر نفسه ليس بعبادة، لأنه لم يصح في ذلك دليل فيما نعلم، ولكن ما يكون من القلب من تعظيم شعائر الله عند النظر إلى الكعبة هو الذي يحصل على مثله الثواب. فإن كان ك ذلك فمن باب أولى أن النظر إلى صورة الكعبة ليس في ذاته عبادة، ولكن ما يترتب على ذلك مما يحبه الله هو العبادة المثاب عليها، كالشوق إلى الطواف بها والحج إليها، ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1430(1/392)
الله تعالى وحده هو المعبود بحق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى المعبود وهل غير الله معبود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعبادة في اللغة: الخضوع والتذلل، وقد تستعمل بمعنى الطاعة، وفي الاصطلاح ذكر العلماء لها تعريفات، أجمعها قولهم: هي اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، وقد سبق بيان ذلك مع بيان أن العبادة تشمل جميع مناحي الحياة وذلك في الفتوى رقم: 4476.
وعليه فالمعبود هو الإله المطاع، سواء كان بحق أو بباطل، ولذلك كان المعنى الصحيح لـ (لا إله إلا الله) هو: لا معبود بحق إلا الله، فتفسير بعضهم لـ (لا إله إلا الله) بـ لا معبود في الوجود إلا الله باطل، لأنه يناقض الواقع، ففي الوجود آلهة كثيرة تعبد من دون الله، ولكنها تعبد بغير حق، كما قال الله تعالى عن المشركين: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا.. {ص:5} ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 30900.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
قوله تعالى: لا أعبد ما تعبدون.. ولا أنتم عابدون ما أعبد.. معناه المعبود، ولكن هو لفظ مطلق يتناول الواحد والكثير والمذكر والمؤنث، فهو يتناول كل معبود لهم، والمعبود هو الإله، فكأنه قال: لا أعبد إلهكم ولا تعبدون إلهي.. واسم الإله والمعبود يتضمن إضافة إلى العابد. انتهى.
فغير الله قد يكون معبوداً ولكنه يعبد بغير حق، ولذلك كثر في القرآن ذم الله لأهل الكفر بأنهم يعبدون من دونه ما لا يستحق العبادة، كما قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ. {الحج:71} ، وقال: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا. {الفرقان:55} ، وقال: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ. {النحل:73} ، وقال: قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. {المائدة:76} ، هذا بخلاف العبودية العامة، التي هي عبودية القهر والملك لله رب العالمين، وهي التي يوصف بها كل موجود سوى الله، حتى الحيوانات والجمادات، كما قال الله تعالى: إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا. {مريم:93} ، وقال سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ. {النور:41} ، وقال تبارك وتعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا. {الإسراء:44} .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 104030، وراجع للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51943، 76470، 98290، 114831.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1430(1/393)
محركات العبادة لله
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للعبادة تأتي من الخوف أم من الحب؟ اسمح لي أن أقول رأيي أن العبادة تأتي من الخوف ومثال على ذلك. لو أخبرنا الله أنه لا يوجد جنة ولا نارا لا وحسابا، وأن الإنسان لما يموت سيموت ولا حساب عليه، وأن العبادة ليس لها أي جزاء. كم واحد سيستمر في العبادة؟ أعتقد سيكونون قليلين جدا، إذن العبادة محركها الأساس الخوف. أتمنى أن تناقشوا هذا الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
اعلم أن الخوف محركٌ وسائقٌ للقيام بواجبات العبودية، ولكن ليس هو المحرك الوحيد، فالإنسان في مسيره إلى الله عز وجل في هذه الحياة كما يقول ابن القيم رحمه الله: كالطائر له رأس وجناحان، فالرأس محبة الله، والجناحان الخوف والرجاء، فإذا قُطع الرأس مات الطائر، وإذا كسر أحد الجناحين عجز الطائر عن الطيران.
وقولك إنه لو لم يكن جنة ولا نار لما عبد الله إلا القليل من خلقه، لا يُنافي هذه الحقيقة، فإن من يقومون بواجب العبودية من البشر قليلٌ بالنسبة إلى جملتهم كما قال تعالى: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين {يوسف:103}
فعلى المسلم أن يعبد ربه كما أمر، محباً له، راجياً لثوابه، خائفاً من عقابه، دون أن يفترض هذه الافتراضات، ويخوض في هذه الأبحاث. ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 46678.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1430(1/394)
احتساب التعلم عبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أجعل دراستي عبادة لله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فإن دراستك تكون عبادة لله تعالى بالنية الصالحة وإخلاصها له سبحانه وتعالى لما ينفع دينه وعباده.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دراستك تكون عبادة لله تعالى إذا كنت فيها ملتزمة بضوابط الشرع مع إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، بأن يكون الباعث لك هو إقامة الدين ونفع العباد ونحو ذلك، ولا ضرر عليك مع هذا إذا كان لك بعض حظوظ النفس بشرط أن لا يخرج شيء من ذلك عن حدود الشرع، كما أن بإمكانك أن تجعلي حياتك كلها عبادة لله تعالى وقربه إليه بهذا الإخلاص وإصلاح النية.
وذلك لما رواه البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة. وقال معاذ رضي الله عنه: أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. والأثر في البخاري وغيره.
وعلى هذا فإن من قصد بدراسته أو بأكله وشربه ونومه وراحته التقوي على طاعة الله تعالى فهو عبادة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر. رواه مسلم.
وللمزيد من الفائدة عن هذا الموضوع انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4476، 24782، 58107.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1429(1/395)
تعريف العبودية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى العبودية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعبودية في اللغة في التذلل والخضوع، جاء في مختار الصحاح: وأصل العبودية الخضوع والذل، والتعبيد التذليل، يقال طريق معبد، والتعبيد أيضا الاسستعباد وهو اتخاذ الشخص عبدا، وكذا الاعتياد، والعبادة الطاعة والتعبد التنسك.. اهـ.
والعبودية هي الخضوع والانقياد للمولى سبحانه وتعالى وهي النسبة بين العبد وربه، ولذلك ورد استحباب التسمية بها، قال في فيض القدير عند شرح حديث: أحب الأسماء إلى الله ما تعبد له. قال: لأنه ليس بين العبد وربه نسبة إلا العبودية، فمن تسمى بها فقد عرف قدره ولم يتعد طوره. انتهى.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 95226.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1429(1/396)
المقصود والغاية من خلق الثقلين
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني كلما جلست خاليا وأتفكر في التوحيد أشعر بأن الدنيا خلقت لتوحد الله والديانات جميعا وجدت للتوحيد فلماذا الإخوة الصوفية يعارضون ما نهى عنه في الأحاديث والقرآن الإمام محمد عبد الوهاب رحمه الله ورضي عنه وأسكنه فسيح جناته ولم تحوير كلمة وهابية نسبة للإمام وهى على وزن كلمة صوفية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله خلق الثقلين لعبادته، وخلق لنا ما في الأرض وأسبغ وأتم علينا النعم لنسلم له وننقاد، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} وقال تعالى: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل:81}
فيجب على كل المسلمين أن يوحدوا الله وينقادوا للأوامر الربانية في الكتاب والسنة عملا بقوله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا {النساء:36} وبقوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {الحشر:7}
ولا يجوز لأي مسلم أن يعارض ما نص على النهي عنه في القران والسنة، ولا نرى مبررا لمن يفعل ذلك.
ولم نفهم كلامك عن تحوير كلمة وهابية.
وراجع في شأن الصوفية والوهابية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 39218، 102883، 64723، 5408، 41459، 77988، 65955.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1429(1/397)
الخوف والرجاء جناحان لازمان للعبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله أولاً وآخرًا.... أنا عبد أصلي وأصوم وأعبد الله جل جلاله حسب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني لا أحس بعبادتي خوفاً من العذاب بل طمعأً بأمور الدنيا، فما هو الحل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
جاهد نفسك على الإخلاص وتأمل في مستقبلك وفي ما ينفعك، وأكثر من دعاء الله تعالى والتضرع إليه والتذلل بين يديه، فإنه سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبادة الصحيحة لا بد فيها من الإخلاص والاتباع، وبهذين الأساسين فسر بعض السلف قول الله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا {الكهف:110} ، وقوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا {الملك:2} ، أي أصوبه وأخلصه، فالعمل الصالح هو ما كان موافقاً للسنة، والخالص من الشرك هو ما قصد به وجه الله تعالى، وهذا يقتضي أن يجمع صاحبه بين الخوف والرجاء، فعدم الخوف من غضب وعقابه والأمن من مكره وعذابه من أكبر الكبائر وأخطر الذنوب، ولهذا قال تعالى: أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {الأعراف:99} ، وجاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أكبر الكبائر الشرك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله. رواه الطبراني وغيره.
ولهذا فإن عليك أن تتدارك نفسك قبل فوات الأوان وتبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، فإن من يعبد الله تعالى دون رجاء الثواب أو الخوف من العقاب أو لمجرد الطمع بأمور الدنيا على خطر عظيم، يقول الله تعالى: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا* وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا {الإسراء:18-19} ، ويقول تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ {الشورى:20} ، فهذه الآيات وما أشبهها تقرع القلوب الحية وتحيي القلوب الميتة إذا تفكر أصحابها وتأملوا في مصيرهم وفي هذه الحياة الزائلة وما بعدها.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 13448، والفتوى رقم: 21032.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1429(1/398)
ثمرة العبادات تعود على فاعلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أحس بأنني عندما أصلي أو كذا أنني أقدم خدمة لله عز وجل ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يعلم أنه عندما يؤدي عبادته إنما يؤديها امتثالا لأمر الله تعالى خوفا منه وطمعا فيماعنده، وفائدة ذلك عائدة إلى الشخص نفسه، لا إلى المولى سبحانه وتعالى إذ لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين لاتصافه بالغنى المطلق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1429(1/399)
أهم مواصفات الإنسان الحقيقي
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الإنسان الحقيقي؟ وما هي صفاته؟ وإذا كان الإنسان شاعرا هل يكون ذلك حراما؟ وأنه شيء طبيعي في الأمة الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج على المسلم أن يكون شاعرا، إن لم يكن في شعره هجاء أو غزل محرم، وقد يكون الشعر ممدوحا إذا كان في خدمة الإسلام، كما كان حسان رضي الله عنه ينافح بشعره عن الإسلام، ويهاجي المشركين، وللفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 64218، 18243، 17045، 39341.
وأهم مواصفات الإنسان الحقيقي أن يكون متصفا بالصفات التي يحبها الله تعالى ونائيا عما يكرهه الله من الصفات. وراجع في بيان بعضها الفتويين رقم: 47241، 74127.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1429(1/400)
عبودية الجمادات لرب العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن الإله معناها المعبود.... فهل يصح أن نقول إن الجمادات وغير المكلفين وأمثالهم إنهم عبيد لله ... أي نقول إن الله إله كل شيء كما نقول إنه رب كل شيء؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكائنات الجامدة والحيوانات التي لا تعقل قد فطرها الله تعالى على الخضوع والاستسلام والانقياد له والتذلل له وهي تسبح بحمده وتسجد له.
وقد ذكر أهل العلم أن العبادة معناها التذلل، وهذا عام في جميع الكائنات، فبعضها يسجد له سجود اختيار وهو الإنسان والملك والجان، وبعضها يسجد سجود تسخير وهو الجماد والحيوانات، فكلهم يخضع له ويسجد له ويسبحه، كما قال الله تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا {الإسراء:44} .
وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ {النور:41} .
وقال تعالى: وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {النحل:49} .
وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء* {الحج:18} .
وقال تعالى: وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* {الرعد:15} .
وقال تعالى في الأصنام التي يعبدها المشركون: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {الأعراف:194} .
هذا وننبه إلى أن الأصل أن يتعرف المسلم على الله من خلال نصوص الوحي كما روي عن ابن عباس وعلي رضي الله عنهما.
فتدبر القرآن والأحاديث وتأمل في الآيات الكونية، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 64815، 53336، 38708، 62615.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1429(1/401)
الحكمة من الصلاة جهة الكعبة والطواف وتقبيل الحجر الأسود
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى المرات كنت أصلي وكان بجانبي شخص وبعد أن انتهيت من الصلاة سألني سؤالا:
لماذا تصلي باتجاه الكعبة؟ وما الحكمة من ذلك؟ ولماذا الطواف حول الكعبة؟ وما الحكمة منه؟ علما أنه تحوي حجارة؟
بصراحة تفاجأت ولم أدر ما أجيبه لذلك أرجو من حضرتكم إجابتي عن هذا السؤال علما أنني أعلم بأن هناك
أمورا كثيرة في ديننا يجب أن نسلم بها ولكن ما أردت ذلك إلا ليطمئن قلبي ويزداد إيماني حيث أعلم أنه لا يوجد شيء عن عبث في ديننا ...
أرجو إلإجابة بأسرع وقت لأنني والله منذ سألني هذا السؤال وأنا في حيرة ودائما أسأل نفسي ما الجواب وسألت بعض المشايخ ولكنني لم أصل إلى الجواب حيث أخبروني سلم بالأمر هل نفعل ذلك عن تقليد أم ... ؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
هنالك أمران لا بد من استحضارهما ليزول هذا الإشكال الذي عندك:
الأمر الأول: لا بد من التسليم لأمر الله تعالى والانقياد له في الفعل والترك سواء علم المرء الحكمة أم لا، وهذا من أعظم مقاصد التكاليف الشرعية لما يقتضيه من تجلِّي معاني العبودية الحقة الخالصة لله تعالى.
الأمر الثاني: وهو متصل بما سبق أن تعظيم هذا المكان عند المسلمين وارتباطه بعبادتهم إنما استمده من تعظيم الله له، وأمرهم بتعظيمه وعبادته فيه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان لكل التشريعات الربانية حكما قد تظهر للناس وقد تخفى عليهم، والواجب على المسلم هو التسليم لأمر الله، وإذا أردنا تلمس بعض الحكم لاستقبال الكعبة.. فان أهم حكمة هي كونه يشتمل على العمل بأمر الله تعالى في قوله: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. {البقرة: 149}
ثم إن كل إنسان في جميع أحواله لا بد له من استقبال شيء ما، وأشرف الجهات هي جهة البيت العتيق فهو قبلة المتعبد؛ ولذا نزه في الشرع عن استقباله وقت البول، فقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث عبد الرحمن بن زيد قال: قيل لسلمان: علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟ فقال سلمان: أجل، نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن يستنجي برجيع أو عظم. رواه مسلم.
وفي حديث أبي أيوب في الصحيحين: لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول ولا تستدبروها.
فالمصلي يستقبل البيت الذي شرفه الله وأضافه لنفسه وأمر بحجه والطواف به، وجعله مباركا ومثابة للناس وحرما آمنا. فقد قال الله تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. {الحج: 26} وقال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ. {آل عمران: 97-98} وقال تعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. {البقرة:125}
وقد ذكر بعض العلماء أن العرب كانوا يعتزون بالبيت فتعبدهم الله باستقبال المسجد الأقصى، فلما أطاعوا الله في ذلك حولهم للمسجد الحرام ليربيهم على الطاعة له والاتباع لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فالله هو مالك جميع الجهات والأماكن فهو يوجه من شاء لما شاء، كما قال الله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. {البقرة: 142}
قال ابن كثير في التفسير: إ ن الله تعالى اختار له التوجه إلى بيت المقدس أولاً لما له تعالى في ذلك من الحكمة، فأطاع ربه تعالى في ذلك، ثم صرفه إلى قبلة إبراهيم وهي الكعبة، فامتثل أمر الله في ذلك أيضاً، فهو صلوات الله وسلامه عليه مطيع لله في جميع أحواله لا يخرج عن أمر الله طرفة عين، وأمته تبع له. اهـ
ويقول الأستاذ سيد -رحمه الله - في الظلال: لقد كان تحويل القبلة أولاً عن الكعبة إلى المسجد الأقصى لحكمة تربوية أشارت إليها آية في هذا الدرس: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) . . فقد كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم، ويعدونه عنوان مجدهم القومي. . ولما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله، وتجريدها من التعلق بغيره، وتخليصها من كل نعرة وكل عصبية لغير المنهج الإسلامي المرتبط بالله مباشرة، المجرد من كل ملابسة تاريخية أو عنصرية أو أرضية على العموم، فقد نزعهم نزعا من الاتجاه إلى البيت الحرام، واختار لهم الاتجاه - فترة - إلى المسجد الأقصى، ليخلص نفوسهم من رواسب الجاهلية، ومن كل ما كانت تتعلق به في الجاهلية، وليظهر من يتبع الرسول اتباعا مجردا من كل إيحاء آخر، اتباع الطاعة الواثقة الراضية المستسلمة، ممن ينقلب على عقبيه اعتزازا بنعرة جاهلية تتعلق بالجنس والقوم والأرض والتاريخ، أو تتلبس بها في خفايا المشاعر وحنايا الضمير أي تلبس من قريب أو من بعيد. .
حتى إذا استسلم المسلمون، واتجهوا إلى القبلة التي وجههم إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي الوقت ذاته بدأ اليهود يتخذون من هذا الوضع حجة لهم، صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام، ولكنه ربط قلوب المسلمين بحقيقة أخرى بشأنه هي حقيقة الإسلام، حقيقة أن هذا البيت بناه إبراهيم وإسماعيل ليكون خالصا لله، وليكون تراثا للأمة المسلمة التي نشأت تلبية لدعوة إبراهيم ربه أن يبعث في بنيه رسولا منهم بالإسلام الذي كان عليه هو وبنوه وحفدته.....
لقد عهد الله إلى إبراهيم أن يكون من المسلمين، وعهد إبراهيم بهذا الإسلام إلى بنيه من بعده، كما عهد به يعقوب - وهو إسرائيل - ولقد علم إبراهيم أن وراثة عهد الله وفضله لا تكون للظالمين.
ولقد عهد الله إلى إبراهيم وإسماعيل بإقامة قواعد البيت الحرام فهو تراث لهما، يرثه من يرثون عهد الله إليهما. . والأمة المسلمة هي الوارثة لعهد الله مع إبراهيم وإسماعيل، ولفضل الله عليهما فطبيعي إذن ومنطقي أن ترث بيت الله في مكة، وأن تتخذ منه قبلة.
فإذا اتجه المسلمون فترة من الزمان إلى المسجد الأقصى، الذي يتجه إليه اليهود والنصارى، فقد كان هذا التوجه لحكمة خاصة هي التي أشار إليها السياق، وبيناها فيما سبق. فالآن وقد شاء الله أن يعهد بالوراثة إلى الأمة المسلمة، وقد أبى أهل الكتاب أن يفيئوا إلى دين أبيهم إبراهيم - وهو الإسلام - فيشاركوا في هذه الوراثة، الآن يجيء تحويل القبلة في أوانه، تحويلها إلى بيت الله الأول الذي بناه إبراهيم لتتميز للمسلمين كل خصائص الوراثة حسيها وشعوريها، وراثة الدين، ووراثة القبلة، ووراثة الفضل من الله جميعا. اهـ
وأما الطواف فمن حكمه إقامة ذكر الله؛ كما في الحديث: إنما جعل الطواف بالكعبة وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل. رواه أحمد وابن خزيمة والأثرم وابن المنذر. وقال الأعظمي: إسناده صحيح، ورجح الألباني ضعفه.
قال المناوي: يعني إنما شرع ذلك لإقامة شعار النسك.
وأما الحجر الأسود.. فإن وجوده في البيت وتقبيله ولمسه ليس فيه ما يستغرب، فنحن لا نعبده ولا نعتقد فيه النفع ولا الضر، وإنما نلتمس امتثال أمر الله وحصول الثواب المرتب على لمسه وتقبيله، فقد روى البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه قال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
وجاء في فضل استلامه قول النبي صلى الله عليه وسلم: والله ليبعثنه الله يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق. رواه الترمذي عن ابن عباس، وصححه الألباني.
وفي الحديث: إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا. رواه أحمد وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1428(1/402)
السر في مشروعية إقامة الصلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[اتنشر مؤخرا في مختلف المواقع الموضوع التالي:
عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: كنت مع مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فرأى رجلاً قائماً يصلي فقال له: يا هذا أتعرف تأويل هذه الصلاة؟
فقال: يا مولاي, وهل للصلاة تأويل غير العبادة؟
فقال: إي والذي بعث مُحمداً بالنبوة, وما بعث الله نبيه بأمر من الأمور إلا وله مُتشابه وتأويل وتنزيل وكل ذلك يدل على التعبّد.
رفع اليد في التكبيرة الأولى، فسأل الرجل أمير المؤمنين علي عليه السلام عن تأويل رفع اليدين بالتكبير
فقال له: معناه: الله أكبر الواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء, لا يُلمس بالأخماس ولا يُدرك بالحواس.
معنى الركوع: وقد سأل رجل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: ما معنى مد عُنقك في الركوع؟
قال: تأويله: آمنت بوحدانيتك ولو ضربت عُنقي.
معنى رفع الرأس بعد الركوع:
وسُئل الإمام علي بن أبي طالب عليه سلام الله عن تأويل رفع الرأس من الركوع والقول: سمع الله لمن حمده أو الحمد لله رب العالمين؟
فقال: تأويله: الذي أخرجني من العدم إلى الوجود..
معنى السجود:
جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: يابن عم خير خلق الله ما معنى السجدة الأولى؟
فقال: تأويله: اللهم إنك منها خلقتني (أي من الأرض)
ورفع رأسك: ومنها أخرجتنا والسجدة الثانية: وإليها تُعيدنا، ورفع رأسك من الثانية: ومنها تُخرجنا تارة أُخرى.
التشهد الأخير وتأويله: وقد جاء إلى الإمام علي عليه السلام تأويل هذا الجلوس قائلاً: وتأويل قعودك على جانبك الأيسر ورفع رجلك اليمنى وطرحك على اليُسرى تخطر بقلبك: اللهم إني أقمت الحق وأمت الباطل.
وتأويل تشهدك تجديد الإيمان ومعاودة الإسلام والإقرار بالبعث بعد الموت.
لذا أرجو منكم توضيح مدى صحة هذا الموضوع من عدمه ولكم جزيل الشكر.
وأسأل الله لكم الأجر والثواب لما تقومون به لخدمة الإسلام والمسلمين..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لم نطلع على هذا الأثر ولا نسبته لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد البحث في كتب السنة، وقد فرض الله سبحانه وتعالى الصلاة على عباده هكذا: قيام وتكبير وقراءة وركوع وسجود ورفع منهما وجلوس في محله ثم سلام، فعلمها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتموني أصلي. رواه البخاري.
وأخبر سبحانه في كتابه أن الصلاة شرعت لإقامة ذكر الله تعالى؛ كما قال سبحانه: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ {العنكبوت:45} أي أكبر ما فيها ذكر الله تعالى مع ما فيها من الهيئات التي تدل على الخضوع والذل لله سبحانه وتعالى من قيام وركوع وسجود.
ثم إن من العبادة ما يكون تعبديا أي غير معقول المعنى وإن كان له حكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى، ولعل الحكمة في هذا النوع من التكليف هو الابتلاء والاختبار لمطلق التسليم لأمر الله تعالى الذي هو من لوازم الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1428(1/403)
فائدة المباهاة بأهل الطاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
سؤالي هو وأرجو تقبله
ما فائدة الخلق بالنسبة للإله!!! وما فائدة عبادة الخلق للخالق!!! وما فائدة المباهاة للخالق أمام الملائكة!!! فكيف يتباهى الخالق أمام خلقه وهو خالقهم!!!
أرجو الرد بموضوعية وبوضوح.
تحياتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه؛ كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56}
وهو سبحانه وتعالى أعطاهم هذه النعمة فجعلهم مهيئين للطاعة لله حتى يسعدوا بالحياة الطيبة في الدنيا والجزاء العظيم في الأخرة، وليس هناك أي مصلحة لله تعالى في عبادتهم ولاضرر عليه في معصيتهم وكفرهم، بل إن الخلق هم المستفيدون من الطاعة والمتضررون من المعصية: كما قال تعالى: وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ {فاطر:18} وقال تعالى: وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ {النمل:40} وقال تعالى: فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ {يونس:108} وقال تعالى: وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ {العنكبوت:6} وقال تعالى: إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا {الإسراء:7} وقال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ {فصلت:46} وقال تعالى: وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ {إبراهيم:8} وقال تعالى: إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {الزمر:7} وقال تعالى: وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ {آل عمران:97}
وأما المباهاة فقد ثبت في الحديث ورودها في المباهاة بأهل عرفة وأهل مجالس الذكر والمصلين.
وفائدتها: إظهار فضل بني آدم، وبيان استحقاقهم للمدح حيث غلبت همتهم في العبادة دواعي الأهواء والنفوس والشياطين وجنودهم إلى الكسل والبطالة والولوغ في الشهوات. كذا قال المناوي والمباركفوري.
هذا، وننبه إلى أن العبد يتعين عليه الأدب مع الله والتسليم له والبعد عن تحكيم العقل القاصر في أفعال الله تعالى، فالله تعالى له الحكمة البالغة في تدبير أمور خلقه، وهو يفعل ما يشاء ويختار لايسأل عما يفعل.
راجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 64747 / 48562 / 17797
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1428(1/404)
العبادة معناها وأقسامها
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى كم قسم تقسم العبادة؟ وما هي الأحكام االخاصة بالعبودية؟
الرجاء الإسراع في الجواب لأمر ضروري ولكم منا جزيل الشكر أخوكم احمد من العراق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسؤالك هذا لا يتسع المقام للإجابة عليه بالتفصيل فالعبادة هي الحكمة التي خلق الله تعالى الإنسان من أجلها كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56}
وهي بالمعنى العام كلمة جامعة شاملة لكل ما يحبه الله تعالى من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية.
وتنقسم إلى عبادة واجبة ومستحبة، وباعتبار آخر تنقسم إلى عبادة قلبية وبدنية ومالية أو بدنية ومالية معا. والتفصيل في هذه الأقسام يتطلب بحثا مطوَّلاً لاَ يتسع له المقام؛ فلذا ننصحك بالرجوع إلى الجزء الخامس من الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية حيث فصَّل القول في المسألة بعد السؤال عنها
وإذا كان المقصود بالعبودية الخضوع والانقياد لأوامر الله تعالى فأحكامها قد ذكرها ابن القيم في مدارج السالكين قائلا:
وبيانها أن العبودية منقسمة على القلب واللسان والجوارح وعلى كل منها عبودية تخصه.
والأحكام التي للعبودية خمسة: واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح وهي لكل واحد من القلب واللسان والجوارح. انتهى.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 17543، والفتوى رقم: 70950.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1428(1/405)
فاقد السمع والبصر.. والتكاليف الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) تفسير (سميعا بصيرا)
يقول تعالى ذكره: فجعلناه ذا سمع يسمع به وذا بصر يبصر به إنعاما من الله على عباده بذلك ورأفة منه لهم وحجة له.
يوجد بعض الناس لا يوجد لهم سمع ولا بصر وبالتالي أريد تفسير هذه الآية قال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا)
فكيف تخصص هذه الآية للذين عندهم سمع وبصر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان إنعام الله تعالى على عباده بالسمع والبصر هو الأمر الأغلب في حياة الناس؛ كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ {الملك: 23} وقال تعالى: وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {النحل:78}
والعبد مسؤول عن هذه النعم أمام الله تعالى يوم القيامة، كما قال الله سبحانه: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا {الإسراء:36} .
فمن استعملها في طاعة الله تعالى فقد أفلح ونجا، ومن استعملها في معصيته فقد خاب وخسر، فالله تعالى أعطى نعمة السمع والبصر والعقل ليتمكن العبد بهم من مشاهدة الدلائل، وينظر الآيات الآفاقية والأنفسية، ويسمع الأدلة السمعية، ويتدبر الآيات التنزيلية والعقلية.
قال القرطبي في التفسير: فجعلناه سميعا بصيرا: يعني جعلنا له سمعاً يسمع به الهدى، وبصراً يبصر به الهدي. اهـ
وقال ابن كثير: فجعلناه سميعاً بصيراً: أي جعلنا له سمعاً وبصراً يتمكن بهما من الطاعة والمعصية. اهـ
ولو افترضنا أن شخصا خرج عن هذا الغالب فولد وعاش فاقد السمع والبصر فإنه يعتبر غير مكلف شرعا لأنه مثل من لم تبلغه رسالة الله، قال القرافي في الفروق: واعلم أنه يشترط في خطاب التكليف علم المكلف وقدرته على ذلك الفعل ... اهـ
وفي فتاوى شيخ الإسلام: وسئل - نفع الله به - عمن ولد أصم أعمى أخرس فهل تجب عليه الصلاة؟ (فأجاب) بقوله: صرح ابن العماد بأنها لا تجب عليه; كمن لم تبلغه الدعوة، وهو ظاهر موافق لما عليه أئمتنا وغيرهم ; أنه لا تكليف إلا بعد علم، فحيث انتفى عن هذا العلم بالشرع من أصله، فهو غير مكلف بالصلاة وغيرها. اهـ
وقال المرداوي في الإنصاف: نقل ابن منصور فيمن ولد أعمى أبكم أصم وصار رجلا ـ هو بمنزلة الميت هو مع أبويه. وإن كانا مشركين ثم أسلما بعد ما صار رجلا. قال: هو معهما.
قال في الفروع: ويتوجه مثلهما من لم تبلغه الدعوة. وقاله شيخنا: وذكر في الفنون عن أصحابنا: لا يعاقب. وفي نهاية المبتدي: لا يعاقب. اهـ
وقال الرحيباني في مطالب أولي النهى: قال في الفنون: وإذا منع حائل البعد شروط التكليف فأولى أن يمنع ذلك فيمن بلغ مجنونا أو ولد أعمى أبكم أصم؛ لعدم جواز إرسال رسول إليهما بخلاف غيرهما، وإنما تجب معرفته بالشرع لآية: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً؛ أي: لا يعذب فيما طريقه السمع إلا بقيام حجة السمع من جهة الرسول؛ ولهذا قالوا: لو أسلم بعض أهل الحرب في دار الحرب ولم يسمع بالصلاة والزكاة ونحوهما؛ لم يلزمه قضاء شيء منها لأنها لا تلزمه إلا بعد قيام حجة السمع، والأصل فيه قصة أهل قباء حين استداروا إلى الكعبة ولم يستأنفوا. ولو أسلم في دار الإسلام ولم يعلم بفرض الصلاة؛ فعليه القضاء؛ لأنه قد رأى الناس يصلون في المساجد بأذان وإقامة وذلك دعاء إليهما. ذكر ذلك ابن الجوزي ولم يزد عليه. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1428(1/406)
الركوع والسجود لا يكونان لغير الله
[السُّؤَالُ]
ـ[تناقشت مع الإخوة حول موضوع عدم جواز كتابة هذا النك نيم (شعوري لو يمر جنبك أنا واثق تبي تركع تبي توقف تعز نفسك وتلقى حضرتك ساجد) ، لديه بالمسنجر, وقال لي إني لا أفهم شيئا وتهرب من الموضوع وما زال محتفظا بهذا النك الذي أرى أنه فيه شرك بالله عز وجل، أفيدوني في حكم ذلك؟ ولكم جزيل الشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في إنكارك هذا الينك نيم، فإن الركوع والسجود عبادتان لله تعالى، ولا يسوغ للمسلم أن يصرفهما لغير الله سبحانه وتعالى لأن صرفهما لغيره شرك، وقد قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُن َّ {فصلت:37} ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ {الحج:77} ، وقد أخبرنا الله في سورة النمل عن إنكار الهدهد على بلقيس وقومها سجودهم للشمس، وأنه أكد عدم أحقية غير الله للسجود، فقال تعالى إخبار عن الهدهد أنه قال: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ* لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ* فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ* إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ* وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ* أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ* اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {النمل} ، وفي الحديث: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح أن يسجد بشر لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها. رواه أحمد وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1428(1/407)
لا إثم على من عبده الناس وهو لا يعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الشيخ ابن عثيمين ما نصه: أجمع ما قيل في تعريف الطاغوت هو ما ذكره ابن القيم رحمه الله بأنه ما تجاوز به العبد حده من متبوع أو معبود أو مطاع. ومراده من كان راضيا بذلك ,أو يقال هو طاغوت باعتبار عابده وتابعه ومطيعه , وأنه تجاوز به حده حيث نزله فوق منزلته التي جعلها الله له. أهـ
والسؤال هو: في قول الشيخ (أو يقال هو طاغوت باعتبار عابده وتابعه ومطيعه) هل مراد الشيخ في قوله هو طاغوت ... الضمير (هو) يعود إلى من عبد من دون الله وهو غير راض بأن يقال عن عيسى مثلا إنه طاغوت بهذا الاعتبار , وكيف يكون ذلك أم أن الضمير (هو) يعود إلى تعريف الطاغوت بأنه يمكن أن يعرف باعتبار المعبود ويمكن أن يعرف باعتبار عابده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظاهر -والله أعلم- أن الضمير يعود إلى من عُبِد من دون الله تعالى، ومعنى ذلك عنده أن العابدين رفعوا معبودهم أو متبوعهم وتجاوزوا به حده ورفعوه فوق المنزلة التي أنزله الله تعالى، وليعلم أن هذه اصطلاحات ولا مشاحة فيها، فمن قيد الطاغوت بمن عُبد وهو راض فقد أخرج عيسى عليه الصلاة والسلام من الاعتراض، وهذا هو الذي قال فيه الشيخ العثيمين، ومراده من كان راضيا بذلك، وأما من عبده الناس وهو لا يعلم فلا شك أنه سالم من لحوق الإثم به، ولاشك أنهم كفروا بعبادتهم إياه، ولا بد لصحة إيمانهم من ترك عبادته، فقد قال الله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا {البقرة: 256} ويمكن أن تراجع موقع الشيخ العثيمين للمزيد من فهم كلامه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 8142، 55954، 33411، 8937.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1427(1/408)
العبادة والأخلاق والسلوك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شرعت العبادات من أجل تزكية الأخلاق؟
وجزاكم الله عني خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبادة حق لله تعالى على عباده ولأجلها خلقهم، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: أي إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي لا لاحتياجي إليهم فواجب العبد وغايته في هذه الحياة هو التحلي الكامل بصفة العبودية التي هي شرف للعبد وتاج يفتخر به أمام العالمين، وحق لله تعالى على عباده هو عبادته والتسليم له والانقياد لأمره، وهو حق استحقه بمقتضى ربوبيته وألوهيته وكماله ولو لم تأت الرسل من عنده آمرة بعبادته لاستحق أن يعبد ويعظم لذاته لا لشيء زائد، وفي الصحيحين من حديث معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله، قلت الله ورسوله أعلم، قال حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا، ولا شك أن العبادة الصحيحة الخالصة لوجه الله تعالى سبب لطمأنينة النفس وانشراح الصدر كما أن لها أثرا يظهر في نفسية المؤمن وسلوكه وأخلاقه كما هو مشاهد، وكنا قد أوضحنا في الفتوى رقم: 17543 حقيقة العبادة وغايتها وفائدتها، وانظر الفتوى رقم: 64747.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1427(1/409)
الرضا بالعمل الأقل ماديا واجتماعيا لغرض الإكثار من التعبد أفضل
[السُّؤَالُ]
ـ[أفكر في العمل كطيار، ولكن هناك بعض الأمور التي تترتب على هذه الوظيفة التي تثير قلقي دينياً ... مثل الجمع والقصر لنصف صلواتي تقريباً مع اختلاف مواعيد نومي فبالتالي لن أستطيع في معظم الأحيان قيام الليل، وأيضاً سيؤثر على صيامي في رمضان ... وسؤالي هو: هل إذا كنت الآن أعمل بعمل أقل في المستوى الاجتماعي والمادي، ولكن أستطيع فعل هذه العبادات والحمد لله بحرية، هل ترك هذا العمل يعتبر حبا للدنيا أكثر من الآخرة وعدم زهد فيها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أنه كلما زاد العبد في العبادة وفي النوافل كان ذلك خيراً له وأفضل عند الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. الحديث رواه البخاري.
مع أن السعي في طلب الرزق بالطرق المشروعة أمر مباح، بل إنه مطلوب، لقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {الملك:15} ، وقوله سبحانه وتعالى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ {المزمل:20} ، قال النسفي: سوَّى سبحانه وتعالى في هذه الآية بين درجة المجاهد والمكتسب، لأن كسب الحلال جهاد.
وعليه؛ فترك العمل الأقل في المستوى الاجتماعي والمادي، والذي يستطاع معه فعل العبادات المذكورة، إيثاراً لعمل طيار، يمكن القول بأنه حب للدنيا أكثر من الآخرة، لأن فاعل ذلك لم يهتد إلى ما هو أفضل له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(1/410)
المسلم لا يتخلى عن عبادة الله بحال
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتصرف المؤمن عندما يصبح القيام بالعبادات خطراً عليه نظراً لوجوده في بيئة معادية للدين، فهل يتخلى عن ذلك، وما هو البديل؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يقوم بشعائر دينه، فإن عجز عن ذلك بسبب وجوده في بلد يحارب دين الله، فالواجب عليه أن يهاجر منه إلى غيره من البلدان التي يستطيع أن يقيم فيها شعائر دينه، ولا يتخلى عن عبادة الله جل جلاله، فقد قال الله تعالى: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا {النساء:97} ، فإن لم يستطع أدى الواجبات بحسب قدرته، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 8614.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1427(1/411)
ثمرات العبادة وآثارها على الفرد والأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أثر العبادة على الفرد والمجتمع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإجابة على سؤالك تتطلب تفصيلاً لا يتسع المقام له؛ فالأمر يستحق بحثًا طويلاً إن لم نقل إنه يستحق أن يفرد له كتاب مستقل. فلذا نكتفي بنبذة مختصرة عن هذا الموضوع الواسع فنقول وبالله التوفيق:
إن العبادة هي الحكمة التي خلق الله تعالى من أجلها الإنسان، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ {56:الذاريات} . قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له؛ فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب. وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم. فهو خالقهم ورازقهم. انتهى.
فالعبادة شاملة لكل ما دل دليل شرعي على أنه يتعبد به لله، ويدخل في هذا كل طاعة لله تعالى تقرب إليه، ومن أمثلة هذه الطاعات وأثرها على الفرد المسلم ما يلي:
أولاً: توحيد الله تعالى: فهو أهم عبادة يفعلها المسلم، وشرط لقبول كل الأعمال، إضافة إلى أن عدمها هي الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله؛ فقد قال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء {4 8:النساء} . وللمزيد من فوائد التوحيد راجع الفتوى رقم 31970.
ثانيًا: الصلاة: فإن المحافظة عليها بإتقان سبب للبعد عن المعاصي والمنكرات؛ فقد قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {4 5:العنكبوت} . وراجع المزيد من فوائدها في الفتوى رقم 54872.
ثالثًا: الزكاة: فهي الركن الثالث من أركان الإسلام وإخراجها سبب لتزكية مخرجها وتطهيره؛ كما قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا {103: التوبة} . وراجع المزيد في الفتوى رقم 37309 والفتوى رقم 51647.
رابعًا: الصيام: فهو الركن الرابع من أركان الإسلام، وهو سبب للاتصاف بالتقوى؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {183:البقرة} . إضافة إلى كونه سببًا لمغفرة الذنوب إذا كان خالصًا لوجه الله تعالى؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. متفق عليه. وراجع الفتوى رقم 28791.
خامسًا: الحج: الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وأداؤه سالمًا من الرفث والفسوق سبب لمغفرة ما تقدم من الذنوب قبله؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه. متفق عليه. وهذا لفظ البخاري. وللفائدة راجع الفتوى رقم 56329 والفتوى رقم 31892.
سادسًا: ذكر الله تعالى: فإنه سبب لطمأنينة القلب وراحة النفس؛ حيث قال تعالى: أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {28:الرعد} .
سابعًا: تلاوة القرآن: فإنها سبب للخشوع بالنسبة للمؤمنين المتصفين بالخشية من الله تعالى؛ فقد قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ {23:الزمر} .
ثامنًا: الدعاء: فإنه عبادة عظيمة وسبب لدفع الهم والغم ورفع البلاء، وغير ذلك من فوائده الكثيرة، والتي تقدم بعضها في الفتوى رقم 68955، والفتوى رقم 69140.
والمجتمع ليس إلا مجموعة من الأفراد؛ فكل ما كان الفرد أكثر استقامة على عبادة الله تعالى وتأثرًا بها انعكس ذلك إيجابًا على المجتمع، فالعبادة هي سبب نظام الكون وصلاحه وسبيل سعادة البشرية جمعاء. ومن أمثلة أثر العبادة على المجتمع نقتصر على ما يلي:
أولاً: أنها ضمانة أكيدة من العقوبات الإلهية حيث إنها تكبح جماح البشرية عن الوقوع في المعاصي التي تجلب هذه العقوبات. قال جل جلاله: وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً {25:الأنفال} ، وقال أيضًا: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {41:الروم} .
ثانيًا: الحفظ من كيد الأعداء ومكرهم؛ قال تعالى: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا {120:آل عمران} .
ثالثًا: الرخاء الاقتصادي واستنزال رحمات الله وبركاته على البلاد والعباد؛ فقد قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ {96:الأعراف} .
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 33697.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1426(1/412)
حكمة الخلق والابتلاء والتكليف
[السُّؤَالُ]
ـ[أكتب إليكم لأقص عليكم حوارا حدث بيني وبين صديق لي عن العقيدة، بعد أن فرغت مني الحيل والحجج في مناقشة هذا الشخص. كان الجدال في موضوع شهير وموجود منذ الأزل، ألا وهو لماذا خُلقنا.
سألني: لماذا خُلقنا؟
أجبته: هذا سؤال معروف، وجوابه معروف. \"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون\"، وخَلقَنا الله ليمتحننا في الدنيا، ليثاب العابد ويعاقب العاصي، وحتى تتحقق لنا السعادة الأبدية في الآخرة.
قال: أيحتاج ربنا لهذه العبادة؟ أو ليس يعرف من منا سيطيع، ومن منا سيعصي؟
أجبت: بالطبع الله عز وجل غني عن هذه العبادة، في الحديث القدسي: \"يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْر\".
إنما هي حتى يقيم الحجة على العاصي، لأن الله عز وجل لا يظلم أحداً، ولن يعاقب أحداً قبل أن يعصي.
قال: إذن، دعنا نأتي بتشبيه دنيوي، لنقل إن الدنيا عبارة عن شركة معينة ونحن موظفون فيها، عند توظيف أي موظف نقول له: عليك أن تجتهد وتعمل، والعمل هنا ليس بسهل وهناك الكثير من المصاعب، وجو العمل سيء ومتعب (الشهوات) ولكن عند بلوغك سن للتقاعد، وكنت موظفاً جيداً، سنعطيك راتباً تقاعدياً خيالياً (الجنة) ، أما إن لم تكن كذلك، فسوف نعاقبك ونزج بك في السجن (النار) أليس كذلك؟
قلت: إلى حد ما، ولله عز وجل المثل الأعلى.
قال: ولكن هل أنا مخيّر في وجودي في هذه الشركة؟ هل يحق لي الخروج منها؟
أجبت: لا.
قال: لماذا؟
أجبت: هذا أمر الله عز وجل وليس لأحد أن يجادله، فهو المتصرف في عباده يفعل ما يشاء.
قال: افترض أن صاحب هذه الشركة أيضاً يجبرك على العمل فيها، ألن تشعر بالظلم؟ ألن تشعر أنك تريد أن تخيّر إذا ما كنت تريد العمل في هذا الجو السيئ المليء بالمصاعب بغض النظر عن مقدار الجائزة التي ستنالها في النهاية. ما هو شعورك ناحية صاحب الشركة في هذه الحالة؟ هل ستحبه لأنه سيعطيك الراتب الخيالي؟ أم ستكرهه لأنه أجبرك على العمل في الشركة من الأصل؟
سألت: ماذا تقصد؟
أجاب: أعني ماذا لو أني لا أريد أن أكون موجوداً؟ لا أريد الحياة ولا الجنة ولا النار. تعطيني شهوة الجنس وتحرّم علي الزنا، تعطيني حب المال وتحرّم علي السرقة، تحيطني بالشهوات من كل جانب ثم تحرمها علي، تفرض عليّ البر بوالدين لا يمتّّون للأبوة والأمومة بصلة، لمجرد أنهما ربياني وأنا صغير عندما كنت لا أعي شيئاً وعندما أتيا بي مجبراً على هذه الدنيا. وتقول لي يجب أن تعمل بجد، ويجب أن تكون سعيداً وتُقبل على الحياة؟ كيف ذلك؟ أعلم أن الله هو الخالق والمتصرف في كل شيء ولا يجوز لنا أن نجادل في حكمته في الخلق. ولكن كيف لي أن أعمل بجد وأن أكون مقبلاً على الحياة وأنا أشعر في داخلي أني مظلوم وأني لا أريد الوجود أصلاً؟
فلم أعرف بماذا أجيب!! فأشيروا علي جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يتعين عليك البعد عن الجدل بغير تحقيق ومعرفة تامة لموضوع النزاع، فإن الجدل بغير علم من علامات الضلال، وربما أوقع في التقول على الله، وفي الحديث الذي رواه أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم قرأ: ما ضربوه لك إلا جدلاً. ورواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي: حديث حسن صحيح
وقد ثبت في الكتاب والسنة النهي عن القول على الله بغير علم، والجدل بغير علم، وأن يقال على الله غير الحق كما في قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف: 33} وقوله سبحانه: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ {الإسراء: 36} وقوله: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ {الأعراف: 169} وقوله: لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ {النساء: 171}
ثم اعلم أن غاية خلق الإنسان في هذه الحياة قد أوضحه الله فقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات: 56} قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: أي إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي لا لاحتياجي إليهم. فواجب العبد وغايته في هذه الحياة هو التحلي الكامل بصفة العبودية التي هي شرف للعبد وتاج يفتخر به أمام العالمين، وكل عبد في الدنيا مبتلى هل يستقيم على الطاعة أم ينحرف؟ قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك: 2} وقال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان: 2 ـ 3}
فشرف الإنسان إنما هو في العبودية لله وهي المعنى الذي أوجد لأجله، ودناءته بفقدان ذلك الفعل منه، فمن لا يصلح لخلافة الله تعالى ولا لعبادته ولا لعمارة أرضه فالبهيمة خير منه، ولذلك قال الله في ذم الذين فقدوا هذه الفضيلة: أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ {الأعراف: 179}
ويتعين التنبه إلى بعض الأمور:
1 ـ العبادة حق لله الخالق العظيم، فحقه علينا هو عبادته والتسليم له والانقياد لأمره، وهو حق استحقه بمقتضى ربوبيته وألوهيته وكماله، ولو لم تأت الرسل من عنده آمرة بعبادته لاستحق أن يُعبد ويُعظم لذاته لا لشيء زائد. وفي الصحيحين من حديث معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً.
2 ـ العبادة تحرير الإنسان من عبادة غير الله، فإن الله تعالى قضى أن من ترك عبادته عبد غيره، هذا الغير قد يكون حجراً أو قمراً أو هوى أو حزباً أو فكراً أو كاهناً أو معشوقاً أو شهوة.
3 ـ أن العبادة سبب لطمأنينة النفس وانشراح الصدر وارتياح القلب، فالإنسان محتاج للعبادة لما فيها من منافع عائدة على نفسه، وأما الله فغني عن عبادة العالمين.
وأما الاحتجاج بكونه سبحانه يعلم مصير كل فرد من مخلوقاته فهذا أمر طبيعي للإله القادر العليم، وكيف يكون رباً للأشياء وهو لا يعلم مصيرها ولا ما تؤول إليه؟! وهو الذي يفعل ما يشاء كيف يشاء لا دخل لأحد من خلقه في فعله جل وعلا، قال تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء: 23}
ثم إن في إيجاد الإنس والجن وابتلائهم بالتكاليف ثم مجازاتهم على أعمالهم ظهورا لآثار أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، فهو الخالق الرازق المحيي المميت، وهو الرحمن الرحيم، والحكيم العليم، هو ناصر المؤمنين ومخزي الكافرين، وهو الديان الذي يحاسب عباده ويجازيهم على أعمالهم، وهو المنتقم الجبار، الذي ينتقم لأوليائه من أعدائه، وهو الموصوف بكمال العدل والإحسان جل وعلا.
وأما قياس العابد على الأجير في الشركة فهو قياس مع وجود الفارق لأن العبد مملوك مربوب لله تعالى خلقه للعبادة. وقد رباه وأسبغ عليه نعمه لينقاد له، قال الله تعالى: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل:81} ولم يكلفه إلا بما في طاقته؛ كما قال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة: 286} وقال تعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {الأعراف: 42}
فهل يعقل قياس الرب الذي خلقنا والذي نحتاج إليه في وجودنا ورزقنا وحفظنا ورعايتنا على شركة قد تتركها وتجد عوضاً عنها؟! هل يعقل قياس من نعيش بنعمه ونعقل بها ونبصر بها ونسمع بها على مخلوق لا حول له ولا قوة ولا يملك نفعاً ولا ضراً؟!
فالعبد من حيث التعامل مع الله تعالى عبد مربوب مملوك قد أنعم الله عليه بعبادات يسيرة سهلة لا تتجاوز وسعه وطاقته، وبهذه العبادات يظفر العبد بالحياة الطيبة في الدنيا، وبالرضوان ورؤية الله ودخول الجنة والسلامة من النار ومساكنة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين في الآخرة.
وأما الاحتجاج بأن الله تعالى ركب في الإنسان الشهوات وحرمها عليه.. فإنه يرد عليه بأن الله تعالى ما حرم شيئاً إلا أباح ما يعف عنه ويعوضه. فقد حرم الزنا وأباح الزواج، وشرع الصوم لكبح النفس عن نزواتها، وحرم الاعتداء على أموال الناس وأباح التكسب بالطرق المشروعة كالبيع والإجارة والزراعة.
وأما الوالدان فهما أعظم الناس حقا على الولد وأعظمهم عطفاً عليه، فالواجب برهما والإحسان إليهما والحرص على رضاهما مهما كان حالهما، فقد أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.
وفي الحديث: رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد. رواه ابن حبان والحاكم وحسنه الألباني
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1426(1/413)
خطاب الله بالتكاليف الشرعية عام لجميع الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[1-ما موقف اليهود من التكاليف الشرعية
2- ما الأمثلة التي شدد الله تعالى فيها على اليهود في التكاليف]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اليهود كغيرهم من الكفار مخاطبون بالتكاليف الشرعية، فكما أن الناس جميعا مطالبون بالدخول في الإسلام بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ وبقوله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ وغير ذلك من الآيات والأحاديث.
فهم كذلك مخاطبون بأداء فروع الإسلام وتكاليفه الشرعية لأن خطاب الله تعالى بهذه الفروع والتكاليف موجه لجميع الناس؛ كما في قوله تعالى: يَا بَنِي آَدَمَ ... يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ
وخطابهم بها لا يقتضي صحتها منهم ما لم يسلموا، ولكن لزيادة العقاب عليهم في الآخرة زيادة على عقابهم على الكفر؛ كما قال تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ {المدثر: 42-44} وقال تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ {النحل: 88} فيعذبون على التكاليف الشرعية زيادة على كفرهم.
وأما التكاليف التي كانت على اليهود وخففت ببعثة نبينا صلى الله عليه وسلم فقد أشار لها القرآن الكريم في صفات النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ {الأعراف: 157}
وقد ذكر أهل العلم أن من ذلك تعيين القصاص في القتل العمد والخطأ وتحريم الغنائم.
وقد جاء في القرآن الكريم أن الله تعالى حرم عليهم بعض الطيبات بسبب ظلمهم وبغيهم، فقال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ {النساء: 160} وقال تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ {الأنعام: 146}
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 53025.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1426(1/414)
فائدة العبادة تعود على صاحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الغرض من الخلق والوجود هو العبادة كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فكيف نرد على من يقول من الملحدين بأن بذلك يكون الله يحتاج إلى العبادة لذلك خلق الخلق وهذا يناقض كمال الله وإذا كان الله لا يحتاج إلى العبادة فلماذا خلق الخلق وأوجدهم.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى أنعم على الخلق بما شرعه لهم من الأعمال الصالحة التي يحصل لهم بها صلاح الأحوال في الدنيا والآخرة، فهم المستفيدون من العبادات، وليس لله تعالى فائدة منها فلا تزيد في ملكه شيئاً، ولا يضره تركهم إياها شيئاً. قال الله تعالى: وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ {إبراهيم: 8} .
وفي الحديث القدسي: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً. رواه مسلم.
ومما يدل لعدم حاجته لعبادة الثقلين أن الله تعالى يغدق على أهل الجنة من سابغ النعم حياة أبدية وهم لا يعملون شيئاً من التكاليف التعبدية، وأعظم من ذلك إنعامه على الكفار وحلمه عن إنزال العقاب بهم مع كفرهم به، كما في الحديث الصحيح: لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل، إنه يشرك به ويجعل له الولد ثم هو يعافيهم ويرزقهم. رواه مسلم.
وراجع الفتوى رقم: 48562، والفتوى رقم: 8546.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1426(1/415)
الطريق المنير لاستجلاب حب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أساس هذه الرسالة هو السؤال الذي صدرت لأجله الإجابة رقم: 58942.
السؤال: لم خلقنا الله؟ له معنَيَين:
الأول هو: الهدف الذي خُلقنا لفعله، الإجابة (أن نحيا ونعبد الله) ، لقول الله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.
وهنا قلت: أن نحيا لأنه لا يعقل أن نعبد إن لم نكن أحياء، لذا علينا أولا أن نستمر في الحياة (حتى نهاية أجلنا) ونعبد خلال ذلك.
الثاني هو: السبب الذي جعل الله يخلقنا - ما الذي يريده الله من خلقنا، هذا هو الذي أريد إجابة عنه؟.
المنطق العقلي (الذي خلقه الله نفسه) يقول الآتي:
- لكل فعل فاعل
- لكل فعل هدف
- لكل فعل سبب
وهنا الفعل هو الخلق.
الفاعل هو الله.
الهدف هو أن نعبد
السبب (هذا ما أريد معرفته)
ولا أستطيع تقبل فكرة فعل ما دون سبب.
وأنتم في إجابتكم لم تجيبوا إلا على المعنى الأول. والذي لا أريد إجابة عليه لأني أعرفها مسبقا.
ثم هناك مسألة أخرى وهي:
ما معنى (ليبلوكم) و (نبتليه) ؟
إن كان المعنى أن نختبره فهذا غير معقول.
كيف يختبرنا الله؟ وهو يعلم نتيجة الاختبار مسبقا.
وهذا أيضا طبقا للمنطق العقلي البحت، والذي نعلم من خلاله:
أن أي اختبار الهدف منه معرفة النتيجة. أي أن الاختبار أساسا يقوم لكي نعرف.
والتعارض يكمن في أن الله يعرف النتائج قبل حتى أن يخلق الملائكة أو حتى الدنيا (وهنا أقصد بالدنيا كل المكان الذي توجود فيه كل المخلوقات المعروفة (الملائكة، البشر، الجن ... ) وحتى غير المعروفة) .
ثم هناك مسألة أخرى وهي أن الله وضعنا في اختبار ثم حدد لنا الأسئلة.
لكنه لم يخيرنا في هل نريد أن ندخل الاختبار أم لا؟
ما لا أتقبله هو:
يا من تقرأ هذا، أرجو منك أن تركز جيدا على هذه النقطة:
في تلك اللحظة: التي كان الله فيها وحده لا أحد غيره.
في تلك اللحظة: أراد الله أن يبدأ في خلق ما خلق.
في تلك اللحظة: لحظة الإرادة.
السؤالان هما:
1 - لم أراد أن يخلق؟
2 - في تلك اللحظة وقبلها كان يعلم كل ما سيحدث حتى يوم يكون البعض في الجنة والبعض في جهنم ويعلم حتى الثمرة التي سيقطفها فلان ولونها وووو ...
أخبروني أي سبب يعقل يدفع الله لأن يبدأ في الخلق تلك اللحظة؟
أما عن مسألة أنه لا يمكننا إثبات وجود الله إثباتا قاطعا فلا أدري كيف ترون أن إثبات وجود الله ممكن.
أولا: لا يمكنكم أن تعطوا أدلة على وجود الله من القرآن، لأن هذا غير عقلاني البتة، والسبب أنكم تريدون إثبات الله بشيء هو غير مثبت إلا إذا ثبت وجود الله.
فكيف هذا؟
ثانيا: الإيمان نفسه مبني على عدم التأكد تماما بوجود الله
يعني أن الإيمان هو أن توقن بوجود شيء دون أدلة مادية وعقلية على وجوده.
وهنا مادية وعقلية معا وإلا فوجود الشيء لن يكون ثابتا
وأما المادية: فبلمس الشيء وليس رؤيته فقط (لأن الرؤية تخدع)
وأما العقلية فهي عدم تعارض الوجود مع المنطق العقلي العام.
والمنطق العقلي هو الذي يرتكز على مبدأ الاحتمال، أي:
لا يوجد شيء ثابت تماما مهما بدا كذلك، وهذا لأن كل شيء نسبي، ومرتبط بأشياء أخرى.
الخلاصة هي أن لا شيء ثابت عند من لا يعرف كل شيء وعندما أقول كل شيء فأنا أقصد كل شيء الماضي والحاضر والمستقبل من اللابداية إلى اللانهاية.
الاختصار من كل هذا هو:
ما ذكرتموه في المقطع الثالث من الإجابة: \\\"واعلمي أن عبادة الله مع الشك في وجود الله مع تمكن ذلك من القلب لا تنفع فاعلها ولا تنجيه من عذاب الله ... \\\"
هذا هو الكارثة الكبرى لأني لا أرى سوى أني لا يمكنني أن أعبد إلا خوفا وحتى لو حاولت أن أعبد حبا في الله أو طمعا فيه فلن يكون لذلك أي أساس إلا الخوف.
لكن مع ذلك الآن ارتحت أكثر لأن الخيار أصبح في إرادتي نوعا ما:
لأن الأمر أصبح متعلقا بأن أحاول العبادة وفي قلبي فكرة أني أطلب أن يرحمني الله.
أرجوا منكم أن تجيبوا على ما ورد فوق وأن تدعوا لي بالهداية والرحمة والمغفرة.
أرجوا أن لا أكون قد أطلت عليكم، في انتظار الرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي شرح الله صدرك وأضاء قلبك ورد عنك كيد شيطانك، أن كل ما ذكرت من شبهات تحسبيها أدلة هي في الحقيقة ليست أدلة، وإنما هي أوهام فاسدة، وقد سبق أن أجبنا على شبهة (لم خلقنا الله) إجابة مفصلة في الفتوى رقم: 44950، كما أجبنا على باقي الشبه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5492، 31767، 4054، 27468، 9345، 17543، 22279، 33504، 52377.
والذي نريد التأكيد عليه هنا هو دعوتك إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى حيث يقول: حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ {غافر: 1-3} .
وقال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 88} .
وقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ {النور: 31} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وروى مسلم عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
فاستسلامك لهذه الأفكار بهذه الطريقة سيرديك في جنهم ـ أعاذك الله من هذا ـ فدعي عنك هذه الأفكار وفري إلى الله وتعرفي على أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وانظري في نعم الله علينا التي لا تحصى والتي ستقودك إلى حب الله تعالى، فإن النفوس جبلت على حب من يحسن إليها، والله تعالى هو المحسن المنعم على الإطلاق: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ {النحل: 53} .
وقال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ {النحل: 18} .
والله نسأل أن يهديك ويردك إلى الحق مرداً جميلاً وأن ينزع من قلبك كل شك وريب ويتوب عليك.
وراجعي الفتويين: 51785، 31970.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1426(1/416)
لايقوم بواجب العبودية، ولا يرتكب المحرمات والكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[شكراً لكم مقدما على إتاحة هذه البوابة للرد على أسئلة المسلمين في جميع أنحاء العالم، سؤالي هو: إذا لم يقم الإنسان بالعبادات التي فرضها الله عليه من صلاة وزكاة وصيام، وفي نفس الوقت فهو لا يسرق ولا يزني ولا يقتل ولا يكذب ولا يفعل ما حرم الله، فما مصير هذا الإنسان، هل يدخل النار والعياذ بالله؟ كيف فهو لم يفعل ما يغضب الله، أم يدخل الجنة؟ كيف فهو لم يؤد حقوق الله، أم هل هناك شيء آخر لا نعرفه يستحقه هذا الإنسان؟ أرجو إفادتي وأستغفر الله العظيم إذا كان سؤالي هذا لا يليق بمسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد خلقنا الله لعبادته سبحانه، فقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} ، ولا يحقق العبد عبوديته لله جل وعلا إلا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
فكل من نطق بالشهادتين فقد رضي بالإسلام ديناً، ويلزمه الانقياد لشرائعه، وذلك لأن الإيمان عند أهل السنة والجماعة حقيقة مركبة من جزأين هما: القول والعمل، ولا يغني أحدهما عن الآخر.
فإذا ترك شخص العمل بمقتضى الشهادتين فإنه يحكم بردته، لأن الله تعالى نفى الإيمان عمن لم ينقد لحكمه ولم يستسلم لشرعه، قال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء:65} ، وانظر شروط الانتفاع بكلمة (لا إله إلا الله) وأن من أعظمها الانقياد في الفتوى رقم: 5098، وكذلك انظر أدلة كون ترك جنس العمل مخرج من الملة في الفتوى رقم: 17836.
وعلى ذلك، فليعلم أن الله تعالى يغضب إذا لم يستسلم له عباده بأداء ما افترضه عليهم، كما يغضب سبحانه إذا انتهكوا محارمه وفعلوا ما حرمه عليهم وحذرهم منه، ولمزيد من التفاصيل حول الموضوع راجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 20638، 17543، 723، 19304، 15037، 12178.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1426(1/417)
نظرات في الأحق بالقضاء.. حقوق الله أم حقوق العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[في ضوء النصوص الشرعية والقواعد العامة أيهما أحق بالقضاء دين الله أم دين العباد علما أن العلماء يقولون حق الله مبني على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاحة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسألة التي سأل عنها السائل الكريم مسألة طويلة المباحث وفيها تفصيل، فلا يطلق القول بأن حقوق العباد مقدمة على حقوق الله تعالى، ولا يطلق القول بالعكس أيضاً، وبالتفصيل يتبين الصواب، ونحن هنا ننقل بتصرف واختصار ما قاله العلامة العز بن عبد السلام في هذا المبحث وفيه الكفاية. يقول رحمه الله:
الفصل السادس: فيما يتقدم من حقوق الرب على حقوق عباده إحساناً إليهم في أخراهم، وله أمثلة منها: تقديم الصلوات المفروضات عند ضيق الأوقات على الرفاهية والشراب والطعام.. ومنها: تحمل المشقات في العبادات فإنها مقدمة على قضاء الأوقات والراحات.. ومنها: بذل النفوس والأموال في قتال الكفار..
الفصل السابع: فيما يتقدم من حقوق العباد على حقوق الرب رفقاً بهم في دنياهم، وله أمثلة منها: التلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه حفظا للنفوس والأعضاء.. ومنها: الأعذار المجوزة لترك الجماعات والجُمُعات.. ومنها: الأعذار المجوزه لترك الجهاد.. ومنها: تأخير الصيام بالأمراض والأسفار.
الفصل الثامن: فيما اختلف فيه من تقديم حقوق الله على حقوق عباده وله أمثلة:
أحدها: إذا مات وعليه ديون وزكوات فإن كانت نصب الزكوات باقية قدمت الزكوات لأن تعلقها بالنصب يشبه تعلق الديون بالرهون، وإن كانت تالفة فمن العلماء من قدم الديون نظراً إلى رجحان المصلحة في حقوق العباد، ومنهم من سوى بينهما لتكافؤ المصلحتين عنده، ومنهم من قدم الزكوات نظراً إلى رجحان المصلحة في حقوق الله، وهذا هو المختار لوجهين: أحدهما: قوله صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق بالقضاء.
والثاني: أن الزكوات فيها حق الله وحق الفقراء والمساكين فكانوا أحق بالتقديم فلا يجوز تقديم واحد على حقين. المثال الثاني: اجتماع الحج والديون على الميت، فمنهم من قدم الحج لورود النص في تقديمه، ومنهم من يقدم الدين، ومنهم من يسوي بينهما إن وجد من يحج بالحصة. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1426(1/418)
لب العبادة الإخلاص وموافقة الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[الله تعالى خلقنا لعبادته.... فكيف أستطيع عبادته على أكمل وجه؟ وهل تنقسم العبادة إلى أقسام وفروع متعددة؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عبادة الله هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال سواء في السر أو في العلانية، وقد بسطنا الكلام على العبادة وماذا تعني في الفتوى رقم: 19569. فإذا طالعت هذه الفتوى فسيتبين لك أن العبادة تشمل حياة الفرد المسلم كلها، وإذا عرفت العبادة وأحببت أن تعبد الله على أكمل وجه فعليك بالاستعانة بالله وعليك بتعلم الأحكام أي أحكام العبادات من طهارة وصلاة وصيام وزكاة وغير ذلك لتكون على بصيرة من أمرك، واعلم أن لب العبادة الإخلاص لله تعالى في جميع أنواع العبادة، وأن الله عز وجل لا يعبد إلا بما شرع فالعبادة لا تقبل عند الله تعالى إلا إذا كانت خالصة لوجهه وموافقة لشرعه، هذا كله بعد تصحيح عقيدة المسلم وتصفيتها من شوائب الشرك بالله، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 17543 والفتوى رقم: 29387 والفتوى رقم: 30053.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1426(1/419)
الجمع بين الحب والخوف والرجاء في العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعلم أن الله تعالى هو خالقنا وعبادته واجبة, لكن أحيانا أتساءل: بما أن الأعمال بالنيات فهل عبادتنا له عز وجل تكون بنية الدخول إلى الجنة مع أنه تعالى يستحق العبادة حتى لو لم تكن الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على المسلم أن يجمع في عبادته لربه بين الحب والخوف والرجاء، فينوي امتثال أمر الله حيث أمره بهذه العبادة طلبا لرضوانه وجنته وخوفا من عقابه، ولبيان كلام العلماء في هذا المعنى يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 46678.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1426(1/420)
الغاية من خلق الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أعرف أنا مخلوق لماذا، أحس أن بيني وبين الناس حاجزا، وأحس أنه لا أهمية لي في الحياة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله خلق الإنسان لعبادته وإقامة أمره وتحكيم شرعه. فمن حاد عن هذا الطريق فقد استحق عقاب الله، ومن امتثل استحق النعيم المقيم. قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ {الذريات:56ـ57} . وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً {الملك: 2} .وأنكر سبحانه أن يظن أو يدعى أنه خلق الكائنات عبثا، قال جل من قائل: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ*فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ {المؤمنون:115ـ116} . فاعلم ـ أيها الأخ ـ أنك مخلوق من أجل عبادة الله، وأن ما تحس به من حواجز بينك وبين الناس، وما تجده من عدم أهمية الحياة إنما هو ثمرة البعد عن ذكر الله، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124} .فعليك بتقوى الله وعبادته، وقوَّ إيمانك بالأعمال الصالحة لتحيا حياة سعيدة في هذه الدنيا وتجزى في الآخرة ثوابا وافرا. قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1425(1/421)
لا تعارض بين عبادة الله والعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي في الله عندي سؤال وهو: أنني بعد وفاة والدي رحمه الله أصبحت لدي السلبية واللامبالاة وكأني لا أريد العمل وجاءتني أفكار بأن الله لم يخلقنا إلا لعبادته، فلم العمل وقررت أن أحاول التقرب إلى الله، فهل أنا صائبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام حث على العبادة وجعلها الغاية من خلق البشر، قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} ، بل إن الأعمال الصالحة لازم من لوازم الإيمان عند أهل السنة، قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ {البينة:5} .
ورسول الله أتقانا لله وأخشانا له وأعلمنا بمراد الله، وعلى الرغم من كل هذا لم يترك العمل، بل عمل لنفسه فتاجر وخدم نفسه وغيره، ورغب في العمل، فقال: ما أرسل الله من نبي إلا رعى الغنم، قالوا: حتى أنت؟ قال: حتى أنا. رواه البخاري.
ونص الفقهاء على أن المهن والصناعات التي يحتاج إليها الناس من فروض الكفايات فيثاب القائم بها ويأثم الجميع بتركها وتعطيلها، فلا تعارض بين عبادة الله والعمل، قال الله تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ {القصص:77} .
فإن كنت في حاجة إلى العمل وليس هناك من ينفق عليك من ابن أو زوج فلا بأس بالعمل شريطة أن يكون مما أباحه الله وليس فيه محظور شرعي من اختلاط أو غيره مع الالتزام بالحجاب الشرعي، وإن كنت غير محتاجة فمكثك بالبيت للعبادة وتعلم العلم والقيام بواجبات البيت خير لك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1425(1/422)
العبادة ما جمع بين الحب والخوف والرجاء
[السُّؤَالُ]
ـ[تفضلتم بالإجابه على سؤال قد أخطأت فيه إلا أني لم أفهم جواب سماحتكم حيث ذكرتم أن الواجب على المسلم أن يجمع في عبادته لله تعالى بين ثلاثة أشياء الحب والخوف والرجاء وكما أعلم أن الحب والرجاء واحد كما ذكرتم أن الأعمال يجب أن لا تكون معلله بطلب الجنة والخوف من النار فقط لأن الله مستحق للعبادة ولم تكن جنة ولا نار والعبادة وأنتم أعلم هي الخوف والطمع فكما أفهم أن لو لم تكن جنة ولا نار عبدنا الله طلبا للدنيا وخوفا من زوالها وسماحتكم أعلم أن العبد لو ظن أنه قادر على إيفاء شكر الله كفر ولو شكر الله عالما غنى الله عنه بل يشكره لنفسه فما سينال بشكره إلا الخلاص من النار ودخول الجنة وأحب شئ لأهلها هو النظر الى وجه الله تعالى
لو شرحتم لي وجه الخطأ عندي ومعنى فتوى فضيلتكم رقم 46678 جزاكم الله خير الجزاء والله أعلم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن هذا السؤال في الفتوى رقم: 47961.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1425(1/423)
مظاهر تكريم الله للإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أي معلومة عن تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان بالتكليف تحديدا, وأن تدلوني على مراجع أبحث فيها للمزيد في هذا الأمر؟ وجزيتم خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التكليف مظهر من مظاهر تكريم الله للعبد واجتبائه له، فإن الله تعالى خلق الأنعام والثمار للإنسان وسخرها له، وجعل مقصد الإنسان العبادة، وحمله الأمانة، وجعله خليفته في الأرض، قال الله تعالى: وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ [النحل:5] ، وقال تعالى: يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:11] ، وقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ، وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:30] ، وقال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72] .
فلا شك أن الأعمال والتكاليف التي خص بها الإنسان من حج ونفقات وكف عن الشهوات في الصوم ومناجاة في الصلاة دالة على مكانة الإنسان عند الله، وعلى الثقة به وتكريمه له، ويضاف إلى هذا مزيد إيثاره بالتكريم في الآخرة، حيث يحيا حياة أبدية في النعيم المقيم، يرى ربه، ويساكن النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ويمكنك الرجوع لكتب التفسير لتحصل على المزيد في هذا الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1425(1/424)
شبهات تتعلق بعبادة الله وعدم استجابة الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم وأسأل لماذا علي أن أعبد الله، وما الفرق بين عبادة الله وعبادة غيره، إذا كان الله لا يجيب دعاء ولا يكشف هما ولا يكشف كربا ولا أستطيع الاعتماد عليه في شيء، فلماذا أقول إنه ربي، أنتم تقولون إن الله يجيب الدعاء ويجيب المضطر متى يجيب بعد الموت، أم يجيب في وقت لا ينفع فيه إجابة الدعاء. أنا لا أعبد الله على عطاء فإن أعطاني رضيت وإلا كفرت لا لا لا ليس الأمر هكذا ولكني أسأله إذا حلت بي كارثه إذا وقعت علي مصيبة أو فاجعة وما أكثرها هذه الأيام فإلى من ألجأ، إلى الله أم إلى نفسي إذا دعوت الله ماذا سأستفيد، لا شيء سيأمرني بصبر عقيم إلى يوم القيامة، إذا ماذا استفدت من الدعاء إذا دعوت الله أو لم أدعه أنا سأموت وسأصل إلى يوم القيامة شئت أم أبيت، موضوعي ليس عن الدعاء ولكن عن ربوبية الله على عباده إن كانت المصائب التي كتبت علي ستأتيني والله سيقف متفرجاً علي يكتب الأجور والسيئات ثم جنة ونار، فلماذا أعبده إذاً إن كنت أواجه مشاكلي ومصائبي بنفسي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أصبت بالدهشة والذهول وأنا أقرأ هذا السؤال الغريب ولكن على كل حال أقول:
أما قولك: لماذا علي أن أعبد الله؟
فالجواب: لأنه هو المستحق للعبادة وحده ولأنه هو الذي خلقك وأوجدك من العدم، وميزك بالعقل وحسن الخلقة، وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، فكم من نعم وهبك إياها لا تستطيع عدها وحصرها، ولا القيام بشكرها، كما قال الله تعالى: وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34] ، وقال تعالى: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] .
واعلم أن عبادتك لله إنما هي لمصلحة نفسك، فالله غني عن عبادة الناس ولكن أمرهم بذلك لمصلحتهم، وتدبر معي هذا الحديث القدسي الذي رواه مسلم: عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال:.... يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ...
وأخرج الحاكم وغيره عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن جبرائيل أخبره أن عابداً عبد الله على رأس جبل في البحر خمسمائة سنة ثم سأل ربه أن يقبضه وهو ساجد، قال: فنحن نمر عليه إذا هبطنا وإذا عرجنا ونجد في العلم أنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز وجل، فيقول الله عز وجل: أدخلو عبدي الجنة برحمتي، فيقول: يا رب بعملي ثلاث مرات، ثم يقول الله للملائكة: قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله، فيجدون نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة وبقيت نعم الجسد له، فيقول: أدخلوا عبدي النار فيجر إلى النار فينادي ربه برحمتك أدخلني الجنة، برحمتك أدخلني الجنة، فيدخله الجنة، قال جبرائيل: إنما الأشياء برحمة الله يا محمد.
فاتق الله جل وعلا، ولا يستهوينك الشيطان فتخسر دنياك وآخرتك، وأقبل على الله بقلب خالص، والزم الصالحين لتتدارك نفسك قبل فوات الأوان، وأما الفرق بين عبادة الله وعبادة غيره فظاهر، وهو أن غير الله مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً، فهو خلق من خلق الله ولذلك قال الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ* وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ [الأعراف:191-192] .
وأما قولك لا يجيب دعاء ولا يكشف....، فالجواب: أن هذا غير صحيح فمن الذي يكشف السوء، ويجيب المضطر، ويغيث الملهوف، إلا الله جل وعلا، كما قال تعالى: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل:62] ، وهذه حقيقة لم ينكرها المشركون الأولون، فقد كانوا يسلِّمون بها ويعملون بمقتضاها عند الكرب، كما قال الله عنهم: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65] .
فقد كانوا في الشدائد يلجأون إلى الله ليكشف كربتهم، ففي سنن الترمذي عن عمران بن حصين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: يا حصين كم تعبد اليوم إلها؟ قال أبي: سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء، قال: فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: يا حصين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين تنفعانك، قال: فلما أسلم حصين قال: يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني، فقال: قل اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي.
فانظر إلى هذا الرجل كيف كان وهو على شركه يتوجه إلى الله وحده عند الرغبة في الحصول على شيء يهمه أو دفع شيء يخاف منه، واعلم أن الله عز وجل يجيب دعوة من دعاه؛ ولكن إذا توافرت شروط إجابة الدعاء وانتفت موانع الإجابة، ومن شروط إجابة الدعاء:
الأول: دعاء الله وحده لا شريك له بأسمائه الحسنى وصفاته العلى بصدق وإخلاص، لأن الدعاء عبادة، قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] ، وفي الحديث القدسي: من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه. رواه مسلم.
الثاني: ألا يدعو المرء بإثم أو قطيعة رحم، لما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء.
الثالث: أن يدعو بقلب حاضر، موقن بالإجابة، لما رواه الترمذي والحاكم وحسنه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه. وعند تخلف هذه الشروط أو أحدها لا يستجيب الله الدعاء، فتوافرها شرط وانتفاؤها مانع.
وهناك أسباب لإجابة الدعاء ينبغي للداعي مراعاتها وهي:
الأول: افتتاح الدعاء بحمد الله والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختمه بذلك.
الثاني: رفع اليدين.
الثالث: عدم التردد، بل ينبغي للداعي أن يعزم على الله ويلح عليه.
الرابع: تحري أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وعند الإفطار من الصيام، وغير ذلك.
الخامس: أكل الطيبات واجتناب المحرمات، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم، وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك.
وبهذا يتبين أن الله إذا لم يستجب لدعائك فإنما هو لخلل فيك، أو لمصلحة يعلم الله أنه خير لك، فقد يكون إذا استجاب لك وحقق لك ما طلبته كان سبباً في إعراضك أو بعدك عنه، وهذا هو مقتضى الربوبية أنه يختار لعبده الصالح الطيب ما به صلاحه في حياته الأبدية، وواجب الإنسان أن يعبد الله وينفذ أمره، والله تعالى ييسره لليسرى ويغير حاله ولو بعد حين، ولا بد من التفريق بين إجابة الدعاء وإعطاء العبد ما طلب، فالإجابة أعم كما تدل عليه النصوص، فربما أجيبت الدعوة فدفع بها عن العبد من السوء بمثل ما طلب، وربما ادخرت له إلى يوم القيامة، وربما عجل له ما سأل، والأمر في ذلك كله واختياره سبحانه لعبده خير من اختيار العبد لنفسه لو عقل، وبهذا القدر نكتفي وننصحك أخيراً بالتوبة إلى الله والاستغفار عن بعض الكلمات الصادرة عنك التي قد تكون غير مقصودة، وهي خطيرة لأنها تتعلق بالذات الإلهية كقولك: إذا كان الله لا يجيب دعاء ولا يكشف كربا ولا أستطيع الاعتماد عليه في شيء، فلماذا أقول إنه ربي؟ وقولك: والله سيقف متفرجاً؟ أسأل الله جل وعلا أن يشرح صدرك وينور قلبك ويهديك إلى ما فيه صلاحك في دنياك وآخرتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1425(1/425)
إيضاح إشكال حول حب الله ورجائه والخوف منه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تفضلتم بالإجابه على سؤال قد أخطأت فيه إلا أني لم أفهم جواب سماحتكم حيث ذكرتم أن الواجب على المسلم أن يجمع في عبادته لله تعالى بين ثلاثة أشياء الحب والخوف والرجاء وكما أعلم أن الحب والرجاء واحد كما ذكرتم أن الأعمال يجب أن لا تكون معللة بطلب الجنة والخوف من النار فقط لأن الله مستحق للعبادة ولو لم تكن جنه ولا نار والعبادة وأنتم أعلم هي الخوف والطمع فكما أفهم أنه لو لم تكن جنة ولا نار عبدنا الله طلبا للدنيا وخوفا من زوالها وسماحتكم أعلم أن العبد لو ظن أنه قادر على إيفاء شكر الله كفر ولو شكر الله عالما غنى الله عنه بل يشكره لنفسه فما سينال بشكره إلا الخلاص من النار ودخول الجنة وأحب شيء لأهلها هو النظر إلى وجه الله تعالى
لو شرحتم لي وجه الخطأ عندي ومعنى فتوى فضيلتكم رقم 46678 جزاكم الله خير الجزاء والله أعلم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخطأ الذي أنت واقع فيه هو قولك: أعلم أن الحب والرجاء واحد.
والصحيح أن الحب عبادة، والرجاء عبادة أخرى، كما أن الخوف عبادة ثالثة، والواجب على المسلم أن يجمع بين هذه الثلاث العبادات فيعبد الله حباً وخوفاً منه، ورجاء لثوابه، كما بينا ذلك في الفتوى التي قرأتها، وفي فتوى أخرى بتفصيل أكثر وهي برقم: 46155.
ومن أخطائك قولك: والعبادة هي الخوف والطمع فكما أفهم أن لو لم تكن جنة ولا نار عبدنا الله طلباً للدنيا وخوفاً من زوالها.
ووجه الخطأ هو أنك حصرت العبادة في الخوف والطمع والصحيح أن الحب من أعظم العبادات قال تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه (المائدة: من الآية54) ، وقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ (البقرة: من الآية165) ، ولما كان هذا المفهوم مرسوماً في ذهنك قررت أنه لو لم توجد جنة ولا نار فإننا نعبد الله حباً له وتنفيذاً لأمره ولاستحقاقه ذلك علينا، ومن الخطأ البين أن يتصور المسلم أنه لا يعبد الله إلا لجلب محبوب أو لدفع مكروه، ولكن عليه أن يعبد الله تعالى لحقه عليه وشكراً له على نعمه، ومع ذلك نرجو منه الجنة، لأن دخولها بفضل الله وبرحمته لا بذلك العمل، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة وفضل، ووضع يده على رأسه.
قال الإمام النووي رحمه الله: ومذهب أهل السنة أيضاً أن الله تعالى: لا يجب عليه شيء تعالى الله، بل العالم ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء، فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلاً منه، وإذا أكرمهم ونعَّمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه، ولو نعَّم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك، ولكنه أخبر وخبره صدق أنه لا يفعل هذا بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته، ويعذب المنافقين ويخلدهم في النار عدلاً منه.
ولذلك يطمع الإنسان في رحمة الله وجنته والنظر إليه، ويخاف ويهرب من عقابه وسخطه، وأعظمه حرمان النظر إلى وجهه الكريم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1425(1/426)
المحبة الشركية وغير الشركية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب الشيخ علي عبد الخالق القرني حباً شديداً نظراً لأنه السبب في معرفتي طريق الله بواسطة خطبه المؤثرة وقد بحثت كثيراً عن دروس مرئية له فلم أجد، والسؤال: هل حبي له يؤدي إلى الشرك كما قال لي أحد أصدقائي وإن كان لديكم أي تسجيل مرئي أو صورة للشيخ فأسألكم بالله أن ترسلوها لي وهذا والله في نيتي هو الحب في الله وإن كان له موقع فأرشدوني إليه حفظكم الله تعالى للمسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمحبة الشركية هي محبة العبادة وهي المتضمنة لكمال الذل والتعظيم بأن يقوم بقلب الإنسان من إجلال المحبوب وتعظيمه ما يقتضي أن يمتثل أمره ويجتنب نهيه ويساويه بالله في ذلك أو يقدمه عليه، وهذه المحبة خاصة بالله تعالى، فمن أحب مع الله غيره محبة عبادة فهو مشرك شركاً أكبر ويعبر عنها العلماء بالمحبة الخاصة، ولمعرفة أنواع المحبة وأقسامها انظر الفتوى رقم: 27513.
وأما حبك للشيخ فهو من نوع المحبة لله وفي الله، وذلك بأن يكون الجالب لها محبة الله أي كون الشيء محبوباً لله تعالى من أشخاص كالأنبياء والرسل والصديقين والشهداء والصالحين أو أعمال كالصلاة والزكاة وأعمال الخير، ثم إننا لا نعرف موقعاً للشيخ علي عبد الخالق القرني لنرشدك إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1425(1/427)
الله مستحق للعبادة ولو لم يدخل العبد الجنة وينجه من النار
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد:
فمن صلى صلاته فالجنة مبتغاه، ومن صام صيامه فالجنة مبتغاه، ومن أحب ربه فالجنة مبتغاه، ومن خاف عذابه فلأن الجنة مبتغاه، فمالي بقوم يعجبون لمن يطلب أعاليها، وهل من يرضى بالخلود في أي نعيم كان، ويسخطه سفه القدر في الفانية بعد ما كرم ربه إلا أحمق إلا إني سائلكم عن الجنة مسألة، وهذا الدين كامل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت شيئاً يقربكم من الجنة ويبعدكم عن النار إلا وقد أخبرتكم به، كذلك من أراد في الجنة مقاماً يذكر أبعده عمله عن النار ما به يجبر، فهل أنا نائل المقام الذي أريد ومقدر لعمله إن خلصت النية وصدق الطلب، والله المستعان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يجمع في عبادته لله تعالى بين ثلاثة أشياء وهي الحب والخوف والرجاء، فيعبده حباً له وتنفيذاً لأمره ورجاء لثوابه وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم، والفوز بأعلى رضوانه وجناته، وخوفاً من عقابه وأشده النار وبئس القرار، ولا ينبغي أن يكون الدافع له للعبادة رجاء الجنة والنجاة من النار فقط، لأن الله مستحق للعبادة ولو لم يثب العابد بالجنة ولم ينجه من النار، وعلى هذا حمل قول من قال من الصوفية: ما عبدناه خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته.
قال العطار في حاشيته على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع: قد اعترض القاضي أبو بكر بن العربي على الصوفية في قولهم لا نعبده خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته بأن الله تعالى عظم شأن الجنة والنار ورغب عباده في الجنة ونعيمها وخوفهم من النار وعذابها، وإن أجيب عنهم بأنه ليس مرادهم احتقار شأن الجنة والنار وعدم الاهبتال بهما، فإن تعظيم ما عظم الله واجب، واحتقاره ربما كان كفراً، وإنما مرادهم أنهم لا يجعلون أعمالهم معللة بهما بحيث لو لم يوجدا ما عملوا فإن مولانا تعالى يستحق على العبد العبادة لذاته وصفاته لو لم تكن جنة ولا نار فهذا هو الذي يتحرزون عنه، ومن ها هنا نعلم أن حق العاملين ألا يقصدوا بأعمالهم التوصل إلى عطائه بل حق هذا السيد المحسن في حالتي الاقبال والإعراض أن لا يسلك معه سبيل المعاملات والإعراض وأن يعبد ويخضع له لجلاله وجماله اللذين أنبأ عنهما عموم إحسانه فمن عبده حينئذ ليتوصل بعبادته إلى عطائه فقد جهل حق ربوبيته ولم يخلص في عبوديته لأنه يعمل لنيل حظه فكأنه يدفع شيئاً ليأخذ في مقابلته أكثر منه فليس عبداً على الحقيقة وكأنه يستشعر أن معبوده إنما يعطيه بعمله على حسب عمله وليس ذلك مقتضى الكرم الذي هو وصفه تعالى ولهذا ورد النهي عن النذر المعلق إن شفى الله مريض أو قدم غائب لأصومن أو لأتصدقن وكأنه يقول اشف مريضي أعبدك بكذا كأنه إنما يشفيه له إذا التزم عبادته، وهذا غير لائق بكرمه تعالى، فهو جهل قبيح من العبد، وعليه حمل قوله صلى الله عليه وسلم: إياكم والنذر فإنما يستخرج به من البخيل. وقد نبه صلى الله عليه وسلم أن العبد لا ينال شيئاً في الحقيقة إلا بفضله تعالى وكرمه بقوله: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله ... فحق العبد إذاً أن لا يجعل عمله هو الموصل على سبيل الربط المطرد والدوران الدائم بل يعمل عبوديته خضوعاً ويعتمد على فضل مولاه وكرمه والذي يبين بطلان الربط المطرد إحسانه السابق عن الأعمال. انتهى.
وقال التقي السبكي في فتاويه: فإن قلت فقد جاء عن أكابر أهل الطريق قول بعضهم ما عبدناك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك..... قلت: والقدر الذي لا بد منه ولا يصير المؤمن مؤمناً بدونه اعتقاد استحقاق الله العبادة على عباده سواء ... أم عذبهم فهو لذاته تعالى مستحق للعبادة بأمره تعالى ذاته استحق أنه مهما أمر به وجبت طاعته وحرمت معصيته ثم إنه يفضله تعالى وعد الطائعين وتوعد العاصين والعاملون على أصناف، صنف عبدوه لذاته وكونه مستحقاً لذلك فإنه مستحق لذلك لو لم يخلق جنة ولا ناراً فهذا معنى قول من قال: ما عبدناك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك، أي بل عبدناك لاستحقاقك ذلك، ومع هذا فهذا القائل يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، ويظن بعض الجهلة خلاف ذلك وهو جهل، فمن لم يسأل الله الجنة والنجاة من النار فهو مخالف للسنة فإن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. انتهى.
وأما بقية السؤال فغير واضح المقصود منه فالرجاء إعادة صياغته وإرساله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(1/428)
العبادة تكون بالحب والخوف والرهبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم وأصلح حالكم وبالكم ونفع بكم, أردت السؤال عن كلمة سمعتها وهي حب الله ليس رغبة في الجنة ولا خوفا من النار ولكن حب الله لذاته ولصفاته, فهل هذا القول صحيح فقد أنكره أحد المشائخ من أهل السنة والجماعة وقال إن ذلك غير صحيح وهو كحب البشر بل يجب ربط حب الله بالخوف والرجاء واستشهد بالآيات وهي كثيرة أرجو المساعدة والاستفاضة؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير في "البداية والنهاية"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"، وابن الجوزي في "صفة الصفوة" عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه قال: إن قوما عبدوا الله رهبة، فتلك عبادة العبيد، وآخرون عبدوه رغبة، فتلك عبادة التجار، وآخرون عبدوه محبة وشكرا، فتلك عبادة الأحرار الأخيار. اهـ.
وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" بسنده إلى الفضيل بن عياض قال: قال حكيم من الحكماء: إني لأستحيي من ربي أن أعبده رجاء للجنة فقط، فأكون مثل أجير السوء، إن أعطي عمل، وإن لم يعط لم يعمل، ولكن حبه يستخرج مني ما لا يستخرجه غيره.
وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" بسنده إلي يحيى بن معاذ الواعظ أنه قال: كم بين من يريد الوليمة للوليمة وبين من يريد حضور الوليمة ليلتقي الحبيب في الوليمة. اهـ.
والصواب هو أن يجمع العبد بين المحبة والرغبة والرهبة، لأنه جمع بين ثلاث عبادات عظيمة، فكما أن المحبة عبادة فكذا الرغبة والرهبة، وقد امتدح الله تعالى من عبده بالعبادات الثلاث في نصوص شرعية كثيرة، فأما المحبة، فيقول الله تعالى: [وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ] (البقرة: 165) .
وقال سبحانه: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ] (المائدة: 54) .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس المتفق عليه: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ...
وأما العبادة بالرغبة والرهبة: فيقول الله تعالى عن نبيه زكريا: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (الأنبياء: 90) .
ويقول الله تعالى: [أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ] . (الزمر: 9) .
ولذا قال الغزالي رحمه الله في "الإحياء": أقصى غايات المؤمن أن يعتدل خوفه ورجاؤه، وغلبة الرجاء في غالب الناس تكون مستندة للاغترار وقلة المعرفة، ولذلك جمع الله تعالى بينهما في وصف من أثنى عليهم، فقال تعالى: [يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعا] (السجدة: 16) .
وقال عز وجل: [وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَباً] (الأنبياء: 90) . وأين مثل عمر رضي الله عنه؟! فالخلق الموجودة في هذا الزمان كلهم الأصلح لهم غلبة الخوف بشرط أن لا يخرجهم إلى اليأس وترك العمل وقطع الطمع من المغفرة، فيكون ذلك سببا للتكاسل عن العمل وداعيا إلى الانهماك في المعاصي، فإن ذلك قنوط وليس بخوف، إنما الخوف هو الذي يحث على العمل ويكدر جميع الشهوات ويزعج القلب عن الركون إلى الدنيا ويدعوه إلى التجافي عن دار الغرور، فهو الخوف المحمود، دون حديث النفس الذي لا يؤثر في الكف والحث، ودون اليأس الموجب للقنوط.
وقد قال يحيى بن معاذ: من عبد الله تعالى بمحض الخوف غرق في بحار الأفكار ومن عبده بمحض الرجاء تاه في مفازة الاغترار ومن عبده بالخوف والرجاء استقام في محجة الادكار.
وقال مكحول الدمشقي: من عبد الله بالخوف فهو حروري، ومن عبده بالرجاء فهو مرجئ، ومن عبده بالمحبة فهو زنديق، ومن عبده بالخوف والرجاء والمحبة فهو موحد، فإذن لا بد من الجمع بين هذه الأمور، وغلبة الخوف هو الأصلح، ولكن قبل الإشراف على الموت، أما عند الموت، فالأصلح غلبة الرجاء وحسن الظن، لأن الخوف جار مجرى السوط الباعث على العمل، وقد انقضى وقت العمل، فالمشرف على الموت لا يقدر على العمل، ثم لا يطيق أسباب الخوف، فإن ذلك يقطع نياط قلبه ويعين على تعجيل موته، وأما روح الرجاء، فإنه يقوى قلبه ويحبب إليه ربه الذي إليه رجاؤه، ولا ينبغي أن يفارق أحد الدنيا إلا محبا لله تعالى، ليكون محبا للقاء الله تعال، فإن من أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه، والرجاء تقارنه المحبة، فمن ارتجى كرمه فهو محبوب. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1425(1/429)
الغاية من خلق الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[وجه لي أحد الأشخاص الملحدين السؤال التالي وبدوري أحيله لأهل العلم: لماذا خلق الله الإنسان، لكل خلق غاية فما هي غاية الله عز وجل من خلق الإنسان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد خلق الله الإنسان لكي يعبده كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذريات:56] ، وراجع للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7565، 31767، 12222.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(1/430)
تسبيح الكائنات ثابت في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل الكائنات تسبح الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي تدل عليه الآية الكريمة أن جميع الكائنات تسبح الله تعالى.
قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم [الاسراء: 44] .
أي: وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله تعالى، "ولكن لا تفقهون تسبيحهم" أي: لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس، لأنها بخلاف لغاتكم، وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات، وهذا أشهر القولين، كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
وفي حديث أبي ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ في يده حصيات فسمع لهن تسبيح كحنين النحل، وكذا في يد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وهو حديث مشهور في المسانيد. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1424(1/431)
معنى: أشهد أن محمدا عبد الله ورسوله
[السُّؤَالُ]
ـ[دائما يقول المسلم "أشهدأن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله" ما معنى عبد الله في هذه الشهادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكلمة "عبد الله" في قول المسلم، "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله"، تعني: أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله، وعبد له، وليس له من خصائص الله تعالى في الربوبية والألوهية وغيرها شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(1/432)
ما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: عن أمور من قصة آدم عليه السلام، كيف كان آدم يزوج أولاده، فنحن الآن عيال عم وعيال خال، ولماذا انقسم الناس بعد ذلك فصاروا يهوداً ومسلمين؟ برجاء الرد بسرعة....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد رخص الله عز وجل لآدم أن يزوج الذكر من أولاده بأخته لضرورة الحال، وقد ذكر غير واحد من علماء السلف والخلف أنه كان يولد له في البطن الواحد ذكر وأنثى فيزوج الذكر من البطن الأول بالأنثى من البطن الثاني، والأنثى من البطن الأول بالذكر من البطن الثاني.
والناس كلهم يرجعون إلى أصل واحد وهو آدم عليه السلام، فلا فضل لأحد على أحد من هذه الحيثية، ولكن التفاضل بين العباد في تحقيق المقصود الذي من أجله خلق الله الجن والإنس، وهو توحيد الله عز وجل، وإفراده بالعبادة، كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذريات:56] .
ولاختلاف الناس في القيام بهذا المقصود اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر، وقد جعل الله عز وجل آصرة الدين، ورابطة العقيدة مقدمة على كل الروابط، فقال سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] .
وقال سبحانه: لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ [التوبة:23] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1423(1/433)
الشروط الخاصة والعامة للعبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط العبادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فشروط العبادة على نوعين:
- شروط عامة.
- شروط خاصة.
فأما العامة، فهي الواجبة لكل عمل ابتغي به وجه الله عز وجل، ومن جملتها:
- الإيمان بالله سبحانه.
- الإخلاص فيه لله تعالى، لقوله جل وعلا: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر:3] .
- موافقته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، للحديث المتفق عليه: أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد" أي مردود على صاحبه.
أما عن الشروط الخاصة، فهي اللازمة لكل عبادة بمفردها مثل: شروط الصلاة، والصوم، والحج، والبيع، وغيرها من ما هو مذكور في كتب الفقه في محالِّه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1423(1/434)
الشك في الحكمة من خلق الثقلين كفر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أعرف أن سبب وجود الإنسان في هذه الدنيا هو عبادة الله سبحانه وتعالى وتسيير حياته على ما ذكر في القرآن ولكن في حوار دار بيني وبين زميل لي قال عكس هذا وهو مقتنع برأيه وأنا لم أعرف حتى الآن نظرية من هي الصحيحة إلا أني أنا لم أقرأ القرآن جيداً ولا أستطيع فهمه جيدا وأتمنى من حضراتكم أن تقولو لي هل أنا فكرتي صحيحة وأين توجد السورة أو الآية أو الحديث الدال على ذلك في القرآن؟
وشكراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب ولا شك أن الله سبحانه وتعالى ما خلق الخلق من الجن والإنس إلا لعبادته سبحانه، وهذه مسألة قطعية، وإنكارها، بل الشك فيها كفر مخرج من الملة.
فالله سبحانه يقول في سورة الذاريات: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56] .
فعلى العبد المسلم أن يعلم حق الله العظيم عليه، وهو عبادته، والتسليم له، والانقياد لأمره، فهو استحق ذلك بمقتضى ربوبيته وألوهيته، ولو لم تأت الرسل من عنده آمرة بعبادته لاستحق العبادة والتعظيم، لما له من النعم على العباد بدءاً بنعمة الخلق، وما تلاها من نعم: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل:18] .
وما كان يجوز لمثلك أن يشككه أحد في مثل هذه القضية، لأنها من ضروريات الإسلام، فعليك أن تتعلم ما يجب عليك من فرائض وشرائع وعقائد الإسلام، وتنصح زميلك بأن إنكار هذا أو الشك فيه ردة عن الإٍسلام، فيتوب إلى الله، ويرجع إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1423(1/435)
العبادات داخلة في توحيد العبادة وحقيقة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندي سؤال طرحه علينا الدكتور في الجامعة وأرجو منكم أن توفوني بالإجابة بأسرع وقت ممكن وهو ما العلاقة بين التوحيد والعمل وهل تدخل الصلاة والزكاة والصوم وغيرها من العبادات بالعمل؟ أتمنى الرد بأسرع وقت ممكن وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتوحيد نوعان:
الأول: التوحيد الاعتقادي الخبري، ويسمى التوحيد العلمي (بتقديم العين على اللام) وهو اعتقاد أن الله تعالى واحد في ربوبيته وأسمائه وصفاته جل وعلا.
الثاني: التوحيد الإرادي الطلبي، ويسمى التوحيد العملي (بتقديم الميم على اللام) وهو إفراد الله تعالى بالعبادة، من صلاة وزكاة وصوم ودعاء ونذر وخوف ورجاء وغير ذلك.
ومن هذا يُعلم أن هذه العبادات: الصلاة والزكاة والصوم، داخله في توحيد العبادة.
وهي داخلة في حقيقة الإيمان، إذ الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم:
17836.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1423(1/436)
حقيقة الدين ومضامينه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهوأصل الدين هل هو عبادة الله وحده , أم هو استحقاق الله للعباده , بحيث لو أقر الشخص بأن الله هو المستحق للعبادة , ثم فعل الشرك فإنه يكون حينئذ لم يمس أصل الدين. بل مس صورة من صور العبادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأصل الدين شامل للأمرين: اعتقاد استحقاق الله تعالى وحده للعبادة، وعبادته سبحانه وتعالى بما شرعه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فمن خلا قلبه عن المحبة والتوكل والخوف والرجاء ونحو ذلك من عبادات القلب فقد فاته أصل الدين ولا شك، وإذا قام بالقلب ما ذكر من العبادات لزم ضرورة أن يتحرك البدن بالقول الظاهر والعمل الظاهر.
ومن أقر بالتوحيد ثم فعل الشرك فقد نقض أصل الدين، بعبادته غير الله تعالى، وهذا مما لا نزاع فيه بين العلماء، لكن الشخص المعين إذا وقع في شيء من ذلك لم يحكم بكفره إلا عند تحقق شروط التكفير وانتفاء موانعه، في تفصيل تجده في كتب الفقه والعقائد.
ومن حصر الشرك في اعتقاد وجود إله مع الله تعالى أو اعتقاد النفع والضر في غير الله فقد ضل ضلالاً بعيداً، فإن المشركين عباد الأوثان ممن نزل فيهم القرآن لم يعتقدوا في معبوداتهم أنها تخلق وترزق، ولا أنها مساوية لله تعالى في ذلك، وإنما قدموا لها أنواعاً من العبادات لتقربهم إلى الله زلفى بزعمهم، أو لتشفع لهم عند الله، مع كونهم يعرفون الله ويؤمنون به ويحجون له، ويحلفون باسمه ويفزعون إليه في الشدائد.
واعتقاد ألوهية غير الله كفر بمجرده؛ وإن لم يصحبه تقديم شيء من العبادات له.
وعبادته بالفعل كفر آخر، كما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، ولمزيد التفصيل راجع الفتاوى التالية أرقامها:
7386
9476
3779
3869.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1423(1/437)
عبادة الله تعالى ... غايتها ... وفوائدها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف قول الله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) صدق الله العظيم.. ولكن ما هي حكمة الخلق والعبادة للواحد القهار بمعنى أن الله تعالى سواء عبدناه أم لا لن يزيد هذا من سلطانه وجاهه وعظمته وبناء على ذلك الجنة والنار (برجاء إذا رأيتم في سؤالي نوعا من الشطط أن تخبروني حتى لا أكون فريسة للشيطان.. ولكم الأجر عند الله) .....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحكمة خلق الإنسان وغايات حياته وسر وجوده يكمن الظاهر منها لنا في
عبادة الله، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذريات:56] .
وشرف الإنسان بأن يوجد كاملاً في المعنى الذي أوجد لأجله، ودناءته بفقدان ذلك الفعل منه، فمن لا يصلح لخلافة الله تعالى ولا لعبادته ولا لعمارة أرضه فالبهيمة خير منه، ولذلك قال الله في ذم الذين فقدوا هذه الفضيلة: أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] ا. هـ. من كلام الإمام الراغب الأصفهاني
أمَّا لماذا نعبد الله وهو الغني عنا؟ وما الغاية من تكليفنا بهذه العبادة؟ هل يعود عليه نفع من عبادتنا له أم النفع يعود علينا؟ وما حقيقة هذا النفع إن كان؟ أم الهدف هو مجرد الأمر من الله والطاعة منا؟
والجواب على هذا يتلخص في التالي:
1- العبادة حق لله هذا الخالق العظيم له علينا حق واجب هو عبادته والتسليم له والانقياد لأمره، وهو حق استحقه بمقتضى ربوبيته وألوهيته وكماله، ولو لم تأت الرسل من عنده آمرة بعبادته لاستحق أن يُعبد ويُعظم لذاته لا لشيء زائد.
... هب البعث لم تأتنا رسله ... وجاحمة النار لم تضرم
... أليس من الواجب المستحق ... ثناء العباد على المنعم
وفي الصحيحين من حديث معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معاذ أتدري ماحق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت الله ورسوله أعلم: قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً.
2- العبادة غاية في نفسها مطلوبة لذاتها، وما يترتب عليها من إصلاح النفس من أهدافها لا أنه غاية لها، ولهذا لو صلى وصام قاصداً صلاح نفسه وتربية ضميره دون الالتفات إلى حق الله عليه لم يبال الله به، ولا تنفعه عبادته تلك عنده: وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى*إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى*وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:19-21] .
3- العبادة تنبيه دائم للإنسان إلى أنه روح قبل أن يكون مادة، وكما أن للجسد مطالب فكذلك الروح لها مطالب وغذاء، وغذاؤها عبادة خالقها، ولهذا إذا خلا الإنسان من روحه وتحول إلى شخص لا يعرف إلا المادة ولا يعترف إلا بالجسد، فإن هذا الإنسان أضُّر على الإنسانية من السلاح النووي والجرثومي، ولكان السبع الضاري أرحم وأرق منه، فالسبع يقتل ليأكل، والإنسان الذي لا روح له يقتل للقتل ويتلذذ وهو يعبث بفريسته.
4- العبادة تذكير للإنسان الفاني بالله ربه الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، ولو خلا الإنسان من العبادة لنسي ربه وخالقه ورازقه، ويظهر هذا المقصد في قول الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] ، وفي الحديث: إنما فرضت الصلاة لإقامة ذكر الله. رواه أبو داود، وفي الحج: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ [الحج:34] .
وهكذا فالعبادة فرار إلى الله، وهروب من الأثقال والقيود والأغلال التي تقسي القلب وتكدره، يقول الله فيمن هجر عبادته ورتع في شهواته: وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16] .
5- العبادة تحرير الإنسان من عبادة غير الله، فإن الله تعالى قضى أن من ترك عبادته عبد غيره، هذا الغير قد يكون حجراً أو قمراً أو هوى أو حزباً أو فكراً أو كاهناً أو شهوة..
6- تحرير للإنسان من الخوف والجُبن والبخل والحرص والذِّل وكل الرذائل: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر [العنكبوت:45] ،وبالعبادة الشاملة يتحلى المسلم بكل الفضائل: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً*إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان:9-10] . وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً [الفرقان:63] .
ولا نستطيع أن نستطرد في ذكر منافع العبادة التي تعود على العبد في دنياه وآخرته، فليس المجال مجال بسط ولكنا أشرنا أشارة بسيطة إلى بعض من تلك المنافع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1423(1/438)
الحكمة من خلق الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أشعرأني أتيت لهذه الدنيا عبثاً، وأشك في كل شيء حتى في أبسط الأمور، كيف أعمل على أن يزداد حبي لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله خلق الإنسان لعبادته، وإقامة أمره، وتحكيم شرعه، فمن حاد عن هذا الطريق فقد استحق عقاب الله، ومن امتثل فقد استحق النعيم المقيم الذي وعد الله به عباده، وهذه حقيقة دلت عليها النصوص الصريحة، والعقول الصحيحة.
أما النصوص، فيقول الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذريات:56-58] .
وغير ذلك من الآيات والأحاديث.
أما العقل، فمن المسلَّم به عند العقلاء أن الإنسان لم يخلق نفسه، لأنه كان عدماً، والعدم لا يخلق شيئاً، ولم تخلقه الطبيعة، لأن الطبيعة هي عبارة عن الأحجار والأشجار والأنهار والبحار، وكل هذه صماء بكماء لا تعقل، وهي فاقدة للقوة والبصر والسمع والعقل، وغير ذلك، فكيف تعطي الإنسان ما هي فاقدة له؟ ! ومن القواعد العقلية المسلمة أن فاقد الشيء لا يعطيه.
ثم إن المصنوع مرآة لبعض صفات الصانع، فإذا نظرنا إلى باب البيت الخشبي سنجد ما يدلنا على بعض صفات صانعه، ففيه الإتقان الذي يدلنا على أن صانعه خبير بطرائق صنع الأبواب، قادر على تشكيلها، مالك للأدوات اللازمة لذلك، إلى غير ذلك، غير أن هناك صفات للصانع لا نعلمها خلال الباب، كماذا يحب من الطعام، وماذا يكره؟ وهل هو طويل أو قصير؟ ومن أصحابه؟ ومن أعداؤه؟ فهذه الصفات لا يمكن معرفتها إلا عن طريق من يعرف النجار.
فهذا المثال الذي ضربناه إنما هو من باب التقريب للأذهان، ولله المثل الأعلى.
فالله جل وعلا هو خالق كل شيء، ويمكننا معرفة صفاته عن طريق الوحي، ثم عن طريق آثار هذه الصفات، قال تعالى: (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها) فآثار الرحمة تدل على الرحيم، وآثار الحكمة تدل على الحكيم، وهكذا.
غير أن هناك صفات أخرى لا يمكن معرفتها إلا بالوحي فقط، كصفات ذاته، ومن يحب، ومن يبغض؟
بعد هذه المقدمة نقول: إن الله هو الذي خلق هذا الإنسان، وهو الذي يأمره (ألا له الخلق والأمر) وبين سبحانه الحكمة من خلق الإنسان، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذريات:56] .
وقال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2] .
وأنكر سبحانه على من يظن أو يدعي أنه خلق عبثاً، فقال: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون:115-116] .
وتأمل أخي في نفسك عضواً عضواً، هل خلقت العين لحكمة؟ وهل خلقت الأذن لحكمة؟ وهل خلقت القدم بشكلها وإتقانها لحكمة؟ الجواب: نعم، ثم تأمل في الأجهزة: الجهاز الهضمي، والجهاز العصبي، وغير ذلك تجد الحكمة العظيمة.
ثم إن كان جهاز لا تقتصر حكمة خلقه عليه بل للجسم كله، وما فائدة جهاز هضمي بلا جسم؟! وقل مثل ذلك في بقية الأجهزة، فكيف يتصور عاقل أن لكل عضو حكمة وفائدة، فإذا اجتمعت هذه، وهذه الأجهزة لتكون إنساناً يسمع ويبصر ويعقل ويعي لم يكن لخلقه حكمه؟ وإذا سألت جماعات من الكفار ممن حصلوا على الشهادات العالمية عن حكمة خلق الإنسان لم يكن لهم جواب، وأصابتهم الحيرة، ثم لو سألت أحدهم عن حذائه هل لصنعه حكمة وفائدة؟ لقال: نعم يحميني من الشوك والحر والبرد، فانظر إلى هذه الحضارة الزائفة التي تجعل للحذاء حكمة وفائدة، ولا تجعل لهذا الإنسان ذي التركيب الدقيق، والخلق المحكم حكمة من خلقه.
ومنهم من يجد نفسه مضطراً لأن يقر بحكمه من خلقه، فيضع حكماً من عند نفسه، كأن يقول: خلقت لكي أكون تاجراً أو رئيساً أو نجماً مشهوراً، أو غير ذلك، وسؤالنا لهؤلاء جميعاً سؤال واحد هو خلقتم لذلك فلماذا تموتون ولم تكملوا مهمتكم؟
أما المؤمن فيدرك أن الحكمة من خلقه الابتلاء والامتحان، وأن أدوات الامتحان هي كل ما في هذه الدنيا، ومدة الامتحان هي حياته على الأرض، ومكان الامتحان هو الأرض دار الزوال، فإذا انتهى زمن الامتحان أخذت منه أدوات الامتحان، وأخرج من قاعة الامتحان، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك:2] .
فعلى العبد أن يجتهد في عبادة ربه، وأن يستعد للقاء الله في يوم يشيب فيه الولدان، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.
أما عن كيفية عملك حتى تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فراجع الجواب: 1711
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1422(1/439)
الحكمة من خلق البشر لعبادة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذ خلق الله بني البشر لعبادته وماذا يستفيد من عبادتنا له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من كمال الله تعالى أنه ما خلق شيئاً عبثاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما يخلق لحكم بالغة، ومصالح راجحة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها.
يقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) [الأنبياء:16] .
ويقول سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الدخان: 38-39] .
ويقول سبحانه وتعالى: (حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) [الأحقاف: 1-2-3] .
والإنسان من جملة ذلك الخلق، ولولا أنه خلقه لتلك الغاية السامية التي هي عبادته، لكان خلقه له عبثاً وسدى، تعالى الله عن ذلك، وقد نزه الله نفسه عن ذلك، فقال: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون:115-116] .
كما أنه لو خلق الإنسان لغير العبادة، لكان مثل البهائم يعيش هملا يأكل ويشرب ويتكاثر، ولا يخفى ما في ذلك من الإهانة للإنسان نفسه، والمنافاة لحكمة العليم الحكيم.
فالحاصل أن الله تعالى ما خلق الإنسان عبثاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما خلقه لعبادته والتقرب إليه سبحانه.
وفي خلقه له لذلك الغرض، وتلك الغاية السامية حكم أخرى كثيرة، منها: ابتلاء أخبارهم، وإظهار أبرارهم من أشرارهم، فمن عمل لما خلق له فهو من الأبرار، وصار أهلاً لدخول جنات تجري من تحتها الأنهار، ومن أعرض عما خلق له، فهو من الأشرار الفجار الذين استحقوا الخلود في النار.
ومنها إظهار أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، فمن عمل لما خلق له جازاه الله بالحسنى، وتفضل عليه، وغفر له زلاته، وعفا عن هفواته، وأسكنه فسيح جناته بعد مماته، فيظهر بذلك أثر كرم الله تعالى وتفضله وإحسانه وعفوه ومغفرته سبحانه وتعالى.
ومن أعرض عما خلق له استحق عقاب الله تعالى، وانتقامه منه، لتنكره لخالقه ورازقه، والمنعم عليه، ولإعراضه عما خلقه له، فإذا انتقم منه لذلك وعاقبه، ظهر أنه الجبار المنتقم شديد العقاب.
ومنها: تشريف الإنسان وتكريمه بإظهار كمال عبوديته لله تعالى، فلا شيء أشرف للإنسان من أن يكون عبدا محضاً لله تعالى وحده، يأتمر بأمره، وينتهي بنهيه، ويتوجه بتوجيهاته، ويسير على صراطه المستقيم، لا نصيب لغير الله تعالى فيه.
قال الله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر:29] .
إلى غير ذلك من الحكم الكثيرة التي يطلع أولوا الألباب على كثير منها، ويخفى عليهم الكثير.
وعلى كل حالٍ، فالواجب على المرء أن يعلم أن الخالق المتفرد بالخلق وحده، له أن يخلق ما يشاء لما يشاء، لا يسأل عما يفعل سبحانه وتعالى، ومن اعترض أو تعقب فهو الظالم المبين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1422(1/440)
الحكمة من خلق العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أعلم أن الله سبحانه وتعالى خلقنا وتفضل علينا وهو ربنا وأمرنا بعبادته وهي لاتنفعه بشيء ولا تضره ولكن لماذا خلقنا وهو ليس بحاجة لنا او لعبادتنا ((سبحانه وتعالى)) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد …
خلق الله سبحانه وتعالى هذه الحياة الدنيا وجعلها دار امتحان وابتلاء، قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) [الملك:2] . فالسعيد فيها هو الموفق للطاعة والاستجابة، والشقي فيها الذي حرم التوفيق، عصمنا الله وإياك. إذا علم هذا تبين لنا أن الله لم يخلق هذه الحياة وما فيها لهواً ولا عبثاً وإنما خلقها لحكمة: أهم الظاهر منها: الابتلاء ليجازي المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته، قال تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون) [القلم:35ـ36] . فما على العبد إلا الاستجابة والانقياد والاستسلام لأمر مولاه وخالقه الذي هو أعرف به من نفسه. وليعلم العبد أن طاعته لله إنما تنفعه هو - وأن معصيته إنما تضره ولا تضر الله شيئاً والخوض في مثل هذه الأسئلة وإطلاق العنان للخواطر المثيرة للشبهات والشكوك يعود عليك وعلى دينك بما لا تحمد عقباه، قال تعالى: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم) [التغابن:11] . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/441)
كيفية تطبيق الولاء والبراء مع حالق اللحية
[السُّؤَالُ]
ـ[إن لدي أخاً يحلق لحيته، وقد نصحه والدي كثيراً في ذلك لكنه لم يخبرنا لماذا يفعل ذلك رغم أنه كان ملتحيا من قبل، إلا أن خلقه جداً رائع وطيب جداً. فكيف أستطيع أن أتعامل معه في نطاق الموالاة والمعاداة في الله تعالى؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدمت أدلة تحريم حلق اللحية في الفتوى رقم: 2711. واعلمي أن المسلم العاصي لا يبغض ويعادى بالكلية كما لا يحب ويوالى بالكلية، وإنما يبغض ويعادى في وجه ويحب ويوالى من وجه، فيبغض ويعادى بقدر ما فيه من المعصية لله، ويحب ويوالى بقدر ما فيه من الطاعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ولا منافاة بين أن يكون الشخص الواحد يرحم ويحب من وجه ويعذب ويبغض من وجه آخر، ويثاب من وجه ويعاقب من وجه، فإن مذهب أهل السنة والجماعة أن الشخص الواحد يجتمع فيه الأمران.
وقال أيضاً في منهاج السنة النبوية: ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه، وأعطى الحق حقه، فيعظم الحق ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيحمد ويذم، ويثاب، ويعاقب، ويحب من وجه ويبغض من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة.
واعلمي أن لأخيك عليك حق الإسلام وحق الرحم أيضاً، فعليك بمعاملته بالحسنى ومحبته لما فيه من الخير، مع بغضك لمعاصيه وإنكارك لها ودعوته بالأسلوب الحسن المناسب، وانظري للفائدة في ذلك الفتوى رقم: 16241.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1430(1/442)
حكم لبس ساعة ماركة علامتها تشبه النجمة السداسية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لبس ساعات ـ ماركة مونت بلانك ـ وهي ماركة علامتها تشبه النجمة السداسية؟ ولكن الشركة شركة فرنسية وتقول فى موقعها أن الرمز هو علامة لجبال ـ مونت بلانك ـ التي بين فرنسا وإيطاليا؟ فهل يجوز لبسها؟ مع العلم بأنني من الأساس اشتريها مقلدة ولم تظهرعليها تلك العلامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنجمة السداسية صارت رمزاً لديانة محرفة باطلة، وشعاراً لمنظمات هدامة مفسدة، كما هو معروف، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في الفتويين رقم: 63792، ورقم: 64256، كما سبق لنا بيان أنه لا يجوز للمسلم أن يحمل أو يلبس ما فيه شعار الكفر، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 5810، 10883، 75319.
فإذا ثبت أن تلك العلامة المسؤول عنها هي هذه النجمة السداسية فيتعين إزالتها ولا يجوز اقتناء هذا النوع من الساعات مع بقاء ذلك الشعار الباطل، وأما إذا لم يثبت ذلك ولم يكن عند الإنسان يقين أو ظن غالب به ولم يغلب على الظن أن الشركة المصنعة لهذا النوع من الساعات قصدت هذا الشعار، فلا حرج في اقتنائها، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 29551.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1430(1/443)
الفارق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ: أريد أن أسألك عن الحب في الله، والبغض في الله.
لي قريب أذهب معه ـ الروح بالروح ـ من أيام الصغار إلا أنه ابتلي بالتدخين وأنا أبغضه في الله لا لشيء آخر وعلاقتي معه الآن سطحية جداً يعني السلام فقط، فهل هذا يعتبر بغضا في الله؟.
ولي قريب آخر أحبه ويكرهني وأعتبره أكثر من أخ لي وهو يعتبرني مسلما يسلم عليه فقط ـ يعني من الله ـ وهو مهاب من حسن أخلاقه فقط، وأنا هكذا أحبه، ولكن في الآونة الأخيرة أصبحنا أصدقاء، هل هذا حب في الله؟ وعمري 14 سنة.
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يثبتك ويزيدك هدى واستقامة، وننصحك بالحرص على البعد عن الجلوس مع الزملاء المنحرفين وأن تواصل السير في طريق الهدى والاشتغال بحفظ القرآن والتفقه في الدين، ومصاحبة أهل الخير والحفاظ على الصلاة في المسجد وحضور مجالس العلم ومتابعة ما يبث منها عبر وسائل الإعلام.
ونفيدك أن المسلم يتعين عليه القيام بالتناصح مع إخوانه والتواصي معهم بالحق والصبر، عملاً بقول الله تعالى: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر:1-2-3} .
وعليه أن يتوخى في ذلك الحكمة والجدل بالحسنى عند الحاجة، عملاً بقوله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125} .
فليحرص المسلم على إيضاح فكرته بالقول اللين والرفق ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، عملاً بقوله تعالى لموسى لما أرسله لفرعون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {طه:44} .
وبقوله له: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى {النازعات:18} .
وبقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: عليك بالرفق. رواه البخاري ومسلم.
وبقوله لها: يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. رواه مسلم.
وأما الحب في الله فهو أمر مرغب فيه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء. رواه الترمذي. وقال حسن صحيح.
وفي الموطأ وصحيح ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ.
ولمزيد بيان عن فضل الحب في الله راجع الفتاوى التالية أرقامها: 1109، 26373، 36998، ويستحب لمن أحب شخصا ما في الله أن يُعلمه بحبه له، فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر به رجل فقال يا رسول الله: إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعْلمته؟ قال: لا، قال: أعْلِمه. قال: فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني له. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وضابط معرفة كون حبك لأخيك في الله أم لا هو: أن تحبه لطاعته لله مخلصا لله في ذلك لا لدنيا، وأن يزيد حبك له إذا زادت طاعته لله واستقامته على دينه، وأن يقل حبك له إذا خالف أمر الله وفرط في جنبه، قال ال مبارك فوري في شرح الترمذي: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله أي لا يحبه لغرض وعرض وعوض ولا يشوب محبته حظ دنيوي ولا أمر بشري، بل محبته تكون خالصة لله تعالى، فيكون متصفا بالحب في الله وداخلا في المتحابين لله. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 13686.
واعلم أن البغض للمؤمن العاصي يكون بقدر معصيته كما يجب حبه بقدر طاعته
وأما الهجر للزملاء العصاة فيراعى فيه أمران أولهما: عدم الإفراط في مخالطتهم لئلا يتأثر بهم فيقلدهم أو يشاركهم في المعصية، وهذا أمر متعين على الشباب الصغار، وعليهم أن يجدوا في تحصيل صحبة صالحة تعين على الخير وتساعد على الثبات.
وثانيهما: هجر الشخص تأديبا له حتى يترك المعصية وهذا تراعى فيه المصلحة، فإن علم تأثره بهذا وأنه ستحصل بسببه التوبة وترك المعاصي فهو مطلوب، وإن علم عدم تأثره بذلك فالأولى تأليفه والصبر على مناصحته ومحاورته مع الدعاء له لعله يرجع إلى رشده، كما صبر الأنبياء على أممهم ولم يهجروهم، وهذا يختلف باختلاف البيئات التي يسكنها الناس، فإن هجر الشباب الملتزمين لمن يسكن في بلد جل أهله ملتزمون يؤثرعليه، كما حصل للثلاثة المذكورين في سورة التوبة، وأما من يسكن في بلد يتوفر فيه زملاء السوء فقد لا يتأثر من هجر الملتزمين، بل قد يدفعه هجرهم للارتماء في أحضان الفجار ومشاركتهم في أخلاقهم المنحطة، فالواجب المتعين على من رأى انحرافا في الزملاء أو المجتمع وأراد الإصلاح ممن لا سلطة له ولا سلطان يساعده إذا اطلع على أمر العصاة هو إنكار المعصية على فاعلها وترهيبه بنصوص الوحي من فعلها والتركيز على تقوية الإيمان وإصلاح القلوب وإتقان الصلاة والحرص على تقوية صلة النفوس بالله تعالى، والإكثار من الحديث عن الأسباب المعينة على خشية الله تعالى والرغبة في ما عنده واستشعار مراقبته والإكثار من الحديث عن الآخرة والقبر والجنة والنار والترغيب في ذكر الله تعالى وتعليم الأحكام الشرعية، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لاتزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا. وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.
وقال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45} . وفي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن به، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.
وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
واعلم أن النصيحة يعظم أثرها إذا صحبها الدعاء الصادق، ومن هذا الباب ما رواه ابن أبي حاتم أن عمر رضي الله عنه، افتقد رجلاً من أهل الشام من أهل البأس، فقال: ما فعل فلان بن فلان، فقالوا: يا أمير المؤمنين تتابع في هذا الشراب يعني الخمر، قال: فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب من عمر بن الخطاب، إلى فلان بن فلان سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، ثم قال: لأصحابه ادعوا الله لأخيكم أن يُقْبِل بقلبه ويتوب عليه، فلما بلغ الرجل الكتاب جعل يقرؤه ويردده ويقول: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي. زاد أبو نعيم: فلما بلغ عمر خبره، قال: هكذا اصنعوا إذا رأيتم أخاً لكم زل زلة فسددوه ووثقوه وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه.
ولبيان فقه مسألة الهجر والحب في الله والبغض فيه، ننقل كلاما نفيسا لشيخ الإسلام فيها، فقد قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى:
الهجر الشرعي نوعان: أحدهما بمعنى الترك للمنكرات
والثاني: بمعنى العقوبة عليها.
فالأول هو المذكور في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأنعام: 68} . وقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {النساء: 140} .
فهذا يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة مثل قوم يشربون الخمر يجلس عندهم وقوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمر لا يجيب دعوتهم وأمثال ذلك، بخلاف من حضر عندهم للإنكار عليهم أو حضر بغير اختياره، ولهذا يقال: حاضر المنكر كفاعله، وفي الحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر.
وهذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات كما قال: المهاجر من هجر ما نهى الله عنه.
ومن هذا الباب الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الاسلام والايمان، فإنه هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به ومن هذا قوله تعالى: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ {المدثر:5} .
النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب وهو هجر من يظهر المنكرات يهجر حتى يتوب منها، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغيرعذر، ولم يهجر من أظهر الخير وإن كان منافقا، فهنا الهجر هو بمنزلة التعزير.
وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي يتألف قوما ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرا من أكثر المؤلفة قلوبهم، لأن أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين والمؤمنون سواهم كثير فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم هذا، كما أن المشروع في العدو القتال تارة والمهادنة تارة وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح.
وإذا عرف هذا فالهجرة الشرعية: هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله فالطاعة لابد أن تكون خالصة لله وأن تكون موافقة لأمره فتكون خالصة لله صوابا، فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجراغير مأمور به كان خارجا عن هذا، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله.
فينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق نفسه فالأول مأمور به والثاني منهي عنه، لأن المؤمنين أخوة، وقد قال النبي في الحديث الصحيح: لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم.
وهذا لأن الهجر من باب العقوبات الشرعية فهو من جنس الجهاد في سبيل الله وهذا يفعل لأن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، والمؤمن عليه أن يعادى في الله ويوالى في الله، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه وإن ظلمه، فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية، قال تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ {الحجرات: 9-10} . فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي والأمر بالإصلاح بينهم، فليتدبر المؤمن الفرق بين هذين النوعين، فما أكثر ما يلتبس أحدهما بالآخر، وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك، فإن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه والإكرام لأوليائه والإهانة لأعدائه والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه.
وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة ومعصية وسنة وبدعة استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة فيجتمع له من هذا وهذا كاللص الفقير تقطع يده لسرقته ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته.
هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم عليه فلم يجعلوا الناس لا مستحقا للثواب فقط ولا مستحقا للعقاب فقط، وأهل السنة يقولون إن الله يعذب بالنار من أهل الكبائر من يعذبه ثم يخرجهم منها بشفاعة من يأذن له في الشفاعة بفضل رحمته، كما استفاضت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1430(1/444)
حكم العمل عند الكافر فيما فيه نفعه
[السُّؤَالُ]
ـ[أود السؤال عن حكم العمل في شركة إنجليزية لتطوير محطات الطاقة الكهربائية, فالعمل بها هل يعتبر إعانة لهم؟ حيث إن من نتائج وأغراض هذه الشركة هو تغذية دائمة ومثالية للطاقة الكهربائية في بلدهم. فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في العمل في تلك الشركة إذا لم يتضمن هذا العمل فعلا لمنكر من المنكرات أو الإعانة عليه، إذ يجوز شرعا للمسلم العمل عند الكفار في كل عمل مشروع ولو كانت فيه إعانة لهم على مباح فإنه لا حرج في ذلك، وراجع الفتوى رقم: 70130.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1430(1/445)
اللجوء الكنسي.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض من يهاجر إلى البلاد الأوروبية فرارا وخوفا من ظلم وبطش الآلة العسكرية - كما في بلاد القوقاز مثلا - يضطر أن يلجأ إلى ما يسمى باللجوء الكنسي، وذلك عند رفض السلطات المختصة بالنظر في طلبات اللجوء إعطاء حق اللجوء للمهاجر. إذ إنه لو لجأ إلى ما يسمى باللجوء الكنسي لا ترحّله السلطات، إذ الكنيسة محمية عندهم من دخول الشرطة. فيلجأ هذا المسلم إلى الكنيسة، ويسكن بداخلها أو في إحدى مرافقها مدة زمنية، مثلا شهرين أو عدة أشهر، وبهذا السبب تتركه سلطات الدولة بدون ترحيل ويُنظر في طلبه من جديد.
فهل يجوز للمسلم أن يلجأ إلى مثل هذا، حتى لا يتم ترحيله؟
وهل سيختلف الحكم ما إذا كان سيرحّل إلى بلاده - حيث خوف على نفسه وعرضه وماله - أو إلى إحدى بلاد أوروبا الشرقية التي مرّ به أثناء مجيئه إلى هنا إذ إن أحوال اللاجئين فيه ليست على ما يرام؟
بينوا لنا حكم ذلك، بارك الله فيكم!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الأحوط للمسلم والأولى به خصوصا في هذا الزمان، أن يبتعد عن أصحاب الكنائس، وأن لا يتعامل معهم، لأنهم يتخذون مساعداتهم وسيلة للدعوة إلى دينهم والتقريب منه، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 9759. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 28513.
وقد اختلف أهل العلم في حكم دخول الكنيسة، والراجح حرمة دخولها حال وجود منكر كالعبارات الشركية والصور ونحو ذلك، أما مع عدم وجود منكر فلا بأس بذلك، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 37925.
وقبول المسلم مساعدة الكافر، لا يوجد ما يمنع منه شرعا، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا الكفار كقيصر والمقوقس، كما سبق بيانه في الفتويين: 6261، 40918.
ويجب عندئذ الحذر أن يكون ذلك مقابل التنازل عن شيء من الدين، أو التعاون معهم على شيء من باطلهم، كما يجب الحذر من ميل القلب إليهم، فإن أكثر النفوس تميل حبا إلى من أسدى إليها معروفا، وإذا أنس من نفسه ميلا بسبب هذه المساعدة فعليه أن لا يقبلها. كما تقدم بيانه في الفتوى رقم: 7680.
ولا يخفى أن شفاعة الكافر وبذل جاهه نوع من المساعدة والإعانة، فالأصل أنه لا حرج فيها؛ وقد دخل النبي مكة في جوار المطعم بن عدي لما رجع من الطائف، كما رواه ابن إسحاق وغيره. وكذلك لما خرج أبو بكر مهاجرا إلى الحبشة رجع إلى مكة ودخلها في جوار ابن الدغنة سيد القارة. ولكن قبول هذا النوع من الإعانة لا يجوز أن يكون على حساب شيء من الدين.
وهذا كله في حال الاختيار، أما في حال الاضطرار فقد أباح الله تعالى ما هو أبعد من دخول الكنائس والاحتماء بها وهو النطق بكلمة الكفر، كما قال سبحانه: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ {النحل:106} .
فخوف القتل والحبس والتعذيب وما أشبه ذلك مما يبيح اللجوء الكنسي، أما في حال وجود سبيل آخر للتخلص من هذا الضرر والنجاة من هذا الخطر، ولو بضيق في العيش وقلة من المال، فلا ينبغي للمسلم أن يقرب هذا النوع من الأماكن.
وراجع في شروط الإكراه وأحواله، الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 24683، 64166، 71557. ولمزيد الفائدة انظر الفتويين: 60225، 52799.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1430(1/446)
حكم تعليق صور (جيفارا) الشيوعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ (جيفارا) ، الثائر لأجل الحرية، رأيت الشباب يضعون ملصقات لصورته على سياراتهم، والأطفال على الدراجات الهوائية والجوال والكمبيوتر، وكأنه مسلم فما حكم التعلق والتأسي به، وعلى ما أظن أنه شيوعي، ف أفتوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ظنه السائل الكريم من أن هذا الرجل شيوعي أمر صحيح مشهور، وهذا مما لا ينقضي منه العجب، أن يصل الجهل ببعض المسلمين أن يتخذ أمثال هذا الزعيم الشيوعي رمزاً ويتبارون في اقتناء صورته ولصقها، وهذا من العار البين المخزي، فإن الشيوعية -كما هو معلوم- مذهب فكري يقوم على الإلحاد، وأن المادة هي أساس كل شيء، ويفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل الاقتصادي، وقد تضرر المسلمون منها كثيراً، وهناك شعوب محيت بسببها من التاريخ، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 5887.
ومنها تعلم أن الشيوعية مذهب كفري من دعا له أو سانده وهو يعلم حقيقته فهو كافر بالله ورسوله، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 35638.. وقصد التشبه بمثل هذا الرجل أو تعظيمه أمر محرم بلا شك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني. وقد سبقت بعض الفتاوى في بيان معيار التشبه المنهي عنه، ومنها الفتوى رقم: 64256، والفتوى رقم: 3310.
وأخف ما في هذه الظاهرة الجوفاء أن تعليق مثل هذه الملصقات يدخل في حكم تعليق الصور الفوتوغرافية لذوات الأرواح، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 12972.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1430(1/447)
عقوبة من يحتفل بعيد الميلاد
[السُّؤَالُ]
ـ[بما أن الاحتفال بعيد الميلاد بدعة فما عقوبة من يحتفل به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المراد بعيد الميلاد ما يسمى بالكريسماس أو رأس السنة الميلادية فقد سبق بيان حكم ذلك والمخالفات الشرعية التي سيقع فيها المحتفل بفعله هذا في فتاوى كثيرة منها الفتوى رقم: 26883.
وإن كان المراد بعيد الميلاد يوم مولد الشخص، فقد سبق بيان حرمة هذا الاحتفال في الفتاوى: 1319، 2130، 10889.
ولا توجد عقوبة محددة على هذا الفعل، ويكفي في عقوبة فاعلها أنه عاص ومخالف لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال سبحانه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور: 63} ونسأل الله الاستجابة لأوامر ديننا وهديه والاستقامة على أمره، ففي ذلك الحياة والفوز والفرح كما قال تعالى: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ {الأنفال: 24} وقال سبحانه: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ {يونس: 58} والله الموفق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1430(1/448)
واجب من اشترى شيئا فوجده فيه صليبا
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة اشترت جوالا فوجدت به علامة صليب وهي مثبتة بحيث لا تزال. فما الحكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن اشترى شيئا فوجده فيه صليبا فيجب عليه طمسه ومحوه، فإذا كان مجسما كسره، وإذا كان ملونا طمسه. وأما بعض الخطوط التي يظن البعض أنها صليبا وليست كذلك مثل بعض العلامات الحسابية التي توجد في التلفونات والساعات الالكترونية ونحو ذلك، فهذه لا بأس بها، ولا تعد من الصلبان، وراجعي الفتوى رقم: 58010.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1430(1/449)
عيد النيروز.. تعريفه وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أحتاج إلى نبذة عن عيد النيروز وحكمه في الإسلام؟
وأيضاً كيفية التعامل مع البهائيين حيث إن لي جارا بهائيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
النيروز على وزن - فيعول- بفتح الفاء، ويقال له أيضا النوروز على وزن- فوعول-، والأول أشهر؛ لفقد وزن فوعول في كلام العرب. وهو لفظ معرب: وهو أول السنة، لكنه عند الفرس عند نزول الشمس أول برج الحمل، وعند القبط أول شهر توت. من كتاب المصباح المنير في غريب الشرح الكبير بتصرف.
وفي كتاب مواهب الجليل: النيروز هو أول يوم من السنة القبطية والسريانية والعجمية والفارسية ومعناه اليوم الجديد, وهو عند الفرس ستة أيام، أولها اليوم الأول الذي هو أول شهر سنتهم ويسمون الشهر الأول نيروز الخاصة، والسادس نيروز العامة، والنيروز الكبير.
وفي كتاب صبح الأعشى: وكأن القبط- والله أعلم- اتخذوا ذلك على طريقة الفرس، واستعاروا اسمه منهم فسموا اليوم الأول من سنتهم أيضا نيروزا، وجعلوه عيدا.
أما حكمه، فلا يجوز للمسلم الاحتفال به أو المشاركة في ذلك. وقد سبقت منا فتوى في حكم المشاركة في احتفالات أعياد الكفار برقم: 4586. فلتراجعها للفائدة.
أما فيما يتعلق بجارك البهائي، فعليك بالسعي في هداية الرجل والاستعانة بالله، واسترشد بالكتب التي ترد على البهائية والتي من أفضلها الموسوعة الميسرة في المذاهب والأديان المعاصرة، ومن أهمها كتاب: البهائية أضواء وحقائق للشيخ إحسان إلهي ظهير.
فإن اهتدى، وإلا فيبقى له حق الجوار، فإن الجيران تختلف حقوقهم: فمنهم الجار المسلم القريب، فهذا له حق الإسلام وحق القرابة وحق الجوار، ومنهم الجار المسلم غير القريب فله حق الإسلام وحق الجوار. ومنهم الجار الكافر، فله حق الجوار فقط، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 20553.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1430(1/450)
حكم لبس ساعة مكتوب عليها عبارة اللؤلؤة المسيحية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي ساعة يد مكتوب عليها عبارة بالانجليزية معناها اللؤلؤة المسيحية، فهل يجوز لي أن ألبس هذه الساعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي نراه هو أنه لا يجوز لبس هذه الساعة، حتى يزال ما عليها بحكّ أو وضع طلاء يستره؛ لأن هذا الكلام من شعار النصارى، ثم إن هذا فيه تعظيما للنصرانية المنسوخة المحرفة، وما فيها من إشراك بالله وافتراء عليه، كما قال الواحد الأحد: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {المائدة:73} .
ثم إن في لبسها على حالتها هذه نوع تشبه بالنصارى، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ. رواه الإمام أحمد وأبوداود وصححه الألباني. قَالَ الْمُنَاوِيُّ: أَيْ تَزَيَّا فِي ظَاهِره بِزِيِّهِمْ، وَسَارَ بِسِيرَتِهِمْ وَهَدْيهمْ فِي مَلْبَسهمْ وَبَعْض أَفْعَالهمْ. انْتَهَى.
ولمزيد من الاطلاع على حكم ما يلبس مما فيه شيء من شعارات أو رموز الكفر فلتراجعي الفتويين: 5810، 19337.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1430(1/451)
هل ندرس الطفل في سن رياض الأطفال في مدارس الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[قدمت للدراسة في اليابان لمدة عام، واصطحبت معي أسرتي، ولي ابنة في عمر رياض الأطفال، وأنا في حيرة من أمري، هل أدخلها حضانة يابانية، مع العلم أنهم ليسوا أهل كتاب، لكن لا يتعرضون لمسألة الدين في رياض الأطفال، أم أدخلها حضانة مسيحية مع العلم أنهم يدرسون الأطفال بها أشياء وقصص وأغاني من الإنجيل.
أنا في حيرة من أمري، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به هو أن تجنب ابنتك كلتا الروضتين جميعا، وأن تكتفي في هذه السنة بما تلقنه لها أنت، مع التعاون مع أمها في البيت مما يناسب إدراكها، فإن قلوب الأطفال في هذه السن تكون ساذجة وينطبع فيها ما تراه وتسمعه، ويظل تأثيره إلى فترة بعيدة من حياتهم.
وأبناؤنا هم رأس مالنا، وتربيتهم أمانة في أعناقنا والله سائلنا عنهم، ومكر الكافرين على هذا الجيل من المسلمين مما لا نظنه خافيا عليك، وانظر الفتوى رقم: 8080.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1430(1/452)
أصحاب المعاصي.. حب أم بغض
[السُّؤَالُ]
ـ[جادلت نصرانياً في موضوع سماحة الدين بين الإسلام والمسيحية، واستدل بمبدأ من تعاليم النصرانية يقول: أبغض الخطيئة، وأحب المخطئ ومعنى ذلك، أن المؤمن - النصراني هنا - يجب أن يبغض الخطأ نفسه كالسرقة مثلاً، ولكنه يجب أن لا يبغض الشخص المرتكب للخطيئة أي السارق، وذلك لقولهم بأننا كلنا مخطئون أي جميعنا قد يرتكب ذنباً أو أكثر، وقد أجبته حينها بأن هذا موقف الإسلام، ولكن الحق أني لم أسمع بدليل من القرآن أو السنة على ذلك، وما قلته إلا لنقض قوله، فما هو موقف الإسلام من هذا الجانب، وهل علي شئ لذكري بأن موقف الإسلام مؤيد له، أفيدونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعروف أن المسلم، يحب ما يحبه الله ويبغض ما يبغضه الله، وهذا هو غاية العدل والإحسان، أن نستسلم لحكم رب العالمين، ففيه نحب ونبغض، وله نعطي ونمنع، وعليه نوالي ونعادي. ولهذا لا يتمحض البغض عند المؤمن إلا لأعداء الله الكافرين، الذين أخبر الله بعداوته لهم فقال: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ {البقرة: 98}
وهذه هي الأسوة الحسنة التي ورثناها عن خليل الرحمن، كما قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ {الممتحنة: 4}
وأما المؤمن فإنه يحب لإيمانه، فإن أساء فإنه يحب بقدر ما فيه من إيمان ويبغض بقدر ما فيه من معصية تبغض فيه معصيته، وتبقى له أخوة الإيمان، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ {التوبة: 71}
فمع أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فيما بينهم، لا ينقطع ما بينهم من ولاء. حتى أهل الكبائر منهم، تبقى محبتهم وما يترتب عليها من حقوق الإسلام، مع بغض كبائرهم، فلا يُلعنون ولا يُسبون ولا يدعَى عليهم، بل يُترحم على ميتهم، ويُوعظ حيُّهم بالتي هي أحسن، فهذا هو هدي الإسلام الحنيف، فعن عمر بن الخطاب أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه؛ ما أكثر ما يؤتى به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فو الله ما علمت إنه يحب الله ورسوله.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب قال: اضربوه. قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله. قال: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان. رواهما البخاري.
ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم الغامدية التي زنت، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فتنضح الدم على وجه خالد فسبها، فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها فقال: مهلا يا خالد! فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له. ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت. رواه مسلم.
وأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فتى شابٌّ، فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا. فأقبل القوم عليه فزجروه قالوا: مه مه. فقال: ادنه. فدنا منه قريبا، فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أحمد، وصححه الألباني. وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 55090، 65812، 95792، 7618.
فما ذكره السائل الكريم في مجادلته لهذا النصراني صحيح من وجه وخطأ من وجه، فإن كان المقصود أن المذنب من المؤمنين يبغض بقدر معصيته مع بقاء أصل محبته لإيمانه، فصحيح. وإن كان المقصود أن المذنب والطائع من المؤمنين سواء في المحبة والموالاة مع بغضنا للمعصية نفسها، فليس بصحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك؛ فإن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه، والإكرام لأوليائه والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه. وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته. هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة انتهى.
وقد كان الواجب على السائل الكريم أن لا ينسب للإسلام ما لا علم له به، حتى يسأل ويتبين، ثم يخبر بما علم. وراجع للأهمية الفتوى رقم: 29347.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1430(1/453)
التبرؤ من الكفر وشعاراته
[السُّؤَالُ]
ـ[مشايخنا الكرام أرجو منكم الاهتمام بهذا الموضوع لأنه يمس فئة حساسة هي الشباب الإسلامي واستحضاره للحضارة الغربية والتقليد الأعمى، وأردت أخذ رأي العلماء في بعض الأمور التي يتبناها شبابنا بشدة هي الرموز المنتشرة وسط شباب وخاصة شباب الجامعات
أولا: صليب نيرو (يعتبر الرمز الرسمي للسلام والحب في العالم) صليب نيرو حيث إن الإمبرطور الروماني نيرو جاهد في السعي وراء تدمير المسيحية واضطهاد المسيحيين الأوائل (بطرس وبولص على وجه الخصوص حيث قتلا على يده)
وينسب الشكل إلى الإمبراطور نيرو لأنه قام بصلب بطرس بشكل مقلوب أي بما يشابه الشعار.
تم إعادة استخدام الرمز في الستينيات حيث إن جيرالد هولتوم قام بطرح الشعار في 21 شباط من عام 1958
واشتهر هذا الرمز على مستوى العالم على يد البرت بقلو، وهو بحار ومتظاهر سلمي استخدم الرمز السابق كراية لسفينته.
وفي الستينيات استخدم ذات الرمز احتجاجا على الأسلحة النويية استعملته لجنة العمل المباشر ضد الحرب النووية، واستخدم في بريطانيا بشكل رسمي من قبل حركة نزع السلاح النووي البريطانية.
ثانيا: النجمة الخماسية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم كما يجب عليه أن يعتز بدينه، يجب عليه أن يبرأ من كل ملل الكفر وشعاراتها، كنجمة اليهود، وصليب النصارى، وكذلك رموز آلهة الوثنيين، قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى {البقرة: 256} وقال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ {النحل: 36} فلا يحل لمسلم يريد أن يحقق هذا الاجتناب الذي أمر به أن يحمل أو يلبس ما فيه شعار الكفر، كما سبق بيانه في الفتويين: 5810، 10883،. وكذلك يحرم وضع الصور التي ترمز إلى شعارات الكفر في المنتديات وغيرها، كما سبق في الفتوى رقم: 75319.
والنجمة الخماسية قد اختلف الناس في أصلها فقيل إنها ترمز إلى الكوكب فينوس إله الجمال والحب، فقد كان الدين الوثني يرتكز على نظام الطبيعة المقدس وقد كان للآلهة مكان في السماء، ولها عدة أسماء، وقد لاحظ اليونانيون القدماء أن كوكب فينوس يحدد نجمة خماسية كاملة كل أربع سنوات لدى دورانه في السماء، وقدسوا الكوكب لدرجة أن فينوس ونجمته الخماسية أصبحت رمزا للكمال. وتقديرا لسحر فينوس قام اليونانيون باستخدام دورتها ذات السنوات الأربع أساسا لتنظيم دورة الألعاب الأولمبية.
وقيل إن النجمة الخماسية رمز يعود إلى ما قبل المسيحية، ويدل على عبادة الشيطان، وجاء في مجلة الراصد أن من طقوس عبدة الشطان لبس قلادة عبارة عن نجمة خماسية يتوسطها رأس شيطان.
وجاء في الموسوعة العربية العالمية أن في وسط علم دولة أنجولا نجمة خماسية ترمز إلى الاشتراكية.
وراجع في ضرورة البعد عن التشبه بغير المسلمين في جميع أمورهم والإعجاب بهم وحبهم، وفي معيار التشبه المنهي عنه، الفتاوى التالية أرقامها: 64256، 60980، 30277، 27185.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1430(1/454)
حكم الانتفاع بالأدوات التي عليها شعار الصليب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نتصرف مع الصليب هنالك أشياء نشتريها تحوي صليبا أو على الأقل علامة الزائد بالآلة الحاسبة، وأيضاً بعض شعارات السيارات فكيف نتصرف مع الصليب بحياتنا؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبهك بداية إلى أنه ليس كل خطين متقاطعين يعتبران صليباً، وإنما الصليب ما يشبه الإنسان المصلوب كما بينه الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود.
وإذا ثبت أن في السيارة أو في الآلة الحاسبة شعار صليب فيتعين إزالته لما في حديث البخاري عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8015، 29320، 10883، 29551، 19337.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1430(1/455)
حكم حضور الاحتفالات المشتملة على المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس في دولة أجنبية غير مسلمة، وفي مناسبات عدة يقيم القسم الذي أتبع له احتفالات يكون بها خمور وعدد من المعاصي. ما حكم المشاركة في مثل هذه الاحتفالات حتى وإن لم نشارك في الشرب معهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يحفظ عليك دينك وعرضك، ويعينك على طاعته وحسن عبادته.
ولتعلم أنه لا يجوز للمسلم أن يجلس إلى مائدة يدار عليها الخمر أو لحم الخنزير أو يعصي الله تعالى ولو لم يتناول شيئا من ذلك فقد قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ {النساء:140}
وروى ابن حبان في صحيحه وأ حمد في مسنده عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر.
فالواجب الابتعاد عن المشاركة في هذه الاحتفالات، وألا يجلس المسلم مع من يشربون الخمر، أو يمارسون غير ذلك من المعاصي.
وسبق بيان ذلك بتفصيل أكثر في الفتويين: 53779، 57547.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1430(1/456)
من الأدلة على منع التشبه بالكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أدلة عدم تشبه المسلمين بالكفار من القرآن والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه مسألة مهمة من مسائل الدين، وأصل عظيم من أصوله، ألَّف فيه شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه العظيم: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) وهو من أنفع ما كتب في هذا الباب، حشد فيه رحمه الله من أدلة القرآن والسنة شيئا جليلا.
وممن اعتمد على هذا الكتاب من علماء العصر الشيخ الألباني رحمه الله، فجمع بحثا مختصرا مفيدا عن ذلك في كتابه (جلباب المرأة المسلمة) ، قال في أوله: تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالا ونساء التشبه بالكفار، سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم. وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية خرج عنها اليوم مع الأسف كثير من المسلمين، حتى الذين يعنون منهم بأمور الدين والدعوة إليه جهلا بدينهم أو تبعا لأهوائهم أو انجرافا مع عادات العصر الحاضر وتقاليد أوروبا الكافرة، حتى كان ذلك من أسباب ذل المسلمين وضعفهم وسيطرة الأجانب عليهم واستعمارهم، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم {الرعد: 11} لو كانوا يعلمون، وينبغي أن يعلم أن الأدلة على صحة هذه القاعدة المهمة كثيرة في الكتاب والسنة، وإن كانت أدلة الكتاب مجملة فالسنة تفسرها وتبينها كما هو شأنها دائما.
ومما ذكره ـ رحمه الله ـ من أدلة القرآن قوله تعالى: وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ {الجاثية:6-8} .
وقوله عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ {الحديد:16} .
ومما ذكره من أدلة السنة قوله صلى الله عليه وسلم: جعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم. رواه أحمد.
وحديث أبي واقد الليثي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح.
ولمزيد من الأدلة يرجى مراجعة الكتابين السابقين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1430(1/457)
متى تكون الهجرة واجبة من بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أريد أن أتوب إلى الله وأن أقلع عن المصافحة باليد أو بالوجه للبنات لا أريد أن أعصي الله لا أريد أن أغضب الله إنني أخاف الله شديد الخوف وأحب الله أكثر من نفسي لا أريد أن أفعل الحرام ولا أن أقترفه أريد فقط أن أعبد الله وأن أطيع أوامره وأتمنى أن يدخلني الله الجنة مع الذين أنعم عليهم ومع الصالحين والأنبياء لكن في نفس الوقت لا أجد الرفقة الصالحة ولا أحد من عائلتي يشجعني على الالتزام بالدين بل في بعض الأحيان إخوتي الذين أعيش معهم يطلبون مني أن أحلق لحيتي ... والبيئة التي أعيش فيها ليست ملتزمة ففي المدرسة الأغلبية غير مسلمين والذين هم مسلمون لا يلتزمون يتهاونون كثيرا في أمور الدين الكثير منهم لا يعرف أن الموسيقى حرام أو أن حضور جنازة الكافر لا يجوز وأن يد السارق في الإسلام تقطع وأن الزاني يجلد أو يرجم فاعلها بل البعض يعارض بعضا من هذه الأمور ويقول إنها ليست من الإسلام بدون أن يأتي بدليل شرعي وفي المدرسة ندرس في بعض الأحيان أشياء يمكن أن نقول تسيء إلى ديننا الحنيف الخ وأنا لا أخفي تأثري في بعض الأحيان بتصرفات زملائي العرب المسلمين وكم من مرة انتقدني زملائي الأجانب بأنني متشدد ولا أريد أن أكون منفتحا وبما يتعلق بالمصافحة في بعض الأحيان أضطر للكذب وأقول لبعض الفتيات بأنني صائم ولا أقدر أن أسلم معهن بالوجه الخ ولكن الآن أريد أن أقلع نهائيا عن هذه المصافحة لكن لا أعرف كيف أفعل هذا وكيف أرد على انتقاداتهم وأطلب من فضيلتكم أن ترشدوني إلى الصواب وكيفية الرد على انتقاداتهم وبيان أسباب حرمة المصافحة بين الرجل والمرأة وأريد الأحاديث مع شرحها بالتفصيل التي تحرم المصافحة وكذلك الأمور السلبية والخطيرة التي تؤدي إليها المصافحة بين الرجال والنساء من أجل إقناعهم؟ ++]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما تعانيه من قلة الرفيق الصالح المعين على تقوى الله، وكثرة المضلين المفسدين الداعين إلى سخط الله، المشككين في أحكام الإسلام وثوابته القطعية، إنما أكبر أسبابه هو إقامتك في بلاد الكفر. وقد جاء النهي الصريح من رسول الله عن الإقامة في هذه البلاد، فقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: لا تراءى ناراهما. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه الألباني.
ولا شك أن الفساد قد عم أنحاء الأرض وطم، ولكن مع هذا كله فبلاد المسلمين – ولله الحمد - أحسن حالا من بلاد الكفار، وهذا لا شك فيه، ولذا فعلى المسلم ألا يزهد في بلاد الإسلام ويرغب في غيرها إيثارا لزهرة الدنيا الفانية، قال الونشريسي رحمه الله في كتابه الموسوم بـ أسنى المتاجر وبيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن. أخرجه البخاري والموطأ وأبو داود والنسائي وقد روى أشهب عن مالك: لا يقيم أحد في موضع يعمل فيه بغير الحق. قال في العارضة: فإن قيل: فإذا لم يوجد بلد إلا كذلك؟ قلت: يختار المرء أقلها إثما، مثل أن يكون البلد فيه كفر، فبلد فيه جور خير منه. أو بلد فيه عدل وحرام فبلد فيه جور وحلال خير منه للمقام. أو بلد فيه معاص في حقوق الله فهو أولى من بلد فيه معاص في مظالم العباد. انتهى.
فبادر - رحمك الله - إلى ترك هذه البلاد إذا كنت لا تتمكن من إقامة شعائر دينك وخفت على نفسك الفتنة، فإن السلامة لا يعدلها شيء، والهجرة في هذه الحال تكون واجبة متحتمة. جاء في فتح الباري: ... أي ما دام في الدنيا دار كفر، فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينه. انتهى.
أما أدلة تحريم مصافحة المرأة الأجنبية، فقد سبق بيانها بالتفصيل في الفتاوى رقم: 1025، 2412.
وأما حكم الموسيقى والغناء، فقد سبق ذكره بالتفصيل في الفتوى رقم: 54316.
وأما تشييع جنازة الكافر، فقد سبق بيان حكمه في الفتوى رقم: 114621، 61380، 35531. ... ...
وأما قطع يد السارق ورجم الزاني إذا كان محصنا أو جلده إذا كان غير محصن فهذا لا نحتاج للتدليل عليه لأنه من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1429(1/458)
حكم الهدية الجماعية بمناسبة أعياد النصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إهداء النصارى في أعيادهم إذا كانت الهدية من مجموعة من الزملاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تجوز مشاركة النصارى أو غيرهم من الكفار في عيد من أعيادهم بأي نوع من المشاركة، سواء كانت تقديم هدية أو غير ذلك، وسواء كان تقديمها من فرد واحد أو من مجموعة، لأن في هذا إقراراً لهم على باطلهم وتعاونا معهم على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2} ، وللمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم: 105524.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1429(1/459)
حكم توفير المسلم مواقع للإنترنت تخدم النصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم توفير خدمات للنصارى في موقع يشرف عليه مسلم أو كما يسميهم أصحاب هذه المواقع المسيحيين، مثال على هذه الخدمات توفير قائمة بـ: مواقع تعادي المسيحية, أو توفير كتب مسيحية أو توفير منتديات للمسيحيين، وما حكم من يقول: من قال إنني يجب أن أبرمج موقعي لك فقط أنت المسلم، أنا مسلم وأنت مسلم ... ولكن النصراني أيضاً زميلي في العمل وصديقي، هل يجب أن أعاديه لأن حضرتك أردت هذا؟ أرجو تبيان السؤالين وبشكل مفصل رجاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم توفير مثل هذه الخدمات لأهل الباطل لأن في هذا إعانة لهم على باطلهم، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَاب {المائدة:2} . وراجع الفتوى رقم: 54844.
وكون الواحد من هؤلاء زميلا للمسلم في عمله لا يسوغ له إعانتهم على باطلهم، بل ولا يجوز له أن يتخذه صديقا تكون بينه وبينه مودة لأن هذا مما جاء الشرع بالنهي عنه، فالواجب على من تلفظ بمثل هذه الألفاظ المذكورة بالسؤال أن يتوب إلى الله تعالى.
وأما مجرد الإحسان إلى الكافر في أمر دنيوي فهذا قد رخص الشرع فيه وندب إليه رجاء تأليف قلبه على الإسلام، ونرجو مراجعة الفتويين: 15087، 110926. ففيهمما تفصيل لما أجملنا ذكره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1429(1/460)
حكم اقتناء رموز أهل الكتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم وجود صورة لمريم العذراء ويسوع المسيح أو صليب في بيت مسلم؟ شكراً لكم.. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم تعليق الصليب ولا صورة ما يزعم أنه المسيح المصلوب أو صورة مريم، وهذه الأمور تعتبر من شعائر أهل الكفر، وتعليقها فيه تشبه ظاهر بهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ... رواه الترمذي وصححه الألباني.
وفي سنن أبي داود مرفوعاً: من تشبه بقوم فهو منهم ... والمسلم الذي رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً يجب عليه اتباع صراط الله المستقيم، الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام رضي الله عنهم.
ومقتضى الاستقامة على هذا الصراط أن يجتنب المسلم طريق المغضوب عليهم والضالين، من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر، فلا يتبعهم في ضلالهم ولا يتشبه بهم في أفعالهم وألبستهم، ولا يخالطهم في أعيادهم وكنائسهم ومعابدهم، ولا يظهر الفرح والسرور بمناسباتهم ولا يهنئهم بها بل يتبرأ من ذلك كله ويسلم وجهه الله تعالى، وانظري للأهمية الفتوى رقم: 56692.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1429(1/461)
حكم من تشبه باليهود والنصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عندي 14 سنة ومشكلتي هي أنني مصاب يمرض الوسواس القهري وقد سبق لي الذهاب إلى طبيب نفساني ولكني قطعت العلاج لأن الدواء يكون سببا في العقم فلهذا تركته ومازالت الوساوس القهرية تطاردني من مكان إلى مكان حتى إني بدأت التفكير في الانتحار وليس هذا فحسب بل أيضا أشعر بألم في رأسي كل ما تأتيني هذه الوساوس وأحاول التغلب عليها فمن بعض الوساوس التي تأتيني لي أنا أؤخر صلاة العشاء فعندما أصليها يكون البيت كله نائما فأحس بأني أسمع أصواتا فتأتيني وساوس بأن جنا سيظهر لي فبينما أنا وأنا أصلي يأتي في نفسي وسواس بأن أصلي للجن بدلا من الله والعياذ بالله حتى لا يظهر لي الجن ويؤذيني فأقول لا إني إذا استعذت من هذا الجن فإنه لن يستطيع أن يمسني بسوء وتأتي لي وساوس أن الكفار سوف يعذبوننا فأبدأ بدرب الأشياء من حولي حتى أرى إذا كنت سأتحمل العذاب أم لا وأيضا تأتي لي وساوس عندما أقول كلمة الله فعندما أقول كلمة الله يأتي في بالي صنم أو امرأة لأني كنت أمارس العادة السرية ففي يوم عندما كنت أمارسها كنت أود سماع صوت المرأة التي أشاهدها فبينما أنا وأنا أنحني لتركيب السماعة في الكمبيوتر تهيئ لي أني أسجد لهذه المرأة وما زالت الوساوس التي تأتي لي عن هذه المرأة كثيرة جدا وخطيرة جدا جدا فمنها أنها تأتي لي وساوس بأن هذه المرأة هي الله وأن الله هو هي ووساوس أخرى لا أستطيع الكلام عنها لكثرتها وأيضا تأتي لي وساوس أن الدين الإسلامي دين كئيب فمثلا إذا نظرت إلى الشيوخ لا أجدهم يضحكون أو يبتسمون بل يضحكون ويبتسمون من حين إلى آخر وأيضا (التسريحات التي يفعلها الشباب هذه الأيام يحرمها الإسلام فإذا فعلتها وأنا مؤمن ومقتنع بأنها حرام فهل أكون مسلما عاصيا أم كافرا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم من تشبه بقوم فهو منهم، وهذه التسريحات تشبه باليهود، إنني ذهبت إلى الطبيب النفسي فتأتي لي وساوس أنني طالما ذهبت إليه فإنني في هذه الحالة أكون مجنونا لأنني عندي أدلة كثيرة عن كمولية وجود الله فيأتي لي هذا الوسواس بأني مجنون فكيف أفكر مع العلم أن درجاتي في المذاكرة مرتفعة والحمد لله ويأتي لي وساوس أخرى لا أستطيع الكلام عنها لكثرتها.
رجاء الإجابة على السؤال الذي بين القوسين ( ... ) .
وأيضا الرجاء الإجابة على هذا السؤال والسؤال أنني ألعب لعبة على النت ويمكن أن أخذ اللاعب الذي أملكه وأبيعه لكن الشركة تمنع ذلك لأنها تقول إنها لا تدري ما المصلحة المتبادلة بيننا في بيع هذا اللاعب وأيضا أنها تقول يمكن أن أكون أنا سارق هذا اللاعب وأبيعه وأيضا إنها لا تريد أحدا أن يشتري الألعاب التي تصدرها لأن ألعابها مجانا هذا ما فهمته من الذي كان مكتوبا ولها أسباب أخرى كثيرة والسؤال هو أنني إذا بعت هذا اللاعب مع الرغم مما تقوله الشركة فهل المال الذي سوف آخذه حرام أم حلال؟ هذا وجزاكم الله خيرا. والوسواس تطاردني حتى إني مارس العادة في رمضان لا أستطيع التحمل فكلما تأتي لي الشهوة أتخيل هذه المرأة أمامي ولا أعرف ما أفعل وبعد ما أمارسها أقول إني كفرت أم لا لما قلته لكم فيما سبق لو سمحتم سرعة الرد وإرسال الرد على بريدي الإلكتروني (هناك أسئلة كثيرة لم أقل عليها) بالله عليكم المساعدة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مثل هذه الوساوس من كيد الشيطان لينكد على المرء حياته ويفسد عليه دينه، فمن أهم ما نوصيه به إغاظة الشيطان بالإعراض عن هذه الوساوس جملة وتفصيلا، وعدم الاستجابة إلى ما يدعوك إليه من انتحار أو غيره، ولمزيد الفائدة فيما يتعلق بسبل علاج الوسواس القهري راجع الفتوى رقم: 3086، وفي حكم الانتحار راجع الفتوى رقم: 54026، والفتوى رقم: 10397، وعليك بالمواصلة في مراجعة طبيب نفسي ثقة ولا تهتم للوساوس التي تريد أن تصدك عن مراجعته والأخذ بما يشير عليك به من علاج، وليس كل من يراجع الطب النفس مجنونا.
ثم إن الجني قد يتلبس بالإنس وهذا أمر ثابت بدلالة الكتاب والسنة فلا يبعد أن يكون بك مس من الجن أو نحو ذلك كالسحر والعين فعليك برقية نفسك ولا بأس بأن يرقيك بعض من عرفوا بالاستقامة إن احتجت إلى ذلك.
واعلم أن ما يأتيك من وساوس تتعلق بجانب العقيدة والإيمان لا تضرك فعليك بالاستمرار في مدافعتها، وانظر الفتوى رقم: 110257.
ولا شك أن التشبه باليهود والنصارى أمر محرم بدلالة الحديث الذي ذكرت، والتشبه بهم فيما هو معصية فقط لا يكون كفرا، قوله في الحديث (فهو منهم) أي في الإثم لا أنه يكفر بمجرد هذا الفعل.
قال شمس الحق الأبادي في عون المعبود: وقال القارئ: أي من شبه نفسه بالكفار مثلا من اللباس وغيره أو بالفساق أو الفجار أو بأهل التصوف والصلحاء الأبرار فهو منهم أي في الإثم والخير. اهـ
ولم نفهم ما تقصد بمسألة بيع اللاعب ولكن على وجه العموم إذا كانت هذه الشركة صاحبة هذا المنتج تشترط شروطا معينة فالواجب الالتزام بما تشترط، فمن يخالف هذا الشرط ويتصرف بغير إذنها فإنه يأثم ويكون ما كسبه من مال محرما. وراجع الفتوى رقم: 108918.
وننبه إلى أن الاستمناء محرم ويتأكد التحريم ويعظم الإثم بفعل هذه العادة القبيحة في نهار رمضان فالواجب على من وقع في ذلك أن يتوب ويقضي الأيام التي أفسد فيها صومه، وراجع الفتوى رقم: 18752.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1429(1/462)
حكم انتخاب غير المسلم وتقديمه على المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو التكرم بالإفادة عن حكم الدين فى انتخاب غير المسلم نقيبا بالنقابات المهنية رغم وجود غيره من المسلمين ظنا بأن الاول يتمتع بالحيدة وظنا بأن الآخرين يميلون إما للعصبية أو الحزبية أو للمصلحة الشخصية، كما أرجو بأن يكون الرد مكتوبا وعلى عجل لأهمية الأمر وسرعته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز انتخاب غير المسلمين، لأن ذلك يعني الثقة بهم وتوليهم وتوليتهم والدخول في شيء من طاعتهم، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {المائدة:51} ، وقال بعدها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {المائدة:57} ، كما أن انتخاب غير المسلم وتقديمه على المسلم هو من جعل السبيل للكافرين على المؤمنين، وهو خلاف مراد الله تعالى القائل: وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً {النساء:141} .
والمسلم وإن كان فيه ما فيه من قصور فهو خير من غير المسلم، كما قال تعالى: وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ {البقرة:221} ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 5141، والفتوى رقم: 32733 وراجع للفائدة في الموضوع الفتوى رقم: 76958.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1429(1/463)
حكم بيع الأشياء المباحة للكفار في أعيادهم..
[السُّؤَالُ]
ـ[أطلب من حضراتكم الإجابة على هذا السؤل.. جزاكم لله بخير, بحكم أنني أتاجر في إيطاليا وهم يحتفلون بأعيادهم فيخرجون وهم يحملون الثماثيل التي يقدسونها, فهل يجوز لنا نحن كمسلمين أن نتاجر في أيام أعيادهم هذه، بسلعة ليست محرمة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل جواز التعامل مع الكفار بالبيع لهم والشراء منهم ما دام ذلك محكوماً بالشرع، ولا يجوز للمسلم أن يبيع لهم شيئاً محرماً كالخمر والميتة، أو يعاملهم معاملة محرمة كالتعامل بالربا أو القمار، أو يعينهم على أمر محرم.. وسبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة في الفتوى رقم: 77836 وما أحيل عليه فيها.
وقد كره أهل العلم بيع الأشياء المباحة التي يستخدمها الكفار في الاحتفال بأعيادهم.. جاء في حاشية الدسوقي: وكره لنا بيع الطعام أو غيره كثياب وإجارة الدواب وسفينة وغيرها لعيده (أي الكافر) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بالكفار في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ... ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك.
وعلى ذلك فإن الأفضل للمسلم أن يتجنب بيع ما يعين الكفار على الاحتفال بأعيادهم ما لم يترتب على ذلك ضرر، وإلا فإنه يجوز له البيع لهم، مع العلم أن الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز لمن خشي الفتنة في دينه أو لم يستطع إقامة الشعائر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1429(1/464)
حكم تعلم إدارة مشاريع خيرية وتربوية لدى جهات معادية للدين
[السُّؤَالُ]
ـ[تقترح بعض الجمعيات التي تعادي الأفكار الإسلامية بعض الدورات التكوينية في إدارة المشاريع الخيرية والتربوية. ويود بعض الإخوة الذين يعون دور هذه الجمعية المشاركة في دورة لأهميتها وعدم وجود فرصة مماثلة. وكذلك رغبة منهم في إعطاء صورة أن الإسلام دين تسامح ولا يخشى الانفتاح لأنها لن تنال منه.
أفتونا أفتاكم الله لأن الإخوة سيقدمون على هذه الخطوة ربما هذا الأسبوع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يتعين عليه أولا أن يحرص على سلامة دينه من التأثر بمن يخالطهم ومن يأخذ عنهم المعلومات التي يتعلمها، ويتعين التحفظ ممن يحمل أفكارا تعادي الإسلام لئلا يشوه على المسلم عقيدته، ويتعين الانتباه لهذا بالنسبة لمن يسكن في بلاد الكفر ولاسيما إذا كان لم يتعلم من الدين ما يجعله محصنا من التأثر بأهل الضلال، وأما إذا كان المسلم لا يخشى تأثير هؤلاء على دينه بحيث كان له من العلم ما يدفع به الشبهات فإنه لا حرج في المشاركة في مثل هذه الدورات إذا لم يجد المسلم جهة أخرى تقدم له تكوينا يغنيه عنها، والاستفادة من خبرات الكفار فيما ينفع المسلمين قد دل لجوازها كثير من الأدلة، فمن ذلك فداؤه صلى الله عليه وسلم بعض أسارى بدر بتعليمهم الكتابة لأبناء الصحابة كما رواه البيهقي وابن سعد، وراجع الفتوى رقم: 46936، والفتوى رقم: 97245.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1429(1/465)
الولاء والبراء.. معناهما.. ومظاهرهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو شرح وتفسير معنى الولاء والبراء عند أهل السلف الصالح ما هي وكيف نحققها؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالولاء والبراء من آكد أصول الدين، ومعناه موالاة المسلم إخوته المسلمين ومحبتهم ومحبة الدين، وبغضه للكفار والبراءة منهم ومن أعمالهم ومعبوداتهم وعاداتهم، وحب المؤمن العاصي بقدر طاعته، وبغضه بقدر عصيانه، وقد سبق تفصيل هذا المعنى، وذكر أدلته في الفتوى رقم: 32852 فراجعها.
وأما عن كيفية تحقيق الولاء والبراء، فقد ذكر الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في كتابه الولاء والبراء في الإسلام أموراً كثيرة، فقال حفظه الله: وللولاء والبراء مظاهر تدلُ عليهما:
أولاً: من مظاهر موالاة الكفار: التشبه بهم في الملبس والكلام وغيرهما ... إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين ومدحهم والذب عنهم.. الاستعانة بهم والثقة بهم وتوليتهم المناصب التي فيها أسرار المسلمين واتخاذهم بطانة ومستشارين.. مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها ... التسمي بأسمائهم.. الاستغفار لهم والترحم عليهم.
ثانياً: من مظاهر موالاة المؤمنين: مناصرة المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال واللسان فيما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم.. التألم لألمهم والسرور بسرورهم ... النصح لهم ومحبة الخير لهم وعدم غشهم وخديعتهم.. احترامهم وتوقيرهم وعدم تنقصهم وعيبهم ... أن يكون معهم في حال العسر واليسر والشدة والرخاء، زيارتهم ومحبة الالتقاء بهم والاجتماع معهم.. احترام حقوقهم الرفق بضعافهم.. الدعاء لهم والاستغفار لهم.. انتهى باختصار.
فراجعه مع أدلته بالتفصيل فهو مفيد في بابه، ومن الكتب التي تناولت موضوع الولاء والبراء كتاب (الولاء والبراء في الإسلام) لمحمد سعيد القحطاني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1429(1/466)
حكم استضافة من ينكر أصول الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أخو زوجتي علماني أي لا يؤمن بحاكمية الله ولا يؤمن بالعديد مما جاء في القرآن من واجبات وتحريم مثل وجوب الحجاب ويهاجم الحجاب ومظاهر التدين علنا وفي وسائل الإعلام، فهل لي أن أتودد إليه وأن أستضيفه وأقبل استضافته لي، مع العلم بأني أرفض ذلك، ولكن زوجتي في حيرة من أمرها، وما هي حدود علاقتها الشرعية بأخيها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكر عن هذا الشخص من عدم الإيمان بحاكمية الله تعالى وإنكاره ما جاء في القرآن من الواجبات والمحرمات كأمر الحجاب، فهذا من الكفر بالله تعالى، فالواجب أن ينصح ويذكر بالله وبأليم عقابه إن لقيه وهو على هذا الحال، وينبغي الترفق به في ذلك فلعله يتوب، وليس ذلك ببعيد، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2453، 100226، 102922.
ولا حرج في استضافته أو قبول ضيافته، ولكن لا يجوز أن يؤكل من ذبيحة ذبحها بنفسه، وينبغي أن يستغل أمر هذه الضيافة في توجيهه إلى الخير وكفه عن الشر، وإن رجي أن ينفعه الهجر ويزجره عما هو فيه، فينبغي أن يهجر، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 15238.
ويجوز لأخته صلته وإن استمر على هذه الأفكار الكفرية، ولكن لا تجب عليها صلته لأن الراجح عدم وجوب صلة الرحم الكافر، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 61924.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1429(1/467)
محل عدم جواز إقامة المسلم في دار الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[أتواجد حاليا بفرنسا للعمل علما أن المساجد والحمد لله في كل المدن ويوجد عشرة مليون مسلم وسبعة عشر ألف يدخلون الإسلام كل سنة, وأمور ديننا ميسرة خاصة إعفاء اللحية, إلا أمر عيد الأضحى فأرسل المال لأبي كي يضحي مكاني فهل في هذه الظروف يجوز لي الإقامة علما أني ناشط في توجيه الشباب من أصل فرنسي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يحفظكم ويعينكم على ذكره وشكره وحسن عبادته..
ولتعلم أن الأصل أن تكون إقامة المسلم ومحل استقراره في بلاد المسلمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: لا تراءى ناراهما. رواه أبو داود والترمذي والطبراني في الكبير وصححه الألباني.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وهذا محمول على من لم يأمن على دينه.
وعلى ذلك؛ فإذا كان المسلم آمنا على دينه ونفسه وماله.. ويستطيع إقامة شعائره وعنده من العلم ما يدفع به الشبهات التي قد ترد عليه، ومن التقوى ما يدفع به الشهوات المنتشرة هناك جاز له البقاء في دار الكفر، وإن اختل شيء من هذه الشروط لم تجز الإقامة، وقد بينا هذا الحكم من قبل فيمكنك أن تراجع فيه الفتوى: 51334، وما أحيل عليه فيها.
وبخصوص التوكيل بذبح الأضحية في بلد آخر فإنه جائز كما سبق بيانه في الفتويين: 28701، 71167.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1429(1/468)
حكم تسمية المحلات بأسماء الكفرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تسمية المحلات والدكاكين بأسماء الكفرة أو المناضلين منهم مثل مانديلا أو جيفاراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أنه تكره التسمية بأسماء الكفار، وتشتد الكراهية إذا كانوا عظماء في أذهان بعض الناس، فإن تسمية المؤسسات بأسمائهم فيه تخليد لذكرهم ونوع من التعظيم وإظهار الإعجاب بهم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 57783.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1429(1/469)
حكم العمل في شركة شحن دنماركية
[السُّؤَالُ]
ـ[انا ولله الحمد موظف بشركة للشحن الجوي ووجدت وظيفة في نفس المجال, أي الشحن براتب أفضل ومميزات أفضل لكن هذه الشركة تعود أصولها إلى الدنمارك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في التوظيف لدى مؤسسات الشحن الجواز إذا كانت المواد التي تشحن مباحة كما أن الأصل في التوظيف في المؤسسات الدنماركية الإباحة. لكن بعد قيام بعض المجرمين في هذه الدولة بالإساءة البالغة للإسلام والمسلمين من خلال الرسوم المسيئة لنبينا صلى الله عليه وسلم، وبعد تأييد الحكومة وحمايتها للمجرمين الذي قاموا بذلك كان على المسلمين أن يهبوا هبة رجل واحد لمناصرة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وكان من تجليات هذه الهبة مقاطعة منتجات هذه الدولة، فالأصل أنه لا يجب علينا ترك شراء هذه المنتجات لكن إذا تعينت مقاطعتها وسيلة لعقاب الظلمة والمتمالئين معهم وطريقة لنصرة نبينا صلى الله عليه وسلم - دون أن يترتب على ذلك ضرر معتبر بالمسلمين - كان ذلك واجبا لأن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وبناء على هذا فالنصيحة - إذا لم تتصرر ضررا كبيرا بترك العمل في هذه الشركة التي تعود أصولها لهذه الدولة - أن تبقى في عملك السابق أو تبحث عن عمل غيره لا شبهة فيه مساهمة في معاقبة من أساء على نبيك صلى الله عليه وسلم.
وعليك بأن تعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فقد قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. {الطلاق:3،2}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1429(1/470)
حكم نقل كتب تخص ديانة النصارى بواسطة شركات نقل إسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ترحيل كتب دينية مسيحية عن طريق شركات نقل إسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبيع كتب الكفر ونقلها لمن يستخدمها لا يجوز؛ لأنه ليس فيها منفعة مباحة شرعاً، ولأنها مما يتوصل به للحرام فتحصل الإعانة على الإثم والعدوان، فقد ذكر النووي عن الأصحاب من الشافعية أنه لا يصح بيع كتب الكفر، لأنه ليس فيها منفعة مباحة، بل يجب إتلافها وكذا كتب السحر والتنجيم والشعوذة والفلسفة، حكاه في شرح مسلم والمجموع.
وقد صرح فقهاء المالكية بمنع بيع وإجارة كل ما يتوصل به للحرام ومثلوا لذلك ببيع الأسلحة للعصاة وبيع الأرض لمن يبني عليها كنيسة، ونقل المواق عن الإمام مالك: أنه لا يكري مسلم دابته من أهل الذمة وهو يعلم أنهم لا يركبونها إلا لأعيادهم أو لكنائسهم ... انتهى.
وعليه فلا يجوز الإعانة على نقل الكتب المسيحية لأنه من باب التعاوون على الفسق والفجور.. فنقل هذه الكتب إلى من يستخدمها في الضلال أخطر من نقل الخمر التي لعن الله حاملها والمحمولة إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1429(1/471)
حكم قبول الهدية من الكفار في مناسبة يعظمونها
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك محل أجنبي خاص ببيع مستلزمات التجميل من عطور وغيرها، فتح فرعا هنا بالبلد. اشتركت فيه منذ مدة كغيري من الأخوات ليبعثوا لنا متى ما كان تخفيض بطاقة تخفيض..وقبل مدة بسيطة بعثوا لي بطاقة فيها تخفيضات وهدايا لكن بمناسبة أن ذلك الشهر يصادف مولدي..لكني ومع أني أعلم أن يوم الميلاد لا يجب الاحتفال به لأن ذلك يعتبر بدعة..ذهبت لأقتني ما أحتاجه من ذلك المحل..لأنني قلت في نفسي بينما أنا لا أؤمن بهذا فلا ضير إن استفدت من التخفيض واقتنيت ما أحتاجه..
هنا يأتي السؤال هل ما فعلته صواب أم لا؟ وإن كان لا.. فما الذي يجدر بي القيام به هل أحتفظ بتلك المقتنيات وهل أستمر في التعامل مع ذلك المحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يكره قبول الهدية من الكفار بالمناسبات التي يعظمونها، مالم يكن هناك ماتنتفي به الكراهة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاحتفال بعيد الميلاد بدعة من البدع المحدثة، وتشبه بالكفار الذين نهانا الله تعالى عن التشبه بهم، فلا يجوز للمسلمين تقليدهم في ذلك، وقد سبق أن بينا المنع منه في الفتوى رقم: 2130 وما أحيل عليه فيها.
ولذلك لا ينبغي قبول الهدايا أو دفها للغير بتلك المناسبة؛ فقد نص أهل العلم على كراهة قبول الهدية من الكفار إذا كانت بالمناسبات التي يعظمونها.
َ قال العلامة خليل ممزوجا بشرح الدردير مع شرح الدسوقي المالكي: وكُرِهَ لَنَا قَبُولُ مُتَصَدِّقٍ بِهِ لِذَلِكَ , ... وَكَذَا قَبُولُ مَا يَهْدُونَهُ فِي أَعْيَادِهِمْ مِنْ نَحْوِ كَعْكٍ وَبَيْضٍ.
وعليه؛ فإذا كان المحل قد أهدى إليك بالمناسبة المذكورة؛ فإن الأفضل عدم قبولها وخاصة إذا كان يخشى أن يكون لهم هدف من ورائها كترسيخ العادات والقيم الفاسدة.. أما إذا لم يخش منها مفاسد أو كان هناك ما يدعو للقبول كتأليف قلوبهم أو غير ذلك من المقاصد الحسنة التي تنتفي بها الكراهة؛ فلا مانع من قبولها.
وكذلك إذا لم يكن القصد منها تخليد المولد والاحتفال به وكان ذلك مجرد موافقة للزمن فلا مانع من قبولها واقتنائها.. بشرط أن تكون مما يجوز تملكه شرعا.
ولا مانع من الاستمرار في التعامل معهم مادام ذلك بالضوابط الشرعية.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتوى: 104930 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1429(1/472)
حكم العمل في شركة يقاطع المسلمون منتجاتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في شركة من الشركات التي يقاطع المسلمون منتجاتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا أفتى العلماء بمقاطعة منتجات شركة من الشركات التي تحارب المسلمين أو تعين عدوهم عليهم حرم من باب أولى العمل فيها لأنه تعاون، قال تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2} .
وراجع الفتوى رقم: 98504.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1429(1/473)
حكم تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم لكونهم يهنئوننا
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم تهنئة الكتابيين بأعيادهم وهم يهنئوننا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم، لما فيه من مشاركتهم وإقرارهم على باطلهم، وإشعارهم بأن ما يفعلونه صواب، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 26883.
وكونهم يهنئوننا بأعيادنا لا يسوغ لنا ذلك معهم لأن أعيادهم لا تنفك عن المعصية والمنكر، وأعظم ذلك تعظيمهم للصليب وإشراكهم بالله تعالى، وهل هناك شرك أعظم من دعوتهم لعيسى عليه السلام بأنه إله أو ابن إله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، إضافة إلى ما يقع في احتفالاتهم بأعيادهم من هتك للأعراض واقتراف للفواحش وشرب للمسكرات ولهو ومجون، مما هو موجب لسخط الله تعالى ومقته، فهل يليق بالمسلم الموحد بالله رب العالمين أن يشارك أو يهنئ هؤلاء الضالين بهذه المناسبة!!!
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1429(1/474)
نظرات في مقاطعة الدنمارك
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال كالتالي: هل التعامل اليوم مع الدنمارك ومنتجاتها حلال أم حرام، لأنه انتشر في الشارع المسلم أن التعامل مع الدنمارك حرام حسب فتاوى العلماء، إذا كانت المقاطعة الأولى والأقوى والأعنف ومطالبة الشركات الدنماركية للدولة بالتوقف واحترام مشاعر المسلمين لم تمنعها من نشر الصور للمرة الثانية، فهل ما زلنا نراهن على ضغط الشركات لها بالعدول عن موقفها اليوم، بناء على السؤال السابق إذا كان موقف الشركات معروفا اتجاه القضية لأن التجارة تعتمد على المصالح ولا تتدخل بالأديان ومشاكلها فلماذا نعاقب أشخاص لا ذنب لهم وأين قاعدة (ولا تزوا وازرة وزر أخرى) ، وبناء على السؤال هذا ما ذنب التاجر المسلم من هذه القضية بعد أن غطت مستودعاته بالبضائع، نقوم بعقابة وأين قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) ، ما هو الحل الأمثل لعلاج هذه الأمور أن نضرب التجارة والتجار والنصارى الذين لا علاقة لهم بالموضوع، أم نتجه نحو قطع العلاقات مع الدنمارك بناء على سياسة الدولة ومتابعة ولي الأمر، السؤال: تعلم الدولة نتيجة الهيجان المسلم والضرر الواقع من جرائه فلماذا تعيد الكرة إلا إذا كان موضوع الشركات والمقاطعة لا يهمها، فلماذا نضر أناسا لا ذنب لهم (مسلم ونصراني) نرجوا الرد وشكراً للعلماء الإجلاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز في الأصل أكل الأطعمة المصنعة في الدولة المشار إليها إذا كان الطعام مباحاً في ذاته، ولكن من المعلوم من الدين بالضرورة أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه واجب شرعي، ومن المعلوم أيضاً ما قامت به صحافة تلك الدولة من التهجم على سيد المرسلين وإمام النبيين والاستهزاء به، فإذا كانت المقاطعة لبضائع تلك الدولة فيها نصر النبي صلى الله عليه وسلم وزجر لأولئك الكفرة من العودة لمثل ما فعلوه -وهي كذلك- فينبغي للمسلمين أن يقاطعوا منتجاتهم على اختلاف أصنافها، سواء كانت طعاماً أو غيره حتى تضعف شوكة المستهزئين ويكفوا سخريتهم ويعلموا أن المسلمين يقدمون الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم على مصالحهم، وأن الدنيا كلها تهون في ذلك، وما أقبح حال المسلم يشتري بضائعهم وهو يسمع ويقرأ صباح مساء إصرار تلك الدول على شنيع فعلتهم وقبح جريرتهم.
وأما ما ذكره السائل من أنه لماذا يعاقب أشخاص لا ذنب لهم ... إلخ فجوابه أن مقاطعة تلك الدولة بأجمعها لا يتعارض مع قول الله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164} ، وبيان ذلك أن وجود بعض الكفار الذين لم يشاركوا في تلك الإساءة لا يمنع جواز مقاطعتهم، فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال رضي الله عنه حين قطع عن أهل مكة الحنطة مع أنه كان يوجد في مكة بعض الكفار المتعاطفين مع النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان فيهم مسلمون مستضعفون فقطع عنهم ثمامة جميعاً الطعام وحاصرهم حصارا اقتصادياً شديداً، حتى جاء في سنن البيهقي: ... ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي إليهم حمل الطعام، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والدنمارك ليس بيننا وبينهم رحم فليستمر الصادقون من المؤمنين في مقاطعتهم، وحتى لو لم تصدر منهم الإساءة، فإن المسلمين ليسوا ملزمين شرعاً بالتعامل معهم حتى يقال لماذا يعاقب الأبرياء منهم، وأما التجار المسلمون الذين اشتروا بضاعتهم فهم أصناف قطعاً، فمنهم من لا يبالي بتلك الإساءة ويستمر في شراء بضاعتهم فهذا لا نبالي به والجزاء من جنس العمل، ومنهم من توقف عن التعامل معهم بعد صدور تلك الإساءة وهؤلاء لا بأس بشراء ما عندهم من تلك البضاعة إذا علم مقاطعتهم بتلك الدولة لأن المقصود مقاطعة تلك الدولة وقد حصلت، وليس المقصود معاقبة التجار المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1429(1/475)
حكم إلحاق الأولاد بمدارس منهاجها أجنبي
[السُّؤَالُ]
ـ[نظرا لظروف عمل زوجي وتنقلنا الدائم بين البلاد أدخلت ابني مدرسه من المدارس العالمية هو الآن عمره 8 سنوات يدرس مادتي العربي والإسلام حسب منهج وزاره البلد التي ننتقل إليها ولكن بقية المواد والدراسة منهج بريطاني ألاحظ طبعا فرقا كبيرا في أسلوب التعليم وتطوره عن منهج بلدنا وعدم الآدمية التي يدرس بها الأطفال في المدارس العادية أنا أتابعه باستمرار وأوعيه عن إسلامنا وديننا كي لا يتأثر بأي كلمه يسمعها يمينا أو شمالا وأذكره دائما أن ما يدرسه هي علوم دنيوية لن تنفعه في آخرته وأوجهه أنا ووالده دائما للصلاة وحفظ القرءان وتعاليم الإسلام فهل أأثم على إدخالي له هذا النوع من المدارس أم أستمر مع متابعتي له المستمرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
واجب الآباء والأمهات تعهد أبنائهم بالتربية على الإسلام ومبادئه، ولا يجوز إلحاقهم بمدارس غير إسلامية تضر بدينهم ولو كانت أحسن أداء ونظاما، ما دام بالإمكان إلحاقهم بمدارس المسلمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم تبيني لنا المراد بالمدرسة العالمية، وما منهجها في التدريس، وهل هي مدرسة دينية أو لا، وهل أنتم مقيمون في دولة إسلامية أوغير إسلامية وكل هذه الإيضاحات مهمة جدا ويلزم معرفتها لابتناء الفتوى عليها. لكن على سبيل العموم نقول: لتعلمي أن الله تعالى حمل الآباء والأمهات مسؤولية رعاية أبنائهم وتربيتهم التربية الصحيحة الخالية من كل شائبة تشوب الدين وذلك لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التَّحريم:6} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. الحديث متفق عليه. من حديث ابن عمر.
وإذا كان منهج هذه المدرسة أو القائمون عليه إدارة وتدريسا يمتاز بالصبغة الدينية غير الإسلامية ولم يكن في تدريس المواد المقررة بل يتجاوز ذلك ليخدم توجه المدرسة الديني فإنه لا يجوز لك أن تدخلي أحدا من أبنائك في هذه المدرسة لأنه لا يؤمَن أن يلبسوا عليهم في دينهم وعقيدتهم ويؤثروا على أخلاقهم كما هو معروف عنهم.
ولا يصح حينئذ التعلل بتميز الأداء والنظام في هذه المدارس، فسلامة الدين لا يعدلها شيء.
كما لا يكفي أن تقولي له عن الإسلام كلاما نظريا هو يعيش أغلب اليوم في واقع بعيد عنه كل البعد بل يضاده، بل ربما يحاربه في دينه وأخلاقه ومبادئه وقيمه عن عمد.
فإن مثل هذه المؤسسات التي يقوم عليها غير المسلمين والنصارى خاصة يكون دورها في الغالب تبشيريا وغزوا فكريا لطمس هوية المسلم ومحاولة سلخه من دينه.
فالواجب الحذر منها ما استطعت إلى ذلك سبيلا ولو بالعودة إلى بلادكم أو الذهاب للإقامة في أي بلد مسلم توجد به مدارس للمسلمين، فإن أرض الله واسعة، ورزق الله تعالى متوفر كل مكان.
فإن لم يمكن لا العودة ولا إيجاد مدارس بديلة فبالإمكان تدريسهم عن طريق التدريس المنزلي ثم المشاركة في الامتحانات وهي طريقة معروفة متبعة في كثير من البلاد حتى البلاد العربية وقد أثبتت نفعها وجدارتها إذا بذل الوالد جهدا في تدريس الولد. وبكل حال فعليك بتعهد ابنك باستمرار وربطه بالمساجد وحلقات تحفيظ القرآن وتعليم الدين والتي يقوم عليها الدعاة إلى الله وأهل الصلاح والعلم الموثوقون.
وننبهك إلى عدم صحة قولك لابنك إن علوم الدنيا لا تنفع، بل كثير من هذه العلوم نافعة وهي من فروض الكفايات الواجب تعلم المسلمين لها وتعبدهم إلى الله بذلك، لما فيها من مصالح لهم؛ بل إنما أُتِي المسلمون من قبل أعدائهم بتقصيرهم في هذا الجانب بعد تفريطهم في التمسك بدينهم.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 8080، والفتوى رقم: 30220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1429(1/476)
حكم تهنئة وزيارة النصارى في كنائسهم في أعيادهم
[السُّؤَالُ]
ـ[اسأل الله أن يوفقكم ويسددكم لما يحبه ويرضاه ... أعلم أن سؤالي بفرعيه الأول والثاني قد ورد عليكم كثيراً ولكني أود أن أضيف فرعا ثالثا في هذا السؤال وأود أن تعلمونا بجميع جوانبه وأقوال العلماء فيه بشكل مفصل مع الأدلة: أولاً: حكم تهنئة النصارى بأعيادهم مثل قول (كل عام وأنتم بخير) مع شيء من التفصيل وبسط للأدلة مع تبيان أقوال العلماء في ذلك.
ثانياً: ما حكم زيارة كنائسهم في أعيادهم؟
ثالثاً: هناك إمام مسجدٍ في منطقنا يذهب إلى كنائسهم في أعيادهم لتهنئتهم فما حكمه وحكم الصلاة خلفه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم ولا زيارتهم في كنائسهم في أعيادهم، ومن فعل ذلك متأولاً يبين له، والصلاة خلفه صحيحة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لا يجوز تهنئة النصارى أو غيرهم من الكفار بأعيادهم لأنها من خصائص دينهم أو مناهجهم الباطلة، قال الإمام ابن القيم: وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ... إلخ. انظر أحكام أهل الذمة 1/161 فصل في تهنئة أهل الذمة.
فإن قال قائل: إن أهل الكتاب يهنئوننا بأعيادنا فكيف لا نهنئهم بأعيادهم معاملة بالمثل ورداً للتحية وإظهاراً لسماحة الإسلام.. إلخ، فالجواب: أن يقال: إن هنئونا بأعيادنا فلا يجوز أن نهنئهم بأعيادهم لوجود الفارق، فأعيادنا حق من ديننا الحق، بخلاف أعيادهم الباطلة التي هي من دينهم الباطل، فإن هنئونا على الحق فلن نهنئهم على الباطل ... ثم إن أعيادهم لا تنفك عن المعصية والمنكر وأعظم ذلك تعظيمهم للصليب، وإشراكهم بالله تعالى، وهل هناك شرك أعظم من دعوتهم لعيسى عليه السلام بأنه إله أو ابن إله تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، إضافة إلى ما يقع في احتفالاتهم بأعيادهم من هتك للأعراض واقتراف للفواحش وشرب للمسكرات ولهو ومجون، مما هو موجب لسخط الله ومقته، فهل يليق بالمسلم الموحد بالله رب العالمين أن يشارك أو يهنئ هؤلاء الضالين بهذه المناسبة!!
كما لا يجوز للمسلم الذهاب إلى الكنيسة لمشاركة النصارى في الاحتفال بأعيادهم، أو تهنئتهم بها، لما في ذلك من المشاركة في الباطل الذي هم عليه والذي أقاموا على أساسه تلك الأعياد، ولما في ذلك من التشبه بهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. أخرجه أبو داود. وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخط ينزل عليهم. أخرجه البيهقي بسند صحيح. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وراجع في جوابنا المفصل في هذا الموضوع الفتوى رقم: 4586.
أما عمن فعل ذلك إماماً كان أو غيره فإن لم يوافقهم على أعمالهم، أو أقوالهم الكفرية، فإن مجرد الذهاب المذكور لا يخرجه من الإسلام؛ وإن كان قد ارتكب أمراً عظيماً، خاصة وهو في منزلة من يقتدى بهم.
وعليه، فالصلاة خلفه صحيحة، لكن الواجب نصحه ليترك ما عليه من الإثم والباطل، فإن استجاب لذلك فالحمد لله، وإن أصر على ذلك فإن أمكن عزله وتولية غيره بدون حصول فتنة فافعلوا، وإن لم يمكن وأمكن الصلاة خلف غيره فذلك الأولى وفيه إنكار لمنكره. وللفائدة راجع في ذلك الفتوى رقم: 26883، والفتوى رقم: 8327.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1429(1/477)
يريد من زوجته أن تلد ببلاد الكفر ليأخذ ولده الجنسية
[السُّؤَالُ]
ـ[نعيش بأمريكا وأنا حامل وأريد أن ألد ببلدي سورية بجانب أمي وأهلي ولكن زوجي يريدني أن ألد هنا ليأخذ ابني الجنسية هنا ... ماذا أفعل؟ زوجي لا يستطيع الذهاب إلى سورية معي بسبب الفيزا ... هل لزوجي إجباري أن ألد هنا دون أهلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتلزمك طاعته في الأمر بترك السفر إلى أهلك والمقام معه، ولا يجوز لك السفر دون إذنه، سيما وأنه لا يوجد لك محرم يرافقك. وهذا إذا لم يترتب عليك ضرر في البقاء معه، والأولى حل مثل تلك الأمور بالتفاهم، ولمعرفة أخذ جنسية الدول الكافرة ومزيد من الفائدة عن حال السائلة نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 47633، 99334، 20707، 3449، 50343، 7930، 8614.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1429(1/478)
حكم كتابة: (عيد ميلاد سعيد) على العلب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا يا شيخ أمتهن خدمة الطباعة ونويت أن أطبع على علب الكعك ولكن أحسست أنه سيطلب مني طباعة بعض الجمل مثلا كتابة عيد سعيد أو عيد ميلاد سعيد أو عام سعيد وكل عام وأنتم بخير، وهذا فوق العلب التي في داخلها الكعك. فما قول الشرع في ذلك. أتمنى أنك فهمت السؤال وأن ان ترد عليه إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصح السائل بالبعد عن الطباعة على علب الكعك لأن هذه الحروف العربية ستكون عرضة للضياع والرمي في القمامة بعد أكل الكعك، أو وطء الأقدام عليها في الشوارع، والأصل أنه لا تعرض الحروف العربية للضياع.
فقد ذكر الدسوقي: أنه يحرم ترك الحروف العربية مطروحة في الطريق.
وأما كتابة عيد ميلاد سعيد فإنا لا نراه سائغا لأن الإسلام شرع عيدين وهما عيد الفطر وعيد الأضحى.
فلا يشرع أن يزاد عليهما عيد لم يأذن الشارع به، ولا سيما عيد الميلاد الذي قلد فيه المبتدعة من سبقهم من النصارى.
وبناء عليه؛ فلا نرى أن تكتب هذا لئلا تكون مشاركا في إعداد الشعارات والإعلانات لعمل مبتدع، وهذا إذا كان المقصود بعيد الميلاد عيد ميلاد شخص غير عيسى عليه السلام، أما إذا كان المقصود عيد ميلاد عيسى فإن الأمر أخطر من ذلك بكثير.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 7094، 49181، 4586، 26883.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1429(1/479)
المستهزي بالدين.. مصادقة أم فراق
[السُّؤَالُ]
ـ[أعز صديق لي كان يصلي ويأتي للجامع ولكن لظرف ما ترك الصلاة وبدأ يكفر بالله ويستهزئ بالدين، ماذا أفعل وأنا لا أقدر أن أتركه على هذا الحال؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عليك أن تبذل جهدك في نصح هذا الصديق وإذا لم يستجب فيجب هجره والابتعاد عنه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يهدي صديقك، ولا شك أن الكفر والاستهزاء بالدين وترك الصلاة هو أعظم الذنوب فلا ذنب أعظم من الكفر، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء {النساء:48} ، وقال تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ {المائدة:72} ، وقال تعالى: قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة:65-66} ، ولذلك فإن عليك أن تنصح هذا الرجل وتبذل في إنقاذه كل ما تستطيع من وسائل الإقناع والتأثير ... لعل الله تعالى يجعلك سبباً في إنقاذه وهدايته فتنال بذلك الخير الكثير والثواب الجزيل عند الله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم. وهذه رواية مسلم.
وإذا بذلت ما في وسعك ولم يرجع عن غيه ويستقم على طريق الحق فعليك أن تبتعد عنه وتستعيض بأصدقاء صالحين، فقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص:56} ، فذلك هو واجبك، ولتعلم أن أصدقاء السوء خطرهم عظيم في الدنيا والآخرة، فقد قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا {الفرقان:27-28} ، ويقول الله تعالى: الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67} ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أحمد وغيره. وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6061، 20995، 68016.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1429(1/480)
لا حرج في تقديم الكافر الماء والشاي والقهوة للموظفين
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعمل في شركة خاصة وسافر فراش الشركة المسلم إلى بلاده في إجازة وتم تعيين فراش هندوسي ولا ندري هل الشاي والقهوة والماء الذي نشربه حلال أم حرام، وكيف نتعامل معه حيث إنه يبادرنا حال دخولنا الى المكتب بتحية الإسلام ويجهز لنا سجاد الصلاة في حال وجوب صلاة الجماعة ونحن في العمل وعندما نحدثه عن الإسلام يرفض ذلك بشدة، فأفتونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في الماء والشاي والقهوة أنها أشياء مباحة، وتقديم الفراش الهندوسي لها لا يحرمها، لأن الغالب على الظن أن الأواني نظيفة طاهرة، وأن هذه الأشياء إنما جيء بها من المحلات التجارية وعمل بها الشاي أو القهوة، وبالتالي فإنه لا حرج عليكم في الاستفادة من هذه الأشياء ولو كان مقدمها هندوسياً، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه. كما رواه أحمد في المسند بسند صحيح، ويدل له أيضاً ما في حديث الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضؤوا من مزادة امرأة مشركة.
وأما التعامل معه فينبغي أن يكون بالبر والقسط والإحسان إليه من دون محبة له بالقلب ما دام يظهر التودد لكم والحرص على خدمتكم، وعليكم أن تبذلوا ما أمكنكم من الوسائل في سبيل هدايته، فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم؛ كما في حديث البخاري، وادع الله أن يشرح صدره للهدى.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3681، 45234، 49790.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1429(1/481)
حكم التهنئة بشعائر الكفار المختصة بهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تتقدم شركة أو جماعة من الناس بتقديم التهاني والتبريكات لطلبة الجامعة مثلا بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك وعيد الميلاد المجيد، السؤال بخصوص نص (عيد الميلاد المجيد) ، علما بأن هذه الجماعة مسلمة، وطلبة الجامعة مزيج من المسلمين والنصارى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاحتفال بأعياد الكفار وتهنئتهم بمناسبتها غير مشروع، ولا يعرف في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه احتفال بأي عيد غير العيدين المعروفين، فلم يكن هناك احتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره من الأنبياء، فعلى المؤسسات والهيئات أن تبتعد عن التهاني بمثل هذا النوع من المناسبات، وألا تجاري الكفار وتجاملهم في انحرافاتهم، فقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن التهنئة بشعائر الكفار المختصة بهم محرمة اتفاقاً، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26883، 4586، 41447.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1428(1/482)
شرط جواز العمل عند امرأة كافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمل عند امرأة كافرة يحرم شرعاً وما ضوابط ذلك وتفصيل المسألة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
العمل عند امرأة كافرة جائز فيما لا ذلة فيه ولا مهانة ولم يتضمن أمراً حراماً ولم يكن فيه إعانة على كفرها مع الالتزام بالضوابط الشرعية التي تلزم الرجل حين يتعامل مع امرأة أجنبية عنه ولو مسلمة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز العمل عند امرأة كافرة إذا كان العمل لا يتضمن أمراً محرماً شرعاً، ولم يكن من قبيل الخدمة الشخصية كالكنس والمسح وتنظيف المراحيض ونحو ذلك لما في ذلك من المهانة للمسلم والذلة له، وقد قال الله تعالى: وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً {النساء:141} ، ولم يكن فيه إعانة لها على كفرها وشركها، وألا يخشى العامل على نفسه الفتنة بها مع الالتزام بغض البصر وعدم الخلوة بها وعدم الكلام إلا لحاجة، تلك هي الضوابط التي يلزم التقيد بها في حال العمل عند امرأة كافرة، وراجع للتفصيل الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29138، 5776، 45053، 71243.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1428(1/483)
مصادقة الرجل لامرأة أوربية لغرض تعلم اللغة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنني أن أصادق امرأة سويدية من نفس عمري 18 لكي أتعلم اللغة فقط وليس لأسباب أخرى، والعياذ بالله لأنه هنا لا يمكنني أن أصادق شابا لأنه قليلا ما يمشي شاب مع شاب وإنما شاب مع امرأة.
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز لك مصادقة تلك المرأة لأي سبب كان، وذلك لما يترتب على ذلك من المحاذير الشرعية، وما أكثر الطرق المشروعة التي تساعد على تعلم اللغة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك أخي السائل أن تصاحب امرأة أجنبية، ولا يسوغ ذلك كونك تصاحبها بغرض تعلم اللغة، فإنك لا تأمن على نفسك خطوات الشيطان، وإذا كان النظر بريد الزنا فكيف بما هو أكثر من ذلك؟! والأدهى من ذلك أن تلك المرأة التي تريد مصادقتها امرأة كافرة، وقد حرم الله تعالى علينا موالاة الكفار وموادتهم، وتأمل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {المائدة:51} وقوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ... الآية {المجادلة:22} والأدهى أنها امرأة أوروبية ففوق كونها أجنبية وكافرة فهي تنتمي إلى مجتمع يفشو فيه العري والانحطاط الخلقي والزنا، بل إن المرأة التي لا تزني في تلك المجتمعات تعد شاذة غريبة.
لذلك كله نقول لك: اتق الله تعالى ولا تفعل، وما أكثر الطرق التي يمكنك أن تتعلم بها للغة دون الوقوع في الحرام، وراجع لمزيد فائدة الفتوى رقم: 29760، والفتوى رقم: 64015.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1428(1/484)
متى تقاطع منتجات بعض الدول غير المسلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مشروب الديو والاسبرايت يتبع مشروبات كوكاكولا وبالتالى هو من المنتجات اليهودية ويلزم مقاطعتها، أم أنها ليست من المنتجات، وإن كانت من المنتجات فما البديل لها حتى نستخدمه ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعروف أن شراب الاسبرايت تبع للكاكولا اليهودية، وأما الديو فالذي علمنا أنه ليس تابعا لها بل هو كل شراب بلا سكر، فقد يكون من شراب الكاكولا ما هو كذلك، ومنه ما هو تبع للبيبسي أو غيرها، والأصل جواز شرب هذه المشروبات ما لم تكن هناك مصلحة في مقاطعة بعض شركاتها، وهي التي تتبع الدول التي تحارب المسلمين كالشركات اليهودية، وقد بينا حكم المقاطعة في الفتوى رقم: 8939، والفتوى رقم: 3545، والفتوى رقم: 19982.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1428(1/485)
حكم تعلق القلب بغير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم حب (أو بتعبير أكثر دقة عشق) اللاعبين الأوروبيين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يعلق قلبه بحب كافر مطلقاً، سواء كان لاعباً أو غيره حتى ولو كان أقرب قريب، وبيان ذلك أن الله تعالى قال في كتابه: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {المجادلة:22} ، قال القاسمي رحمه الله في تفسيره لمعنى: حاد الله ورسوله.. أي شاقهما وخالف أمرهما، فلا يجتمع إيمان خالص وحب لأعداء الله ورسوله. انتهى.
وقد ورد في هذا المعنى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: والذي نفس ابن عمر بيده لو أصبحت أصوم النهار لا أفطر، وأقوم الليل لا أفتر، ثم لم أصبح وأنا أحب أهل الطاعة وأبغض أهل المعصية لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار ولا يبالي.
وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ ... {الممتحنة:1} ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله. رواه أحمد وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما ينال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك. وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئاً. خرجه ابن جرير الطبري.
فينبغي للمسلم أن يكون حبه تابعاً لمحبة الله سبحانه وتعالى، وسخطه تابعاً لسخط الله تعالى، وكيف يليق بمسلم أن يحب من كذب الله تعالى وكذب رسوله صلى الله عليه وسلم، فالواجب على المسلم أن يحب ما يحبه الله ورسوله، ويبرأ مما يبرأ منه الله ورسوله، وانظر للفائدة في ذلك الفتوى رقم: 19682، والفتوى رقم: 44233، والفتوى رقم: 28903.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1428(1/486)
يبغض العاصي على قدر معصيته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب أحد الرجال وأملي أن يكون حبي له في الله، وأرجو أن يجمعني الله وإياه في جنته برحمة منه تعالى، ولكن هذا المسلم عاص تارك للصلاة وأنا علاقتي به رسمية ومحدودة، فأشيروا علي ماذا أفعل وأنا أخاف عليه والله من غضب الله ومن عذابه، ولكن ليس بيني وبينه حديث يمكنني من نصحه وأخشى أن لا يتقبل مني الأمر؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك هو نصحه وتذكيره وتخويفه من عذاب الله تعالى وغضبه، وليكن ذلك بحكمة وموعظة حسنة، فإذا لم تستطع فينبغي أن تسلط عليه من يتولى ذلك عنك من طلاب العلم والدعاة ومن لهم وجاهة وهيبة عنده، فإذا لم يجد ذلك شيئاً فيجب عليك بغضه بقدر معصيته، ولا يمنع ذلك أن تحب له الخير والهداية وتتمناها له، بل يجب عليك ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. متفق عليه.
فكما تحب لنفسك الهداية فيجب أن تحبها له، لكن في المقابل إن استمر على معصيته فيجب عليك بغض فعله المحرم ومعصيته لله عز وجل. حب وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26373، 36991، 53085، 6061.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1428(1/487)
ضوابط الاستفادة من علوم أهل الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاقتداء بشخص غير مسلم (كافر أو صاحب كتاب) من الناحية العلمية فقط.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من الاستفادة من علوم أهل الكفر التي تفيد المسلمين في حياتهم واقتصادهم ومعاشهم، ومن تعلمها من المسلمين فهو مثاب على ذلك إذا أخلص النية وقصد الإصلاح والسعي في تقدم المسلمين وقوتهم واستغنائهم عن الكفار في مثل تلك العلوم الدنيوية النافعة.
وبناء عليه، فلا مانع من الاقتداء بكافر في مؤلفه أو في جده واجتهاده في مجال العلوم الدنيوية بشرط ألا يتأثر المسلم بذلك في دينه ولا يرتكب أمرا محرما، ويحرص على التفقه في دينه، ويعلم أن القدوة الذي بالاقتداء به تصلح دنيا المسلم وآخرته هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ {الأحزاب: 21}
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 58231، والفتوى رقم: 50191.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1428(1/488)
حكم دخول الكنيسة لحضور حفل تخرج
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي إنسان ملتزم متخرج من الجامعة البريطانية وحفلة التخرج في أكبر قاعة كنيسه في بريطانيا، فهل يجوز حضور التخرج في الكنيسة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نرى جواز دخول الكنيسة لحضور حفل التخرج لأنه من المؤكد أن هذا الحفل سيشتمل على بعض المنكرات كالتبرج والاختلاط، ومجرد دخول الكنيسة جائز عند كثير من الفقهاء، كما بيناه في الفتوى رقم: 37512، ولكن المشكلة فيما يصاحب مثل هذا الحفل، وانظري للأهمية في الموضوع الفتوى رقم: 51344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1428(1/489)
لا تعارض آية المجادلة وآية المائدة بشأن مودة الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك شبهة تناقض في القرآن بين الآية 82 من سورة المائدة: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} ، والآية 22 من سورة المجادلة: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ....} ، حيث إنه تم ذكر أن بين المسلمين والنصارى من المودة ما لا يكنه غيرهم من غير المسلمين، وفي نفس الوقت نؤمر في الآية الثانية بأن لا نواد أي أحد حاد الله ورسوله، وهل كان المقصود به غير المسلمين كلهم أم يتم استثناء النصارى، فما تفصيل هذا وكيف يتم الربط بين الآيتين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تعارض بين الآيتين، فآية المجادلة على إطلاقها في منع مودة ومحبة عموم الكفار، وأما آية المائدة فإنما تفيد أن النصارى أقرب مودة للمؤمنين من اليهود، وأن اليهود أشد الناس عداوة للمؤمنين، وليس في الآية ما يفيد مشروعية مودة المؤمنين للنصارى، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23135، 35580، 52996، 56692.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1428(1/490)
التعامل مع غير المسلمين بين المصلحة والمفسدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب من تونس أدرس بالسنة النهائية هندسة معمارية، وجدت عرضا للعمل بمؤسسة فرنسية ذات صبغة عالمية تسمى مهندسو التدخل الاستعجالي.. وهي مؤسسة ذات بعد خيري تقوم بالتدخل الفوري في مناطق الكوارث الطبيعية مثل الزلازل التسونامي الفيضانات لتقييم الأضرار والتدخل ألاستعجالي لبناء مساكن مؤقتة للمتضررين ومستشفيات إسعاف أولي وكل ما يتعلق بإدارة عمليات الإنقاذ وتسكين المنكوبين واللاجئين وإعادة الإعمار، تقوم هذه المؤسسة حاليا بالتدخل في دول كثيرة في مقدمتها دول مسلمة مثل باكستان أندونيسيا أفغانستان لبنان ومنذ سنتين بالجزائر وفي دول أخرى غير مسلمة مثل الفيضانات بفرنسا ... أنا أرغب في العمل في هذه المؤسسة وذلك لما تقدمه من خدمات للمضطرين والمنكوبين وخاصة لإخواننا المسلمين في أنحاء العالم خاصة مع نقص الكفاءات المسلمة المنخرطة في مثل هذه المؤسسات وهو ما يفتح الباب أمام النصارى للتدخل في البلدان المسلمة مع ما ينتج عنه من أضرار قد تصل إلى التبشير بالمسيحية في أوساط المنكوبين كما حدث في بعض الكوارث التي حلت بالمسلمين ... نحن نأسف لأننا نحن المسلمين لا نملك مؤسسات فعالة بهذا الشكل رغم وجود الكفاءات في العالم الإسلامي والأموال في الخليج رغم أن أكثر هذه الكوارث تصيب بلدان مسلمة ونسال الله السلامة ... فنسأل الله أن يعيننا على تكوين بعضها ... أما السؤال فهو التالي: ما حكم العمل في مثل هذه المؤسسات، مع العلم بأن العقد يحتوي على بند ينص على الالتزام بالتدخل في جميع أنحاء العالم دون النظر إلي الدين أو العرق أو النظام السياسي فالتدخل العاجل واجب علي في جميع أنحاء العالم أينما حلت الكارثة، فهل أستطيع شرعا التدخل للمساعدة في منطقة يسكنها مشركون أو منطقة يسكنها بوذيون في الهند مثلا عند الكوارث، بما تنصحوننا هل أوقع العقد أم أنسحب؟
جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل جواز التعامل مع غير المسلمين فيما لم يمنعه الشرع، والعمل مع مثل هذه المنظمات يمكن أن يحقق به المسلم بعض المصالح أو يدفع به بعض المفاسد، فإن عمله بين بعض أهل الكفر ربما سنحت له بسببه فرص لدعوتهم إلى الإسلام، أو أمكنه التأثير عليهم بما يظهر لهم من محاسن الإسلام وأدبه في التعامل مع الخلق، وإن تولى العمل بين المسلمين علمهم أمور دينهم، ودعاهم إلى الله ودفع عنهم ما قد يدسه غير المسلم من شرور، ويدعو إليه من كفر وفجور، وعلى هذه الأسس ينبغي أن يكون نهج من التحق بمثل هذه المنظمات.
والحاصل أن الذي نراه هو أنه لا حرج عليك إن شاء الله في العمل مع هذه المنظمة إن كنت تأمن على نفسك الفتنة في دينك، ونوصيك بالحرص على اجتناب كل ما قد يكون سبباً للفتنة من خلوة بامرأة أجنبية أو اختلاط محرم ونحو ذلك، وإذا وجد معك في هذه المؤسسة بعض العاملين من المسلمين فاحرص على التعاون معهم على الخير، والتناصح فيما بينكم، وإذا رأيت شيئاً من بوادر الفتنة فبادر إلى ترك العمل في هذه المنظمة طلباً للسلامة، فإن السلامة لا يعدلها شيء، ولعل الله تعالى يعوضك خيراً منها، قال الله سبحانه: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1428(1/491)
حكم تطريز رسومات لأهل الكتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تطريز مواد أو رسومات للنصارى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لم تكن هذه المواد أو الرسومات مشتملة على منكر من المنكرات، كارتباطها بشعيرة من شعائر دينهم، أو كون هذه الرسوم لذوات الأرواح، فلا حرج إن شاء الله تعالى في تطريزها للنصارى أو غيرهم، فإن الشرع قد أذن في التعامل مع الكفار فيما هو مباح شرعاً من أنواع المعاملات، كالبيع والشراء وغيرهما. وانظري للمزيد في ذلك الفتوى رقم: 3545، والفتوى رقم: 1367.
وننبه إلى أن من ابتلي بالتعامل مع الكفار يجب عليه الحذر من أن يؤدي به ذلك إلى الميل إلى دينهم. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 23135.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1428(1/492)
حكم استخدام المرأة الكافرة للعمل في المطعم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استخدام الخادمة الكافرة في المطاعم في البلاد الكافرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولاً أنه يجوز للمسلم استئجار الكافر للعمل عنده، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 15289.
وأما استخدام المرأة الكافرة للعمل في المطعم فإن كان ذلك في قسم يختص بالنساء فلا حرج فيه إن شاء الله، وإن كان في قسم تختلط فيه بالرجال فلا يجوز، ولا فرق في هذا بين البلاد الإسلامية أو البلاد غير الإسلامية.
ولكن ينبغي التنبه إلى أمر وهو أنه لما كان الغالب في بلاد الكفر عدم مراعاة الشرع في أمر الأطعمة فإن ذلك يستدعي الحذر حين استخدام الكافر -رجلاً أو امرأة- في شراء احتياجات المطعم من لحم ونحوه، فقد يجلب هذا الكافر لحم ميتة ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1428(1/493)
حكم استيراد وبيع بطاقات التهنئة بعيد الميلاد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استيراد بطاقات التهنئة بعيد الميلاد (الكريسماس) وهل يجوز لنا فتح اعتمادات مستندية لهذه الغاية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأن الله تعالى أن يزيدك حرصا على كسب الحلال ومعرفة حدود الله عز وجل للوقوف عندها.
واعلم أنه لا يجوز للمسلم المشاركة في أعياد المشركين أو الإعانة على كل أمر يتعلق بهذه الأعياد كبطاقات التهنئة المذكورة، فلا يجوز للمسلم بيعها أو فتح اعتماد لاستيرادها، لأن في هذا عونا على المعصية، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة: 1} وراجع الفتويين: 7094، 4586.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1428(1/494)
حكم إيجار سفينة للكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن إيجار السفينة على شركة أجنبية حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تقصد السؤال عما إذا كان يجوز إيجار سفينة للكفار، فجواب ذلك أن الأصل حل التعاملات المالية من بيع وشراء وإجارة وغيرها مع الكافر، إذا كانت مستوفية الشروط الشرعية، وخلت من الأمور المحرمة، وقد دل على ذلك تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع المشركين واليهود.
ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنه قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير.
ويستثنى من ذلك ما كان وسيلة للحرام، فلا يجوز تأجير السفينة ولا غيرها لمعصية الله، كأن يستأجرها لحمل الخمر أو الخنازير أو للذهاب إلى معصية ونحو ذلك، وسواء أكان المستأجر مسلماً أم كان غير مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1428(1/495)
حكم التهنئة بالسنة الجديدة الصينية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة وطلبوا مني توقيعا على كروت تهنئة تود الشركة إرسالها لبعض زبائنها وهم من الصين بمناسبة احتفالهم بالسنة الجديدة الصينية، فوقعت ولكن بعد التوقيع جاءني شيء في قلبي من هذا العمل، فأرجو أن تفيدوني إن كان في هذا الأمر شيء من المخالفات الشرعية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قدمنا في عدة فتاوى سابقة أن الاحتفال بغير العيدين الشرعيين والتهنئة بمناسبة غير مشروع، وبناء عليه فلا يسوغ لك المشاركة معهم فيما لم يشرع، فتب إلى الله تعالى وأكثر من الأعمال الصالحة، فقد قال الله تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39} ، وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الأنعام:54} ، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 43219، 60157، 67185، 41447، 42307.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1428(1/496)
حكم هجر القريب الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[سكنت في شارع فيه بيت قريب لنا هو ابن عم أبي.. وهذا القريب سمعته وسمعة بناته سيئة جدا وهم ممن يتعاطون الخمر ولا أخلاق ولا هم يحزنون وأعلم أنهم يكنون لي مشاعر الكره لأني بفضل الله تزوجت من مسلم وأسلمت وبقوا هم على شركهم وكنت أحاول أن أتحاشاهم عندما أقدر وأجاملهم بالسلام عندما أضطر ولكن في مرة استوقفني الأب أي ابن عم أبي وطلب مني ألا أتحاشاهم ولكني أعلم كل العلم طريقة تعامل هؤلاء الناس وأعلم أنهم لا دين ولا ذوق وأخشى أن يفرضوا علي زيارتهم لي في بيتي وهذا ما لا يرضي زوجي وأمور أخرى إذا ما أصبح بيننا سلام وأخذ ورد..علما أن زوجي مسافر إلى بلد آخر وأنا مقيمة مع طفلتي وحدنا في البيت ومسؤليتي كبيرة فهل من الأفضل أن أقطع حتى السلام بيننا وأتحاشاهم كل الوقت حتى أتحاشى ما هو أكبر من ذلك وحتى لا أضعف فيما بعد في حال أرادوا زيارتي في البيت فأخجل فأسمح لهم وهذا ما لا يرضي زوجي كما ذكرت....
جزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا انقطاع الصلة والمودة بالكفر بين الأقارب غير الأبوين في الفتوى رقم: 11768.
وإذا كان حال أقربائك كما ذكرت وتخشين من تأثيرهم عليك وعلى سلوك أطفالك فلا حرج عليك في هجرهم ولا في عدم زيارتهم، بل ذاك هو المطلوب سيما أن زيارتهم قد تؤدي إلى تبادل الزيارات بينكم، وزوجك يمنع ذلك، وتجب عليك طاعته وعدم إدخال بيته من يكره، فقد روى الترمذي وابن ماجه والنسائي عن عمرو بن الأحوص في حديث خطبة الوداع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... فأما حقكم على نسائكم ألا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ... ".
ولمعرفة حكم إلقاء المرأة السلام على الأجنبي وردها عليه نرجو مراجعة الفتويين رقم: 6158، 20614
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1427(1/497)
فتاوى حول الصليب
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلكم أريد فتوى مفصلة ومعمقة عن استعمال الصليب كشعار للصيدلة لأنني أشتغل بصناعة اللوحات الإشهارية وألاقي صعوبة في إقناع أرباب الصيدليات في التخلي عن هذا الشعار إلا من رحم الله فهو مقتنع بالأمر دون أن يطلب ذلك منه أحد؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 9757، 22582، 66571، 28561، 6448.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1427(1/498)
حكم الاحتفال بمناسبة الهالوين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تشارك ابنتي في الاحتفال الذي تقيمه مدرستها بمناسبة الهالوين، علماً بأنهم أقاموا في المدرسة احتفالا بمناسبة عيد الفطر، ولكنه لم يكن ذا طابع ديني فقط قاموا بتوزيع الحلوى والألعاب على الأطفال المسلمين وغير المسلمين وأتوقع أن احتفال الهالوين سيكون بنفس الطريقة، فهل يجوز أن أترك ابنتي تشارك في هذا الاحتفال أم الأفضل أن تغيب عن المدرسة ذلك اليوم؟ طبعاً أنا مقيمة في دولة أجنبية، فأرجو سرعة الرد لأن الهالوين يوم الثلاثاء القادم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبعد البحث والاطلاع علمنا أن الهالوين والمسمى أيضاً بعيد الرعب عيد من أعياد المشركين، وأن أصله وثني، وأدمج هذا العيد بـ (عيد القديسين) الذي يحتفل به النصارى ... فإن كان الأمر كذلك فلا يجوز للمسلم المشاركة فيه، ولا يجوز لك إرسال ابنتك لحضوره، وقد سبق لنا بيان حكم مشاركة المسلم في أعياد المشركين في الفتوى رقم: 4586.
وقد بحث أمر هذا العيد وأصله وحكم المشاركة فيه الشيخ محمد صالح المنجد، من علماء السعودية، ويمكنك الاطلاع على ما كتب بخصوصه من خلال هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=84718
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1427(1/499)
خطورة السماح بالتنصير في البلاد الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في السماح الرسمي لجماعات التبشير بالمسيحية بالعمل في بعض الدول الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يشرع السماح بهذا الأمر لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عن ذلك، فقال: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2} ، وقد منع الشرع الرجوع عن الإسلام, ورتب عليه حبوط الأعمال وقتل المرتد وخلوده في النار، فقال الله تعالى: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة:217} ، وفي حديث البخاري: من بدل دينه فاقتلوه.
ومن المعلوم أن الشرع إذا حرم شيئاً حرم كل ما يوصل إليه، كما أن من المعلوم أن الرضا بكفر الكفار كفر، فدل على خطورة السماح بالتكفير والسماح لمن يشتغلون به في البلاد الإسلامية، وقد شرط عمر على أهل الذمة أن لا يحدثوا كنيسة ولا ديراً حولها ولا صومعة راهب، ولا يجددوا ما خرب من كنائسهم, وألا يظهروا عليها صليباً ولا يظهروا شركاً، وإذا منعوا من هذا فمن باب أحرى أن يمنعوا من الدعوة للشرك، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7497، 17391، 34046.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1427(1/500)
حكم التعامل مع شركة لا بديل عنها من دولة أساءت للنبي
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مؤسسة وساطة ونتعامل مع شركات في الخارج ونشحن لهم وطريقة الشحن هي الشحن البحري وهناك شركة واحدة تقوم بالشحن إلى كل دول العالم وهي
maersk sealand
هذه الشركة يقال أنها دانماركية ونحن لا نتولى تكاليف الشحن بل المشتري هو الذي يقوم بتأجير الحاويات من عندها ونقوم نحن بسحب الحاوية بعد ذلك من مقرها إلى مكان وضع البضاعة في الحاوية وللعلم أن هناك رسوما رمزية على نقل الحاوية من مقر الشركة إلى مكان المخزن لوضع البضاعة في الحاوية حوالي 220دولارا نقوم نحن بدفعها.
إذا هل يجوز لنا في غياب الحصول على شركات شحن أخرى أن نظل نتعامل مع هذه الشركة أم لا؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواجب على كل مسلم أن يدافع عن دينه ونبيه صلى الله عليه وسلم لأن حب النبي صلى الله عليه وسلم من مرتكزات الإيمان وأساسياته، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. والحديث في الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
والمقاطعة الاقتصادية اليوم صارت سلاحا نافعا يلحق الضرر الكبير بالجهة المقاطَعة، وحيث إن الدولة المذكورة قد صدرت إساءة من بعض مواطنيها إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولم تعتذر هي عن ذلك ولم تلق له بالا, فإن أقل ما ينبغي لكل مسلم هو أن يسعى بكل ما يستطيعه من الإضرار باقتصادها.
ومع هذا، فإذا تعين التعامل مع بعض شركات تلك الدولة ولم يوجد بديل عنها، فلا مانع مع التعامل معها. لأن الشرع مبناه على جلب المصالح ودفع المفاسد ورفع الحرج.
وعليه، فلا مانع من التعامل مع الشركة المذكورة طالما أنه لا يوجد بديل عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1427(1/501)
واجب من هو في مكان لا يستطيع إقامة شعائر دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في بلاد لا يمكنني أن أظهر فيها ديني، ولذلك تنبغي علي الهجرة فهل لي أن أهاجر دون استشارة والدي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم إذا كان في بلد لا يستطيع فيه إقامة شعائر الدين ولا يأمن على نفسه أو عرضه أو ماله فإن عليه أن يهاجر إلى بلد يأمن فيه على نفسه ويستطيع إقامة شعائر دينه، ولذلك فإذا لم تكن تتمكن من إظهار شعائر الدين فإن عليك أن تهاجر إلى بلد آخر تستطيع أن تظهر فيه شعائر دينك إذا وجدته وكنت قادرا على الهجرة، آمنا في الطريق وبعد الوصول، ولا يتوقف ذلك على إذن الوالدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1427(1/502)
الدعاء للكافر.. الجائز والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وقعت في حب امرأة مشركة وأنا أعاني من هذه الحالة وأريد أن أنهي علاقتي بها ولكني أخاف عليها من أهوال يوم القيامة فهل يجوز أن أستودعها عند الله على نية أن يهديها حسب الحديث الشريف (من استودع الله شيئا حفظه له) ؟
جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك أن تحب امرأة مشركة ولا رجلا مشركا سيما إذا أصر على كفره وشركه، فقد قال تعالى عن إبراهيم وأبيه: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ {التوبة: 114} وقال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ {المجادلة: 22} وقد بينا حكم الحب في الإسلام ما يجوز منه وما لا يجوز في الفتوى رقم: 5707،
وأما الحديث الذي ذكرته فقد أخرجه ابن حبان في صحيحه عن مجاهد قال: خرجت إلى العراق أنا ورجل معي فشيعنا عبد الله بن عمر، فلما أراد أن يفارقنا قال: إنه ليس معي شيء أعطيكما؛ ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا استودع الله شيئا حفظه، وإني أستودع الله دينكما وأمانتكما وخواتيم عملكما. وفي جامع العلوم والحكم قال ابن رجب بعدما ذكر الحديث: قال المناوي في فيض القدير عند شرحه لهذا الحديث: لأن العبد عاجز ضعيف والأسباب التي أعطيها عاجزة ضعيفة مثله، فإذا تبرأ العبد من الأسباب وتخلى من وبالها وتحلى بالاعتراف بالضعف واستودع الله شيئا فهذا منه في ذلك الوقت تخلى وتبرى من حفظه ومراقبته فيكلأه الله ويرعاه ويحفظه، والله خير حفظا، فهذا هو معنى الحديث، ولاينبغي أن تستودع الله تلك المشركة ليحفظها من النار؛ إذ لا يجوز الدعاء للكافر بالمغفرة أو الرحمة ونحوهما من ثواب الآخرة. قال النووي في المجموع: وأما الصلاة على الكافر، والدعاء له بالمغفرة فحرام بنص القرآن والإجماع. أما الدعاء له بالهداية، والدخول في الإسلام فيجوز.
كما لا يجوز لك أن تبقى معها على علاقة غير مشروعة كما بينا سابقا، ولكن تدعوها إلى دين الإسلام بضوابط ذلك دون خلوة أوخضوع بالقول، فإن أجابتك إلى ذلك وهداها الله للإسلام فبها ونعمت؛ وإلا فإنك لا تستطيع هداية من تحب؛ كما قال تعالى لنبيه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص: 56} وقال: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ {فاطر: 8} ومصيرها إذا لم تسلم إلى نار جهنم خالدة فيها -والعياذ بالله- قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 116} وقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ {البينة: 6} فإن كنت صادقا في شفقتك عليها فاجتهد في دعوتها لعل الله يهديها على يديك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله على يديك أو بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم. والمقصود النفس، وذكر الرجل من باب الغالب، والأولى أن يتولى النساء أمر دعوتها؛ إذ لايؤمَن عليك أن تقع معها في معصية، أو ترى منها ما لا يجوز لك ونحوه، وانظر الفتوى رقم: 11975.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1427(1/503)
حكم الشراء من محل تابع لكنيسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعيش في السويد ويوجد هنا محلات لبيع أثاث المنزل المستعمل وذلك بسعر رخيص جدا يعني إذا كان سعر هذا الأثاث وهو جديد حوالي 1000 دولار فإن هذه المحلات تبيعه بحوالي 100 فقط ولكن بعض هذه المحلات تابعة للصليب الأحمر والبعض الآخر تابع للكنائس فهل يجوز لي الشراء من هذه المحلات مع العلم أني قد سألت أحد العاملين في هذه المحلات أين تنفقون هذه الأموال فقال لي لمساعدة الفقراء ولكن أخشى أن يكونوا ينفقونها في تنصير المسلمين؟
أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسلام قد أباح للمسلمين أن يتعاملوا مع الكفار بيعا وشراء، بشرط أن لا يكون في أمر محرم، كالتعامل بالربا، وشراء أو بيع الخمر أو الميتة أو الدم أو لحم الخنزير، أو نحو ذلك.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل معهم، وقد توفي صلوات الله وسلامه عليه ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير، كما في البخاري وغيره، وكان الصحابة في عصره وبعده يتعاملون معهم.
فبناء على هذا فليس عليك حرج في أن تشتري الأثاث المذكور، طالما أنك لم تعلم يقينا بأنهم ينفقون تلك الأموال فى تنصير المسلمين أو يغلب ذلك على ظنك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1427(1/504)
حكم العمل في مشروع في بلد إسلامي تابع للدانمارك
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بإحدى مشروعات التنمية البيئية بجمهورية مصر العربية، وهو ممول من هيئة التنمية الدانمركية الدولية علما بأن المشروع يدار من خلال المصريين بنسبة أكبر من وجود الأجانب وقد استأت كثيرا وتأذيت وغضبت لما بدر من إساءتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة موقف رئيس حكومتهم المتغطرس والمتكبر والذي رفض فيه الاعتذار بدعوى حرية التعبير في بلادهم، وقد قاطعت كل منتجاتهم كما أفتى بذلك العلماء والآن هل أترك العمل بهذا المشروع الذي أتقاضى مرتبي منه من أموال المنحة أم أستمر في العمل علما بأنهم خلال زيارتهم الأخيرة قد دار حوار بيني وبينهم وبينت عظم ما أقدم عليه جهلاؤهم وكذلك رئيس حكومتهم وقد ردوا بأنهم غير مؤيدين لما يحدث ولا يوافقون عليه كما أنهم اندهشوا للموقف الغبي لرئيس حكومتهم وأنهم يقدرون ما أصاب مشاعرنا لهذه الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم بعيدون تماما عن تلك الأحداث ولا يؤيدون ما يجري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواجب على كل مسلم أن يدافع عن دينه ونبيه صلى الله عليه وسلم لأن حب النبي صلى الله عليه وسلم من مرتكزات الإيمان وأساسياته، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. والحديث في الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وإذا رأى المسلمون أن في مقاطعة بضاعة الكفار أو بعض منهم مصلحة شرعية كأن تكون وسيلة للدفاع عن المقدسات، فعليهم أن يفعلوا ذلك وأن يلتزموا به.
وفيما يتعلق بمشروع التنمية البيئية الذي ذكرت أنه بجمهورية مصر العربية، فإذا كان المستفيد به حقيقة هو دولة مصر، ولم يكن في مقاطعته إضرار بأولئك الذين أساؤوا إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فلا نرى مانعا من استمرارك في العمل فيه، وخصوصا أنك ذكرت أنهم غير مؤيدين لما حدث ولا يوافقون عليه، وأنهم اندهشوا لموقف رئيس حكومتهم، وأنهم يقدرون ما أصاب مشاعر المسلمين بسبب تلك الرسوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1427(1/505)
حكم استقبال الهدايا من بابا نويل ووضع شجرة عيد الميلاد في البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: هل استقبال الهدايا من بابا نويل, أو وضع شجرة عيد الميلاد في البيت مخالف للشرع؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز وضع ما يسمى بشجرة عيد الميلاد وقت عيد المشركين في البيت؛ لأن ذلك من التشبه الصريح بهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. رواه أبو داود.
وقد سبق لنا أن أصدرنا فتاوى في حرمة مشاركة المشركين في أعيادهم أو التشبه بهم، فانظر الفتوى رقم: 4586، والفتوى رقم: 26883.
وأما قبول هديتهم يوم عيدهم فقد بينا حكمه في الفتوى رقم: 12267.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1426(1/506)
التجنس بجنسية أجنبية.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيمة في كندا هل أخذ الجنسية الكندية تعتبر سيئة جارية للأ طفال وللأحفاد؟
جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الولد مثل الصفحة البيضاء، فإذا سبق شيء إليها فإنه ربما يظهر أثره السلبي أو الإيجابي عليها، فإن تربى الولد في بيئة صالحة كان لذلك أثره الإيجابي، والعكس بالعكس، فإن نشأ في مجتمع صالح تعلم منه أعمال وأخلاق الإسلام، ويخشى عليه إن نشأ في مجتمع فاسد المعتقدات والأخلاق أن يرضع منه فساد الأعمال وسوء الاخلاق.
ومن المعلوم عند أهل التربية أن تربية الولد يشترك فيها البيت والمدرسة والمجتمع، فلو تصورنا صلاح أهل البيت فإنه سيشاركها في تكوين عقلية الولد وأخلاقه كلٌ من المدرسة الفاسدة والمجتمع الفاسد، فكان لزاماً على الأبوين أن يبعداه عما يؤثر عليه تأثيراً فاسداً، وينميا فيه فطرة الله التي فطره عليها، ولا يجراه لما يؤثر عليه، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. رواه البخاري ومسلم
وبناء عليه.. فإنه يتعين البحث عن بيئة صالحة يتعلم الأولاد فيها دين الإسلام ونصوص الوحي، ويتربون على أخلاق الإسلام، وننصحكم إن لم تكن إقامتكم هناك ضرورية أو من أجل القيام بالدعوة إلى الله تعالى أن لا تسكنوا في تلك البلاد ولا تأخذوا جنسيتها، وإن كانت هناك ضرورة للإقامة بها وأخذ جنسيتها فإن الضرورة تبيح المحظور، وإذا زال الضرر تعين الرجوع للأصل.
وأما من أمكنه إقامة دينه في تلك البلاد وعلم أنه لن يتأثر بفساد أهلها وكان قائماً بالدعوة إلى الله هناك فلعل مقامه لا حرج فيه وكذلك أخذ الجنسية؛ لما في ذلك من رجحان المصلحة على المفسدة، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 39825 // 51281.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1426(1/507)
حكم البناء والتأجير في بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن في كندا وأرغب في بناء عمارة سكنية ثم تأجيرها بحيث لا آتي إلا كل سنتين مرة
بصراحه أنا محتار, هل جائز أن أستثمر وإذا كان جائزا هل من الأ فضل ألا أستثمر هنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس بذلك إذا انضبط استثمارك بالضوابط الشرعية، لأن الأصل هو جواز معاملة الكفار بالبيع والشراء وإجارة البيوت ونحو ذلك بشرط أن لا يتضمن هذا التعامل أمرا محرماً، كالتعامل بالربا، وشراء أو بيع الخمر أو الميتة أو الدم أو لحم الخنزير، أو التأجير لمن يستخدم البيت في عمل محرم كأن يجعله حانة للخمر أو كنيسة ونحو ذلك.
والأفضل أن يكون استثمارك في بلد إسلامي لما في ذلك من تقوية اقتصاد المسلمين، وارجع للأهمية الفتوى رقم: 3545.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1426(1/508)
حكم كتابة شعارات الحملات الانتخابية
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أعمل خطاطاً وقد تأتيني أحيانا لافتات يكتب فيها ما يلي: زيد يؤيد عمرا رئيسا للجمهورية أو عمر يؤيد حسن في انتخابات مجلس الشعب أو ما شابه من هذه المجاملات التي تعلمها، فما حكم كتابة تلك اللافتات أفتونا مأجورين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاستئجار الشخص نفسه لكتابة شعارات الحملات الانتخابية مثل عبارة زيد يؤيد عمراً رئيساً للجمهورية، أو عمرو يؤيد حسنا في انتخابات مجلس الشعب، وما شابه ذلك.... يستمد حكمه من حكم الانتخابات نفسها، فمتى أبيح انتخاب الشخص المكتوب الشعار باسمه بأن كان أهلاً لأن ينتخب في الولاية التي يجري عليها الانتخاب جاز كتابة الشعار له، ومتى لم يبح انتخابه في تلك الولاية بأن لم يكن أهلاً لها، لم يجز كتابة ذلك له، وذلك لأن كتابة تلك الشعارات تعتبر بمنزلة الدعاية لذلك الشخص، ولا يجوز للمسلم أن يدعو إلى اختيار وتولية شخص إلا إذا كان هذا الشخص أهلاً للولاية التي يرشح لها.
وحيث حكمنا بإباحة كتابة تلك الشعارات لكون صاحبها أهلاً، فإنه يجوز أخذ الأجرة عن ذلك، لأن من قام بالدعاية لشخص صالح للولاية وتعب في ذلك، جاز له أخذ الأجرة، لأنها في مقابل عمل مشروع، قال الشربيني في مغني المحتاج: أما ما يحصل فيه التعب من الكلمات، كما في بيع الثياب والعبيد، ونحوهما مما يختلف ثمنه باختلاف المتعاقدين، فيصح الاستئجار عليه. ولك أن تراجع في حكم الانتخابات فتوانا رقم: 5141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1426(1/509)
معيار التشبه المنهي عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي حول الفتوى رقم 63792
ما هو الدليل الذي يؤكد أن النجمة السداسية هي لليهود أو لغيرهم حتى يحرم وضعها في واجهات المباني حيث نرى النجمة السداسية على واجهات المساجد الأثرية على سبيل المثال في مدينة زبيد اليمنية وهذه المدينة كانت تسمى مدينة العلم والعلماء في علوم الإسلام.
أجيبوا على هذا للأهمية
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فضابط التشبه ـ كما ذكره أهل العلم ـ هو أن يفعل المتشبِه ما يختص به المتشبَه به. وليس يلزم أن يكون مختصا به في كل الأزمان وعلى مر العصور. بل متى كان الشيء خاصا بجهة معينة، لا يشاركها فيه غيرها، كان الفاعل لذلك الشيء متشبها بتلك الجهة. وبالمقابل متى زال اختصاص الجهة بما كانت تنفرد به وتتميز به لم يكن الفاعل له متشبها بها. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وإن قلنا: النهي عنها (أي: عن المياثر الأرجوان) من أجل التشبه بالأعاجم، فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى فتزول الكراهة. انتهى. وقال أيضا: وقد كره بعض السلف لبس البرنس لأنه كان من لباس الرهبان، وقد سئل مالك عنه فقال: لا بأس به. قيل: فإنه من لبوس النصارى. قال: كان يلبس ههنا. انتهى.
والنجمة السداسية -ولو كانت موجودة في الزخارف الإسلامية القديمة- فإنه لا مراء في أنها اليوم صارت شعارا لليهود. فلا ينبغي النزاع في وجوب تجنبها لوجود العلة التي علل بها النهي عن التشبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1426(1/510)
حكم إعداد رسالة لتحسين أداء المؤسسات الصناعية والخدمية لبلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله تعالى خيراً على ما تقدمونه من خير لأمة الإسلام.
اعلموا ابتداء أني أنتظر جوابكم لأنه علي أن أتخذ قرارا حاسما في أسرع وقت وأني قرأت الفتاوى الموجودة على الموقع فلم أجد ضالتي، لا أريد أن أستحلفكم بالله تعالى، ولكن سؤالي مهم وعاجل جدا وأدعو الله تعالى ألا تحيلوني على سؤال سابق.
مهندس مسلم، أعد حاليا رسالة دكتوراة في بلد أوروبي كافر جئته منذ بضع سنوات، لم يبق لإتمام الرسالة إلا بضعة أسابيع، موضوع الرسالة تطوير وسيلة لتحسين أداء ونتائج المؤسسات الصناعية والخدمية عموما، هذه الأداة المطورة يمكن استخدامها في أي مجال تقريبا، ما أهمني منذ أيام أن هذه الوسيلة ستوضع بين أيدي الكفار، الذين تنطوي صناعاتهم على كثير من المحرمات من خمر وخنزير وربا وأسلحة قد تستعمل ضد المسلمين كما حصل سابقا وأظنه يحصل الآن وغير ذلك.
الرسالة اشترك في تمويلها والإشراف عليها مع الجامعة مكتب استشاري يقدم خدمات استشارية للمصانع والشركات عامة مهما كان نوع نشاطها، هذا المكتب بدأ مثلا اتصالاته لتطبيق الوسيلة على شركة تصنيع
قطع ميكانيكية، هذه الشركة تنوي أن تدرج ضمن منتجاتها المتنوعة تصنيع نوع من القطع لتبيعها لشركة صناعية حربية، احترت هل ما أفعله حلال أم حرام موبق قد يصل إلى موالاة الكفار وإعانتهم وتقويتهم، صليت صلاة الاستخارة، انقدح في خاطري أن أدعو الله أن يريني آية ترشدني للحق الذي يجب أن أتبعه، تعطل عدد من المصابيح التي تضيء مكان عملي في البيت وعادت للعمل دون أن أصلحها بعد أن عزمت ابتداء على التوقف، كما تعطل جهاز الكمبيوتر الذي أعمل عليه فأعطاني المكتب جهازا آخر لأعمل عليه، حين قلت للمكتب إني أفكر في التخلي عن الرسالة وعدم إتمامها أجاب المسؤول بأن هذا سيكون نوعا من الخيانة للجامعة وللمكتب مقابل المال الذي دفع لي والمساعدات التي وفرت لي طيلة حوالي ثلاث سنوات وأنه قد يصعب علي تصور الخسائر التي قد يسببها هذا التوقف الأحادي الجانب لبقية الأطراف.
احترت في أمري هل توقفي الآن نوع من التنطع لأن ما أفعله عام يمكن استخدامه في الحلال والحرام ومن عدم وفاء لهؤلاء الكفار بأن لا أترك لهم ثمرة انتظروها بعد مصاريفهم مع عدم حصولي على الشهادة وتسببي في حزن والدي أم هو ورع واجب لأن كثيرا من صناعات الكفار من الحرام، هل تعطل الحاسب والمصابيح إشارة ربانية أم من تلبيس الشيطان، اللهم وفق أهل هذا الموقع لرحمة لهفة وحيرة مسلم يسأل عن أمر من أمور دينه بجواب شاف وكاف ولا تجعلهم يزيدون حيرتي وقلقي بإحالتي على سؤال سابق أو بجواب عام لا يروي الغليل، بارك الله فيكم وجعل ما تفيدون به الأمة في ميزان حسناتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج عليك إن شاء الله تعالى في إتمام هذه الرسالة ولو انتفع بها هؤلاء؛ لأن موضوع الرسالة موضوع عام، فلا ينبغي استعمالها في الشر ولا في جهة تحارب المسلمين، وما كان من هذا القبيل فلا نرى مانعا من أن يفعله المسلم، وقد أجاز الشرع البيع والشراء من الكفار حتى المحاربين منهم مع ما في التجارة معهم من تقوية لهم، واستثنى من ذلك بيع السلاح وما في معناه للمحاربين منهم.
هذا، وليس من المولاة للكفار معاملتهم فيما يجوز من المعاملات المختلفة بيعاً وشراء وإجارة وتعلماً ونحو ذلك، مع اعتقاد قلب المسلم بغض الكفر وأهله، وما زال المسلمون من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يتعاملون مع الكفار بدون نكير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1426(1/511)
أحكام تبرؤ الآباء من أبنائهم، والعكس
[السُّؤَالُ]
ـ[توضيح السؤال رقم (27070) ، نسمع -أحيانا- عن براءة أو تبرؤ آباء من أبنائهم أو بناتهم لجرم ارتكبوه أو خطأ اقترفوه، فهل يجوز ذلك، وهل يجوز العكس (براءة الأبناء من الآباء) ، متى تكون الأولى ومتى الثانية، وهل للأخ أن يتبرأ
من أخيه والأخت من أختها ... إلخ، وهل (البراءة) مشروعة، وماذا يترتب عليها من أحكام؟ جزاكم الله خير الجزاء ... آمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود بالبراءة المذكورة البراءة من عمله السيئ فهذا لا حرج فيه، فقد قال تعالى لنبيه: فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ {الشعراء:216} ، فقد أمره الله تعالى أن يتبرأ من معصية أتباعه، قال الإمام الألوسي في روح المعاني: فإن عصوك يا محمد في الأحكام وفروع الإسلام بعد تصديقك والإيمان بك وتواضعك لهم فقل إني بريء مما تعملون من المعاصي، أي أظهر عدم رضاك بذلك وإنكاره عليهم..
وأما إذا كان المقصود بالبراءة نفي النسب فقد نص أهل العلم على أن أسباب ثبوت النسب تنحصر في أربعة، ذكرها ابن القيم في كتابه زاد المعاد حيث قال: وجهات ثبوت النسب أربعة: الفراش، والاستلحاق، والبينة، والقافة، فالثلاثة الأول متفق عليها. انتهى.
وعلى هذا، فمن ثبت نسبه على هذا النحو المذكور فلا يجوز نفيه عنه ولا أن ينتسب إلى غيره، وذلك للوعيد الوارد في ذلك، ففي الأول ورد قوله صلى الله عليه وسلم: وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين. رواه النسائي وأبو داود.
واستثنى العلماء من هذا ما إذا علم الزوج بزنا زوجته فله أن ينفي الولد بلعان، وأما الانتساب إلى غير الأب فقد ورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم: لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر. متفق عليه.
فبان مما سبق حرمة نفي الأب لأبنائه من غير موجب شرعي، أو نفي الأبناء انتماءهم لأبيهم، وكذا نفي الأخ لنسب أخيه، أو نفي الأخت لنسب أختها، وكذلك الآثار الشرعية المترتبة على النسب من إرث وتعصيب ونحوهما لا يستطيع أحد رفعها أبا كان أو أما أو أخاً أو أختاً أو غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1426(1/512)
حكم الاحتفال بعيد الميلاد على سبيل العادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الرد على من يجيزون الاحتفال بعيد الميلاد بحجة أنه عادة وليس عبادة وبالتالي لا يمكن أن نقول إنه بدعة.. أرجو الرد بالأدلة الوافية وعدم الإحالة إلى فتوى سابقة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاحتفال بمناسبة أعياد الميلاد، عادة دخيلة على المسلمين، ففعلها تقليد لأعداء الله تعالى وتشبه بهم، ومن تشبه بقوم فهو منهم، فلا يجوز الاحتفال بها بأي نوع من أنواع الاحتفال، سواء كان خفيفاً أو كبيراً، لما في ذلك من التشبه بالمشركين الذين أمرنا الله تعالى بمخالفتهم والابتعاد عن اتباع ما سنوه من سنن.
وواجب على المسلمين تحري الحق والصواب في عاداتهم وتقاليدهم بأن تكون منضبطة بضوابط الشرع الحكيم، لا بالتقليد الأعمى للأمم الكافرة، وقد ثبت في سنن أبي داود بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن تشبه بقوم فهو منهم.
وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. أي أن أي أمر يحدث في هذا الدين ولم يكن على هدي سيد المرسلين فهو أمر مردود على صاحبه، وأعياد الميلاد لم تكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام، ولا عرفت مثل هذه الأعياد إلا بعد القرون الثلاثة الفاضلة مما يدل على أنها محرمة وليس لها أصل في الإسلام، وبدلا من أن يحتفل الإنسان بعيد مولده كان الأولى به أن يتذكر أنه كلما مر عليه يوم من أيامه فإنما هو يقترب من النهاية أي الموت، فما بالك إذا كان الذي مر عاماً كاملاً!! فلتكن له عبرة بانقضاء الأيام والسنين والشهور والأعوام.
واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ربى الأمة على مخالفة الكفار في العبادات والعادات، فقد ربانا على خلاف عاداتهم في الأكل والذبح والمعاملة بين الزوجين، ففي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا المشركين.
وقد روى أبو داود عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم. قال الشيخ الألباني: صحيح.
وفي حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل؛ ليس السن والظفر، وسأحدثك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة. وفي صحيح مسلم عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت! فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح. فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه.
وقد ثبت أن اتباعهم من علامات الساعة. ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن.
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون شبرا بشبر وذراعا بذراع، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ قال: ومن الناس إلا أولئك.
وقال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم: ثم إن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك من أمور ظاهرة من أقوال وأفعال قد تكون عبادات وقد تكون أيضا عادات في الطعام واللباس والنكاح والمسكن والاجتماع والافتراق والسفر والإقامة والركوب وغير ذلك.
وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولا بد ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالا، وقد بعث الله عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالحكمة والتي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له، فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، وأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور:
منها: أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبا وتشاكلا بين المتشابهين يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس، فإن اللابس لثياب أهل العلم مثلاً يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلا يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ويصير طبعه مقتضياً لذلك إلا أن يمنعه من ذلك مانع.
ومنها: أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال والانعطاف إلى أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع لله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين، وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام الذي هو الإسلام -لست أعني مجرد الوسم به ظاهراً أو باطناً بمجرد الاعتقادات التقليدية من حيث الجملة- كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً أو ظاهراً أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد.
ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهراً بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين، إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية.
هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحا محضا لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم، فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له. والله أعلم. انتهى.
وقد أورد رحمه الله كثيراً من الأدلة في تأكيد مخالفتهم، ويتعين الاطلاع للزيادة من الاستفادة في الموضوع، نسأل الله أن يمسكنا بدينه ويبعدنا عن اتباع العادات والأهواء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1426(1/513)
حكم الحصول على شهادة تخصصية من شركة إسرائيلية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أقدم على اختبار للحصول على شهادة دولية في تخصص من تخصصات الحاسب من شركة إسرائيلية، هذه الشركة هي الشركة الوحيدة التي تعطي شهادة في هذا المجال]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت هذه الدراسة تحتاج إلى سفر لبلاد غير المسلمين، فالذي ننصح به العدول عنها والبحث عن مكان آخر في بلاد المسلمين، إلا إذا تعذر ذلك وكانت الدراسة في هذا المجال مهمة ويحتاج إليها الشخص أو المسلمون أو فئة منهم فلا مانع حيئنذ من السفر لها، مع المحافظة على أمر الله تعالى بإقامة الصلاة في أوقاتها، والحذر من الوقوع في الفتن خصوصاً فتنة النساء، أما إذا كانت لا تحتاج إلى سفر، وكان يمكن الحصول عليها في نفس بلدك فلا مانع من ذلك ما دامت الشركة المذكورة هي الشركة الوحيدة التي تدرس هذا التخصص، وما دمت أنت في حاجة إليه، مع الحذر مما يدس من أفكار في مناهج التعليم كما هو معتاد من مثل هؤلاء.
والله نسأل أن يوفقك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1425(1/514)
اتخاذ وصنع شعارات وصور وتماثيل الجبابرة لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[ينتشر في مصر الكثير من صور وتماثيل ونقوش وشعارات كلها مأخوذة من صور آلهة لقدماء المصريين الفراعنة، كانت تعبد يوما من دون الله تعالى. هذه الشعارات مثلا تجدونها في شعارات دور العلم كجامعة القاهرة وعين شمس وغيرها، والشركات: كمصر للطيران، والجمعيات والمؤسسات المختلفة، كل يستدعي صورة الإله أو الفرعون الحاكم الذي كان يقدسه المصريون القدماء ويجعله شعارا لجمعيته أو نقابته أو شركته..الخ. كذلك تستخدم مؤسسات الدولة هذه الصور في تجميل الميادين والأدوات ومواقع الإنترنت. وكذلك تصنع منها تماثيل بغرض الدعاية للآثار المصرية، وإظهارا للاعتزاز بماض البلد الذي بلغ فيه هؤلاء القوم القدماء قمة العلم وتفوقوا على أمم الأرض. وأخيرا، فكذلك تستخدم أسماؤهم مثل: شركة حورس.. معهد مينا.. الخ. السؤال: هل هذه الأفعال والممارسات تجوز؟ وأي منها يباح؟ ولو جازت، فبأي ضوابط؟ وهل تعلمون أحدا تكلم في مثل هذه المسألة من السلف أو الخلف؟ وهل تؤدي التكاليف الكثيرة وربما الأضرار القانونية أو المالية الناجمة عن تغيير شعار أو علامة تجارية لمؤسسة دولية أومحلية من صورة إله قديم إلى شعار آخر مباح، هل تؤدي هذه المشقة إلى إباحتها؟ وهل تدخل تحت عموم البلوى؟ مع العلم أنه لا يوجد ضرر عقيدي مباشر، لكنه ليس بمظهر للمسلم؟ - وأخيرا: ما حكم من يعمل بمجال النشر وتعاقد مع شركة أو مؤسسة شعارها هو إله الطب مثلا عند قدماء المصريين. هل يضعه فيما ينشر؟ هل يفسخ العقد، مع ما يترتب عليه من ضرر؟ الرجاء بحث الموضوع باستفاضة لأنه يتعلق بدولة كاملة ومؤسسات لا حصر لها، مع ذكر الأدلة الشرعية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتسمية المؤسسات والهيئات بأسماء الجبابرة والطغاة مكروهة لما في ذلك من إحياء ذكرهم، والإفضاء إلى تعظيمهم، قال الرحيباني في مطالب أولي النهي ـ وهو حنبلي ـ: وكذا تكره التسمية بأسماء الفراعنة والجبابرة كفرعون وهامان وقارون والوليد. اهـ. وقال في كشاف القناع ـ وهو حنبلي ـ: ومن الأسماء المكروهة التسمية بأسماء الشياطين كخنزب وولهان والأعور والأجدع. اهـ.
2ـ اتخاذ صور أو تماثيل الظالمين والطغاة والجبابرة، وما عبد من دون الله شعاراً للهيئات أو الشركات أو المواقع على الانترنت لا يجوز لما في ذلك من توقيرهم المفضي -في الغالب- إلى تعظيمهم والافتخار بهم، هذا مع ما هو معلوم من حرمة الرسم وصناعة التماثيل كما بيناه في الفتوى رقم: 680، والفتوى رقم: 7512، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أرسل علياً رضي الله عنه، وقال له: لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفا إلا سويته. رواه مسلم. ولذا فإنه يجب طمس هذه الصور وتلك التماثيل إذا أمكن ذلك دون حدوث فتنة، ولا عبرة بالتكاليف المترتبة على ذلك، إذ الغالب أنها تكاليف معتادة لا مشقة في تحملها، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17625، 22353، 44148.
3ـ العمل في نشر الإعلانات التي تشمل على صور الظالمين والطغاة والجبابرة لا يجوز لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} . والواجب هو عدم التعاقد على هذه الصفقات، وفسخها إذا تمت، والضرر الناتج عن مثل هذا يُتَحمل لما فيه من الحفاظ على الدين، والمقرر في الشريعة أن حفظ الدين مقدم على حفظ المال، إلا إذا كان الضرر مما يشق تحمله كالسجن ونحوه، فإنه يدخل في تحت قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119} . لكن يجب في هذه الحالة التخلص من المال المقابل لنشر هذه الصور أو الشعارات، لأنه كسب حرام، والمال الحرام لا يكون ملكاً لمكتسبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1425(1/515)
حكم قبول مساعدة الدولة الكافرة للأنشطة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن جماعة من المسلمين لدينا مسجد وتحت هذا المسجد (جمعية ثقافية للشباب) يتعلمون اللغة العربية والتربية الإسلامية, ونقوم بأنشطة ثقافية بما فيها: الرياضة , الرسم, الأناشيد دينية ووطنية, ثم الرحلات وغيرها ... ولكن السؤال هو: أننا نستفيد من الدولة كل المصاريف التي نصرفها على هذه الأنشطة. أعني كل سنة نملأ الأوراق للطلب وندفع الفاتورات التي صرفناها على هؤلاء الشباب وترد لنا الدولة كل هذه المصاريف ملاحظة أننا نعيش في دولة أروبية. فهل ما نتقاضاه من الدولة جائز؟ ثم هناك مشكلة أخرى هو أن هناك من يصرف في هذه الأنشطة مثلا: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ 1000 أورو. ويتفاهم مع من يتعامل ويملأ في الفاتورات مثلا: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ 1500 أورو. ملاحظة: إن هذه الزيادة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ 500 أورو. ليست للأشخاص ولا يستفيد منها أحد من العاملين والقائمين على هذا المشروع أو هذا المسجد أو هذه الجمعية أو تعطى للشباب بل تصرف على الجمعية في جميع مصارفها كالفراش والأكل والشرب وغيرها في مصالح المسجد والجمعية. وأرجو منكم الإجابة في أقرب وقت ممكن وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من قبول مثل هذه الأموال من الدولة التي تقيمون بها، ولكن لا يجوز التزوير لأجل الحصول على أموال زائدة عن المال المصروف فعلاً، لأن أموال الكفار غير المحاربين لها حرمتها، فلا يجوز لأحد الاعتداء عليها بالسرقة أو الغصب أو غيرها. وراجع الجواب: 6261.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1425(1/516)
النهي عن الفرح واللهو في أعياد أهل الجاهلية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قام بمعايدة أو مشاركة اليهود والنصارى أعيادهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يرد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شارك اليهود ولا النصارى أو غيرهم من الكفار في أعيادهم، وإنما صح أنه نهى عن الاستمرار في اللعب والفرح بالأعياد التي كانت عند الناس في الجاهلية. أخرج أبو داود والنسائي من حديث أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر. وورد في وصف عباد الرحمن قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا {الفرقان: 72} . وفسر الزور غير واحد من السلف كابن سيرين ومجاهد بأنه أعياد الكفار، وتكرر ورود النهي عن مشاركة الكفار في أعيادهم ومهرجاناتهم. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة. فكيف يتصور مع هذه النصوص وغيرها أن يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعياد صح عنه أنها من الباطل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1425(1/517)
الاحتفال بأعياد الكفار ومناسباتهم الخاصة بهم لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة وبعد....: هل يجوز الاحتفال برأس السنة الميلادية، بتبادل الهدايا بيننا كمسلمين، وليس في نيتنا التشبه بالنصارى وإنما الاحتفال بدخول عام جديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم الاحتفال بأي شكل من الأشكال بأعياد الكفار أو غيرها من مناسباتهم الخاصة بهم، ففي دين الإسلام وأعياده كفاية للمسلم عن الاحتفال بأعياد النصارى ومجاراتهم والتأثر بهم، وقد ابتلي بذلك كثير من ضعاف النفوس من أبناء المسلمين..... نسأل الله تعالى أن يعيدهم إلى رشدهم ويفقههم في دينهم، وقد سبقت الإجابة على مثل هذا السؤال، لذلك نحيلك إليه للمزيد من الفائدة والأدلة وأقوال أهل العلم في الفتويين التاليتين رقم: 4586، والفتوى رقم: 26883.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1425(1/518)
ما يباح في التعامل مع الكفار وما يحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[يحرص المسلم على الالتزام بتعاليم الإسلام للمقيم في بلاد غير المسلمين، كما يحرص على آداب التعامل مع غير المسلمين ضمن القواعد والأحكام الشرعية المعروفة ... ونظرا إلى أن كثيرا من المصلين زوجاتهم غير مسلمات أو مسلمات من أصل مسيحي تتكرر الإحراجات في المشاركة في أعياد النصارى خاصة الدينية والدنيوية. وقد أخذنا بفتوى علمائنا بجواز تهنئتهم بهذه الأعياد على ألا نشارك فيما هو ديني منها، وأن تكون كلمات التهنئة منتقاة، ولكن يراجعنا المصلون في قضية حدود المشاركة وأبرز ما يسألون عنه حكم شجرة عيد الميلاد كونها دينية برأي البعض أو أنها أصبحت عالمية عند آخرين؟ ويسألون كذلك عن حكم الجلوس معهم على موائدهم في احتفالهم بهذه الأعياد سواء كان بوجود خمر أو بعدم وجوده، ويسألون كذلك عن حكم وضع الشجرة في بيت المسلم ليحتفل مع أبنائه وزوجته غير المسلمة دون وجود اختلاط أو خمر أو ما شابه؟ وحقيقة وقفنا عند التأكيد على جواز التهنئة والإهداء، وعلى ألا يشارك بأي شيء في هذه الاحتفالات ويمنع أبناءه من مشاركة زملائه في المدرسة أو الجامعة الاحتفال لا على سبيل التحدي ولكن يعتذر بأدب ولباقة؟ فهل هناك تيسير أو رخص أكثر مما ذكرنا؟ أفيدونا فيما سألنا وبارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت الشجرة المذكورة رمزا لشيء مما يعظمه الكفار فإن اتخاذها لا يجوز، لأن في اتخاذها حينئذ تشبها بهم، ومن تشبه بقوم فهو منهم. رواه أحمد. ولك أن تراجع في حكم شجرة الميلاد فتوانا رقم: 30277.
ثم إن المسلم يباح له أن يتعامل مع الكفار بالبر والقسط، ولا مانع من الإهداء لهم. قال الله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة:8} . ومع هذا فإنه لا يباح له أن يهنئهم بأعياد ميلادهم، ولا أن يشاركهم الاحتفال، ولا أن يجلس معهم على موائدهم أثناء تلك الحفلات ولو لم يكن على الموائد خمر. فإن في هذه الأمور تعظيما لمعتقدهم الفاسد. وقد كنا قد بينا هذا الحكم في فتاوى مفصلة، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 41447.
وإذا كان المسلم الذي يعيش في بلاد الكفر ملزما بالمشاركة في هذه الشعائر والاحتفالات، أو بفعل ما يتنافى مع تعاليم دينه فالواجب عليه هو أن يهاجر عن تلك البلاد إلى حيث يمكنه أن يمارس دينه على وجه كامل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1425(1/519)
لا تجوز مصادقة من يسب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم اتخاذ الذين يسبون الله أصدقاء أو الضحك لهم أو اللعب معهم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تجوز مصادقة من يسب الله، بل الواجب هجره وعدم مجالسته والمبالغة في معاداته، لقول الله تعالى: لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ {المائدة: 57} . ولقوله: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء {الممتحنة:1}
وفي الحديث: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه أبو داود.
وفي الحديث: الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.
وراجع في حكم سب الله الفتاوى التالية أرقامها: 8927، 23340، 39575، 9880، 54602.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1425(1/520)
عمل المسلم لمطبوعات تختص بعيد النصارى لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بمجال الدعاية والإعلان وقد طلب مني صديق مسيحي عمل أجندات ومطبوعات مسيحية احتفالاً بأعيادهم وأعياد ميلاد السيد المسيح فهل أقبل هذا العمل أم يعتبر رزقا حراما؟ من فضلكم الإجابة بسرعة حيث إذا كان هذا حلالا أضمن أن هذا الرزق لن يضيع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عمل المسلم لهذه المطبوعات والأوراق التي تختص بعيد النصارى غير جائز، لما في ذلك من إعانتهم على أعيادهم الدينية التي يعتقد المسلم بطلانها.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن يفعل من المسلمين مثل طعام النصارى في النيروز ... ومن يبيعهم شيئاً يستعينون به على أعيادهم، فأجاب: لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ... ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك. اهـ
وجاء في حاشية الدسوقي: وكره لنا بيع الطعام أو غيره كثياب وإجارة الدواب وسفينة وغيرها لعيده (أي الكافر) . اهـ
وما دام عمل هذه الكروت والمطبوعات غير جائز، فإن الأجرة عليه غير جائزة، فابتعدي عن هذا الباب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1425(1/521)
كيفية تشميت الكافر إذا عطس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تشميت الكافر إذا عطس، فلقد وجدت أن الحافظ ذهب في الفتح الى الوجوب (طبعة دار السلام؛ ج10،ص740،ح6222) ، ثم وجدت في الآداب الشرعية القول بأن الأمر يدور بين الجواز والكراهة والتحريم (مؤسسة الرسالة؛ ج2،ص466) فأفتونا مأجورين الراجح في المسألة بالتفصيل مع ذكر الدليل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الراجح مشروعية تشميت الكافر العاطس إذا حمد، ولكن يدعى له بالهداية ولا يدعى له بالرحمة، ويدل لذلك ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه قال: كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم يرجون أن يقول لهم: يرحمكم الله، فيقول لهم: يهديكم الله ويصلح بالكم. صحح الحديث الألباني والأرناؤوط، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 48620، 29836، 49098، 49180.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1425(1/522)
الإحسان إلى الأقارب غير المسلمين وصلتهم دون المودة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عربي أصلي من فرقة إسلامية أعتبرها ضالة وهي الدروز، من الله علي بالعودة إلى القرآن وحب النبي صلى الله عليه وسلم، أنا أحب أهلي وأتصدق من فضل الله على بعض أقاربي، عندي ثلاثة أسئلة: الأول: أنا أحس أني غريب عن معظم الناس في مجتمعي وممن هم من الأرحام فهل أعتبر قاطع رحم، والسؤال الثاني: هو ما حكم توزيع الزكاة والصدقة لبعض أقاربي من الفقراء والمساكين؟ أما السؤال الثالث: ما هي نصيحتكم لي بالزواج فهل زواجي من فتاة درزية فيه شيء علي إذا لم تعش زوجتي معي كمسلمة تصلي وتصوم وتقرأ القرآن، أدعو الله أن يجزيكم خير جزاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يحسن في البداية أن نهنئك على عودتك ورجوعك إلى الحق وإلى القرآن وحب النبي صلى الله عليه وسلم، نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك ويثبتك على طريق الحق، أما إحساسك بالغربة تجاه الناس في مجتمعك، فهذا شيء طبيعي، وعلامة على صدق إيمانك قال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ {المجادلة:22} ، وقال تعالى عن إبراهيم وأبيه: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ {التوبة:114} ، وقال تعالى عن نوح وابنه: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ {هود:46} .
ولا تعتبر قاطع رحم بشعورك بالغربة عنهم، وعدم محبتك ومودتك لهم، وأما الإحسان إليهم وصلتهم وإعانة الفقراء والمساكين منهم بغير الزكاة الواجبة، فلا حرج فيه، لقوله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة:8} ، وقال تعالى في حق الوالدين الكافرين: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15} .
وقال البخاري في صحيحه: باب صلة الوالد المشرك، وروى بسنده عن أسماء رضي الله عنها قالت: أتتني أمي راغبة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أصلها؟ قال: نعم. قال ابن عيينة: فأنزل الله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ. اهـ
وقال البخاري رحمه الله: باب صلة الأخ المشرك، وروى بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأى عمر حلة سيراء تباع، فقال: يا رسول الله ابتع هذه، والبسها يوم الجمعة، وإذا جاءك الوفود، قال: إنما يلبس هذه من لا خلاق له. فأتي النبي صلى الله عليه وسلم منها بحلل، فأرسل إلى عمر بحلة، فقال: كيف ألبسها؟ وقد قلت فيها ما قلت؟! قال: إني لم أعطكها لتلبسها، ولكن لتبيعها أو تكسوها. فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم.
ففرق بين البر والقسط والإحسان، وبين المحبة والمودة.
أما الزكاة الواجبة فلا تدفع لهم، وعليك أن تدعوهم إلى الحق وتدعو الله لهم بالهداية كما هداك، وتذكر قوله تعالى: كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ {النساء:94} ، ولا يجوز لك الزواج من فتاة درزية، وراجع الفتوى رقم: 2354.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1425(1/523)
التعامل مع المسلم دون غيره هو الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت هناك خدمة عامة تعتبر من الكماليات ولكنها تستنزف مبالغ طائلة وتوجد شركتان تقدمان هذه الخدمات واحدة يملكها شخص مسيحي والأخرى يملكها شخص مسلم ... فهل من واجبي أن أدعو المسلمين أن يأخذوا هذه الخدمة من الشركة التي يملكها الأخ المسلم.. أم أن هذا يعتبر عملا غير أخلاقي حيث يمكن أن يتسبب في حدوث خسائر مالية للشركة التي يملكها الشخص المسيحي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجب عليك أن تدعو المسلمين إلى أن يأخذوا الخدمة المذكورة من شركة الشخص المسلم دون شركة الشخص النصراني, لكن ذلك مطلوب شرعا ولو كان يؤدي إلى خسارة الشركة التي يملكها النصراني لأن ذلك من نفع المسلم لأخيه المسلم، قال صلى الله عليه وسلم: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. رواه مسلم.
ولأن الكافر غالبا ما ينفق من أمواله في مصالح الكفار قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ {الأنفال: 36} .
ومع هذا فالتعامل مع الكفار بيعا وشراء ونحو ذلك جائز في الجملة ما لم تكن المعاملة محرمة في ذاتها أو كان فيها إعانة على الحرام
ولمزيد فائدة راجع الفتوى رقم 3545
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1425(1/524)
حكم التعامل مع أهل المعاصي في الأمور الدنيوية
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم معاملة تارك الصلاة وهو يشرب الخمر والذي تكون بينك وبينه صلة قرابة، عمك أو شقيق جدك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يتعامل مع المنحرفين كما يتعامل معهم النبي ومن سبق من الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، فيحرص على هداهم ويكثر الدعاء لهم. ويضبط نفسه ويثبتها على الطاعات والبعد عن المعاصي، ويجعل من نفسه قدوة وداعية مؤثرا يهدي الناس بكلا مه المؤثر وسمته المؤثر وأخلاقه المؤثرة، ويستميل الناس بأخلاقه وإحسانه إليهم قدر المستطاع.
ويجوز له أن يعاملهم بالبيع والشراء والإجارة والاستعارة، فقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في شيء من الشعير اشتراه من عنده. وقد استعار أدرعا من صفوان بن أمية وهو لا يزال على شركة، وقد أجر كعب بن عجرة نفسه عند يهودي على تمر فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأطعمه. فالحاصل أن المسلم يتعين عليه السعي في هداية المنحرفين، ويجوز التعامل معهم في الأمور الدنيوية المضبوطة بالشرع. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 31768، 41016، 46936
الله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1425(1/525)
التعامل مع المسلم هو الأفضل بإطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في إحدى الشركات من ضمن مخصصات الشركة ما يسمى (ببدل اللبس) وتستقطع الشركة جزءا من هذا المخصص لعمل زي موحد للعاملين، المشكلة أن الشركة تعاقدت مع صاحب شركة هندي يعتنق الديانة (السيخية) لتفصيل الزي الخاص بالعاملين، السؤال: هل يجوز التعامل مع غير المسلمين مع وجود من يستطيع ذلك من المسلمين أي يمكنه أن يفصل تلك الملابس وبسعر أقل، مع العلم أنني أستطيع رفض التفصيل عند ذلك الهندي، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز للمسلمين -من حيث الأصل- أن يتعاملوا مع الكفار بيعاً وشراءً وإجارة ونحو ذلك، بشرط ألا يكون ذلك في أمر محرم، ولكن -لا ريب- أن الأفضل أن يتعامل المسلم مع إخوانه المسلمين، لأن في ذلك إعانة لهم على كسب رزقهم وتأدية ما عليهم من واجبات كالإنفاق على الزوجة والولد، ولا سيما إذا كانت الأثمان في الأجرة التي يطلبها المسلمون أقل مما يطلبه غيرهم، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 5591، والفتوى رقم: 3545، والفتوى رقم: 47187.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1425(1/526)
هل يجب على من أسلم من أهل ديار الكفر تغيير جنسيته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم مغربي مقيم في ألمانيا، ومتزوج بألمانية مسلمة والحمد لله، أريد الحصول على الجنسية الألمانية، لأن ذلك يسهل عليّ الكثير من الأمور كالعمل وحق المشاركة في الانتخاب ... إلى غير ذلك، علما أن جنسيتي المغربية ستبقى كما هي. فهل يجوز شرعاً الحصول على هذه الجنسية؟ وإذا كان الجواب لا، فهل يجب على زوجتي أن تغير جنسيتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك أخي السائل التجنس بجنسية دولة كافرة لما يترتب على ذلك من أمور، ولما يشتمل عليه من محاذير، منها: التلفظ بما لا يحل اعتقاده ولا الرضا به أو العمل به من الالتزام بقوانينهم وقسم الولاء لهم ونحو ذلك، ومنها: الانخراط في الجندية والقتال في صفوفهم عند نشوب الحرب ونحو ذلك من المحاذير.
ولهذا؛ نقول: لا يجوز للمسلم أن يتجنس بجنسية هذه الدول إلا لضرورة ملجئة لذلك؛ كأن يكون المسلم مضطهدا في بلاده ولا يمكنه الرجوع إليها ولا الخروج من دار الشرك إلا بواسطة التجنس، مع بذل الجهد في التخلص من تلك اللوازم الباطلة قدر الإمكان، وأن يكون مظهرا لشعائر دينه في هذه البلدان.
أما التجنس بغرض الحصول على بعض الامتيازات فلا يجوز، وانظر الفتوى رقم: 26795.
ولا يجب على زوجتك أن تغير جنسيتها، لأنها غير ملزمة بقسم الولاء ونحوه مما ذكر سابقا من التلفظ بألفاظ لا يحل للمسلم أن يتلفظ بها أو يقرها.
ونلفت نظر السائل إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يدلي بصوته في الانتخابات للكافر، لأن ذلك يعني الثقة فيه والولاء له، والكافر ليس محلا للثقة والولاء، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [سورة الممتحنة: 1] . وانظر الفتوى رقم: 32733 في حكم انتخاب الكافر.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1425(1/527)
الواجب تجاه من لا يصلي ويتلفظ بالكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ أصغر سنا مني لايصلي وهو كثير التلفظ بالكفر نعوذ بالله من الكفر ما حكم تركي له ونبذه والتبرؤ منه علما أن والدتي تسكن معه ولا تقف معي ضده
أفيدونا أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تارك الصلاة تجب مناصحته ووعظه وتحذيره من العقوبات المترتبة على ترك الصلاة في الدنيا والآخرة، لعله يتوب إلى الله تعالى، فإن لم يفد ذلك وجب هجره والابتعاد عنه إن كان هجره يفيد في إرجاعه إلى صوابه، فإن كان يزيده بعدا وتماديا على عصيانه فلا فائدة فيه حينئذ، ولتفصيل أحكام تارك الصلاة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 1145، ولبيان ما ينبغي أن تعمل معه راجع الفتوى رقم: 21708، فإن كان مع تركه الصلاة يتكلم بألفاظ الكفر، فإنه والعياذ بالله تعالى مرتد عن الإسلام، ولا ينبغي التعاطف معه من قبل الأم، بل يجب نبذه والتبرؤ منه حتى يرجع إلى الإسلام.
قال تعالى: [لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ] (المجادلة: 22) .
وقد قرر أهل العلم أن الإنسان إذا صدر منه قول فيه إهانة أو سب لما هو معظم شرعا كسب الله أو الملائكة أو الرسل ونحو ذلك فإنه يعد كافرا بالإجماع.
قال القاضي عياض: اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما فهو كافر عند أهل العلم بإجماع. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1425(1/528)
حكم تقديس يوم مخصوص من أيام الأسبوع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم تقديس يوم مخصوص من أيام الأسبوع؟ وما حكم تقديس يوم الأحد للمسلمين؟ وما حكم استعمال ما مكتوب فيه \" يوم الأحد يوم سعيد \"
جزاكم الله خيرا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقديس يوم معين من الأسبوع مكروه عند أهل العلم، ولذا، فإنهم يكرهون ترك العمل يوم الجمعة إذا تركه تعظيما له؛ كما قال الخرشي: ويكره ترك العمل يوم الجمعة إذا تركه تعظيما كما يفعله أهل الكتاب لسبتهم وأحدهم، وأما تركه للاستراحة فمباح، وتركه للاشتغال بأمر الجمعة من تنظيف ونحوه فحسن يثاب عليه.
وأما تقديس يوم الأحد بالنسبة للمسلمين فإنه لا يجوز، لأنه دليل على محبة النصارى والتشبه بهم، وقد نهينا عن ذلك. روى أبو داود وأحمد من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تشبه بقوم فهو منهم.
وأخرج الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: ليس منا من تشبه بغيرنا. ثم إن يوم الأحد هو من جملة أعياد الكفار التي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مشاركتهم فيها, وراجع في ذلك الفتوى رقم: 26883.
وما قيل في تقديس يوم الأحد يقال مثله في ما كتب عليه عبارة يوم الأحد يوم سعيد، فإن هذه العبارة وغيرها هي من وسائل الغزو التي أراد بها الكفار صد المسلمين عن دينهم والتعلق بما هو معظم عند أهل الكفر، فلا يجوز إذاً استعمال ما كتبت عليه بحيث تمكن مشاهدتها من ضعاف النفوس والصغار ومن يمكن أن يتأثر بها، ولكنها إذا أزيلت عما هي مكتوبة عليه أو سترت بشيء يجعلها غير قابلة لأن تقرأ فلا مانع من استعمال ما كتبت عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(1/529)