والدته تتهم زوجته زورا
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تشرح لي مسألة إغضاب الوالدين، حيث يحرم أن أقول لهما مجرد كلمة أف، السبب في سؤالي هذا هو أنني متزوج منذ عدة سنوات ولدي طفلان، ولكن والدتي تشكو دائما من زوجتي، ولا يوجد بينهما تفاهم، وهي تتصل بي وتخبرني أن زوجتي شريرة، وتقول إن زوجتي لا تحترمها، في حين أن زوجتي ليست كذلك، وتقول أيضا إن زوجتي تفعل كذا وتقول كذا وهو ما تنكره زوجتي، وهي لم تعد تقيم معنا، ومع ذلك ما زالت تقول إن زوجتي لا تحترمها، ولا أعتقد أن زوجتي قد أخطأت في شيء في الحقيقة، ولكني متكدر جدا لأنهما لا تستطيعان التفاهم معا، وزوجتي تبتعد عن عائلتي لأنها تخشى أن يتهموها بشيء لم تفعله، وهذا يزيد من غضب أمي؛ لأنها تقول إن زوجتي لا تهتم بها، فماذا أفعل في هذا الموقف بحيث لا أغضب والديّ، ولكن في نفس الوقت لم ترتكب زوجتي شيئا، وتقول لي إنه حرام علي أن لا أقول شيئا عندما يتهمونها بشيء لم تفعله، فهل هذا صحيح؟ أرجو نصحي، ماذا أفعل في هذا الموقف؟ وهل حرام على أمي أن تخبرني بأن أختار بينهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
مشكلتك أيها الأخ الكريم، هي إحدى المعضلات في الحياة الزوجية، وهي مشكلة قديمة معقدة، حتى صارت عند العرب مضرب المثل لمن بينهم من المعاملة والأخذ والإعطاء ما لا غنى بهم عنه، ثم لا تزال المشارة والعداوة بينهم؛ فيقولون: (إن الحماة أولعت بالكَنَّة، وأولعت كنتها بالظِّنة) ؛ فالحماة أخت الزوج وأمه، والكنة امرأة الرجل. والمعنى: أن الكنة إذا سمعت أدنى كلمة قالت: هذا عمل حماتي!! [انظر: المستقصى في الأمثال، للزمخشري 1/77] ؛ فهناك، في واقع الأمر، تربص متبادل من الطرفين، كل بالآخر!!
وفي مثل هذه العلاقات تشتبك كثير من العوامل والمؤثرات التي ينبغي مراعاتها وتفهمها، ثم التدرب على كيفية التعاطي معها للخروج بأفضل النتائج.
ولعلك تدرك أخي الكريم أن الغيرة – التي فطر الله سبحانه وتعالى البشر عليها - هي من أهم تلك العوامل، وخاصة بين الأم والزوجة، فإن الأم التي صحبتك تلك السنوات الطوال، تحفظك وترعاك وتعتني بك، سوف تشعر بأنك لم تعد ملكا خالصا لها، بل سوف تشعر أيضا أن نصيبها منك لم يعد وافيا بحقها عليك، وأن القسمة بينها وبين زوجتك لم تكن عادلة؛ فللزوجة الحب والحنان والتدليل والرعاية، وللأم الصبر على متاعبها على مضض، وإعطاؤها ما تحتاجه، على كره وتأفف، هذا إن كان سيعطيها، فكيف إذا كان عاقا، ومنعها حقوقها؟!! وحينئذ تخلق المشاكل.
والغيرة نار تعمي وتصم، لا تلبث أن تأكل كل سعادة واطمئنان تعيشها الأسرة، وهي أقوى ما تكون إذا أسأنا التعامل معها، ولم نحاول تهذيبها وتخفيف لهيبها.
أقول ذلك ابتداء كي تتفهم معي أمرين اثنين مهمين:
الأمر الأول: كي تدرك حقيقة السبب الذي يدفع والدتك لمثل هذه التصرفات تجاه زوجتك، وتدرك حقيقة عذرها في ذلك، وأنها قد لا تكون تملك من أمرها شيئا، فالمرأة ضعيفة جدا أمام هذا الشعور، ولا تستطيع إخفاءه رغم سعيها الشديد للظهور بمظهر الرضا والقبول، فإذا أدْرَكتَ حقيقة عذر الوالدة، اطمأن قلبك نحوها، وسكنت مشاعرك تجاهها، وأيقنت أن برها وطاعتها وحبها فرض لازم في حقك نحوها، لا ينبغي أن تشك في ذلك لحظة واحدة، مهما بلغ حد المشاكل التي تجرها عليكم نار الغيرة.
أما الأمر الثاني: فهو أن تعلم أنك بالحب وحده يمكنك تغيير الحال الذي بين والدتك وزوجتك، فالوالدة بحاجة إلى اطمئنان زائد بمحبة ابنها لها، وأنه على ما عَهِدَتهُ فيه من مودةٍ واحترام وبر وإحسان، بل ينبغي عليك السعي إلى مضاعفة تلك المشاعر، بتكرار الزيارات والهدايا والحرص على إسعادها بالكلمة وتلبية الرغبات، وحينئذ ستبدأ نفسها بالسكون، وغيرتها بالهدوء، وتختفي تدريجيا تلك المشاكل التي كانت تصنعها.
وإذا كانت الوالدة، من خلال ما يبدو لنا من رسالتك، سريعة في التجني على زوجتك وأم أولادك، فإننا سوف نحاول أن نبدأ العلاج منك ومن زوجتك؛ لأن هذا في واقع الأمر هو الطرف الأسهل والأقرب في المعادلة، ونقول للزوجة الكريمة، قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) رواه مسلم (2588) .
وفي حديث آخر: (وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا)
رواه الترمذي (2325) وصححه الألباني.
فكم من المشاكل ستزول حين تجاهد الزوجة الكريمة نفسها على ذلك الأدب، ابتغاء مرضاة، وإصلاحا لحال زوجها، ومحافظة على عيشه وبيته!!
ولتحاول أن تنزل أم زوجها مكان أمها، في احتمال غضبها، وغفران إساءتها، لا سيما والمسكن منفصل، وهذا يقلل إلى حد كبير من حدوث المشاكل والمصادمات.
وكم ستخف تلك المشكلات، إلى أن تنتهي بإذن الله، إذا استطاعت الزوجة الكريمة أن تتحين الفرص المناسبة لهدية لطيفة تهديها لأمك، حتى وإن كان في النفوس ما فيها. قال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا) رواه أبو يعلى، وحسنه الألباني.
وأما أنت، أيها الأخ الكريم، فيجب أن يتسع قلبك لبر الوالدة وحبها الكبير، مع حب الزوجة والسكون إليها، ونجاحك في ذلك بداية العلاج، وفشلك فيه يعني استمرار المعاناة أو زيادتها، والأمر يحتاج منك إلى شيء من التصبر والتعلم، فإن الإنسان قابل لتعلم بذل مشاعر الود والمحبة كما يتعلم أي صناعة في هذه الدنيا.
وأنت خلال ذلك كله لا بد أن تقف عند الخطوط التي رسمتها لك الشريعة الإسلامية، وذلك في قوله سبحانه وتعالى:
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/23
وقوله سبحانه:
(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15
فتأمل كيف أن شرك الوالدين أو كفرهما – وهي أعظم الذنوب – لا ينبغي أن تحجب الابن عن صحبة والديه بالمعروف، فكيف ببعض المشاكل مع الزوجة؟
وأهم هذه الخطوط التي رسمتها الشريعة أيضا، حفظ حق الزوجة، واحترام مشاعرها ورغباتها، وعدم الجور عليها أو ظلمها لإيفاء حق الوالدة، فلا ينبغي لك أن تطيع والدتك إذا أمرتك بفراق زوجتك، ولا يجوز أن تصدقها فيما تتهم به زوجتك زورا وبهتانا، خاصة إذا كانت الزوجة ذات خلق ودين، فهي أمانة مستودعة في ذمتك، فيجب عليك أن تحفظ هذه الأمانة.
وإذا كان لنا من همسة في أذن الوالدة الكريمة، فنقول لها:
أيتها الأم الكريمة التي حملت ووضعت، وربت وتعبت، وآثرت على نفسها وبذلت، لا تكدري إحسانك لابنك بتنغيص عيشه، وأنزلي هذه الزوجة التي اختارها ابنك لنفسه، وجعل الله له منها الولد، أنزليها منزلة ابنتك، وانظري: كيف تحبين أن تعيش ابنتك مع زوجها وأهلها، فعامليها به، وجاهدي نفسك على الإحسان، كما أمرنا الرب الجليل: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195.
فإذا عجزت عن الإحسان فاعدلي. قال الله تعالى: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الحجرات/9.
وحذار، أيتها الوالدة، من الظلم؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) متفق عليه.
وقد سبق تفصيل بعض الأحكام المتعلقة بذلك في جواب السؤال رقم (7653) ، (44932) ، (47040) .
نسأل الله أن يصلح بالكم، وأن يصلح ذات بينكم، وأن يرزقنا وإياكم الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/307)
يلاحظ تغيراً في حال خطيبته ويطلب النصح
[السُّؤَالُ]
ـ[أتابع موقعكم منذ فترة، أنا خاطب بنتاً في أمريكا منذ 3 سنوات، وهي 18 سنة الآن، وقد تواصلنا عن بعد لفترة وتفاهمنا في كثير من الأمور، ولكن الآن بدأت تظهر بعض المشاكل بسبب تصرفاتها الشخصية، فمثلا هي ارتدت الحجاب (مع أني أعلم أن هذا أمر ديني جيد) لكن كنت أحب أن تقول لي مسبقا لأشاركها هذا الأمر، وهى متقلبة المزاج، ولم أشعر أني قريب منها، ولم أجرحها. البارحة قالت لي إن أحد أصدقائها القدامى بدء يلاحظها، وأن قلبها يخفق إذا نظر إليها! وتقول إن هذا ليس بالأمر الجديد، وأنها اختارتني أنا لأكون زوجا لها من عمق قلبها (نحن على وشك الزواج) وأنها تدعو الله ليريها الطريق، أنا أصدقها، ولكني محتار لماذا يحدث هذا الآن، مع أنها كانت أعقل من هذا عندما كانت في فترة طفولتها (15 سنة وأنا كنت 24 عند الخطوبة) الشيطان لم يؤثر عليها بهذا الشكل من قبل؟ لماذا الآن؟ كان من الممكن أن أرسل هذه الرسالة لجهات استشارية أخرى لكني أريد استشارة الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بد أن ندرك –أولاً- حقيقة مهمة لعلها من أهم أسرار نجاح المسلم في حياته وعلاقاته المتنوعة؛ لأنها حقيقة تتعلق بالنفس البشرية التي يجب أن نحسن فهمها والتعامل معها، وسيساعد ذلك – إن شاء الله – على تجاوز كثير من المشاكل.
يجب أن نعلم جميعا أن النفس البشرية خلقها الله تعالى وشأنُها التقلب والتغير، فهي في أصل تكوينها تقلبت في مراحل الخلق من التراب إلى الطين ثم الصلصال، وكذا في رحم الأم من النطفة إلى العلقة ثم المضغة وهكذا، كما أن الله سبحانه وتعالى أودع فيها من أسرار الخلق والروح ما هيأها لتتنازعها نوازع الخير والشر، ونوازع السعادة والشقاء.
عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ يَنْظُرُ مَا هُوَ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ) رواه مسلم (2611) .
يقول المناوي - في شرح هذا الحديث -:
"أي: لا يملك دفع الوسوسة عنه، أو لا يتقوى بعضه ببعض، ولا يكون له قوة وثبات، بل يكون متزلزل الأمر، متغير الحال، مضطرب القال، معرضا للآفات، والتمالُك: التماسُك" انتهى.
"فيض القدير" (5 / 379) .
والعاقل هو الذي يسعى جهده في التزام الخير والسعادة والنجاح، والامتناع – قدر المستطاع – عن الميل مع تقلبات النفس المختلفة.
وفي هذا السياق أيضا ينبغي أن تفهم طبيعة العلاقات بين البشر.
فإن كل صديق أو زوج أو قريب يحرص غاية الحرص على إنجاح علاقته مع قرينه، ويسعى دائماً في تحسينها والبلوغ بها الغاية المرجوة، إلا أن كثيراً من الناس لا يتنبه للطبيعة المتقلبة للنفس البشرية، وأنها لا تملك أن تدفع عن نفسها التغير الذي يصيبها بالفتور أحياناً، والتقصير أحياناً أخرى، فتجد الزوج أو الصديق أو القريب يغفل عن السؤال - أحياناً - عن حال زوجه وصديقه، أو يفتر عن إبداء مستوى الاهتمام المطلوب تجاه قرينه، فينعكس ذلك على الطرف الآخر بالسلب والشك والاتهام، والحقيقة أن ذلك إنما هو في السياق الطبيعي المتوقع من كل نفس وكل قلب.
وإذا كانت النفس تتقلب في علاقتها بالله تعالى ما بين إقبال وشيء من الإدبار، فكيف نريد أن يكون شأنها في علاقتها بالبشر؟!
نعم، النفوس العظيمة، والقلوب الكبيرة هي التي تحافظ على سويتها في علاقتها بالناس جميعاً، فلا تكاد تقع لها هفوة ولا زلة ولا تقصير، وتجدها تلبي جميع الحاجات العاطفية التي يطالبها به من حوله من الأهل والأصدقاء والأقرباء، ولكن ليس من الواقعية أن ننتظر من جميع الناس هذا المستوى الراقي في التعامل، كما أنه لا يتخلق أحد بذلك إلا بعد مجاهدة عظيمة للنفس يسعى من خلالها في تعليمها وتقويمها لتصل إلى ذلك المستوى.
فلا بد أن يتنبه كل زوج وكل صديق وقريب، فلا يظنن إن هو رأى إدباراً من زوجه أو صديقه أن يأخذ ذلك على أنه تحول في العلاقة، أو تغير يقتضي منه اتخاذ موقف معين، ولا بد أن يحاول حفظ مشاعره من التأثر بسبب ذلك، ولا يأخذه إلا في إطار العفو الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به.
بل لا يجوز للعاقل أن يطالب الناس – زوجة أو صديقا أو قريبا – كي يكونوا له كما يحب ويشتهي في جميع الأحوال والظروف، فإنه نفسه لا يملك أن يكون لهم كذلك، فكيف يطالبهم بما يدرك صعوبته، ومن لم يدرك هذه الحقيقة فشل في علاقاته، وأخفق في حياته الاجتماعية، وناقض الفطرة البشرية التي خلق الله الناس عليها.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك، فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى) .
وكما قيل في الحكمة: ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذراً، فإن لم يقبله قلبك فرد اللوم على نفسك، فتقول لقلبك: ما أقساك! يعتذر إليك أخوك سبعين عذراً فلا تقبله، فأنت المعيب لا أخوك.
والحقيقة أن ما ذكرته – أخي السائل - في شأن مخطوبتك إنما هو رصيد ي صالحها، فلبسها الحجاب – ولو بغير مشورتك – يدل على أنها تقدِّم طاعة الله تعالى على طاعة كل إنسان، وهذا أول ما يجب أن تحمدها عليه، إذ قد اختارت الالتزام بأمر الله والمبادرة إلى ذلك قبل مشورة أي إنسان، ولم يخطر في بالها فور استقرار قلبها على هذه الطاعة إلا أن تبادر إلى الامتثال، فلا يجوز لك أن تجد في نفسك عليها، بل يجب أن تشجعها وتشكرها على هذه المبادئ العظيمة التي تحملها.
كما أن مصارحتها لك بما تجده في نفسها عند رؤية صديق قديم لها دليل آخر على أمانتها وصدقها وخوفها من الله تعالى، حيث اختارت أن تصارحك بما تخفيه الفتيات عادة كي تبرئ ذمتها أمام الله، وكي تأخذ بيدها للتخلص من تلك المشاعر القديمة التي لا تملك الآن دفعها، ولكنها – ولا شك – تملك السير في علاجها وتجاوزها.
فهل ترى من الصواب – أخي السائل – أن تأخذ هذه الأخلاق الحميدة مأخذ الشك والتردد؟
ألا ترى معي أن خصلة الصدق التي تتحلى بها هي من أهم العوامل لنجاح الحياة الزوجية؟
ثم لا بد أن تراعي هذا الطول الذي استغرقته فترة الخطوبة – ثلاث سنوات حتى الآن – فكيف لا تريد أن يتخللها المد والجزر في مدى التفاهم والتوافق، زيادة على أنها ما زالت في عمر صغير، والفتاة في مثل سنها تتعرض لكثير من التغيرات بسبب عوامل نفسية وأخرى جسمية وأيضا اجتماعية، وهذه كلها أسباب تفسر لك ما تجده اليوم منها.
فالنصيحة لك أن تتخذ الحكمة في تعاملك، ولا ترخ الحبل لنفسك فيسيطر الشك والتردد عليها، فالأمر أهون من ذلك، ولتسعَ أنت إلى التأثير عليها بخلقك ولطفك وعلو تفكيرك عن الخوض في مضائق ليس لها نهاية، ولا تفرِّط في خطيبتك إذ تبدو عليها أمارات الأمانة والديانة إن شاء الله تعالى، واسْعَ في تعجيل الزواج، ففي ذلك حلٌّ – إن شاء الله – لكل هذه الخواطر التي ذكرت.
وأود التنبيه أخيراً إلى أننا في موقعنا نشير وننصح بما نراه أقرب إلى الحق والعدل إن شاء الله تعالى، وهو ما يؤدي إليه اجتهادنا في فهم أحكام الإسلام وتعاليمه، وفهم السؤال الذي يُعرض علينا، فإن أصبنا فذلك بتوفيق من الله تعالى، وإن أخطأنا فنسأله سبحانه العفو والمغفرة، والإسلام بريء من هذا الخطأ.
فنسأل الله تعالى لك التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/308)
مبتلى بحب التشبه بالنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل ملتزم يحافظ على النوافل، ويتقي الله قدر الاستطاعة، مريض منذ صغره بحب تفريغ الشهوة في تشبهه بالنساء ولبس أشيائهن، فهل عليه إثم؟ ومع الالتزام امتنع فعليّاً عن هذا الداء، ولكن بقيت أفكار الذل للنساء والتشبه بهن مع إمكانية خروج مني أو مذي. فهل عليه إثم؟ وهل التمادي في الأفكار فقط دون إنزال عليه إثم؟ وإن كان الحل في الزواج فهل يخبر زوجته؟ أو يستطيع أن يمارس معها التشبه إن وافقت؟ أرجو الإجابة بالتفصيل فكم تاب والله من هذا الداء ولكن غلبته نفسه، فما زال يصرف غالب شهوته فيه؟ أفيدونا فأنا والله أخشى على ديني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاءت شريعتنا بتحريم تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال، بل وجاء التغليظ في النهي عن ذلك حتى لعن النبي صلى الله عليه وسلم أولئك المخالفين للفطرة التي خلقهم الله تعالى عليها.
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ) . رواه البخاري (5885) .
ولا شك أن من أبين مظاهر تخنث الرجل لبسه ما تلبس النساء، وتقليده لهن في عاداتهن.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ) رواه أبو داود (4098) وصححه النووي في " المجموع " (4 / 469) ، والألباني في " صحيح أبي داود ".
وقالت ِعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَةَ مِنْ النِّسَاءِ)
رواه أبو داود (4099) وحسَّنه النووي في " المجموع " (4 / 469) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال المناوي رحمه الله:
"فيه كما قال النووي: حرمة تشبه الرجال بالنساء وعكسه؛ لأنه إذا حرم في اللباس ففي الحركات والسكنات والتصنع بالأعضاء والأصوات أولى بالذم والقبح، فيحرم على الرجال التشبه بالنساء وعكسه في لباس اختص به المشبه، بل يفسق فاعله للوعيد عليه باللعن" انتهى.
" فيض القدير " (5 / 343) .
إذا تقرر هذا علمنا أن حكم الشريعة في هذا النوع من " الشذوذ " الجنسي هو التحريم، بل هو من كبائر الذنوب، فلا يجوز ممارسته لا مع نفسه ولا مع زوجته؛ فإن مخالفة الفطرة التي خلق الله الناس عليها لا تأتي إلا بالويل والفساد، والله سبحانه خلق الرجل بصفات الرجولة التي لا تحتمل لباس النساء ولا تحتمل التشبه بتصرفاتهن.
ولا شك أن من يتطلب التخنث بل ويستمتع به ويراه محققا لشهوته هو من المرضى الذين يصنف الأطباء مرضهم ضمن الشذوذ، ويسمونه شذوذ " الفيتشية " أو " الأثرية "، ولهم برامج عملية وسلوكية في علاج مثل هذه الحالات التي تعرض عليهم، فينبغي على كل مبتلى بمثل هذا السلوك ألا يتردد في مراجعة الطبيب النفسي كي يشرف عليه في علاجه من مرضه ذلك.
ونحن لا نملك إلا أن نُذكِّرَه بالله سبحانه وتعالى، وأن نجعل الوازع الديني عاملاً إيجابيّاً مؤثراً في تخلصه من ذلك الوسواس السيء، وليتذكر غضب الله ومقته للرجال المخنثين، وأنه سبحانه مُطَّلع على أحوالهم، وأن الدنيا أيام معدودة ما أسرع ما تنقضي لذاتها ويبقى للمرء عمله وسعيه في الآخرة.
ونذكره بالاستعانة بالله سبحانه وتعالى، فهو خير معين ومسؤول، وإذا صدق العبد في دعائه والاستعانة به والالتجاء إليه صَدَقَه الله بإجابة دعائه وإزالة شكواه، ولكن مِن صِدقِ الدعاء الصدقُ في الأخذ بالأسباب، والحرصُ والمجاهدةُ والمصابرةُ حتى يتوصل إلى الشفاء التام، ويتخلص من هذه الممارسات السيئة المحرمة، وله في المجاهدة والمصابرة أجر عند الله سبحانه وتعالى.
وأفضل ما يساعد على التخلص من تلك الميول هو الزواج؛ فهو يفتح المجال للإشباع الجنسي السليم والحلال، وفي انتظار ذلك ليشغل نفسه عن الشهوات بملء الوقت بالعبادات والعادات المفيدة النافعة، وليحرص على الصوم، فإنه مفيد في تقوية التحكم بالإرادة، وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (1905) ومسلم (1400) .
ومن أهم ما يعينه: مراعاة حدود الله، بلجم البصر عن الانطلاق في عورات الناس، ولجم النفس عن تمني شهواتهم، فإن إطلاق النظر في الحرام أساس كل بلية، وهو الذي يجر على الإنسان تلك العادات السيئة الشاذة التي يراها في بعض الشاذين.
قال ابن القيم رحمه الله:
"فإن النظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصبر عزيمة جازمة فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع منه مانع، وفى هذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده" انتهى.
" الجواب الكافي " (ص 106) .
وليعلم أن التفكير في هذا النوع من الشذوذ لا بد وأن يجر إلى ممارسته، فلا بد أن يصرف نفسه عن ذلك التفكير، وينشغل بتحقيق اللذة المباحة السليمة مع الزوجة، ولا يحاول أن يعلق تحقيقها على تلك الممارسات السيئة، فذلك من وسواس الشيطان، ولا شك أن أكمل اللذات هي التي تتحقق بما يوافق الفطرة التي خلق الله الناس عليها.
ونسأل الله تعالى أن يهديك سواء السبيل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/309)
تعلق طالبة جامعية بأستاذ لا يدرِّسها!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة جامعية، الحمد لله أصلي وأخاف الله، ولكن حصل معي في نهاية السنة الماضية أني أعجبت بشخص، مشرف مختبرات، مثل ما يقولون " من بعيد لبعيد "، ومع أني لا أحادثه، إلا أني أصبحت متعلقةً به كثيراً، عندما أراه أفرح، وعندما لا أراه أحزن، أخاف أن يأتي يوم ولا أراه فيه، لدرجة أني أصبحت أكره تخرجي من الجامعة لكي لا يأتي يوم ولا أراه!! بالنسبة لمشاعره هو تجاهي لست متأكدة لأني طبعاً لا أتحدث معه!! لا أعرف ماذا أفعل، لا أحب سيرة الخطَّاب، وأخاف أن يأتي الخطَّاب إلى بيتنا لكي لا أتزوج إلا هو، أنا أدعو الله كثيراً أن يجمعني به، هل عندما يظل الإنسان يدعو ممكن أن يجعل الله هذا الشخص من نصيبه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست المشكلة – أختي السائلة – في أن دعاء الله تعالى يمكن أن ييسر أمر الزواج من شخص معين أم لا، فالدعاء بابه مفتوح، وخزائن الله ملأى، وكرم الله سبحانه وتعالى واسع، ورحمته وسعت كل شيء، وهو يجيب من دعا ويعطي من سأل، ولا حرج على المسلم أن يسأل الله تعالى ما يشاء وما يرغب، صغيراً كان أو كبيراً، وقد وعدنا الله تعالى بالإجابة فقال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60.
وانظري في موقعنا جوابي السؤالين: (6585) و (14549) .
ولكن الأمر الأهم هو في سبب هذا التعلق المتسرع بذلك الشخص، حيث بدا من سؤالك أنك لم تختلطي به أبداً، ولم تعرفيه عن قرب، ولم تعرفي خُلُقَه أو تدينه، ومع ذلك أقمت في نفسك كل هذه المحبة والمودة، ولم يكن شيء منها على أساس معقول.
أختنا الكريمة:
لا ينبغي للمسلم العاقل أن يسير وراء الأوهام التي تصوِّرُها له نفسه وهواه، فالنفس لا تزال تتمنى وتشتهي، ولا تفتأ تخوض في عالم الأحلام والآمال، ثم تبني قصوراً من الأفراح على أساس تلك الأحلام، ثم لا يلبث كل شيء أن ينهدم لأنه لم يكن مبنيّاً حقيقة، وحينئذ تقع الكارثة النفسية.
قد يُعذر الشاب أو الفتاة في وقوع الإعجاب بينهما في نفوسهما، ثم التفكير الجاد للارتباط الشرعي بعد ذلك، إلا أن ما لا يعذر فيه هو أن يُحَوِّلَ ذلك الإعجابَ إلى هاجس يلاحقه ويلازم تفكيره، ويغذيه بالتخيلات والأحلام، والأدهى من ذلك حين يتخذ مواقف عمليةً ينطلق فيها من تلك الأحلام!!
وذلك ما وقعتِ فيه يا أختنا:
كيف تسمحين لنفسك أن ترفضي فكرة الزواج من أي شاب صالح آخر لتنتظري حلما متوهما قد لا يتحقق؟! .
وأنت بذلك تخالفين أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ) رواه الترمذي (1085) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وهذا الحديث وإن كان خطاباً للأولياء: فهو بالضرورة يكون لصاحب العلاقة أصالة، وهو المرأة.
أتظنين أن الله تعالى حبس الخُلُقَ الكريم وصفاتَ الصلاحِ التي تتمناها كل فتاة في زوجها في ذلك الأستاذ الذي تعلقتِ به؟! .
أو تظنين أن أحداً لا يمكن أن يحقق لك السعادة والطمأنينة إلا ذلك الأستاذ؟! .
إن كنت تعتقدين ذلك: فأنت واهمة، فالصالحون والأخيار كثيرون والحمد لله، والله سبحانه لا يقصر سعادة إنسان على آخر، وليس ثمة بشر لا يمكن أن يستغني عن بشر، بل كلٌّ منا يمكنه أن يعيش سعيداً مع غير من كان يحبهم ويبادلهم المودة؛ لأن الله تعالى خلق النفس البشرية بهذا التكوين والشعور، خلقها تُقبل على السعادة أينما وجدت، وتحاول نسيان الآلام مهما كبرت.
ثم كيف تحكمين على نفسك بالبقاء على العزوبة في انتظار شاب لا تدرين هل هو يلتفت إليك أصلا أو لا يشعر بك؟! .
كيف تَقبلين أن تحبي من لا يبادلك الشعورَ نفسه، وقد يكون مرتبطا بغيرك من الفتيات؟!
والمسلمُ لا يرضى أن يحب أحداً إلى ذلك الحد الذي تشعرين به، كي لا تَذِلَّ نفسه ولا يهين كرامته حين يعتقد الخلاص في شخص معين، والله سبحانه وتعالى يأمره أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواه، وقديما قالوا: " لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا ".
أختنا:
أرجو أن يكون عقلك هو الحكم على جميع تصرفاتك ومواقفك، ولا تسمحي للعاطفة أن تحدد مصير حياتك، فإن العاطفة ربما قادت صاحبها إلى الهلاك والتلف، كما قال تعالى: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) ص/26.
وأنت لم تطَّلعي الغيب، ولم تُكشف لك الأمور، فما أدراك؟ لعل الله سبحانه وتعالى كتب لك زوجا صالحا طيبا يفوق ما تتوهمينه في ذلك الأستاذ مرات ومرات.
بل لعل شقاءك وتعاستك ستكون مع ذلك الأستاذ الذي تعلقت به من غير سبب، والله سبحانه وتعالى يريد أن يصرف عنك ذلك السوء.
والتسليم بذلك هو من فوائد الإيمان بالقدر وبالحكمة التي يريدها الله من خلقه وأمره، فلنسلم الأمر لله تعالى، ولندَعهُ سبحانه يحكم فينا بحكمته وكرمه وجوده وإحسانه، فهو ربنا، ونحن عبيده.
فالواجب عليك – أختي السائلة – أن تصرفي الخاطر عن الاشتغال بذلك الشاب، فلا تسمحي لنفسك بالخوض والتفكير فيه، واقطعي كل ما يمكن أن يذكرك به، وابتعدي عن كل مكان يمكن أن يوجد فيه، وتحملي ذلك لبعض الأيام والشهور، بعدها ستجدين أن قلبك قد تحرر من تلك الوساوس، وأن الله قد خلصه من أوهامٍ كادت تتحكم في مصيره، ونوصيك بالاشتغال بالطاعة والعبادة والصحبة الصالحة، واسألي الله تعالى دوما أن ييسر لك الزوج الصالح الذي يسعدك ويتقي الله فيك، واستعيذي بالله من وساوس الشيطان وهوى النفس، والله سبحانه وتعالى خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
ويمكنكِ الاستفادة لهذا الأمر من جواب السؤال رقم (10254) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/310)
اشترط أهل زوجته أن يصبح غنيا حتى يرجعوا إليه زوجته وبنته
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مشاكل كثيرة مع أهل زوجتي، تزوجت ابنتهم ظانا بهم أنهم متشبثون بدينهم، فتبين لي تشبثهم بالعادات والتقاليد. وكانوا يأخذون مني زوجتي بالقوة وأنا مستضعف في هذه الدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولدت عندهم وهم الآن لا يريدون أن يرجعوا لي ابنتي ولا زوجتي إلا بشروط أن يكون لي غنى فاحش. مع العلم أنهم خيروا زوجتي أن تذهب معي ويسخطوا عليها. أو أن تبقى معهم إلى أن أصبح غنيا. زوجتي تعرف أنني على حق وهم على باطل ولكنها اتبعت سبيلهم. ماذا علي أن أفعل شرعا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ليس للزوجة أن تخرج من بيت زوجها دون إذنه، وليس لأهلها أن يعينوها أو يحرضوها على ذلك؛ لما في خروجها وعدم عودتها من عصيان زوجها، والتمرد عليه، مما يجعلها ناشزاً.
وأخذهم لابنتك ظلم آخر، واشتراطهم أن يكون لك غنى فاحش، حتى يعيدوا لك زوجتك، ظلم فوق ظلم، ولا حق لهم في شيء من ذلك، فمتى ما قبلوا بالزواج وتم العقد وبذل الزوج المهر، وجب تسليم الزوجة إلى زوجها، فكيف وقد كانت معه وأنجبت منه!
وأنت لم تذكر شيئا عن حالتك المادية، وهل تجد ما تنفقه على أهلك أم لا؟ وهل أنت معسر بالنفقة، أم لديك ما يكفيك وأهلك؟
فإن جمهور الفقهاء على إن إعسار الزوج بنفقة زوجته، مسوغ للفرقة بينهما إذا طلبت الزوجة ذلك، وأما إذا رضيت به ولم تطالب بالفرقة، فليس لأحد أن يفرق بينهما.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (5/254، 29/58) .
ثانيا:
ينبغي لك فعل ما يلي من الخطوات في سبيل إرجاع أهلك:
1- إصلاح ما بينك وبين الله تعالى، ليصلح ما بينك وبين الناس.
2- سؤال الله تعالى أن يكف عنك الظلم، وأن يكفيك شر كل ذي شر.
3- التفاهم والتناصح فيما بينك وبين أهل زوجتك، والتعرف على حقيقة موقفهم، فقد يكون لهم أسباب أخرى غير مسألة الغنى.
4- توسيط أهل الدين والصلاح والرأي، لنصحهم، وبيان خطر الظلم والتسلط الذي يمارسونه عليك.
5- رفع الأمر إلى القضاء، ليتولى إرجاع أهلك وبنتك إليك.
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، وأن يوفقك إلى ما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/311)
تسببت مشاكله مع خاله في رسوبه فهل يطالبه بتعويض مالي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري (24) طبيب، مشكلتي بدأت منذ خمس سنوات مع خالي (45) ، حيث كان عمري (19) سنة حيث كان يأتي إلى بيتنا كل يوم ولمدة ساعات بدون إذن أو استئذان (لمدة عامين متتاليين) لغرض قضاء وقت فراغه، وكان يحدث المشاكل والشجار بين أبي وأمي، وكان هو سبب التوتر في العائلة، وكلما كنت أقول لأمي لماذا لا نطرده؟ كانت تقول: لا يجوز ذلك، إلى أن وصل غضبي إلى أن أترك الامتحان في تلك السنة، ورسوبي في تلك السنة، احتجاجا على تصرفات خالي في بيتنا، ذهب خالي، ولكن المشاكل النفسية وذكريات ترك الامتحان ذلك اليوم لا تغادرني إلى اليوم، وكلما أرى خالي في المناسبات ينتابني غضب شديد.
السؤال:
بماذا تنصحونني؟ وهل لي أن أطالب بتعويض مالي من خالي - ولو يسيراً - لرد اعتباري على المشاكل النفسية الذي أصبت به لتعود العلاقة بيننا وخصوصا أني لا أريد أن أقطع صلة الرحم؟ وما هو موقف الشريعة من هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننصحك بنسيان الموضوع القديم الذي بينك وبين خالك، ونرى أنك أعطيت الأمر أكثر مما يستحق، وكون خالك يدخل البيت من غير استئذان لا يحل له، ولو كان داخلاً لبيت أخته، فالاستئذان في حقه واجب، ورضى والدك بزيارة خالك لبيته هو المعتبر، وقد رضي بذلك بدليل استمرار زيارته طيلة هذه المدة، وتركك للامتحان في تلك السنة ورسوبك فيها أنت تتحمل تبعاته، فلا يخلو بيت من بيوت المسلمين – في الغالب – من مشاكل، والعاقل هو الذي يحسن التصرف إزاءها، ويحرص على حلها، أو التقليل منها، ولا نرى لتصرفك في ترك الدراسة للامتحان أي وجه، فتتحمل أنت تبعاته، ولا ينبغي لك دوام التفكير فيما مضى فتُسبب الآلام النفسية لك ولأهلك، فانس ذلك الأمر، وأقبل على عملك، واستعن بالله، وداوم على صلة الرحم، ونصح المخطئ، ولا تلتفت إلى ما يزينه لك الشيطان من رفع قضية على خالك وأخذ تعويض مالي منه، فبالإضافة إلى أن القضية قد تكون فاشلة في المحاكم، فإنها ستسبب شرخاً وتصدعاً في أسرتكم نربأ بك أن تكون سببه، وينبغي أن يكون جانب الرحمة غالباً على جانب الغضب والانتقام، ونسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، وأن يجمع بينك وبين أسرتك جميعاً على خير.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/312)
ضريرة وليس عندها أحد يحميها ويخدمها فهل تقتني كلباً مدرباً لذلك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أخت لكم في الإسلام وهي أمريكية دخلت الإسلام قبل أكثر من سنة بعد أن تعرضت للاعتداء بالضرب من قبل زوجها مما أصابها بعوق عن الحركة وفقدان البصر، وهذه الحادثة جعلها الله سبباً في دخول هذه المرأة للإسلام، المشكلة أن هذه المرأة تحتاج إلى رعاية وعناية لمدة 24 ساعة، وقد اتصلت بإمام المسجد القريب فقام بمساعدتها، وذلك بأن أرسل لها إحدى الأخوات لتقوم بخدمتها، ولكن هذه الأخت لن تستطيع الاستمرار لأسباب خاصة، لذلك طلبت المساعدة من الرعاية الاجتماعية في الولاية فقالوا لها إنهم لا يستطيعون توفير شخص لرعايتها، لكن بإمكانهم أن يوفروا لها كلباً مدرباً خصيصا على خدمة المعوقين وفاقدي البصر.
هذه المرأة تسأل وتقول: أنا أعلم أن وجود الكلب في البيت منهي عنه في الإسلام، ولكن أنتم لا تعلمون مقدار الخدمة والمساعدة التي سيقدمها لي، فبإمكانه أن يقودني إلى السوبر ماركت، وكذلك أن يجلب لي الحاجات داخل المنزل وغيرها من الخدمات.
السؤال الآن:
هذه المرأة بحاجة إلى هذا النوع من الكلاب، فهل يجوز لها اقتناؤه في البيت للضرورة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يثبت أختنا على الإسلام، وأن يعافيها ويكتب لها أجرها على صبرها وتحملها.
واقتناء الكلاب محرَّم في الأصل – كما هو معلوم – وقد رخص النبي صلى الله في اقتنائه إذا كان لحراسة زرع أو ماشية أو لصيد.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أمْسَكَ كَلْباً فَإنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ، إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ، أوْ مَاشِيَةٍ) . رواه البخاري (2197) ومسلم (1575) .
وعنه رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ صَيْدٍ، أوْ زَرْعٍ: انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ) . رواه مسلم (1575) .
وهل يجوز اقتناء الكلب لغير ما سبق؟
الجواب: نعم.
قال الإمام النووي رحمه الله:
" اختلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة، كحفظ الدور والدروب، والراجح: جوازه قياساً على الثلاثة، عملاً بالعلَّة المفهومة من الحديث، وهي: الحاجة " انتهى.
" شرح مسلم " (10 / 236) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله:
" وفي معنى هذا الحديث تدخل – عندي - إباحة اقتناء الكلاب للمنافع كلها ودفع المضار، إذا احتاج الإنسان إلى ذلك " انتهى.
" التمهيد " (14 / 219) .
واقتناء المرأة لهذا الكلب المدرب – مع عدم توفر من يقوم على خدمتها ورعايتها وحراستها أولى من حراسة الزرع والماشية.
وقال الشيخ يوسف بن عبد الهادي - ناقلاً عن بعض العلماء -:
" لا شك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أذِن في كلب الصيد في أحاديثَ متعدِّدَةٍ، وأخبر أنَّ متَّخذَه للصيد لا ينقص مِن أجره، وأذِن في أحاديث أخرى في كلبِ الماشية، وكلب الغنم، وكلب الزرع، فعُلم أنَّ العلَّة المقتضية لجواز الاتخاذ: المصلحة، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا وُجدت المصلحة جاز الاتخاذ، حتى إنَّ بعضَ المصالح أهمُّ وأعظمُ مِن مصلحة الزرع، وبعض المصالح مساوية للتي نصَّ الشارع عليها، ولا شك أنَّ الثمار هي في معنى الزرع، والبقر في معنى الغنم، وكذلك الدجاج والأوز -لدفع الثعالب عنها- هي في معنى الغنم، ولا شك أنَّ خوفَ اللصوص على النَّفس، واتخاذه للإنذار بها والاستيقاظ لها أعظم مصلحة من ذلك، والشارع مراعٍ للمصالح ودفع المفاسد، فحيث لم تكن فيه مصلحةٌ ففيه مفسدة " انتهى.
" الإغراب في أحكام الكلاب " (ص 106، 107) .
وعليه: فلا حرج على هذه المرأة في اقتناء هذا الكلب المدرب إلى أن ييسر الله لها مخرجاً كسكناها مع أسرة مسلمة تحتسب خدمتها ورعايتها، أو زواجها من مسلم يحتسب أجره على الله تعالى في رعايتها والعناية بها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/313)
محتارة في الاختيار بين شخصين للزواج من أحدهما
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت بزيارة إلى أهلي، وفي زيارتي كنت أقيم في بيت خالي، وقد أعجب ابن خالي بي في هذه الفترة، وقد طلبني للزواج، ولكن ما زال غير مؤهل للزواج من الناحية المادية، ولكن هذا الشاب محترم ومؤدب، وفي الوقت نفسه هناك شاب كنت أعرفه من خلال دراستي في الجامعة، وكانت نيته طلب الزواج، وهو قادر على تحمل المسؤولية الزوجية من جميع نواحيها، ولكن ابن خالي متيَّم بي وأنا أحترمه وأكن له المودة والحب، ولكن لا أعرف إن كان حب الزوج أو القرابة؛ وذلك لأن أقاربي لا يسكنون في نفس البلاد التي أقيم فيها، وأنا أفتقر للعطف الاجتماعي في حياتي الاجتماعية وهناك قلة العلاقات الأسرية بين أهلي الموجودين في محيطي، فما العمل؟
وأريد أن أوجه لكم ملاحظة: أن كلا الشابين طموح ويحب التقدم والتنوير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يحسن بنا أن ننبهكِ أولاً إلى ما نعلمه مخالفاً للشرع مما ورد في سؤالك، وهما أمران:
الأول: الدراسة المختلطة، فلا يجوز للمرأة أن تدرس في جامعة مختلطة؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد ومحاذير لا تخفى على أحد، وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط في السؤال رقم (1200) .
وقد جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 156) :
" الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك ". انتهى.
وإنك وإن كنتِ قد أنهيت الدراسة – كما يظهر من كلامك – فإن الواجب عليك التوبة والاستغفار عن تلك المخالفة الشرعية، وبخاصة أن بعض محاذير تلك الدراسة المختلطة قد وقع معكِ، وهو تعرفك على شاب أجنبي عنك، والخلطة معه ومع غيره من الأجانب على مقاعد الدراسة.
وانظري أجوبة الأسئلة رقم: (8827) و (47554)
والثاني: الاختلاط في سكنك في بيت خالك، وقد ظهر أثر هذا الاختلاط في كون ابن خالك قد أعجب بك – على حد قولك – بل وأنه " متيَّم بك "! ووصفك له بأنه " محترم ومؤدب " وأنك تكنين له " المودة والحب "! ، وكل هذا يؤكد حكمة الشرع في منع الاختلاط حتى بين الأقارب؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد لا تخفى.
ولا مانع للمرأة أن تزور أقاربها وأن تقيم عندهم، لكن ينبغي لها الالتزام بالشروط الشرعية من عدم جواز الخلوة بأحد من أقاربها الأجانب عنها، وغض البصر من كلا الطرفين.
وانظري جواب السؤالين (60244) و (13261) ففيهما فوائد مهمة.
ثانياً:
وأما بالنسبة لاختيارك زوج المستقبل: فإنه لا بدَّ من توافر مواصفات مهمة في الزوج حتى تكون حياة الزوجة معه هنيئة طيبة، ويمكنك الوقوف على هذه المواصفات في جواب السؤال رقم (5202) ، ومن رأيته – بالتعاون مع أهلك – صالحاً لك – ولو كان غير هذين الرجلين – فلا تترددي في الموافقة على الزواج منه.
وننبهك إلى ضرورة الاستخارة قبل الموافقة على أحدٍ ممن يتقدم للزواج منك، وتجدين تفصيل حكمها وكيفيتها وفوائدها في جواب السؤال رقم (2217) .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن ينعم عليك بزوج صالح وذرية طيبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/314)
يوسوس له الشيطان بتخيل صورة لله تعالى ليحقق معنى الإحسان!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحاول في العبادات المتعلقة بالذكر كالصلاة والدعاء أن أعبد الله كأني أراه , لذلك فقد اعتدت أمراً لا أدري إن كان صحيحاً أم لا , وذلك أنى أحاول أن أتصور الله أمامي وأنا في صلاتي مثلاً , ولكن عقلي البشري الضعيف أقرب ما يذهب إليه هو صورة إنسان، وأنا أعلم أن هذا أبعد ما يكون عن الملِك الذي ليس كمثله شيء , أيضاً أحاول أن أهيئ لنفسي وأنا ساجد مثلا أني أمام الكعبة، وقد أشعر بأني قريب من الله فعلا، ولكني أيضا لا أشعر بكامل القرب من الله لأني أدرك أن الله أعظم من ذلك كثيراً. أرجو أن تعلموا أن أمري ليس وسوسة، ولكني أريد القرب أكثر من الله , فانصحوني]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: اعلم يا عبد الله أن الله تعالى احتجب عن خلقه في دار الدنيا، فلا يراه بشر فيها، لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا من دونه.
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ) رواه البخاري (4855) ومسلم (177) واللفظ له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد اتفق أئمة المسلمين على أن أحدا من المؤمنين لا يرى الله بعينه في الدنيا، ولم يتنازعوا إلا في النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، مع أن جماهير الأئمة على أنه لم يره بعينه في الدنيا؛ وعلى هذا دلت الآثار الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأئمة المسلمين.) مجموع الفتاوى 2/335
وإذا كان البشر، كل البشر، قد حجبوا في دار الدنيا عن هذه الرؤية، فالبشر، كل البشر أيضا، عاجزون عن الوقوف على حقيقة ذاته سبحانه، أو كيفية شيء من صفاته؛ لأن الإنسان لا يتخيل شيئا تخيلا صحيحا إلا أن يكون رآه، أو رأى شبيه هذا الشيء أو نظيره، حتى ينتقل خياله من صورة الشيء الذي رآه إلى صورة ما غاب عنه.
وبناء على ذلك، اعلم ـ أيها الأخ الكريم ـ أن كل صورة في خيالك، أو توهم كيفيةٍ في بالك، فالله تعالى بخلاف ذلك، بل: الله تعالى أجل وأعظم من كل ذلك. وأن اشتغالك بهذه الخيالات وساوس واستدراج من الشيطان، ليشغلك بما يضرك عما ينفعك، وبالباطل عن الحق. قال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته: (ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام. فمن رام علمَ ما حُظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان؛ فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، مُوَسْوِسا تائها شاكا، لا مؤمنا مصدقا، ولا جاحدا مكذبا) [متن العقيدة الطحاوية ص 14] .
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم طريق دفع الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب العبد، فيما يتعلق بالله جل جلاله، فقال: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولَ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُولَ لَهُ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) رواه البخاري (3276) ومسلم (134)
قال النووي رحمه الله: مَعْنَاهُ: إِذَا عَرَضَ لَهُ هَذَا الْوَسْوَاس فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي دَفْع شَرّه عَنْهُ , وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْفِكْر فِي ذَلِكَ , وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَاطِر مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان , وَهُوَ إِنَّمَا يَسْعَى بِالْفَسَادِ وَالْإِغْوَاء فَلْيُعْرِضْ عَنْ الْإِصْغَاء إِلَى وَسْوَسَته وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا وَاَللَّه أَعْلَم. وراجع كلاما مفيدا في فتاوى الشيخ ابن عثيمين (1 / السؤال رقم 18)
وأما القرب الذي تبحث عنه وتنشده في عبادتك لربك عز وجل، فنعم مقام العابدين هو:
(أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه، فإنه يراك!!) .
غير أن هذا المقام العظيم الجليل لا يحتاج منك أن تجهد نفسك، وتشتت قلبك في البحث عن شيء لن تدركه، وهو تخيل صورة الله عز وجل؛ وإنما يحتاج منك أن تستحضر من صفات الجلال والكمال والجمال لله عز وجل ما يعينك على حضور القلب في عبادته سبحانه، والإقبال عليه بكليتك. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (وقوله صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه..، يشير إلى أن العبد يعبد الله على هذه الصفة؛ وهي استحضار قربه، وأنه بين يديه؛ وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، كما جاء في رواية أبي هريرة:
" أن تخشى الله كأنك تراه " [رواه بهذا اللفظ: مسلم (10) ] .
ويوجب أيضا النصح في العبادة وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها) جامع العلوم والحكم 1/104
وقال ابن القيم – رحمه الله -: ومشهد الإحسان أصل أعمال القلوب كلها فإنه يوجب الحياء والإجلال والتعظيم والخشية والمحبة والإنابة والتوكل والخضوع لله سبحانه والذل له ويقطع الوسواس وحديث النفس ويجمع القلب والهم على الله.
فحظ العبد من القرب من الله على قدر حظه من مقام الإحسان وبحسبه تتفاوت الصلاة حتى يكون بين صلاة الرجلين من الفضل كما بين السماء والأرض وقيامهما وركوعهما وسجودهما واحد. " رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه " (ص 38، 39) ، وانظر أيضا: جامع العلوم والحكم، لابن رجب (1/103) وما بعدها، ط دار ابن الجوزي، معارج القبول، للشيخ حافظ الحكمي (3 / 999، 1000) .
وقد أشار أهل العلم إلى جملة من الأعمال والأحوال، متى اجتهد العبد في تحقيقها كانت له عونا على القرب من ربه عز وجل، وبحسب سعي العبد في القرب من ربه عز وجل، يكون قرب الله تعالى منه؛ فأقلَّ إن شئت أو استكثر!!
ومن هذه الأمور:
1. تحقيق التوحيد وترك الشرك الأكبر والأصغر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وهذا تحقيق الإخلاص والتوحيد الذي من حققه كان أقرب الخلق إلى الله، وهو تحقيق كلمة الإخلاص " لا إله إلا الله ". الاستقامة " (ص 195) .
2. معرفة صفات الله تعالى وأسمائه وأفعاله.
قال ابن القيم – رحمه الله -: (مشهد الإحسان، وهو مشهد المراقبة، وهو أن يعبد الله كأنه يراه، وهذا المشهد إنما ينشأ من كمال الإيمان بالله وأسمائه وصفاته، حتى كأنه يرى الله سبحانه فوق سمواته مستوياً على عرشه، يتكلم بأمره ونهيه ويدبر أمر الخليقة؛ فينزل الأمر من عنده ويصعد إليه، وتعرض أعمال العباد وأرواحهم عند الموافاة عليه؛ فيشهد ذلك كله بقلبه ويشهد أسماءه وصفاته ويشهد قيوماً حيّاً سميعاً بصيراً عزيزاً حكيماً آمراً ناهياً، يحب ويبغض، ويرضى ويغضب، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو فوق عرشه لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ولا أقوالهم ولا بواطنهم، بل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه (ص 38) .
3. تحقيق الولاية، ويكون تحقيقها بالإيمان والتقوى، كما قال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) يونس/62،63.
قال ابن القيم رحمه الله: (الولاية هي القرب من الله عز وجل، فولي الله هو القريب منه، المختص به، والولاء هو في اللغة: القرب.) بدائع الفوائد (3 / 621) .
4. المداومة على الصلاة، وبخاصة استشعار القرب من الله تعالى في السجود؛ فإنه أقرب ما يكون العبد فيه قرباً لربه تعالى، وكذا الصلاة في آخر الليل. قال تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) العلق/19.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) رواه مسلم (482) .
وعن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ) .
رواه الترمذي (3579) والنسائي (572) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (1173) .
5. تحقيق التوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وينبغي أن يعرف أن التوبة لا بد منها لكل مؤمن ولا يكمل أحد ويحصل له كمال القرب من الله ويزول عنه كل ما يكره إلا بها) . مجموع الفتاوى " (15 / 55) .
6. ذكر الله تعالى على كل حال، من أذكار وأدعية وتسبيح وتحميد وتهليل:
قال ابن القيم رحمه الله: (والذِّكر يوجب له القرب من الله عز وجل والزلفى لديه، وهذه هي المنزلة) . " الوابل الصيب " (1 / 96) .
7. تحقيق الخوف منه عز وجل:
قال ابن القيم رحمه الله: (هذا الخوف على حسب القرب من الله والمنزلة عنده، وكلما كان العبد أقرب إلى الله كان خوفه منه أشد؛ لأنه يطالَب بما لا يطالَب به غيره، ويجب عليه من رعاية تلك المنزلة وحقوقها ما لا يجب على غيره، ونظير هذا في الشاهد أن الماثل بين يدي أحد الملوك المشاهد له، أشد خوفاً منه من البعيد عنه؛ بحسب قربه منه ومنزلته عنده، ومعرفته به وبحقوقه، وأنه يطالب من حقوق الخدمة وأدائها بما لا يطالب به غيره، فهو أحق بالخوف من البعيد، ومَن تصور هذا حق تصوره فهم قوله (إني أعلمكم بالله وأشدكم له خشية) طريق الهجرتين (1 / 427، 428) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/315)
يريد تغيير اسمه واسم أبيه ويسأل عما يترتب على هذا من أحكام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[غيرت اسمي واسم والدي في جواز السفر، نتيجة لبعض التعقيدات القانونية، وأن الجميع سيعرفني بشخصيتي الجديدة، أي أنني سأكون بشخصية مختلفة ما بقي من أيام عمري، وأنا خاطب لفتاة على دراية كاملة بكل شيء، وأتساءل هل يجوز أن أتزوج بها بشخصيتي الأخيرة؟ وهل عليَّ أن أتزوج بها (أجري النكاح) مرتين كل مرة بشخصية مغايرة؟ أم يمكنني أن أتزوجها بشخصيتي الجديدة التي تغيَّر فيها اسم والدي؟ . أريد أن أعرف قول الشريعة في هذا الخصوص، وأذكر أيضا أنه لا يمكنني استخدام هويتي القديمة بعد الآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تغيير الرجل اسمه إلى اسم آخر: لا حرج فيه، وبخاصة إذا كان التغيير بسبب قبح الاسم الأول، أو مخالفته للشرع.
وأما تغيير اسم الأب والانتساب لغيره: فهو من كبائر الذنوب، ولا يجوز هذا إلا لضرورة ملجئة، كمن يكون مهدداً بالقتل، أو أراد النجاة بنفسه ودينه وعرضه من ظلمة، على أن يكون ذلك على الأوراق وللضرورة فقط، فإذا انتهت الضرورة فعليه أن يُرجع الأمور إلى ما كانت عليه.
فعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس من رجل ادَّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم [نسب] فليتبوأ مقعده من النار) . رواه البخاري (3317) ومسلم (61) .
فإن كنت ولا بد مغيِّراً اسمك واسم أبيك، للتعقيدات القانونية – كما ذكرت - فلا بد من تنبيهك إلى أمر مهم حتى لا تقع في المحظور الذي حرمه الله عليك من حقوق غيرك، وهذا الأمر هو:
أن تغيير الاسم لا يؤدي إلى ضياع حقوق الناس عليك، كما لو كانت بينك وبين الناس عقود بالاسم الأول فهي باقية عليك كما هي.
ثانياً:
أما فيما يتعلق بزواجك: فلا يلزمك شرعاً أن تتزوج أو تعقد عقد الزواج مرتين بالاسم القديم ثم بالجديد، وإنما يلزمك أن تكتب عقد زواجك بالاسم الذي تثبت به الحقوق والواجبات وهو الاسم الثاني الذي ارتبط بك في الدوائر الرسمية والمحاكم الشرعية التي يُرجع إليها عند التنازع في إثبات الحقوق المترتبة عليك شرعاً.
وبالنسبة لأبنائك وبناتك مستقبلا. يجب عليك أن تكتب لهم شجرة العائلة قبل تغيير اسمك مما يعينهم على معرفة محارمهم حتى لا يقع أحدهم في محظور بسبب جهله بمحارمه من أقارب أبيه، وكذلك من أجل صلة الرحم التي لا يمكن القيام بها إلا بمعرفة النسب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تعلَّموا مِن أنسابكم ما تصلون به أرحامكم) رواه الترمذي (1979) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ويجب التوكيد على أن تغيير اسمك جائز ولو كان من باب الكمال، أما تغيير اسم أبيك فهو حرام في الأصل، ولا يجوز إلا لضرورة ملجئة، فإن زالت الضرورة وجب عليك إرجاع الاسم إلى سابق عهده.
وفقك الله للعلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/316)
حكم قراءة القصص العاطفية ومشاهدة الأفلام الرومانسية
[السُّؤَالُ]
ـ[هوايتي المفضلة هي قراءة القصص الأجنبية العاطفية التي أحيانا يكون بها وصف لبعض المشاهد الجنسية بالتفصيل بين البطل والبطلة. علما بأنني أصلي ومحجبة وأتقي الله كثيرا ولم يكن لي أي علاقة بأي شاب من قبل ولكني فتاة رومانسية وأحب سماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام الرومانسية ولكن ما يقلقني هي الروايات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قراءة القصص والروايات العاطفية، يترتب عليها مفاسد كثيرة، لاسيما إذا كان القارئ أو القارئة في سن الشباب، ومن هذه المفاسد: تحريك الشهوة، وتهييج الغريزة، وإفساح المجال للخيالات والأفكار الرديئة، وتعلق القلب ببطل القصة أو بطلتها، وشغل الوقت بما لا ينفع في دين ولا دنيا، بل بما يضر غالبا، وقد جاءت الشريعة بسد الأبواب المفضية إلى الحرام، فأمرت بغض البصر، ومنعت من الخلوة والخضوع بالقول ونحوه مما يهيج ويثير ويدعو إلى الفاحشة، ولا شك أن قراءة هذه الروايات هو على الضد من ذلك تماما، لما يدعو إليه من الرغبة في التعرف على الرجال والتعلق بهم وبصورهم وأشكالهم وأنماط مخاطباتهم مع الفتيات، إضافة إلى عرض الصور الفاضحة للعشق والهيام واللقاء والحرام، وما كان كذلك فلا شك في تحريمه.
ثانيا:
سماع الموسيقى محرم؛ لأدلة كثيرة، سبق ذكرها في جواب السؤال رقم (5000) ، ورقم (20406) .
ثالثا:
مشاهدة الأفلام الرومانسية، يقال فيها ما قيل في قراءة الروايات العاطفية، بل الأفلام أعظم ضررا، وأكثر فسادا، لما تشتمل عليه من تجسيد المعاني في صور وحركات ومواقف، ولما فيها من رؤية العورات، ومطالعة الفجور، مع الموسيقى التي تصاحبها في عموم الأحوال، وفيها من تهييج الشهوات، وإثارة الغرائز، والدعوة للفاحشة، ما لا يخفى على عاقل. فمن العجب ألا تكوني قلقة بشأن مشاهدة هذه الأفلام.
والحاصل: أن ذلك كله ممنوع، وأنه باب من أبواب الحرام والإثم، وفاعله على خطر عظيم، فقد النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) رواه البخاري (6243) ومسلم (2657) ، وفي رواية لمسلم: (كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ) فتأملي هذا الحديث العظيم، وانظري في أمر الأفلام التي ذكرتِ، فإن مشاهدتها تتضمن زنا العينين والأذنين والقلب الذي يهوى ويتمنى، فنسأل الله السلامة والعافية.
واعلمي أن ترك الحرام واجب على الفور، وأن الذنب بعد الذنب يظلم القلب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) رواه الترمذي (3334) وابن ماجة (4244) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
واعلمي أيضا أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فبادري بالتوبة النصوح، وأقلعي عن هذه المحرمات، وانشغلي بما ينفعك في دينك ودنياك، وأكثري من قراءة القرآن، ومطالعة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة أمهات المؤمنين، وسير الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، واستمعي للمحاضرات النافعة، التي تذكرك بالله، وترغبك في الدار الآخرة، وتزهدك في الحرام.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/317)
تأخر الزواج وعلاقته بالقضاء والقدَر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعطيل الزواج للفتاة له علاقة بالقضاء والقدر؟ أنا فتاة أخاف الله تعالى وأصلي وتعطل زواجي كان خُطّابي قليلين جدّاً وكلهم عيوب أكثرهم في الدين، أسأل: هل تعطيل الزواج له ارتباط بقضاء الله وقدره أم أني ارتكبت ذنباً والله تعالى غاضب مني؟ مع أني أخاف الله بشدة وأعطاني تعالى نصيباً من الجمال، أريد راحة لبالي بسؤالكم، ولكم جزيل الشكر والثواب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلَّ القرآن والسنَّة الصحيحة وإجماع سلف الأمة على وجوب الإيمان بالقدر , خيره وشره , وأنه من أصول الإيمان الستة التي لا يتم إيمان العبد إلا بها، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحديد/22، وقال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر/49.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في تعريف الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) رواه مسلم (8) .
وكل ما يحصل في الكون إنما هو بقدر الله تعالى، ويجب على من يؤمن بالقدر أن يؤمن أن الله تعالى علِم الأشياء قبل وقوعها، ثم كتب ذلك في اللوح المحفوظ، ثم شاء تعالى وجودها، ثم خلقها، وهذه هي مراتب القدر الأربعة المشهورة، وعلى كل مرتبة أدلة، وقد سبق بيان ذلك مفصَّلاً في جواب السؤال رقم (49004) فلينظر.
فالزواج وتقدمه وتأخره وتيسره وتعسره كل ذلك بقدر الله، ولا يعني هذا أن المسلم لا يفعل الأسباب التي جعلها الله تعالى مؤدية إلى مسبباتها، ولا يتنافى الأخذ بالأسباب مع كون الشيء مقدراً في الأزل، فالمرء لا يدري ما كُتب له، وهو مأمور بفعل الأسباب.
والمصائب التي يقدرها الله تعالى على العبد , تكون خيراً للمؤمن إذا صبر عليها واحتسب ولم يجزع , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
وهذه المصائب قد تكون عقوبة على المعاصي , ولكن هذا ليس بلازم , فقد تكون لرفع درجات المؤمن , وزيادة حسناته إذا صبر ورضي........ أو غير ذلك من الحكم العظيمة.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
إذا ابتلي أحد بمرض أو بلاء سيئ في النفس أو المال، فكيف يعرف أن ذلك الابتلاء امتحان أو غضب من عند الله؟
فأجاب:
" الله عز وجل يبتلي عباده بالسراء والضراء , وبالشدة والرخاء، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم , كما يفعل بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والصلحاء من عباد الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل) ، وتارة يفعل ذلك سبحانه بسبب المعاصي والذنوب، فتكون العقوبة معجلة كما قال سبحانه: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) ، فالغالب على الإنسان التقصير وعدم القيام بالواجب، فما أصابه فهو بسبب ذنوبه وتقصيره بأمر الله، فإذا ابتلي أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو نحوها فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل رفعاً في الدرجات , وتعظيماً للأجور , وليكون قدوة لغيره في الصبر والاحتساب.
فالحاصل: أنه قد يكون البلاء لرفع الدرجات , وإعظام الأجور , كما يفعل الله بالأنبياء وبعض الأخيار، وقد يكون لتكفير السيئات كما في قوله تعالى: (من يعمل سوءً يُجز به) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب المسلم من همٍّ ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى إلا كفَّر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يُصِب منه) ، وقد يكون ذلك عقوبة معجلة بسبب المعاصي وعدم المبادرة للتوبة كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة) خرجه الترمذي وحسنه " انتهى
"مجموع فتاوى ومقالات" (4/370) .
وبما أنك تركت الزواج من هؤلاء الذين خطبوك من أجل الله وبسبب أنهم غير مستقيمين في الدين فسيعوضك الله تعالى خيراً منهم، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2، 3، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه) رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني في " حجاب المرأة المسلمة " (47) .
فعليك أن تُقبلي على الله بالدعاء والقربات، ولا تجزعي، واعلمي أن رحمة الله قريب من المحسنين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/318)
تأتيها وساوس الشيطان إذا رأت ثبات أهل الكفر والباطل وتفانيهم في ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[باختصار أنا اشتكي من القلق على ديني وعقيدتي، أتمنى أن لا يحاسبني الله على سؤالي ولكني فعلا بحث عن الإجابة الشافية.
حين أرى النصارى واليهود أو حتى الفئات التي ضلت عن العقيدة الإسلامية الصحيحة حين ألحظ عليهم مدى تمسكهم باعتقادهم وتصديقهم به بل والراحة النفسية التي يشعرون بها أو - لا أدري إن كان حقيقيا- أسأل نفسي كيف يعرف المسلم أنه على العقيدة الصحيحة؟ طالما أن الراحة النفسية موجودة لدى الجميع، خاصة أنه بعلم النفس وارد أن ما تؤمن به فعليا هو ما يجعلك تطمئن إليه وتثق به ولو كان غير صحيح؟ وما يحيرني خاصة الفئات الخاطئة التي تفرعت من الإسلام مثل الصوفية والشيعة؟ أنا فقط بدأت أشعر بهذه الوساوس بعد أن أصبحت والحمد لله أقرب إلى ربي من قبل بعد ترك الأغاني، وقيام الليل والنوافل والاستغفار.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد أحسنتِ حينما أطلقتِ على هذه الخواطر التي تجول في نفسك بأنها وساوس، ومعلوم أن الوسوسة من الشيطان، والشيطان لا يحب من العبد أن يعود لخالقه تائباً نادما مقبلاً على الخير، بل يحرص أن يصده عن دينه بسائر أنواع الفتن والشهوات، فإذا أعجزته الحيل لجأ إلى الوسوسة والتشكيك، ليشعره بالقلق وعدم الطمأنينة، ولذا تجدين أنك لم تشعري بهذه الوساوس إلا بعد أن تركت بعض المعاصي التي كان يزينها لك، فلما انتصرت عليه في هذا الميدان، لجأ إلى أضعف حيله وهي الوسوسة، وقد شكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له أنه ينتابهم بعض الوساوس التي يكرهونها ولا يحبون التكلم بها، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) رواه أبو داود عن عبد الله بن عباس (5112) وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود.
فحيث عجز عن صدهم عن الخير لجأ إلى الوسوسة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو بغيره، لا بد له من ذلك، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء/76.
وكلما أراد العبد توجهاً إلى الله تعالى بقلبه جاءه من الوسوسة أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى، أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس. قال: صدقوا! وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب؟!! .
"مجموع الفتاوى" (22/608) .
لذا فعليك ألا تلتفتي لهذه الوساوس، ولا تجعليها عائقاً عن مواصلة طريقك في السير إلى الله تعالى.
وأما ما ذكرتِه عن بعض الكفار وأهل البدع من أنهم يكونون في راحة نفسية، فجميل منك أنك قلت في ثنايا سؤالك: (لا أدري إن كان حقيقياً) فإن كثيراً من هذه السعادات زائفة، تكون في الظاهر بينما يبقى الباطن يشعر بفراغ وضيق قاتل، لا يزيله إلا صدق العبد مع الله في عبوديته وتحقيق مرضاته.
وهنا ينبغي أن تنتبهي إلى عدة أمور:
الأول: أن مقياس العقيدة الصحيحة لا يعرف بالراحة النفسية أو عدمها، وإنما تعرف العقيدة بما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله على وفق ما التزمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأي أمر أشكل عليك فاعرضيه على كلام الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام صحابته، فإن وجدت أصحاب رسول الله قائلين به فاعلمي أنه الحق، وما سواه فهو باطل، فإن عجزت عن ذلك فاسألي أهل العلم الذين يسيرون في علمهم وطريقتهم على منهج الصحابة والسلف الصالح؛ فهذا هو المقياس الصحيح الوحيد.
وأما السعادة والراحة النفسية فهي نتيجة لصدق العبد في تحصيل رضى ربه، ومتابعة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) النحل/97.
الثاني: أن الشعور بالضيق والضنك أمر نسبي، وهو يختلف من شخص لآخر، وأحيانا يكون الإنسان يعيش في أشد حالات الضيق ولا يشعر بشيء من ذلك لأنه ميت القلب، ألست ترين الأعمى يكون في أشد أنواع الظلمة ولا يشعر بالظلام، وما ذلك إلا لأنه لا بصر عنده أصلاً، فكذلك ميت القلب، ليس عنده حياة أصلاً ليشعر بألم ضيق الصدر من عدمه، وقديما قال الشاعر: ما لجرحٍ بميت إيلام
لكن الله عز وجل قال وقوله الحق: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه/124.
والضنك: قد فسر بعدة تفسيرات، ففي تفسير ابن كثير رحمه الله ما ملخصه:
" أي: ضَنْك فِي الدُّنْيَا، فَلا طُمَأْنِينَة لَهُ، وَلا اِنْشِرَاح لِصَدْرِهِ، بَلْ صَدْره ضَيِّق حَرَج لِضَلالِهِ، وَإِنْ تَنَعَّمَ ظَاهِره وَلَبِسَ مَا شَاءَ وَأَكَلَ مَا شَاءَ وَسَكَنَ حَيْثُ شَاءَ فَإِنَّ قَلْبه مَا لَمْ يَخْلُص إِلَى الْيَقِين وَالْهُدَى فَهُوَ فِي قَلَق وَحِيرَة وَشَكّ، فَلا يَزَال فِي رِيبه يَترَدَّد فَهَذَا مِنْ ضَنْك الْمَعِيشَة.
وَقَالَ الضَّحَّاك: هُوَ الْعَمَل السَّيِّئ وَالرِّزْق الْخَبِيث.
وعَنْ أَبِي سَعِيد فِي قَوْله: (مَعِيشَة ضَنْكًا) قَالَ: يُضَيِّق عَلَيْهِ قَبْره حَتَّى تَخْتَلِف أَضْلاعه فِيهِ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَة ضَنْكًا) قَالَ (عَذَاب الْقَبْر) إِسْنَاد جَيِّد " انتهى.
فلو فرض أن الكافر أو الفاجر عاش في هذه الدنيا في سعادة حتى لو كانت داخلية، فإنه فاقد للطمأنينة والسكينة التي يتنعم بها المؤمنون الصادقون، ثم إن ما ينتظره من العذاب في البرزخ وما بعده ضنك وأي ضنك، نسأل الله أن يعيذنا وإياكِ من عذاب القبر، وأن يثبتنا وإياكِ على الحق حتى نلقاه.
وختاماً: عليك بالاجتهاد في الطاعات وعمل الصالحات، والابتعاد عن الوساوس الجالبة للهموم، وعليك بتعلم العلم النافع، فإنه يقيك بإذن الله من أنواع الفتن والشبهات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/319)
اكتشف أن زوجته على علاقة برجل ثم تابت فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان نشأت في عائلة محافظة ومنَّ الله عليَّ وتزوجت من امرأة صالحة من بيت دين حيث إن والد زوجتي من الدعاة والمصلحين الاجتماعيين، وكان جميع أولاده وبناته من حفظة القرآن أو أجزاء منه. المشكلة: أن زوجتي في الفترة الأخيرة قد تغيرت كثيراً، وقد اكتشفت أن لها علاقة مع أحد الأشخاص، كانت في البداية عن طريق الهاتف، وبعدها تمت المقابلة بينهما عدداً من المرات، ومنذ اكتشاف هذه العلاقة وهي طريحة الفراش، وأصابها حالة نفسية من شدة الندم، ومن خلال حديثي معها أقسمت بالله - وهي داخل الحرم - بأنها لم ترتكب معه الزنا ولم تتعدَّ المقابلة حدود الكلام فقط، وأخبرتني بأنها كانت تنوي الابتعاد عنه، ولكنه استخدم معها التهديد، وهي الآن نادمة أشد الندم، والأسباب التي أثرت عليها كانت كالتالي: 1. أنا إنسان مقل في الكلام مع زوجتي وإشباع العاطفة لها من حيث المديح لها وغيره.
2. في الآونة الأخيرة انشغلتُ بتوفير المسكن للعائلة وانشغلت بهذا الأمر عنهم.
3. سمحت لها بزيارات قريبتها باستمرار ولم أعرف أن هذا البيت به بنات فاسدات أثروا عليها وهم من سحبها إلى هذا المستنقع.
4. أنني عملت بعض الذنوب من الكبائر قبل الزواج وبعده، أعتقد بان الله قد أدبني بهذا الذنب (الذنوب التي عملتها كالزنا وذنوب أشد منه وأشد منه) .
5. زوجتي في الآونة الأخيرة لم تكن طبيعية في معظم الأوقات وتأتيها حالات نفسية لم تكن تأتيها من قبل، أما الآن فأشهد الله أنني قد تبت من هذه الذنوب، أما زوجتي فهي نادمة باكية، ولا تصدق أن هذا الأمر قد حصل علماً بأن لدي منها أولاداً. السؤال: ماذا أفعل الآن:
1. هل أطلقها مع تأكدي من توبتها؟ وهل لها توبة؟ .
2. إبقاءها مع أطفالها (سر عذابي) وهجرها واستبدلها بزوجة أخرى.
3. أغفر لها هذا الذنب والدعاء بشفاء صدري مما فيه من الهم والحزن؟ .
4. وهل إذا فعلت ذلك أكون ممن وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بالديوث؟. البيت ينهار، وكل ذلك من فعل الذنوب، ولكن أشهد الله بأنني تبت، وهي كذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هنيئاً لكم توبتكما من الذنوب والمعاصي التي اقترفتماها، وهذا من فضل الله عليكما، وقد دعا الله تعالى عبادَه المؤمنين جميعاً إلى التوبة فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور/31) .
واعلما أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح) رواه البخاري (5950) ومسلم (2747) .
واعلما أن الله تعالى قد وعد بتبديل السيئات حسنات، قال تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/70.
ولكن هذا مشروط بأن تكون التوبة صحيحة، وشروطها:
1. الإقلاع عن الذنب.
2. الندم على فعله.
3. العزم على عدم العود إليه.
ثانياً:
لا شك أن ما وقع من زوجتك أمرٌ منكر، لكن والحال أنها تابت منه فنرجو أن توبتها ستسهم في رجوعها إلى حالها الأول وأحسن منه.
ولا نستطيع الجزم بأن مصلحتك في البقاء معها، لكننا نقول لك:
إن كنتَ ترى أن توبتها توبة صادقة، وأنها ندمت أشد الندم على ما بدر منها، وأن حالها تغيَّر للأحسن، وأن معصيتها لن تؤثر عليكَ سلباً من حيث الشك والبغض: فالذي نراه لك أن تمسكها، حفاظاً على توبتها، وعلى أبنائك من الضياع والشتات.
ونرجو أن يكون حالها كذلك، وأن تمسكها بمعروف، وأن لا يؤثر عليك ما بدر منها، وخاصة بعدما ذكرتَ أنه وقع منك معاصٍ وفواحش قبل أن يمن الله عليك بالتوبة.
ولا شك أن تقصيركَ في حقها له دور كبير في نفور زوجتك، ووقوعها في المعصية، وهو إن كان غير مسوِّغ لها، لكن يجب عليك الانتباه لنفسك، ويجب أن تؤدي الحق الذي أوجبه الله عليك تجاه زوجتك وأبنائك.
ومن حقها عليك أن تعينها على التوبة الصادقة، وأن تدلها على الخير، وتحذرها من الشر، ولا يجوز لك السماح لها بزيارة من يساهم في إفسادها وإضلالها، ولو كانوا أقرب الناس منك، فأنت راعٍ ورب البيت، وسيسألك الله تعالى عن رعيتك فرَّطتَ فيها أم أديت الحق الذي أوجبه الله عليك.
فالذي نراه: أن تستر عليها معصيتها، وأن تشكر لها توبتها، وأن تبقى معها، وليس من الدياثة إبقاؤها وإمساكها بعد توبتها، وإنما الدياثة إمساكها في حال عدم توبتها وإصرارها على ما تفعل من العلاقات المحرمة، وهو ما نرجو أن تكون قد تابت منه توبة نصوحا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/320)
يريد أسماء كتب متخصصة في حل مشكلات المجتمع
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد التخصص في حل مشاكل المجتمع - من الكتاب والسنة طبعاً - فما هي الكتب التي يجب دراستها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مشكلات المجتمع كثيرة، فمنها ما يتعلق بالأزواج، وبالزوجات، وبالشباب، وبالبنات، وبالمرأة، وبالأسرة عموماً.
وقد أحسن الأخ السائل في سؤاله عن الكتب المتخصصة في حل هذه المشكلات وفق الكتاب والسنَّة؛ لأنه لا خير في حلٍّ لا يستند إلى وحي الله تعالى الذي خلق الناس ويعلم ما يصلح لهم فدلَّهم عليه، وحذَّرهم مما يضرهم.
ومن هذه الكتب التي تعتني بحل المشكلات – على تنوعها -:
1. " أثر تطبيق الشريعة الإسلامية في حل المشكلات الاجتماعية "، إبراهيم بن مبارك الجوير.
2. " أسرة بلا مشاكل "، مازن عبد الكريم الفريح.
3. " أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي "، عبد الله قادري الأهدل.
4. " واجبات المرأة المسلمة في ضوء الكتاب والسنة "، الشيخ خالد العك.
5. " من أخطاء الزوجات "، الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد.
6. " تربية الأبناء والبنات في ضوء الكتاب والسنة "، الشيخ خالد العك.
7. " التقصير في تربية الأولاد، المظاهر، سبل الوقاية، العلاج "، الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد.
8. " علاج الهموم "، الشيخ محمد صالح المنجد.
9. " مشكلات وحلول "، الشيخ محمد صالح المنجد.
10. " أربعون نصيحة لإصلاح البيوت "، الشيخ محمد صالح المنجد.
11. " خمسون حالة نفسية " الدكتور محمد الصغير.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/321)
أمه تسيء إليه بعد زواجه
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنة تزوجت من جارتي ويعلم الله أن البنت التي تزوجتها قمة في الأخلاق والأدب والاحترام ولقد سكنت مع أهلي في نفس الشقة وعدد أفراد أسرتي 5 شباب وبنت عمرها 17 سنة، ومنذ أن تزوجت وحال أمي تغير تغيراً كاملاً، إذ بها تنهال علي بالشتائم، وتكيل لي السب أمام زوجتي، وأمام إخوتي، علماً بأنني الأكبر في إخوتي، وتهينني لأتفه الأمور، إذا حاولت أن أتحدث مع إخوتي تأتي وتقلب علي أي شيء أمامي، وتسبني وتطردني من البيت عدة مرات، لا أدري لماذا هذا التغير الذي حصل من أمي العزيزة! رغم أنني لا أبخل عليهم بأي شيء، ولست من النوعية التي تفضل زوجته على أهله، ولكن أمي تتعامل معي بحساسية زائدة. أرجو أن توضحوا لي الأمور لأنني غير قادر على السكن بالإيجار، لأن المرتب بالكاد يكفيني. أرجو أن تفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يوفقك لبر والدتك والإحسان إليها، وأن يصلح حالها، ويؤلف بينكما على طاعته ومرضاته.
وما تعاني منه قد يكون مرده إلى شعور والدتك بالغيرة، أو بفقدانك بعد الزواج، واستيلاء غيرها عليك، وهذا الشعور يلحق بعض الأمهات بعد زواج أبنائها، وهو شعور خاطئ، ينبغي أن تسعى هي للتخلص منه.
وينبغي أن تعينها لتعود إلى سابق حالها، وذلك بأمور:
1- أن تجتهد في الإحسان إليها، وإكرامها، والاهتمام بها، وإشعارها بأنك لا تزال كما كنت حفيا بها، حريصا على تلبية رغباتها.
2- تجنب الثناء على زوجتك أو الاهتمام بها أمام والدتك، مع إعطاء الزوجة حقها من الإحسان والإكرام، لكن بعيدا عن نظر الأم، إلى أن تتحسن حالتها، وتدرك الأمور على طبيعتها.
3- ترغيب الزوجة في التقرب من الأم، بالكلام والاهتمام والإهداء ونحو ذلك.
4- الصبر على ما يصدر منها من سب وشتم وطرد، فإنك مأمور ببرها، ولا يجوز لك أن تقابل إساءتها بمثلها، فإن صبرت على ذلك، فأبشر بالفرج، فإن العاقبة للصابرين، وإن النصر مع الصبر، وإن مع العسر يسرا، وقد قال الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/34. فكلما أساءت إليك بادر أنت بالتلطف والإكرام والإحسان، فإن ذلك كفيل بأن يذهب ما في نفسها إن شاء الله.
5- الدعاء لها بالتوفيق والهداية والاستقامة وصلاح البال والحال، فإنها أحق الناس بدعائك وإحسانك، وإنك مهما قدمت لن تجزيها على معروفها وسابق إحسانها.
6- احرص أن تكون قدوة صالحة لإخوانك، فيأخذوا عنك الطريقة الحسنة في معالجة هذه المشكلة، التي قد تحدث لهم بعد زواجهم، فلتكن مثالا للصبر والإحسان والبر، واحذر أن يستدرجك الشيطان للتأفف أو التضجر أو الإنكار عليها أو توبيخها فإنك لن تجني من وراء ذلك خيرا، قال الله تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/23.
7- ينبغي أن تناقش المشكلة مع أحد إخوانك، فربما خفيت عليك بعض الجوانب، أو بدر منك ما أغضب والدتك دون أن تشعر، فمعرفة السبب تسهل عليك طريق المعالجة.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/322)
هل تقاطع أهلها وهم يحاولون إضلالها ومحاربتها لاستقامتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة - والحمد لله - أعيش وزوجي ملتزمين بشرع الله، وأهلي غير ملتزمين بل ويحادوننا ويحاربون فينا التزامنا (بما في ذلك نقابي وهدينا الظاهر) ، وتعدى الأمر إلى تدخلهم في تفاصيل حياتي، يريدون بذلك أن أتبعهم في كل شيء، وبمجرد رفضي لتوجيهاتهم التي تخالف أوامر الله يزداد عداؤهم ومقاطعتهم لي في كثير من الأحيان خاصة أمي. الحاصل أني لا أرى فيهم إلا معولا يهدم في ديني والتزامي بل وحياتي الزوجية مؤثرين بذلك على زوجي مما أوصلنا في بعض الأحيان إلى حافة الطلاق، لكن الله سلَّم، وأنا الآن بعيدة عنهم لا أزورهم ولا أصل رحمهم - فراراً ونجاة بديني وحفاظا على أسرتي - وأمي تدعي بذلك أني قطعت رحمهم، فهل عليَّ من إثم في ذلك؟ علما بأن وجودي معهم يضطرني إلى سماع ما لا يرضي الله والذي يصل في بعض الأحيان لسب الله والدين والصحابة وكل مظاهر التدين والالتزام، مع العلم: أني حاولت مراراً أن أصلح من شأنهم لكن دون جدوى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنا لله وإنا إليه راجعون، والله إنه مما يملأ القلب حسرة وأسى أن يكون في أسر المسلمين مثل هذه المعاناة الشديدة من أجل أن يحافظ المرء على دينه واستقامته، فقد سمعنا كثيراً عن رجال ونساء مسلمين عانوا من أهاليهم النصارى أو الوثنيين، أما أن تعاني المسلمة من أهلها الذين يزعمون أنهم مسلمون وتفر بدينها من بين أسرة تدعي الإسلام وتنتسب إليه فهذا والله مؤسف أشد الأسف.
أختنا:
نسأل الله لك ولزوجك الثبات على الدين والهداية والتوفيق، وأن يقويكما على الحق وأن يرزقكما الصلاح، وأن يرزقكما الذرية الصالحة.
قد روى مسلم في صحيحه (145) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء) ، فإذا استغربك الناس من أجل دينك والتزامك فطوبى لك، وإذا رأى المسلم أنه غريب بإسلامه حتى بين أهله فهذه بشرى له يزفها إليه الرسول صلى الله عليه وسلم (طوبى للغرباء) .
ومما لا شك فيه: أن سب الرب والدين الواقع من أمك ومن غيرها من أهلك كفر أكبر مخرج من الملة، يوجب الخلود في جهنم إن مات صاحبه عليه ولم يرجع إلى الإسلام.
لذا فإنه يجب عليك تجاه من وقع منه هذا من أهلك: دعوتهم بالحسنى إلى الكف عن هذا الكفر، ووجوب الرجوع إلى الإسلام، ويجب أن يعلموا حالهم وحكمهم في الشرع من كونهم مرتدين، وقد حبطت أعمالهم.
واعلمي أن وقوع والدتك في الكفر لا يعني أنه تتوقف علاقتك بها، بل يجب أن يزداد حرصك عليها خشية أن تموت على هذه الحال.
ويجب عليكِ برُّها والإحسان إليها ليس فقط وهي كافرة بل لو دعتك إلى الكفر وجاهدت نفسها في سبيل ذلك، كما قال ربنا تبارك وتعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) العنكبوت / 8، وقال: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان / 15.
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: (نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ) رواه البخاري (2620) ومسلم (1003) .
ومعنى راغبة: أي: تطلب بر ابنتها لها.
لكن هذا البر والإحسان لا يلزم منه مخالطتهم في مسكنهم ومشاركتهم في حياتهم حيث تكون المعاصي والموبقات وسب الله ورسوله ودينه، إلا أن يكون في حضوركم توقف عن هذا الكفر وتلك المعاصي، أما مع استمرارها واحتمال تأثركم بما تسمعون: فيحرم عليكم البقاء في تلك المجلس عندهم، فإن تكرر ذلك منهم في كل زيارة فلا حرج عليك في عدم زيارتهم، وليس في هذا عقوق، بل هو واجب شرعي، قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) النساء/140.
ولا تلتفتي لتخذيل أهلك لك ولزوجك بسبب التزامكما بأحكام الشرع في اللباس وغيره؛ لأن هذا من كيد الشيطان.
قال علماء اللجنة الدائمة – حول مسألة قريبة من هذه -:
"طاعة الوالدين واجبة في المعروف، وأما إذا أمرا بمعصية فلا طاعة لهما؛ لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) ، فالتزمي بالحجاب وحاولي إقناعهما وتبيين الحكم لهما، ولا تلقي بالاً لتهديداتهما، واستعيني بالله سبحانه على ذلك، ثم بالطيبين من أقاربك ينصحوهم، لعل الله أن ينفعهما بذلك " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (1 / 541) .
والغريب أن والدتك يقع منها الكفر والفسوق والعصيان، ثم نراها مهتمة بالعقوق، واتهامك به، وهذا تناقض يدل على جهل بالشرع واستهانة بأحكامه.
وبالجملة: فإنه يجب على المسلمة أن تحسن إلى أهلها ووالديها، وأن تبذل وسعها في نصيحتهم بالمعروف والحكمة والموعظة الحسنة، وأن تعتبر فترة انقطاعها عنهم - فراراً بدينها - فترة علاج مؤقتة، فإن أحست من أهلها شيئاً من التغيير نحو الخير فلتبادر إلى وصلهم، ولتأخذ بأيديهم إلى الخير.
ولا تنسي الدعاء لأمك وأهلك أن يهديهم الله، ويرجعوا إلى دينهم الحق قبل فوات الأوان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/323)
تريد النصيحة للمسلمات اللاتي يعشن في الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مسلمة أعيش في دولة أجنبية مع زوجي لطلب العيش، أرجو أن تذكروا الالتزامات والقواعد والواجبات التي يجب على المرأة المسلمة الالتزام بها وتحافظ عليها؛ وذلك لكثرة عدد المسلمات في الدول الأجنبية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. أول ما يجب عليكم هو ترك تلك الديار الكافرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بَرِئ ممن أقام بين أظهر المشركين، ولذلك فإنه يحرم عليكم البقاء في بلاد الكفر، وخاصة أنكم فيها من أجل العمل، وليس هذا من الأعذار الشرعية التي تجيز لكم البقاء فيها.
انظر السؤال (13363) و (27211) عن تحريم الإقامة في بلاد الكفر، وشروط جواز ذلك في بعض الحالات.
2. وعليكم أن تختاروا من البلاد الإسلامية الأقرب إلى الستر والعفاف والاستقامة على الدين، ومن المعلوم أن البلاد الإسلامية تتفاوت فيما بينها في هذه الأمور، وليست كل البلاد يمكنكم الإقامة فيها – للأسف – بل يتبع هذا لجنسيتكم وقوانين البلد.
3. فإن لم يحصل منكم مغادرة لتلك البلاد: فعليكن بتقوى الله تعالى، والاستقامة على أمره عز وجل في كل شئونكن، وأول ذلك: الحرص على أسركن من التفكك والضياع في تلك البلاد التي تساهم في هذا، فيجب عليكن الاهتمام بأولادكن ذكوراً وإناثاً وتربيتهم تربية إسلامية وربطهم بالتاريخ الإسلامي وتعليمهم الأحكام الشرعية، وتقوية اللغة العربية عندهم.
4. يجب أن يكون مكان سكن الأسر المسلمة بعيداً عن أماكن الفجور والانحلال، ولا بدَّ من اجتماع الأسر المسلمة المحافظة في مكان واحد من أجل أن يقوِّي أحدهم الآخر، ويعين بعضهم بعضاً على طاعة الله تعالى، ويساهمون بالتالي في حسن تربية أنفسهم وأبنائهم.
5. يحرم عليكن ترك الحبل على غاربه في علاقات أولادكم بأولاد الكفار، ولا يجوز لكم تمكينهم من مشاهدة البرامج والأفلام الهابطة التي تدمر الأخلاق، كما يجب الاهتمام بقراءاتهم ومراقبتها حتى لا تضل أفكارهم أو يفقدوا دينهم.
6. ينبغي أن يكون لكم في أسرتكم أوقات محددة ولو كانت قصيرة تلتقي فيها الأسرة جميعها لمتابعة بعضهم بعضا، وللوقوف على مشاكل كل واحد من الأسرة قبل تفاقمها وصعوبة أو استحالة حلها.
7. كما يجب عليكن حسن اختيار الصحبة للأسر التي تختلطون بها؛ خشية أن يكون لبعضهم تأثير سلبي على أفراد أسرتكم فتضيع جهودكم في التربية والتوجيه.
8. عليكن تبغيض هذه الحضارة وأخلاقها في نفوس أولادكم، وإعلامهم بمخالفتها للشرائع والفطَر السليمة، وضرب الأمثلة على ذلك، وربطهم بالحضارة الإسلامية وأخلاقها، وتنبيههم على أن بقاءكم في تلك الديار لن يطول.
9. وعليكن بكثرة زيارة البلد الله الحرام مكة المكرمة، فاحرصوا على الحج كل عام، وعلى العمرة أكثر من مرَّة في العام الواحد إن تيسر تقويةً لإيمانكم وتعليقاً لقلوب أولادكم بالإسلام والمسلمين، وللأسف نرى تقصيراً واضحاً من الجاليات المسلمة في بلاد الكفر في هذا الجانب.
10. تكوين مكتبة إسلامية من كتب وأشرطة وأقراص إسلامية لربط أفراد الأسرة بدينهم، وتسهيل الرجوع إلى معرفة الأحكام الشرعية، وإغلاق طرق التضليل التي تساهم في تجهيلهم وإفسادهم، وحبذا أن يكون لقناة " المجد " حضور في بيوتكم لما تقدمه من علم نافع، ولحرصهم أن لا يكون فيها نساء ولا موسيقى، وكذا ربطهم بالمواقع المفيدة في الإنترنت.
والحقيقة أن النصائح كثيرة، وكثرتها إنما هو بسبب كثرة ما في تلك الديار الكافرة من ضلال وانحلال وتفسخ وتهتك، وتحتاج كل جوانب الحياة لنصح وتوجيه وإرشاد، ولكن ما قلناه أولاً يوفر كثيراً من النصائح وهو الخروج من تلك الديار إلى بلاد الإسلام، ومن بقي في تلك الديار فليعلم أن الله تعالى سائله عن رعيته يوم القيامة، فليعد للسؤال جواباً، ونسأل الله تعالى أن يسهل لكم الخروج من تلك الديار، وأن يثبتكم على الإسلام والهداية والتوفيق والرشاد، وأن يصلح لكم ذريتكم، ويجعلهم دعاة للإسلام.
ونرجو الرجوع إلى السؤال رقم (4237) : ففيه زيادة بيان حول المحافظة على الأبناء وأفكارهم في الغرب.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/324)
عدوان على طفلة، تتأثر به حياتها ثلاثين عاما!!
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرضت صديقتي وهي طفلة صغيرة لاعتداء من أحد أصدقاء أبيها كان يأتي لينتظره، وكان يجبرها على معاشرته وهي طفلة عمرها 5 سنوات، كانت تظن ذلك شيئاً جديداً لا أستطيع الوصف بالضبط ولكنه لا بد أنه شخص شاذ، خلق عندها إحساس باللذة الجنسية أدى ذلك أنها كانت تفعل ذلك أثناء عمرها كله وهي لا تعرف شيئاً، فهل ذلك ما يسمَّى العادة السرية؟ وكانت تأتيها هذه الحاجة أثناء الصيام، وكانت تفعله، فهي وقتها تكون مقيدة تريد أن تفعل ما تعودت عليه طول العمر، فهل صيام تلك الأيام لا تجوز؟ وهل الكفارة أن تصوم فقط حيث إنها لم تكن تعرف شيئاً اسمه العادة السرية؟ ادع لها بالشفاء. السؤال: 1. كيف تكفر عن هذا الذنب في الصيام؟ . 2. كيف تشفى من هذا الشيء؟ . إنها تقرأ القرآن قبل النوم وترى نفسها بحاجة لفعل ذلك مع العلم أن سنها 34 ولم تتزوج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما فعله هذا الخائن الغادر بالفتاة أمرٌ منكر، وهو من كبائر الذنوب، وهذا من نتائج تساهل الأسر وتفريطها في الأمور الشرعية، من حيث سماحهم للأجنبي بدخول المنزل في حال غياب رب البيت، ومن حيث تساهلهم في الخلوة المحرمة بين الرجال والنساء، ومن حيث ظهور البنات أو النساء بزينتهن أمام الرجال الأجانب، وهو بالضبط ما حدث مع صديقتكِ وذلك الخسيس الذي مُكِّن من دخول البيت بغياب والد الفتاة، وظهور الفتاة عليه وحدها، وهو ما مكَّنه من فعل تلك الأعمال الخسيسة بها.
وهذا وغيره كثير من نتائج التساهل والتفريط في المنهيات الشرعية، ولم ينه الشرع عن أمرٍ إلا لحكَم بالغة، وبالتأمل فيها تجد أنها لحفظ الأعراض والأموال والأنساب والدين والعقل، وهي الضرورات الخمس التي جاءت الشرائع كلها لحفظها.
ثانياً:
العادة السرية هي استثارة الإنسان نفسه بنظرٍ أو احتكاك حتى ينزل المني، وهي من الأفعال المحرَّمة، وقد أوضحنا ذلك في جوابنا على السؤال (329) فليراجع.
فأبلغي صديقتكِ أنه يجب عليها التوبة من هذا الفعل بالإقلاع عنه، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه.
وعلاج هذه العادة السيئة المحرَّمة يكون بوقوفها على آثارها المدمرة، ويكون بالأخذ بالوصايا والنصائح الشرعية.
فانصحيها بغض البصر عن النظر إلى الرجال، فالنظرة المحرَّمة سهم من سهام الشيطان وأن تبتعد عن المبيت أو العيش وحدها، وأن تكثر من الصيام؛ ففيه تهذيب للنفس وغض للبصر وحفظ للفرج، والإكثار من الذكر والاستغفار والتسبيح، والدعاء بصدق أن يُبعدها الله عن المحرمات وطرقها، ولا بدَّ لها من صحبة صالحة تعينها على طاعة الله تعالى، وتدلها على الخير وتنهاها عن المنكر والشر، كذلك يجب أن تسعى لحفظ فرجها بالزواج، فهو خير ما يعف الرجل والمرأة عن الوقوع في الحرام ومنه العادة السرية؛ وهنا يأتي دور مضاعف للرفقة الصالحة، التي تحاول أن تشغلها بالطاعة عن المعصية، وبالتوبة عن الاستمرار فيما هي فيه، ثم، مع ذلك كله، أن تسعى لإحصان فرجها بالبحث عن الزوج المناسب، وتشجيعها على الاقتران به.
ويمكن الاطلاع على أجوبة المسائل: (20229) ففيه بيان الوسائل التي تعين على غض البصر، وفي جواب السؤال رقم (20161) فيه بيان حل مشكلة الشهوة وتصريفها.
ثالثاً:
ولمعرفة ما يتعلق بممارسة هذه العادة من أحكام في نهار رمضان للعالِم بحكمِها: ينظر جواب الأسئلة: (38074) و (37887) و (2571) .
أما ما يتعلق بها من أحكام لمن فعلها جاهلا حكمَها: فهي مبينة في جواب السؤال (50017) وفيه تفصيل لا تحتاجين معه لغيره.
ونسأل الله تعالى أن يهدي قلبها، ويطهر جوارحها، وأن يجبر كسرها، وأن يعينها على طاعته وحسن عبادته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/325)
مشكلة الحماس أول التوبة ثم الفتور بعدها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يتوب الإنسان يبدأ بداية قوية ويقول: إن الشيطان يأمرني بالتخفيف، ويزيد من الطاعات، ثم تبرد الهمة فيقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ، وتخف الطاعات حتى يعود كما كان.
وسؤالي: ما هي النصيحة؟ هل يبدأ بداية قوية أم بالتدريج حتى يثبت عليه ويزيد عليه بعد مدة أو يأخذ بالمقولة " إذا هبت رياحك فاغتنمها "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن نعمة الهداية والتوبة من أعظم نعَم الله تعالى على المسلم، وتغيير حاله للأحسن مما يقرِّبه إلى الله تعالى أكثر، وفي العادة يُقبل التائب على الطاعة إقبالاً عظيماً يحاول فيها تعويض ما فاته من العمر الذي قضاه في المعصية والضلال.
وهذا الأمر طبيعي بالنسبة لكل صادق في توبته، وقد ذكَره نبينا صلى الله عليه وسلم، وبيَّن ما يحصل بعده من برود وفتور في الهمة، وهذا أمر طبيعي أيضاً، لكن الخطر على صاحب هذه التوبة أن يكون فتوره وبروده في تناقص مستمر إلى أن يرجع إلى حاله الأول، ولذا كان من الواجب الانتباه إلى هذا الأمر، وعلى التائب الطائع إذا فترت همته أن يقف عند الاعتدال والتوسط، والتزام السنة؛ ليحافظ على رأس ماله، ويحسن الانطلاق مرة أخرى إلى الطاعة بقوة ونشاط؛ لأن الانطلاق من التوسط خير من الانطلاق من الصفر.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ) . رواه ابن حبان في "صحيحه" (1/187) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (56) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ، وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فَلا تَعُدُّوهُ) رواه الترمذي (2453) وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (57) .
قال المباركفوري رحمه الله:
" قوله (إن لكل شيء شِرَّةً) أي: حرصا على الشيء ونشاطا ورغبة في الخير أو الشر.
(ولكل شِرَّةٍ فَتْرَةً) أي: وهْناً وضعفاً وسكوناً.
(فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ) أي: جعل صاحب الشرة عملَه متوسطاً، وتجنب طرفي إفراط الشرة وتفريط الفترة.
(فَارْجُوهُ) أي: ارجو الفلاح منه؛ فإنه يمكنه الدوام على الوسط , وأحب الأعمال إلى الله أدومها.
(وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ) أي: اجتهد وبالغ في العمل ليصير مشهوراً بالعبادة والزهد وسار مشهوراً مشارا إليه.
(فَلا تَعُدُّوهُ) أي: لا تعتدوا به ولا تحسبوه من الصالحين لكونه مرائيا , ولم يقل فلا ترجوه إشارة إلى أنه قد سقط ولم يمكنه تدارك ما فرط " انتهى.
" تحفة الأحوذي " (7 / 126) .
ولكي يتجنب المسلم الإفراط والتفريط فعليه بالقصد، وهو التوسط، فلا يبالغ في فعل العبادة والطاعة؛ لئلا يملَّ فيترك، ولا يتركها كسلاً وتهاوناً لئلا يستمرئ الترك فلا يرجع، وكلا الأمرين ذميم، ومن توسط في الأمر سلك، ومن سلك وصل إلى ما يحبه الله ويرضاه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ. قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلا أَنَا، إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا، وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنْ الدُّلْجَةِ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا) . رواه البخاري (6098) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قوله: (سددوا) معناه: اقصدوا السداد أي: الصواب.
قوله " وقاربوا " أي: لا تُفْرِطُوا (أي تشددوا) فتُجهدوا أنفسكم في العبادة، لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل فَتُفَرِّطُوا (أي تقصروا) .
قوله " واغدوا وروحوا وشيئا من الدلجة ": والمراد بالغدو السير من أول النهار , وبالرواح السير من أول النصف الثاني من النهار , والدلجة: سير الليل، يقال: سار دلجة من الليل أي ساعة، فلذلك قال: (شيء من الدلجة) لعسر سير جميع الليل.
وفيه إشارة إلى الحث على الرفق في العبادة , وعبر بما يدل على السير لأن العابد كالسائر إلى محل إقامته وهو الجنة.
قوله " والقصدَ القصدَ " أي: الزموا الطريق الوسط المعتدل , واللفظ الثاني للتأكيد " انتهى باختصار.
"فتح الباري" (11/297،) .
والخلاصة: ندعوك للتفكر في الأحاديث السابقة، والتأمل في معناها، واعلم أن التوبة بحاجة إلى شكر، وأعظم الشكر أن تداوم على بقائها، ولا يكون ذلك إلا بالمداومة على العمل والطاعة، واعلم أن (أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) رواه البخاري ومسلم، فلا تبدأ بقوة ولا تفتر بالمرَّة، بل اقتصد في الطاعة، وهذا في مقدورك، وكلما رأيت من نفسك نشاطا فاجعله في طاعة الله، وكلما رأيتَ فتوراً ومللاً فارجع إلى التوسط، ونسأل الله أن ييسر أمرك، ويهديك لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/326)
حكم الانتحار والصلاة على المنتحر والدعاء له
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي ابنة خالة توفيت ومعظم الاحتمالات تبين أنها انتحرت، فما حكم من ينتحر؟ وما حالته عند ربه؟ وماذا يفعل والداها ليخففا عنها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الانتحار من كبائر الذنوب، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه البخاري (5442) ومسلم (109) .
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) رواه البخاري (5700) ومسلم (110) .
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) رواه البخاري (3276) ومسلم (113)
وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر، عقوبةً له، وزجراً لغيره أن يفعل فعله، وأذن للناس أن يصلوا عليه، فيسن لأهل العلم والفضل ترك الصلاة على المنتحر تأسيّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص فلم يصل عليه) رواه مسلم (978) .
قال النووي:
" المَشاقص: سهام عراض.
وفي هذا الحديث دليل لمن يقول: لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه , وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي , وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: يصلى عليه , وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله , وصلت عليه الصحابة " انتهى.
" شرح مسلم " (7 / 47) .
ولا يعني هذا – إن ثبت انتحارها – أن تتركوا الدعاء لها بالرحمة والمغفرة، بل هو متحتم عليكم لحاجتها له، والانتحار ليس كفراً مخرجاً من الملة كما يظن بعض الناس، بل هو من كبائر الذنوب التي تكون في مشيئة الله يوم القيامة إن شاء غفرها وإن شاء عذَّب بها، فلا تتهاونوا بالدعاء لها، وأخلصوا فيه، فلعله يكون سببا لمغفرة الله لها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/327)
أسلمت حديثا ولا تستطيع السيطرة على شعورها وقت الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كندية في 19 من العمر وقد دخلت في الإسلام. لقد وضعت طفلي الثاني قبل شهرين، ولله الحمد. عندما أكون في الدورة يكون الوضع صعبا وشديدا علي كثيرا. لقد واجهت العديد من المشاكل خلال هذا الوقت (وأحمد الله على السراء والضراء) . وفي خلال هذه المدة اكتسبت عادة السب والشتم لأنفس عن تضايقي من أعمالي الكثيرة جدا. أنا أفهم الحديث الخاص بأن النساء سيعاقبن لإساءة استخدامهن لألسنتهن. وأنا الآن في مرحلة أحاول فيها المحافظة على حلمي وأحاول أن أمسك لساني عن الكلام غير المناسب لكني أجد أن الغضب يسيطر علي. وأحتاج أن أعرف أولا إن كان هناك أي طريقة (دعوات) يمكن أن أقولها للتحكم في مشاكل الغضب والسباب والشعور بتراكم الأعمال؟ وأيضا هل يجوز لزوجي أن يؤذيني جسديا أو يطلقني في الوقت الذي أبذل فيه قصارى جهدي حسب علمي للسيطرة على نفسي بدون مساعدة من زوجي أو صديقاتي أو عائلتي؟ لقد توسلت إلى زوجي بشكل متكرر ليساعدني ويزيد من إيماني ويعلمني المزيد من أمور الإسلام ويقرئني القرآن حيث إني لا أملك أشرطة ولا أعرف كيف أقرأ القرآن. أنا أشعر أن زوجي هو الأفضل. لكني أتساءل إن كان يجوز له أن يطلقني أو يؤذيني جسديا بأية طريقة تحت الظروف التي ذكرت، وحيث إني أحاول جهدي الالتزام (بشرع) الله قدر استطاعتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك إلى الإسلام، ونسأله سبحانه أن يزيدك هده وإيماناً وتثبيتاً.
ثانياً:
الحيض أمر كتبه الله تعالى وقدره على النساء، ومعلوم أن المرأة الحائض قد تشعر بشيء من الضيق والضجر أثناء حيضها، لكن عليها أن تتقي الله تعالى وأن تتحلى بالصبر، وأن تمسك لسانها عما حرم الله من السب والشتم وغيره، وتجاهد نفسها في ذلك، وستجد تحسنا وتغيرا إن شاء الله تعالى.
ثالثاً:
ينبغي للزوج أن يراعي شعور زوجته وأن يقدر معاناتها إن كانت تعاني من شيء ما، وهذا يدعوه لأن يتجاوز عن أخطائها، ويسعى للترويح والتفريج عنها، ويصبر على ذلك، ولا يستعجل في عقابها أو فراقها، فإن الحياة الزوجية ما بنيت للتفريق والتمزيق، بل بنيت للاستمرار والدوام، ولا تخلو هذه الحياة من منغصات، ونجاح الزوجين بقدر تغلبهما على المنغصات، وتحقيق السعادة والألفة بينهما.
رابعاً:
ليس للزوج أن يؤذي زوجته جسديا، ولا يباح له ضربها إلا عند فشل ما قبله من وسائل الإصلاح، من الموعظة، والهجر، وفي حال جواز الضرب، فإنه لا يكون بقصد الإيذاء، بل بقصد الزجر والتأديب، ولذلك اشترط أن يكون ضربا غير مبرّح، " يعني غير مؤلم ولا موجع، ولكن لا يلجأ إلى الضرب إلا في الحالات القصوى " انتهى من "فتاوى عشرة النساء" (ص 151) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
خامساً:
ينبغي للزوج أن يكون عونا لأهله على طاعة الله، وأن ييسر لهم أسباب العلم النافع، كإحضار الكتب والأشرطة، واصطحابهم إلى المراكز الإسلامية، ليتعلموا قراءة القرآن، وأمور الإسلام. وإذا قصر زوجك في هذا فبإمكانك أن تحصلي على كثير من هذه الأشرطة عن طريق الإنترنت، أو بالاتصال على بعض المراكز الإسلامية القريبة منك.
سادساً:
علاج الغضب والسب والشعور بتراكم الأعمال، يكون بأمور:
الأول: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند الشعور بالغضب، لما روى البخاري (3282) ومسلم (2610) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ) .
الثاني: تغيير الهيئة عند الشعور بالغضب؛ لما روى أبو داود (4782) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا: (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلا فَلْيَضْطَجِعْ) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
الثالث: أن تستشعري ثواب الصبر والحلم وكظم الغيظ، وأن ذلك من صفات المتقين الموعودين بالجنة، كما قال سبحانه: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران/133، 134.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا) رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2623) .
الرابع: أن تعلمي أن الغضب والسخط والسب لا يفيدك شيئا، ولا يخفف عنك عبئا، بل تكسبين به وزرا، وتزدادين به ضيقاً وهماًّ، والوفيق وتيسير الأمور إنما يكون بالقرب من الله تعالى، والحرص والاجتهاد في طاعته.
الخامس: أن تنظمي وقتك، وتبادري بإنجاز أعمالك، حتى لا تتراكم عليك فتشعري بثقلها.
السادس: أن تأخذي بالعلاج النافع الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها، حين اشتكت كثرة العمل وثقله، واحتاجت إلى خادمة، وذلك فيما رواه البخاري (6318) ومسلم (2728) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ خَادِمًا وَشَكَتْ الْعَمَلَ فَقَالَ لها: (أَلا أَدُلُّكِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ خَادِمٍ؟ تُسَبِّحِينَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتَحْمَدِينَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ حِينَ تَأْخُذِينَ مَضْجَعَكِ) . واستنبط بعض أهل العلم من هذا الحديث: " أَنَّ الَّذِي يُلازِم ذِكْر اللَّه يُعْطَى قُوَّة أَعْظَم مِنْ الْقُوَّة الَّتِي يَعْمَلهَا لَهُ الْخَادِم، أَوْ تَسْهُل الأُمُور عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَكُون تَعَاطِيه أُمُوره أَسْهَلَ مِنْ تَعَاطِي الْخَادِم لَهَا " انتهى من فتح الباري.
نسأل الله لك التوفيق والسداد والنجاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/328)
هل تُخبر زوجها بعلاقاتها السابقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة تقدَّم إليَّ شخص فيه كل المواصفات التي تتمناها الفتاة المسلمة في شريك حياتها ولله الحمد، وقد قبلت به وتمَّ عقد القران منذ فترة بسيطة، ولم أرَ من الشاب إلا كل خير ولكن المشكلة هي أن صديقتي قبل أن يتقدم لي الشاب سألها عني، فأخبرتْه بأنني كنت على علاقة منذ فترة طويلة بشاب ولكن العلاقة انتهت وتبت إلى الله، وأنا لم أعرف بأنها أخبرته عن ذلك إلا من فترة بسيطة، وأنا أشهد بأني تبت إلى الله وعدت إلى رشدي ولم أعد أحادثه، ولكني انصدمت عندما أبلغتني بذلك فعاتبتها، ولكنها قالت لي بأنه كان من الواجب عليها أن تخبره ففي الأمر علاقة مصيرية ويجب عليَّ أن أصارحه بذلك، وسؤالي هو: هل يجب عليَّ أن أصارحه إن سألني؟ أم أتكتم على الأمر؟ أنا خائفة من أن يدمر هذا الماضي حياتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أخطأتْ صديقتُك بإخبارها من تقدم لخطبتكِ بعلاقتك السابقة التي تبتِ منها، وليس هذا الفعل منها محموداً ولا موافقاً للشرع ولا للحكمة، والمسلم مأمورٌ بالستر على أخيه فيما يراه من معصية يفعلها سرّاً، فكيف بذنبٍ قد تاب منه صاحبه؟!
وليس ما فعلت من النصيحة التي أوجبها الشرع على من سئِل عمن يرغب بنكاحها أو نكاحه؛ لأن ذلك فيما يعلمه من أخلاق وصفات موجودة فيه – أو فيها – عند السؤال، ولا يجوز لأحدٍ أن يذكر ماضياً سيئاً قد تاب منه صاحبه.
والذي يفهم من كلامك أن صديقتك أخبرت زوجك بعلاقتك السابقة قبل أن يتقدم لك، وهذا يدل على أنه عذرك في ذلك لما علم أنك قد تبت واستقمت.
وقد أصاب في ذلك، فإنه ما من إنسان إلا وله بعض السقطات والهفوات، فإذا تاب منها فإنه لا يلام عليها، ولا يعاقب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والذي ينبغي لك ألا تفاتحي زوجك في هذا الموضوع، وإذا بدأك هو بالكلام فعليك أن تخبريه بأنها كانت علاقة عابرة، ونزغة من نزغات الشيطان، وأنك ندمت عليها، وقد وفقك الله تعالى إلى الهداية والتوبة منها.
ولا تخافي من هذا الماضي ما دمت قد تبت واستقمت، واسألي الله تعالى التوفيق والهداية وقبول التوبة، (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه الترمذي (2499) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ونسأل الله تعالى أن يبارك لكما وعليكما، وأن يجمع بينكما على خير.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/329)
أسلمت وأهلها لا يدرون ويريدون تزويجها لغير مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت من سنتين أو ثلاث، والحمد لله، فقد تأثرت بأحد الشباب في الجامعة حيث كنا ندرس سويّاً، ثم بدأ كل واحد منا يعجب بالآخر، ونحن نرغب الآن في الزواج، وبما أن عائلتي كافرة فهي تعارض تماماً هذه العلاقة، وكذلك الحال مع والدَي الشاب.
والداي لا يعلمان بأمر إسلامي، فأنا أمارسه في السر، وأفيدكم أني راغبة في الزواج من المذكور وأن أعيش حياة إسلامية بعد ذلك، أنا لا أريد أن أتزوج شخصاً كافراً، ووالداي يريدان مني أن أرجع لبلدي لأتزوج من شخص يدين بدينهما، فهل من الضروري أن يوافق والدانا - أنا وهو - على الزواج؟ وهل يمكننا الزواج بدون علمهم، أو تأجيل استئذانهم؟ أخشى أن يموت والداي إن هما سمعا أني أسلمت أيضاً، فهما يكرهان المسلمين، وأنا لا أعرف كيف أقنعهما، هل يجب علي إقناعهما بزواجي، أم يجوز أن أخالف رغبتهما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قبل الإجابة يسرنا أن نهنئك على الدخول في الإسلام، وهو الدين الخاتم للأديان، وقد رضيه الله تعالى للخليقة كلها، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم ليكون للعالَمين بشيراً ونذيراً، وقد سبقكِ كثير ممن هدى الله تعالى قلوبهم لهذا الدين العظيم، وقد حُرمه كثيرون بسبب عنادهم ومكابرتهم، فيجب عليكِ أن تديمي الشكر لربكِ تعالى أن أخرجك من ظلمات الكفر والجهل إلى نور التوحيد والعلم، ويجب عليكِ أن تتعلمي أحكام الدين لتزدادي طمأنينة بحسن اختيارك وليثبت الله به قلبكِ.
ثانياً:
ولا يمنعنا إسلامكِ الجديد من أن نخبركِ بأن هذا الدين جاء بأحكامٍ عظيمة، يحفظ بها للمسلم دينه وعقله وماله وعِرضه ونسبه، لذا ففيه ما هو حرام ممنوع من أجل المحافظة على ذلك، وفيه ما هو ما واجب لأجل الأمر نفسه، ومما يتعلق بسؤالكِ هنا أمران:
فمن باب الحفاظ على العِرض والنسب حرَّم الإسلامُ الاختلاط بين الجنسين، وخلوة الرجل بالمرأة، ولمسها بيده، فضلاً عما هو أكبر من ذلك من فاحشة الزنا، لذا فإننا نرى أن المرأة جوهرة لا يصح أن تكون سلعة رخيصة – كما هو الحال في دول الكفر ومن تبعهم من سفهاء المسلمين – في الدعايات والصحف والمجلات، وإن لها دوراً عظيماً ينتظرها بصفتها زوجة وأمّاً.
والأمر الثاني: حفاظاً على دين المرأة فإن الله تعالى قد حرَّم زواج المسلمة بالكافر، وهو أمر ثابت بالقرآن والسنة والإجماع.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" والكافر لا تحل له المرأة المسلمة بالنص والإجماع قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّار لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) . . .
المسلمة لا تحل للكافر بالنص والإجماع - كما سبق - ولو كان الكافر أصليّاً غير مرتد، ولهذا لو تزوج كافرٌ مسلمةً: فالنكاح باطل، ويجب التفريق بينهما، فلو أسلم وأراد أن يتزوجها لم يكن له ذلك إلا بعقدٍ جديدٍ " انتهى باختصار.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / 138 - 140) .
ثالثاً:
ويشترط في عقد الزواج حتى يكون صحيحاً وجود وليٍّ للمرأة، ولا يجوز أن يكون الكافرُ وليّاً للمسلمة بلا خلافٍ بين العلماء.
قال ابن قدامة:
أما الكافر: فلا ولاية له على مسلمةٍ بحال , بإجماع أهل العلم , منهم: مالك , والشافعي , وأبو عبيد , وأصحاب الرأي، وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم.
" المغني " (7 / 21) .
وحتى في مثل حالكِ فإنه لا بدَّ من وليٍّ في الزواج، فإن لم يكن أحد أوليائك مسلماً: فيزوجكِ من يقوم مقام السلطان وهو القاضي الشرعي أو المفتي أو شيخ المركز الإسلامي، أو إمام المسجد.
ولا يجب عليك استئذان والدك في زواجك لأنه لا ولاية له عليك، وإذا تمَّ هذا الزواج فإنه يجوز أن يبقى خبره بعيداً عن والديك، ولا يجب عليكِ إخبارهما به.
رابعاً:
ولو كان الوليُّ مسلماً فإنه لا يجوز له إجبار ابنته على الزواج بمن لا ترغب، وقد جعلت الشريعة الإسلامية المطهرة رضاها أحد أركان العقد، ولا يكون العقد صحيحاً إذا كانت مكرهة عليه، وإن ثبت إكراهها على الزواج: فإن القاضي المسلم يخيرها بين إمضاء العقد أو فسخه.
كما لا يجوز للوالدين أو أحدهما أن يجبر ابنه على نكاح من لا يرغب، ولم يجعل الله تعالى رضا الوالدين أو أحدهما شرطاً من شروط صحة نكاح الابن، لكن ينبغي للابن أن يترفق بوالديه عندما يرفض الاستجابة لرغبتهما، وعليه أن يبذل وسعه لكسب رضاهما عنه وعن زواجه بمن يرغب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" لا يجوز أن يجبر الوالد ابنه على أن يتزوج امرأة لا يرضاها سواء كان لعيب فيها ديني أو خلقي، وما أكثر الذين ندموا حين أجبروا أولادهم أن يتزوجوا بنساء لا يريدونهن، يقول: تزوجها لأنها بنت أخي، أو لأنها من قبيلتك، وغير ذلك، فلا يلزم الابن أن يقبل، ولا يجوز لوالده أن يجبره عليها. وكذلك لو أراد أن يتزوج بامرأة صالحة، ولكن الأب منعه، فلا يلزم الابن طاعته، فإذا رضى الابن زوجة صالحة، وقال أبوه: لا تتزوج بها، فله أن يتزوج بها ولو منعه أبوه، لأن الابن لا يلزمه طاعة أبيه في شي لا ضرر علي أبيه فيه، وللولد فيه منفعة، ولو قلنا: إنه يلزم الابن أن يطيع والده في كل شي حتى في ما فيه منفعة للولد ولا مضرة فيه على الأب لحصل في هذا مفاسد، ولكن في مثل هذه الحال ينبغي للابن أن يكون لَبِقاً مع أبيه، وأن يداريه ما استطاع وأن يقنعه ما استطاع " انتهى.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 640، 641) .
خامساً:
عليك بذل ما تستطيعين من أجل إنقاذ والديكِ وإدخالهما في الإسلام، حتى تتم لكِ ولهما السعادة الدنيوية والأخروية، ويمكنك أن تسلكي طرقاً كثيرة متعددة لدعوتهم إلى الإسلام، ومنها: أن تراسليهم بالبريد الإلكتروني – مثلاً – دون أن يعلموا أن الرسائل منكِ، ويمكنك تزويد عنوانهم لبعض المختصين بالعلوم الشرعية والدعوة ليقوموا بالمهمة عنكِ، كما يمكنك الاستعانة بالمركز الإسلامي القريب منهم ليقوم بعض الدعاة بزيارتهم ودعوتهم، ويمكنك مراسلتهم بالبريد العادي وتزويدهم بأشرطة وكتيبات تعرِّف بدين الإسلام.
وأنتِ أعلم بحالهم من غيرك، وقد يكون إخبارهم بإسلامك فتح باب أمامهم للدخول في الإسلام، فإن كان هذا واقعاً فأخبريهم، وإن رأيتِ أن لا نفع من هذا، وأنه يؤثر فيهم سلباً أو قد يتسبب في التضييق عليك فلا تخبريهم، ويمكن تأجيل ذلك فترة حتى يفتح الله عليهم، واستعيني بالله تعالى وتضرعي إليه بالدعاء الصادق أن يهديهم.
نسأل الله تعالى لك الثبات على هذا الدين، ونسأله تعالى أن يهدي والديك للإسلام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/330)
أوصى لبناته بالثلث تأديبا للابن الذي أخذ المال كله فما الحكم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل وفاة أبي بعام قام بتسليم كل فرد منا 3 بنات وولد أوراق الحسابات الخاصة التي قام بادخارها كل منا وطوال سنوات الغربة التي عاني فيها الكثير كنا نعلم كم عاني من أجل أن يوفر لنا ذلك فلم يجرأ أحد منا سحب أي مبلغ دون الرجوع إليه احتراماً له.
وحدث أن قام أخي بسحب كل ما يوجد في الحساب إزاء مشاجرة تمت بين أخي وأختي وكان أبي يرحمه الله في صف البنات مما جعل أخي سامحه الله أن يقوم بسحب كافه الأموال التي كان أبي قد وضعها في حسابه وسلمه أوراقها، وعندما علم أخي بهذه الوصية أقام دعوة قضائية يطعن في الوصية وشرعيتها، وعند علم أبي بذلك من البنك أصابته صدمة عنيفة وبلغه بإرجاع النقود لاحتياجه لهل في مرضه ورفض أخي إرجاع النقود لأبي مما كان له أثر سيء لديه وتوفى أبي وهو غاضب عليه وكان قد كتب وصية بثلث التركة للبنات وكانت هذه الوصية بمثابة عقاب لأخي كتبها أبي قبل وفاته وهو مدرك تماماً ما أوصى به.
وقد قمت عن نفسي برفض هذه الوصية وذلك لعدم ارتياحي لها وتمسكت بحقي الشرعي فقط ونصحت إخوتي البنات بترك هذه الوصية وذلك لندفع أي شك في خطأ وقع فيه والدنا وكذلك حفاظاً على صلة الرحم مع أخي كما أوصانا الله بها، فلم تفلح محاولاتي العديدة لإقناعهم ومضوا في طريقهم لتنفيذ الوصية عن طريق القضاء. ولم تفلح دموع أمي رحمها الله أن تثنيهم عن مواصلة المطالبة بتنفيذها. وحاولت أيضاً مراراً مع أخي لكي أثنيه عن الدخول مع إخوتي البنات للنزاع في المحاكم حفاظاً على اسم وسمعة والدنا، وطلبت منه أن يعتبر ذلك عقاباً له في الدنيا لما سلف أن فعله مع أبي، فرفض التنازل عما يعتبره حقه لأي سبب كان، واتهمني كل طرف منهم بعدم مساندة الحق وكنت قد نزهت نفسي بالخوض في نزاعاتهم بتوكيل محامي عني يعلن رفضي لهذه القضية من البداية.
أرجو إفادتي بما ترونه في حكم الشرع وما موقف إخوتي الشرعي، ثم ما هي واجباتي نحوهم وهم متخذين موقف مني في هذا الموضوع رغم محاولتي الكثيرة لصلتهم وبرهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنه لمما يؤسف منه أن يحدث مثل هذا بين مجموعة من الإخوة، ومما يزيد الأمر أسفاً أن يكون سبب الخلاف هو المال، وحقيقةً فإني أشكر الأخت السائلة على طيب نفسها ورجاحة عقلها حيث آثرت السلامة على الدخول في شجار مع أخيها، وسعت في احتواء القضية وحلها داخل نطاق الأسرة وهذا بحد ذاته يعتبر بداية الحل السليم لهذه القضية، وأما عن الإجابة على هذا السؤال فسوف يكون في النقاط التالية:
الأولى:
هذا المال الذي كان أبوكم قد ادخره لكم وتعب فيه من أجل نفعكم به، حق جميع من كتب الله له الميراث فيه، كل شخص منكم يملك نصيبه الشرعي بعد وفاة أبيكم وليس لأحدكم أن يستأثر بهذا المال دون باقي الورثة لأنه يكون معتدياً على حق الغير، قال الله تعالى (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) البقرة/190
وعن أبي حرة الرقاشي عن عمه قال كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرء إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في صحيح الإرواء (1761)
وعلى هذا فما فعله أخوكم من أخذ هذا المبلغ يعتبر تصرفاً محرماً لاسيما وأنه أخذ المال والأب على قيد الحياة وهو لا يستحق شيئاً من المال إلا بعد وفاة أبيه، بل ولا يستحق بعد وفاته إلا ما قسمه الله له في الميراث وعليه فالواجب على أخيكم التوبة إلى الله وإعادة الحقوق إلى أصحابها.
الثانية:
الوصية التي وصى بها والدكم وصية غير شرعية ولا يجوز لَكُنَّ المطالبة بها، لأن الشخص الوارث لا يجوز أن يُخص بوصية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) رواه الترمذي (2120) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1722) فلا تجوز لكن المطالبة بها - وإن كان أخوكن قد أخذ عليكن المال - ولكن طالبن بما أعطاكن الله إياه من الميراث.
الثالثة:
موقفك منهم هو أن تستمري في النصح والتوجيه وجمع الكلمة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وتذكري أن لك من الله الأجر والثواب على ذلك , قال الله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) النساء/114
كرري على أخواتك ألا يطالبن إلا بما لهن من الحقوق، وأن المطالبة بالثلث أمر لا يجوز، وحاولي أيضاً مع أخيك بالتي هي أحسن أن يعطي أخواتك مالهن من الحقوق، وأن يكون رحمة على أخواته بعد وفاة أبيه بدلاً من أن يكون عذاباً عليهن، وسوف تجدين في سبيل ذلك عناءً ولا شك، لكن اصبري ونسأل الله أن يثيبك على ذلك.
رابعاً:
إذا كنت على الحق فلا يضّرك لوم اللائمين ولا اتهامهم لك بالانحياز إلى طرف دون آخر فأثبتِي على الحق.
وأخيراً فإننا ندعوكم جميعاً لأن تتقوا الله تعالى وأن تدرؤوا عنكم هذا الخلاف الفاضح الذي لا يفرح به إلا الشيطان ومن في قلبه مرض وكل شامت وحاسد.
أسأل الله أن يصلح ذات بينكم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/331)
يوسوس لها الشيطان أنها كافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنوات طويلة (15 سنة) قرأت أن الردة عن الإسلام من نواقض الوضوء، وعلق ذلك في مخيلتي، وكلما أردت الوضوء أحس بأني كافرة، وأكرر الوضوء أكثر من مرة، قد يكون نوعاً من الوسواس، ولكني كنت أشعر فعلاً كما لو أني كافرة، كنت أردد الشهادتين، لكن كان هناك إحساس داخلي أن كافرة بها، فأفكر في معانيها فأجد نفسي مؤمنة بها، ولكن إحساس الكفر لم يذهب عني، أبكي وأدعو الله أن يشفيني مما حل بي.
كنت أرفض الزواج خوفاً من الكفر حتى لا يبطل عقد الزواج.
ومع كل ذلك كنت محافظة على الصلاة وتلاوة القرآن وسماع المحاضرات.
أعلم أن علاج هذه الوساوس بعدم الاسترسال معها، ولكني كنت أضعف وأسترسل معها، وأنا أعلم أني مخطئة. فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، وأن يبدل وساوسك اطمئنانا وانشراحا ويقينا ثابتا.
واعلمي أن ما أصابك هو ابتلاء عظيم، إن صبرت عليه، واحتسبت الأجر فيه نالك خير كبير بإذن الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي (2399) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى الترمذي أيضا (2396) وابن ماجه (4031) عَنْ أنس رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فأبشري بالثواب الجزيل إن شاء الله، واعلمي أنه لا يضرك ما تجدين في نفسك، ما دمت محبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولدينه، ومبغضة للكفر وأهله.
وهذه بعض النصائح نسأل الله تعالى أن ينفعك بها:
1- عليك أن تتيقني أن هذه وساوس من الشيطان لا حقيقة لها، وكيف تكونين كافرة وأنت محافظة على الصلاة، وقراءة القرآن وسماع المحاضرات المفيدة!!
2- عليك بالإكثار من ذكر الله تعالى، ليذهب عنك الشيطان الذي هو مصدر هذه الوساوس، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأَمَرَكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ. كَذَلِكَ الْعَبْدُ لا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلا بِذِكْرِ اللَّهِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي (2298) .
3- أنت تعلمين أن علاج هذه الوساوس بالإعراض عنها، فاستمري في ذلك.
4- عليك أن تشغلي فراغك بما ينفعك، حتى لا يكون عندك وقت تفكرين في هذه الوساوس.
5- عليك بكثرة دعاء الله تعالى واللجوء إليه والاستعاذة به، وتحيني أوقات وأحوال الإجابة، كثلث الليل الأخير، وفي السجود.
ونسأل الله تعالى أن يعافيك ويذهب عنك هذه الشرور.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/332)
تعاني من الوحدة والضيق بعد الطلاق وتبحث عن الحل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مطلقة منذ خمس سنوات لدي طفلان، أحدهما تسع سنوات والآخر عشر سنوات. الحمد لله واجباتي تجاههم أؤديها على أكمل وجه. أنا إنسانة متدينة أواظب على الصلاة والأذكار والدعاء وأعمل في هذه الحياة من أجل أطفالي. دائما يراودني شعور قاس جدا وهو شعوري بالوحدة القاتلة، إضافة إلى ذلك الضيق والهم في داخلي، مع أنني إنسانة تحب الحياة بما يحب الله ويرضي، أحس بحاجتي الماسة للزواج لأنني بدأت أضجر وغضبي يزداد على كل شئ في حياتي حتى أتفه الأشياء. أحس وكأنني بعالم مغلق، أنا فيه وحدي فقط والكآبة، مع العلم أنه من يراني سواء في عملي أو أثناء الزيارات يقول لي: يظهر على وجهك الاكتئاب. فضلا عن ذلك حاجتي بالشعور بأنني أحيا الحياة ولست مركونة في زاوية من زواياها القاتمة، ولا أريد أن يسيطر علي هذا الشعور، لأنه بدأ يؤثر علي بشكل مباشر في العمل، وعلاقاتي بالأهل والأقارب والأصدقاء، دائمة السكوت والصمت، دائمة الانعزال عن الناس كي لا يروني ووشاح الكآبة يخيم على وجهي. لست قادرة على رسم البسمة على شفاهي وأعتبره شيئا صعبا بالنسبة لي، فأنا في دوامة لا نهاية لها: الطلاق والأولاد وحاجتي لزوج واستقرار. يراودني شعور بعدم رغبتي بالحياة، أنا أعلم أنه شئ خاطئ، لكن تركيبة الإنسان من شعور وعقل، وأنا امرأة، لا أعلم إن كان يحق لي الكلام بهذا الموضوع أم لا يحق لي؟ الحياة أتعبتني جدا، أسير في أي مكان، وأجلس بمجالس الأهل والأقارب والأصدقاء ولا يزال تفكيري بهذا الموضوع دائما ... أريد أن أمارس حياتي بشكل طبيعي. لا أعلم ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يمن عليك بالاستقرار والاطمئنان، وأن يذهب عنك ما تجدين من الضيق والهم، وأن ييسر لك أسباب الخير والفلاح.
وما ذكرتيه من المتاعب والآلام، لا نقول إنه يلحق كل من تمر بمثل ظروفك، ولكن على الأقل هناك قدر من المتاعب يصيب المرأة حين تفقد الزوج، وتضطلع هي بأعباء الحياة. ثم تتفاوت النساء في القدرة على التحمل، وفي محاولتهن للتغلب على ذلك، فهناك عدد من المطلقات استطعن التغلب على هذه المشاكل، وعشن حياتهن في سعادة واطمئنان، وهذا راجع لأسباب ومقومات، هي الحل بالنسبة لك إن شاء الله، وهذه بعضها، لتتأمليها جيدا، وتسعين في تطبيقها، لتعود لك السعادة التي تنشدينها:
1- توثيق الصلة بالله تعالى، ومن ذلك الإيمان بأن هذه المشكلة وغيرها واقعة بقضاء الله تعالى وقدره، وأن الله تعالى أرحم بك من الوالدة بولدها، وأن قضاءه خير لعبده، في العاجل والآجل، فالمصائب تكفر السيئات، والصبر عليها يرفع الدرجات، والله إذا أحب عبدا ابتلاه.
2- أنك بين أمرين: أن تعيشي حزينة مهمومة متألمة، أو تصبري وتحتسبي، لتنالي الأجر والرفعة. وحزنك لا يقدم ولا يؤخر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
3- التأمل في نعم الله تعالى، والسعي في شكرها، ومقارنة هذه النعم الكثيرة بالمصيبة الحاصلة. وهذا يفتح على القلب باباً إلى الرضا. فتأملي كم لله عليك من نعمة، في دينك، ونفسك، وصحتك، ومالك، وأولادك. وتأملي ما يصيب غيرك من المصائب، فكم من امرأة مقعدة، وأخرى مصابة في أبنائها، وثالثة مبتلاة في دينها، ورابعة تئن من المرض، وخامسة وسادسة. وإذا تأملت هذا وجدت نفسك في نعم تحسدين عليها، ووجدت في الناس من هو أعظم مصابا منك وألماً. وهذا يهون عليك، ويدعوك للحمد والشكر والاعتراف بفضل الله ورحمته.
4- التأمل في المصيبة النازلة بك، ورؤية ما يحفها من النعم، فكم من امرأة متزوجة، تعاني من مضايقة الزوج وأذاه، وتسلطه وقسوته، ونكد الحياة معه، وأنت قد سلمت من ذلك كله، فاحمدي الله.
5- شغل الوقت بالنافع من أمور الدنيا والآخرة. ومن ذلك: الالتحاق بأحد مراكز تحفيظ القرآن الكريم، وحضور المحاضرات الدينية، وقراءة الكتب النافعة، وتعلم شئ من الأشغال المنزلية كالخياطة ونحوها.
6- الاهتمام بالقضية الكبرى، والغاية العظمى، وهي نيل مرضاة الله تعالى والفوز بجنته، والنجاة من ناره. وهذا يتطلب التشمير والجد والاجتهاد، وعليه يكون الفوز الحقيقي، والسعادة الحقيقية في الحياة الدائمة. قال سبحانه: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران/185.
7- اليقين والثقة بأن ما عند الله خير لك، وأنه أرحم الراحمين، وأنه مع المتقين، ويحب المحسنين، ويجزي الصابرين، ويسعد المؤمنين، كما قال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97.
والحذر من شكايته سبحانه إلى خله، فهي شكاية الذي يرحم، للمخلوق الذي لا يرحم.
قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ) رواه الترمذي (2326) وأبو داود (1645) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
8- أكثري من هذا الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا. قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (199) .
نسأل الله أن يفرج همك ويبدلك مكانه فرجا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/333)
مشكلة عائلية بسبب أخي الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[أخو زوجي دائماً في بيتنا أو يتحدث معه على الهاتف أو يأخذه خارج المنزل ولا يستطيع أن يفعل أي شيء دون زوجي، وصل الأمر بأنني لا أتحمل رؤيته أبداً، أشعر بأنه يضع أفكاراً في رأس زوجي ويبعده عن مسئولياته تجاهي وتجاه أولاده الثلاثة، نعيش حياة نشيطة مع أولادنا وأنا أحب أن أفعل كل شيء لأولادي ولكنني أحب كذلك أن يكون زوجي معنا، ولكن أخوه لا يترك لنا فرصة، وإذا خرجنا يظل يتصل حتى يجده.
حصل شجار كبير بيني وبين زوجي لأنه يعتقد أنه من السهل أن يقول لي " لا " لأنني سأسامحه وأغفر له ولكنه لا يستطيع أن يقول " لا " لأخيه لأنه سيغضب منه لفترة طويلة. يجب أن يكون مرتبطاً بنا أكثر وليس بأخيه إذا أراد أن نبقي على حياتنا العائلية. كوني امرأة مسلمة: هل أنا أطلب أكثر من حقي؟ أم أن شعور أخيه يأتي أولاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب أن يعلم الزوج أن الله تبارك وتعالى قد أوجب عليه رعاية أبنائه وتربيتهم والقيام على شئونهم، وأوجب عليه معاشرة زوجته بالمعروف، وأن كل تقصير في هذا فإن الله سائله عنه يوم القيامة.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} التحريم / 6.
وقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} النساء / 19.
ثانياً:
على الزوج أن لا يُدخل في حياته ما يحول بينه وبين القيام على أسرته كعملٍ متواصل أو صحبة ملهية أو قريبٍ يأخذ وقته ويتدخل في شئون بيته.
والمسلم في هذا الزمان قد لا يجد الوقت الكافي للقيام بما أوجبه الله عليه، فكيف يهون عليه تضييع وقته مع غيره على حساب القيام بتلك الواجبات؟ .
ثالثاً:
على الزوجة أن لا تفرِّق بين زوجها وأهله، ولا ينبغي لها أن تتضجر من ترداده عليهم أو زيارتهم له، إلا أن يؤثر ذلك على ما أوجبه الله عليه.
والأب لا يقدِّم أحداً على أولاده لا أخاً له ولا قريباً، فلذلك لا ينبغي إحداث فجوة في العلاقات الأسرية بين الزوج وأخيه، ولا بين الأولاد وعمهم؛ لأن لذلك أثره البعيد على طبيعة علاقاتهم مع الناس ومع رحمهم.
رابعاً:
ننصحك أيتها الأخت الفاضلة أن تتلطفي مع زوجك، وأن تظهري له عدم تضجرك من علاقته بأخيه، وأن لا تحدثي بغضاً وكراهية في نفوس أولادك تجاهه.
وإذا رأيتِ تقصيراً من زوجك في واجباته الشرعيَّة تجاهكم فليكن الإنكار عليه وتذكيره بالتي هي أحسن دون غلظة أو شدة، وليكن ذلك بالتلميح دون التصريح إلا إن احتجت لذلك.
وقد رأينا في مثل هذه الحالات من ابتليت ببعض أهلها أن يكونوا معها وفي بيتها لظروف خاصة بهم، وعليه: فإن زوجها سيحسن من معاملته لهم إذا كان قد رأى حسن معاملة من زوجته تجاه أهله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/334)
يخشى من الزواج حتى لا يأتي امرأته في دبرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لم أتزوج بعد، وأعلم أنه لا يجوز للزوج أن يأتي امرأته في دبرها، لكنني ولا أخفي عليكم دائماً، تغلبني شهواتي، وأحاول أن أتوب وأصلح، لكن أرجع في بعض الأحيان؟! وأخاف أنني إذا تزوجت أن آتي امرأتي في دبرها، ويغلبني الشيطان فما نصيحتكم لي؟
السؤال الثاني: هل يجوز لي أن آتيها في دبرها لكن من وراء الملابس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وطء الزوجة في دبرها محرم تحريما غليظا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) رواه الترمذي (135) وابن ماجه (639) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله: (ملعون من أتى امرأة في دبرها) رواه أحمد (9731) وأبو داود (2162) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
راجع السؤال (1103) .
وأما إعراضك عن الزواج بسبب هذه المخاوف، فهو معالجة خطأ بخطأ آخر؛ فأعرض عن هذه الوساوس، واشتغل بما ينفعك في دينك ودنياك، وسل الله أن يطهر قلبك ويحصن فرجك، وبادر وعجل بالزواج فإنه خير دواء لك، واحذر غضب الله وسخطه وأليم عقابه، ولا تكن من الغافلين.
وأكثر من ذكر الله تعالى وطاعته، وغض بصرك عن الحرام، وجوارحك عن الآثام، لتذهب عنك هذه الخواطر الشيطانية، والأفكار الرديّة.
وأما إتيان امرأتك في دبرها، من وراء الملابس، فالواجب عليك تركه والحذر منه، ولا تكن كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، كما قال صلى الله عليه وسلم [رواه البخاري (25) ، مسلم (1599) ]
قال ابن رجب رحمه الله: (والله عز وجل حمى هذه المحرمات ومنع عباده من قربانها، وسماها حدوده، فقال: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) البقرة/187.
وهذا فيه بيان أنه حد لهم ما أحل لهم وما حرم عليهم، فلا يقربوا الحرام، ولا يتعدوا الحلال، ولذلك قال في آية أخرى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) البقرة/229.
وجعل من يرعى حول الحمى وقريباً منه جديراً بأن يدخل الحمى ويرتع فيه، فكذلك من تعدى الحلال، ووقع في الشبهات، فإنه قد قارب الحرام غاية المقاربة، فما أخلقه بأن يخالط الحرام المحض، ويقع فيه، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي التباعد عن المحرمات، وأن يجعل الإنسان بينه وبينها حاجزاً) . جامع العلوم والحكم 1/208.
عافانا الله وإياك من كل سوء، ورزقنا وإياك القناعة، وأغنانا بحلاله عن حرامه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/335)
الوسوسة وعلاجها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وسوست ولم أرد على زوجتي عندما تكلمني وذلك بسبب الوسوسة أو اعتقادي بأنها تسببت في الوسوسة هل يعتبر عدم ردي عليها طلاقاً؟ وعندما أكلمها بعصبية وبانفعال هل يعتبر هذا طلاقاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عدم ردك على زوجتك لا يعتبر طلاقا، وكذلك كلامك معها بعصبية وانفعال.
ومهما فكرت في الطلاق، أو حدثتك نفسك به، أو نويته وعزمت عليه، فإن الطلاق لا يقع حتى تتلفظ به.
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل تجاوز لأمتي ما وسوست به وحدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به " رواه البخاري 6664، ومسلم 127.
والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلم به) .
بل إن المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به، عند بعض أهل العلم، ما لم يقصد الطلاق، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طلاق في إغلاق ". فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق.) انتهى، نقلا عن: فتاوى إسلامية، 3/277
ونحن نوصيك بعدم الالتفات للوسواس، والإعراض عنه، ومخالفة ما يدعوك إليه، فإن الوسواس من الشيطان، ليحزن الذين آمنوا، وخير علاج له، هو الإكثار من ذكر الله تعالى، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والبعد عن المعاصي والمخالفات التي هي سبب تسلط إبليس على بني آدم، قال الله تعالى: (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) النحل/ 99.
ومما يحسن نقله هنا، ما ذكره ابن حجر الهيتمي رحمه الله في علاج الوسوسة، في كتابه " الفتاوى الفقهية الكبرى 1/149، وهذا نصه:
(وسئل نفع الله به عن داء الوسوسة هل له دواء؟
فأجاب بقوله: له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان - فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون , وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين بل وأقبح منهم , كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها الذي جاء التنبيه عليه منه صلى الله عليه وسلم بقوله: " اتقوا وسواس الماء الذي يقال له الولهان أي: لما فيه من شدة اللهو والمبالغة فيه كما بينت ذلك وما يتعلق به في شرح مشكاة الأنوار , وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله ولينته. فتأمل هذا الدواء النافع الذي علّمه من لا ينطق عن الهوى لأمته. واعلم أن من حُرمه فقد حُرم الخير كله ; لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا , واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يُخرجه من الإسلام. وهو لا يشعر (أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) فاطر / 6. وجاء في طريق آخر فيمن ابتلي بالوسوسة فليقل: آمنت بالله وبرسله. ولا شك أن من استحضر طرائق رسل الله سيما نبينا صلى الله عليه وسلم وجد طريقته وشريعته سهلة واضحة بيضاء بينة سهلة لا حرج فيها (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج / 78 , ومن تأمل ذلك وآمن به حق إيمانه ذهب عنه داء الوسوسة والإصغاء إلى شيطانها. وفي كتاب ابن السني من طريق عائشة: رضي الله عنها " من بلي بهذا الوسواس فليقل: آمنا بالله وبرسله ثلاثا , فإن ذلك يذهبه عنه ".
وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني , وأن إبليس هو الذي أورده عليه وأنه يقاتله , فيكون له ثواب المجاهد ; لأنه يحارب عدو الله , فإذا استشعر ذلك فر عنه , وأنه مما ابتلي به نوع الإنسان من أول الزمان وسلطه الله عليه محنة له ; ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون.
وفي مسلم بحديث رقم 2203 من طريق عثمان بن أبي العاص أنه قال: إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي وقراءتي فقال: ذلك شيطان يقال له خنزب , فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا , ففعلت فأذهبه الله عني.
وبه تعلم صحة ما قدمته أن الوسوسة لا تُسلط إلا على من استحكم عليه الجهل والخبل وصار لا تمييز له , وأما من كان على حقيقة العلم والعقل فإنه لا يخرج عن الاتباع ولا يميل إلى الابتداع. وأقبح المبتدعين الموسوسون ومن ثم قال مالك - رحمه الله - عن شيخه ربيعة - إمام أهل زمنه -: كان ربيعة أسرع الناس في أمرين في الاستبراء والوضوء , حتى لو كان غيره - قلت: ما فعل. (لعله يقصد بقوله: (ما فعل) أي لم يتوضأ)
وكان ابن هرمز بطيء الاستبراء والوضوء , ويقول: مبتلى لا تقتدوا بي.
ونقل النووي - رحمه الله - عن بعض العلماء أنه يستحب لمن بلي بالوسوسة في الوضوء , أو الصلاة أن يقول: لا إله إلا الله فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس ; أي: تأخر وبعد , ولا إله إلا الله - رأس الذكر وأنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر الله تعالى والإكثار منه ... ) انتهى كلام ابن حجر الهيتمي رحمه الله.
ونسأل الله أن يذهب عنك ما تجد من الوسوسة، وأن يزيدنا وإياك إيماناً وصلاحاً وتقى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/336)
هل هناك حد أو كفارة للاستمناء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بسبب الاستمناء فقدت غشاء البكارة فهل يجعلني هذا أعتبر بذلك زانية؟ وهل يجب أن يقام عليَّ الحد بمائة جلدة أو أن هناك حدّاً آخر في الشريعة لهذا الذنب؟ وإذا كان هناك حد في الشريعة لمثل هذا الذنب.
وأسأل أيضاً: هل يمكن أن أتزوج من إنسان عفيف بعد تورطي في الاستمناء مرات عديدة؟ أرجو الإجابة من الكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العادة السرية محرَّمة، وقد أوضحنا ذلك في جوابنا على السؤال (329) فليراجع، ويجب عليكِ التوبة من هذا الفعل بالإقلاع عنه، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه.
وللمعاصي عقوبات كثيرة يعاقب بها صاحبها في الدنيا، فضلاً عما يستحقه من عقاب الآخرة. وقد سبق ذكر بعض هذه العقوبات في إجابة السؤال رقم (23425) . فلتبادري بالتوبة النصوح قبل أن يحال بينك وبينها، وتندمين وقت لا ينفع الندم.
فإذا أكرمك الله تعالى ووفقك للتوبة غُفِرَ لك هذا الذنب، وصار كأن لم يكن. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (والتائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (3427) .
ثانياً:
فقدان غشاء البكارة بهذا الفعل ليس من الزنا، ولا يوجب حدّاً ولا كفَّارة.
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية عَنْ الاسْتِمْنَاءِ، فَأَجَابَ:
أَمَّا الاسْتِمْنَاءُ فَالأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ , وَعَلَى فَاعِلِهِ التَّعْزِيرُ ; وَلَيْسَ مِثْلَ الزِّنَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. "الفتاوى الكبرى" (3/439) .
ثالثاً:
إن تبيَّن أن غشاء البكارة قد زال بفعل العادة السرية فإنه لا سبيل لكِ إلا مصارحة الخاطب بما حصل معك، دون داعٍ للتفصيل الذي يسبب لك إحراجاً، فيكفي أن يعلم أنه قد حصل هذا من غير فاحشة، لأن غشاء البكارة يمكن أن يزول بسبب الرياضة أو الضرب أو السقوط أو المرض.
ولن تُفضحي إذا تبتِ إلى الله وصدقتِ في توبتك، فالله تعالى ستِّير يحب الستر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/337)
يريد قتل أقارب زوجته بعدما ابتزوه وأخذوا زوجته غدراً
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجني أحد الرجال شقيقته أمام شاهدين أحدهما أخاه والآخر كتب العقد ورأتني المرأة ورأيتها قبل كتابة العقد، وعرفت أمها وجميع عائلتها بأنني شخص من جنسية أخرى غير جنسيتهم، وقبلت المرأة والعائلة والولي والشهود وتم النكاح وقد اخبرنا الرجل أن المرأة قد طلقت من زوجها السابق الذي لم تراه ولم يراها، وبعد أن حملت المرأة مني بدأ شقيقها يطلب منا أموال ونعطيه مساعدة تكفيه ليعيش مع أهل بيته حياة كريمة إلا انه طلب مبالغ مالية كبيرة فرفضت فجاء بعد حمل المرأة وقبل أن تضع حملها بشهرين وطلب أن تذهب زوجتي لزيارة أمها المريضة (وأخذها بهذه الحيلة) ثم أعطاها لرجل آخر وقال انه زوجها الأصلي وأن زواجي منها غير صحيح والرجل عاقل ومكلف وعنده علم شرعي وإني قبل أن أقوم بعمل ضده، وضد عائلته بسبب الغيرة على العرض اسأل عن حكم الشرع في هذه النازلة التي حلت بي مع العلم أن زوجتي وضعت حملها وقالوا لي إن هذا المولود بنتك فكيف تكون المولود بنتي وزواجي منها غير شرعي كما يدعون، أفتونا مأجورين قبل أن أقتل هذه العائلة بكبارها وصغارها وإني إن شاء الله تعالى اعمل بحكم الشرع وفتوى أهل الإسلام وعلماء هذا الدين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان أخوها هو وليها فالعقد صحيح، ولا حقّ لهم أن يأخذوا منك زوجتك. وهذا ظلم منهم واعتداء، ولا حقّ لهم أن يبتزوك لأخذ أموال منك، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
وعليك أن تلجأ إلى المحاكم الشرعية، والعلماء، والوجهاء لحلّ المشكلة.
وأما قتله أو قتل أحد من عائلته كلها كما ذكرت في سؤالك فهو ظلم عظيم أشدّ من تفجير الكعبة.
ومن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وجزاؤه جهنم خالداً مخلداً فيها.
ونسأل الله العافية، وأن يصلح أحوال المسلمين
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد.(11/338)
أسلمت وتشكو من حال زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أوربية، دلها الله إلى صراط الإسلام المستقيم، ولله الحمد.
وأنا أبذل قصارى جهدي محاولة اتباع دين الله، لكني أستنصحك حول بعض المشاكل التي عرضت على علاقتي مع زوجي.
أجد أنه من الضروري أن أخبرك بأن حياتنا الزوجية تتسم بالتوتر. وقد بلغ الأمر مبلغا أني طلبت منه الطلاق لأول مرة قبل عدة أشهر من الآن، وذلك لأنه كان يتجاهل الصلاة مع أنه يعلم بالتزاماته، كما أنه اكتسب عادة سيئة أخرى وهي أنه إذا كان غاضبا، فإنه يهددني بالطلاق وقد أخرجني من البيت وهو في تلك الحالة. وعندما ثبت له أني سأتركه، تاب وغير أسلوب تعامله، ولذلك فقد سحبت طلبي وعدت إليه. ومع ذلك فإن التوتر لا يزال يخيم على علاقتنا. والسبب الرئيسي في ذلك هو أنه أضعف إيمانا مني في وقتنا الحاضر. وأنا لا أظن في نفسي الكمال، وأعلم أني أقع في المعاصي. إلا أني أراه دوما يعمل أمورا ليست بالجيدة (فهو يقع في الحرام والمكروه) ، وأنا لا أستطيع أن أمنع نفسي وأسكت عن ذلك. فمن الأمثلة، استخدامه للكلمات البذيئة في حضور ابنتنا، أو ضربها لها وتقبيلها في مواضع يجدر أن نعلمها الخجل منها.. الخ. وإذا ما أخبرته بأن من غير الجيد فعل مثل هذه الأمور، وفي بعض الأحيان يسعفني الدليل من الكتاب والسنة، يرد إما بأنه يعلم بهذا، ثم يستمر فيما هو قائم عليه، أو أنه يغضب ويخبرني بأن أهتم بشؤوني الخاصة. وهذا مصدر توتر بيننا، وكل واحد منا بدأ يفقد صبره تجاه شريكه. وسؤالي هو: فيما يختبرني الله في هذه الأحداث؟ أليس من الواجب علي إخباره وتذكيره بالصحيح إذا كنت أعلمه؟ أم أن علي أن أصبر عليه وأنتظر حتى يكتشف ذلك بنفسه، فقد أخذ يقرأ الكتب الإسلامية؟ أنا أستنصحك حول هذا الموضوع لأنه بدأ يشعر بالمضايقة من هذه التنبيهات، وقد بدأت أفقد صبري وأصبحت أغضب إذا لم يستمع لما أقوله له. أرجو أن تنصحني مع تأييد ذلك باستدلالات من الكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك ورزقك الحرص على طاعته ومرضاته، وأن هدى زوجك للتغيير من أسلوبه معك، ونرجو أن يكون هذا باعثا للأمل في نفسك بأن زوجك قد يحسن حاله ويستقيم أمره إن شاء الله.
واعلمي أن المرأة الصالحة بإمكانها أن تغير كثيرا من أخلاق زوجها وعاداته، إذا اتبعت في ذلك طريق الحكمة والرفق وعدم الاستعجال.
وقد ينفر بعض الأزواج من النصح المتكرر من قبل زوجاتهم، لاسيما إذا كان هذا في حضور الأبناء، وربما رأوا في ذلك تقليلا من هيبتهم أو إضعافا لشخصياتهم.
ولهذا فينبغي أن تراعي ذلك جيدا، وأن تختاري الوقت المناسب لنصحه وتذكيره بين الحين والآخر، مع مراعاة التلطف والتودد له أثناء عرض النصيحة أملا في استجابته، وقد قال الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل /125، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم (2594) من حديث عائشة رضي الله عنها.
والزوج أحق الناس بهذا الرفق لما له من المكانة والمنزلة.
وننصحك باتخاذ الأساليب المتنوعة لإنجاح مهمتك كإهدائه بعض الأشرطة والكتب، أو إحضارها إلى البيت ووضعها بالقرب منه، والجئي إلى الله تعالى وسليه أن يصلح حالكما، وأن يشرح صدر زوجك لمعرفة الحق والعمل به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/339)
حكم من يضع شيئاً في دبره وكيف نعالجه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يضع شيئاً في دبره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يطهر قلبه وجوارحه، وأن يهديه لأحسن الأخلاق والأقوال والأفعال.
ثانياً:
يجب أن يعلم أن فعله هذا يدخل في مسمى " الشذوذ " وليس بهذه الأفعال يشكر المسلم ربه تبارك وتعالى، وليس بهذا يحافظ المسلم على ما رزقه ربه تبارك وتعالى من نعَم جليلة، وحري به أن يترفع عن هذه الأفعال الشاذة، والتي تخالف فطرة الله تعالى للإنسان السوي، وتخالف الشرائع المنزلة كلها، ويمقته بسببها كل ذي عقلٍ سليم.
ثالثاً:
يجب أن يعلم أن مثل هذه الأفعال الشاذة صادفت قلباً خاوياً فتمكنت منه، ويجب عليه أن يصارح نفسه بالتخلص من الأسباب التي جعلته يدخل في سلك " الشاذين "، ولعل من هذه الأسباب – بل هو أعظمها – فراغ القلب من الإيمان، وخلو النفس من الحياء من الله تعالى وملائكته، والنظر المحرَّم إلى المسلسلات والأفلام والأفعال الشاذة، وفراغ حياته من العمل المفيد، وابتعاده عن الزواج، وحبه للبقاء وحده، وهكذا في قائمة طويلة من الأسباب التي تؤدي بالإنسان للوقوع في الفواحش ورذائل الأفعال.
رابعاً:
ويجب عليه المبادرة إلى ترك هذه الأفعال الشاذة، والصلح مع ربه عز وجل، والسعي نحو إعمار قلبه بالإيمان، وحياته بالعمل الصالح والنافع لدينه ودنياه، ويجب عليه أن يحرص على المسارعة لإحصان نفسه بالتزوج من امرأة صالحة تعينه على إعفاف نفسه، وإحصان فرجه، وطاعة ربه، ويجب عليه التخلص من مشاهدة المحرمات والبقاء وحده في خلوة تسهِّل له الوقوع في الفواحش.
خامساً:
واعلم - كذلك – أنه يسبب لنفسه آلاماً نفسية وبدنية، فما يفعله سيرى عواقبه الوخيمة على بدنه بعد فترة، وسيرى كم سيعاني من آلام نفسية تحرمه النوم والهناء بالطعام والشراب، وسيرى كم سيعاني من آلام بدنية تحرمه الهناء في قضاء الحاجة، وكم سيعاني من التهابات وتقرحات إذا استمر على أفعاله الشاذة هذه.
سادساً:
وهو يحتاج إلى من يبين له تحريم ما يفعله ويذكره ويعظه.
فعلى من ابتلي بشيء من هذه الأعمال المحرمة أن يتذكر أمرين اثنين:
1. الحياء من الله تعالى وملائكته ومن نفسه.
2. والخوف من الموت وأن يميته الله عز وجل وهو يفعل هذا في نفسه.
أما الحياء:
فنحن نعلم أنه يعتقد أن الله تعالى يراه على كل أحواله، لكن لعله يغفل عن هذا وقت فعل المعصية، ولو استقرت هذه العقيدة في قلبه على الدوام لاستحيى من الله أن يراه مقصراً في طاعة، أو مرتكباً لمعصية، قال الله عز وجل: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) العلق/14، وقال عز وجل: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ق/16، وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: إنا نستحي، قال: ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبِلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء " وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1724) .
ولله در من قال:
وإذا خلوتَ بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحيي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
وهو يعتقد أن الله تعالى وكَّل به ملائكة كراماً يرونه ويسمعونه، ويكتبون ما يفعله من حسنات وسيئات، وهم لا يفارقونه على جميع أحواله، ولو أنه استحيى منهم لترك ما يفعله من شذوذ.
قال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ. كِرَاماً كَاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) الانفطار/10 – 12.
قال ابن القيم رحمه الله:
أي: استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثل عمله , فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟!
" الجواب الكافي " (ص 75) .
وقال بعض السلف: إن معكم مَن لا يفارقكم، فاستحيوا منهم، وأكرموهم.
وإذا كان يستحيي أن يفعل هذا أمام الناس، فكيف لا يستحي من الله تعالى وملائكته!
وأما الموت:
فليعلم أنه لا يدري متى يأتيه ملك الموت ليقبض روحه، ولا يدري الحال التي يكون عليها، فهل يرضى أن تكون منيته الآن وقبل توبته؟ وهل يرضى أن تُقبض روحه وهو يمارس هذه الأفعال الشاذة؟ ألا يعلم أن الأعمال بالخواتيم؟ ألا يعلم أن الله يبعث الناس على ما ماتوا عليه؟ فكيف سيكون حاله عند خروجه من قبره ليوم النشور؟! وماذا سيقول لربه عز وجل حين يقف بين يديه؟!
قال بعض السلف: " شيئان قطعا عني لذة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى ".
وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يجمع العلماء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة، فيبكون حتى كن بين أيديهم جنازةَ.
وقال بعض السلف: مَن أكثر مِن ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة.
وليعلم أن حسن الخاتمة لا تكون إلا لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، وأن سوء الخاتمة تكون لمن كان له فساد في الباطن، أو إصرار على الكبائر، وليعلم أن الإنسان يموت على ما يعيش عليه، ويختَم له بما داوم عليه ولم يتركه.
قيل لرجل وهو في سياق الموت يحتضر: قل " لا إله إلا الله "، فجعل يغني؛ لأنه كان مفتوناً بالغناء.
وقيل لشارب خمر عند الموت: قل " لا إله إلا الله "، فجعل يقول: اشرب واسقني.
ولعلَّ فيما ذكرناه كفاية له ليترك ما هو عليه من سوء فعل، وليرجع إلى ربه عز وجل، وليدعوه أن يوفقه ويهديه، وقد ذكرنا مزيداً من النصائح والتوجيهات في جواب السؤال (20068) نرجو منه الاطلاع عليه.
ونسأل الله تعالى أن يهديه ويصلح باله.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/340)
يشك في بكارة زوجته بسبب عدم نزول دم!
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ حوالي خمسة أشهر وعاشرت امرأتي بصعوبة في البداية ولكنها لم ينزل منها دم حتى الآن وأنا لا أعلم إن كانت بكراً أم حدث شيءٌ لا أعلمه - والعياذ بالله - وخصوصا أنها كانت مخطوبة قبل ارتباطي بها بشاب مشتهر بفساد أخلاقه من خمر ومخدرات وزنا.
أفيدونا أفادكم الله، أنا لا أريد أن أظلِم أو أظلَم، والشيطان لا يتركني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي أن تعلم أن الشيطان حريص كل الحرص على التفريق بين الرجل وامرأته، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا! قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ!) رواه مسلم (5023) .
وحتى يصل الشيطان إلى مقصوده ذلك له مداخل كثيرة يدخل منها إلى الإنسان، منها: التشكيك في عفة امرأته.
ثانياً:
ينبغي أن تعلم أيضاً: أن عدم نزول الدم عند الجماع الأول لا يعني بالضرورة الطعن في عفة المرأة، لأن الغشاء قد يكون مطاطيا فلا يحصل نزيف عند الجماع، كما ذكر ذلك الأطباء.
كما أنه قد يزول من المرأة بأسباب كثيرة غير الجماع، كالرياضة أو القفز ونحو ذلك.
ثم إن الدم المتوقع نزوله في الغالب قد يكون قطرة أو قطرتين، وينزل هذا الدم مختلطاً بالإفرازات، فقد لا يراه الرجل لعدم ظهوره.
فلكل هذه الاحتمالات – ولغيرها – لا يجوز للرجل أن يشكك في عفة امرأته من أجل أنها لم ينزل منها دم عند الجماع، فعدم نزول الدم لا يعني عدم العفة، كما أن نزول الدم لا يعني العفة؛ لما قد تفعله بعض النساء من عمليات رتق للغشاء.
فإذا كانت امرأتك امرأة عفيفة وصاحبة دين وخلق فلا تجعل للشيطان سبيلاً عليكما، ويعكر عليكما حياتكما، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تشك في امرأتك من غير دليل واضح.
بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير، وصرف عنكما كيد الشيطان.
وانظر جواب السؤال رقم (40278) ففيه زيادة فائدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/341)
هل يجوز له السكن مع عمه وعنده بنات بالغات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز له السكن مع عمه وعنده بنات بالغات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ننصحك به هو عدم السكن مع عمك وأسرته؛ لأنك لست محرماً لزوجة عمك ولا لبناته، وهذا ما سيسبب لك ولهن حرجاً شرعيّاً في السكن معهن.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول على النساء، ولمَّا سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أقارب الزوج شدَّد في أمره أكثر من غيره؛ فاسمع للحديث، وانظر كلام أهل العلم عليه.
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) .
قال النووي رحمه الله:
" اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه , وأخيه , وابن أخيه , وابن عمه , ونحوهم ... .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الحمو الموت) فمعناه: أن الخوف منه أكثر من غيره , والشر يتوقع منه , والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه , بخلاف الأجنبي.
والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها , ولا يوصفون بالموت , وإنما المراد الأخ , وابن الأخ , والعم , وابنه , ونحوهم ممن ليس بمحرم، وعادة الناس المساهلة فيه , ويخلو بامرأة أخيه , فهذا هو الموت , وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه، فهذا الذي ذكرته هو صواب معنى الحديث ... .
وقال ابن الأعرابي: هي كلمة تقولها العرب , كما يقال: الأسد الموت , أي لقاؤه مثل الموت، وقال القاضي: معناه الخلوة بالأحماء (أقارب الزوج) مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين , فجعله كهلاك الموت , فورد الكلام مورد التغليظ " انتهى.
" شرح مسلم " (14 / 154) .
وأنت ترى أن الحديث ينطبق على حالتك في حال دخولك على زوجة عمك وبناته الأجنبيات عنك، فكيف يكون حكم سكنك معهم؟!
ثانياً:
وإذا لم يكن لك بدٌّ إلا السكن معهم، أو أنك ستسكن لفترة مؤقتة حتى تجد بيتاً آخر: فاعلم أنه يجب عليك مراعاة الأمور التالية:
1. البعد عن الخلوة بزوجة عمك أو واحدة من بناته.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافر إلا ومعها ذو محرم) رواه البخاري (2844) ومسلم (1341) .
2. أن تلتزم أنت والنساء بغض البصر بعضكم عن بعض.
قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ... الآية) النور/30،31.
3. أن لا يكون الكلام معهن ومنهن فيه خضوع وميوعة.
قال الله عز وجل: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا) الأحزاب/32.
4. أن تلتزم زوجة عمك وبناته أمامك بالحجاب الشرعي الذي يستر جميع البدن.
والأحسن أن لا تسكن معهم، وأن تبحث عن بيت لك تسكن فيه، وأن ترفع عن نفسك وعنهم الحرج الشرعي، وأن لا تكون سبباً في التضييق عليهم، وإذا كان بيتهم كبيراً وكان لك منه غرفة مستقلة بمنافعها فيجوز لك السكن فيها، أما أن تسكن في غرفة في بيتهم، وتشاركهم منافعها المشتركة فلا نرى ذلك جائزاً، ونرى أن الشروط التي ذكرناها للجواز صعبة التطبيق من كثيرين.
وانظر جواب السؤال رقم (13261) ففيه فائدة هامة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/342)
نصحتْه فجاء ليشكرها فوقعا في الزنا!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة من عائلة معروفه جدّاً، طوال عمري ملتزمة وخلوقة بشهادة الجميع، ولكن لا أعرف ما السبب الذي دفعني للتعرف على شاب وكنت أريد مساعدته لأنه متعرض لصدمة من وفاة والده وهو المسؤول عن إخوته وأمه وذهب في طريق رفقاء السوء، نصحته وأحسست أنه من واجبي الوقوف بجانبه ونصحه، مع الأيام عاد لدراسته وترك رفقاء السوء وتغير كليّاً، سألتْه أمه عن السبب فحدَّثها عني، فكلمتني وشكرتني على صبري مع ولدها، أتى ذات يوم زيارة ليراني، لا أعرف لماذا لم أتردد، وذهبت لأراه، وأحسست كأنه أخي، وأخذنا الوقت وحدث ما حدث، للأسف، يريد الآن التقدم لخطبتي، ولكن مستحيل، فهو يصغرني بـ 3 سنوات، وهو من غير جنسيتي، وأنا الآن حامل أريد الستر والتوبة.
أعلم أني أخطأت، وسوف تلومونني بشدة، ولكن أريد التوبة، وأريد الحل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لعلك رسالتك تكون عظة وعبرة للذين يزعمون " براءة " العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه، ولمن يزعم " شرعية " هذه العلاقات إذا كانت في النصح والتوجيه، ولمن يريد " تمييع " الدين فيفتح المجال للعلاقات بين الرجال والنساء بحجة تقدم العصر، وعدم وجود ما يمنع، وبقدرة المرأة على الحفاظ على نفسها. . . إلى آخر هذه المبررات الساقطة!!
وعظة وعبرة لكل من غفل عن شرع الله تعالى فتهاون في تحذير ربنا تبارك وتعالى من اتباع خطوات الشيطان، فراح يتساهل في الأمور حتى يقع على أم رأسه، وها أنتِ قد تهاونتِ مع هذا الشاب فتجرأتِ على الحديث معه ونصحه، ثم رضيتِ أن تستقبليه في بيتك، ثم رضيتِ الخلوة معه، ثم زيَّن لكِ الشيطان أنه بمثابة أخيك، ثم ماذا؟ ثم وقع الزنى في المجلس نفسه وفي بيتك وممن أوهمك الشيطان أنه مثل أخيك! فأين هي الخطوة الأولى للشيطان؟ إنها الحديث مع هذا الرجل الأجنبي، ثم تتابعت خطوات الشيطان حتى أوقعك فيما وقعت فيه من أقبح المعاصي، ومن هنا نعلم الحكمة في قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) الإسراء/32، فهو تعالى لم ينه عن الزنا فحسب، بل نهى عن قربانه، والمقصود به النهي عن تعاطي أسبابه المؤدية إليه، ونسأل الله تعالى أن يستر عليك، وأن يغفر لك، وأن يعينك على تحقيق التوبة الصادقة.
ثانياً:
لا شك أن ذنب الزنا ذنب عظيم، وهو من كبائر الذنوب، ولذا جاء فيه من العقوبة ما يدل على عظَمه وقبحه في الشرع والعقل والفطرة.
قال ابن القيم رحمه الله:
" وخصَّ سبحانه حدَّ الزنا من بين الحدود بثلاث خصائص:
أحدها: القتل فيه بأشنع القتلات، وحيث خففه جمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد، وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة.
الثاني: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه؛ بحيث تمنعهم من إقامة الحد عليهم، فإنه سبحانه من رأفته بهم شرع هذه العقوبة؛ فهو أرحم منكم بهم، ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة؛ فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره ... .
الثالث: أنه سبحانه أمر أن يكون حدُّهما بمشهد من المؤمنين، فلا يكون في خلوة بحيث لا يراهما أحد، وذلك أبلغ في مصلحة الحد، وحكمة الزجر " انتهى.
" الجواب الكافي " (ص 144، 115) .
ثالثاً:
ومع عظَم هذا الذنب، وقبح هذه المعصية إلا أن الله تعالى فتح باب التوبة لأصحابها، ووعدهم إن هم صدقوا في توبتهم أن يبدل سيئاتهم حسنات.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ماذا يجب على من وقع في جريمة الزنا للخلاص من آثار فعلته تلك؟
فأجاب:
" الزنا من أعظم الحرام وأكبر الكبائر، وقد توعد الله المشركين والقتلة بغير حق والزناة بمضاعفة العذاب يوم القيامة، والخلود فيه صاغرين مهانين، لعظم جريمتهم وقبح فعلهم، كما قال الله سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا) الفرقان/68، 69، فعلى من وقع في شيء من ذلك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى التوبة النصوح، واتباع ذلك بالإيمان الصادق والعمل الصالح، وتكون التوبة نصوحا إذا ما أقلع التائب عن الذنب، وندم على ما مضى من ذلك، وعزم عزما صادقا على أن لا يعود في ذلك، خوفا من الله سبحانه، وتعظيما له، ورجاء ثوابه، وحذر عقابه، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82، فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر هذه الفاحشة العظيمة ووسائلها غاية الحذر، وأن يبادر بالتوبة الصادقة مما سلف من ذلك، والله يتوب على التائبين الصادقين ويغفر لهم.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 442) .
رابعاً:
ولا يجوز للزانييْن أن يتزوجا إلا بعد التوبة الصادقة؛ لأن الله تعالى حرَّم ذلك على المؤنين فقال: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3.
وقد سبق بيان حكم هذه المسألة في جواب السؤال رقم (14381) و (22448) و (11195) فلتنظر.
خامساً:
وإذا كان الجنين قد تمَّ نفخ الروح فيه فإن إسقاطه جريمة أخرى غير جريمة الزنا، وقد سبق بيان حكم هذه المسألة في جواب السؤال رقم (13317) و (11195) و (40269) فلتنظر.
سادساً:
والحل لمشكلتك أن تطلعي عقلاء أهلك على موضوعك، ولا بدَّ للمرء الذي يخالف شرع الله تعالى أن يتحمل تبعات معصيته في كثير من الأحيان، ولا بدَّ للأهل أن يقفوا مع ابنتهم الآن قبل غدٍ، فهي وإن أسقطت جنينها إن كان قبل نفخ الروح فيه: فهي لم تعد بكراً، وهذه – أيضاً – لها تبعات عند الزواج، فهم في كل الأحوال لا بدَّ لهم من أن يحلوا مشكلة ابنتهم، وهي قد تابت وأنابت و" التائب من الذنب كمن لا ذنب له " – رواه ابن ماجه (4250) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " (3145) – وهي إن لم يكن لها ذنب من حيث الإثم بعد توبتها، لكن لذنبها آثار عظيمة ينبغي حلها قبل استفحال الأمر وانتشاره بما يؤذي الأسرة كلها، وليس الحل في تزويجها لذلك الزاني قبل التوبة؛ لأن زواج الزاني محرم – كما سبق -، فإن تابا فلا حرج عليهما إن شاء الله تعالى في زوجهما.
كما لا يجوز لها التزوج من غيره إلا بعد استبراء رحمها، واستبراؤها يكون بوضع الحمل، والدليل على هذا: ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) رواه أبو داود (2157) ، وقال الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (1 / 171، 172) : إسناده حسن.
ولمعرفة عظيم فضل الله تعالى في توبته على عباده، وأنه تعالى يقبل التوبة من التائبين مهما بلغت ذنوبهم عظمة وكثرة: نرجو الإطلاع على أجوبة الأسئلة التالية: (624) و (13990) و (47834) و (23485) و (20983) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/343)
يعاني من وسواس قهري فيسب ويلعن فهل هو مؤاخذ شرعاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من الوسواس القهري خصوصاً في الصلاة أو في دورة المياه أعزكم الله أو في السيارة إذا كنت وحدي، ونوع الوسواس الذي لدي هو اللعن والسب، ألفظ به غصباً عني مثل ألعن نفسي أو أبي أو أمي وأحياناً غصباً عني. أرجو توجيهي للطريقة الصحيحة للعلاج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرص الشيطان على إفساد عبادة المسلم بالوسوسة، ويستطيع المسلم دفع هذه المكائد بالاستعاذة بالله تعالى من شرِّه، وبالوقوف على الأحكام الشرعية والقواعد الفقهية، فإذا شكَّ في عدد الركعات أثناء الصلاة ولم يدر كم صلَّى بنى على الأقل وسجد للسهو قبل السلام، وإذا شك هل طلَّق أم لا فالأصل أنه لم يطلق، وإذا شك في وجود نجاسة فالأصل أن بدنه وثيابه طاهران، وهكذا.
وهذه الأحكام في الشك الذي ليس مصدره الوسوسة، فإن كان شكّاً بوسوسة فلا يلتفت لكل ما يلقي الشيطان في باله، وليس له حلٌّ إلا الاستعاذة بالله من الشيطان وإهمال هذه الوساوس، وعدم الالتفات إليها، ومثله لو شك بعد الطهارة والصلاة فيهما لم يلتفت إلى شكه هذا.
وإذا لم تندفع هذه الوساوس بالاستعاذة، وغلبت على المسلم حتى قال أو فعل ما لا يريده كان ذلك هو " الوسواس القهري " وهذه علَّة مرضية ينبغي طلب العلاج لها بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة، وبالأدوية المباحة، ولا مانع من مراجعة طبيب مسلم موثوق في دينه وعلمه الشرعي.
وإذا جرى على جوارح صاحب هذا الوسواس ما لا يستطيع دفعه، أو قال بلسانه ما لا يستطيع منعه: فلا إثم عليه، وهو معذور في الشرع؛ لأن تكليفه وحاله هكذا من التكليف بما لا يطاق، وهو ممتنع في الشرع؛ لقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقال تعالى: (فّاتَّقٍوا اللهّ مّا اسًتّطّعًتٍمً) التغابن/16.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (10160) قول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" وكذلك أيضاً لو خطر في قلبه ما ذُكر من سبِّ الله عز وجل، أو سب المصحف أو غير ذلك من الكفر: فلا يلتفت لهذا، ولا يضره، حتى لو فُرض أنه جرى على لسانه هذا الشيء وهو بغير اختيار، فإنه لاشيء عليه " انتهى.
ولمعرفة المزيد حول حالتك ومعرفة ما تعالج به نفسك من الرقية الشرعية والأذكار النبوية: نرجو الاطلاع على أجوبة الأسئلة التالية: (39684) ، و (10160) و (59931) و (62839) و (25778) و (12315) وهي أجوبة نافعة للمبتلى بالوسوسة، فنرجو أن تستفيد منها، ونسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/344)
تحب ابن عمها وأبوها يرفض تزويجها له لأنه متزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ابلغ من العمر 16 سنة أوقفت تعليمي وقعدت بالبيت لأتعلم وظائف البيت والزوج من والدتي لمستقبلي وهذا كان بإرادتي وليس إجباريّاً. لي ابن عم يبلغ الـ 32 سنة متزوج، يملك حسن الأخلاق والدين ووسيم وماديته عالية , وأنا أحبه لدرجة الجنون ولكني لم أبح لأحد عن حبي له، ابن عمي أراد زواج الثانية , ومن حظي اختارني أنا من بين كل البنات , وفقط حينها عرف عن حبي وأنا قلت للجميع إنني أحبه وموافقة على نفسي أن أكون له زوجة ثانية , وفعلا أتى وطلبني من أبي، ولكن أبي رفضه وقال لي: لن أزوجكِ لرجل متزوج، أنت ما زلت صغيرة ولا تعرفين مصلحتك. ابن عمي لم يستسلم وما زال مصرّاً على الزواج مني، ولكنه لم يعد يدخل بيتنا كالماضي , حرصاً من الكلام الزائد ولعدم إحراجي وإحراج الجميع , ولكنه يأتي عادة إلى ساحة بيوت العائلة ويقعد في الديوان مع جدي وأعمامي , والجدير بالذكر أني أراه كل يوم ولكنه لم يكلمني أبداً. أنا ملتزمة بالدين وأعلم أن كل إنسان بالغ عاقل مسؤول عن أعماله ويحاسب عليها أمام ربه , وليس من حق أبي أن يحرم ما الذي أحله الله " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ". أرجو منكم الإجابة، والنصيحة منكم، ماذا أفعل بدون معصية أبي، وحتى ابن عمي ماذا يفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شرع الله تعالى أحكامه وفيها الحكمة البالغة، ومن ذلك: أن جعل موافقة الولي شرطاً من شروط صحة النكاح، ولم يجعل الأمر للمرأة تزوج نفسها دونه.
وقد تجد بعض النساء في ذلك غضاضة وخاصة إذا كانت صغيرة أو جاهلة بأحكام وحِكَم الشرع المطهَّر، لكن سرعان ما يتبيَّن للجميع أن ما شرعه الله تعالى هو غاية الحكمة، وذلك – مثلاً – عندما تكبر هذه المرأة وتتزوج ويكون لها بنات وتصل إحدى بناتها إلى سن الزواج، فهل ترضى هذه الأم لابنتها أن تختار مَن تشاء مِن الرجال لتتزوجه من غير رضا والديها؟ إن المؤمنات العاقلات ليعلمن أن هذا لو كان موجوداً لكان انتشر بسببه الفساد والانحلال في المجتمعات، وحاشا أن يكون هذا في شرع الله.
وكل من يفكِّر بعاطفته فهو يفكر بعقل ناقص، ولذلك وجبت موافقة الولي؛ لأنه أقدر على التحري ومعرفة الصواب وتقييم الرجال من المرأة، وكم تندمت نساء أن تزوجن برجال من غير موافقة أهلهن، وكم من بيوت تهدمت جراء التعدي على حكم الله في هذا الباب.
وفي الوقت نفسه: لم تُجِز الشريعة للأولياء التحكم التعسفي ببناتهم، وقد حرَّم الله تعالى عليهم عضل بناتهم ومنعهن من التزوج، لكن هذا التحريم هو في حال تقدم الكفء والموثوق في دينه وخلقه، أما إن جاء من ليس كذلك ورفضه الأب، فهو مأجور على رفضه، ولو مكثت المرأة حياتها كلها من غير زواج.
وليس للأب أن يجبر ابنته على من لا ترغب بنكاحه، وإذا فعل الأب ذلك كان آثماً، وللمرأة أن تطالب بفسخ النكاح إن أثبتت ذلك الإجبار.
سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -:
تعلمون - حفظكم الله - أن النساء ناقصات عقل ودين، وهنا تعرض مسألة وهي أن المرأة إذا اختارت رجلا غير صالح، وكان الرجل الذي اختاره والدها رجلا صالحا، فهل يؤخذ برأيها أم تجبر على من أن أراد والدها؟ .
فأجاب:
أما جبرها على من أراد والدها: فإنه لا يجوز حتى وإن كان صالحا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر "، وفي لفظ لمسلم: " والبكر يستأذنها أبوها في نفسها ".
وأما تزوجيها بمن لا يرضى دينه ولا خلقه: فلا يجوز أيضا، وعلى وليها أن يمنعها وأن يقول لا أزوجك من هذا الرجل الذي تريدينه إذا كان غير صالح.
فإن قال قائل: لو أصرت المرأة على أن لا تتزوج إلا هذا الرجل.
فالجواب: أنا لا نزوجها به وليس علينا من إثمها شيء، نعم لو أن الإنسان خاف مفسدة وهو أن يحصل بينها وبين هذا الخاطب فتنة تنافي العفة، وليس في الرجل شي يمنع من تزويجها به شرعا، فهنا نزوجها به درءاً للمفسدة.
" مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة " (ص 42) .
ثانياً:
يجب على الأب أن يحسن اختيار الزوج الصالح لابنته، ويجوز له أن يرد الخاطب لكونه متزوجاً، حتى لو كان قادراً على العدل؛ وهذا الأمر ليس فيه ما يوجب الإثم على الولي؛ لأن للولي أن يشترط على الزوج أن لا يتزوج على ابنته، فهو شرط مباح – على الصحيح؛ وبخاصة أن القليل ممن يعدِّد ليس عنده من المقومات ما تقوم به بيوته على العدل والمحبة وحسن التربية، وقد جاء في سنن النسائي (3221) أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما خطبا فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنها صغيرة "، فخطبها عليٌّ فزوَّجها منه.
وبه يعرف أنه يمكن رد صاحب الخلق والدين إن كان يرى الولي أن ابنته لا تناسبه، أو أنه لا يستطيع العدل بينها وبين زوجاته، والمحذور هو رد صاحب الخلق والدين والقبول بالفسقة أزواجاً لمن ولاهم الله تعالى أمرهن.
وليس لكِ أن تخالفي شرع الله تعالى في التزوج بغير ولي، وهو نكاح باطل إن حصل، كما لا يجوز لك أن تحادثي أو تراسلي ابن عمك، ولا يجوز ك النظر إليه؛ لأنه أجنبي عنكِ، ولا يجوز لك أن تخبري الناس بحبك له – أو لغيره من الأجانب – فهذا مما يعيب المرأة ويحرم عليها، فاكتمي ذلك إلى أن ييسر الله لك ابن عمك زوجاً أو يبدلك الله تعالى خيراً منه.
وقد تعجبنا من وصفكِ نفسك في آخر السؤال أنك " ملتزمة بالدين " وقولك في أول السؤال أنك تحبينه لدرجة الجنون! والواقع من الملتزمين والملتزمات ليس هذا، فقد يحب الرجل امرأة والعكس، لكن لا يصل الحب لهذه الدرجة إلا ممن نقص إيمانه، وسفه عقله؛ ولا ينبغي أن يتعدى هذا الأمر درجة الإعجاب والرغبة في النكاح، فإن حصل فخير، وإلا فلا يجوز أن ينشغل الطرفان بهذا الأمر حتى يغطي على العقل والتفكير السليم، والقصص المؤلمة في الحب الجنوني كثيرة أدت بأصحابها إلى جنون العقل، أو الوقوع في الفاحشة، أو ترك الدين لأجل الدخول في دين معشوقته، ونحن نربأُ بك عن هذا كله.
فاصبري حتى يفرج الله الأمر، واستمعي لكلام أهلك، ولا تخالفيهم، وعليك بالإكثار من التزود بالإيمان والتقوى، وإعمار قلبكِ بالحب لله ولدينه وللطاعة، واسألي الله تعالى أن ييسر لك زوجاً صالحاً، وتذكري بأنه سيكون لك – إن شاء الله – بنات فلا ترضي لنفسك ما لا ترضينه لهم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/345)
تزوج ثم ندم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج من خمسة أشهر لكني غير قادر على الانسجام مع زوجتي ذلك لقصرها قصراً فاحشا حيث إني كنت أبحث عن فتاة تناسبني في الطول، فلما وصفها لي أهلي قبل الزواج قالوا لي إنها طويلة، ولما نظرت إليها النظرة الشرعية قبل العقد كانت متزينة، ومسرحة لشعرها وتلبس الكعب العالي وقد لاحظت ذلك في أيام الخطوبة لكن توقعت أن يتحسن شعوري نحوها بعد الزواج فلما تزوجتها ورأيت شكلها الحقيقي وقصرها ولمست طريقة تفكيرها التي تختلف تماما عن طريقة تفكيري كرهتها وأصبحت لا أطيق الحديث معها، حتى إنها أحست بذلك وقالت لي: إنها تشعر بأنني غير مقتنع بها وأنني لا أطيقها، وأحيانا أدخل عليها وهي تبكي، فيتقطع قلبي لأجل الجريمة التي ارتكبتها في حقها، فهي لم تضرني في شيء، بل على العكس وضعتني فوق رأسها، وأحبتني حباً جماً، لكن ماذا أصنع؟ فأنا أحاول جاهداً إقناع نفسي بها لكن دون جدوى، حتى أصبحت تساورني فكرة الطلاق حتى أريحها وأريح نفسي، وتارة أفكر بالزواج من أخرى، أرجوكم أرشدوني إلى حلٍّ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه من المشاكل المتكررة، فأنت لست وحدك الذي يعاني منها، وأصل المشكلة في نظري هو عدم تمكين الزوج من رؤية المخطوبة الرؤية الشرعية الكاملة التي يجلس معها - بدون خلوة طبعاً - ويملأ عينه منها، بل حتى ربما يطلب إعادة الرؤية مرّة أخرى، وفي وقت آخر.
نعم، أنت أخطأت كثيراً حينما وجدت الشعور بالنفرة من هذه الفتاة وأحسست بها أيام الخطوبة فأتممت الزواج، وكان الأجدر بك هو عدم المخاطرة بمثل هذا الأمر، إذ المقدم على الزواج ينبغي أن يكون بكامل التهيؤ له، وليس التردد بالرغبة، فكيف بمن كانت تخالجه مشاعر عدم الرضى كما في حالتك.
المشكلة الحقيقية لديك هي أن هذه الفتاة تحبك وتقدرك، وتقوم بكامل حقوقك عليها، بل وأكثر، ثم هي أيضاً قد حملت منك، ولو كان الأمر بعكس ذلك، لما ترددت بنصحك بالانفصال عنها.
والأَمَرُّ من ذلك وأعمق حزناً أنها تحولت حياتها إلى جحيم لا يطاق، فهي لا تتوانى عن البكاء لما آل إليه حالها، وكيف تحطمت آمالها بالظفر بزوج تبادله الحب والسعادة.
نعم، إنها سنة الله، وحقيقة موجودة يجب أن نعترف بها، ونتعايش معها، وهي قضية عدم التوفيق، ووجود الطلاق، وتحطم الحياة في نظر أحد الزوجين أو كليهما، ولا يمكن التعايش مع مثل هذه الآلام إلا باستشعار الصبر والاحتساب من الله أولاً، ثم الوقوف على أسباب الفشل ثانياً. ولذلك وبما أنك قد كان منك نصيب من الخطأ فأنت يجب أن تتحمل جزءاً ولو يسيراً من عواقب هذا الأمر، والذي يمكن أن يتحدد في ثلاث اتجاهات هي:
أولاً: محاولة التعايش مع هذه الفتاة والتحمل قدر الاستطاعة، والانتظار على الأقل إلى حين قدوم المولود، فلربما تغيرت حالك وتبدل بغضك إلى حب.
ثانياً: إن كانت ظروفك تسمح لك بإبقائها مع النظر في الزواج من امرأة أخرى، تملأ عينك، وتُبْقِي بها على زوجتك الأولى، وترعى معها أطفالك، وتبعدهم عن آلام الانفصال والطلاق، فهذا أمر أيضاً يجدر بك التفكير فيه ملياًً.
الأمر الأخير: إذا لم تصلح معك الحلول السابقة، بل عجزت، وزاد بغضك وانزعاجك من البقاء معها، فقد شرع الطلاق لمثل هذه الحال.
وكونها تتجرع مرارة الطلاق أيسر لها كثيراً من العذاب المستمر معك، وربما تجد الزوج الذي تجد معه سعادتها، وأنت أيضاً ربما تجد الزوجة التي تجد معها سعادتك.
فيكون الطلاق وإن كان بغيضاً هو الحل والعلاج إذا تعذرت العشرة الحسنة بين الزوجين.
حاول التبصر في هذه الأمور الثلاثة، والتفكير فيها ملياً، وعدم التعجل في الأمر، وعليك باللجوء إلى المولى عز وجل بأن يفتح عليك ويلهمك رشدك في هذا الأمر فهو قريب من عباده الصادقين. أعانك الله ووفقك.
د. محمد بن عبد الرحمن السعوي
ونذكرك بقول الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19.
وقوله تعالى: (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) البقرة/216.
وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) رواه مسلم (1469) .
(لا يفرك) أي لا يبغض.
والمعنى: أنه لا ينبغي للمؤمن أن يبغض مؤمنة، لأنه إن وجد فيها خلقا سيئاً يكرهها بسببه، فسيجد فيها خلقا آخر محمودا يحبها بسببه ككونها عفيفة أو رفيقة به أو مطيعة. . . أو غير ذلك من الأخلاق الحسنة.
وهذا إذا كان فيها من الأخلاق ما لا يرضاه، فكيف إذا كانت قائمة بحقه على أتم وجه؟!.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/346)
كيف تخبر والدتها غير المسلمة أن زوجها على وشك أن يتزوج بامرأة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أفضل الطرق كي أخبر والدتي (غير المسلمة) ، والتي تنتقد الإسلام بشدة، أن زوجي على وشك الزواج بغيري؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس أن تذكري أمام أمك عَرَضَاً في أحد الأحاديث بينكما بأن زوجك يفكّر بالزواج من أخرى، وتذكري ما يدفعه إلى ذلك إن كان لديه أسباب قوية مثل عدم الإنجاب منك أو أنه لا تكفيه امرأة واحدة ونحو ذلك ويكون ذلك كمقدمة لها إذا علمت، ولكن لا تخبريها بالأمر الآن خشية أن تفتح عليكما باب المشاكل الذي ليس له مبرر، وهي إن علمت في المستقبل فبإمكانك بطريق أو أخرى أن توضحي لها أن الإسلام دين العدل ولا يرضى الظلم لأحد وأن في الزواج من أكثر من واحدة من المصالح العظيمة، ما لم تستطع الدول التي تدعي الحضارة الإتيان بها (انظر السؤال رقم 12528) ، وهي وإن لم تقتنع من أول وهلة، فسوف تقتنع مع مرور الأيام والسنين، ولكن يجب عليك أنت ألا تكثري من الشكاية والرفض لهذا الأمر أمامها لأنك بهذا تثيرينها لانتقاد دين الإسلام، بل الواجب عليك أن تظهري بمظهر القبول والرضى وحسن المعاشرة لزوجك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/347)
هل يأثم إذا لم يشعر بالراحة لشخص معين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت علاقتي مع إحدى الأخوات جيدة لكني في الواقع لا أحبها. أنا ألقي عليها السلام وأحاول أن أكون مأدبة عندما أتحدث إليها لكني أتجنب التواجد حولها أو التحدث إليها مدة طويلة. فهل يعتبر فعلي معصية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يجب على المسلم ألا يحمل في قلبه بغضا أو حقدا على أخيه المسلم، وقد قال تعالى عن عباده المؤمنين: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/10، وقال النبي - صلى الله عليه وسم - فيما رواه عنه أنس بن مالك رضي الله عنه: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) رواه البخاري (5718) ومسلم (2559)
وقال ابن عبد البر: " قوله لا تباغضوا نهي معناه الندب إلى رياضة النفس على التّحاب " الاستذكار 8/289
لكن قد يشعر المرء أن مودته مع شخص ما ليست بتلك الدرجة التي تجعله صديقا مقربا، مع أنه يؤدي حقه الشرعي من رد السلام والتشميت ومساعدته إن احتاج إلى مساعدة، ونحو ذلك، وليس ما بينهما من باب الهجر، فهذا يعفى عنه إن شاء الله، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسم – فيما روته عنه عائشة رضي الله عنها: (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) رواه البخاري برقم 3158، ومسلم برقم 2638
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُحْتَمَل أَنْ يَكُون إِشَارَة إِلَى مَعْنَى التَّشَاكُل فِي الْخَيْر وَالشَّرّ وَالصَّلاح وَالْفَسَاد , وَأَنَّ الْخَيِّرَ مِنْ النَّاس يَحِنّ إِلَى شَكْله وَالشِّرِّير نَظِير ذَلِكَ يَمِيل إِلَى نَظِيره فَتَعَارُف الأَرْوَاح يَقَع بِحَسَبِ الطِّبَاع الَّتِي جُبِلَتْ عَلَيْهَا مِنْ خَيْر وَشَرّ , فَإِذَا اِتَّفَقَتْ تَعَارَفَتْ , وَإِذَا اِخْتَلَفَتْ تَنَاكَرَتْ اهـ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الأَرْوَاح وَإِنْ اِتَّفَقَتْ فِي كَوْنهَا أَرْوَاحًا لَكِنَّهَا تَتَمَايَز بِأُمُورٍ مُخْتَلِفَة تَتَنَوَّع بِهَا , فَتَتَشَاكَل أَشْخَاص النَّوْع الْوَاحِد وَتَتَنَاسَب بِسَبَبِ مَا اِجْتَمَعَتْ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَى الْخَاصّ لِذَلِكَ النَّوْع لِلْمُنَاسَبَةِ , وَلِذَلِكَ نُشَاهِد أَشْخَاص كُلّ نَوْع تَأْلَف نَوْعهَا وَتَنْفِر مِنْ مُخَالِفهَا. ثُمَّ إِنَّا نَجِد بَعْض أَشْخَاص النَّوْع الْوَاحِد يَتَآلَف وَبَعْضهَا يَتَنَافَر , وَذَلِكَ بِحَسَبِ الأُمُور الَّتِي يَحْصُل الاتِّفَاق وَالانْفِرَاد بِسَبَبِهَا اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/348)
تشعر بالقلق فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر هذه الأيام بالقلق من شيء ما لا أدري ما هو، حاولت أن أنسى الموضوع ولكن بدون جدوى، أنا بحاجة لمساعدتك.
كوني فتاة مسلمة متزوجة، ماذا يجب علي أن أفعل لكي أنسى هذا الأمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خير علاج للقلق هو ذكر الله تعالى، والمحافظة على الصلاة، ومجانبة الفراغ.
قال الله تعالى في شأن الذكر: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد /2. وقال سبحانه: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) الإسراء /82. وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) يونس /57.
وقال في شأن الصلاة: (إن الإنسان خلق هلوعا. إذا مسه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعا. إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون) المعارج /19-23.
وقال: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) البقرة /153.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة [رواه أحمد وأبو داود 1319 وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 4703] ومعنى حزبه: أي نزل به أمر مهم أو أصابه غم.
وكان يقول: يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم7892] .
فالصلاة راحة القلب، وقرة العين، وعلاج الهموم والأحزان.
وأما الفراغ فإنه باب مفتوح نحو الخيالات والأفكار الرديئة وما ينتج عن ذلك من ضيق وقلق وهم.
فكلما شعرت بشيء من القلق والضيق فافزعي إلى الوضوء والصلاة، وقراءة القرآن، وانشغلي بالنافع من الأعمال، لاسيما أذكار الصباح والمساء والنوم والأكل والشرب والدخول والخروج.
والمسلم المؤمن بقضاء الله وقدره لا ينبغي أن يقلق لأمر الرزق أو الولد أو المستقبل بصفة عامة، إذ كل ذلك مكتوب قبل أن يوجد، لكن ينبغي أن يقلق لأجل ذنوبه وتقصيره في حق ربه، وعلاج ذلك يكون بالتوبة والمسارعة في الخيرات. وقد تكفل الله لأهل الإيمان بالحياة الطيبة فقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل /97.
وللمزيد انظر السؤال رقم (22704) و (21677)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/349)
تريد أن تأخذ كراسة خادمتها بدعوى أنها علمتها ما فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[تعمل لدينا في المنزل خادمة، وهي غير مسلمة , وقد قامت الوالدة بتعلميها جميع وصفات الطعام حتى أتقنتها , وهي بدورها (أي الخادمة) دونت ما تعلمته في كراسة خاصة بها. السؤال: الآن الوالدة ترغب في أخذ الكراسة الخاصة بالخادمة دون علمها بحجة أنها هي التي علمتها، ولها الحق في أخذ ما قامت بتعليمها , هل يعتبر ذلك ظلما للخادمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
استقدام الخادمات الكافرات واستئمانهن على البيوت والأولاد فيه خطر كبير على خلق ودين الأولاد.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
" أما استخدام الخادمات الكافرات سواء كن بوذيات أو نصارى أو غيرهما من أنواع الكفرة فلا يجوز في هذه الجزيرة، أعني الجزيرة العربية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من ذلك وأوصى بإخراج الكفار من هذه الجزيرة؛ لأنها مهد الإسلام , ومطلع شمس الرسالة، فلا يجوز أن يجتمع فيها دينان، ولا يجوز أن يستقدم إليها كافر إلا لضرورة يراها ولي الأمر ثم يعاد إلى بلاده " انتهى.
"فتاوى ابن باز" (6/361) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" لأن الكافرة لا ينبغي أن تبقى بين جنبيك في بيتك مع أهلك ومع أولادك، لو لم يكن في ضررها إلا أن أهل البيت يقومون للصلاة وهذه المرأة لا تصلي فيقول الصغار: لماذا لا تصلي هذه المرأة! وهم يحبونها، فيعتقدون حينئذ بعدم ضرورة الصلاة، هذا إن لم تكن تعلمهم دينها كما ذكر لنا من بعض الناس أنه سمع الخادمة وهي تلقن الصبيان الصغار أن عيسى هو الله عز وجل – نسأل الله العافية " انتهى.
لقاءات الباب المفتوح (3/53)
وانظر سؤال رقم (22980) , (26213) , (26282) , (31242) .
ثانيا:
نص العلماء على جواز أخذ الأجرة على تعليم الحرف الدنيوية، ولا شك أن طبخ الطعام وطرق إعداده من الحرف ذات الشأن الكبير في هذه الأيام.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/66) :
" لا خلاف بين الفقهاء في جواز الاستئجار على تعليم الحرف والصّناعات المباحة الّتي تتعلّق بها المصالح الدنيوية، كخياطة وحدادة وبناء وزرع ونسيج وغير ذلك " انتهى.
ثالثا:
بناء على ما سبق كان من الجائز شرعا لوالدتك أن تأخذ أجرة على تعليم الخادمة وصفات الطعام وطرق إعداده، لكن كان عليها أن تخبر الخادمة بذلك قبل البدء بالتعليم، أما والحال ما ذكر في السؤال فقد تعلمت الخادمة صنع الطعام برغبة والدتك واختيارها، وهي التي ساعدتها على ذلك بمحض إرداتها، فلا يجوز لها أخذ كراسة الخادمة التي دونت فيها ما تعلمته؛ فهي ملك لها، كتبتها بيدها واعتنت بها، وتعليم والدتك لها وقع على أنه تبرع محض.
فالحذر الحذر من استضعافها وأخذ ما هو حق لها ولو كانت غير مسلمة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله (6/362) لمن استقدم خادمة كافرة وظلمها:
" الواجب عليك وعلى والدتك إعادتها إلى بلادها، ولا يجوز لك ولا لأمك أذاها، بل الواجب استخدامها بإحسان حتى ترد إلى بلادها؛ لأن الله عز وجل حرم الظلم على عباده مع الكفار
لقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم , فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) رواه مسلم (2578) , ولقوله عليه الصلاة والسلام عن الله عز وجل أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي , وجعلته بينكم محرما , فلا تظالموا) رواه مسلم (2577) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/350)
هل يجوز له الأخذ من لحيته حتى لا يتعرض للأذى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سيتزوج صديقي في إحدى الدول الإسلامية، وهو مستقيم ويتبع السنة (يعفي لحيته) ، والدولة التي سيسافر إليها تحتجز الأشخاص الملتحين في المطار ثم تقوم الشرطة السرية بمتابعتهم، وصديقي لا يريد أن يسبب صعوبات لعائلة زوجته، حيث من المتوقع أن تتم متابعتهم ويتعرضون لمضايقات من قبل الحكومة، لذلك فإنه يرغب في تهذيب لحيته قليلا لهذه المناسبة فقط، ثم يطلقها مرة أخرى، وهو لم يكن ليقصر لحيته لولا الأسباب المذكورة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إعفاء اللحية واجب شرعي، وحلقها محرم، وقد سبق في جواب السؤال رقم (1189) بيان حكم حلق اللحية وأن حلقها من المحرمات.
وقد نقل ابن حزم رحمه الله اتفاق العلماء على أن حلق اللحية لا يجوز.
" المحلى " (2 / 189) .
وأما حلقها خوفاً من الاعتقال أو تعرض معفيها للأذى: فإن هذا الخوف ليس على درجة واحدة، فمنه ما يكون ظنّاً راجحاً، ومنه ما يكون وهماً، ومنه ما يستوي طرفاه.
ولا يجوز له حلق لحيته أو تخفيفها إلا في حالة الظن الراجح، ولا يجوز فيما عداه.
ويدخل هذا الفعل في باب الضرورة، قال الله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ) البقرة/173، أو في باب الإكراه، قال الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/106.
والإكراه المعتبر في هذا: أن يلحقه ضرر من عدم حلقها، أما مجرد المضايقة والسؤال والتحقيق، فإن هذه الأمور لا يسلم منها حالق اللحية، ولا تجيز لصاحبها الوقوع في الإثم.
وللإكراه شروط لا بدَّ من تحققها حتى يجوز للمسلم أن يترخص بفعل الحرام أو قوله إذا حصل له، ومعرفتها أمر هام لادعاء كثيرين أنهم مكرَهون وليس كذلك.
قال ابن قدامة:
ومن شرط الإكراه ثلاثة أمور:
أحدها: أن يكون من قادرٍ.
الثاني: أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه.
الثالث: أن يكون مما يستضر به ضرراً كثيراً , كالقتل والضرب الشديد، والقيد , والحبس الطويل، فأما الشتم والسب فليس بإكراه، وكذلك أخذ المال اليسير.
فأما الضرر اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به: فليس بإكراه، وإن كان في بعض ذوي المروءات على وجه يكون إخراقا بصاحبه (أي إهانةً) , وغضّاً له وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره.
وإن تُوُعِد بتعذيب ولده: فقد قيل: ليس بإكراه؛ لأن الضرر لاحق بغيره، والأولى: أن يكون إكراها؛ لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله، والوعيد بذلك إكراه , فكذلك هذا.
" المغني " (7 / 292) باختصار.
وإذا كان الأذى يُدفع بتخفيف اللحية فلا يحلقها بل يكتفي بالتخفيف، فالحلق أشد من التخفيف.
وينبغي التنبه إلى أنه يجب أن يكون محتاجاً إلى السفر لهذا البلد، أما مع عدم الحاجة إلى ذلك فلا يجوز له حلق لحيته من أجل السفر، لأنه غير مضطر إلى ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/351)
يضرب طفله ويقرصه وعمره سنة ثم يشعر بالندم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله على المال والذرية، فقد وهبني الله طفلاً جميلاً، وأنا ينتابني شعور غريب تجاه هذا الولد، وهو: عندما يبكى أخرج عن شعورى فأضربه وأقرصه وغيرها من الأشياء، وبعدها أجد نفسي مهزوزاً جسديّاً ونفسيّاً، مع العلم أنني أحبه بشدة، وعندما يحمله الناس يضحك ويلعب معهم، وعندما يراني أنا يبكي ويصرخ، ابني لم يتعدَّ عمره السنة، ماذا أفعل مع العلم أنني أصلي وأصوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا التصرف تجاه ولدك في غاية العجب، وهذه بعض الوقفات معك لعلَّ الله أن ينفعك بها:
1. يحتاج الطفل إلى طعام وشراب ونوم وهواء، والعطف والحنان من أطيب الأطعمة التي يقدمها الوالدان لطفلهما، فالحرص على الطعام المادي دون ذلك المعنوي تفريط في حاجة الطفل الفطرية لها جميعاً.
2. ولإعطاء الحنان للطفل نتائجه الإيجابية العالية، ولذلك كانت الوصية بإرضاع الطفل رضاعاً طبيعيّاً حتى يجتمع له طيب الطعام والشراب مع طيب المقام وهو حضن أمه، لذا وُجد في الأبحاث الحديثة عظم تأثير الرضاع من حليب الأم في نمو جسم الطفل وعاطفته.
ووجد – كذلك – العكس، وهو النتائج السلبية لحرمان الطفل من حليب أمه وحجرها، والمجتمعات التي كثر فيها العنف ضد الأطفال أضحت مجتمعات فاسدة انتشرت فيها الجرائم والموبقات.
وقد ذكر بعض المختصين في علم الاجتماع أن ضرب الآباء لأبنائهم وتعنيفهم المستمر لهم يربي عقداً نفسية لدى الأبناء، بل ويزيد من العنف الأسري، إلى أن يتفاقم ويمثل مشكلة من الصعب مواجهتها، إذ تحول العنف من الأسرة إلى المجتمع، ويصبح شكلاً من أشكال السلوكيات الشاذة، وضحاياه مؤهلون نفسيا لممارسة الإرهاب النفسي على الأفراد مما يهدد أمن المجتمع.
3. والذي يقسو مع أطفاله فإنما يخالف الفطرة والشرع، فقد فطر الله تعالى الناس على حب أولادهم لذا لم يوصِ الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم الآباء بأبنائهم فيما يتعلق بهذا الجانب، وعلى العكس فقد أوصى الأبناء بآبائهم وأمهاتهم، وحذَّرهم من العقوق.
وأما مخالفة الشرع: فإن الضرب وعدم الحنان تجاه الأطفال يدل على نزع الرحمة من قلوب من يفعل ذلك، وهو موجب لحرمانه من رحمة الله تعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحداً! فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَم) .
رواه البخاري (5651) ومسلم (2318) .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَان؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ) رواه البخاري (5652) .
وقد بلغت الرحمة من نبينا صلى الله عليه بالأطفال أن خفَّف الصلاة من أجل بكائهم رحمةً بهم وبأمهم.
عن أَنَس بْن مَالِكٍ حَدَّثَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ) . رواه البخاري (677) ومسلم (470) .
وجد: حزن.
4. واعلم أنك مفرِّط في تربية طفلك بفعلك هذا، وأنك قد ترى مساوءه في الدنيا قبل الآخرة،
إذ كيف لهذه المعاملة أن تثمر تربية صالحة وولداً سليماً بارّاً؟!
5. واعلم أن بكاء الطفل لا يكون من فراغ، بل لكل بكاء سبب، فالواجب عليك أن تأخذك الرحمة تجاه هذا البكاء لتعلم سببه، كأن يكون من مرضٍ أو من جوع، لا أن تبادر لضربه وقرصه والقسوة عليه، فتضيف لبكائه سبباً آخر وهو البكاء من الألم!
يقول أحد المختصين في الطب النفسي: " ويرى علماء النفس أن البكاء شأنه شأن سلوكيات أخرى تستخدم للتنفيس الانفعالي أو تفريغ الشحنة الانفعالية الكامنة في الشخصية فالبكاء والصياح والصوت الحاد المرتفع وتخريب الألعاب أو الممتلكات والتململ كلها وسائل تعبيرية عن حالة انفعالية مرتبطة بالغضب أو الحزن، ولما كان الإحباط الذي يتعرض له الطفل يولد شحنة نفسية عدوانية فإن البكاء يعد بمثابة التعبير عن هذه الشحنة والتخلص منها، وكف البكاء أو عدم البكاء قد يكون مؤشراً لكبت هذه الشحنة الانفعالية في النفس، وقد تنتقل إلى اللاشعور حيث ينساها الطفل لكنها لا تختفي تماما وتبقى لتعبر عن نفسها في الكبر بأساليب رمزية أو مرضية كالقلق والعدوان المدمر الظاهر كلما أتيحت الفرصة للطفل ".
6. واعلم – أخيراً – أن هزَّ الطفل قد يسبِّب إعاقات عقلية أو جسديَّة فكيف سيكون الأمر لو أنه تعرَّض للضرب؟
" فقد حذر باحثون أمريكيون مختصون من أن هزّ الأطفال قد يؤدي إلى وفاتهم أو إصابتهم بإعاقات عقلية شديدة، وأوضح الباحون أن تلف الدماغ الذي يميز الحالة التي تعرف طبيّاً بمتلازم هزّ الطفل يحدث عندما يتم هزّ الأطفال بعنف , وقد يسبب وفاتهم أو إصابتهم باعتلالات عصبية وعاهات عقلية: كالتخلف العقلي والشلل الدماغي والعمى ونوبات تشنجية شديدة وعسر القراءة واضطراب الانتباه وغيرها من الإعاقات التعليمية.
وقالت إحدى المختصات: إن بكاء الأطفال مزعج وموتر ولكنها طريقتهم في التعبير عن حاجاتهم، لذلك ينبغي أولا معرفة أسباب بكائهم والسعي لحلها بدلا من هزهم، منوهة إلى أن الأولاد أكثر عرضة للإصابة من البنات حيث يكون 57 % من الضحايا من الذكور.
وأشار الباحثون إلى أن هزّ الطفل بعنف عند بكائه أو رميه في الهواء وإمساكه أو هزه على الركبة بعنف أو الهرولة به كلها عوامل قد تؤدي إلى تلف دماغه نتيجة اندفاعه حول الجمجمة فيسبب تفجر الأوعية الدموية التي تغذيه ويحدث نزيف في المخ، ونوه الخبراء إلى أن الأطفال الرضع والحديثي الولادة يعتبرون أكثر الأطفال عرضة للإعاقات الناتجة عن الهز مقارنة بالأطفال الأكبر سنّاً ".
والخلاصة:
عليك بتقوى الله تعالى، وأن لا تخالف الفطرة، ولا تخالف شرع الله تعالى، وأن تكون حنوناً على طفلك الجميل، وأن لا تتسبب في خسارته أو إعاقته فتعيش عمرك كله بتلك الخطيئة، وانظر في حال النبي صلى الله عليه وأصحابه ليكونوا لك قدوة صالحة.
واحرص على الدعاء والرقية لك ولبيتك ولولدك خشية أن تكونوا مصابين بعينٍ أو سحر، والرقية نافعة بكل حال.
راجين لك التوفيق والعفو والعافية، ولطفلك السلامة من الشر، ونسأله تعالى أن يعينك على تربيته تربية صالحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/352)
تعلقت برجل متزوج ولا تستطيع الابتعاد عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[تَعَرَّفْت على صديق لها، ولكنه تركها وتزوج، ولها صديق آخر متزوج كانت تشكي له همومها، فتعلقت به ولا تستطيع الابتعاد عنه، وقد وعدها بأن يطلق زوجته ويتزوجها، ولكن أمه ترفض طلاق زوجته والزواج منها، وهي الآن تخرج معه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب عليكِ التوبة والاستغفار والندم على ما حصل منكِ من الاتصال برجال أجانب عنك، والحديث والخروج معهم.
كما يجب عليك فوراً قطع العلاقة بهذا الثاني، ودون تردد، فالعلاقة بينكما محرَّمة.
وكيف ترضين أن تكوني سبباً في طلاق زوجته، ولو كنت مكانها لما رضيت أن يطلقك زوجك من أجل امرأة أخرى دخلت بينكما لتفسد حياتكما.
ثانياً:
ولا نعرف كيف يقبل رجل عاقل الزواج من امرأة وهو يعلم أن لها علاقات محرمة مع رجل قبله، وهي لم تتب من تلك العلاقات؟!
فأين العفة والغيرة! أما يخشى أن يعود ذلك الرجل إلى حياتها مرة أخرى!
والأمر بصراحة بالغة: إما أن تكون المرأة تائبة أو غير تائبة، فإن تابت من تلك الاتصالات والعلاقات فلن يكون هناك لقاء وعلاقة بينه وبينها إلا الزواج، وفي هذه الحال لا بأس من أن يتزوجها، ولكن يطيع أمه، ولا يطلق زوجته الأولى.
وإن لم تتب من أفعالها فلا يبعد أن تقيم علاقات مع ثالث ورابع.
والأمر كذلك بالنسبة لكِ إذ كيف ترضينَ بالزواج من رجل رضي بإقامة علاقات محرمة من محادثات ولقاءات محرمة، وهو إن تاب فلن يكون هناك لقاءات بينكما، وإن لم يتب فمثل هذا لا يوثق به، وقد يكون هدفه التسلية معكِ، وإذا صدق في الزواج فلن يمنعه شيء من إقامة علاقات محرمة مع غيركِ.
لذا: الواجب عليكِ قطع العلاقة معه دون تردد، واستغفار الله تعالى من تضييع عمرك في المحرمات، واللجوء إليه سبحانه وتعالى ليطهِّر قلبك، ويزيل كل أثرٍ لتلك العلاقات المحرمة والتي أفسدت القلب والعقل، فضلاً عن نقصان الدين.
ويرجى إن صدقتِ في التوبة أن يرزقك الله تعالى خيراً منه، وأن ييسر لكِ الزواج من رجلٍ صالح عفيف، يعاشرك بالمعروف، ويساعدك على تحقيق رضى ربك تبارك وتعالى، وتُكَوِّني أنتِ وهو أسرة مؤمنة وذرية صالحة طيبة.
ولا تلتفتي إلى عاطفتك وقلبك، فالعاطفة هنا غلبت العقل والدين فهي مضرة لك في دينك ودنياك، وقلبك الآن مريض فلا ينبغي لك أن تجعليه قائداً يقودك نحو الهاوية.
واستعيني بالله تعالى، فما خاب من استعان به، ولا خسر من ذلَّ نفسه لربه تعالى، وأكثري من عمل الصالحات، وابحثي عن رفقة مؤمنة مستقيمة من النساء تستعيني بهن على ما يصيبك من هموم وغموم، ويعاونك على طاعة ربك عز وجل.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/353)
يرغب بالزواج منها وهي لا تلبس النقاب فهل يُقْدِم أم يبحث عن غيرها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عربي أعيش على تقاليدنا العربية الملتزمة أو ما يسمى بحسن الخلق والأدب الجم، ولكن هذا الالتزام لا يمت للالتزام الإسلامي بصلة، حيث لا يتعارض الالتزام بالتقاليد عندنا مع الموسيقى والاختلاط والتعامل مع البنوك الربوية وهكذا، تقدمت لخطبة فتاة من نفس المحيط الذي أعيش فيه وأسرتها من أصدقاء العائلة منذ زمن بعيد والجميع يبارك زواجنا لما هو معروف عنا نحن الاثنين من حسن الخلق، مشكلتي - للأسف - بدأت منذ بدأت أقرأ عن أحكام الزواج في الإسلام وبدأت ألتزم بداية من التقليل في الاختلاط والمواظبة على الصلاة في المسجد وإطلاق لحيتي وعدم التعامل مع البنوك وعدم سماع الموسيقى وما إلى ذلك، فالأسرتان الآن يعتبرونني متشددا إلا من رحم ربي، وأصبحوا يخيفون الفتاة مني مع أنها تحبني حبّاً شديداً وصرحت بهذا للجميع مراراً، الفتاة تريد الالتزام ولكنها لا تطيق بعض الأشياء مثل ارتداء النقاب أو تغطية الوجه، وبالطبع تعتبر هذه الأشياء من مظاهر التشدد والمغالاة في الدين بالنسبة للأهل. فهل أترك ذات الأخلاق الحميدة والأدب الجم والتي تحرص على صلاتها وأذكار الرسول - عليه أفضل الصلاة والسلام - وتحاول الالتزام والتي تحبني وتعلن هذا ولا تريد التخلي عني ولكنها لا تطيق بعض الأمور المتعلقة بدينها مثل تغطية الوجه، وأبحث عن أخرى ملتزمة ولكني لا أعلم أهلها ولا سلوكها وسيكون حكمي عليها بالسمع فقط ممن يعرفون أسرتها وسلوكهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله العظيم أن يثبتنا وإياك على دينه , وأن يرزقنا وإياك الزيادة في الطاعة والاستقامة.
أما بالنسبة لما سألت عنه فالأحسن لك هو الاقتران بتلك الفتاة التي يميل لها قلبك، وهي على الأمر نفسه، وليس فيها ما يعيب مما يدعوك لتركها، وكل ما في الأمر أنها تحتاج لقليل من الرعاية والعناية والتربية الإسلامية الحقة على تقبل أوامر الله تعالى والانقياد لها.
وقد يأتي بعد الزواج كثير من هذا، وبخاصة إذا أحسنتَ صحبتها وعشرتها، وإذا أبدلتَ بيئتها إلى بيئة خير منها، وهو ما ننصحك به ونحثك عليه.
ولا يوجد مانع يمنع المرأة المحبة لدينها والمطيعة لزوجها من الاستجابة لأمر الله فيما يتعلق بلباسها، وبخاصة أن هذا مما يزيد زوجها لها حبّاً واحتراماً.
وقد يكون رفضها للنقاب بسبب ما يفتريه بعض الجهال وأهل الأهواء من أن النقاب عادة جاهلية موروثة لم يأت به الإسلام , فعليك أن تبين لها حكم ستر المرأة وجهها , بالأدلة من الكتاب والسنة , وأن هذا الحكم قد اتفق العلماء على مشروعيته.
وذكِّرها بالصحابيات اللاتي سارعن إلى شق أكسيتهن لتتلفع الواحدة منهن بها لتغطي وجهها بعد نزول آية الحجاب، واجعلها تحرص على الصحبة الصالحة، وأعلمها أن الدنيا زائلة، وقريباً يلقى كل واحدٍ منا ربَّه بعمله.
ولا ينبغي لك ولا لها أن تهتما بما يقوله أهلكما ويحكمون به، فمثل تلك البيئات التي لا تَعلم أحكام الإسلام ولا تُفرِّق بين الانقياد للشرع والتنطع فيه: لا يُعتبر رأيها ولا يُقبل حكمها على مَن التزَم طريق الصلاح والاستقامة.
وإذا لم تستجب زوجتك لحكم الشرع في تغطية وجهها: فاصبر عليها، وحاول أن يصل إليها أمر الشرع من غير طريقك، وذلك كامرأة أخرى من الداعيات أو عن طريق الأشرطة والكتب لعلماء تثق بعلمهم ودينهم.
واستعن بالله تعالى، وداوم على دعائه بطلب التوفيق والإعانة وإقامة بيتٍ على ما يحب ربنا ويرضى عنه.
وأطلعها على جواب السؤال: (21134) ففيه: وجوب النقاب من الكتاب والسنة.
ولتنظر أنت جواب السؤال: (20343) ففيه: وجوب نصيحة الزوج لزوجته وطرق ذلك.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/354)
اتهمته زوجته وأهلها بأن في عقله شيئاً فهل يتزوج عليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 24 سنه تزوجت قبل سنة ودامت زيجتي ستة أشهر فقط، وبعدها اتهمني أهل زوجتي بأني رجل مريض عقليّاً، علما بأنني قمت بإثبات عكس هذا عن طريق الطبيب النفسي الحكومي، وقد تسبب لي هذا الشيء بموافقة زوجتي سامحها الله بالسوء، فماذا أفعل؟ هل أتزوج؟ علما أن مشكلتي مع زوجتي أصبحت في المحاكم قيد الطلاق، فهل إذا تزوجت الآن عليَّ إثم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن إثبات سلامة عقل الإنسان وحسن تصرفه مع الآخرين لا يحتاج إلى شهادة طبيب، فالعبرة بما يراه الإنسان لا بما يُحضره من أوراق.
لذا فإن اتهام أهل زوجتك لك إن كان نابعاً من أشياء يرونها منك، وكلمات يسمعونها منك: فإنهم قد يكون لهم ما يعذرهم، وعليك أن تعالج نفسك وتصلح من حالك لترفع عن نفسك ما حكم من أجله الآخرون عليك.
وإن كان ما قالوه في حقك ليس له أساس من الصحة، بل هو شهادة زور وإثم: فنرى أن تنصحهم وأن تبين لهم إثم اتهامهم لك بالباطل وأثر ذلك في التفريق بينك وبين زوجتك، فإن ارتدعوا فذاك وإلا فإن لك أن تقاطعهم، وأن تمنعهم من زيارتك وتمنع زوجتك من زيارتهم خشية من إفسادها عليك.
أما فيما يتعلق بنيتك الزواج من أخرى فالذي ننصحك به أن تتروى وتتأنى وتنظر في الدافع الحقيقي له، إذ كثيرا ما يكون القرار في مثل هذه الأحوال نابعاً من حب الانتقام من الزوجة وأهلها بسبب أذيتهم، وغالبا ما يتسبب هذا الزواج بهذه النفسية في إيذاء الزوجة الثانية إذا ما أصلح الزوج أمره مع الأولى وأهلها.
فإن لم ينصلح الحال بينك وبين زوجتك وأهلها: فنرى أن تتزوج عليها إما مع تسريحها وطلاقها، وإما بدون ذلك إن كان في نيتك الجمع بينهما فيما لو أصلحها الله تعالى، مع نصحنا لك بأن تحسن النية وتقصد الإصلاح فالله تعالى يقول في حق من يحصل بينهم شقاق من الأزواج (إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء/35
وننصحك أن تتقي الله تعالى في كل خطواتك وألا يدعوك هذا الأمر إلى عدم العدل في حقها، أو تذكيرها بما وقع منها مما اعتذرت عنه.
ونسأل الله أن يصلح أمرك وييسر لكم الخير.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/355)
تزوجها على أنه سيرجع لبلده بعد فترة ثم قرر عدم النزول
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء رجل لخطبتي وكان يعمل في إحدى الدول، واتفق مع والدي أن أسافر معه بعد الزواج وأقيم معه هناك فترة لا تتجاوز الثلاث سنوات على أن نعود سويّاً بعد انتهاء هذه المدة، وفعلا تزوجنا وسافرتُ معه، وأنجبت طفلين، ومرت الثلاث سنوات، وعندما طالبته بالعودة بناءاً على الاتفاق ثار وهاج، وأخبرني أنه لن يعود أبداً وأنه مهاجر وأن عليَّ أن أرضى بهذا الوضع، وعلاوة على ذلك هو رجل لا يعينني على طاعة الله، فلقد أدخل الدش بيتنا، ويتركني معه وحيدة طوال اليوم في هذه الغربة، فلا أستطيع أن أقاوم المشاهدة، وأيضا هو لا يخصص وقتاً ليقضيه معي في هذه الغربة، وكل وقته يقضيه بين عمله وأصدقائه، فلما وجدت نفسي لا أستطيع تحمل هذا الوضع طوال العمر قررت النزول إلى مصر بلا رجعة وأفوض أمري لله في زيجتي الفاشلة، ولكن المشكلة أنه يتهمني أنني امرأة خارجة عن طوعه وأنني عاصية وأن الله عز وجل سيعذبني يوم القيامة لأنني خالفت أوامر زوجي.
فهل أنا بالفعل امرأة عاصية أم أن عدم تنفيذه للاتفاق الذي بناءاً عليه تم الزواج يحلني من أي شبهه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على المسلم أن يلتزم بشروطه ويوفي بعهوده، ومن أحق الشروط أن يوفى بها ما استحل بها الرجل فرج امرأته – أي: الزواج -.
روى البخاري (2721) ومسلم (1418) عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ)
قال ابن قدامة في المغني (7 / 448) :
الشروط في النكاح تنقسم أقساماً ثلاثة:
أحدها: ما يلزم الوفاء به، وهو ما يعود إليها رأي إلى الزوجة نفعه وفائدته، مثل: أن يشترط أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها ...
فهذا يلزمه الوفاء لها به، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج ".اهـ باختصار
ولا بدَّ من التفريق بين أن يكون ما قاله الزوج شرطاً في النكاح أو وعداً بعد إتمام العقد، فإن كان شرطاً في النكاح (أي تم عقد النكاح بناء على هذا الشرط) فالزوجة مخيرة بين إسقاط الشرط عن زوجها أو أن تملك فسخ العقد إذا لم يف بهذا الشرط، وفي هذه الحال تستحق حقوقها كاملة.
وإن كان وعداً بعد الزواج فيجب عليه الوفاء بوعده إلا من عذر، ولكن لا تملك الزوجة فسخ النكاح إذا لم يف بهذا الشرط. هذا من جهة الحكم في هذه المشكلة.
والذي ينصح به الزوج أن يلتزم بشرطه وأن يوفي بوعده، أو يسترضي زوجته لإسقاط الشرط أو تأخير الوعد إلى أجل آخر مسمى، وعليه أن يتقي الله في زوجته ولا يُدخل في بيته أدوات المعصية واللهو المحرَّم.
وعلى الأخت السائلة أن تكون أكثر صبراً وتحملاً وتحاول أن توسط العقلاء من أهلها أو أهله لإزالة ما بينهما من خلافات.
ثانياً:
وقد أخطأ الزوج خطأً فادحاً وهو إدخال " الدش " في بيته، وتمكين زوجته من النظر إلى كل ما فيه من إثم ومعصية، والواجب على من استرعاه الله رعية أن ينصح لهم، وأن لا يفرط في رعايتهم وتربيتهم.
ثالثاً:
وقد أخطأت الأخت السائلة في فعلها، فهي لم تجبر على رؤية المنكر في " الدش "، وليست معذورة في كونها وحيدة، فبإمكانها الانشغال بطاعة الله تعالى والصحبة الصالحة والعمل المباح، وقراءة وسماع ما يفيدها في دينها ودنياها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/356)
أسباب الفتور وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحل الأمثل للفتور في الإيمان بعد أن كان الشخص يتقي الله ثم أصابه فتور بحيث لم يعد يستطيع أن يقرأ القرآن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للفتور أسباب لا بدَّ قبل العلاج من الوقوف عليها ومعرفتها. ومعرفتها من طرق وعلاج الفتور.
ومن هذه الأسباب: ضعف الصلة بالله تعالى، والتكاسل في الطاعة والعبادة، وصحبة ضعيفي الهمة، والانشغال بالدنيا وملذاتها، وعدم التفكر في نهاية الدنيا ويعقبه ضعف الاستعداد للقاء الله تعالى.
وأما كيفية علاج المسلم لما يصيبه من فتور في الطاعة والعبادة، فيكون بعدة أمور منها:
1. توثيق الصلة بربه تعالى، وذلك عن طريق قراءة القرآن قراءة تفكر وتدبر، واستشعار عظمة الله تعالى من عظمة كتابه، والتفكر في عظيم أسمائه وصفاته وأفعاله تعالى.
2. المداومة على النوافل والاستمرار عليها، وإن كانت قليلة فمن أكثر أسباب إصابة المسلم بالفتور هو الاندفاع بالطاعة والإكثار منها في أول الطريق، ولم يكن هذا هديه صلى الله عليه وسلم ولا وصيته لأمته، فقد وصفت عائشة رضي الله عنها عمله صلى الله عليه وسلم بأنه " ديمة " أي: دائم غير منقطع، وأخبرنا صلى الله عليه وسلم بأن " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ "، فإذا أراد المسلم أن لا يصاب بالفتور فليحرص على العمل القليل الدائم فهو خير من كثير منقطع.
3. الحرص على الصحبة الصالحة النشيطة، فصاحب الهمة يزيدك نشاطا، والكسول لا يرضى بصحبة صاحب الهمة، فابحث عن صحبة لها همم تسعى للحفظ وطلب العلم والدعوة إلى الله، فمثل هؤلاء يحثونك على العبادة ويدلونك على الخير.
4. قراءة الكتب المتخصصة في سير أعلام أصحاب الهمة لتقف على نماذج صالحة في سيرك إلى الله، ومن هذه الكتب " علو الهمة " للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، وكتاب " صلاح الأمة في علو الهمة " للشيخ سيد عفاني.
5. ونوصيك بالدعاء، وخاصة في جوف الليل الآخر، فما خاب من لجأ إلى ربه واستعان بمولاه ليثبته على الطاعة ويعينه على حسن أدائها.
ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/357)
حكم عمليات التجميل
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن عملية التجميل في الأنف هل هي حرام - خاصة وإذا كانت تتعبني نفسيّاً وتؤثر علي في حياتي، وأيضاً قال الأطباء إنها تحتاج عملية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جراحة التجميل تنقسم إلى قسمين:
1. جراحة التجميل الضرورية.
وهي الجراحة التي تكون لإزالة العيوب، كتلك الناتجة عن مرض أو حوادث سير أو حروق أو غير ذلك، أو إزالة عيوب خلقية وُلِد بها الإنسان كبتر إصبع زائدة أو شق ما بين الإصبعين الملتحمين، ونحو ذلك.
وهذا النوع من العمليات جائز، وقد جاء في السنة ما يدل على جوازه، ولا يقصد صاحبها تغيير خلق الله.
1- عن عرفجة بن أسعد أنه أصيب أنفه يوم الكُلاب في الجاهلية (يوم وقعت فيه حرب في الجاهلية) فاتخذ أنفا من وَرِق (أي فضة) فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب. رواه الترمذي (1770) وأبو داود (4232) والنسائي (5161) . والحديث: حسَّنه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (824) .
2- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن اللاتي يغيرن خلق الله. رواه البخاري ومسلم.
(النَّامِصَة) هِيَ الَّتِي تُزِيل الشَّعْر مِنْ الحاجبين , وَالْمُتَنَمِّصَة الَّتِي تَطْلُب فِعْل ذَلِكَ بِهَا.
(الْمُتَفَلِّجَات) هي التي تَبْرُد مَا بَيْن أَسْنَانهَا إِظْهَارًا لِلصِّغَرِ وَحُسْن الأَسْنَان.
قال النووي رحمه لله:
وَأَمَّا قَوْله: (الْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ) فَمَعْنَاهُ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلْحُسْنِ , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْحَرَام هُوَ الْمَفْعُول لِطَلَبِ الْحُسْن , أَمَّا لَوْ اِحْتَاجَتْ إِلَيْهِ لِعِلاجٍ أَوْ عَيْب فِي السِّنّ وَنَحْوه فَلا بَأْس، وَاللَّه أَعْلَم اهـ.
2. والقسم الثاني: جراحة التجميل التحسينية.
وهي جراحة تحسين المظهر في نظر فاعلها، مثل تجميل الأنف بتصغيره، أو تجميل الثديين بتصغيرهما أو تكبيرهما، ومثل عمليات شد الوجه، وما شابهها.
وهذا النوع من الجراحة لا يشتمل على دوافع ضرورية، ولا حاجية، بل غاية ما فيه تغيير خلق الله، والعبث بها حسب أهواء الناس وشهواتهم، فهو محرم، ولا يجوز فعله، وذلك لأنه تغير لخلق الله تعالى، وقد قال الله تعالى: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَاناً مَرِيداً * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) النساء/117-119. فالشيطان هو الذي يأمر العباد بتغير خلق الله.
وانظر كتاب " أحكام الجراحة الطبية " للشيخ محمد المختار الشنقيطي.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
ما الحكم في إجراء عمليات التجميل؟ وما حكم تعلم علم التجميل؟ .
فأجاب:
التجميل نوعان:
تجميل لإزالة العيب الناتج عن حادث أو غيره، وهذا لا بأس به ولا حرج فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لرجل قطعت أنفه في الحرب أن يتخذ أنفا من ذهب.
والنوع الثاني:
هو التجميل الزائد وهو ليس من أجل إزالة العيب بل لزيادة الحسن، وهو محرم لا يجوز، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة لما في ذلك من إحداث التجميل الكمالي الذي ليس لإزالة العيب.
أما بالنسبة للطالب الذي يقرر علم جراحة التجميل ضمن مناهج دراسته فلا حرج عليه أن يتعلمه ولكن لا ينفذه في الحالات المحرمة بل ينصح من يطلب ذلك بتجنبه لأنه حرام وربما لو جاءت النصيحة على لسان طبيب كانت أوقع في أنفس الناس. " فتاوى إسلامية " (4 / 412) .
وانظري جواب السؤال رقم (1006) .
وخلاصة الجواب:
إذا كان بالأنف عيب أو تشويه، وكان المقصود من العملية الجراحية إزالة هذا العيب، فهذا لا بأس به.
أما إذا كان المقصود هو مجرد الزيادة في التجميل والحسن فلا يجوز إجراء هذه العملية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/358)
يمنع زوجته من الظهور على أشقائه
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوج أخي منذ سنتين تقريبا، وخلال هذه المدة منع زوجته من الظهور على إخوته ولو بالحجاب ولا التحدث معهم أثناء زيارة إخوته له، وإلى الآن نحن لا نعرف شكلها ولا تكلمنا معها كلمة واحدة، السؤال: هل هذا جائز شرعاً أم فيه شيء من التزمت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المرأة أن تستر بدنها كاملاً ومنه وجهها عن الرجال الأجانب عنها، ويتحتم الحجاب أكثر على أقرباء زوجها من الأجانب، وهو عكس ما يفعله أكثر الناس من المتساهلين في هذه الأيام، وقد قال صلى الله عليه وسلم لما أراد بعض الصحابة استثناء أقرباء الزوج في الدخول على امرأته قال " الحمو الموت "، فالواجب – إذن – هو الاحتياط أكثر من أقرباء الزوج – ومنهم إخوانه – لما يقع من تساهل في هذا الأمر.
وقد أحسن أخوكم بمنع امرأته من الظهور عليكم، وقد أحسنت هي بالاستجابة لأمر الله وأمر زوجها، وليس هذا من التزمت في شيء بل هو من الاستجابة لأمر الله تعالى، ولا حاجة لإخوة الزوج في رؤية زوجة أخيهم فضلا عن الجلوس والحديث معها.
ومن أجاز من أهل العلم جلوس المرأة مع أقرباء زوجها فإنما أجازه بشرط عدم وجود ريبة في المجلس أو خلوة بينها وبين أحدهم أو حيث يوجد الغناء أو النظر المحرَّم من كلا الطرفين، وهذه – للأسف – هي أكثر مجالس عامة الناس، وفي حال خلو المجلس مما سبق من المنكرات والمحرمات مع التزام المرأة بحجابها الكامل فيجوز لها الجلوس والكلام بشرط أن لا تخضع بالقول إلا أن الأفضل والأكمل والأحوط أن لا تفعل، وهو ما فعله أخوكم، حتى تظل القلوب على نقائها وصفائها وخلوها من الطرق التي ينفذ من خلالها الشيطان.
ولا ينبغي أن يعكر فعل أخيكم على علاقتكم به، وعلى علاقة نسائكم بزوجته، فهما على خير ودين، وينبغي لكم التقرب منهما والاستفادة من طريقتها في علاقتهما مع الناس، واعلموا أن عتب الإخوة على أخيهم من عدم كشف امرأته عليهم أو عدم جلوسهم معها مما يوجب الريبة فيهم، ولستم – إن شاء الله – من هذا النوع من الناس، لكن قد يسوِّل الشيطان للمرء أمراً ويزينه له، فيجعل المعروف عنده منكراً، والمنكر عنده معروفاً، ويجعل التستر والحياء تزمتا، والتميع والانفلات ثقة وتقدما.
ونسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا وجوارحنا، وأن يجمع بينكم على خير، وأن يؤلف بين قلوبكم، وأن يجعلكم قدوة صالحة للناس.
وانظر جواب السؤال (21363) و (13261) – مهم –.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/359)
كيف يملأ الإنسان الفراغ
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من مشكله الفراغ الشديد، وبسبب الفراغ بدأت أصاب بحالة غريبة، فقد بدأت عباداتي تقل بشكل ملحوظ، ليس لسبب شيء يشغلني بل بسبب ما أصابني من اكتئاب، فأنا أحفظ القرآن على يد محفظة، ولكن مازلت في جزء عم، وأحفظ المطلوب منى، ويظل لدي وقت فراغ قاتل ولكي أتخلص من حالة الاكتئاب أفتح التلفزيون، ولكن أنا أكرهه ولا أرغب في مشاهدته، ولكني الآن أجلس أمامه أكثر من 10 ساعات، هل تصدق 10 ساعات؟ وأنا من كنت لا أجلس أمامه إلا قليلا لا أدري!! من فضلك انصحني ماذا أفعل لقتل الفراغ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعمة الوقت من النعم العظيمة التي امتن الله بها على عباده، حتى أقسم الله تعالى ببعض الوقت فقال تعالى: (وَالْعَصْرِ) ، لأهمية هذا الوقت وبركته، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسم -: (اغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك) انظر صحيح الجامع برقم (1077) .
ولما كان أكثر الناس جاهلين بقدر هذه النعمة، غافلين عما يجب عليهم نحوها من عمارتها بشكر الله وطاعته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) رواه البخاري (6412)
والمغبون هو الخاسر في بيعه أو شرائه.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: " ضَرَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُكَلَّفِ مَثَلا بِالتَّاجِرِ الَّذِي لَهُ رَأْس مَال , فَهُوَ يَبْتَغِي الرِّبْح مَعَ سَلامَة رَأْس الْمَال , فَطَرِيقه فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَحَرَّى فِيمَنْ يُعَامِلهُ وَيَلْزَم الصِّدْق وَالْحِذْق لِئَلا يُغْبَن , فَالصِّحَّة وَالْفَرَاغ رَأْس الْمَال , وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَامِل اللَّه بِالإِيمَانِ , وَمُجَاهَدَة النَّفْس وَعَدُوّ الدِّين , لِيَرْبَح خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالآخِرَة وَقَرِيب مِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى (هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى تِجَارَة تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَاب أَلِيم) الآيَات. وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِب مُطَاوَعَة النَّفْس وَمُعَامَلَة الشَّيْطَان لِئَلا يُضَيِّع رَأْس مَاله مَعَ الرِّبْح "
فتح الباري لابن حجر
وإذا كان الوقت بهذه المنزلة، فإنه لا ينبغي للمسلم أن يكون عنده وقت للفراغ، لأنه يتقلب من طاعة إلى طاعة، فإن لم يخرج من طاعة إلى أختها، فإنه يخرج إلى المباح.
وينبغي أن يصلح فيه نيته، ليكون له فيه أجر. كما قال معاذ رضي الله عنه: أما أنا فأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي " رواه البخاري (6923) ومسلم (1854)
والمشكلة التي تعاني منها الأخت سببها عدة أشياء:
أولا:
أنها لا تعرف قيمة الوقت، وهذا حال أكثر الناس كما سبق، بل الأدهى من ذلك أن هذه النعمة العظيمة، بإهمالها، والتفريط فيها، صارت فراغاً مدمراً، فاعتبرته عدواً لها، فهي " تقتله " ولم تدر أنها تقتل نفسها.
ثانيا:
أنها تحس بالاكتئاب، ولا شك أن إهدار الوقت، وإضاعة الحياة تسبب اكتئابا شديدا لدى الإنسان، لأنه يحس أنه مثل الدابة التي تأكل لتنام، وتنام لتأكل، ولهذا نرى كثيرا من أهل الكفر ينهون حياتهم بالانتحار، بعد إصابتهم بالاكتئاب والأمراض المستعصية، عافانا الله مما ابتلاهم به، كما أن من أول وأهم أسباب الاكتئاب معصية الله عز وجل، ولا شك أن إضاعة الوقت في النظر لجهاز التلفاز يؤدي بالإنسان إلى ارتكاب المعصية، من النظر المحرم، وسماع المحرم، وتضييع الوقت، وغير ذلك مما يسببه هذا الجهاز المفسد، والفوائد التي تجنيها الأخت في جلوسها في حلقة تحفيظ القرآن الكريم تذهب كثير منها أو كلها بجلوسها أمام التلفاز، فكما أن الحسنات يذهبن السيئات، فذلك السيئات تضيع الحسنات.
[يمكن الرجوع إلى قسم الكتب في الموقع، ففي " علاج الهموم " تفصيل أكثر لأسباب الهموم وكيفية التغلب عليها، وفي " أخطار تهدد البيوت " إشارة إلى بعض الآثار المدمرة لجهاز التلفاز.
ثالثا:
أنها تستسلم كثيرا لنفسها في مسألة الوقت، فليس لديها من العزم ما يقويها على ملء وقتها بما هو مفيد.
ولحل مثل تلك المشكلة، فإنه يجب على الأخت الفاضلة الحرص على النقاط التالية:
1. العبادات من الأذكار والأوراد والصلوات وتلاوة القرآن والصيام والتفكّر في آيات الله وآلائه.
2. بخصوص القرآن الكريم، وقد أشارت السائلة إلى أنها تحفظ المطلوب منها، ثم يبقى عندها من الفراغ ما تقتله بالتلفاز، فلِمَ لا تحييه بذكر الله، والاجتهاد في تلاوة القرآن، والزيادة في القدر المحفوظ حتى تكمل حفظه، قبل أن تنشغل بأعباء الحياة، إن كل حرف بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، إن كل آية هي رِفْعَة وزيادة، هي رقي وكمال، كما قال صلى الله عليه وسلم: (اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا) رواه أبو داود (1464) وصححه الألباني في الصحيحة (2240)
3. تبني قضية من قضايا المسلمات في البلد الذي تعيش فيه، كالمساهمة في تدريس البنات المسلمات ودعم المشاريع الخيرية ونحو ذلك.
4. الرفقة الصالحة باجتماعاتها والجيرة الطيبة بزياراتها.
5. القراءة في الكتب الإسلامية خاصة والقصص المفيدة عامة.
6. الانخراط في مجال الدعوة والأنشطة النسائية ورياض الأطفال في المراكز الإسلامية.
7. سماع الأشرطة والمحاضرات وتلخيصها وتوزيع الملخّص على من يستفيد منه.
8. تعلم بعض العلوم الدنيوية المفيدة من طبخ وخياطة ونحو ذلك.
9. اتخاذ الكمبيوتر والبرامج المفيدة وهو حقل واسع وبحر كبير يأخذ وقتا طويلا ويُمكن استثماره في عمل كثير من الأشياء الطيبة والمفيدة، وهذا يغني عن الجلوس أمام شاشة التلفاز التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وتضر أكثر مما تنفع.
وينبغي عليك مطالعة بعض الكتب التي تتكلم عن أهمية الوقت وكيفية تنظيمه، وسماع بعض المحاضرات النافعة في ذلك.
وفقنا الله وإياك لكل خير.
وللمزيد مراجعة الأسئلة (2267) (3619) (26869) (36546) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/360)
إحضار خادمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في إحضار خادمة لتخدم والدي الزوج وهو قادر ماديّاً والزوجة مشغولة جداً بالأطفال والتنظيف ولا يستطيع الزوج مساعدتها؟ مع العلم بأن الوالدين لا يفضلان هذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكلام عن الخادمات والنتائج السيئة من إحضارهن وإدخالهن لبيوت المسلمين كثير، لذا فإن على المسلم عدم اللجوء لإحضار الخادمات وإبقائهن في البيوت وخاصة إذا كان في البيوت مراهقون من الشباب، وعندما تكون الخادمة على غير دين الإسلام فإن المنع من إحضارها يتأكد، والمآسي التي ترتبت على مثل هذا الفعل أكثر من أن تُحصى.
ويقع الذي يحضر الخادمة – أيضاً – في محظورات منها: إحضارها من بلدها من غير محرَم، ومنها: تعرضها للخلوة بالأجانب في الغرف والبيوت، ومنها: النظر إليها وبالعكس.
لذا فقد حذر علماؤنا من استقدام الخدم إلا للحاجة أو الضرورة:
قال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين:
أولاً:
ينبغي ألا نستقدم خادمات أو خدماً إلا عند الحاجة أو الضرورة؛ وذلك أن هؤلاء الخدم إذا جاءوا فإنهم سوف يكلفون الإنسان نفقات لا حاجة إلى إنفاقها ولا ضرورة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن إضاعة المال ".
ثانياً:
أن بعضهم غير مؤتمنات تلك الأمانة التي نثق بها، لذا أقول: لا ينبغي أن نستقدم خادماً ولا خادمات إلا بشروط:
فبالنسبة للمرأة:
أولاً:
لا بدَّ أن يكون معها محرَم، فإن لم يكن معها محرَم: فإنه لا يجوز استقدامها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرَم "، فإذا استقدمتَها وليس معها محرَم: فهذه مخالفة لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً:
أن يكون محتاجاً إليها، فإن لم يكن محتاجاً إليها وإنما يقصد بذلك الترفيه وسقوط الكلفة ولو كانت يسيرة عن أهله: ففي جواز ذلك نظر.
الشرط الثالث:
ألا يخشى الفتنة، فإن خشي على نفسه الفتنة أو على أحدٍ من أولاده – إن كان عنده أولاد -: فإنه لا يجوز أن يعرِّض نفسه لذلك.
الأمر الرابع:
أن تلتزم ما يجب عليها من الحجاب بحيث تغطي وجهها ولا تكشفه، ولا يصح أن يستدل بقول الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} النور / 31، لا يصح الاستدلال بذلك على أنه يجوز للخادمة أن تكشف وجهها لمن هي عنده؛ لأن المستخدم لم يملكها وإنما هي أجيرة عنده، والأجيرة كالأجنبيَّة في مسألة الحجاب.
الشرط الخامس:
ألا يخلو بها، فإن كان ليس عنده أحدٌ في البيت: فإنه لا يجوز أن يستقدمها مطلقاً، وإن كان عنده أحدٌ في البيت وأهل البيت يذهبون عن البيت ويبقى وحده مع هذه الخادمة: فإن ذلك لا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرَم ".
" أسئلة الباب المفتوح " (رقم 619) .
وقال – أيضاً -:
أما إحضارها – أي: الخادمة – من بلدها من غير محرَم: فهو حرام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرَم "، وأما إذا كانت في البلد وأتى بها يستخدمها في بيته: فهذه إن كانت تأتي وتقضي الحاجة وتذهب إلى بيتها: فلا إشكال ي جواز هذا، أما إذا كانت تبيت عنده: فهذا على خطر، لا سيما إذا كان عنده شباب مراهقون فإنه يُخشى من المفسدة كما جرى في بعض الأحيان، أما إذا لم يكن عنده شباب: فنرجو – إن شاء الله – ألا يكون فيها بأس، لكن التنزه عنها أولى، وأن تبقى في مكان آخر وتجيء تقضي حاجته في الصباح أو المساء وترجع.
" أسئلة الباب المفتوح " (رقم 526) .
والخلاصة: أنه لما سبق من المحاذير الشرعية ولعدم وجود ضرورة وحاجة عندكم؛ ولعدم رغبة الوالديْن بإحضارها فإننا لا ننصح الأخ السائل بإحضار خادمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/361)
والدها متعلق بها تعلقاً محرَّماً فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 19 سنة ووالدي منجذب لي جنسيّاً، حاول إغوائي مرة وواجهته ولكنه لا زال يفعل، أخبرت والدتي ولكنها تصرفت وكأنها لا تدري عن الموضوع مع أنه لدي شعور بأنها تدري، أظن بأنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً لأننا نعيش في بلد غربي، وهو بلد جديد بالنسبة لنا ونعتمد ماليّاً على والدي ونريده بجانبنا.
أرجو أن تخبرني بطريقة التصرف مع والدي، وكيف أعامله، وهل أمتنع عن الكلام معه تماماً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا – والله – من المبكيات، فهل وصلت الحال بأن تنتكس الفطرة وتتلوث بالسوء من الوالد تجاه ابنته؟!
وهذا الوالد لا شك أنه مريض بانحراف نفسي وجنسي، وهو يحتاج للعلاج المكثف والسريع لقلبه وعقله ونفسه وجوارحه.
أما أنتِ فعليكِ أن تتخذي من التدابير ما يصعب على والدكِ فرصة أن يجد وقتا أو إمكانية للإغواء والتحرش، فلا تكوني وحدكِ معه في البيت، وأغلقي الباب عندما تكونين في غرفتك، ولا تسمحي له بالدخول عليكِ وحده، وهذا كله سيقلل من فرص التحرش، أما وقف هذه الممارسة بالكلية: فلن يكون إلا بعلاج الأب أو فضحه، وانتبهي أن عليكِ أن تستعدي لما يترتب على فضحه وكشف أمره من آثار عليكِ وعلى الأسرة كاملة، لكن هذا خير من بقاء الأمر على ما هو عليه الآن.
ولا بدَّ لأمك أن تتقي الله تعالى، وعدم مبالاتها لما يفعله زوجها أمر تحاسب عليه، وهي تعتبر شريكة له في جرمه؛ لأن بإمكانها أن تصده وتردعه عن فعله القبيح.
ويمكنكِ الاستعانة بأحد أقربائكِ الحكماء ليتدخل في الموضوع للحد من انحرافات هذا الأب المريض.
وهذه الأفعال القبيحة من الآباء لا شك أن لها أسباباً، وأنه لا يمكن لأحدٍ أن يعالج مشكلة دون أن يقف على الأسباب ويعالجها، وهذه الأسباب بعضها يرجع للأب وبعضها الآخر من البنت نفسها، وأسباب أخرى تعود للبيئة المكانية والزمانية.
ومن الأسباب التي تؤدي بالأب لهذا الانحراف الخطير:
1. ضعف الإيمان، وقلة الخوف من الله، وانعدام مراقبة الله.
2. الإدمان على الخمور والمخدرات.
3. مرض عقلي أو نفسي.
4. مشاهدة المثيرات الجنسية في القنوات الفضائية، ورؤية الصور الإباحية.
5. الفراغ والبطالة.
وأما الذي يكون من أسباب من البنت:
1. التساهل في اللباس، فكثير من البنات يلبسن الضيق والقصير أمام آبائهن وأشقائهن، وفي ذلك مخالفة للشرع بيِّنة، وفيها استثارة لقبائح الشهوات الكامنة في النفوس المريضة والتي تستثيرها من قبلُ القنوات الفضائية والصور الإباحية.
2. التساهل في بعض الأفعال، مثل التقبيل من الفم، أو المماسة المثيرة، أو النوم على سرير واحد أو في لحاف واحد مع أبيها أو أخيها، وهو مخالف للشرع – أيضاً – ومثير لكوامن الشر.
وإذا أردنا العلاج لمثل هذه الأفعال المخالفة للفطرة والشرع، فينبغي القضاء على تلك الأسباب التي تؤدي لمثل هذه الانتكاسات، ويكون ذلك بـ:
1. العمل على نشر الفضيلة والأخلاق بين أفراد الأسرة، وتقوية جانب الإيمان بالله ومراقبته والخوف منه، وذلك بالحفاظ على الصلاة والطاعات، والابتعاد عن المنهيات ومساوئ الأخلاق.
2. الابتعاد بالكلية عن رؤية وسماع وقراءة المثيرات من البرامج والقصص.
3. الابتعاد عن صحبة السوء، والتي لا تدل أصحابها إلا على الشر والسوء.
4. ابتعاد البنت عن اللباس المخالف للشرع، كلبس الضيق والقصير والشفاف، والابتعاد عن المماسة المثيرة والتقبيل من الفم.
5. الحرص على المسكن الواسع والذي لا تكون فيه البنت مع والدها أو أشقائها في غرفة واحدة أو في لحاف واحد.
6. ينبغي للأم أن يكون له دورها في مثل هذه المشاكل وذلك بعدم الغفلة وعدم التساهل مع ما تراه أو تسمعه مما يخالف الشرع ولا تنتظر على الأمور حتى تسوء ولا يمكن إصلاحها، بل عليها أن تكون متيقظة من أول الأمر، فلا تسمح لابنتها في التساهل، ولا لزوجها في أن يفعل ما يشاء.
7. وينبغي إعلام الأقرباء الحكماء بمثل هذه الأفعال لوضع الأمور في نصابها، فإن لم ينفع هذا مع الأب فيجب عليكم تقديم شكوى للقضاء الشرعي والجهات الأمنية لكف شرِّه عنكم.
8. وعلى أختنا السائلة أن تتشدد في الأمر ولا تتراخى في علاجه، وننصحها بالدعاء ولتتحرَّ أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل أن يهدي والدكِ وأن يكف شرَّه عنكِ.
9. ويحرم عليكِ التساهل مع أفعال والدك ويجب عليك دفعه بكل ما أوتيتِ من قوة، وارفعي صوتك في طلب المساعدة، ولو أدى هذا إلى فضيحته أو سجنه.
10. فإن لم تنفع تلك الحلول فلا ننصحكِ بالبقاء في البيت، وننصحك بالسكن مع أخوات مستقيمات أو مع أقربائكِ ممن تتوفر عندهم الظروف الشرعيَّة لسكنك معهم.
ونسألك الله تعالى أن يفرج كربكِ، وأن يزيل همَّك، وأن يهدي والدكِ، ويكف شره عنكم.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/362)
شتائم وخلافات مستمرة مع الزوج فهل تطلب الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة ولي ثلاثة أطفال، دائماً في شجار مع زوجي ويدَّعي بأنني لا أطيعه، في بعض الأحيان وفي نهاية الشجار أتلفظ بألفاظ لا يتلفظ بها المتقون وربما قالها هو، وفي 80 % من الحالات أشعر بأنني امرأة سيئة، وأن الملائكة تلعنني بالليل، وأشعر بأنني يجب أن أطلب السماح حتى لو أنني لست مخطئة، حينها أشعر بالراحة، ولكنني أشعر بالذنب، حين يقول عني زوجي بأنني دائماً أشتكي، ولو قلت كل ما يقوله زوجي عني لمكثت ساعات، زوجي يبالغ ويقول بأنه يريد أن يكون هو الرجل، فقلت له: إذاً لماذا لا نفترق كما قالت الآية. لا أشعر بالسعادة في حياتي ولا هو كذلك، أشعر بأنه ليس صادقاً مع نفسه لأنني لو كنت غير مطيعة له ودائماً أشتكي وأتصرف كالرجال فلماذا أبقاني معه حتى الآن؟ . أرجو أن تساعدني وتنصحني لأنني لا أريد أن أغضب الله ولا أغضب زوجي، هو يقول بأنني أغضبه كل يوم ودائماً أجادل. أسأل الله المغفرة، وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شرع الله عز وجل الزواجَ وامتنَّ به على الإنسان وجعله من آياته عز وجل، وأخبر أن من أعظم حكَم الزواج وجود السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم / 21] .
ولا يتم ما أراده الله تعالى من الزواج إلا إذا تحقق حسن العشرة بين الزوجين، وذلك بأن يؤدي كل منهما ما يجب عليه نحو الآخر.
فيجب على الزوجة أن تطيع زوجها بالمعروف، وأن تمكنه مما أباح الله له من الاستمتاع، وأن تقرَّ في بيتها ولا تخرج منه إلا بإذنه، ولها على زوجها الكسوة والنفقة والسكنى بالمعروف ولها عليه المعاشرة بالمعروف، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء / 19] .
والوصية للزوج – أولاً – أن يؤدي الذي عليه تجاه زوجته، فإن رأى منها تقصيراً في جانب فعسى أن تكون جوانب أخرى فيها تدعوه للإبقاء عليها وعدم تطليقها، قال تعالى: {فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء / 19] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يَفْرُك مؤمنًا مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر " رواه مسلم (1469) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومعنى " يَفْرُك ": أي: يبغض.
ونحن نرى أن الزوج قد فعل هذا، وأنه مع ما يجده من زوجته إلا أنه يصبر على أذاها، ولعلَّ هذا هو ما تعجبتْ منه الأخت السائلة، وأنه لماذا لا يطلقها، فقد يرى الزوج بحكمته وعقله أنه يوجد مجال لإصلاح الزوجة وتغيير طباعها، ويرى مفاسد تشتت الأسرة وضياع الأولاد بالطلاق أكثر من مفسدة الشجار وتطاولها عليه.
والوصية للزوجة أن تتقي الله تعالى في زوجها، ولتعلم أنه جنتها ونارها، فقد تدخل بسببه الجنة وقد تدخل النار، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " انظري أين أنتِ منه – أي: الزوج - فإنما هو جنتكِ وناركِ " – رواه أحمد (18524) وحسَّنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (220) - وقد أوجب الله تعالى عليها طاعته بالمعروف، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بعظم حقه عليها وأنه لو كان آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمر الزوجة أن تسجد لزوجها – كما رواه الترمذي (1159) وحسَّنه من حديث أبي هريرة -.
فالمرأة العاقلة تؤدي الذي أوجبه الله عليها، ولا تتعدى حدود الله عز وجل، ومِن تعدي المرأة على زوجها: سبُّها له، وكثرة خصامها معه، وإذا كان ثمة أولاد بينهما كان ذلك– منها – زيادة في الإثم لما في سبِّها له من تسببها في جرأة أولادها على أبيهم، وفقدان مهابته في قلوبهم، وهو ما يؤثر سلباً في تربيتهم.
وإذا كنتِ تعلمين من نفسكِ أنه يمكنكِ إصلاح ما أخطأتِ به فعليك بالمبادرة إلى الإصلاح، وذلك بالاستغفار والتوبة والندم والعزم على عدم العود لمثل تلك الفعال، كما يجب عليك طلب المسامحة من زوجك، والقيام بطاعته ومعاشرته بالمعروف، فتكسبين بذلك رضا الله، ورضا زوجكِ، وحسن تربية أبنائك، وهي السعادة البيتية التي يفتقدها الكثيرون، وحلُّها بأيديهم، لكنهم عنها غافلون أو عن إصلاحها مستكبرون.
وإن رأيتِ من نفسك عدم القدرة على إصلاحها أو عدم النية لذلك: فإننا ننصحكِ بالفراق، وطلب الخلع من زوجك، وعليك أن تؤدي له ما تصطلحون عليه من المهر أو أقل أو أكثر ليطلقكِ، وهذا خير لك من التمادي في المعصية وازدياد اكتساب الإثم.
فاحرصي – بارك الله عليكِ – على إصلاح بيتكِ وإسعادِ زوجكِ وتربية أبنائك، واحرصي على بقائك في عصمته بتحسين خلقكِ والكف عن كل ما ترينه شائناً لك ومفرِّقاً بينكِ وبين زوجكِ، ونرى في كلامكِ التحسر على ما يصدر منكِ من أفعال مخالفة للشرع، وهذا طيب ولكنه يحتاج لتقوية وتثبيت، واحرصي على الدعاء في أوقات الإجابة أن يطهر الله تعالى قلبك وجوارحكِ، وأن يرزقك حسن الأخلاق، ولا تترددي بالاعتراف بأخطائك لزوجك، وتعاهدي معه على الصلح وإصلاح نفسيكما، والكف عن الشجار والشتائم، واحرصا على الصحبة الصالحة، وننصحكما بأداء العمرة معاً، وأن يكون لكما برنامج لتقوية إيمانكما وزيادة الصلة بينكما كالصيام وقراءة القرآن وسماع الأشرطة المفيدة.
ونسأل الله أن يوفقكما لما فيه خير الدنيا والآخرة.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/363)
خالتهم تريد إفسادهم فهل يقطعون صلتهم بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة مع خالتي فهي تؤذي عائلتنا وبخاصة والدتي، لا تريد الزواج وعمرها حوالي 40 سنة، تعيش بمفردها وتحضر حفلات وأعراس محرمة، لا ترتدي الملابس الإسلامية، وتتصرف كغير المسلمين، وتختلط بالرجال الأجانب، تتشاجر مع والدتي، وتفعل أشياء سيئة لها ولنا، مصابة بمرض التهاب الكبد وحاولت أن تنقل لي هذا المرض متعمدة بأن تأكل من طعامي أو تشرب من كأسي أو تستعمل أحمر الشفاه الخاص بي وأنا لا أعلم، أخبرتني بأنها لا تحب والدتي ولكنها تصطنع السعادة إذا كانت والدتي موجودة، إذا زرتها تحاول أن تأخذني للأماكن المحرمة التي تذهب إليها، قطعت جميع علاقاتها بأفراد العائلة ما عدانا نحن الأطفال ولكنها تعاملنا بسوء، دائماً تكون في خدمة النساء اللاتي يغتبن الناس وينظرون لها باحتقار ولا تفعل أي شيء لأختها أو أقاربها، وتطلب منا نحن الأطفال بأن نساعدها في خدمة هؤلاء النسوة.
نحن وأمي لا ندري ما نفعل، لا نريد أن نقطع علاقتنا بها ولكن مع ازدياد وجودي معها أشعر بأن إيماني ينقص وتزداد أذيتها لنا، فماذا نفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأمر بصلة الرحم من أوائل ما نزل من التشريع في الإسلام، وقد دلَّ على ذلك أحاديث نبوية ثابتة ومنها:
أ. قصة إسلام عمر بن عبسة: وفيها سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم: وبأي شيء أرسلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أرسلني بصلة الأرحام , وكسر الأوثان , وأن يوحد الله لا يشرك به شيء) رواه مسلم (832) .
ب. وقصة أبي سفيان مع هرقل عندما أرسل إليه فقال: فما يأمركم - يعني: النبي صلى الله عليه وسلم - فقال: يأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة. رواه البخاري (7) ومسلم (1773) .
وقد حذَّر الله تعالى في آيات كثيرة من قطيعة الرحم، ورتَّب على القاطع عقوبات متعددة، ومنها استحقاقه للعنة الله وسوء العاقبة، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) الرعد/25.
وبعض الأقارب يتسببون في الإثم لواصلهم، وخاصة مع عدم قدرته على تغيير المنكر الذي عندهم، فيصرون - مثلاً - على بقاء الغناء وتحتم الاختلاط ومواصلة السب والاستهزاء والغيبة، ومثل هؤلاء يؤثرون في زائرهم وواصلهم، فيجب على المسلم أن ينصح رحِمَه وأقاربه قدر وسعه وطاقته، وهم أولى بهذا النصح من غيرهم، لكن حيث كان ذلك نافعاً فيهم إما يقيناً وإما بغلبة الظن، فإذا رأى منهم إصراراً على المعاصي وخاصة كبائر الذنوب، وكان ذلك مؤثِّراً في إيمانه ودينه يكتفي معهم بالحد الأدنى من صلة الرحم , حتى لا يكون الإنسان قاطعاً للرحم , فبدلاً من الزيارة يكتفي بالاتصال هاتفياً، وإذا زارهم لا يطيل الجلوس , وهكذا.
ولكن هذا بعد استفراغ الوسع والطاقة في نصحهم ووعظهم وردهم إلى الحق , مع الإلحاح على الله تعالى في الدعاء أن يهديهم سواء السبيل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/364)
أسلمت حديثا وتشعر بقلق من المستقبل
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت في دين الإسلام وأحاول أن أصلي كل يوم وأن أقرأ القرآن، لكني يسيطر عليّ دومًا قلق شديد من المستقبل خشية أن يحدث لي مكروه أو ما إلى ذلك، وتنتابني هذه المشاعر في الليل بصفة خاصة. من فضلكم أخبروني ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نهنئك على هذه النعمة العظيمة التي من الله عليك بها، وهي نعمة الدخول في الإسلام، والتمتع بالصلاة وقراءة القرآن.
ثانيا:
عليك بالحرص على أداء الصلاة المفروضة في أوقاتها المحددة لها شرعاً، وهي خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن الصلاة صلة ومناجاة بين العبد وربه، وهي أعظم فروض الإسلام وأركانه بعد الشهادتين، وهي نور للعبد في حياته، وفي قبره في الآخرة.
ولتحرصي على النوافل بعد أداء الفرائض، فإن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) رواه البخاري (6502)
ثالثاً:
ما تشعرين به من القلق والتخوف من المستقبل، أمر قد يصيب بعض الناس في مبدأ التزامهم وتمسكهم بالدين، ولعل السر في ذلك: أن الشيطان يغيظه انتقال العبد إلى الهداية، وسلوكه طريق الرحمة، فيسعى جاهدا لصرفه عن ذلك، كما أنه يوسوس له في جانب الله تعالى ما لا يليق ليحزنه ويقلقه، وهذا بحمد الله لا يضر المؤمن. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم حين شكي إليه ما يجده بعض الصحابة من الوسوسة: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) رواه أحمد (2097) وأبو داود (4448) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وأصل الحديث في الصحيحين.
وعليك بالإكثار من قراءة القرآن، وذكر الله تعالى، فإن الإنسان لن يعصم نفسه من الشيطان بمثل ذكر الله تعالى كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لاسيما الأذكار الواردة في المناسبات وأوقات معينة، كأذكار الصباح والمساء، والنوم والاستيقاظ، والخروج والدخول إلى المنزل، مع تطهير البيت مما يمنع دخول الملائكة كالكلب والصورة.
واعلمي أن المستقبل بيد الله تعالى، وما قدره الله سيكون، فخوفك أو قلقك منه لا يغيره ولا يبدله، فانشغلي بما يعود عليك بالنفع، وأحسني الظن بالله تعالى، فإن الله عند ظن عبده به، كما في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم) رواه البخاري (7066) ومسلم (2675) وعند أحمد (16059) بإسناد صحيح: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء)
فظني بالله تعالى أنه سيكرمك، ويرحمك، ويعطيك، ويسعدك في الدنيا والآخرة، لأنه يحب عباده الصالحين، ويكرم عباده المتقين، وأنت والحمد لله حديثة العهد بالإسلام، قليلة الذنوب والآثام، فأبشري بالحياة الهنيئة، كما قال الله:) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97
نسأل الله أن يوفقك ويذهب عنك ما تجدين من القلق والخوف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/365)
تواجه ضغوطاً اجتماعية جعلتها تترك الصلاة وتنزع الحجاب!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا آنسة من. . . أعمل رئيسة قسم في إحدى الوزارات.
من عائلة ميسورة، ولها علاقات مع كبار المسئولين بالبلد.
أحس بغربة شديدة في مجتمعنا، أكره الاختلاط، وعدم اهتمام المجتمع بالدين، وأحب الحجاب، وأقرأ القرآن. .
رفضت كل من تقدم لي؛ لأنهم بعيدون عن الدين وليسوا ملتزمين، ويشربون الخمر.
سافرت مع أهلي للعمرة، استمتعت بالصلاة في الروضة الشريفة، واستمتعت بالصلاة والدعاء في مكة، واستمتعت بمجتمع السعودية المحافظ، واستمتعت بلبسي للنقاب والعباءة الذي لا أستطيع أن ألبسه في بلدي، وكانت متعة لا مثيل لها، وكانت أياماً من أسعد أيام حياتي.
أعمل طول اليوم حتى الساعة السادسة بعد الظهر، ثم أرجع للبيت وأصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء مع بعض؛ لأجل أن الشغل ما فيه مجال ولا مكان لنا خاص حتى الأماكن التي ممكن أن نتوضأ فيها مختلطة.
أحس بقرف شديد وأحس أن إيماني ضعف كثيراً، وخائفة من الفتنة.
لا أستطيع أن أتزوج، ولا أستطيع أن أقوم بواجباتي الدينية، إما أن أعيش مثل سائر الناس، وأرضى بواحد فاسق - والمعذرة على هذه الكلمة - وإما أن أخرج من هذه البلد التي كل ما فيها قرف في قرف.
" أنا دخلت كل مواقع الإنترنت المخصصة للزواج وهذا آخر أمل لي ".
المشكلة الآن أني توقفت عن الصلاة! وتوقفت عن قراءة القرآن لأنني أحس أن عيشتي نفاق في نفاق، أريد أن أتحجب، ورغبتي في الحجاب أكيدة، وأريد أتزوج وأصون نفسي من الفتنة.
كل صلاتي تكون بكاء وبكاء وكل ما أقرأ القرآن أبكي بمرارة، حياتي أصبحت مرارة في مرارة.
أغيثوني، أنقذوني من الفتنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحن نقدر حجم المشكلة التي تعانين منها، ونقدر حجم الضغوط التي تتعرضين لها من أجل التنازل عن دينك والتزامك، وهذه المشكلة ليست مشكلتك فقط، بل هي مشكلة آلاف من المسلمين يريدون التمسك بأحكام هذا الدين القويم، ويريدون حياة الشرف والعفة والأخلاق، لكن تواجههم كثير من الصعاب، في ظل مجتمعات ـ وللأسف ـ انحرفت عن الإسلام كثيراً، وصارت تنظر بعين الاحتقار والسخرية والازدراء لكل من يتمسك بالدين، وفي ظل حكومات لا تتوانى في التضييق على الملتزمين، ولا يخفى على أحد ما تفعله بلادكم لحرب الإسلام والمتمسكين به، نسأل الله أن يرد كيدهم في نحورهم، وأن ينصر دينه وعباده المؤمنين.
ثانياً:
(ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) هكذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن السلعة الغالية تحتاج إلى ثمن كبير، وليس هناك أغلى من الجنة، ولهذا لابد أن يوطن المسلم نفسه على أن أي صعوبات يواجهها في طريقه إلى الجنة، أنها أمر متوقع، وهي في حقيقة الأمر ـ مهما بلغت شدتها وقسوتها ـ لا تساوي شيئا إذا ما قورنت بالنعيم الذي ينتظره في الجنة.
فهذا مما يهوِّن على المسلم مصائب الدنيا، والصعوبات التي يواجهها في طريقه إلى الله.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشد أهل الأرض بؤساً ـ وهو من أهل الجنة ـ أنه يؤتى به يوم القيامة ويغمس في الجنة غمسة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط. رواه مسلم (2807) .
والعقل يذهب في تصوير حال هذا الشخص (أشد أهل الأرض بؤساً) كلَّ مذهب، ويتصور أفظع المواقف والابتلاءات، ومع ذلك، فغمسة واحدة في الجنة تنسيه كل ذلك.
وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن أيام الصبر، والمتمسك بدينه في ذلك الوقت كالقابض على الجمر، ولعل هذا الزمان هو الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلابد من الصبر، ولابد من تحمل الصعاب ـ مهما كانت ـ بل لابد من مواجهتها، وإلا خسر الإنسان دنياه وأخراه (وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) .
ثالثاً:
في ظل ما تعانين منه من ضغوط اجتماعية وسياسية ـ ونحن نقدر شدتها وقسوتها ـ هذه بعض النصائح التي نهديها إليك وإلى كل من يواجه مثل هذه المشكلة، مع التنبيه إلى أنه في ظل هذه الضغوط قد يجد المسلم ضيقاً شديداً وصعوبة بالغة في التمسك بأحكام الدين، فلا مناص من الرضا بأنصاف الحلول، وبعض الالتزام خوفاً من تركه بالكلية، ولكن بشرط أن يتطلع المسلم دائما إلى الأفضل، ويسعى بكل وسعه إلى تجاوز الصعاب، والتدرج إلى الكمال شيئاً فشيئاً.
فـ " أنصاف الحلول " هذه، ما هي إلا مرحلة مؤقتة، وليست دائمة.
وما لا يستطيع المسلم فعله بكامله اليوم بسبب ما يواجهه من ضغوط، فليفعل ما يستطيعه منه ـ على ما فيه من نقص ـ حتى يصل إلى الكمال شيئا فشيئا، ويتقبل المجتمع انتقاله من حال إلى حال، فإن ذلك أسهل من مواجهات ومشاكل لا طاقة للإنسان بها.
وهذه بعض النصائح، واعذرينا إن أطلنا عليك، ولكن الأمر خطير، وبالغ الأهمية، ويحتاج إليه كما قلنا آلاف وآلاف من المسلمين، فلا تكفيه كلمة أو كلمتان:
1- " لا حول ولا قوة إلا بالله "
كلمة جميلة، وهي كنز من كنوز الجنة، ومعناها: لا قدرة لنا على التحول من حال إلى حال، من معصية إلى طاعة، ومن تقصير إلى كمال....إلا بمعونة الله وتوفيقه وتسديده.
فلابد من الاستعانة بالله أولاً وآخراً، وفي سورة الفاتحة التي يقرؤها المسلم كل يوم مرات ومرات: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، فلا نستطيع القيام بعبادة الله إلا إذا وفقنا الله لذلك وأعاننا عليه، ومن دعاء أهل الجنة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) الأعراف/43. وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا) "السلسلة الصحيحة" (226) .
فلابد من الاستعانة بالله والاعتماد عليه واستشعار أن الأمور كلها بيده، بكلمة "كن" يفعل ما يريد.
فاستعيني بالله، وفوضي أمرك إليه، وثقي بفرج الله (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) "أي كافيه" الطلاق/3.
2- الدعاء الدعاء
أكثري من الدعاء، بأن ييسر الله لك أمرك، ويوفقك لكل خير، ويلهمك رشدك، ويصرف عنك السوء وأهله، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه) فبالدعاء تفرج الهموم، وتزول الغموم.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ! قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ) رواه أحمد (10794) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1633) ، فالداعي على خيرٍ دائماً، ومهما أكثر من الدعاء فالله أكثر خيراً وإنعاماً وفضلاً.
3- العبادات لاسيما الصلاة
عليك بالاهتمام بالعبادات، فإنها تحيي القلب، وتنبه الغافل، وهي من أهم عوامل الثبات، وإكمال المسيرة، بعد توفيق الله تعالى.
وأعظم العبادات: الصلاة، فإنها ركن الدين الركين بعد الشهادتين، وعمود الإسلام، ولا حياة للقلوب من غير الصلاة، وإنها لتريح العبد من كل الهموم والمضايقات ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبلال: (أرحنا بها يا بلال) "صحيح سنن أبي داود" (4985) .
فصلي، واخشعي، وتدبري، وابكي، وأزيلي عنك هموم الدنيا وتعبها.
4- قراءة القرآن الكريم
حافظي على قراءة القرآن الكريم، ليكن لك وِرْد منه كل يوم، لا تتركيه، وليكن عندك تفسير مختصر يساعدك على فهم الآيات وتدبرها، كتفسير السعدي، أو أيسر التفاسير للشيخ أبي بكر الجزائري.
فإنه لا أعظم من كلام الله، ولا موعظة أبلغ من مواعظ الله، وليس هناك كتاب فيه الهداية والبيان والاستقامة وتفريج الكروب وإزالة الهموم: مثل القرآن.
5- الأذكار والأدعية
داومي على الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات والمناسبات المختلفة، كأذكار الصباح والمساء، وعند النوم والاستيقاظ، والأكل والشرب، وعند الخروج من المنزل، والدخول إليه...... وفي جميع الأحوال، مع التأكيد على أهمية معرفة معناها، ومن الكتب القيمة في هذا: كتاب "الفتوحات الربانية بشرح الأذكار النووية" لابن علان، فهو كتاب قيم، نتعلم منه معاني الأذكار، وكيف يكون تدبرها، حتى تحيى القلوب، وتكون متصلة بعلام الغيوب.
6- سماع المحاضرات والخطب المفيدة
استمري في سماع المحاضرات المفيدة والخطب، فإن الإنسان ـ دائماً ـ يحتاج إلى من يذكره ويرشده وينصحه، ومن خلالها يتعلم الإنسان كثيراً من أحكام دينه، ويتعلم كيف يتصرف عند الأزمات.
7- لابد من القراءة والتعلم
لابد أن تتعلمي وتقرأي وتتثقفي في الأمور الشرعية، فإنه (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) رواه البخاري ومسلم، فلابد من الفقه والفهم ومعرفة الأحكام الشرعية، وكثير من الأمور التي تتأزم وتتعقد لو تَعَلَّم الإنسان حكمها أو سأل أهل العلم، لوجدها سهلة ميسرة لا تعقيد فيها، فقد يكون له رخصة لا يعلمها، أو يكون هناك بديل في الشرع يتيسر به الأمر.
ومن الكتب المفيدة التي ننصح بقراءتها: "فقه السنة" للشيخ سيد سابق، "الملخص الفقهي" للشيخ صالح الفوزان، "عودة الحجاب" للشيخ محمد بن إسماعيل، كما يمكنك التعلم أيضاً عن طريق المواقع الإسلامية المفيدة.
ولابد أن يكون لك قراءة في التاريخ المعاصر، لاسيما في بلدك، وكيف تمت فيه محاربة الإسلام؟ وكيف كان مكرهم؟ فإن معرفة المسلم بذلك تبعث فيه روح التحدي فيزداد تمسكاً بالإسلام.
8- وأما موضوع الزواج
فهو في غاية الأهمية بلا شك، والمصالح المترتبة عليه بالنسبة لك كثيرة وكثيرة، منها:
أ- الاستقرار النفسي، والسكن والطمأنينة.
ب- سيكون سبباً بإذن الله لتخفيف الضغوط الاجتماعية والأسرية عنك، حيث ستنتقلين إلى سكن جديد مستقل عن أهلك وجيرانك ومجتمعك الذي يقيدك بقيود كثيرة لا تستطيعين الخلاص منها.
ج- تربية الذرية الصالحة على العفة والأمانة والحياء والتمسك بهذا الدين والعمل له، التربية التي افتقدها كثير منا – وللأسف -.
فيستطيع الإنسان أيفعل مع أولاده ما كان يتمنى أن يفعله معه أبوه، وتربية الذرية الصالحة من أهم مقاصد النكاح، والأمة تنتظر منك ومن أمثالك ممن يحبون هذا الدين، ويريدون الالتزام به، تنتظر منك ذرية صالحة مؤمنة، ينفع الله بها الأمة، ويغير الله بها الأوضاع إلى الأحسن.
وهناك مصالح أخرى كثيرة تحصلينها من وراء الزواج، ولذلك فنحن نؤكد عليك في هذا الأمر، ونظراًَ للظروف التي تعانين منها، فالنصيحة التي لا بد لك منها: إن جاءك من ترضين دينه وخلقه فلا تتأخري في قبوله، فإن لم يكن فارضي بـ (نصف متدين) ، إذا لم نستطع الكمال فلنرض بأحسن الموجود - وإن لم يكن كاملاً، وهذه نصيحة خاصة بك نظراً لظروفك الخاصة.
لا نعني بذلك أن ترضي بفاسق أو شارب للخمر، كلا، بل المراد أنه مستقيم في الجملة، محافظ على الصلاة، محب للدين عموماً، صاحب خلق ومروءة، وغيرة على الأعراض، وإن كان عنده بعض المعاصي الأخرى.
ويمكنك أن تأخذي بيده إلى الأحسن، بشخصيتك وقوة إقناعك وحكمتك في التعامل معه، كل هذا بعد توفيق الله تعالى لك وله.
ونحن لا نوافقك على أن دخولك مواقع الإنترنت هو آخر أمل لك، بل الآمال لا تنقطع، والمسلم دائما يرجو وينتظر الخير من ربه، ويحسن الظن بربه القائل في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) رواه البخاري ومسلم.
9- وأما مشكلة الحجاب وعدم استطاعتك لبسه
فنكرر مرة أخرى أننا نقدر مدى الحرب الضروس التي تواجهينها في بلدكم من أجل الحجاب، ولذلك نرى أنه لا مانع ـ نظراً لظروفك الخاصة ـ أن تتدرجي إلى الحجاب شيئاً فشيئاً، فما لا يقبله الآباء أو المجتمع اليوم، قد يقبله بالتدرج بعد شهر أو شهرين أو سنة.
فعليك أن تلبسي ثياباً محتشمة بقدر الإمكان، وتحاولي جاهدة تغطية الرأس، ولبس ملابس واسعة شيئاً فشيئاً، حتى إذا اعتاد منك الناس الاحتشام يمكنك أن تنتقلي خطوة أخرى إلى الأمام حتى تصلي إلى الحجاب الكامل الذي فرضه الله على نساء المؤمنين، والذي تريدينه أنت، واستمتعت به في بلاد الحرمين فترة وجودك بها.
لكن لا تتعجلي، شيئاً فشيئاً تبلغين ما تريدين بإذن الله.
وهذه الطريقة ليست هي الطريقة المثلى التي ينبغي أن يكون عليها المسلم، ولكنها تكون مقبولة عند الضرورة، وعند ظروف خاصة مثل التي تمرين بها، فتحصيل بعض الشيء أحسن من لا شيء، والوصول إلى الكمال شيئا فشيئا خير من خسارة كل شيء.
10- وأما الصلاة
فهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي صلة بين العبد وربه، فلذلك ينبغي أن يكون اهتمامك بها أشد، ولابد من المحافظة على أداء الصلاة في وقتها (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) أي لها وقت محدد. النساء/10.
ولا نظن أن هناك مشكلة بالنسبة لصلاتي الفجر والعشاء، وكذلك أيضاً صلاة المغرب في فصل الصيف، حيث سيدخل وقتها بعد خروجك من العمل بساعة أو ساعتين.
وعلى هذا، فهذه الصلوات لا عذر في تأخيرها عن وقتها، فاحرصي كل الحرص على صلاتها في الوقت المحدد لها شرعاً.
بقي عندنا صلاة الظهر والعصر، ويضم إليهما صلاة المغرب في فصل الشتاء.
والأصل - كما سبق – أنك تصلين كل صلاة في وقتها، فتحيني وقتاً يكون مكان الوضوء فيه خالياً من الرجال، فإن لم يمكن، فلا مانع من دخول "الخلاء" (مكان قضاء الحاجة) والوضوء بداخله، فإن الوضوء فيه صحيح، والغالب أن أرضيته – حتى وإن كانت مبتلة – تكون طاهرة، ويكون الماء الذي عليها طاهراً، فليس هناك محذور من الوضوء بداخله.
والواجب على المرأة عند الصلاة أن تستر جميع بدنها إلا الوجه والكفين، فإن كنت لا تستطيعين في الوقت الحالي أن تكون ثيابك هكذا، فاحتفظي بحجاب أو ثياب خاصة للصلاة في مكتبك تلبسينها وقت الصلاة.
وليس للصلاة مكان خاص لا تؤدى إلا فيه، بل تؤدى الصلاة في أي مكان، فيمكنك انتهاز فرصة وجودك في مكتبك بمفردك فتصلين.
فإن ضاق الأمر ولم تستطيعي أن تصلي كل صلاة في وقتها، فنرجو أن يكون لك رخصة في الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، فتؤخرين الظهر إلى وقت العصر وتصلينهما معاً، ولكن بشرط أن يكون ذلك قبل خروج وقت العصر، فيكون ذلك قبل غروب الشمس بنحو نصف ساعة أو ساعة إلا ربع، فإن لم يمكن فلك رخصة إلى غروب الشمس، وليس هناك عذر لتأخير صلاة العصر إلى ما بعد غروب الشمس.
وأما صلاة المغرب في فصل الشتاء، فإن أمكنك فعلها في العمل فهذا هو الواجب، فإن لم يمكن فلك تأخيرها وجمعها مع صلاة العشاء جمع تأخير، أي في وقت صلاة العشاء، فتصلين المغرب والعشاء معاً إذا رجعت إلى بيتك.
واعملي أنك بذلك لا تكونين أخرت الصلاة عن وقتها، فإن الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جائز للحاجة، ودفعاً للمشقة، سواء كان ذلك في الحضر أم في السفر، بخلاف قصر الصلاة، فإنه لا يجوز إلا في السفر.
لكن عليك أولاً أن تبذلي جهدك لفعل كل صلاة في وقتها، والمسلم لا تعوزه الحيلة، وقد كان بعض العسكريين الكبار لا يستطيع الاستئذان للصلاة، حتى لا يتهم بالأصولية أو الإرهاب، ويوضع تحت المراقبة، فكان يستأذن لدخول "الحمام" ثم يتوضأ ويذهب للصلاة، ثم يعود.
فلا نظن بك العجز عن التحايل وإيجاد فرصة لتصلي كل صلاة في وقتها، فإن لم يمكن فتجمعين بين الظهر والعصر كما سبق.
ونلفت نظرك في النهاية إلى أن كثيراً من المشاكل التي تتعرضين لها في العمل من تأخير الصلاة أو عدم قدرتك على لبس الحجاب، هي بسبب العمل في مكان مختلط بالرجال.
وعمل المرأة في مكان مختلط مع الرجال بلا ضوابط شرعية يؤدي إلى مفاسد كبيرة جدا، لا تخفى عليك، ولذلك كان من حكمة الشرع أن حرم هذا، فإن استطعت الانتقال إلى قسم آخر، أو عمل آخر، بعيدا عن الرجال، فإن هذا سيحل لك قدرا كبيرا من مشاكلك في العمل، أو تختارين ترك العمل رأساً، إلا إذا كان عليك ضغوط من أهلك في الاستمرار في هذا العمل، فنرجو أن يكون لك رخصة في الاستمرار فيه، مع محاولتك اتقاء مفاسده بقدر الإمكان.
وأخيراً. . يسرنا التواصل معك لإبداء الرأي والمشورة، ويسرنا أكثر وأكثر أن تبشرينا بأنك – فعلاً – قد عملت بهذه النصائح، وأنك قد انتقلت خطوات إلى الأمام، وأنك في طريقك إلى الكمال.
ونسأل الله تعالى أن يثبتك، ويوفقك لكل خير، ويصرف عنك السوء، ويرزقك الذرية الصالحة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/366)
أخوه يتعامل مع والديه فقط بجفاء وغلظه ويُشك بأنه مسحور
[السُّؤَالُ]
ـ[تغير تعامل أخي الأكبر مع والداي وأخوتي جميعاً، فهو لا يتحدث مع أحد منهم ويتلفظ بألفاظ سيئة مع والديه ويستاء منهم، بينما هو لطيف مع بقية الناس، أشك بأن زوجته قد عملت له سحراً، أرجو أن تخبرني إذا كان شعوري صحيحاً أم لا؟ وما هو الحل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله تعالى على الأبناء بر الوالدين، وحرَّم عقوقهما، وقد بيَّنا بعض حقوقهما في جواب السؤال رقم (5053) .
وما تنقله عن أخيك من فعله تجاه والديك هو أمر منكر، وهو من كبائر الذنوب، فالواجب نصحه وتذكيره بما أوجبه الله تعالى عليه تجاه والديه وأرحامه.
ولا يجوز لكم اتهام الآخرين بأنهم سحروا أخاكم، فقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الظن، وأخبر أنه " أكذب الحديث "، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا وكونوا إخواناً "، رواه البخاري (4849) ومسلم (2563) .
والواجب عليكم أن تبحثوا عن أسباب فعله هذا تجاهكم، فقد تكون هناك أسباب يمكنكم الوقوف عليها، وإعانته على تجاوزها.
فإن لم يوجد لذلك أسباب ظاهرة فلا بأس أن يُعرض على من يوثق بدينه وعلمه ليرقيه، ويتبين الأمر، فإن تبين أنه مسحور: فعليكم المداومة على ما يزيل سحره مما ثبت في القرآن والسنَّة.
وفي كل الأحوال: فمثل حالته تحتاج منكم لرويَّة وحكمة في التعامل معه، فسواء كان عاصياً لربه بسوء تعامله مع أهله أم كان مسحوراً فهو مريض، ويحتاج المريض إلى تلطف لإيصال العلاج المناسب لحالته.
ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال جميع المسلمين
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/367)
حصل لها مضايقات بعد إبلاغها عن امرأة سيئة في العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة في العمل، وهي باختصار شديد وجود أخطاء من زميلة في العمل مثل التزوير والتصنت على تليفونات الزملاء والعبث في أوراق العمل، وسألت بعض المواقع الإسلامية: هل يعتبر نميمة إن أخبرت مديري في العمل؟ فقالوا: هذا لا يعتبر نميمة، والأفضل أن تبلغيه لصالح العمل مادامت نيتك هي إصلاحها فكلما فعلت ذلك، وجدت استماعا من مديري، ووعد بإصلاحها، ثم فجأة نقلني أنا من وظيفتي لوظيفة أخرى، وأقام علي حربا لم أقدر على احتمالها، لدرجة أنه يستميل بعض الزملاء ضدي، ويحثهم على مضايقتي. وسؤالي الآن ماذا أفعل في هذه الغابة، دون أن أغضب الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن بذل النصيحة لعباد الله هو من أعظم شعب الإيمان وشعائر الإسلام حتى إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعلها هي الدين تعظيماً لشأنها، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الدِّينُ النَّصِيحَةُ..) رواه مسلم (55) ، وأخبر الله تعالى أن من قام بذلك هو المفلح حقاً (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/104 وما دمت قد أديت ما عليك من واجب النصيحة، وكان مقصدك هو الإصلاح، فلا تحزني لما أصابك من البلاء، فالجنة سلعة الله وسلعة الله غالية قد حفّت بالمكاره، ولكل شيء ثمن.
واعملي أن كل من قام بهذا الواجب العظيم لا بد أن يواجهه الناس بما يكره من الأذى، أو الصدود، ولأجل ذلك قال لقمان الحكيم لابنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) لقمان/17 ثم اعلمي أن العاقبة للمتقين، وأن الله لا يضيع أجر المحسنين، وهو سبحانه مع الصابرين. فالجئي إليه، واعتصمي به، وقولي: حسبي الله ونعم الوكيل، قال الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) آل عمران/174، 175
فمهما كاد لك الخصم ودبّر، فإن كيده السيء راجع عليه، (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) فاطر/43، فأبشري بنصر الله وتأييده، وأكثري من الدعاء والاستغفار، واعلمي أن دعوة المظلوم لا ترد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة المظلوم) رواه أبو داود (1536) والترمذي (1905) وابن ماجه (3862) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
لكننا نصحك أن تتركي هذا العمل وتريحي نفسك مما فيه من المنكر والأذى، وانتقلي إلى مكان آخر، لعل الله أن يبدلك خيراً منهم، ويولِّي عليك أميناً رفيقاً.
فإن لم يمكنك الانتقال عن هذا المكان، فاجتهدي في الحصول على إجازة، مدة ما تهدأ الأمور، ولعل الله أن يهيئ لك من أمرك رشداً.
وإن أمكنك الاستغناء عن ذلك العمل من أصله، وتوفير جهدك وقلبك وأعصابك لبيتك وأولادك، فهو الرأي حق الرأي، والله يأجرك على ذلك بمنّه وكرمه، ويخلف لك خيراً عميماً من عنده.
نسأل الله أن يفرج كربك ويذهب همك ويكفيك شر كل ذي شر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/368)
تحمَّل المسئولية فأصيب بالقلق والاكتئاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً أنا شاب أبلغ من العمر 20 سنة، أدرس في كلية الطب، توفي والدي في الفترة الأخيرة، وأصبح جُلّ المسؤوليات على عاتقي، علماً بأن لي أخاً أكبر مني لكنه عاجز، أصبت قبل أيام بحالات اضطراب نفسي، وأصبحت أخاف من المرض والموت وتأتيني حالات بأني سأموت اليوم وما شابه ذلك من الأفكار الغريبة، ذهبت إلى دكتور نفسي وقال لي: إنك تعانى من القلق والاكتئاب، أعطاني دواء ولكن لم آخذه.
التزمت - والحمد لله - والتجأت إلى الله عز وجل، والحمد لله أنا الآن أحسن بكثير مع قراء ة القرآن والصلاة في المسجد، سؤالي هو: هل حالتي تتطلب الدواء أو لا؟ وهل هذا من الشيطان أم مرض عضوي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا غنى للمؤمن عن ربه عز وجل، فهو – عز وجل – الذي يجلب النفع ويدفع الضر، فلجوؤك إلى الله عز وجل هو الفعل الصحيح.
الموت حق، وقد كتبه الله تعالى على كل نفسٍ، كما قال عز وجل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) آل عمران/185، ومهما بذل الإنسان من أسباب فإنها لن تدفع عنه قدر الله عز وجل وقضاءه ومنه الموت.
لا ينبغي للخوف أن يصد العبدَ عن الطاعة بل العكس هو الصواب، فالخوف هو الذي يقوده للطاعة ويحثه على العبادة، والخوف – كما يقول ابن قدامة – " سوط الله تعالى يسوق به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل، لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالى ".
وقد يؤدي الخوف بصاحبه إلى همٍّ وغمٍّ ومرض، وقد يؤدي به إلى اليأس من رحمة الله تعالى، وهنا يكون خوفه غير محمود بل مذموم.
وينبغي أن يُعلم أن كثيراً من الهموم والضغوط النفسية سببها عدم الرضا، فقد لا نحصل على ما نريد، وحتى لو حصلنا على ما نريد فقد لا يعطينا ذلك الرضا التام الذي كنا نأمله، فالصورة التي كنا نتخيلها قبل الإنجاز كانت أبهى من الواقع.
وحتى بعد حصولنا على ما نريد فإننا نظل نعاني من قلق وشدة خوفا من زوال النعم، فلا علاج لهذا إلا بالرضا بقدر الله تعالى والشكر على نعمه والصبر على ما يقدره الله تعالى من الشدائد والمصائب
وقد تكون حالتك بحاجة لطبيب، لكن لتعلم أن أكثر أمراض الناس ليست أمراضاً عضوية بل هي نفسية تؤثر على الأعضاء.
يقول الدكتور الفاريز: لقد اتضح أن أربعة من كل خمسة مرضى ليس لعلتهم أساس عضوي البتة، بل مرضهم ناشئ من الخوف، والقلق، والبغضاء والأثرة المستحكمة، وعجز الشخص عن الملاءمة بين نفسه والحياة ".
فانظر كيف أن بكاء يعقوب عليه السلام على ابنه يوسف عليه السلام أفقده بصره، وكيف أن الغم بلغ مداه بعائشة رضي الله عنه عندما تطاول عليها أهل الإفك فظلت تبكي حتى قالت: " ظننت أن الحزن فالق كبدي " متفق عليه.
قال الدكتور حسَّان شمسي باشا:
وفي حالات القلق يزداد إفراز مادة في الدم تدعى " الأدرينالين "، فيرتفع ضغط الدم، ويتسرع القلب، ويشكو الإنسان من الخفقان، أو يشعر وكأن شيئا ينسحب إلى الأسفل داخل صدره.
ويظن بقلبه الظنون، ويهرع من طبيب إلى طبيب، وما به من علة في قلبه، ولا مرض في جسده إلا أنه يظل يشكو من ألم في معدته واضطراب في هضمه، أو انتفاخ في بطنه، واضطراب في بوله أو صداع في رأسه. اهـ
انتهى
فعليك بالإيمان والتقوى والمحافظة على الأذكار والأوراد الشرعيَّة فهي من أعظم أنواع العلاجات لإزالة ما يتكدر به الخاطر، وما تحزن من أجله النفوس.
ومن الأدعية النبوية في هذا الباب:
1. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضَلَع الدين وغلبة الرجال ".
رواه البخاري (6008) .
ضَلع الدَّين: غلبته وثقله.
2. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي: إلا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجاً.
قال: فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
رواه أحمد (3704) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (199) .
3. عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.
رواه الترمذي (3505) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (3383) .
ومن المهم الرجوع إلى جواب السؤال: (21677) و (32457) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/369)
زوجة أخيها تسيء إليها لأنها ملتزمة وتكرهها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 18 سنة ومشكلتي هي أن زوجة أخي تسئ معاملتها لي دائما وعندما سألتها أختي عن سبب ذلك قالت إنها لا تحب المطاوعة!!
وتقصد من ذلك أنني أنا ملتزمة لذلك لا تحبني، وقد عانيت كثيراً من سوء معاملتها لي لدرجة أنني عندما تزورنا أسلم عليها ثم أجلس في غرفتي حتى تذهب لأنني إذا جلست معها تبدأ تسب الملتزمين وتقصد من ذلك الإساءة لي، وعندما أنصحها تنظر لي بنظرة سخرية واستهزاء ثم تتركني وتذهب، وفي الآونة الأخيرة أصبحت لا تريد التحدث معي أبداً، فهل يجوز لي معاملتها بالمثل بأن لا أكلمها - مع العلم أنني نصحتها في السابق عدة مرات ولكنها تزيد عناداً -؟ وقد نصحتني إحدى أخواتي الملتزمات بأن أبتعد عن زوجة أخي قدر الإمكان لأنها لا تصلي إلا نادرا وتكثر من سب الملتزمين، وأنا الآن في حيرة من أمري وأتمنى من فضيلتكم إرشادي إلى أفضل طريقة للتعامل مع هذه المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما تارك الصلاة فقد بيّنا حكمه وأن بعض العلماء – وهو الراجح - قد حكم بكفره وعدم تزويجه أو بقاء الزوجة عنده وحرمة ذبيحته إلى غير ذلك من أحكام قد ذكرناها مفصّلة،
فانظري جواب السؤال (34795) و (20059) .
ثانياً:
أما استهزاء زوجة أخيكِ بالملتزمين وسبهم والسخرية منهم: فلتعلم أنها بهذه الأفعال على خطر عظيم، وأن هذه الأفعال قد تخرجها من الملة.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب قائلا: الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، لكونهم التزموا بذلك محرم وخطير جدّاً على المرء، لأنه يخشى أن تكون كراهته لهم لكراهة ما هم عليه من الاستقامة على دين الله وحينئذ يكون استهزاؤه بهم استهزاء بطريقهم الذي هم عليه فيشبهون من قال الله عنهم: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) التوبة/65–66، فإنها نزلت في قوم من المنافقين قالوا: " ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء – يعنون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه – أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء ". فأنزل الله فيهم هذه الآية.
فليحذر الذين يسخرون من أهل الحق لكونهم من أهل الدين فإن الله - سبحانه وتعالى – يقول: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون. وإذا مروا بهم يتغامزون. وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين. وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون. وما أرسلوا عليهم حافظين. فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون. على الأرائك ينظرون. هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون) المطففين/29–36.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / السؤال رقم 236) .
وسب المسلم من كبائر الذنوب، وبخاصة إذا سبَّهم لالتزامهم واستقامتهم، وهنا يُخشى على السَّابِّ أن يقع في الردة، كما سبق في الاستهزاء.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ". رواه البخاري (48) ومسلم (64) .
قال النووي:
السب في اللغة الشتم والتكلم في عرض الإنسان بما يعيبه، والفسق في اللغة: الخروج. والمراد به في الشرع: الخروج عن الطاعة.
وأما معنى الحديث: فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. " شرح مسلم " (2 / 53، 54) .
فننصحك بإيصال النصح لها ولو كان ذلك عن طريق أخيك لكان أفضل، وأوقفيه على حكم أفعالها في الشرع، وليحرص على هدايتها ببذل ما يستطيعه من وسائل.
ولا ننصحك بمجالستها إلا أن تتوب وترجع إلى ربها عز وجل، ونخشى عليكِ من ردة الفعل تجاهها، كما نخشى عليها من زيادة الإثم كلما رأتكِ أو جلست معكِ.
وقال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام/68.
وقد يكون كلامك معها، وعدم مقاطعتك لها أنفع لها لما فيه من تأليف قلبها، ولتقتصري على مثل السلام والترحيب بها والسؤال عن أحوالها من غير الخوض معها في نقاشات مما قد يجرها إلى الوقوع في المحرم.
ولا تنسي - مع بذل الجهد في نصحها – أن تدعي لها بالهداية والصلاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/370)
والدها أساء معاملتها وأمها فحقدت عليه وأثَّر على علاقتها بزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ عامين، وزوجي - والحمد لله - يتقي الله في معاملتي، إلا أني أواجه عقداً نفسية نتيجة لوالد لم يراع الله بي وبأخوتي وأمي، مما زرع الحقد في قلبي وقلب إخوتي له، ورغم أني تزوجت وابتعدت عن تلك الحياة المأساوية فأنا لا أستطيع سوى أن أحزن لحزن أمي وإخوتي، فهم ما زالوا يعانون مما يؤثر علي في معاملتي لزوجي الذي يحترمني، إلا أن صبره ينفذ حين يراني حزينة معظم وقتي ويعتقد أنني أحب النكد، فماذا أفعل؟ كما أنني وإخوتي لا نستطيع احترام والدنا نتيجة لطريقة معاملته لنا، فماذا نفعل للتخلص من حقدنا له؟ ، واعلم أنا نجاهد لاحترامه، ولكنه لا يحترم أحداً ويعاني من عقدة كره كل من هو أفضل منه، وعنده عقدة حب الظهور والتميز، أي: يُري الناس أنه يملك الكثير رغم أنه لا يملك شيئا بل عليه ديون. أرجو مساعدتي في حل المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما والدكم فالواجب عليكم مداومة نصحه، وتذكيره بما أوجب الله عليه تجاه نفسه وتجاه أسرته.
ولا بدَّ من تنويع طرق النصح، فقد يثقل عليه سماعها منكم، فلا تيأسوا من إيصال الذكرى والموعظة عن طريق أقربائكم أو أصحابه، ويمكنكم إسماعه ما ينفعه من أشرطة الوعظ والتذكير.
ثانياً:
وعليك أن تتقي الله تعالى في زوجكِ، فلا ينبغي أن تنقلي هموم وغموم أهلكِ وتلقيها في بيت زوجك وعلى ظهره، وخاصة أنه يحسن إليكِ ولم تري منه ما يسوؤك، فالواجب عليكِ أن تشكريه وتحسني إليه، وهو ما أمركِ الله تعالى به.
ثالثاً:
لا تخلو نفس من أمراض – إلا من رحم الله ونجاه – فكون والدكِ يحب إظهار نفسه، ويرى ذاته فوق ذوات الناس فإن هذا يوجب الشفقة عليه لا الحقد، وكونه أساء إليكم ولا يزال فإن هذا يوجب الرحمة في قلوبكم عليه، فإنه لو مات ولقي ربه بهذه الأعمال فإنه سيلقاه بذنوب وآثام عظيمة.
لذلك فعليك أنت وإخوتك وأهلكِ أن تعيدوا النظر في علاقتكم مع والدكم وموقفكم منه، فالله عز وجل أمرنا بالإحسان إليهم وبرهم حتى لو دعوْنا إلى الشرك والكفر.
قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15 وهذا إبراهيم عليه السلام يحاور والده المشرك بأدب كما ذكر الله تعالى ذلك عنه في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا. يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا. قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا. قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) مريم/41–47.
فانظروا لأدب هذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكيف يخاطب والده المشرك الذي يهدد ويتوعد ولده المسلم، وفي هذا موعظة بالغة ودرس مفيد لمن ابتلي بمثل هؤلاء الآباء فكيف بمن دونهم؟!
رابعاً:
وأما الحزن الذي أصابكم فلا ينبغي أن يكون معطِّلاً لكم عن أعمالكم، ومثبطاً لكم عن طاعتكم، ومسبِّباً لكم في التقصير فيما أوجبه الله عليكم مثل ما أوجبه الله عليكِ تجاه زوجك، وأوجب عليكم تجاه دعوة والدكم.
ونوصيكم بدعاء وقائي، وآخر علاجي:
أما الدعاء الوقائي فهو:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضَلَع الدين وغلبة الرجال ". رواه البخاري (6008) .
وأما الدعاء العلاجي فهو:
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي: إلا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجاً.
قال: فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
رواه أحمد (3704) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (199)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/371)
هل يجوز للأب إجبار ابنته على العمل في مكان مختلط؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للوالد إجبار ابنته على العمل في وسط مختلط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العمل في الأماكن المختلطة لا يسلم من الوقوع في الحرام، نظرا أو خلوة أو ميلاً قلبياً، ولهذا أفتى العلماء بتحريمه مراعاة لغالب الحال، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (12/156) :
(الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك.
وبناء على ذلك فليس للأب أن يجبر ابنته على العمل المختلط، وإذا أجبرها على ذلك لم تجب طاعته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف" رواه البخاري 7257، ومسلم1840.
وعلى البنت أن تبين لأبيها مخاطر العمل المختلط وحرمته، وأن تذكره بواجبه في حفظ أهله ووقايتهم من النار، وذلك بالأسلوب الحكيم والموعظة الحسنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/372)
تشعر بالانجذاب نحو شخص آخر غير زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة ولي أطفال وزوجي يحسن معاملتي ويهتم بي كثيراً، لكني أصبحت أجد نوعاً من الانجذاب لأحد أقارب زوجي، والمذكور يصغرني في السن 10 سنوات تقريباً، وكنت أعرف أنه قد وقع في حبي منذ مدة، لقد أخبرته أن الأمر غير مطروح لكن مشاعره تجاهي تنامت أكثر وأكثر، وقد طلبت منه أن يصلي الاستخارة ويسأل الله الإرشاد ففعل وصلى الاستخارة ثلاث مرات، وفي جميع المرات الثلاث حصل على نتيجة إيجابية تجاهي، أنا لا أقابله لكني أعلم أنه شاب محترم وصادق جدّاً، وقد أخذت مشاعري تتنامى تجاهه أيضاً لكني أحاول إخفاءها دائماً، هل يجوز أن أستخير وأنا متزوجة؟ وكيف نتصرف؟ أرجو أن تدعو لي وأن تساعدني في هذا الوضع الصعب جدّاً، فأنا لا أريد أن أسبب المعاناة لزوجي وعائلتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد جعل الله تعالى الرجال يميلون إلى النساء , والنساء تملن إلى الرجال، وهذا الميل منه ما يترجم إلى علاقة محرمة كالزنا، ومنه ما يترجم إلى علاقة شرعية وهو الزواج، وقد جعل الله تعالى الزوجة ستراً لزوجها وجعل الزوج ستراً لزوجته، قال الله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) البقرة/187، ثم إن من النعم التي يخص الله تعالى بها بعض الأزواج أن يجعل بينهم المودة والرحمة , ويوفق كلا منهما لما يكون سببا في الألفة ونبذ الفرقة والشحناء في الأسرة، وهذه نعمة عظيمة جدّاً لا يشعر بقيمتها إلا من اضطربت عندهم العلاقة الأسرية , ودخل بينهم الشقاق والنزاع الذي يحوِّل العلاقة الزوجية إلى جحيم لا يطاق؛ فعند ذلك يصبح كلٌّ من الزوجين يحلم بالاستقرار الأسري حلماً، وتصبح أمنية الرجل زوجةً يهنأ معها في عيشه، وأمنية المرأة رجلا تهنأ معه في عيشها.
ويفهم من سؤالكِ أن الله قد امتنَّ عليك بهذه النعَم كلها، فالواجب عليك هو شكر الله على هذه النعم العظيمة والمحافظة عليها وعلى الأسرة التي رزقك الله إياها والتي يتمنى ملايين النساء أن تكون في مثل الحال الطيبة التي أنتِ فيها وأنتِ لا تشعرين بقيمتها.
واعلمي أن المرأة لا يجوز لها أن تقيم علاقة مع رجل أجنبي عنها , وإذا كانت متزوجة كانت هذه العلاقة بينها وبين ذلك الرجل أشد تحريماً , لأن فيها اعتداء على حق الزوج وشرفه وعرضه.
وعليه: فلا يجوز لكِ ولا لذلك العشيق المجرم أن تصليا صلاة الاستخارة؛ وذلك أن الاستخارة إنما تشرع في أمر لم يتبين خيره من شره، ولا يدري المسلم عن مصلحته فيه، فيستخير حتى يوفقه الله للخير إن كان خيراً أو يصرفه عنه إن كان شرّاً، أما أن يستخير المسلم في معصية الله ومخالفة أوامره سبحانه فهذه معصية تستوجب التوبة إلى الله منها.
وبيان ذلك: أن المرأة حين تستخير في الزواج من غير زوجها وهي على ذمة زوجها فإنها في حقيقة الأمر تستخير في هدم بيتها وأسرتها، وتستخير في تشريد أطفالها، وتستخير في الطلاق من زوج أحسن إليها واهتم بها اهتماماً كبيراً، فهي تستخير في خيانته وطعنه في ظهره بأن تشتت أسرته وليكون خراب بيته وبيتها على يديها، وهي تستخير في مقابلة المعروف الكبير والخير الكثير بالإساءة الشديدة والتنكر لصاحب المعروف وجحد حقه.
فكل هذه الأمور وغيرها كثير هي فحوى الاستخارة التي قمت بها.
وأما النتيجة الإيجابية التي تقولين إن صاحبك حصل عليها! فلا شك أنها تزيين من الشيطان واتباع لهوى النفس , وليس للمسلم أن يستخير على فعل شيء محرم , فكيف يستخير ثم يزعم أنه حصل على نتيجة إيجابية؟!
ثم إن المسلم بعد صلاة الاستخارة يعزم على أحد أمرين: إما الفعل , وإما الترك , فما يسره الله له فهو الخير , وأما أن ينتظر انشراح الصدر أو أن يرى رؤيا ونحو ذلك، فهذا في الغالب أمور وهمية , لا ينبني عليها حكم شرعي.
وبناء على ما سبق: فإنه يجب عليك أن تصرفي عنك كل وساوس الشيطان المتعلقة بهذا الموضوع وألا تجعلي للشر سبيلا عليك وعلى أسرتك وعلى أبنائك، واعلمي أنكِ وقعت في مكيدة شيطانية بأن زينكِ الشيطان لهذا الشاب وزيَّنه لك حتى يحقق فيكما أكبر ما يحلم به وهو خراب بيت مسلم آمن مستقر، وطلاق زوجين متحابين متآلفين، وتشريد أطفالكما.
فاقطعي حبل الشيطان بألا تفتحي المجال لهذا الشاب أن يخرب حياتك وأسرتك واقطعي كل طريق يمكن أن يؤدي إلى بقاء محل له في حياتك.
ومما يعينك على صرف هذه الوساوس الشيطانية أن تجيبي بينك وبين نفسك بصدق على هذه التساؤلات:
1. هذا الشاب لو كان رجلا صالحا فكيف يرضي أن يخرب بيت أخيه المسلم ويشتت له أسرته؟
2. لو كان هذا الإنسان يحبك حقيقة فلماذا يسعى في خراب بيتك ودمار أسرتك؟ فهل هو يحبك أم يحب نفسه ولا ينظر إلا إلى مصلحة شهوته؟
3. لو أنه حصل ما تمناه هذا الشاب وتم طلاقك من زوجك – لا قدر الله – فما هو مصير أبنائك الذين هم من الرعية والأمانة التي سيسألك الله عنها يوم القيامة؟
4. ما الذي يضمن لك أن تكون معاملة هذا الشاب لك بعد الزواج ومشاعره كما هي الآن؟ مع العلم أن كثيراً من الأسر التي بنيت على العشق كان مصيرها الفشل بعد أشهر قليلة من الزواج لأنها بنيت على أساس هش غر مبني على رضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
5. وهل تتوقعين أن تبقى الثقة بينكما دائماً بعد زواجكما؟ فإذا كان أحبك وأنت متزوجة، فمن أين لكِ أن لا يحب غيرك وهي متزوجة – أو غير متزوجة -؟ وكيف سيثق بكِ إن كنتِ هدمتِ بيتك من أجله، وقد تتكرر الصورة مرة أخرى وأنتِ على ذمته، فستبقى الشكوك مصدر قلق لكليكما، فكلاكما رضي بالحرام ولم تمتنعوا من إقامة علاقة محرمة مع وجود عقد شرعي بينك وبين زوجك، فمن يضمن له أنكِ لن تعيدي الكرَّة مرة أخرى؟
أما طلبك الدعاء، فأسأل الله العلي العظيم بمنه وكرمه أن ييسر لك الخير ويصرف عنك كل شر وأن يديم عليك وعلى أسرتك نعمة الاستقرار والمحبة وأن يحفظ لك زوجك وأبناءك ويبعد عنك وساوس الشيطان وتزيينه للباطل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/373)
تتمسك بالسنة وتتهم بالتعنت، وتريد النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[وُلدت مسلمة، وكنت أجهل كل شيء باستثناء الصلاة، وبفضل الله فقد استيقظت الآن وأخذت أتصرف وفقا للقرآن والسنة ما أمكنني ذلك، لكني فقدت جميع صديقاتي الآن، وهن مسلمات أيضا؛ فهن غير متمسكات كثيراً بالدين، ولا يكترثن به كثيرا، وأنا وزوجي أصبحنا غريبين في بلادنا، صديقاتي امتنعن عن الاتصال بي وبوالدي، زوجي وأخواته يناديننا وهابيون، وكذلك بنت خالي، وأمي قالت إنها لا تملك الكثير من الوقت وهي لا تأبه طالما أن جميع أبنائها في خير ويصلون، أغلب الناس يسخرون من حجابي، والأمر محزن وصعب، أعني: أني أعيش في جزيرة صغيرة بالمحيط الهندي والجميع مسلمون ودولتي هي " جمهورية المالديف "، أنا أشعر بالوحدة الشديدة والحزن هنا، هل تخبرني كيف أتصرف - فأنا أشعر بالوحدة الشديدة وأني بمفردي والوضع مؤلم جدّاً أن يفقد المرء كل أصدقائه السابقين -؟ . أرجو أن تقدم لي نصيحة جيدة تتعلق بالكيفية التي أتصرف بها في هذا الوضع، لقد حاولت كثيراً أن أخبر أهلي أيضا عن السنَّة لكن جميع الأجوبة التي حصلت عليها كانت: لقد فقدت دينك، أنت وهابية، إنها الطريقة الوهابية. وأسأل الله أن يثيبكم جميع على العمل الذي تقومون به.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يفرِّج كربك وييسر أمرك، وأن يعينك على طاعته وحسن عبادته، واعلمي أن الغربة التي تعيشينها علامة خير لك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء " رواه مسلم (145) ، ولـ " طوبى " معاني كثيرة ومنها: الخير والكرامة، وشجرة عظيمة في الجنة، والفرح والسرور، وغيرها كثير، وكلها أقوال محتملة في تفسيرها.
قال السندي – رحمه الله -:
" غريباً " أي: لقلة أهله، وأصل " الغريب ": البعيد من الوطن.
" وسيعود غريباً ": قلة من يقوم به، ويعين عليه، وإن كان أهله كثيراً.
" للغرباء " القائمين بأمره.
و" طوبي " فُعلى من " الطيب " وتفسر بالجنة، وبشجرة عظيمة فيها.
وفيه تنبيه على أن نصرة الإسلام والقيام بأمره يصير محتاجاً إلى التغرب عن الأوطان، والصبر على مشاق الغربة كما كان في أول الأمر.
" شرح سنن ابن ماجه " (شرح حديث 3986) .
ثانياً:
لكِ في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد جاء قومه بالنور فأبوا إلا البقاء في ظلمات الكفر والجهل، واتهموه بأنه ساحر وكاهن ومجنون، وصبر على دعوتهم، ولم يملَّ من تكرارها، ونوَّع بين الدعوة الفردية والجماعية، والدعوة السرية والعلنية، حتى نجح نجاحاً مبهراً، وهكذا الدعاة بعده دعوا إلى الكفار إلى الإسلام، ودعوا العصاة إلى الطاعة، ودعوا المبتدعة إلى السنة، فلاقى كثيرون ضنكاً وهمّاً وصعوبة، فلم يكن ليمنعهم هذا من الاستمرار على الدعوة، ولولا ذلك ما وصل الإسلام إلى بلدكم " جزر المالديف "! .
فاعتبري بهؤلاء القدوات، وافعلي فعلهم، واصبري صبرهم؛ لتنالي رضا الله تعالى، وما تسمعينه من لمزٍ ونسبة إلى " الوهابية " قد قاله من كان قبلهم، ولا يزال السفهاء يرددونه مع دعاة السنَّة، وليس ذلك بضارِّهم ولا بمُوقِفهم عن تبليغ دين الله تعالى.
ثالثاً:
ومع الصبر على هذه الدعوة ننصحك بانتقاء العقلاء من النساء، ومن أقاربك لتبليغهم دين الله تعالى، وتذكيرهم بحقيقة الشرائع الإسلامية، فإن الناس الذين رضوا بالانتساب إلى الدين لا يمنعهم سلوك طريق السنَّة، لكن عندهم موانع تحول دون وصولهم إلى طريق الحق؛ من علماء الضلالة ودعاة البدعة، وفتن الشبهات والشهوات، وغير ذلك. وعندنا ـ نحن ـ تقصير في تبليغهم حقيقة الدين، أو ليس عندنا طرق حكيمة في هذا التبليغ.
فعليكِ بالرفق والتؤدة والصبر، وانتقي عقلاء القوم، وتلطفي في توجيههم وتبليغهم، ونوِّعي بين الشريط المسموع، والمحاضرة المرئية، والكتاب المقروء، ولعلك أن تجدي من النتائج ما تسرين به.
ثالثاً:
احرصي على أن يكون منطلق هذه الدعوة بيتكم، فابدئي مع زوجك وأبنائك لتنطلقي من هذا البيت المبارك إلى الناس جميعاً، وتذكري أن أمَّنا " خديجة بنت خويلد " هي أول من أسلم من هذه الأمة مطلقاً، وهي أول من نصر النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة، ودعت بناتها إلى الإسلام، فكان بيتها أول البيوت إسلاماً، ومنه انطلقت دعوة الخير لتعم أرجاء الأرض، فكوني مثلها، واقتدي بفعلها.
وفي جواب رقم (9380) تجدين المزيد من الوصايا والنصائح فنرجو الاطلاع عليك، وهو مغنٍ عن التكرار ها هنا.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/374)
زوجها لا يعطيها إلا النفقة ويعيش بعيداً عنها فهل تطلب الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقتُ مرتين، الأولى: بسبب طلبي من زوجي أن يجعل لي ولأبنائي ولو يوماً في الشهر يجلس بيننا بعيداً عن رغباته ورغبات أهله، والثانية: بسبب حبه لأخرى وإهانته لي أمام أبنائي وتفضيله لها علي وعدم مراعاة شعوري وشعور أبنائي وهو يبثها حبه وغرامه عبر الهاتف على مرأى ومسمع مني دون زواج، والآن سافر وتركني وحدي مع أبنائنا ولا يربطنا به سوى المصروف الذي يرسله عن طريق أهله.
هل لو طلقت سيعوضني الله خيراً وسيغنيني من فضله وسيعوضني عما رأيته من ظلم مع هذا القاسي أم سيكون عدم رضا بقضاء الله؟ وهل من حقي أن يكون لي زوج أعيش معه في مودة ورحمة وسكن أم أرضى وأعيش عيشة الذل أنا وأبنائي من أجل المصروف الشهري الذي يرسله كل شهر عن طريق أهله زيادة في إهانتي وذلي؟ وهل أعتبر صابرة أم ضعيفة ومنكسرة لأنني رضيت بهذه الحياة طوال 11 عاما خوفا من كلمة الطلاق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أباح الله التعدد للرجل، ونهاه عن الظلم، فإن رغب الزوج في التعدد فإما أن يمسك الأولى بمعروف أو يسرحها بإحسان، ولا يحل له أن يبقيها في عصمته مع هجره لها، وعدم إعطائها حقوقها، ولا يحل له أن يفرِّط في رعاية وتربية أبنائه، فلم يشرع التعدد لهدم البيوت بل لبنائها وتكثيرها.
وهذا الهجر والتفريط حرام عليه إذا كان مقترناً بأخرى وفق الشرع، فكيف يكون الحكم لو كان هجره وتفريطه بسببٍ غير شرعي كالعلاقات المحرمة، والسهرات الفاسدة؟ .
ثانياً:
وللزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها إذا لم يمكنها الصبر على سوء خلقه، وليس هذا من عدم الرضا بقدر الله تعالى، بل في بعض الأحيان قد يحرم البقاء مع زوج يرتكب الكبائر ولا يُؤمن جانبه على أولاده، وبما أن الطلاق مشروع، بل قد يجب أن تطلبه أحياناً، فلا وجه للظن بأن هذا يخالف الإيمان بالقدر؛ لأن الله تعالى يقدر الزواج ويقدر الطلاق.
ومن حق الزوجة أن تعيش مع زوجٍ يعاشرها بالمعروف، وأن تحظى بزوج تسكن إليه ويكون لباساً لها، ويكون بينها وبينه مودة ورحمة، وهو ما لأجله شُرع الزواج، وإن أي فقدٍ لشيء مما ذكرنا فهو مخالف للحكمة التي من أجلها شرع الزواج.
ومن هنا كان الواجب على الزوج أن يختار صاحبة الدِّين، وعلى الأولياء أن يزوجوا مولياتهم من أهل الدِّين والخلق؛ لأن البيت المسلم إذا قام على شرع الله تعالى فإنه لا يُرى فيه ظلم وتعد، فإن كرهت زوجها لسبب شرعي طلبت الطلاق أو خالعته، وإن كرهها طلقها وأعطاها حقوقها كاملة، فإما أن يمسك بمعروف أو يسرِّح بإحسان.
وإذا حصل الطلاق فقد يقدِّر الله تعالى لها زوجاً صالحاً، كما قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفرَّقا يُغْنِ الله كلاًّ مِن سَعَتِه} .
ثالثاً:
ومن النساء من تصبر على زوجها لاحتمال أن يصلح الله حاله، أو من أجل أن يبقى على اتصال بأولاده رعاية وتربية وإنفاقاً، فإن طالت المدة ولم يُصلَح حاله، أو أنه أساء كثيراً لزوجته وأولاده، وعندها ما يكفيها للنفقة على نفسها وأولادها: فلا وجه لبقائها في عصمته، بل تخلصها منه هو الصواب لتعيش حياة أكرم وأفضل، ولتربِّي أبناءها على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وعليكِ أن تحاسبي نفسك، وأن تتوبي إلى الله سبحانه مما قد صدر منكِ من سيئات أو أخطاء في حق الله، أو في حق زوجك، أو في حق غيره، فلعله إن يكون ما حصل معك عقوبة لمعاصٍ اقترفتِها فالله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبةٍ فَبِمَا كَسَبت أَيْديكُم وَيعْفو عَنْ كَثِيرٍ} .
وتأملي في وضعك جيداً وفي حقيقة إمكان أن يتيسر لك زوج بعده أو تعيشي حياة هادئة بدونه، واستشيري ممن حولك ممن هو ألصق بك، وأنصح لك فإن وافقوك على الطلاق والحال على ما ذكرتِ في سؤالك فاستخيري الله تعالى فإن اطمأنت نفسك للطلاق فأقدمي وأسألي الله أن يغنيك من سعته نسأل الله أن يصلح حالك وأن يفرج همك وأن يصلح بينكما إن كان في ذلك خير لكما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/375)
هل هناك طبقات اجتماعية في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[على أي أساس تُبنى الطبقات الاجتماعية في الإسلام؟ وكيف تكون؟ وإلى أي حد توجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد عرفت المجتمعات البشرية أنماطا مختلفة من الطبقيّة الاجتماعية كما كان في بعضها طبقة الأمراء وطبقة الجنود وطبقة المزارعين وطبقة العبيد وانبنى على ذلك كثير من الظّلم والاستعباد والقهر والتسخير وأكل حقوق النّاس، أمّا شريعة الله تعالى فإنّها لا تعرف هذا مطلقا بل تساوي في الحقوق بين الغنيّ والفقير والشّريف والوضيع والأساس والأصل الذي يحصل بناء عليه التفاوت والتفاضل بين الناس في الإسلام هو المذكور في القرآن الكريم في سورة الحجرات في قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات/13، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى ... ) رواه الإمام أحمد 22391 وهو في السلسلة الصحيحة 2700
وهذه هي القاعدة التي يقوم عليها المجتمع في الإسلام، وهذا المجتمع الإنساني العالمي الذي تحاول البشرية في خيالها المحلّق أن تحقق لوناً من ألوانه فتخفق لأنها لا تسلك إليه الطريق الواحد الواصل المستقيم.. الطريق إلى الله عز وجل.. ولأنها لا تقف تحت الراية الواحدة المجمِّعة.. راية الله تعالى.
إن الناس يعيشون في الأرض، ويرتبطون فيما بينهم بارتباطات شتى، كلها ذات وزن وذات جاذبية في حياتهم ... فيها النسب، وفيها القوة، وفيها المال، وفيها ما ينشأ عن توزيع هذه القيم من ارتباطات عملية.. اقتصادية وغيرها.. تتفاوت فيها أوضاع الناس بعضهم بالنسبة لبعض فيصبح بعضهم أرجح من بعض في موازين الأرض.. ثم يجيء الإسلام ليقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فيضرب صفحاً عن كل تلك القيم الثقيلة الوزن في حياة الناس، ويبدّل هذا كله بتلك القيمة الجديدة المستمدة مباشرة من الوحي، المعترف بها وحدها في ميزان الله عزّ وجلّ، ألا وهي تقوى الله تعالى والتي تتمثّل في عبادته وحده لا شريك له ولا ولد ولا ند له، وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر ابتغاء مرضاته سبحانه وجناته وخوفاً من سخطه ونيرانه. والله بصير بالعباد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/376)
منزعجة من كثرة ضيوف زوجها الذين يأتون في كل الأوقات
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يحب استقبال الضيوف في بيتنا في جميع الأوقات. وهذا يزعجني كثيرا ويضايقني لأن ذلك يأخذ من وقتنا الخاص كزوجين. فإلى أي مدى نكون ملزمين تجاه ضيوفنا؟ وما هي حقوقنا ومسؤولياتنا تجاههم في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن أبي شريح العدوي قال سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته، قال: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " أخرجه البخاري (5560) ، ومسلم (69) ، وهذا لفظ البخاري.
والضيف له حق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر لا ينبغي الشك فيه، فإذا كان يأتيه الضيوف بدون دعوة منه، فالواجب إكرامهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
نعم، إذا كانوا أصدقاء سوء أو من المتطفلين من أصحاب البطالة، فهؤلاء يتخذ معهم الأسلوب الذي يليق بحالهم؛ لأنهم يؤذون الناس بأفعالهم.
وإذا كان زوجك هو الذي يدعو الناس إلى بيتكم كثيرا، فالحل هنا أن تكلميه بأسلوب سهل ولين، وأن تتفقا على وضع طريقة لدعوة الناس، بحيث لا يدعو أحداً إلا بعد المشاورة بينكما، وتتفقان على تقليل الدعوات بشكل مناسب.
وينبغي لك _رعاك الله _ أن لا تظهري الضجر من زوجك حال وجود المدعويين، فإن هذا الأمر مما يزيد الأمور تعقيدا، ولا يحلها، وعليك بالصبر؛ فإن الصبر مفتاح الفرج.
واحرصي على توفير جو من الهدوء في بيتكم، من الكلام الطيب، والمعاملة الحسنة، فإن بعض الأزواج قد يلجأ إلى مثل هذه التصرفات من الإكثار من استضافة أصدقائه بحثاً عن الترويح عن النفس، بسبب أن زوجاتهم قد لا يحسنّ كيفية توفير الجو الملائم لطبيعة أزواجهن مما يجعلهم يبحثون عن هذا الجو مع أصدقائهم، فاحرصي على معرفة طبيعة زوجك لإدراك ما يلائمه مما يوفر له السعادة والأنس الذي ينشده مع البعد عن أسباب المشاكل والتنكيد ونحوها.
نسأل الله أن يصلح بينكما، وأن يوفقكما لما يحبه ويرضاه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/377)
مشاكل بسبب زوجات إخوتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مشاكل عائلية وبالتحديد مع زوجات إخوتي، مع العلم أنهن أخوات وبنات عمي يخلقن مشاكل بدون أي سبب، مثال: الصغرى والمقيمة معنا لا تتحدث معنا إلا عندما نكلمها ونحن مللنا من هذه الحال، كما يراودني شعور أنها لا تحبنا، أما أختها وزوجة أخي الأكبر منذ أربع سنوات تغيرت علينا وأصبحت تأتي لزيارتنا كأنه واجب، وقامت به بمعني تأتي دون أن تتكلم حتى عودت بناتها على هذه الطريقة وأخذن يسببن لنا مشاكل مع إخواننا حتى قررت أمي أن تقول لأخي الأكبر أن لا تدخل زوجته منزلنا حتى نتجنب مشاكلهن، على العلم أننا لم نشعر بمعنى الحقد تجاههن فهل له علاقة بقطيعة الرحم أفيدونا جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن صلة الرحم واجب عظيم، له منزلة كبيرة في دين الإسلام، ويكفي ذلك قول الله تعالى في الحديث القدسي للرحم:" ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك " رواه البخاري (4552) ومسلم (2554) ، وقد بينا ذلك مفصلا في السؤال رقم (4631)
إذا تبين هذا، فإنه ينبغي عليكم أن تسددوا وتقاربوا قدر استطاعتكم، فحاولوا التفاهم مع أخيكم بخصوص هذا الموضوع، واشرحوا له ما يحصل بين زوجته وبين أمه وبينكم، دون أن تتدخلوا في شؤون زوجته أو أن تجرحوا شعوره، فإن هذا يعظم المشكلة ولا يحلها، فإن لم يتيسر ذلك، فحاولوا أن تحسنوا إلى زوجة أخيكم، فإن الإنسان في العادة يأسره الإحسان، ويقربه الود والعطاء.
فإن لم يفد الأمر، فأخبروا أخاكم أن يقلل من زيارة زوجته لأمه، فيأتي هو مرة بدونها، ومرة معها، حتى تعود المياه إلى مجاريها، وأكثروا من دعاء الله عز وجل أن يصلح تلك الأحوال، وأن يؤلف بين القلوب.
ويمكنكم أيضا أن تذكروا عند أمكم بعض ما تفعله زوجة أخيكم من محاسن، وأن تغضوا الطرف عن المساويء لكي تصلحوا الأوضاع، ولا تكونوا من الذين إذا رأوا عيبا سارعوا بنشره، وإخبار الكل عنه، فإن هذا من باب النميمة، كما أنه يفسد الود، ويقطع الرحم، ويذهب الصفاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/378)
ابنها مسيطر عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[قصتنا مع والدة زوجي فهي عندها أصغر أبنائها وهو اتكالي لا يعمل وهو في صحة ممتازة وبلغ الأربعين وقد تحكم بوالدته، وهي تنفذ ما يمليه عليها، علما أن زوجي يصرف عليهم منذ 35 عاما، وابنها هذا يحرضها على الجميع حتى إنه يوزع مثل صكوك الغفران بالرضا منها حسب مصلحته، المهم زوجي يعمل بالخارج وأنا لا أستطيع زيارتها لأني غير مرغوب في، وقد طردتني أنا وأطفالي وهي بذيئة اللسان لا تخاف الله، المهم زارونا عند حضور زوجي فهجمت علي هي وابنها وحاولوا ضربي وتمكنوا من إيذائي ودافع عني زوجي وابني الطالب بالجامعة، والنتيجة أن آذونا وخرجت للشارع وأخذت تصرخ وذهبت للشرطة وقدمت بلاغا ضد الجميع وطالبت بحجز البنات وأنا في مكان لا يليق بنا، حتى الضابط يقول لها إنهم محترمون، المهم حجز زوجي وابني وكان يقدم امتحانات وتأخرت دراسته عاما لهذا السبب وبعد المحكمة دفعنا لها النفقة المطلوبة وكان زوجي يدفع أكثر، المهم لم يستطع زوجي زيارتها والسبب أنها تسببت بسجن زوج ابنتها وابنه عندما زاروها، والمشكلة أن من يزورها يغلق ابنها الباب ويستدعي الشرطة حتى مع بناتها أيضا نفس المشكلة، وعندما زارها ابنها الكبير لم يستطع أن يدخل أوقفه ابنها الصغير وأخذ الفلوس والهدايا وقال له أمك ستغضب عليك.
لا أعرف ما أقول، أشكو همي لله، فبودي أن أزورها وأبرها، ولكن لا سبيل لذلك لأنهم يفترون على الجميع، ما هو مطلوب علما أنني جده وأخاف الله فماذا افعل وما حكم الشرع بهذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي حصل من قبل أم زوجك أمر غريب، فكيف يستولي على فكرها ابنها، ويجعلها تتصرف بمثل هذه التصرفات، ولكن مع ذلك على زوجك أن يبر أمه قدر استطاعه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فإن استطاع أن يزورها في وقت لا يتواجد فيه ذلك الابن، فهذا حسن، وإن استطاع أن يتصل بها عن طريق الهاتف ليصلها، وليشرح لها ما في نفسه، فهذا حسن أيضا، ولو أمكنه أن يوسط بعض الناس من النساء وغيرهن، الذين يؤثرون على أمه فليفعل، وليستعن بالله عز وجل، وليكثر من الدعاء.
ودفاع زوجك عن نفسه في المحكمة وأمام الشرطة جيد.
ولو رفع دعوى ضد أخيه الذي يظلمه لإيقافه عند حدّه وكفِّ أذاه جائز ولو صبر عليه فهو خير له.
ومحاولة نقل أم زوجك من عند هذا الأخ الظالم (بحسب ما ورد في السؤال) فكرة جيّدة لإزالة ما يتحصن به هذا الأخ وما يتقوى به للاستيلاء على منزل الآخرين.
ولا حرج عليك أن تنقطعي هذه الفترة عن زيارتها حتى تعود المياه إلى مجاريها، وحتى لا تتضرري مرة أخرى مثل ما حصل سابقا،
خصوصاً وأن أم زوجك ليست من أقاربك الذين يجب عليك صلتهم وبرّهم ولا يعتبر عدم زيارتك لها من العقوق المحرّم وقطع الرّحم.
نعم، زيارتها والإحسان إليها تثابين عليه إن أخصلت في ذلك لله تعالى، وهو من حسن العشرة لزوجك ولكن لا يجب ذلك عليك لا سيما مع سوء تصرفها وخلقها. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/379)
والدهم من أهل الدعوة ويشتكون من سوء معاملته للأسرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحتاج إلى مساعدتك، والدي يخرج مع الجماعة للدعوة، وهو يقضي الكثير من الوقت في المركز والمسجد، لكن عندما يكون في البيت فإنه لا يقوم إلا بإثارة الخلافات مع عائلته، وخصوصا مع أمي، فهو يعاملها وكأنها أقل شيءٍ موجود على سطح الأرض، ولا يسمع منها قط، حتى أنه أجبرها على قطع اتصالاتها مع أقاربها، وهي تتأذى من ذلك وتبكي كثيراً. والدي يرى أنه أفضل من عائلتها.. الخ، وهو لا يسمع من أي واحدٍ منَّا أبداً، وهو يقول بأن ما يقوله هو الصحيح، وأن الإسلام يتفق معه، وهذا ليس صحيحاً؛ لأن الإسلام لا يمكن أن يتفق مع أي أحدٍ، بل نحن الذين يجب علينا أن نتفق مع الإسلام، كما أن الإسلام لا يعلم الشخص ألا يسمع من زوجته، وأن يتشاجر، وألا يعامل زوجته معاملة حسنة، نحن لا نعرف كيف نتصرف، ويظهر وكأنه يرهبنا، إنه لا يتحدث إلى أي واحدٍ منَّا بطريقةٍ عاديَّةٍ، بل إن كلامه معنا يكون بصورة الأمر: " أحضر لي هذا الشيء أو ذلك وإلا "، لا يتفوه إلا بالانتقادات، مثل: " لماذا تمسك بالقلم هكذا؟ "، وأشياء أكثر غرابة، لكن أغلب ما يقوم به هو إيذاؤه لوالدتي بتصرفاته تلك، وهي مريضة أصلاً، أنا أشعر باليأس وكذلك حال جميع أفراد عائلتي، فنحن لا نعرف كيف نفعل، أرجو أن تساعدنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المسلم أن يتحلى بالأخلاق الحميدة الحسنة، وعليه تجنب أسباب الغضب، وقول التي هي أحسن قال الله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً} الإسراء / 53.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء " – رواه الترمذي (1977) من حديث عبد الله بن مسعود، وصححه ابن حبان (1 / 421) والحاكم (1 / 57) والألباني في " صحيح الجامع " (5381) -. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يبغض الفاحش البذيء " رواه الترمذي (2002) وصححه.
قال الصنعاني:
والحديث إخبار بأنه ليس من صفات المؤمن الكامل الإيمان السب واللعن، إلا أنه يستثنى من ذلك لعن الكافر وشارب الخمر ومن لعنه الله ورسوله.
" سبل السلام " (4 / 198) .
فينبغي على المؤمن أن يتحلَّى بأخلاق القرآن، وأن يتحلى بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وخاصة مع أهله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيركم خيركم لأهله ".
قال الشوكاني رحمه الله تعالى:
في ذلك تنبيه على أعلى الناس رتبة في الخير وأحقهم بالاتصاف به هو من كان خير الناس لأهله فإن الأهل هم الأحقاء بالبِشر وحسن الخلق والإحسان وجلب النفع ودفع الضر، فإذا كان الرجل كذلك فهو خير الناس، وإن كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر، وكثيراً ما يقع الناس في هذه الورطة فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوأ الناس أخلاقاً وأشحهم نفساً وأقلهم خيراً، وإذا لقي غير الأهل من الأجانب لانت عريكته وانبسطت أخلاقه وجادت نفسه وكثر خيره، ولا شك أن من كان كذلك فهو محروم التوفيق زائغ عن سواء الطريق، نسأل الله السلامة.
" نيل الأوطار " (6 / 360) بتصرف قليل.
والمعروف من حال هذه الجماعة التي يخرج معها الوالد أنها تتصف بالأخلاق الحسنة وتدعو إلى ذلك، فالأصل أن يكون هو كذلك، وأن يتقي الله عزوجل، ونقول لكم – إن صح قولكم عن والدكم -: إن هذا من الابتلاء، وعليكم بالصبر والدعاء له بأن يهديه الله تعالى لأحسن الأخلاق.
والصبر لا شك أن فيه أجراً عظيماً، فعلى الزوجة أن تصبر على أذى زوجها وتطيعه بما أحل الله، وإذا منعها من زيارة أقربائها فإن كان لسببٍ شرعي: فله ذلك، وإذا كان بدون سبب شرعي: فعليها الطاعة وعليه الإثم، والزوجة تكون مأجورة بإذن الله تعالى.
وهناك نصائح في جواب السؤال (482) ننصحك بالرجوع إليه، وننصح الزوج والزوجة مراجعة جواب السؤال رقم (10680) ففيه بيان حقوق كل واحد من الزوجين على الآخر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/380)
تحرَّش بها خالها جنسيّاً فأثَّر في نفسيتها
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتاد خالي على زيارتنا كل فترة، كان يتحرش بي عندما كان عمري 12 سنة، وكنت أخاف أن أخبر أمي ولم أكن أدري كيف أتصرف، توقف عن هذا التصرف عندما تجاوز عمري 15 سنة، هذا الأمر كان يتعبني كثيراً، وكنت أبكي كلما تذكرت ولم أخبر أحداً بالأمر فهل هناك دعاء أدعو به ليساعدني، مع العلم بأنني لم أقترف أي ذنب غير أنني لم أخبر والدايّ، ويعلم الله كم أثَّر بي هذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن ما فعله خالكِ هو جريمة يستحق عليها العقوبة في الدنيا، والعذاب في الآخرة، وقد قلَّ الوازع الديني عند كثيرٍ من الناس ممن تأثروا بما يُعرض ويُشاهد ويُقرأ مما يحرك الشهوة فيصرفونها فيما حرَّمه الله، وإن من أقبح ذلك وأسوئه ما يكون بين الرجل ومحارمه، فهو مستحق لوعيد شديد في الآخرة.
وكان الخطأ منكِ أنكِ لم تخبري أحداً من أهلكِ ليوقفوا هذا الخال الفاجر عند حدِّه، أما وقد مضى ذلك وانتهى وأنت منكرة للموضوع من أصله فليس عليكِ الآن إثم ولا ذنب.
وعليكِ محاولة نسيان فعله القبيح ذاك، وتعلم درسٍ منه للمستقبل لنفسك ولأبنائك، وننصحك بدعاء الله تعالى أن يفرِّج كربكِ ويزيل همكِ، ومما جاء في السنَّة من هذه الأدعية:
أ. عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزَن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضَلَع الدَّيْن وغلبة الرجال ".
رواه البخاري (6008) .
" الحزَن ": خشونة في النفس لحصول غمٍّ.
" ضِلَع الدَّيْن ": ثِقَله وشدته.
قال ابن حجر:
شرح هذه الأمور الستة: " الهمَّ " لما يتصوره العقل من المكروه في الحال , و " الحزن " لما وقع في الماضي , و " العجز " ضد الاقتدار , و " الكسل " ضد النشاط , و " البخل " ضد الكرم , و " الجبن " ضد الشجاعة.
" فتح الباري "
ب. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حُزن فقال: " اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمَتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سمَّيتَ به نفسك أو علمتَه أحداً من خلقك، أو أنزلتَه في كتابك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همِّي " إلا أذهب الله همَّه وحُزنه، وأبدله مكانه فرجاً، قال: فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
رواه أحمد (3704) ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة " (199) .
ولا تستسلمي لآلام الماضي وتنسي نفسك، وعليك بالانشغال بطاعة الله تبارك وتعالى كحفظ القرآن وقراءة كتب العلم، وسيَر السلف الصالح، والبحث عن الصحبة الصالحة.
نسأل الله تعالى أن يرزقك ذلك وزيادة.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/381)
يعيش في مشاكل بسبب زوجته الثانية ويخشى على ابنته
[السُّؤَالُ]
ـ[سأقدر لك كثيرا إرشادي فيما يتعلق بالموضوع أدناه وفقا لأحكام الشريعة وقيمها:
إذا كانت الزوجة (الثانية) تتلاعب في وثائق وترفع على زوجها القضية تلو القضية فيما يتعلق بالمهر والنفقة.. الخ، وتسئ إليه خلف ظهره وهي تعيش مع والدتها. فما هو الحكم في هذه الزوجة؟ (لقد حاولت التصالح معها لكن ذلك لم يفد، وطلاقي لها هذه المرة ستكون الثالثة لكنها لا تبالي. فهي لا تريد غير المال.) لقد رفعت قضية طلاق في المحكمة. فهل يعتبر ذلك خلعا. وإن لم يكن كذلك، فلمن تكون الحضانة على الطفلة؟ أنا لا أريد أن أذكر مساوئها، لكني أشرح بعض الحقائق. فهي لا تهتم وتعيش بطريقة غير جيدة بما يتناسب مع قيامها بتربية الطفلة. فمستوى تعليمها الرسمي وغير الرسمي منخفض. وستؤثر طريقتها على شخصية الصغيرة مستقبلا. والأهم من ذلك، أنها أخبرتني في اتصال لها عبر الهاتف أنها ستجعل من طفلتي شخصا سيئا. وحتى ننقذ الصغيرة، فمن الذي يجب أن تكون عنده حضانتها؟ ومع أنها تعمل وتكتسب المال، فإن المال ليس كل شيء في الحياة، فالحياة تعني القيم، كالعيش بقيم اجتماعية وأخلاقية ودينية عالية. ومن وجهة النظر المتعلقة بالقيم الواردة أعلاه، فإن والدتها ليست قوية جدا.
وعندما تذهب للعمل، فإن والدة زوجتي ستقوم بالاعتناء بالصغيرة. وأمها أمية، وقد سمعتها مصادفة تتلفظ بكلمات سيئة على طفلتنا. فكيف يمكنها تربيتها.. الخ؟ وحسب التعاليم الإسلامية، فهل يجوز أن يسمح لشخص آخر في العائلة أن يعتني بالصغير بدلا عن الوالد؟ من هو الشخص الأكثر تعليما وعنده معايير عالية للدين والقيم الأخرى. ومن هو الأكثر مسؤولية في المجتمع؟ أظن أنه يمكنني أن أجعل من طفلتي إنسانة صالحة صاحبة قيم اجتماعية وأخلاقية ودينية عالية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الطلاق أنه مكروه، ويدل لذلك قوله تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} فقال في الفيئة {غفور رحيم} وقال في الطلاق {سميع عليم} وهذا فيه شيء من التهديد، فدل هذا على أن الطلاق مكروه عند الله تعالى.
ولكن قد تعرض حالات أخرى تجعل الطلاق أمرا لابد منه، بل قد يصل الأمر إلى وجوب الطلاق، وفي مثل الحالة التي ذكرتها أيها الأخ الكريم، فإن الطلاق ربما يكون حلا مناسبا، إذ لا يعقل أن تكون الزوجة بهذه الإساءة لزوجها – على ما ذكرته في سؤالك -، فإن المرأة قد تخطيء على زوجها، لكن أن تكفر العشير المرة تلو الأخرى، فهذا مما يستغرب.
ولكن قبل الطلاق لابد من محاولة الإصلاح أولاً، والصبر على المرأة، فإذا كان فيها بعض الإخلاق السيئة فستجد منها أيضاً بعض الصفات الحميدة، والأخلاق الحسنة فلتتحمّل سيئاتها مقابل حسناتها.
يراجع السؤال رقم (20044) و (2076)
وإن استطعت أن تدخل بعض الأقارب لحل الموضوع فافعل، رحمة بتلك البنت المسكينة، التي ستعاني – مهما كان الأمر – من مرارة الفراق، وتفكك الأسرة.
فإن كان الطلاق هو الحل النهائي، واستفرغت كل الحلول، فاستخر ثم استشر، وتوكل على الله.
أما ما رفعته هي للقضاء فهذا قد يكون طلبا من القضاء لإلزام الزوج بالطلاق، أو خلعا، على حسب الحال، فإن كانت ستدفع للزوج مالاً أو ترد إليه المهر مقابل حصولها على الطلاق فهذا خلع، وإن كانت لن تدفع شيئاً فهذا سيكون طلاقاً إذا وقع.
وأما بالنسبة للحضانة، فالأصل أن الأم هي الأحق بالحضانة، ما لم يكن هناك مانع من ذلك، فإن كان هناك مانع كزواج الأم بزوج أجنبي عن الولد، أو سوء خلق الأم، فإن الحضانة تنتقل إلى أم الأم عند الجمهور، فإن كانت هي كذلك – أي أم الأم -، انتقلت إلى الأب، واختار شيخ الإسلام أنه عند تنازع أم الأم والأب فإن الحضانة تكون للأب، لأنه أقرب للولد، وهذا القول رجحه الشيخ ابن عثيمين في شرحه كتاب الحضانة من زاد المستقنع، وقد سبق تفصيل ذلك في السؤال رقم (5234، 9463، 8189، 21516) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/382)
أريد أن تعود علاقة زوجي معي كما كانت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في محنة لا يعلمها إلا ربي سبحانه وتعالى ومشكلتي باني أعاني من سوء معاملة زوجي لي ويخونني ولا يعرف ربه، وقد حدث هذا التغيير الكلي منذ ثلاث سنوات وقد استحملت طول هذه المدة من أجل أولادي وعلى أمل أن يتغير فقد كنت اعتقد أن أمه أثرت عليه، فأمه كانت تذمني باستمرار من ورائي مع أنني كنت أحسن معاملتها واحترمها وأراعيها ولكنها كانت تحس بالغيرة من حب زوجي لي، وكنت اشعر بذلك بالرغم أنها أمامي تظهر لي الحب لأني كنت أحسن معاملتها وهذا حدث قبل ثلاث سنوات عندما جلست معنا في البيت لمدة خمسة أشهر بعد وفاة زوجها وتركتنا بعد سفرنا للخارج للعمل ومنذ ذلك اليوم وأنا أعاني أشد المعاناة.
فلم يعد زوجي هو زوجي الذي أعرفه.أرجوك يا شيخ ساعدني فأنا لا اعلم ماذا أفعل أكثر لكي أرجعه معي كما كان. وأختي تؤكد لي بأنه مسحور وليس بعقله فهل هذا معقول وإذا كان كذلك ماذا افعل؟ أرجو أن تفيدني فأنا لا أريد الطلاق ولا أريد أن ألجأ إلى المشعوذين فأختي قالت لي بان هناك رجل دين يتعامل بالقرآن وطلبت مني أن أعطيها، صورتي وصورة زوجي ولكني خفت لكي لا أغضب الله. فهل هذا يجوز؟ وما العمل في هذه الحالة؟ أرجوك يا شيخ ساعدني فأنا في حاله يرثى لها. أرجو أن تجاوبني بسرعة، وأنا الجأ إليك بعد الله تعالى عسى ربي يفرج عنى مما أنا فيه. وفرج الله عنك كل ضيق وجزاك الله كل خير آمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلمي أختي السائلة أن من حكمة الله تعالى في عباده أن يبتليهم بالخير والشر ليعلم من يطيعه سبحانه في كل أحواله ممن يطيعه في حال دون حال، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك/2، وقال: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء/35
ومن أنواع البلاء أن يبتلي أحد الزوجين بالآخر في سوء العشرة ونحوها لأي سبب كان، وعليه فإن كان ما تذكرينه صحيحا من أن زوجك قد أصيب بسحر أو حسد قوي، ولا شك أن السحر والعين لهما تأثير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العين حق) رواه البخاري برقم 5408، ومسلم برقم 2187، فعليك اتباع ما يلي:
أولا: أكثري من ذكر الله والاستغفار، وسؤال الله تعالى أن يشفي زوجك، وأن يعيده لك كما كان، ولا يرد القضاء إلا الدعاء.
ثانيا: راجعي نفسك وطريقة معاملتك مع زوجك، فقد تكوني أنت التي تغيرت عليه وأنت لا تشعرين، فكوني له خير امرأة وزوجة، وخير معين بعد الله تعالى، وقفي معه في هذه المحنة، وكوني سنده بعد الله تعالى.
ثالثاً: لا تذهبي إلى ذلك الذي يزعم أنه رجل دين، فإن طلبه لصوركما من مثل أعمال الكهنة والمشعوذين. (راجعي سؤال رقم (21124)
رابعاً: لا حرج في أن تذهبي بزوجك إلى أحد المشايخ الموثوقين، الذين يعالجون بالقرآن الكريم والأدعية النبوية، كما إنه يمكنك أن تقرئي على ماء وتسقي منه زوجك، وترقيه كل يوم، وتقرئي سورة البقرة في البيت، وللمزيد راجعي في فك السحر وطرقه الأسئلة:
(11290، 4010، 13792، 21124، 12198، 8291، 20954) ، وفي الوقاية من السحر (2662، 22816) ، وفي أنواع السحر (12578، 9432، 240) .
سادسا: على افتراض أن ما أصاب زوجك ليس سحرا ولا حسدا، فاجلسي معه جلسة مصارحة، وأخبريه بما تحسين به وتشعرين، واتفقا على أن تعودا لبعضكما كما كنتما.
سابعا: يمكنك أن توسطي بعض المصلحين – لاسيما الثقات من الأقارب -، لبحث هذه المشكلة، والنظر فيها، وفي ماهيتها، وأسبابها، ومحاولة علاجها.
وننصحك أخيرا بأن توازني بين حسنات زوجك وسيئاته وألا يغيب عن بالك ما عنده من صفات حسنة ومن إحسان إليك، من أجل أن يدعوك ذلك للسعي لإصلاحه وإعادته إلى طريق الحق والصواب في تدينه وعلاقته بربه أولا ثم في علاقته معك.
يسر الله أمرك، وأسعد زوجك بطاعته وأسعدك به، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/383)
تغار من اهتمام زوجها بأخته أكثر منها
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أتشاجر مع زوجي من قبل وأنا أحبه ولي منه طفلة عمرها 5 أشهر وأحتاج نصيحة.
زوجي له أخت متزوجة ولها 3 أطفال ويسكنون قريباً منَّا، عندما نخرج جميعاً للتسوق يمشي زوجي مع أخته دون أن يهتموا بنا أنا وزوج أخته، تتصل بزوجي كل يوم في العمل وتسأله عن رأيه في كل شيء، أشعر أحياناً بالحزن لهذا وأتشاجر مع زوجي، أعلم بأن هذا أمر غير محمود من امرأة مسلمة لذلك فأنا أطلب منه أن يسامحني.
تخبره أحياناً بأمور خاصة مثل الدورة الشهرية لابنتها، تتذمر من زوجها في أغلب الأمور، هل هذا صحيح؟
هل على الرجل المسلم مسئولية تجاه أخته المتزوجة أكبر من مسؤليته تجاه زوجته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العلاقات الأسرية التي تكون بين الزوج وأهله لا ينبغي أن تكون سبباً في هدم علاقته ببيته وأولاده، والزوجة العاقلة هي التي تحرص على تنمية علاقات زوجها بأهله وتقويتها، وتحرص على إدامة الألفة والمحبة بينهم، ولا تقف حجر عثرة في طريق البناء والسعادة لأسرة زوجها.
والزوجة العاقلة حكيمة في تصرفاتها إذا رأت تقصيراً من زوجها في حق بيته وأولاده وزوجته، وحكيمة إذا رأت غلوّاً أو مبالغة في اهتمام زوجها بأهله على حساب أسرته، فتشعره بخطئه بالتلميح دون التصريح، وتنصحه دون أن تجرحه، وتدله على الصواب دون أن يشعر أنه مخطئ، وتظهر له محبتها لأهله واهتمامها بشؤونهم.
ولا ينبغي أن تظن المرأة أن اهتمام زوجها بأهله سوف يجعله مقصراً في حقها وحق أولاده، فهناك فرق بين أن يكون الزوج مقصِّراً في حق زوجته وأولاده وبين أن يكون محبّاً لأهله، فالذي يدفع الرجل للاهتمام بأهله هو حبه لهم لا تفريطه في أولاده وأسرته.
ثانياً:
إن لك على زوجك حقوقاً وعليكِ واجبات، وعلى كل واحد منكما أن يؤدي ما أمره الشارع به، ومحبة الرجل لأهله لا يمكن للشرع أن يلغيها بسبب زواجه، ولا يمكننا أن نطالبه بكبت مشاعره لأجل زوجته وأولاده، فهم أهله قبل أن يتزوج وسيبقون كذلك بعد الزواج.
فعليك أن تجاهدي نفسكِ وتنصحي زوجكِ في حال تقصيره في حقك وحق أولاده، وليس لكِ أن تنكري عليه حبَّه لأخته أو أهله، والذي نخاف منه دائما في مثل هذه الحوادث أن يقول الزوج إنني أستطيع أن أجد ألف زوجة لكنني لا أستطيع أن أجد أخاً واحداً أو أختاً واحدة، فإياكِ أن توصلي الأمر إلى هذا الحد.
وإننا ننصح الزوج في الوقت نفسه أن يراعي مشاعر زوجته، وأن يزيد من اهتمامه بزوجته وأولاده، وننصح الأخت كذلك أن تنصح أخاها بهذا.
والشرع الحكيم يأمر بما فيه مصلحة الجميع، ويساهم في بناء الأسَر لا في هدمها، وعلى كل واحد منا أن يؤدي واجبه الذي أوجبه الله تعالى عليه دون إفراط ولا تفريط.
والله الهادي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/384)
زوجها لا يؤدي واجباته ويكثر النوم ويضيع الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[متزوجة ولها 3 أولاد، فقد زوجها عمله ولا يبحث عن عمل آخر ويبقى في البيت ويستعمل الكمبيوتر طوال الليل ثم ينام عند السادسة أو السابعة صباحا ويبقى نائماً حتى الرابعة أو الخامسة عصراً وأحياناًُ حتى الثامنة ولا يصلي ولا يأخذ الأولاد للمدرسة ولا يذهب لشراء حاجات البيت وتضطر هي لفعل كل هذا وإذا تحدثت معه أو نصحته صرخ في وجهها وسبها أو يضربها ويقول إذا لم يعجبك الوضع فاتركي البيت، دائما يصرخ على الأولاد إذا كانوا يلعبون وهو نائم طوال النهار، تحدث معه والده ووالدته لكن دون جدوى، تدعو الله أن يهديه ويصلح حاله وتدرس في الجامعة لعلها تحصل على عمل بعد التخرج لتنفق على البيت فمال زوجها ينقص شيئاً فشيئاً وهو لا يفعل شيئاً غير إدمانه على الكمبيوتر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يعينك ويوفقك، ويصلح زوجك.
ولاشك أنك بالقيام على أولادك، والحرص على هداية زوجك، محسنة مأجورة إن شاء الله، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
والوصية لك بالاستمرار، والصبر والدعاء لزوجك، والسعي في إصلاحه، عن طريق والديه وإخوانه ومن له تأثير عليه. فإن الرجل إذا تخلى عن واجبه نحو أسرته كان معرضا لعقاب الله وغضبه، لتفريطه فيما استرعاه الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته) الحديث رواه البخاري 893، ومسلم 1829 من حديث ابن عمر.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " رواه ابن حبان، وصححه الألباني في غاية المرام برقم 271
وقال: " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ". رواه أحمد وأبو داود من حديث عبد الله ابن عمرو، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 827
وقال: " ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة" رواه البخاري 6731
ولا نظن أن زوجك يرضى لنفسه هذا الوعيد، بل لا نظن أنه يرضى أن يكون عالة على زوجته، تنفق عليه، وتقوم بشئونه، فإن هذا تأنف منه نفوس الرجال.
وقد ذكرت فيما ذكرت أنه ينام عن الصلوات، بسبب سهره وتضييعه لوقته، وهو بهذا على خطر عظيم آخر، فقد قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) مريم/59 قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم.
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/4،5
هذا إن كان يؤخرها عن وقتها، وأما إن كان يترك الصلاة، فهذا كفر مخرج من ملة الإسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم (82) .
وقوله: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه الترمذي (2621) والنسائي (463) وابن ماجه (1079) ، وصححه الألباني.
وحينئذ يلزمك نصحه، فإن استمر في ترك الصلاة، وجب عليك الامتناع منه، وعدم تمكينه من نفسك، حتى يتوب ويصلي.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين جميعا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/385)
السأم من الحياة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مللت من العيش في هذه الدنيا الفانية، وأصبح عندي شعور بالملل والسأم، فهل من ناصر، ولا ناصر إلا الله؟! .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسباب الرغبة عن الدنيا وكراهيتها عديدة، فمن الناس من يكره هذه الدنيا الفانية رغبة فيما عند الله من الأجر والثواب، ومحبة للقاء الله تعالى، ولهذا قال بعض السلف:" تحفة المؤمن الموت "، فهو يكره الدنيا، لتعلق قلبه بالآخرة، وهو مع كراهيته للدنيا قائم بحق الله تعالى وحق عباده، وساع في الخير قدر استطاعته، على حد قوله تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) الحجر/99
ومن الناس من يكره الدنيا لا لأجل الآخرة، بل لأنه يرى أن حظه فيها قليل، وأن غيره خير منه، ولا شك أن في هذا نوعا من التسخط على أقدار الله تعالى، فالله تعالى هو معطي المنح، ومقسم الأرزاق، (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) الشورى/27
ومن الناس من يكره الدنيا لكثرة ما أصابه فيها من بلاء ونصب وتعب، ولا شك أن هذا الصنف لم يعرف حقيقة الدنيا، فالدنيا دار عمل وابتلاء، ودار نصب وتعب، لاسيما المؤمن الصالح، فإنه يلاقي من أنواع البلاء ما يكفر الله به عنه من خطاياه، ويرفع به من منزلته، قال تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) البلد/4، وقال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/2-3، وقال تعالى: (مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) آل عمران/197 وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة/154-156
أخي الكريم.... من أي الأصناف السابقة أنت؟؟!!!
تذكر أخي الحبيب كم ابتلي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد عاداه قومه، ووقف في وجهه أقرب الناس إليه، وشتمه بعض الناس، وآذاه البعض الآخر، وطرد من دياره، وحوصر حصارا شديدا، واجتمع الكفار على قلته واغتياله، وماتت زوجته خديجة رضي الله عنها في أصعب المواقف وأحلك الظروف، وكان يبيت الشهر والشهرين لا يأكل إلا الماء والتمر، كل هذا وهو نبي الله، ورسوله وأمينه على وحيه!! كل هذا وهو صاحب المقام المحمود والحوض المورود!! كل هذا وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فكيف بنا نحن المذنبين العاصين المقصرين؟؟؟
أنصحك أخي الكريم بما يلي:
أولا: أكثر من دعاء الله عز وجل والتقرب إليه بأنواع العبادات، من صلاة وزكاة وصيام وغير ذلك، وابتهل إلى الله عز وجل أن يزيل ما نفسك، وأن يشرح صدرك، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) الأعراف/201
ثانيا: اعلم أن أقدار الله عز وجل لعبده المؤمن كلها خير، وأنه مهما ضاق عليك أمر حياتك، فعند الله خزائن السماوات والأرض، فأصلح ما بينك وبين الله، يكفك الله مؤنة الناس.
ثالثا: قد يكون كدرك وحزنك على أمر فاتك فلم تحصله، وحينئذ عليك أن تعلم أنه كم من إنسان ألح في طلب شيء، وهو لا يدري أن هلاكه فيه، وكم من إنسان حزن على فوات أمور يريدها، وهو لا يدري أنه لو حصلها لأضاع دينه ودنياه، فارض بقضاء الله وقدره، واستعن بالله ولا تعجز.
رابعاً: راجع فؤادك وقلبك وعلاقتك مع ربك بصورة أدق، فالعبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه
خامسا: قد تكون لديك بعض المشاكل الشخصية أو العائلية، وحل مثل تلك المشاكل أن ترتب الأولويات، وأن تستعين بالله ثم بأهل الخبرة في حلها، وفك معضلاتها.
سادساً: اعلم أن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فقد ثبت في المسند من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينة رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشى على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة) مسند الإمام أحد برقم 1481، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 992.
سابعا: داوم على الاستغفار والعبادة، فهو خير لك من كل حظوظ الدنيا مهما عظمت وكثرت، كما أن فيه إزالة للهموم، وقد جاء في بعض الآثار أنه من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب.
فاستدم طاعة الله عز وجل، واعمل بقوله تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) وقوله تعالى (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) طه/131، وفقنا الله وإياك لصالح القول والعمل، والله أعلم.
راجع الأسئلة (21515، 30901، 2554)
وانظر كتاب علاج الهموم في قسم الكتب من موقعنا.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/386)
مصاب بالوسوسة في الطهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[كل الشكر والاحترام لكم حتى تساعدوا الناس على فهم الدين بالطريقة التي أمر الله بها. إنني أعاني من كثرة الغسل عند الوضوء حيث أحتاج أكثر من ساعتين في قضاء الحاجة والوضوء وهذا هدر للوقت والعقل والجهد، حتى إنني راجعت طبيبا نفسيا لأجل المشكلة، إنني إذا ما جلست مكان إنسان آخر لا بد أن أمسح كل ملابسي حتى أشعر بأنني أصبحت طاهرا وجاهزا للصلاة، إنني أعاني من هذه المشكلة كثيرا أرجو الإجابة أو اسم كتاب أو أن دعاء أدعو به لأتخلص من هذه الهواجس القاتلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يشفيك ويعافيك مما أنت فيه، واعلم أن هذا نوع من الأمراض النفسية يعرف بالوسواس القهري، وهي أفكار تتسلط على الإنسان في أي جانب، وتلازمه مع أنه معترف بخطئها، وعدم صوابها، وعلاج ذلك يكون بأمور:
أولا: أحسن الظن بالله تعالى، وأكثر من الدعاء والتضرع إلى الله بأن يشفيك ويعافيك من هذا الوسواس.
ثانيا: عود نفسك على تحقير هذه الوساوس، وعدم الالتفات لها، وضع كمية مناسبة من الماء في إناء دون التوضؤ من الصنبور مباشرة، وألزم نفسك بالوضوء من هذا الإناء فقط، وقل لنفسك: ليس هناك ماء، سوى الذي في هذا الإناء، واكتف بما فيه، ولا تعد غسل العضو أكثر من ثلاث مرات، حتى لو قال لك الشيطان إن وضوءك غير صحيح، فهذه مجرد وساوس من الشيطان لا حقيقة لها.
ثالثا: كذلك الأمر بالنسبة لمسألة مسح الملابس من مكان إنسان آخر، فلا بد أن تحقر هذه الوساوس، وأن تلزم نفسك بعدم المسح، وتدربها على ذلك مهما كانت الوساوس.
رابعا: عليك أن تعلم أن القاعدة الفقهية أن اليقين لا يزول بالشك، فإذا تيقنت شيئا، فلا تلتفت بعد ذلك للشكوك، وإذا فعلت فعلا فلا تلتفت إلى أي شك يأتي بعد هذا الفعل، فإذا غسلت يدك، فلا تلفت بعد غسله ولو بلحظات إلى شك يقول لك إنك لم تغسل يدك، كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في منظومته:
والشك بعد الفعل لا يؤثر وهكذا إذا الشكوك تكثر
فالشك لا يلتفت إليه إذا كان بعد الفراغ من العبادة، وكذلك إذا كان الإنسان كثير الشكوك فإنه لا يلتفت إليها.
خامسا: لا بأس من مراجعة طبيب نفسي ثقة ليصف لك بعض الأدوية العلاجية المفيدة.
سادسا: راجع الأسئلة (10160، 11449)
ولمزيد الفائدة راجع كتابي " إغاثة اللهفان لابن القيم " و " تلبس إبليس لابن الجوزي " ففيهما الكلام على تلاعب الشيطان بالموسوسين، وكيفية علاج ذلك.
نسأل الله أن يصلح أحوالك وأحوال المسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/387)
تريد الهرب من والدها الذي يضربها
[السُّؤَالُ]
ـ[ابنة خالي عمرها 16 سنة وتعيش هي ووالداها في بيتنا مع أخيها الأكبر، حسب قانون البلد هنا فلا يستطيع أحد أن يؤذيها، ولكن عائلتها سوف تسافر لبلدهم قريباً ووالدها إذا كان هناك فإنه يضربها هي وأمها وقد فعل ذلك من قبل وربما يزوجها لشخص ما غصباً عنها، أهل والدها لن يفعلوا شيئاً وأخوها يضربها كذلك، أنا وعائلتي لا نستطيع أن نفعل شيئاً لنوقف هذا.
هي متأكدة من إساءتهم لها إذا ذهبت لذلك فقد قررت الهروب منهم وقت السفر وتذهب لتعيش مع عائلة إحدى صديقاتها ولا تعود لأهلها مطلقاً، قلت لها بأن هذا لا يجوز ولكنها تفضل العيش في الشارع على العيش مع والدها، إذا أخبرت عائلتي عن ما تنوي فعله فإنها لن تثق بي أبداً لذلك فأنا أسألك ماذا يجب على المسلمة فعله في هذه الحالة. أرجو أن تجيب قبل فوات الأوان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لابنة خالتك الهرب من عائلتها والعيش مع عائلة أخرى، لما في ذلك من عقوق والديها، والإساءة إليهم وإلى سمعتهم، مع ما في عيشها عند عائلة أجنبية عنها من المخاطر العظيمة عليها في دينها.
ومهما لقيت من سوء المعاملة من أهلها فإن ذلك لا يقارن بما تنوي الإقدام عليه، وما سلكت امرأة هذا السبيل إلا فسدت وانحرفت وذهب دينها، وذلك من جزاء العقوق المعجل في الدنيا قبل الآخرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق " رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2810
وقد تندم في ساعة لا ينفعها فيها الندم، حين يموت والدها أو تموت أمها غاضبة عليها.
فالواجب عليها أن تعود مع أهلها، وأن تبر والدها وتحسن إليه، وإن نالها أذى فلتصبر ولتحتسب، ولتعلم أن نار الدنيا ليست كنار الآخرة، وأنها لو أصابها ما أصابها في الدنيا ثم نالت رضا الله ودخلت جنته، فهي السعيدة حقا، وأنها لو حصّلت ما حصلت من متع الحياة، ثم نالت غضب الله ودخلت ناره فهي الشقية حقا.
ولتعتبر ما يأتيها من أذى أهلها كالمرض الذي لا سبيل إلى دفعه، وما يدريها فلربما حلت بها أمراض وأوجاع تفوق ذلك الأذى مرات ومرات، جزاء معصيتها وعيشها عند غير أهلها.
ولتجتهد في الدعاء والتضرع إلى الله أن يهدي والديها وأخاها، وأن يوفقها للزوج الصالح.
وإن أصر والدها على تزويجها بمن لا يصلح لها فلترفع أمرها إلى المحكمة الشرعية، وكذا لو رفض أبوها تزويجها من الكفؤ المتقدم لها.
وليس لها أن تزوج نفسها بغير إذن وليها، فإن فعلت كان زواجها باطلا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي " رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم:" أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2709
والحاصل أنه ينبغي لك أن تنصحي ابنة خالك بما ذكرنا، فإن أصرت على الهروب من أهلها، لزمك إعلامهم بذلك، منعا لحدوث هذا المنكر العظيم، ولو أدى ذلك إلى عدم ثقتها بك في المستقبل، فإن إنكار المنكر واجب على المستطيع، وما تفعلينه هو خيرها وصلاحها ودواؤها.
وينبغي نصح هذا الأب، وتذكيره بالله تعالى، وتحذيره من الإساءة إلى أولاده بغير حق، فإن هذا من الظلم الذي هو ظلمات يوم القيامة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/388)
صديقتها تصاحب الرجال وتفعل المعاصي وترفض النصيحة فما العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة جامعية، لي صديقة لا تحافظ على الصلاة، وعنيدة، لا تقبل النصيحة، ولا تستمع إلا للأغاني، لها صديقة سوء، وترفض الابتعاد عنها، ولا تذهب في الإجازات إلى البيت إذا لم تذهب صديقتها هذه، ومن خلال مواقف تعرضت هي لها تعرفت في الجامعة على مجموعة من الشباب بحجة مساعدتهم، وهي تراسلهم وتتكلم معهم، وعندما تخرج لا بد أن تتزين وتضع العطر، مع العلم بأنها تعرف حكم ذلك، حاولنا نصحها ولكنها ترفض النصيحة، ماذا أفعل لمساعدتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الدراسة المختلطة بين النساء والرجال محرَّمة، وهي تسبِّب فساداً عريضاً للمجتمع، وما تقوله الأخت السائلة هو جزء يسير من نتائج الاختلاط المحرَّم.
وإننا ننصح كل من يريد الحفاظ على نفسه، ويريد عدم الوقوع فيما حرَّم الله أن يبتعد عن هذه الأماكن المختلطة قدر المستطاع سواء للدراسة أم للعمل؛ لما فيها من مخافة للشرع؛ ولما تؤدي إليه من مفاسد.
ثانياً:
ما ذكرته السائلة من حال صديقتها مما يُؤسف له، فنسأل الله أن يهديها ويردها للحق، وأما واجبكم تجاهها فهو النصح والإرشاد، وتذكيرها بالله وأن الموت حق، وهذه الدنيا لا تدوم لحي سوى الله.
وقد خلق الله الجنة لمن أطاعه، وخلق النار لمن عصاه.. فإن استجابت للنصح والإرشاد فالحمد لله، وإن أبت إلا العصيان وسلوك سبيل الشيطان فقد قال الله تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ} المائدة / 99، وقال: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} وقال: {فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمسيطر} الغاشية / 21-22، وقال: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) المائدة/105.
واحرصي على البحث عن رفقة صالحة تعينك على الحق وتدلك عليه، وإياك ومجالس السوء وقرناء السوء فقد قال الله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويُستهزئ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً} النساء / 140.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/389)
دخل بها زوجها فوجدها ليست بكراً وهي لم تفعل الفاحشة قط
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مسلمة، أخاف الله في كل أفعالي، تزوجت - والحمد لله - من رجل مثالي في كل شيء، المعاملة الطيبة المتبادلة، كانت علاقتنا جيدة في كل شيء: الحب، الاحترام، الوئام، حب عائلتينا، ولكن تأتي الرياح بما لا تحب السفن، هذه الأيام اكتشفنا أنا وزوجي أني لست عذراء، ولكني متأكدة بأني بريئة لأنه لم يمسني أحد قبله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان زوجكِ عاقلاً متديِّنا، وكانت ثقته بك عالية: فإن الواجب عليه تصديقكِ في قولك بأنكِ طاهرة من كل ما يسيء لكِ، ولاسيما وأن ما حصل من زوال البكارة قد يكون لأسباب متعددة وليس بالضرورة أن يكون بسبب فعل فاحشة الزنا.
وهذا إذا سلمنا بما اكتشفتماه من كونك لست عذراء، فقد يحصل بينكما جماع ولا يحصل فض للبكارة، ولا يكون نزيف؛ وذلك بسبب طبيعة الغشاء فإن منه ما يكون مطاطياً لا يتمزق بالجماع ويحتاج إلى تدخل طبيب كما هو معروف عند علماء هذا المجال.
وغشاء البكارة مجرد علامة مادية لا ترقى إلى مستوى القرينة على عذرية أو انحراف المرأة، ولذلك نجد المحاكم في الأغلب لا تعتبر عدم وجود هذا الغشاء سبباً للقدح في المرأة، لأنه قد يزول لأسباب كثيرة.
إذن وجود الغشاء لا يكون دليلاً أكيدًا على البكارة أو العذرية، وكذلك لا يكون غيابه دليلاً أكيدًا على عكس ذلك.
فنوصيكما بأن تقوما بمراجعة الطبيبة لاستبانة الأمر، لاحتمال وجود عارض.
والمرجو أن يعيي زوجك ما سبق وألا يتعجل في الحكم عليك، ولتعلما أن من مقاصد الشيطان التي يسعى إليها التفريق بين الرجل وامرأته، لما يترتب على ذلك من الفساد الكبير للأسر والأفراد كما في حديث جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ) مسلم 5023
فليقطع على الشيطان هذا الباب بالبعد عن التفكير في هذا الأمر، ما دام هنا الأمر محتملاً وأنت جازمة بأنه لم يقع من السوء.
ونسأل الله أن يهدي قلبه، وأن يجمع بينكما على خير.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/390)
مصادر الوساوس وهل يؤاخذ المسلم عليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد طريقة للتفريق بين الوسوسة التي من الشيطان وتلك التي من النفس؟ وهل يمكن أن نعرف أيّاً منهما يأتي من الآخر؟ وإذا كانت الوسوسة من النفس: فهل سيعاقب عليها الفرد حتى وإن كان يرفضها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الوسواس الذي يصيب الإنسان ليس كله على درجة واحدة، من حيث المرضية، ومن حيث المصدر والأثر.
فالوسواس الذي يدعو الإنسان لسماع المحرمات أو رؤيتها أو اقتراف الفواحش وتزيينها له: له ثلاثة مصادر: النفس – وهي الأمَّارة بالسوء -، وشياطين الجن، وشياطين الإنس.
قال تعالى – في بيان المصدر الأول وهي النفس -: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ق/16.
وقال تعالى – في بيان المصدر الثاني وهم شياطين الجن -: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطَانُ قَالَ يَآدَمُ هَلْ أَدُلّكَ عَلَىَ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاّ يَبْلَىَ) طه/120.
وقال تعالى – في بيان المصدر الثالث وهم شياطين الإنس -: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ. مَلِكِ النّاسِ. إِلَهِ النّاسِ. مِن شَرّ الْوَسْوَاسِ الْخَنّاسِ. الّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ. مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ) سورة الناس.
أي أن هذه الوساوس تكون من الجن ومن بني آدم.
انظر السؤال (59931) .
وما يعرض للمسلم في وضوئه وصلاته فلا يدري كم توضأ ولا كم صلى: فمصدره من الشيطان، فإن استعاذ بالله من الشيطان كفاه الله إياه، وإن استسلم له واستجاب لأوامره تحكَّم فيه الشيطان، وتحول من وسوسة عارضة إلى مرضٍ مهلك، وهو ما يسمى " الوسواس القهري " وهذه الوساوس القهرية – كما يقول أحد المختصين - " علة مرضية تصيب بعض الناس كما تصيبهم أية أمراض أخرى، وهي أفكار أو حركات أو خواطر أو نزعات متكررة ذات طابع بغيض يرفضها الفرد عادة ويسعى في مقاومتها، كما يدرك أيضاً بأنها خاطئة ولا معنى لها، لكن هناك ما يدفعه إليها دفعاً، ويفشل في أغلب الأحيان في مقاومتها، وتختلف شدة هذه الوساوس حتى إنها لتبدو – لغير المتخصصين – عند زيادة شدتها وكأن المريض مقتنع بها تماماً، ويعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان أيضاً في عباداته وكذلك في شؤون حياته الدنيوية ".
فوسوسة الشيطان تزول بالاستعاذة.
ووسوسة النفس تزل أيضاً بالاستعاذة، وبتقوية الصلة بين العبد وربه بفعل الطاعات وترك المنكرات.
وأما الوسواس القهري فهو حالة مرضية كما سبق.
وفي الفرق بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس معنى لطيف ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن بعض العلماء، قال:
وقد ذكر أبو حازم في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان، فقال: " ما كرهتْه نفسُك لنفسِك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه، وما أحبَّته نفسُك لنفسِك فهو من نفسك فانْهَها عنه ". " مجموع الفتاوى " (17 / 529، 530) .
أي أن النفس غالباً توسوس فيما يتعلق بالشهوات التي يرغب فيها الناس عادةً.
وذكر بعض العلماء فرقاً آخر مهمّاً، وهو أن وسوسة الشيطان هي بتزيين المعصية حتى يقع فيها المسلم فإن عجز الشيطان انتقل إلى معصية أخرى، فإن عجز فإلى ثالثة وهكذا، فهو لا يهمه الوقوع في معصية معينة بقدر ما يهمه أن يعصي هذا المسلم ربَّه، يستوي في هذا فعل المنهي عنه وترك الواجب، فكلها معاصٍ، وأما وسوسة النفس فهي التي تحث صاحبها على معصية بعينها، تحثه عليها وتكرر الطلب فيها.
ثانياً:
والمسلم لا يؤاخذ على وساوس النفس والشيطان، ما لم يتكلم بها أو يعمل بها.
وهو مأمور بمدافعتها، فإذا ما تهاون في مدافعتها واسترسل معها فإنه قد يؤاخذ على هذا التهاون.
فقد أُمر بعدم الالتفات لوساوس الشياطين، وأن يبني على الأقل في الصلاة عند الشك فيها، وأُمر بالاستعاذة من الشيطان والنفث عن يساره ثلاثاً إذا عرضت له وساوس الشيطان في الصلاة، وأُمر بمصاحبة الأخيار والابتعاد عن الأشرار من الناس، فمن فرَّط في شيء من هذا فوقع في حبائل نفسه الأمارة بالسوء أو الاستجابة لشياطين الجن والإنس فهو مؤاخذ.
وأما الوسواس القهري: فهو مرض – كما سبق- فلا يضير المسلم، ولا يؤاخذه الله عليه؛ لأنه خارج عن إرادته، قال الله تعالى: (لا يٍكّلٌَفٍ اللهٍ نّفًسْا إلاَّ مّا آتّاهّا) الطلاق/7. وقال تعالى: (فّاتَّقٍوا اللهّ مّا اسًتّطّعًتٍمً) التغابن/16. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ) رواه البخاري (4968) ومسلم (127) .
وعلى من ابتلي بمثل هذا الوسواس أن يداوم على قراءة القرآن والأذكار الشرعية صباحا ومساء، وعليه أن يقوي إيمانه بالطاعات والبعد عن المنكرات، كما عليه أن يشتغل بطلب العلم، فإن الشيطان إن تمكن من العابد فلن يتمكن من العالم.
وقد يأتي الشيطان ويوسوس للمسلم أشياء منكرة في حق الله تعالى، أو رسوله، أو شريعته، يكرها المسلم ولا يرضاها، فمدافعة هذه الوساوس وكراهيتها دليل على صحة الإيمان، فينبغي أن يجاهد نفسه، وأن لا يستجيب لداعي الشر.
قال ابن كثير رحمه الله:
في قوله (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) أي: هو وإن حاسب وسأل لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخصُ دفعَه، فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها: فهذا لا يكلَّف به الإنسان، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان. " تفسير ابن كثير " (1 / 343) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
يخطر ببال الإنسان وساوس وخواطر وخصوصا في مجال التوحيد والإيمان، فهل المسلم يؤاخذ بهذا الأمر؟ .
فأجاب:
قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه قال: " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " – متفق عليه - وثبت أن الصحابة رضي الله عنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عما يخطر لهم من هذه الوساوس والمشار إليها في السؤال، فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله: " ذاك صريح الإيمان " – رواه مسلم - وقال عليه الصلاة والسلام: " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسله " – متفق عليه -، وفي رواية أخرى " فليستعذ بالله ولينته " رواه مسلم في صحيحه.
" تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام " (السؤال العاشر) .
وتجد في جواب السؤال رقم (62839) كلاماً مهمّاً حول الوسوسة وعلاجها.
وفي جواب السؤال رقم (25778) ذكرنا علاج من تقلقه الوسواس والخطرات.
وانظر جواب السؤال رقم (12315) ففيه نصائح مهمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/391)
المس وما يتعلق به من أوهام وحقائق
[السُّؤَالُ]
ـ[ابتليت بمس جني - ولم أشف منه - منذ سنتين تقريباً، والغريب أنني أشعر بهم في جسدي ويكاد يكون لي التحكم فيهم في جسدي مثلاً: عندما أسمع للقرآن فأشعر بحركة ألم لهم في بطني فأستطيع إن شاء الله أن أوقفهم عن تلك الحركة.
وأنا أؤمن بأن خروجهم لن يتم أبدا إلا من الله العلي القدير، فلذلك أدعو الله ولا أذهب إلى معالج شرعي يرقي بالقرآن.
الحمد لله أنني بفضل الله مستقيم، ولكني أقع أحيانا في بعض المعاصي، فما تفسير ذلك؟ وما هي نصيحتكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المس بالجن فيه حقائق وفيه أوهام، وأوهامه – عند كثير من الناس الآن – أكثر من حقائقه، وأهل السنة مجمعون على تلبس الجني ببدن الإنسي، لكن ليس معنى ذلك أن كل ما يكون من المصروع هو مس من الجن، لأن الصرع قد يكون له سبب عضوي، ومثله ما يشعر به الكثيرون ويحسونه في أجسادهم، فلا يُجزَم بأنه من فعل الجن، بل قد يكون أهاماً وقد تكون خيالات.
لذا فعليك ألا تلتفت إلى ما قد يوسوس به الشيطان أو يهيئه لك أنه من فِعله، وأنك تستطيع التحكم به، فهذا من أبواب تلبيسه على المسلم ليوهمه بأنه يستطيع التحكم فيه حتى يظن في نفسه ما ليس فيها، وقد يصل به إلى ما لا تحمد عقباه كما حصل مع كثيرين.
وعليك بالمداومة على رقية نفسك بنفسك، وكتاب ربك تبارك وتعالى بين يديك، فاقرأ منه وارق نفسك، وسواء كان عندك مس أم لم يكن فلا شك أنك مستفيد من هذه القراءة وتلك الرقية.
وللمزيد انظر سؤال رقم (3476) .
وإذا ذهبت إلى من هو معروف باستعمال الرقية الشرعية مع استقامة حاله وبعده عن الشعوذة والخرافات، فإن هذا لا بأس به وقد يكون سبباً لشفائك مما تشكو منه.
وعليك بالاستعانة بالله تعالى والدعاء والتضرع ليكف عنك كيد شياطين الإنس والجن، فالإنسان محتاج لربه دوماً، والله تعالى قادر على أن يخلصك من الظنون والأوهام والحقائق التي تؤذيك وتضرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/392)
يعاني من مشكلة النسيان وعدم التركيز وعدم التنظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[أظن أن لدي بعض المشكلات الشخصية، منها: سرعة النسيان، عدم التركيز، الكسل، الإهمال، عدم تنظيم الأعمال، ضعف في الشخصية، عدم القدرة على رفض طلبات الآخرين مما يسبب لي في بعض الأحيان حرجاً بالغاً وندماً، ومشاكل أخرى لست أذكرها. وذلك على الرغم من أنه قد من الله علي ببعض الميزات والنعم منها النجاح في الحياة المهنية والعائلية والحمد لله، وأحياناً يقولون أني ذكي ومثقف بل مبدع، وأظن في هذا الكلام شيئاً من الصواب. لكن المشكلة أن (المشكلات) الشخصية المذكورة أعلاه تؤرقني أحياناً كثيرة، فأرجو النصيحة بطرق حلها، على أن تكون هذه النصيحة مصحوبة بالدعاء لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: ينبغي أن تحمد الله تعالى على ما منّ به عليك من نعمة الإسلام والهداية، والصحة والعافية، والسمع والبصر والنطق، وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى، ومنها ما ذكرت من الميزات والنجاح المهني والعائلي، وأن يلهج لسانك بحمد الله وشكره، فكم من إنسان حرم من هذه النعم أو كثير منها.
وإذا رضي الإنسان بما قسم الله تعالى له، واستشعر منة الله عليه فيما أعطاه وحباه، اطمأنت نفسه، واستراح قلبه، وذهب خوفه وحزنه، وهذا غالبا ما يعود عليه بالعافية من كثير من الأمور التي تؤرقه كعدم التركيز، والخجل من الناس، ونحو ذلك.
ثانيا: كن على ثقة من أن هذه الأمور التي ذكرتها قابلة للعلاج والتحسين والتغيير، لكن هذا يتوقف على رغبتك الحقيقية في ذلك، واتخاذك الأسباب المعينة، ومن أعظمها سؤال الله تعالى أن يحسن خلقك، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك ونحو هذه الأدعية فاحرص على الإكثار من الأدعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المعاني.
ومن وسائل زيادة الحفظ وتقليل النسيان، شغل الذهن وتعوديه على حفظ آيات من كتاب الله تعالى؛ إذ كلما اعتاد الإنسان الحفظ، سهل عليه، ونشط له، وازدادت قدرته في تحصيله.
ومن الوسائل: ترك فضول النظر والاستماع والكلام والطعام والمنام، ليتهيأ القلب لحفظ ما ينفع، فإن كثرة المشغلات توجب تشتت الذهب وتفرق الخاطر.
والمراد بالفضول الزيادة من هذه الأشياء التي لا تحتاج إليها، وليس هناك منفعة منها.
ومن الوسائل المعينة على ذلك: ترك الحرام، لاسيما في الطعام والشراب، والنظر، وفي هذا يقول الشافعي رحمه الله أبياته المشهورة:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
ثالثا: لا حرج عليك في الاستعانة ببعض الكتب التربوية والإدارية التي تُعنى بتعليم مهارات التنظيم والترتيب، وفن اتخاذ القرار والسيطرة على مشاعر القلق والخجل، وفن التعامل مع الناس بصفة عامة.
ونسأل الله لك التوفيق والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/393)
يعاني من الوسواس وحلف أيماناً كثيراً وحنث فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[موسوس عقد أيمانا متعددة ألا يكرر العمل ثم حنث وقد تراكمت عليه أيمان وعهود كثيرة الله أعلم بعددها وهو يعاني من الوسواس كيف يكفر ما مضى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من حلف أيمانا متعددة، وحنث ولم يكفّر عن شيء منها، فله حالان:
الأول: أن تكون الأيمان على شيء واحد، كأن يقول: والله لا أشرب الدخان، ثم يحنث ولا يكفر عن يمينه، ثم يحلف مرة أخرى أنه لا يشرب الدخان ثم يحنث.. فهذا تلزمه كفارة واحدة.
والثاني: أن تكون الأيمان على أفعال مختلفة، كقوله: والله لا أشرب، والله لا ألبس، والله لا أذهب إلى مكان كذا، ثم يحنث في الجميع، فهل تلزمه كفارة واحدة أو كفارات بعدد الأيمان؟ فيه خلاف بين الفقهاء، فالجمهور على تعدد الكفارة، والحنابلة على أنه لا تلزمه إلا كفارة واحدة.
والراجح ما ذهب إليه الجمهور؛ لأنها أيمان على أفعال مختلفة، لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى، فلم تتداخل.
وينظر "المغني" (9/406) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم، سؤالي: هل علي كفارة واحدة أم ثلاث، وما هي كفارتي؟
فأجاب: عليك كفارة واحدة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ لقول الله سبحانه: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) الآية من سورة المائدة/89، وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد، ولو تكررت ليس فيها إلا كفارة واحدة، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما. أما إذا كان كفر عن الأولى ثم أعاد اليمين فعليه كفارة ثانية إذا حنث، وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة.
أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه في كل يمين كفارة، كما لو قال: والله لا أكلم فلانا، والله لا آكل طعاما، والله لا أسافر إلى كذا، أو قال: والله لأكلمن فلانا، والله لأضربنه، وأشباه ذلك.
والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا.
وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء. وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا. والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/145) .
ثانيا:
إذا كان المسئول عنه موسوسا، وقد حلف هذه الأيمان تحت تأثير الوسوسة، من غير قصد ولا إرادة ولا رغبة في الحلف، فلا شيء عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طلاق في إغلاق) . فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق" انتهى، نقلا عن: "فتاوى إسلامية" (3/277) .
وإذا كان هذا في الطلاق، فاليمين من باب أولى، لأن أمر النكاح أعظم من أمر اليمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/394)
والدها يحاول ضربها ومنعها من الصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[فعلت أشياء محرمة ولكن في هذا الشهر أشعر بقربي من الله وأنوي الصيام (إن شاء الله) ، المشكلة أن والدي جعل حياتي صعبة في هذا الشهر وكنت سأتوقف عن الصيام فاضطررت أن أخرج من البيت وأمشي بالخارج فلا أستطيع البقاء في البيت فقد حاول ضربي، والدتي تعمل وسأبقى معه وحيدة في البيت ولن أدعه أبداً يحرمني من صيام هذا الشهر، حافظت على الصيام وأصبحت أخرج وأجلس خارج البيت من حين الاستيقاظ حتى يأتي موعد خروجه وهو تقريباً مع غروب الشمس، أشعر بالمرض فأنا مصابة بفقر الدم ومصابة بالحساسية.
أريد أن أعرف هل ما يفعله حرام أم أن ما يفعله لا يعاقبه الله عليه؟ عندما يخرج ويراني أتألم يضحك علي، فأرجو أن تجيب على سؤالي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي أن تحمدي الله تعالى أن هداك ووفقك للرجوع إليه، ويجب عليك صوم ما افترضه الله عليك، ولو كره أبوك ذلك، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ثانياً:
قد ذكرت أنك تشعرين بالمرض وأنك مصابة بفقر الدم والحساسية، فهنا لابد من رجوعك إلى طبيب ثقة، وتسألينه هل الصيام يضرك أم لا؟ وهل هذا المرض يرجى حصول الشفاء منه أم لا؟ فإن كان الصيام يضرك بسبب المرض أو يزيد من المرض أو يؤخر الشفاء أو يشق عليك مشقة شديدة فقد يسر الله لك وخفف عنك وأسقط عنك وجوب الصيام، فافطري وعليك قضاء الأيام التي أفطرتيها بعد شفاءك إن شاء الله تعالى.
أما إذا كان المرض مستمراً معك ولا ترجين أن تتمكني من القضاء فأفطري وعليك أن تطعمي مسكيناً عن كل يوم أفطرتيه، راجعي السؤال رقم (12488) .
ثالثاً:
الواجب على الأب أن يقوم بحق رعيته، فيأمرهم بفعل الواجبات وترك المحرمات، فإن قصر في ذلك كان معرضا للعذاب والعقاب، قال الله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم / 6
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " رواه البخاري (6731) ومسلم (142) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته.. والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته …". رواه البخاري (844) ، ومسلم (3408) ، فسوف يسأل كل صاحب ولاية (ومنهم الأب) هل قام بما يجب عليه أم لا؟
ومعلوم أنه يترتب على هذا السؤال النعيم إن كان قد قام بما وجب عليه، واستحقاق العذاب والعقاب إن كان مفرطاً مضيعاً، نسأل الله السلامة.
وإن انضاف إلى تفريط الأب أنه ينهى عن المعروف والخير والواجب، كان إثمه أشد وأعظم، فإن الله تعالى أخبر أن هذه صفة المنافقين الفاسقين، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) التوبة / 67
وعليك بالصبر واحتساب الأجر، والاستمرار في نصح الأب، والاستعانة على ذلك بصالحي أهلك وأقاربك، مع الدعاء له بالهداية والاستقامة.
وينبغي أن تحذري من الجلوس خارج البيت من غير حاجة، لما قد يترتب عليه من الضرر أو الفتنة، فإن احتجت إلى الخروج أو اضطررت فعليك بالالتزام بالحجاب الشرعي وتجدين في السؤال رقم (6991) شروط الحجاب الشرعي.
نسأل الله أن يحفظك بحفظه، وأن يهدي والدك إلى الخير والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/395)
مسلمة جديدة تريد الدراسة ولا تستطيع
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة مسلمة، أنهت دراستها الثانوية العام الماضي، وانتقلت من عند والدتها إلى بلاد ما وراء البحار لتعيش مع أخيها. ودخلت الإسلام, بينما باقي أفراد عائلتها ليسوا مسلمين أو أنهم يتبعون أي دين آخر.
تلك الفتاة كانت تلبس الحجاب , لكنها لا تلبسه بشكل صحيح الآن. ولا يوجد عذر لذلك , لكنها ترغب في الحصول على وظيفة لا تمانع لبسها الحجاب. كما أن أخاها لن يجبرها على خلع الحجاب. وهي الآن تعمل، لكنها ترغب في الذهاب للكلية لتحصل على درجة جامعية في التدريس. والمشكلة حيث أن الحكومة في بلاد والدتها تعطي قروضا بفوائد عالية, والبلاد التي هي فيها الآن تعطي قروضا بدون فوائد , لكن عليها أن تنتظر مدة سنتين كاملتين قبل أن تتمكن حتى من التقديم للحصول على قرض من هذا النوع. وهي لا تريد أن تضيع الوقت على نفسها. وقد تعرفت على سائق سيارة أجرة (تاكسي) تقي , وقد أخبرها أنه يجب عليها ألا تكون في بيئة كتلك؛ وأن عليها أن تتزوج في أسرع وقت ممكن. وأخوها لا يسمح لها بمغادرة البيت أبدا, كما أنه صاحب نفوذ قوي جدا. إنها تريد أن تذهب إلى والدتها للدراسة، لكنها لا ترغب في الحصول على قرض بفوائد ربوية. فبماذا تنصحها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحمد لله الذي كتب لك الهداية للدخول في دين الإسلام وهذه نعمة لا توازيها نعمة على وجه الأرض.
ثانيا:
لاشك أن يواجه المسلم الملتزم الذي أسلم حديثا بعض الصعوبات وبعض المشاكل وخصوصا أنه تعود على نمط من الحياة يوجب دخوله الإسلام أن يغيره وبالتالي قد يواجه بعض الصعوبات من أسرته ومن مجتمعه الذي يعيش فيه.
ثالثا:
المسلم الجديد لابد أن يبحث عن رفقة ملتزمة صالحة تعينه وترشده وتقدم له النصائح حتى لا يتأثر بالجو الذي كان عليه ولا يستزله الشيطان أو رفاق السوء بالرجوع إلى ما كان عليه.
رابعا:
ننصح الأخت المسلمة أن تتقي الله سبحانه وتعالى وأن تلتزم بالحجاب الصحيح وقد تواجهها بعض الصعوبات ولكن الله سوف يكون لها سنداً وعوناً وسيحفظها إن علم منها صدق النية والإخلاص.
خامسا:
ننصحها أن لا تلتفت لدخول الجامعة لأن ذلك يؤدي إلى الوقوع في محاذير شرعية كالتعامل بالربا - كما ذكرت السائلة - أو التخلي عن الحجاب أو الاختلاط المحرم.
سادسا:
ننصحها أن تبحث عن زوج مسلم يعفها وتعيش في كنفه كما ذكر لها ذلك السائق المسلم وأن تستعين بالله على ذلك، وتجتهد في تعلم الإسلام حتى تكون داعية إلى الله وتنقذ من استطاعت من أهلها وأقاربها ومجتمعها من الموت على الشرك، وهذا من أهم الأعمال وأفضلها قال الله تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) فصلت / 33، ونسأل الله أن يثبتك على الإسلام وأن يكتب الهداية لأسرتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/396)
يخاف من مقابلة الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم أشعر بالخوف من الناس عامة وهذا يدفعني إلى الانطواء حتى إنني في بعض الأحيان أكون صاحب حق ولكنني لا أطالب به لخوفي. كما أنني غالبا أتجنب الآخرين خوفا من أن يكون رأيهم فيَّ سيئاً. فهل من حل؟ وهل يعتبر ذلك نقصاً في إيماني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الإيمان ينقص بترك الواجبات وفعل المحرمات، ومادمت تؤدي حق الله وتراعي حرماته فلا يضرك انطواؤك عن الناس ولا خوفك منهم. فإن منعك هذا الخوف من القيام بشيء من الواجبات لحقك الإثم بذلك، كأن يمنعك الخوف من حضور صلاة الجماعة في المسجد، أو إنكار ما تستطيع إنكاره من المنكرات بلسانك أو يدك، أو بذل النصيحة المتعينة عليك لمن يستحقها.
ولا ينبغي لك أن تستسلم لهذه المخاوف ولا أن ترضى بها، بل فتش عن أسبابها واجتهد في علاجها، ولعل مما يعينك على ذلك أن تعلم أن المخلوق لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، بل لو اجمتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
فالأمر كله بيد الله تعالى، وهو الأحق بخوفك ورجائك، ورغبك ورهبك، كما أن ذم الناس لا قيمة ولا وزن له، ويكفي المؤمن أن ينال رضا الله تعالى ولو سخط عليه جميع الناس.
ومن استقام على أمر الله تعالى واعتصم به فهو أعز الناس؛ فإن الله تعالى كتب العزة لعباده المؤمنين، كما قال تعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) المنافقون / 8
وينبغي أن تظهر آثار هذه العزة على المؤمن في قوله وفعله وسائر مواقفه، يصدع بالحق ويجهر به، وينصح ويذكر ويعظ، يرضى لله ويغضب له، ويتمعر وجهه حين تُنتهك حرماته.
ويتم هذا ويكمل بمعرفة الإنسان لوظيفته ودوره في هذه الحياة، فإنه مأمور بعبادة الله تعالى، وتبليغ دينه ونشره قدر استطاعته، وهذا يحتاج إلى مخالطة الناس والصبر على أذاهم، لا سيما الأقارب والأرحام، وفي الحديث الذي رواه الترمذي (1307) وابن ماجة (4032) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم " والحدث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6651
ولعلك تبدأ في التعرف على رفقة صالحة تأنس إليها، وتأمن جانبها، تعينك على التغلب على مشاعر الخوف والتوجس من الناس، وتجد فيها ما افتقدته فيمن حولك من صدق الإخاء، وحسن العشرة، ووضوح الهدف، ونبل المقصد.
وننصحك أخي السائل بعرض نفسك على طبيب مختص بالأمراض النفسية فلعله يساعدك على إيجاد حل لمشكلتك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/397)
زوجته تبيت عند أهلها مع وجود رجل أجنبي عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما تذهب زوجتي لزيارة والديها في منزلهما، فإن قريبها الأعزب يقضي ليلته في ذلك المنزل أيضا. وفي هذه الحالة، فإني أفضل المكث معها هناك ولا أرغب في بقائها بدوني، مع أن ابننا البالغ من العمر 4 سنوات يبقى معها، وأنها تنام في غرفة منعزلة.
أنا أمنعها من البقاء في منزل والديها إذا كان قريبها موجود ولم يكن في استطاعتي أن أمكث معها. فهل أنا مصيب في ذلك؟ هل يعد ذلك شرعيا، أم أنه يخالف ما شرعه الله؟
كما أنني أشعر بعدم الارتياح عن ذلك الوضع، مع أن زوجتي تكرر دوما أن علي أن أثق فيها.
وسؤال آخر متعلق بالموضوع ذاته، هل يجوز لي أن أمنع زوجتي من السفر للترفيه ولمشاهدة المناظر مع والديها وإخوانها إذا كان قريبها المذكور سيسافر معهم أيضا؟
أنا لا أمانع من سفرها معهم إن كنت أنا معها. لكن هل يصح سفرها معهم وأنا لست معها؟ مرة أخرى، أنا أشعر بغيرة شديدة إذا حدث ذلك. أنا أشعر أن أخذها في نزهة من مسئولياتي وليست من مسئوليات الأغراب، حتى وإن كانت بصحبة والديها وإخوانها. أرجو منك التعليق إن كان ذلك جائزا، أم أنه يخالف شرع الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أذكرك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ". رواه البخاري (4808) ومسلم (2740) من حديث أسامة بن زيد.
ثانياً:
إن وجود المرأة في منزل أبيها وفيه رجل أجنبي عنها جائز إذا أمن الاختلاط المحرم وأمنت الفتنة التي قد تحدث بسبب ذلك.
أما إذا لم تؤمن الفتنة أو حصل الاختلاط المحرم فإن هذا لا يجوز، ويزيد التحريم إذا كانت المرأة غير ملتزمة بالحجاب الشرعي.
ثالثاً:
الصبي الذي عمره أربع سنوات لا يعتبر محرَماً لأن المقصود من المحرم هو حفظ المرأة وصيانتها وهذا لا يحصل من الصغير ذي الأربع سنوات فوجود هذا الطفل وعدمه سواء.
رابعاً:
والد زوجتك وإخوانها إن تساهلوا بوجود ذلك الرجل ولا يبالون إذا خلا بزوجتك أو خلعت حجابها أمامه فلا يجوز لك ترك زوجتك عندهم لأنهم مفرطون في حفظ ابنتهم وقد قال عليه الصلاة والسلام: " إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو هو الموت ". رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) من حديث عقبة بن عامر. فعليك بحفظ زوجتك والغيرة عليها، وعدم تعريضها للفتن.
خامساً:
أما بالنسبة لذهابها إلى التنزه فلا بأس به إن لم يكن المكان الذي تذهبون إليه مما يلتقي به أهل الفسوق كالشواطئ وغيرها من الأماكن التي تكثر فيها الريبة، وتكون محافظة على حجابها بعيدة عن مواطن الفتن، وإذا خشيت من وجود ذلك الرجل الأجنبي أن يكون سبباً للفتنة أو الوقوع فيما حرمه الله، فالواجب عليك منع زوجتك من السفر معهم، وهذا أمر من الغيرة المحمودة التي يحبها الله ورسوله، أن يغار الرجل على أهله فيمنعهم من الفواحش ومما قد يكون وسلية إليها
واعلم – أخي في الله – أن معظم مصائب الأسر تكون من صديق العائلة أو قريبهم، فسدد وقارب وانظر الخير في أمرك وقديماً قيل (رب البيت أدرى بالذي فيه) واحرص على ما ينفعك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/398)
زوجته ضعيفة الدين فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الثلاثين من عمري، كنت قبل الزواج غير ملتزم. والآن الحمد لله على نعمة الهداية. تزوجت من فتاة متخرجة من قسم الدراسات الإسلامية. وكنت مسرورا بذلك لأنني ظننت أنها ستكون عوناً لي على طاعة الله. ولكن بعد العشرة وجدت أنها فتاة عادية جداًّ وليس لها في الالتزام شيء، وعندها كثير من السلبيات، مثل:
لا تستطيع أن تنكر أي منكر سواء كان صغيراً أو كبيراً، بل تفعل بعض المنكرات كرؤية التلفاز والغيبة وقلة العبادة. وعندها بعض الايجابيات، مثل كونها طيبة، صبورة، قائمة بجميع واجباتها الزوجية والمنزلية.
والذي يحزنني أنني أريد من يعينني على الالتزام وذلك بطريق ذات الدين لكني وجدت أن ذات الدين تحتاج من يعينها. هذه هي مشكلتي أرجو أن تجدوا لي حلا ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المشكلة التي شرحتها، يعاني منها كثير من الشباب الذين يظنون أن المرأة يمكن أن تتعلم وتدعو، وتجتهد في العبادة، وتعين زوجها على الالتزام، مهما كان زوجها مقصرا في ذلك. والواقع أن المرأة لا تقتدي بأحد اقتداءها بزوجها، فإذا لم يكن الزوج قدوة في هذه الأمور، فسرعان ما تتفلت المرأة، ويضعف التزامها وتمسكها. وهذا في الغالب، ولا يمنع أن توجد حالات مشرقة، تكون فيها المرأة هي الرائدة والمعلمة، والآخذة بيد زوجها إلى طريق الهداية.
وكونك وقفت على الحقيقة، وأن زوجتك فتاة عادية، لا يعني الفشل، ولا يبعث على الندم، بل ينبغي أن يكون ذلك محفزا لك على أن تنال أجر دعوتها وهدايتها.
وما ذكرته من صفاتها الطيبة سيساعدك على ذلك إن شاء الله.
فكن أنت الداعي والمذكر والناصح.. اشغل فراغها بما ينفع من الأشرطة والكتب والمجلات، ولا تيأس من الإنكار عليها إذا وقعت في الغيبة أو مشاهدة التلفاز، لكن اجعل ذلك على سبيل الرفق والرحمة والمحبة.
واسْع في إلحاقها بدار من دور تحفيظ القرآن الكريم، وانشط لاصطحابها معك في المحاضرات العامة، وفي تقوية الأواصر مع بعض الأسر الصالحة المستقيمة، فهذا خير ما يعين زوجتك على تقوية إيمانها.
وما ذكرته من قلة عبادتها، لعله راجع إلى قلة عبادتك، أو إهمالك لمشاركتها في العبادة، فاجتهد في إعانتها، وتذكيرها بفضل النوافل، وأجر قيام الليل، وثواب الصيام، ومارس معها ما استطعت من هذه العبادات.
وكن قواماً على أسرتك، تحجزها عن الحرام، وتمنعها مما فيه ريبة أو فساد.
وسل الله تعالى قائلا: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) الفرقان/74.
نسأل الله أن يصلح حالك وأحوال المسلمين أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/399)
شكت في صديقتها فهجرها أخوها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي صديقه من 18 سنة وفي يوم شككت أنها تتكلم في التليفون مع شخص، وخفت عليها لأنها محترمة جدا فحكيت ذلك لأخ لي يصغرني لنجد حلا، ولكن بعد فترة تأكدت أنها بريئة وأني استعجلت لما حكيت لأخي. المهم صار أخي يشك في كل حركة من حركاتي وأصبح لا يطيق أن آتي باسمه. لا أعرف كيف الحل في هذا الموضوع وهل لي كفارة وماذا أعمل مع أخي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت تكلمت في صديقتك، خوفا وحرصا عليها، ورغبة في إنقاذها فلا حرج عليك، لكن كان ينبغي التريث والتأني وترك الاستعجال، ولا يلزمك كفارة ولا غيرها، إلا أن تكوني قد استرسلت في الحديث عنها بما تكره، فيجب عليك التحلل من غيبتها، فإذا كان قد بلغها ما قلتيه عنها فإن عليك أن تعتذري لها وتطلبي منها العفو والصفح، وإن كانت لم يبلغها ما قلتيه عنها فإنك لا تخبرينها بذلك بل أكثري من الدعاء لها والاستغفار والثناء عليها وذكر حسناتها أمام من تكلمت في شأنها أمامهم. ونسأل الله أن يعفو عنا وعنك. انظر: إجابة السؤال رقم (6308) .
وأما ما تعانينه من شك أخيك في تصرفاتك، فإن علاجه يكون بسؤال الله تعالى أن يهديه وأن يصرف عنه ذلك، ثم بالتزامك أمر الله تعالى في الحجاب وغض البصر ومجانبة الرجال الأجانب، والإكثار من نوافل الصلاة والصوم والصدقة، ومحاولة الحديث معه، ومصارحته، وتحذيره من ظن السوء بك.
ولاشك أن أخاك إن رأى عليك الاستقامة الواضحة، ذهب عنه الشك، وانتفت من قلبه الريبة إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/400)
زوجتي ليست جميلة!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ عدة سنوات، وقد كنت موفقاً في السنتين الأوليتين من زواجي وأحب زوجتي، ولكن بعد ذلك بدأت أجد في نفسي شيئاً من الكره لزوجتي.. ليس في دينها فهي ذات دين وخلق عظيم ولله الحمد ولكن في جمالها لم يكن بالقدر الذي يعفني ويغض بصري، وأخاف من ظلمها لأن حالتي النفسية تجعلني مهموماً معها أحياناً وأعبس في وجهها أحياناً بدون سبب، والمشكلة أنني لا أستطيع الزواج بأخرى لأني غير قادر مالياً، وفكرت بالزواج عن طريق القرض ولكن سأعيش فقيراً بسبب القرض، وقد فكرت كثيراً في تسريحها بإحسان واستبدالها بغيرها ولكن لي منها أطفال وهي تحبني جداً، وقد أجهدني التفكير وأرقني في منامي لأني لا أدري ماذا أفعل فما العمل أثابكم الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخي الكريم.. أشكر لك ثقتك واسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.. أما عن استشارتك فتعليقي عليها ما يلي:-
أولاً: المشكلة لديك ليست في زواجك مرة أخرى.. أو طلاقها..!! المشكلة كما تذكر مشكلة مادية..! ومادمت غير قادر على الزواج الآخر.. فأمسك عليك زوجتك حتى يرزقك الله.
ثانياً: عندما تستطيع وتملك القدرة المالية.. فالحمد لله قد أبيح لك التعدد.. وهو من وجهة نظري أيسر للمرأة من طلاقها خاصة وأن لك منها أطفالاً.
ثالثاً: حاول أن تنظر للموضوع من زاوية أخرى فربما وجدت فيها الكثير من الإيجابيات فالجمال ليس كل شيء.. صدقني.. المعاشرة والتعامل.. وأمور كثيرة تتغلب في النهاية على الشكل.. لأنك مع الوقت تعتاد على الشكل ويبقى التعامل هو المقياس..؟!
رابعاً: هب أنك وجدت امرأة جميلة جداً وتزوجتها.. ثم بدأت تتعامل معك بشكل متعالٍ أو وقح.. أو أساءت إليك أو إلى أسرتك وبيتك..!! ماذا تفعل؟!
خامساً: كن موضوعياً في نظرتك.. ولا تحمل نفسك مالا تطيق.. وانظر للأمر من مختلف جوانبه (.. فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) سورة النساء / 19. وتذكر وصية النبي صلوات الله وسلامه عليه [فاظفر بذات الدين تربت يداك.. الحديث] .
وفقك الله وحماك وسدد على طريق الخير والحق خطاك..
[الْمَصْدَرُ]
أجاب عليه: أحمد المقبل(11/401)
مواجهة فتنة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت قول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ " رواه البخاري (5096) ومسلم (2740) .
سؤالي كيف لي أن أنجو بنفسي من هذه الفتنة، وأنا أراها في كل مكان: الشارع.. التلفاز.. الانترنت.. العمل..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن الله خلق الإنسان في دار ابتلاء وامتحان، وجعل الجنة مقراً لأوليائه وأحبابه – الذين يؤثرون رضاه على رضى أنفسهم، وطاعته على راحة أبدانهم – وجعل النار مستقراً لمن عصاه من عباده , وآثر هوى النفس على رضى الرب سبحانه وتعالى، قال تعالى: {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا} مريم / 63، وقال: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} النازعات / 40-41، وقال عن أهل النار {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا} مريم / 59 وقال: {ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا} الكهف / 106، وقال: {فأما من طغى. وآثر الحياة الدنيا. فإن الجحيم هي المأوى} النازعات / 37- 39.
فعلى المسلم أن يجاهد نفسه في عبادة الله، والابتعاد عما يغضب الله، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} العنكبوت / 39
وإن من الفتن التي ابتلينا بها فتنة النساء بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء "، وهذه بعض الطرق التي تعين على تجنب هذه الفتنة نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين..
1- الإيمان بالله عز وجل:
إن الإيمان بالله والخوف من الله صمام الأمان والعاصم للعبد من مواقعة الحرام والانسياق وراء شهوة عارضة.
فالمؤمن إذا تربى على مراقبة الله ومطالعة أسرار أسمائه وصفاته كالعليم والسميع والبصير والرقيب والشهيد والحسيب والحفيظ والمحيط، أثمر ذلك خوفاً منه سبحانه في السر والعلن، وانتهاءً عن معصية الله، وصدوداً عن داعي الشهوة الذي يؤز كثيراً من العباد إلى الحرام أزاًّ.
2- غض البصر عن المحرمات:
إن النظر يثمر في القلب خواطر سيئة رديئة ثم تتطور تلك الخواطر إلى فكرة ثم إلى شهوة وهو بيت القصيد ثم إلى إرادة فعزيمة ففعل للحرام ولا بد.. وتأمل في هذه الآية التي ربطت بين أول خطوات الحرام وآخرها يقول تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} .
يقول ابن كثير: " هذا أمر الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا ".
3- مدافعة الخواطر:
إن الخاطرة السيئة في القلب خطر.. ومتى انساق العبد معها ولم يدافعها تطورت إلى فكرةٍ، فَهَمٍّ وإرادةٍ، فعزيمةٍ فإقدامٍ وفعلٍ للحرام.. فحذار من الاسترسال مع الخطرة بل الواجب مدافعتها ومزاحمتها بالخواطر الطيبة.
فالعلاج إذاً هو مدافعة الخطرات، وإشغال النفس بالفكر فيما ينفعها.
4- النكاح:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ رواه البخاري 5065
5- الصيام لمن لم يستطع الزواج؛ للحديث السابق وفيه: " وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ". رواه البخاري 5065
وقال القرطبي:
كلما قل الأكل ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي اهـ.
6- البعد عن رفقاء السوء:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " رواه أبو داوود 8433 وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 4046
7- البعد عن أماكن الفتن
فلا يخفى أننا نعيش اليوم في مجتمع قد ملئ بالفتن –إعلانات من جميع الأشكال – مجلات – معاكسات في الأسواق – فضائيات –إنترنت ... الخ، فعليك بالفرار منها جميعا ليسلم لك دينك.
8- لا تجعلوا بيوتكم قبورا:
اجعل من بيتك مذكرا لك بالطاعة لا بالمعصية، فإن ارتباط الغرفة بالمعصية مثلا يجعل العبد يقع في المعصية مراراً، إذ إنه كلما دخلها تذكر المعصية فلعله يستثار فيقع المحظور فليجعل من غرفته ومن بيته مذكرا للطاعة فإذا دخل رأى المصحف الذي يقرأ منه وتذكر قيامه بالليل لله وسننه الرواتب التي أداها في هذه الحجرة، إن تكثير الطاعات في بيتك يربطه في نفسك بالخير وبفعل الخير فتستزيد من ذلك ويقل ورود المعصية على ذهنك، ويخف نداء الشهوة.
9- الحرص على استغلال الوقت في طاعة الله عز وجل:
إن الوقت نعمة عظيمة من نعم الله على العبد، لكن المغبون فيها ومنقوص الحظ منها كثير فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) رواه البخاري 6412.
أنظر السؤال (3234)
10- تذكر نعيم الآخرة: ومن أخصها في هذا المقام تذكر الحور العين وأوصافهن التي أعدها الله لمن صبر عن معاصيه بما يعين المسلم على الزهد في هذا الفاني المحرم الذي لا يورث إلا الندم والحسرات.
نسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.. والحمد لله رب العالمين ...
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/402)
مبتلى بعادة قرض أظفاره
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص يقرض أظافره دائماً وحاولت كثيراً أن أتوقف عن هذه العادة دون فائدة، سمعت أن قرض الأظافر مكروه جدّاً في الإسلام، ولكن لا أحد أعطاني سبباً لهذا، هل يمكن أن تساعدني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقول الأطباء إن ظاهرة قرض الأظفار عند الأطفال لها تعلق بمشاكل نفسيَّة، فإن كانت هذه الظاهرة عندك منذ صغرك: فإننا نقترح عليك سؤال طبيبٍ نفسي تثق بدينه وعلمه.
وأما من الناحية الشرعية:
فقد جاء الإسلام بمحاسن الأخلاق والعادات، ونهى عن مساوئها، وهذه العادة – قرض الأظافر – مستنكرة عند عامة الناس ويعدونها من العادات السيئة، مع ما قد يترتب على ذلك من أذى أو ضرر للجسم نظراً لما قد يجتمع تحت الأظافر من الأوساخ أو ما يسببه من أذى للأظافر والأسنان.
ولذلك فينبغي أن تحمل نفسك على الكف عن هذه العادة، وهذا قد يكون فيه صعوبة في بادئ الأمر، إلا أنك سوف تعتاده ويصير خلقاً لك فيما بعد، وهكذا الشأن في جميع الأخلاق الحسنة يمكن للإنسان أن يتكلف فعلها ويحمل نفسه عليها حتى تصير له عادة وسجينة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم) حسنه الألباني في صحيح الجامع (2328) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/403)
أم زوجها تكرهها فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تم عقد قراني قبل عدة أشهر وستكون حفلة العرس قريباً إن شاء الله وسأعيش مع زوجي، عائلة زوجي غير ملتزمين بالدين أبداً، للأسف فقد اكتشفت بأن أهل زوجي غير راضين عن زواجنا وبسبب هذا فإن علاقتي مع أهل زوجي - وخاصة والدة زوجي - ليست جيدة، زوجي هو ولدهم الوحيد ويحبهم جداً وأخشى أن يؤثر بغض والدة زوجي لي على علاقتي بزوجي في المستقبل.
ماذا أستطيع أن أفعل لأتجنب هذا؟ هل هناك أي دعاء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هناك مشكلة لا يستطيع أحدٌ حلها كما تفضلت في السؤال، فلكل مشكلة حلها المناسب، ولكن المشكلة ليست في إيجاد الحلول وابتكارها، وإنما في الذي سيقوم بها، وذلك أن كثيراً من الذين يمرون بظروف صعبة ويتقدمون لطلب العلاج يتصورون في أذهانهم أن الذي يسألونه لديه القدرة على رفع المعاناة وهذا غير صحيح، وإنما الذي بيد البشر هو إعطاء أحسن الطرق الممكنة للوصول إلى النتيجة المطلوبة، ويبقى اجتهاد الإنسان في حل مشكلته ومعاناته التي يكابدها في ذلك جزء لا يمكن الاستغناء عنه أبداً.
وأما بالنسبة لما سألت عنه:
أولاً:
هذا البغض الذي يبدو منهم ربما هو مبني على تصور غير صحيح عنك، وعليه ربما كان وقتياً ومنتهاه الزوال والاضمحلال إذا ما سعيت أنت في إظهار الجميل والحسن إليهم، أقول هذا لأننا لا يمكننا أن نحكم على المستقبل القادم بهذه النظرة السريعة فكم من فتاة أبغضها أهل زوجها في البداية ثم لما عاشروها ورأوا منها الجميل وحسن الخلق تغيرت نظرتهم إليها، وانقلب ذمهم مدحاً، وبغضهم حباً، فلا تستبقي الأحداث وتفاءلي بمستقبلك مع زوجك.
ثانياً:
عليك بتقديم أروع ما عندك من أخلاق وشيم لأهل زوجك، الذين لهم حق المعروف عليك لكونهم أهلاً لزوجك، وخصي بذلك أبويه، اهتمي بأمه وارعيها كأنها أمك، وحاولي إذا حضرت عندكم المنزل أن تقبلي عليها بكل بشر وطلاقة وجه، ولا تُكثري من الانشغال بزوجك طالما هي بحضرتكما، لأن هذا يُشعل فتيل الغيرة الجامحة.
ثالثاً:
توجهي إلى الله بالدعاء، واسأليه أن يوفقك لحسن معاشرتهم، وتليين قلوبهم، ويقذف محبتك في قلوبهم، واعلمي أنه مهما بحثت عن الحلول فإن التوفيق بعد ذلك بيده سبحانه، فتوجهي إليه بكامل الرغبة والإنابة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/404)
يشعر بنقص إيمانه واستثقال العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص متدين منذ عدة سنوات ومنذ عدة شهور أشعر أن عقلي وقلبي سلب منهما الإيمان والإرادة وهذا الأمر يعذبني فقلت في نفسي لعله مس أو شيء من هذا وسيذهب عندما يأتي شهر رمضان ولكن الأمر لم يذهب حتى إني كنت أتحمل صلاة القيام بصعوبة بالغة وأحاول الإكثار من قراءة القرآن على الرغم من الوساوس والضيق الذي ينتابني وبدأت حالتي تتدهور الاجتماعية والعملية والعائلية والدينية وحتى الآن فإني أعيش في عذاب لهذا السبب وأنى لا أجد إيماني الذي أشعر أنه سُلِب مني وأشعر أن هذه هي سوء خاتمتي وأن إيماني لن يرجع إليَّ وأن قلبي قد طُبع عليه، وعندما أذهب إلى المسجد للصلاة والتي لم أقطعها أشعر أنني لست مثل المصلين وأنى أحسدهم على إيمانهم، وأيضاً أشعر بنفور غير عادى عن الدين وأحياناً كثيرة لا أستطيع سماع القرآن ولا الأحاديث أو الشرائط إلا بصعوبة وضيق، وهذا الأمر يعذبني لأني لا أريد ذلك وأريد أن أكون كما كنت مؤمناً محباً للدين لأنه هو الحق ولكني أشعر أني لا أستطيع أن أتحكم في عقلي أو قلبي وبدأت أسترجع ذنوبي التي أعتقد أنها السبب فبدأت أجد من الذنوب التي كنت أنساها الكثير وكأنها أمامي واحداً تلو الأخر وحتى الآن أعيش في هذا العذاب والحسرة والضيق ولا أعرف ما الذي أصابني وما هو الحل والعلاج وهل سيرجع إلى إيماني أم أنها سوء الخاتمة وعقاب من الله - أخيراً لا تنسوني من الدعاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخي في الله ليكن أملك في الله تعالى عظيماً، ولا تجعل للشيطان عليك سبيلاً بالقنوط من رحمة الله الواسعة التي أوجبها لعباده المؤمنين، وما يراود نفسك من كون هذه هي خاتمتك على غير ما يريد الله عز وجل إنما هي من وساوس الشيطان ونزغاته التي ينزغ بها عباد الله ليفتنهم عن دينهم، فهو يأتي العبد الصالح ويوسوس له بأن عمله حابط أو أنه يعمل لغير الله ويرائي الناس بعمله ليظنوا به خيراً، وكل هذا من أساليب الشيطان المتكررة مع عباد الله خاصة الذين ظهرت منهم آثار الاستقامة والصلاح – أحسبك من هؤلاء ولا أزكي على الله أحداً – ليعيقهم عن ذلك أعاذنا الله منه.
ولكنك أخي محتاج لأن تُعظِمَ الرجاء والأمل في الله الذي يغفر الذنوب جميعاً، ويَقْبَل العبد الذي لاذ بحماه واستجار بجاهه فإنه الرحيم الغفور الودود.
ولعلك أن تكثر من الأعمال الصالحة: من قراءة قرآن , وصدقة , وذكرٍ لله، وصلة أرحام ... الخ، وهذا الضعف الذي ينتابك ينتاب غيرك، وهو أمرٌ طبيعي فكم من الأشخاص كانوا مثالاً يُقتدى بهم في علو الهمة ثم فترت همتهم مدةً طويلة، ثم عادت إليهم همتهم بفضل الله، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فَلا تَعُدُّوهُ " رواه الترمذي 2453 وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1995) .
ومعنى (إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً) أَيْ حِرْصًا عَلَى الشَّيْءِ وَنَشَاطًا وَرَغْبَةً فِي الْخَيْرِ ...
(وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً) أَيْ وَهَنًا وَضَعْفًا وَسُكُونًا.
(فَإِنْ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ) أَيْ جَعَلَ صَاحِبُ الشِّرَّةِ عَمَلَهُ مُتَوَسِّطًا وَتَجَنَّبَ طَرَفَيْ إِفْرَاطِ الشِّرَّةِ وَتَفْرِيطِ الْفَتْرَةِ.
(فَاَرْجُوهُ) أَيْ ارْجُوا الْفَلاحَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ الدَّوَامُ عَلَى الْوَسَطِ , وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدُومُهَا.
(وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ) أَيْ اِجْتَهَدَ وَبَالَغَ فِي الْعَمَلِ لِيَصِيرَ مَشْهُورًا بِالْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ وَسَارَ مَشْهُورًا مُشَارًا إِلَيْهِ (فَلا تَعُدُّوهُ) أَيْ لا تَعْتَدُّوا بِهِ وَلا تَحْسَبُوهُ مِنْ الصَّالِحِينَ لِكَوْنِهِ مُرَائِيًا , وَلَمْ يَقُلْ فَلا تَرْجُوهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ قَدْ سَقَطَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَدَارُكُ مَا فَرَّطَ. انتهى من تحفة الأحوذي.
فتأمل هذا الحديث واربطه بواقعك وواقع كثير من الناس غيرك، وستجد تقارباً واضحاً، ففي هذا الحديث بيانٌ واضح على أن الإنسان يمر بمرحلة حماس منقطع النظير، وإقبالٍ عظيم، وهمةٍ عالية، وفجأة يضعف ويتراجع إقباله وحماسه، وتفتر همته، فإذا وصل إلى هذه المرحلة فعليه أن يحرص غاية الحرص على فعل الواجبات واجتناب المحرمات، فإن فعل فإنه يُرجى له الفلاح والاستمرار، وإن وقع في المحظورات , وترك الواجبات فقد خاب وخسر.
فعليك بكثرة اللجوء إلى الله، واستغفاره وسُؤاله الثبات حتى الممات، كما أُوصيك بالبعد عن المحرمات، غفر الله ذنبك، ويسرَّ أمرك..
وإلى لقاء قريب والسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/405)
أهل الزوجة يشككون الزوج في زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[أتاني أحد الأصدقاء لأخذ رأيي في مشكلة تخصه حيث يقول انه حصل خلاف كبير بينة وبين أهل زوجته فقام أهل الزوجة بتشكيكه في زوجته وأنها تخونه من يوم زواجه منها إلى اليوم (15 سنة تقريبا) كل ذلك بالتلميح وليس صراحة لكنه تلميح واضح ومتكرر ولجؤوا إلى أشخاص يساعدونهم في ذلك لكي يطلقها إلى أن أصيب بالوسواس علما أن لديهم أولاد وان الزوجة تحافظ على الصلاة في وقتها جيدا نتج عن ذلك إشاعة قوية جدا بين الناس وعاش في عزلة ولا أحد يزوره حتى إخوانه بسبب هذه الإشاعة وإذا صارح زوجته أنكرت بشدة وتجلس أياما لا تكلمه رغم أنها إذا اشتد الخلاف بينه وبين أهلها يبدر منها تحركات تثير شكوك الزوج وان الزوج يأتيه أوقات يصدق هذه الشائعات وأوقات يستبعدها وفكر كثيرا في الطلاق لأنها سببت له مشاكل في مجتمعه وفي عملة ومع إخوانه علما بأن الزوج لم ير أو يسمع أن زوجته كلمت أحدا غريبا ما رأيكم وفقكم الله لما فيه خير لهذه الأمة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الواضح أن هناك سوء تفاهم بين هذا الرجل وأهل زوجته، وأنهم يرغبون في أن يطلقها، ولا بد من توضيح موقف الزوجة، فإن كانت راغبة في الطلاق فليس أمامه سوى محاولة تغيير هذه الرغبة عن طريق إزالة أسباب الشقاق، وإلا فله أن يطلقها ولعل الله أن يخلف كلا منهما خيرا من الآخر، وليحذر من إثارة موضوع الخيانة. أما إن كانت الزوجة غير راغبة في الطلاق فليحسن معاشرة زوجته، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا يلتفت للشكوك التي لم يتحقق منها، فقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من الغيرة ما يحبه الله ومن الغيرة ما يبغضه الله، أما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد(11/406)
ما هو الأحسن في علاج القلق
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يعاني من حالة نفسية صعبة، قام بالدعاء ليتخلص من القلق والضغط النفسي، هل يجوز له أن يطلب مساعدة طبيب نفسي مسلم؟ إذا كان يجوز فهل يجب التأكد من أن عقيدة الطبيب سليمة؟ وهل يجوز أخذ دواء مهدئ للأعصاب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تناول العلاج للأمراض التي تصيب الإنسان لا حرج فيه، وهو غير ممنوع، لكن بشرط أن لا يسبب ذلك الدواء مضاعفات جانبية أكثر ضرراً وخطراً مما هو فيه.
وننصح المرضى – سواء كانوا مرضى روحيّاً – كالقلق والاكتئاب – أو جسديّاً – كالأوجاع المختلفة – أن يبادروا أولاً للعلاج بالرقية الشرعية، وهي الآيات والأحاديث التي جاء الشرع بالتوصية بها وأن فيها علاجاً للأمراض.
ثم ننصح كذلك بأخذ العلاج من مواد الطبيعة التي خلقها الله مثل العسل والنباتات، فإن هذه الأشياء جعل الله تعالى فيها خاصية لعلاج كثير من الأمراض، وهي في الوقت نفسه ليس فيها آثار جانبية على متناولها.
والذي نراه عدم تناول العلاجات المصنعة كيمياويّاً لمرض " القلق " فإن هذا المرض يحتاج صاحبه لعلاج روحي أكثر منه حاجة لعلاج كيميائي.
فهو يحتاج لزيادة إيمانه وثقته بربه تعالى وكثرة دعائه وصلاته، فإذا فعل ذلك كان القلق أبعد ما يكون عنه، وانشراح الصدر والقلب بالطاعات له أعظم الأثر على النفس في طردها لكثير من الأمراض النفسيَّة، ولذلك لا نرى الذهاب لطبيب نفسي فاسد الاعتقاد فضلاً عن كونه كافراً، وكلما كان الطبيبُ بالله ودينه أعلمَ كان للمريض أنصحَ.
قال تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} النحل / 97.
عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ".
رواه مسلم (2999) .
ولا ينبغي للمسلم أن تكون الدنيا هي أكبر همه، ولا يجعل للقلق على رزقه مجالا للوصول إلى قلبه وعقله وإلا زاد ذلك من مرضه وقلقه.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ".
رواه الترمذي (2389) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (6510) .
قال ابن القيم رحمه الله:
إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمّل الله عنه سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كلّ ما أهمّه، وفرّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمّله الله همومها وغمومها وأنكادها ووكَلَه إلى نفسه، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره.. فكلّ من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلِيَ بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته. قال تعالى: {ومن يعْشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين} . الزخرف / 36
" الفوائد " (ص 159) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
هل المؤمن يمرض نفسيّاً؟ وما هو علاجه في الشرع؟ علماً بأن الطب الحديث يعالج هذه الأمراض بالأدوية العصرية فقط.
فأجاب:
لا شك أن الإنسان يصاب بالأمراض النفسية: بالهم للمستقبل والحزن على الماضي، وتفعل الأمراض النفسية بالبدن أكثر مما تفعله الحسية البدنية، ودواء هذه الأمراض بالأمور الشرعية - أي: الرقية – أنجح من علاجها بالأدوية الحسية كما هو معروف.
ومن أدويتها: الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه: " أنه ما من مؤمن يصيبه همٌّ أو غمٌّ أو حزن فيقول: اللهم إني عبدك ابن عبدك ان أمَتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي: إلا فرَّج الله عنه "، فهذا من الأدوية الشرعية.
وكذلك أيضاً أن يقول الإنسان " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ".
ومن أراد مزيداً من ذلك: فليرجع إلى ما كتبه العلماء في باب الأذكار كـ " الوابل الصيِّب " لابن القيم، و " الكلِم الطيب " لشيخ الإسلام ابن تيمية، و " الأذكار " للنووي، و " زاد المعاد " لابن القيم.
لكن لمَّا ضعف الإيمان: ضعف قبول النفس للأدوية الشرعية، وصار الناس الآن يعتمدون على الأدوية الحسية أكثر من اعتمادهم على الأدوية الشرعية، أو لما كان الإيمان قويّاً: كانت الأدوية الشرعية مؤثرة تماماً، بل إن تأثيرها أسرع من الأدوية الحسية، ولا تخفى علينا جميعاً قصة الرجل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سريَّة فنزل على قوم من العرب، ولكن هؤلاء القوم الذين نزلوا بهم لم يضيفوهم، فشاء الله – عز وجل – أن لُدغ سيدهم لدغة حية، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا إلى هؤلاء القوم الذين نزلوا لعلكم تجدون عندهم راقياً، فقال الصحابة لهم: لا نرقي على سيدكم إلا إذا أعطيتمونا كذا وكذا من الغنم، فقالوا: لا بأس، فذهب أحد الصحابة يقرأ على هذا الذي لُدغ، فقرأ سورة الفاتحة فقط، فقام هذا اللديغ كأنما نشط عن عقال.
وهكذا أثَّرت قراءة الفاتحة على هذا الرجل لأنها صدرت من قلب مملوء إيماناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن رجعوا إليه: " وما يدريك أنها رقية؟ ".
لكن في زماننا هذا ضعف الدين والإيمان، وصار الناس يعتمدون على الأمور الحسية الظاهرة، وابتلوا فيها في الواقع.
ولكن في مقابل هؤلاء القوم أهل شعوذة ولعب بعقول الناس ومقدراتهم وأقوالهم يزعمون أنهم قراء بررة، ولكنهم أكلة مال بالباطل، والناس بين طرفي نقيض: منهم من تطرف ولم ير للقراءة أثراً إطلاقاً، ومنهم من تطرف ولعب بعقول الناس بالقراءات الكاذبة الخادعة، ومنهم الوسط.
" فتاوى إسلامية " (4 / 465، 466) .
نسأل الله أن يقينا وإياكم شر الهموم وأكدارها وأن يشرح صدورنا للإيمان والهدى والاطمئنان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/407)
هل يترك البيت لسوء تصرفات أختيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تمر حياتي بصعوبات عظيمة، لي أختان أصبحتا تتصرفا بسوء وبسبب هذا قرر والدي أن لا يعيش معنا وأن يذهب ليعيش في باكستان، لكن أختيّ بدأتا تتلاعبان على أمي ولا يريدان أن ينتهيا عن تصرفاتهما السيئة.
إيماني أصبح أضحوكة لهم، وأصبحت لهما علاقات محرمة، يعيبون علي لأنني سوف أتزوج من ابنة عمي ويقولون بأن هذا غير جائز من جهلهم. أصبحت أشعر بأنني منبوذ في عائلتي بالضبط كما حصل لوالدي.
فقدت تركيزي في كل شيء وأكاد أفقد عقلي، لا أشعر بالأمن وإذا شعرت به فلا يبقى هذا الشعور طويلاً.
كل يوم يمر صعباً علي لا أجد من يساعدني، أخذت عهداً على نفسي بأن أتحمل هذا الوضع المزري في عائلتي ولكنني أشعر بالتعب والحزن.
أرجوك يا أخي أن تنصحني، هل أترك البيت؟ هل أعيش مع أبي في باكستان؟ أرجو أن تخبرني هل هذا ابتلاء من الله أم أن الله يغفر بهذا ذنوبي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أخطأ والدك خطأً فادحاً بترك المنزل والرجوع إلى بلده، والله سبحانه وتعالى حمَّله أمانة وهو قد فرَّط فيها، وكان الواجب عليه البقاء بين أولاده لتربيتهم ورعايتهم والقيام على شئونهم، وقد يكون سفر والدك هو السبب في زيادة السوء في تصرف أختيْك.
لذا فإننا ننصحك – أولاً – بضرورة إقناعه بالرجوع إلى أهله وأولاده ليقوم على رعايتهم وتربيتهم، أو أن يُرجع الجميع معه إلى باكستان – ولو بطريق الجبر أو الحيلة -، ولعل هذا هو الأفضل؛ إذ قد يكون مكثكم في هذه البلاد بما فيها من كفر وفسق وانحلال خلقي هو الذي أثر في أخلاق وتصرفات أختيك.
ثانياً:
وإن على أمِّك – كذلك – أن تتقي الله تعالى في ابنتيها وأن لا تترك لهما الحبل على الغارب، وقد تحمَّلت الآن مسئولية جسيمة وخاصة بعد مغادرة والدك، لذا فإن عليها أن لا تتساهل مع ابنتيها، ولا بدَّ من إيقاف أمك على خطورة ما تفعله أختيْك وما قد تسببه أفعالهما من ضرر في الدنيا عليكم جميعا، وإثم في الآخرة عليهما وعلى من رضي بفعلهما أو سمح ويسر لهما سبل الفساد.
ثالثاً:
الواجب عليك الصبر والتفكير في كل تصرف قبل القيام به، فلا البقاء معهم على إطلاقه خير ولا المغادرة والترك على إطلاقه خير، بل الأمر يرجع إلى أثر بقائك، وأثر مغادرتك، فإن كان بقاؤك في المنزل سيؤثر على دينك أو عقلك ويجعلك تقع في الإثم: فإننا ننصحك بالمغادرة، وإن كانت مغادرتك ستزيد من سوء تصرفاتهما ولا يؤثر بقاؤك على دينك وعقلك فقد يحرم عليك المغادرة لما قد تسببه مغادرتك من زيادة الآثام والتهرب من المسئولية والتفريط في الأمانة.
رابعاً:
لعل هذا أن يكون من ابتلاء الله لك لتكفير سيئاتك ورفع درجاتك لا من باب العقوبة، لذا نوصيك بالصبر والتأني والتروي والدعاء والتذلل لربك عز وجل أن يهدي أختيك للخير والعفاف، ونوصيك بأن تحاول أن تبحث عن أسباب الهداية لهما كتزويجهما أو تعرفهما على أخوات فاضلات أو تغيير مكان السكن أو ما شابه ذلك، فلعل الله إن رأى منك صدقاً أن يوفقك ويهدي أختيك وأمك، وأن يجمع شمل الأسرة على الدين والخير، وهو سبحانه القادر والهادي.
وإليك هذه القصة فلعل فيها عبرة:
عن أبي هريرة قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتُها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليَّ فدعوتُها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ اهد أم أبي هريرة، فخرجتُ مستبشراً بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئتُ فصرتُ إلى الباب، فإذا هو مجافٍ فسمعتْ أمِّي خشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعتُ خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح قال قلت يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً، قال: قلت يا رسول الله ادع الله أن يحبِّبني أنا وأمِّي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: " اللهم حبب عُبَيْدَك هذا - يعني: أبا هريرة - وأمَّه إلى عباك المؤمنين، وحبِّب إليهم المؤمنين "، فما خُلِْق مؤمنٌ يسمع بي ولا يراني إلا أحبَّني.
رواه مسلم (2491) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/408)
تشتكي من تعلق زوجها الداعية بهيئة الأمر بالمعروف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متزوجة من شاب ملتزم ومرتاحة معه ولله الحمد، وهو متعاون مع رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنا أعرف أن تعاونه معهم يعد شرفاً لي، ويعلم الله أني أفرح إذا تمكن من تغيير بعض المنكرات.
ولكن مشكلتي معه أنه متعلق بهم تعلقاً خياليّاً، مثلاً إذا كنا طالعين نتمشى ورأى شيئاً منكراً يتبعه إلى أن يتصل برجال الهيئة ويحضروا، وإذا ناقشته في الأمر ظن أنني لا أريد القضاء على المنكرات!! ويعلم الله أن هذه ليست رغبتي ولكن أريد أن يكون بقدر، وأيضاً: ما يزعجني في هذه القضية أنه يتكلم مع النساء وبكثرة , ويجن جنوني وتثار غيرتي إذا قال: هذه لابسة كذا أو هذه شكلها كذا.
دلوني ماذا أعمل، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نهنئك أولاً على هذه النفسية العالية والأخلاق النبيلة في فرحك بعمل زوجك، وهو عمل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله.
ونوصيك بالوقوف إلى جانب زوجكِ وتشجيعه على هذا العمل، وعدم الشك فيه والتضجر من فعله واهتمامه به.
وأما بالنسبة لما يقوله لك من قضايا النساء فإنه كما هو ظاهر يخبرك به لثقته بك، ويخبرك به لا ليغيظك، ولا ليبين لك إعجابه بهن، ولكنه قد يخبرك بذلك من باب الإخبار بعض المنكرات التي يفعلها الناس لتكوني منها على حذر، أو من باب التنفيس عن نفسه، فبعض الناس إذا رأى المنكرات يكاد قلبه يحترق، فيحتاج إلى من يتحدث معه لينفس عن نفسه. فينبغي أن تنتبهي لهذا ولا يدخل الشيطان عليك من هذا الباب.
ولا مانع من نصيحته فيما يقصر فيه معكم، على أن يكون ذلك بالتي هي أحسن ودون أن يكون ذلك بالتشكيك في نزاهته وأخلاقه.
والنصيحة للزوج أن يعطي أهله حقهم، ومعاشرتهم بالمعروف، وعليه بمراعاة مشاعرهم. فلا يصف النساء أمام زوجته. فكما أن الرجل لا يرضى من زوجته أن تصف له الرجال، فكذلك المرأة لا ترضى أن يصف لها زوجها النساء.
وعليه أن يجتنب كثرة الكلام مع النساء، وليقتصر على ما يحتاج إليه فقط في تغيير المنكر أو التنبيه عليه ونحو ذلك، فإن التوسع في ذلك والتساهل فيه قد يجر إلى ما لا تحمد عقباه، وليجتهد في غض البصر، فإن النظرة سهم من سهام إبليس.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/409)
يشتكي من مشاكل بين زوجته وأخواته
[السُّؤَالُ]
ـ[أخواتي لا يحبون زوجتي ودائما تحدث مشاكل أفيدوني هل أقطع علاقتي مع أخواتي أم مع زوجتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمر الله تعالى بصلة الرحم وبمعاشرة الزوجة بالمعروف، ولن نقول لك اقطع علاقتك بأخواتك ولا بزوجتك، بل نقول لك: اجمع بينهم ولا تفرِّق.
والمحبة من الله تعالى، وقد جعل لها أسباباً وجعل للبغض أسباباً، فعليك النظر في العلاقات بينكم وتلمُّس أسباب البغض والعداوة لإزالتها، وعليك ببذل أسباب المحبة لتحقيق وجودها، ومن هذه الأسباب: إلقاء السلام، إعطاء الهدية، والعيادة عند المرض، والإعانة عند الحاجة، وغير ذلك كثير مما نبَّه عليه الشارع أنه يقوي العلاقات ويولد المحبة بين الناس.
وحتى يصفو لك الأمر بين الطرفين لا بدَّ من تذكير كل واحد منهما بالله تعالى وتحذيره من الوقوع في الغيبة والسب والشتم والتدخل في الشؤون الخاصة.
إن الوقوف عند حدود الله وإعطاء كل طرف حقه، وكذا احترام كل طرف للآخر وعدم إهانته أو إيذائه هو ما يكفل لكم السعادة والهناء في البيت وفي علاقاتكم.
وعليك نصيحة زوجتك وأخوتك بحسن الصلة وحسن المعاملة، ومحاولة إزالة ما بينهم من مشاكل وخلافات
وإذا كانت زوجتك وإخوانك في مسكن واحد فلا حرج عليك إن لم تستطع الإصلاح بينهم أن تجعل زوجتك في مسكن خاص لها، بل قد يكون ذلك سبباً في إزالة ما بينهم من خلافات.
والنصيحة لزوجتك أن تتود إلى أهل زوجها ومراعاتهم قدر استطاعتها دون الوقوع في محظور شرعي، فإن من شأن احترام وتقدير أهل الزوج بقاء العلاقة بينها وبين زوجها على أحسن ما يكون.
وفقكم الله جميعاً لما يحبه ويرضاه وهداكم لأحسن الأقوال وأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/410)
تاب زوجها من المخدرات ثم عاد لها فهل لها طلب الفسخ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ 5 سنوات ولدي طفلان، قبل زواجنا كان زوجي مدمن مخدرات ثم تاب وبدأ حياة جديدة، في أول سنة من زواجنا توقف عن العمل وصرف جميع وقته في أمور الدين وكان يخرج 3 أيام في كل شهر و40 يوم كل سنة للدعوة إلى الله ويمضي أغلب الأوقات في المسجد وبسبب هذا فقد كان علي تحمل نفقات البيت كله لوحدي ونفقات أولادي ولم ينفق علينا خلال السنوات الأربع الماضية وتحملت هذا لأنني أحبه، مع الأسف فقد بدأ يكذب علي في الفترة الأخيرة فقد عاد للمخدرات ولا أدري لماذا، أصبح يضربني وحملني ديوناً كثيرة فاضطررت لبيع البيت لتسديد الديون وذهب أولادي لبيت والدتي، تم القبض عليه وسيتم سجنه لمدة سنة، قررت الطلاق بطلب الفسخ فهل أنا على صواب؟ أريد أن أبدأ حياة جديدة مع ولداي، ترجاني أن أنتظره ولا أتركه ولكنني لا أظن أنني أستطيع أن أتحمله أكثر من ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيها السائلة: فرج الله كربتك.. ويسر أمرك.. وهداك لما فيه الخير والصلاح ...
إن من سنة الله في عباده أن يبتليهم في الدنيا ليرى صبرهم.. ورضاهم..
"وعظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحبًّ قوماً ابتلاهم فمن رضى فله الرضى ومن سخط فله السَّخَطُ " رواه الترمذي (2396) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (146) .
فاصبري واحتسبي.
وأما ما ذكرتيه عن زوجك فهو مما يؤسف له، وقد وقع في ثلاث محظورات:
أولاً: عدم نفقته عليك وعلى أولادك، والزوج مأمور بالنفقة على زوجته وأولاده، فإذا ترك ذلك فللمرأة أن ترفع أمره إلى المحكمة ولها المطالبة بالطلاق.
ثانياً: إهماله القيام على بيته وأولاده يأثم عليه ولو كان بحجة الدعوة؛ لأن لنفسه عليه حقاً ولزوجه عليه حقاً ولربه عليه حقاً، والواجب أن يعطي كل ذي حقٍ حقه. وقد عَدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تضيع من تحت ولاية الشخص من الإثم فقال صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت " رواه أبو داود (1692) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (1484) .
وتربية الأولاد والقيام عليهم وعلى البيت أمانة في عنق الأب فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته ... والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته " رواه البخاري (893) ومسلم (1829) .
للأهمية يراجع السؤال (20064) (45359)
ثالثاً: تعاطي المخدرات من المحرمات.. بل من كبائر الذنوب.. وهي مفسدةٌ للدين والدنيا..... فهي مفسدة للبدن.. مذهبة للعقل.. مضيعة للمال.. مضيعة للعرض والشرف.. جمعت أبواب الشر كلها.
فالحذر الحذر من ولوج بابها والوقوع في حبالها..
فكم هدمت من بيت.... وكم قتلت من شخص.. وكم سلبت من نعمة..وكم جلبت من نقمة..
وهذه المخدرات من وقع في حبائلها فقلّ أن ينجو منها إلا إن يتداركه الله برحمته وهدايته.
وأما رغبتك في الطلاق..فإن كان زوجك أيتها السائلة صادقاً في توبته نادماً على ما فعل، عازماً على إصلاح حاله، مع رغبتك فيه فاصبري واحتسبي في بقائك معه لعل الله أن يصلح حاله، لاسيما وهو راغب في بقائك معه وقد ترجاك أن تنتظريه، ثم وجود الأولاد بينكما يجعلك تتمهلين في طلب الطلاق، لأن تربية الأولاد مع أبيهم وأمهم خير لهم من تربيتهم مع أحدهما بعيداً عن الآخر.
فإن كان الرجل صادقاً في التوبة والندم فالأحسن لك أن تصبري وتنتظري خروجه تحقيقاً لمصلحته ومصلحة أولادك ومصلحتك أنت أيضاً.
أما إذا كنت لا تتحملين الصبر والبقاء بلا زوج هذه المدة (سنة) أو كان الرجل غير صادق في التوبة فلا حرج عليك حينئذ في طلب الطلاق.. ولا خير في بقائك معه وهو مصر على تلك المعصية.
وعليك بكثرة دعاء الله تعالى، واستخارته قبل الإقدام على أي أمر، ولمعرفة كيفية صلاة الاستخارة راجعي سؤال رقم (11981) (2217)
أصلح الله حالكما، وهداكما سواء السبيل.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/411)
تنظيم وتحديد النسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تحديد النسل في دول تكثر السكان بها ضروري مثل القاهرة مثلاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نورد لك فيما يلي قرار المجمع الفقهي بشأن تنظيم النسل:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الآخر 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع تنظيم النسل، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
وبناءً على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني، وأنه لا يجوز إهدار هذا المقصد، لأن إهداره يتنافى مع نصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به، باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها
قرر ما يلي:
أولاً: لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب.
ثانياً: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة، وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم، ما لم تدعُ إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية.
ثالثاً: يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان، إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعاً، بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراضٍ، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حملٍ قائم.
والله أعلم
قرار رقم: 39 (1/5) ، بشأن تنظيم النسل
انظر: مجلة المجمع (ع 4، ج1 ص 73) .
وللمزيد انظر سؤال رقم (7205) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/412)
مشكلة نسيان المواعيد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أم صغيرة لطفلين، واكتشفت أن ذاكرتي ضعفت كثيراً بعد الولادة وأنسى كثيراً.
الكثير من الناس يطلبون مني أشياء وأوافق ثم أنسى وأعلم بأن الكثير من الأخوات يحصل لهم هذا أيضاً.
قالت لي الممرضة بأن هذا طبيعي عند الولادة، فهل يمكن أن يكون هذا بسبب المعاصي؟ هل أكون مذنبة إذا وعدت الناس ونسيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعل نسيانك _ أو ضعف ذاكرتك – ناتج عن الولادة كما ذكرت الطبيبة، وهذا أمر لا يستدعي الخوف، وقد يكون هذا النسيان بسبب المعاصي لأن الذنوب يترتب عليها عقوبات على القلب والبدن، وقد ذكر الإمام ابن القيم (رحمه الله) أكثر من ستين عقوبة من عقوبات المعاصي في كتابه القيم " الداء والدواء "
فعلى المرء إذا شعر بفقدان نعمة من النعم أن يسرع بالتوبة إلى الله عز وجل فقد قال تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الأنفال/53
وأما إذا وعد الإنسان بشىء ثم نسي عن غير عمد فلا شىء عليه لأن الله تجاوز لهذه الأمة عن النسيان كما دلت على ذلك النصوص، ومن ذلك ما ورد في الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا …….) قال الله عز وجل: " قد فعلت " رواه مسلم
وهناك وسائل تُعينك على تذكر المواعيد كاستخدام المفكرة (الورقية أو الإلكترونية) لضبط المواعيد باليوم والتاريخ، وهذه وسيلة أثبتت نجاحها، فكم من الناس ينسون مواعيدهم، فانضبطت مواعيدهم لما استخدموا هذه المفكرات.
ومن الوسائل استخدام الساعة المنبهة الإلكترونية أو الجوال للتنبيه على وقت الموعد ... وغير ذلك من الوسائل الحديثة لمن تيسرت له.
وهناك مفكرات صوتية تعتمد على تسجيل الموعد بصوت صاحب الجهاز ثم تذكره به.
وعلى الإنسان أن يهتم قدر الإمكان بهذا الأمر لأن إخلاف الوعد من صفات المنافقين كما في حديث: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً , ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب، إذا عاهد غدر , وإذا وعد أخلف , وإذا خاصم فجر) رواه مسلم/53.
فحفظ المواعيد من علامات أهل الإيمان.
وكذلك ينبغي لمن تفوته المواعيد بسبب مثل هذا المذكور في السؤال أن يبين عذره للطرف الأخر كي لا يجد عليه في نفسه، ونسأل الله أن يحفظنا وإياكم كم كل سوء، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/413)
مقاومة الغريزة الجنسية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شابة عمري 21 سنة، رغباتي وشهواتي تتحكم بي ولا تدعني أرتاح وتحيرني وتصيبني بالإحباط والامتعاض، فأخبرني يا سيدي الكريم كيف يمكنني التخلص من هذه الشهوات والرغبات الشيطانية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشهوة أمر جُبل عليه الناس ولا يمكن التخلص منه. والتخلص منه ليس مطلوباً من المسلم، إنما المطلوب هو أن يمتنع من صرفها في الحرام، وأن يصرفها فيما أحل الله تعالى.
ويمكن أن يتم حل مشكلة الشهوة لدى الفتاة من خلال خطوتين:
الخطوة الأولى:
إضعاف ما يثير الشهوة ويحركها في النفس، ويتم ذلك بأمور، منها:
1 - غض البصر عما حرم الله تعالى، قال عز وجل: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) النور/31
وقال صلى الله عليه وسلم: " لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنها لك الأولى وليست لك الثانية ". ومصادر النظر الحرام كثيرة، ومنها: النظر المباشر للشباب والتأمل في محاسنهم، ومنها النظر من خلال الصور في المجلات والأفلام.
ب - الابتعاد عن قراءة القصص والروايات التي تركز على الجانب الجنسي، أو متابعة مواقع الإنترنت المهتمة بذلك.
ج - الابتعاد عن جلساء السوء.
د - التقليل ما أمكن من التفكير بالشهوة، والتفكير بحد ذاته لا محذور فيه، لكنه إذا طال قد يقود صاحبه إلى فعل الحرام.
هـ إشغال الوقت بالأمور المفيدة، لأن الفراغ قد يقود إلى الوقوع في الحرام.
و التقليل من الذهاب للأماكن العامة التي يختلط فيها الشباب بالفتيات.
ز - حين تبتلى الفتاة بالدراسة المختلطة ولا تجد بديلا فينبغي أن تلتزم الحشمة والوقار، وتبتعد عن مجالسة الشباب والحديث معهم قدر الإمكان، وتقصر صلتها بزميلاتها من الفتيات الصالحات.
الخطوة الثانية:
تقوية ما يمنع من سير النفس في طريق الشهوة، ويتم ذلك بأمور منها:
أ - تقوية الإيمان في النفس وتقوية الصلة بالله عز وجل، ويتم ذلك: بكثرة ذكر الله، وتلاوة القرآن، والتفكر في أسماء الله تعالى وصفاته، والإكثار من النوافل. والإيمان يعلو بالنفوس ويسمو بها، كما أنه يجعل صاحبه يقاوم الإغراء.
ب - الصيام، وقد أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء ". والخطاب للشباب يشمل الفتيات.
ج - تقوية الإرادة والعزيمة في النفس، فإنها تجعل الفتاة تقاوم دافع الشهوة وتضبط جوارحها.
هـ - تذكر ما أعده الله للصالحات القانتات، قال عز وجل (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب/35.
و التأمل في سير الصالحات الحافظات لفروجهن، ومنهن مريم التي أثنى عليها تعالى بقوله: (وَمَرْيَمَ ابنة عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) التحريم/12، والتأمل في حال الفاجرات والساقطات والمقارنة بين الصورتين، وشتان بينهما.
ز - اختيار صحبة صالحة، تقضي الفتاة وقتها معهن، ويعين بعضهن بعضا على طاعة الله تعالى.
ح - المقارنة بن أثر الشهوة العاجلة التي تجنيها الفتاة حين تستجيب للحرام، وما يتبع هذه الشهوة من زوال لذتها، وبقاء الحسرة والألم. وبين أثر الصبر ومجاهدة النفس، ومعرفة أن لذة الانتصار على الشهوة والنفس أعظم من لذة التمتع بالحرام.
ط - الاستعانة بدعاء الله تعالى وسؤاله، وقد حكى لنا القرآن العبرة في ذلك بقصة يوسف عليه السلام (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يوسف/33.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: محمد الدويش(11/414)
له ثدي مثل ثدي المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص لديه ثدي يشبه ثدي المرأة هل يجوز أن إجراء عملية لتصغيره.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألنا الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين السؤال التالي:
شخص لديه ثدي يشبه ثدي المرأة هل يجوز أن إجراء عملية لتصغيره
فأجاب حفظه الله:
الحمد لله
عليك بالسعي في تخفيف السمنة وبالتالي يخف الشحم في منطقة الثدي
وإذا كان ما بك ليس نتيجة السمنة (ويسبب لك أذى) ويمكن إجراء عملية تخففه وليس فيها مضرة فلا بأس. انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(11/415)
مشكلة السرقة عند الأطفال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنزعجت كثيراً بعد أن اكتشفت أن أحد أبنائي قام بسرقة شيء ما وأخاف أن يتحول إلى لص في المستقبل فبماذا تنصحونني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يسرق الطفل الصغير لعدة أسباب:
1- يسرق لأنه لا يفرق بين الاستعارة والسرقة وأن مفهوم الملكية الخاصة غير واضح عنده.
2- البعض يسرق بسبب الحرمان من أشياء تتوفر للآخرين.
3- للانتقام من الوالدين أو لفت انتباههما.
ماذا نصنع؟
1- التزام الهدوء: بدلاً من التوبيخ والتعيير حافظ على الهدوء فالموقف فرصة لأن تعلم ابنك.
2- وعظ الطفل: بيِّن له حكم السرقة في الإسلام، وأن الله قال في كتابه العزيز: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما..) وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ العهد في بيعة النساء أن لا يسرقن كما قال الله تعالى: (ولا يسرقن..) . وذكِّر طفلك بمراقبة الله عز وجل. قال الله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم..) وقال عز وجل: (والله شهيد على ما تعملون) . وقل له إن الله يراك ولو سرقت خفية بعيداً عن نظر الناس لأنه تعالى (يعلم السر وأخفى) .
3- واجه الطفل: ينبغي أن تواجه الطفل بالسبب والباعث له على السرقة كأن تقول له أنا أعرف أنك أخذت الحلوى من السوق المركزي وأنت أخذتها لأنك تشعر بالحاجة إليها ولكن سرْقتها ليست الحل، المرة القادمة إذا رغبت في شيء تحدث معي أولاً، أنا أعرف بأنك تحب أن تكون أميناً، وحاول أن تضع الطفل موضع الآخرين لو كنت مكان الشخص الذي سُرقت منه الحلوى كيف ستشعر؟
4- تشديد الجزاءات: كأن يطلب من الطفل إرجاع الشيء المسروق مع الاعتذار، أو تعويض قيمته في حال إتلافه مع الحرمان من الامتيازات في المنزل.
5- مراقبة الطفل وعدم إغفاله لفترات طويلة.
والله الهادي إلى سواء الصراط.
[الْمَصْدَرُ]
أنظر كتاب تنوير العباد بطرق التعامل مع الأولاد لـ د. حامد نهار المطيري 27(11/416)
زوجها يجالس غير المحارم وهي تغار
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي وباقي أفراد عائلته يتصرفون وكأن كل واحد منهم هو محرم للآخر (مع زوجات إخوته، وزوجة عمه.. الخ) . وعندما أخبره أن ذلك لا يجوز، يرد قائلا إنه لا يستطيع تغيير الوضع.
كما إنه يشاهد الأفلام (التي تحتوي أمورا سيئة أحيانا) . وهو يغضب من تكراري عليه النصح بالامتناع عن هذه الأفعال. وهو يطلب مني التوقف عن إزعاجه.
إنه يقيم على بعض العادات السيئة الصغيرة الأخرى، إلا أنه شخص لطيف وجيد. أنا فتاة عاطفية جدا , وأشعر بالكثير من الحزن والغيرة والغضب. أنا صغيرة في سني وأجدني أعجز أحيانا عن التعامل مع هذه الأمور. كيف أتصرف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بداية شكر الله لك هذه الغيرة وأعانك على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وننصحك بالاستمرار على ما أنت عليه من النصح لزوجك وأقاربه بالتي هي أحسن حتى تجدي من هؤلاء المدعوين من يهديه الله على يديك لترك هذه المحرمات، وبذلك يسهل التغيير والالتزام بالأمر الشرعي عند من قد يضعف بسبب ظنه عدم القدرة على التغيير، وعليك بالاستعانة على نصحك بدعاء الله تعالى لهؤلاء المدعوين والإحسان إليهم وعدم إظهار الاستعلاء عليهم بل إظهار الشفقة والرحمة بهم، فهو أدعى للقبول، وهو مما يكسبك احترامهم رغم صغر السن.
وعليك مع ما ذكر أن تحرصي على البعد عن مشاركتهم فيما يقعون فيه من مخالفات لئلا يتسلل الضعف إلى النفس تجاه هذه المنكرات، لا سيما الأفلام السيئة التي ذكرتِ، والمؤمن لا يأمن على نفسه الفتنة بل يستعين عليها بالبعد والدعاء.
وأما ما ذكرت من عاطفة الحزن والغيرة والغضب لدينه فهي من نعم الله على العبد ولكن لابد أن تضبط بضوابط الشرع، فلا يؤدي الحزن إلى اليأس ونحوه كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) ، ولا يؤدي الغضب إلى تنفير المدعو من الدعوة لأن القصد إصلاحه وليس مجرد إفراغ الإنسان لغيرته وغضبه،
ومادام زوجك مسلماً مصلياً ولطيفاً (كما تذكرين) فاصبري عليه واستمري في دعوته لعل الله أن يقرّ عينك بهدايته وسلوكه سبل العفاف.
ولعل التفكير في مصائب غيرك من الزوجات اللاتي ابتلين بأزواج على حال أسوأ وأشنع من حال زوجك ويجعل نظرتك لذنوب زوجك موزونة وزناً صحيح، ونسأل الله أن يهدينا وإياك ويُرينا وسائر الخلق لما يحب ويرضى، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/417)
صلة رحم من لا يصلك
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد بدأت مؤخرا في بذل جهود واعية لكي أصبح مسلم ممارس جيداً.
فقد بدأت أقرأ وأكتسب معرفة عن الإسلام..صلة الرحم تعتبر ممارسة جيدة في الإسلام..لأكسب رضا الله "سبحانه وتعالى" أبذل جهودا واعية لأقابل هؤلاء الذين كنت أتجنبهم من قبل..ولكن على ما يبدو أنه كلما اختلطنا أكثر أنا وعائلتي مع أقاربنا كلما اغتابونا ونشروا افتراءات لا أساس لها من الصحة.. وهذا شيء مؤلم للغاية ويتطلب الكثير من الصبر لتجاهل وعدم المبالاة بناس لهم مثل هذه العادات..ما هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع هؤلاء الأقارب؟ من قبل كنت أواجههم "أو أتصدى لهم" بالغضب.. ولكني الآن أعلم أنني لن أكسب شيئا غير المشاعر السيئة والغضب..هل أترك هؤلاء الناس لله ليتصرف معهم؟ أرجو النصيحة بالنسبة لهذا الموضوع..كذلك ما هي الأدعية التي أستطيع قراءتها لأزيد من صبري؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيها الأخ الكريم إن التحلي بالصبر منزلة رفيعة ومكانة عالية يمتن الله بها على من يشاء من عباده ليسهل عليه القيام بأوامره واجتناب نوهيه، وما بذلته أنت من المحاولات وسعيت فيه من الإصلاح والقرب من قرابتك جهد مشكور يدل على نجاحك وسلامة تفكيرك؛ إذ أن كثيراً من الناس إذا مر ببعض ما عانيته سرعان ما ينفد صبره ويقابل القطيعة بمثلها لأنه في ظنه أن صلة الرحم لا تجب إلا إذا قابله أقرباؤه بالمثل وهذا مفهوم خاطيء والدليل على خطئه ما ثبت في الحديث (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِك) رواه مسلم برقم (2285) ومعنى قوله (المل) أي الرماد الحار.
ففي هذا الحديث وجه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل الذي جاءه يشتكي من سوء معاملة أقربائه له ويذكر في شكواه نحواً مما ذكرت فهو يصل وهم يقطعون، وهو يحسن وهم يسيؤون ومع ذلك أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم إن كان صادقاً في ما قال أن حاله معهم كحال من يُسِفُّ الآخر الرماد أي يطعمه إياه فهو صاحب المعروف والفضل، ثم لا يزال له من الله عليهم سلطان وحجة، ومعنى الحديث إجمالاً الحث على صلة الرحم حتى مع من لا يصل الرحم , والحمد لله أن هذا هو ما قمت به وحملت نفسك عليه أسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير.
وبعد هذا ما عليك إلا أن تتبع الحسنة مثلها فتواصل المعروف بالمعروف، والصلة بالصلة والإحسان بالإحسان، وإن أساؤوا إليك وعاملوك بعكس ما عاملتهم.
واعلم أنك حين تفعل ذلك إنما تطلب رضوان الله ورحمته، فلا تنتظر أن يكون لعملك مقابل أو مكافأة منهم، لكن احرص ألا تخبر الناس بما يعاملوك به، وإن رأيت أن من أسباب حدوث المشكلة كثرة الاحتكاك بهم فلا بأس أن تقلل من زيارتهم.
وادع الله أن يهديهم، نعم ادعه وأنت موقن بالإجابة، فإن الله قادر أن يقلب بغضهم حبًأ وهجرهم صلةً وقربة.
وأما ما سألت عنه من الأدعية المعينة على الصبر عند وجود الشدائد فما أكثرها وإليك بعضاً منها أولاً:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم: يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب العرش الكريم) رواه البخاري (7426) .
وفي رواية مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قال ذلك) ومعنى (حزبه أمر) أي نزل به أمر مهم، أو أصابه غم. مسلم (2130)
ثانياً:
وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) رواه الترمذي (3524) وصححه الألباني في صحيح الجامع (4777) .
ونرشدك إلى أمر مهم جداً سوف يزيد من صبرك ويقينك بالله سيما إذا ضاق عليك صدرك واستحكمت الهموم على عقلك، أمر غفل عنه أكثر الناس، أتدري ما هو؟
إنه الصلاة، فإن للصلاة تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وذهاب الهم والغم، وهي من أعظم عوامل الصبر وقد دل على ذلك الكتاب السنة قال الله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ) البقرة/45 هي من أعظم ما يستعان به.
وقال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) الحجر/98
قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره: (فسبح بحمد ربك) يقول: فافزع فيما نابك من أمر تكرهه منهم إلى الشكر لله والثناء عليه والصلاة، يكفك الله من ذلك ما أهمك.
وهذا نحو الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة) . انتهى 7/553
وأخيراً اسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يلهمنا وإياك الصبر واليقين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/418)
شاب مستقيم يعاني من تسلط الهم والضيق فما العلاج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب يعاني من ضيق نفسي وحزن وهم ولا يدري ما هو السبب علماً بأنه يصلي الليل ويصوم كثيرا، ويصلي الصلوات ولكن أحياناً ينام عنها، ويحضر الدروس الإسلامية ويقرأ الكتب ويحاول حفظ القرآن ويسمع الأشرطة الإسلامية. ومع ذلك يعاني من الحزن والهم علماً أن الشاب يحب عمته حباً كبيراً ويكون تحت خدمتها دوماً وأن العمة لا تعاني من أي شي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن مما يَسُر أيها الأخ السائل حرصك على هذا الشاب واهتمامك به عن طريق البحث عن العلاج الناجع كي تقدمه له رجاء أن ينفعه الله به وأنت حين تفعل ذلك إنما تجسد الأخوة الإسلامية، فنسأل الله أن يكتب لك الأجر على ذلك.
وقد شرحت حال هذا الرجل وسيكون الجواب في النقاط التالية:
الأولى:
حياتنا الدنيا على اسمها دنيا لا يثبت فيها حال الإنسان بل يتقلب فيها بين ما يحبه وما يكرهه.
والعاقل إذا تأمل في هذه الدنيا وجد أنه محتاج لأن ينظر إليها نظرة المتفائل، ويقضي على الهم والحزن الذي طالما كدر صفو الإنسان ومزاجه. والذي يُريد به الشيطان أن يُحزن به المسلم.
إن التقوقع على النفس باحتضان الآلام والآهات أكبر مرتع للشيطان، وأخصب مكان لتكاثر هذه المنغصات
وإن التطلع للحياة السعيدة والنظر لجوانب الفأل فيها لمن دواعي الأنس والارتياح، ومن المعلوم أن هذه الدنيا مزيج من الراحة والنصب، والفرحة والحزن، والأمل والألم، فلماذا يُغلب الإنسان جانبها القاتم على جانبها المشرق المتألق؟
ومن المعقول أنه لو لم يغلب جانب التفاؤل والاستبشار فلا أقل من أن ينظر إليها بعدل واتزان.
الثانية:
إن ضيق الصدر وحياة الضنك لا تستولي على فكر الإنسان وتحيط به من غير أسباب أخرى تدعو إليها بل هي مؤشر على وجود خلل في العلاقة بين العبد وبين ربه، فبقدر ما يكون الإنسان مقبلاً على الله بقدر ما يفيض عليه من الأنس والراحة ما لا يعلمه إلا الله، ولهذا كان أهل العلم والقرب والخشية من الله أسعد الناس بهذا الفضل حتى قال قائلهم تلك العبارة الخالدة: (لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف) . وهذا ما أفصح عنه القرآن الكريم قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97 وأما الشعور بالضيق والكدر فإنه يحمل تنبيهاً للعبد ليقوم بالتفتيش في علاقته بربه، فإن للذنوب والمعاصي أثراً على العبد في ضيق صدره وشتات أمره قال الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه/124
وهذا الشاب الذي تسأل عنه فيه خير كثير حيث إنه ممن يحرص على طلب العلم ونوافل العبادات كالصيام وحسن صلة الرحم بعمته، ومع هذا فلابد من أن تلفت انتباه هذا الرجل لمراجعة حساباته مع الله تعالى فلعل هناك ما منع عنه هذه السعادة من ذنب اقترفه في جنب الله أو حق لعبد أخذه، وادعه لأن يكثر من التوبة والاستغفار لاسيما وقد ذكرت عنه أنه ربما نام عن الصلاة وهذا أمر عظيم تساهل فيه كثير من الناس وتهاونوا فيه.
الثالثة:
قد يكون ابتلاء هذا الشخص بالمصائب والنكبات مما يقدره الله على العبد من أجل رفع درجاته إن قام بما أمره الله تجاهها من الصبر والرضى بما قدر الله، فإن كل ما يقدره الله على المؤمن خير له في دينه ودنياه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
وإذا أصيب المؤمن بمصيبة فهو إما أن يصبر أو يجزع فإن صبر ظفر بالأجر العظيم وارتاح لقضاء الله وقدره لأنه لما علم أنه من عند الله اطمئن لذلك وسلّم، فلا داعي للجزع والضجر؟
وعلى العكس من ذلك لو لم يصبر فإنه مع ما يصيبه من الإثم بالجزع والتسخط، وما يكتنفه من الهم والغم يفوته الأجر الذي أعده الله للصابرين قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10
الرابعة:
صدق التوجه إلى الله بالدعاء، والتضرع له سبحانه بأن يزيل عنه هذه الوساوس، ويكثر من الاستعاذة من الشيطان الرجيم فإنه يغيظه أن يرى العبد المؤمن في دعة وطمأنينة، فيوسوس للعبد ليصرفه عن ذلك ويلبسه لباس الخوف والتوجس.
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم دعاء ندعو به يدفع الهم والحزن. روى أحمد (3528) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (199) .
الخامسة:
حاول أن تدله على أن يغير شيئاً من رتابة يومه فيفتح على نفسه من أنواع المباحات التي تبدد الفتور وتجدد النشاط، لا بأس أن يسافر للنزهة والاستجمام من غير إسراف، وأفضل من ذلك أن يسافر لأداء العمرة وزيارة المسجد النبوي، لأنَ تغيير واقع الحياة المستمر يفيد في هذا كثيراً.
سادساً:
عليه أن يبتعد عن الأماكن التي يشعر بأنها تثير فيه كوامن الهم والغم وتجدد فيه الأحزان، كما أن عليه اجتناب قراءة الكتب القصصية التي تحمل طابع المأساوية، ويحاول ألا يجالس أصحاب الهموم ولو بغرض المواساة، وعلى العكس من ذلك يحاول قراءة الكتب المفيدة التي تبعده عن هذه الهموم، كما أن عليه إذا شعر بالضيق والحزن ألاّ يجنح إلى الصمت والتفكير والبحث عن الانفراد في هذه الحال.
وأخيراً. .
فالنصيحة لهذا الشاب أن يرفع رأسه إلى الأمام وينظر للمستقبل بعين التفاؤل واليقين بالنجاح، وأقول له: إنك تمتلك الكثير من مقومات النجاح وعناصر التفوق ومثلك ينتظر منه الكثير والكثير، وأملنا في أن تزول عنك هذه الرواسب، والهموم النفسية، فتح الله عليك، وفرج همك وغمك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/419)
اعتدى عليها أقرب الناس إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتدى عليها أبوها ولم تعُد بكراً ثم فعلت حراماً مع رجل ثم تابت وأتت بعمرة وتريد الزواج، ماذا تفعل وهل تخبر زوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تحمد الله على نعمة الهداية وتثبت على طريق الحق وتكثر من الطاعات والعبادات وتحاول جاهدة أن لا تخلو بأبيها في البيت ولا يلزمها إخبار زوجها إذا تزوجت بما حصل وتسأل الله الستر والفرج.
وأبوها مجرم يجب نصحه ووعظه وتقريعه وردعه.
نسأل الله السلامة والعافية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/420)
حكم الإتيان بخادمة إلى البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا طلبت الزوجة خادمة لمساعدتها خاصة وهي طالبه ولديها طفل, وأهلها وأهل زوجها ليسوا في نفس البلد. علما بأن الزوج ذو دخل ميسور (الزوجة عندما كانت في بيت أهلها كان لديهم خدم) فهي تحتاج إلى من يساعدها مع العلم بأنها سوف تلزم الخادمة باللباس الشرعي الساتر والتزامها بالحدود الشرعية؟ وجهونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان المسلمون في الزمان الأول عندهم المماليك، الإماء والعبيد، وكانوا يقومون بخدمتهم، ولما ألغي الرقّ في المملكة في سنة 1386هجرية، ولم يبق هناك رقٌ، ولا يتمكن من ذلك، عدل الناس إلى استجلاب الخادمات من بعض الدول مثل الفلبين وسيريلانكا وغيرها من الدول، ففي هذه الحال اضطر الناس إلى استجلاب خادمة، فيجوز للمرأة استجلاب خادمة تحرص على أن تكون مسلمة، وأن تكون مأمونة موثوقة لا يخشى منها ضررٌ، وملتزمة بأحكام الإسلام والاحتشام والتحجب، وتكون بعيدة عن مجتمع الرجال وإذا دخل أحد الرجال إلى داخل المنزل فإنها تحتجب كما تحتجب النساء من الرجال الأجانب، وتكون خدمتها للضرورة، وإن استغني عنها فالأولى إعادتها لأهلها، فيكون ذلك جائز بقدر الحاجة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الله بن جبرين.(11/421)
هل يؤخر الحج لوجود مشكلة مع زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أتكلم بالنيابة عن أخي. يخطط أن يقوم بأداء الحج هذه السنة , ولكن للسبب التالي لا زال متحيراً هل يذهب أم لا؟
مع الأسف فإنه على غير وفاق مع زوجته ولا يعيشون سوياً الآن، يعيش مع والديه وتعيش هي بمفردها مع ولدهما.
بما أن وضعه العائلي ليس مستقراً ولم يتم حل المشكلة فلا هو طلقها ولا هما يعيشان سوياً، لا يدري هل من الصواب أن يترك مشكلته من غير حل ويذهب للحج. هل يمكن أن تنصحه في هذا الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المسلم متى كانت عنده الاستطاعة على الحج أن يبادر إليه، ولا يجوز له تأخيره من غير عذر، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ - يَعْنِي الْفَرِيضَةَ - فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ) رواه أحمد (2721) وصححه الألباني في الإرواء (990) . وقوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود (1524) .
وما ذكرته من مشكلة أخيك، فليس ذلك عذرا في تأخير الحج، لأن الحج لن يحول بينه وبين حل هذه المشكلة، إذ بإمكانه أن يسعى في حل هذه المشكلة وينهيها قبل الحج. وقد يكون حجه سببا لحل مشكلته بما يدركه من توفيق الله له ببركة الحج والطاعة، وقد يدعو في حجه بدعاء لأجل هذا الأمر فيستجيب الله له فيفرج كربته.
ثم النصيحة لأخيك أن لا يتعجل في الطلاق، بل عليه أن يتريث ويتمهل، فإن الطلاق مما يكرهه الله تعالى.
ثم إن كانت المشكلة التي بينه وبين زوجته سببها تفريطها في حق الله تعالى، كما لو كانت مفرطة في الصلاة، أو غير عفيفة ... إلخ فعليه أن يعظها، ويذكرها بالله، ويدعوها إليه، ويحاول الأخذ بيدها إلى طاعة الله تعالى. فإن أصرت على عدم الاستجابة له، فلا خير له في إمساكها حينئذٍ.
وأما إن كانت المشكلة بينهما مما يحصل كثيرا بين الزوجين من الخلاف في أمور المعيشة والبيت وما أشبه ذلك، فإن عليه أن يصبر، ويحسن عشرتها، ويحاول جاهداً أن يصلح منها ما يراه غير مناسب. فإن الله تعالى يقول: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19. فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة. ومن العشرة بالمعروف أيضاً: تحمل الأذى الذي قد يحصل له من زوجته، وليعلم أنه في ذلك مثاب من الله تعالى.
وقد يكره الرجل المرأة، ولكنه يمسكها طاعةً لله تعالى، وإحساناً إليها، فيجعل الله له في ذلك خيراً كثيراً، فقد يرزق منها ذرية صالحة ينتفع بها في دنياه وأخراه، وربما تزول الكراهة وتخلفها المحبة، كما هو الواقع كثيرا.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) رواه مسلم (1469) . (لا يفرك) أي لا يبغض. والمعنى: أنه لا ينبغي للمؤمن أن يبغض مؤمنة، لأنه إن وجد فيها خلقا سيئاً يكرهها بسببه، فسيجد فيها خلقا آخر محمودا يحبها بسببه ككونها عفيفة أو رفيقة به أو مطيعة. . . أو غير ذلك من الأخلاق الحسنة. وهكذا الناس كلهم، فيوجد في الشخص بعض الصفات الحسنة وبعض الصفات القبيحة، كما قيل:
ومن ذا الذي تُرضَى سَجَاياه كلُّها كفى المرءَ نبلاً أنْ تُعَدَّ مَعَايِبُه
والعاقل هو الذي يوازن بين الحسنات والسيئات.
وليكثر أخوك من الدعاء في مواطن الدعاء في الحج وغيرها أن الله تعالى يصلح له زوجه، ويؤلف بين قلوبهما.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/422)
هل يصاب المسلم بأمراض نفسية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن أن يصاب المسلم بأمراض نفسية؟
(حيث أن البعض يقولون أن المسلم لا يصاب بالأمراض النفسية) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الإنسان قد يُصاب بالأمراض النفسية بالهم للمستقبل والحزن على الماضي، وتفعل الأمراض النفسية بالبدن أكثر مما تفعله الحسيّة والبدنية،.. ويجب أن نعلم أن الهموم والغموم التي تصيب المرء هي من جملة ما يكفّر عنه بها ويخفف عنه من ذنوبه، فإذا صبر واحتسب أثيب على ذلك.
ودواء هذه الأمراض بالأمور الشرعية أنجح من علاجها بالأدوية الحسيّة كما هو معروف.
ومن هذه الأدوية الشرعية أن يدعو بالأدعية المأثورة لزوال الهمّ والغمّ، ومن أدويتها الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أنه ما من مؤمن يصيبه همّ أو غمّ أو حزن فيقول: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيًّ حكمك عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سمَّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي وغمِّي، إلا فرَّج الله عنه) فهذا من الأدوية الشرعية، وكذلك أيضاً أن يقول الإنسان: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
ومنها الرقية بأن يرقي الإنسان نفسه ـ وهذا أفضل ـ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرقي نفسه بالمعوِّذات عند منامة ينفث بيديه، فيمسح بهما وجهه وما استطاع من جسده. أو يذهب إلى من يوثق في دينه فيرقيه.
ومن أراد مزيداً من ذلك فليرجع إلى ما كتبه العلماء في باب الأذكار كالوابل الصيِّب لابن القيم، والكلم الطيّب لشيخ الإسلام، والأذكار للنووي، وكذلك زاد المعاد لابن القيم.
من فتوى الشيخ ابن عثيمين. كتاب فتاوى إسلامية ج/4 ص/465-467.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/423)
هل يؤجر المبتلى بالوسواس وماذا يجب أن يفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يثاب المبتلى بالوسواس؟ وماذا يجب عليه أن يفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال تعالى في سورة الناس: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)) .
روى مسلم (132) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ.
وروى مسلم (3203) أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا. قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي.
وروى البخاري (3276) ومسلم (134) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ.
وروى البخاري (1231) وسلم (389) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لا يَسْمَعَ الأَذَانَ فَإِذَا قُضِيَ الأَذَانُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ. وعند مسلم (571) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ.
فهذه الآيات والأحاديث تبين مدى حرص الشيطان على إغواء بني آدم، وصدهم عن عبادة ربهم، وذلك عن طريق الوساوس التي يلقيها في صدورهم. وبينت طريق النجاة من هذه الوساوس الشيطانية. وقد يصل الحال ببعض الناس أنه يشك في كل عبادة يقوم بها، هل فعلها أم لا؟ وليس البحث الآن في ذم هذا، وإنما البحث: هل يثاب المرء على مجاهدته الشيطان وإعراضه عن هذه الوساوس أم لا؟
لم يُرَ في مظان البحث كلام صريح للعلماء في هذا الموضوع، ولكن يفهم من كلام الشيخين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله أنه يثاب على ذلك، وهو ما يفهم من النصوص المتقدمة كما سيأتي.
ففي الحديث الأول: وهو سؤال الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسواس الذي يجدونه في صدورهم فقال (ذاك صريح الإيمان) قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى 7/282) : أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد، والصريح الخالص كاللبن الصريح وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها فخلص الإيمان فصار صريحا اهـ
وقال أيضاً: مجموع الفتاوى 14 / 108
وهذه الوسوسة هي مما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان فإذا كرهه العبد ونفاه كانت كراهته صريح الإيمان اهـ
وقل أيضاً: مجموع الفتاوى 22 / 608
قال كثير من العلماء: فكراهة ذلك وبغضه وفرار القلب منه هو صريح الإيمان والحمد لله الذي كان غاية كيد الشيطان الوسوسة، فإن شيطان الجن إذا غُلِبَ وسوس، وشيطان الإنس إذا غُلِبَ كَذَبَ. والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره لابد له من ذلك فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر فانه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا اهـ
وقال في درء التعارض 3 / 318
وهذا الوسواس يزول بالاستعاذة وانتهاء العبد وأن يقول إذا قال لم تغسل وجهك: بلى قد غسلت وجهي. وإذا خطر له أنه لم ينو ولم يكبر يقول بقلبه: بلى قد نويت وكبرت. فيثبت على الحق ويدفع ما يعارضه من الوسواس، فيرى الشيطان قوته وثباته على الحق فيندفع عنه، وإلا فمتى رآه قابلا للشكوك والشبهات مستجيبا إلى الوساوس والخطرات أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه وصار قلبه موردا لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول وانتقل من ذلك إلى غيره إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة اهـ
وعلى هذا يمكن أن يقال: يثاب المرء على إعراضه عن هذه الوساوس ومجاهدته للشيطان لأمور:
1- مدح النبي صلى الله عليه وسلم كراهة هذه الوسوسة المتعلقة بالتشكيك في العقيدة بقوله: (ذاك صريح الإيمان) . ومن لوازم كراهة هذه الوسوسة الإعراض عنا، وعدم الاسترسال معها.
2- امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم (ولينته) .
3- قوله صلى الله عليه وسلم في سجدتي السهو: (كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ) ففيه الحث على ترغيم الشيطان وإذلاله، وترغيمه هنا إنما هو بالإعراض عن هذه الوساوس وعدم الالتفات إليها مع ما أرشد الله ورسوله إليه من الاستعاذة بالله من الشيطان وغير ذلك.
4- ما يصيب المؤمن من ضيقٍ وهمٍّ من هذه الوساوس قد يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) البخاري (5642) ومسلم (2573) .
5- كذلك قول شيخ الإسلام رحمه الله (كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد) . فتشبيهه ذلك بالمجاهد ووصفه بأنه أعظم الجهاد يؤخذ منه أنه يثاب عليه.
والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/424)
أعجبته فتاة، وأبوه رافض لزواجه منها
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت مؤخراً لباكستان وقرر والداي أن يخطبوا لي فتاة دون أن يسألوني، أنا والفتاة غير موافقين وتوقعت بأن هذه هي نهاية القصة. عندما كنت هناك قابلت فتاة وأعجبت بها جداً، لم أتكلم مع تلك الفتاة التي أعجبتني لأنني أعتبر هذا من الخطأ وقلت لمن هم أكبر مني عن الموضوع.
الجميع وافق وكانوا كلهم سعداء، وعندما وصل الخبر لوالدي أبدى معارضة شديدة ولامني لدخولي في قصة حب، وقال بأن هذه الفتاة لا تصلح لي بسبب عائلتها، وبالمناسبة فهم من أقربائنا.
ذكر بأن صلة القرابة بهم ليست قوية جداً وخص بالذكر والداها (وهما مطلقين) . وقال بأن هذا شيء يجب النظر إليه وأخذه بعين الاعتبار، الفتاة جاءها خاطبون آخرون ورفضتهم إما لأنهم لا يحملون شهادات جامعية أو بسبب فارق السن وكان هذا سبب آخر لوالدي ليأخذه بعين الاعتبار.
سبب آخر ذكره لي هو أنني لا أحمل شهادة جامعية ويبدو بأن هذه ليست مشكلة عندما توجه لناس آخرين ليخطب ابنتهم دون أن يسألني.
مؤخراً عرفت عن طريق أولاد عمي بأن تلك الفتاة التي أحبها، هي تحبني أيضاً وترغب بالزواج مني، جدتها تريدنا أيضاً أن نتزوج.
أظن بأنه من الصعب على كثير من الشباب المسلمين في الولايات المتحدة أن يقولوا بأنهم لا يتعرضون للإغراء أثناء معيشتهم هناك. استطعت أن أتجنب الإغراء ويعلم والداي بأنني لم أفعل شيئاً من هذا القبيل.
في هذا الوقت أنا غير جاهز للزواج ولكنني أريد أن أخطب لأنني لا أريد أن أفقد هذه الفتاة.
كيف أقنع والدي والذي أعتبره رجلاً متديناً، يصلي وهو مسلم جيد، ولكن ماذا عن الأسباب التي أعطاني إياها لرفضه للزواج، أشعر أن هذه الأسباب إسلامياً وأخلاقياً خاطئة.
والدتي تخاف أن تحدثه لأنه يغضب بسرعة ولا يحب أن يستمع من الناس كما أنه يعاني من مرض القلب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله عن زواج الرجل من امرأة يحبها بدون موافقة الأهل فقال:
لا بأس، إذا كانت المرأة مستقيمة في دينها وعرضها. وكذلك مكافئة لك في النسب. فلا مانع من تزوجها. وإن لم يرض والداك إذا كان امتناعهما بغير حق، وكانوا يكرهونها بغير حق، وأنت راغب فيها، وهي عفيفة في دينها وعرضها وسمعتها ونسبها فلا بأس بذلك، ولا يعتبر ذلك عقوقاً فيما لو خالفت والديك في تزوجها، ما دام أنهم لم يكرهوها بحق، وإنما كُرههم لها مجرّد هوى، وأمور نفسية. أما إذا كانوا يكرهونها لحق فلا ينبغي أن تتقدم إلى الزواج منها. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن حميد رحمه الله. ص/217.(11/425)
تزوجت عشيقها وتعيش معه في عذاب
[السُّؤَالُ]
ـ[تركت البيت وعمري 18 سنة وتزوجت عشيقي في الكلية وعمره 19 سنة (أعلم أن هذا خطأ فأرجو أن لا تحكم علي) ، أعيش الآن مع عائلته ولدي بنت عمرها سنة. مشكلتي أنني أريد أن تنشأ ابنتي وتتربى تربية إسلامية قدر المستطاع، ربما يكون مصيري إلى النار ولكنني لا أريد أن أجر ابنتي معي لنفس المصير، أشعر بأن زوجي لا يعطيني تلك الفرصة ولا عائلته، هم يهتمون بابنتي ولكنهم دائما يستمعون للموسيقى ويشاهدون التلفاز وأنا أكره هذا لأن ابنتي بدأت تستمتع بمثل هذه الأشياء وأنا لا أريدها أن تتعرض لمثل هذا
. المشكلة الكبيرة أنني نادمة على الزواج من زوجي من كل قلبي وأظن بأنه يشعر بنفس الشعور، نتجادل دائماً بشأن عائلته وبشأن المال، لا أحب أن أتحدث معه لأنه دائماً بائس تعيس ولا يدري أين يذهب ولا ما يفعل في حياته، لا يستطيع أن يستمر في العمل لأنه يمل بسرعة، أنا أعمل وهو يعمل كذلك ولكنه لا يدخر لنا، يصرف كل ما لديه ولا يوفر شيئاً، يجب علي أن أحصل على المال لنفسي ولابنتي وفي كثير من الأحيان له أيضاً، أنا وهو نحصل على نفس الراتب وأوفر أنا من راتبي ولكنه لا يوفر شيئاً من راتبه وينفقه بسرعة، يتصرف كأنه شخص أعزب وليس لديه أي اهتمام بنا، السبب الوحيد الذي يجعلني أبقى معه هو ابنتي.
أتمنى أن أرحل عنه لأن حياتي غير سعيدة أبداً فأنا محطمة، فقدت قيمة نفسي، وافقت على الكلام المعسول والإثارة من الرجل وكان من المفترض أن أتزوج من الشخص المتدين والخلوق. عرفت الآن أن هذا هو أهم شيء في الرجل، لأن الرجل الذي يلتزم بالدين وأخلاقه جيدة هو الزوج المثالي
أنا مسلمة ضعيفة بنفسي وأحتاج لمن يرشدني، ومع أن زوجي ذهب لمدرسة تحفيظ القرآن في الصغر ولكنه لا يبالي بالدين ولا بالخطأ والصواب في الدين، يريدني أن أكون خادمة له ولعائلته ولا يهتم بما أريد.
أود أن أعرف ماذا يقول الإسلام عن بقائنا مع بعض، هل هناك قيمة لسعادتي؟ فأنا أرى مستقبلاً أسود مع زوجي، ولكنني أعلم بأنني لن أستطيع فعل شيء بدون عائلتي الذين سيتبرءوا مني إذا تركت زوجي.
ولكنهم يعلمون بأنني أقاسي كثيراً.
انفصلنا لفترة وبقيت عند عائلتي ثم عاد معتذراً وكان هذا قبل عدة أشهر. أهتم بزوجي لأننا كنا يوماً ما سعداء ولكننا فقدنا بعضنا البعض وفقدنا الحب الذي كان بيننا ولا أظن أن هذا يمكن أن يعود أبداً، نحن نعيش سوياً ولكنها تقريباً حياة منفصلة. أرجو أن تنصحني بما يجب أن أفعله لمستقبلي ومستقبل ابنتي، لا أريد أن أحرمها من والدها ولكن زواجي غير سعيد صدقني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد فقصة سؤالك بحدّ ذاتها فيها عبرة عظيمة لكل فتاة تتبع الشهوات وتخرج عن طاعة الله وتترك أهلها وبيتها إلى المعصية وأجواء الفتنة وفي السؤال عبرة أيضاً لكل عاصٍ كي ينظر ماذا تجرّ عليه المعصية والمصائب، ونسأل الله أن يغفر لنا ولك ولك مسلم ومسلمة.
وأما عقد النكاح الذي تم بينكما فهو إن لم يكن بحضور وليك وموافقته – وهذا هو الظاهر – فإن هذا العقد لا يصح، وبقاؤك معه على هذه الحال حرام، ويحرم عليك أن تمكنيه من نفسك لأنه ليس زوجاً لك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي» . وقوله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل» . وأنصحك بأمور:
أولاً: عليك أن تطلبي منه تصحيح هذا الأمر، وذلك بأن يعقد عليك عقداً جديداً بمهر وحضور الولي وشاهدين. والظاهر من كلامك أن عائلتك قد رضوا الآن بزواجك منه، وعلى هذا فلا مانع من تصحيح هذه الوضع المحرم.وإن لم يحصل ذلك فإنه ليس زوجاً لك، وبقاؤك معه حرام.
ثانياً: أنصحك بالصبر، ولتحتسبي عند الله تعالى أجر ما تجدينه من المصائب والضيق، فإن هذه المصائب تكفر عنك ما أسلفت من الذنوب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المؤمن من هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها عنه من خطاياه» . ولسوف ينتهي الصبر بالفرج إن شاء الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وأن الفرج مع الصبر» .
ثالثاً: اعلمي أنه لا يصيب المرء من مكروه إلا بسبب ذنوبه، قال الله تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) الشورى/30.
فقد يكون ما أنت فيه من الضيق وعدم السعادة عقوبة من الله تعالى على عصيانك أهلك، وإقدامك على هذا المحرم. ثم إن ندمك وتصحيحك لهذا الوضع إن شاء الله توبة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الندم توبة» ، وإني لأرجو الله تعالى أن يزيل عنك ما تجدين من الهم والكرب بسبب هذه التوبة.
رابعاً: أكثري من بالدعاء، واستشعري فقرك إلى الله، واضطرارك إليه، فإن الله تعالى يقول: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) النمل/62. وقال: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) غافر/60. وإذا وفق العبد للدعاء فإن الإجابة معه. واغتنمي مواطن الإجابة وأوقاتها كحال السجود وقبل التسليم من الصلاة، والثلث الأخير من الليل. ويوم الجمعة لا سيما بعد صلاة العصر.
خامساً: عليك بنصح زوجك، ولتتعاوني معه على طاعة الله تعالى، والأخذ بيده، وبداية حياة جديدة همكما فيها إرضاء الله تعالى.وفقكما الله تعالى إلى ما يحب ويرضى، والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/426)
أخوها يحب مطلقة بينهما علاقة سابقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي يحب فتاة في باكستان، هذه الفتاة مطلقة ولها طفلان ولد وبنت عمرهما أكثر من 4 سنوات، بدأ الحب بينهما قبل أن تتزوج تلك الفتاة ولكن زواجها كان حاجزاً بينهما، بعد طلاقها رجعا لحبهما الأول وزاد الحب بينهما وقررا الزواج دون أن يهتما بوالديهم، قالت الفتاة ذلك لأخي، فهل لا يزال مؤمناً بالله؟ حيث قد وضعه الله أمام امتحانات عدة.
قبل 6 أشهر تقريباً قال أخي بأنه لن يتزوج إلا تلك المرأة التي يحبها، في البداية كان يريد موافقة والدتي ولكن فجأة تغير كل شيء وأصبح لا يهتم برأي أحد، لقد تغير، طباعه صارت سيئة، لا زالت والدتي على علاقة جيدة معه ولكنه سيئ، يسيء معاملة والدي وهناك احتمال قوي بأن هذه الفتاة قد عملت عملاً (سحراً) لعائلتي وأخي. هل هناك طريقة ما لنعرف ما إذا كان قد تم عمل سحر لأخي أم لا؟ بما أن والدي لا يؤمن بالسحر فمن الصعب أن يجد عالماً أو مفتياً ليحل الموضوع. أرجو أن تدعو له فهو لا يتصل بي، هذه الفتاة التي يحبها لا يحبها أحد من عائلتنا وقد كان أخي يقول منذ زمن بأنه ليس من الصحيح أن يتزوج رجل بامرأة دون موافقة أهله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أنصح والدك ووالد تلك الفتاة أن لا يمنعا هذا الزواج ما لم يكن هناك مانع شرعي، فإذا كان أخوك يحب تلك الفتاة وهي تحبه فإن مصلحتهما تقتضي أن يتزوجا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُرى للمتاحبَّيْن مثل النكاح» أي: إذا أحب الرجل امرأة وأحبته فليتزوجا، لتسكن بذلك أنفسهما، ويتحصنا من الوقوع في المحرم. ثم أليس زواجه بها خيراً له ولها ولأهليهما من الوقوع فيما حرم الله تعالى؟! وقال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً لأولياء المرأة إذا خطب المرأة خاطب: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» .
وأما إذا كان هناك مانع شرعي من ذلك فإن النصيحة لأخيك بطاعة أبيه، وبالتعفف، وليجاهد نفسه في ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ومن يتعفف يعفه الله» أي: من يتكلف العفة ويجاهد نفسه في ذلك فإن الله تعالى يرزقه العفة، ويعينه عليها. وقال الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (العنكبوت/69. ويبحث عن زوجة أخرى تعينه على دينه ودنياه.
وأما السحر فإن العبد إذا حافظ على تلاوة القرآن، والأذكار التي كان يداوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم عند النوم وعند الاستيقاظ وفي الصباح والمساء وغير ذلك من الأوقات والأحوال فإنه يعصم نفسه بذلك من الشيطان الرجيم قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى أمر يحيى بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بهن، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن. . . - ثم ذكر من هذه الخمس -: وأمركم أن تذكروه، فإن مَثَل ذلك كمثل رجل خرج العدو في إثره سراعاً حتى أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، وكذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان بمثل ذكر الله تعالى» .
والمعوذات من أعظم الأشياء التي يحصّن الإنسان نفسه بها من السحر فليقرأها صباحاً ومساءاً وأدبار الصلوات وقبل النوم.
وأكثري من الدعاء لأخيك بأن يهديه الله ويلهمه رشده ويحسن عاقبته في الأمور كلها. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/427)
نصيحة في موضوع العنوسة
[السُّؤَالُ]
ـ[يهولني كثرة النساء في المجتمع بغير زواج وأتساءل ما هو الحل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ظاهرة العنوسة تعود إلى أسباب منها:
1- غلاء المهور، وعدم قدرة الشباب على تحمل تكاليف الزواج.
2- اعتذار الفتاة عن الزواج المبكر بحجة إكمال التعليم.
3- رفض الفتاة الزواج من رجل متزوج بأخرى.
4- وضع الشروط التعجيزية من جهة أهل الزوجة أو العكس.
أما طرق حلول هذه المشكلة فهي كالتالي:
1- ينبغي على أهل الفتاة البحث عن الرجل المناسب الذي يستطيع أن يسعد ابنتهم، وعدم النظر إلى غلاء المهر، وإنما البحث عن رجل دين وأخلاق طيبة، يحفظ على ابنتهم دينها ويصونها ويسعدها.
2- على الفتاة ألا تعتذر عن الزواج بحجة مواصلة التعليم، فيضيع عمرها وتصل إلى مرحلة العنوسة، فلا تجد من يتزوجها، ولكن يمكن أن تنفق مع الزوج على مواصلة التعليم وهي متزوجة، وذلك ميسر والحمد لله
3- ألا تنظر الفتاة إلى الرجل الذي تقدم لخطبتها وهو متزوج بأخرى أنه غير مناسب لها أو غير قادر على إسعادها، فكثير من الفتيات لا يقبلن بالرجل المتزوج، ثم يضيع العمر ولا يأتي من يتزوجها، فالدين الإسلامي الحنيف والسنة النبوية أجاز للرجل المسلم التعدد في الزواج إلى أربع من النساء في ذمة الرجل بشرط أن يكون الرجل عادلاً بين زوجاته.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(11/428)
كيف تواجه أسئلة أولاد زوجها الثاني
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أمره مطلقة تقدم لي رجل مطلق ولديه ثلاثة أطفال وبعد تفكير طويل قررت الزواج منه ولكن السؤال هو ماذا أقول للأطفال إذا سئلوني لماذا تزوجتِ والدنا ولماذا ابي طلق أمي هناك الكثير من الاسئله التي سوف تواجهني ماذا أفعل وماذا أقول.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأطفال تكثر أسئلتهم ومن المهم للوالدين الحرص على عدم تجاهل أسئلتهم، واستثمار هذه الأسئلة في تعليمهم والارتقاء بتفكيرهم وقدراتهم.
كما ينبغي أن تكون الإجابة مقنعة لهم، إلا أن صغر سن الطفل يجعله يقتنع بأي إجابة ترد إليه، فيمكن أن تشرحي لهم شرحا مبسطا مبدأ الزواج والطلاق.
إن كانت هناك خلافات سابقة بينكما يعلمها الأولاد فيمكن الحديث عنها بصورة مختصرة ومبسطة.
ويمكن أن تفسري ذلك بأنكما لم تستطيعا الاتفاق على بعض أمور الحياة والمنزل، وأن طريقتكما في النظر للأمور تختلف.
ومن المهم عدم اتهام والدهم وعدم تحميله المسؤولية ولو كان يتحملها فعلا من وجهة نظرك، فإن هذا سيؤثر على نظرتهم لوالدهم، وسيؤدي بهم إلى كراهيته والبعد عنه، واحرصي قدر الإمكان على عدم إبداء مشاعرك السلبية تجاه زوجك السابق فهذا لن يفيدك بل سيؤثر على أولادك، ومن المهم لهم لينشأُوا نشأة اجتماعية سليمة وأن تكون نظرتهم تجاه والدهم نظرة إيجابية.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد الدويش.(11/429)
ولدها بلغ السنتين ولا يأكل طعاما حتى الآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ولدي عمره سنتان وأرضعه من صدري، لا يشرب بقية أنواع الحليب ولا يأكل أي طعام فهل هناك دعاء أو آية أو سورة أو اسم من أسماء الله أتلوه لكي تتحسن قابليته للأكل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك بالدعاء له بأن ييسر الله فطامه، وليس هناك ذكر أو دعاء معين بخصوص هذا الأمر، بل يشرع مطلق الدعاء.
ومن الأدعية التي وردت في القرآن للولد:
1- قول امرأة عمران لما ولدت مريم: (وإن أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) ، آل عمران وقول المؤمن: (وأصلح لي في ذريتي) الأحقاف.
2- وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة) ، وقوله: (اللهم إني أسألك العفو والعافية في أهلي ومالي) .
ولا بأس أن تقولي دعاء خاصا من عندك بشأن القضية المذكورة كمثل: (اللهم ارزقه طعاما مباركا وعجل له بالغذاء الطيب، ويسر فطامه، وأغنه من فضلك وجودك) . ونحو ذلك.
واستعيني بمشورة الأطباء فقد يوجد عندهم نصائح نافعة للغاية. وفقك الله لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/430)
إذا تزوجته ستتركه زوجته الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أم غير متزوجه. وقد طلبني أحد المسلمين للزواج، إلا أنه متزوج. وقد قلت "لا" لفترة، لكني صليت الاستخارة ووجدت نفسي أقول "نعم" على الزواج به. وهناك الكثير من الإشاعات تجري في حينا السكني بأننا نتحدث مع بعضنا. فالناس يقولون لي بأن هناك العديد من الرجال غير المتزوجين، فلماذا هذا الشخص المتزوج؟ وبعد ذلك يقولون (له) ، إذا كنت تريد الزواج بها، إذن تزوج بها أو اتركها. وهو يحاول أن يقنع زوجته مع أنها قالت له بأنها ستتركه إن هو تزوج. وقد فقدت أفضل صديقة عندي بسبب هذه الفتنة. وسأشعر بالذنب إن أنا تزوجت به وتركته زوجته لأنها لم تتمكن من تحمل ذلك. وأنا لن أتمكن من تحمل ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم. فهل أصبر وأنتظر حتى يتمكن من إيجاد حلول لأموره مع زوجته، أم على أن أتجاهل أمره (أنساه) وأتزوج بمسلم أعزب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمر الزواج يخصك أنت شخصيا، وما قد يحصل بينه وبين زوجته الأولى فلست أنت المسؤولة عنه.
وحين يكون أمامك خيارات فاختاري الأفضل منها، أما حين يكون أمامك خيار بين الزواج منه، أو البقاء على حال العزوبة فأرى أن الزواج منه أفضل.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد الدويش.(11/431)
هل يجوز تنظيم النسل خوفاً على الأولاد من فساد المجتمع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تنظيم النسل بحيث يجعله كل خمس سنين، لأنه يرى فساد المجتمع ولا قدرة له على السيطرة على تربية الأولاد المتتابعين في هذا الفساد الغامر للمجتمع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
أما ما دام هذه النية فإنه لا يجوز لأنه إساءة ظن بالله عز وجل فيما يرغبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: " تزوجوا الودود الولود.. ".
أما إذا كان تنظيم النسل من أجل حال المرأة - أنها لا تتحمل - فهذا قد نقول بجوازه، وإن كان الأولى تركه.
س: يعني مراعاة حال المرأة أولى من مراعاة حال فساد المجتمع؟
ج: معلوم، لأنه ليس من المؤكد أن أولاده سوف يفسدون؟ فقد يكونون صالحين ينفعون المجتمع. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(11/432)
فتاة تعيش في مجتمع فاسد وتخشى الانحراف
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 15 سنة وقد أسلمت قبل 4 أو 5 سنوات، أحد والداي والمسمى مسلم،غير ملتزم بالإسلام، أنا في مشاكل طوال الوقت، عاجلا أم آجلا سأكره تمسكي بهذه الأحكام وسوف أخرج وأستمتع (أذهب للرقص وأبدأ في مواعدة الشباب والخروج معهم) .
أعلم بأن هذا خطأ ولكنني بعد فعل هذا أشعر أنني لن أكون ملتزمة بعد الآن ولكن هناك شيء يأتي باستمرار ويقول لي بأنني يجب أن أكون مسلمة.
أواجه وقتاً صعباً في اتخاذ القرار بما أفعل، من الصعب عليّ أن أبقى مسلمة لأنني أعيش في مجتمع كافر وكل المسلمين الذين أعرفهم في الحقيقة ليسوا مسلمين.
هل لديك أي اقتراح]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قضيتك أيتها الفتاة المسلمة قضيّة حسّاسة وكبيرة ومتعلّقة بالثّبات على الدّين والتمسّك بأحكام الإسلام، وفي الوقت الذي نحسّ فيه بمشكلتك ونشعر بمعاناتك من بُعْد فإننا نريد أن نذكر لك الملاحظات التالية:
أولا: هذا الذي قلتِ بأنّه يأتيك ويقول لك أنك لا بدّ أن تكوني مسلمة يُمكن أن يكون مَلَكا من الملائكة لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ الآيَةَ) رواه الترمذي 2914 وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وقوله: (إن للشيطان) أي إبليس أو بعض جنده (لَمَّة) من الإلمام ومعناه النزول والقرب والإصابة , والمراد بها ما يقع في القلب بواسطة الشيطان أو المَلَك.. وقوله: (إيعاد بالشر) كالكفر والفسق والظلم (وتكذيب بالحق) أي في حق الله أو حق الخلق أو تكذيب بالأمر الثابت كالتوحيد والنبوة والبعث والقيامة والنار والجنة، وقوله (وأما لمة الملك فإيعاد بالخير) كالصلاة والصوم (وتصديق بالحق) ككتب الله ورسوله، وقوله (فمن وجد) أي في نفسه أو أدرك وعرف (ذلك) أي لمّة الملك (فليعلم أنه من الله) أي منّة جسيمة ونعمة عظيمة واصلة إليه ونازلة عليه إذْ أمَر الملك بأن يلهمه (فليحمد الله) أي على هذه النعمة الجليلة حيث أهَّله لهداية الملك ودلالته على ذلك الخير (ومن وجد الأخرى) أي لمّة الشيطان (ثم قرأ) أي النبي صلى الله عليه وسلم استشهادا {الشيطان يعدكم الفقر} أي يخوفكم به ليمنعكم عن الإنفاق في وجوه الخيرات {ويأمركم بالفحشاء} أي المعاصي.
وعلى ضوء هذا الحديث العظيم تتبينين أمرك وهو أنّ هذا الآتي بالخير الذي يأتيكِ نعمة من الله فاحمدي الله عليها، والآتي الآخر الذي يسوّل لك الخروج للرقص وإقامة العلاقات مع الأقذار الخبثاء هو من الشّيطان، فاستعيذي بالله منه كلما أورد عليك هذه الخواطر الخبيثة.
ثانيا: لا يهمك كثرة الهالكين حولك، ولا تعتبري بهذه الجحافل الكافرة السادرة في غيّها الغارقة في شهواتها الغافلة عمّا خُلقَتْ من أجله، قال الله تعالى: (وإن تُطِع أكثر من في الأرض يُضلّوك عن سبيل الله) ، وقال تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) .
أيتها الفتاة المسلمة: ما قيمة الحياة إذا كان الإنسان يعيش فيها تابعا لأهوائه منغمسا في الرذائل يرقص ويغني، يسكر ويُعربد، يفجر ويزني ويرتع كالبهائم، قال الله تعالى: (أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179) سورة الأعراف
ثالثا: في خضّم الجوّ السيّئ الذي تعيشين فيه المملوء بكثرة من الكفّار وعدد من المسلمين غير المتمسكين بدينهم والذين ربّما لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه وفي غمرة الفتن والمغريات المحيطة بك، لا بدّ أن تعتصمي بالله وتستمسكي بشريعته وتُقبلي عليه وتكثري من دعائه بأن يحفظك من الإثم ويثبتّك على الدّين، قولي كثيرا والزمي هذا الدّعاء: " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " لأنّ أمّك أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها روت عن زوجها ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم: أنه كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ " رواه الترمذي 2066 وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
رابعا: حاولي البحث عن نساء مسلمات تتواصين معهن على الحقّ والصّبر وقومي ما أمكنك بدعوة والديْك إلى طريق الحقّ فكم من صغار كانوا سبب هداية كبار.
وأخيرا نسأل الله أن يهديك سُبل السلام ويثبّتك على طريق الإسلام ويرزقك حلاوة الإيمان ونستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/433)
زوجها يريد الانتقال بعيد عن أهلها وهي رافضة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوج أختي لا يريدها أن تزور عائلتها ولذلك فإن أختي الأخرى وإخواني يذهبون لزيارتها في بيتها. ويريد زوجها الآن الانتقال إلى منزل آخر بعيد لكنها ترفض الانتقال إلى هناك لأنه لا يحسن معاملتها، وقد تطور الأمر ووصل مرحلة الطلاق. فما هي النصيحة التي تقدمها لنا وفق الكتاب والسنة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. الأصل في الزوجة الصالحة أنها مطيعة لربها غير عاصية لزوجها، ولا أفضل من أن تطيع الله فيمن عصاه فيها.
2. وللزوج أن يمنع زوجته من زيارة أهلها - إذا رأى أن هذا من المصلحة الشرعية مثل أن تنقلب عليه كلما ترجع من عند أهلها - أما إذا كان ظالماً لهم بأن لم يكونوا عاصين لله عز وجل ولا يُفسدون زوجته عليه فإنّ الزوج آثم إذا قطع ابنتهم عنهم وهي عليها أن تُطيعه في عدم الخروج.
3. وللزوج أن ينتقل بأهل بيته حيث يرى أن ذلك خير له، وليس لزوجته عصيان أمره في هذا الشأن، إلا إذا اشتُرِط عليه في العقد أن لا ينتقل بها، فإن لم يشترطوا عليه ذلك، فليس لها الامتناع.
4. وإحسان معاملة الزوجة أمرٌ أمر الله تعالى به الأزواج {وعاشروهن بالمعروف} ، وليس للزوج إساءة المعاملة في حق امرأته، وإذا رأى منها ما يخالف الشرع: وجب عليه أن يسلك الطرق الشرعية في إصلاح الأمر، ويكون ذلك أولا بالوعظ الحسن، فإن لم يُجدِ فليسْلك طريق الهجر لها، فإن لم ترعوِ فله أن يضربها ضرباً غير مبرح.
5. ولا يعني إساءة معاملة الزوج لزوجته أن تعصي أمره وتخالف ما أمرها الله به.
6. وإننا ننصح الأخت السائلة بـ:
1. السعي الحثيث في سلوك السبل التي تؤدي لرضا زوجها عنها من كلمة طيبة، ومعاملة حسنة.
2. التفاهم معه لا على أساس أنها معارِضة له وموازية له في الأمر والنهي، بل على أساس أنها طوع أمره، ورهن إشارته، فإن هذا يُخجل الحُرّ، ويهوِّن الأمر، ويسهل لها مهمتها في الإقناع، والقوامة له عليها لا لها عليه.
3. أن تكثر من الدعاء لزوجها بصلاح باله، وتيسير أمره، وأن تصلح ما بينها وبين ربها ليصلح الله ما بينها وبين الناس.
4. ولا مانع أن تطلب ممن تثق بدينه ورجاحة عقله أن يتدخل بينها وبين زوجها لإقناعه بالعدول عن رأيه في الانتقال إذا رأت أن الانتقال قد يؤثر عليها في دينها أو يزيد الأمر بينهما سوءً، وإلا فلترض بما قسم الله لها.
7. ونسأل الله تعالى أن ييسر لها أمرها وأن يختار لها الخير لها في دينها ودنياها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/434)
خصام عائلي بسبب الاجتماع في مسكن واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في بيت واحد مع أختي ودائما تنتهي الأمور بيننا إلى جدال وخصومات ومقاتلة ونحن عائلة واحدة لا أستطيع أن أخرج في بيت بمفردي. كيف أتعامل مع هذا الموقف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يُذكر في السؤال لماذا يحصل الخلاف بينكما وما هي أسبابه ' ولكن - على أية حال - يحتاج الأمر إلى تجنّب الاحتكاك قدر الإمكان، وأن ينشغل كلّ منكما بما هو مفيد من العبادة أو طلب العلم الشرعي وما سوى ذلك من الأمور النافعة، وهناك عدد من الإخوة والأخوات كانت بينهم أشياء مشابهة فلما ابتعدوا عن بعضهم رجعت المودة والمحبة، فلا بدّ من التسلّح بالصبر واحتمال خطأ الطرف الآخر مع سعة الصّدر إلى أنْ يفرجها الله بزواج الطرفين أو أحدهما، ومهما طالت الحياة فلا بدّ من فراق فليكن على خير، نسأل الله أن يلهمكما رشدكما ويصلح ذات بينكما ويؤلّف بين قلبيكما وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/435)
اكتشف أن زوجته كانت تخرج مع رجل قبل الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أصدقائي تزوج فتاة جميلة قبل عدة أشهر، قبل زواجه منها كان يعتقد بأنها متدينة جدا ولم تخرج مع أي رجل من قبل، وكان يعتقد بأن زوجته لم تفعل أي شيء سيئ من قبل، وأحبها كثيرا، ولكن بعد الزواج بعدة أشهر تبين له بأنها كانت تخرج مع شخص آخر وكان لها عشيق قبل الزواج، وصديقي غضبان جدا الآن.
أحبها بصدق ولم يكن يتوقع منها ما فعلت، لم يعد يحبها الآن ويريد زوجة لم تخرج مع أي رجل من قبل ولم يكن لها أي عشيق.
لا يدري ما يفعل، يخطط للطلاق، وعندما طلب مني النصيحة لم أستطع أن أقول أي شيء لأنني لا أدري ما أقول، لذلك أرجو أن تخبرني ماذا أقول له، ماذا يجب أن يفعل؟ هل يطلقها أم ينسى ماضيها؟ ماذا يقول الإسلام عن هذه الحالة؟
وشكرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت هذه الزوجة قد استقامت وتابت إلى الله وتركت المحرمات والخروج مع الأجانب وليس حولها ريبة فالنصيحة أن يبقيها ويستر عليها ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله غفور رحيم يعفو ويغفر ويتوب على من تاب ونحن ينبغي أن نعفو ونغفر ونتعامل مع التائب بوضعه الجديد ونعينه على الاستمرار في التوبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له وفي ستر زوجها عليها ومعاملتها بالحسنى فائدة عظيمة في استقامة هذه المرأة وتشجيعها على المواصلة في حياة الطّهر والعفّة ولزوجها أجر عظيم في السّتر عليها وإعفافها وتجنيبها المنكر وإعانتها على الاستقامة والعيش في كنفه في بيت الزوجية الطاهر.
وإن كانت هذه المرأة لا زالت سادرة في غيّها تخرج مع الأجانب وترتكب المحرّمات ولم تنزجر ولم تتب بالرغم من النّصح والموعظة فلا ننصحه بالبقاء معها إطلاقا فليتخلّص منها ويرزقه الله بغيرها.
وإن كانت قد تابت ولكنه لم يستطع أن يتحمّل ما فعلته في سابق أمرها وظلّت الصور والخيالات السيئة تطارده وتقضّ مضجعه وخشي إن أبقاها عنده أن يظلمها ويعاملها معاملة سيئة بالرغم من توبتها فيمكنه أن يطلّقها ليرتاح ويبتعد عن الظّلم، ولكن ليُعد النّظر والتأمّل في النّصيحة المذكورة في صدر هذا الجواب وليتأمل في حاله ونفسه فقد تكون له أخطاء سابقة أو لاحقة، ونسأل الله أن يوفقّه لاتخّاذ القرار الصحيح وأن يهديه لأرشد أمره والله الموفّق والهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/436)
ادّعت زوجته أنها تعرّضت لاغتصاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم مهاجر تزوجت من امرأة منذ 18 سنة، وكان عملي يضطرني للسفر كثيراً وترك زوجتي بمفردها، وعند عودتي من إحدى هذه السفرات من خارج البلاد أخبرتني زوجتي أن رجلاً دخل عليها وقبلها وقال لها أنها صغيرة جداً.
واليوم بعد مضي 18 سنة على هذه الحادثة أخبرتني زوجتي أن الرجل دخل عليها وقبلها وجامعها وأنها استسلمت له، وأنا الآن أشعر بانهيار وأحس بالغضب الشديد لأنها خدعتني ولم تخبرني بحقيقة الأمر، وتركتني جاهلاً بالموضوع. وبسبب هذه الأزمة النفسية فإنني لم أعد راغباً في الذهاب إلى المسجد أو أداء الصلاة.
أرجو أن تعلمني ماذا علي أن أفعل؟ هل زواجنا شرعي؟ هل يجب عليّ أن أطلقها؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان ما وصفَتْه أخيرا هو الذي حصل فإنّها تكون قد فعلت كبيرة عظيمة وخيانة واضحة باستجابتها لهذا المعتدي والاستسلام له وعدم محاولة الهرب أو الامتناع أو الاستغاثة ونحو ذلك، وما ذكَرَتْه بأنّها كانت مكرهة لا يُقبل منها، فإنّها لم تذكر تهديدا بسلاح أو ربطا ووثاقا ونحو ذلك، فإذا تبيّن هذا فعلا وتأكّد تفريطها فما هو الواجب عليك؟ وما هو الموقف تجاهها؟
لا شك أنّك يجب أولا أن تعظها وتذكّرها بالله وعذابه واليوم الآخر وأهواله وتبيّن لها خطورة انتهاك حدود الله وخيانة الزوج وتلويث فراشه وما جعله الشّارع من الحدّ الشنيع على الزاني المُحصن وهو قتله بالحجارة.
وبعد الموعظة إن تبيّن لك ندمها وأسفها واستقامتها فلا حرج عليك من البقاء معها ونكاحكما صحيح، والذي يغلب على الظنّ أنّ هذه المرأة نادمة وتائبة لأنها هي التي استخرجت الموضوع بعد أن كان منسيا، وصارحتك به ولعل هذا من جرّاء تأنيب ضميرها والرّغبة الصادقة في التحلل وطلب المسامحة من زوجها، وذنبها في صِغر سنها وجاهلية أمريكا مع احتمال أن تكون كارهة في بداية الاغتصاب ثمّ لانت ليس كذنب من سعت إلى المعصية برجليها وخطّطت لذلك وتعمّدته إصرارا، والنّصيحة أنّ هذه المرأة إن كانت حالها الآن الاستقامة والنّدم على ما فعلت أن تُسامحها وتعفو عنها خصوصا وأنّه قد يكون لك منها أولاد يضيعون بطلاقها، هذا مع الاستمرار في تربيتها ومراقبتها وعدم إطالة الغياب عنها. ونسأل الله أن يتوب علينا أجمعين.
وقبل مغادرة شاشة الإجابة أريد أن أنبهك على أمر خطير ورد في ثنايا سؤالك وهو قولك إنه لم يعد لديك رغبة في الذّهاب إلى المسجد والصّلاة والدّعاء نتيجة للأزمة التي تمرّ بها، وهذا عجيب جدا أيها الأخ المسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر وكَرَبه خَطْب فزع إلى الصّلاة ولجأ إلى الله يدعوه ويستغيث به وعلّمنا ذلك، وليس أن نُعرض عن بيوت الله ونترك الصّلاة وندع الدّعاء، فإلى من تأوي إذن في كربتك وبجوار من تستجير من نار مصيبتك، فعد إلى الله يا أخي وسله أن يُذهب غمّك ويشفي صدرك واستعن بالصّبر والصّلاة إنّ الله مع الصّابرين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/437)
مراجع موضوعات دعوية
[السُّؤَالُ]
ـ[في كتابكم "مسائل في الدعوة والتربية" الذي كتب في 15 رمضان 1412 في الفصل الرابع "الافتقار إلى التصورات الإسلامية "ص36 أجبت عن 50 مسألة وفي نهاية الصفحة ذكرت أن عندكم نية جمع المراجع لكل موضوع من هذه الموضوعات الـ 50 فهل يمكنني أن أحصل عليها لأنني أعتبرها مهمة لكل داعية إلى الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رؤوس الموضوعات التي أشرت أيها الأخ الكريم قد ذكرت بعضها بمراجعها في كتاب " الدليل إلى مراجع الموضوعات الإسلامية "، ويقع في ثلاث مجلدات وقد صدر منه المجلد الأول وأما الثاني والثالث فقد أرسلت للطباعة وستظهر قريبا إن شاء الله عن دار الوطن للنشر بالرياض، وبعض الموضوعات الأخرى قد تمّ إلقاؤها في محاضرات ودروس مسجّلة وموجودة في التسجيلات الإسلامية وبقيت هناك موضوعات أخرى حال العجز والتقصير دون الكتابة عنها، أسأل الله أن يعيننا جميعا على خدمة دينه والدعوة إلى سبيله وجزاك الله خيرا.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/438)
مجرم يحاول الاعتداء على ابنة زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[أخت مهمومة تسأل، ماذا يجب عليها أن تفعل وقد حاول زوج والدتها اغتصابها؟ لقد حاول التحرش بها لكنه لم يتمكن من الوقوع عليها. فهل يؤثر ذلك بأي طريقة على عقد زواجه من والدتها؟ وهل عليها أن تخبر أخواتها ووالدتها (مع أنه من المستبعد أن تصدقها والدتها) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على هذه الفتاة أن تخبر والدتها وإخوانها لكي يتم منعه من هذه الجريمة قبل أن تقع، وعلى البنت أن لا تجلس معه في المكان الذي يجلس فيه بل عليها أن تبتعد عنه وإن كان محرَما لها، فالمَحرم وإن كان أباً أو أخاً _ لا سمح الله _ إذا لم تؤمن منه الفتنة لا يجوز القرب منه، بل على الوالي أن يمنعه من ذلك وإن لم يمتنع إلا بالتعزير أو السجن فليكن ذلك. وعلى كل حال على هذه البنت أن تعمل جميع الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع الفاحشة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(11/439)
المشّقات التي تلاقيها الفتيات المسلمات في بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف هو الحال مع مسلمة ملتزمة بدينها وهي في سن المراهقة وتعيش في بلد كافر مثل استراليا يحكمه القانون الذي يقوم على النصرانية؟ وما هي الصعوبات التي قد تواجهها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفتاة المسلمة التي تعيش في بلد نصراني يُمكن أن تواجه مشكلات عديدة مثل صعوبة التمسك بالحجاب، وصعوبة الدراسة دون اختلاط، وصعوبات في الزواج على حسب الشّريعة وكذلك عند الطّلاق وكذلك في الحقوق المالية كتقسيم الميراث على حسب الشّريعة الإسلامية، وصعوبة اتخاذ صديقات مسلمات يساعدنها على التمسك بدينها، وصعوبة إيجاد اللحم الحلال المذبوح حسب الشّريعة الإسلامية وكذلك بعض الأطعمة كالحلويات غير المخلوطة بالخمر أو دهن الخنزير، وصعوبة ممارسات رياضات معيّنة كالسّباحة في مكان مستور عن أعين الرّجال، والصعوبة في التخلّص من إحراج الدّعوة إلى حفلات محرّمة كالأعياد النصرانية وولائم الزواج المختلطة، وغير هذا من التحدّيات الكثيرة التي تواجه الفتاة المسلمة في مثل البلدان المُشار إليها في السّؤال، ولكن كلّ تلك الصعوبات لا تمنع إطلاقا من مجاهدة الفتاة نفسها وبذل جهدها في تطبيق شعائر دينها والابتعاد عن المحرّمات وهي تُؤجر من الله أجرا مضاعفا على ما تواجهه من مشقّات وصعوبات وعوائق، وبالصّبر تنال الأجر، وبالرغم من مرارة الصّبر إلا أنّه تعقبه لذّة تُنسي ألم المشقّة، والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/440)
أبوه عصبي المزاج وسبّاب وكثير الخصومات في البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي شخص شديد الغضب. إنه يصرخ ويحلف بشكل متواصل تقريبا. وإذا فقد أعصابه, فإنه يحطم الأشياء المحيطة بالمنزل. لقد حاول ضرب والدتي في إحدى المرات لكننا منعناه. وإذا كان غاضبا, فإنه يطلق علينا ألفاظا لا تقال إلا لأهل البغاء والشذوذ الجنسي. أما إن كان مرتاحا, فإنه يدّعي أنه مسلم جيد. لقد طبعت له نسخة عن مقالة وجدتها في موقعك تتعلق بتحكم الشخص في غضبه, لكنه لم يأخذ الأمر بالجدية اللازمة. أنا لا أحتاج إليه وكذلك حال إخوتى. وأجد من الصعب التصديق بأن علينا، حتى في ظل هذه الظروف, أن نحترمه عندما ينزل إلى أقل مرتبة ويشتمنا. أنه قد يكون خطيرا أيضا, إنه يهدد بإلحاق الأذى بنا, وأنا أخاف أنه سيفعل ذلك يوما ما. ما هو الحكم في بر الوالد إذا كان حاله على هذه الصورة؟ هل يمكننا الانتقال عنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنتم لا تتسببون في إغضابه وإزعاجه فلا حرج عليكم، لكن مع ذلك يجب عليكم الإحسان إليه وبرِّه، فالله تبارك وتعالى قد أمر ببرِّ الوالدين ولو كانا على الشرك، فكيف بما هو دونه؟
أما الانتقال عنه فإذا كان يرضى بذلك، وكان الانتقال عنه أصلح وأنفع فلا حرج، وإلاَّ فاجتهدوا في الصبر على ما تلاقون منه، ولن يضيع ذلك فسوف تلقونه عند الله تبارك وتعالى.
وإذا كان الإنسان الموظف يتحمّل سوء خلق مديره ويصبر عليه وعلى غضبه وشتائمه لأجل راتب الوظيفة والاحتفاظ بها فصبرك على أذى والدك وشتائمه ابتغاء مرضاة الله وثوابه أحرى وأولى، ولو مات بعدما صبرت عليه فلن تندم وأما لو مات وأنت منابذ له وهاجرٌ ومفارق فقد تلوم نفسك وتقول يا ليتني صبرت ويا ليتني تحملت، وأرجو أن تبلغ والدك مني السلام وتقول له من جاهد نفسه فلم يغضب فله الجنة كما بشّر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأبلغه أن تحطيم الأثاث إضاعة للمال وعمل محرّم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن إضاعة المال وأخبره أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان عفيف اللسان فليقتد به كما قال الله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وإذا غضب أبوكم فلا تنصحوه حال غضبه فقد يتمادى وإنما قدموا له النصيحة بعد أن يسكن غضبه وتهدأ نفسه فهو أحرى أن يستجيب ولينصرف من غضِب عليه من أمامه بهدوء حتى لا يزداد الموقف سوءا ولا حرج عليكم في الدّفاع عن أمكم بل هو مطلوب منكم لكن لا عن طريق مصارعة الأب وإنما أن تنصرفوا بأمكم بهدوء من الميدان، بعد أن تذكّروا أباكم بالله وترشدوه إلى الاستعاذة من الشيطان، أعانكم الله ووفقنا الله وإياك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(11/441)
أبوه يريده أن يتزوج قريبته المتساوية معه في السنّ
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم مستقيم, ولله الحمد , وأشارك في أعمال التبليغ والدعوة. والشيء الذي يزعجني ويجعلني أحس أنني لا أبذل جهدا كافيا تجاه ديني وحياتي الأخروية، هو عندما أفكر في والدي.
والدي متمسك بالشعائر الإسلامية، وقد تعلمت الإسلام عنه. لدي 3 أخوة كبار وكلهم متزوجون. كنا عائلة مترابطة وكان الجو العائلي في البيت جميل، إلى أن حان وقت زواج إخوتي. كان والدي يريد منهم أن يتزوجوا ببنات عمي/خالي, لكنهم كانوا يعارضون ذلك وتزوجوا من فتيات أخريات لم يكنّ من الأقارب. لذلك, فإن والدي لم يعد يعاملهم بنفس الطريقة السابقة , وهو يحاول دائما صرف انتباهه عنهم وتجاهلهم. وقد أراعني تصرفه بتلك الطريقة لأنه مسلم قوي ويحترم الإسلام وتعاليمه.
والآن حان وقت زواجي، ووالدي يرغب في أن أتزوج بإحدى بنات عمي/خالي. والمشكلة التي أواجهها هي أني وابنت عمي/خالي قريبان من بعضنا لأننا من نفس السن تقريبا، وقد كنا ندرس سويا في أغلب مراحل دراستنا. وعليه, فإني أعرفها كأخت لي، ووالدي الآن يريدني أن أتزوج بها، وقد أصبحت في مأزق خطير. أنا أعرف حقوق والدي عليّ، وأنه سبب لدخول الجنة.
ومشكلة والدي هي أنه لا يعبر عما يجول في نفسه بالقول، بل إنه يتصرف وكأنه لا وجود لي. إنه يتحدث معي ويتصرف بطريقة عادية لكن وكأني غريب أو طفل لغيره , إنه يتصرف وكأن خطأ لم يقع. لكن هذا النوع من السلوك يجعلني أعاني كثيرا, وأظن أنه لا يريد أن ينظر إليّ. لكن المسألة تتعلق بحياتي بالفتاة التي سأقضي حياتي معها. ومع ذلك, فقد أكون في خطر يدمر لآخرتي إذا أنا أغضبت والدي.
وسؤالي هو: كيف أتصرف في هذه المشكلة؟ كيف أتمكن من جعل أبي يرجع كما كان عليه في السابق؟ أرجو إرشادي حول هذا الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيها الأخ المسلم اعلم أنّ دوام الحال من المُحال وسبحان الذي يغّيّر أحوال العباد ويصرّفه كيف شاء عزّ وجلّ، والنصيحة لك في مشكلتك هذه أن تفكر أولاً في الزواج من قريبتك التي إقترح والدك الزواج منها، وبغض النظر عن المعرفة السابقة، فإذا كانت بصفة عامة تملك صفات الزوجة الصالحة التي تريد، ولم يكن فيها صفة سيئة ترى أنك لا تصبر عليها، فتزوجها ولعل الله أن يكتب لك الخير بذلك ويكون برّك بأبيك سببا لسعادتك الزوجية.
أما إذا كان هناك عيبٌ واضح يمنع الزواج منها، فاشرح ذلك لوالدك، وحاول إقناعه بأن إرغام الرجل على اختيار زوجة لايميل إليها قد يكون سبباً في فشل زواجه، وقد يعود بالضرر على تلك الفتاة أيضا. وانصح إخوانك بالاجتهاد في برّ أبيك ومواصلته لتقوية العلاقات وإصلاح ما تغيّر، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
من إجابة للشيخ محمد بن عبد الله الدويش(11/442)
ماذا أفعل مع أخي المدمن
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي يتعاطى المخدرات، شرحت له بأن هذا حرام ولكنه لم يستجب ولا زال يتعاطاها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. لا شك أن أخاك في بلاء عظيم، ونسأل الله أن يعينكم على هذا البلاء.
2. وننصح بالرفق في التعامل معه ونصحه، لأنه مثل باقي المرضى الذين يحتاجون إلى مراعاة لأحوالهم، سواء كانوا من مرضى القلب أو مرضى الجسد.
3. ويجب بذل كل طريقة لمنعه من تعاطيها ومنعه من لقاء أصدقاء السوء الذين يعطونها له أو يبيعونه إياها ويعينونه على الفساد.
4. ولا ينبغي لكم تلبية ما يريد مما تستطيعون منعه منه، حتى ينزجر عن فعله.
5. وننصح باستشارة طبيب مختص لإعطائه علاجاً مناسباً إلى أن يتعافى ويترك ما هو فيه.
6. وإن كان له أولاد أو بنات صغار أو أشقاء، فننصح أن تكون هناك موعظة إضافية وإنكار منهم، فلعله أن يرعوي خجلا من حاله أمام أولاده أو أشقائه.
7. ويمكن لكم أن تصفوا له وبشهادة الشّهود حالته أثناء سُكره وغياب عقله، ليرى بعد عودة وعيه أي ذنب اقترفته يداه.
8. ولا تغفلوا عن دعاء الله تبارك وتعالى أن يخلصه مما هو فيه، واحرصوا على الدعاء في ثلث الليل الأخير فلعل الله تعالى أن يفرج عنكم. نسأل الله له الهداية ولكم الصّبر وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/443)
مأساة امرأة أسلمت لها ولدان أبوهما هندوسي
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت السؤال رقم 2803 والذي نصحت فيه الأخت السائلة بإعلان زواجها لأنه من السنة كما قرأت سؤالاً آخر عن رفض الوالدين لرغبة ابنهما أو ابنتهما في الزواج لأسباب مختلفة فما هي نصيحتكم لأخت في مثل هذه الحالة:
امرأة تطلقت من زوجها الهندوسي ثم اعتنقت الإسلام لأنها عرفت أنه الحق واهتدت إلى الطريق المستقيم والحمد لله
بقي إسلامها سراً عن أهلها لسبب معروف وطفلاها اللذان في حضانتها مازالا هندوسيين لأن زوجها السابق يفضل قتلها على أن يرى طفليه يعتنقان الإسلام لأنه عدو لدود للإسلام وقد سب الدين وسب الله في أوقات متعددة.
هذه الأخت تحب الآن شخص مسلم متدين وعلى أخلاق عالية ولكن المشكلة أن والديه يرفضان هذا الزواج وتعتقد أمه أن الذين يسلمون جديداً لا يمكن في يوم من الأيام أن يصبحوا مسلمين جيدين وقد قالت بالحرف" لا يمكن أن يكونوا منا يوماً من الأيام "
فإذا قررا الزواج هل يجوز لهما إبقاء هذا الأمر سراً لهذه الأسباب؟
الرجل الذي يريد الزواج بها وافق على إبقاء الطفلين معهما وأن يدعوهما للإسلام وقال إنه يجب أن لا يكون هناك دينان يطبّقان في بيت واحد.
فكيف لهذين أن يعيشا حياتهما وأمامهما هاتان المشكلتان؟ أهله من جهة وزوجها السابق من جهة أخرى فهو يرفض أن يعتنق ولديه الإسلام، وصديقتي لا تريد أن تفقد حقها في الحضانة للطفلين لأن أباهما سيء الأخلاق ويعتدي عليهما.
فأرجو أن تنصح هذه الأخت بما تفعل في أسرع وقت ممكن لأنها تعاني من الحزن الشديد والكآبة كما أنها لا تستطيع النوم في الليل.
وصلى الله على نبينا محمد والسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- أولا نهنىء الأخت السائلة على اعتناق الإسلام، وهي السعادة التي تبذل لأجلها الأموال والأرواح، فكل هم وكل غم لا يسوى شيئا مع نعمة الإسلام.
2- وقول الأخت السائلة إنها تحب شخصا مسلما: نقول: لا ينبغي للمسلمة أن تقع في ما وقع فيه غيرها من أمثال هذه الترّهات والسفاسف والعلاقات المحرمة، والحب الذي يُسمع عنه ويقرأ عنه: هو من تزيين الشيطان وتلبيسه، وهو يوقع في الغالب فيما حرَّم الله تعالى، ومن وقع في قلبه الإعجاب بفتاة فليس له إلا طلبها من وليها ليرتبط معها بعقد الزواج.
3- أما قول والدة الرجل أن المسلمين الجدد لا يمكن أن يكونوا مسلمين جيدين: فقول باطل، وهل الصحابة رضي الله عنهم إلا مسلمين جدد باعتبار ما كانوا عليه من الشرك؟! وهل يشك مسلم في دينهم وخلقهم؟ وكذلك رأينا كثيراً من المسلمين الجدد خيراً من كثير من المسلمين (بالوراثة) بأضعاف مضاعفة! فلا كون المسلم جديداً يعني أن لن يصير جيداً، ولا كون المسلم قديما يعني أنه جيد، والعبرة بالتقوى والعمل الصالح، مع بقاء فضل السّبق إلى الإسلام والقِدم في عبادة الله.
4- ولا مانع من عدم معرفة والدَيْ الرجل بزواجه، وخاصة إذا كان في زواجه من الأخت مصلحة لها وقلّما يوجد من يساعدها في تخطّي المصاعب، والولي يعتبر شرعاً للمرأة لا للرجل، وإن كنا نحبذ أن يوافق أهله على المرأة بعد إقناعهما لما فيه من المصلحة العظيمة التي قد تفتقد كثيراً فيما لو عرفوا بإخفاء ولدهم أمر زواجه.
5- وقول الزوج إنه يريد دعوة الولدين إلى الإسلام قول طيب وعمل موفق، ونسأل الله له الإعانة عليه، وأن يكفيه شر والدهم الهندوسي المجرم، ونوصيهما - إذا حصل الزواج - أن لا يُظهرا قضية دعوة الولدين للإسلام إذا كان ذلك يُؤدّي إلى انتزاع الكافر لولديه عبر المحاكم الكافرة وعليكما العمل بحكمة.
6- وعلى المرأة السائلة أن لا تزوّج نفسها بنفسها ولو كانت ثيباً فإن الشرع لا يجيز لها ذلك، وإن لم يكن لها وليٌّ معتبر شرعاً، فوليها القاضي أو من يقوم بأمر المسلمين في بلدها مثل رئيس المركز الإسلامي أو من ينوب عنه.
7- وعليهما الاستعانة بالله تعالى على المشكلتين اللتين تؤرقهما - وخاصة الأخت السائلة - وليعلم كل أحد أنه من توكل على الله، فإنه يجعل له من أمره يسراً، ويجعل له مخرجاً، وعليها بالدعاء بصدق، وأن يحاول قدر الاستطاعة نصح أهله وتغيير فكرتهما عن المسلمين الجدد بضرب الأمثلة الحية على عكس ما يقولون، والمأساة التي سبّبها الزوج القديم كذلك، ونوصيهما مرة أخرى بعدم إظهار قضية دعوة الولدين إلى الإسلام لئلا يسبب ذلك للوالد القيام بعمل شيء لا تحمد عقباه، ولا مانع إذا ما أحسا بريبة منه أن يبلغا الشرطة ليتخذوا معه الإجراء اللازم.
8- وإذا كان الزواج سيفقد السائلة حق حضانتها لولديها فلا ننصحها بالزواج الآن خشية على نفسين أن يكونا من وقود النار في الآخرة، اللهم إلا إن خشيت على نفسها الوقوع في الفاحشة، فإنها تتزوج من المسلم الذي أخبرت عنه، بشهود ووليٍّ كما سبق وذكرنا لها، وإشهار النكاح من السنة ولا يلزم إعلانه رسميا وورقيا ولكن على هذه الأخت أن تعيش في بيئة مسلمة محافظة يعلمون بأمر زواجها لئلا تجلب على نفسها كلاما في عرضها، وإذا كان مما يحسّن الحال أن تغادر البلد الذي فيه زوجها إلى بلد آخر تخذ فيه حريتها وتحتضن ولديها ويمكنها الزواج من أي مسلم موحّد يحافظ عليها وعلى ولديها فلتفعل ذلك.
9- ولا بد من الدعاء واللجوء إلى الله ليكشف الكرب ويفرج الهم، ونحن ندعو لها بأن يوفقها الله لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/444)
يعاني من الوسواس القهري
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ عدة أشهر وأنا أعاني من مشكلة الوسواس في صلاتي وعندما أتوضأ. فأنا أنسى دائما العضو الذي غسلته في الوضوء، وأنسى دائما كم ركعة صليت. وقد بلغ بي الأمر أني أصبحت أسجد للسهو في كل صلاة لأن ذهني يشرد. وكلما ركزت بصورة أكثر في صلاتي، كلما وقعت في الوسواس. وأحيانا أظن أني صليت 6 أو 7 ركعات للصلاة الرباعية، بسبب أني لا أستطيع تذكر كم صليت من ركعة. ولذلك فأنا أستمر حتى أتأكد من أني أتممت عدد الركعات الواجبة. وكلما فعلت ذلك كلما تفاقم حجم المشكلة. أنا أريد أن أتجاهل الوسواس، لكني لست متأكدا إن كان ذلك تقره الشريعة. أنا أشعر أن ذلك هو السبيل الوحيد لتخليص نفسي من ذلك المرض. أنا أقرأ سورة البقرة والعديد من الأدعية الخاصة بوسوسة الشيطان، وسورتي الفلق والناس. وفيما يتعلق بالوضوء فأنا أعاني من مشكلتين، فأنا أشعر أني لم أغسل العضو بشكل صحيح بعد قضائي للحاجة، أو أن ملابسي أصابها شيء من البلل وأن هناك شيء من النجاسة قد أصاب ثيابي. وعندما أتوضأ، أشعر أني لم أغسل أعضاء الوضوء بشكل صحيح. وأنا أحاول أن أتجاهل هذه الوساوس، لكني أخاف إن أنا تجاهلته وكنت مخطئا، فإن صلاتي سوف لن تقبل. وقد وصل بي الحال إلى أن الصلاة الواحدة قد تستغرق مني الساعة تقريبا أو أكثر من ذلك، وأصبحت أؤدي الصلاة وكأنها مجرد شعيرة عادية لا خشوع فيها بسبب تلك الوساوس. عندما أنتهي من تأدية إحدى الصلوات، فأنا أبدأ في التخوف من كيفية إنهائي للصلاة التي تليها. أنا أشعر أنني متورط، لأني لن أسمح لنفسي أن تتخلف عن تأدية صلاة واحدة، وأعلم تماما أن هذا هو ما يهدف إليه الشيطان. أرجو أن تساعدني، وأسأل الله أن يثيبك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننصحك أولا بضرورة مراجعة طبيب نفسي، واحرص على أن يكون مسلما حتى يتفهم مشكلتك.
ثانيا: عليك الأخذ بالأسهل دائما، ولا تفكر في الذنب أو العقوبة، ومالم تفعل فقد يطول أمد مشكلتك فالصلاة التي تشك في أنك صليتها ثلاثا أو أربعا يجب عليك اعتبارها أربعا. والعضو الذي تشك في غسله يجب عليك اعتبار أنك غسلته، وهكذا في كل قضية تعرض لك خذ الأيسر والأسهل فيهما، فإن فعلت فستكون غالبت الشيطان الذي أوقعك في هذا الوسواس القهري، شفاك الله وعافاك.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(11/445)
خرجت من البيت هرباً من ضرب زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في نظركم في امرأة تبلغ الخامسة والستين من عمرها ومنذ أن تزوجت بزوجها وعمرها 14 عاما وهي تعاني من سوء عشرته لها وضربه إياها وإهانتها أمام أولادها وأمام الآخرين وطردها من البيت دائما وهي مع ذلك صابرة ومحتسبة وتلبي جميع طلباته التي لا تنتهي مع أنها تعاني من أمراض في القلب والدم مع نصح الأطباء لها بالراحة التامة وعدم إجهاد نفسها ولكن في الآونة الأخيرة زاد هذا الزوج من إيذاء هذه المرأة وأهانها أمام ضيوفها وضربها وطردها من البيت فما كان منها إلا أن تركت له البيت وجلست عند أولادها مع العلم أنه لا يعطيها من المال ما يكفيها فما رأي فضيلتكم في هذه القضية وهى الآن لا تريد العودة إليه وهو لا يريدها ولم يعترف بخطئه عليها ... فهل عليها شيء إذا هي لم ترجع إذا طلب رجوعها , وما نصيحتكم لهما، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على الزوجة ان تطلب الطلاق من غير سبب، كما يحرم عليها أن تخرج من بيتها من غير سبب بغير إذن زوجها، لكن إذا تضررت في البقاء في بيت زوجها أو في عصمته فلها أن تطلب الطلاق، ولها أن تخرج من البيت إلى أهلها لكي تتخلص من أذى الزوج وضربه لها، وعلى الزوج أن يتقي الله فيما استرعاه الله إيّاه، ووصى النبي عليه الصلاة والسلام بالنساء خيرا، وقد أمر الله سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام بالمعاشرة بالمعروف، وعلى كل حال إذا كان أذى الزوج مستمرا فلها أن تطالب بفسخ النكاح، وعليه أن يجيب طلبها أو يتوب إلى الله ويكفّ أذاه عنها..
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير(11/446)
يريد تحديد النسل لفقره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل علي أن أتريث ولا أحاول أن يكون لي أطفال, بسبب مخاوفي ألا أوفر للأطفال الذين قد يرزقني الله بهم مناخا إسلاميا في العائلة؟ علي ديون من الماضي وأنا أسددها بالإضافة إلى الفوائد التي عليها. وأنا أظن أنه يجدر بي أن أنتظر على إنجاب الأطفال حتى أتمكن من سداد الديون. فما هو رأيك في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال تعالى: (وما من دابة إلا على الله رزقها) ، وقال تعالى: (وكأين من دابة لاتحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم) ، وقال تعالى: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)
وقال تعالى: (فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له) .
وقد ذم الله أهل الجاهلية الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر ونهى عن صنيعهم، قال تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم) . وأمر الله عباده بالتوكل عليه في جميع الأمور وهو الكافي لمن توكل عليه، قال تعالى: (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) ، وقال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) .
فعليك أيها الأخ السائل أن تتوكل على مولاك في حصول رزقك ورزق أولادك، ولا يمنعك الخوف من الفقر من طلب الأولاد والتسبب في الإنجاب فإن الله قد تكفل برزق الجميع، وفي ترك الإنجاب خوفا من الفقر مشابهة لأهل الجاهلية. ثم اعلم أيها الأخ الكريم أن الاقتراض بالفائدة هو من الربا الذي توعد الله أهله بأليم العقاب، وهو أحد السبع الموبقات أي المهلكات، قال عليه الصلاة والسلام: " اجتنبوا السبع الموبقات..... إلى قوله وأكل الربا ". وقال عليه الصلاة والسلام: " لعن الله آكل الربا وموكله ... " الحديث. وإن أكل الربا من أعظم أسباب الفقر، ومحق البركة كما قال تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) . وأظنك لا تعرف حكم الاقتراض بالفائدة فاستغفر الله مما مضى، ولا تعد، واصبر وانتظر من ربك الفرج واطلب الرزق من عنده، وتوكل عليه إن الله يحب المتوكلين.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك.(11/447)
مقاومة إغراء النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي العلاقات مع الفتيات التي لا أستطيع أن أقاومها. الحمد لله لا أرتكب الفاحشة وأصلي وأصوم لكن فيما يتعلق بالنساء فأنا ضعيف ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صدق النبي صلى الله عليه وسلم عندما قَالَ: " ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ. " رواه البخاري 4706
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن َّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّل َ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ. " رواه مسلم 4925
وأمامك أيها السائل أمران حاليّ ومستقبليّ فأمّا بالنسبة لما مضى من تفريطك وإسرافك على نفسك فعليك أن تصدق مع الله في التوبة حالا وتُري ربك من نفسك خيرا وتأتي من الحسنات ما تكفّر به سيئاتك كما جاء في حديث ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا أَصَابَ مِنْ امْرَأَةٍ قُبْلَةً [حرام] فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ [فقال: إني لقيت امرأة في البستان فضممتها إليّ وباشرتها وقبّلتها] [فأنا هذا فاقض فيّ ما شئت] [فجعل يسأل عن كفارتها فلم يقل له شيئا] فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِي هَذَا، قَالَ لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ. " رواه البخاري 495 والزيادات بين الأقواس من روايات الترمذي وأحمد ومسلم وابن ماجة على الترتيب. فأكثِرْ من فعل الطاعات والحسنات لعلّ الله يتوب عليك.
وأما مستقبلا فإنّه لا يجوز لك مُطلقا أن تأتي أماكن الفساد والاختلاط وتتعرّض للنساء ثمّ تقول لم أستطع أن اُمْسك نفسي، لماذا تذهب إلى أماكنهن وتقف معهنّ وتتساهل في الحديث والانبساط ثم تقول لم استطع المقاومة، إنّ هذا الكلام لا يُقبل منك أبدا ولو أنّك اجتنبت أسباب الشرّ وأماكنه ولم تتعرّض له فستحمي نفسك من الوقوع فيه، فاتقّ الله في نفسك فإنّ الله ينظر إليك كيف تعمل وماذا تعمل وإياك أن تمشي إلى مكان يكون بداية لحرام، وتذكّر أنّك كلما أوغلت في الحرام ومشيت فيه خطوة كان الرّجوع عليك أصعب فاقصر الشرّ من أوله، والزم الصّحبة الصّالحة وأماكن الخير وابتعد عن الشرّ وأهله وخذ بأسباب العفاف من المبادرة إلى الزّواج ولزوم غضّ البصر واسألِ الله أن يعصمك من فتنة النساء، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/448)
حكم الخصام بين الأخ وأخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي وعمي أخو أبي دائماً متخاصمان، علماً أننا نسكن في بيت واحد، وبيتنا قاطع فقط، وأبي أعزب، وعمي أعزب، فأمي ماتت وزوجة عمي ماتت، وأنا أنصحهما أن ألا يعتدوا، ولكن عمي يعتدي على أبي أحياناً. فبماذا تنصحون الاثنين - أبي وعمي -؟ علماً بأن أبي يصلي ويصوم، وعمي أحياناً يصلي وأحياناً لا يصلي ولكن يصوم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
انصح عمك بالمحافظة على الصلاة، وبين له أنها أهم ركن في الإسلام بعد الشهادتين، وأن تركهما كفر لا يصح صومه مع تركها، ولا يقبل منه عمل إلا إذا أداها، وانصحهما جميعاً بالبر والتقوى والمحافظة على صلة الرحم، ومراعاة حقوق القرابة، وأن من قطعها قطعه الله ومن وصلها وصله الله، واقرأ عليهما آيات القرآن والأحاديث النبوية الواردة في ذلك، ثم إن استجاب عمك فالحمد لله، وإلا فالواجب هجره.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 363.(11/449)
كارثة عائلية بسبب أب لا يخاف الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي الصغيرة وأخي الصغير كانوا يعيشون مع والدنا بعد الانتقال الى أمريكا، أبي طلق 3 زوجات من ضمنهم أمي وقد اكتشفنا أن أهم شيء عنده هو المال وكان يعاملنا حسنا ما دمنا نعطيه المال، أخي الأصغر ترك البيت بسبب سوء أخلاق أبي وطمعه.
عرفنا فيما بعد انه يشرب البيرة والخمر ويزني ولم يهتم بنا حتى أنه أحضر امرأة للبيت بوجودنا، حاولنا منعه ولكنه يسبنا ويضربنا حتى انه يسب امنا ويتهمها بفعل المحرمات وقد تبرأ من ابوة ابنه وقد عمل هذا فقط لان اخي رفض اعطائه دفتر الشيكات.
لم يأمرنا في يوم من الايام بالصلاة أو الصوم في رمضان ولا حتى عملها بنفسه بل على العكس لقد أمرني أن أشرب البيرة وقد شربتها مرتين.
أنا الآن متزوجة والحمد لله وأصلي أنا وزوجي كل الصلوات وأصوم لأعوض الأيام التي لم أصمها من رمضان.
أنا دائما أتوب إلى الله واستغفره من الذنوب التي فعلتها عن قصد وعن غير قصد مني وزوجي كان يساعدني في كل هذا.
معاملته مع أختي ساءت خصوصا بعد أن تزوجت وخرجت من البيت وانتقلت الى مدينة اخرى، طلب منها أن تشرب معه الخمر بوجود عشيقته وقد رفضت بشدة، لا تستطيع النوم في الغرفة بدون أن تقفل الباب فهي لا تثق به أبدا فطلبت منها ان تعيش معنا فلا يوجد لها أي مكان اخر تأوي اليه حيث أن أمي تعيش في دولة أخرى.
وعندي أسئلة بخصوص هذه الحالة
1- زوجي قال أننا لن نزوره ولن نسمح له بزيارتنا حتى يقلع عن كل المحرمات التي يفعلهاويتوب لله توبة صادقة فهل هذا صحيح ام لا؟
2-ماذا يجب أن نعمل لكي يقلع عن كل العادات التي يعملها؟
3-أنا أعرف أن أختي يجب أن لا تسكن معنا فما الحكم في هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان الواقع كما تقولين فماذا نقول أمام هذه الفاجعة العظيمة والمصيبة البليغة في أب لا يصلي ولا يصوم ويشرب المسكر ويغشى الفواحش ويضيّع رعيّته ويدعوهم إلى المنكرات، فلا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون، ألم يعلم أنّ الله قال: (قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) ، أين هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ.) رواه مسلم 203 وقَالَ: " أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.. وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ.. " وقوله: " إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ. " رواه الترمذي 1627 وقوله صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا (أي يكلؤها ويصُنْها) بِنَصِيحَةٍ (وفي رواية بنصحه) إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ. " رواه البخاري 6617، نسأل الله أن يردّ هذا الرجل إلى الحقّ، واعلمي أن هذا الوالد بالرغم مما تسبب به من المعاناة لكم فإنه لا يجوز أن تقطعي صلتك به رغم كل ما ذكرت والواجب أن تبقي على صلته والإحسان إليه وأن تعامليه برفق أنت وإخوتك وأن تظهري خوفك عليه وحبك له لأجل حقّه كأب وما أمر الله به من البرّ بالوالدين ولأنّ معاداته ومقاطعته واستعمال الجفوة معه لا يزيد الأمر إلا سوءاً، نعم لا تطيعيه في معصية لا أنت ولا أخوتك، وقد ذكرت في رسالتك أن والدك كان يعاملكم معاملة حسنة إذا أعطيتموه مالاً، فإذا كانت إساءاته لكم تنتهي ببذل المال وتعود الأمور إلى الصفاء وتبادلونه الرعاية وحسن المعاملة ويرى منكم المحبة والتضحية فلماذا لا تفعلون ذلك؟ هذا ما لم يستعن بالمال على شراء الحرام، حاولوا أن تكظموا غيظكم وتتناسوا ما حصل منه من تقصير تجاهكم، واعملوا على إكرامه وإظهار محبته وقوموا بزيارته وخدمته فلعل هذا يحرك في نفسه مشاعر الأبوة الصادقة وربما صرفه عن ارتكاب المحرمات، وأبعدوا فكرة القطيعة عن أذهانكم واتصلي بأخيك واطلبي إليه أن يعود إلى صلة والده، واعلموا بأن صبركم عليه من الجهاد الذي تثابون وتؤجرون عليه، والقول بعدم زيارته حتى يتوب غير صحيح لأن الله تعالى يقول (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) لقمان آية 15. فزوروه ما لم تُلحق زيارته بكم أذى لا تُطيقونه وما لم توقعكم الزيارة في منكر، واعلموا أن من وسائل توبة المذنب أن يكون هناك من يدعوه إلى التوبة ويذكّره بالله عزّ وجلّ، فالواجب على الابن أن يعامل أبويه بالمعروف حتى ولو كانا مشركين. قال القرطبي: والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين وإلانة القول لهما والدعاء إلى الإسلام.
وأما بالنسبة لأختك فعليها أن تحتاط عند بقائها مع أبيها الفاسق وغلقها للباب على نفسها احتياط جيد وربما يجب في بعض الأحيان، وإذا لم تأمن على نفسها في بيت هذا الأب الفاجر فلتخرج إلى بيت آخر تعيش فيه بأمان مثل بيتك أنتِ إذا كان مناسبا ولعلّ الله يرزقها بزوج صالح يحوطها ويحميها.
نسأل الله أن يهدي أباك وأن يخرجه من الظلمات إلى النور وأن يغفر لكِ ذنبكِ وأن يثبّت أختك على الحقّ ويثبتنا جميعا وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/450)
موارد بيت المال في الدولة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت الضرائب حراماً، والزكاة لا تُصرف إلا في الثماني أوجه المذكورة في الآية، فمِن أين ستأتي الدولة بالنقود لخلاص موظفيها، وبناء الطرقات، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات، وإلى غير ذلك مما يجب على الدولة القيام به؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن أخذ الضرائب من المسلمين هو من أكل أموال الناس بالباطل، وهو من كبائر الذنوب، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (25758) ، (42563) ، (39461) .
وأن مصارف الزكاة محددة فيما ذكره الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/ 60، وينظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (46209) .
ثانياً:
أما بخصوص موارد بيت مال المسلمين: فهي كثيرة، ومتنوعة، في القديم، والحديث.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (8 / 245 - 248) :
"مَوَارِدُ بَيْتِ الْمَال:
أ. الزكاة بأنواعها، التي يأخذها الإمام سواء أكانت زكاة أموال ظاهرة، أم باطنة، من السوائم، والزروع، والنقود، والعروض، ومنها: عشور تجار المسلمين، إذا مروا بتجارتهم على العاشِر - (وهو الجابي الذي يأخذ من تجار المسلمين ربع العُشر، ومن تجار أهل الذمة نصف العشر، ومن تجار أهل الحرب العُشر) -.
ب. خُمس الغنائم المنقولة، والغنيمة: هي كل مال أُخذ من الكفار بالقتال، ما عدا الأراضي والعقارات، فيورد خُمسها لبيت المال، ليصرف في مصارفه، قال الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل....) الآية.
ج. خُمس الخارج من الأرض من المعادن، من الذهب، والفضة، والحديد، وغيرها، وقيل: مثلها المستخرج من البحر من لؤلؤ، وعنبر، وسواهما.
د. خُمس الركاز (الكنوز) ، وهو كل مال دُفن في الأرض بفعل الإنسان، والمراد هنا: كنوز أهل الجاهلية، والكفر، إذا وجده مسلم: فخُمسه لبيت المال، وباقيه بعد الخُمس لواجده.
هـ. الفيء: وهو كل مال منقول أُخذ من الكفار بغير قتال، وبلا إيجاف خيل ولا ركاب.
والفيء أنواع:
1. ما جلا عنه الكفار خوفاً من المسلمين من الأراضي، والعقارات، وهي تُوقف كالأراضي المغنومة بالقتال، وتُقسم غلاتها كل سنَة، نصَّ عليه الشافعية، وفي ذلك خلاف.
2. ما تركوه وجلُوا عنه من المنقولات، وهو يُقسم في الحال، ولا يوقف.
3. ما أُخذ مِن الكفار من خَراج، أو أجرة عن الأراضي التي ملكها المسلمون، ودفعت بالإجارة لمسلم، أو ذمي، أو عن الأراضي التي أُقرت بأيدي أصحابها من أهل الذمَّة، صلحاً، أو عنوة على أنها لهم، ولنا عليها الخراج.
4. الجزية، وهي: ما يُضرب على رقاب الكفار لإقامتهم في بلاد المسلمين، فيفرض على كل رأس من الرجال البالغين القادرين مبلغ من المال، أو يضرب على البلد كلها أن تؤدي مبلغاً معلوماً، ولو أداها من لا تجب عليه: كانت هبةً، لا جزية.
5. عشور أهل الذمة، وهي: ضريبة تؤخذ منهم عن أموالهم التي يترددون بها متاجرين إلى دار الحرب، أو يدخلون بها من دار الحرب إلى دار الإسلام، أو ينتقلون بها من بلد في دار الإسلام إلى بلد آخر، تؤخذ منهم في السنَة مرَّة، ما لم يخرجوا من دار الإسلام، ثم يعودوا إليها.
ومثلها: عشور أهل الحرب من التجار كذلك، إذا دخلوا بتجارتهم إلينا مستأمنين.
6. ما صولح عليه الحربيون من مال يؤدونه إلى المسلمين.
7. مال المرتد إن قُتل، أو مات، ومال الزنديق إن قتل أو مات، فلا يورث مالهما، بل هو فيء، وعند الحنفية في مال المرتد تفصيل.
8. مال الذمي إن مات ولا وارث له، وما فضل من ماله عن وارثه: فهو فيء كذلك.
9. الأراضي المغنومة بالقتال، وهي الأراضي الزراعية، عند من يرى عدم تقسيمها بين الغانمين.
و. غلاَّت أراضي بيت المال، وأملاكه، ونتاج المتاجرة، والمعاملة.
ز. الهبات، والتبرعات، والوصايا، التي تُقدم لبيت المال للجهاد، أو غيره، من المصالح العامة.
ح. الهدايا التي تقدم إلى القضاة ممن لم يكن يُهدي لهم قبل الولاية، أو كان يُهدي لهم لكن له عند القاضي خصومة، فإنها إن لم ترد إلى مُهديها ترد إلى بيت المال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من " ابن اللتبية " ما أُهدي إليه.
وكذلك الهدايا التي تقدم إلى الإمام من أهل الحرب، والهدايا التي تقدم إلى عمال الدولة، وهذا إن لم يعط الآخذ مقابلها من ماله الخاص.
ط. الضرائب الموظفة على الرعية لمصلحتهم، سواء أكان ذلك للجهاد، أم لغيره، ولا تضرب عليهم إلا إذا لم يكن في بيت المال ما يكفي لذلك، وكان لضرورة، وإلا كانت مورداً غير شرعي.
ي. الأموال الضائعة، وهي مال وجد ولم يمكن معرفة صاحبه، من لُقَطة، أو وديعة، أو رهن، ومنه: ما يوجد مع اللصوص، ونحوهم مما لا طالب له، فيورد إلى بيت المال.
ك. مواريث مَن مات مِن المسلمين بلا وارث، أو له وارث لا يرث كل المال - عند من لا يرى الرد - ومَن قتل وكان بلا وارث: فإن ديته تورد إلى بيت المال، ويصرف هذا في مصارف الفيء.
وحق بيت المال في هذا النوع هو على سبيل الميراث عند الشافعية والمالكية، أي: على سبيل العصوبة، وقال الحنابلة والحنفية: يرد إلى بيت المال فيئاً، لا إرثاً.
ل. الغرامات، والمصادرات: وقد ورد في السنَّة تغريم مانع الزكاة بأخذ شطر ماله، وبهذا يقول إسحاق بن راهويه، وأبو بكر عبد العزيز، وورد تغريم مَن أخذ من الثمر المعلَّق وخرج به ضعف قيمته، وبهذا يقول الحنابلة، وإسحاق بن راهويه: والظاهر أن مثل هذه الغرامات إذا أُخذت: تنفق في المصالح العامة، فتكون بذلك من حقوق بيت المال.
وورد أن عمر رضي الله عنه صادر شطر أموال بعض الولاة؛ لمَّا ظهر عليهم الإثراء بسبب أعمالهم، فيرجع مثل ذلك إلى بيت المال أيضاً" انتهى.
ومِن موارد بيت مال المسلمين في العصر الحديث: الموارد الطبيعية المكتشفة في أراضي الدولة , من نفط، وغاز طبيعي، ومعادن ... إلخ، وقلَّ من دولة إلا وفيها مثل هذه الموارد.
ويضاف إلى هذه الموارد أيضاً: ما تأخذه الدولة مقابل ما تقوم به من مشروعات زراعية أو صناعية أو تجارية أو خدمات تقدمها للناس، كالكهرباء والهاتف والمياه ... إلخ.
وبهذا يتبين أن الموارد المالية لبيت مال المسلمين كثيرة جداً، فلا يجوز ترك هذه الموارد المباحة والمشروعة، والاعتماد على موارد محرمة، لا يبارك الله فيها، كالضرائب بشتى أنواعها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/1)
ما هو العمر المناسب الذي يتم فيه تعليم الأولاد الثقافة الجنسية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو العمر المناسب الذي يتم فيه تزويد الأبناء بالثقافة الجنسية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بد أن تعلم أخي السائل أن الأولاد مسئولية في عنق الوالدين، كما جاء في الحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) .
رواه البخاري (853) - واللفظ له - ومسلم (1829) .
ومن تلك المسئولية الملقاة على عاتق الأهل تجاه أولادهم: منعهم من كل يسبب إفسادهم، أو يؤثر في أخلاقهم سلباً.
ثانياً:
من المعلوم أن تدريس ما يسمَّى بـ " الثقافة الجنسية " عند الغرب أصبح هوساً وجنوناً، وصار شغلا شاغلا لهم، فخصصت له الحصص في المدارس؛ والبرامج في التلفاز , وعقدت له الندوات، والمؤتمرات؛ وللأسف أنه تأثر بهذه الثقافة الكثير من أبناء المسلمين , وخصوصاً من اغتر بثقافتهم وحضارتهم.
ولا شك أن تدريس مسائل الجنس، وما يتعلق بها، للأبناء في مراحل مبكرة من عمرهم: فيه مفاسد كثيرة.
وقد تقدم الحديث عن ذلك , فانظر جواب السؤال رقم: (113970) .
ثالثاً:
ليُعلم أن تعليم الأولاد – ذكوراً وإناثاً - الآداب الإسلامية المتعلقة بستر العورة , والنظر، والاستئذان: أنه يبتدئ ذلك معهم من الصغر، وعند التمييز، قبل البلوغ بمرحلة، وقد جاءت الأدلة من الوحي المطهر صريحة بهذا، ومنه:
1. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) النور/ 58.
قال ابن كثير - رحمه الله -:
فأمر الله تعالى المؤمنينَ أن يستأذنَهم خَدَمُهم مما ملكَت أيمانهم، وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحُلُم منهم في ثلاثة أحوال: الأول: من قبْل صلاة الغداة؛ لأن الناس إذ ذاك يكونون نياماً في فرُشهم.
(وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) أي: في وقت القيلولة؛ لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله.
(وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ) ؛ لأنه وقت النوم.
فيُؤمَرُ الخدمُ، والأطفال: ألا يهجمُوا على أهل البيت في هذه الأحوال؛ لمَا يُخشى من أن يكون الرجل على أهله، ونحو ذلك من الأعمال.
" تفسير ابن كثير " (6 / 82) .
وأما عند بلوغ الأطفال: فإن الاستئذان يكون في كل الأوقات، كما قال تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) النور/ 59.
2. وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) .
رواه أبو داود (495) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي – رحمه الله -:
قال المناوي في " فتح القدير شرح الجامع الصغير ": أي: فرِّقوا بين أولادكم في مضاجعهم التي ينامون فيها إذا بلغوا عشراً؛ حذراً من غوائل الشهوة، وإن كن أخوات.
وقال الطيبي: جمع بين الأمر بالصلاة، والفرق بينهم في المضاجع في الطفولية؛ تأديباً لهم، ومحافظة لأمر الله كله , وتعليماً لهم , والمعاشرة بين الخلق , وأن لا يقفوا مواقف التهم، فيجتنبوا المحارم.
" عون المعبود " (2 / 115) .
فهذه وصايا وإرشادات من الوحي المطهر فيما يتعلق بالعورات، وإثارة الشهوات، وهو – كما رأينا – يبدأ في سن العاشرة، وهو سن التمييز عند أكثر الأطفال.
وعند قرب البلوغ يعلَّم الأولاد علامات البلوغ، والصفات التي تفرِّق بين الرجال والنساء، وأنواع السوائل التي تَخرج من القبُل لدى الجنسين، ومثله أحكام الوضوء، والغسل، على أن تراعى الألفاظ المستعملة في التعليم، وعلى أن يكون ذلك حسب الحاجة لذلك.
وانظر - في بيان علامات البلوغ - جوابي السؤالين: (70425) و (20475) .
وثمة أمران مهمان غاية، يبدآن في سن مبكرة جدّاً – حوالي السنة الثالثة -، ولهما تعلق أصيل بالثقافة الجنسية، وهما:
1. ضرورة أن يفرِّق الطفل والطفلة بين الذكورة والأنوثة، والخلط بينهما في تلك السن المبكرة من شأنه أن يحدث خللاً وفساداً في التصور، والصفات، والأفعال، لدى الجنسين، لذا كان من الضروري إفهام الطفل أنه لا يلبس ملابس أخته، ولا يضع الحلق في أذنه، ولا يطوق معصمه بسوار؛ لأن هذا للإناث، لا للذكور، وهكذا يقال للبنت بالنسبة لأفعال، وصفات أخيها الذكَر.
2. تعليم الأطفال خصوصية العورة، وأنها مما ينبغي أن لا تُكشف أمام أحد، فتعليمهم هذا، وتربيتهم عليه: من شأنه يربي فيهم خلق العفاف، والحياء، وأن يمنع المعتدين الشاذين من الاعتداء عليهم.
رابعاً:
أما مسألة الثقافة الجنسية المتعلقة بالجماع، أو بعموم ما يكون بين الزوجين: فهذه تكون عند الحاجة إليها، كقرب زواجه – مثلاً -، أو نضجه بحيث يعقل مسائل العلم، كأحكام الزنا، وما يشبهه، مما له تعلق بالجماع، والعورات.
وليعلم أن ما يحتاج إليه من ذلك هو ـ في أصله ـ أمر فطري؛ وما يحتاج إلى التنبيه عليه ينبغي أن يصل إلى مسامع الأولاد تدريجيّاً، مع مراحل نموهم، وذلك من خلال دروس الفقه , ومجالس العلم؛ وحصص المدرسة؛ مع لزوم التحفظ في العبارة، ومراعاة السن المناسبة لطرح الموضوع , والتحذير من مظاهر الانحلال الخلقي عند الكفار , ومقابلة ذلك بذِكر محاسن الإسلام من حثه على الستر، والحياء، وحفظ الفروج عن الحرام.
وننصح بالاطلاع على كتاب: " يا بني لقد أصبحت رجلاً " للشيخ محمد بن عبد الله الدويش، ففيه بيان طرق المعالجة الشرعية للشهوة عند الأولاد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/2)
حكم الإقامة في بلاد الكفار، والتشبه بهم، والتبرع لجمعياتهم بالمال
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك مدرسة إسلامية بكندا، تجعل الأطفال يقومون بالمشي لمدة ساعتين؛ تضامناً مع مرضى السرطان؛ تقليداً لأحد الكفار الذي ابتدع هذا الأمر، ثم تبيع المدرسة " البيتزا " لزيادة المال، للتبرع لصالح مؤسسة خيرية كافرة تتعامل مع السرطان، فهل المشي من أجل السرطان، أو لأسباب أخرى يعتبر تشبهاً بالكفار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاءت نصوص القرآن والسنة تنهي المسلم عن الإقامة في بلاد الكفار، إلا لضرورة أو مصلحة شرعية.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
والسفر إلى بلاد الكفار: محرَّم، إلا عند الضرورة - كالعلاج، والتجارة، والتعلم للتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم - فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة: وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين، ويشترط كذلك لجواز هذا السفر: أن يكون مُظهِراً لدينه، معتزاً بإسلامه، مبتعداً عن مواطن الشر، حذراً من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر، أو يجب، إلى بلادهم، إذا كان لأجل نشر الدعوة إلى الله، ونشر الإسلام.
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص 317) .
وقال حفظه الله أيضاً – في بيان مظاهر موالاة الكفار -:
الإقامة في بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلد المسلمين؛ لأجل الفرار بالدين؛ لأن الهجرة بهذا المعنى ولهذا الغرض: واجبة على المسلم؛ لأن إقامته في بلاد الكفر تدل على موالاة الكافرين.
ومن هنا حرَّم الله إقامة المسلم بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) فلم يعذر الله في الإقامة في بلاد الكفار إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة، وكذلك من كان في إقامته مصلحة دينية، كالدعوة إلى الله، ونشر الإسلام في بلادهم.
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص 316) .
وانظر – لمزيد فائدة -: أجوبة الأسئلة: (11793) و (14235) و (27211) .
ثانياً:
أما التشبه بالكفار، فالضابط في هذا التشبه المحرم، هو: "مماثلة الكافرين بشتى أصنافهم، في عقائدهم، أو عباداتهم، أو عاداتهم، أو في أنماط السلوك التي هي من خصائصهم".
" من تشبه بقوم فهو منهم " للشيخ ناصر العقل (ص 7) .
فيحرم التشبه بغير المسلمين في عقائدهم، وعباداتهم، وما هو من شعائر دينهم، مثل لبس الصليب، أو الاحتفال بالأعياد الدينية.
ويحرم التشبه بغير المسلمين فيما هو من خصائص عاداتهم , كلباس الرهبان، والأحبار، وغير ذلك مما يشبهه.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، ومن عاداتهم، وعباداتهم، وسمتهم وأخلاقهم، كحلق اللحى، وإطالة الشوارب، والرطانة بلغتهم إلا عند الحاجة، وفي هيئة اللباس، والأكل، والشرب، وغير ذلك.
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص 316) .
وعليه؛ فالمشي الي يفعله بعض المسلمين تضامناً مع حدثٍ ما، أو مع أشخاص معينين، يُخشى أن يكون من التشبه بالكفار، لأنه ليس له أصل من ديننا، ولا يفعله المسلمون في بلادهم ومجتمعاتهم، ثم إن هذا المشي ليس فيه فائدة تذكر، فهو تضييع للوقت والجهد، مع ما يحصل فيه من الاختلاط والتعرض للفتن ... إلخ.
ثالثاً:
أما التبرع لجمعيات الكفار: ففيها تفصيل بحسب نشاط الجمعية:
أ. فإن كانت جمعية دينية، تدعو إلى دينها، وتفسد عقائد المسلمين، وكان من ضمن أعمالها: إعانة المرضى، والقيام على المشردين، وإيواء العجزة: فلا يجوز التبرع لهم، ولا مساعدتهم بشيء؛ لأن قيامهم بتلك الأعمال داخل في دعوتهم لدينهم، وإفساد عقائد المسلمين، ومثل هذا لا ينبغي الاختلاف فيه؛ لظهور حكمه في الشرع.
ب. وإن كانت جمعية دنيوية، ومن أعمالها ما يساهم في إفساد أخلاق الناس، كالدعوة إلى التعارف بين الرجال والنساء، أو كان من أعمالها القيام بما هو محرَّم في شرعنا، كدعم الإجهاض، وغير ذلك مما يشبهه: فلا يجوز التبرع لهم، ولو كان هناك قسم من أقسامها لعلاج المرضى، وتقديم الأدوية، أو رعاية الأيتام؛ لأن دعم المسلم لها سيكون دعماً لنشاطها، ثم إن المتبرع لا يدري هل ينفقون أمواله في أشياء محرمة، أو في إعانة المرضى.
ج. أن تكون الجمعية خاصة بعلاج المرضى، وليس لها أعمال محرمة، ولا مقاصد تنشر دينها من خلالها: فيجوز التبرع لهم، وإعانتهم على علاج المرضى، وتقديم الأدوية لهم.
والنصيحة للمسلمين الذين اضطروا أو ابتلوا بالإقامة في البلاد الغربية أن تكون لهم جمعياتهم الخاصة بهم، وأن يقدموا من خلالها خدمات للمجتمعات التي يعيشون بينهم، مما هو مباح لهم فعله، وأن يقدموا صورة ناصعة عن الإسلام من خلال تلك الجمعيات، وأن يحرصوا على تحقيق الهدف الأسمى وهو إنقاذ الناس من الكفر، وعلاج قلوبهم من الشك، والشبهة، وهو أولى من علاج أبدانهم، ولو جمعوا بينهما لقدموا خيراً لأنفسهم، ولغيرهم.
وإذا لم يكن هناك جمعية خاصة بالمسلمين في تلك البلاد، وكانت الجمعيات القائمة على ذلك ممن يُخشى إعانتها على الكفر، والفسوق، وشعر المسلمون بحرج من عدم المشاركة في علاج المرضى: فننصح بأن تكون مشاركتهم بتقديم الأدوية، لا المال؛ خشية من استعمال المال في أشياء محرمة، وتحقيقاً لمقصود التبرع.
ويدل على جواز التبرع للكافر: قوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/ 8، وقد استدل بها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بجواز التبرع للكافر بالدم، كما في جواب السؤال رقم
(12729) .
وانظر – للمزيد – جواب السؤال رقم (2756) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/3)
هل يجوز نشر رسائل تحوي عناوين مواقع مسيئة للإسلام لعموم الناس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تصلنا بعض الأحيان رسائل على البريد، تحتوي على المواقع التي تسيء للقرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم، لعلها تصل لأحد يستطيع اختراقها – مثلاً -، فهل نعيد إرسالها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن من أعظم الجهاد رد الشبه التي تتعرض للإسلام وأصوله وشرائعه , والرد على أهل البدع والضلال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فالرادُّ على أهل البدع: مجاهدٌ، حتى كان يحيى بن يحيى يقول: " الذب عن السنَّة أفضل من الجهاد ".
" مجموع الفتاوى " (4 / 13) .
ثانيا:
من المقرر في شريعتنا: أنه لا يجوز التعاون على الإثم والعدوان , وأنه يجب قطع كل سبيل من شأنه أن يجر شرّاً، أو شبهةً، أو تشكيكاً، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 2.
وفي إعادة إرسال الرسالة التي تحتوي مواقع تسيء للقرآن وللرسول صلى الله عليه وسلم: مخاطر، ومحاذير، منها:
1. نشر الشر وإشاعته. وقد جاء النهي عن إشاعة الشر والفساد , فعن عليّ رضي الله عنه قال: " القائل الفاحشة، والذي يشيع بها: في الإثم سواء ".
رواه البخاري في " الأدب المفرد " (324) ، وحسنه الألباني في " صحيح الأدب المفرد ".
وعن شبيل بن عوفٍ قال: كان يقال: " مَن سمع بفاحشة فأفشاها: فهو فيها كالذي أبداها ".
رواه البخاري في الأدب المفرد (325) ، وصححه الألباني في " صحيح الأدب المفرد ".
وناشر تلك المواقع، والصور التي تحمل السخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم: مؤدٍ لغرض أصحاب تلك المواقع، وراسمي تلك الصور، من الكفرة والملاحدة والزنادقة.
وقد ذكر بعض أولئك الكفرة أنه اخترع طريقة لنشر صوره المؤذية عن نبينا صلى الله عليه وسلم، أو عن القرآن، بأن ينشرها في مواقع المسلمين، ويكتب في عنوان موضوعه " حسبي الله ونعم الوكيل "! ثم يكيل السباب لمن نشرها! والمغفلون من المسلمين يصدقون أن كاتب المقال من الغيورين على الإسلام! وهم مجموعة زنادقة يستهزئون بالإسلام، ويسخرون من المسلمين، فنرجو من إخواننا أصحاب المواقع، والمنتديات، والقوائم البريدية: الحذر، والانتباه، من كيد الكائدين، وأن لا يكونوا في غفلة من أمرهم.
2. أنها ربما تقع هذه المواقع على نفوس مريضة، أو غير متسلحة بسلاح العلم والبصيرة , فيترتب عليها مفاسد، وشروراً، عظيمة.
على أن الذي عنده القدرة على اختراق تلك المواقع: لا يحتاج غالبا إلى هذه الرسائل؛ بل يمكنه الوصول إلى تلك العناوين والمواقع، وعنده ـ غالبا ـ المصادر التي توصله إلى ذلك.
فالنصيحة: عدم إعادة نشرها , والاستعاضة عن ذلك - مثلاً - بمراسلة خاصة بمن يظن به القدرة على دفع تلك الشبه، وردها , أو القدرة على اختراق تلك المواقع، وإتلافها، وأما إعادة نشرها للعموم: فهذه عادة ما يترتب عليها مفاسد كثيرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/4)
الكلام على حديث: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) ، وهل هو انتقاص لقدرات المرأة القيادية في الإسلام؟ وهل كان هدهد سليمان يعيب على أهل سبأ أن امرأة كانت تملكهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول، ولم يتردد أحد من المحدثين والفقهاء والعلماء والشرَاح في قبول هذا الحديث، فلا يترك إجماع المسلمين عليه بكلام بعض المعاصرين:
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
(لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ. قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً)
رواه البخاري (4425) ، ورواه النسائي في " السنن " (8/227) وبوب عليه النسائي بقوله: "النهي عن استعمال النساء في الحكم " انتهى.
وليس في هذا الحديث انتقاص لقدرات المرأة القيادية في الإسلام، ولكنه توجيه لقدراتها التوجيه الصحيح المناسب، حفاظاً عليها من الهدر والضياع في أمر لا يلائم طبيعة المرأة النفسية والبدنية والشخصية، ولا يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية الأخرى، التي حفظت المرأة من الفساد والإفساد.
وقد سئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي:
هل يجوز لجماعة من المسلمات اللائي هن أكثر ثقافة من الرجال، أن يصبحن قادة للرجال؟ بالإضافة إلى عدم قيام المرأة بإمامة الناس في الصلاة، ما هي الموانع الأخرى من تولي المرأة للمناصب أو الزعامة، ولماذا؟
فأجابت:
دلت السنة ومقاصد الشريعة والإجماع والواقع على أن المرأة لا تتولى منصب الإمارة ولا منصب القضاء؛ لعموم حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن فارساً ولّوا أمرهم امرأة قال: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) فإن كلا من كلمة (قوم) وكلمة (امرأة) نكرة وقعت في سياق النفي فَتَعُم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معروف في الأصول.
وذلك أن الشأن في النساء نقص عقولهن، وضعف فكرهن، وقوة عاطفتهن، فتطغى على تفكيرهن؛ ولأن الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية، ويتولى شؤونها العامة اللازمة لإصلاحها، فيضطر إلى الأسفار في الولايات، والاختلاط بأفراد الأمة وجماعاتها، وإلى قيادة الجيش أحياناً في الجهاد، وإلى مواجهة الأعداء في إبرام عقود ومعاهدات، وإلى عقد بيعات مع أفراد الأمة وجماعاتها رجالاً ونساءً، في السلم والحرب، ونحو ذلك مما لا يتناسب مع أحوال المرأة، وما يتعلق بها من أحكام شرعت لحماية عرضها، والحفاظ عليها من التبذل الممقوت.
ويشهد لذلك أيضا إجماع الأمة في عصر الخلفاء الراشدين وأئمة القرون الثلاثة المشهود لها بالخير إجماعاً عملياً على عدم إسناد الإمارة والقضاء إلى امرأة، وقد كان منهن المثقفات في علوم الدين اللائي يرجع إليهن في علوم القرآن والحديث والأحكام، بل لم تتطلع النساء في تلك القرون إلى تولي الإمارة وما يتصل بها من المناصب والزعامات العامة ". انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17/13-17)
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ: عبد الرزاق عفيفي. الشيخ عبد الله بن غديان.
وقد سبق الكلام في هذا الموضوع مفصلاً أيضاً، في موقعنا، في جواب السؤال رقم: (20677) ، (71338)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/5)
حكم قتل الأجانب في بلاد المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في العمليات التي تحدث في بلاد المسلمين وتستهدف قتل الأجانب ولكنها تؤدي إلى قتل عدد من المسلمين أيضا وتدمير بعض المباني والمنشآت، وهل هذا من الجهاد كما يقول منفذوها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه العمليات التي تحدث في بلاد المسلمين وتستهدف كما ذكرت الأجانب، ليست جهاداً، بل هي فساد وإفساد، وتخريب وتشويه، وهي دالة على جهل مرتكبيها وطيشهم، فإن هؤلاء الأجانب مستأمنون في بلاد المسلمين، لم يدخلوها إلا بإذن، فلا يجوز الاعتداء عليهم، لا بالضرب ولا بالنهب، فضلا عن القتل، فدماؤهم وأموالهم معصومة، والمتعرض لهم على خطر كبير، كما روى البخاري (3166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) .
وهذا شامل للذمي والمعاهد والمستأمن.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": " وَالْمُرَاد بِهِ: مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة، أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان، أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم " انتهى.
وفي قوله رحمه الله: " أو أمان من مسلم " إشارة إلى ما هو معروف عند الفقهاء من أن الأمان لا يشترط أن يكون من الحاكم والسلطان، بل يجوز أن يكون من رجل من عامة المسلمين، وهؤلاء الأجانب المشار إليهم يدخلون بلاد المسلمين بأمان من الدولة، وبأمان أيضاً من أحد من المسلمين في كثير من الأحوال، فلا يجوز التعرض لهم، ولو كانوا في الأصل محاربين.
وقد روى البخاري (3171) ومسلم (336) عن أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها قال: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " (ومن أعطاهم الأمان منا ; من رجل , أو امرأة , أو عبد , جاز أمانة) .
وجملته: أن الأمان إذا أعطي أهل الحرب , حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم. ويصح من كل مسلم بالغ عاقل مختار , ذكراً كان أو أنثى , حراً كان أو عبداً. وبهذا قال الثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وابن القاسم وأكثر أهل العلم" انتهى من "المغني" (9/195) .
ثانياً:
إذا نقض المستأمن أو المعاهد عهده لم يجز لآحاد المسلمين قتله؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس النفاق مخافة أن يقال: إن محمداً يقتل أصحابه، وهكذا ليس لآحاد المسلمين قتل من ظهرت ردته وزالت عصمته؛ للمعنى الذي ذكرنا، وكم جَرَّ هذا من الشر والبلاء على أهل الإسلام، وكم حصل به من التضييق على الدعوة والدعاة، وكم استغله المغرضون لتشويه صورة الحق وأهله.
ثالثاً:
أما التسبب في قتل المسلمين المعصومين، فذلك جرم كبير، وذنب عظيم؛ فإن (زَوَال الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) كما قال صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي (1395) والنسائي (3987) وابن ماجه (2619) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وما يدعيه هؤلاء من الاستشهاد بمسألة التترس مردود عليهم، وهو دال على جهلهم وظلمهم، فإننا نمنع قتل الكافر مباح الدم لو كان وحده – لما ذكرنا من المفسدة – فكيف إذا انضاف إلى ذلك قتل غيره من معصومي الدم؟
فبان بهذا أن فعل هؤلاء ظلمات بعضها فوق بعض، وأن منشأها الجهل والعجلة وعدم الرجوع إلى أهل العلم الذين أُمرنا بسؤالهم ورد الأمر إليهم، وقد انتظمت كلمة الثقات الأثبات من أهل العلم على منع هذه العمليات وتجريمها لكونها محرمة من أصلها، أو لما يترتب عليها من المفاسد والشرور.
فعلى كل امرئ أن يتقي الله تعالى، وأن يحذر أشد الحذر من إخفار ذمة المسلم، وسفك الدم الحرام، وجلب الشر على أهل الإسلام.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/6)
حرمة دم المسلم، وتحريم قتله بغير حق، وواجب المسلمين تجاه ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي النصيحة التي يمكن أن تقدموها للمسلمين في بعض البلاد الذين يَقتل بعضهم بعضاً؟ وما أعنيه هو هل من الجائز في الإسلام قتل المسلم لأخيه المسلم بغير حق؟ وهل هذا الأمر حرام؟ فهل قتل المسلمين لمجرد أنهم ينتمون لقبيلة أخرى حرام؟ أنا امرؤ مسلم ووجدت أن هذا الأمر به من الحماقة والجهل ما به، وهو ما أثارني ضد هذه الأعمال، غيرة على دين الله، وخوفاً عليهم من أن ينصهروا في تلك الأعمال، إنني آمل في أن تقوموا بالإيضاح لبعض المسلمين المقيمين معنا هنا في الغرب، وإنني علي أمل أن يقوموا بتغيير هذا الأمر، أو على الأقل يحاولون تغييره، وأتمنى أن تأخذوا وقتكم قبل الرد، ومن ثم تخبرونهم عن قول الله تعالى حيال هذه الأعمال، وما قاله الرسول الخاتم في مثل هذه الأعمال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يجزيك أخي السائل خيراً لشعورك بحال إخوانك المسلمين، فالمسلم للمسلم كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً، وأهل الإسلام كالجسد الواحد، في تراحمهم، وتعاطفهم، وتوادهم.
ثانياً:
إن من علامات الساعة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم: " كثرة الفتن "، و " كثرة الهرج " – أي: القتل -.
فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ، وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْهَرْجُ؟ فَقَالَ: (هَكَذَا بِيَدِهِ) فَحَرَّفَهَا، كَأَنَّه يُرِيدُ: الْقَتْلَ. رواه البخاري (85) - واللفظ له - ومسلم بمعناه (157) .
ومن أسباب كثرة القتل: دعاوى الجاهلية كما ذكر الأخ السائل، وهو النصرة لقبيلة، أو عصَبة، أو طائفة، وهو ما يحدث في كثير من دول العالَم، حتى ذهب في قتال بين قبيلتين في " أفريقيا " في بلد واحد أكثر من مليون شخص! .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( ... مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ: فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ) رواه مسلم (1848) .
وإن مِن أعظم الذنوب بعد الشرك بالله: قتل مسلم بغير حق، وقد قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) النساء/ 93.
وعن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) رواه أبو داود (4270) والنسائي (3984) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ) رواه الترمذي (1398) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَاماً) رواه البخاري (6469) .
والواجب على كل مسلم أن يسعى أن يلقى الله تعالى وليس في صحيفته سفك دم لمسلم بغير حق.
الواجب على العقلاء في حال وقوع تخاصم بين قبيلتين، أو عشيرتين، أو عائلتين: أن يسعوا في الإصلاح بينهما، وإعطاء كل ذي حق حقَّه، فإن أبت إحدى الطائفتين إلا البغي وقتال الطائفة الأخرى: قوتلت حتى ترغم على كف يدها، ووقف القتال، وفي هذا الحكم الإلهي قطع للنزاع، ووقف لسفك الدماء.
قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين) الحجرات/ 9.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
هذا متضمن لنهي المؤمنين عن أن يبغي بعضهم على بعض، ويقاتل بعضهم بعضاً، وأنه إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين: فإنَّ على غيرهم من المؤمنين أن يتلافوا هذا الشر الكبير، بالإصلاح بينهم، والتوسط بذلك على أكمل وجه يقع به الصلح، ويسلكوا الطريق الموصلة إلى ذلك، فإن صلحتا: فبِها ونعمت، وإن (بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) أي: ترجع إلى ما حد الله ورسوله، من فعل الخير، وترك الشر، الذي من أعظمه: الاقتتال.
وقوله (فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) هذا أمر بالصلح، وبالعدل في الصلح، فإن الصلح قد يوجد ولكن لا يكون بالعدل، بل بالظلم والحيف على أحد الخصمين، فهذا ليس هو الصلح المأمور به، فيجب أن لا يراعى أحدهما، لقرابة، أو وطن، أو غير ذلك من المقاصد والأغراض، التي توجب العدول عن العدل.
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي: العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات، التي تولوها، حتى إنه قد يدخل في ذلك عدل الرجل في أهله، وعياله، في أدائه حقوقهم، وفي الحديث الصحيح: (المُقْسِطُون عِنْدَ الله على مَنَابِرَ مِنْ نورٍ، الذين يَعْدِلُون فِي حُكْمِهِم وَأَهْليهم وَمضا وَلُوا) – رواه مسلم -.
"تفسير السعدي" (ص 800) .
ومن واجب المسلم اتجاه إخوانه في مثل تلك البلاد التي يكثر فيها القتل، وسفك الدماء: أن يدعو الله أن يؤلف بينهم , وأن يرفع عنهم الفتن , والقتل، والبلاء، وأن يرد كيد أعداء الدين المتربصين به.
والواجب على المسلم: أن يمد لهم يد العون إلى الصلح، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
ونسأل الله أن يكف القتل عن المسلمين، وأن يؤلف بينهم , ويردهم إلى دينه ردّاً جميلاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/7)
كيف نمتثل قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نمتثل هذه الآية ونطبقها في حياتنا، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نزلت هذه الآية تعلم الصحابة رضوان الله عليهم بعض الآداب في تعاملهم مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وتحذرهم من التشبه بحال المنافقين الذين لا يراعون خلقاً ولا أدباً.
قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/62.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
"هذا أدب أرشد الله عبادَه المؤمنين إليه، فكما أمرهم بالاستئذان عند الدخول، كذلك أمرهم بالاستئذان عند الانصراف، لا سيما إذا كانوا في أمر جامع مع الرسول صلوات الله وسلامه عليه، من صلاة جمعة أو عيد أو جماعة أو اجتماع لمشورة ونحو ذلك - أمرهم الله تعالى ألا ينصرفوا عنه والحالة هذه إلا بعد استئذانه ومشاورته، وأن من يفعل ذلك فهو من المؤمنين الكاملين.
ثم أمر رسوله صلوات الله وسلامه عليه إذا استأذنه أحد منهم في ذلك أن يأذن له إن شاء؛ ولهذا
قال: (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلِّم، فإذا أراد أن يقوم فليسلِّم، فليست الأولى بأحق من الآخرة) رواه الترمذي وقال: حسن" انتهى باختصار.
"تفسير القرآن العظيم" (6/88) .
وقال العلامة السعدي رحمه الله:
"هذا إرشاد من الله لعباده المؤمنين، أنهم إذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم على أمر جامع، أي: من ضرورته أو من مصلحته أن يكونوا فيه جميعاً، كالجهاد، والمشاورة، ونحو ذلك من الأمور التي يشترك فيها المؤمنون، فإن المصلحة تقتضي اجتماعهم عليه وعدم تفرقهم، فالمؤمن بالله ورسوله حقاً لا يذهب لأمر من الأمور، لا يرجع لأهله، ولا يذهب لبعض الحوائج التي يشذ بها عنهم إلا بإذن من الرسول أو نائبه من بعده، فجعل موجب الإيمان عدم الذهاب إلا بإذن، ومدحهم على فعلهم هذا، وأدبهم مع رسوله، ووليّ الأمر منهم، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) .
ولكن هل يأذن لهم أم لا؟ ذكر لإذنه لهم شرطين:
أحدهما: أن يكون لشأن من شئونهم، وشغل من أشغالهم، فأما من يستأذن من غير عذر فلا يؤذن له.
والثاني: أن يشاء الإذن فتقتضيه المصلحة، من دون مضرة بالآذن، قال: (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) ، فإذا كان له عذر واستأذن، فإن كان في قعوده وعدم ذهابه مصلحة برأيه، أو شجاعته، ونحو ذلك، لم يأذن له، ومع هذا إذا استأذن وأذن له بشرطيه، أمر الله رسوله أن يستغفر له، لما عسى أن يكون مقصراً في الاستئذان، ولهذا قال: (وَاسْتَغْفِرْ لَهُم اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لهم الذنوب ويرحمهم، بأن جوز لهم الاستئذان مع العذر" انتهى.
"تيسير الكريم الرحمن" (576) .
ثانياً:
أما في زماننا هذا فيمكننا الاستفادة من الآية وامتثالها بطرائق عدة، من أهمّها:
1- الالتزام بأحكام الشريعة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ففي ذلك استئذان معنوي منه صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم رحمه الله: "فإذا جَعل من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهباً إذا كانوا معه إلا باستئذانه، فأولى أن يكون مِن لوازمه أن لا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه وإذنه، يُعرَف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه" انتهى من "إعلام الموقعين" (1/51) .
2- استئذان وليّ الأمر أو المسؤول قبل الانصراف من الأمر الجامع الذي هو من مصالح المسلمين. ولذلك بوب الإمام البخاري في صحيحه بقوله: " باب استئذان الرجل الإمام؛ لقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) " انتهى.
وسبق في كلام السعدي رحمه الله أن هذه الآية في حكم الاستئذان من الرسول صلى الله عليه وسلم ووليّ الأمر.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (3/155) : "أقيمت الولايات رعاية للمصالح وحفاظا عليها، واستئذان من له الولاية في حدود ولايته أمر لا بد منه؛ لتستقيم الأمور وتحسم الفوضى، وهذا باب واسع، منه: إذا غزا الأمير بالناس لم يحلّ لأحد ممن معه أن يخرج من المعسكر ليحضر
الزاد والعتاد، ولا أن يبارز أحداً من العدو، ولا أن يحدث حدثاً إلا بإذنه؛ لأن الأمير أعرف بحال الناس، وحال العدو، ومكامنهم ومواضعهم وقربهم وبعدهم، فإذا خرج خارج بغير إذنه لم يأمن أن يصادف كميناً للعدو أو طليعة لهم فيأخذوه، أو يرحل الأمير بالمسلمين ويتركه فيهلك، ومن كان مع الجيش في الغزو فأراد الجيش أن ينتقل من موقع لآخر، وأراد بعض الجند التخلف لأمر ما، لا يحل لأحد منهم التخلف عن المسير مع الجيش، إلا بإذن. وإذا جمع الإمام أو الأمير أولي الرأي لاستشارتهم في أمر من الأمور، فليس لأحد منهم أن ينصرف بغير استئذان؛ لأنه قد يحتاج إلى رأيه؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) ،
والآية ليست خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الولاة خلفاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رعاية المصالح العامة فتنطبق عليه الآية" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/8)
هل ينظر الإسلام لغير المسلمين بعين الرحمة والعطف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما نظرة الإسلام إلى البشرية؟ هل يحث على حب وتقدير الآخرين ككائنات بشرية، بغض النظر عن أديانهم، أو أعراقهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن نظرة الإسلام إلى البشرية ملؤها الرحمة، والعطف، ولا يمكن أن يكون غير هذا؛ لأن الدين الإسلامي آخر الأديان التي شرعها الله تعالى، وأمر الناس كافة بالدخول فيه، كما أنه تعالى أوحى بهذا الدين، وأنزله على قلب أرحم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى قوله عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107.
ونستطيع أن ندلل من القرآن، والسنَّة، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ما يؤكد هذا المعنى، ويتجلى ذلك في صور كثيرة، منها:
1. الدعوة إلى الإسلام، وإنقاذ الناس من الشرك والكفر.
وفي ذلك جاءت الأوامر في القرآن والسنَّة للمسلمين بدعوة الناس إلى توحيد الله، وبذل الأموال، والأوقات، والأنفس في سبيل ذلك؛ وما ذلك إلا رحمة بالعالَمين؛ لإنقاذهم من عبادة العبَاد إلى عبادة رب العبَاد، ولإخراجهم من ضيق الدنيا، إلى سعة الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/104.
2. برُّ الوالدين، والإحسان إليهما، وإن كانا كافرَين.
بل وإن كانا يجاهدان في سبيل صد أولادهم عن الإسلام، وأمرهم بالشرك والكفر! ، وفي هذا يقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/ 14، 15.
3. الوصية بالجيران، ولو كانوا من غير المسلمين.
ولعلك لا ترى دِيناً، ولا منهجاً، ولا قانوناً، يدعو الناس إلى العناية بالجار، والاهتمام به، والوصية بحفظه، ورعاية حقه، وحرمته، مثل الإسلام، قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) النساء/ 36.
قال القرطبي رحمه الله:
"قال نوف الشامي: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) المسلم، (وَالْجَارِ الْجُنُبِ) اليهودي، والنصراني.
قلت: وعلى هذا: فالوصية بالجار مأمور بها، مندوب إليها، مسلماً كان، أو كافراً، وهو الصحيح، والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة، وكف الأذى والمحاماة دونه، روى البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) ، وروي عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن) قيل: يا رسول الله ومن؟ قال: (الذي لا يأمن جارُه بوائقَه) ، وهذا عام في كل جار، وقد أكَّد عليه السلام ترك إذايته بقسمه ثلاث مرات، وأنه لا يؤمن الإيمان الكامل من آذَى جارَه، فينبغي للمؤمن أن يحذر أذى جاره، وينتهي عما نهى الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه، وحضَّا الباد عليه.
"تفسير القرطبي" (5/183، 184) .
4. العدل والإحسان في التعامل مع الكافر غير الحربي.
وفي ذلك يقول تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/ 8.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
أي: لا ينهاكم الله عن البرِّ، والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط، للمشركين، من أقاربكم، وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدِّين، والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تَصِلُوهم؛ فإن صلتهم في هذه الحالة: لا محذور فيها، ولا مفسدة.
" تفسير السعدي " (ص 856) .
5. تحريم قتل المعاهَد من الكفار، والوعيد الشديد في ذلك.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً) رواه البخاري (2995) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
والمراد به: مَن له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية، أو هدنة من سلطان، أو أمان من مسلم.
" فتح الباري " (12 / 259) .
6. تحريم ظلم المعاهَد، وتكليفه فوق طاقته.
وقد جاء في ذلك الحديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود (3052) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
فمن قدم إلى بلادنا من الكفار لعملٍ، أو تجارة، وسُمح له بذلك فهو: إما معاهَد، أو مستأمن: فلا يجوز الاعتداء عليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أن من قتل معاهَداً لم يرح رائحة الجنة) ، فنحن مسلمون، مستسلمون لأمر الله عز وجل، محترِمون لما اقتضى الإسلام احترامه من أهل العهد، والأمان، فمَن أخلَّ بذلك: فقد أساء للإسلام، وأظهره للناس بمظهر الإرهاب، والغدر، والخيانة، ومَن التزم أحكام الإسلام واحترم العهود والمواثيق: فهذا هو الذي يُرجى خيرُه، وفلاحه.
" فتاوى الشيخ العثيمين " (25 / 493) .
7. تحريم الاعتداء، ووجوب العدل.
وفي ذلك يقول تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ) ، وقال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
فانظر ما في هذه الآيات من مكارم الأخلاق، والأمر بأن تُعامل مَن عَصى الله فيك: بأن تُطيعه فيه.
" أضواء البيان " (3 / 50) .
وانظر جواب السؤال رقم: (13241) ففيه بيان أحكام معاملة الأسير الكافر، وانظر جواب السؤال رقم: (10590) ففيه بيان سماحة الإسلام في تشريعاته.
ونكتفي بهذا القدر، ولو شئنا التفصيل فيما سبق، والزيادة عليه: لطال بنا المقام.
ثانياً:
مع ما سبق بيانه فإنه ينبغي التوكيد على حقائق مهمة:
1. ما يُرى في العالَم مما يخالف ما سبق ذِكره إنما هو من جرَّاء أفعال أصحابه، ولا ينبغي نسبته للإسلام، وفي كل دين يوجد من يخالف تعاليمه، ولا يلتزم بأحكامه.
2. أن ما رأته الأرض وأهلها من " الكفار " لا يقارن البتة بما فعله المسلمون، فالحربان العالميتان اللتان راح ضحيتهما 70 مليون شخص كانت " نصرانية ".
وعشرات الملايين من المسلمين قتلوا على أيدي: النصارى في الحملات الصليبية وغيرها، والشيوعيين، واليهود، والهندوس، والسيخ، والتفصيل في ذلك يطول، وليس هناك من ينكر هذا إلا من عطَّل عقله.
ثم احتلال بلاد المسلمين، وسلب خيراتها كان ولا يزال على أيدي " الكفار " من جميع الملل، فليكن هذا على البال أثناء الحديث عن نظرة الإسلام للبشرية، وعن الحب، والعطف، وليقارن المنصفون من أهل التاريخ بين فتوحات المسلمين للبلاد الأخرى، وبين الحملات الصليبية – مثالاً – كيف كان حال كلٍّ منهما، ليرى الفرق واضحاً جليّاً، بين الرحمة والقسوة، بين الحب والبغض، بين الحياة والموت.
3. ما ذكرناه سابقاً عن الإسلام ونظرته للكفار وما جاء فيه من أحكام غاية في الحب، والعطف، والرحمة: لا يعني التبرؤ مما فيه من أحكام قد يطمسها بعض المميعين لديننا، ومن ذلك:
أ. في الإسلام تحرم المودة القلبية، والموالاة، للكفار، ومن يعقل يستطيع التمييز بين البِرِّ، والقِسط، والعطف، والرحمة، التي أمرنا بها تجاه الكافر غير الحربي، وبين المنع من المودة القلبية، والتي منعنا منها تجاه أولئك الكفار بسبب كفرهم بالله رب العالمين، وعدم إسلامهم.
ب. لا يحل لنا تزويج بناتنا وأخواتنا ونسائنا لأحدٍ من الكفار كائنا ما كان دينه، بينما يجوز لنا التزوج – فقط – من الكتابيات العفيفات من اليهود والنصارى؛ ولا شك أن للعقيدة والتوحيد دورها الرئيس في هذا الحكم، فإسلام المرأة الكتابية المتزوجة من واحد من المسلمين قريب، وممكن، وفتنة المسلمة عن دينها بتزويجها من غير مسلم ممكن وقريب، وهذا الحكم موافق جدّاً للرحمة التي جاءت بها أحكام هذا الدين العظيم، الرحمة بالكتابية لعلها تسلم، وبالمسلمة أن لا تترك دينها.
ج. ليس في الإسلام إجبار للكافر أن يدخل في الإسلام؛ لأن الإخلاص، والصدق، من شروط قبول الإسلام، والله تعالى يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .
د. وفي الإسلام رجم للزاني المحصَن، وقطع ليد السارق، وجلد للقاذف للعرض الغافل، ولسنا نخجل من هذه التشريعات، بل نعتقد جازمين أن الأرض كلها بحاجة لأن تطبقها، ومن فعلوا ذلك عاشوا آمنين على أعراضهم، وأموالهم، ونفوسهم، من التعرض لها بما يسوؤها، ومن تأمل من العقلاء هذه الأحكام علم أن تشريعها هو للمنع – ابتداء – من أن يتجرأ أحد على فعلها، ومن تأمل حال الغرب الكافر، ورأى انتشار الاغتصاب، وكثرة السرقات، وتفشي القتل: علم أن الحاجة ماسَّة لإيقاف هذا، وها هم جربوا غير أحكام الإسلام فماذا نفعهم هذا غير زيادة شقائهم أكثر فأكثر؟! .
فهذا نزر يسير مما ينبغي التنبيه عليه، والتذكير به، ولعلَّ السائل يحتاج لزيادة المعرفة في بعض ما ذكرناه سابقاً، ونحن على استعداد لتلقي ذلك منه، وطبيعة الموقع أنه سؤال وجواب يقتضي منا الإيجاز، والاختصار، ومن احتاج الزيادة زدناه، راجين من غير المسلمين الذين سيطلعون على هذا الجواب أن يعيدوا النظر فيما هم فيه من حال، وأن يعلموا أن الله تعالى قد أمرهم بالدخول في الإسلام، وأن النبي محمَّداً صلى الله عليه وسلم هو رسولٌ لأهل الأرض جميعاً، وليس للعرب وحدهم، فليحرص كل من يقرأ هذا على النجاة بنفسه قبل فوات الأوان، وليعلن توحيده لرب العالَمين، والشهادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وسيرى تغيُّراً في حياته عند أول نطقه بالشهادتين، ليدخل عالَم السعادة الدنيوية والأخروية، وليفوز برضا ربه تعالى، ويتجنب سخطه وعذابه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/9)
كان مسلماً ثم رجع إلى بلاده وارتد ثم عاد إلى بلدٍ إسلامي فهل هو معاهد؟ وكيف نعامله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل كان يعمل في بلاد إسلامية، وهو مسلم، ثم خرج إلى بلاده، وارتد عن الإسلام، ثم عاد إلى البلاد الإسلامية التي كان يعمل فيها، وهو غير مسلم. السؤال: هل ينطبق عليه إذا عاد ليعمل في البلاد الإسلامية أحكام المرتد، أم إنه ينطبق عليه أحكام المعاهد؟ . أرجو التوضيح، وما هي الطريقة المُثلى للتعامل معه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من كان مسلماً ثم ارتدَّ عنه إلى الإلحاد: فهو مرتد، لا إشكال في ذلك، ومن ارتد عن الإسلام إلى غيره الأديان لم يُنسب إلى ذلك الدين، ولم يأخذ أحكامه، بل هو مرتد كسابقه، يعامل معاملة المرتدين، يستتاب ليرجع إلى الإسلام، فإن تاب ورجع وإلا قُتل كفراً.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
لو ارتد أحدٌ إلى اليهودية، أو النصرانية: لا نقرُّه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى الله عليه وآله وسلّم: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوه) – رواه البخاري (2854) - يعني: مَن بدَّل دين الإسلام: فإننا نقتله.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (11 / 306) .
وعليه: فمن كان مسلماً ثم صار نصرانيّاً أو يهوديّاً: لم تحل ذبيحته؛ لأنه ليس كتابيّاً، بل هو مرتد لا تؤكل ذبيحته، وإن كانت امرأة: لم يحل نكاحها؛ للسبب نفسه، وهؤلاء لا يكونون ذميين، ولا معاهِدين، ولا مستأمَنين؛ لأن هذه الأحوال إنما تكون لكافرٍ أصلي، لا لمرتد، فليس أمام المرتد عن الإسلام إلا أن يرجع لدينه، أو يختار القتل كفراً على ذلك.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
والمرتد في الاصطلاح: هو الذي يكفر بعد إسلامه طوعاً، بنطق، أو اعتقاد، أو شك، أو فعل.
والمرتد: له حكم في الدنيا، وحكم في الآخرة:
أما حكمه في الدنيا: فقد بيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (مَنْ بدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) ، وأجمع العلماء على ذلك، وما يتبع ذلك من عزل زوجته عنه، ومنعه من التصرف في ماله قبل قتله.
وأما حكمه في الآخرة: فقد بيَّنه الله تعالى: بقوله (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) .
والردة تحصل بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام، سواء كان جادّاً، أو هازلاً، أو مستهزئاً، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) .
" الملخص الفقهي " (2 / 565، 566) .
وانظر جواب السؤال رقم: (20060) ففيه زيادة بيان.
وينبغي التنبه إلى حدَّ الردة – ومثله بقية الحدود – لا يقيمه إلا الخليفة، أو نائبه، بإجماع العلماء، ولا يجوز لآحاد الناس تنفيذ الحدود بأنفسهم.
وقد بينا هذا في أجوبة الأسئلة (107105) و (12461) و (8980) .
ثانياً:
أما بخصوص طريقة التعامل معه: فتكون كغيره من الكفار الذين يُتلطف بدعوتهم للإسلام، متى كنا نرجو منه لخير؛ وليس ثمة حدود تطبق – وللأسف – على المرتدين، فلم يبق أمامكم إلا دعوته بالحسنى، وتذكيره بسالف أيامه يوم كان مسلماً، وأنه لا بدَّ ويشعر بالفرق بين حياته في الإسلام، وحياته خارجه، ويستعان على ذلك بمن يعرف لغته، من بني جلدته، ليكون أفهم له. وللهدية مفعولها الطيب في نفوس الأحرار، فتعاهدوه بهدايا يحتاجها، تصلون من خلالها لقلبه، وإن كان عنده معاملة متعسرة أن تعينوه عليها، وتسهلوا أمر معاشه، فمن شأن ذلك كله أن يجعله يعيد النظر بفعله، ولعله أن يعود الإسلام قبل موته، ويُكتب ذلك في ميزان حسناتكم.
وإذا كانت السلطات في بلدك: لا تسمح بوجود مثل هذا المرتد: فإننا ننبه السلطات إلى حاله، حتى يتم ترحيله إلى بلده، لكن بعد أن نحاول معه، ونسلك طريق الدعوة إلى قلبه: فلعل الله أن يهديه، ويرده إلى دينه.
وهذا كله في المعاملة، أما الحكم: فسبق أنه ليس كالكافر الأصلي، فالمرتد لا يجوز للمسلم أن يرثه، ولا هو يرث مسلماً، والمرتدة لا تُنكح، وإن كان تحت المرتد امرأة مسلمة: فسخ عقد نكاحها، وغير ذلك من الأحكام، فينبغي التفريق بين الأحكام، والمعاملة، ولو كانت تطبق الحدود الشرعية على المرتدين لما احتجنا لهذا كله؛ لأن المرتد – كما سبق – ليس أمامه إلا أن يرجع إلى الإسلام، أو يُقتل في حال إبائه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/10)
يعترض على ترجيحنا جواز التصويت في الانتخابات مع قولنا بمضادة الديمقراطية للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[قلتم في إحدى الفتاوى أن تحكيم غير شرع الله كفر أكبر، ومن تحاكم إلى غير شريعة الله فقد كفر، ثم أجد في فتوى أخرى أن الذهاب إلى الاقتراع أمر جائز، وهذه فتوى الشيخ ابن عثيمين، وغيره من العلماء، مع أن مثل هذه العملية تبنى على الديمقراطية، والديمقراطية تحكيم لغير شرع الله، وهذا ما قرره الشيخ الغنيمان (في فتوى صوتيه للشيخ الغنيمان) فما الحكم الصحيح في مسألة الترشيح، والانتخاب؟ أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تعارض – إن شاء الله – بين ما نقلناه في تعريف الديمقراطية، وبيان حكمها، وبين نقلنا لفتوى الشيخ العثيمين رحمه الله، وآخرين، في بيان حكم الترشح والترشيح في الانتخابات؛ وذلك لأن علماءنا لم يقل واحد منهم بجواز العمل بنظام الديمقراطية، تشريعاً، أو تنفيذاً، فلم يفتوا لأحدٍ بأن يكون قاضياً يحكم بين الناس في الدماء، والأموال، والأعراض، بالقوانين الوضعية، ولم يفتوا بجواز تشريع ما يخالف شرع الله تعالى، وإنما كانت فتاواهم في الدخول في مجالس يمكن للداخل فيها أن يخفف من الشر الموجود، أو يمنع ما يمكنه منعه مما فيه مخالفة لشرع الله تعالى، أو تحقيق مصالح شرعية لا يتمكن الناس ـ عادة ـ من تحقيقها دون ذلك.
بل ذهبت فتاواهم لأبعد من هذا، فأفتى بعضهم بجواز انتخاب الكافر إن كان أقلَّ شرّاً من غيره، إن كان لأصواتهم تأثير في الانتخابات، وهذا كله لا يتناقض مع القول بأن الديمقراطية مضادة للدين، وأن الحكم لا يكون إلا لله وحده.
وهذا بيان تفصيل ما سبق:
1. في جواب السؤال رقم (107166) قلنا: " الديمقراطية نظام أرضي، يعني حكم الشعب للشعب، وهو بذلك مخالف للإسلام، فالحكم لله العلي الكبير، ولا يجوز أن يُعطى حق التشريع لأحدٍ من البشر كائناً من كان ".
وفيه:
" من علِم حال النظام الديمقراطي وحكمه ثم رشح نفسه، أو رشح غيره مقرّاً لهذا النظام، عاملاً به: فهو على خطر عظيم، إذ النظام الديمقراطي منافٍ للإسلام، وإقراره والعمل به من موجبات الردة والخروج عن الإسلام.
وأما من رشح نفسه أو رشح غيره في ظل هذا النظام، حتى يدخل ذلك المجلس وينكر على أهله، ويقيم الحجة عليهم، ويقلل من الشر والفساد بقدر ما يستطيع، وحتى لا يخلو الجو لأهل الفساد والإلحاد يعيثون في الأرض فساداً، ويفسدون دنيا الناس ودينهم، فهذا محل اجتهاد، حسب المصلحة المتوقعة من ذلك.
بل يرى بعض العلماء أن الدخول في هذه الانتخابات واجبة ".
2. وفي جواب السؤال رقم (118443) بينا أن المجالس النيابية قد أُفقدت عملها في جانب محاسبة المقصرين، ومنع الفساد، ومثل هذه لم نجوز دخولها؛ لعدم تأثير ذلك في واقع الأمر، وأنه إن وُجد في بعض البلدان لتلك المجالس أثر طيب في منع شر، أو إيقاف فساد، أو محاسبة تقصير: فإنه لا بأس بدخول من يرى في نفسه قدرة على التغيير، وقد اشترطنا في الجواب أن يكون هذا الداخل من أهل الخير من أهل العلم والخبرة.
3. وفي جواب السؤال رقم (3062) بينَّا: أن المصلحة الشرعية تقتضي أحياناً التصويت من باب تخفيف الشر، وتقليل الضرر، كما لو كان المرشحون من غير المسلمين لكن أحدهم أقل عداوة للمسلمين من الآخر، وكان تصويت المسلمين مؤثراً في الاقتراع، وأنه لا بأس بالتصويت له في مثل هذه الحال.
4. وفي جواب السؤال رقم (111898) نقلنا قرار " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، في موضوع " مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين في البلاد غير الإسلامية "، ونقلنا قولهم بجواز الترشح والترشيح للمسلمين المقيمين في دول الكفر مما تكون مشاركتهم في الانتخابات النيابية تعود بمصالح على المسلمين، وتدرأ عنهم مفاسد، وأن الفتوى في ذلك تختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، وكل ذلك مشروط بألا يترتب على مشاركة المسلم في هذه الانتخابات ما يؤدي إلى تفريطه في دينه.
هذا مجمل ما ذكرناه في موقعنا هذا من فتاوى، وأحكام، وهي – كما ترى – لا يخالف بعضها بعضها، فالحكم لله العلي القدير، ولا يجوز لأحدٍ أن يشرِّع ذِكراً للناس، وورداً، سوى ما جاء به الشرع المطهر؛ فكيف نجوِّز تشريع قوانين تحكم على الناس في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم؟!
وبينَّا أن ذم الديمقراطية إنما هو لذاتها، وأما الحكم بجواز الترشح، والترشيح، للانتخابات النيابية: إنما يرجع للمصلحة التي يستفيد منها المسلمون، مع تسليمنا بوجود خلاف بين أهل العلم في هذه المسائل، وأننا نعلم بوجود من يخالف من أهل العلم في ذلك، فيمنع من مشاركة المسلم مطلقاً ترشحاً، وترشيحاً، ومنهم من يمنع ترشحه للانتخابات، ولا يمنع ترشيحه! وما ذكرناه في موقعنا هو ما ترجح لنا في هذه المسألة.
على أننا نشير هنا إلى أن الديمقراطية: لا تعني بحال: الانتخابات النيابية، وهكذا: الانتخابات النيابية: لا تعني ـ أيضا ـ الديمقراطية بمفهومها الغربي؛ إن الانتخابات النيابية، هي مظهر واحد من مظاهر الحياة الديمقراطية؛ وأما الديمقراطية الغربية التي نتكلم عنها، ونتكلم عن مصادمتها لشرع الله، فهي تصور علماني، لا ديني، شامل للحياة السياسية، وهذا أبرز وجوهه الذي يعرفه أكثر الناس من خلاله، والحياة العقدية: حيث يقوم على العلمانية والحرية المطلقة في قضايا الإيمان والكفر، والحياة الاقتصادية التي تتبنى الرأسمالية الغربية، والحياة الاجتماعية، والثقافية..، وبدون هذا التصور الشامل: لا تكون ديموقرطية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/11)
كلمة في " الانتخابات النيابية " و " الانتخابات الفرعية للقبيلة "
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: عندنا في " الكويت " جرت انتخابات " مجلس الأمة " , وبعض القبائل تقوم بانتخابات فرعية يتم من خلالها تصفية عدد المرشحين من القبيلة الواحدة , فيتم تحديد عدد معين من أبناء القبيلة الواحدة للنزول للانتخابات مجلس الأمة , الذي من شأنه زيادة فرصة تمثيل القبيلة بعدد أكبر في المجلس , والقبيلة تلتزم التزاماً أدبيّاً بالتصويت فقط لمن نجح في الانتخابات الفرعية , ولكن لا تمنع القبيلة من التصويت لغيرهم , بالرغم من أن من يصوت لغيرهم قد لا يستطيع أن يجهر بهذا , والبعض يجهر بالقول أنه لم يلتزم. سؤالي: هل تعتبر هذه الانتخابات الفرعية من باب التعصب للقبيلة فتكون فرعاً من أبواب الجاهلية الحديثة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يسمى بالمجالس النيابية في عالمنا العربي والإسلامي لا يكاد يكون له ذلك الأثر الذي من شأنه أن يوقف الفساد، أو ينشر الفضيلة، بل ما تريده الحكومات – غالباً – هو الذي ينفذ، وأصبح دور تلك المجالس فارغاً من جزء كبير من مضمونه، وهو محاسبة المقصرين، وكشف الفساد، وفضح أهله، وأصبح الدور المهم الذي يقوم به هو " التشريع " لما تريده السلطة، حتى صار في كثير من الدول أداة طيعة، يلبي رغبة الحكومة، ولا يحاسبها على تقصيرها.
ثم إن ما نراه من حال كثير ممن يرشح نفسه لتلك المجالس يدعو للعجب، فهو يكذب في أطروحاته مما يعلم أنه لن يحقق شيئاً منها، ثم ما يحصل من شراء للأصوات، واتهام للآخرين من المنافسين، وما يبذل من أموال طائلة، وما يحدث من تعصب للحزب، أو القبيلة، كل ذلك – وغيره كثير – أمور لا يُنكرها أحد، وهي تتفاوت من دولة لأخرى، ومن مرشح لآخر، لكنها موجودة في مجملها لا تُنكر.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "وأما الانتخابات المعروفة اليوم عند الدول: فليست من نظام الإسلام، وتدخلها الفوضى والرغبات الشخصية، وتدخلها المحاباة، والأطماع، ويحصل فيها فتن وسفك دماء، ولا يتم بها المقصود، بل تصبح مجالاً للمزايدات، والبيع والشراء، والدعايات الكاذبة" انتهى.
" جريدة الجزيرة " العدد 11358، 8 رمضان، 1424 هـ.
ومع هذا كله: فإن بعض علمائنا الأجلاء يفتي لأهل الخير من أهل العلم والخبرة بشغل تلك الأماكن – مع عدم تجويز شيء من الشرور والمعاصي السابق ذِكرها – حتى لا تكون حكراً على أهل الشر والفساد، ومنهم الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، بل ذهب إلى وجوبها لمن يكون له تأثير فيها، وتجد فتواه في جواب السؤال رقم: (107166) .
ومن رأى ما قاله الشيخ رحمه الله، وكان غير مرتكب لإثم: فإن حكم الانتخابات الفرعية لقبيلته في حقه كحكم المجلس، سواء بسواء، وكما أنه لا يحل له انتخاب من لا يوثق بدينه وأمانته في المجلس: فإن الأمر كذلك في الانتخابات الفرعية، فلا يقدم المرشح من أجل أنه من قبيلته، بل يجب أن يكون الشرع هو ميزانه في الحكم على الأشخاص، وفي ترشيحهم لتلك المجالس وغيرها، من غير محاباة، ولا مداهنة.
وتتمةً لجواب الشيخ العثيمين الوارد في الجواب المحال عليه – وهو عن " الانتخابات في الكويت " -: سئل الشيخ رحمه الله:
الانتخابات الفرعية القبلية يا شيخ؟ .
فأجاب الشيخ رحمه الله:
"كلُّه واحد، أبداً، رشِّح من تراه أنه خَيْر، وتوكل على الله" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (شريط رقم 211، الوجه الثاني) .
فالواجب على من يشارك في هذه الانتخابات أن يختار أصلح الموجودين، ولا يجوز له أن يجعل الاختيار مبنياً على التعصب للقبيلة أو المدينة ونحو ذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/12)
تعريف الإرهاب، وحقيقته في الإسلام، وعند الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعنا كثيراً عن الإرهاب، فما هو الإرهاب في نظر المسلم؟ ، وما هو الإرهاب لدى الغرب؟ وكيف نرد عليهم إن اختلفنا معهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
" الإرهاب " مصدر، أرهبَ، يُرْهِب، إرهاباً، وهي لفظة تعني: التخويف، وهي في ذاتها ليست محمودة، ولا مذمومة، إلا أن يُعلم معناها عند قائلها، وإلا أن ينظر في آثارها، ومن قال إن الإرهاب في الإسلام هو رديف القتل: فهو مخطئ؛ لأن اللفظة لا تساعد على هذا المعنى، فالإرهاب هو التخويف وليس القتل، وقد أمرَنا ربنا تعالى أن نَرْهَبه، أي: نَخافه، كما في قوله تعالى: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) البقرة/40، كما أمرنا بالاستعداد للعدو الذي يتوقع منه الكيد والحرب، وهذا الاستعداد هو لإرهابه حتى لا نكون لقمة سائغة له، وقد جاء ذلك موضحاً في قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) الأنفال/ من الآية 60.
وقد أطلقت الدول المستعمرة الآثمة هذه اللفظة على الإسلام، وأرادت تشويه صورته في نظر عامة الناس، فأقيمت لذلك المؤتمرات، وعقدت الندوات، وأنشئت الأقسام باسم مكافحة الإرهاب، ولم يكن في ذلك كله تعرض لتلك الدول المستعمرة المجرمة، الجاثمة على صدور الضعفاء من المسلمين، كالهندوس في إرهابهم المسلمين في كشمير، والروس في إرهابهم للمسلمين في الشيشان، والأمريكان في إرهابهم للمسلمين في العراق وأفغانستان، واليهود في إرهابهم للمسلمين في فلسطين، وراح السذَّج من المسلمين يطلقون هذا اللفظ على كل من يحلو لهم محاربته، وتنفير الناس منه، وقد يكونون مصيبين في الحكم على طائفة منهم، أو مجموعة، لكن ما بال تلك الدول الإرهابية، وتلك المنظمات العنصرية المجرمة قد نجت من الوصف بهذا اللفظ، وجُعل حكراً على المسلمين؟! .
وتشريعات الإسلام الربانية فيها ما يحافظ على عرض المسلم، ودمه، وماله، ومن أجل ذلك كان تحريم القتل، والسرقة، والزنا، والقذف، وجعلت الحدود المغلظة على من ارتكب تلك المحرمات، وقد يصل الأمر للقتل – كالزاني المحصن – حفاظاً على أعراض الناس.
وقد جاءت العقوبة مغلظة لمن أرهب الناس وأخافهم، مثل عصابات قطَّاع الطرق، ومن يفعل مثل فعلهم داخل المدينة، وهؤلاء هم الذين يسعون في الأرض فساداً، وقد حكم الله عليهم بأشد العقوبات كفّاً لشرهم، وحفظاً لأموال الناس ودمائهم وأعراضهم، قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة/ 33.
وأبلغ من ذلك: أن الإسلام حرَّم على المسلم إخافة أخيه، ولو مازحاً، فعن السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه أنَّه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لاَ يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لاَعِبًا وَلاَ جَادًّا، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ) رواه الترمذي (2160) وأبو داود (5003) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نبْلٍ مَعَهُ، فَأَخَذَهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ ، فَقَالُوا: لا، إلا أَنَّا أَخَذْنَا نبْلَ هَذَا فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) رواه أحمد (23064) - واللفظ له - وأبو داود (4351) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
ثانياً:
الإرهاب في الإسلام نوعان:
1. ممدوح: وهو تخويف العدو خشية اعتدائه على المسلمين، واحتلال ديارهم، ويكون ذلك بالاستعداد الكامل بالتسلح بالإيمان، والوحدة، والسلاح، وقد سبق في آية الأنفال ما يوضح أنه واجب على المسلمين.
والإسلام ليس بدعاً في هذا الأمر، فها هي ادول تتسابق في الصناعات العسكرية، وفي التسلح بالأسلحة التدميرية، وبإنشاء الجيوش الجرارة، وبعمل الاستعراضات العسكرية لجنودها وأسلحتها، وكل ذلك من أجل إظهار قوتها؛ لإخافة جيرانها، وأعدائها، من أن تسول لهم أنفسهم الاعتداء عليها.
2. مذموم: وهو تخويف من لا يستحق التخويف، من المسلمين، ومن غيرهم من أصحاب الدماء المعصومة، كالمعاهدين، والمستأمنين، وأهل الذمة.
وقد عرَّف " المجمع الفقهي الإسلامي " الإرهاب بأنه: " العدوان الذي يمارسه أفراد، أو جماعات، أو دول، بغياً على الإنسان (دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه) ، ويشمل صنوف التخويف، والأذى، والتهديد، والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة، وإخافة السبيل، وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف، أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي، فردي، أو جماعي، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم، أو حريتهم، أو أمنهم، أو أحوالهم، للخطر، ومن صنوفه: إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق، والأملاك العامة، أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية، للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض، التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها في قوله (ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) القصص/ 77 " انتهى.
" الدورة السادسة عشر " بمكة المكرمة، من 21 إلى 26 / 10 / 1422هـ، الذي يوافقه من 5 إلى 10 / 1 / 2002 م.
وفي هذا البيان التنبيه إلى أمرين مهمين:
الأول: ذِكرهم وصف الكفار للإسلام بأنه دين إرهاب، وردهم عليه، ومما جاء فيه:
وقد لحظ أعضاء " المجمع " أن الحملات الإعلامية مدبرة، وهي تنطوي على أباطيل، وترهات، تنطلق من إعلام موتور، معادٍ، تسهم في توجيهه مؤسسات الإعلام الصهيوني؛ لتثير الضغائن، والكراهية، والتمييز، ضد الإسلام والمسلمين، وتلصق بدين الله الخاتم التهم الباطلة، وفي مقدمتها تهمة " الإرهاب ".
واتضح لأعضاء " المجمع " أن لصق تهمة الإرهاب بالإسلام عبر حملات إعلامية إنما هو محاولة لتنفير الناس من الإسلام، حيث يقبلون عليه، ويدخلون في دين الله أفواجاً.
ودعا أعضاء " المجمع " رابطة العالم الإسلامي، وغيرها من المنظمات الإسلامية، وكذلك عامة المسلمين إلى الدفاع عن الإسلام، مع مراعاة شرف الوسيلة التي تتناسب، وشرف هذه المهمة.
وبينوا في سياق ردهم على الافتراء على الإسلام، ولصق تهمة الإرهاب به: أن الإرهاب ظاهرة عالمية، لا ينسب لدين، ولا يختص بقوم، وهو سلوك ناتج عن التطرف الذي لا يكاد يخلو منه مجتمع من المجتمعات المعاصرة، وأوضحوا أن التطرف يتنوع بين تطرف سياسي، وتطرف فكري، وتطرف ديني، ولا يقتصر التطرف الناتج عن الغلو في الدين على أتباع دين معين، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى غلو أهل الكتاب في دينهم، ونهاهم عنه، فقال في كتابه الكريم: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل) المائدة/ 77.
انتهى
والثاني: ذِكرهم أن من الإرهاب إرهاب الدول، والذي سكتت عنه وسائل الإعلام العالمية، ولم تفضح أهله، ومما جاء في البيان:
ويؤكد المجمع أن من أنواع الإرهاب: إرهاب الدولة، ومن أوضح صوره، وأشدها شناعة: الإرهاب الذي يمارسه اليهود في فلسطين، وما مارسه " الصرب " في كلٍّ من البوسنة، والهرسك، وكوسوفا، واعتبر " المجمع " أن هذا النوع من الإرهاب: من أشد أنواعه خطراً على الأمن، والسلام في العالم، واعتبر مواجهته من قبيل الدفاع عن النفس، والجهاد في سبيل الله.
انتهى
ثالثاً:
أما الإرهاب عند الغرب: فهو ما نقرؤه، ونشاهده، من احتلالهم للدول الضعيفة، ونهبهم لخيراتها، وما نراه من التعذيب، والاغتصاب، والقتل، وكل ذلك موثق بالصوت والصورة، في وثائق لا يمكن إنكارها، وهو استمرار لتاريخهم القديم في احتلال الدول بالقوة، والبطش، والسلاح.
والعجيب حقّاً: أن الدول الغربية – وخاصة أمريكا – لم يضعوا إلى الآن تعريفاً للإرهاب! وواضح أنهم سيدينون أنفسهم بأي تعريف يختارونه، ولذلك جعلوا اللفظة مبهمة المعنى، ولا ينصرف معناها – بسبب ذلك – إلا على الإسلام والمسلمين! .
وهذا الغرب الكافر لا يرضى أن يقاومه أحد، ولا أن يسعى لطرده ذلك الشعب المحتل المقهور، فإذا ما قامت طائفة لطرده، وكف أذاه: سماها " طائفة إرهابية "! وسمَّى فعلهم إرهباً! .
وفي بيان لـ " المجمع الفقهي الإسلامي " التابع لـ " رابطة العالم الإسلامي " بشأن فلسطين والعراق جاء فيه:
الحمد لله رب العالمين والصلاة، والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بعد أن استعرض المجمع الأوضاع الخطيرة التي تتعرض لها الأقطار العربية والإسلامية، وفي طليعتها: فلسطين والعراق، بما تمارسه السلطات الإسرائيلية المحتلة في فلسطين من إرهاب دولة، حيث القتل للأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزل، وحيث الاعتقالات العشوائية، والاغتيالات، والمداهمات، وتدمير البيوت على أصحابها، وتجريف الأراضي الزراعية، والحصارات العسكرية المستمرة للمدن والقرى والمخيمات، وفي طليعتها: مدينة القدس، مدينة الإسراء والمعراج، التي تمثل جزءاً من عقيدة وإيمان المسلمين، وحرمان أهل فلسطين من أداء الصلوات في المسجد الأقصى المبارك.
ومع هذا الإرهاب كله: تدَّعي إسرائيل السلام، وأن مجرمها رجل سلام! وأن الاستشهاديين المدافعين عن دينهم وأنفسهم وأرضهم وأعراضهم هم الإرهابيون! .
ولا شك أن هذه الممارسات العدوانية من الاحتلال الإسرائيلي: هو الإرهاب بعينه، وهو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، والمواثيق الدولية، كل ذلك يجري أمام مرأى ومسمع العالم كله، وبخاصة أمام الدول التي تدَّعي حماية الحرية، والديمقراطية، والمساواة، وحماية حقوق الإنسان.
وأن ما يهدد العراق الشقيق من عدوان أمريكي وبريطاني: إنما يستهدف شعبه المسلم، وأرضه الطيبة، وخيراته، دون الالتفات إلى نداءات المسلمين بالكف عن هذا العدوان الصارخ، وتجاهل القرارات الصادرة عن المنظمات العربية والإسلامية، الرسمية منها والشعبية، وتجاهل الدعوات التي تنطلق من الدول والشعوب المحبة للسلام، فإن هذا الموقف هو إنكار لجميع القيم والمواثيق الدولية في انتهاك حرمة الدول وأراضيها وشعوبها ... .
انتهى.
فتبين من خلال ما سبق تفاهة الحكم الصادر من قوى الشر والنهب على الإسلام بأنه دين إرهاب، وتبين أنهم تبع لأسلافهم في النيل من الإسلام بما هو كذب في واقع الحال، وأنهم أحق بهذا اللقب، وأولى به.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
الكفار من قديم يحاربون الإسلام، ويصفونه بأقبح الصفات؛ تنفيراً منه، (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) التوبة/ 32، ومن ذلك: وصفهم له بالإرهاب، والوحشية، وينسون أن الإرهاب، والوحشية، وقتل الشعوب، والتسلط على الخلق بغير الحق، وكل صفات الذم: إنما هي في دين الكفر، ومن صفات الكفار.
وكون بعض المنتسبين إلى الإسلام تصدر منهم بعض التصرفات الخاطئة - إما عن جهل أو عن قصد سيئ -: فإن ذلك لا ينسب إلى الإسلام؛ لأن الإسلام ينهى عن ذلك.
وطريق الخلاص من هذا الاتهام السيئ للإسلام: أن يُبَيَّن أن فعل هؤلاء الأشخاص ليس من الإسلام، وإنما هو تصرف شخصي، وأن كل مسلم فهو عرضة للخطأ، وليس هناك معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (1 / 416، السؤال رقم 247) .
وآخر كلام الشيخ حفظه الله هو جواب آخر كلام الأخ السائل وفقه الله، ونضيف إليه أنه يمكنه الاستعانة بشهادات المنصفين من الغرب بما قلناه من حقيقة الإسلام، وحقيقة أعدائه الذين يصفونه بالإرهاب وهم أولى بالوصف من غيرهم.
ومن ذلك ما قالته " آنا ماري شيمِّل ":
إنني لم أجد في القرآن، ولا في السنَّة أي أمر يدعو إلى الإرهاب، أو الاختطاف، أو نص يجيزهما، بل إن مدار الأخلاق في الإسلام هو القاعدة الذهبية.
انتهى
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/13)
الأكل مع من يشرب الخمر على طاولة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يأكل مع غير المسلمين الذين يشربون الخمر على طاولة واحدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الجلوس مع من يشربون الخمر سواءً كانوا من الكفار أو من المسلمين، وقد قال تعالى في الذين يقعدون مع من يتكلم بالكفر والباطل: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) النساء/140، قال الطبري وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع.. عند خوضهم في باطلهم، (إنكم إذاً مثلهم) قال ابن كثير: أي في المأثم.
وفي حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر) رواه الترمذي (الأدب/2725) ، وحسّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2246)
قال شارح الحديث: وإن لم يشرب معهم، كأنه تقرير لهم على المنكر.
فلا يجوز له الجلوس معهم ولا مجاملتهم ولو لم يشرب، لأنه في هذه الحالة شيطان أخرس يرى المنكر ويسكت عليه.
والواجب إذا رآهم أن ينكر عليهم، فإن لم يستجيبوا له تركهم وفارقهم نسأل الله السلامة والعافية، وصلى الله على محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(12/14)
كيفية تولي الخليفة المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كانت الدولة الإسلامية تنظم نفسها؟ وكيف كان الحكم في العهد الأول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على الحاكم المسلم أن يتولَّى تعيين من هو كفؤ للمناصب الكبيرة في الدولة، كما أن عليه أن يتخذ مجلساً للشورى من أهل العلم والاختصاص في مختلف الفنون، ولا يَنبغي أن يُجعل ذلك للعامة والدهماء ليختار كل واحدٍ قريبه، أو فرداً من حزبه، أو ينتخب من يدفع أكثر.
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله:
"الولايات التي هي دون الولاية العامة: فإن التعيين فيها من صلاحيات ولي الأمر، بأن يختار لها الأكفاء الأمناء، ويعيِّنهم فيها، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) ، وهذا خطاب لولاة الأمور، والأمانات هي الولايات، والمناصب في الدولة، جعلها الله أمانة في حق ولي الأمر، وأداؤها: اختيار الكفء الأمين لها، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه وولاة أمور المسلمين من بعدهم يختارون للمناصب من يصلح لها، ويقوم بها على الوجه المشروع.
وأما الانتخابات المعروفة اليوم عند الدول: فليست من نظام الإسلام، وتدخلها الفوضى، والرغبات الشخصية، وتدخلها المحاباة، والأطماع، ويحصل فيها فتن، وسفك دماء، ولا يتم بها المقصود، بل تصبح مجالاً للمزايدات، والبيع والشراء، والدعايات الكاذبة" انتهى.
جريدة " الجزيرة "، العدد (11358) .
كان الإمام – أو الخليفة – يتولَّى زمام الدولة الإسلامية بإحدى ثلاث طرق:
الطريقة الأولى: الاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد، ومثاله: ثبوت الخلافة لأبي بكر الصدِّيق، فقد ثبتت له الخلافة بالاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد، ثم أجمع عليها الصحابة وبايعوه جميعاً، وارتضوا خلافته.
كذلك ثبتت الخلافة لعثمان بن عفان رضي الله عنه لمَّا جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر تولية الخليفة من بعده شورى في ستة من كبار الصحابة، فصار عبد الرحمن بن عوف يشاور المهاجرين والأنصار، ولمَّا رأى ميل الناس كلهم إلى عثمان: بايعه أولاً، ثم بايعه بقية الستة، ثم بايعه المهاجرون والأنصار، فثبتت له الخلافة بالاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد.
وكذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثبتت له الخلافة بالاختيار والانتخاب من أكثر أهل الحل والعقد.
الطريقة الثانية: الخلافة بولاية العهد من الخليفة السابق، وذلك بأن يعهد ولي الأمر بالخلافة لأحدٍ بعينه من بعده، ومثاله: ثبوت الخلافة لعمر بن الخطاب؛ فإنها ثبتت له بولاية العهد من أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
الطريقة الثالثة: القوة والغلبة، وذلك إذا غلب الخليفة الناسَ بسيفه، وسلطانه، واستتب له الأمر: وجب السمع له والطاعة، وصار إماماً للمسلمين، ومثاله: بعض خلفاء بني أمية، وخلفاء بني العباس، ومن بعدهم، وهي طريقة مخالفة للشرع؛ لأنها أُخذت بالغصب والقوَّة، ولكن لعظَم المصالح المترتبة على وجود حاكم يحكم أمَّته؛ ولعظم المفاسد المترتبة على نزع الأمن من البلاد: كان للمتولي بالقهر والسيف السمع والطاعة إذا تغلب بهما، وحكم بشرع الله تعالى.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"لو خرج رجل واستولى على الحكم: وجب على الناس أن يدينوا له، حتى ولو كان قهراً بلا رضىً منهم؛ لأنه استولى على السلطة.
ووجه ذلك: أنه لو نوزع هذا الذي وصل إلى سُدَّة الحكم: لحصل بذلك شرٌّ كثير، وهذا كما جرى في دولة بني أمية، فإن منهم من استولى بالقهر والغلبة وصار خليفةً يُنادى باسم الخليفة، ويُدان له بالطاعة، امتثالاً لأمر الله عز وجل" انتهى.
" شرح العقيدة السفارينية " (ص688) .
وللتوسع في هذا الباب، ولمعرفة كيفية عمل الدولة، وتقسيمات شؤونها المختلفة: ينظر كتاب " الأحكام السلطانية " لأبي الحسن الماوردي الشافعي، و " الأحكام السلطانية " لأبي يعلى الفراء الحنبلي، وكتاب " الترتيب الإدارية " للكتاني، ففيها مزيد علم وفائدة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/15)
مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم المقيم في دولة غير إسلامية أن يشارك في الانتخابات النيابية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة من مسائل الاجتهاد، وتخضع للموازنة بين المصالح المرجوة ومنفعة المسلمين من هذه المشاركة، والأضرار التي قد تسببها تلك المشاركة.
فإن كانت المنافع أكثر جازت المشاركة، وإن كانت المفاسد أكثر لم تجز المشاركة.
وعلى هذا؛ فيختلف هذا الحكم باختلاف البلاد والأنظمة والأشخاص، فقد تكون المشاركة نافعة للمسلمين في بلد ما، وليست نافعة في بلد آخر، وهكذا بالنسبة للأشخاص.
وقد صدر للمجمع الفقهي قرار حول موضوع: "مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين" نصه:
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من 22ـ27 شوال 1428هـ التي يوافقها3ـ8 نوفمبر2007م قد نظر في موضوع: " مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين في البلاد غير الإسلامية" وهو من الموضوعات التي جرى تأجيل البت فيها في الدورة السادسة عشرة المنعقدة في الفترة من 21ـ26 شوال 1422هـ لاستكمال النظر فيها..
وبعد الاستماع إلى ما عرض من أبحاث، وما جرى حولها من مناقشات، ومداولات، قرر المجلس ما يلي:
1. مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين في البلاد غير الإسلامية من مسائل السياسة الشرعية التي يتقرر الحكم فيها في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد، والفتوى فيها تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال.
2. يجوز للمسلم الذي يتمتع بحقوق المواطنة في بلد غير مسلم المشاركة في الانتخابات النيابية ونحوها لغلبة ما تعود به مشاركته من المصالح الراجحة مثل تقديم الصورة الصحيحة عن الإسلام، والدفاع عن قضايا المسلمين في بلده، وتحصيل مكتسبات الأقليات الدينية والدنيوية، وتعزيز دورهم في مواقع التأثير، والتعاون مع أهل الاعتدال والإنصاف لتحقيق التعاون القائم على الحق والعدل، وذلك وفق الضوابط الآتية:
أولاً: أن يقصد المشارك من المسلمين بمشاركته الإسهام في تحصيل مصالح المسلمين، ودرء المفاسد والأضرار عنهم.
ثانياً: أن يغلب على ظن المشاركين من المسلمين أن مشاركتهم تفضي إلى آثار إيجابية، تعود بالفائدة على المسلمين في هذه البلاد؛ من تعزيز مركزهم، وإيصال مطالبهم إلى أصحاب القرار، ومديري دفة الحكم، والحفاظ على مصالحهم الدينية والدنيوية.
ثالثاً: ألا يترتب على مشاركة المسلم في هذه الانتخابات ما يؤدي إلى تفريطه في دينه.
والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه" انتهى.
http://www.themwl.org/Fatwa/default.aspx?d=1&cidi=167&l=AR&cid=17
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (3062) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام والسؤال وجواب(12/16)
نصائح وتوجيهات للمسلمين في " فنلندا "
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أفراد الجالية الإسلامية البالغ عددها حوالي 35 ألفاً إلى 40 ألفاً، والمكونة من فِرق متعددة، المكلفون بعمل الإحصاءات هنا لا يفرِّقون بين شيعي، وبهائي، وحبشي، وسنِّي! اندمج هؤلاء المسلمون مع مواطني الدولة المسيحية البالغ عدد سكانها حوالي 5 مليون نسمة، حتى علم الدولة محتوي على رمز المسيحية، ألا وهو الصليب. خلال الأشهر الماضية قام جماعة من المنتمين حديثاً للإسلام (سنَّة) بتشكيل حزب سياسي، وجعلوا من بين أهدافهم: محاولة منع بيع الخمور في المحلات، بل ذهبوا لأبعد من ذلك بإعلانهم عن رغبتهم في إقامة الشريعة في هذه الدولة المسيحية! لا بدَّ أن تأخذوا في الاعتبار أن المسلمين هنا لا يتمتعون بالحقوق العادية، كالحق في أن يكون لديهم مقابر خاصة، أو الحق في إظهار شعائر معينة، كذبح الأضاحي، وما إلى ذلك. كان لدينا مقابر خاصة، ولكنها امتلأت، وبسبب حدوث بعض الأخطاء في تنظيمها، والخلاف بين الفرق المختلفة على مسك زمام المسؤولية، استفادت السلطات هنا من الخلاف، وجعلوا الأمر صعباً جدّاً على المسلمين، ولم يمكنوهم من امتلاك مقابر خاصة بهم، ولذلك إذا مات أحد المسلمين هنا: يُدفن بجوار المسيحي، والملحد! . تلك الجماعة من المنتمين حديثاً للإسلام يحاولون أن يتوحدوا، ويبتعدوا عن حزبية وقبلية الصوماليين، وعن محادثات العرب، الآن تركز وسائل الإعلام هنا على الإسلام والمسلمين بصورة سلبية، وذلك عن طريق مناقشة موضوعات مثل: - الطلاق في الإسلام بيد الرجل، ولا تستطيع المرأة أن تحصل على حقوقها كاملة، وعلى حريتها إذا ما أرادت أن تنهي زواجها. - العقاب البدني للأطفال في البيوت، فضرب الأبناء في هذه الدولة يعدُّ جريمة يعاقب عليها القانون. - تقوم العائلات المسلمة بعزل أبنائهم عن المجتمع، وحرمانهم من الاشتراك في ممارسة السباحة (بنات، وأولاد معاً) ، ويقومون أيضاً بحرمانهم من حضور دروس الموسيقى. وأيضا يناقشون (ماذا يريد المسلمون هنا: أن يتبعوا شريعتهم، أم نظام الدولة؟!) . وهدف الإعلام من ذلك هو تشويه صورة الإسلام، وزرع الكراهية في قلوب عامة الناس تجاه الإسلام والمسلمين. الناس هنا عموماً يشتكون أن المسلمين يتمتعون بأموالهم، والخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين، والآن يضاف إلى قائمة الشكاوى أن المسلمين يريدون أن يقيموا الشريعة على أرض الدولة، بينما بلدانهم الأصلية لا تطبق الشريعة، علماً بأن من يقومون بأداء الواجبات الدينية هنا من المسلمين: أقلية، بينما الأغلبية اندمجت تماماً في المجتمع. تبني وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث نتائجها على رأي أي شخص يمكنه الإجابة، والذي قد يكون جاهلاً، خصوصاً أن معظم الناس حاليّاً يجرون وراء الشهرة، والمكاسب الدنيوية، وقد فاض بهم الكيل من بلدانهم الأصلية التي لا يحصلون فيها على حقوق، ولا تقدرهم كمواطنين، ومن أجل الحصول على تقدير غير المسلمين لهم يفعلون أي شيء! فقد سمعنا حتى عن أفراد ارتدوا عن الإسلام، وأصبحوا مسيحيين! . عندما نصح البعض رئيسَ ذلك الحزب الإسلامي بشأن الخطوات التي ينبغي عليه أن يتخذها قال: إنه فقط يسعى لعمل دعاية إيجابية للإسلام - هذا الشخص كان ناشطاً سياسيّاً في شبابه -. الآن نطلب منكم نصيحة عامة للمسلمين في هذا البلد، وخصوصاً لمكوني الحزب السياسي من المنتمين للإسلام حديثاً، وأن تذكرونا بواجبنا تجاه البلد، وتجاه مواطني البلد الأصليين ومسؤوليه، وأن تبينوا لنا الحدود التي لا ينبغي علينا تخطيها، حتى لا ندمر بيوتنا بأيدينا، أو على الأقل حتى لا نُحرم من الحقوق القليلة التي نتمتع بها في هذه الدولة، فليس كل مسلم هنا قادرا على الهجرة إلى بلد إسلامي. إذا أردتم المزيد من المعلومات حول الموضوع: فأرجوكم أن تراسلونا، وسنكون سعداء جدّاً بإرسال مزيد من التفاصيل إليكم، أرجوكم أن تردوا علينا بسرعة، حيث ما زال هناك المزيد من الوقت لغلق أبواب الفتنة، وقبل فوات الأوان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قرأنا أكثر ما يتعلق بواقع الدولة التي تعيشون فيها – فنلندا – وقد ساءتنا أخبار، وأفرحتنا أخرى، ساءنا ما علمناه من تفرق بينكم، وساءنا تهاون كثيرين في الدعوة إلى الله والاهتمام بأسرته وأولاده، كما ساءنا ما علمناه من تزوج بعض المسلمات من نصارى تلك البلد، وهي عقود فاسدة باطلة، كما ساءنا تخلي كثيرين عن الالتزام بطاعة الله والاستقامة على دينه، وكل ذلك يجعل العبء على أهل الخير والعلم كبيراً، ويحملهم مسئوليات جمَّة تجاه تلك الجالية المسلمة في ذلك البلد الأوروبي.
والذي أفرحنا هو تزايد عدد المسلمين في تلك البلاد حتى وصل عدد الجالية المسلمة مئة ألف مسلم، وفق بعض التقديرات، وإن كنا لا ندري نسبة أهل السنَّة منهم، وأفرحنا دخول كثير من أهل تلك البلاد في دين الله تعالى.
والذي نوصيكم به، ونرجو أن يكون لكلامنا وقع حسن في قلوبكم وأعمالكم:
1. الحرص أولاً وقبل كل شيء أن يعود كل مسلم لبلده، وأن ينتقل من دخل في الإسلام إلى بلد إسلامي يمكنه أن يمارس فيه شعائر دينه، آمنا مطمئنا، وأن يترك تلك الديار التي أفسدت أديان وعقول وقلوب الكثير من المسلمين، متى قدر الواحد منكم على ذلك.
2. ومن لم يستطع، أو لم يستجب لهذا: فليتق الله ربه في نفسه، وفي أهل بيته، ويجب عليه أن يخلص النصح لهم، وأن يحوطهم برعايته وعنايته، وأن يقي نفسه وإياهم نار الله تعالى.
3. يجب عليكم العمل على إنشاء حلقات قرآنية وعلمية، يتم فيها تعليم الجاهل، وتربية النشء المسلم على طاعة الله تعالى، ولا يحل لكم التهاون في هذا الأمر، فقد قرأنا كيف حافظ " التتر " في " فنلندا " على لغتهم وثقافتهم وحضارتهم، فإسلامكم ولغتكم العربية أولى بأن يكون لهما الاهتمام الكبير في برنامج حياتكم.
4. احرصوا على دعوة أهل العلم وطلبته إليكم؛ ليقوموا بواجب الدعوة، والوعظ، والإرشاد، والتعليم، ومثل هذه اللقاءات من شأنها أن تساهم في اجتماع كلمتكم، وإيقافكم على الأحكام الشرعية التي لها تعلق بواقع معيشتكم.
5. لا تدَعوا مجالاً لشياطين الإنس والجن أن يفرقوا صفكم، ويشتتوا كلمتكم، ويجب أن تراعوا أنكم في مجتمع نصراني، ودولة نصرانية، يحمل علمُها الصليب! واعلموا أن ما يحدث بين المختلفين من المسلمين ليس هو كاختلافكم مع أهل الأديان الأخرى، فالخلاف بين أهل القبلة المسلمين خلاف بين السنة والبدعة، وقد يكون ـ في بعض الأحيان ـ خلافا بين الراجح والمرجوح، وأما الخلاف بينكم وبين أهل الأديان الأخرى فهو خلاف بين الإسلام والكفر، وشتان بين الأمرين.
6. هذا الحزب الذي يسعى لإنشاء دولة إسلامية في " فنلندا ": فليفكِّر بعقله قبل قلبه، ولينظر لواقعه ولا يغمض عينيه، فأنتم لا تستطيعون دفن مسلم في مقبرة خاصة بكم، فهل أنتم قادرون على إغلاق محلات الخمور، وإقامة دولة إسلامية هناك؟!
ما هذا، يا عباد الله؛ إن هذا الطموح الخيالي، والتفكير البعيد، قد يعذر فيه رجل لم يعايش الواقع عندكم، ولم يعلم شيئا عن الصعوبات التي تواجهونها، وأما رجل يرى ما ترون، ويعي ما تعون، فالواجب عليه أن يفكر تفكيرا سليما في الفطرة والشرع والعقل، وليكن جهده وسعيه في تحصيل أكبر قدر من المصالح للمسلمين عندكم، ودفع ما يمكن دفعه عنهم من الشر والأذى والظلم.
وعليه: فإن كان لأولئك القوم حزب إسلامي فليستثمروا نفوذهم في إقامة مؤسسات إسلامية، ومدارس تربوية، ومقابر شرعية، وليدعوا عن أنفسهم التفكير في إقامة الدولة الإسلامية، فإن هذا بالفعل أشبه شيء بالمستحيل، وخيالات الأوهام، في ظل مانرى من عجز المسلمين عن ذلك، حتى في بلدانهم، فكيف في عقر دار القوم؟! وسيكون لمجرد المطالبة بدولة إسلامية من الشر والسوء ما الله به عليم، فكيف إن تقدم أولئك خطوة عملية نحو ذلك، وإذا كانت الدولة عاجزة عن صدهم – وليس الأمر كذلك – فليتخيلوا مصيرهم لو تدخل " الاتحاد الأوروبي " في صدِّ ذلك ومنعه، فكيف سيكون مصير البناء الذي بُني لعقود من الزمان؟! وقد قرأنا عن أحوال المسلمين والمسلمات في بلادكم الحالية بعد الحادي عشر من أيلول، فكيف لو نشرت المؤسسات الحاقدة على الإسلام أن المسلمين لا يريدون الحكم إلا من أجل تطبيق الإسلام، والحد من الحريات، والتضييق على النساء، نعم، هم يبالغون ويكذبون، لكننا نقدم لهم السلاح الذي يشهرونه في وجوهنا.
7. وليكن من أولويات ذلك الحزب الإسلامي: الحفاظ على الهوية الإسلامية، والسعي نحو تقديم رسالة الإسلام الصافي من الشوائب، تقدمونه للمسلمين؛ ترجعونهم به إلى سابق عهدهم من الالتزام والاستقامة، وتثبتون لغير المسلمين أن دينكم دين الوحدة، والتآخي، والتعاون على البر والتقوى.
8. استمرار الإخوة المسلمين من أهل البلد في الدعوة إلى الله بين أفراد أسرهم وأقربائهم، ومشاركة الناس الفرحة التي غمرتهم بدخولهم الإسلام، والظاهر أن هؤلاء يكونون أكثر تأثيراً على أهل بلدهم من المسلمين المهاجرين من دول شتَّى.
9. السعي الفوري نحو شراء قطع أراضي وتخصيصها لقبر المسلمين الموحدين، والسعي الأكيد نحو نقل المسلمين الذين دفنوا مع غير المسلمين إلى هذه المقابر الإسلامية.
010 ينبغي أن يكون من أولويات التجمعات الإسلامية، والأحزاب السياسية، وخاصة تلك التي تسعى لإقامة دولة إسلامية، كما ذكرنا أن تحافظ على هوية المسلمين الذي يعيشون هناك، ومن أعظم وسائل المحافظة على الهوية تزويج المسلمين من المسلمات، والحرص على إشاعة جو إسلامي في الحياة الاجتماعية، وأن يوجد في الأحزاب والتجمعات الإسلامية من يصرف أمور المسلمين الخاصة في الزواج والطلاق والعلاقات الاجتماعية، بما يوافق شرع الله، ودون أن نحاول فرض ذلك فرضا عاما على الدولة النصرانية، فهو أمر ـ كما قلنا ـ بعيد المنال جدا، وعاقبته وآثاره وخيمة عليكم.
11. نوصي الجميع بالرفق في الدعوة إلى الله، وسلوك طريق الأنبياء والمرسلين، والدعاة الناجحين، ولتصل دعوتكم للقادة والساسة وأصحاب القرار والصحفيين والكتاَّب وجميع أصناف الناس، فعسى الله تعالى أن يهدي رجلاً منهم فيكون أمَّة وحده، واحرصوا على إزالة المنكرات من حياة المسلمين بالتي هي أحسن.
012 ينبغي أن تكون لكم مراسلات واتصالات دائمة بإخوانكم المسلمين، في أوروبا وفي بلاد الإسلام، تشاورونهم في أموركم، وتستفتون أهل العلم منهم فيما ينزل بكم من القضايا والمشكلات؛ فالمؤمن مرآة أخيه، وضعيفان يغلبان قويا.
نسأل الله أن يوفقكم لما فيه رضاه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/17)
تحريم الغدر والخيانة على من دخل دار الكفر بأمان
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن الجالية الإسلامية المقيمة في.... ونعمل في قطاع التجارة. هناك قانون تجاري في البلد يسمح للتاجر المستورد بأن يحصل على الدولار الأمريكي من الدولة بقيمته عند الدولة؛ إذا استورد بعض المواد المحددة في القانون, علماً أن قيمة الدولار في السوق السوداء ضعف قيمته المحددة من قبل الدولة. فقام بعض التجار باستغلال هذا القانون (تزويراً وغشاً) للحصول على أكبر كمية من الدولار من الدولة, وبسعر الدولة, لبيعه بعد ذلك بضعف قيمته في السوق السوداء والاستفادة من فارق السعر. ويتم الأمر على النحو التالي: يأتون بكونتينر (حاوية بحرية لنقل البضائع) ملابس مثلاً, فيتحايلون على القانون بدفع الرشوة ونحو ذلك؛ لأن الملابس غير مشمولة بالقانون السابق فيزورون في صفتها لتتوافق مع البضائع المشمولة بالقانون فيزعمون أنها أجهزة تلفاز مثلاً. كما يزورون بقيمة الفواتير, فإذا كانت مثلاً قيمة الكونتينر (40.000) ألف دولار, يجعلون الفاتورة (500.000) ألف دولار أو أكثر أو أقل. فما الحكم هنا؟ علماً بأن البعض يزعم بأن هناك فتاوى تجيز خديعة الكافر وأخذ المال منه. ثانياً: التاجر الصادق الذي يلتزم بالقانون في عمله لا يستطيع المنافسة وبالتالي خسارته حتمية, كون الذي زور وغش واستورد نفس بضاعته تصبح قيمة بضاعته صفراً, فيبيعها بأي ثمن, فكيف للتاجر النظامي أن ينافسه؟ فيتساءل بعض التجار: بأن هناك رشاوى لا بد منها حتى ولو كان عملك نظامياً, فهل له أن يزيد في قيمة الفاتورة بقدر قيمة الرشاوى, مثلاً خمسة في المائة. وهل يمكن له إبقاء قيمة الفاتورة نظامية ولكن يزور نوعية البضاعة كي تدخل على البلد, فيستفيد من أخذ الدولار بسعر الدولة؛ كي يستطيع المنافسة وبالتالي العمل؟! وأود أن أشير هنا إلى أن هذا الفعل من قبل البعض قد أساء بشكل كبير على اقتصاد البلد وعملته الوطنية وسبب نوعاً من الحساسية من قبل أبناء البلد تجاه العرب والمسلمين, وأعطى صورة مشينة لنا حيث أظهرنا بمظهر السارقين. نحن في أمس الحاجة لمعرفة الفتوى لهذه المسألة حتى لا يخالطنا الحرام, خاصة أننا في بلد قل فيه أهل العلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ما ذكرته من قيام بعض التجار بإحضار بضائع غير مشمولة بالقانون المشار إليه، وتسجيلها بأسماء بضائع أخرى يشملها القانون، والتلاعب بقيمة الفواتير، بغية الحصول على الدعم الحكومي، كل ذلك من الكذب والغش والتزوير، وهو محرم، سواء كان مع مسلم أو كافر.
والمسلم إذا دخل بلاد الكفار بأمان، لم يجز له أن يأخذ شيئا من أموالهم، وإلا كان خائنا آثما، فلا يُلتفت إلى ما يشاع من الفتاوى الجاهلة في هذا الباب.
ودخول البلد بتأشيرة الزيارة أو الإقامة له حكم الدخول بأمان، لأن معنى هذه التأشيرة التي تمنحها الدولة: أن الدولة قد التزمت تجاه صاحب هذه التأشيرة بتأمينه والدفاع عنه وعن ماله، والتزمت بأن تحميه فلا يعتدي عليه أحد.
وإذا كانت تلك الدولة قد أمَّنت المسلم إذا دخل إليها، فيجب أن يؤمنها هو أيضاً، فلا يعتدي عليها أو على أحد من أهلها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/237) : "من دخل إلى أرض العدو بأمان , لم يخنهم في مالهم , ولم يعاملهم بالربا.
أما تحريم الربا في دار الحرب , فقد ذكرناه في الربا , مع أن قول الله تعالى: (وحرم الربا) وسائر الآيات والأخبار الدالة على تحريم الربا عامة تتناول الربا في كل مكان وزمان.
وأما خيانتهم , فمحرمة ; لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم , وأمنه إياهم من نفسه , وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللفظ , فهو معلوم في المعنى , ولذلك من جاءنا منهم بأمان , فخاننا , كان ناقضا لعهده. فإذا ثبت هذا , لم تحل له خيانتهم , لأنه غدر , ولا يصلح في ديننا الغدر , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عند شروطهم) . فإن خانهم , أو سرق منهم , أو اقترض شيئا وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه , فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان , رده عليهم , وإلا بعث به إليهم ; لأنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه , فلزمه رد ما أخذ , كما لو أخذه من مال مسلم " انتهى.
وقال في "الدر المختار" مع حاشية ابن عابدين (4/166) : " [إذا] دخل مسلم دار الحرب بأمان حرُم تعرضه لشيء من دم ومال وفرج منهم، إذ المسلمون عند شروطهم " انتهى.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (20/190) ، (31/144) ، وفيها حكاية الاتفاق على تحريم الغدر والخيانة ممن دخل دار الحرب بأمان.
ثانيا:
لا يجوز لأحد من التجار أن يزوّر في قيمة الفواتير أو نوع البضاعة، ولو كان ذلك لتدارك ما ذكرته من الخسارة، فإن هذا غاية ما يريده الشيطان من الفساد والإفساد، وهو ارتكاب البعض للحرام، وجر الآخرين إليه بمثل هذه الذرائع.
فالواجب تقوى الله تعالى والوقوف عند حدوده، وطلب الرزق الحلال، وعدم مشايعة أهل الباطل على باطلهم، لا سيما وقد كان هذا سببا للتشنيع على المسلمين والحط عليهم، والتنفير من دعوتهم.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/18)
حكم الديمقراطية والانتخابات والعمل في أنظمتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الديمقراطية، وشغل منصب بارز في البرلمان، أو شغل منزلة أخرى في حكومة ديمقراطية؟ وما حكم الاقتراع وانتخاب شخص بطريقة ديمقراطية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الديمقراطية نظام أرضي، يعني حكم الشعب للشعب، وهو بذلك مخالف للإسلام، فالحكم لله العلي الكبير، ولا يجوز أن يُعطى حق التشريع لأحدٍ من البشر كائناً من كان.
وقد جاء في " موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة " (2 / 1066، 1067) :
"ولا شك في أن النظم الديمقراطية أحد صور الشرك الحديثة، في الطاعة، والانقياد، أو في التشريع، حيث تُلغى سيادة الخالق سبحانه وتعالى، وحقه في التشريع المطلق، وتجعلها من حقوق المخلوقين، والله تعالى يقول: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف/ 40، ويقول تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) الأنعام/ 57" انتهى.
وسبق تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (98134) .
ثانياً:
من علم حال النظام الديمقراطي وحكمه ثم رشح نفسه أو رشح غيره مقرّاً لهذا النظام، عاملاً به، فهو على خطر عظيم، إذ النظام الديمقراطي منافٍ للإسلام، وإقراره والعمل به من موجبات الردة والخروج عن الإسلام.
وأما من رشح نفسه أو رشح غيره في ظل هذا النظام، حتى يدخل ذلك المجلس وينكر على أهله، ويقيم الحجة عليهم، ويقلل من الشر والفساد بقدر ما يستطيع، وحتى لا يخلو الجو لأهل الفساد والإلحاد يعيثون في الأرض فساداً، ويفسدون دنيا الناس ودينهم، فهذا محل اجتهاد، حسب المصلحة المتوقعة من ذلك.
بل يرى بعض العلماء أن الدخول في هذه الانتخابات واجبة.
فقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن حكم الانتخابات، فأجاب: "أنا أرى أن الانتخابات واجبة، يجب أن نعين من نرى أن فيه خيراً، لأنه إذا تقاعس أهل الخير، مَنْ يحل محلهم؟ سيحل محلهم أهل الشر، أو الناس السلبيون الذين ما عندهم خير ولا شر، أتباع كل ناعق، فلابد أن نختار من نراه صالحاً.
فإذا قال قائل: اخترنا واحداً لكن أغلب المجلس على خلاف ذلك.
قلنا: لا مانع، هذا الواحد إذا جعل الله فيه البركة وألقى كلمة الحق في هذا المجلس سيكون لها تأثير ولا بد، لكن الذي ينقصنا الصدق مع الله، نعتمد على الأمور المادية الحسية ولا ننظر إلى كلمة الله عز وجل.... فَرَشِّحْ مَنْ ترى أنه خير، وتوكل على الله " انتهى باختصار.
من سلسلة "لقاءات الباب المفتوح" شريط رقم 210 ـ الوجه الثاني.
http://www.ibnothaimeen.com/all/sound/article_16230.shtml
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل يجوز التصويت في الانتخابات والترشيح لها؟ مع العلم أن بلادنا تحكم بغير ما أنزل الله؟
فأجابوا:
"لا يجوز للمسلم أن يرشح نفسه رجاء أن ينتظم في سلك حكومة تحكم بغير ما أنزل الله، وتعمل بغير شريعة الإسلام، فلا يجوز لمسلم أن ينتخبه أو غيره ممن يعملون في هذه الحكومة إلا إذا كان من رشح نفسه من المسلمين ومن ينتخبون يرجون بالدخول في ذلك أن يصلوا بذلك إلى تحويل الحكم إلى العمل بشريعة الإسلام، واتخذوا ذلك وسيلة إلى التغلب على نظام الحكم، على ألا يعمل من رشح نفسه بعد تمام الدخول إلا في مناصب لا تتنافى مع الشريعة الإسلامية" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (23 / 406، 407) .
وسئلوا ـ أيضاً ـ:
كما تعلمون عندنا في الجزائر ما يسمى بـ: "الانتخابات التشريعية"، هناك أحزاب تدعو إلى الحكم الإسلامي، وهناك أخرى لا تريد الحكم الإسلامي. فما حكم الناخب على غير
الحكم الإسلامي مع أنه يصلي؟
فأجابوا:
"يجب على المسلمين في البلاد التي لا تحكم الشريعة الإسلامية، أن يبذلوا جهدهم وما يستطيعونه في الحكم بالشريعة الإسلامية، وأن يقوموا بالتكاتف يدا واحدة في مساعدة الحزب الذي يعرف منه أنه سيحكم بالشريعة الإسلامية، وأما مساعدة من ينادي بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية فهذا لا يجوز، بل يؤدي بصاحبه إلى الكفر؛ لقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/49-50، ولذلك لما بَيَّن اللهُ كفر من لم يحكم بالشريعة الإسلامية، حذر من مساعدتهم أو اتخاذهم أولياء، وأمر المؤمنين بالتقوى إن كانوا مؤمنين حقا، فقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) المائدة/57.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم "انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/373) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/19)
الذهاب إلى حلاق يشغّل الأغاني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذهاب إلى الحلاقين الذين يشغلون الأغاني.
علما أنني اذكر الله في قلبي؟ ولا أعرف حلاقاً قريباً لا يشغل الأغاني إلا بعض من تكون حلاقته غير جيدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك سماع الأغاني عند الذهاب إلى مثل هؤلاء، والواجب عليك إذا رفعوا صوت الموسيقى وأذاعوها في المحل وأنت موجود أن تنكر عليهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وأكثر الحلاقين يستجيب للناصح، وهذا أمر مجرَّب، فإن امتثل الحلاق لطلبك وإلا فاذهب إلى غيره وستجد إن شاء الله من يفي بالغرض، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً.
والله الموفق
وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/20)
هل ينتخب رئيسا لا يحكم بشرع الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز انتخاب رئيس لبلد إسلامي مع أنه لا يحكم بشرع الله؟ مع العلم أنه في حال عدم انتخابه قد تحصل مضايقات تصل في بعض الأحيان لحد الاعتقال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يعتقد المؤمنون اعتقاداً جازماً أنه لا أحد أحسن من حكم الله تعالى، وأن كل حكم خالف حكم الله فهو حكم جاهلي، قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50.
وجعل الله تعالى دعوى الإيمان بالله وما أنزل على رسله مع إرادة التحكم إلى غيره، جعل ذلك أمراً عجيباً يستحق التعجب منه، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) النساء/60.
قال الشنقيطي رحمه الله: " بَيَّن جل وعلا أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل به العجب " انتهى.
وأقسم الله تعالى بذاته الكريمة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهراً وباطناً. فقال: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/65.
تفسير ابن كثير.
وأوجب الله تعالى رد الأمور المتنازع فيها إليه، وجعل ذلك شرطاً للإيمان، فلا يصح الإيمان مع التحاكم إلى غير ما شرعه الله تعالى.
قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) النساء/59.
قال ابن كثير: "قوله تعالى: (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) ، دل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليها فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر " انتهى.
وعلى هذا؛ يحرم انتخاب من يحكم بغير ما شرعه الله لما في ذلك من الرضا بهذا المحرم والإعانة عليه.
وإذا أُكرِه المسلم على الذهاب للانتخاب فيمكنه الذهاب ورفض هذا الرئيس أو إفساد صوته – إن استطاع- فإن لم يستطع إلا الموافقة على الانتخاب وخشي على نفسه الضرر إن لم يوافقهم، فنرجو أن لا يكون عليه حرج في ذلك لقول الله تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) النحل/106، ولقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/21)
هل يترك بعض الواجبات خشية دخول السجن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نعرف جيداً بأنه يحرم حلق اللحية، أو إسبال الإزار؛ بنص الأحاديث الواردة في ذلك، ولكن سؤالي هو أنه في بلادنا يمنع إعفاء اللحية ورفع الإزار، ويعتبر من يفعل ذلك مشبوها لدى الأجهزة الأمنية ويتعرض للسجن والتعذيب، والتحقيقات وحجز جوازات السفر وغيرها من الفتن التي تتعرض لها أسرة الشخص المستقيم. في هذه الظروف الصعبة يعيش الشباب المستقيم والتواق للالتزام بالشرع الحنيف على منهج السلف الصالح أوقاتاً صعبة من تقصير اللحى وإسبال الإزار وغيرها من ترك السنن الثابتة والذي لا يتبع هذا الطريق يكون مقره السجون سؤالي هو: هل نتقي شرور وفتن السجون ومضايقات قوات الأمن بتقصير أو حلق اللحى وترك السنن عموماً أو نصبر على الأذى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يفرج عن إخواننا المستضعفين في كل مكان، وأن يمكن لهم في الأرض، ويُري أعداءهم منهم ما كانوا يحذرون.
لاشك أن صدع المؤمن بالحق، وثباته على ذلك، وصبره على ما يلقاه في سبيل الله هو الأفضل والأولى، فمن رأى من نفسه الثبات والصبر، فالأولى له أن يجاهر بالحق، وليحتمل ما يصيبه بسبب ذلك؛ قال تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/1-3.
ومن خاف على نفسه الضرر، وكان الضرر حقيقياً، وليس مجرد وهمٍ أو جبن، فأخذ برخصة الله؛ دفعاً للضرر عن نفسه، فلا حرج عليه.
فجمهور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخذوا بالعزيمة، وصبروا على ما أوذوا في سبيل الله، ولم يعطوا الكفار ما يريدون منهم، رغم ما كانوا يلاقون من أصناف التعذيب.
ومنهم – كعمار بن ياسر رضي الله عنهما – من أخذ برخصة الله، وأعطى الكفار ما يريدونه من النيل من الإسلام، ومن النبي صلى الله عليه وسلم، مع اطمئنان قبله بالإيمان، وفيه نزل قوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/106.
والسجن وما يكون فيه من التعذيب نوع من الإكراه المعتبر عند العلماء يبيح للمسلم ترك بعض الواجبات، وفعل بعض المحرمات التي أكره عليها.
لكن الواجب أن تقدر الضرورة بقدرها، فإن أمكن دفع الضرورة بتقصير اللحية لم يجز حلقها، وإذا لم يمكن إلا بالحلق جاز له حلقها، وليؤخر ذلك ما استطاع، وهكذا يقال في تقصير الثياب، وعدم إسبالها.
وينبغي أن يُذكِّر المؤمن نفسه دائماً، بأن هذه الحال التي هو عليها حال ضرورة، ويكون صادقاً مع نفسه، فإذا ما اندفعت الضرورة عاد إلى ما أمره الله به، وصدع بالحق.
وليجتهد المسلم فيما يقدر عليه، وليبذل طاقته في ذلك، ولا حرج عليه إن شاء الله، فيما تركه خشية حصول الضرر، ولا يجوز له ترك الواجبات التي لا يضطر إلى تركها.
قال الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة / 286، وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن /16.
ونسأل الله تعالى أن يعز الإسلام والمسلمين، ويذل أعداء الدين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/22)
هل يلجأ إلى منظمات حقوق الإنسان للوصول إلى حقه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الالتجاء إلى منظمات حقوق الإنسان العالمية إذا رجي المسلم عودة حقه له؟ وما حكم الالتجاء إلى منظمة حقوق الإنسان الموجودة في السعودية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً:
سبق أن بيّنا في جواب السؤال رقم (97827) بعض ما تخفيه المبادئ البراقة لهذه الجمعيات العالمية من الأغراض الخبيثة المصادمة لشرع الله تعالى، وعلى ضوء ما سبق: فلا يجوز للمسلم أن يساهم مع هذه المنظمات في قيامها وإعلاناتها وتأييدها، ولا يجوز لمسلم أن يكون عضواً فيها.
وعليه فلا يجوز للمسلم الذي يجد طريقاً شرعيّاً لرفع مظلمته أن يرفعها لهذه المنظمات؛ لأنها تقوم على أسس تحارب الدين والأخلاق، والتحاكم إليها مع وجود المجال للتحاكم للإسلام كفرٌ بالله تعالى، وقد يكون كفراً مخرجاً من الملة، وقد يكون كفراً دون كفر، وذلك بحسب اعتقاد الشخص وحاله – كما سيأتي -.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله -:
من أقبح السيئات وأعظم المنكرات: التحاكم إلى غير شريعة الله من القوانين الوضعية، والنظم البشرية، وعادات الأسلاف والأجداد، وأحكام الكهنة والسحرة والمنجمين، التي قد وقع فيها الكثير من الناس اليوم وارتضاها بدلاً من شريعة الله التي بعث بها رسولَه محمَّداً صلى الله عليه وسلم , ولا ريب أن ذلك من أعظم النفاق , ومن أكبر شعائر الكفر، والظلم، والفسوق، وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن، وحذر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم , قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) النساء/60، 61، وقال تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ. أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/ 49، 50، وقال عز وجل: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة/45، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة/47، وهذا تحذير شديد من الله سبحانه لجميع العباد من الإعراض عن كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحاكم إلى غيرهما , وحكم صريح من الرب عز وجل على من حكم بغير شريعته بأنه كافر وظالم وفاسق ومتخلق بأخلاق المنافقين وأهل الجاهلية , فاحذروا أيها المسلمون ما حذركم الله منه , وحكموا شريعته في كل شيء , واحذروا ما خالفها وتواصوا بذلك فيما بينكم , وعادوا وأبغضوا من أعرض عن شريعة الله وتنقصها أو استهزأ بها وسهل في التحاكم إلى غيرها , لتفوزوا بكرامة الله وتسلموا من عقاب الله , وتؤدوا بذلك ما أوجب الله عليكم من موالاة أوليائه , الحاكمين بشريعته , الراضين بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعاداة أعدائه الراغبين عن شريعته المعرضين عن كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم - (12 / 259، 260) .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما رأيكم في المسلمين الذين يحتكمون إلى القوانين الوضعية، مع وجود القرآن الكريم والسنَّة المطهرة بين أظهرهم؟ .
فأجاب:
رأيي في هذا الصنف من الناس الذين يسمون أنفسهم بالمسلمين في الوقت الذي يتحاكمون فيه إلى غير ما أنزل الله , ويرون شريعة الله غير كافية، ولا صالحة للحكم في هذا العصر: هو ما قال الله سبحانه وتعالى في شأنهم حيث يقول سبحانه وتعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/ 65، ويقول سبحانه وتعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة/ 44، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة 45، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة/ 47.
إذاً فالذين يتحاكمون إلى شريعة غير شريعة الله , ويرون أن ذلك جائز لهم , أو أن ذلك أولى من التحاكم إلى شريعة الله: لا شك أنهم يخرجون بذلك عن دائرة الإسلام , ويكونون بذلك كفاراً ظالمين فاسين , كما جاء في الآيات السابقة، وغيرها , وقوله عز وجل: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/ 50.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 271) .
وينظر: جواب السؤال رقم (11233) وفيه بيان: حكم التحاكم إلى محكمة العدل الدولية.
وينظر: جواب السؤال رقم (84073) وفيه بيان: حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية.
وإذا لم يجد المسلم مجالاً لتحصيل حقه بطرق مباحة، وضاقت عليه الأمور: فيمكنه اللجوء لتلك المنظمات، والتحاكم إليها، إذا كانت قضيته شرعية، ولم يمكنه تحصيل حقه بطرق مباحة، وهذا من باب الضرورة، والقاعدة الشرعية " الضرورات تبيح المحظورات ".
رابعاً:
وأما منظمات حقوق الإنسان في " السعودية " فهما هيئتان – فيما نعلم -:
الأولى: " الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ".
والثانية: " هيئة حقوق الإنسان ".
ولا حرج في رفع مظلمتك وشكواك لهما، فهما هيئتان لا تعتمدان على نظم وقوانين ومبادئ الهيئات العالمية لحقوق الإنسان، بل تخالفانها في مسائل كثيرة، وتلك تنتقد هذه ودولتها في أمور متعددة.
وقد جاء في أهداف الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان – نقلاً عن موقعهم -:
- العمل على حماية حقوق الإنسان وفقاً للنظام الأساس للحكم الذي مصدره الكتاب والسنَّة ووفقا للأنظمة المرعية، وما ورد في الإعلانات والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان الصادرة عن الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والأمم المتحدة، ووكالاتها، ولجانها المختصة، وبما لا يخالف الشريعة الإسلامية.
- التعاون مع المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال.
- الوقوف ضد الظلم، والتعسف، والعنف، والتعذيب، وعدم التسامح.
انتهى
http://www.nshrsa.org/index.php?LID=1
وقولهم " بما لا يخالف الشريعة الإسلامية " يبعث على الاعتزاز والفخر، ويوضح بجلاء أنه لا حرج في اللجوء إليهم لرفع مظلمتك.
ومثل ذلك يقال في " هيئة حقوق الإنسان " حيث جاء بيان تأسيس الهيئة أنها تهدف إلى " حماية حقوق الإنسان، وتعزيزها، ونشر الوعي بها، والإسهام في ضمان تطبيق ذلك، في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية "، كما قاله رئيسها في لقاء معه في جريدة " الرياض " تاريخ: 08 جمادى الأولى 1427 هـ، الموافق: 5 يونيو 2006، العدد 10051.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/23)
مفهوم الديمقراطية في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن كلمة الديمقراطية مستقاة من الإسلام، فهل هذا صحيح؟ وما حكم الترويج للديمقراطية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الديمقراطية ليست كلمة عربية، بل هي مشتقة من اليونانية، وهي مجموعة من كلمتين: الأولى: DEMOS (ديموس) ، وتعني: عامة الناس، أو الشعب، والثانية: KRATIA (كراتيا) ، وتعني: حكم، فيصبح معناها: حكم عامة الناس، أو: حكم الشعب.
ثانياً:
الديمقراطية نظام مخالف للإسلام؛ حيث يجعل سلطة التشريع للشعب، أو من ينوب عنهم (كأعضاء البرلمان) ، وعليه: فيكون الحكم فيه لغير الله تعالى، بل للشعب، ونوابه، والعبرة ليست بإجماعهم، بل بالأكثرية، ويصبح اتفاق الأغلبية قوانين ملزمة للأمة، ولو كانت مخالفة للفطرة، والدين، والعقل، ففي هذه النظم تم تشريع الإجهاض، وزواج المثليين، والفوائد الربوية، وإلغاء الأحكام الشرعية، وإباحة الزنا وشرب الخمر، بل بهذا النظام يحارب الإسلام ويحارب المتمسكين به.
وقد أخبر الله تعالى فيه كتابه أن الحكم له وحده، وأنه أحكم الحاكمين، ونهى أن يُشرك به أحد في حكمه، وأخبر أن لا أحد أحسن منه حكماً.
قال الله تعالى: (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) غافر/12، وقال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) يوسف/40، وقال تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) التين/8، وقال تعالى: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) الكهف/26،
وقال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50.
والله عز وجل هو خالق الخلق، وهو يعلم ما يَصلح لهم وما يُصلحهم من أحكام، والبشر يتفاوتون في العقول والأخلاق والعادات، وهم يجهلون ما يصلح لهم فضلا أن يكونوا على علم بما يَصلح لغيرهم، ولذا فإن المجتمعات التي حكمها الشعب في التشريعات والقوانين لم يُر فيها إلا الفساد، وانحلال الأخلاق، وتفسخ المجتمعات.
مع التنبيه على أن هذا النظام تحول في كثير من الدول إلى صورة لا حقيقة لها، ومجرد شعارات يُخدع بها الناس، وإنما الحاكم الفعلي هو رأس الدولة وزبانيته، والشعب مقهور مغلوب على أمره.
ولا أدل على ذلك من أن هذه الديمقراطية إذا أتت بما لا يهواه الحكام داسوها بأقدامهم، ووقائعُ تزوير الانتخابات وكبت الحريات وتكميم أفواه من يتكلمون بالحق: حقائقُ يعلمها الجميع، لا تحتاج إلى استدلال.
وليس يصلح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
جاء في " موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة " (2 / 1066) :
ديمقراطية نيابية:
أحد مظاهر النظم الديمقراطية التي يمارس فيها الشعب مظاهر السيادة بواسطة مجلس منتخب من نواب من الشعب، وفيها يحتفظ الشعب بحق التدخل المباشر لممارسة بعض مظاهر السيادة عن طريق وسائل مختلفة، أهمها:
1. حق الاقتراع الشعبي: بأن يقوم عدد من أفراد الشعب بوضع مشروع للقانون مجملاً أو مفصَّلاً، ثم يناقشه المجلس النيابي ويصوِّت عليه.
2. حق الاستفتاء الشعبي: بأن يُعرض القانون بعد إقرار البرلمان له على الشعب ليقول كلمته فيه.
3. حق الاعتراض الشعبي: وهو حق لعدد من الناخبين يحدده الدستور للاعتراض في خلال مدة معينة من صدوره، ويترتب على ذلك عرضه على الشعب في استفتاء عام، فإن وافق عليه نُفِّذ… وإلا بطل، وبه تأخذ معظم الدساتير المعاصرة.
ولا شك في أن النظم الديمقراطية أحد صور الشرك الحديثة في الطاعة والانقياد أو في التشريع، حيث تُلغى سيادة الخالق سبحانه وتعالى وحقه في التشريع المطلق، وتجعلها من حقوق المخلوقين، والله تعالى يقول: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف/40، ويقول تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) الأنعام/57 " انتهى.
ثالثاً:
يظن كثير من الناس، أن لفظ " الديمقراطية " يعني: الحرية! وهذا ظن فاسد، وإن كانت الحرية هي إحدى إفرازات " الديمقراطية "، ونعني بالحرية هنا: حرية الاعتقاد، وحرية التفسخ في الأخلاق، وحرية إبداء الرأي، وهذه أيضا لها مفاسد كثيرة على المجتمعات الإسلامية، حتى وصل الأمر إلى الطعن في الرسل والرسالات، وفي القرآن والصحابة، بحجة " حرية الرأي "، وسُمح بالتبرج والسفور ونشر الصور والأفلام الهابطة بحجة الحرية، وهكذا في سلسلة طويلة، كلها تساهم في إفساد الأمة، خلقيّاً، ودينيّاً.
وحتى تلك الحرية التي تنادي بها الدول من خلال نظام الديمقراطية ليست على إطلاقها، نرى الهوى والمصلحة في تقييد تلك الحريات، ففي الوقت الذي تسمح نظمهم بالطعن في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، بحجة حرية الرأي: نجد منع هذه الحرية في مثل الكلام عن " محرقة النازيين لليهود "! بل يتم تجريم وسجن من ينكر هذه المحرقة، مع أنها قضية تاريخية قابلة للإنكار، لكنها لما تعلقت باليهود أصبح لها قدسية وأهمية أكثر من الإسلام! لذا أطلقوا ألسنتهم بحجة الحرية طعناً وتشويهاً لحقيقة الإسلام، ومنعوا تلك الحرية عندما تعلق الأمر بأسيادهم.
وإذا كان هؤلاء دعاة حرية: فلماذا لم يتركوا الشعوب الإسلامية تختار مصيرها ودينها؟! ولماذا قاموا باستعمار بلدانهم وساهموا في تغيير دينهم ومعتقدهم؟ وأين هذه الحريات من مذابح الإيطاليين للشعب الليبي، ومن مذابح الفرنسيين للشعب الجزائري، ومن مذابح البريطانيين للشعب المصري، ومن مذابح الأمريكان للشعبين الأفغاني والعراقي؟!
والحرية عند أدعيائها يمكن أن تصطدم بأشياء تقيدها، ومنها:
1. القانون، فليس للإنسان مطلق الحرية أن يسير في عكس اتجاه السير في الشارع، ولا أن يفتح محلا من غير ترخيص، ولو قال " أنا حر " لم يلتفت له أحد.
2. العرف، فلا تستطيع امرأة عندهم – مثلاً – أن تذهب لبيت عزاء وهي تلبس ملابس البحر! ولو قالت " أنا حرَّة " لاحتقرها الناس، ولطردوها؛ لأن هذا مخالف للعرف.
3. الذوق العام، فلا يستطيع أحد منهم – مثلاً – أن يأكل ويخرج ريحاً أمام الناس! بل ولا أن يتجشأ! ويحتقره الناس ولو قال إنه حر.
ونقول بعد هذا:
لماذا لا يكون لديننا أن يقيِّد حرياتنا، مثل ما قُيدت حرياتهم بأشياء لا يستطيعون إنكارها؟! ولا شك أن ما جاء به الدين هو الذي فيه الخير والصلاح للناس، فأن تمنع المرأة من التبرج، وأن يمنع الناس من شرب الخمر، وأكل الخنزير، وغير ذلك: كله لهم فيه مصالح، لأبدانهم، وعقولهم، وحياتهم، ولكنهم يرفضون ما يقيِّد حرياتهم إن جاء الأمر من الدين، ويقولون " سمعنا وأطعنا " إن جاءهم الأمر من بشرٍ مثلهم، أو من قانون!
رابعاً:
يظن بعض الخاصة أن لفظ " الديمقراطية " يعادل " الشورى " في الإسلام! وهذا ظن فاسد من وجوه كثيرة، منها:
1. أن الشورى تكون في الأمور المستحدثة، أو النازلة، وفي الشؤون التي لا يفصل فيها نص من القرآن أو السنَّة، وأما " حكم الشعب " فهو يناقش قطعيات الدين، فيرفض تحريم الحرام، ويحرِّم ما أباحه الله أو أوجبه، فالخمور أبيح بيعها بتلك القوانين، والزنا والربا كذلك، وضيِّق على المؤسسات الإسلامية وعلى عمل الدعاة إلى الله بتلك القوانين، وهذا فيه مضادة للشريعة، وأين هذا من الشورى؟!
2. مجلس الشورى يتكون من أناسٍ على درجة من الفقه والعلم والفهم والوعي والأخلاق، فلا يُشاور مفسد ولا أحمق، فضلاً عن كافر أو ملحد، وأما مجالس النيابة الديمقراطية: فإنه لا اعتبار لكل ما سبق، فقد يتولى النيابة كافر، أو مفسد، أو أحمق، وأين هذا من الشورى في الإسلام؟! .
3. الشورى غير ملزمة للحاكم، فقد يقدِّم الحاكم رأي واحدٍ من المجلس قويت حجته، ورأى سداد رأيه على باقي رأي أهل المجلس، بينما في الديمقراطية النيابية يصبح اتفاق الأغلبية قانوناً ملزماً للناس.
والواجب على المسلمين الاعتزاز بدينهم، والثقة بأحكام ربهم أنها تُصلح لهم دنياهم وأخراهم، ويجب عليهم التبرأ من النظم التي تخالف شرع الله.
وعلى جميع المسلمين – حكَّاماً ومحكومين – أن يلتزموا بشرع الله تعالى في جميع شؤونهم، ولا يحل لأحدٍ أن يتبنى نظاماً أو منهجاً غير الإسلام، ومن مقتضى رضاهم بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً أن يلتزم المسلمون بالإسلام ظاهراً وباطناً، وأن يعظموا شرع الله، وأن يتبعوا سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله أن يعزنا بالإسلام، وأن يرد كيد الخائنين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/24)
كلمة حول منظمات حقوق الإنسان الغربية وحكم التحاكم إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[تدعو منظمات حقوق الإنسان العالمية إلى العدل والمساواة، ومنع الظلم والعدوان على الناس بدافع الجنس والعِرْق واللون.. وغير ذلك من المبادئ السامية، فهل هناك مانع من التعاون معها؟ وإن كان: فما وجه الاعتراض على هذه المبادئ السامية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي على المسلم أن لا يغتر بمنظمات ما يسمى " حقوق الإنسان " الغربية والأوربية؛ فهي وإن كان ظاهر أمرها نصرة المستضعفين، والوقوف ضد التعذيب والحط من كرامة الإنسان في السجون ومراكز الاعتقال – وهي أمور جيدة في الجملة -: إلا أن لها وظائف أخرى، ومبادئ تنطلق من خلالها تسعى فيها لتدمير الأسرة، وفتح المجال للطعن في الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم، وسائر إخوانه الأنبياء عليهم السلام، وتقف في وجه الأحكام الشرعية التي تقيم حد الرجم على الزاني، والقتل على المرتد، والقطع على السارق، - من حيث التشريع، ومن حيث التطبيق وهي نادرة أو قليلة -، وتحارب هذه المنظمات الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة من حيث وجوب موافقة الولي في زواجها، ومن حيث أمرها بالحجاب، ونهيها عن الاختلاط، وغير ذلك كثير من مبادئها التي تزعم فيها تحرير الإنسان من التكاليف الشرعية، وتجعل الإنسان حرّاً في تصرفاته، لا يتقيد بعادات فاضلة، ولا أحكام شرعية سامية.
إن ملخص ما تدعو إليه هذه المنظمات: أن يفعل الإنسان ما يشاء من الشذوذ الأخلاقي، فيقفون مع السحاقيات واللوطيين والجنس الثالث، والشذوذ الديني، فيجعلون من حق الإنسان أن يكفر بما يشاء من الأديان، وأن يعبِّر عن رأيه – ولو تعلق بأنبياء – دون خوف أو وجل، ويساهمون – كذلك - في تحرر المرأة من قيود الأب والزوج والدِّين.
ثانياً:
وهذه بعض المواد التي اعتمدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي أقرته هيئة الأمم في 10 / 12 / 1948 م، - وقد نقلناها من موقعهم -:
1. المادة 2:
" لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي، سياسيّاً، وغير سياسي، أو الأصل الوطني، أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر ...
انتهى
المادة 18:
" لكل شخص حق في حرية الفكر، والوجدان، والدين، ويشمل هذا الحق: حريته في تغيير دينه، أو معتقده، وحريته في إظهار دينه، أو معتقده، بالتعبد، وإقامة الشعائر، والممارسة، والتعليم، بمفرده، أو مع جماعة، وأمام الملأ، أو على حدة ".
انتهى
المادة 19:
" لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق: حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء، والأفكار، وتلقيها، ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة، ودونما اعتبار للحدود.
انتهى
والحقوق والحريات المزعومة التي يدعون لها ليتمتع بها الإنسان بغض النظر عن دينه: تجعل الموحد والمشرك متساويين في تلك الحقوق والحريات، وتجعل عبد الله وعبد الشيطان في سياق واحد، وتكفل لكل عابد حجر أو وثن أو شخص أن يُعطى حقه وحريته كاملتين ليتمتع بكفره وإلحاده، وهذا مرفوض في شرع الله تعالى في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ. مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) القلم/ 35، 36.
وقال تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ص/28.
وقال تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) السجدة/18.
وهي دعوة لإلغاء حكم الردة، ودعوة لإظهار شعائر الكفر والإلحاد، ودعوة لفتح الباب أمام كل من يريد انتقاد الإسلام، أو نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وله الحرية في النقد والتعبير دون مضايقة أو منع.
وهي مبادئ فاسدة، إن كانت تناسب حياتهم وقيَمهم ودينهم: فهي لا تناسبنا، وهي مخالفة لشرعنا المطهَّر، والذي جاء بالأحكام التي تصلح حياة الفرد والمجتمعات، وتؤسس للأخلاق الفاضلة، فتحفظ العقول والأعراض والأبدان والأموال، وتدل الناس على الدين الذي يحبه الله تعالى ويرضاه لهم.
2. المادة 3:
" لكل فرد حق في الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه ".
انتهى
ومن هذه المادة انطلقت دعوات تلك المنظمات لحماية المجرمين من الإعدام، وراحت تشهر بالدول التي تقيم حدَّ الله بالرجم للزناة المحصنين، والقتل للمحاربين والمفسدين في الأرض، وتفتخر هذه المنظمات الآن بأنها أقنعت كثيراً من الدول بإلغاء عقوبة الإعدام في حق القتلة والمغتصبين والمجرمين، وهذا مخالف للفطرة، والعقل، والشرع، وهي رسالة طمأنة لهؤلاء المجرمين بأن حياتهم لن تزهق بسبب أفعالهم، وهذا من الإفساد في الأرض.
وهم يدعون لأن يكون للفرد " حق في الحياة والحرية " أي حياة وأي حرية، ولو كانت حياة البهائم، ولو كانت حرية تؤدي إلى الفساد والأمراض والإخلال بالأمن في الأسرة والمجتمع.
3. المادة 16:
" 1. للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ حق التزوج، وتأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب العرق، أو الجنسية، أو الدين، وهما يتساويان في الحقوق لدى التزوج، وخلال قيام الزواج، ولدى انحلاله ".
انتهى
وفي هذه المادة إبطال لدور ولي المرأة الذي يحفظ للمرة حقها في الزواج، ويساهم مع ابنته أو أخته في حسن الاختيار، والسؤال عن دين وخلق المتقدم للزواج، ومن حكمة الله تعالى أن شرع هذا، ولو جُعل الزواج للمرأة دون موافقة وليها: لرأيت أكثر البنات قد تزوجن من يعاكسهن ويغازلهن من الذئاب البشرية، الذين يحرصون على سلب عفتها، ثم إلقائها في أقرب حاوية قمامة!
وقد جعلوا الحق في الطلاق للزوجة كما هو الحق للزوج! وهذا ما سبَّب فساد النساء على أزواجهن، وساهم في تخريب بيوتهن، ومن يعلم طبيعة الرجل والمرأة لا يمكن أن يهذي بمثل هذا الهذيان، وليست بيوت أولئك عامرة أصلا حتى نقول انظروا كيف هدموها، فمن يدعو لزواج المثليين، وحق المرأة في مصاحبة الرجال، وحقها في الزواج والطلاق: فأي بيوت يمكنها أن تقوم بهذه المبادئ التافهة؟ وأي أسرة يمكن أن تنشأ؟ .
مع التنبيه أن تقارير هذه المنظمات تستغل سياسيّاً للتضييق على الدول الإسلامية التي تراعي الفضيلة والحشمة والأخلاق، أو تطبق أحكام الشريعة أو تطبق جزءً منها! وقد ألغت بعض الدول الإسلامية عقوبة الإعدام، وشددت في قوانين الزواج المبكر للجنسين، وراعت جانب المرأة في الخلع والنفقة، وغير ذلك، مما سبَّب فساداً وشرّاً مستطيراً في جوانب كثيرة من الحياة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/25)
حكم الخروج على الحكام الذين يقترفون المعاصي والكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة، فما رأي سماحتكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، فقال:
" بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/59، فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر، وهم الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة، وهي فريضة في المعروف، والنصوص من السنة تبين المعنى، وتقيد إطلاق الآية بأن المراد طاعتهم في المعروف، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) ، وسأله الصحابة رضي الله عنهم - لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون - قالوا: فما تأمرنا؟ قال: (أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم) . قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، وقال: (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان) ، فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً، وشراً عظيماً، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان؛ لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شراً أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة.
والقاعدة الشرعية المجمع عليها: (أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين) ، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً عندها قدرة تزيله بها، وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال إلى غير ذلك من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير. وهذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر، ونسأل الله للجميع التوفيق والهداية " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (8/202-204) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/26)
حكم قتل الكافر المستوطن أو الوافد المستأمن
[السُّؤَالُ]
ـ[يظن البعض من الشباب أن مجافاة الكفار - ممن هم مستوطنون في البلاد الإسلامية أو من الوافدين إليها - من الشرع، ولذلك البعض يستحل قتلهم وسلبهم إذا رأوا منهم ما ينكرون؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا يجوز قتل الكافر المستوطن أو الوافد المستأمن الذي أدخلته الدولة آمناً، ولا قتل العصاة ولا التعدي عليهم، بل يحالون فيما يحدث منهم من المنكرات للحكم الشرعي، وفيما تراه المحاكم الشرعية الكفاية " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (8/207) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/27)
التهرب من تولي القضاء!!
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يأبى كثير من العلماء في الماضي والحاضر تولي مهنة القضاء، مع أنهم مؤهلون لذلك؟ هل في هذا نص أو أثر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
منصب القضاء منصب شريف، وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به، وقد قام الأنبياء عليهم السلام، وبعض كبار الصحابة رضي الله عنهم، وبعض الأعلام من التابعين فمن بعدهم، فبالقضاء العادل أمرٌ بالمعروف، ونهي عن المنكر، ونصرة للمظلوم.
قال محمد الخادمي – رحمه الله -:
علم القضاء من أجل العلوم قدراً، وأعزهاً مكاناً، وأشرفها ذِكراً؛ لأنه مقام عليٌّ، ومنصب نبوي، به الدماء تُعصم وتُسفح، والأبضاع تُحرَّم وتُنكَح، والأموال يثبت مِلكها ويسلب، والمعاملات يُعلم ما يجوز منها ويَحرم ويُكره ويُندب، والدليل على أن علم القضاء ليس كغيره (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) الآية، ومنه بُعثَ الرسلِ، وبالقيام به قامت السموات والأرض، وجعله عليه الصلاة والسلام من النِّعَم التي يُباح الحسد عليها بقوله (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعمل بها) ، وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: " لأن أقضي يوماً أحب إليَّ من عبادة سبعين سنة "، فلذلك كان العدل بين الناس من أفضل أعمال البر وعليِّ درجات الآخرة، قال الله تعالى (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) ، فأي شيء أشرف من محبة الله.
" بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية " (4 / 2، 3) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله -:
وفيه فضل عظيم لِمن قَوِىَ على القيام به، وأداء الحق فيه، ولذلك جعل الله فيه أجراً مع الخطأ، وأسقط عنه حكم الخطأ، ولأن فيه أمراً بالمعروف، ونصرة للمظلوم، وأداء الحق إلى مستحقه وردعاً للظالم عن ظلمه، وإصلاحاً بين الناس، وتخليصاً لبعضهم من بعض، وذلك من أبواب القرب.
ولذلك تولاه النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله، فكانوا يحكمون لأممهم.
وبعث صلى الله عليه وسلم عَلِيّاً إلى اليمن قاضياً، وبعث مُعَاذاً قاضياً.
وقد روي عن ابن مسعود أنه قال: لأنْ أجلس قاضياً بين اثنين أحب إليَّ من عبادة سبعين سنة.
" المغني " (11 / 376) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (33 / 289) :
ولعلوّ رتبته وعظيم فضله جعل الله فيه أجراً مع الخطأ، وأسقط عنه حكم الخطأ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر) – متفق عليه - وإنما أُجِر على اجتهاده، وبذْل وسعه، لا على خطئه.
انتهى
ثانياً:
تولي القضاء قد يكون واجباً، وقد يكون مباحاً، وقد يحرم: فيحرم على من تولاه وهو جاهل بأحكام الشريعة، ويباح لمن كان يحسن القضاء ويوجد غيره يقوم به، ويجب على من يحسنه ولا يوجد غيره ليحكم بين الناس ويقضي بينهم.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
والناس في القضاء على ثلاثة أضرب:
1. منهم: من لا يجوز له الدخول فيه، وهو من لا يحسنه، ولم تجتمع فيه شروطه، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (القضاة ثلاثة) – ذكر منهم رجلا قضى بين الناس بجهل فهو في النار -؛ ولأن من لا يحسنه لا يقدر على العدل فيه فيأخذ الحق من مستحقه فيدفعه إلى غيره.
2. ومنهم: من يجوز له، ولا يجب عليه، وهو من كان من أهل العدالة والاجتهاد، ويوجد غيره مثله، فله أن يلي القضاء بحكم حاله وصلاحيته، ولا يجب عليه؛ لأنه لم يتعين له، وظاهر ككلام أحمد أنه لا يستحب له الدخول فيه؛ لما فيه من الخطر والغرر، وفي تركه من السلامة؛ ولما ورد فيه من التشديد والذم؛ ولأن طريقة السلف الامتناع منه والتوقي، وقد أراد عثمان رضي الله عنه تولية ابن عمر القضاء فأباه، وقال أبو عبد الله بن حامد: إن كان رجلا خاملا لا يُرجع إليه في الأحكام ولا يُعرف: فالأولى له توليه ليرجع إليه في الأحكام، ويقوم به الحق، وينتفع به المسلمون، وإن كان مشهوراً في الناس بالعلم، يُرجع إليه في تعليم العلم والفتوى: فالأولى الاشتغال بذلك؛ لما فيه من النفع، مع الأمن من الغرر، ونحو هذا قال أصحاب الشافعي، وقالوا – أيضاً -: إذا كان ذا حاجة، له في القضاء رزق: فالأولى له الاشتغال به، فيكون أولى من سائر المكاسب؛ لأنه قربة وطاعة....
الثالث: من يجب عليه، وهو من يصلح للقضاء، ولا يوجد سواه: فهذا يتعين عليه؛ لأنه فرض كفاية، لا يقدر على القيام به غيره فيتعين عليه، كغسل الميت وتكفينه.
وقد نُقل عن أحمد ما يدل على أنه لا يتعين عليه، فإنه سئل: هل يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره؟ قال: لا يأثم.
فهذا يحتمل أنه يحمل على ظاهره في أنه لا يجب عليه؛ لما فيه من الخطر بنفسه، فلا يلزمه الإضرار بنفسه لنفع غيره، ولذلك امتنع أبو قلابة منه، وقد قيل له ليس غيرك، ويحتمل أن يحمل على من لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان أو غيره فإنَّ أحمد قال: لا بد للناس من حاكم، أتذهب حقوق الناس؟ .
" المغني " (11 / 376) .
وبعض أهل العلم أجرى الأحكام الخمسة في القضاء، وهي التحريم والإيجاب والندب والكراهة والإباحة.
انظر: " معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام " للشيخ علاء الدين الطرابلسي – رحمه الله - (ص 10) .
ثالثاً:
لبعض الأئمة أقوال في التحذير من تولي القضاء، وعظم خطر هذا المنصب، ومن ذلك:
1. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لو يعلم الناس ما في القضاء ما قضوا في ثمن بعرة! ولكن لا بد للناس من القضاء، ومن إمرة، برة أو فاجرة.
" أخبَارُ القُضاة " لأبي بكر الضبي الملقب بـ" وكيع " (ص 21) .
2. عن المعلى بن روبة قال: قال لي رجاء بن حيوة: ولَّى الأميرُ اليوم عبدَ الله بن موهب القضاءَ، ولو اخترت بين أن أحمل إلى حفرتي وبين ما ولي ابن موهب: لاخترت أن أُحمل إلى حفرتي؛ فقلت له: فإن الناس يتحدثون أنك أنت أشرت به؛ قال: صدِّقوا، لأني نظرت للعامة، ولم أنظر له.
" أخبَارُ القُضاة " (ص 23، 24) .
3. عن مكحول قال: لأن أقدَّم فتضرب عنقي أحب إلى من أن ألي القضاء.
4. عن رافع، أن عمر بن هبيرة دعاه ليوليه القضاء؛ فقال: ما يسرني أني وليت القضاء، وأن سواري مسجدكم هذا لي ذهباً.
5. قال الفضيل بن عياض: إذا ولي الرجل القضاء: فليجعل للقضاء يوماً، وللبكاء يوماً.
6. عن ابن شبرمة قال: لا تجترئ على القضاء حتى تجرئ على السيف.
" أخبَارُ القُضاة " (ص 24) .
رابعاً:
قد عزف كثير من الأئمة عن تولي القضاء، بل وقبَل بعضهم بالضرب والسجن على توليه، وهرب بعضهم من بلده من أجل أن لا يتولى القضاء، ويمكن إجمال أسباب عزوف أولئك الأئمة عن القضاء بالأسباب التالية:
1. أنه يرى نفسه ليس أهلاً للقضاء، فالمعروف عن القضاء أنه يحتاج لسعة بال، وذكاء، وفطنة، وقد يرى الإمام العازف عن القضاء نفسه غير محقق لتلك الشروط.
قال الشيخ علاء الدين الطرابلسي – رحمه الله -:
قال بعض الأئمة: وشعار المتقين " البعد عن هذا والهرب منه "، وقد ركب جماعة ممن يقتدى بهم من الأئمة المشاق في التباعد عن هذا وصبروا على الأذى.
وانظر إلى قضية أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - في الامتناع منه وصبره على الإيذاء حتى تخلص، وكذا غيره من الأئمة.
وقد هرب أبو قِلابة إلى مصر لما طلب للقضاء فلقيه أيوب فأشار إليه بالترغيب فيه، وقال له: لو ثبتَّ لنلتَ أجراً عظيماً، فقال له أبو قلابة: الغريق في البحر إلى متى يسبح؟ ! .
وكلام أبي قلابة هذا ومن تقدمه وما أشبه ذلك من التهديد والتخويف: إنما هو في حق من علم في نفسه الضعف، وعدم الاستقلال بما يجب عليه، وكذلك من يرى نفسه أهلا للقضاء والناس لا يرونه أهلا لذلك.
وقد قال بعض العلماء: لا خير فيمن يرى نفسه أهلا لشيء لا يراه الناس أهلا لذلك.
والمراد بالناس: العلماء، فهرُبُ مَن كان بهذه الصفة عن القضاء واجب، وطلبه سلامة نفسه أمر لازم.
" معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام " (ص 9) .
2. أنه يرى أنه غير واجب عليه، ولا مستحب، بل إن قولاً للإمام أحمد يحتمل أن يكون معناه: أنه لا يجب عليه حتى لو تعيَّن الأمر عليه، ولم يوجد غيره.
3. أن فيه خطراً في الحكم بخلاف الحق، فيخشى العالِم على نفسه من تولي القضاء من أجل ذلك.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
وفيه – أي: القضاء - خطر عظيم، ووزر كبير، لمن لم يؤدِّ الحق فيه، ولذلك كان السلف رحمة الله عليهم يمتنعون منه أشد الامتناع، ويخشون على أنفسهم خطره.
" المغني " (11 / 376) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (33 / 289، 290) :
كان كثير من السلف الصالح يحجم عن تولّي القضاء ويمتنع عنه أشد الامتناع حتى لو أوذي في نفسه؛ وذلك خشيةً من عظيم خطره، كما تدلّ عليه الأحاديث الكثيرة والتي ورد فيها الوعيد والتخويف لمن تولى القضاء ولم يؤدّ الحق فيه، كحديث: (إن الله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان) ـ[رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني]ـ، وحديث: (من ولي القضاء أو جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكّين) – [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني]-، وحديث: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، رجل قضى بغير الحقّ فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاض قضى بالحقّ فذلك في الجنة) – [أخرجه الترمذي (3 / 604) والحاكم (904) من حديث بريدة، واللفظ للترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي]-. انتهى
4. عدم القدرة على تحمل بلاء القضاء.
قال الشيخ أبو الحسن النباهي – رحمه الله -:
ولما تقرر من بلاء القضاء: فرَّ عنه كثير من الفضلاء، وتغيبوا، حتى تركوا، وسُجن بسببه عند الامتناع آخرون، منهم أبو حنيفة، وهو النعمان بن ثابت، دعاه عمر بن هبيرة للقضاء، فأبى؛ فحبسه، وضربه أياماً، كل يوم عشرة أسواط، وهو متماد على إبايته، إلى أن تركه.
" تاريخ قضاة الأندلس " (ص 7) .
5. انشغالهم بما هو أهم، كانشغالهم بالرحلة في طلب العلم، وتعليم الناس.
وأخيراً: إذا كان الأئمة الأربعة – كما يروى عنهم - قد امتنعوا عن القضاء: فإن الأنبياء الكرام عليهم السلام والخلفاء الراشدين الأربعة قد تولوه، وباب الورع واسع لمن أراد التورع عنه.
ففي " الموسوعة الفقهية " (33 / 290) :
فقد تقلده – أي: القضاء - بعد المصطفى صلوات الله عليه وسلامه الخلفاء الراشدون، سادات الإسلام وقضوا بين الناس بالحقّ، ودخولهم فيه دليل على علوّ قدره، ووفور أجره، فإن من بعدهم تبع لهم، وَوَلِيَهُ بعدهم أئمة المسلمين من أكابر التابعين وتابعيهم، ومن كره الدّخول فيه من العلماء مع فضلهم وصلاحيتهم وورعهم، محمول كرههم على مبالغة في حفظ النفس، وسلوك لطريق السلامة، ولعلهم رأوا من أنفسهم فتوراً أو خافوا من الاشتغال به الإقلالَ من تحصيل العلوم.
انتهى
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/28)
بيان هيئة كبار العلماء: في ذم الغلو في التكفير وما ينشأ عنه من أثر خطير
[السُّؤَالُ]
ـ[يلاحظ في هذه الأيام تسرع بعض الشباب في التكفير وانزلاقهم في هذا المنعطف الخطير وما يتبع ذلك من أمور لا تحمد عقباها تتعلق بالدماء والأعراض فهل من نصيحة شيخنا الفاضل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لاشك أن التسرع في التكفير، والاستهانة بالدماء والأعراض، من أخطر المنزلقات التي قد يقع فيها الشباب، بتزيين من الشيطان ومكره؛ لأن هذه المسائل الكبيرة لا ينبغي أن يتكلم فيها إلا العلماء الراسخون، والخائض فيها بغير علم، إنما يخوض في الفتنة، ويرتكس في الضلالة، لأن الخطأ في هذه المسائل ليس كالخطأ في غيرها، فالخطأ هنا يعني إخراج المسلم من دينه، وإهدار دمه، واستباحة ماله وعرضه، ولهذا كان الواجب على كل مؤمن أن يحذر من هذا المسلك، وأن يحرص على طلب العلم، ولزوم العلماء، والتفقه في الدين، قبل أن يتكلم في هذه المسائل.
وقد صدر عن هيئة كبار العلماء نصيحة بليغة، وبيان شاف في هذا الأمر، هذا نصه:
" الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد درس مجلس (هيئة كبار العلماء) - في دورته التاسعة والأربعين – المعنقدة بالطائف، ابتداء من تاريخ (2/4/1419) ما يجري في كثير من البلاد الإسلامية – وغيرها – من التكفير والتفجير، وما ينشأ عنه من سفك الدماء، وتخريب المنشآت.
ونظراً إلى خطورة هذا الأمر، وما يترتب عليه من إزهاق أرواح بريئة، وإتلاف أموال معصومة، وإخافة للناس، وزعزعة لآمنهم واستقرارهم: فقد رأى المجلس إصدار بيان يوضح فيه حكم ذلك؛ نصحا لله وعباده، وإبراء للذمة، وإزالة للبس في المفاهيم – لدى من اشتبه عليه الأمر في ذلك -.
فنقول وبالله التوفيق -:
أولا: التكفير حكم شرعي، مرده إلى الله ورسوله؛ فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب: إلى الله ورسوله، فكذلك التكفير.
وليس كل ما وصف بالكفر من قول أو فعل، يكون كفرا أكبر مخرجا عن الملة.
ولما كان مرد حكم التكفير إلى الله ورسوله، لم يجز أن نكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره – دلالة واضحة -، فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن؛ لما يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة.
وإذا كانت الحدود تدرأ بالشبهات – مع أن مما يترتب عليها أقل مما يترتب عل التكفير -، فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات.
ولذلك حذر النبي – صلى الله عليه وسلم – من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر، فقال (أيما امرئ قال: لأخيه يا كافر فد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه) متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وقد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه أن هذا القول، أو العمل، أو الاعتقاد كفر، ولا يكفر من اتصف به؛ لوجود مانع يمنع من كفره.
وهذا الحكم، كغيره من الأحكام التي لا تتم إلا بوجود أسبابها وشروطها، وانتقاء موانعها، كما في الإرث، فسببه القرابة – مثلا – وقد لا يرث بها؛ لوجود مانع كاختلاف الدين، وهكذا الكفر يُكره عليه المؤمن، فلا يكفر به.
وقد ينطق المسلم بكلمة الكفر؛ لغلبة فرح، أو غضب، أو نحوهما، فلا يكفر بها؛ لعدم القصد، كما في قصة الذي قال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح) رواه مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
والتسرع في التكفير يترتب عليه أمور خطيرة، من استحلال الدم والمال، ومنع التوارث، وفسخ النكاح، وغيرها مما يترتب على الردة، فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم عليه لأدنى شبهة؟!
وإذا كان هذا في ولاة الأمور: كان أشد؛ لما يترتب عليه من التمرد عليهم، وحمل السلاح عليهم، وإشاعة الفوضى، وسفك الدماء، وفساد العباد والبلاد؛ ولهذا منع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم – من منابذتهم، فقال: ( ... إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان) متفق عليه من حديث عبادة رضي الله عنه.
- فأفاد قوله عليه الصلاة والسلام: " إلا أن تروا " أنه لا يكفي مجرد الظن والإشاعة.
- وأفاد قوله عليه الصلاة والسلام: " كفرا " أنه لا يكفي الفسوق – ولو كبر -، كالظلم، وشرب الخمر، ولعب القمار، والاستئثار المحرم.
- وأفاد قوله عليه الصلاة والسلام: " بواحا " أنه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواح، أي: صريح ظاهر.
- وأفاد قوله عليه الصلاة والسلام: " عندكم فيه من الله برهان " أنه لا بد من دليل صريح، بحيث يكون صحيح الثبوت، صريح الدلالة، فلا يكفي الدليل ضعيف السند، ولا غامض الدلالة.
- وأفاد قوله عليه الصلاة والسلام: " من الله ": أنه لا عبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والأمانة، إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله، أو سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -.
وهذه القيود تدل على خطورة الأمر.
وجملة القول: أن التسرع في التكفير له خطره العظيم؛ لقول الله – عزوجل -: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) الأعراف / 32.
ثانيا: ما نجم عن هذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء، وانتهاك الأعرض، وسلب الأموال الخاصة والعامة، وتفجير المساكن والمركبات، وتخريب المنشآت، فهذه الأعمال – وأمثالها – محرمة شرعا – بإجماع المسلمين -؛ لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة، وهتك لحرمات الأموال، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغدوهم ورواحهم، وفيه هتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها.
وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهم، وأعراضهم، وأبدانهم، وحرم انتهاكها، وشدد في ذلك، وكان من آخر ما بلغ به النبي – صلى الله عليه وسلم – أمته، فقال في خطبة حجة الوادع: (إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم؛ عليكم حرام: كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ثم قال – صلى الله عليه وسلم -: ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد) متفق عليه من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
وقال – صلى الله عليه وسلم -: (كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال – عليه الصلاة والسلام -: (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه.
وقد توعد الله – سبحانه – من قتل نفسا معصومة بأشد الوعيد، فقال – سبحانه – في حق المؤمن: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جنهم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) النساء / 93.
وقال سبحانه في حق الكافر - الذي له ذمة - إذا قتل الخطأ: (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) النساء / 92.
فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه دية والكفارة، فكيف إذا قتل عمدا؟! فإن الجريمة تكون أعظم، والإثم يكون أكبر.
وقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (من قتل معاهداً، لم يرح رائحة الجنة) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
ثالثا: إن المجلس إذ يبين حكم التكفير الناس – بغير برهان من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم –، وخطورة إطلاق ذلك؛ لما يترتب عليه من شرور وآثام -، فإنه يعلن للعالم: أن الإسلام برئ من هذا المعتقد الخاطئ، وأن ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة، وتفجير للمساكن والمركبات، والمرافق العامة والخاصة وتخريب للمنشآت: هو عمل إجرامي، والإسلام منه برئ، وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر برئ منه، وإنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف، وعقيدة ضالة، فهو يحمل إثمه وجرمه، فلا يحتسب عمله علي الإسلام، ولا علي المسلمين المهتدين بهدي الإسلام، المعتصمين بالكتاب والسنة، المستمسكين بحبل الله المتين، وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة؛ ولهذا جاءت نصوص الشريعة بتحريمه؛ محذرة من مصاحبة أهله:
قال تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد * وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) البقرة / 204.
والواجب على جميع المسلمين – في كل مكان – التواصي بالحق، والتناصح، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن؛ كما قال الله – سبحانه وتعالى-: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) البقرة / 2.
وقال – سبحانه-: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) التوبة / 71.
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (الدين النصيحة [ثلاثا] ، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
وقال – عليه الصلاة والسلام -: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
والآيات والأحاديث – في هذا المعنى – كثيرة.
نسأل الله سبحانه ـ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ـ أن يكف البأس عن جميع المسلمين، وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، وقمع الفساد والمفسدين، وأن ينصر بهم دينه، ويعلى بهم كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين – جميعا – في كل مكان، وأن ينصر بهم الحق إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/29)
هل يقاطع رحِمه الذين يعملون المعاصي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي مقاطعه أحد الأرحام بسبب تعامله بالربا، ويبيع أراضي لليهود، ومطعمه حرام؟ وهل يجوز طرح السلام عليه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله صلة الأرحام وحرَّم قطيعتها، قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى) النساء/36، وقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) الروم/38، وقال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء/1.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي توجب صلة الأرحام، وتُحرِّم قطيعتها، وقد لعن الله قاطع الرحم؛ قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) محمد/22،23.
فقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب بلا خلاف يُعلم.
ثانياً:
الهجر للمسلم إما أن يكون على أمرٍ من أمور الدنيا، كالشجار بسبب الأولاد، وإما أن يكون بسبب أمرٍ شرعي، كفعل بدعة أو ارتكاب معصية.
فإن كان بسبب أمرٍ دنيوي، فلا يحل الهجر لأكثر من ثلاثة أيام، مع أنه ممنوع أصلاً، وإن كان بسببٍ شرعي فيجوز البقاء على الهجر لأكثر من ذلك، حتى يدع بدعته أو يتوب من معصيته.
وقد يكون الهجر بسبب البدعة أو المعصية، سبباً في أن يزيد في بدعه ومعاصيه، ولا يحقق المصلحة في الهجر؛ فحينئذٍ لا يجوز الهجر؛ لأن الهجر شرع لغاية التأديب والتنفير عن الاستمرار في المخالفة للشرع، فإذا لم يحقق مقصوده فلا يهجر، بل يسلك طرقاً أخرى في الإنكار، كالترغيب والترهيب والموعظة الحسنة أو الهدية، وغير ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وأما هجر التعزير فمثل هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه الثلاثة الذين خُلِّفوا، وهجر عمر والمسلمين لصبيغ، فهذا من نوع العقوبات، فإذا كان يحصل بهذا الهجر حصول معروف أو اندفاع منكر: فهي [يعني: عقوبة الهجر] مشروعة، وإن كان يحصل بها من الفساد ما يزيد على فساد الذنب، فليست مشروعة.
" مجموع الفتاوى " (28 / 216، 217) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – وقد سئل عن الموقف ممن يفعل بعض الكبائر -:
من يتهم بهذه المعاصي تجب نصيحته وتحذيره منها ومن عواقبها السيئة، وأنها من أسباب مرض القلوب وقسوتها وموتها، أما من أظهرها وجاهر بها: فالواجب أن يُقام عليه حدُّها، وأن يُرفع أمره إلى ولاة الأمور، ولا تجوز صحبتهم، ولا مجالستهم، بل يجب هجرهم لعل الله يهديهم ويمنُّ عليهم بالتوبة، إلا أن يكون الهجر يزيدهم شرّاً: فالواجب الإنكار عليهم دائماً بالأسلوب الحسن والنصائح المستمرة حتى يهديهم الله، ولا يجوز اتخاذهم أصحاباً، بل يجب أن يستمر في الإنكار عليهم وتحذيرهم من أعمالهم القبيحة.
" فتاوى إسلامية " (4 / 520) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
فإن كان في الهجر مصلحة أو زوال مفسدة بحيث يكون رادعاً لغير العاصي عن المعصية، أو موجباً لإقلاع العاصي عن معصيته، كان الهجر حينئذٍ جائزاً، بل مطلوباً طلباً لازماً، أو مرغباً فيه، حسب عظم المعصية التي هجر من أجلها ... .
أما اليوم فإن كثيراً من أهل المعاصي لا يزيدهم الهجر إلاّ مكابرة وتمادياً في معصيتهم، ونفوراً وتنفيراً عن أهل العلم والإيمان؛ فلا يكون في هجرهم فائدة لهم ولا لغيرهم.
وعلى هذا فنقول:
الهجر دواء يستعمل حيث كان فيه الشفاء، وأما إذا لم يكن فيه شفاء، أو كان فيه إشفاء - وهو الهلاك -: فلا يستعمل.
فأحوال الهجر ثلاث:
إما أن تترجح مصلحته: فيكون مطلوباً.
وإما أن تترجح مفسدته: فينهى عنه بلا شك.
وإما أن لا يترجح هذا ولا هذا: فالأقرب النهي عنه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة) .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3 / السؤال رقم 385) .
وقال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -:
هجر المؤمن لا يجوز فوق ثلاثة أيام إذا كان على أمر من أمور الدنيا، بل عليه أن يصالح أخاه وأن يُسلِّم عليه إذا لقيه، ومع أنه لا ينبغي ابتداءاً أن يهجر على أمر من أمور الدنيا، ولكن لو حصل شيء من الهجر: فإنه لا يتجاوز ثلاثة أيام، وهذا هو المراد بالحديث: (لا يَحِلُّ لمؤمن أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاث) يعني: إذا كان الهجر على أمر من أمور الدنيا.
أما إذا كان الهجر لأجل معصية ارتكبها ذلك المهجور، وكانت هذه المعصية من كبائر الذنوب، ولم يتركها: فإنه يجب مناصحته وتخويفه بالله عز وجل، وإذا لم يمتنع عن فعل المعصية ولم يتب: فإنه يُهجَر؛ لأن في الهجر تعزيراً له وردعًا له لعله يتوب؛ إلا إذا كان في هجره محذور؛ بأن يُخشى أن يزيدَ في المعصية وأن يترتب على الهجر مفسدة أكبر؛ فإنه لا يجوز هجره في هذه الحالة؛ فهجر العاصي إنما يجوز إذا كان من ورائه مصلة ولا يترتب عليه مضرة أكبر.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 273، 274) .
ثالثاً:
حكم السلام على صاحب البدعة والمعصية حكم الهجر، والأمر يدور على المصلحة وانتفاع المهجور، فإن كان الهجر يحدث فيه تغييراً للأفضل، فيُلحق السلامُ بالهجر فلا يسلَّم عليه، فإن كان الهجر غير مؤثر فيه: تُرك الهجر وتُرك الامتناع عن السلام.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الهجر إذا كان فيه مصلحة بالنسبة للفاسق: فاهجره، وإلا لا تهجره، لو مررت بشخصٍ يشرب الدخان - والدخان معصية وحرام، والإصرار عليه ينزل صاحبه من مرتبة العدالة إلى مرتبة الفسوق -: سلِّم عليه إذا رأيت أن هجره لا يفيد، سلِّم عليه ربما إذا سلمتَ عليه ووقفت معه وحدثته بأن هذا حرام، وأنه لا يليق بك: ربما يمتثل ويطفئ السيجارة ولا يعود، لكن لو أنك لم تسلِّم عليه، كبر ذلك في نفسه وكرهك وكره ما تأتي به من نصيحة، حتى لو أصر على المعصية: سلِّم عليه وانصحه.
" لقاءات الباب المفتوح " (165 / السؤال رقم 8) .
وانظر للأهمية: جواب السؤال رقم (21878) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/30)
هل يجوز تصويت المسلمين للكفار الأخف شراً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المسلمين الذين يعيشون في بلاد غير إسلامية يريدون معرفة جواز المشاركة في الانتخابات والتصويت لأحزاب غير إسلامية. يقولون بأن بعض الأحزاب المعينة ستخدم المسلمين هناك إذا فازوا في الانتخابات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه من مسائل الفتوى التي يختلف فيه الحكم بحسب الزمان والمكان والأحوال فلا يطلق فيها حكم عام في جميع الصور الواقعة أو المتوقعة.
ففي بعض الحالات لا يسوغ فيها التصويت كما إذا كان الأمر لا أثر له على المسلمين، أو كان المسلمون لا أثر لهم في التصويت، فإدلاؤهم وعدمه سواء، وكذا لو كان الحال متشابهة ومتساوية بالنسبة للمصوّت لهم لاستوائهم في الشر أو الموقف من المسلمين..
وقد تكون المصلحة الشرعية مقتضية للتصويت من باب تخفيف الشر وتقليل الضرر، كما لو كان المرشحون من غير المسلمين لكن أحدهم أقل عداوة للمسلمين من الآخر، وكان تصويت المسلمين مؤثرا في الاقتراع فلا بأس بالتصويت له في مثل هذه الحال.
وعلى كل حال فهذه من مسائل الاجتهاد المبنية على قاعدة المصالح والمفاسد ينبغي أن يرجع فيها إلى أهل العلم العارفين لضوابط هذا الأصل، وأن يُعرض عليهم الأمر بتفاصيله في حال البلد الذي تعيش فيه الجالية المسلمة وقوانينه وحال المرشّحين وأهمية التصويت وجدواه ونحو ذلك.
وليس لأحد أن يتوهم أن من قال بالتصويت أنه مقرر للكفر مؤيد له، وإنما ذلك لمصلحة المسلمين لا محبة للكفر وأهله، وقد فرح المسلمون بانتصار الروم على الفرس، كما فرح المسلمون في الحبشة بانتصار النجاشي على من نازعه الملك كما هو معروف في السيرة ومن أراد التورع فله ذلك، وهذا الجواب في موضوع انتخاب الأشخاص في المواقع المؤثّرة. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(12/31)
هل يجوز مبايعة الحاكم الكافر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مبايعة حاكم كافر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البيعة عهد على الطاعة، وهو عقد شرعي بين المبايِع والمبايَع وهو الأمير أو الخليفة.
وتنعقد البيعة للخليفة بعد اختيار أهل الحل والعقد له، وهم الذين توفرت فيهم شروط الأمانة وحسن الرأي.
وفي " الموسوعة الفقهية " (9 / 274) :
"البيعة اصطلاحاً - كما عرّفها ابن خلدون في " مقدّمته " -: العهد على الطّاعة، كأنّ المبايع يعاهد أميره على أن يسلّم له النّظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلّفه به من الأمر على المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده: جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، وصارت البيعة تقترن بالمصافحة بالأيدي" انتهى.
وفيها – أيضاً – (9 / 278) :
"اختيار أهل الحلّ والعقد للإمام وبيعتهم له هي الأصل في انعقاد الإمامة، وأهل الحلّ والعقد هم العلماء وجماعة أهل الرّأي والتّدبير، الّذين اجتمع فيهم العلم بشروط: الأمانة، والعدالة، والرّأي" انتهى.
وكما أنه يشترط لأهل الحل والعقد شروط يجب توافرها فيهم: فكذلك للخليفة المبايَع شروط يجب توافرها فيه، وبعض هذه الشروط مختلف فيها، وبعضها الآخر متفق عليه، وشرط الإسلام لم يختلف عليه أحد من أهل العلم؛ لأن مقتضى البيعة تطبيق شرع الله تعالى، وإقامة الحدود، وحراسة الثغور، فكيف سيطبق كافرٌ شرع الله تعالى، ويقوم بهذه الأعمال؟! بل إن كان مسلماً وطرأ عليه الكفر: فإنه يُعزل؛ لكفره.
قال ابن حزم رحمه الله – في بيان شروط الإمامة -:
"وأن يكون مسلماً، لأن الله تعالى يقول: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) والخلافة أعظم السبيل، ولأمره تعالى بإصغار أهل الكتاب، وأخذهم بأداء الجزية" انتهى.
" الفصَل في الملل والأهواء والنحَل " (4 / 128) .
وقال النووي رحمه الله:
"قال القاضي: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر: انعزل" انتهى.
" شرح مسلم " (12 / 229) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (6 / 218) :
"يَشترط الفقهاء للإمام شروطاً، منها ما هو متّفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه.
فالمتّفق عليه من شروط الإمامة:
أ. الإسلام؛ لأنّه شرط في جواز الشّهادة وصحّة الولاية على ما هو دون الإمامة في الأهمّيّة، قال تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) ، والإمامة - كما قال ابن حزمٍ: - أعظم " السّبيل "، وليراعي مصلحة المسلمين" انتهى.
وعليه: فلا يجوز مبايعة الحاكم الكافر، ولو طرأ الكفر عليه فإنه يُعزل بالشروط المعروفة عند أهل العلم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/32)
حكم استهداف المصالح النفطية
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعنا جميعا عن الاعتداء الإرهابي الذي حصل على مدينة بقيق واستهدف المصالح النفطية فيه، نرجو توجيهكم في حكم هذه الأعمال الإجرامية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المنشآت النفطية جزء من المال العام الذي لا يجوز الاعتداء عليه بأي صورة من صور الاعتداء كالنهب أو السرقة أو التدمير أو التفجير، وفاعل ذلك معتد آثم متجاوز حدود الله، وجنايته على المال العام أعظم من جنايته على المال الخاص المملوك لآحاد الناس؛ لتعلق حق العامة به، ولهذا جاء الوعيد الشديد في الأخذ من المال العام، كما روى البخاري (3073) ومسلم (1831) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ قَالَ: (لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ) .
وعليه فمن استهدف هذه المنشآت بعمل من أعمال التخريب أو التفجير فهو باغ ظالم، وإن ظن ذلك قربة إلى الله فهو من أجهل الناس، لأنه يعتدي على مال الأمة، ويضار بها في أرزاقها ومواردها.
قال سماحة مفتي عام المملكة في التعليق على هذا الحادث الإجرامي: " وبالجملة فهذا مال المسلمين العام، والمال هو قوام الحياة، وبه استقامة أمور الدنيا والدين. ألم يقل الله عز وجل: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) .
فبأي حجة بل وبأي مبرر سوّغ هؤلاء الأشرار لأنفسهم محاولة الاعتداء عليه والسعي في تدميره؟ إنما هو تزيين الشيطان لأهل الغواية، فهم كما قال الله تعالى: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) , ويقول تعالى: (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين) " انتهى كلامه حفظه الله.
ثانيا:
إذا تضمن تدمير المنشآت الاعتداء على الأنفس فهذه جناية أخرى أعظم وأطم؛ فإن (زَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) كما قال صلى الله عليه وسلم. [رواه الترمذي (1395) والنسائي (3987) وابن ماجه (2619) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو] .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) رواه البخاري (6862) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ) رواه البخاري (6863) .
وهؤلاء الآمنون لا ذنب لهم إلا قيامهم على حفظ هذا المال العام، فهم قائمون بواجبهم، فأي وجه للاعتداء عليهم وإزهاق أرواحهم، وماذا يقول المجرم حين يتعلق به المقتول تشخب أوداجه دما ويقول: يا رب سل هذا فيم قتلني؟
ثم إن هذا العمل المنكر لا يقتصر ضرره على قتل رجل أو رجلين، بل هو منذر بهلاك الجم الغفير من الناس القاطنين في المدن والقرى المجاورة، لولا أن الله تعالى حفظ وسلم ورد كيد الكائد.
ولاشك أنه كلما عظمت المفاسد والآثار السيئة كلما تبين شناعة الجرم وعظم المعصية.
والحاصل أن هذا العمل الإجرامي لا يستريب طالب علم في تحريمه وتجريمه، ووصفه بالفساد والإفساد والجهل والطيش، والمسلمون جميعا مطالبون بالوقوف في وجهه، صيانة للمحرمات، وحفظا للأموال التي بها قوام الحياة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(12/33)
هل يجوز في الشريعة الإسلامية أن تكون المرأة حاكمة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز في الشريعة الإسلامية أن تكون المرأة حاكمة؟ أتمنى أن يكون هناك دليل من القرآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يُشْكر الأخ السائل على حرصه على معرفة واتباع الأدلة من القرآن الكريم، ولكن لا يلزم في كل مسألة أن يكون لها دليل خاص من القرآن، بل كثير من الأحكام إنما ثبتت أدلتها بالسنة النبوية الصحيحة، ولم تثبت بالقرآن، والواجب على المسلم اتباع أدلة القرآن والسنة جميعاً. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء/59.
فأمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر برد المسائل المتنازع فيها إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر/7.
وروى ابن ماجه (12) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (8186) .
ثانياً:
دلت الأدلة من الكتاب والسنة على عدم جواز تولي المرأة للولايات العامة، كالخلافة والوزارة والقضاء وما أشبه ذلك.
1- أدلة القرآن:
قال الله عز وجل: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء / 34.
قال القرطبي:
قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) أي: يقومون بالنفقة عليهن، والذب عنهن، وأيضاً: فإنَّ فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء اهـ. "تفسير القرطبي" (5 / 168) .
وقال ابن كثير:
أي: الرجل قيِّم على المرأة، أي: هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت.
(بما فضَّل الله بعضهم على بعض) أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك المُلك الأعظم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولَّوا أمرَهم امرأة) رواه البخاري، وكذا منصب القضاء اهـ. "تفسير ابن كثير" (1 / 492) .
2- أدلة السنة:
عن أبي بكرة قال: لما بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملَّكوا عليهم بنت كسرى، قال: (لن يُفلح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأة) . رواه البخاري (4163) .
قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (8/305) :
فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات، ولا يحل لقوم توليتها، لأنه يجب عليهم اجتناب ما يوقعهم في عدم الفلاح اهـ بتصرف.
وقال الماوردي - في معرض كلامه عن الوزارة -:
ولا يجوز أن تقوم بذلك امرأة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أفلح قومٌ أسندوا أمرهم إلى امرأة) ؛ ولأن فيها من طلب الرأي وثبات العزم ما تضعف عنه النساء، ومن الظهور في مباشرة الأمور ما هو عليهن محظور اهـ "الأحكام السلطانية " (ص 46) .
وقال ابن حزم رحمه الله - في معرض حديثه عن الخلافة -:
ولا خلاف بين أحدٍ في أنها لا تجوز لامرأة اهـ "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (4 / 129) .
وفي "الموسوعة الفقهية" (21 / 270) :
اتفق الفقهاء على أن من شروط الإمام الأعظم أن يكون ذكرا، فلا تصح ولاية امرأة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة) ، ولكي يتمكن من مخالطة الرجال، ويتفرغ لتصريف شئون الحكم ; ولأن هذا المنصب تناط به أعمال خطيرة , وأعباء جسيمة , تلائم الذكورة اهـ.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى السؤال التالي:
ما موقف الشرع الإسلامي الحنيف من ترشيح امرأة نفسها لرئاسة الدولة، أو رئاسة الحكومة، أو الوزارة؟
فأجاب:
تولية المرأة واختيارها للرئاسة العامة للمسلمين لا يجوز، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على ذلك، فمن الكتاب: قوله تعالى: {الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض} ، والحكم في الآية عام شامل لولاية الرجل وقوامته في أسرته، وكذا في الرئاسة العامة من باب أولى، ويؤكد هذا الحكم ورود التعليل في الآية، وهو أفضلية العقل والرأي وغيرهما من مؤهلات الحكم والرئاسة.
ومن السنَّة: قوله صلى الله عليه وسلم لما ولَّى الفرسُ ابنةَ كسرى: (لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأة) ، رواه البخاري.
ولا شك أن هذا الحديث يدل على تحريم تولية المرأة لإمرة عامة، وكذا توليتها إمرة إقليم أو بلد؛ لأن ذلك كله له صفة العموم، وقد نفى الرسول صلى الله عليه وسلم الفلاح عمَّن ولاها، والفلاح هو الظفر والفوز بالخير.
وقد أجمعت الأمة في عهد الخلفاء الراشدين وأئمَّة القرون الثلاثة المشهود لها بالخير عمليّاً على عدم إسناد الإمارة والقضاء إلى امرأة، وقد كان منهن المتفوقات في علوم الدين، اللاتي يُرجع إليهن في علوم القرآن والحديث والأحكام، بل لم تتطلع النساء في تلك القرون إلى تولي الإمارة، وما يتصل بها من المناصب، والزعامات العامة، ثم إن الأحكام الشرعية العامة تتعارض مع تولية النساء الإمارة؛ فإن الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية، ويتولى شؤونها العامة اللازمة لإصلاحها؛ فيضطر إلى الأسفار في الولايات، والاختلاط بأفراد الأمة، وجماعاتها، وإلى قيادة الجيش أحياناً في الجهاد، وإلى مواجهة الأعداء في إبرام عقود ومعاهدات، وإلى عقد بيعات مع أفراد الأمَّة، وجماعتها، رجالاً ونساء في السلم والحرب ونحو ذلك، مما لا يتناسب مع أحوال المرأة وما يتعلق بها من أحكام شرعت لحماية عرضها، والحفاظ عليها من التبذل الممقوت.
وأيضاً: فإن المصلحة المدركة بالعقل تقتضي عدم إسناد الولايات العامة لهن، فإن المطلوب فيمن يُختار للرئاسة أن يكون على جانب كبير من كمال العقل، والحزم، والدهاء، وقوة الإرادة، وحسن التدبير، وهذه الصفات تتناقض مع ما جُبلت عليه المرأة من نقص العقل، وضعف الفكر، مع قوة العاطفة، فاختيارها لهذا المنصب لا يتفق مع النصح للمسلمين، وطلب العز والتمكين لهم، والله الموفق، وصلى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه اهـ "مجلة المجتمع" (العدد 890) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/34)
حكم قتل الأجانب في بلاد المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ ما رأيكم في العمليات التي تحدث في بلاد المسلمين وتستهدف قتل الأجانب ولكنها تؤدي إلى قتل عدد من المسلمين أيضا وتدمير بعض المباني والمنشآت، وهل هذا من الجهاد كما يقول منفذوها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذه العمليات التي تحدث في بلاد المسلمين وتستهدف كما ذكرت الأجانب، ليست جهادا، بل هي فساد وإفساد، وتخريب وتشويه، وهي دالة على جهل مرتكبيها وطيشهم، فإن هؤلاء الأجانب مستأمنون في بلاد المسلمين، لم يدخلوها إلا بإذن، فلا يجوز الاعتداء عليهم، لا بالضرب ولا بالنهب، فضلا عن القتل، فدماؤهم وأموالهم معصومة، والمتعرض لهم على خطر كبير، كما روى البخاري (3166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) .
وهذا شامل للذمي والمعاهد والمستأمن.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": " وَالْمُرَاد بِهِ مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم " انتهى.
وفي قوله رحمه الله: " أو أمان من مسلم " إشارة إلى ما هو معروف عند الفقهاء من أن الأمان لا يشترط أن يكون من الحاكم والسلطان، بل يجوز أن يكون من رجل من عامة المسلمين، وهؤلاء الأجانب المشار إليهم يدخلون بلاد المسلمين بأمان من دولة المسلمين أو بأمان من أحد من المسلمين، فلا يجوز التعرض لهم ولو كانوا في الأصل محاربين.
وقد روى البخاري (3171) ومسلم (336) عن أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها قال: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَلِكَ ضُحًى) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " (ومن أعطاهم الأمان منا ; من رجل , أو امرأة , أو عبد , جاز أمانه) وجملته أن الأمان إذا أعطي أهل الحرب , حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم. ويصح من كل مسلم بالغ عاقل مختار , ذكرا كان أو أنثى , حرا كان أو عبدا. وبهذا قال الثوري , والأوزاعي , والشافعي , وإسحاق , وابن القاسم , وأكثر أهل العلم " انتهى من "المغني" (9/195) .
ثانيا:
إذا نقض المستأمن أو المعاهد عهده لم يجز لآحد المسلمين قتله؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس النفاق مخافة أن يقال إن محمدا يقتل أصحابه، وهكذا ليس لآحاد المسلمين قتل من ظهرت ردته وزالت عصمته؛ للمعنى الذي ذكرنا، وكم جر هذا من الشر والبلاء على أهل الإسلام، وكم حصل به من التضييق على الدعوة الإسلامية والدعاة، وكم استغله المغرضون لتشويه صورة الحق وأهله.
ثالثا:
أما التسبب في قتل المسلمين المعصومين، فذلك جرم كبير، وذنب عظيم؛ فإن (زَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) كما قال صلى الله عليه وسلم. [رواه الترمذي (1395) والنسائي (3987) وابن ماجه (2619) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو] .
وما يدعيه هؤلاء من الاستشهاد بمسألة التترس مردود عليهم، وهو دال على جهلهم وظلمهم، فإنا نمنع قتل الكافر المباح الدم لو كان وحده - لما ذكرنا من المفسدة - فكيف إذا انضاف إلى ذلك قتل غيره من معصومي الدم.
فبان بهذا أن فعل هؤلاء ظلمات بعضها فوق بعض، وأن منشأها الجهل والعجلة وعدم الرجوع إلى أهل العلم الذين أمرنا بسؤالهم ورد الأمر إليهم، وقد انتظمت كلمة الثقات الأثبات من أهل العلم على منع هذه العمليات وتجريمها لكونها محرمة من أصلها أو لما يترتب عليها من المفاسد والشرور.
فعلى كل امرئ أن يتقي الله تعالى، وأن يحذر أشد الحذر من إخفار ذمة المسلم، وسفك الدم الحرام، وجلب الشر على أهل الإسلام.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(12/35)
هل يقلد الصوفية للتمويه بسبب الضغوط الأمنية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في بلدنا للأسف يلاحَق السلفيون أمنيّاً، فهل يجوز لي أن أقلد الصوفية في بعض البدع غير المكفرة للتورية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يفرّج كربكم، ويزيل همكم، وأن يعلي راية السنة.
ثانياً:
لا بدَّ من التفريق بين حال توقع حصول الضرر بالوهم، وحال غلبة الظن بحصوله، أو اليقين، أما الأوهام فغير معتبرة للوقوع في المحذور من أجلها؛ وأما الضرر اليقيني فهو مبيح للأخذ بالرخصة في فعل المحذور، وأما ما كان بغلبة الظن فهو متردد بين الحكمين، وهو إلى الأخذ بالرخصة أقرب.
ثالثاً:
حد الضرر المبيح للوقوع في المحرم ليس هو الضرر اليسير كالتحقيق والاعتقال لأيام قليلة أو الطرد من الوظيفة، بل هو ما كان غير محتمل من الأذى والعقوبة المتعلقة بالدين والبدن والعقل والعرض، ولا بدَّ أن يكون المهدِّد بالضرر قادراً على تنفيذ قوله، وكذا أن يكون المكرَه عاجزاً عن دفعه.
قال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله -:
ومن شرط الإكراه ثلاثة أمور أحدها: أن يكون من قادر بسلطان، أو تغلب كاللص ونحوه، وحكي عن الشعبي: إن أكرهه اللص: لم يقع طلاقه، وإن أكرهه السلطان وقع، قال ابن عيينة: لأن اللص يقتله والسلطان لا يقتله " انظر: [مصنف عبد الرزاق: 11422] .
وعموم ما ذكرناه في دليل الإكراه يتناول الجميع، والذين أكرهوا عماراً لم يكونوا لصوصا ً , وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم – لعمار: " إن عادوا فعُد "؛ ولأنه إكراه، فمنع وقوع الطلاق، كإكراه اللصوص.
الثاني: أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه.
الثالث: أن يكون مما يستضر به ضرراً كثيرا ً , كالقتل والضرب الشديد، والقيد , والحبس الطويل، فأما الشتم والسب فليس بإكراه رواية واحدة، وكذلك أخذ المال اليسير.
فأما الضرر اليسير: فإن كان في حق من لا يبالي به: فليس بإكراه، وإن كان في بعض ذوي المروءات، على وجه يكون إخراقاً بصاحبه، وغضّاً له، وشهرة في حقه، فهو كالضرب الكثير في حق غيره.
وإن توعد بتعذيب ولده , فقد قيل: ليس بإكراه لأن الضرر لا حق بغيره، والأولى أن يكون إكراها، لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله؛ والوعيد بذلك إكراه , فكذلك هذا.
" المغني " (7 / 292) .
رابعاً:
قد كان المسلمون الأوائل في مكة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يخفون إسلامهم، ولم يكن يقتضي هذا منهم إظهار شعائر الكفر، فالذي نراه في حالتكم: أنكم لا تتسببون في لفت الأنظار إليكم بالمناقشات والتحرشات بالمخالفين من أهل البدعة، وإذا اضطررتم لدفع الضر عنكم بمجالسة أهل البدعة فليكن ذلك حيث لا يكونون متلبسين ببدعتهم، فيمكنك حضور دروس لهم – مثلاً – فقهية أو لغوية، مع ضرورة التنبه أنه لم تعُد مثل هذه التصرفات بخافية على أهل البدع والضلالة، فنوصيكم بالصبر على الدعوة، وتوقع حصول الأذى، ولا يجوز لكم التحرش بهم لجلب الضرر لكم ولدعوتكم، فعليكم التحلي بالأخلاق الفاضلة حين دعوة الناس وحين الإنكار عليهم، واسألوا الله تعالى أن يخفف وطأة أهل البدع ومن ينصرهم عليكم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/36)
هل يشترط إذن الإمام للجهاد في سبيل الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشترط إذن الإمام للجهاد في سبيل الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (20214) حكم الجهاد وأنواعه، وفيه أنه يكون فرض عين إذا هجم العدو على المسلمين، ففي هذه الحال يجب قتالهم على كل مسلم، ولا يشترط إذن الإمام حينئذٍ.
أما الجهاد الذي يقصد منه الفتح، ودعوة الكفار إلى الإسلام، وقتال من أبى الخضوع لحكم الله، فهذا لا بد فيه من إذن الإمام، وبذلك تنضبط الأمور.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك " انتهى.
"المغني" (10 / 368) .
وإذن الإمام مانع من الفوضى التي يمكن أن تنشأ من إعلان بعض المسلمين الحرب على أعداء الله دون تقدير لظروفهم وقوتهم وقوة عدوهم.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" الجهاد لإعلاء كلمة الله وحماية دين الإسلام والتمكين من إبلاغه ونشره وحفظ حرماته فريضة على من تمكن من ذلك وقدر عليه، ولكنه لا بد له من بعث الجيوش وتنظيمها خوفاً من الفوضى وحدوث ما لا تحمد عقباه؛ ولذلك كان بدؤه والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه مخلصاً وجهه لله، راجياً نصرة الحق، وحماية الإسلام، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي وعدم العذر: فهو آثم " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 12) .
واجتماع الناس من قبَل الإمام يزيدهم قوة، فضلاً عن التزامهم بالواجب الشرعي في طاعته فيما لم يخالف فيه شرع الله، وبذلك يكون المسلمون المجاهدون صفّاً واحداً يجتمعون على نصرة الدين وحماية شرع الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين , بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع , لحاجة بعضهم إلى بعض , ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس , حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) رواه أبو داود من حديث أبى سعيد وأبى هريرة , وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم) فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع؛ ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود , لا تتم إلا بالقوة والإمارة , ولهذا روي " أن السلطان ظل الله في الأرض "، ويقال: " ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان " والتجربة تبين ذلك " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (28 / 390، 391) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس , فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد , فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع، إذا فاجأهم عدو يخافون شره وأذاه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم , لتعين القتال إذًا.
وإنما لم يجز ذلك لأن الأمر منوط بالإمام , فالغزو بلا إذنه افتيات عليه , وتعد على حدوده , ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى , كل من شاء ركب فرسه وغزا , ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة , فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو وهم يريدون الخروج على الإمام , أو يريدون البغي على طائفة من الناس , كما قال الله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) الحجرات/9، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها – أيضاً – لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام " انتهى.
" الشرح الممتع " (8 / 22) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/37)
هل يحرم القتال إذا كان مقابل كل شخص أكثر من عشرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حينما يكثر عدد المعاندين والكافرين في الجهاد كثرة تزيد عن مائتين مقابل عشرين من المسلمين. لا يجوز أن نشارك في الحرب لأن الله تبارك وتعالي عين عددا في الحرب. هل هذا صحيح أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا خلاف بين الفقهاء في وجوب الثبات في الجهاد، وتحريم الفرار؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) الأنفال/15، 16، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأنفال/45.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. وذكر منها: وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ) رواه البخاري (2560) ومسلم (129) .
إلا أنه يستثنى من ذلك ثلاثة مواضع:
الأول: أن يكون الفرار تحرُّفا لقتال، ويأتي بيان التحرّف.
الثاني: أن يكون الفرار تحيزا إلى فئة من المسلمين، ولو بَعُدَت.
الثالث: أن يزيد عدد الكفار على ضعف المسلمين، فيجوز الفرار حينئذ. وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أهل المذاهب الأربعة، واستدل الجمهور بقوله تعالى: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال/66.
فلا يجوز لعشرة أن يفروا من عشرين، ولا لمائة أن يفروا من مائتين، فإن زاد الكفار عن الضعف جاز الفرار.
وهذا تخفيف من الله تعالى، وهو نسخ لوجوب مصابرة العشرين للمائتين، والمائة للألف، الوارد في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) الأنفال/65.
وقول السائل: إنه لا يجوز أن نشارك في الحرب حينئذ، غير صحيح. ففرق بين قولنا: يجوز الفرار، وقولنا: يجب الفرار أو يحرم القتال. فلو أن المسلمين ثبتوا مع أضعافهم جاز ذلك، وهذا ما كان عليه حال المسلمين في أكثر معاركهم، لا سيما المعارك العظيمة الفاصلة كالقادسية واليرموك.
وينبغي التنبه إلى أنه إن هجم العدو على بلاد المسلمين، وجب الدفع، ولو كان الكفار أضعاف المسلمين، ولا يجوز الفرار حينئذ إلا للتحرف لقتال أو التحيز إلى فئة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقتال الدفع: مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به، لكن يُخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلّفون من المسلمين. فههنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يَسْلَموا. ونظيرها: أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتِلة أقل من النصف، فإن انصرفوا استولوا على الحريم، فهذا وأمثاله قتال دفع، لا قتال طلب، لا يجوز الانصراف فيه بحال، ووقعة أحد من هذا الباب " انتهى من "الاختيارات الفقهية" ص 258
وإليك كلاما نافعا لابن قدامة رحمه الله، يبين هذه المسألة، ويوضح معنى التحرّف والتحيز، قال رحمه الله: "إذا التقى المسلمون والكفار وجب الثبات، وحرم الفرار، بدليل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار) الآية. وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفرار يوم الزحف، فعده من الكبائر ...
وإنما يجب الثبات بشرطين: أحدهما: أن يكون الكفار لا يزيدون على ضعف المسلمين، فإن زادوا عليه جاز الفرار، لقول الله تعالى: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) . وهذا إن كان لفظه لفظ الخبر، فهو أمر ... قال ابن عباس: نزلت: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) فشق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة، ثم جاء تخفيف فقال: (الآن خفف الله عنكم) إلى قوله: (يغلبوا مائتين) فلما خفف الله عنهم من العدد، نقص من الصبر بقدر ما خفف من العدد. رواه أبو داود.
وقال ابن عباس: من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر.
الثاني: أن لا يقصد بفراره التحيّز إلى فئة، ولا التحرف لقتال، فإن قصد أحد هذين: فهو مباح له؛ لأن الله تعالى قال: (إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة) . ومعنى التحرّف للقتال: أن ينحاز إلى موضع يكون القتال فيه أمكن، مثل أن ينحاز من مواجهة الشمس أو الريح إلى استدبارهما، أو من نزلة إلى علو، أو من معطشة إلى موضع ماء، أو يفر بين أيديهم لتنتقض صفوفهم، أو تنفرد خيلهم من رجالتهم، أو ليجد فيهم فرصة، أو ليستند إلى جبل، ونحو ذلك مما جرت به عادة أهل الحرب ...
وأما التحيز إلى فئة: فهو أن يصير إلى فئة من المسلمين ليكون معهم، فيقوى بهم على عدوهم، وسواء بعدت المسافة أو قربت. قال القاضي: لو كانت الفئة بخراسان والفئة بالحجاز، جاز التحيز إليها، ونحوه ذكر الشافعي، لأن ابن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني فئة لكم، وكانوا بمكان بعيد منه، وقال عمر: أنا فئة كل مسلم، وكان بالمدينة وجيوشه بمصر والشام والعراق وخراسان. رواهما سعيد.
وقال عمر: رحم الله أبا عبيدة لو كان تحيز إلي لكنت له فئة ".
ثم قال ابن قدامة رحمه الله: "وإذا كان العدو أكثر من ضعف المسلمين، فغلب على ظن المسلمين الظفر، فالأولى لهم الثبات؛ لما في ذلك من المصلحة، وإن انصرفوا جاز؛ لأنهم لا يأمنون العطب، والحكم عُلق على مظنته، وهو كونهم أقل من نصف عددهم، ولذلك لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف وإن غلب على ظنهم الهلاك فيه.
ويحتمل أن يلزمهم الثبات إن غلب على ظنهم الظفر؛ لما فيه من المصلحة.
وإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة، والنجاة في الانصراف، فالأولى لهم الانصراف، وإن ثبتوا جاز، لأن لهم غرضا في الشهادة، ويجوز أن يغلبوا أيضا" انتهى من "المغني" (9/254) .
وكلامه الأخير واضح في جواز القتال مع القلّة، بل ومع غلبة الظن بحصول الهلاك، خلافا لما ظنه السائل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/38)
هل يوكلون محام لشخص حكمت عليه محكمة دولة أجنبية على شخص بالتسفير
[السُّؤَالُ]
ـ[أخ قبضت عليه الشرطة الفرنسية، وحكمت عليه بالتفسير إلى بلده، فهل يجوز لنا أن نقدم له مساعدة، بتوكيل محامي بأجرة يدافع عنه أم أن هذا من التعاون على الإثم والعدوان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان بقاء هذا الأخ في بلاد غير المسلمين له مسوغ شرعي، مثل كونه داعية مؤهلاً لدعوة غير المسلمين أو يقوم بوظائف مهمة للجالية الإسلامية كالإمامة والخطابة والتعليم وغير ذلك أو تحتاج إلى علاج لا يوجد في بلاد المسلمين أو جاء لتجارة مباحة يقضيها ويرجع إلى بلاد المسلمين أو لتعلم علم يحتاجه المسلمون ولا يوجد في بلاده، أو لكونه هارباً من فتن فاراً بنفسه منها، ونحو ذلك من الأعذار، وعنده من العلم والإيمان ما يدفع به الشبهات والشهوات عن نفسه فأن مساعدتكم له صحيحة شرعاً وتؤجرون عليها، وتكون من باب التعاون على البر والتقوى والدفاع عن أخيكم المسلم وإلا فلا تفعلوا.
وقد تختلفون في تقييم موضعه، فعليكم برأي أهل الخبرة بالواقع وبحال هذا الأخ.
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/39)
متى يُقتل غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أن قتل المسلم في الدين الإسلامي يعد معصية كبيرة بالمقارنة مع قتل غير المسلم. لكن عند الموت، فإن المسلم يدخل الجنة بينما يدخل غير المسلم النار.
إن قتل غير المسلم فيه حرمان له من إمكانية دخوله في الإسلام للأبد، وحكم عليه بدخول النار.
أليست تلك (قتل غير المسلم) معصية عظيمة إذن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قتل غير المسلم إذا كان مُعاهدا معصية وكبيرة من كبائر الذنوب، فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين يوما ". وأما الكافر الحربي غير المعاهد وغير الذمّي فالمسلم مأمور بقتله لقوله تعالى: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) وهذا إنما يكون في الجهاد مع إمام من أئمة المسلمين أو من ينوب عنه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(12/40)
هل يحلق لحيته إذا سافر إلى بلد يؤذي فيه الملتحون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يحلق لحيته إذا احتاج إلى الذهاب إلى بلد يؤذى فيه الملتحون؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن نذكر أولاً بالتحذير من السفر إلى بلاد المشركين أو البلاد التي يكثر فيها الفساد والمُجُون. قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ قَالَ لا تَرَايَا نَارَاهُمَا) رواه الترمذي (1604) وصححه الألباني في صحيح الترمذي
ويمكنك الرجوع إلى السؤال رقم (21344) ورقم (8919) .
فإذا كانت حاجة الإنسان إلى السفر إلى مثل هذه البلاد حاجة قوية لابد له منها، أو حاجة عامة للمسلمين فإنه يباح له هذا السفر، مع أمره بأن يتعلم من أحكام الدين ما يحتاجه في مثل هذه البلاد، وأن يبتعد من مواطن الفتنة في دينه قدر طاقته، سواء كانت فتن الشهوات المبذولة في بلاد الكفر، أو فتن الشبهات التي يلقيها أعداء الدين بصور خفية أو ظاهرة، لزعزعة الإيمان في قلوب الناس. (راجع السؤال 6154)
فإذا كان من لازم هذا السفر أن يحلق لحيته، كأن تكون حاجته في مكان يمنع منه الملتحون، أو كان يتعرض ـ من أجل لحيته ـ إلى أذىً، لا يتحمله مثله فقد أفادنا الشيخ ابن جبرين أنه:
إذا كان لا مناص له من الذهاب إلى تلك البلاد، أو كان في ذهابه إليها تقوية للمسلمين، فلا بأس أن يحلق لحيته، وأما إن كان ذهابه لمغانم دنيوية، أو كان الأذى الذي يتعرض له يمكن احتماله، فلا يجوز له حلقها.
مع التنبيه على أنه إذا كان يكفي لدفع الأذى عن نفسه أن يخفف لحيته ويأخذ منها فإن هذا أهون من حلقها.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/41)
حكم التجنّس بالجنسية الأوربية للمسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التجنّس بالجنسية الأوربية للمسلم الذي يأتي للبلاد الأوروبية فارّاً بدينه من الظلم الذي وقع عليهه في بلده الأصلي،، وفقد فيه هويته، وفقد أمل الرجوع إلى وطنه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للجواب على هذا السؤال يلزم بيان أمرين:
الأول: كون الإقامة في بلد الكفار جائزة.
الثاني: قيام الحاجة إلى أخذ الجنسية. تفصيل الأمر الأول: الإقامة في بلاد الكفار لا تجوز إلا بالشروط الآتية:
1- وجود الحاجة الشرعية المقتضية للإقامة في بلادهم ولا يمكن سدّها في بلاد المسلمين، مثل التجارة، والدعوة، أو التمثيل الرسمي لبلد مسلم، أو طلب علم غير متوفر مثله في بلد مسلم من حيث الوجود، أو الجودة والإتقان، أوالخوف على النفس من القتل أو السجن أو التعذيب، وليس مجرد الإيذاء والمضايقة، أو الخوف على الأهل والولد من ذلك، أوالخوف على المال.
2- أن تكون الإقامة مؤقتة، لا مؤبّدة، بل ولا يجوز له أن يعقد النية على التأبيد، وإنما يعقدها على التأقيت؛ لأن التأبيد يعني كونها هجرة من دار الإسلام إلى دار الكفر، وهذا مناقضة صريحة لحكم الشرع في إيجاب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام. ويحصل التأقيت بأن ينوي أنه متى زالت الحاجة إلى الإقامة في بلد الكفار قطع الإقامة وانتقل.
3- أن يكون بلد الكفار الذي يريد الإقامة فيه دار عهد، لا دار حرب، وإلا لم يجز الإقامة فيه. ويكون دار حرب إذا كان أهله يحاربون المسلمين.
4- توفر الحرية الدينية في بلد الكفار، والتي يستطيع المسلم بسببها إقامة شعائر دينه الظاهرة.
5- تمكنه من تعلم شرائع الإسلام في ذلك البلد. فإن عسر عليه لم تجز له الإقامة فيه لاقتضائها الإعراض عن تعلم دين الله.
6- أن يغلب ظنه بقدرته على المحافظة على دينه، ودين أهله وولده. وإلا لم يجز له؛ لأن حفظ الدين أولى من حفظ النفس والمال والأهل. فمن توفرت فيه هذه الشروط -وما أعسر توفرها- جاز له أن يقيم في بلاد الكفار، وإلا حرم عليه؛ للنصوص الصريحة الواضحة التي تحرم الإقامة فيها، وتوجب الهجرة منها، وهي معلومة، وللخطورة العظيمة الغالبة على الدين والخلق، والتي لا ينكرها إلا مكابر.
ثانياً: تحقق الحاجة الشرعية لأخذ الجنسية، وهي أن تتوقف المصالح التي من أجلها أقام المسلم في دار الكفار على استخراج الجنسية، وإلا لم يجز له، لما في استخراجها من تولى الكفار ظاهراً، وما يلزم بسببها من النطق ظاهراً بما لا يجوز اعتقاده ولا التزامه، كالرضا بالكفر أو بالقانون، ولأن استخراجها ذريعة إلى تأبيد الإقامة في بلاد الكفار وهو أمر غير جائز - كما سبق - فمتى تحقق هذان الأمران فإني أرجو أن يغفر الله للمسلم المقيم في بلاد الكفار ما أقدم عليه من هذا الخطر العظيم، وذلك لأنه إما مضطر للإقامة والضرورة تتيح المحظورة، وإما للمصلحة الراجحة على المفسدة، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: خالد الماجد عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة في جامعة الإمام مححمد بن سعود الإسلامية) .(12/42)
لمن تكون البيعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على كل مسلم أن يبايع شخصاً بيده كما فعل الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البيعة لا تكون إلا لولي أمر المسلمين. يبايعه أهل الحل والعقد، وهم العلماء والفضلاء ووجوه الناس، فإذا بايعوه ثبتت ولايته، ولا يجب على عامة الناس أن يبايعوه بأنفسهم، وإنما الواجب عليهم أن يلتزموا طاعته في غير معصية الله تعالى.
قَالَ الْمَازِرِيّ: يَكْفِي فِي بَيْعَةِ الإِمَامِ أَنْ يَقَع مِنْ أَهْل الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَلا يَجِب الاسْتِيعَاب , وَلا يَلْزَم كُلّ أَحَدٍ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُ وَيَضَع يَدَهُ فِي يَدِهِ , بَلْ يَكْفِي اِلْتِزَامُ طَاعَتِهِ وَالانْقِيَادُ لَهُ بِأَنْ لا يُخَالِفَهُ وَلا يَشُقَّ الْعَصَا عَلَيْهِ اهـ نقلاً من فتح الباري.
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:
أَمَّا الْبَيْعَة: فَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَط لِصِحَّتِهَا مُبَايَعَة كُلّ النَّاس , وَلا كُلّ أَهْل الْحَلّ وَالْعِقْد , وَإِنَّمَا يُشْتَرَط مُبَايَعَة مَنْ تَيَسَّرَ إِجْمَاعهمْ مِنْ الْعُلَمَاء وَالرُّؤَسَاء وَوُجُوه النَّاس ,. . . وَلا يَجِب عَلَى كُلّ وَاحِد أَنْ يَأْتِيَ إِلَى الأَمَام فَيَضَع يَده فِي يَده وَيُبَايِعهُ , وَإِنَّمَا يَلْزَمهُ الانْقِيَادُ لَهُ , وَأَلا يُظْهِر خِلافًا , وَلا يَشُقّ الْعَصَا اهـ
وما ورد من الأحاديث في السنة فيه ذكر البيعة فالمراد بيعة الإمام، كقوله صلى الله عليه وسلم: " ومن مات وليس في عنقه بيعة مات مِيتة جاهلية " رواه مسلم (1851) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: " ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر" رواه مسلم (1844) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما " رواه مسلم (1853) .
فهذا كله في بيعة الإمام ولا شك.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في جواب عن بيعة الجماعات المتعددة: (البيعة لا تكون إلا لولي أمر المسلمين، وهذه البيعات المتعددة مبتدعة، وهي من إفرازات الاختلاف، والواجب على المسلمين الذين هم في بلد واحد وفي مملكة واحدة أن تكون بيعتهم واحدة لإمام واحد، ولا يجوز المبايعات المتعددة) المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان 1/367
وأما ما يتعلق بصفة البيعة للإمام، فإنها تكون في حق الرجال بالقول وبالفعل الذي هو المصافحة.
وتقتصر في حق النساء على القول، وهذا ثابت في أحاديث مبايعة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك قول عائشة رضي الله عنها: " لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، غير أنه يبايعهن بالكلام" (رواه البخاري 5288 ومسلم 1866) .
قال النووي رحمه الله في شرحه: (فيه أن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ كف. وفيه أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام) انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/43)
ما هي وظيفة خليفة المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي وظيفة خليفة المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الماوردي – في بيان ما يلزم الإمام من أعمال -: والذي يلزمه من الأمور العامة عشرة أشياء:
أحدها: حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة، فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه أوضح له الحجة وبين له الصواب وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروسا من خلل والأمة ممنوعة من زلل.
الثاني: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتنازعين حتى تعم النصفة، فلا يتعدى ظالم ولا يضعف مظلوم.
الثالث: حماية البيضة والذب عن الحريم ليتصرف الناس في المعايش وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال.
والرابع: إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك.
والخامس: تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظفر الأعداء بغرة ينتهكون فيها محرما أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دما.
والسادس: جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة ليقام بحق الله تعالى في إظهاره على الدين كله.
والسابع: جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا واجتهادا من غير خوف ولا عسف.
والثامن: تقدير العطايا وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقتير ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير.
التاسع: استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من الأعمال ويكله إليهم من الأموال، لتكون الأعمال بالكفاءة مضبوطة والأموال بالأمناء محفوظة.
العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال؛ لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة، ولا يعول على التفويض تشاغلا بلذة أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغش الناصح، وقد قال الله تعالى: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} ، فلم يقتصر الله سبحانه على التفويض دون المباشرة ولا عذره في الاتباع حتى وصفه بالضلال، وهذا وإن كان مستحقا عليه بحكم الدين ومنصب الخلافة فهو من حقوق السياسة لكل مسترع قال النبي عليه الصلاة والسلام: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ".
...
وإذا قام الإمام بما ذكرناه من حقوق الأمة فقد أدى حق الله تعالى فيما لهم وعليهم، ووجب له عليهم حقان الطاعة والنصرة ما لم يتغير حاله.
[الْمَصْدَرُ]
" الأحكام السلطانية " (ص 19، 20)(12/44)
أسئلة متنوعة حول العصبية والانتماء للوطن
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتناقش مع زملائي عن الجنسية في العالم الإسلامي وهنا بعض الأسئلة أرجو أن تجيب عليها:
1- ما حكم الاحتفال بيوم الاستقلال؟
2- هل هي عصبية أم جاهلية أم حرام؟
3- ما هو التعريف الصحيح للعصبية في ميزان الشريعة؟
4- كيف يجب أن نشعر كمسلمين تجاه البلاد التي ولدنا عليها وتربينا عليها ونشأنا فيهاوتعلمنا فيها وعملنا فيها؟ هل حب هذه الأرض من العصبية؟ هل يجوز أن نحتفل بالأعياد الوطنية مع أنها لا تتوافق مع تعاليم شريعتنا؟ وما هي الاحتفالات الوطنية التي يجوز الاحتفال بها؟
5- ماذا عن استعمال جواز سفر بلد معين إذا كان الانتماء إلى بلد معين يعتبر من الجاهلية والعصبية؟
6- هل هناك أمثلة عن الصحابة رضوان الله عليهم على حبهم لبلادهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز الاحتفال بيوم الاستقلال ولا بما يشابهه من الأيام، لأن فيها تشبهاً بالكفار، ومن وجه آخر فيها ابتداع، فمثل هذه الاحتفالات جمعت بين المعصية والبدعة.
قال ابن القيم:
والعيد ما يعتاد مجيئه وقصده مِن مكان وزمان، فأما الزمان: فكقوله يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، رواه أبو داود وغيره، وأما المكان: فكما روى أبو داود في " سننه " أن رجلا قال: يا رسول الله إني نذرت أن أنحر إبلا بـ " بوانة " فقال: أبها وثن من أوثان المشركين؟ أو عيد من أعيادهم؟ قالا: لا، قال: فأوف بنذرك، وكقوله " لا تجعلوا قبري عيداً ".
والعيد مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فإذا كان اسماً للمكان فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وانتيابه للعبادة أو لغيرها كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها الله تعالى عيداً للحنفاء ومثابة كما جعل أيام التعبد فيها عيداً، وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية، فلما جاء الله بالإسلام أبطلها وعوض الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النحر وأيام منى، كما عوضهم عن أعياد المشركين المكانية بالكعبة البيت الحرام وعرفة ومنى والمشاعر.
" إغاثة اللهفان " (1 / 190) .
ومما نهي عنه المسلمون: التشبه بالكفار، وخاصة في أعيادهم، ومسألة الأعياد والاحتفالات البدعية من أكثر ما تساهل فيه المسلمون بعد القرون الفاضلة؛ فقد سارع كثير منهم إلى التشبه بالأمم الأخرى في أعيادها واحتفالاتها، فأحدث بعضهم بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وتلك الأعياد الوطنية والقومية التي تزداد يوماً بعد يوم بين المسلمين.
وقد نقلنا في جوابنا على السؤال رقم (10070) فتوى اللجنة الدائمة في العيد الوطني وغيره من الأعياد، فلينظر.
ثانياً:
ومثل هذه الاحتفالات المحرَّمة والمبتدعة تثير العصبية والعنصرية، وفيها الإقرار بما فعله المستعمر من تقسيم أراضي المسلمين وجعلهم دولاً وشعوباً مشتتة ومتفرقة.
قال الله تعالى: {ياأيُّها النَّاسُ إنَّا خَلَقْناكُمْ من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شُعُوباً وقبائِلَ لِتَعارَفُوا إنَّ أكرمكُمْ عندَ الله أتقاكُمْ إنَّ الله عليمٌ خبير} الحجرات / 13.
خلق الله تعالى آدم وحواء وجعل من ذريَّتهما الشعوب والقبائل والأجناس والألوان، فالناس كلُّهم من آدم وحواء، ولا تفاضل بين لون وآخر، أو عرق وآخر، بل كلهم متساوون أمام الله تعالى من حيث الأصل؛ والأتقى لربه هو الأفضل والأكرم عند الله عز وجل.
ومهما تشعَّب الناس بعد ذلك إلى أمم وبلدان وأجناس فإنما تشعُّبهم هذا ما هو إلا كتشعُّب الأسرة الواحدة، والإخوة من أب واحد وأم واحدة.
وهذه العصبية التي تظهر الآن في أكثر البلدان للجنس أو العرق أو اللون أو الوطن هي من نوع العصبية القديمة التي كانت تتفجر بين الأوس والخزرج، وهي من بقايا الجاهلية ورواسبها •
لقد كان بين الأوس والخزرج حروب كثيرة في الجاهلية، وعداوة شديدة، وثارات وضغائن وفتن، وكان بينهم قتال شديد، حتى جاء الإسلام، فدخلوا فيه، فأصبحوا بنعمة الله إخواناً •
وبعد أن أصلح الإسلام شأنهم وأصبحوا متحدين متعاونين، مرَّ رجل من اليهود بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الألفة والتعاون والوفاق، فبعث رجلاً معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكّرهم ما كان بينهم من حروبهم، ففعل فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوسهم وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم، وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلى الحرَّة (مكان بالمدينة) ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم فجعل يسكّنهم، ويقول: " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ "، وتلا عليهم هذه الآية: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيِّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون} آل عمران / 103، فعندما تلا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية ندموا على ما كان منهم، وتصالحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح •
رابعاً:
لا يمنع الإسلام من أن يحب المسلمُ بلدَه ووطنه الذي عاش فيه وتربى، لكن المنكَر هو عقد الولاء والبراء عليه، وجعل المحبة والبغض بسببه، فليس من ينتمي إلى بلدك وينتسب إليها بأقرب إليك من المسلم في بلادٍ أخرى، فلا ينبغي أن يكون سبب الموالاة والمعاداة هو الانتماء للوطن أو عدم الانتماء له، بل الولاء والبراء، والحب والبغض ميزانها جميعاً: الإسلام والتقوى.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب مكة لأنها أحب البلاد إلى الله، ولم يكن ليحب كفارها، بل قاتلهم لما حاربوا الدين وقاتلوا المسلمين، ولم يكن هو ولا أصحابه ليقدموا حبهم لمكة على شرع الله تعالى، فلما حرَّم الله تعالى على المهاجرين من مكة الرجوع إليها بعد هجرتهم منها إلا للمناسك وثلاثة أيام بعدها التزموا هذا ولم يمكثوا فيها أكثر من تلك المدة، فلم يكن حبهم لمكة ليجعلهم يعصون الله تعالى فضلاً عن وقوعهم فيما هو أشد من ذلك.
واليوم ترى العصبية للوطن قد بلغت مبلغاً عظيماً فتعظم المشاهد الشركية لأنها في وطنه، ويُعظم علَم الدولة لأنه يمثل البلد، فيقف له الناس وقفة تعظيم وإجلال لا تجدها عندهم في صلاتهم ولا بين يدي ربهم تبارك وتعالى.
خامساً:
لا يعتبر استعمال جواز السفر من الجاهلية والعصبية لأن المقصود منه هو مجرد التعريف بالشخص وبالبلد الذي ينتمي إليه، ثم لو حدث أن بعض الناس استعمله على سبيل التفاخر والاستعلاء على غيره أو التعصب لبلده كان ذلك مذموماً.
سادساً:
قد ذكرنا حبَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمكة وأنه قدَّم طاعة ربه على حبه لها.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: ما أطيبك من بلد، وأحبك إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَك.
رواه الترمذي (3926) وصححه الترمذي والألباني في " صحيح الجامع " (5536) .
ويمكنك الوقوف على شيء من هذا عند الصحابة ومن بعدهم بالنظر في تراجمهم، والذي يظهر أن حب النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لمكة كان بسبب كونها أحب البلاد إلى الله كما ورد في رواية الترمذي الأخرى رقم (3925) (إنكِ لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله) صححه ابن حجر.
لكن الحب الفطري من الإنسان للمكان الذي نشأ فيه أمر لا يتعلق به ذمّ شرعي ما لم يشغل عما هو أولى من الطاعات، ولهذا نجد الصحابة رضي الله عنه من المهاجرين والأنصار تركوا بلادهم وخرجوا بدعوة الإسلام ينشرونها في البلدان فصار خروجهم من أجل الغايات والمعاني أسمى من تعلقهم بالأرض والمباني.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/45)
لا يجوز هجر المسلم لاختلاف وجهات النظر
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أنه يجوز للمسلم أن يغضب على أخيه مدة لا تتجاوز 3 أيام، وأن خيرهما الذي يبدأ بالسلام، لكن إذا كنت لا أرى هذا الأخ إلا مرة واحدة في الأسبوع أو ما يقارب ذلك، فهل يجوز لي أن أعرض عنه بعد مواجهته 3 مرات، أم أن علي أن أتقيد بالحد المذكور (3 أيام فقط) ؟ إن أنا فعلت، فإن الأخ سوف لن يعي أني مستاء منه، أعلم أن هذا الأسلوب ليس من الأساليب الحسنة التي يحرص المسلم على التخلق بها، لكن قد يحصل أن يقوم أحد الإخوة بفعل شيء ما، فأقرر إشعاره أني لا أوافقه فعله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هجر المسلم لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لرجل أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " رواه البخاري (5727) ومسلم (2560) ، ولا سيما إذا كان المؤمن قريباً لك أخاً أو ابن أخ أو عمّاً أو ابن عم فإن الهجر في حقِّه يكون أشد إثماً.
اللهم إلا إذا كان على معصية، وكان في هجره مصلحة، بحيث يقلع عن هذه المعصية فلا بأس به، لأن هذا من باب إزالة المنكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم (49) ، والأصل أن هجر المؤمن لأخيه المؤمن محرّم حتى يوجد ما يقتضي الإباحة.أ. هـ.
انظر " فتاوى منار الإسلام " لابن عثيمين ج/ 3 ص/732.
وقال ولي الدين العراقي:
هذا التحريم محله في هجرانٍ ينشأ عن غضب لأمر جائز لا تعلق له بالدين، فأما الهجران لمصلحة دينية من معصية أو بدعة: فلا مانع منه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجران كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع رضي الله عنهم، قال ابن عبد البر: وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يهجر المرء أخاه إذا بدت له منه بدعة أو فاحشة يرجو أن يكون هجرانه تأديباً له وزجراً عنها، وقال أبو العباس القرطبي: فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك ولا يختلف في هذا، وقال ابن عبد البر – أيضاً -: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان كذلك رخص له في مجانبته، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية.
" طرح التثريب " (8 / 99) .
والذي ينبغي عليك إذا ارتكب أخوك محرّماً مناصحته وبيان حرمة هذا الأمر وأنه لا يجوز، وتذكّيره بالله، فإذا رأيت منه تمادياً على هذه المعصية ورأيت أن المصلحة في هجره فهذا حكمه الجواز كما سبق، وأما إن كان مجرّد فعل لا توافقه عليه، أو اختلاف وجهات النظر فبيّن له عدم موافقتك لفعله أو خطأه في وجهة نظره، أما أن تجعل من هجره إشعاراً بعدم موافقته فهذا قد يؤدي به إلى عدم القبول منك أصلاً، فضلاً عن أنه لا يعتبر ذلك مسوغاً شرعيّاً لهجره أكثر من ثلاثة أيام، وسبق في فتوى الشيخ ابن عثيمين أن الأصل في الهجر الحرمة حتى يوجد ما يقتضي الإباحة.
والواجب على المسلم أن يكون واسع الصدر، ناصحاً لإخوانه، وأن يتحمّل منهم ويغض الطرف عن هفواتهم، لا أن يستعجل في اتخاذ حل قد يكون سبباً للقطيعة والهجر المحرّم، وفّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/46)
حال المسلمين في القدس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيما يحدث في الأراضي المقدسة وماذا تكون النتيجة النهائية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن ما يحدث للمسلمين في الأراضي المقدسة من تضييق وتعذيب وتشريد وقتل وأذى، أمر يحزن له كل مسلم، بل يحزن له كل من أوتي عقلا وإنصافا ورحمة من غير المسلمين، لما يرون من الاعتداء السافر على حرمات أناس آمنين، يراد إخراجهم من ديارهم، وإحلال العدو الغاصب مكانهم، وهو عدو يملك ترسانة من الأسلحة المتطورة، يواجه بها قوما عزلا، قد حيل بينهم وبين وسائل الدفاع والحماية.
وقد صمد هذا الشعب المسلم ما يزيد على خمسين عاما، واجه فيها صورا لا تنتهي من الغطرسة والصلف الصهيوني، الذي لا يقيم وزنا لكرامة الإنسان، ولا يعبأ بعهد ولا ميثاق، ولا يرضخ لشريعة ولا قانون، إلا ما تمليه عليه أهواؤه، ويزينه له أحبار السوء، وكهنة الحروب، المتعطشون للدماء والشر.
أما النتيجة فمعلومة واضحة، يعرفها المسلم كما يعرفها اليهودي، وهي أن العاقبة المتقين، وأن حزب الله هم الغالبون، وأن الظالم لن يجني أمنا واستقرارا ورخاء، بل خوفا وقلقا وخزيا وعارا، إلى أن يأتي اليوم الذي يعود فيه المسلمون إلى دينهم، ويحكموا شريعة ربهم، ثم يلقوا اليهود في قتال، يتواجه فيه الفريقان، ويصف فيه المعسكران، فتكون الغلبة والنصر لأهل الإيمان.
روى البخاري (2926) ومسلم (2922) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ".
نسأل الله تعالى أن يعجل بعودة المسلمين إلى دينهم وأن ييسر لهم أسباب النصر وأن يقر أعيننا بنصرة دينه وخذلان أعدائه، وأن يعلي درجة من أوذي أو عذب أو قتل في سبيله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(12/47)
حل القضية الفلسطينية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف السبيل وما هو المصير في القضية الفلسطينية التي تزداد مع الأيام تعقيداً وضراوة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن المسلم ليألم كثيراً، ويأسف جداً من تدهور القضية الفلسطينية من وضع سيئ إلى وضع أسوأ منه، وتزداد تعقيداً مع الأيام، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في الآونة الأخيرة، بسبب اختلاف الدول المجاورة، وعدم صمودها صفاً واحداً ضد عدوها، وعدم التزامها بحكم الإسلام الذي علق الله عليه النصر، ووعد أهله بالاستخلاف والتمكين في الأرض، وذلك ينذر بالخطر العظيم، والعاقبة الوخيمة، إذا لم تسارع الدول المجاورة إلى توحيد صفوفها من جديد، والتزام حكم الإسلام تجاه هذه القضية، التي تهمهم وتهم العالم الإسلامي كله.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن القضية الفلسطينية قضية إسلامية أولاً وأخيراً، ولكن أعداء الإسلام بذلوا جهوداً جبارة لإبعادها عن الخط الإسلامي، وإفهام المسلمين من غير العرب أنها قضية عربية، لا شأن لغير العرب بها، ويبدو أنهم نجحوا إلى حد ما في ذلك.
ولذا فإنني أرى أنه لا يمكن الوصول إلى حلٍ لتلك القضية، إلا باعتبار القضية إسلامية، وبالتكاتف بين المسلمين لإنقاذها، وجهاد اليهود جهاداً إسلامياً، حتى تعود الأرض إلى أهلها، وحتى يعود شذاذ اليهود إلى بلادهم التي جاءوا منها، ويبقى اليهود الأصليون في بلادهم تحت حكم الإسلام، لا حكم الشيوعية ولا العلمانية، وبذلك ينتصر الحق، ويخذل الباطل، ويعود أهل الأرض إلى أرضهم على حكم الإسلام، لا على حكم غيره، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ج/1 ص 1259(12/48)
انتفاضة الشعب الفلسطيني
[السُّؤَالُ]
ـ[اليوم نعيش ظاهرة سياسية كبيرة هزت العالم وهي انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد اليهود فهل لكم كلمة توجهونها إلى الشباب المسلم في فلسطين المحتلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أنصحهم بتقوى الله والتعاون على الخير والاستقامة في العمل، فالله ينصر من ينصره، فقد قال سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين أمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) محمد/7، وقال سبحانه في مكان آخر من كتابه الكريم: (وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليُبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) النور/55
إنني أنصح كل إخواني بالتعاون معهم وأنصح الأغنياء وولاة الأمور بأن يمدوا يد العون لإخوانهم في فلسطين المجاهدة لاسترداد بلادهم والنصر على الأعداء إن شاء الله، أيدهم الله بالحق وجزاهم عن المسلمين كل خير، وما عليهم إلا أن يصبروا ويصابروا فإن وعد الله حق وإن الله ناصر من ينصره، وفقهم الله ونصرهم على عدوهم، ووفق المسلمين لمساعدتهم والوقوف بصفهم حتى ينصرهم الله على عدوهم وهو سبحانه خير الناصرين.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز ج/1 ص 1262(12/49)
حكم الهجرة إلى بلد مسلم والبقاء فيه بغير محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلمة المطلقة بدون أولاد أن تهاجر لبلد مسلم لوحدها؟
تستطيع أن ترتب لكي يسافر معها محرم ولكنها لا تستطيع أن تجد محرماً ليعيش معها لأنها لا تستطيع أن تقنع والدها بأن يهاجر وهي كذلك غير متزوجة.
هذه الأخت مهتمة جداً بالأمر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال بأنه بريء من الذي يعيش ويموت بين الكافرين.أرجو أن تجيب على هذا السؤال بما يخص الحلال والحرام في الإسلام وبعد هذا يمكن أن تقدم لي أي نصيحة.أرجو أن تذكر أي آية أو حديث تدعيماً للجواب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فأما الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام فهي واجبة على كل من استطاعها، ومن لم يهاجر بعد استطاعته للهجرة، فهو ظالم لنفسه متوعد من الله بالعذاب الأليم قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء:97
وفي سنن أبي داود (2274) وَغَيْرِهِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ} " حديث صحيح (الإرواء 5 / 30)
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَقَدْ وَجَبَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بِبَلَدِ الْكُفْرِ أَنْ يَهْجُرَهُ , وَيَلْحَقَ بِدَارِ الْمُسْلِمِينَ , وَلا يَسْكُنَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ , وَيُقِيمُ بَيْنَ أَظْهَرْهُمْ , وَذَلِكَ إذَا كَانَ لا يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ شَعَائِرِ دِينِهِ , أَوْ يُجْبَرُ عَلَى أَحْكَامِ الْكُفْر " إ. هـ. بواسطة الموسوعة الفقهية (4/264)
قال في مغني المحتاج (6/54) " وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إظْهَارُ دِينِهِ أَوْ خَافَ فِتْنَةً فِيهِ (وَجَبَتْ) عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا "
وأنت قد تيسر لك المحرم الذي يوصلك لكن لا يصح أن تقدمي إلى هذا البلد المسلم إلا بشرط أن يوجد مكان آمن تأوين إليه، كمجتمع يسكن فيه أخوات مسلمات، أو مركز إسلامي يوجد فيه من يشرف على حفظك ورعايتك والقيام بما يصلح شؤونك الدينية والدنيوية بحيث لا تكونين عرضة للفتنة، والضياع، فإن لم يتيسر ذلك فأنت معذورة حتى تجدي المكان الآمن. لأن الله قَيًّد وجوب الهجرة بالاستطاعة. وعدم الأمن على النفس من الفساد أو الضياع داخل في عدم الاستطاعة، فتعذرين بذلك حتى يتيسر الأمر.فإذا تيسر فاقدمي مع محرمك ثم لا بأس أن تمكثي بغير محرم في هذا المكان الآمن. والله أعلم
وأما النصيحة فننصحك بالحرص على التزام شعائر الدين الظاهرة، والباطنة على قدر استطاعتك، وأن تحرصي على معرفة أحكام دينك من المصادر الصحيحة المستندة على الأدلة الشرعية، كما تحرصي مادمت موجودة في بلاد الكفار أن توصلي دعوة الإسلام إلى غيرك وخصوصا نساء الكفار والمسلمات المفرطات بكل ما تستطيعينه من الوسائل المشروعة، واعلمي أن من أعظم وسائل الدعوة أن تكوني أنت قدوة في نفسك، بالتزام أحكام الإسلام، والتخلق بأخلاقه العظام.
نسأل الله أن يوفقك للخير وأن يعينك عليه.. آمين.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(12/50)
موقف المسلم من العنف وتصرفه عند اعتداء الكفار على الجالية الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[نظراً للظروف الحرجة التي نمر بها نحن المسلمين حالياً في أمريكا من الإيذاء - الذي ربما يصل إلى القتل - وإطلاق النار على المساجد والتعرض للنساء المحجبات في الشوارع والاعتداء على الطلبة المسلمين في المدارس والجامعات وإضطهاد بعض الموظفين المسلمين في أماكن عملهم، وذلك بسبب الأحداث الأخيرة التي اتهم فيها أشخاص من المسلمين بالقيام بتفجيرات في العاصمة وغيرها فإننا نريد أن نسأل هل يجوز لنا ترك صلاة الجماعة أو الجمعة في المسجد، وماذا بالنسبة لحجاب نسائنا، وما حكم تركنا للباس الإسلامي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد سمعنا بما يتعرض له إخواننا المسلمون في عدد من بلاد الكفار شمالاً وجنوباً من الأذى والإضطهاد في قضية لم يشاركوا فيها ولم يكونوا - كلهم على الأقل - طرفاً فيها، وليس هذا بغريب على الكفار في ظلمهم وبغيهم وهم الذين يدَّعون أنهم أصحاب عدل وإنصاف وحرية، فما ذنب امرأة مسلمة تمشي في الشارع بحجابها، وما ذنب مسلم خرج من بيته لأجل الصلاة وليس لأجل الإفساد في الأرض، وما ذنب موظف مسلم يذهب إلى شركته أو طالب يذهب إلى جامعته أو طالبة تمشي إلى مدرستها، وليس للتفجير والتخريب، ولو كان رجل الشارع الغربي منصفاً - ولو عند نفسه على الأقل - لذهب وانتقم ممن خطط أو ساهم وشارك في إيذائه والإضرار به، ولكن كل شيء يُتوقع ممن لا يخاف الله، وأقل ما سيواجهه المسلمون هو السباب والشتائم، قال الله تعالى: (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمور) آل عمران /186
ويجب أن يكون موقفنا نحن المسلمين واضحاً أمام الكفار في بيان حكم الشريعة الإسلامية في الإضرار وقتل الآخرين فنقول لهم بكل وضوح إن الإسلام يحرم الإضرار بالأبرياء بجميع الصور والأشكال في البدن والمال والعرض وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) وأنه لا يجوز قتل الكافر المسالم أو المعاهِد للمسلمين عهداً شرعياً، بل إن برّ الكافر المسالم والإحسان إليه من دين الإسلام وخصوصاً إذا كان ذلك لدعوته وتأليف قلبه، قال الله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8
وأنه لا يجوز للمسلم في حال الحرب مع الكفار أن يقصد إلى طفل أو امرأة من الكفار فيقتله مادام لم يحمل سلاحاً على المسلمين ولم يُعِن على قتالهم كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للجيش المسلم: (انطلقوا بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة..، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) رواه أبو داود 2614 وفيه خالد بن الفزر قال عنه ابن حجر في التقريب مقبول يعني إذا توبع.
ويؤيده ما جاء في وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لقائد جيشه: (وإني موصيك بعشر لا تقتلنّ امرأة، ولا صبياً ولا كبيرأً هرماً ولا تقطعن شجراً مثمراً ... ) الموطأ/982 كتاب الجهاد.
وأن الكفار الذين يقاتلهم المسلمون ويلحقون بهم الضرر وسائر الخسائر هم الكفار الذين قاتلوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم وعاونوا على إخراجهم وتعذيبهم والتنكيل بهم، ووقفوا في طريق الدعوة إلى الإسلام وصدوا عن سبيل الله، ووقفوا سداً يمنع انتشار الإسلام قال تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الممتحنة/9
فهؤلاء يُجاهدون عند القدرة، وعندما تكون مصلحة قتالهم وإعلان الجهاد عليهم راجحة وواضحة. وأن ما يمكن أن يتحقق باللين والحسنى لا يصح أن يلجأ المسلمون إلى تحقيقه باالعنف والقوة. وأن استخدام المسلمين للقوة هو اضطرار وآخر الدواء، وليس يحدث منهم ابتداء دون سبب من الكفار كقتالهم للمسلمين ومعاونة أعداء المسلمين الآخرين وصدهم عن سبيل الله والمنع من إقامة شرع الله في الأرض.
ثم نذكّر هؤلاء الكفار بالمذابح التي أُقيمت وتُقام للمسلمين في أنحاء العالم في البوسنة وكوسوفا والشيشان وفلسطين وكشمير والتي يقوم بها ويُعين عليها ويساهم فيها الكثير من اليهود والنصارى وغيرهم، فهل دماء المسلمين أرخص من دماء غيرهم، وهل قتلى غير المسلمين لهم بواكي وقتلى المسلمين لا بواكي لهم.
ثم لما قام النصارى الأرثودوكس بمذابح للمسلمين في البوسنة وكوسوفا فاقت مئتى ألف قتيل غير الجرحى والإغتصاب والخسائر الإقتصادية هل قام المسلمون في البلاد العربية والإسلامية بشن حملات عنف على الروم النصارى الأرثودوكس الذين يعيشون في بلادهم وفيما بينهم فقتلوا منهم واطلقوا النار على كنائسهم وأرهبوهم؟! فعلى أي شيء يدل ذلك؟
إن هذه الإيضاحات من المسلم لغير المسلم مهمة لأجل إقامة الحجة على الكافر، وهذا أمر يريده الله عز وجل، وثانياُ أن في الكفار عقلاء ومنصفين وأناس قابلين للهداية فلعلهم يتأثرون من الإيضاح والبيان، وثالثاً إنه لا يصلح للمسلم أن يبقى متهماً أمام الآخرين دون أن يبيّن ما يبرّئه، وكذلك فإن بقاء سمعة المسلم مشوهةً مما يصد الكافر عن الحق ويمنعه من التأثر بالمسلم بل ربما يعامله كأنه منبوذ فيقع بذلك ظلمٌ إضافي على المسلم.
وأما بالنسبة للسؤال فإنه يجوز للمسلم في وقت المحنة التي لا يستطيع فيها أن يمشي آمناً في الطريق ولا أن يصل سالماً إلى المسجد أن يصلي في بيته ويترك صلاة الجماعة، وينبغي المزيد من التدقيق في ترك صلاة الجمعة لأهميتها الفائقة فلا تُترك الجمعة ولا الجماعة لأجل ظنون ضعيفة واحتمال نادر بوقوع اعتداء، وإنما إذا حصل التأكد أو غلب على الظن أنه سيُعتدى عليه إذا ذهب إلى المسجد فيجوز له ترك الذهاب.
ومن أقوال العلماء في مسألة جواز التخلف عن صلاة الجمعة والجماعة بعذر الخوف ما قاله أبن قدامة رحمه الله: " وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِهِمَا - أي الجمعة والجماعة - الْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ. قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ. لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلاةُ الَّتِي صَلَّى} . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (1 / 130) . [وقد ضعف الشيخ الألباني الحديث بهذا اللفظ وصحح لفظ ابن ماجه (793) وهو "من سمع النداء فلم يأته، فلا صلاة له إلا من عذر) الإرواء (2 / 337) ] وَقَدْ {كَانَ بِلالٌ يُؤَذِّنُ بِالصَّلاةِ ثُمَّ يَأْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَرِيضٌ فَيَقُولُ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ) البخاري (633) ومسلم (418)
وَالْخَوْفُ , ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ ; خَوْفٌ عَلَى النَّفْسِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْمَالِ , وَخَوْفٌ عَلَى الأَهْلِ. فَالأَوَّلُ , أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ سُلْطَانًا , يَأْخُذُهُ أَوْ عَدُوًّا , أَوْ لِصًّا , أَوْ سَبُعًا , أَوْ دَابَّةً , أَوْ سَيْلا , وَنَحْوَ ذَلِكَ , مِمَّا يُؤْذِيهِ فِي نَفْسِهِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الْخَوْفُ عَلَى مَالِهِ ; بِخُرُوجِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّلْطَانِ وَاللُّصُوصِ وَأَشْبَاهِهِمَا , أَوْ يَخَافُ أَنْ يُسْرَقَ مَنْزِلُهُ أَوْ يُحْرَقَ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ فَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ عُذْرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْخَوْفُ عَلَى وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ أَنْ يَضِيعُوا، فهذا كله عذر في ترك الجمعة والجماعة وبَهَذَا قال عَطَاءٍ , وَالْحَسَنِ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَالشَّافِعِيِّ. ولانعلم فيه خلافا إ.هـ من المغني مختصرا (2 /376)
وفي فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله لما سأله رجل عن التخلف عن صلاة الجماعة بسبب خوفه على امرأته؛ فقال: " إذا كان على زوجتك خطر وهي غير آمنة، وحولها ما يخشى منه، فلك عذر بأن تصلي في البيت خوفا على زوجتك ... ثم قال رحمه الله (لكن إذا كانت الزوجة غير آمنة والمحل غير آمن والخطر موجود فلا بأس أن تصلي في البيت، وهذا عذر شرعي.." إ. هـ.
مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (12 / 42)
وأما بالنسبة للنساء المسلمات فإنه ينبغي عليهن القرار في بيوتهن وعدم الخروج - مهما استطعن - لئلا يتعرضن للأذى وينبغي على أقربائها وجيرانها أن يعينوها في جلب حاجاتها لئلا تضطر للخروج، وهذا من أبواب الأجر العظيمة في إغاثة الملهوف وقضاء الحوائج، وأما بالنسبة لترك الرجل المسلم لباسه وزيه الخاص وإرتدائه للملابس الغالبة على المجتمع الكافر الذي يعيش فيه فلا بأس به وخصوصاً في وقت الاضهاد والإيذاء قال الإمام ابن تيمية:
" لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب: لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية: من دعوتهم إلى الدين، والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد الصالحة ". انتهى: اقتضاء الصراط المستقيم ص 176
ويجب أن يُفهم كلام شيخ الإسلام فهماً صحيحاً فهو يتحدث عن حالات خاصة أو اضطرارية وليس مقصوده قطعاً أن تذوب أجيال المسلمين في الكفار، ويمارسوا الرذيلة وشرب الخمر معهم ويذهب أطفال المسلمين إلى الكنيسة وتضمحل شخصتهم الإسلامية. وإنما المقصود جواز ترك اللباس الذي يميز المسلمين - مثلاً - وارتداء ملابس من جنس الملابس السائدة في بلاد الكفار والتحدث بلغة الكفار ونحو ذلك اتقاءً لشر الكفار وخصوصاً في الأجواء المشحونة والعدوانية كالتي جاء ذكرها في السؤال.
ولعل هذه الأحداث تكون فرصة للمسلمين الذين يعيشون في بلاد الكفار بغير حاجة ولا ضرورة شرعية أن يراجعوا أنفسهم ويعيدوا النظر في أحوالهم من أجل العودة إلى بلاد المسلمين والهجرة من بلاد الكفار.
نسأل الله أن يحفظنا وسائر إخواننا المسلمين من السوء والظلم والشرور، وأن يهدينا سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
محمد صالح المنجد(12/51)
هل يجوز السكن مع من يشرب الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني طالب في الجامعة، ومعي طلبة في الغرفة في قسم داخلي للسكن، ولا يحق لي الانتقال من الغرفة، وجبر على البقاء فيها، وإن الطلبة الذين معي يقولون إنهم شربوا بيرة، فهل مجالستهم والأكل معهم والكلام معهم علي فيه إثم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ثبت شربهم مسكراً فاعتزلهم في السكنى ما استطعت؛ إن لم يستجيبوا لنصيحتك إياهم ويتركوا ذلك المنكر، وإن لم تستطع ترك المسكن فاجتنب مجالستهم والحديث معهم ومؤاكلتهم إلا لضرورة؛ وإلا أثمت.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 360.(12/52)
هل يجوز الذهاب إلى الشواطئ التي فيها عري واختلاط
[السُّؤَالُ]
ـ[يذهب الناس في مصر إلى مدينة الإسكندرية لقضاء الصيف هناك، ويوجد على البحر هناك الآلاف من النساء الكاسيات العاريات والعاريات، واختلاط الرجال بالنساء، وإني رجل ملتحٍ، فهل يجوز لي الذهاب هناك والجلوس على البحر أم لا يجوز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الواقع كما ذُكر، فلا يجوز للمسلم أن يذهب إلى تلك المجتمعات؛ خشية الفتنة واجتناباً لمواطنها، إلا أن يكون ممن يقوى على إزالة ما فيها من المنكرات؛ لما له من سلطة ومعرفة بالشرع، وقوة على البيان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 362.(12/53)
هل التحذير من عمل الفاسق نميمة وغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا عُرف إنسان بسوء سلوكه وكان مجاهراً بكبيرة مثل شرب الخمر أو غيرها، ونصحنا غيرنا بالبعد عنه والتعامل معه، هل هذا جائز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
التحذير من عمل الفاسق ومرتكبي الكبائر واجب، فإذا خشي المسلم على إخوانه من عمل أولئك وجب نصحهم وكشف أحوال الفساق؛ حتى لا يقع أحد في شراكهم. ويجب أيضاً مناصحة الفساق ومرتكبي الكبائر لعل الله أن يهديهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة " قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم من حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 385 -386.(12/54)
حكم التمثيل النسبي في المنظمات
[السُّؤَالُ]
ـ[َِهل يجيز الإسلام التمثيل النسبي أم لا. والموقف كالتالي، إذا فرض أن هناك 10 منظمات إسلامية (كل منها به عدد مختلف من الأعضاء) ويرغبون في الانضمام معاً لتكوين منظمة جامعة بحيث يمكنهم تنسيق العمل الإسلامي فيما بينهم. فهل يجوز تصنيف المنظمة تبعاً لعدد أعضائها، بمعنى أنه إذا كانت إحدى المنظمات بها 1-100 عضو فإنهم يحصلون على صوت واحد، وإذا كان بها 101-200 عضو فإنهم يحصلون على صوتين وهكذا؟ هل يجيز الإسلام ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في ذلك باعتباره نوعا من أنواع التنظيم والترتيب للوصول إلى الصواب أو الرأي الأرجح وذلك بتمثيل المجموعة بنقاط على حسب حجمها وعدد أفرادها ولكن ينبغي عليكم أن تعلموا أن تمثيل الجميع بأصوات متساوية يكون من الظلم إذا لم يكونوا سواء في الأمانة والقوة أو العلم والخبرة اللازمة للقرار الذي تريدون اتخاذه، أما إذا تكافؤا وتقاربوا فيكون احتساب الأصوات أو النقاط بالتساوي لكل شخص من العقل والحكمة. ولذلك كان أهل الحلّ والعقد في الأمة من العلماء والفضلاء والعقلاء والحكماء ووجهاء الناس هم الذين يختارون الخليفة وليس الغوغاء والدهماء لأنهم غثاء لا قيمة لأصواتهم وفقنا الله وإياكم لما يُرضيه..
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(12/55)
يشك في شخص أنه جاسوس فهل يحذر منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أشك بأحد الإخوة أن يكون جاسوساً، هناك الكثير من الأدلة التي قادتني وبعض الإخوة لهذه النتيجة الأخ تبدو عليه علامات التقوى ومع هذا فهناك حالات عديدة يعطينا فيها انطباعاً بأنه جاسوس.
حقاً فأنا محتار جدا فهل يجوز لي أن أشك في أحد ما بأنه جاسوس؟
هل يجوز لي أن أحذر الآخرين؟
ماذا أفعل في مثل هذه الحالة؟
جزاك الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل إحسان الظن بالمسلم إلا إذا صدر منه تصرفات مريبة يُستدل بها على ما يستوجب إساءة الظن به وهو ما يُسمى بـ (القرائن) فإن حصل منه ذلك فلا بأس من أخذ الحيطة والحذر منه لأنه أوقع نفسه في أفعال أهل الريبة، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(12/56)
يجعلون عليهم أميراً
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإمارة في الحضر، مثلاً شباب في شقة أو معسكر أقيم داخل المدينة أو غيرها ويجعلون عليهم أميراً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الذي ورد تخصيص ذلك بالسفر، لأنهم في السفر يحتاجون إلى آراء يرفعونها إلى رئيسهم أو أميرهم، فأما في الحضر فالغالب أن كلاً منهم يشتغل بنفسه، ولا يحتاجون إلى أمير.
ويمكن أن يُرئسوا عليهم رئيساً في مجتمعهم، إذا كانوا مثلاً في شقة يقولون: نحن نحتاج إلى تدبير أمرنا في هذه الشقة، نجعل لك الرئاسة أو الإمارة يا فلان، بحيث يعرضون عليه تدبير شأن المنزل، كنوع المأكل مثلاً، وتحديد وقت الراحة، وتحديد المشتروات اللازمة وغيرها، يعرضونها عليه، وتوافقوا على رأيه صح ذلك إن شاء الله.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(12/57)
لا تكن متشدداً
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من إذا نُصح في فعل يخالف الشرع بادر قائلاً: لا تكن متشدداً ومتعصباً وكن معتدلاً، ونرجو بيان الاعتدال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من نصح عن شيء محرم في الشرع ليجتنبه أو عن ترك واجب ليقوم به ثم قال مثل هذا القول فإنه مخطئ، بل الواجب إذا نصحه أحد أن يشكر لمن نصحه، وأن ينظر في أمره إذا كان ما نصح عنه حقاً فليجتنب المحرم ليقم بالواجب.
وأما قوله: إنك متشدد فإن التشديد والتيسير والاعتدال مرجعه إلى الشرع، فما وافق الشرع فهو الاعتدال، وما زاد عنه فهو التشدد، وما نقص عنه فهو التساهل، فالميزان في هذا كله هو الشرع، ومعنى الاعتدال هو موافقة الشرع، فما وافق الشرع فهو الاعتدال.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين.(12/58)
التوفيق بين أن يكون الخليفة قرشياً وبين حديث طاعة العبد الحبشي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو المقصود فيما يتعلق بالمقولة "في العقيدة" بأن الخليفة يجب أن يكون قرشيا، وكيف نجمع بين ذلك وبين الحديث الذي فيه "أن نطيع الأمير حتى ولو كان حبشيا رأسه كزبيبة"، أرجو أن تساعدنا للتوفيق بينهما والله يرشدنا لأن نقبل بالصواب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حديث الأئمة من قريش حديث صحيح جاء من طرق كثيرة وهو الأصل في الإمام أن يكون قرشِيا، وهذا في حال اختيار الخليفة أما لو تغلب على الأمر وحَكَم الناس بالقوة وجب على الناس طاعته، وحَرُم الخروج عليه ولو كان عبدا حبشيا كما جاء في الحديث.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(12/59)
يسمع الغناء أحياناً إذا كان في المدرسة رغماً عنه فهل يأثم بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد توقفت عن سماع الأغاني ولكن أحياناً أسمع بعضها في أماكن مثل المدرسة وغيرها حيث أحاول أن لا أستمتع بها ولكن هذا قد يحدث أحياناً. هل هذا يحسب علي كأنني استمعت للغناء؟ وهل أحاسب على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك فرق بين من يستمع للغناء وبين من يسمعه، فالذي يستمع إلى الغناء يسمعه عن قصد وإرادة له ورضى بذلك، أما الذي يسمع فقط فهو الذي يصل إليه الصوت بدون إرادة أو قصد منه، كأن يركب في طائرة أو في حافلة فيكون فيهما غناء، أو ذهب إلى السوق فسمع ذلك من بعض المحلات، فهو لم يُرد ذلك، ولم يقصد استماعه، ففرق بين هذا وبين من جلس ليستمع ويستمتع بهذا المحرَّم.
ولذلك قال شيخ الإسلام: " والأمر والنهي إنما يتعلّق بالاستماع، لا بمجرد السماع كما في الرؤية، فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا ما يحصل منها بغير الاختيار..... وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس من السمع والبصر والشم والذوق واللمس، إنما يتعلّق الأمر والنهي في ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير اختياره فلا أمر فيه ولا نهي ". مجموع الفتاوى ج/5 ص/566
وعلى الإنسان أن ينكر ذلك المنكر حسب إمكانه، أما إذا لم يستطع ذلك فإنه ينكر بقلبه، ومن لوازم الإنكار بالقلب عدم البقاء في مجلس المنكر أو محله إن استطاع الخروج منه ومفارقته.
أما استمتاعه بذلك فالواجب عليه أن يجاهد نفسه قدر الإمكان ويستعيذ بالله من الشيطان، وأن يذكر الله عسى الله أن يُبعد عنك ذلك، فإذا كان سيؤدي ذلك إلى تعلّق قلبه فعليه أن يبتعد عن مثل هذه الأماكن في المدرسة، وإذا لم يكن هناك مفاسد عظيمة من غيابه لبعض تلك الحصص التي يحصل فيها مثل ذلك فالواجب عليه عدم حضورها. وعليه بمراقبة الله وتقواه فإنه من يتق الله يجعل له مخرجاً قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الطلاق/2، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(12/60)
حكم الخصام بين الأخ وأخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي وعمي أخو أبي دائماً متخاصمان، علماً أننا نسكن في بيت واحد، وبيتنا قاطع فقط، وأبي أعزب، وعمي أعزب، فأمي ماتت وزوجة عمي ماتت، وأنا أنصحهما أن ألا يعتدوا، ولكن عمي يعتدي على أبي أحياناً. فبماذا تنصحون الاثنين - أبي وعمي -؟ علماً بأن أبي يصلي ويصوم، وعمي أحياناً يصلي وأحياناً لا يصلي ولكن يصوم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
انصح عمك بالمحافظة على الصلاة، وبين له أنها أهم ركن في الإسلام بعد الشهادتين، وأن تركهما كفر لا يصح صومه مع تركها، ولا يقبل منه عمل إلا إذا أداها، وانصحهما جميعاً بالبر والتقوى والمحافظة على صلة الرحم، ومراعاة حقوق القرابة، وأن من قطعها قطعه الله ومن وصلها وصله الله، واقرأ عليهما آيات القرآن والأحاديث النبوية الواردة في ذلك، ثم إن استجاب عمك فالحمد لله، وإلا فالواجب هجره.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 363.(12/61)
الكتب والمقالات(13/1)
رابطة العالم الإسلامي تستنكر الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم في الصحف الغربية
أدانت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي إعادة نشر سبع عشرة صحيفة دانماركية الرسوم المسيئة لخاتم الأنبياء والمرسلين، محمد صلى الله عليه وسلم، التي كانت نشرتها صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية عام 2006م، واستنكرت الرابطة والهيئات والمراكز الإسلامية التابعة لها في أنحاء العالم تكرار التطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم والإساءة إليه وإلى رسالة الإسلام التي بعث بها رحمة للعالمين.
جاء ذلك في بيان أصدره معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام للرابطة، ورئيس البرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة التابع للرابطة، وصف فيه إعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم في عدد من الصحف الدانماركية بأنه إصرار على الإساءة إلى دين الله الخاتم، وإلى نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه.
ونبه معاليه إلى أن هذا العمل يثير الكراهية والبغضاء بين البشر، حيث يسيء إلى مسلمي العالم وهم مليار ونصف المليار من الناس، مبيناً أن الشعوب الإسلامية تتطلع إلى التواصل والتعاون والتعايش بين شعوب العالم وهي تحرص على الإسهام في تحقيق الأمن والسلام للبشرية، محذراً معاليه من نتائج الاعتداء على الدين الإسلامي وعلى مشاعر المسلمين الذين لا يقبلون الإساءة إلى دينهم وإلى نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال د. التركي إن المراكز والهيئات الإسلامية التابعة للرابطة أعربت عن ألمها العميق واستيائها الشديد لتكرار نشر الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم ...
وقال د. التركي إن رسالات الله سبحانه وتعالى وخاتمتها رسالة الإسلام حرمت الاستهزاء بالدين، كما شنعت على من يستهزئ بالأنبياء والمرسلين، وَبَّينت عاقبة السوء التي كانت لهم بالمرصاد، واستشهد معاليه بقوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) الأنعام/10، وبقوله سبحانه عن المستهزئين برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) التوبة/65، موضحاً معاليه أن الله بالمرصاد لكل من يستهزئ بالرسل والأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي خاطبه ربه بقوله: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ) الحجر/95.
وطالب د. التركي الجهات المسؤولة في الدانمارك باتخاذ الإجراءات التي توقف استمرار الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم الذي بعث لنشر الخير والبر والرحمة بين الناس (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء / 107، ولكل الأمم والشعوب: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) سبأ/28.
وحث معاليه المراكز والمنظمات الإسلامية والمسلمين في الدانمارك على ضبط النفس وممارسة الحوار العاقل المفيد مع غيرهم، وطالبهم بعدم الانجرار إلى المهاترات والمعارك الكلامية، مؤكداً معاليه على حرص الرابطة والبرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة التابع لها على متابعة هذا الموضوع بالتعاون مع المنظمات الإسلامية في العالم، وقال: إن على المسلمين ألا يدخلوا في دوامات ردود الأفعال الانفعالية، مؤكداً أن رسالة الإسلام رسالة عالمية وإنسانية خالدة، وقد تكفل الله بحفظها وذلك بحفظه لكتابه العظيم: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9.
وأضاف معاليه: أن علينا أن نَجِدَّ في عرض مبادئ الإسلام وسماحته وعظمة تشريعه، وبيان حقيقة شخصية النبي عليه الصلاة والسلام وأنه رحمة للعالمين، وأن نعمل من خلال برامج تحقق النصرة لخاتم الأنبياء الذي نصره الله في جميع الحوادث والملمات.
http://www.themwl.org/PressReleases/default.aspx?d=1&cid=16&cidi=123&l=AR(13/2)
شهر شعبان
شعبان هو اسم للشهر، وقد سمي بذلك لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب المياه، وقيل تشعبهم في الغارات، وقيل لأنه شَعَب أي ظهر بين شهري رجب ورمضان، ويجمع على شعبانات وشعابين.(13/3)
الصيام في شعبان:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان " رواه البخاري برقم (1833) ومسلم برقم (1956) ، وفي رواية لمسلم برقم (1957) : " كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا "، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره، ويشهد له ما في صحيح مسلم برقم (1954) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: " ما علمته - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - صام شهرا كله إلا رمضان " وفي رواية له أيضا برقم (1955) عنها قالت: " ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان "، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: " ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا غير رمضان " أخرجه البخاري رقم 1971 ومسلم رقم 1157، وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهرا كاملا غير رمضان، قال ابن حجر رحمه الله: كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان.
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال: " ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " رواه النسائي، أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425، وفي رواية لأبي داود برقم (2076) قالت: " كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان ". صححه الألباني أنظر صحيح سنن أبي داوُد 2/461
قال ابن رجب رحمه الله: صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه.
وقوله " شعبان شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان "
يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان - الشهر الحرام وشهر الصيام - اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر حرام، وليس كذلك.
وفي الحديث السابق إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه.
وفيه دليل على استحباب عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة، ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة، وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها:
أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، لا سيما الصيام فإنه سرّ بين العبد وربه، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء، وكان بعض السلف يصوم سنين عددا لا يعلم به أحد، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته، وكان السلف يستحبون لمن صام أن يُظهر ما يخفي به صيامه، فعن ابن مسعود أنه قال: " إذا أصبحتم صياما فأصبِحوا مدَّهنين "، وقال قتادة: " يستحب للصائم أن يدَّهِن حتى تذهب عنه غبرة الصيام "
وكذلك فإن العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق على النفوس، ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل، وإذا كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين، وعند مسلم (رقم 2984) من حديث معقل بن يسار: " العبادة في الهرْج كالهجرة إلي " (أي العبادة في زمن الفتنة؛ لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق) .
وقد اختلف أهل العلم في أسباب كثرة صيامه -صلى الله عليه وسلم - في شعبان على عدة أقوال:
1- أنه كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل بنافلة أثبتها وإذا فاتته قضاها.
2- وقيل إن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان فكان يصوم لذلك، وهذا عكس ما ورد عن عائشة أنها تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان لشغلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم.
3- وقيل لأنه شهر يغفل الناس عنه: وهذا هو الأرجح لحديث أسامة السالف الذكر والذي فيه: " ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان " رواه النسائي، أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425
وكان إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في شعبان حتى يستكمل نوافله بالصوم قبل دخول رمضان - كما كان إذا فاته سنن الصلاة أو قيام الليل قضاه - فكانت عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما عليها من فرض رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيض وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيجب التنبه والتنبيه على أن من بقي عليه شيء من رمضان الماضي فيجب عليه صيامه قبل أن يدخل رمضان القادم ولا يجوز التأخير إلى ما بعد رمضان القادم إلا لضرورة (مثل العذر المستمر بين الرمضانين) ، ومن قدر على القضاء قبل رمضان ولم يفعل فعليه مع القضاء بعده التوبة وإطعام مسكين عن كل يوم، وهو قول مالك والشافعي وأحمد.
وكذلك من فوائد صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده فيدخل رمضان بقوة ونشاط.
ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة، وقال سلمة بن سهيل كان يقال: شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء، وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن.(13/4)
الصيام في آخر شعبان:
ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: " هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا؟ قال لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين " وفي رواية البخاري: أظنه يعني رمضان وفي رواية لمسلم: " هل صمت من سرر شعبان شيئا؟ " أخرجه البخاري 4/200 ومسلم برقم (1161)
وقد اختلف في تفسير السرار، والمشهور أنه آخر الشهر، يقال سِرار الشهر بكسر السين وبفتحها وقيل إن الفتح أفصح، وسمي آخر الشهر سرار لاستسرار القمر فيه (أي لاختفائه) ، فإن قال قائل قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا من كان يصوم صوما فليصمه " أخرجه البخاري رقم (1983) ومسلم برقم (1082) ، فكيف نجمع بين حديث الحثّ وحديث المنع فالجواب: قال كثير من العلماء وأكثر شراح الحديث: إن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن له عادة بصيامه، أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه. وقيل في المسألة أقوال أخرى، وخلاصة القول أن صيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يصومه بنية الرمضانية احتياطا لرمضان، فهذا محرم.
الثاني: أن يصام بنية النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك، فجوّزه الجمهور.
الثالث: أن يصام بنية التطوع المطلق، فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر؛ منهم الحسن - وإن وافق صوما كان يصومه - ورخص فيه مالك ومن وافقه، وفرّق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا..
وبالجملة فحديث أبي هريرة - السالف الذكر - هو المعمول به عند كثير من العلماء، وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره. فإن قال قائل لماذا يُكره الصيام قبل رمضان مباشرة (لغير من له عادة سابقة بالصيام) فالجواب أنّ ذلك لمعانٍ منها:
أحدها: لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه، كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا المعنى، حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم.
ولهذا نهي عن صيام يوم الشك،قال عمار من صامه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، ويوم الشك: هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أم لا؟ وهو الذي أخبر برؤية هلاله من لم يقبل قوله، وأما يوم الغيم: فمن العلماء من جعله يوم شك ونهى عن صيامه، وهو قول الأكثرين.
المعنى الثاني: الفصل بين صيام الفرض والنفل، فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع، ولهذا حرم صيام يوم العيد، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام، وخصوصا سنة الفجر قبلها، فإنه يشرع الفصل بينها وبين الفريضة، ولهذا يشرع صلاتها بالبيت والاضطجاع بعدها.
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وقد أقيمت صلاة الفجر، فقال له: " آلصُّبح أربعا " رواه البخاري رقم (663) .
وربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل؛ لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام، وهذا خطأ وجهل ممن ظنه. والله تعالى أعلم.
المراجع: لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف: ابن رجب الحنبلي، والإلمام بشيء من أحكام الصيام: عبد العزيز الراجحي
والله الموفّق(13/5)
حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين, وبعد:
فلا يخفى ما ورد في الكتاب والسنة من الأمر باتباع شرع الله ورسوله, والنهي عن الابتداع في الدين , قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) آل عمران/31 , وقال تعالى: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون) الأعراف/3, وقال تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) الأنعام/ 153, وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أصدق الحديث كتاب الله , وخير الهدي هدي محمد , وشر الأمور محدثاتها) . وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) . رواه البخاري رقم 2697, ومسلم رقم 1718. وفي رواية لمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .
وإن من جملة ما أحدثه الناس من البدع المنكرة الاحتفال بذكرى المولود النبوي في شهر ربيع الأول , وهم في هذا الاحتفال على أنواع:
فمنهم من يجعله مجرد اجتماع تُقرأ فيه قصة المولد , أو تقدم فيه خطب وقصائد في هذه المناسبة.
ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك , ويقدمه لمن حضر.
ومنهم من يقيمه في المساجد , ومنهم من يقيمه في البيوت.
ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر , فيجعل هذا الاجتماع مشتملاً على محرمات ومنكرات من اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء , أو أعمال شركية كالاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وندائه والاستنصار به على الأعداء وغير ذلك.
وهو بجميع أنواعه واختلاف أشكاله واختلاف مقاصد فاعليه لا شك ولا ريب أنه بدعة محرمة محدثة أحدثها الشيعة الفاطميون بعد القرون الثلاثة المفضلة لإفساد دين المسلمين. وأول من أظهره بعدهم الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري , كما ذكره المؤرخون كابن خلكان وغيرهما.
وقال أبو شامة: وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين , وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره.
قال الحافظ ابن كثير في (البدية والنهاية: 13/137) في ترجمة أبي سعيد كزكبوري: (وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاٌ هائلاً.. إلى أن قال: قال البسط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي , وعشرة آلاف دجاجة , ومائة ألف زبدية , وثلاثين صحن حلوى.. إلى أن قال: ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقض بنفسه معهم.
وقال ابن خلكان في (وفيات الأعيان: 3/274) : فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المتجملة , وقعد في كل قبة جوق من الأغاني وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهي , ولم يتركوا طبقة من تلك الطبقات (طبقات القباب) حتى رتبوا فيها جوقاً.
وتبطل معايش الناس في تلك المدة، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم ... " إلى أن قال: (فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئاً كثيراً زائداً عن الوصف، وزفها بجميع ما عنده من الطبول والأغاني والملاهي، حتى يأتي بها إلى الميدان ... " إلى أن قال: " فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة ".
فهذا مبدأ حدوث الاحتفال وإحيائه بمناسبة ذكرى المولد، حدث متأخراً ومقترنأً باللهو والسرف وإضاعة الأموال والأوقات وراء بدعة ما أنزل الله بها من سلطان.
والذي يليق بالمسلم إنما هو إحياء السنن وإماتة البدع، وألا يقدم على عمل حتى يعلم حكم الله فيه.(13/6)
حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي:
الاحتفال بمناسبة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ممنوع ومردود من عدة وجوه:
أولاً: أنه لم يكن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من سنة خلفائه. وما كان كذلك فهو من البدع الممنوعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) أخرجه أحمد 4/126، والترمذي برقم 2676.
والاحتفال بالمولد محدث أحدثه الشيعة الفاطميون بعد القرون المفضلة لإفساد دين المسلمين. ومن فعل شيئاً يتقرب به إلى الله تعالى لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به، ولم يفعله خلفاؤه من بعده، فقد تضمن فعله اتهام الرسول بأنه لم يبين للناس دينهم، وتكذيب قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) المائدة/3 لأنه جاء بزيادة يزعم أنها من الدين ولم يأت بها الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: في الاحتفال بذكرى المولد تشبه بالنصارى، لأنهم يحتفلون بذكرى مولد المسيح عليه السلام والتشبه بهم محرم أشد التحريم، ففي الحديث النهي عن التشبه بالكفار، والأمر بمخالفتهم، ففد قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) أخرجه أحمد 2/50، وأبو داود 4/314، وقال: (خالفوا المشركين) أخرجه مسلم 1/222 رقم 259، ولا سيما فيما هو من شعائر دينهم.
ثالثاً: ن الاحتفال بذكرى مولد الرسول مع كونه بدعة وتشبهاُ بالنصارى وكل منهما محرم فهو كذلك وسيلة إلى الغلو والمبالغة في تعظيمه حتى يفضي إلى دعائه والاستعانة به من دون الله، كما هو الواقع الآن من كثير ممن يحييون بدعة المولد، من دعاء الرسول من دون الله، وطلب المدد منه، وإنشاد القصائد الشركية في مدحه كقصيدة البردة وغيرها، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو في مدحه فقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله) أخرجه البخاري 4/142 رقم 3445، الفتح 6/551، أي لا تغلوا في مدحي وتعظيمي كما غلت النصارى في مدح المسيح وتعظيمه حتى عبدوه من دون الله، وقد نهاهم الله عن ذلك بقوله: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) النساء/171
ونهانا نبينا صلى الله عليه وسلم عن الغلو خشية أن يصيبنا ما أصابهم، فقال: (إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) أخرجه النسائي 5/268، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي رقم 2863.
رابعاً: إن إحياء بدعة المولد يفتح الباب للبدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن، ولهذا تجد المبتدعة ينشطون في إحياء البدع ويكسلون عن السنن ويبغضونها ويعادون أهلها، حتى صار دينهم كله ذكريات بدعية وموالد، وانقسموا إلى فرق كل فرقة تحيي ذكرى موالد أئمتها، كمولد البدوي وابن عربي والدسوقي والشاذلي، وهكذا لا يفرغون من مولد إلا يشتغلون بآخر، ونتج عن ذلك الغلو بهؤلاء الموتى وبغيرهم ودعائهم من دون الله، واعتقادهم أنهم ينفعون ويضرون حتى انسلخوا من دين الله وعادوا إلى دين أهل الجاهلية الذين قال الله فيهم: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) يونس/18، وقال تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) الزمر/3(13/7)
مناقشة شبه مقيمي المولد:
هذا، وقد يتعلق من يرى إحياء هذه البدعة بشبه أوهى من بيوت العنكبوت، ويمكن حصر هذه الشبه فيما يلي:
1- دعواهم أن في ذلك تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم:
والجواب عن ذلك أن نقول: إنما تعظيمه صلى الله عليه وسلم بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ومحبته صلى الله عليه وسلم، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي، والاحتفال بذكرى المولد من هذا القبيل المذموم لأنه معصية، وأشد الناس تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة رضي الله عنهم، كما قال عروة بن مسعود لقريش: (أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداًُ صلى الله عليه وسلم، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوءه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النظر إليه تعظيماً له) البخاري 3/178 رقم 2731، 2732، الفتح: 5/388، ومع هذا التعظيم ما جعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً، ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه.
2- الاحتجاج بأن هذا عمل كثير من الناس في كثير من البلدان:
والجواب عن ذلك أن نقول: الحجة بما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن البدع عموماً، وهذا منها، وعمل الناس إذا خالف الدليل فليس بحجة وإن كثروا: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) الأنعام/116، مع أنه لا يزال بحمد الله في كل عصر من ينكر هذه البدعة ويبين بطلانها، فلا حجة بعمل من استمر على إحيائها بعد ما تبين له الحق.
فممن أنكر الاحتفال بهذه المناسبة شيخ الإسلام ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم "، والإمام الشاطبي في " الاعتصام "، وابن الحاج في " المدخل "، والشيخ تاج الدين علي بن عمر اللخمي ألّف في إنكاره كتاباً مستقلاً، والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه " صيانة الإنسان "، والسيد محمد رشيد رضا ألف فيه رسالة مستقلة، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ألف فيه رسالة مستقلة، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وغير هؤلاء ممن لا يزالون يكتبون في إنكار هذه البدعة كل سنة في صفحات الجرائد والمجلات، في الوقت الذي تقام فيه هذه البدعة.
3- يقولون: إن في إقامة المولد إحياءً لذكرى النبي صلى الله عليه وسلم.
والجواب عن ذلك أن نقول: إن ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم تتجدد مع المسلم، ويرتبط بها المسلم لكما ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الآذان والإقامة والخطب، وكلما ردد المسلم الشهاتين بعد الوضوء وفي الصلوات، وكلما صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في صلواته وعند ذكره، وكلما عمل المسلم عملاً صالحاً واجباً أو مستحباً مما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه بذلك يتذكره ويصل إليه في الأجر مثل أجر العامل.. وهكذا المسلم دائماً يحيي ذكرى الرسول ويرتبط به في الليل والنهار طوال عمره بما شرعه الله، لا في يوم المولد فقط وبما هو بدعة ومخالفة لسنته، فإن ذلك يبعد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويتبرأ منه.
والرسول صلى الله عليه وسلم غني عن هذا الاحتفال البدعي بما شرعه الله له من تعظيمه وتوقيره كما في قوله تعالى: (ورفعنا لك ذكرك) الشرح/4، فلا يذكر الله عز وجل في أذان ولا إقامة ولا خطبة وإلا يذكر بعده الرسول صلى الله عليه وسلم وكفى بذلك تعظيماً ومحبة وتجديداُ لذكراه وحثاً على اتباعه.
والله سبحانه وتعالى لم ينوه في القرآن بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما نوه ببعثته، فقال: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم) آل عمران/164، وقال: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) الجمعة/2
4- وقد يقولون: الاحتفال بذكرى المولد النبوي أحدثه ملك عادل عالم، قصد به التقرب إلى الله!
والجواب عن ذلك أن نقول: البدعة لا تُقبل من أي أحد كان، وحُسن القصد لا يُسوغ العمل السيئ، وموته عالماً وعادلاً لا يقتضي عصمته.
5- قولهم: إن إقامة المولد من قبيل البدعة الحسنة لأنه ينبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم!
ويجاب عن ذلك بأن يقال: ليس في البدع شيء حسن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أخرجه البخاري 3/167 رقم 2697، الفتح 5/355، وقال صلى الله عليه وسلم: (فإن كل بدعة ضلالة) أخرجه أحمد 4/126، والترمذي رقم 2676، فحكم على البدع كلها بأنها ضلالة، وهذا يقول: ليس كل بدعة ضلالة، بل هناك بدعة حسنة.
قال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين: (فقوله صلى الله عليه وسلم: " كل بدعة ضلالة " من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أخرجه البخاري 3/167 رقم 2697، الفتح 5/355، فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة) انتهي جامع العلوم والحكم، ص 233
وليس لهولاء حجة على أن هناك بدعة حسنة إلا قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح: (نعمت البدعة هذه) صحيح البخاري 2/252 رقم 2010 معلقاً، الفتح 4/294
وقالوا أيضاً: أنها أُحدثت أشياء لم يستنكرها السلف، مثل: جمع القرآن في كتاب واحد، وكتابة الحديث وتدوينه.
والجواب عن ذلك أن هذه الأمور لها أصل في الشرع فليست محدثة.
وقول عمر: (نعمت البدعة) يريد: البدعة اللغوية لا الشرعية، فما كان له أصل في الشرع يرجع إليه، إذا قيل: إنه بدعة، فهو بدعة لغة لا شرعاُ، لأن البدعة شرعاً ما ليس له أصل في الشرع يرجع إليه.
وجمع القرآن في كتاب واحد له أصل في الشرع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة القرآن لكن كان مكتوباً متفرقاُ، فجمعه الصحابة في كتاب واحد حفظأً له.
والتروايح قد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليالي وتخلف عنهم في الأخير خشية أن تُفرض عليهم، واستمر الصحابة رضي الله عنهم يصلونها أوزاعاً متفرقين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، إلى أن جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلق إمام واحد كما كانوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هذا بدعة في الدين.
وكتابة الحديث أيضاً لها أصل في الشرع، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة بعض الأحاديث لبعض أصحابه لما طلب منه ذلك، وكان المحذور من كتابته بصفة عامة في عهده صلى الله عليه وسلم خشية أن يختلط بالقرآن ما ليس منه، فلما توفي صلى الله عليه وسلم انتفى هذا المحذور، لأن القرآن قد تكامل وضبط قبل وفاته صلى الله عليه وسلم، فدوّن المسلموت السنة بعد ذلك حفظاً لها من الضياع، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، حيث حفظوا كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم من الضياع وعبث العابثين.
ويقال أيضاً: لماذا تأخر القيام بهذا الشكر على زعمكم فلم يقم يه أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وهم أشد محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأحرص على فعل الخير والقيام بالشكر، فهل كان من أحدث بدعة المولد أهدى منهم وأعظم شكراُ لله عز وجل؟ حاشا وكلا.
6- قد يقولون: إن الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم ينبئ عن محبته فهو مظهر من مظاهرها، وإظهار محبته صلى الله عليه وسلم مشروع!
والجواب أن نقول: لا شك أن محبته صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مسلم أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين - بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه - ولكن ليس معنى ذلك أن تبتدع في ذلك شيئاً لم يشرعه لنا، بل محبته تقتضي طاعته واتباعه، فإن ذلك من أعظم مظاهر محبته، كما قيل:
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحبّ لمن يحب مطيع
فمحبته صلى الله عليه وسلم تقتضي إحياء سنته، والعض عليها بالنواجذ، ومجانبة ما خالفها من الأقوال والأفعال، ولا شك أن كل ما خالف سنته فهو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة، ومن ذلك الاحتفال بذكرى مولده وغيره من البدع، وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين، فإن الدين مبني على أصلين: الإخلاص والمتابعة، قال تعالى: (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة / 112، فإسلام الوجه لله الإخلاص لله، والإحسان هو التابعة للرسول وإصابة السنة.
7- ومن شبههم: أنهم يقولون: إن في إحياء ذكرى المولد وقراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المناسبة حثاً على الاقتداء والتأسي به!
فنقول لهم: إن قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به مطلوبان من المسلم دائماً طوال السنة وطوال الحياة، أما تخصيص يوم معين لذلك بدون دليل على التخصيص فإنه يكون بدعة " وكل بدعة ضلالة " أخرجه أحمد 4/164، والترمذي 2676، والبدعة لا تثمر إلا شراً وبعداً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعيلكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) أخرجه أحمد 4/126، والترمذي رقم 2676، فبين لنا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف بمن نقتدي عند الاختلاف، كما بين أن كل ما خالف السنة من الأقوال والأفعال فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وإذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبوي لم نجد له أصلاً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في سنة خلفائه الراشدين، إذن فهو من محدثات الأمور ومن البدع المضلة، وهذا الأصل الذي تضمّنه هذا الحديث وقد دل عليه قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاًُ) النساء /59
والرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابه الكريم، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرجوع إلى سنته بعد وفاته، فالكتاب والسنة هما المرجع عند التنازل، فأين في الكتاب والسنة ما يدل على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي؟ فالواجب على من يغعل ذلك أو يستحسنه أن يتوب إلى الله تعالى منه ومن غيره من البدع، فهذا هو شأن المؤمن الذي ينشد الحق، وأما من عاند وكابر بعد قيام الحجة فإنما حسابه عند ربه.
كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال ص 139
الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية.(13/8)
عيد الأم! نبذة تاريخية، وحكمه عند أهل العلم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
تمهيد
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقوع متابعة أمته للأمم السابقة من اليهود والنصارى والفرس، وليس هذا - بلا شك - من المدح لفعلهم هذا بل هو من الذم والوعيد، فعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لتتبعن سَنن من قبلكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ، حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن!؟ "، رواه البخاري (3269) ومسلم (2669) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ، فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك؟ ".
رواه البخاري (6888) .
أخذ القرون: المشي على سيرتهم.
وقد تابع جهلة هذه الأمة ومبتدعتها وزنادقتها الأمم السابقة من اليهود والنصارى والفرس في عقائدهم ومناهجهم وأخلاقهم وهيئاتهم، ومما يهمنا - الآن - أن ننبه عليه في هذه الأيام هو اتباعهم ومشابهتم في ابتداع " عيد الأم " أو " عيد الأسرة "، وهو اليوم الذي ابتدعه النصارى تكريماً - في زعمهم - للأم، فصار يوماً معظَّما تعطَّل فيه الدوائر ويصل فيه الناس أمهاتهم ويبعثون لهن الهدايا والرسائل الرقيقة، فإذا انتهى اليوم عادت الأمور لما كانت عليه من القطيعة والعقوق.
والعجيب من المسلمين أن يحتاجوا لمثل هذه المشابهة وقد أوجب الله تعالى عليهم بر الأم وحرَّم عليهم عقوقها وجعل الجزاء على ذلك أرفع الدرجات.
تعريف العيد
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فالعيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد، عائد: إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك " اقتضاء الصراط المستقيم " (1 / 441) .
وقال ابن عابدين - رحمه الله -: " سُمي العيد بهذا الاسم؛ لأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان، أي: أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل يوم، منها: الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي، وغير ذلك، ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور ".
" حاشية ابن عابدين " (2 / 165) .
كم عيد في الإسلام؟
يلحظ المسلم كثرة الأعياد عند المسلمين في هذه الأزمنة، مثل " عيد الشجرة "، و " عيد العمال " و " عيد الجلوس " و " عيد الميلاد " …الخ وهكذا في قائمة طويلة، وكل هذا من اتباع اليهود والنصارى والمشركين، ولا أصل لهذا في الدين، وليس في الإسلام إلا عيد الأضحى وعيد الفطر.
عن أنس بن مالك قال كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى.
رواه أبو داود (1134) والنسائي (1556) ، وصححه الشيخ الألباني.
بر الأم
قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [النساء / 36] .
وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء / 23] .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك.
رواه البخاري (5626) ومسلم (2548) .
قال الحافظ ابن حجر:
قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، قال: وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها ثم تشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين} ، فسوَّى بينهما في الوصاية، وخص الأم بالأمور الثلاثة، قال القرطبي: المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر، وتقدَّم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة، وقال عياض: وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب، وقيل: يكون برهما سواء، ونقله بعضهم عن مالك والصواب الأول.
" فتح الباري " (10 / 402) .
بل وحتى الأم المشركة فإن الشرع المطهر الحكيم رغَّب بوصلها:
فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمتْ عليَّ أمِّي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم صِلِي أمَّك.
رواه البخاري (2477) .
الأم في بلاد الكفر
إن المتتبع لأحوال الأسرة عموما وللأم خاصة في المجتمعات الغير إسلامية ليسمع ويقرأ عجباً، فلا تكاد تجد أسرة متكاملة يصل أفرادها بعضهم بعضاً فضلا عن لقاءات تحدث بينهم وفضلا عن اجتماع دائم.
وكما قال بعض المشاهدين لبلاد الكفر: إنك قد تجد في الأسواق أو الطرقات أما وابنها أو ابنتها، أو أبا وابنه وابنته، لكنه من النادر أن تجد الأسرة كاملة تتسوق أو تمشي في الطرقات.
وعندما يصير الأب أو الأم في حالة الكِبَر يسارع البار! بهما إلى وضعهما في دور العجزة والمسنِّين، وقد ذهب بعض المسلمين إلى بعض تلك الدور وسأل عشرة من المسنِّين عن أمنيته، فكلهم قالوا: الموت!! وما ذلك إلى بسبب ما يعيشه الواحد منهم من قهر وحزن وأسى على الحال التي وصل الواحد منهم إليها وتخلى عنهم فلذات أكبادهم في وقت أحوج ما يكون الواحد إليهم.
وقت عيد الأم عند الدول
الاحتفال بعيد الأم يختلف تارخه من دولة لأخرى، وكذلك أسلوب الاحتفال به، فالنرويج تقيمه في الأحد الثاني من فبراير، أما في الأرجنتين فهو يوم الأحد الثاني من أكتوبر، وفي لبنان يكون اليوم الأول من فصل الربيع، وجنوب أفريقيا تحتفل به يوم الأحد الأول من مايو.
أما في فرنسا فيكون الاحتفال أكثر بالعيد كعيد الأسرة في يوم الأحد الأخير من مايو حيث يجتمع أفراد الأسرة للعشاء معاً ثم تقدم كيكة للأم.
والسويد أيضا عندها عطلة عيد الأسرة في الأحد الأخير من مايو وقبلها بأيام يقوم الصليب الأحمر السويدي ببيع وردات صغيرة من البلاستيك تقدم حصيلتها للأمهات اللاتي يكن في عطلة لرعاية أطفالهن. وفي اليابان يكون الاحتفال في يوم الأحد الثاني من مايو مثل أمريكا الشمالية وفيه يتم عرض صور رسمها أطفال بين السادسة والرابعة عشرة من عمرهم وتدخل ضمن معرض متجول يحمل اسم "أمي" ويتم نقله كل 4 سنوات يتجول المعرض في عديد من الدول.
عيد الأم، نبذة تاريخية
قال بعض الباحثين:
يزعم بعض المؤرخين أن عيد الأم كان قد بدأ عند الإغريق في احتفالات عيد الربيع، وكانت هذه الاحتفالات مهداة إلى الإله الأم "ريا" زوجة "كرونس" الإله الأب، وفي روما القديمة كان هناك احتفال مشابه لهذه الاحتفالات كان لعبادة أو تبجيل "سيبل" -أم أخرى للآلهة. وقد بدأت الأخيرة حوالي 250 سنة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام؛ وهذه الاحتفالات الدينية عند الرومان كانت تسمى "هيلاريا" وتستمر لثلاثة أيام من 15 إلى 18 مارس.
الأحد في إنجلترا
وهو يوم شبيه باحتفالات عيد الأم الحالية، ولكنه كان يسمى أحد الأمهات أو أحد نصف الصوم، لأنه كان يُقام في فترة الصوم الكبير عندهم، والبعض يقول إن الاحتفالات التي كانت تقام لعبادة وتكريم "سيبل" الرومانية بُدِّلت من قبل الكنيسة باحتفالات لتوقير وتبجيل مريم عليها السلام، وهذه العادة بدأت بحَثِّ الأفراد على زيارة الكنيسة التابعين لها والكنيسة الأم محمَّلين بالقرابين، وفي عام 1600 بدأ الشباب والشابات ذوو الحرف البسيطة والخادمون في زيارة أمهاتهم في "أحد الأمهات" مُحمَّلين بالهدايا والمأكولات، هذا عن انجلترا أما عن الولايات المتحدة الأمريكية فكانت هناك قصة أخرى.
الولايات المتحدة
آنا. م.جارفس: (1864-1948) :
هي صاحبة فكرة ومشروع جعل يوم عيد الأم إجازة رسمية في الولايات المتحدة، فهي لم تتزوج قط وكانت شديدة الارتباط بوالدتها، وكانت ابنه للدير، وتدرس في مدرسة الأحد التابعة للكنيسة النظامية "أندرو" في جرافتون غرب فرجينيا، وبعد موت والدتها بسنتين بدأت حملة واسعة النطاق شملت رجال الأعمال والوزراء ورجال الكونجرس؛ لإعلان يوم عيد الأم عطلة رسمية في البلاد، وكان لديها شعور أن الأطفال لا يقدرون ما تفعله الأمهات خلال حياتهم، وكانت تأمل أن يزيد هذا اليوم من إحساس الأطفال والأبناء بالأمهات والآباء، وتقوى الروابط العائلية المفقودة
البداية:
قامت الكنيسة بتكريم الآنسة آنا جارفس في جرافتون غرب فرجينيا وفلادلفيا وبنسلفانيا في العاشر من مايو 1908، وكانت هذه بداية الاحتفال بعيد الأم في الولايات المتحدة.
وكان القرنفل من ورود والدتها المفضلة وخصوصًا الأبيض؛ لأنه يعبر عن الطيبة والنقاء والتحمل والذي يتميز به حب الأم، ومع مرور الوقت أصبح القرنفل الأحمر إشارة إلى أن الأم على قيد الحياة، والأبيض أن الأم رحلت عن الحياة.
وأول إعلان رسمي عن عيد الأم في الولايات المتحدة كان غرب فرجينيا ولاية أوكلاهوما سنة 1910، ومع عام 1911 كانت كل الولايات المتحدة قد احتفلت بهذا اليوم، ومع هذا الوقت كانت الاحتفالات قد دخلت كلاً من المكسيك، وكندا، والصين، واليابان، وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، ثم وافق الكونجرس الأمريكي رسميًّا على الإعلان عن الاحتفال بيوم الأم، وذلك في العاشر من مايو سنة 1913، وقد اختير يوم الأحد الأول من شهر مايو للاحتفال بعيد الأم.
عيد الأم العربي
بدأت فكرة الاحتفال بعيد الأم العربي في مصر على يد الأخوين "مصطفى وعلي أمين" مؤسسي دار أخبار اليوم الصحفية.. فقد وردت إلى علي أمين ذاته رسالة من أم تشكو له جفاء أولادها وسوء معاملتهم لها، وتتألم من نكرانهم للجميل.. وتصادف أن زارت إحدى الأمهات مصطفى أمين في مكتبه.. وحكت له قصتها التي تتلخص في أنها ترمَّلت وأولادها صغار، فلم تتزوج، وأوقفت حياتها على أولادها، تقوم بدور الأب والأم، وظلت ترعى أولادها بكل طاقتها، حتى تخرجوا في الجامعة، وتزوجوا، واستقل كل منهم بحياته، ولم يعودوا يزورونها إلا على فترات متباعدة للغاية، فكتب مصطفى أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير "فكرة" يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة تذكرة بفضلها، وأشارا إلى أن الغرب يفعلون ذلك، وإلى أن الإسلام يحض على الاهتمام بالأم، فانهالت الخطابات عليهما تشجع الفكرة، واقترح البعض أن يخصص أسبوع للأم وليس مجرد يوم واحد، ورفض آخرون الفكرة بحجة أن كل أيام السنة للأم وليس يومًا واحدًا فقط، لكن أغلبية القراء وافقوا على فكرة تخصيص يوم واحد، وشارك القراء في اختيار يوم 21 مارس ليكون عيدًا للأم، وهو أول أيام فصل الربيع؛ ليكون رمزًا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة.. واحتفلت مصر بأول عيد أم في 21 مارس سنة 1956م.. ومن مصر خرجت الفكرة إلى البلاد العربية الأخرى.. وقد اقترح البعض في وقت من الأوقات تسمية عيد الأم بعيد الأسرة ليكون تكريمًا للأب أيضًا، لكن هذه الفكرة لم تلق قبولاً كبيرًا، واعتبر الناس ذلك انتقاصًا من حق الأم، أو أن أصحاب فكرة عيد الأسرة "يستكثرون" على الأم يومًا يُخصص لها.. وحتى الآن تحتفل البلاد العربية بهذا اليوم من خلال أجهزة الإعلام المختلفة.. ويتم تكريم الأمهات المثاليات اللواتي عشن قصص كفاح عظيمة من أجل أبنائهن في كل صعيد. انتهى
ولا عجب بعدها من معرفة أن أكثر من يحتفل بهذه الأعياد اليهود والنصارى والمتشبهون بهم، ويُظهرون ذلك على أنه اهتمام بالمرأة والأم وتحتفل بعض الأندية الماسونية في العالم العربي بعيد الأم كنوادي الروتاري والليونز.
وبالمناسبة فإن يوم عيد الأم وهو 21 مارس هو رأس السنة عند الأقباط النصارى، وهو يوم عيد النوروز عند الأكراد.
الموقف الشرعي من عيد الأم:
الإسلام غني عما ابتدعه الآخرون سواءً عيد الأم أو غيره، وفي تشريعاته من البر بالأمهات ما يغني عن عيد الأم المبتدع.
فتاوى أهل العلم
1. قال علماء اللجنة الدائمة:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:
أولا: العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد إما بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع أو نحو ذلك فالعيد يجمع أمورا منها: يوم عائد كيوم عيد الفطر ويوم الجمعة، ومنها: الاجتماع في ذلك اليوم، ومنها: الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات.ثانيا: ما كان من ذلك مقصودا به التنسك والتقرب أو التعظيم كسبا للأجر، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار فهو بدعة محدثة ممنوعة داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم، مثال ذلك الاحتفال بعيد المولد وعيد الأم والعيد الوطني لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله، وكما في ذلك التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة، ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار، وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلا لمصلحة الأمة وضبط أمورها كأسبوع المرور وتنظيم مواعيد الدراسة والاجتماع بالموظفين للعمل ونحو ذلك مما لا يفضي إلى التقرب به والعبادة والتعظيم بالأصالة، فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد " فلا حرج فيه بل يكون مشروعاً.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
" فتاوى اللجنة الدائمة " (3 / 59، 61) .
2. وقالوا - أيضاً -:
لا يجوز الاحتفال بما يسمى " عيد الأم " ولا نحوه من الأعياد المبتدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "، وليس الاحتفال بعيد الأم من عمله صلى الله عليه وسلم ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم ولا من عمل سلف الأمة، وإنما هو بدعة وتشبه بالكفار.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (3 / 86) .
3. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز:
اطلعتُ على ما نشرته صحيفة (الندوة) في عددها الصادر بتاريخ 30 / 11 / 1384 هـ تحت عنوان (تكريم الأم.. وتكريم الأسرة) فألفيت الكاتب قد حبذ من بعض الوجوه ما ابتدعه الغرب من تخصيص يوم في السنة يحتفل فيه بالأم وأَوْرَدَ عليه شيئا غفل عنه المفكرون في إحداث هذا اليوم وهي ما ينال الأطفال الذين ابتلوا بفقد الأم من الكآبة والحزن حينما يرون زملائهم يحتفلون بتكريم أمهاتهم واقترح أن يكون الاحتفال للأسرة كلها واعتذر عن عدم مجيء الإسلام بهذا العيد؛ لأن الشريعة الإسلامية قد أوجبت تكريم الأم.
ولقد أحسن الكاتب فيما اعتذر به عن الإسلام وفيما أورده من سيئة هذا العيد التي قد غفل عنها من أحدثه ولكنه لم يشر إلى ما في البدع من مخالفة صريح النصوص الواردة عن رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام ولا إلى ما في ذلك من الأضرار ومشابهة المشركين والكفار فأردت بهذه الكلمة الوجيزة أن أنبه الكاتب وغيره على ما في هذه البدعة وغيرها مما أحدثه أعداء الإسلام والجاهلون به من البدع في الدين حتى شوهوا سمعته ونفروا الناس منه وحصل بسبب ذلك من اللبس والفرقة ما لا يعلم مدى ضرره وفساده إلا الله سبحانه.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التحذير من المحدثات في الدين وعن مشابهة أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه وفي لفظ لمسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "، والمعنى:
فهو مردود على ما أحدثه وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " خرجه مسلم في صحيحه، ولا ريب أن تخصيص يوم من السنة للاحتفال بتكريم الأم أو الأسرة من محدثات الأمور التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته المرضيون، فوجب تركه وتحذير الناس منه، والاكتفاء بما شرعه الله ورسوله.
وقد سبق أن الكاتب أشار إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم الأم والتحريض على برها كل وقت وقد صدق في ذلك فالواجب على المسلمين أن يكتفوا بما شرعه الله لهم من بر الوالدة وتعظيمها والإحسان إليها والسمع لها في المعروف كل وقت وأن يحذروا من محدثات الأمور التي حذرهم الله منها والتي تفضي بهم إلى مشابهة أعداء الله والسير في ركابهم واستحسان ما استحسنوه من البدع, وليس ذلك خاصا بالأم بل قد شرع الله للمسلمين بر الوالدين جميعا وتكريمهما والإحسان إليهما وصلة جميع القرابة وحذرهم سبحانه من العقوق والقطيعة وخص الأم بمزيد العناية والبر؛ لأن عنايتها بالولد أكبر ما ينالها من المشقة في حمله وإرضاعه وتربيته أكثر قال الله سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} الإسراء/23، وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} لقمان/14، وقال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} محمد/22، 23.
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور، وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله أي الناس أحق بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك ثم الأقرب فالأقرب.
وقال عليه الصلاة والسلام " لا يدخل الجنة قاطع "، يعني: قاطع رحم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحب أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أجَله فليصل رحمه "، والآيات والأحاديث في بر الوالدين وصلة الرحم وبيان تأكيد حق الأم كثيرة مشهورة وفيما ذكرنا منها كفاية ودلالة على ما سواه وهي تدل مَنْ تأملها دلالة ظاهرة على وجوب إكرام الوالدين جميعا واحترامهما والإحسان إليهما وإلى سائر الأقارب في جميع الأوقات وترشد إلى أن عقوق الوالدين وقطيعة الرحم من أقبح الصفات والكبائر التي توجب النار وغضب الجبار نسأل الله العافية من ذلك.
وهذا أبلغ وأعظم مما أحدثه الغرب من تخصيص الأم بالتكريم في يوم من السنة فقط ثم إهمالها في بقية العام مع الإعراض عن حق الأب وسائر الأقارب ولا يخفى على اللبيب ما يترتب على هذا الإجراء من الفساد الكبير مع كونه مخالفا لشرع أحكم الحاكمين وموجباً للوقوع فيما حذر منه رسوله الأمين.
ويلتحق بهذا التخصيص والابتداع ما يفعله كثير من الناس من الاحتفال بالموالد وذكرى استقلال البلاد أو الاعتلاء على عرش الملك وأشباه ذلك فإن هذه كلها من المحدثات التي قلد فيها كثير من المسلمين غيرهم من أعداء الله وغفلوا عما جاء به الشرع المطهر من التحذير من ذلك والنهي عنه وهذا مصداق الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: " لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن "،
وفي لفظ آخر: " لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، قالوا: يا رسول الله فارس والروم؟ قال: فمن؟ "، والمعنى فمن المراد إلا أولئك فقد وقع ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من متابعة هذه الأمة إلا من شاء الله منها لمن كان قبلهم من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الكفرة في كثير من أخلاقهم وأعمالهم حتى استحكمت غربة الإسلام وصار هدي الكفار وما هم عليه من الأخلاق والأعمال أحسن عند الكثير من الناس مما جاء به الإسلام وحتى صار المعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة عند أكثر الخلق بسبب الجهل والإعراض عما جاء به الإسلام من الأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة المستقيمة فإنا لله وإنا إليه راجعون
ونسأل الله أن يوفق المسلمين للفقه في الدين وأن يصلح أحوالهم ويهدي قادتهم وأن يوفق علماءنا وكتابنا لنشر محاسن ديننا والتحذير من البدع والمحدثات التي تشوه سمعته وتنفر منه إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن سلك سبيله واتبع نته إلى يوم الدين.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 189) .
4. وقال الشيخ صالح الفوزان:
ومن الأمور التي يجري تقليد الكفار فيها: تقليدهم في أمور العبادات، كتقليدهم في الأمور الشركية من البناء على القبور، وتشييد المشاهد عليها والغلو فيها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "، وأخبر أنهم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه الصور، وإنهم شرار الخلق، وقد وقع في هذه الأدلة من الشرك الأكبر بسبب الغلو في القبور ما هو معلوم لدى الخاص والعام وسبب ذلك تقليد اليهود والنصارى.
ومن ذلك تقليدهم في الأعياد الشركية والبدعية كأعياد الموالد عند مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وأعياد موالد الرؤساء والملوك، وقد تسمى هذه الأعياد البدعية أو الشركية بالأيام أو الأسابيع - كاليوم الوطني للبلاد، ويوم الأم وأسبوع النظافة - وغير ذلك من الأعياد اليومية والأسبوعية، وكلها وافدة على المسلمين من الكفار؛ وإلا فليس في الإسلام إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، وما عداهما فهو بدعة وتقليد للكفار، فيجب على المسلمين أن ينتبهوا لذلك ولا يغتروا بكثرة من يفعله ممن ينتسب إلى الإسلام وهو يجهل حقيقة الإسلام، فيقع في هذه الأمور عن جهل، أو لا يجهل حقيقة الإسلام ولكنه يتعمد هذه الأمور، فالمصيبة حينئذ أشد، {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} الأحزاب/21.
من خطبة " الحث على مخالفة الكفار"
5. وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم؟.
فأجاب:
إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضا؛ فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع (يوم الجمعة) وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله سبحانه وتعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أي: مردود عليه غير مقبول عند الله وفي لفظ: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "، وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الأم، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد، كإظهار الفرح والسرور، وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على ما حده الله تعالى لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه، والذي ينبغي للمسلم أيضا ألا يكون إمعة يتبع كل ناعق بل ينبغي أن يُكوِّن شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى حتى يكون متبوعا لا تابعا، وحتى يكون أسوة لا متأسياً؛ لأن شريعة الله - والحمد لله - كاملة من جميع الوجوه كما قال تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} ، والأم أحق من أن يحتفى بها يوماً واحداً في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله عز وجل في كل زمان ومكان.
" فتاوى إسلامية " (1 / 124) ومجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / 301، 302) .
6. وقال شيخ الإسلام - في التعليق على موضوع مقارب -:
وبهذا يتبين لك كمال موقع الشريعة الحنيفية، وبعض حكم ما شرع الله لرسوله [من] مباينة الكفار ومخالفتهم في عامة الأمور؛ لتكون المخالفة أحسم لمادة الشر وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس، فينبغي للمسلم إذا طلب منه أهله وأولاده شيئاً من ذلك أن يحيلهم على ما عند الله ورسوله ويقضي لهم في عيد الله من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلى غيره فإن لم يرضوا فلا حول ولا قوة إلا بالله ومن أغضب أهله لله أرضاه الله وأرضاهم. فليحذر العاقل من طاعة النساء في ذلك وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء "، وأكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء، ففي صحيح البخاري عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ". .. وقد قال صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين لما راجعنه في تقديم أبي بكر: " إنكن صواحب يوسف "، يريد أن النساء من شأنهن مراجعة ذي اللب كما قال في الحديث الآخر: " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب ذي اللب من إحداكن ".
قال بعض العلماء: ينبغي للرجل أن يجتهد إلى الله في إصلاح زوجته، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم ".
" مجموع الفتاوى " (25 / 324 - 326) .
والله أعلم.(13/9)
الكسوف بين أهل الإيمان وأهل الغفلة(13/10)
ماذا قال أهل الدنيا في الكسوف
قال باحث علمي: " إن الكسوف ظاهرة طبيعية يجب التعامل معها بدون رعب "
أما ماذا فعلوا فقد جاءت الأخبار بما يلي؟
- سيتم توفير النّارات الطبيّة للناس ليتمتّعوا بهذه اللحظات الممتعة.
- في بعض البلدان تمّ استيراد 50,000 نظّارة خاصة لاستخدامها في مشاهدة الكسوف في الأربعاء المقبل.
- سيتجمّع النّاس عند أجهزة التلسكوبات المخصّصة لإفساح المجال لهم لمشاهدة الكسوف بوسائل علمية متطوّرة.
- تنظّم الخطوط الجوية البريطانية رحلتين بطائرتي كونكورد لمراقبة كسوف الشّمس الأربعاء المقبل من مطار هيثرو وتتجّهان غربا عبر حتى منتصف المسافة ثم تعودان ليتمكن 200 راكب من مشاهدة الكسوف على ارتفاع 58000 قدم وبضعف سرعة الصوت وقد بيعت جميع تذاكر الطائرتين في وقت قليل.
- وفي بعض البلدان نُصح الناس بلزوم البيوت وعدم الخروج إلى الشوارع إطلاقا.
هذا ما قاله أهل الغفلة فماذا يقول أهل الإيمان، قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه(13/11)
بَاب الصَّلاةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْكَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ رِدَاءهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلْنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ [وَلا لِحَيَاتِهِ] ، [وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ] فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا [فَقُومُوا فَصَلُّوا] وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ 982
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأُولَى ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا ثُمَّ قَالَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا. صحيح البخاري 986
ثم قال رحمه الله: بَاب النِّدَاءِ بـ الصَّلاةُ جَامِعَةٌ فِي الْكُسُوفِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودِيَ إِنَّ الصَّلاةَ جَامِعَةٌ. صحيح البخاري 989
ثم قال رحمه الله:
بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْكُسُوفِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ لَهَا أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَخَسَفَتْ الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحًى فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْحُجَرِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ وَانْصَرَفَ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. رواه البخاري 991
ثم قال رحمه الله تعالى:(13/12)
بَاب الْجَهْرِ بِالْقِرَاءةِ فِي الْكُسُوفِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ نَمِرٍ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ فَرَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلاةِ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ (أي ركوعات) فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ صحيح البخاري 1004
ونقتطف فيما يلي فوائد مهمة من شرح الحافظ بن حجر العسقلاني رحمه الله لأحاديث البخاري باختصار وتصرّف مع عناوين يسيرة:
الخسوف والكسوف تخويف من الله لعباده وتذكير لهم بيوم القيامة الذي يخسف فيه القمر وتكوّر فيه الشمس والقمر
قوله: (آيتان) أي علامتان (من آيات الله) أي الدالة على وحدانية الله وعظيم قدرته أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته , ويؤيده قوله تعالى (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)
قوله " يخوف الله بهما عباده ".. قد وقع في حديث النعمان بن بشير وغيره للكسوف سبب آخر غير ما يزعمه أهل الهيئة وهو ما أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة والحاكم بلفظ " إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله , وأن الله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له "
والحديث.. قد أثبته غير واحد من أهل العلم , وهو ثابت من حيث المعنى أيضا , لأن النورية والإضاءة من عالم الجمال الحسي , فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته. ويؤيده قوله تعالى (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) اهـ. ويؤيد هذا الحديث ما رويناه عن طاووس أنه نظر إلى الشمس وقد انكسفت فبكى حتى كاد أن يموت وقال: هي أخوف لله منا. وقال ابن دقيق العيد: ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله " يخوف الله بهما عباده " وليس بشيء.. لأن الله أفعالا على حسب العادة , وأفعالا خارجة عن ذلك , وقدرته حاكمة على كل سبب , فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض. وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد , وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها. وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب حقا في نفس الأمر لا ينافي كون ذلك مخوّفا لعباد الله تعالى.(13/13)
حكمها
قوله: (باب الصلاة في كسوف الشمس) أي مشروعيتها , وهو أمر متفق عليه , لكن اختلف في الحكم وفي الصفة , فالجمهور على أنها سنة مؤكدة..(13/14)
فزعه عليه الصلاة والسلام للكسوف
قوله: (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه) عن يونس " مستعجلا ".. ولمسلم من حديث أسماء " كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع فأخطأ بدرع حتى أدرك بردائه " يعني أنه أراد لبس ردائه فلبس الدرع من شغل خاطره بذلك.
مدّ الصلاة إلى الانجلاء
قوله: (حتى انجلت) استدل به على إطالة الصلاة حتى يقع الانجلاء , وأجاب الطحاوي بأنه قال فيه " فصلوا وادعوا " فدل على أنه إن سلّم من الصلاة قبل الانجلاء يتشاغل بالدعاء حتى تنجلي , وقرره ابن دقيق العيد بأنه جعل الغاية لمجموع الأمرين.. ولا يلزم منه تطويل الصلاة ولا تكريرها.
قوله: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أن الشمس) زاد في رواية ابن خزيمة " فلما كشف عنا خطبنا فقال " واستدل به على أن الانجلاء لا يُسقط الخطبة.(13/15)
إبطال اعتقاد الجاهلية في الكسوف
قوله: (لموت أحد) في رواية " وذلك أن ابنا للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له إبراهيم مات فقال الناس في ذلك " وفي رواية: " فقال الناس: إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم " , وفي رواية " انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فزعا يجر ثوبه حتى أتى المسجد , فلم يزل يصلي حتى انجلت , فلما انجلت قال: إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء , وليس كذلك " الحديث. وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض , وهو نحو قوله في الحديث الماضي في الاستسقاء " يقولون مطرنا بنوء كذا " قال الخطابي: كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر , فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل , وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما.
. قوله: (ولا لحياته) فائدة ذكر الحياة دفع توهم من يقول لا يلزم من نفي كونه سببا للفقد أن لا يكون سببا للإيجاد.
وفي الكسوف إشارة إلى تقبيح رأي من يعبد لشمس أو القمر , وحمل بعضهم الأمر في قوله تعالى (واسجدوا لله الذي خلقهن) على صلاة الكسوف لأنه الوقت الذي يناسب الإعراض عن عبادتهما لما يظهر فيهما من التغيير والنقص المنزه عنه المعبود جل وعلا سبحانه وتعالى.(13/16)
وقتها:
قوله: (فقوموا فصلوا) استدل به على أنه لا وقت لصلاة الكسوف معيّن , لأن الصلاة علقت برؤيته , هي ممكنة في كل وقت من النهار , وبهذا قال الشافعي ومن تبعه ,.. (و) المقصود إيقاع هذه العبادة قبل الانجلاء. وقد اتفقوا على أنها لا تقضى بعد الانجلاء ,
تاريخ وقوع الكسوف في العهد النبوي:
قوله: (يوم مات إبراهيم) يعني ابن النبي صلى الله عليه وسلم , وقد ذكر جمهور أهل السير أنه مات في السنة العاشرة من الهجرة , فقيل في ربيع الأول وقيل في رمضان والأكثر على أنها وقعت في عاشر الشهر وقيل في رابع عشرة ,
ماذا يفعل الناس:
- قوله: (فأفزعوا) بفتح الزاي أي التجئوا وتوجهوا , وفيه إشارة إلى المبادرة إلى المأمور به , وأن الالتجاء إلى الله عند المخاوف بالدعاء والاستغفار سبب لمحو ما فرط من العصيان يرجى به زوال المخاوف وأن الذنوب سبب للبلايا والعقوبات العاجلة والآجلة , نسأل الله تعالى رحمته وعفوه وغفرانه.
قوله: (فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا يخشى أن تكون الساعة) أي يخشى أن تحضر الساعة
فلعله خشى أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها , ولا يستحيل ان يتخلل بين الكسوف والطلوع المذكور أشياء مما ذكر وتقع متتالية بعضها إثر بعض مع استحضار قوله تعالى (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب) , وتعظيما منه لأمر الكسوف ليتبين لمن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى ويفزع لا سيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط أو أكثرها.
قوله: (هذه الآيات التي يرسل الله) ثم قال (ولكن يخوف الله بها عباده) موافق لقوله تعالى (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)
واستدل بذلك على أن الأمر بالمبادرة إلى الذكر والدعاء والاستغفار وغير ذلك لا يختص بالكسوفين لأن الآيات أعم من ذلك ,(13/17)
باب الصدقة في الكسوف:
ورد الأمر - في الأحاديث التي أوردها في الكسوف - بالصلاة والصدقة والذكر والدعاء وغير ذلك , وقد قدم منها الأهم فالمهم.
باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف
قوله: (باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف) قال ابن المنير في الحاشية: مناسبة التعوذ عند الكسوف أن ظلمة النهار بالكسوف تشابه ظلمة القبر وان كان نهارا , والشيء بالشيء يذكر , فيخاف من هذا كما يخاف من هذا , فيحصل الاتعاظ بهذا في التمسك بما ينجي من غائلة الآخرة.(13/18)
ماذا قرأ في الصلاة:
قوله: (فأطال القيام) في رواية ابن شهاب " فاقترأ قراءة طويلة " وفي أواخر الصلاة من وجه آخر عنه " فقرأ بسورة طويلة " وفي حديث ابن عباس بعد أربعة أبواب " فقرأ نحوا من سورة البقرة في الركعة الأولى " ونحوه لأبي داود من طريق سليمان بن يسار عن عروة وزاد فيه أنه " قرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحوا من آل عمران ".
كيفيتها:
قوله: (ثم قام فأطال القيام) في رواية ابن شهاب " ثم قال سمع الله لمن حمده " وزاد من وجه آخر عنه في أواخر الكسوف " ربنا ولك الحمد " واستدل به على استحباب الذكر المشروع في الاعتدال في أول القيام الثاني من الركعة الأولى , واستشكله بعض متأخري الشافعية من جهة كونه قيام قراءة لا قيام اعتدال بدليل اتفاق العلماء ممن قال بزيادة الركوع في كل ركعة على قراءة الفاتحة فيه وإن كان محمد بن مسلمة المالكي خالف فيه , والجواب أن صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة فلا مدخل للقياس فيها , بل كل ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعله فيها كان مشروعا لأنها أصل برأسه , وبهذا المعنى رد الجمهور على من قاسها على صلاة النافلة حتى منع من زيادة الركوع فيها. .. والقياس مع وجود النص يضمحل , وبأن صلاة الكسوف أشبه بصلاة العيد ونحوها مما يجمع فيه من مطلق النوافل , فامتازت صلاة الجنازة بترك الركوع والسجود , وصلاة العيدين بزيادة التكبيرات , وصلاة الخوف بزيادة الأفعال الكثيرة واستدبار القبلة , فكذلك اختصت صلاة الكسوف بزيادة الركوع.
قوله: (فأطال الركوع) .
اتفقوا على أنه لا قراءة فيه , وإنما فيه الذكر من تسبيح وتكبير ونحوهما
قوله: (ثم انصرف) أي من الصلاة (وقد تجلت الشمس) في رواية ابن شهاب " انجلت الشمس قبل أن ينصرف " وللنسائي " ثم تشهد وسلم "
قوله: (باب طول السجود في الكسوف)
ثبتت الأحاديث الصحيحة في تطويله
قوله: (ما سجدت سجودا قط كان أطول منها) كذا فيه , وفي رواية غيره " منه " أي من السجود المذكور , زاد مسلم فيه " ولا ركعت ركوعا قط كان أطول منه " , وتقدم في رواية عروة عن عائشة بلفظ " ثم سجد فأطال السجود "
وللشيخين من حديث أبي موسى " بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط " ولأبي داود والنسائي من حديث سمرة " كأطول ما سجد بنا في صلاة قط " وكل هذه الأحاديث ظاهرة في أن السجود في الكسوف يطوّل كما يطوّل القيام والركوع ,
رواه مسلم في حديث جابر بلفظ " وسجوده نحو من ركوعه " وهذا مذهب أحمد وإسحاق وأحد قولي الشافعي وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه واختاره النووي ,
(تنبيه) : وقع في حديث جابر الذي أشرت إليه عند مسلم تطويل الاعتدال الذي يليه السجود ولفظه " ثم ركع فأطال , ثم سجد "
وروى النسائي وابن خزيمة وغيرهما , من حديث عبد الله بن عمرو أيضا وفيه " ثم ركع فأطال حتى قيل لا يرفع , ثم رفع فأطال حتى قيل لا يسجد , ثم سجد فأطال حتى قيل لا يرفع , ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل لا يسجد , ثم سجد " الحديث صحيح , ولم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا ,
قوله: (باب الركعة الأولى في الكسوف أطول)
قال فيه " ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ".. وقد رواه الإسماعيلي بلفظ " الأولى فالأولى أطول " وفيه دليل لمن قال: إن القيام الأول من الركعة الثانية يكون دون القيام الثاني من الركعة الأولى ,.. فيكون كل قيام دون الذي قبله، ويرجحه أيضا أنه لو كان المراد من قوله " القيام الأول " أول قيام من الأولى فقط لكان القيام الثاني والثالث مسكوتا عن مقدارهما , فالأول أكثر فائدة , والله أعلم.
الروايات الواردة في كيفيتها
واستدل به على أن لصلاة الكسوف هيئة تخصها من التطويل الزائد على العادة في القيام وغيره , ومن زيادة ركوع في كل ركعة.
ومن عناوين بعض نسخ البخاري " باب صب المرأة على رأسها الماء إذا أطال الإمام القيام في الركعة الأولى " (أي إذا غشي على المصلي وهو يصلي وأنّ ذلك لا يُبطل الصلاة)
خطبتها:
قوله: (فخطب الناس) فيه مشروعية الخطبة للكسوف ,
واستدل به على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة , بخلاف ما لو انجلت قبل أن يشرع في الصلاة فإنه يسقط الصلاة والخطبة
قوله: (فحمد الله وأثنى عليه) زاد النسائي في حديث سمرة " وشهد أنه عبد الله ورسوله ". قوله: (فاذكروا الله) في رواية الكشميهني " فادعوا الله ". قوله: (والله ما من أحد) فيه القسم لتأكيد الخبر وإن كان السامع غير شاك فيه. قوله: (ما من أحد أغيرَ) بالنصب
الحمية والأنفة , وأصلها في الزوجين والأهلين
لما أمروا باستدفاع البلاء بالذكر والدعاء والصلاة والصدقة ناسب ردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء , وخص منها الزنا لأنه أعظمها في ذلك. وقيل: لما كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي وأشدها تأثيرا في إثارة النفوس وغلبة الغضب ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذة الرب الذي يغار سبحانه وتعالى. وقوله " يا أمة محمد "
بسبب كون المقام مقام تحذير وتخويف.. ومثله " يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا " الحديث. وصدر صلى الله عليه وسلم كلامه باليمين لإرادة التأكيد للخبر وإن كان لا يرتاب في صدقه ,
ويؤخذ من قوله " يا أمة محمد " أن الواعظ ينبغي له حال وعظه أن لا يأتي بكلام فيه تفخيم لنفسه , بل يبالغ في التواضع لأنه أقرب إلى انتفاع من يسمعه. قوله: (لو تعلمون ما أعلم) أي من عظيم قدرة الله وانتقامه من أهل الإجرام
قوله: (لضحكتم قليلا) أي لتركتم الضحك ولم يقع منكم إلا نادرا لغلبة الخوف واستيلاء الحزن.
وفي الحديث ترجيح التخويف في الخطبة على التوسع في الترخيص لما في ذكر الرخص من ملاءمة النفوس لما جبلت عليه من الشهوة , والطبيب الحاذق يقابل العلة بما يضادها لا بما يزيدها.
قوله: (باب خطبة الإمام في الكسوف) اختلف في الخطبة فيه , فاستحبها الشافعي وإسحاق وأكثر أصحاب الحديث. قال ابن قدامة: لم يبلغنا عن أحمد ذلك. وقال صاحب الهداية من الحنفية: ليس في الكسوف خطبة لأنه لم ينقل. .. وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد لها خطبة بخصوصها , وإنما أراد أن يبين لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس. وتعقب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث , فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف , والأصل مشروعية الاتباع , والخصائص لا تثبت إلا بدليل. وقد استضعف ابن دقيق العيد التأويل المذكور وقال: إن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين , بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة , وجميع ما ذكر من سبب الكسوف وغيره هو من مقاصد خطبة الكسوف , فينبغي التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيذكر الإمام ذلك في خطبة الكسوف. نعم نازع ابن قدامة في كون خطبة الكسوف كخطبتي الجمعة والعيدين , إذ ليس في الأحاديث المذكورة ما يقتضي ذلك , البخاري 988
هل تجب الجماعة لها
قوله: (إلى الصلاة) أي المعهودة الخاصة.. ويستنبط منه أن الجماعة ليست شرطا في صحتها لأن فيه إشعارا بالمبادرة إلى الصلاة والمسارعة إليها.. (ولكن قد ثبتت الجماعة من فعله صلى الله عليه وسلم فهي السنّة ولكن يصحّ أن يصليها المسلم وحده ذكرا او أنثى حضرا أو سفرا)(13/19)
باب صلاة الكسوف في المسجد
يؤخذ من قولها فيه " فمر بين ظهراني الحجر " لأن الحجر بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لاصقة بالمسجد , وقد وقع التصريح بذلك.. عند مسلم ولفظه " فخرجت في نسوة بين ظهراني الحجر في المسجد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم من مركبه حتى أتى إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه " الحديث , والمركب الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه بسبب موت ابنه إبراهيم.. فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم أتى المسجد.. وصح أن السنة في صلاة الكسوف أن تصلى في المسجد , ولولا ذلك لكانت صلاتها في الصحراء أجدر برؤية الانجلاء , والله أعلم.(13/20)
صلاة النساء مع الرجال في الكسوف
فيه رد قول من منع ذلك وقال: يصلين فرادى ,.. وفي المدونة: تصلي المرأة في بيتها وتخرج المتجالّة (أي الكبيرة في السنّ إلى المسجد) . وعن الشافعي يخرج الجميع إلا من كانت بارعة الجمال. (وذلك خشية افتتان الرجال بها) .
ذكر الله في وقت الكسوف يكون بكلّ صيغة مشروعة
قوله: (إلى ذكر الله) في رواية الكشميهني " إلى ذكره " والضمير يعود على الله في قوله " يخوف الله بها عباده " , وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره لأنه مما يدفع به البلاء.
- مما ذكره الؤرخون المسلمون في كتب التاريخ الإسلامي(13/21)
جاء في البداية والنهاية
وفي جمادى الآخرة (453 هـ) ، لليلتين بقيتا منه، كسفت الشمس كسوفا عظيما، جميع القرص غاب، فمكث الناس أربع ساعات، حتى بدت النجوم، وآوت الطيور إلى أوكارها، وتركت الطيران لشدة الظلمة.
وقال رحمه الله في موضع آخر: وفي صبيحة يوم الأحد الثامن والعشرين من الشهر المذكور (جمادى الآخرة) كسفت الشمس قبل الظهر.
وأخيرا(13/22)
ما موقفنا من النّاحية الطّبية؟
من الحكمة أن لا نحدّق في الشّمس وقت الكسوف إذا ثبت طبيا أنه أمر مضرّ. ولا بأس أن يحضر أطّباء العيون في العيادات والمستشفيات لمعالجة أي حالة طارئة، هذا احتياط مقبول لكن أن يترك الناس العبادة العظيمة وهي صلاة الكسوف التي يخوّف الله بها عباده لأجل الاستمتاع بالنّظر إلى الكسوف بالنّظارات الخاصّة وحمل المناظير وآلات التصوير فهذه قمّة الغفلة في هذه المناسبة.
الناس يخشون من أخطار الأشعة فوق البنفسجية لأجل المضاعفات الخطيرة المحتملة التي تهدّد بحروق في شبكية العين وتدمير خلايا هذه الشّبكة وفقدان شفافية العدسة.
الأشعة تحت الحمراء تحرق الشبكية دون أن يحسّ الشخص.
فليتنا نخاف اليوم الذي تحترق فيه العين وهي تحسّ.
اللهم اجعلنا نخشاك كأنّنا نراك وأسعدنا بتقواك وأعزّنا بطاعتك ولا تُذلّنا بمعصيتك وأعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وصلى الله على نبينا محمد.(13/23)
أحكام الأضحية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله وصحبه وبعد:
فلما كانت الأضحية من شعائر الإسلام العظيمة نتذكّر فيها توحيد الله ونعمته علينا وطاعة أبينا إبراهيم لربه وفيها خير وبركة كان لا بدّ للمسلم أن يهتم بأمرها ويعظّم شأنها وفيما يلي نبذة عن هذه الشعيرة العظيمة:(13/24)
الأضحية: هي ما يذبح من بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) تقرباً إلى الله تعالى - في البلد الذي يقيم فيه المضحي - من بعد صلاة عي النحر إلى آخر أيام التشريق (وهو يوم الثالث عشر من ذي الحجة) بنية الأضحية، قال تعالى: (فصل لربك وانحر) سورة الكوثر وقال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) سورة الأنعام أية 162، (ونسكي أي ذبحي) وقال تعالى: (ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلِموا) سورة الحج /34.
والأضحية سنة مؤكدة في قول أكثر أهل العلم، (وقال بعض العلماء بوجوبها وسيأتي تفصيل ذلك) والأصل أنها مطلوبة في وقتها من الحي عن نفسه وأهل بيته، وله أن يُشْرك في ثوابها من شاء من الأحياء والأموات، أما الأضحية عن الميت فإن كان أوصى بها في ثلث ماله أو جعلها في وقف له وجب إنفاذ ذلك، وإن لم يوص أو لم يوقف وأحب الإنسان أن يضحي عن من شاء من الأموات فهو حسن ويعتبر هذا من أنواع الصدقة عن الميت، ولكن السنة أن يُشرك الإنسان أهل بيته من الأحياء والأموات في أضحيته ويقول عند ذبحها اللهم هذا عني وعن آل بيتي، ولا يحتاج أن يُفرد لكل ميت أضحية مستقلة.
ولقد اتفق العلماء على أن ذبح الأضحية والتصدق بلحمها أفضل من التصدق بقيمتها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى ولا يفعل إلا ما هو أولى وأفضل، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد.(13/25)
فضلها وأفضلها:
وتجزئ الشاة عن الواحد وأهل بيته وعياله لحديث أبي أيوب (كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون) رواه ابن ماجة والترمذي وصححه.
والمنصوص عليه في الأضاحي هي الإبل والبقر والغنم، وقال بعض العلماء بأن أفضل الأضاحي البدنة (الإبل) ثم البقرة ثم الشاة ثم شِرْك في بدنة ناقة أو بقرة لقوله صلى الله عليه وسلم في الجمعة: (ومن راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة) وبه قال الأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد، وعلى هذا فالشاة أفضل من سبع بدنة أو بقرة، وقال مالك الأفضل الجذع من الضأن ثم البقرة ثم البدنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا الأفضل، والجواب عن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قد يختار الأولى رفقاً بالأمة لأنهم يتأسون به ولا يحب أن يشق عليهم. من فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز.
وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة، لما روى جابر رضي الله عنه قال نحرنا بالحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة وفي لفظ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة في واحد منها، وفي لفظ (فتذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها) رواه مسلم.(13/26)
حكم الأضحية:
الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، ذكر في جواهر الإكليل شرح مختصر خليل، أنها إذا تركها أهل بلد قوتلوا عليها لأنها من شعائر الإسلام. رسائل فقهية للشيخ ابن عثيمين ص 46.
وقد انقسم العلماء في حكمها إلى قسمين: -
أ - أنها واجبة، قاله الأوزاعي والليث وأبو حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، قال به شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أحد القولين في مذهب مالك أو ظاهر مذهب مالك واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1- قوله تعالى: (فصل لربك وانحر) الكوثر، وهذا فعل أمر والأمر يقتضي الوجوب.
2- حديث جندب رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله) رواه مسلم 3621.
3- قوله صلى الله عليه وسلم: (من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا) رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال في فتح الباري ورجاله ثقات.
ب-أنها سنة مؤكدة، قاله الجمهور وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد في المشهور عنهما لكن صرح كثير من أرباب هذا القول بأن تركها للقادر يُكره واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1- حديث جابر رضي الله عنه في سنن أبي داود حيث قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى فلما انصرف أتى بكبشين فذبحه فقال: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي. سنن أبي داود بشرح محمد شمس الحق أبادي، 7/486.
2- ما رواه الجماعة إلا البخاري من حديث: (من أراد منكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظافره) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعدما انتهى من سرد القائلين بالوجوب والقائلين بأنها سنة مؤكدة والأدلة تكاد تكون مكافئة، وسلوك سبيل الاحتياط ألا يدعها مع القدرة عليها لما فيها من تعظيم الله وذكره وبراءة الذمة بيقين. رسائل فقهية ص 50.(13/27)
شروط الأضحية:
1- بلوغها السن المطلوبة، والسن المطلوبة ستة أشهر في الضأن وفي المعز سنة وفي البقر سنتان وفي الإبل خمس سنين.
2- سلامتها من العيوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أربع لا يجزين في الأضاحي، العوراء البين عورها، المريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي) صحيح، صحيح الجامع رقم 886. وهناك عيوب أخف من هذه لا تمنع الأجزاء ولكن يكره ذبحها كالعضباء
(أي مقطوعة القرن والأذن) والمشقوقة الأذن … الخ، والأضحية قربة إلى الله، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
3- حرمة بيعها: إذا تعينت الأضحية لم يجز بيعها ولا هبتها إلا أن يبدلها بخير منها، وإن ولدت ضحى بولدها معها، كما يجوز ركوبها عند الحاجة، والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال اركبها، قال إنها بدنة، فقال اركبها في الثانية أو في الثالثة.
4- ذبحها في وقتها المحدد، وهذا الوقت هو من بعد صلاة العيد والخطبة، وليس من بعد دخول وقتهما. إلى قبل مغيب شمس آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من أيام ذي الحجة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان ذبح قبل الصلاة فليُعد) أخرجه البخاري ومسلم، ولقول علي رضي الله عنه: (أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده) وهو مذهب الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي والشافعي واختاره ابن المنذر عليهم جميعاً رحمة الله.(13/28)
ما يفعل بالأضحية:
- يستحب لمن له أضحية أن يأكل أول ما يأكل منها إذا تيسر له ذلك لحديث " ليأكل كل رجل من أضحيته " صححه في صحيح الجامع 5349، وأن يكون هذا الأكل بعد صلاة العيد والخطبة وهذا قول أهل العلم منهم علي وابن عباس ومالك والشافعي وغيرهم. ويدلّ على ما تقدّم حديث بريدة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم النحر حتى يذبح. قال الألباني: إسناده صحيح: المشكاة 1/452
- والأفضل أن يذبحها بيده، فإن لم يفعل استحب له أن يحضر ذبحها.
- يستحب تقسيم لحمها أثلاثاً، ثلثاً للأكل وثلثاً للهدية وثلثاً للصدقة، قاله ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم، كما اتفق العلماء على أنه لا يجوز بيع شيء من لحمها أو شحمها أو جلدها وفي الحديث الصحيح: " من باع جلد أضحيته فلا أضحية له " حسنه في صحيح الجامع 6118، وأن لا يعطي الجزار منها شيئاً من ذلك على سبيل الأجرة لقول علي رضي الله عنه أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنة وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وألا أعطي الجزار منها شيئاً، وقال نحن نعطيه من عندنا. متفق عليه. وقيل يجوز دفع ذلك إليه على سبيل الهدية، ويجوز أن يعطى الكافر منها لفقره أو قرابته أو جواره أو تأليف قلبه. من فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز.
مسألة: ماذا يجب على المسلم أن يجتنب في العشر إذا أراد الأضحية؟ :
دلت السنة على أن من أراد الضحية وجب عليه أن يمسك عن الأخذ من شعره وأظفاره وبشرته من دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته. لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحّي " وفي رواية فلا يمسّ من شعره وبشرته شيئاً " أخرجه مسلم من أربعة طرق 13/146. وهذا أمر للوجوب ونهي للتحريم على أرجح الأقوال. لأنه أمر مطلق ونهي مجرد لا صارف لهما. لكن لو تعمد وأخذ فعليه أن يستغفر الله ولا فدية عليه وأضحيته صحيحة. ومن احتاج إلى أخذ شيء من ذلك لتضرره ببقائه كانكسار ظفر أو جرح عليه شعر يتعيّن أخذه فلا بأس. لأنه ليس أعظم من المحرم الذي أبيح له الحلق للأذى، ولا حرج في غسل الرأس للرجل والمرأة أيام العشر لأنه صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الأخذ. ولأن المحرم أذن له أن يغسل رأسه.
والحكمة من النهي عن أخذ ذلك للمضحّي أنه لما كان مشابهاً للمُحْرم في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله بذبح القربان أُعْطي بعض أحكامه، وكذلك يوفّر شعره وأظفاره إلى حين ذبح أضحيته رجاء أن يعتقه الله كلّه من النار. والله أعلم.
ومن أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثناء العشْر أمسك من حين الإرادة.
ومن النساء من توكّل أخاها أو ابنها في الأضحية لتأخذ من شعرها أثناء العشر وهذا غير صحيح، لأن الحكم متعلق بالمضحي، سواء وكَّل غيره أم لا. والوكيل لا يتعلق به نهي، فإن النهي خاص بمن أراد أن يضحي عن نفسه كما دل عليه الحديث، وأما من يضحي عن غيره بوصية أو وكالة فهذا لا يشمله النهي.
ثم إن هذا النهي ظاهره أنه يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضحي عن آل محمد ولم ينقل أنه نهاهم عن الأخذ.
ومن كان له أضحية ثم عزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره إذا أراد الإحرام لأن هذا سنة عند الحاجة. لكن إن كان متمتعاً قصّر من شعره عند الانتهاء من عمرته لأن ذلك نسك.
والأمور المذكورة من المحظورات على المضحّي هي الواردة في الحديث السّابق فلا يحْرم على المضحّي مسّ الطّيب ولا جماع الزوجة ولا لبس المخيط ونحو ذلك. والله تعالى أعلم.(13/29)
العيد أحكامه وآدابه(13/30)
العيد آدابه وأحكامه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
فإن العيد اسم لكل ما يُعتاد ويعود وتكرر، والأعياد شعارات توجد لدى كل الأمم سواء أكانت كتابية أم وثية أم غير ذلك، وذلك لأن إقامة الأعياد ترتبط بغريزة وجبلّة طبع الناس عليها فكل الناس يحبون أن تكون لهم مناسبات يحتفلون فيها ويتجمّعون ويُظهرون الفرح والسرور.
وأعياد الأمم الكافرة ترتبط بأمور دنيوية كبداية سنة أو بدء موسم زرع أو اعتدال جو أو قيام دولة أو تنصيب حاكم ونحو ذلك. وترتبط أيضا بمناسبات دينية ككثير من أعياد اليهود والنصارى الخاصة بهم فمن أعياد النصارى مثلا العيد الذي يكون في الخميس الذي يزعمون أن المائدة أنزلت فيه على عيسى عليه الصلاة والسلام وعيد رأس السنة الكريسمس وعيد الشكر وعيد العطاء ويحتفلون به الآن في جميع البلاد الأوربية والأمريكية وغيرها من البلاد التي للنصرانية فيها ظهور وإن لم تكن نصرانية في الأصل وقد يشاركهم بعض المنتسبين إلى الإسلام ممن حولهم عن جهل أو عن نفاق.
وللمجوس كذلك أعيادهم الخاصة بهم مثل عيد المهرجان وعيد النيروز وغيرهما.
وللباطنية أيضا أعيادهم مثل عيد الغدير الذي يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع فيه عليا رضي الله عنه بالخلافة وبايع فيه الأئمة الاثني عشر من بعده.(13/31)
تميز المسلمين بأعيادهم:
لقد دلّ قوله صلى الله عليه وسلم: " إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا " على اختصاص المسلمين بهذين العيدين لا غير وأنه لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بالكفار والمشركين في شيء مما يختص بأعيادهم، لا من طعام ولا من لباس، ولا إيقاد نيران ولا عبادة ولا يمكّن الصبيان من اللعب في أعيادهم، ولا إظهار الزينة، ولا يسمح لصبيان المسلمين بمشاركة الكفار في أعيادهم. وكل الأعياد الكفرية والبدعية محرمة كعيد رأس السنة وعيد الجلاء وعيد الثورة وعيد الشجرة وعيد الجلوس وعيد الميلاد وعيد الأم وعيد العمال وعيد النيل وعيد شم النسيم وعيد المعلم وعيد المولد النبوي.
وأما المسلمون فليس لهم إلا عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى لما جاء عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ. " سنن أبي داود 1134
وهذان العيدان هما من شعائر الله التي ينبغي إحياؤها وإدراك مقاصدها واستشعار معانيها.
وفيما يلي نتعرض لطائفة من أحكام العيدين وآدابهما في الشريعة الإسلامية.(13/32)
أولا: أحكام العيد(13/33)
صومه:
يحرم صوم يومي العيد لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ. " رواه مسلم 827(13/34)
حكم صلاة العيدين:
ذهب بعض العلماء إلى وجوبها وهذا مذهب الأحناف واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها ولم يتركها ولا مرة واحدة، واحتجوا بقوله تعالى (فصل لربك وانحر) أي صلاة العيد والنحر بعده وهذا أمر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج النساء من البيوت لشهادتها، والتي ليس عندها جلباب تستعير من أختها. وذهب بعض العلماء إلى أنها فرض كفاية وهذا مذهب الحنابلة، وذهب فريق ثالث إلى أن صلاة العيد سنة مؤكدة وهذا مذهب المالكية والشافعية، واحتجوا بحديث الأعرابي ي أن الله لم يوجب على العباد إلا خمس صلوات.
فينبغي على المسلم أن يحرص على حضورها وشهودها خصوصا وأنّ القول بوجوبها قول قوي ويكفي ما في شهودها من الخير والبركة والأجر العظيم والاقتداء بالنبي الكريم.(13/35)
شروط الصحة والوجوب والوقت
اشترط بعض العلماء (وهم الحنفية والحنابلة) لوجوب صلاة العيدين الإقامة والجماعة. وقال بعضهم إنّ شروطها هي شروط صلاة الجمعة ما عدا الخطبة فإنّ حضورها ليس بواجب وجمهور العلماء على أن وقت العيدين يبتدئ عند ارتفاع الشمس قدر رمح بحسب الرؤية المجردة ويمتد وقتها إلى ابتداء الزوال.(13/36)
صفة صلاة العيد
قال عمر رضي الله عنه: صلاة العيد والأضحى ركعتان ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم وقد خاب من افترى.
وعن أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة.
والتكبير سبع في الركعة الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما كلتيهما.
وعن عائشة رضي الله عنها: التكبير في الفطر والأضحى الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرات الركوع رواه أبو داود صحيح بمجموع طرقه.
ولو أدرك المأموم إمامه أثناء التكبيرات الزوائد يكبر مع الإمام ويتابعه ولا يلزمه قضاء التكبيرات الزوائد لأنها سنّة وليست بواجبة.
وأما ما يُقال بين التكبيرات فقد جاء عن حماد بن سلمة عن إبراهيم أن الوليد بن عقبة دخل المسجد وابن مسعود وحذيفة وأبو موسى في المسجد فقال الوليد: إن العيد قد حضر فكيف أصنع، فقال ابن مسعود: يقول الله أكبر ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو الله، ثم يكبر ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.. الخ رواه الطبراني، وهو حديث صحيح مخرج في الإرواء وغيره.(13/37)
القراءة في صلاة العيد:
يستحب أن يقرأ الإمام في صلاة العيد بـ (ق) و (اقتربت الساعة) كما في صحيح مسلم أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَضْحَى وَالْفِطْرِ فَقَالَ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. " صحيح مسلم 891
وأكثر ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بسبح والغاشية كما كان يقرأ بهما في الجمعة فقد جاء عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ. " صحيح مسلم 878
وقال سمرة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) رواه أحمد وغير وهو صحيح الإرواء 3/116(13/38)
الصلاة قبل الخطبة:
من أحكام العيد أن الصلاة قبل الخطبة كما ثبت في مسند أحمد من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم صَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدِ ثُمَّ خَطَبَ." مسند أحمد 1905 والحديث في الصحيحين
ومما يدلّ على أن الخطبة بعد الصلاة حديث أبي سعيد رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإذا كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله. فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلنها قبل الصلاة. رواه البخاري 956(13/39)
- الرخصة في الإنصراف أثناء الخطبة لمن أراد
عن عبد الله بن السائب قال: شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى الصلاة قال: إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب. إرواء الغليل 3/96(13/40)
- عدم المبالغة في تأخيرها:
خرج عبد الله بن بُشر، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس في يوم الفطر عيد الفطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام، وقال انا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح. رواه البخاري معلقا مجزوما به(13/41)
النافلة في المصلى:
لا نافلة قبل صلاة العيد ولا بعدها كما جاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما. " سنن أبي داود 1159
وهذا إذا كانت الصلاة في المصلى أو في مكان عام وأما إن صلى الناس العيد في المسجد فإنه يصلي تحية المسجد إذا دخله قبل أن يجلس.(13/42)
إذا لم يعلموا بالعيد إلا من الغد:
عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قالوا: غُمّ علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد رواه الخمسة، صحيح: الإرواء 3/102.
ومن فاتته صلاة العيد فالراجح أنه يجوز له قضاؤها ركعتين.(13/43)
شهود النساء صلاة العيد
عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ فَقَدِمَتْ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ غَزْوَةً وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتٍّ قَالَتْ كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لا تَخْرُجَ قَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَلْتَشْهَد الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ بِأَبِي نَعَمْ وَكَانَتْ لا تَذْكُرُهُ إِلا قَالَتْ بِأَبِي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ أَوْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنينَ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى. صحيح البخاري 324
قوله: (عواتقنا) العواتق جمع عاتق وهي من بلغت الحلم أو قاربت , أو استحقت التزويج , أو هي الكريمة على أهلها , أو التي عتقت عن الامتهان في الخروج للخدمة , وكأنهم كانوا يمنعون العواتق من الخروج لما حدث بعد العصر الأول من الفساد , ولم تلاحظ الصحابة ذلك بل رأت استمرار الحكم على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وكانت أختي) فيه حذف تقديره قالت المرأة وكانت أختي. قوله: (قالت) أي الأخت ,
قوله: (من جلبابها) .. أي تعيرها من ثيابها ما لا تحتاج إليه.
قوله: (وذوات الخدور) بضم الخاء المعجمة والدال المهملة جمع خدر بكسرها وسكون الدال , وهو ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه ,
(فالحيّض) : هو بضم الحاء وتشديد الياء المفتوحة جمع حائض أي البالغات من البنات أو المباشرات بالحيض مع أنهم غير طاهرات
قوله: (ويعتزل الحيض المصلى) قال ابن المنيِّر: الحكمة في اعتزالهن أن في وقوفهن وهن لا يصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال. فاستحب لهن اجتناب ذلك.
وقيل سبب منع الحُيّض من المصلى.. الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة , وقيل: لئلا يؤذين غيرهن بدمهن أو ريحهن.
وفي الحديث الحث على حضور العيد لكل أحد , وعلى المواساة والتعاون على البر والتقوى، وأن الحائض لا تهجر ذكر الله ولا مواطن الخير كمجالس العلم والذكر سوى المساجد , وفيه امتناع خروج المرأة بغير جلباب.
وفي هذا الحديث من الفوائد أن من شأن العواتق والمخدرات عدم البروز إلا فيما أذن لهن فيه. وفيه استحباب إعداد الجلباب للمرأة , ومشروعية عارية الثياب. واستدل به على وجوب صلاة العيد.. وروى ابن أبي شيبة أيضا عن ابن عمر أنه كان يخرج إلى العيدين من استطاع من أهله.
وقد صرح في حديث أم عطية بعلة الحكم وهو شهودهن الخير ودعوة المسلمين ورجاء بركة ذلك اليوم وطهرته.
وقال الترمذي رحمه الله في سننه بعد أن ساق حديث أم عطية: وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْعِيدَيْنِ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ وَرُوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ أَكْرَهُ الْيَوْمَ الْخُرُوجَ لِلنِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ فَإِنْ أَبَتِ الْمَرْأَةُ إِلا أَنْ تَخْرُجَ فَلْيَأْذَنْ لَهَا زَوْجُهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي أَطْمَارِهَا الْخُلْقَانِ وَلا تَتَزَيَّنْ فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَخْرُجَ كَذَلِكَ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ الْخُرُوجِ وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَوْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ الْيَوْمَ الْخُرُوجَ لِلنِّسَاءِ إِلَى الْعِيدِ الترمذي 495
وقد أفتت بالحديث المتقدم أم عطية رضي الله عنها بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة كما في هذا الحديث ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفتها في ذلك , وأما قول عائشة " لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد " فلا يعارض ذلك (ما دامت المرأة تخرج بالشروط الشرعية) .. والأولى أن يخص السماح بالخروج بمن يؤمن عليها وبها الفتنة ولا يترتب على حضورها محذور ولا تزاحم الرجال في الطرق ولا في المجامع.
ويجب على الرجل تفقد أله عند خروجهن للصلاة ليتأكد من كمال حجاب النساء، فهو راع ومسؤول عن رعيته، فالنساء يخرجن تفلات غير متبرجات ولا متطيبات، والحائض لا تدخل المسجد ولا المصلى ويمكن أن تنتظر في السيارة مثلاً لسماع الخطبة.(13/44)
آداب العيد:(13/45)
الاغتسال:
من الآداب الاغتسال قبل الخروج للصلاة فقد صح في الموطأ وغيره أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى. الموطأ 428
وصح عن سعيد بن جبير أنه قال: (سنة العيد ثلاث المشي والاغتسال والأكل قبل الخروج) ، وهذا من كلام سعيد بن جبير ولعله أخذه عن بعض الصحابة.
وذكر النووي رحمه الله اتفاق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد.
والمعنى الذي يستحب بسببه الاغتسال للجمعة وغيرها من الاجتماعات العامة موجود في العيد بل لعله في العيد أبرز.(13/46)
الأكل قبل الخروج:
من الآداب ألا يخرج في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات لما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ.. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا. البخاري 953
وإنما استحب الأكل قبل الخروج مبالغة في النهي عن الصوم في ذلك اليوم وإيذانا بالإفطار وانتهاء الصيام. وعلل ابن حجر رحمه الله بأنّ في ذلك سداً لذريعة الزيادة في الصوم، وفيه مبادرة لامتثال أمر الله. فتح 2/446 ومن لم يجد تمرا فليفطر على أي شيء مباح.
وأما في عيد الأضحى فإن المستحب ألا يأكل إلا بعد الصلاة من أضحيته.(13/47)
التكبير يوم العيد:
وهو من السنن العظيمة في يوم العيد لقوله تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) .
وعن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين، قالا: نعم كان عبد الله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام.
وصح عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: (كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى) قال وكيع يعني التكبير إرواء 3/122
وروى الدارقطني وغيره أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجتهد بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يخرج الإمام. وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الزهري قال: كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام فإذا خرج الإمام سكتوا فإذا كبر كبروا. إرواء 2/121
ولقد كان التكبير من حين الخروج من البيت إلى المصلى وإلى دخول الإمام كان أمرا مشهورا جدا عند السلف وقد نقله جماعة من المصنفين كابن أبي شيبة وعبد الرزاق والفريابي في كتاب (أحكام العيدين) عن جماعة من السلف ومن ذلك أن نافع بن جبير كان يكبر ويتعجب من عدم تكبير الناس فيقول: (ألا تكبرون) وكان ابن شهاب الزهري رحمه الله يقول: (كان الناس يكبرون منذ يخرجون من بيوتهم حتى يدخل الإمام) .
ووقت التكبير في عيد الفطر يبتدئ من ليلة العيد إلى أن يدخل الإمام لصلاة العيد.(13/48)
صفة التكبير
ورد في مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. ورواه ابن أبي شيبة مرة أخرى بالسند نفسه بتثليث التكبير.
ورأى المحاملي بسند صحيح أيضاً عن ابن مسعود: الله أكبر كبيراً الله أكبر كبيراً الله أكبر وأجلّ، الله أكبر ولله الحمد. الإرواء 3/126(13/49)
التهنئة:
ومن آداب العيد التهنئة الطيبة التي يتبادلها الناس فيما بينهم أيا كان لفظها مثل قول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم أو عيد مبارك وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة المباحة.
وعن جبير بن نفير، قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض، تُقُبِّل منا ومنك. ابن حجر إسناده حسن، الفتح 2/446
فالتهنئة كانت معروفة عند الصحابة ورخص فيها أهل العلم كالإمام أحمد وغيره وقد ورد ما يدل عليه من مشروعية التهنئة بالمناسبات وتهنئة الصحابة بعضهم بعضا عند حصول ما يسر مثل أن يتوب الله تعالى على امرئ فيقومون بتهنئته بذلك إلى غير ذلك.
ولا ريب أن هذه التهنئة من مكارم الأخلاق ومحاسن المظهر الاجتماعية بين المسلمين.
وأقل ما يقال في موضوع التهنئة أن تهنئ من هنأك بالعيد، وتسكت إن سكت كما قال الإمام أحمد رحمه الله: إن هنأني أحد أجبته وإلا لم أبتدئه.(13/50)
التجمل للعيدين
عن عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ.. رواه البخاري 948
وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم عمر على التجمل لكنه أنكر عليه شراء هذه الجبة لأنها من حرير.
وعن جابر رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها للعيدين ويوم الجمعة. صحيح ابن خزيمة 1765
وروى البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر كان يلبس للعيد أجمل ثيابه.
فينبغي للرجل أن يلبس أجمل ما عند من الثياب عند الخروج للعيد.
أما النساء فيبتعدن عن الزينة إذا خرجن لأنهن منهيات عن إظهار الزينة للرجال الأجانب وكذلك يحرم على من أرادت الخروج أن تمس الطيب أو تتعرض للرجال بالفتنة فإنها ما خرجت إلا لعبادة وطاعة أفتراه يصح من مؤمنة أن تعصي من خرجت لطاعته وتخالف أمره بلبس الضيق والثوب الملون الجذاب الملفت للنظر أو مس الطيب ونحوه.(13/51)
حكم الاستماع لخطبة العيد
قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه الكافي ص 234.
فإذا سلم خطب خطبتين كخطبتي الجمعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ويفارق خطبتي الجمعة في أربعة أشياء.. ثم قال:-
الرابع: أنهما سنة لا يجب استماعهما ولا الإنصات لهما، لما روى عبد الله بن السائب قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، فلما قضى الصلاة قال: (إنا نخطب من أراد أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب) .
وقال النووي رحمه الله في كتابه المجموع شرح المهذب ص 23:
ويستحب للناس استماع الخطبة، وليست الخطبة ولا استماعها شرطاً لصحة صلاة العيد، لكن قال الشافعي: لو ترك استماع خطبة العيد أو الكسوف أو الاستسقاء أو خطب الحج أو تكلم فيها أو انصرف وتركها كرهته ولا إعادة عليه.
وفي الشرح الممتع على زاد المستنقع للشيخ ابن عثيمين 5/192:
قوله: (كخطبتي الجمعة) أي يخطب خطبتين على الخلاف الذي أشرنا إليه سابقاً، كخطبتي الجمعة في الأحكام حتى في تحريم الكلام، لا في وجوب الحضور، فخطبة الجمعة يجب الحضور إليها لقوله تعالى: (يا آيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) وخطبتا العيد لا يجب الحضور إليهما، بل للإنسان أن ينصرف، لكن إذا بقي يجب عليه أن لا يكلم أحداً، وهذا ما يشير إليه قول المؤلف: (كخطبتي الجمعة) .
وقال بعض أهل العلم، لا يجب الإنصات لخطبتي العيدين، لأنه لو وجب الإنصات لوجب الحضور، ولحرم الإنصراف، فكما كان الإنصراف جائزاً.. فالاستماع ليس بواجب.
ولكن على هذا القول لو كان يلزم من الكلام التشويش على الحاضرين حَرُم الكلام من أجل التشويش، لا من أجل الاستماع، بناء على هذا لو كان مع الإنسان كتاب أثناء خطبة الإمام خطبة العيد فإنه يجوز أن يراجعه، لأنه لا يشوش على أحد. أما على المذهب الذي مشى عليه المؤلف، فالاستماع واجب ما دام حاضراً.(13/52)
الذهاب من طريق والعودة من آخر
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ رواه البخاري 986
وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يخرج ماشياً يصلي بغير أذان ولا إقامة ثم يرجع ماشياً من طريق آخر. قيل ليشهد له الطريقان عند الله يوم القيامة، والأرض تحدّث يوم القيامة بما عُمل عليها من الخير والشرّ. وقيل لإظهار شعائر الإسلام في الطريقين. وقيل لإظهار ذكر الله، وقيل لإغاظة المنافقين واليهود وليرهبهم بكثرة من معه. وقيل ليقضى حوائج الناس من الاستفتاء والتعليم والاقتداء أو الصدقة على المحاويج أو ليزور أقاربه وليصل رحمه.(13/53)
تنبيهات على بعض المنكرات:
1- بعض الناس يعتقدون مشروعية إحياء ليلة العيد، ويتناقلون في ذلك حديثا لا يصح، وهو أن من أحيا ليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب وهذا الحديث جاء من طريقين، أحدهما ضعيف والآخر ضعيف جدا، فلا يشرع تخصيص ليلة العيد بذلك من بين سائر الليالي، وأما من كان يقوم سائر الليالي فلا حرج أن يقوم في ليلة العيد.
2- اختلاط النساء بالرجال في بعض المصليات والشوارع وغيرها، ومن المحزن أن يحدث هذا في أقدس البقاع؛ في المساجد بل المسجد الحرام، فإن كثيرا من النساء - هداهن الله - يخرجن متجملات متعرات، سافرات، متبرجات، ويحدث في المسجد زحام شديد، وفي ذلك من الفتنة والخطر العظيم ما لا يخفى، ولهذا لا بد للقائمين على ترتيب صلاة العيد من تخصيص أبواب ومسارات خاصة للنساء وأن يتأخّر خروج الرجال حتى ينصرف النساء.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا وأن يتوب علينا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ولمعرفة المزيد عن أحكام صلاة العيدين راجع قسم صلاة العيدين في الموقع(13/54)
فضل العشر الأواخر وليلة القدر
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على النبي الأمين محمد وعلى آله وصحب أجمعين وبعد
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان، ما لا يجتهد في غيرها مسلم (1175) عن عائشة ومن ذلك انه كان يعتكف فيها ويتحرى ليلة القدر خلالها البخاري (1913) ومسلم (1169) وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره " البخاري (1920) ومسلم (1174) زاد مسلم وجَدَّ وشد مئزره.
وقولها " وشد مئزره " كناية عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد فيها زيادة على المعتاد، ومعناه التشمير في العبادات.
وقيل هو كناية عن اعتزال النساء وترك الجماع.
وقولهم " أحيا الليل " أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها. وقد جاء في حديث عائشة الآخر رضي الله عنها: " لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القران كله في ليلة ولا قام ليلة حتى الصباح ولا صام شهرا كاملا قط غير رمضان" سنن النسائي (1641) فيحمل قولها " أحيا الليل " على أنه يقوم أغلب الليل. أو يكون المعنى أنه يقوم الليل كله لكن يتخلل ذلك العشاء والسحور وغيرهما فيكون المراد أنه يحيي معظم الليل.
وقولها: " وأيقظ أهله " أي: أيقظ أزواجه للقيام ومن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في سائر السنة، ولكن كان يوقظهم لقيام بعض الليل، ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال: " سبحان الله ماذا أُنزل الليلة من الفتن! ماذا أُنزل من الخزائن! من يوقظ صواحب الحجرات؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " البخاري (1074) وفيه كذلك أنه كان عليه السلام يوقظ عائشة رضي الله عنها إذا أراد أن يوتر البخاري (952) . لكن إيقاظه صلى الله عليه وسلم لأهله في العشر الأواخر من رمضان كان أبرز منه في سائر السنة.
وفعله صلى الله عليه وسلم هذا يدل على اهتمامه بطاعة ربه، ومبادرته الأوقات، واغتنامه الأزمنة الفاضلة.
فينبغي على المسلم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه هو الأسوة والقدوة، والجِدّ والاجتهاد في عبادة الله، وألا يضيّع ساعات هذه الأيام والليالي، فإن المرء لا يدري لعله لا يدركها مرة أخرى باختطاف هادم اللذات ومفرق الجماعات والموت الذي هو نازل بكل امرئ إذا جاء أجله، وانتهى عمره، فحينئذ يندم حيث لا ينفع الندم.
ومن فضائل هذه العشر وخصائصها ومزاياها أن فيها ليلة القدر، قال الله تعالى: (حم. والكتاب المبين. إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم. أمرًا من عندنا إنا كنا مرسلين. رحمة من ربك إنه هو السميع العليم) سورة الدخان الآيات 1-6
أنزل الله القران الكريم في تلك الليلة التي وصفها رب العالمين بأنها مباركة وقد صح عن جماعة من السلف منهم ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وغيرهم أن الليلة التي أنزل فيها القران هي ليلة القدر.
وقوله " فيها يفرق كل أمر حكيم " أي تقدّر في تلك الليلة مقادير الخلائق على مدى العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون والسعداء والأشقياء والعزيز والذليل والجدب والقحط وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة.
والمقصود بكتابة مقادير الخلائق في ليلة القدر -والله أعلم - أنها تنقل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ، قال ابن عباس " أن الرجل يُرى يفرش الفرش ويزرع الزرع وأنه لفي الأموات " أي انه كتب في ليلة القدر انه من الأموات. وقيل أن المعنى أن المقادير تبين في هذه الليلة للملائكة.
ومعنى (القدر) التعظيم، أي أنها ليلة ذات قدر، لهذه الخصائص التي اختصت بها، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر. وقيل: القدر التضييق، ومعنى التضييق فيها: إخفاؤها عن العلم بتعيينها، وقال الخليل بن أحمد: إنما سميت ليلة القدر، لأن الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم فيها تلك الليلة، من (القدر) وهو التضييق، قال تعالى: (وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) سورة الفجر /16، أي ضيق عليه رزقه.
وقيل: القدر بمعنى القدَر - بفتح الدال - وذلك أنه يُقدّر فيها أحكام السنة كما قال تعالى: (فيها يفرق كل أمر حكيم) . ولأن المقادير تقدر وتكتب فيها.
فسماها الله تعالى ليلة القدر وذلك لعظم قدرها وجلالة مكانتها عند الله ولكثرة مغفرة الذنوب وستر العيوب فيها فهي ليلة المغفرة كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) البخاري (1910) ، ومسلم (760) .
وقد خص الله تعالى هذه الليلة بخصائص:
1- منها أنه نزل فيها القرآن، كما تقدّم، قال ابن عباس وغيره: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. تفسير ابن كثير 4/529.
2- وصْفها بأنها خير من ألف شهر في قوله: (ليلة القدر خير من ألف شهر) سورة القدر الآية/3
3- ووصفها بأنها مباركة في قوله: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) سورة الدخان الآية 3.
4- أنها تنزل فيها الملائكة، والروح، " أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحِلَق الذِّكْر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيماً له " أنظر تفسير ابن كثير 4/531 والروح هو جبريل عليه السلام وقد خصَّه بالذكر لشرفه.
5- ووصفها بأنها سلام، أي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها أذى كما قاله مجاهد أنظر تفسير ابن كثير 4/531، وتكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب بما يقوم العبد من طاعة الله عز وجل.
6- (فيها يفرق كل أمر حكيم) الدخان /4، أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها، كل أمر محكم لا يبدل ولا يغير انظر تفسير ابن كثير 4/137،138 وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وكتابته له، ولكن يُظهر للملائكة ما سيكون فيها ويأمرهم بفعل ما هو وظيفتهم " شرح صحيح مسلم للنووي 8/57.
7- أن الله تعالى يغفر لمن قامها إيماناً واحتساباً ما تقدم من ذنبه، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه. وقوله: (إيماناً واحتساباً) أي تصديقاً بوعد الله بالثواب عليه وطلباً للأجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه. فتح الباري 4/251.
وقد أنزل الله تعالى في شأنها سورة تتلى إلى يوم القيامة، وذكر فيها شرف هذه الليلة وعظَّم قدرها، وهي قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر. تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر) سورة القدر.
فقوله تعالى: (وما أدراك ما ليلة القدر) تنويهاً بشأنها، وإظهاراً لعظمتها. (ليلة القدر خير من ألف شهر) أي: أي إحْياؤها بالعبادة فيها خير من عبادة ثلاث وثمانين سنة، وهذا فضل عظيم لا يقدره قدره إلا رب العالمين تبارك وتعالى، وفي هذا ترغيب للمسلم وحث له على قيامها وابتغاء وجه الله بذلك، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس هذه الليلة ويتحراها مسابقة منه إلى الخير، وهو القدوة للأمة، فقد تحرّى ليلة القدر.
ويستحب تحريها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه خاصة جاء في صحيح مسلم من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ (والقبة: الخيمة وكلّ بنيان مدوّر) عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ قَالَ فَأَخَذَ الْحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا فِي نَاحِيَةِ الْقُبَّةِ ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ فَدَنَوْا مِنْهُ فَقَالَ إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ قَالَ وَإِنِّي أُرْيْتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ وَإِنِّي أَسْجُدُ صَبِيحَتَهَا فِي طِينٍ وَمَاءٍ فَأَصْبَحَ مِنْ لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَقَدْ قَامَ إِلَى الصُّبْحِ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فَأَبْصَرْتُ الطِّينَ وَالْمَاءَ فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ وَجَبِينُهُ وَرَوْثَةُ أَنْفِهِ فِيهِمَا الطِّينُ وَالْمَاءُ وَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. صحيح مسلم 1167
وفي رواية قال أبو سعيد: (مطرنا ليلة إحدى وعشرين، فوكف المسجد في مُصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظرت إليه، وقد انصرف من صلاة الصبح، ووجهه مُبتل طيناً وماء) متفق عليه، وروى مسلم من حديث عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه نحو حديث أبي سعيد لكنه قال: (فمطرنا ليلة ثلاثة وعشرين) وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألتمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى) رواه البخاري 4/260
وليلة القدر في العشر الأواخر كما في حديث أبي سعيد السابق وكما في حديث عائشة وحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) حديث عائشة عند البخاري 4/259، وحديث ابن عمر عند مسلم 2/823، وهذا لفظ حديث عائشة.
وفي أوتار العشر آكد، لحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر) رواه البخاري 4/259.
وفي الأوتار منها بالذات، أي ليالي: إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين. فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر، في الوتر) رواه البخاري (1912) وانظر (1913) ورواه مسلم (1167) وانظر (1165)
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى) رواه البخاري (1917 - 1918) . فهي في الأوتار أحرى وأرجى إذن.
وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا ليلة القدر فتلاحى (أي تخاصم وتنازع) رجلان من المسلمين، فقال: (خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرُفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة) البخاري (1919) . أي في الأوتار.
وفي هذا الحديث دليل على شؤم الخصام والتنازع، وبخاصة في الدِّين وأنه سبب في رفع الخير وخفائه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين، ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتاسعة تبقى، لسابعة تبقى، لخامسة تبقى، لثالثة تبقى) فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع وتكون الاثنان والعشرون تاسعة تبقى، وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى، وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح، وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر، وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه) انتهى المقصود من كلامه رحمه الله الفتاوى 25/284،285.)
وليلة القدر في السبع الأواخر أرجى، ولذلك جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) رواه البخاري (1911) ومسلم (1165) . ولمسلم: (التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يُغلبن على السبع البواقي.
وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر عند أحمد ومن حديث معاوية عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) مسند أحمد وسنن أبي داود (1386) . وكونها ليلة سبع وعشرين هو مذهب أكثر الصحابة وجمهور العلماء، حتى أبيّ بن كعب رضي الله عنه كان يحلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين، قال زر ابن حبيش: فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالعلامة، أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها. رواه مسلم 2/268
وروي في تعيينها بهذه الليلة أحاديث مرفوعة كثيرة.
وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنه: (أنها ليلة سبع وعشرين) واستنبط ذلك استنباطاً عجيباً من عدة أمور، فقد ورد أن عمر رضي الله عنه جمع الصحابة وجمع ابن عباس معهم وكان صغيراً فقالوا: إن ابن عباس كأحد أبنائنا فلم تجمعه معنا؟ فقال عمر: إنه فتى له قلب عقول، ولسان سؤول، ثم سأل الصحابة عن ليلة القدر، فأجمعوا على أنها من العشر الأواخر من رمضان، فسأل ابن عباس عنها، فقال: إني لأظن أين هي، إنها ليلة سبع وعشرين، فقال عمر: وما أدراك؟ فقال: إن الله تعالى خلق السموات سبعاً، وخلق الأرضين سبعاً، وجعل الأيام سبعاً، وخلق الإنسان من سبع، وجعل الطواف سبعاً، والسعي سبعاً، ورمي الجمار سبعاً. فيرى ابن عباس أنها ليلة سبع وعشرين من خلال هذه الاستنباطات، وكأن هذا ثابت عن ابن عباس.
ومن الأمور التي استنبط منها أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين: أن كلمة فيها من قوله تعالى: (تنزل الملائكة والروح فيها) هي الكلمة السابعة والعشرون من سورة القدر.
وهذا ليس عليه دليل شرعي، فلا حاجة لمثل هذه الحسابات، فبين أيدينا من الأدلة الشرعية ما يغنينا.
لكن كونها ليلة سبع وعشرين أمر غالب والله أعلم وليس دائماً، فقد تكون أحياناً ليلة إحدى وعشرين، كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدّم، وقد تكون ليلة ثلاث وعشرين كما جاء في رواية عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه كما تقدّم، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى) رواه البخاري 4/260) .
ورجّح بعض العلماء أنها تتنقل وليست في ليلة معينة كل عام، قال النووي رحمه الله: (وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث الصحيحة في ذلك، ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها) المجموع 6/450.
وإنما أخفى الله تعالى هذه الليلة ليجتهد العباد في طلبها، ويجدّوا في العبادة، كما أخفى ساعة الجمعة وغيرها.
فينبغي للمؤمن أن يجتهد في أيام وليالي هذه العشر طلباً لليلة القدر، اقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم، وأن يجتهد في الدعاء والتضرع إلى الله.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت أن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني) رواه الإمام أحمد، والترمذي (3513) ، وابن ماجة (3850) وسنده صحيح.
ثالثاً: اختصاص الاعتكاف فيها بزيادة الفضل على غيرها من أيام السنة، والاعتكاف لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف هذه العشر كما جاء في حديث أبى سعيد السابق أنه اعتكف العشر الأول ثم الوسط، ثم أخبرهم انه كان يلتمس ليلة القدر، وانه أريها في العشر الأواخر، وقال: (من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر) وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده متفق عليه ولهما مثله عن ابن عمر.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة.
وقال الأئمة الأربعة وغيرهم رحمهم الله يدخل قبل غروب الشمس، وأولوا الحديث على أن المراد أنه دخل المعتكف وانقطع وخلى بنفسه بعد صلاة الصبح، لا أن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف، انظر شرح مسلم للنووي 8/68،69، وفتح الباري 4/277. ويسن للمعتكف الاشتغال بالطاعات، ويحرم عليه الجماع ومقدماته لقوله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) سورة البقرة /187.
ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها.
العلامات التي تعرف بها ليلة القدر:
العلامة الأولى: ثبت في صحيح مسلم من حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شُعاع لها. مسلم (762)
العلامة الثانية: ثبت من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة، ورواه الطيالسي في مسنده، وسنده صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، تُصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة) صحيح ابن خزيمة (2912) ومسند الطيالسي.
العلامة الثالثة: روى الطبراني بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة بلجة " أي مضيئة "، لا حارة ولا باردة، لا يرمى فيها بنجم " أي لا ترسل فيها الشهب ") رواه الطبراني في الكبير انظر مجمع الزوائد 3/179، مسند أحمد.
فهذه ثلاثة أحاديث صحيحة في بيان العلامات الدالة على ليلة القدر.
ولا يلزم أن يعلم من أدرك وقامها ليلة القدر أنه أصابها، وإنما العبرة بالاجتهاد والإخلاص، سواء علم بها أم لم يعلم، وقد يكون بعض الذين لم يعلموا بها أفضل عند الله تعالى وأعظم درجة ومنزلة ممن عرفوا تلك الليلة وذلك لاجتهادهم. نسأل الله أن يتقبّل منا الصيام والقيام وأن يُعيننا فيه على ذكره وشُكْره وحُسْن عبادته. وصلى الله على نبينا محمد.(13/55)
شهر رجب(13/56)
حول شهر رجب
الحمد لله الواحد القهار والصلاة والسلام على النبي المختار وعلى آله وصحبه الطيبين الأطهار. وبعد:
فالحمد لله القائل: " وربك يخلق ما يشاء ويختار "، والاختيار هو الاجتباء والاصطفاء الدال على ربوبيته ووحدانيته وكمال حكمته وعلمه وقدرته.
ومن اختياره وتفضيله اختياره بعض الأيام والشهور وتفضيلها على بعض، وقد اختار الله من بين الشهور أربعة حُرما قال تعالى: " إ ن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ". وهي مقدرة بسير القمر وطلوعه لا بسير الشمس وانتقالها كما يفعله الكفار.
والأشهر الحرم وردت في الآية مبهمة ولم تحدد اسماؤها وجاءت السُنة بذكرها: فعن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع وقال في خطبته: إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. رواه البخاري رقم (1741) في الحج باب الخطبة أيام منى، ورواه مسلم رقم (1679) في القسامة باب تحريم الدماء.
وسمي رجب مضر لأن مضر كانت لا تغيره بل توقعه في وقته بخلاف باقي العرب الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم وهو النسيء المذكور في قوله تعالى: " إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ".
وقيل أن سبب نسبته إلى مضر أنها كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنسب إليهم لذلك.
- سبب تسميته:
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (ص445) :
رجب: الراء والجيم والباء أصلٌ يدل على دعم شيء بشيء وتقويته ... ومن هذا الباب: رجبت الشيء أي عظّمته ... فسمي رجبا لأنهم كانوا يعظّمونه وقد عظمته الشريعة أيضا..أ. هـ.
وقد كان أهل الجاهلية يسمون شهر رجب مُنصّل الأسنّة كما جاء عن أبي رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا هو أخيرُ منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة (كوم من تراب) ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا مُنصّل الأسنة فلا ندع رمحا فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه في شهر رجب. [رواه البخاري]
قال البيهقي: كان أهل الجاهلية يعظّمون هذه الأشهر الحرم وخاصة شهرَ رجب فكانوا لا يقاتلون فيه.ا. هـ.
- رجب شهر حرام:
إن للأشهر الحرم مكانةً عظيمة ومنها شهر رجب لأنه أحد هذه الأشهر الحرم قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ".
أي لا تحلوا محرماته التي أمركم الله بتعظيمها ونهاكم عن ارتكابها فالنهي يشمل فعل القبيح ويشمل اعتقاده.
وقال تعالى: " فلا تظلموا فيهن أنفسكم " أي في هذه الأشهر المحرمة. والضمير في الآية عائد إلى هذه الأربعة الأشهر على ما قرره إمام المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله -
فينبغي مراعاة حرمة هذه الأشهر لما خصها الله به من المنزلة والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة، ولأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرّمه الله؛ ولذلك حذرنا الله في الآية السابقة من ظلم النفس فيها مع أنه - أي ظلم النفس ويشمل المعاصي - يحرم في جميع الشهور.
- القتال في الشهر الحرام:
قال تعالى: " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير "
جمهور العلماء على أن القتال في الأشهر الحرم منسوخ بقوله تعالى: " فإذا أنسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وغير ذلك من العمومات التي فيها الأمر بقتالهم مطلقا.
واستدلوا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل أهل الطائف في ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم.
وقال آخرون: لا يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم وأما استدامته وتكميله إذا كان أوله في غيرها فإنه يجوز. وحملوا قتال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الطائف على ذلك لأن أول قتالهم في حنين في شوال.
وكل هذا في القتال الذي ليس المقصود فيه الدفع، فإذا دهم العدو بلدا للمسلمين وجب على أهلها القتال دفاعا سواء كان في الشهر الحرام أو في غيره.
العَتِيرَة:
كانت العرب في الجاهلية تذبح ذبيحة في رجب يتقربون بها لأوثانهم.
فلما جاء الإسلام بالذبح لله تعالى بطل فعل أهل الجاهلية واختلف الفقهاء في حكم ذبيحة رجب فذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن فعل العتيرة منسوخ واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا فرع ولا عتيرة. رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
وذهب الشافعية إلى عدم نسخ طلب العتيرة وقالوا تستحب العتيرة وهو قول ابن سيرين.
قال ابن حجر: ويؤيده ما أخرجه ابوداود والنسائي وابن ماجة وصححه الحاكم وابن المنذر عن نُبيشة قال: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا. قال: اذبحوا في أي شهر كان ……الحديث.
قال ابن حجر: فلم يبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم العتيرة من أصلها وإنما أبطل خصوص الذبح في شهر رجب.
الصوم في رجب:
لم يصح في فضل الصوم في رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه.
وإنما يشرع فيه من الصيام ما يشرع في غيره من الشهور، من صيام الاثنين والخميس والأيام الثلاثة البيض وصيام يوم وإفطار يوم، والصيام من سرر الشهر وسرر الشهر قال بعض العلماء أنه أول الشهر وقال البعض أنه أوسط الشهر وقيل أيضا أنه آخر الشهر. وقد كان عمر رضي الله عنه ينهى عن صيام رجب لما فيه من التشبه بالجاهلية كما ورد عن خرشة بن الحر قال: رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول: كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية. (الإرواء 957 وقال الألباني: صحيح)
قال الإمام ابن القيم: ولم يصم صلى الله عليه وسلم الثلاثة الأشهر سردا (أي رجب وشعبان ورمضان) كما يفعله بعض الناس ولا صام رجبا قط ولا استحب صيامه.
وقال الحافظ ابن حجر في تبين العجب بما ورد في فضل رجب: لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معيّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ وكذلك رويناه عن غيره.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: أما تخصيص أيام من رجب بالصوم فلا نعلم له أصلا في الشرع.
العُمرة في رجب:
دلت الأحاديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب كما ورد عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فسئل: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربعا إحداهن في رجب. فكرهنا أن نرد عليه قال: وسمعنا إستنان عائشة أم المؤمنين (أي صوت السواك) في الحجرة فقال عروة: يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: ما يقول؟ قال: يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات إحداهنّ في رجب. قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهد (أي حاضر معه) وما اعتمر في رجب قط. متفق عليه وجاء عند مسلم: وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم.
قال النووي: سكوت ابن عمر على إنكار عائشة يدل على أنه كان اشتبه عليه أو نسي أوشك.
ولهذا كان من البدع المحدثة في مثل هذا الشهر تخصيص رجب بالعمرة واعتقاد أن العمرة في رجب فيها فضل معيّن ولم يرد في ذلك نص إلى جانب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه اعتمر في رجب قال الشيخ علي بن إبراهيم العطار المتوفى سنة 724هـ: ومما بلغني عن أهل مكة زادها الله شرفا اعتياد كثرة الاعتمار في رجب وهذا مما لا أعلم له أصلا بل ثبت في حديث أن الرسول صلى الله عليه قال: عمرة في رمضان تعدل حجة.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه: أما تخصيص بعض أيام رجب بأي شيء من الأعمال الزيارة وغيرها فلا أصل له لما قرره الإمام أبو شامة في كتاب البدع والحوادث وهو أن تخصيص العبادات بأوقات لم يخصّصها بها الشرع لا ينبغي إذ لا فضل لأي وقت على وقت آخر غلآ ما فضله الشرع بنوع من العبادة أو فضل جميع أعمال البر فيه دون غيره ولهذا أنكر العلماء تخصيص شهر رجب بكثرة الاعتمار فيه ا. هـ.
ولكن لو ذهب الإنسان للعمرة في رجب من غير اعتقاد فضل معيّن بل كان مصادفة أو لأنّه تيسّر له في هذا الوقت فلا بأس بذلك.
البدع المحدثة في شهر رجب:
إن الابتداع في الدين من الأمور الخطيرة التي تناقض نصوص الكتاب والسنة فالنبي صلى الله عليه لم يمت إلا وقد اكتمل الدين قال تعالى: " اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد. متفق عليه وفي رواية لمسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. وقد ابتدع بعض الناس في رجب أمورا متعددة فمن ذلك:
- صلاة الرغائب وهذه الصلاة شاعت بعد القرون المفضلة وبخاصة في المائة الرابعة وقد اختلقها بعض الكذابين وهي تقام في أول ليلة من رجب قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: صلاة الرغائب بدعة باتفاق أئمة الدين كمالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم والحديث المروي فيها كذب بإجماع لأهل المعرقة بالحديث.ا. هـ.
- وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة، ولم يصح شيء من ذلك؛ فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلد في أول ليلة منه، وأنه بعث في ليلة السابع والعشرين منه، وقيل: في الخامس والعشرين، ولا يصح شيء من ذلك، وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي كان في السابع والعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره. فأصبح من بدع هذا الشهر قراءة قصة المعراج والاحتفال بها في ليلة السابع والعشرين من رجب، وتخصيص تلك الليلة بزيادة عبادة كقيام ليل أو صيام نهار، أو ما يظهر فيها من الفرح والغبطة، وما يقام من احتفالات تصاحبها المحرمات الصريحة كالاختلاط والأغاني والموسيقى وهذا كله لا يجوز في العيدين الشرعيين فضلا عن الأعياد المبتدعة، أضف إلى ذلك أن هذا التاريخ لم يثبت جزما وقوع الإسراء والمعراج فيه، ولو ثبت فلا يعد ذلك شرعا مبررا للاحتفال فيه لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضوان الله عليهم ولا عن أحد من سلف هذه الأمة الأخيار ولو كان خيراً لسبقونا إليه، والله المستعان..
- صلاة أم داود في نصف رجب.
- التصدق عن روح الموتى في رجب.
- الأدعية التي تقال في رجب بخصوصه كلها مخترعة ومبتدعة.
- تخصيص زيارة المقابر في رجب وهذه بدعة محدثة أيضا فالزيارة تكون في أي وقت من العام.
نسأل الله أن يجعلنا ممن يعظّمون حرماته ويلتزمون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(13/57)
محرمات استهان بها كثير من الناس(13/58)
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى فرض فرائض لا يجوز تضييعها، وحد حدودا لا يجوز تعديها، وحرم أشياء لا يجوز انتهاكها.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله العافية، فإن الله لم يكن نسيا ثم تلا هذه الآية [وما كان ربك نسيا] .) [رواه الحاكم 2/375 وحسنه الألباني في غاية المرام ص: 14]
والمحرمات هي حدود الله عز وجل {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} الطلاق/1 وقد هدد الله من يتعدى حدوده وينتهك حرماته فقال سبحانه: {وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} سورة النساء/14
واجتناب المحرمات واجب لقوله صلى الله عليه وسلم (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم) [رواه مسلم: كتاب الفضائل حديث رقم 130 ط. عبد الباقي]
ومن المشاهد أن بعض متبعي الهوى، ضعفاء النفوس، قليلي العلم إذا سمع بالمحرمات متوالية يتضجر ويتأفف ويقول: كل شيء حرام، ما تركتم شيئا إلا حرمتموه، أسأمتمونا حياتنا، وأضجرتم عيشتنا، وضيقتم صدورنا، وما عندكم إلا الحرام والتحريم، الدين يسر، والأمر واسع، والله غفور رحيم.
ومناقشة لهؤلاء نقول:
إن الله جل وعلا يحكم ما يشاء لا معقب لحكمه وهو الحكيم الخبير فهو يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء سبحانه، ومن قواعد عبوديتنا لله عز وجل أن نرضى بما حكم ونسلم تسليما.
وأحكامه سبحانه صادرة عن علمه وحكمته وعدله ليست عبثا ولا لعبا كما قال الله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الأنعام/115
وقد بين لنا عز وجل الضابط الذي عليه مدار الحل والحرمة فقال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} الأعراف/157 فالطيب حلال والخبيث حرام.
والتحليل والتحريم حق لله وحده فمن ادعاه لنفسه أو أقر به لغيره فهو كافر كفرا أكبر مخرجا عن الملة {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} الشورى/21
ثم إنه لا يجوز لأي أحد أن يتكلم في الحلال والحرام إلا أهل العلم العالمين بالكتاب والسنة وقد ورد التحذير الشديد فيمن يحلل ويحرم دون علم فقال تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ} سورة النحل/116
والمحرمات المقطوع بها مذكورة في القرآن وفي السنة كقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ الآية} سورة الأنعام/151
وفي السنة كذلك ذكر لكثير من المحرمات كقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. [رواه أبوداود 3486 وهو في صحيح أبي داود 977]
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) . [رواه الدارقطني 3/7 وهو حديث صحيح]
وقد يأتي في بعض النصوص ذكر محرمات مختصة بنوع من الأنواع مثلما ذكر الله المحرمات في المطاعم فقال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ.. الآية} المائدة/3
وذكر سبحانه المحرمات في النكاح فقال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ.. الآية} النساء/23
وذكر أيضا المحرمات من المكاسب فقال عز وجل: (وأحل الله البيع وحرم الربا.. الآية) البقرة/275
ثم إن الله الرحيم بعباده قد أحل لنا من الطيبات مالا يحصى كثرة وتنوعا ولذلك لم يفصل المباحات لأنها كثيرة لا تحصر وإنما فصل المحرمات لانحصارها وحتى نعرفها فنجتنبها فقال عز وجل: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} الأنعام/119
أما الحلال فأباحه على وجه الإجمال مادام طيبا فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} البقرة/168 فكان من رحمته أن جعل الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم، وهذا من كرمه سبحانه وتعالى ومن توسعته على عباده فعلينا الطاعة والحمد والشكر.
وبعض الناس إذا رأوا الحرام معددا عليهم ومفصلا ضاقت أنفسهم ذرعا بالأحكام الشرعية وهذا من ضعف إيمانهم وقلة فقههم في الشريعة فهل يريد هؤلاء يا ترى أن يعدد عليهم أصناف الحلال حتى يقتنعوا بأن الدين يسر؟ وهل يريدون أن تسرد لهم أنواع الطيبات حتى يطمئنوا أن الشريعة لا تكدر عليهم عيشهم؟
هل يريدون أن يقال بأن اللحوم المذكاة من الإبل والبقر والغنم والأرانب والغزلان والوعول والدجاج والحمام والبط والوز والنعام حلال وأن ميتة الجراد والسمك حلال؟.
وأن الخضراوات والبقول والفواكه وسائر الحبوب والثمار النافعة حلال
وأن الماء واللبن والعسل والزيت والخل حلال
وأن الملح والتوابل والبهارات حلال
وأن استخدام الخشب والحديد والرمل والحصى والبلاستيك والزجاج والمطاط حلال
وأن ركوب الدواب والسيارات والقطارات والسفن والطائرات حلال
وأن استعمال المكيفات والثلاجات والغسالات والنشافات والطاحونات والعجانات والفرامات والمعاصر وسائر أدوات الطب والهندسة والحساب والرصد والفلك والبناء واستخراج المياه والنفط والمعادن والتنقية والتحلية والطباعة والحاسبات الآلية حلال
وأن لبس القطن والكتان والصوف والوبر والشعر والجلود المباحة والنايلون والبوليستر حلال
وأن الأصل في النكاح والبيع والشراء والكفالة والحوالة والإجارة والمهن والحرف من النجارة والحدادة وإصلاح الآلات ورعي الغنم حلال
وهل يمكن يا ترى أن ينتهي بنا المقام إذا أردنا المواصلة في العد والسرد فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟
أما احتجاجهم بأن الدين يسر فهو حق أريد به باطل فإن مفهوم اليسر في هذا الدين ليس بحسب أهواء الناس وآرائهم وإنما بحسب ما جاءت به الشريعة فالفرق عظيم بين انتهاك المحرمات بالاحتجاج الباطل بأن الدين يسر ـ وهو يسر ولاشك ـ وبين الأخذ بالرخص الشرعية كالجمع والقصر والفطر في السفر، والمسح على الخفين والجوربين للمقيم يوما بليلته وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، والتيمم عند الخوف من استعمال الماء وجمع الصلاتين للمريض وحين نزول المطر، وإباحة النظر إلى المرأة الأجنبية للخاطب، والتخيير في كفارة اليمين بين العتق والإطعام والكسوة، وأكل الميتة عند الاضطرار وغير ذلك من الرخص والتخفيفات الشرعية.
وبالإضافة لما تقدم فينبغي أن يعلم المسلم بأن في تحريم المحرمات حكما منها: أن الله يبتلي عباده بهذه المحرمات فينظر كيف يعملون ومن أسباب تميز أهل الجنة عن أهل النار أن أهل النار قد انغمسوا في الشهوات التي حفت بها النار وأهل الجنة صبروا على المكاره التي حفت بها الجنة، ولولا هذا الابتلاء ما تبين العاصي من المطيع. وأهل الإيمان ينظرون إلى مشقة التكليف بعين احتساب الأجر وامتثال أمر الله لنيل رضاه فتهون عليهم المشقة وأهل النفاق ينظرون إلى مشقة التكليف بعين الألم والتوجع والحرمان فتكون الوطأة عليهم شديدة والطاعة عسيرة.
وبترك المحرمات يذوق المطيع حلاوة: من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ويجد لذة الإيمان في قلبه.
وفي هذه الرسالة يجد القارئ الكريم عددا من المحرمات التي ثبت تحريمها في الشريعة مع بيان أدلة التحريم من الكتاب والسنة [وقد صنف بعض العلماء في المحرمات أو في بعض أنواعها كالكبائر ومن الكتب الجيدة في موضوع المحرمات كتاب تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين لابن النحاس الدمشقي رحمه الله تعالى] ، وهذه المحظورات مما شاع فعلها وعم ارتكابها بين كثير من المسلمين، وقد أردت بذكرها التبيان والنصح، أسأل الله لي ولإخواني المسلمين الهداية والتوفيق والوقوف عند حدوده سبحانه وأن يجنبنا المحرمات ويقينا السيئات والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين(13/59)
الشرك بالله(13/60)
وهو أعظم المحرمات على الإطلاق لحديث أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثا) قالوا قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله.. متفق عليه البخاري / رقم 2511 ط. البغا) وكل ذنب يمكن أن يغفره الله إلا الشرك فلا بد له من توبة مخصوصة قال الله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء/48
والشرك منه ما هو أكبر مخرج عن ملة الإسلام، صاحبه مخلد في النار إن مات على ذلك.(13/61)
ومن مظاهر هذا الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين:
ـ عبادة القبور واعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ويفرجون الكربات والاستعانة والاستغاثة بهم والله سبحانه وتعالى يقول: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ... ) سورة الإسراء/23، وكذلك دعاء الموتى من الأنبياء والصالحين أو غيرهم للشفاعة أو للتخليص من الشدائد والله يقول: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.. أإله مع الله) النمل/62 وبعضهم يتخذ ذكر اسم الشيخ أو الولي عادته وديدنه إن قام وإن قعد وإن عثر وكلما وقع في ورطة أو مصيبة وكربة فهذا يقول يا محمد وهذا يقول يا علي وهذا يقول يا حسين وهذا يقول يا بدوي وهذا يقول يا جيلاني وهذا يقول يا شاذلي وهذا يقول يا رفاعي وهذا يدعو العيدروس وهذا يدعو السيدة زينب وذاك يدعو ابن علوان والله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} سورة الأعراف/194 وبعض عباد القبور يطوفون بها ويستلمون أركانها ويتمسحون بها ويقبلون أعتابها ويعفرون وجوههم في تربتها ويسجدون لها إذا رأوها ويقفون أمامها خاشعين متذللين متضرعين سائلين مطالبهم وحاجاتهم من شفاء مريض أو حصول ولد أو تيسير حاجة وربما نادى صاحب القبر يا سيدي جئتك من بلد بعيد فلا تخيبني والله عز وجل يقول {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} سورة الأحقاف/5 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار) رواه البخاري الفتح 8/176، وبعضهم يحلقون رؤوسهم عند القبور، وعند بعضهم كتب بعناوين مثل: "مناسك حج المشاهد" ويقصدون بالمشاهد القبور وأضرحة الأولياء، وبعضهم يعتقد أن الأولياء يتصرفون في الكون وأنهم يضرون وينفعون والله عز وجل يقول: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ} سورة يونس/107، وكذلك من الشرك النذر لغير الله كما يفعل الذين ينذرون الشموع والأنوار لأصحاب القبور.
ــ ومن مظاهر الشرك الأكبر الذبح لغير الله والله يقول: (فصل لربك وانحر) سورة الكوثر/2 أي انحر لله وعلى اسم الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله) رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه رقم 1978 ط. عبد الباقي، وقد يجتمع في الذبيحة محرمان وهما الذبح لغير الله والذبح على غير اسم الله وكلاهما مانع للأكل منها، ومن ذبائح الجاهلية - الشائعة في عصرنا - " ذبائح الجن " وهي أنهم كانوا إذا اشتروا دارا أو بنوها أو حفروا بئرا ذبحوا عندها أو على عتبتها ذبيحة خوفا من أذى الجن (انظر تيسير العزيز الحميد ط. الإفتاء ص: 158)
ــ ومن أمثلة الشرك الأكبر العظيمة الشائعة تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله أو اعتقاد أن أحدا يملك الحق في ذلك غير الله عز وجل، أو التحاكم إلى المحاكم والقوانين الجهلية عن رضا واختيار واعتقاد بجواز ذلك وقد ذكر الله عز وجل هذا الكفر الأكبر في قوله: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ} التوبة/31 ولما سمع عدي بن حاتم نبي الله صلى الله عليه وسلم يتلوها قال: فقلت: إنهم لم يكونوا يعبدونهم قال: (أجل ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه فتلك عبادتهم لهم) رواه البيهقي السنن الكبرى 10/116 وهو عند الترمذي برقم 3095 وحسنه الألباني في غاية المرام ص:19، وقد وصف الله المشركين بأنهم {وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} سورة التوبة/29، وقال الله عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ} سورة يونس/59
- ومن أنواع الشرك المنتشرة السحر والكهانة والعرافة:
أما السحر فإنه كفر ومن السبع الكبائر الموبقات وهو يضر ولا ينفع قال الله تعالى عن تعلمه (فيتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) البقرة/102، وقال (ولا يفلح الساحر حيث أتى) طه/69، والذي يتعاطى السحر كافر قال الله تعالى: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) البقرة/102
وحكم الساحر القتل وكسبه حرام خبيث، والجهال والظلمة وضعفاء الإيمان يذهبون إلى السحرة لعمل سحر يعتدون به على أشخاص أو ينتقمون منهم ومن الناس من يرتكب محرما بلجوئه إلى الساحر لفك السحر والواجب اللجوء إلى الله والاستشفاء بكلامه كالمعوذات وغيرها.
أما الكاهن والعراف فكلاهما كافر بالله العظيم لادعائهما معرفة الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله وكثير من هؤلاء يستغفل السذج لأخذ أموالهم ويستعملون وسائل كثيرة من التخطيط في الرمل أو ضرب الودع أو قراءة الكف والفنجان أو كرة الكريستال والمرايا وغير ذلك وإذا صدقوا مرة كذبوا تسعا وتسعين مرة ولكن المغفلين لا يتذكرون إلا المرة التي صدق فيها هؤلاء الأفاكون فيذهبون إليهم لمعرفة المستقبل والسعادة والشقاوة في زواج أو تجارة والبحث عن المفقودات ونحو ذلك وحكم الذي يذهب إليهم إن كان مصدقا بما يقولون فهو كافر خارج عن الملة والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " رواه الإمام أحمد 2/429 وهو في صحيح الجامع 5939 أما إن كان الذي يذهب إليهم غير مصدق بأنهم يعلمون الغيب ولكنه يذهب للتجربة ونحوها فإنه لا يكفر ولكن لا تقبل له صلاة أربعين يوما والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " من أتى عرافا فسأله عن شئ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " صحيح مسلم 4/1751، هذا مع وجوب الصلاة والتوبة عليه.
- الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس:
عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية ـ على أثر سماء كانت من الليلة ـ فلما انصرف أقبل على الناس فقال: " هل تدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب. وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب " رواه البخاري أنظر فتح الباري 2/333. ومن ذلك اللجوء إلى أبراج الحظ في الجرائد والمجلات فإن اعتقد ما فيها من أثر النجوم والأفلاك فهو مشرك وإن قرأها للتسلية فهو عاص آثم لأنه لا يجوز التسلي بقراءة الشرك بالإضافة لما قد يلقي الشيطان في نفسه من الاعتقاد بها فتكون وسيلة للشرك.
- ومن الشرك اعتقاد النفع في أشياء لم يجعلها الخالق عز وجل كذلك كما يعتقد بعضهم في التمائم والعزائم الشركية وأنواع من الخرز أو الودع أو الحلق المعدنية وغيرها بناء على إشارة الكاهن أو الساحر أو اعتقاد متوارث فيعلقونها في رقابهم أو على أولادهم لدفع العين بزعمهم أو يربطونها على أجسادهم أو يعلقونها في سياراتهم وبيوتهم أو يلبسون خواتم بأنواع من الفصوص يعتقدون فيها أمورا معينة من رفع البلاء أو دفعه وهذا لاشك ينافي التوكل على الله ولا يزيد الإنسان إلا وهنا وهو من التداوي بالحرام وهذه التمائم التي تعلق في كثير منها شرك جلي واستغاثة ببعض الجن والشياطين أو رسوم غامضة أو كتابات غير مفهومة وبعض المشعوذين يكتبون آيات من القرآن ويخلطونها بغيرها من الشرك وبعضهم يكتب آيات القرآن بالنجاسات أو بدم الحيض وتعليق كل ما تقدم أو ربطه حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: (من علق تميمة فقد أشرك) رواه أحمد 4/156 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 492.
وفاعل ذلك إن اعتقد أن هذه الأشياء تنفع أو تضر من دون الله فهو مشرك شركا أكبر، وإن اعتقد أنها سبب للنفع أو الضرر، والله لم يجعلها سببا، فهو مشرك شركا أصغر وهذا يدخل في شرك الأسباب
- الرياء بالعبادات:
من شروط العمل الصالح أن يكون خالصا من الرياء مقيدا بالسنة والذي يقوم بعبادة ليراه الناس فهو مشرك وعمله حابط كمن صلى ليراه الناس، قال الله تعالى: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) النساء/ 142، وكذلك إذا عمل العمل لينتقل خبره ويتسامع به الناس فقد وقع في الشرك وقد ورد الوعيد لمن يفعل ذلك كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: " من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به " رواه مسلم 4/2289. ومن عمل عبادة قصد بها الله والناس فعمله حابط كما جاء في الحديث القدسي: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " رواه مسلم رقم 2985
ومن ابتدأ العمل لله ثم طرأ عليه الرياء فإن كرهه وجاهده ودافعه صح عمله وإن استروح إليه وسكنت إليه نفسه فقد نص أكثر أهل العلم على بطلانه.
- الطيرة:
وهي التشاؤم قال تعالى: (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه، وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه) الأعراف/131.
وكانت العرب إذا أراد أحدهم أمرا كسفر وغيره أمسك بطائر ثم أرسله فإن ذهب يمينا تفاءل ومضى في أمره وإن ذهب شمالا تشاءم ورجع عما أراد وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكم هذا العمل بقوله: " الطيرة شرك " رواه الإمام أحمد 1/389 وهو في صحيح الجامع 3955.
ومما يدخل في هذا الاعتقاد المحرم المنافي للتوحيد: التشاؤم بالشهور كترك النكاح في شهر صفر، وبالأيام كاعتقاد أن آخر أربعاء من كل شهر يوم نحس مستمر أو الأرقام كالرقم 13 أو الأسماء أو أصحاب العاهات كما إذا ذهب ليفتح دكانه فرأى أعور في الطريق فتشاءم ورجع ونحو ذلك فهذا كله حرام ومن الشرك وقد برئ النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء فعن عمران بن حصين مرفوعا: " ليس منا من تطير ولا تطير له ولا تكهن ولا تكهن له (وأظنه قال:) أو سحر أو سحر له " رواه الطبراني في الكبير 18/162 انظر صحيح الجامع 5435. ومن وقع في شئ من ذلك فكفارته ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك قالوا يا رسول الله ما كفارة ذلك قال أن يقول أحدهم: " اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك " رواه الإمام أحمد 2/220 السلسلة الصحيحة 1065.
والتشاؤم من طبائع النفوس يقل ويكثر وأهم علاج له التوكل على الله عز وجل كما في قول ابن مسعود: " وما منا إلا (أي: إلا ويقع في نفسه شئ من ذلك) ولكن الله يذهبه بالتوكل " رواه أبو داود رقم 3910 وهو في السلسلة الصحيحة 430.
- الحلف بغير الله تعالى:
الله سبحانه وتعال يقسم بما شاء من مخلوقاته وأما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم بغير الله ومما يجري على ألسنة كثير من الناس الحلف بغير الله والحلف نوع من التعظيم لا يليق إلا بالله عن ابن عمر مرفوعا: " ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " رواه البخاري انظر الفتح 11/530. وعن ابن عمر مرفوعا: " من حلف بغير الله فقد أشرك " رواه الإمام أحمد 2/125 انظر صحيح الجامع 6204. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من حلف بالأمانة فليس منا " رواه أبو داود 3253 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 94.
فلا يجوز الحلف بالكعبة ولا بالأمانة ولا بالشرف ولا بالعون ولا ببركة فلان ولا بحياة فلان ولا بجاه النبي ولا بجاه الولي ولا بالآباء والأمهات ولا برأس الأولاد كل ذلك حرام ومن وقع في شيء من هذا فكفارته أن يقول لا إله إلا الله كما جاء في الحديث الصحيح: " من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله.. " رواه البخاري فتح 11/536
وعلى منوال هذا الباب أيضا عدد من الألفاظ الشركية والمحرمة التي يتفوه بها بعض المسلمين ومن أمثلتها: أعوذ بالله وبك ـ أنا متوكل على الله وعليك ـ هذا من الله ومنك ـ مالي إلا الله وأنت ـ الله لي في السماء وأنت لي في الأرض ـ لولا الله وفلان ـ أنا بريئ من الإسلام ـ يا خيبة الدهر (وكذا كل عبارة فيها سب الدهر مثل هذا زمان سوء وهذه ساعة نحس والزمن غدار ونحو ذلك وذلك لأن سب الدهر يرجع على الله الذي خلق الدهر) ـ شاءت الطبيعة ـ كل الأسماء المعبدة لغير الله كعبد المسيح وعبد النبي وعبد الرسول وعبد الحسين
ومن المصطلحات والعبارات الحادثة المخالفة للتوحيد كذلك: اشتراكية الإسلام ـ ديموقراطية الإسلام ـ إرادة الشعب من إرادة الله ـ الدين لله والوطن للجميع ـ باسم العروبة ـ باسم الثورة.
ومن المحرمات إطلاق لفظة ملك الملوك وما في حكمها كقاضي القضاة على أحد من البشر ـ إطلاق لفظة سيد وما في معناها على المنافق والكافر (سواء كان باللغة العربية أو بغيرها) ـ استخدام حرف لو الذي يدل على التسخط والتندم والتحسر ويفتح عمل الشيطان ـ قول اللهم اغفر لي إن شئت ـ[وللتوسع انظر معجم المناهي اللفظية: بكر أبو زيد](13/62)
الجلوس مع المنافقين أو الفساق استئناسا بهم أو إيناسا لهم:(13/63)
يعمد كثير من الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم إلى مجالسة بعض أهل الفسق والفجور بل ربما جالسوا بعض الذين يطعنون في شريعة الله ويستهزئون بدينه وأوليائه ولاشك أن هذا عمل محرم يقدح في العقيدة قال الله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) الأنعام/68
فلا يجوز الجلوس معهم في هذه الحالة وإن اشتدت قرابتهم أو لطف معشرهم وعذبت ألسنتهم إلا لمن أراد دعوتهم أو رد باطلهم أو الإنكار عليهم أما الرضا أو السكوت فلا، قال الله تعالى: (فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) التوبة/96(13/64)
ترك الطمأنينة في الصلاة:
من أكبر جرائم السرقة السرقة من الصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قالوا يا رسول الله: وكيف يسرق من صلاته قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها " رواه الإمام أحمد 5/310 وهو في صحيح الجامع 997. وإن ترك الطمأنينة وعدم استقرار الظهر في الركوع والسجود وعدم إقامته بعد الرفع من الركوع واستوائه في الجلسة بين السجدتين كل ذلك مشهور ومشاهد في جماهير المصلين ولا يكاد يخلو مسجد من نماذج من الذين لا يطمئنون في صلاتهم. والطمأنينة ركن والصلاة لا تصح بدونها والأمر خطير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود" رواه أبو داود 1/533 وهو في صحيح الجامع 7224. ولا شك أن هذا منكر يستحق صاحبه الزجر والوعيد، عن أبي عبد الله الأشعري قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثم جلس في طائفة منهم فدخل رجل فقام يصلي فجعل يركع وينقر في سجوده فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أترون هذا؟ من مات على هذا مات على غير ملة محمد ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم، إنما مثل الذي يركع وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا التمرة والتمرتين فماذا تغنيان عنه " رواه ابن خزيمة في صحيحه 1/332 وانظر صفة صلاة النبي للألباني 131، وعن زيد بن وهب قال رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع والسجود قال: ما صليت ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدا صلى الله عليه وسلم رواه البخاري انظر الفتح 2/274. وينبغي على من ترك الطمأنينة في الصلاة إذا علم بالحكم أن يعيد فرض الوقت الذي هو فيه ويتوب إلى الله عما مضى ولا تلزمه إعادة الصلوات السابقة كما دل عليه حديث ارجع فصل فإنك لم تصل.(13/65)
العبث وكثرة الحركة في الصلاة:
وهذه آفة لا يكاد يسلم منها أعداد من المصلين لأنهم لا يمتثلون أمر الله (وقوموا لله قانتين) البقرة/238، ولا يعقلون قول الله (قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون) المؤمنون/1-2، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن تسوية التراب في السجود قال " لا تمسح وأنت تصلي فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة تسوية الحصى " رواه أبو داود 1/581 وهو في صحيح الجامع 7452، وقد ذكر أهل العلم أن الحركة الكثيرة المتوالية بغير حاجة تبطل الصلاة فكيف بالعابثين في صلواتهم يقفون أمام الله وأحدهم ينظر في ساعته أو يعدل ثوبه أو يلقم إصبعه أنفه ويرمى ببصره يمينا وشمالا وإلى السماء ولا يخشى أن يخطف بصره وأن يختلس الشيطان من صلاته.(13/66)
[الْجَوَابُ]
[الْجَوَابُ]
[الْجَوَابُ]
(13/67)
سبق المأموم إمامه في الصلاة عمدا:
الإنسان من طبعه العجلة (وكان الإنسان عجولا) الإسراء/11، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (التأني من الله والعجلة من الشيطان) رواه البيهقي في السنن الكبرى 10/104 وهو في السلسلة 1795. وكثيرا ما يلاحظ المرء وهو في الجماعة عددا من المصلين عن يمينه أو شماله بل ربما يلاحظ ذلك على نفسه أحيانا مسابقة الإمام بالركوع أو السجود وفي تكبيرات الانتقال عموما وحتى في السلام من الصلاة وهذا العمل الذي لا يبدو ذا أهمية عند الكثيرين قد جاء فيه الوعيد الشديد عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار " رواه مسلم 1/320-321.
وإذا كان المصلي مطالبا بالإتيان إلى الصلاة بالسكينة والوقار فكيف بالصلاة ذاتها وقد تختلط عند بعض الناس مسابقة الإمام بالتخلف عنه فليعلم أن الفقهاء رحمهم الله قد ذكروا ضابطا حسنا في هذا وهو أنه ينبغي على المأموم الشروع في الحركة حين تنقطع تكبيرة الإمام فإذا انتهى من (راء) الله أكبر يشرع المأموم في الحركة لا يتقدم عن ذلك ولا يتأخر وبذلك ينضبط الأمر وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم في غاية الحرص على عدم استباق النبي صلى الله عليه وسلم فيقول أحدهم وهو البراء بن عازب رضي الله عنه إنهم كانوا يصلون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رفع رأسه من الركوع لم أر أحدا يحني ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض ثم يخر من وراءه سجدا) رواه مسلم رقم 474 ط. عبد الباقي.
ولما كبر النبي صلى الله عليه وسلم وصار في حركته نوع من البطء نبه المصلين خلفه فقال (يا أيها الناس إني قد بدنت فلا تسبقوني بالركوع والسجود..) رواه البيهقي 2/93 وحسنه في إرواء الغليل 2/ 290، وعلى الإمام أن يعمل بالسنة في التكبير إذا صلى وهو ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع.. ثم يكبر حين يهوي ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس) رواه البخاري رقم 756 ط. البغا، فإذا جعل الإمام تكبيره مرافقا ومقترنا بحركته وحرص المأموم على الالتزام بالكيفية السابق ذكرها صلح أمر الجماعة في صلاتهم.(13/68)
إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو ما له رائحة كريهة: -
قال الله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتك عند كل مسجد ... ) الأعراف/31
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو قال: فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته " رواه البخاري انظر الفتح 2/339، وفي رواية لمسلم " من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم " رواه مسلم رواه 1/395. وخطب عمر بن الخطاب الناس يوم الجمعة فقال في خطبته: " ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين: هذا البصل والثوم لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلها فليمتهما طبخا " رواه مسلم 1/396.
ويدخل في هذا الباب الذين يدخلون المساجد بعد أعمالهم مباشرة والروائح الكريهة تنبعث من آباطهم وجواربهم.
وأسوأ من هذا المدخنون الذين يتعاطون التدخين المحرم ثم يدخلون المساجد يؤذون عباد الله من الملائكة والمصلين.(13/69)
الزنا:
لما كان من مقاصد الشريعة حفظ العرض وحفظ النسل جاء فيها تحريم الزنا قال الله تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) الإسراء/32، بل وسدت الشريعة جميع الذرائع والطرق الموصلة إليه بالأمر بالحجاب وغض البصر وتحريم الخلوة بالأجنبية وغير ذلك.
والزاني المحصن يعاقب بأشنع عقوبة وأشدها وهي رجمه بالحجارة حتى يموت ليذوق وبال أمره وليتألم كل جزء من جسده كما استمتع به في الحرام والزاني الذي لم يسبق له الوطء في نكاح صحيح يجلد بأكثر عدد في الجلد ورد في الحدود الشرعية وهو مائة جلدة مع ما يحصل له من الفضيحة بشهادة طائفة من المؤمنين لعذابه والخزي بإبعاده عن بلده وتغريبه عن مكان الجريمة عاما كاملا.
وعذاب الزناة والزواني في البرزخ أنهم يكونون في تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار يكونون فيه عراة فإذا أوقدت عليهم النار صاحوا وارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا فإذا أخمدت رجعوا فيها وهكذا يفعل بهم إلى قيام الساعة.
ويزداد الأمر قبحا إذا كان الرجل مستمرا في الزنا مع تقدمه في السن وقربه من القبر وإمهال الله له فعن أبي هريرة مرفوعا: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر " رواه مسلم 1/102-103. ومن شر المكاسب مهر البغي وهو ما تأخذه مقابل الزنا، والزانية التي تسعى بفرجها محرومة من إجابة الدعوة عندما تفتح أبواب السماء في نصف الليل [الحديث في صحيح الجامع 2971، وليست الحاجة والفقر عذرا شرعيا مطلقا لانتهاك حدود الله وقديما قالوا تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها فكيف بفرجها.
وفي عصرنا فتح كل باب إلى الفاحشة وسهل الشيطان الطريق بمكره ومكر أوليائه واتبعه العصاة والفجرة ففشا التبرج والسفور وعم انفلات البصر والنظر المحرم وانتشر الاختلاط وراجت مجلات الخنا وأفلام الفحش وكثر السفر إلى بلاد الفجور وقام سوق تجارة الدعارة وكثر انتهاك الأعراض وازداد عدد أولاد الحرام وحالات قتل الأجنة فنسألك اللهم رحمتك ولطفك وسترك وعصمة من عندك تعصمنا بها من الفواحش ونسألك أن تطهر قلوبنا وتحصن فروجنا وأن تجعل بيننا وبين الحرام برزخا وحجرا محجورا.(13/70)
اللواط:-
كانت جريمة قوم لوط هي إتيان الذكران من الناس قال الله تعالى: (ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين. أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر) العنكبوت/29.
ولشناعة هذه الجريمة وقبحها وخطورتها عاقب الله مرتكبيها بأربعة أنواع من العقوبات لم يجمعها على قوم غيرهم وهي أنه طمس أعينهم وجعل عاليها سافلها وأمطرهم بحجارة من سجيل منضود وأرسل عليهم الصيحة
وفي هذه الشريعة صار القتل بالسيف ـ على الراجح ـ هو عقوبة الفاعل والمفعول به إذا كان عن رضا واختيار فعن ابن عباس مرفوعا: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به " رواه الإمام أحمد 1/300 وهو في صحيح الجامع 6565.
وما ظهر في زماننا من الطواعين وأنواع الأمراض التي لم تكن في أسلافنا الذين مضوا بسبب الفاحشة كمرض الإيدز القاتل يدل على شئ من حكمة الشارع في تعيين هذه العقوبة البليغة.(13/71)
امتناع المرأة من فراش زوجها بغير عذر شرعي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح " رواه البخاري انظر الفتح 6/314.
وكثير من النساء إذا صار بينها وبين زوجها خلاف تعاقبه - بظنها - بمنعه حقه في الفراش وقد يترتب على هذا مفاسد عظيمة منها وقوع الزوج في الحرام وقد تنعكس عليها الأمور فيفكر جادا في الزواج عليها
فعلى الزوجة أن تسارع بإجابة زوجها إذا طلبها امتثالا لقوله عليه الصلاة والسلام: " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلتجب وإن كانت على ظهر قتب " انظر زوائد البزار 2/181 وهو في صحيح الجامع 547 والقتب ما يوضع على ظهر الجمل للركوب. وعلى الزوج أن يراعي زوجته إذا كانت مريضة أو حاملا أو مكروبة حتى يدوم الوفاق ولا يقع الشقاق.(13/72)
طلب المرأة الطلاق من زوجها لغير سبب شرعي:-
تسارع كثير من النساء إلى طلب الطلاق من أزواجهن عند حصول أدنى خلاف أو تطالب الزوجة بالطلاق إذا لم يعطها الزوج ما تريد من المال وقد تكون مدفوعة من قبل بعض أقاربها أو جاراتها من المفسدات وقد تتحدى زوجها بعبارات مثيرة للأعصاب كقولها إن كنت رجلا فطلقني ومن المعلوم أنه يترتب على الطلاق مفاسد عظيمة من تفكك الأسرة وتشرد الأولاد وقد تندم حين لا ينفع الندم ولهذا وغيره تظهر الحكمة في الشريعة لما جاءت بتحريم ذلك فعن ثوبان رضي الله عنه مرفوعا: " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " رواه أحمد 5/277 وهو في صحيح الجامع 2703. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: " إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات " رواه الطبراني في الكبير 17/339 وهو في صحيح الجامع 1934. أما لو قام سبب شرعي كترك الصلاة أو تعاطي المسكرات والمخدرات من قبل الزوج أو أنه يجبرها على أمر محرم أو يظلمها بتعذيبها أو بمنعها من حقوقها الشرعية مثلا ولم ينفع النصح ولم تجد محاولات الإصلاح فلا يكون على المرأة حينئذ من بأس إن هي طلبت الطلاق لتنجو بدينها ونفسها.(13/73)
الظهار:-
من ألفاظ الجاهلية الأولى المنتشرة في هذه الأمة الوقوع في الظهار كأن يقول الزوج لزوجته أنت علي كظهر أمي أو أنت حرام علي كحرمة أختي ونحو ذلك من الألفاظ الشنيعة التي استبشعتها الشريعة لما فيها من ظلم المرأة وقد وصف الله ذلك بقوله سبحانه {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} المجادلة/2
وجعلت الشريعة الكفارة في ذلك مغلظة مشابهة لكفارة قتل الخطأ ومماثلة لكفارة الجماع في نهار رمضان لا يجوز للمظاهر من زوجته أن يقربها إلا إذا أتى بالكفارة فقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} لمجادلة/3-4.(13/74)
وطء الزوجة في حيضها:-
قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} البقرة/222، فلا يحل له أن يأتيها حتى تغتسل بعد طهرها لقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} البقرة/222، ويدل على شناعة هذه المعصية قوله صلى الله عليه وسلم: " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد " رواه الترمذي عن أبي هريرة 1/243 وهو في صحيح الجامع 5918.
ومن فعل ذلك خطأ دون تعمد وهو لا يعلم فليس عليه شيء ومن فعله عامدا عالما فعليه الكفارة في قول بعض أهل العلم ممن صحح حديث الكفارة وهي دينار أو نصف دينار، قال بعضهم هو مخير فيهما وقال بعضهم إذا أتاها في أول حيضها في فورة الدم فعليه دينار وإن أتاها في آخر حيضها إذا خف الدم أو قبل اغتسالها من الحيض فعليه نصف دينار والدينار بالتقدير المتداول 25,4 غراما من الذهب يتصدق بها أو بقيمتها من الأوراق النقدية.(13/75)
إتيان المرأة في دبرها:
بعض الشاذين من ضعاف الإيمان لا يتورع عن إتيان زوجته في دبرها (في موضع خروج الغائط) وهذا من الكبائر وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل هذا فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: " ملعون من أتى امرأة في دبرها " رواه الإمام أحمد 2/479 وهو في صحيح الجامع 5865، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد " رواه الترمذي برقم 1/243 وهو في صحيح الجامع 5918. ورغم أن عددا من الزوجات من صاحبات الفطر السليمة يأبين ذلك إلا أن بعض الأزواج يهدد بالطلاق إذا لم تطعه، وبعضهم قد يخدع زوجته التي تستحي من سؤال أهل العلم فيوهمها بأن هذا العمل حلال وقد يستدل لها بقوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) البقرة/223، ومعلوم أن السنة تبين القرآن وقد جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه يجوز أن يأتيها كيف شاء من الأمام والخلف مادام في موضع الولد ولا يخفى أن الدبر ومكان الغائط ليس موضعا للولد. ومن أسباب هذه الجريمة الدخول إلى الحياة الزوجية النظيفة بموروثات جاهلية قذرة من ممارسات شاذة محرمة أو ذاكرة مليئة بلقطات من أفلام الفاحشة دون توبة إلى الله. ومن المعلوم أن هذا الفعل محرم حتى لو وافق الطرفان فإن التراضي على الحرام لا يصيره حلالا.(13/76)
عدم العدل بين الزوجات:-
مما وصانا الله به في كتابه العزيز العدل بين الزوجات قال الله تعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما) النساء/129، فالعدل المطلوب هو أن يعدل في المبيت وأن يقوم لكل واحدة بحقها في النفقة والكسوة وليس العدل في محبة القلب لأن العبد لا يملكها وبعض الناس إذا اجتمع عنده أكثر من زوجة ينحاز إلى واحدة ويهمل الأخرى فيبيت عند واحدة أكثر أو ينفق عليها ويذر الأخرى وهذا محرم وهو يأتي يوم القيامة بحال جاء وصفها عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " رواه أبو داود 2/601 وهو في صحيح الجامع 6491.(13/77)
الخلوة بالأجنبية:-
الشيطان حريص على فتنة الناس وإيقاعهم في الحرام ولذلك حذرنا الله سبحانه بقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر.. الآية) النور/21، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ومن سبل الشيطان في الإيقاع في الفاحشة الخلوة بالأجنبية ولذلك سدت الشريعة هذا الطريق كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان " رواه الترمذي 3/474 انظر مشكاة المصابيح 3118. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان " رواه مسلم 4/1711. فلا يجوز لرجل أن يختلي في بيت أو حجرة أو سيارة بامرأة أجنبية عنه كزوجة أخيه أو الخادمة أو مريضة مع طبيب ونحو ذلك وكثير من الناس يتساهلون في هذا إما ثقة بنفسه أو بغيره فيترتب على ذلك الوقوع في الفاحشة أو مقدماتها وتزداد مأساة اختلاط الأنساب وأولاد الحرام.(13/78)
مصافحة المرأة الأجنبية:
وهذا مما طغت فيه بعض الأعراف الاجتماعية على شريعة الله في المجتمع وعلا فيه باطل عادات الناس وتقاليدهم على حكم الله حتى لو خاطبت أحدهم بحكم الشرع وأقمت الحجة وبينت الدليل اتهمك بالرجعية والتعقيد وقطع الرحم والتشكيك في النوايا الحسنة ... الخ، وصارت مصافحة بنت العم وبنت العمة وبنت الخال وبنت الخالة وزوجة الأخ وزوجة العم وزوجة الخال أسهل في مجتمعنا من شرب الماء ولو نظروا بعين البصيرة في خطورة الأمر شرعا ما فعلوا ذلك. قال المصطفى صلى الله عليه وسلم " لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " رواه الطبراني 20/212 وهو في صحيح الجامع 4921. ولا شك أن هذا من زنا اليد كما قال صلى الله عليه وسلم " العينان تزنيان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان والفرج يزني " رواه الإمام أحمد 1/412 وهو في صحيح الجامع 4126، وهل هناك أطهر قلبا من محمد صلى الله عليه وسلم ومع ذلك قال " إني لا أصافح النساء" رواه الإمام أحمد 6/357 وهو في صحيح الجامع 2509، وقال أيضا " إني لا أمس أيدي النساء" رواه الطبراني في الكبير 24/342 وهو في صحيح الجامع 7054 وانظر الإصابة 4/354 ط. دار الكتاب العربي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام [رواه مسلم 3/1489] . ألا فليتق الله أناس يهددون زوجاتهم الصالحات بالطلاق إذا لم يصافحن إخوانهم.
وينبغي العلم بأن وضع حائل والمصافحة من وراء ثوب لا تغني شيئا فهو حرام في الحالين.(13/79)
تطيب المرأة عند خروجها ومرورها بعطرها على الرجال:
وهذا مما فشا في عصرنا رغم التحذير الشديد من النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " أيما امرأة استعطرت ثم مرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية " رواه الإمام أحمد 4/418 انظر صحيح الجامع 105. وعند بعض النساء غفلة أو استهانة يجعلها تتساهل بهذا الأمر عند السائق والبائع وبواب المدرسة، بل إن الشريعة شددت على من وضعت طيبا بأن تغتسل كغسل الجنابة إذا أرادت الخروج ولو إلى المسجد. قال صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد ليوجد ريحها لم يقبل منها صلاة حتى تغتسل اغتسالها من الجنابة " رواه الإمام أحمد 2/444 وانظر صحيح الجامع 2703. فإلى الله المشتكى من البخور والعود في الأعراس وحفلات النساء قبل خروجهن واستعمال هذه العطورات ذات الروائح النفاذة في الأسواق ووسائل النقل ومجتمعات الإختلاط وحتى في المساجد في ليالي رمضان وقد جاءت الشريعة بأن طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه نسأل الله أن لا يمقتنا وأن لا يؤاخذ الصالحين والصالحات بفعل السفهاء والسفيهات وأن يهدي الجميع إلى صراطه المستقيم.(13/80)
سفر المرأة بغير محرم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسية يوم إلا مع ذي محرم " رواه مسلم 2/977. وسفرها بغير محرم يغري الفساق بها فيتعرضون لها وهي ضعيفة فقد تنجرف وأقل أحوالها أن تؤذى في عرضها أو شرفها، وكذلك ركوبها بالطائرة ولو بمحرم يودع ومحرم يستقبل ـ بزعمهم ـ فمن الذي سيركب بجانبها في المقعد المجاور ولو حصل خلل فهبطت الطائرة في مطار آخر أو حدث تأخير واختلاف موعد فماذا يكون الحال والقصص كثيرة. هذا ويشترط في المحرم أربعة شروط وهي أن يكون مسلما بالغا عاقلا ذكرا.
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها " رواه مسلم 2/977.(13/81)
تعمد النظر إلى المرأة الأجنبية:
قال الله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) النور /30، وقال صلى الله عليه وسلم " ... فزنا العين النظر ... " (أي إلى ما حرم الله) رواه البخاري انظر فتح الباري 11/26. ويستثنى من ذلك ما كان لحاجة شرعية كنظر الخاطب والطبيب. ويحرم كذلك على المرأة أن تنظر إلى الرجل الأجنبي نظر فتنة قال تعالى (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) ويحرم كذلك النظر إلى الأمرد والحسن بشهوة، ويحرم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة وكل عورة لا يجوز النظر إليها لا يجوز مسها ولو من وراء حائل. ومن تلاعب الشيطان ببعضهم ما يفعلون من النظر إلى الصور في المجلات ومشاهدة الأفلام بحجة أنها ليست حقيقية وجانب المفسدة وإثارة الشهوات في هذا واضح كل الوضوح.(13/82)
الدياثة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: " ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر والعاق والديوث الذي يقر في أهله الخبث " رواه الإمام أحمد 2/69 وهو في صحيح الجامع 3047.
ومن صور الدياثة في عصرنا الإغضاء عن البنت أو المرأة في البيت وهي تتصل بالرجل الأجنبي يحادثها وتحادثه بما يسمى بالمغازلات وأن يرضى بخلوة إحدى نساء بيته مع رجل أجنبي وكذا ترك إحدى النساء من أهل البيت تركب بمفردها مع أجنبي كالسائق ونحوه وأن يرضى بخروجهن دون حجاب شرعي يتفرج عليهن الغادي والرائح وكذا جلب الأفلام أو المجلات التي تنشر الفساد والمجون وإدخالها البيت.(13/83)
التزوير في انتساب الولد لأبيه وجحد الرجل ولده:
لا يجوز شرعا لمسلم أن ينتسب إلى غير أبيه أو يلحق نفسه بقوم ليس منهم وبعض الناس يفعلون ذلك لمآرب مادية ويثبتون النسب المزور في الأوراق الرسمية وبعضهم قد يفعله حقدا على أبيه الذي تركه وهو في صغره وكل ذلك حرام ويترتب على ذلك مفاسد عظيمة في أبواب متعددة كالمحرمية والنكاح والميراث ونحو ذلك وقد جاء في الصحيح عن سعد وأبي بكرة رضي الله عنهما مرفوعا: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام " رواه البخاري انظر فتح الباري 8/45. ويحرم في الشريعة كل ما فيه عبث بالأنساب أو تزوير فيها وبعض الناس إذا فجر في خصومته مع زوجته اتهمها بالفاحشة وتبرأ من ولده دون بينة وهو قد جاء على فراشه وقد تخون بعض الزوجات الأمانة فتحمل من فاحشة وتدخل في نسب زوجها من ليس منه وقد جاء الوعيد العظيم على ذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما نزلت آية الملاعنة: " أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين " رواه أبو داود 2/695 انظر مشكاة المصابيح 3316.(13/84)
أكل الربا:
لم يؤذن الله في كتبه بحرب أحد إلا أهل الربا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} البقرة / 278-279، وهذا كاف في بيان شناعة هذه الجريمة عند الله عز وجل.
والناظر على مستوى الأفراد والدول يجد مدى الخراب والدمار الذي خلفه التعامل بالربا من الإفلاس والكساد والركود والعجز عن تسديد الديون وشلل الاقتصاد وارتفاع مستوى البطالة وانهيار الكثير من الشركات والمؤسسات وجعل ناتج الكدح اليومي وعرق العمل يصب في خانة تسديد الربا غير المتناهي للمرابي وإيجاد الطبقية في المجتمع من جعل الأموال الطائلة تتركز في أيدي قلة من الناس ولعل هذا شيء من صور الحرب التي توعد الله بها المتعاملين بالربا.
وكل من يشارك في الربا من الأطراف الأساسية والوسطاء والمعينين المساعدين ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فعن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه " وقال: " هم سواء " رواه مسلم 3/1219. وبناء عليه لا يجوز العمل في كتابة الربا ولا في تقييده وضبطه ولا في استلامه وتسليمه ولا في إيداعه ولا في حراسته وعلى وجه العموم تحرم المشاركة فيه والإعانة عليه بأي وجه من الوجوه.
ولقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تبيان قبح هذه الكبيرة فيما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: " الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم " رواه الحاكم في المستدرك /37 وهو في صحيح الجامع 3533. وبقوله فيما جاء عن عبد الله بن حنظلة رضي الله عنهما مرفوعا: " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية " رواه الإمام أحمد 5/225 انظر صحيح الجامع 3375. وتحريم الربا عام لم يخص بما كان بين غني وفقير كما يظنه بعض الناس بل هو عام في كل حال وشخص وكم من الأغنياء وكبار التجار قد أفلسوا بسببه والواقع يشهد بذلك وأقل ما فيه محق بركة المال وإن كان كثيرا في العدد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل " رواه الحاكم 2/37 وهو في صحيح الجامع 3542 ومعنى قل أي نقصان المال.
وليس الربا كذلك مخصوصا بما إذا كانت نسبته مرتفعة أو متدنية قليلة أم كثيرة فكله حرام صاحبه يبعث من قبره يوم القيامة يقوم كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس والصرع.
ومع فحش هذه الجريمة إلا أن الله أخبر عن التوبة منها وبين كيفية ذلك فقال تعالى لأهل الربا: (فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) وهذا عين العدل.
ويجب أن تنفر نفس المؤمن من هذه الكبيرة وأن تستشعر قبحها وحتى الذين يضعون أموالهم في البنوك الربوية اضطرارا وخوفا عليها من الضياع أو السرقة ينبغي عليهم أن يشعروا بشعور المضطر وأنهم كمن يأكل الميتة أو أشد مع استغفار الله تعالى والسعي لإيجاد البديل ما أمكن ولا يجوز لهم مطالبة البنوك بالربا بل إذا وضع لهم في حساباتهم تخلصوا منه في أي باب جائز تخلصا لا صدقة فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ولا يجوز لهم الاستفادة منه بأي نوع من الاستفادة لا بأكل ولا شرب ولا لبس ولا مركب ولامسكن ولا نفقة واجبة لزوجة أو ولد أو أب أو أم ولا في إخراج الزكاة ولا في تسديد الضرائب ولا يدفع بها ظلما عن نفسه وإنما يتخلص منها خوفا من بطش الله تعالى.(13/85)
كتم عيوب السلعة وإخفاؤها عند بيعها:
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال " ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول الله قال أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس منا " رواه مسلم 1/99، وكثير من الباعة اليوم ممن لا يخاف الله يحاول إخفاء العيب بوضع لاصق عليه أو جعله في أسفل صندوق البضاعة أو استعمال مواد كيميائية ونحوها تظهره بمظهر حسن أو تخفي صوت العيب الذي في المحرك في أول الأمر فإذا عاد المشتري بالسلعة لم تلبث أن تتلف من قريب وبعضهم يغي تاريخ انتهاء صلاحية السلعة أو يمنع المشتري من معاينة السلعة أو فحصها أو تجريبها وكثير ممن يبيعون السيارات والآلات لا يبينون عيوبها وهذا حرام. قال النبي صلى عليه وسلم " المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له " رواه ابن ماجة 2/754 وهو في صحيح الجامع 6705. وبعضهم يظن أنه يخلي مسئوليته إذا قال للمشترين في المزاد العلني.. أبيع كومة حديد.. كومة حديد، فهذا بيعه منزوع البركة كما قال صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ". رواه البخاري أنظر الفتح 4/328.(13/86)
بيع النجش:
وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليخدع غيره ويجره إلى الزيادة في السعر، قال صلى الله عليه وسلم "لا تناجشوا" رواه البخاري انظر فتح الباري 10/484، وهذا نوع من الخداع ولا شك وقد قال عليه الصلاة والسلام " المكر والخديعة في النار " انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 1057. وكثير من الدلالين في الحراج والمزادات ومعارض بيع السيارات كسبهم خبيث لمحرمات كثيرة يقترفونها منها تواطؤهم في بيع النجش والتغرير بالمشتري القادم وخداعه فيتواطؤن على خفض سعر سلعته أما لو كانت السلعة لهم أو لأحدهم فعلى العكس يندسون بين المشترين ويرفعون الأسعار في المزاد يخدعون عباد الله ويضرونهم.(13/87)
البيع بعد النداء الثاني يوم الجمعة: -
قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} الجمعة/9
وبعض الباعة يستمرون في البيع بعد النداء الثاني في دكاكينهم أو أمام المساجد ويشترك معهم في الإثم الذين يشترون منهم ولو سواكا وهذا البيع باطل على الراجح وبعض أصحاب المطاعم والمخابز والمصانع يجبرون عمالهم على العمل في وقت صلاة الجمعة وهؤلاء وإن زاد ربحهم في الظاهر فإنهم لا يزدادون إلا خسارا في الحقيقة، أما العامل فإنه لابد أن يعمل بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة لبشر في معصية الله ". رواه الإمام أحمد 1/129 وقال أحمد شاكر إسناده صحيح رقم 1065.(13/88)
[الْجَوَابُ]
[الْجَوَابُ]
[الْجَوَابُ]
(13/89)
القمار والميسر:-
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} المائدة/90.
وكان أهل الجاهلية يتعاطون الميسر ومن أشهر صوره عندهم أنهم كانوا يشتركون في بعير عشرة أشخاص بالتساوي ثم يَضرب بالقداح وهو نوع من القرعة فسبعة يأخذون بأنصبة متفاوتة معينة في عرفهم وثلاثة لا يأخذون شيئا.
وأما في زماننا فإن للميسر عدة صور منها:
ـ ما يعرف باليانصيب وله صور كثيرة ومن أبسطها شراء أرقام بمال يجري السحب عليها فالفائز الأول يعطى جائزة والثاني وهكذا في جوائز معدودة قد تتفاوت فهذا حرام ولو كانوا يسمونه بزعمهم خيريا.
ـ أن يشتري سلعة بداخلها شيء مجهول أو يعطى رقما عند شرائه للسلعة يجري عليه السحب لتحديد الفائزين بالجوائز.
ـ ومن صور الميسر في عصرنا عقود التأمين التجاري على الحياة والمركبات والبضائع وضد الحريق والتأمين الشامل وضد الغير إلى غير ذلك من الصور المختلفة حتى أن بعض المغنين يقومون بالتأمين عل أصواتهم.
هذا وجميع صور المقامرة تدخل في الميسر وقد وجد في زماننا أندية خاصة بالقمار وفيها ما يعرف بالطاولات الخضراء الخاصة لمقارفة هذا الذنب العظيم وكذلك ما يحدث في مراهنات سباق الخيول وغيرها من المباريات هو أيضا نوع من أنواع الميسر ويوجد في بعض محلات الألعاب ومراكز الترفيه أنواع من الألعاب المشتملة على فكرة الميسر كالتي يسمونها "الفليبرز" ومن صور المقامرة أيضا المسابقات التي تكون فيها الجوائز من طرفي المسابقة أو أطرافها كما نص على ذلك جماعة من أهل العلم.(13/90)
السرقة:
قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} المائدة / 38.
ومن أعظم جرائم السرقة سرقة حجاج وعمار بيت الله العتيق وهذا النوع من اللصوص لا يقيم وزنا لحدود الله في أفضل بقاع الأرض وحول بيت الله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة صلاة الكسوف: (لقد جئ بالنار وذلكم حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها، وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبه [أمعاءه] في النار، كان يسرق الحاج بمحجنه [عصا معقوفة الطرف] فإن فطن له قال: إنما تعلق بمحجني، وإن غفل عنه ذهب به..) رواه مسلم رقم 904.
ومن أعظم السرقات السرقة من الأموال العامة وبعض الذين يفعلونها يقولون نسرق كما يسرق غيرنا وما علموا أن تلك سرقة من جميع المسلمين لأن الأموال العامة ملك لجميع المسلمين وفعل الذين لا يخافون الله ليس بحجة تبرر تقليدهم وبعض الناس يسرق من أموال الكفار بحجة أنهم كفار وهذا غير صحيح فإن الكفار الذين يجوز سلب أموالهم هم المحاربون للمسلمين وليس جميع شركات الكفار وأفرادهم يدخلون في ذلك ومن وسائل السرقة مد الأيدي إلى جيوب الآخرين خلسة وبعضهم يدخل بيوت الآخرين زائرا ويسرق وبعضهم يسرق من حقائب ضيوفه وبعضهم يدخل المحلات التجارية ويخفي في جيوبه وثيابه سلعا أو ما تفعله بعض النساء من إخفائها تحت ثيابها وبعض الناس يستسهل سرقة الأشياء القليلة أو الرخيصة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده " رواه البخاري انظر فتح الباري 12/81. ويجب على كل من سرق شيئا أن يعيده إلى صاحبه بعد أن يتوب إلى الله عز وجل سواء أعاده علانية أو سرا شخصيا أو بواسطة فإن عجز عن الوصول إلى صاحب المال أو إلى ورثته من بعده مع الاجتهاد في البحث فإنه يتصدق به وينوي ثوابه لصاحبه.(13/91)
أخذ(13/92)
الرشوة(13/93)
وإعطاؤها:
إعطاء الرشوة للقاضي أو الحاكم بين الناس لإبطال حق أو تمشية باطل جريمة لأنها تؤدي إلى الجور في الحكم وظلم صاحب الحق وتفشي الفساد قال الله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة/ 188. وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: " لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم " رواه الإمام أحمد 2/387 وهو في صحيح الجامع 5069. أما ما وقع للتوصل لحق أو دفع ظلم لا يمكن إلا عن طريق الرشوة فلا يدخل في الوعيد.
وقد تفشت الرشوة في عصرنا تفشيا واسعا حتى صارت موردا أعظم من المرتبات عند بعض الموظفين بل صارت بندا في ميزانيات كثير من الشركات بعناوين مغلفة وصارت كثير من المعاملات لا تبدأ ولا تنتهي إلا بها وتضرر من ذلك الفقراء تضررا عظيما وفسدت كثير من الذمم بسببها وصارت سببا لإفساد العمال على أصحاب العمل والخدمة الجيدة لا تقدم إلا لمن يدفع ومن لا يدفع فالخدمة له رديئة أو يؤخر ويهمل وأصحاب الرشاوي الذين جاءوا من بعده قد انتهوا قبله بزمن وبسبب الرشوة دخلت أموال هي من حق أصحا العمل في جيوب مندوبي المبيعات والمشتريات ولهذا وغيره فلا عجب أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم على الشركاء في هذه الجريمة والأطراف فيها أن يطردهم الله من رحمته فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعنة الله على الراشي والمرتشي " رواه ابن ماجة 2313 وهو في صحيح الجامع 5114.(13/94)
غصب الأرض:-
إذا انعدم الخوف من الله صارت القوة والحيلة وبالا على صاحبها يستخدمها في الظلم كوضع اليد والاستيلاء على أموال الآخرين ومن ذلك غصب الأراضي وعقوبة ذلك في غاية الشدة فعن عبد الله بن عمر مرفوعا:" من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين " رواه البخاري انظر الفتح 5/103.
وعن يعلى بن مرة رضي الله عنه مرفوعا: " أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره (في الطبراني: يحضره) حتى آخر سبع أرضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى بين الناس " رواه الطبراني في الكبير 22/270 وهو في صحيح الجامع 2719.
ويدخل في ذلك تغيير علامات الأراضي وحدودها فيوسع أرضه على حساب جاره وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله من غير منار الأرض " رواه مسلم بشرح النووي 13/141.(13/95)
قبول الهدية بسبب الشفاعة:-
الجاه والمكانة بين الناس من نعم الله على العبد إذا شكرها ومن شكر هذه النعمة أن يبذلها صاحبها لنفع المسلمين وهذا يدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل " رواه مسلم 4/1726. ومن نفع بجاهه أخاه المسلم في دفع ظلم عنه أو جلب خير إليه دون ارتكاب محرم أو اعتداء على حق أحد فهو مأجور عند الله عز وجل إذا خلصت نيته كما أخبر عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " اشفعوا تؤجروا " رواه أبو داود 5132 والحديث في الصحيحين فتح الباري 10/450 كتاب الأدب باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا.
ولا يجوز أخذ مقابل على هذه الشفاعة والواسطة والدليل ما جاء عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا: " من شفع لأحد شفاعة، فأهدى له هدية (عليها) فقبلها (منه) فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا ". رواه الإمام أحمد 5/261 وهو في صحيح الجامع 6292.
ومن الناس يعرض بذل جاهه ووساطته مقابل مبلغ مالي يشترطه لتعيين شخص في وظيفة أو نقل آخر من دائرة أو من منطقة إلى أخرى أو علاج مريض ونحو ذلك والراجح أن هذا المقابل محرم لحديث أبي أمامة المتقدم آنفا بل إن ظاهر الحديث يشمل الأخذ ولو بدون شرط مسبق [من إفادات الشيخ عبد العزيز بن باز مشافهة] وحسب فاعل الخير الأجر من الله يجده يوم القيامة. جاء رجل إلى الحسن بن سهل يستشفع به في حاجة فقضاها فأقبل الرجل يشكره فقال له الحسن بن سهل علام تشكرنا ونحن نرى أن للجاه زكاة كما أن للمال زكاة؟ الآداب الشرعية لابن مفلح 2/176.
ومما يحسن الإشارة إليه هنا الفرق بين استئجار شخص لإنجاز معاملة ومتابعتها وملاحقتها مقابل أجرة فيكون هذا من باب الإجارة الجائزة بالشروط الشرعية وبين أن يبذل جاهه ووساطته فيشفع مقابل مال فهذا من المحظور.(13/96)
[الْجَوَابُ]
[الْجَوَابُ]
[الْجَوَابُ]
(13/97)
استيفاء العمل من الأجير وعدم إيفائه أجره:-
لقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في سرعة إعطاء الأجير حقه فقال: " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " رواه ابن ماجة 2/817 وهو في صحيح الجامع 1493.
ومن أنواع الظلم الحاصل في مجتمعات المسلمين عدم إعطاء العمال والأجراء والموظفين حقوقهم ولهذا عدة صور منها:
- أن يجحده حقه بالكلية ولا يكون للأجير بينة فهذا وإن ضاع حقه في الدنيا فإنه لا يضيع عند الله يوم القيامة فإن الظالم يأتي وقد أكل مال المظلوم فيعطى المظلوم من حسنات الظالم فإن فنيت أخذ من سيئات المظلوم فطرحت على الظالم ثم طرح في النار.
- أن يبخسه فيه فلا يعطيه إياه كاملا وينقص منه دون حق وقد قال الله تعالى: (ويل للمطففين) المطففين/1، ومن أمثلة ذلك ما يفعله بعض أرباب العمل إذا استقدم عمالا من بلدهم وكان قد عقد معهم عقدا على أجر معين فإذا ارتبطوا به وباشروا العمل عمد إلى عقود العمل فغيرها بأجور أقل فيقيمون على كراهية وقد لا يستطيعون إثبات حقهم فيشكون أمرهم إلى الله، وإن كان رب العمل الظالم مسلما والعامل كافرا كان ذلك البخس من الصد عن سبيل الله فيبوء بإثمه.
- أن يزيد عليه أعمالا إضافية أو يطيل مدة الدوام ولا يعطيه إلا الأجرة الأساسية ويمنعه أجرة العمل الإضافي.
- أن يماطل فيه فلا يدفعه إليه إلا بعد جهد جهيد وملاحقة وشكاوى ومحاكم وقد يكون غرض رب العمل من التأخير إملال العامل حتى يترك حقه ويكف عن المطالبة أو يقصد الاستفادة من أموال العمال بتوظيفها وبعضهم يرابي فيها والعامل المسكين لا يجد قوت يومه ولا ما يرسله نفقة لأهله وأولاده المحتاجين الذين تغرب من أجلهم. فويل لهؤلاء الظلمة من عذاب يوم أليم روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره " رواه البخاري انظر فتح الباري 4/447.(13/98)
عدم العدل في العطية بين الأولاد:
يعمد بعض الناس إلى تخصيص بعض أولادهم بهبات وأعطيات دون الآخرين وهذا على الراجح عمل محرم إذا لم يكن له مسوغ شرعي كأن تقوم حاجة بأحد الأولاد لم تقم بالآخرين كمرض أو دين عليه أو مكافأة له على حفظه للقرآن مثلا أو أنه لا يجد عملا أو صاحب أسرة كبيرة أو طالب علم متفرغ ونحو ذلك وعلى الوالد أن ينوي إذا أعطى أحدا من أولاده لسبب شرعي أنه لو قام بولد آخر مثل حاجة الذي أعطاه أنه سيعطيه كما أعطى الأول. والدليل العام قوله تعالى (اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله) والدليل الخاص ما جاء عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " إني نحلت ابني هذا غلاما (أي وهبته عبدا كان عندي) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ولدك نحلته مثله؟ فقال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرجعه " رواه البخاري انظر الفتح 5/211، وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " قال فرجع فرد عطيته الفتح 5/211، وفي رواية " فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور " صحيح مسلم 3/1243. ويعطى الذكر مثل حظ الأنثيين كالميراث وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله [مسائل الإمام أحمد لأبي داود 204 وقد حقق الإمام ابن القيم في حاشيته على أبي داود المسألة تحقيقا بينا] . والناظر في أحوال بعض الأسر يجد من الآباء من لا يخاف الله في تفضيل بعض أولاده بأعطيات فيوغر صدور بعضهم على بعض ويزرع بينهم العداوة والبغضاء. وقد يعطي واحدا لأنه يشبه أعمامه ويحرم الآخر لأنه فيه شبها من أخواله أو يعطي أولاد إحدى زوجتيه مالا يعطي أولاد الأخرى وربما أدخل أولاد إحداهما مدارس خاصة دون أولاد الأخرى وهذا سيرتد عليه فإن المحروم في كثير من الأحيان لا يبر بأبيه مستقبلا وقد قال عليه الصلاة والسلام لمن فاضل بين أولاده في العطية " ... أليس يسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ... ". رواه الإمام أحمد 4/269 وهو في صحيح مسلم رقم 1623(13/99)
سؤال الناس المال من غير حاجة:
عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم قالوا وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة قال قدر ما يغديه ويعشيه" رواه أبو داود 2/281 وهو ي صحيح الجامع 6280، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خدوشا أو كدوشا في وجهه " رواه الإمام أحمد 1/388 انظر صحيح الجامع 6255. وبعض الشحاذين يقفون في المساجد أمام خلق الله يقطعون التسبيح بشكاياتهم وبعضهم يكذبون ويزورون أوراقا ويختلقون قصصا وقد يوزعون أفراد الأسرة على المساجد ثم يجمعونهم وينتقلون من مسجد لآخر وهم في حالة من الغنى لا يعلمها إلا الله فإذا ماتوا ظهرت التركة. وغيرهم من المحتاجين الحقيقيين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا ولا يفطن لهم فيتصدق عليهم.(13/100)
الاستدانة بدين لا يريد وفاءه
حقوق العباد عند الله عظيمة وقد يخرج الشخص من حق الله بالتوبة ولكن حقوق العباد لا مناص من أدائها قبل أن يأتي يوم لا يتقاضى فيه بالدينار ولا بالدرهم ولكن بالحسنات والسيئات والله سبحانه وتعالى يقول: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) النساء /58، ومن الأمور المتفشية في المجتمع التساهل في الاستدانة وبعض الناس لا يستدين للحاجة الماسة وإنما يستدين رغبة في التوسع ومجاراة الآخرين في تجديد المركب والأثاث ونحو ذلك من المتاع الفاني والحطام الزائل وكثيرا ما يدخل هؤلاء في متاهات بيوع التقسيط التي لا يخلو كثير منها من الشبهة أو الحرام.
والتساهل في الاستدانة يقود إلى المماطلة في التسديد أو يؤدي إلى إضاعة أموال الآخرين وإتلافها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم محذرا من عاقبة هذا العمل: " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله " رواه البخاري انظر فتح الباري 5/54. والناس يتساهلون في أمر الدين كثيرا ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، بل إن الشهيد مع ماله من المزايا العظيمة والأجر الجزيل والمرتبة العالية لا يسلم من تبعة الدين ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " سبحان الله ماذا أنزل الله من التشديد في الدين والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه " رواه النسائي انظر المجتبى 7/314 وهو في صحيح الجامع 3594. فهل بعد هذا يرعوي هؤلاء المتساهلون المفرطون؟!(13/101)
أكل الحرام:
من لا يخاف الله لا يبالي من أين اكتسب المال وفيم أنفقه بل يكون همه زيادة رصيده ولو كان سحتا وحراما من سرقة أو رشوة أو غصب أو تزوير أو بيع محرم أو مراباة أو أكل مال يتيم أو أجرة على عمل محرم ككهانة وفاحشة وغناء أو اعتداء على بيت مال المسلمين والممتلكات العامة أو أخذ مال الغير بالإحراج أو سؤال بغير حاجة ونحو ذلك ثم هو يأكل منه ويلبس ويركب ويبني بيتا أو يستأجره ويؤثثه ويدخل الحرام بطنه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به ... " رواه الطبراني في الكبير 19/136 وهو في صحيح الجامع 4495. وسيسأل يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وهنالك الهلاك والخسار فعلى من بقي لديه مال حرام أن يسارع بالتخلص منه وإن كان حقا لآدمي فليسارع بإرجاعه إليه مع طلب السماح قبل أن يأتي يوم لا يتقاضى فيه بالدينار ولا بالدرهم ولكن بالحسنات والسيئات(13/102)
شرب الخمر ولو قطرة واحدة:
قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} المائدة/90، والأمر بالاجتناب هو من أقوى الدلائل على التحريم وقد قرن الخمر بالأنصاب وهي آلهة الكفار وأصنامهم فلم تبق حجة لمن يقول إنه لم يقل هو حرام وإنما قال فاجتنبوه!!
وقد جاء الوعيد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم لمن شرب الخمر فعن جابر مرفوعا: " ... إن على الله عز وجل عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال " قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: " عرق أهل النار أو عصارة أهل النار " رواه مسلم 3/1587. وعن ابن عباس مرفوعا: " من مات مدمن خمر لقي الله وهو كعابد وثن " رواه الطبراني 12/45 وهو في صحيح الجامع 6525.
وقد تنوعت أنواع الخمور والمسكرات في عصرنا تنوعا بالغا وتعددت أسماؤها عربية وأعجمية فأطلقوا عليها البيرة والجعة والكحول والعرق والفودكا والشمبانيا وغير ذلك وظهر في هذه الأمة الصنف الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله: " ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها " رواه الإمام أحمد 5/342 وهو في صحيح الجامع 5453. فهم يطلقون عليها مشروبات روحية بدلا من الخمر تمويها وخداعا (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) .
وقد جاءت الشريعة بالضابط العظيم الذي يحسم الأمر ويقطع دابر فتنة التلاعب وهو ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام " رواه مسلم 3/1587. فكل ما خالط العقل وأسكره فهو حرام قليله وكثيره [حديث " ما أسكر كثيره فقليله حرام " قد رواه أبو داود رقم 3681 وهو في صحيح أبي داود رقم 3128] ومهما تعددت الأسماء واختلفت فالمسمى واحد والحكم معلوم.
وأخيرا فهذه موعظة من النبي صلى الله عليه وسلم لشراب الخمور، قال عليه الصلاة والسلام: " من شرب الخمر وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا وإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه وإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة قالوا يا رسول الله وما ردغة الخبال قال: عصارة أهل النار. رواه ابن ماجة رقم 3377 وهو في صحيح الجامع 6313.(13/103)
استعمال آنية الذهب والفضة والأكل والشرب فيها:
لا يكاد يخلو محل من محلات الأدوات المنزلية اليوم من الأواني الذهبية والفضية أو المطلية بالذهب والفضة وكذلك بيوت الأثرياء وعدد من الفنادق بل صار هذا النوع من الأواني من جملة الهدايا النفيسة التي يقدمها الناس بعضهم لبعض في المناسبات، وبعض الناس قد لا يضعها في بيته ولكنه يستعملها في بيوت الآخرين وولائمهم، وكل هذا من الأمور المحرمة في الشريعة وقد جاء الوعيد الشديد عن النبي صلى الله عليه وسلم في استعمال هذه الأواني فعن أم سلمة مرفوعا: " إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " رواه مسلم 3/1634. وهذا الحكم يشمل كل ما هو من الآنية وأدوات الطعام كالصحون والشوك والملاعق والسكاكين وأواني تقديم الضيافة وعلب الحلويات المقدمة في الأعراس ونحوها.
وبعض الناس يقولون نحن لا نستعملها ولكن نضعها على رفوف خلف الزجاج للزينة، وهذا لا يجوز أيضا سدا لذريعة استخدامها [من إفادات الشيخ عبد العزيز بن باز مشافهة] .(13/104)
شهادة الزور:
قال الله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} الحج/30-31، وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنهما عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" ألا أنبئكم بأكبر الكبائر " ثلاثا " الإشراك بالله وعقوق الوالدين ـ وجلس وكان متكئا ـ فقال: ألا وقول الزور قال فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت " رواه البخاري انظر الفتح 5/261.
وتكرار التحذير من شهادة الزور هنا لتساهل الناس بها وكثرة الدواعي إليها من العداوة والحسد ولما يترتب عليها من المفاسد الكثيرة فكم ضاع من الحقوق بشهادة الزور وكم وقع من ظلم على أبرياء بسببها أو حصل أناس على مالا يستحقون أو أعطوا نسبا ليس بنسبهم بناء عليها.
ومن التساهل فيها ما يفعله بعض الناس في المحاكم من قوله لشخص يقابله هناك اشهد لي وأشهد لك فيشهد له في أمر يحتاج إلى علم بالحقيقة والحال كأن يشهد له بملكية أرض أو بيت أو تزكية وهو لم يقابله إلا على باب المحكمة أو في الدهليز وهذا كذب وزور فينبغي أن تكون الشهادة كما ورد في كتاب الله: (وما شهدنا إلا بما علمنا) يوسف / 81.(13/105)
سماع المعازف والموسيقى:
كان ابن مسعود رضي الله عنه يقسم بالله أن المراد بقوله تعالى (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) هو الغناء [تفسير ابن كثير 6/333] وعن أبي عامر وأبي مالك الأشعري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ... " رواه البخاري انظر الفتح 10/51. وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا: " ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف " انظر السلسلة الصحيحة 2203 وعزاه إلى ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والحديث رواه الترمذي رقم 2212.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكوبة وهي الطبل ووصف المزمار بأنه صوت أحمق فاجر وقد نص العلماء المتقدمون كالإمام أحمد رحمه الله على تحريم آلات اللهو والعزف كالعود والطنبور والشبابة والرباب والصنج ولا شك أن آلات اللهو والعزف الحديثة تدخل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن المعازف وذلك كالكمنجة والقانون والأورج والبيانو والغيتار وغيرها بل إنها في الطرب والنشوة والتأثير أكبر بكثير من الآلات القديمة التي ورد تحريمها في بعض الأحاديث بل إن نشوة الموسيقى وسكرها أعظم من سكر الخمر كما ذكر أهل العلم كابن القيم وغيره ولاشك أن التحريم يشتد والذنب يعظم إذا رافق الموسيقى غناء وأصوات كأصوات القينات وهن المغنيات والمطربات وتتفاقم المصيبة عندما تكون كلمات الأغاني عشقا وحبا وغراما ووصفا للمحاسن ولذلك ذكر العلماء أن الغناء بريد الزنا وأنه ينبت النفاق في القلب وعلى وجه العموم صار موضوع الأغاني والموسيقى من أعظم الفتن في هذا الزمان.
ومما زاد البلاء في عصرنا دخول الموسيقى في أشياء كثيرة كالساعات والأجراس وألعاب الأطفال والكمبيوتر وبعض أجهزة الهاتف فصار تحاشي ذلك أمرا يحتاج إلى عزيمة والله المستعان.(13/106)
الغيبة:
صارت فاكهة كثير من المجالس غيبة المسلمين والولوغ في أعراضهم وهو أمر قد نهى الله عنه ونفر عباده منه ومثله بصورة كريهة تتقزز منها النفوس فقال عز وجل: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) الحجرات/12.
وقد بين معناها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته " رواه مسلم 4/2001.
فالغيبة ذكرك للمسلم بما فيه مما يكرهه سواء كان في بدنه أو دينه أو دنياه أو نفسه أو أخلاقه أو خلقته ولها صور متعددة منها أن يذكر عيوبه أو يحاكي تصرفا له على سبيل التهكم
والناس يتساهلون في أمر الغيبة مع شناعتها وقبحها عند الله ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه " السلسلة الصحيحة 1871.
ويجب على من كان حاضرا في المجلس أن ينهى عن المنكر ويدافع عن أخيه المغتاب وقد رغب في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة " رواه أحمد 6/450 وهو في صحيح الجامع 6238.(13/107)
النميمة:-
لا يزال نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم من أعظم أسباب قطع الروابط وإيقاد نيران الحقد والعداوة بين الناس وقد ذم الله تعالى صاحب هذا الفعل فقال عز وجل: (ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم) القلم/11.
وعن حذيفة مرفوعا: " لا يدخل الجنة قتات " رواه البخاري انظر الفتح 10/472 وفي النهاية لابن الأثير 4/11: وقيل القتات الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينم.
وعن ابن عباس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط [بستان] من حيطان المدينة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يعذبان، وما يعذبان في كبير - ثم قال - بلى [وفي رواية: وإنه لكبير] كان أحدهما لا يستتر من بوله وكان الآخر يمشي بالنميمة ... " رواه البخاري انظر فتح الباري 1/317.
ومن الصور السيئة لهذا العمل تخبيب الزوج على زوجته والعكس وهو السعي في إفساد العلاقة بينهما وكذلك قيام بعض الموظفين في نقل كلام الآخرين للمدير أو المسؤول في نوع من الوشاية للإيقاع وإلحاق الضرر وهذا كله من المحرمات.(13/108)
الاطلاع على بيوت الناس دون إذن:
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} النور/27، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم موضحا أن العلة في الاستئذان هي مخافة الإطلاع على عورات أصحاب البيوت: " إنما جعل الاستئذان من اجل البصر" رواه البخاري انظر فتح الباري 11/24. واليوم مع تقارب المباني وتلاصق العمارات وتقابل النوافذ والأبواب صار احتمال كشف الجيران بعضهم بعضا كبيرا وكثيرون لا يغضون أبصارهم وربما تعمد بعض من في الأعلى الإطلاع من نوافذهم وأسطحهم على البيوت المجاورة أسفل منهم، وهذه خيانة وانتهاك لحرمة الجيران ووسيلة إلى الحرام، وحصل بسبب ذلك الكثير من البلاء والفتنة ويكفي دليلا على خطورة الأمر إهدار الشريعة لعين المتجسس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه " رواه مسلم 3/1699، وفي رواية " ففقئوا عينه فلا دية له ولا قصاص " [رواه الإمام أحمد 2/385 وهو في صحيح الجامع 6022.(13/109)
تناجي اثنين دون الثالث:
وهذه من آفات المجالس ومن خطوات الشيطان ليفرق بين المسلمين ويوغر صدور بعضهم على بعض وقد قال عليه الصلاة والسلام مبينا الحكم والعلة " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس أجل (أي من أجل كما ورد في بعض الروايات) أن ذلك يحزنه " رواه البخاري انظر فتح الباري 11/83، ويدخل في ذلك تناجي ثلاثة دون الرابع وهكذا وكذلك أن يتكلم المتناجيان بلغة لا يفهمها الثالث ولا شك أن التناجي فيه نوع من التحقير للثالث أو إيهامه أنهما يريدان به شرا ونحو ذلك.(13/110)
الإسبال في الثياب:
مما يحسبه الناس هينا وهو عند الله عظيم الإسبال وهو إطالة اللباس أسفل من الكعبين وبعضهم يمس لباسه الأرض وبعضهم يسحبه خلفه
عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا:" ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل (وفي رواية: إزاره) والمنان (وفي رواية: الذي لا يعطي شيئا إلا منه) والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " رواه مسلم 1/102.
والذي يقول إن إسبالي لثوبي ليس كبرا فهو يزكي نفسه تزكية غير مقبولة والوعيد للمسبل عام سواء قصد الكبر أم لم يقصده كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار " رواه الإمام أحمد 6/254 وهو في صحيح الجامع 5571. فإذا أسبل خيلاء صارت عقوبته أشد وأعظم وهي ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " رواه البخاري رقم 3465 ط. البغا، وذلك لأنه جمع بين محرمين والإسبال محرم في كل لباس كما يدل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: " الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " رواه أبو داود 4/353 وهو في صحيح الجامع 2770. والمرأة يسمح لها أن ترخي شبرا أو شبرين لستر قدميها احتياطا لما يخشى من الانكشاف بسبب ريح ونحوها ولكن لا يجوز لها مجاوزة الحد كما في بعض ثياب العرائس التي تمتد أشبارا وأمتارا وربما حمل وراءها.(13/111)
تحلي الرجال بالذهب على أي صورة كانت
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعا: " أحل لإناث أمتي الحرير والذهب وحرم على ذكورها " رواه الإمام أحمد 4/393 انظر صحيح الجامع 207.
وفي الأسواق اليوم عدد من المصنوعات المصممة للرجال من الساعات والنظارات والأزرار والأقلام والسلاسل وما يسمونه بالميداليات بعيارات الذهب المختلفة أو مما هو مطلي بالذهب طلاء كاملا ومن المنكرات ما يعلن في جوائز بعض المسابقات: ساعة ذهب رجالي!!
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه، فطرحه، فقال: " يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده؟! " فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ خاتمك انتفع به قال: لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم 3/1655.(13/112)
لبس القصير والرقيق والضيق من الثياب للنساء:-
كان مما غزانا به أعداؤنا في هذا الزمان هذه الأزياء والموضات التي وضعوا أشكالها وتفصيلها وراجت بين المسلمين وهي لا تستر العورة لقصرها أو شفافيتها أو ضيقها وكثير منها لا يجوز لبسه حتى بين النساء وأمام المحارم وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ظهور هذه الأنواع من الألبسة على نساء آخر الزمان كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: " صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " رواه مسلم 3/ 1680 والبخت هي الجمال طوال الأعناق. ويدخل في هذا الألبسة التي تلبسها بعض النساء تكون ذات فتحة طويلة من الأسفل أو مشقوقة من عدة جهات فإذا جلست ظهر من عورتها ما ظهر مع ما في ذلك من التشبه بالكفار واتباعهم في الموضات وما استحدثوه من الأزياء الفاضحة نسأل الله السلامة. ومن الأمور الخطيرة كذلك ما يوجد على بعض الملابس من الصور السيئة كصور المغنين والفرق الموسيقية وقوارير الخمر وصور ذوات الأرواح المحرمة شرعا أو الصلبان أو شعارات الأندية والجمعيات الخبيثة أو العبارات الرديئة المخلة بالشرف والعفة والتي كثيرا ما تكون مكتوبة بلغات أجنبية(13/113)
وصل الشعر بشعر مستعار لآدمي أو لغيره للرجال والنساء:-
عن أسماء بنت أبي بكر قالت جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن لي ابنة عريسا أصابتها حصبة فتمرق (أي تساقط) شعرها أفأصله فقال: " لعن الله الواصلة والمستوصلة " رواه مسلم 3/1676. وعن جابر بن عبد الله قال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئا " رواه مسلم 3/1679.
ومن أمثلة هذا ما يعرف في عصرنا بالباروكة ومن الواصلات في عصرنا " الكوافيرات " وما تزخر به صالاتهن من المنكرات
ومن أمثلة هذا المحرم أيضا لبس الشعر المستعار كما يفعله بعض من لا خلاق لهم من الممثلين والممثلات في التمثيليات والمسرحيات.(13/114)
تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال في اللباس أو الكلام أو اليئة:
من الفطرة أن يحافظ الرجل على رجولته التي خلقه الله عليها وأن تحافظ المرأة على أنوثتها التي خلقها الله عليها وهذا من الأسباب التي لا تستقيم حياة الناس إلا بها وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال هو مخالفة للفطرة وفتح لأبواب الفساد وإشاعة للانحلال في المجتمع وحكم هذا العمل شرعا هو التحريم وإذا ورد في نص شرعي لعن من يقوم بعمل فإن ذلك يدل على تحريمه وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: " لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال " رواه البخاري انظر الفتح 10/332، وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: " لعن رسول الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء " رواه البخاري الفتح 10/333. والتشبه قد يكون بالحركات والسكنات والمشية كالانخناث في الأجسام والتأنث في الكلام والمشي.
وكذلك لا يجوز تشبه كل من الجنسين بالآخر في اللباس ولا فيما هو من خصائصه فلا يجوز للرجل أن يلبس القلائد ولا الأساور ولا الخلاخل ولا الأقراط ونحوها كما هو منتشر عند أصناف الهبيين والخنافس ونحوهم وكذلك لا يجوز للمرأة أن تلبس ما اختص الرجل بلبسه من ثوب أو قميص ونحوه بل يجب أن تخالفه في الهيئة والتفصيل واللون، والدليل على وجوب مخالفة كل من الجنسين للآخر في اللباس ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: " لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل " رواه أبو داود 4/355 وهو في صحيح الجامع 5071.(13/115)
صبغ الشعر بالسواد:
والصحيح أنه محرم للوعيد المذكور في قوله عليه الصلاة والسلام " يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة " رواه أبو داود 4/419 وهو في صحيح الجامع 8153. وهذا عمل منتشر بين كثير ممن ظهر فيهم الشيب فيغيرونه بالصبغ الأسود فيؤدي عملهم هذا إلي مفاسد منها الخداع والتدليس على خلق الله والتشبع بحال غير حاله الحقيقية ولا شك أن لهذا أثرا سيئا على السلوك الشخصي وقد يحصل به نوع من الاغترار وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يغير الشيب بالحناء ونحوها مما فيه اصفرار أو احمرار أو بما يميل إلى اللون البني، ولما أتي بأبي قحافة يوم الفتح ورأسه ولحيته كالثغامة من شدة البياض قال عليه الصلاة والسلام " غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد " رواه مسلم 3/1663. والصحيح أن المرأة كالرجل لا يجوز أن تصبغ بالسواد ما ليس بأسود من شعرها.(13/116)
تصوير ما فيه روح في الثياب والجدران والورق ونحو ذلك:-
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: " إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون " رواه البخاري انظر الفتح 10/382. وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: " قال الله تعالى: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة ... ) " رواه البخاري انظر فتح الباري 10/385. وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: " كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذب في جهنم " قال ابن عباس: إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا روح فيه " رواه مسلم 3/1671. فهذه الأحاديث دالة على تحريم صور ذوات الأرواح من الآدميين وسائر الحيوانات مما له ظل أو ليس له ظل سواء كانت مطبوعة أو مرسومة أو محفورة أو منقوشة أو منحوتة أو مصبوبة بقوالب ونحو ذلك والأحاديث في تحريم الصور تشمل ذلك كله.
والمسلم يستسلم لنصوص الشرع ولا يجادل فيقول أنا لا أعبدها ولا أسجد لها!! ولو نظر العاقل بعين البصيرة والتأمل في مفسدة واحدة فقط لشيوع التصوير في عصرنا لعرف شيئا من الحكمة في هذه الشريعة عندما جاءت بتحريم التصوير وهو ما حصل من الفساد العظيم من إثارة الغرائز وثوران الشهوات بل الوصول إلى الوقوع في الفواحش بسبب الصور.
وينبغي على المسلم أن لا يحتفظ في بيته بصور لذوات الأرواح حتى لا يكون ذلك سببا في امتناع الملائكة عن دخول بيته فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير " رواه البخاري انظر الفتح 10/380. وتوجد في بعض البيوت تماثيل بعضها لمعبودات الكفار توضع على أنها تحف ومن الزينة فهذه حرمتها أشد من غيرها وكذلك الصور المعلقة أشد من غير المعلقة فكم أفضت إلى تعظيم وكم جددت من أحزان وكم أدت إلى تفاخر ولا يقال الصور للذكرى فإن الذكرى الحقيقية في القلب من عزيز أو قريب من المسلمين يدعى لهم بالمغفرة والرحمة فينبغي إخراج كل صورة أو طمسها اللهم إلا ما كان عسيرا وفيه مشقة بالغة كالصور التي عمت بها البلوى على المعلبات والصور في القواميس والمراجع والكتب التي يستفاد منها مع السعي لإزالتها ما أمكن والحذر مما في بعضها من الصور السيئة وكذلك يمكن الاحتفاظ بالصور التي تدعو الحاجة لها كما في إثباتات الشخصية ورخص بعض أهل العلم في الصور الممتهنة كالموطوءة بالأقدام (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16.(13/117)
الكذب في المنام:
يعمد بعض الناس إلى اختلاق رؤى ومنامات لم يروها لتحصيل فضيلة أو ذكر بين الخلق أو لحيازة منفعة مالية أو تخويفا لمن بينه وبينهم عداوة ونحو ذلك، وكثير من العامة لهم اعتقادات في المنامات وتعلق شديد بها فيخدعون بهذا الكذب وقد ورد الوعيد الشديد لمن فعل هذا الفعل، قال صلى الله عليه وسلم " إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه أو يري عينه ما لم تر ويقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل " رواه البخاري انظر الفتح 6/540، وقال صلى الله عليه وسلم " من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ... الحديث " رواه البخاري انظر الفتح 12/427، والعقد بين شعيرتين أمر مستحيل فكان الجزاء من جنس العمل.(13/118)
الجلوس على القبر والوطء عليه وقضاء الحاجة في المقابر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " رواه مسلم 2/667. أما الوطء على القبور فطائفة من الناس يفعلونه فتراهم عندما يدفنون ميتهم لا يبالون بالوطء (وبأحذيتهم أحيانا) على القبور المجاورة دون احترام لبقية الموتى وفي عظم هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم ... " رواه ابن ماجة 1/499 وهو في صحيح الجامع 5038. فكيف بمن يستولي على أرض مقبرة ويقيم عليها مشروعا تجاريا أو سكنيا. أما التغوط في المقابر وقضاء الحاجة فيها فيفعله بعض من لا خلاق له إذا حضره قضاء الحاجة تسور مقبرة أو دخل فيها فآذى الموتى بنتنه ونجاسته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم " وما أبالي أوسط القبر قضيت حاجتي أو وسط السوق " [التخريج السابق] . أي أن قبح قضاء الحاجة في المقبرة كقبح كشف العورة وقضاء الحاجة أمام الناس في السوق، والذين يتعمدون إلقاء القاذورات والزبالة في المقابر (خصوصا المهجورة والتي تهدمت أسوارها) لهم نصيب من ذلك الوعيد. ومن الآداب المطلوبة عند زيارة المقابر خلع النعال عند إرادة المشي بين القبور.(13/119)
عدم الاستتار من البول:
من محاسن هذه الشريعة أنها جاءت بكل ما يصلح شأن الإنسان ومن ذلك إزالة النجاسة، وشرعت لأجل ذلك الاستنجاء والاستجمار وبينت الكيفية التي يحصل بها التنظيف والنقاء وبعض الناس يتساهل في إزالة النجاسة مما يتسبب في تلويث ثوبه أو بدنه وبالتالي عدم صحة صلاته وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك من أسباب عذاب القبر فعن ابن عباس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط [بستان] من حيطان المدينة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يعذبان، وما يعذبان في كبير - ثم قال - بلى [وفي رواية: وإنه لكبير] كان أحدهما لا يستتر من بوله وكان الآخر يمشي بالنميمة ... " رواه البخاري انظر فتح الباري 1/317. بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن: " أكثر عذاب القبر في البول " رواه الإمام أحمد 2/326 وهو في صحيح الجامع 1213. وعدم الاستتار من البول يشمل من يقوم من حاجته بسرعة قبل أن ينقطع بوله أو يتعمد البول في هيئة أو مكان يرتد عليه بوله أو أن يترك الاستنجاء أو الاستجمار أو يهمل فيهما، وقد بلغ من التشبه بالكفار في عصرنا أن صارت بعض المراحيض فيها أماكن لقضاء الحاجة مثبتة في الجدران ومكشوفة يأتي إليها الشخص فيبول أمام الداخل والخارج دون حياء ثم يرفع لباسه ويلبسه على النجاسة فيكون قد جمع بين أمرين محرمين قبيحين: الأول أنه لم يحفظ عورته من نظر الناس والثاني أنه لم يستنزه ولم يستبرئ من بوله.(13/120)
التسمع إلى حديث قوم وهم له كارهون:
قال الله تعالى: (ولا تجسسوا ... ) الحجرات/11
عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: " من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة ... " رواه الطبراني في الكبير 11/248-249 وهو في صحيح الجامع 6004 والآنك هو الرصاص المذاب.
فإذا كان ينقل حديثهم دون علمهم لإيقاع الضرر بهم فهو يضيف إلى إثم التجسس إثما آخر بدخوله في حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا يدخل الجنة قتات " رواه البخاري فتح 10/472 والقتات الذي يستمع إلى حديث القوم وهم لا يشعرون به(13/121)
سوء الجوار
أوصانا الله سبحانه في كتابه بالجار فقال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} النساء/36.
وإيذاء الجار من المحرمات لعظم حقه: عن أبي شريح رضي الله عنه مرفوعا: " والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه " رواه البخاري انظر فتح الباري 10/443
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ثناء الجار على جاره أو ذمه له مقياسا للإحسان والإساءة فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أو إذا أسأت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنت فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت فقد أسأت " رواه الإمام أحمد 1/402 وهو في صحيح الجامع 623.
وإيذاء الجار له صور متعددة فمنها منعه أن يغرز خشبة في الجدار المشترك أو رفع البناء عليه وحجب الشمس أو الهواء دون إذنه أو فتح النوافذ على بيته والإطلال منها لكشف عوراته أو إيذاؤه بالأصوات المزعجة كالطرق والصياح وخصوصا في أوقات النوم والراحة أو ضرب أولاده وطرح القمامة عند عتبة بابه والذنب يعظم إذا ارتكب في حق الجار ويضاعف إثم صاحبه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره.. لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من بيت جاره " رواه البخاري في الأدب المفرد رقم 103 وهو في السلسلة الصحيحة 65، وبعض الخونة ينتهز غياب جاره في نوبته الليلية ويدخل بيته ليعيث فيه الفساد فالويل له من عذاب يوم أليم.(13/122)
المضارة في الوصية: -
من قواعد الشريعة أنه لا ضرر ولا ضرار ومن الأمثلة على ذلك الإضرار بالورثة الشرعيين أو ببعضهم ومن يفعل ذلك فهو مهدد بقوله صلى الله عليه وسلم: " من ضار أضر الله به ومن شاق شق الله عليه " رواه الإمام أحمد 3/453 انظر صحيح الجامع 6348. ومن صور المضارة في الوصية حرمان أحد الورثة من حقه الشرعي أو أن يوصي لوارث بخلاف ما جعلته له الشريعة أو أن يوصي بأكثر من الثلث.
وفي الأماكن التي لايخضع فيها الناس لسلطان القضاء الشرعي يتعذر على صاحب الحق أن يأخذ حقه الذي أعطاه الله له بسبب المحاكم الوضعية التي تحكم بخلاف الشريعة وتأمر بإنفاذ الوصية الجائرة المسجلة عند المحامي فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون.(13/123)
اللعب بالنرد:-
تحتوي كثير من الألعاب المنتشرة والمستعملة بين الناس على أمور من المحرمات ومن ذلك النرد (المعروف بالزهر) الذي يتم به الانتقال والتحريك في عدد كثير من الألعاب كالطاولة وغيرها وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا النرد الذي يفتح أبواب المقامرة والميسر فقال: " من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه " رواه مسلم 4/1770. وعن أبي موسى رضي الله عنه مرفوعا: " من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله " رواه الإمام أحمد 4/394 وهو في صحيح الجامع 6505.(13/124)
لعن المؤمن ولعن من لا يستحق اللعن:-
لا يملك كثير من الناس ألسنتهم إذا ما غضبوا فيسارعون باللعن فيلعنون البشر والدواب والجمادات والأيام والساعات بل وربما لعنوا أنفسهم وأولادهم ولعن الزوج زوجته والعكس وهذا أمر جد خطير فعن أبي زيد ثابت بن الضحاك الأنصاري رضي الله عنه مرفوعا: "....، ومن لعن مؤمنا فهو كقتله " رواه البخاري انظر فتح الباري 10/465 ولأن اللعن يكثر من النساء فقد بين عليه الصلاة والسلام أنه من أسباب دخولهن النار وكذلك فإن اللعانين لا يكونون شفعاء يوم القيامة وأخطر منه أن اللعنة ترجع على صاحبها إن تلفظ بها ظلما فيكون قد دعا على نفسه بالطرد والإبعاد من رحمة الله.(13/125)
النياحة:-
من المنكرات العظيمة ما تقوم به بعض النساء من رفع الصوت بالصياح وندب الميت ولطم الوجه وكذلك شق الثوب وحلق الشعر أو شده وتقطيعه وكل ذلك يدل على عدم الرضا بالقضاء وعدم الصبر على المصيبة وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك فعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور " رواه ابن ماجة 1/505 وهو في صحيح الجامع 5068. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: " ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية " رواه البخاري انظر الفتح 3/163. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب " رواه مسلم رقم 934(13/126)
ضرب الوجه والوسم في الوجه:-
عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه. رواه مسلم 3/1673
أما ضرب الوجه فإن عددا من الآباء والمدرسين يعمدون إليه في معاقبة الأولاد حينما يضربون الوجه بالكف ونحوه وكذا يفعله بعض الناس مع خدمهم وهذا مع ما فيه من إهانة الوجه الذي كرم الله به الإنسان فإنه قد يؤدي أيضا إلى فقد بعض الحواس المهمة المجتمعة في الوجه فيحصل الندم وقد يطلب القصاص.
أما وسم الدواب في الوجه وهو وضع علامة مميزة يعرف بها صاحب كل دابة دابته أو ترد عليه إذا ضلت فهو حرام وفيه تشويه وتعذيب ولو احتج بعض الناس بأنه عرف قبيلتهم وعلامتها المميزة فيمكن أن يجعل الوسم في مكان آخر غير الوجه.(13/127)
هجر المسلم فوق ثلاثة أيام دون سبب شرعي:-
من خطوات الشيطان إحداث القطيعة بين المسلمين وكثيرون أولئك الذين يتبعون خطوات الشيطان فيهجرون إخوانهم المسلمين لأسباب غير شرعية إما لخلاف مادي أو موقف سخيف وتستمر القطيعة دهرا وقد يحلف أن لا يكلمه وينذر أن لا يدخل بيته وإذا رآه في طريق أعرض عنه وإذا لقيه في مجلس صافح من قبله ومن بعده وتخطاه وهذا من أسباب الوهن في المجتمع الإسلامي ولذلك كان الحكم الشرعي حاسما والوعيد شديدا فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار " رواه أبو داود 5/215 وهو في صحيح الجامع 7635.
وعن أبي خراش الأسلمي رضي الله عنه مرفوعا: " من هجر أخاه سنة فهو بسفك دمه " رواه البخاري في الأدب المفرد حديث رقم 406 وهو في صحيح الجامع 6557.
ويكفي من سيئات القطيعة بين المسلمين الحرمان من مغفرة الله عز وجل فعن أبي هريرة مرفوعا: " تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين، يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء فيقال: اتركوا أو أركوا (يعني أخروا) هذين حتى يفيئا " رواه مسلم 4/1988.
ومن تاب إلى الله من المتخاصمين فعليه أن يعود إلى صاحبه ويلقاه بالسلام فإن فعل وأبى صاحبه فقد برئت ذمة العائد وبقيت التبعة على من أبى، عن أبي أيوب مرفوعا: " لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " رواه البخاري فتح الباري 10/492.
أما إن وجد سبب شرعي للهجر كترك صلاة أو إصرار على فاحشة فإن كان الهجر يفيد المخطئ ويعيده إلى صوابه أو يشعره بخطئه صار الهجر واجبا، وأما إن كان لا يزيد المذنب إلا إعراضا ولا ينتج إلا عتوا ونفورا وعنادا وازديادا في الإثم فعند ذلك لا يسوغ الهجر لأنه لا تتحقق به المصلحة الشرعية بل تزيد المفسدة فيكون من الصواب الاستمرار في الإحسان والنصح والتذكير.
وختاما هذا ما تيسر جمعه من المحرمات المنتشرة [والموضوع طويل وقد رأيت إتماما للفائدة أن أفرد فصلا خاصا بجملة من المنهيات الواردة في الكتاب والسنة مجموع بعضها إلى بعض ستكون في رسالة مستقلة إن شاء الله] نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى أن يقسم لنا من خشيته ما يحول بيننا وبين معاصيه ومن طاعته ما يبلغنا به جنته وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يغنينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه وأن يتقبل توبتنا ويغسل حوبتنا إنه سميع مجيب وصلى وسلم على النبي الأمي محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين(13/128)
الأساليب النبوية في معالجة الأخطاء(13/129)
المقدمة
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إله الأولين والآخرين وقيوم السموات والأرضين والصلاة والسلام على نبيه الأمين معلّم الخلق المبعوث رحمة للعالمين وبعد:
فإن تعليم الناس من القربات العظيمة التي يتعدّى نفعها ويعمّ خيرها، وهي حظ للدعاة والمربين من ميراث الأنبياء والمرسلين " وإِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ " رواه الترمذي: سنن الترمذي ط. أحمد شاكر رقم 2685 وقَالَ أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ، والتعليم طرائق وأنواع وله وسائل وسُبُل ومنها تصحيح الأخطاء، فالتصحيح من التعليم وهما صنوان لا يفترقان.
ومعالجة الأخطاء وتصحيحها من النصيحة في الدين الواجبة على جميع المسلمين. وصلة ذلك بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوية وواضحة. مع ملاحظة أن دائرة الخطأ أوسع من دائرة المنكر فالخطأ قد يكون منكرا وقد لا يكون.
وتصحيح الأخطاء كذلك من الوحي الرباني والمنهج القرآني فقد كان القرآن ينزل بالأوامر والنواهي والإقرار والإنكار وتصحيح الأخطاء حتى مما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت معاتبات وتنبيهات كما في قوله تعالى: (عبس وتولى، أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى، أما من استغنى، فأنت له تصدى، وما عليك ألا يزكى، وأما من جاءك يسعى، وهو يخشى، فأنت عنه تلهى) ، وقوله: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) ، وقوله: (ما كان للنبي أن يكون له أسرى حتى يُثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم) وقوله: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)
وكان القرآن يتنزل ببيان خطأ أفعال بعض الصحابة في عدد من المواقف. فلما أخطأ حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه خطأ عظيما في مراسلة كفار قريش مبينا لهم وجهة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم في الغزو، نزل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل) .
وفي شأن خطأ الرماة في غزوة أحد لما تركوا مواقعهم التي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلزومها نزل قوله تعالى: (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) .
ولما اعتزل النبي صلى الله عليه زوجاته تأديبا وأشاع بعض الناس أنه طلّق نساءه نزل قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)
ولما ترك بعض المسلمين الهجرة من مكة إلى المدينة لغير عذر شرعي أنزل الله: (إن الذين توفَّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها … الآية)
ولما انساق بعض الصحابة وراء إشاعات المنافقين في اتهام عائشة بما هي منه بريئة أنزل الله آيات في هذا الإفك وفيها: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم، إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم) ثم قال: (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم، يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين)
ولما تنازع بعض الصحابة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وارتعت أصواتهم نزل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم، يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)
ولما جاءت قافلة وقت خطبة الجمعة فترك بعض الناس الخطبة وانفضوا إلى التجارة نزل قوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين)
إلى غير ذلك من الأمثلة الدالة على أهمية تصحيح الأخطاء وعدم السكوت عنها.
وسار النبي صلى الله عليه وسلم على نور من ربه سالكا سبيل إنكار المنكر وتصحيح الخطأ غير متوان في ذلك، ومن هذا وغيره استنبط العلماء رحمهم الله تعالى قاعدة: " لا يجوز في حقّ النبي صلى الله عليه وسلم تأخير البيان عن وقت الحاجة ".
وإدراك المنهج النبوي في التعامل مع أخطاء البشر الذين لاقاهم النبي صلى الله عليه وسلم من الأهمية بمكان لأنه صلى الله عليه وسلم مؤيد من ربّه، وأفعاله وأقواله رافقها الوحي إقرارا وتصحيحا فأساليبه عليه الصلاة والسلام أحكم وأنجع واستعمالها أدعى لاستجابة الناس، واتباع المربي لهذه الأساليب والطرائق يجعل أمره سديدا وسلوكه في التربية مستقيما. ثمّ إن اتباع المنهج النبوي وأساليبه فيه الاتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أسوة حسنة لنا ويترتب على ذلك حصول الأجر العظيم من الله تعالى إذا خلصت النية.
ومعرفة الأساليب النبوية تبين فشل أساليب المناهج الأرضية ـ التي تزخر بها الآفاق ـ وتقطع الطريق على اتّباعها، فإن كثيرا منها واضح الانحراف وقائم على نظريات فاسدة كالحرية المطلقة أو مستمد من موروثات باطلة كالتقليد الأعمى للآباء والأجداد.
ولابدّ من الإشارة إلى أن التطبيق العملي لهذا المنهج النبوي في الواقع يعتمد على الاجتهاد بدرجة كبيرة وذلك في انتقاء الأسلوب الأمثل في الظرف والحدث الحاصل، ومن كان فقيه النفس استطاع ملاحظة الحالات المتشابهة والأحوال المتقاربة فينتقي من هذه الأساليب النبوية ما يلائم ويوائم.
وهذا الكتاب محاولة لاستقراء الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس على اختلاف مراتبهم ومشاربهم ممن عايشهم صلى الله عليه وسلم وواجههم، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب فيه التوفيق وإصابة الصواب والنفع لي ولإخواني المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو الهادي إلى سواء السبيل.(13/130)
تنبيهات وفروقات ينبغي مراعاتها عند معالجة الأخطاء(13/131)
قبل الدخول في صلب هذا البحث يحسن التنبيه على بعض الفروقات والاعتبارات التي ينبغي أن تُراعى قبل وعند الشروع في تصحيح ومعالجة أخطاء الآخرين.
- الإخلاص لله
يجب أن يكون القصد عند القيام بتصحيح الأخطاء إرادة وجه الله تعالى وليس التعالي ولا التشفي ولا السعي لنيل استحسان المخلوقين
روى الترمذي رحمه الله تعالى عن شُفَيٍّ الأَصْبَحِيّ أنه دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالُوا أَبُو هُرَيْرَةَ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلا قُلْتُ لَهُ أَنْشُدُكَ بِحَقٍّ وَبِحَقٍّ لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَفْعَلُ لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً (أي شهق حتى كاد أن يغمى عليه) فَمَكَثَ قَلِيلا ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى ثُمَّ أَفَاقَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ أَفْعَلُ لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ فَأَسْنَدْتُهُ عَلَيَّ طَوِيلا ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلانًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سنن الترمذي رقم 2382 ط. شاكر وقَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وإذا صدقت النية من الناصح حصل الأجر والتأثير والقبول بإذن الله
- الخطأ من طبيعة البشر
لقوله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه الترمذي رقم 2499 وابن ماجة واللفظ له: السنن تحقيق. عبد الباقي رقم 4251
ووضوح هذه الحقيقة واستحضارها يضع الأمور في إطارها الصحيح فلا يفترض المربي المثالية أو العصمة ف الأشخاص ثم يحاسبهم بناء عليها أو يحكم عليهم بالفشل إذا كبُر الخطأ أو تكرر. بل يعاملهم معاملة واقعية صادرة عن معرفة بطبيعة النفس البشرية المتأثرة بعوارض الجهل والغفلة والنقص والهوى والنسيان.
وهذه الحقيقة أيضا تفيد في منع فقدان التوازن نتيجة المباغتة بحصول الخطأ مما يؤدي إلى ردات فعل غير حميدة. وإدراك هذه الحقيقة فيه كذلك تذكير للداعية والمربي الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بأنه بشر من البشر يمكن أن يقع فيما وقع فيه المخطئ فيعامله من شقّ الرحمة أكثر مما يعامله من شقّ القسوة لأن المقصود أصلا هو الاستصلاح لا المعاقبة.
ولكن كل ما سبق لا يعني أن نترك المخطئين في حالهم ونعتذر عن العصاة وأرباب الكبائر بأنهم بشر أو أنهم مراهقون أو أن عصرهم مليء بالفتن والمغريات وغير ذلك من التبريرات بل ينبغي الإنكار والمحاسبة ولكن بميزان الشرع.
- أن تكون التخطئة مبنية على الدليل الشرعي مقترنة بالبينة وليست صادرة عن جهل أو أمر مزاجي
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: (صَلَّى جَابِرٌ فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ) وسبب ذلك أنهم لم يكن لهم سراويلات فكان أحدهم يعقد إزاره في قفاه ليكون مستورا إذا ركع وإذا سجد: فتح الباري ط. السلفية 1/ 467 وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمِشْجَبِ قَالَ لَهُ قَائِلٌ تُصَلِّي فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه البخاري الفتح رقم 352 قال ابن حجر رحمه الله: المراد بقوله أحمق هنا أي جاهل.. والغرض بيان جواز الصلاة في الثوب الواحد ولو كانت الصلاة في الثوبين أفضل، فكأنه قال: صنعته عمدا لبيان الجواز إما ليقتدي بي الجاهل ابتداء أو يُنكر عليّ فأعلّمه أن ذلك جائز، وإنما أغلظ لهم في الخطاب زجرا عن الإنكار على العلماء، وليحثّهم على البحث في الأمور الشرعية. الفتح 1/467
- كلما كان الخطأ أعظم كان الاعتناء بتصحيحه أشد
فالعناية بتصحيح الأخطاء المتعلقة بالمعتقد ينبغي أن تكون أعظم من تلك المتعلقة بالآداب مثلا وهكذا، وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم غاية الاهتمام بتتبع وتصحيح الأخطاء المتعلقة بالشرك بجميع أنواعه لأنه أخطر ما يكون وفيما يلي أمثلة:
عن الْمُغِيرَةِ ابْنِ شُعْبَة قال: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ رواه البخاري فتح 1061
وعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رواه الترمذي رقم 2180 وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وفي رواية عن أبي واقد أيضا: أَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ قَالَ وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ قَالَ فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ قَالَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّةً رواه أحمد: المسند 5/218
وعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ رواه البخاري: فتح رقم 846
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ فَقَالَ جَعَلْتَنِي لِلَّهِ عَدْلاً؟ بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ رواه أحمد: المسند 1/283
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَإِلا فَلْيَصْمُتْ رواه البخاري: فتح 6108(13/132)
فائدة: روى الإمام أحمد في مسنده: حدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي حَلْقَةٍ فَسَمِعَ رَجُلا فِي حَلْقَةٍ أُخْرَى وَهُوَ يَقُولُ لا وَأَبِي فَرَمَاهُ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَصَى وَقَالَ إِنَّهَا كَانَتْ يَمِينَ عُمَرَ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا وَقَالَ إِنَّهَا شِرْكٌ. (الفتح الرباني 14/ 164) .
وعن أبي شريح هانئ بن يزيد قال: وفَد على النبي صلى الله عليه وسلم قوم فسمعهم يسمون رجلا عبد الحجر فقال له: ما اسمك؟ قال: عبد الحجر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، أنت عبد الله رواه البخاري في الأدب المفرد رقم 813 وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد صحيح رقم 623
- اعتبار موقع الشخص الذي يقوم بتصحيح الخطأ
فبعض الناس يُتقبّل منهم مالا يُتقبل من غيرهم لأن لهم مكانة ليست لغيرهم أو لأن لهم سلطة على المخطئ ليست لغيرهم ومن أمثلة هذا الأب مع ابنه والمدرّس مع تلميذه والمحتسب مع من ينكر عليه، فليس الكبير كالقرن والصغير، ولا القريب كالغريب، وليس صاحب السلطان كمن ليس له سلطة، والإدراك لهذه الفروق يؤدي بالمُصلح إلى وضع الأمور في نصابها وتقدير الأمور حقّ قدرها فلا يؤدي إنكاره أو تصحيحه إلى منكر أكبر أو خطأ أعظم، ومكانة المُنكِر وهيبته في نفس المخطئ مهمة في تقدير درجة الإنكار وضبط معيار الشدّة واللين. ومن هذا نستفيد أمرين
الأول: إن على من آتاه الله مكانة أو سلطانا أن يسخّر ذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الخلق وأن يدرك أنّ مسؤوليته عظيمة لأن الناس يتقبّلون منه أكثر مما يتقبّلون من غيره ـ غالبا ـ ويتمكّن مما لا يتمكّن منه الآخرون.
ثانيا: إنّ على الآمر الناهي أن لا يُسيء التقدير فيضع نفسه في موضع أعلى مما هو عليه ويتصرّف بصفاتِ شخصية لا يملكها لأن ذلك يؤدي إلى النفور والصدّ.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفيد مما أعطاه الله من المكانة والمهابة بين الخلق في إنكاره وتعليمه وربما أتى بشيء لو فعله غيره ما وقع الموقع المناسب وفيما يلي مثال على ذلك:
عن يَعِيشَ بْنِ طِهفَةَ الْغِفَارِيِّ عن أبيه قَالَ ضفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن تضيفه من المساكين فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل يتعاهد ضيفه فرآني منبطحا على بطني فركضني برجله وقال لا تضطجع هذه الضجعة فإنها ضجعة يبغضها الله عز وجل. وفي رواية: فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ فَأَيْقَظَهُ فَقَالَ هَذِهِ ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ رواه أحمد: الفتح الرباني 14/244-245. ورواه الترمذي رقم 2798 ط. شاكر ورواه أبوداود في كتاب الأدب من سننه رقم 5040 ط. الدعاس والحديث في صحيح الجامع 2270 - 2271
وإذا كان إنكاره صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة مناسبا لحاله ومكانته فإنه ليس بمناسب لآحاد الناس، ولا يصلح لأي شخص يريد أن يُنكر على آخر نومه على بطنه أن يركضه برجله وهو نائم فيوقظه ثم يتوقّع أن يقبل منه ويشكره. وقريب من هذا ضرب المخطئ أو رميه بشيء كالحصى ونحوه وقد فعل ذلك بعض السلف وكل ذلك يعود إلى مكانة المُنكِر وفيما يلي بعض القصص:
روى الدارمي رحمه الله عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ صَبِيغٌ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صَبِيغٌ فَأَخَذَ عُمَرُ عُرْجُونًا مِنْ تِلْكَ الْعَرَاجِينِ فَضَرَبَهُ وَقَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ فَجَعَلَ لَهُ ضَرْبًا حَتَّى دَمِيَ رَأْسُهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَسْبُكَ قَدْ ذَهَبَ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ فِي رَأْسِي. سنن الدارمي ت: عبد الله هاشم يماني 1/51 رقم 146.
وروى البخاري رحمه الله تعالى عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَايِنِ فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِقَدَحِ فِضَّةٍ فَرَمَاهُ بِهِ فَقَالَ إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إِلا أَنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا عَنِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَالَ هُنَّ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ لَكُمْ فِي الآخِرَةِ الفتح رقم 5632
وفي رواية أحمد للقصة عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ خَرَجْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ إِلَى بَعْضِ هَذَا السَّوَادِ فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِإِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ قَالَ فَرَمَاهُ بِهِ فِي وَجْهِهِ قَالَ قُلْنَا اسْكُتُوا اسْكُتُوا وَإِنَّا إِنْ سَأَلْنَاهُ لَمْ يُحَدِّثْنَا قَالَ فَسَكَتْنَا قَالَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ أَتَدْرُونَ لِمَ رَمَيْتُ بِهِ فِي وَجْهِهِ قَالَ قُلْنَا لا قَالَ إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُهُ قَالَ فَذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ قَالَ مُعَاذٌ لا تَشْرَبُوا فِي الذَّهَبِ وَلا فِي الْفِضَّةِ وَلَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ فَإِنَّهُمَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ. المسند 5/396.
وروى البخاري أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتَبَةَ وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَأَبَى فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ كَاتِبْهُ فَأَبَى فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَيَتْلُو عُمَرُ (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) فَكَاتَبَهُ. الفتح 5/184.
وروى النسائي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَإِذَا بِابْنٍ لِمَرْوَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَرَأَهُ فَلَمْ يَرْجِعْ فَضَرَبَهُ فَخَرَجَ الْغُلَامُ يَبْكِي حَتَّى أَتَى مَرْوَانَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ مَرْوَانُ لأَبِي سَعِيدٍ لِمَ ضَرَبْتَ ابْنَ أَخِيكَ قَالَ مَا ضَرَبْتُهُ إِنَّمَا ضَرَبْتُ الشَّيْطَانَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ فَأَرَادَ إِنْسَانٌ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَدْرَؤُهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ. المجتبى من سنن النسائي 8/ 61. صحيح سنن النسائي برقم 4518.
وروى أحمد رحمه الله عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ كَانَ يَشْتَكِي رِجْلَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ وَقَدْ جَعَلَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فَضَرَبَهُ بِيَدِهِ عَلَى رِجْلِهِ الْوَجِعَةِ فَأَوْجَعَهُ فَقَالَ أَوْجَعْتَنِي أَوَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ رِجْلِي وَجِعَةٌ قَالَ بَلَى قَالَ فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ هَذِهِ المسند 3/42
وروى مالك عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ رَجُلا خَطَبَ إِلَى رَجُلٍ أُخْتَهُ فَذَكَرَ أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَحْدَثَتْ (أي زنت) فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَضَرَبَهُ أَوْ كَادَ يَضْرِبُهُ ثُمَّ قَالَ مَا لَكَ وَلِلْخَبَرِ موطأ مالك رقم 1553 رواية أبي مصعب الزهري. ت: بشار معروف ومحمود خليل. مؤسسة الرسالة
وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ كُنْتُ مَعَ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ الأَعْظَمِ وَمَعَنَا الشَّعْبِيُّ فَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلا نَفَقَةً ثُمَّ أَخَذَ الأَسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصًى فَحَصَبَهُ بِهِ فَقَالَ وَيْلَكَ تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا قَالَ عُمَرُ لا نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) صحيح مسلم رقم 1480
وروى أبو داود بإسناد فيه مقبولان: دَخَلَ رَجُلانِ مِنْ أَبْوَابِ كِنْدَةَ وَأَبُو مَسْعُودٍ الأنْصَارِيُّ جَالِسٌ فِي حَلْقَةٍ فَقَالا أَلا رَجُلٌ يُنَفِّذُ بَيْنَنَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْحَلْقَةِ أَنَا فَأَخَذَ أَبُو مَسْعُودٍ كَفًّا مِنْ حَصًى فَرَمَاهُ بِهِ وَقَالَ مَهْ إِنَّهُ كَانَ يُكْرَهُ التَّسَرُّعُ إِلَى الْحُكْمِ رواه أبو داود كتاب الأقضية باب في طلب القضاء والتسرع إليه
ونلاحظ أيضا أنّ إنكار النبي صلى الله عليه وسلّم على بعض خواصّ أصحابه كان أحيانا أشدّ منه على أعرابي مثلا أو غريب وكلّ هذا من الحكمة وتقدير الحال في الإنكار.(13/133)
- التفريق بين المخطئ الجاهل والمخطئ عن علم
ومن القصص الواضحة في هذا ما حدث لمعاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه لما جاء إلى المدينة من البادية ولم يكن يدري عن تحريم الكلام في الصلاة قَالَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ (أي أوشكت أن أردّ عليهم لكني تمالكت نفسي ولزمت السكوت) فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَ اللَّهِ مَا كَهَرَنِي (أي زجرني وعبس في وجهي) وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي قَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءةُ الْقُرْآنِ صحيح مسلم ط. عبد الباقي رقم 537
فالجاهل يحتاج إلى تعليم وصاحب الشبهة يحتاج إلى بيان والغافل يحتاج إلى تذكير والمصرّ يحتاج إلى وعظ، فلا يسوغ أن يسوّى بين العالم بالحكم والجاهل به في المعاملة والإنكار، بل إن الشدة على الجاهل كثيرا ما تحمله على النفور ورفض الانقياد بخلاف ما لو علّمه أولا بالحكمة واللين لأن الجاهل عند نفسه لا يرى أنه مخطئ فلسان حاله يقول لمن يُنكر عليه: أفلا علمتني قبل أن تهاجمني.
وقد يُجانب المُخطئ الصواب وهو لا يشعر بل قد يظنّ نفسه مصيبا فيُراعى لأجل ذلك: جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله تعالى عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَقَامَ وَقَدْ كَانَ تَوَضَّأَ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَتَيْتُهُ بِمَاءٍ لِيَتَوَضَّأَ مِنْهُ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ وَرَاءَكَ فَسَاءَنِي وَاللَّهِ ذَلِكَ ثُمَّ صَلَّى فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ الْمُغِيرَةَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِ انْتِهَارُكَ إِيَّاهُ وَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِكَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِي شَيْءٌ إِلا خَيْرٌ وَلَكِنْ أَتَانِي بِمَاءٍ لأَتَوَضَّأَ وَإِنَّمَا أَكَلْتُ طَعَامًا وَلَوْ فَعَلْتُهُ فَعَلَ ذَلِكَ النَّاسُ بَعْدِي المسند 4/253
ويُلاحظ هنا أن تخطئة النبي صلى الله عليه وسلم لمثل هؤلاء الصحابة الأجلاء لم تكن لتؤثر في نفوسهم تأثيرا سلبيا فتحملهم على كره أو نفور بل إنها كانت تؤثر في نفوسهم تأثيرا إيجابيا فيبقى الواحد منهم بعد تخطئته من النبي صلى الله عليه وسلم وجلا مشفقا متهما نفسه يعيش في حرج عظيم لا يسرِّي عنه إلا أن يتأكد من رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه.
ويُلاحظ في هذه القصة كذلك أن تخطئة النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة لم تكن غضبا من شخص المغيرة ولكن شفقة على الناس وتبيينا لهم حتى لا يظنوا ما ليس بواجب واجبا فيقعوا في الحرج.
- التفريق بين الخطأ الناتج عن اجتهاد صاحبه وبين خطأ العمد والغفلة والتقصير
ولا شكّ أن الأول ليس بملوم بل إنه يؤجر أجرا واحدا إذا أخلص واجتهد لقوله صلى الله عليه وسلم: إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ رواه الترمذي 1326 ط. شاكر وقال أبو عيسى الترمذي حديث حسن غريب من هذا الوجه
وهذا بخلاف المخطئ عن عمد وتقصير فلا يستويان فالأول يعلّم ويناصح بخلاف الثاني فإنه يوعظ ويُنكر عليه.
ويجب أن يكون الاجتهاد الذي يُعذر به صاحبه اجتهادا سائغا من شخص مؤهل بخلاف من يفتي بغير علم أولا يُراعي الأحوال ولذلك اشتد إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على المخطئين في قصة صاحب الشجّة فقد روى أبو داود في سننه عن جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ ... سنن أبي داود كتاب الطهارة باب المجروح يتيمم وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 325 وأشار إلى ضعف الزيادة في آخره. وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن: الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ سنن أبي داود رقم 3573 وصححه الألباني في الإرواء 2164 فلم يعتبر هذا الثالث معذورا.
ومن الأمور التي تضبط درجة إنكار الخطأ مراعاة البيئة التي حصل فيها الخطأ مثل انتشار السنة أو البدعة وكذلك مدى استشراء المنكر أو وجود من يفتي بجوازه من الجهلة أو المتساهلين ممن يراهم الناس شيئا.
- إرادة المخطئ للخير لا تمنع من الإنكار عليه
عن عَمْرِو بْنِ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلاةِ الْغَدَاةِ فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَاءنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فَقَالَ أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ قُلْنَا لا فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلا خَيْرًا قَالَ فَمَا هُوَ فَقَالَ إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ كَبِّرُوا مِائَةً فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً فَيَقُولُ هَلِّلُوا مِائَةً فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً وَيَقُولُ سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً قَالَ فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ قَالَ مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ وَانْتِظَارَ أَمْرِكَ قَالَ أَفَلا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ قَالُوا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ قَالَ فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلالَةٍ قَالُوا وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلا الْخَيْرَ قَالَ وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ رواه الدارمي السنن رقم 210 ت: عبد الله هاشم يماني وصحح الألباني إسناده في السلسلة الصحيحة تحت حديث 2005 وانظر مجمع الزوائد للهيثمي 1/181
- العدل وعدم المحاباة في التنبيه على الأخطاء
قال الله تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا) وقال: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)
ولم يمنع كون أسامة بن زيد حبّ النبي صلى الله عليه وسلم وابن حبه أن يشتدّ عليه في الإنكار حينما حاول أن يشفع في حدّ من حدود الله فقد روت عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَطَبَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا الحديث في الصحيحين وهذا لفظ مسلم رقم 1688
وفي رواية للنسائي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ اسْتَعَارَتِ امْرَأَةٌ عَلَى أَلْسِنَةِ أُنَاسٍ يُعْرَفُونَ وَهِيَ لا تُعْرَفُ حُلِيًّا فَبَاعَتْهُ وَأَخَذَتْ ثَمَنَهُ فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَعَى أَهْلُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُكَلِّمُهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ إِلَيَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّتَئِذٍ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ فِيهِمْ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ثُمَّ قَطَعَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ سنن النسائي: المجتبى ط. دار الفكر 8/73. وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم 4548.
وموقفه عليه الصلاة والسلام من أسامة رضي الله عنه دالّ على عدله وأن الشرع عنده فوق محبة الأشخاص والإنسان قد يسامح من يريد في الخطأ على شخصه ولكن لا يملك أن يُسامح أو يُحابي من يخطئ على الشرع.
وبعض الناس إذا أخطأ قريبه أو صاحبه لم يكن إنكاره عليه مثل إنكاره على من لا يعرفه وربما ظهر تحيز وتمييز غير شرعي في المعاملة بسبب ذلك، بل ربما تغاضى عن خطأ صاحبه وشددّ في خطأ غيره
وعين الرضا عن كلّ عيب كليلة ... * ولكنّ عين السُّخط تُبْدي المساويا
وهذا ينعكس على تفسير الأفعال أيضا فقد يصدر الفعل من شخص محبوب فيُحمل على محمل ويصدر مثله من شخص آخر فيُحمل على محمل آخر.
وكل ما سبق مقيد بما إذا استوت الأحوال وإلا فقد يكون هناك تفاوت في الاعتبارات كما سيأتي ذكره.
- الحذر من إصلاح خطأٍ يؤدي إلى خطأ أكبر
من المعلوم أن من قواعد الشريعة تحمّل أدنى المفسدتين لدرء أعلاهما فقد يسكت الداعي عن خطأ لئلا يؤدي الأمر إلى وقوع خطأ أعظم.
لقد سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ولم يقتلهم مع ثبوت كفرهم وصبر على أذاهم لئلا يقول الناس محمد يقتل أصحابه خصوصا مع خفاء أمرهم، ولم يهدم النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة ليبنيها على قواعد إبراهيم الخليل من أجل أن قريشا كانوا حديثي عهد بجاهلية وخشي عليه الصلاة والسلام أن لا تحتمل ذلك عقولهم وتَرَك البنيان على ما فيه من النقص والباب على ارتفاعه وإغلاقه عن العامة مع أن في ذلك نوعا من الظلم.
وقبل ذلك نهى الله تعالى عن سبّ آلهة المشركين مع أنه طاعة وقربة إذا كان ذلك يؤدي إلى سب الله عز وجل وهو أعظم منكر.
فقد يسكت الداعية عن منكر أو يؤجل الإنكار أو يغيّر الوسيلة إذا رأى في ذلك تلافيا لخطأ أو منكر أكبر ولا يُعتبر ذلك تقصيرا ولا تخاذلا مادام صادق النية لا يخاف في الله لومة لائم وكان الذي منعه مصلحة الدين لا الخور والجبن.
ومما يُلاحظ أن من الأسباب المؤدية إلى الوقوع في خطأ أكبر عند إنكار خطأ ما؛ هو الماس غير المنضبط بالحكمة
- إدراك الطبيعة التي نشأ عنها الخطأ
هناك بعض الأخطاء التي لا يمكن إزالتها بالكلية لأمر يتعلق بأصل الخلقة ولكن يمكن تقليلها والتخفيف منها لأن التقويم النهائي يؤدي إلى كارثة كما هو الشأن في المرأة؛ قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاقُهَا رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه رقم 1468
وفي رواية: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا البخاري عن أبي هريرة الفتح رقم 5186
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: قوله (بالنساء خيرا) كأن فيه رمزا إلى التقويم برفق بحيث لا يُبالغ فيه فيكسر ولا يتركه فيستمر على عوجه.. فيؤخذ منه أن لا يتركها على الاعوجاج إذا تعدّت ما طُبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها، أو ترك الواجب. وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة. وفي الحديث المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب. وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن، والصبر على عوجهن، وأن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن، مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه فكأنه قال: الاستمتاع بها لا يتمّ إلا بالصبر عليها. فتح 9/954
- التفريق بين الخطأ في حق الشرع والخطأ في حق الشخص
فإذا كان الدين أغلى عندنا من ذواتنا وجب علينا أن ننتصر له ونحامي عنه ونغضب له أكثر مما نغضب لأنفسنا وننتصر لها. وإن من ضعف الحمية الدينية أن ترى الشخص يغضب لنفسه إذا سبّه أحد ولا يغضب لدين الله إذا اعتدى على جنابه أحد أو تراه يدافع باستحياء وضعف.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسامح من أخطأ عليه كثيرا وخصوصا جُفاة الأعراب تأليفا لقلوبهم فقد جاء في صحيح البخاري رحمه الله تعالى عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ الفتح 5809
وأما إذا كان الخطأ على الدين فإنه صلى الله عليه وسلم كان يغضب لله تعالى وستأتي أمثلة.
وهناك أمور أخرى تحتاج إلى مراعاة في باب التعامل مع الأخطاء مثل:
- التفريق بين الخطأ الكبير والخطأ الصغير وقد فرقت الشريعة بين الكبائر والصغائر
- التفريق بين المخطئ صاحب السوابق في عمل الخير والماضي الحسن ـ الذي يتلاشى خطؤه أو يكاد في بحر حسناته ـ وبين العاصي المسرف على نفسه وكذلك فإن صاحب السوابق الحسنة يُحتمل منه ما لا يُحتمل من غيره ومما وقع للصديق في ذلك القصة التالية: عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّاجًا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْعَرْجِ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلْنَا فَجَلَسَتْ عَائِشَةُ َضِي اللَّهُ عَنْهَا إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي وَكَانَتْ زِمَالَةُ (دابة السفر) أَبِي بَكْرٍ وَزِمَالَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَةً مَعَ غُلامٍ لِأَبِي بَكْرٍ فَجَلَسَ أَبُو بَكْرٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْهِ فَطَلَعَ وَلَيْسَ مَعَهُ بَعِيرُهُ قَالَ أَيْنَ بَعِيرُكَ قَالَ أَضْلَلْتُهُ الْبَارِحَةَ قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعِيرٌ وَاحِدٌ تُضِلُّهُ قَالَ فَطَفِقَ يَضْرِبُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّمُ وَيَقُولُ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمُحْرِمِ مَا يَصْنَعُ قَالَ ابْنُ أَبِي رِزْمَةَ فَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَقُولَ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمُحْرِمِ مَا يَصْنَعُ وَيَتَبَسَّمُ رواه أبو داود في سننه كتاب المناسك باب المُحرم يؤدب غلامه وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم 1602
- التفريق بين من وقع منه الخطأ مرارا وبين من وقع فيه لأول مرة
- التفريق بين من يتوالى منه حدوث الخطأ وبين من يقع فيه على فترات متباعدة
- التفريق بين المجاهر بالخطأ والمستتر به.
- مراعاة من دينه رقيق ويحتاج إلى تأليف قلب فلا يُغلظ عليه.
- اعتبار حال المخطئ من جهة المكانة والسلطان
وهذه الاعتبارات التي مضى ذكرها لا تتعارض مع العدل المشار إليه آنفا
- الإنكار على المخطئ الصغير بما يتناسب مع سنّه
روى البخاري رحمه الله تعالى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِالْفَارِسِيَّةِ كِخْ كِخْ أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ. فتح 3072
وروى الطبراني رحمه الله عن زينب بنت أبي سلمة أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل قالت: فأخذ حفنة من ماء فضرب بها وجهي وقال وراءك أي لكاع. المعجم الكبير 24/281 وقال الهيثمي إسناده حسن: المجمع 1/269
وبهذا يتبين أن صِغَر الصغير لا يمنع من تصحيح خطئه بل ذلك من إحسان تربيته وهذا مما ينطبع في ذاكرته ويكون ذخيرة لمستقبله فالحديث الأول فيه تعليم الطفل الورع والثاني فيه تعليمه الأدب في الاستئذان وعدم الاطّلاع على العورات.
ومن الشواهد الرائعة في هذا أيضا قصة الغلام الصغير عمر بن أبي سلمة فقد روى البخاري عنه قال: كُنْتُ غُلامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا غُلامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ الفتح رقم 5376
نلحظ في هذه القصة أن توجيهات النبي صلى اله عليه وسلم لذلك الغلام الذي أخطأ في تجوال يده في الطعام كانت قصيرة ومختصرة وواضحة يسهل حفظها وفهمها ولقد أثّرت في نفس الغلام طيلة عمره فقال فما زالت تلك طعمتي بعد.
- الحذر عند الإنكار على النساء الأجنبيات: حتى لا يُفهم الإنكار فهما خاطئا، وحتى تؤمن الفتنة فلا يُتساهل في كلام الشاب مع الفتاة الشابة بحجة بيان الخطأ أو الإنكار والتعليم، وكم جرّ هذا من مصائب، وينبغي أن يتاح في هذا المجال دور كبير لأهل الحسبة ومن يقوم معهم بالإنكار من كبار السن. وعلى الآمر الناهي أن يعمل بما غلب على ظنه في جدوى الإنكار فإن غلب على ظنه النفع تكلم وإلا أحجم عن الكلام مع سفيهات ربما رمينه ببهتان وهنّ مصرّات على الباطل. ويبقى حال المجتمع ومكانة الآمر الناهي لها دور أساسي في نجاح عملية الإنكار أو التبليغ وإقامة الحجة وفيما يلي قصّة:
عن مولى أَبِي رُهْمٍ وَاسْمُهُ عُبَيْدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَقِيَ امْرَأَةً مُتَطَيِّبَةً تُرِيدُ الْمَسْجِدَ فَقَالَ يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ أَيْنَ تُرِيدِينَ قَالَتِ الْمَسْجِدَ قَالَ وَلَهُ تَطَيَّبْتِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ لَمْ تُقْبَلْ لَهَا صَلاةٌ حَتَّى تَغْتَسِلَ رواه ابن ماجة رقم 4002 وهو في صحيح ابن ماجة 2/367
وفي صحيح ابن خزيمة: مرّت بأَبِي هُرَيْرَةَ امْرَأَة وريحها تعصف فَقَالَ لها: إلى أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ؟ َقَالَت إلى الْمَسْجِد. َقَالَ تَطَيَّبْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ فارجعي فاغتسلي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقبل الله من امْرَأَةٍ صلاة خَرَجَتْ إلى الْمَسْجِد وريحها تعصف حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ صحيح ابن خزيمة رقم 1682 وقال الألباني في تعليقه حديث حسن وهو في المسند 2/246،وصحح أحمد شاكر الحديث بطرقه في تعليقه على المسند رقم 7350
- عدم الانشغال بتصحيح آثار الخطأ وترك معالجة أصل الخطأ وسببه.
- عدم تضخيم الخطأ والمبالغة في تصويره
- ترك التكلف والاعتساف في إثبات الخطأ وتجنّب الإصرار على انتزاع الاعتراف من المخطئ بخطئه.
- إعطاء الوقت الكافي لتصحيح الخطأ خصوصا لمن درج عليه واعتاده زمانا طويلا من عمره هذا مع المتابعة والاستمرار في التنبيه والتصحيح.
- تجنب إشعار المخطئ بأنه خصم ومراعاة أن كسب الأشخاص أهم من كسب المواقف
وبعد هذه المقدمة آن الأوان للشروع في عرض بعض ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلكه من الوسائل والأساليب في التعامل مع أخطاء الناس كما جاء ذلك في السنّة الصحيحة التي نقلها أهل العلم.(13/134)
الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس(13/135)
(1) المسارعة إلى تصحيح الخطأ وعدم إهماله
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبادر إلى ذلك لا سيما وأنه لا يجوز في حقّه تأخير البيان عن وقت الحاجة وأنه مكلّف بأن يبين للناس الحقّ ويدلهم على الخير ويحذرهم من الشر ومسارعته صلى الله عليه وسلم إلى تصحيح أخطاء الناس واضحة في مناسبات كثيرة كقصة المسيء صلاته وقصة المخزومية وابن اللتبية وقصة أسامة والثلاثة الذين أرادوا التشديد والتبتل وغيرها وستأتي هذه القصص في ثنايا هذا البحث إن شاء الله.
وعدم المبادرة إلى تصحيح الأخطاء قد يفوّت المصلحة ويضيّع الفائدة وربما تذهب الفرصة وتضيع المناسبة ويبرد الحدث ويضع التأثير.(13/136)
(2) معالجة الخطأ ببيان الحكم
عن جَرْهَدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ فَخِذِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّهَا مِنَ الْعَوْرَةِ سنن الترمذي رقم 2796 وقال الترمذي هذا حديث حسن(13/137)
(3) ردّ المخطئين إلى الشرع وتذكيرهم بالمبدأ الذي خالفوه
في غمرة الخطأ وملابسات الحادث يغيب المبدأ الشرعي عن الأذهان ويضيع في المعمعة فيكون في إعادة إعلان المبدأ والجهر بالقاعدة الشرعية ردّ لمن أخطأ وإيقاظ من الغفلة التي حصلت وإذا تأملنا الحادثة الخطيرة التي وقعت بين المهاجرين والأنصار بسبب نار الفتنة التي أوقدها المنافقون لوجدنا مثالا نبويا على ذلك فقد روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن جَابِر رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قال: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ يَا لَلأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ قَالَ مَا شَأْنُهُمْ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ. الفتح 3518 وفي رواية مسلم: وَلْيَنْصُرِ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ صحيح مسلم رقم 2584(13/138)
(4) تصحيح التصور الذي حصل الخطأ نتيجة لاختلاله
ففي صحيح البخاري عن حُمَيْدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا (أي رأى كل منهم أنها قليلة) فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ (أي أنهم ظنوا بأن من لم يعلم مغفرة ذنوبه يحتاج إلى المبالغة في العبادة أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن تحصل له المغفرة) قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ
ورواه مسلم: عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لا آكُلُ اللَّحْمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي صحيح مسلم رقم 1041
ونلاحظ هنا ما يلي:
- أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم فوعظهم في أنفسهم فيما بينه وبينهم ولما أراد أن يعلّم الناس عموما أبهمهم ولم يفضحهم وإنما قال ما بال أقوام.. وهذا رفقا بهم وسترا عليهم مع تحصيل المصلحة في الإخبار العام.
- في الحديث تتبّع أحوال الأكابر للتأسي بأفعالهم والسير على منوالهم وأنّ التنقيب عن ذلك من كمال العقل والسعي في تربية النفس.
- وفيه أن الأمور المفيدة والمشروعة إذا تعذّرت معرفتها من جهة الرجال جاز استكشافها من جهة النساء
- وأنه لا بأس بحديث المرء عن عمله إذا أَمِن الرياء وكان في الإخبار منفعة للآخرين.
- وفيه أنّ الأخذ بالتشديد في العبادة يؤدي إلى إملال النفس القاطع لها عن أصل العبادة وخير الأمور أوساطها. أنظر الفتح 9/104
- أن الأخطاء عموما تنشأ من خلل في التصورات فإذا صلح التصور قلّت الأخطاء كثيرا وواضح من الحديث أن السبب الذي دفع أولئك الصحابة إلى تلك الصور من التبتّل والرهبانية والتشديد هو ظنّهم أن لا بد من الزيادة على عبادة النبي صلى الله عليه وسلم رجاء النجاة حيث أنه أُخبر من ربه بالمغفرة بخلافهم فصحح لهم النبي صلى الله عليه وسلم تصورهم المجانب للصواب وأخبرهم بأنه مع كونه مغفورا له فإنه أخشى الناس وأتقاهم لله وأمرهم بأن يلزموا سنته وطريقته في العبادة.
وقريب من هذا ما حصل لأحد الصحابة وهو كهمس الهلالي رضي الله عنه الذي روى قصته فقال: " أسلمت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بإسلامي فمكثت حولا وقد ضمرت ونحل جسمي ثم أتيته فخفض فيّ البصر ثمّ رفعه قلت: أما تعرفني؟ قال: ومن أنت؟ قلت: أنا كَهْمِس الهلالي، قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قلت: ما أفطرت بعدك نهارا ولا نمت ليلا، فقال: ومن أمرك أن تعذّب نفسك؟!. صم شهر الصبر ومن كل شهر يوما. قلت زدني، قال: صم شهر الصبر ومن كل شهر يومين، قلت: زدني أجد قوة، قال: صم شهر الصبر ومن كلّ شهر ثلاثة أيام ". مسند الطيالسي رواه الطبراني في الكبير 19/194 رقم 435 وهو في السلسلة الصحيحة برقم 2623
ومن الخلل في التصورات ما يكون متعلقا بموازين تقويم الأشخاص والنظرة إليهم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم حريصا على تصحيح ذلك وبيانه ففي صحيح البخاري عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا الفتح 6447
وفي رواية ابن ماجة: مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا الرَّجُلِ قَالُوا رَأْيَكَ فِي هَذَا نَقُولُ هَذَا مِنْ أَشْرَفِ النَّاسِ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُخَطَّبَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا قَالُوا نَقُولُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ لَمْ يُنْكَحْ وَإِنْ شَفَعَ لا يُشَفَّعْ وَإِنْ قَالَ لا يُسْمَعْ لِقَوْلِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا سنن ابن ماجة ط. عبد الباقي رقم 4120(13/139)
(5) معالجة الخطأ بالموعظة وتكرار التخويف
عن جنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَإِنَّهُمُ الْتَقَوْا فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ وَإِنَّ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ قَالَ وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَتَلَهُ فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيْفَ صَنَعَ فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لِمَ قَتَلْتَهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَقَتَلَ فُلانًا وَفُلانًا وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَتَلْتَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ فَجَعَلَ لا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رواه مسلم ط. عبد الباقي رقم 97
وفي رواية أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأَدْرَكْتُ رَجُلا فَقَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاحِ قَالَ أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ رواه مسلم رقم 69
ومما يدخل في مواجهة الخطأ بالموعظة: التذكير بقدرة الله وهذا مثال:
روى مسلم رحمه الله تعالى عن أَبُي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قال: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلامًا لِي بِالسَّوْطِ فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ قَالَ فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَقُولُ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ قَالَ فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي وفي رواية فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ فَقَالَ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلامِ قَالَ فَقُلْتُ لا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا وفي رواية فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ وفي رواية لمسلم أيضا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ قَالَ فَأَعْتَقَهُ صحيح مسلم رقم 1659
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ كُنْتُ أَضْرِبُ مَمْلُوكًا لِي فَسَمِعْتُ قَائِلا مِنْ خَلْفِي يَقُولُ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ فَمَا ضَرَبْتُ مَمْلُوكًا لِي بَعْدَ ذَلِكَ رواه الترمذي رقم 1948 قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(13/140)
(6) إظهار الرحمة بالمخطئ
وهذا يكون في حال من يستحقّ ممن عَظُم ندمه واشتد أسفه وظهرت توبته مثلما يقع أحيانا من بعض المستفتين كما في مثل هذه القصة:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ ظَاهَرْتُ مِنْ زَوْجَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ فَقَالَ وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ قَالَ فَلا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ سنن الترمذي رقم 1199
وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ رواه البخاري فتح 1936
إن هذا المستفتي المخطئ لم يكن هازلا ولا مستخفا بالأمر بل إن تأنيبه نفسه وشعوره بخطئه واضح من قوله: هلكت، ولذلك استحق الرحمة ورواية أحمد رحمه الله فيها مزيد من التوضيح لحال الرجل عند مجيئه مستفتيا: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ يَلْطِمُ وَجْهَهُ وَيَنْتِفُ شَعَرَهُ وَيَقُولُ مَا أُرَانِي إِلا قَدْ هَلَكْتُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَهْلَكَكَ قَالَ أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً قَالَ لا قَالَ أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لا قَالَ أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا وَذَكَرَ الْحَاجَةَ قَالَ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزِنْبِيلٍ وَهُوَ الْمِكْتَلُ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَحْسَبُهُ تَمْرًا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ الرَّجُلُ قَالَ أَطْعِمْ هَذَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَحَدٌ أَحْوَجُ مِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ قَالَ أَطْعِمْ أَهْلَكَ المسند 2/516 الفتح الرباني 10/ 89.(13/141)
(7) عدم التسرع في التخطئة
وقد حدثت لعمر رضي الله عنه قصة رواها بنفسه فقال: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاةِ فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ قَالَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ كَذَبْتَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسِلْهُ اقْرَأْ يَا هِشَامُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ يَا عُمَرُ فَقَرَأْتُ الْقِرَاءةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ رواه البخاري الفتح 4992
ومن الفوائد التربوية في هذه القصة ما يلي:
ـ أَمْر كل واحد منهما أن يقرأ أمام الآخر مع تصويبه أبلغ في تقرير صوابهما وعدم خطأ أيّ منهما.
ـ أمْر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بإطلاق هشام بقوله: (أرسله يا عمر) كما في رواية الترمذي للقصة صحيح الترمذي 3/16 فيه تهيئة الخصمين للاستماع وهما في حال الهدوء وفيه إشارة إلى استعجال عمر رضي الله عنه.
ـ على طالب العلم أن لا يستعجل بتخطئة من حكى قولا يخالف ما يعرفه إلا بعد التثبت فربما يكون ذلك القول قولا معتبرا من أقوال أهل العلم.
ومما يتعلق بهذا الموضوع أيضا: عدم التسرع في العقوبة وفي القصة التالية شاهد:
روى النسائي رحمه الله عَنْ عَبَّادِ بْنِ شُرَحْبِيلَ رضي الله عنه قَالَ قَدِمْتُ مَعَ عُمُومَتِي الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ حَائِطًا مِنْ حِيطَانِهَا فَفَرَكْتُ مِنْ سُنْبُلِهِ فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَأَخَذَ كِسَائِي وَضَرَبَنِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَعْدِي عَلَيْهِ فَأَرْسَلَ إِلَى الرَّجُلِ فَجَاءُوا بِهِ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ دَخَلَ حَائِطِي فَأَخَذَ مِنْ سُنْبُلِهِ فَفَرَكَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَلَّمْتَهُ إِذْ كَانَ جَاهِلا وَلا أَطْعَمْتَهُ إِذْ كَانَ جَائِعًا ارْدُدْ عَلَيْهِ كِسَاءهُ وَأَمَرَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَسْقٍ أَوْ نِصْفِ وَسْقٍ النسائي: المجتبى: كتاب آداب القضاة باب الاستعداء وهو في صحيح سنن النسائي رقم 4999
يُستفاد من هذه القصّة أنّ معرفة ظروف المخطئ أو المتعدي يوجّه إلى الطريقة السليمة في التعامل معه.
وكذلك يُلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعاقب صاحب البستان لأنه صاحب حقّ وإنما خطّأه في أسلوبه ونبهه بأنّ تصرّفه مع من يجهل لم يكن بالتصرّف السليم في مثل ذلك الموقف ثمّ أرشده إلى التصرّف الصحيح وأمره بردّ ما أخذه من ثياب الجائع.(13/142)
(8) الهدوء في التعامل مع المخطئ
وخصوصا عندما يؤدي القيام عليه والاشتداد في نهيه إلى توسيع نطاق المفسدة ويمكن أن نتبين ذلك من خلال مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم لخطأ الأعرابي الذي بال في المسجد كما جاء عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ مَهْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَمَرَ رَجُلا مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ صحيح مسلم رقم 285
لقد كانت القاعدة التي اتبعها النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة الخطأ: التيسير وعدم التعسير، فقد جاء في رواية البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِين فتح 6128
لقد تحمّس الصحابة رضوان الله عليهم لإنكار المنكر حرصا على طهارة مسجدهم وروايات الحديث تدلّ على ذلك ومنها: ـ
" فصاح به الناس " - " فثار إليه الناس " - " فزجره الناس " - فأسرع إليه الناس " وفي رواية " فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه " جامع الأصول 7/83-87
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم نظر في عواقب الأمور وأن الأمر يدور بين احتمالين إما أن يُمنع الرجل وإما أن يُترك. وأنه لو مُنع فإما أن ينقطع البول فعلا فيحصل على الرجل ضرر من احتباس بوله وإما أن لا ينقطع ويتحرك خوفا منهم فيزداد انتشار النجاسة في المسجد أو على جسد الرجل وثيابه فرأى النبي صلى الله عليه وسلم بثاقب نظره أن ترك الرجل يبول هو أدنى المفسدتين وأهون الشرين خصوصا وأن الرجل قد شرع في المفسدة والنجاسة يمكن تداركها بالتطهير ولذلك قال لأصحابه: دعوه لا تُزرموه أي لا تحبسوه. فأمرهم بالكفّ لأجل المصلحة الراجحة وهو دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما
وقد جاء في رواية أنه صلى الله عليه وسلم سأل الرجل عن سبب فعله، فقد روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فبايعه في المسجد ثم انصرف فقام ففحج ثم بال فهمّ الناس به فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: لا تقطعوا على الرجل بوله، ثم قال: ألست بمسلم؟ قال: بلى، قال ما حملك على أن بُلت في مسجدنا؟ قال: والذي بعثك بالحقّ ما ظننته إلا صعيدا من الصعدات فبلت فيه. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فصبّ على بوله. رواه الطبراني في الكبير رقم 11552 ج11ص220 وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح 2/10
إن هذا الأسلوب الحكيم في المعالجة قد أحدث أثرا بالغا في نفس ذلك الأعرابي يتضح من عبارته كما جاء في رواية ابن ماجة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِمُحَمَّدٍ وَلا تَغْفِرْ لأَحَدٍ مَعَنَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَقَدِ احْتَظَرْتَ وَاسِعًا ثُمَّ وَلَّى حَتَّى إِذَا كَانَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَشَجَ (فرّج ما بين رجليه) يَبُولُ فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ بَعْدَ أَنْ فَقِهَ فَقَامَ إِلَيَّ بِأَبِي وَأُمِّي فَلَمْ يُؤَنِّبْ وَلَمْ يَسُبَّ فَقَالَ إِنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لا يُبَالُ فِيهِ وَإِنَّمَا بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَلِلصَّلاةِ ثُمَّ َمَرَ بِسَجْلٍ مِنْ مَاءٍ فَأُفْرِغَ عَلَى بَوْلِهِ سنن بن ماجة ط. عبد الباقي 529 وهو في صحيح بن ماجة 428
وقد ذكر بن حجر رحمه الله تعالى فوائد في شرح حديث الأعرابي منها:
* - الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا ولا سيما إن كان ممن يُحتاج إلى استئلافه.
* - وفيه رأفة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه.
* - وفيه أن الاحتراز من النجاسة كان مقررا في نفوس الصحابة ولهذا بادروا إلى الإنكار بحضرته صلى الله عليه وسلم قبل استئذانه ولما تقرر عندهم أيضا من طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* - وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع لأمرهم عند فراغه بصبّ الماء. الفتح 1/324-325(13/143)
(9) بيان خطورة الخطأ
عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة - دخل حديث بعضهم في بعض - أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء. يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء. فقال عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق، قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة لتنكب رجليه وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون} التوبة/65 وما يلتفت إليه وما يزيد عليه.
ورواه ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء! فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق! لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} . تفسير ابن جرير الطبري 14/333 ط. دار الكتب العلمية. الأولى 1412، ورجاله رجال الصحيح إلا هشام بن سعد فلم يخرج له مسلم إلا في الشواهد كما في الميزان، وأخرجه الطبري من طريقه وله شاهد بسند حسن عند ابن حاتم من حديث كعب بن مالك. (الصحيح المسند من أسباب النزول صـ 71) .(13/144)
(10) بيان مضرة الخطأ
عن أَبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِي قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلا إِلا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يُقَالَ لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ رواه أبو داود رحمه الله تعالى في سننه 2286 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 2288. وفي رواية: حَتَّى إِنَّكَ لَتَقُولُ لَوْ بَسَطْتُ عَلَيْهِمْ كِسَاءً لَعَمَّهُمْ أحمد: الفتح الرباني 14/44
ويُلاحظ رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وفيه حرص القائد على مصلحة جنوده.
وأن تفرّق الجيش إذا نزل فيه تخويف الشيطان للمسلمين وإغراء للعدو بهم انظر عون المعبود 7/292 والتفرق يمنع بعض الجيش من معونة بعض انظر دليل الفالحين 6/130
ويُلاحظ امتثال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لتوجيهه فيما استقبلوا من أمرهم.
ومن الأمثلة أيضا على بيان مضرة الخطأ وخطورته حديث النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ رواه البخاري في صحيحه فتح رقم 717
وفي صحيح مسلم عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَان بن بَشِير يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ فَقَالَ عِبَادَ اللَّهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ صحيح مسلم رقم 436
وروى النسائي عن أنس رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَاصُّوا صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَيْنَهَا وَحَاذُوا بِالأَعْنَاقِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرَى الشَّيَاطِينَ تَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهَا الْحَذَفُ (أي الغنم السود الصغار) المجتبى 2/92 صححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم 785.
فتبيين مفاسد الخطأ وما يترتب عليه من العواقب أمر مهم في الإقناع للمخطئ، وقد تكون عاقبة الخطأ على المخطئ نفسه وقد تتعدى إلى آخرين فمن الأول ما رواه أبو داود رحمه الله تعالى في سننه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا لَعَنَ الرِّيحَ وَقَالَ مُسْلِمٌ إِنَّ رَجُلا نَازَعَتْهُ الرِّيحُ رِدَاءهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَنَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَلْعَنْهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ أبو داود رقم 4908 وهو في صحيح أبي داود رقم 4102
ومثال الثاني ما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وفي رواية لمسلم: فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي كَذَا وَكَذَا صحيح مسلم رقم 3000) فَقَالَ وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا ثُمَّ قَالَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَلا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ 2662 كتاب الشهادات وفي رواية البخاري في الأدب المُفرد عن محجن الأسلمي رضي الله عنه في قصة له قال: حتى إذا كنا في المسجد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي ويسجد ويركع فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا؟ فأخذت أُطريه فقلت: يا رسول الله هذا فلان وهذا وهذا [وفي رواية في الأدب المفرد أيضا هذا فلان وهو من أحسن أهل المدينة صلاة] فقال: أمسك، لا تُسمعه فتهلكه. صحيح الأدب المفرد 137 وقال الألباني: حسن
وفي رواية للبخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي مَدْحِهِ فَقَالَ أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهَرَ الرَّجُلِ فتح 2663
فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم هنا لهذا المبالغ في المدح المخطئ فيه عاقبة خطئه وذلك أالزيادة في الإطراء تُدخل في قلب الممدوح الغرور فيتيه بنفسه كبرا أو إعجابا وربما يفتر عن العمل متواكلا على الشهرة الآتية من المدح أو يقع في الرياء لما يحسّه من لذة المدح فيكون في ذلك هلاكه وهو ما عبّر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: " أهلكتم " أو " قطعتم عنق الرجل " أو " ظهر الرجل ".
ثم إن المادح قد يجازف في المدح ويقول ما لايتحققه ويجزم بما لا يستطيع الاطلاع عليه وقد يكذب وقد يرائي الممدوح بمدحه فتكون الطامة لاسيما إن كان الممدوح ظالما أو فاسقا انظر الفتح 10/478
والمدح ليس منهيا عنه بإطلاق وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم أشخاصا وهم حضور وقد جاء في عنوان الباب في صحيح مسلم إيضاح مهم: بَاب النَّهْيِ عَنِ الْمَدْحِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِفْرَاطٌ وَخِيفَ مِنْهُ فِتْنَةٌ عَلَى الْمَمْدُوحِ * كتاب الزهد والرقائق صحيح مسلم
والذي يعدّ نفسه مقصّرا لا يضره المدح وإذا مُدح لم يغترّ لأنه يعرف حقيقة نفسه قال بعض السلف: إذا مُدح الرجل في وجهه فليقل: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرا مما يظنون. فتح 10/ 478.(13/145)
(11) تعليم المخطئ عمليا
في كثير من الأحيان يكون التعليم العملي أقوى وأشد أثرا من التعليم النظري وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى جبير بن نفير عن أبيه أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر له بوَضوء فقال: توضأ يا أبا جبير، فبدأ أبو جبير بفيه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبتدأ بفيك يا أبا جبير فإن الكافر يبتدأ بفيه، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوَضوء، فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم تمضمض واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا واليسرى ثلاثا ومسح رأسه وغسل رجليه. رواه البيهقي في السنن 1/46 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 2820
والملاحظ هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم عمد إلى تنفير ذلك الصحابي من فعله المجانب للصواب عندما أخبره أن الكافر يبدأ بفيه ولعل المعنى أن الكافر لا يغسل كفيه قبل إدخالهما في الإناء أفادنيه العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز عندما سألته عن شرح الحديث وهذا من عدم المحافظة على النظافة والله أعلم.(13/146)
(12) تقديم البديل الصحيح
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاةِ قُلْنَا السَّلامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلامُ عَلَى فُلانٍ وَفُلانٍ (وفي رواية النسائي السلام على جبريل السلام على ميكائيل المجتبى: كتاب التطبيق: باب كيف التشهد الأول وهو في صحيح سنن النسائي رقم 1119) فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَقُولُوا السَّلامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو البخاري فتح 835
ومن هذا الباب أيضا ما روى أَنَس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِْبْلَةِ فَلا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا رواه البخاري فتح 405
وفي رواية: لا يَتْفِلَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلا عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ رِجْلِهِ رواه البخاري الفتح 412
ومثال آخر: عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ بِلالٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيْنَ هَذَا قَالَ بِلالٌ كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا لا تَفْعَلْ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ رواه البخاري فتح 2312 وفي رواية: أَنَّ غُلامًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ بِتَمْرٍ رَيَّانَ وَكَانَ تَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْلا فِيهِ يُبْسٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّى لَكَ هَذَا التَّمْرُ فَقَالَ هَذَا صَاعٌ اشْتَرَيْنَاهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ تَمْرِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَفْعَلْ فَإِنَّ هَذَا لا يَصْلُحُ وَلَكِنْ بِعْ تَمْرَكَ وَاشْتَرِ مِنْ أَيِّ تَمْرٍ شِئْتَ مسند أحمد 3/67.
والذي نجده في واقع بعض الدعاة الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر قصورا في دعوتهم عند إنكار بعض أخطاء الناس، وذلك بالاكتفاء بالتخطئة وإعلان الحرمة دون تقديم البديل أو بيان ما هو الواجب فعله إذا حصل الخطأ، ومعلوم من طريقة الشريعة أنها تقدّم البدائل عوضا عن أي منفعة محرمة فلما حرّمت الزنا شرعت النكاح ولما حرّمت الربا أباحت البيع ولما حرّمت الخنزير والميتة وكلّ ذي ناب ومخلب أباحت الذبائح من بهيمة الأنعام وغيرها وهكذا. ثمّ لو وقع الشخص في أمر محرّم فقد أوجدت له الشريعة المخرج بالتوبة والكفارة كما هو مبيّن في نصوص الكفارات. فينبغي على الدعاة أن يحذوا حذو الشريعة في تقديم البدائل وإيجاد المخارج الشرعية. من الأمثلة لتقديم البديل ذكر الحديث الصحيح الذي يُغني عن الحديث الضعيف أو الموضوع.
ومما تجدر الإشارة إليه أن مسألة تقديم البديل هي بحسب الإمكان والقدرة فقد يكون الأمر أحيانا خطأ يجب الامتناع عنه ولا يوجد في الواقع بديل مناسب إما لفساد الحال وبعد الناس عن شريعة الله أو أن الآمر الناهي لا يستحضر شيئا أو ليس لديه إلمام بالبدائل الموجودة في الواقع فهو سينكر ويُغيّر الخطأ ولو لم يوجد لديه بديل يقوله ويوجّه إليه وهذا يقع كثيرا في بعض التعاملات المالية وأنظمة الاستثمار التي نشأت في مجتمعات الكفار ونُقلت بما هي عليه من المخالفات الشرعية إلى مجتمعات المسلمين، وفي المسلمين من القصور والضعف ما يحول دون إيجاد البديل الشرعي وتعميمه. ولكن يبقى الحال أن ذلك قصور ونقص وأن المنهج الإلهي فيه البدائل والمخارج التي ترفع الحرج والعنت عن المسلمين علمها من علمها وجهلها من جهلها.(13/147)
(13) الإرشاد إلى ما يمنع من وقوع الخطأ
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنَ الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ (المخبأة: هي الفتاة في خدرها وهو كناية عن شدة بياضه) فَلُبِطَ سَهْلٌ (أي: صُرع وسقط على الأرض) فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ قَالَ هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ قَالُوا نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ ثُمَّ قَالَ لَهُ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ المسند 3/486 وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح، المجمع 5/107.
وفي رواية مالك رحمه الله عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ اغْتَسَلَ أَبِي سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ بِالْخَرَّارِ فَنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ يَنْظُرُ قَالَ وَكَانَ سَهْلٌ رَجُلا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِلْدِ قَالَ فَقَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلا جِلْدَ عَذْرَاءَ قَالَ فَوُعِكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ وَاشْتَدَّ وَعْكُهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرَ أَنَّ سَهْلا وُعِكَ وَأَنَّهُ غَيْرُ رَائِحٍ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ عَامِرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَلا بَرَّكْتَ إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ تَوَضَّأْ لَهُ فَتَوَضَّأَ لَهُ عَامِرٌ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ الموطأ رقم الحديث 1972.
وقد تضمنت هذه القصة:
ـ تغيظ المربي على من تسبب في إيذاء أخيه المسلم
ـ بيان مضرة الخطأ وأنه ربما يؤدي إلى القتل
ـ الإرشاد إلى ما يمنع من وقوع الضرر وإيذاء المسلم(13/148)
(14) عدم مواجهة بعض المخطئين بالخطأ والاكتفاء بالبيان العام
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ رواه البخاري فتح حديث رقم 750
ولما أرادت عَائِشَةَ رضي الله عنها شراء جارية اسمها بريرة رفض أهلها بيعها إلا بشرط أن يَكُونَ الْوَلاءُ لَهُمْ فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ القصة رواها البخاري رحمه الله تعالى في مواضع متعددة من صحيحه انظر فتح 5636
وعن عَائِشَةُ رضي الله عنها قالت: صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لأعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً فتح 6101
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا وَوَصَفَ الْقَاسِمُ فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ صحيح مسلم رقم 550
وروى النسائي في سننه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَقَرَأَ الرُّومَ فَالْتَبَسَ عَلَيْهِ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُصَلُّونَ مَعَنَا لا يُحْسِنُونَ الطُّهُورَ فَإِنَّمَا يَلْبِسُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ أُولَئِكَ سنن النسائي: المجتبى 2/ 156، رجاله ثقات وعبد الملك بن عمير قال عنه الحافظ: ثقة عالم تغير حفظه وربما دلّس ورواه أحمد رحمه الله تعالى عَنْ أَبِي رَوْحٍ الْكَلاعِيِّ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةً فَقَرَأَ فِيهَا سُورَةَ الرُّومِ فَلَبَسَ عَلَيْهِ بَعْضُهَا قَالَ إِنَّمَا لَبَسَ عَلَيْنَا الشَّيْطَانُ الْقِرَاءةَ مِنْ أَجْلِ أَقْوَامٍ يَأْتُونَ الصَّلاةَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ فإذا أتيتم الصلاة َ فَأَحْسِنُوا الْوُضُوءَ. وكذلك رواه عن شعبة عن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ شَبِيبًا أَبَا رَوْحٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِيهَا الرُّومَ فَأَوْهَمَ فَذَكَرَهُ ورواه رحمه الله أيضا عن زائدة وسفيان عن عبد الملك المسند 3/473
والأمثلة كثيرة ويجمعها عدم فضح صاحب الخطأ. وأسلوب التعريض بالمخطئ وعدم مواجهته له فوائد منها:
1ـ تجنّب ردّ الفعل السلبي للمخطئ وإبعاده عن تزيين الشيطان له بالانتقام الشخصي والانتصار للنفس
2ـ أنه أكثر قبولا وتأثيرا في النفس
3ـ أنه أستر للمخطئ بين الناس
4ـ ازدياد منزلة المربي وزيادة المحبة للناصح
وينبغي الانتباه إلى أنّ أسلوب التعريض هذا لإيصال الحكم إلى المخطئ دون فضحه وإحراجه إنما يكون إذا كان أمر المخطئ مستورا لا يعرفه أكثر الناس أما إذا كان أكثر الحاضرين يعرفونه وهو يعلم بذلك فإن الأسلوب حينئذ قد يكون أسلوب تقريع وتوبيخ وفضح بالغ السوء والمضايقة للمخطئ بل إنه ربما يتمنى لو أنه ووجه بخطئه ولم يُستعمل معه ذلك الأسلوب. ومن الأمور المؤثرة فرْقا: من هو الذي يوجّه الكلام؟ وبحضرة من يكون الكلام؟ وهل كان بأسلوب الإثارة والاستفزاز أم بأسلوب النصح والإشفاق؟
فالأسلوب غير المباشر أسلوب تربوي نافع للمخطئ ولغيره إذا استُعمل بحكمة.(13/149)
(15) إثارة العامة على المخطئ
وهذا يكون في أحوال معينة وينبغي أن يوزن وزنا دقيقا حتى لا تكون له مضاعفات سلبية وفيما يلي مثال نبوي لهذه الوسيلة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَُّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ اذْهَبْ فَاصْبِرْ فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا فَقَالَ اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ لا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ رواه أبو داود كتاب الأدب باب: في حق الجوار رقم 5153 وهو في صحيح أبي داود 4292
ويقابل هذا الأسلوب أسلوب آخر يُستخدم في أحوال أخرى ومع أشخاص آخرين في حماية المخطئ من إيذاء العامة ويبينه الفقرة التالية:(13/150)
(16) تجنب إعانة الشيطان على المخطئ
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَلْعَنُوهُ فَوَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ رواه البخاري فتح 6780
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَجُلٌ مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ رواه البخاري فتح 6781
وعَنهْ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قال: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ قَالَ اضْرِبُوهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَخْزَاكَ اللَّهُ قَالَ: [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم] لا تَقُولُوا هَكَذَا لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ البخاري فتح 6777
وفي رواية ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ بَكِّتُوهُ فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ مَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ مَا خَشِيتَ اللَّهَ وَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ وَلَكِنْ قُولُوا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ الْكَلِمَةَ وَنَحْوَهَا أبو داود كتاب الحدود باب الحد في الخمر رقم 4478 4/620، صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 3759
وفي رواية: فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَخْزَاكَ اللَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَقُولُوا هَكَذَا لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ وَلَكِنْ قُولُوا رَحِمَكَ اللَّهُ رواه أحمد 2/300 قال أحمد شاكر: إسناده صحيح المسند ت. أحمد شاكر رقم 7973.
ويستفاد من مجموع هذه الروايات أنّ المسلم وإن وقع في معصية فإنه يبقى معه أصل الإسلام وأصل المحبة لله ورسوله فلا يجوز أن يُنفى عنه ذلك ولا أن يُدعى عليه بما يعين عليه الشيطان بل يُدعى له بالهداية والمغفرة والرحمة.(13/151)
(17) طلب الكف عن الفعل الخاطئ
من الأهمية بمكان إيقاف المخطئ عن الاستمرار في الخطأ حتى لا يزداد سوءا وحتى يحصل القيام بإنكار المنكر ولا يتأخر
عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لا وَأَبِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ إِنَّهُ مَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ دُونَ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ رواه الإمام أحمد 1/47 وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح رقم 329
"مه " كلمة زجر وإنكار بمعنى: اكفف
وروى أبو داود في سننه عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ
وروى الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ سنن الترمذي رقم 2478 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 343
ففي هذه الأحاديث الطلب المباشر من المخطئ بالكفّ والامتناع عن فعله.(13/152)
(18) إرشاد المخطئ إلى تصحيح خطئه
وقد كان ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أساليب منها:
- محاولة لفت نظر المخطئ إلى خطئه ليقوم بتصحيحه بنفسه
ومن الأمثلة على ذلك ما رواه أَبِو سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه وكان مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَدَخَلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى رَجُلا جَالِسًا وَسَطَ الْمَسْجِدِ مُشَبِّكًا بَيْنَ أَصَابِعِهِ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَفْطِنْ قَالَ فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَقَالَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَإِنَّ التَّشْبِيكَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَزَالُ فِي صَلاةٍ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ رواه أحمد في مسنده 3/54 وقال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن 2/25
ـ طلب إعادة الفعل على الوجه الصحيح إذا كان ذلك ممكنا
فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ السَّلامُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ وَعَلَيْكَ السَّلامُ فَارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا رواه الجماعة واللفظ للبخاري فتح 6251
ومن الملاحظ:
* أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتبه لأفعال الناس من حوله كي يعلمهم وقد وقع في رواية النسائي: أَنَّ رَجُلا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمُقُهُ وَنَحْنُ لا نَشْعُرُ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ.. الحديث 2/193 صحيح سنن النسائي رقم 1008
فمن صفة المربي أن يكون يقظا لأفعال من معه
* إن من الحكمة في التعليم طلب إعادة الفعل من المخطئ لعله ينتبه إلى خطئه فيصححه بنفسه خصوصا إذا كان الخطأ ظاهرا لا ينبغي أن يحدث منه وربما يكون ناسيا فيتذكر
* إن المخطئ إذا لم ينتبه إلى خطئه وجب البيان والتفصيل
* إن إعطاء المعلومة للشخص إذا اهتم بمعرفتها وسأل عنها وتعلقت بها نفسه أوقع أثرا في حسّه وأحفظ في ذهنه من إعطائه إياها ابتداء دون سؤال ولا تشوّف.
إن وسائل التعليم كثيرة يختار منها المربي ما يُناسب الحال والظرف.
ومن أمثلة طلب إعادة الفعل الخاطئ على الوجه الصحيح أيضا ما رواه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عَنْ جَابِرٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى صحيح مسلم 243
ومثال ثالث فيما رواه الترمذي رحمه الله تعالى في سننه عن كَلَدَةَ بْنَ حَنْبَلٍ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بَعَثَهُ بِلَبَنٍ وَلِبَأٍ وَضَغَابِيسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى الْوَادِي قَالَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أُسَلِّمْ وَلَمْ أَسْتَأْذِنْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْجِعْ فَقُلِ السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ رواه الترمذي رقم 2710 قال الترمذي حديث حسن غريب وضغابيس هو حشيش يؤكل والحديث في صحيح سنن الترمذي رقم 2180
ـ طلب تدارك ما أمكن لتصحيح الخطأ
فقد روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَاكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قَالَ ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ الفتح 5233
ـ إصلاح آثار الخطأ
روى النسائي رحمه الله تعالى في سننه عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ قَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا المجتبى 7/143 وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم 3881.
ـ الكفارة عن الخطأ
إذا كانت بعض الأخطاء لا يمكن استدراكها فإن الشريعة قد جعلت أبوابا أُخر لمحو أثرها ومن ذلك الكفارات وهي كثيرة ككفارة اليمين والظهار وقتل الخطأ والوطء في نهار رمضان وغيرها.(13/153)
(19) إنكار موضع الخطأ وقبول الباقي
قد لا يكون الكلام أو الفعل كله خطأ فيكون من الحكمة الاقتصار في الإنكار على موضع الخطأ وعدم تعميم التخطئة لتشمل سائر الكلام أو الفعل، يدلّ على ذلك ما أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قالت: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَالَ دَعِي هَذِهِ وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ فتح 5147 وفي رواية الترمذي: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْكُتِي عَنْ هَذِهِ وَقُولِي الَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ قَبْلَهَا قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ سنن الترمذي طبعة شاكر 1090
وفي رواية ابن ماجة فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَلا تَقُولُوهُ مَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلا اللَّهُ سنن ابن ماجة ط. عبد الباقي رقم 1879 وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه برقم 1539.
ولا شك أن مثل هذا التصرّف يُشعر المخطئ بانصاف وعدل القائم بالإنكار والتصحيح ويجعل تنبيهه أقرب للقبول في نفس المخطئ بخلاف بعض المُنكرين الذين قد يغضب أحدهم من الخطأ غضبا يجعله يتعدّى في الإنكار يصل به إلى تخطئة ورفض سائر الكلام بما اشتمل عليه من حق وباطل مما يسبّب عدم قبول كلامه وعدم انقياد المخطئ للتصحيح.
وبعض المخطئين لا يكون خطؤهم في ذات الكلام الذي تفوّهوا به ولكن في المناسبة التي قالوا فيها ذلك الكلام كمثل قول البعض عند وفاة شخص: الفاتحة ثمّ يقرؤها الحاضرون وقد يحتجون بأن ما قرأوه قرآنا وليس كفرا فلا بدّ أن يبيّن لهم أنّ الخطأ في فعلهم هو في تخصيص الفاتحة بهذه المناسبة على وجه التعبّد دون دليل شرعي وهذه هي البدعة بعينها. وهذا المعنى هو الذي لفت إليه ابن عمر رضي الله عنه نظر رجل عَطَسَ إِلَى جَنْبِه فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سنن الترمذي رقم 2738(13/154)
(20) إعادة الحق إلى صاحبه وحفظ مكانة المخطئ
روى مسلم عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلا مِنَ الْعَدُوِّ فَأَرَادَ سَلَبَهُ فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لِخَالِدٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ قَالَ اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ادْفَعْهُ إِلَيْهِ فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُغْضِبَ فَقَالَ لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلا أَوْ غَنَمًا فَرَعَاهَا ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ وَتَرَكَتْ كَدْرَهُ فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدْرُهُ عَلَيْهِمْ مسلم بشرح النووي 12/64
ورواه الإمام أحمد رحمه الله بسياق أتم من هذا عن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ غَزَوْنَا غَزْوَةً إِلَى طَرَفِ الشَّامِ فَأُمِّرَ عَلَيْنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ فَانْضَمَّ إِلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَمْدَادِ حِمْيَرَ فَأَوَى إِلَى رَحْلِنَا لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ إِلا سَيْفٌ لَيْسَ مَعَهُ سِلاحٌ غَيْرَهُ فَنَحَرَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَزُورًا فَلَمْ يَزَلْ يَحْتَلْ حَتَّى أَخَذَ مِنْ جِلْدِهِ كَهَيْئَةِ الْمِجَنِّ حَتَّى بَسَطَهُ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ وَقَدَ عَلَيْهِ حَتَّى جَفَّ فَجَعَلَ لَهُ مُمْسِكًا كَهَيْئَةِ التُّرْسِ فَقُضِيَ أَنْ لَقِينَا عَدُوَّنَا فِيهِمْ أَخْلاطٌ مِنَ الرُّومِ وَالْعَرَبِ مِنْ قُضَاعَةَ فَقَاتَلُونَا قِتَالا شَدِيدًا وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَشْقَرَ وَسَرْجٍ مُذَهَّبٍ وَمِنْطَقَةٍ مُلَطَّخَةٍ ذَهَبًا وَسَيْفٌ مِثْلُ ذَلِكَ فَجَعَلَ يَحْمِلُ عَلَى الْقَوْمِ وَيُغْرِي بِهِمْ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الْمَدَدِيُّ يَحْتَالُ لِذَلِكَ الرُّومِيِّ حَتَّى مَرَّ بِهِ فَاسْتَقْفَاهُ فَضَرَبَ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ بِالسَّيْفِ فَوَقَعَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ ضَرْبًا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهُ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ الْفَتْحَ أَقْبَلَ يَسْأَلُ لِلسَّلَبِ وَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّاسُ بِأَنَّهُ قَاتِلُهُ فَأَعْطَاهُ خَالِدٌ بَعْضَ سَلَبِهِ وَأَمْسَكَ سَائِرَهُ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى رَحْلِ عَوْفٍ ذَكَرَهُ فَقَالَ لَهُ عَوْفٌ ارْجِعْ إِلَيْهِ فَلْيُعْطِكَ مَا بَقِيَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَبَى عَلَيْهِ فَمَشَى عَوْفٌ حَتَّى أَتَى خَالِدًا فَقَالَ أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ قَالَ بَلَى قَالَ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْفَعَ إِلَيْهِ سَلَبَ قَتِيلِهِ قَالَ خَالِدٌ اسْتَكْثَرْتُهُ لَهُ قَالَ عَوْفٌ لَئِنْ رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَذْكُرَنَّ ذَلِكَ لَهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَهُ عَوْفٌ فَاسْتَعْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا خَالِدًا وَعَوْفٌ قَاعِدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَمْنَعُكَ يَا خَالِدُ أَنْ تَدْفَعَ إِلَى هَذَا سَلَبَ قَتِيلِهِ قَالَ اسْتَكْثَرْتُهُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ ادْفَعْهُ إِلَيْهِ قَالَ فَمَرَّ بِعَوْفٍ فَجَرَّ عَوْفٌ بِرِدَائِهِ فَقَالَ لِيَجْزِي لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُغْضِبَ فَقَالَ لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكِي أُمَرَائِي إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلا أَوْ غَنَمًا فَرَعَاهَا ثُمَّ تَخَيَّرَ سَقْيَهَا فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَةَ الْمَاءِ وَتَرَكَتْ كَدَرَهُ فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدَرُهُ عَلَيْهِمْ
ونلاحظ أن خالدا لما أخطأ في اجتهاده بمنع القاتل من السلب الكثير أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الأمر في نصابه بإعادة الحق إلى صاحبه ولكنه عليه الصلاة والسلام غضب لما سمع عوفا رضي الله عنه يعرّض بخالد ويتهكم عليه بقوله: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عوف قد جرّ برداء خالد لمّا مرّ بجانبه فقال صلى الله عليه وسلم: لا تُعطه يا خالد وهذا من باب ردّ الاعتبار إلى الأمير والقائد لأن في حفظ مكانته بين الناس مصلحة ظاهرة.
وقد يرد هنا الإشكال الآتي: إذا كان القاتل قد استحق السلب فكيف يمنعه إياه؟ أجاب النووي رحمه الله عن ذلك بوجهين:
أحدهما: لعله أعطاه بعد ذلك للقاتل وإنما أخّره تعزيرا له ولعوف بن مالك لكونهما أطلقا ألسنتهما في خالد رضي الله عنه وانتهكا حرمة الوالي ومن ولاّه.
الوجه الثاني: لعله استطاب قلب صاحبه فتركه صاحبه باختياره وجعله للمسلمين، وكان المقصود بذلك استطابة قلب خالد رضي الله عنه للمصلحة في إكرام الأمراء. الفتح الرباني 14/84
ومن شواهد سألة إعادة الاعتبار لمن أُخطِئ عليه ما جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ رَجُلا مَرَّ عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيْهِ السَّلامَ فَلَمَّا جَاوَزَهُمْ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْغِضُ هَذَا فِي اللَّهِ فَقَالَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ بِئْسَ وَاللَّهِ مَا قُلْتَ أَمَا وَاللَّهِ لَنُنَبِّئَنَّهُ قُمْ يَا فُلانُ رَجُلا مِنْهُمْ فَأَخْبِرْهُ قَالَ فَأَدْرَكَهُ رَسُولُهُمْ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَرَرْتُ بِمَجْلِسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ فُلانٌ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا السَّلامَ فَلَمَّا جَاوَزْتُهُمْ أَدْرَكَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فُلانًا قَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْغِضُ هَذَا الرَّجُلَ فِي اللَّهِ فَادْعُهُ فَسَلْهُ عَلَى مَا يُبْغِضُنِي فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فَسَأَلَهُ عَمَّا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ فَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ وَقَالَ قَدْ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِمَ تُبْغِضُهُ قَالَ أَنَا جَارُهُ وَأَنَا بِهِ خَابِرٌ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ يُصَلِّي صَلاةً قَطُّ إِلا هَذِهِ الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ الَّتِي يُصَلِّيهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ قَالَ الرَّجُلُ سَلْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ رَآنِي قَطُّ أَخَّرْتُهَا عَنْ وَقْتِهَا أَوْ أَسَأْتُ الْوُضُوءَ لَهَا أَوْ أَسَأْتُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِيهَا فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لا ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ يَصُومُ قَطُّ إِلا هَذَا الشَّهْرَ الَّذِي يَصُومُهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ رَآنِي قَطُّ أَفْطَرْتُ فِيهِ أَوِ انْتَقَصْتُ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لا ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ يُعْطِي سَائِلا قَطُّ وَلا رَأَيْتُهُ يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فِي شَيْءٍ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ إِلا هَذِهِ الصَّدَقَةَ الَّتِي يُؤَدِّيهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ قَالَ فَسَلْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ كَتَمْتُ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئًا قَطُّ أَوْ مَاكَسْتُ فِيهَا طَالِبَهَا قَالَ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ خَيْرٌ مِنْكَ ورد في المسند بعد هذا الحديث مباشرة ما يلي: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلا فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا الطُّفَيْلِ قَالَ عَبْد اللَّهِ بَلَغَنِي أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ حِفْظِهِ وَقَالَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ حَدَّثَ بِهِ ابْنُهُ يَعْقُوبُ عَنْ أَبِيهِ فَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا الطُّفَيْلِ فَأَحْسِبُهُ وَهِمَ وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ يَعْقُوبَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ * المسند 5/455 وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات أثبات المجمع 1/291
ومن الأمور المهمة حفظ مكانة المخطئ بعد توبته ورجوعه لكي يثبت على الاستقامة ويمارس حياة عادية بين الناس وقد جاء في قصة المرأة المخزومية التي قُطعت يدها عن عائشة رضي الله عنها: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ وَتَزَوَّجَتْ وَكَانَتْ تَأتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحيح مسلم رقم 1688 وقد تقدم(13/155)
(21) توجيه الكلام إلى طرفي النزاع في الخطأ المشترك
في كثير من الأحيان يكون الخطأ مشتركا ويكون المخطئ مخطَأً عليه في الوقت نفسه ولكن نسبة الخطأ ربما تتفاوت بين الطرفين فينبغي توجيه الكلام والنصح إلى طرفي الخطأ وفيما يلي مثال:
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: شكا عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا خالد لا تُؤذ رجلا من أهل بدر فلو أنفقت مثل أحد ذهبا لم تدرك عمله فقال: يقعون فيّ فأردّ عليهم فقال: لا تُؤوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله عز وجل صبه الله على الكفار. قال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات المجمع 9/349 وانظر المعجم الكبير للطبراني حديث رقم:3801(13/156)
(22) مطالبة المخطئ بالتحلل ممن أخطأ عليه
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كانت العرب تخدم بعضها بعضا في الأسفار وكان مع أبي بكر وعمر رجل يخدمهما فناما فاستيقظا ولم يهيئ لهما طعاما فقال أحدهما لصاحبه إن هذا لنؤوم (هذا في تفسير ابن كثير في ط. دار الشعب وفي اللفظ الذي ساقه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 2608 إن هذا ليوائم نوم نبيكم صلى الله عليه وسلم وفي رواية ليوائم نوم بيتكم) فأيقظاه فقالا ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له إن أبا بكر وعمر يُقرئانك السلام وهما يستأدمانك (أي يطلبان الإدام للطعام) فقال: أقرئهما السلام وأخبرهما أنهما قد ائتدما!
ففزعا فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله بعثنا إليك نستأدمك فقلت قد ائتدما فبأي شيء ائتدمنا؟ قال: بلحم أخيكما، والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين أنيابكما. يعني لحم الذي استغاباه، قالا: فاستغفر لنا، قال: هو فليستغفر لكما. السلسلة الصحيحة رقم 2608 وعزاه إلى الخرائطي في مساوئ الأخلاق والضياء في المختارة وأورده ابن كثير في تفسير سورة الحجرات 7/363 ط. دار الشعب(13/157)
(23) تذكير المخطئ بفضل من أخطأ عليه ليندم ويعتذر
وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما حصل بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقد روى البخاري رحمه الله تعالى في كتاب التفسير من صحيحه عن أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال: كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ فَانْصَرَفَ عَنْهُ عُمَرُ مُغْضَبًا فَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا فَقَدْ غَامَرَ (أي: دخل في خصومة) قَالَ وَنَدِمَ عُمَرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فَأَقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي إِنِّي قُلْتُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقْتَ فتح 4640
وروى البخاري القصة أيضا في كتاب المناقب من صحيحه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلَّمَ وَقَالَ إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ فَقَالَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلاثًا ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالُوا لا فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو (هكذا لفظه في فضائل الصحابة وفي كتاب التفسير تاركون) لِي صَاحِبِي مَرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا فتح رقم 3661(13/158)
(24) التدخل لتسكين الثائرة ونزع فتيل الفتنة بين المخطئين
وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في عدد من المواضع ولما أوشك أن يقع بين المسلمين اقتتال تدخّل عليه الصلاة والسلام كما جاء في حادثة الإفك عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ في تلك القصة: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلا خَيْرًا وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلا مَعِي قَالَتْ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ فَإِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ قَالَتْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ قَالَتْ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلا صَالِحًا وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدٍ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لا تَقْتُلُهُ وَلا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ قَالَتْ فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَتْ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا متفق عليه الفتح 4141
وقد ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليُصلح بينهم وتأخّر من أجل ذلك عن بداية صلاة الجماعة كما في الصحيحين وفي رواية النسائي: عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قال: وَقَعَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ كَلامٌ حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ فَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَأَذَّنَ بِلالٌ وَانْتُظِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْتُبِسَ فَأَقَامَ الصَّلاةَ وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ.. الحديث المجتبى كتاب آداب القضاة 8/243 وفي رواية لأحمد عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آتٍ فَقَالَ إِنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَدِ اقْتَتَلُوا وَتَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ.. المسند 5/338(13/159)
(25) إظهار الغضب من الخطأ
إذا رآه أو سمع به وخصوصا عندما يكون الخطأ متعلقا بالاعتقاد ومن ذلك الخوض في القدر والتنازع في القرآن: ففي سنن ابن ماجة عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي الْقَدَرِ فَكَأَنَّمَا يُفْقَأُ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الْغَضَبِ فَقَالَ بِهَذَا أُمِرْتُمْ أَوْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ تَضْرِبُونَ الْقُرْآنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ بِهَذَا هَلَكَتِ الأُمَمُ قَبْلَكُمْ قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ما غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ تَخَلَّفْتُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَتَخَلُّفِي عَنْهُ رواه ابن ماجة رقم 85 وقال في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات وقال في صحيح ابن ماجة: حسن صحيح رقم 69 وعند ابن أبي عاصم في كتاب السنة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر، هذا ينزع آية وهذا ينزع آية فكأنما سُفي في وجهه حب الرمان فقال ألهذا خلقتم أم بهذا أُمرتم لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض انظروا ما أُمرتم به فاتبعوه وما نُهيتم عنه فاجتنبوه. السنة لابن أبي عاصم ت: الألباني رقم 406 وقال: إسناده حسن
ومما حصل من غضبه صلى الله عليه وسلم إنكارا في مسألة من الأساسات ما حصل في قصة عمر رضي الله عنه في قضية مصدر التلقي فقد روى أحمد رحمه الله تعالى في مسنده عَنْ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ (!) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَقَالَ أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلا أَنْ يَتَّبِعَنِي مسند أحمد 3/387 وحسنه الألباني بشواهده في الإرواء رقم 1589 ومعنى متهوكون أي: متحيرون
وقد روى الحديث أيضا الدارمي رحمه الله تعالى عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُسْخَةٍ مِنَ التَّوْرَاةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ نُسْخَةٌ مِنَ التَّوْرَاةِ فَسَكَتَ فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ يَتَغَيَّرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ مَا تَرَى مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ بَدَا لَكُمْ مُوسَى فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَأَدْرَكَ نُبُوَّتِي لاتَّبَعَنِي سنن الدارمي رقم 441: المقدمة: باب ما يُتقى من تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقول غيره عند قوله صلى الله عليه وسلم وقال المحقق عبد الله هاشم يماني: رواه أيضا أحمد بإسناد حسن وابن حبان بإسناد صحيح
ومن شواهده حديث أبي الدرداء: قال: جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن زيد ـ الذي أُريَ الأذان ـ أمسخ الله عقلك؟ ألا ترى الذي بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالا بعيدا أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين قال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الكبير وفيه أبو عامر القاسم بن محمد الأسدي ولم أر من ترجمه وبقية رجاله موثقون المجمع 1/174
ونلاحظ في شواهد هذه القصة الدور المساند للمربي من قِبَل الحاضرين مع ملاحظة تغيّر وجه المربي واتخاذ الموقف بناء على ذلك ولا شك أنّ اجتماع هذه الأمور يُحدث في نفس الموعوظ الأثر البالغ فإن العملية مرّت بالمراحل التالية:
أولا: الانفعال الذي حدث للنبي صلى الله عليه وسلم بتغير وجهه غضبا قبل أن يتكلم
ثانيا: ملاحظة الصديق وعبد الله بن زيد لذلك وتنبيه عمر عليه
ثالثا: تنبه عمر لخطئه ومبادرته إلى تصحيح ذلك والاعتذار عما فعل مستعيذا بالله من غضب الله وغضب رسوله ومعلنا للأصل الأصيل من الرضى بالله ورسوله ودينه
رابعا: انفراج أسارير النبي صلى الله عليه وسلم من رجوع عمر وإدراكه لخطئه
خامسا: التعقيب النبوي الكريم في تثبيت الأصل والتأكيد عليه من وجوب اتباع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم والتحذير من مصادر التلقي الأخرى.
ومما حصل من غضبه صلى الله عليه وسلم لرؤية منكر ما ورد في صحيح البخاري رحمه الله تعالى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا فتح 405
ومما حصل من غضبه صلى الله عليه وسلم عند سماعه لخطأ أدّى إلى مفسدة ما ورد في البخاري أيضا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَاللَّهِ لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فِيهَا قَالَ فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ فتح 7159
ومن هذا الباب أيضا إظهار المفتي للغضب عند تكلّف المستفتي وتعنّته فعن زيد بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْه قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ فَقَالَ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءهَا فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا وَإِلا فَاسْتَنْفِقْهَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ قَالَ ضَالَّةُ الإِبِلِ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ رواه البخاري فتح 2436
إن انفعال المربي المتوازن مع الخطأ عند حدوثه أو رؤيته أو سماعه بحيث يُرى ذلك في وجهه ويُعرف في صوته وأسلوبه هو علامة حياة في القلب ضدّ المنكر وعدم السكوت عليه حتى يقع في قلوب الحاضرين الرهبة من ذلك الخطأ ويعمل الكلام وقت الانفعال في النفوس عمله المؤثر هذا بخلاف كتم الأمر أو تأخيره فربما يبرد أو يزول أثر التعليق.
وقد يكون من الحكمة تأخير التعليق على الحادثة المنكرة أو الكلام الخطير الخاطئ إلى حين جمع الناس أو اجتماعهم لأجل أهمية الأمر أو لعدم وجود العدد الكافي الذي يتعظ وينقل ولا مانع من تعليقين خاص مباشر وعام مؤخر ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلا فَجَاءهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَالَ لَهُ أَفَلا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لا ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاةِ فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لا فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَغُلُّ أحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ فَقَدْ بَلَّغْتُ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ حَتَّى إِنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى عُفْرَةِ إِبْطَيْهِ فتح 6636(13/160)
(26) التولي عن المخطئ وترك جداله لعله يراجع الصواب
روى البخاري رحمه الله عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلام بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ أَلا تُصَلُّونَ فَقَالَ عَلِيٌّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ سَمِعَهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ (وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا) وكلام علي رضي الله عنه يحتمل أمورا يُنظر الفتح 7347(13/161)
(27) عتاب المخطئ
كما فعل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع حاطب رضي الله عنه حينما علم أنه أرسل إلى كفار قريش يخبرهم بنية المسلمين في التوجّه إلى مكة لفتحها فإنه قال له:
مَا حَمَلَكَ يَا حَاطِبُ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ مَا بِي إِلا أَنْ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ هُنَاكَ إِلا وَلَهُ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ قَالَ صَدَقَ فَلا تَقُولُوا لَهُ إِلا خَيْرًا قَالَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ قَالَ فَقَالَ يَا عُمَرُ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ قَالَ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فتح 6259
وفي هذه القصة عدد من الفوائد التربوية العظيمة:
1ـ معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي المخطئ خطأ بالغا بقوله له: ما حملك على ما صنعت.
2ـ الاستعلام عن السبب الذي دفع بالمخطئ إلى الخطأ وهذا لاشك سيؤثر في الموقف الذي سيُتّخذ منه.
3 ـ أن أصحاب الفضل والسابقة ليسوا معصومين من الذنب الكبير.
4 ـ أنّ على المربي أن يكون واسع الصدر في تحمّل أخطاء أصحابه ليدوموا معه على المنهج السويّ فالغرض إصلاحهم لا إبعادهم.
5 ـ أن على المربي أن يقدّر لحظة الضعف البشري التي قد تمرّ ببعض من معه وأن لا يُؤخذ بسقطة قوية وخطأ فظيع قد يقع من بعض القُدامى.
6ـ المدافعة عمن يستحق الدفاع عنه من المخطئين
7ـ أن المخطئ إذا كانت له حسنات عظيمة سابقة فلا بدّ أن تؤخذ بالاعتبار عند تقويم خطئه واتخاذ موقف منه.(13/162)
(28) لوم المخطئ
الخطأ الواضح لا يُمكن السكوت عليه ولا بد من توجيه لوم وتأنيب إلى المخطئ بادئ ذي بدئ ليحس بخطئه روى البخاري في صحيحه عن عَلِي رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعَدْتُ رَجُلا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِيَ فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَشَارِفَايَ مُنَاخَتَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ رَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ فَإِذَا شَارِفَايَ قَدِ اجْتُبَّ (جبّ أي قطع) أَسْنِمَتُهُمَا وَبُقِرَتْ (بقر أي شقّ) خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا فَقُلْتُ مَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَالُوا فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِي الَّذِي لَقِيتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنُوا لَهُمْ فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ فَطَفِقَ (شرع وبدأ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ هَلْ أَنْتُمْ إِلا عَبِيدٌ لأَبِي فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ (أي سَكِر ففقد رشده) فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى وَخَرَجْنَا مَعَهُ الفتح رقم 3091 وهذه القصة قبل تحريم الخمر(13/163)
(29) الإعراض عن المخطئ
روى الإمام أحمد رحمه الله عن حُمَيْدٍ قَالَ أَتَانِي الْوَلِيدُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي قَالَ فَقَالَ لَنَا هَلُمَّا فَأَنْتُمَا أَشَبُّ مِنِّي سِنًّا وَأَوْعَى لِلْحَدِيثِ مِنِّي قَالَ فَانْطَلَقَ بِنَا إِلَى بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ تُحَدِّثُ هَذَيْنِ حَدِيثَكَ قَالَ حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ أَبُو النَّضْرِ اللَّيْثِيُّ قَالَ بَهْزٌ وَكَانَ مِنْ رَهْطِهِ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً قَالَ فَأَغَارَتْ عَلَى قَوْمٍ قَالَ فَشَذَّ مِنَ الْقَوْمِ رَجُلٌ قَالَ فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ السَّرِيَّةِ شَاهِرًا سَيْفَهُ قَالَ فَقَالَ الشَّاذُّ مِنَ الْقَوْمِ إِنِّي مُسْلِمٌ قَالَ فَلَمْ يَنْظُرْ فِيمَا قَالَ فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ قَالَ فَنَمَى الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقَالَ فِيهِ قَوْلا شَدِيدًا فَبَلَغَ الْقَاتِلَ قَالَ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ قَالَ الْقَاتِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا قَالَ الَّذِي قَالَ إِلا تَعَوُّذًا مِنَ الَْتْلِ قَالَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَعَمَّنْ قِبَلَهُ مِنَ النَّاسِ وَأَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ أَيْضًا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قَالَ الَّذِي قَالَ إِلا تَعَوُّذًا مِنَ الْقَتْلِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَعَمَّنْ قِبَلَهُ مِنَ النَّاسِ وَأَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ ثُمَّ لَمْ يَصْبِرْ فَقَالَ الثَّالِثَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا قَالَ إِلا تَعَوُّذًا مِنَ الْقَتْلِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُعْرَفُ الْمَسَاءةُ فِي وَجْهِهِ قَالَ لَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَى عَلَى مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا ثَلاثَ مَرَّاتٍ المسند 5/289 وانظر السلسلة الصحيحة 2/309
وروى النسائي رحمه لله عن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَنَّ رَجُلا قَدِمَ مِنْ نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إِنَّكَ جِئْتَنِي وَفِي يَدِكَ جَمْرَةٌ مِنْ نَارٍ المجتبى 8/170 صحيح سنن النسائي 4793 ورواه أحمد بسياق أبسط من هذا عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَنَّ رَجُلا قَدِمَ مِنْ نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَحَدَّثَهَا فَقَالَتْ إِنَّ لَكَ لَشَأْنًا فَارْجِعْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَلْقَى خَاتَمَهُ وَجُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ أُذِنَ لَهُ وَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْرَضْتَ عَنِّي قَبْلُ حِينَ جِئْتُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ جِئْتَنِي وَفِي يَدِكَ جَمْرَةٌ مِنْ نَارٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ جِئْتُ إِذًا بِجَمْرٍ كَثِيرٍ وَكَانَ قَدْ قَدِمَ بِحُلِيٍّ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مَا جِئْتَ بِهِ غَيْرُ مُغْنٍ عَنَّا شَيْئًا إِلا مَا أَغْنَتْ حِجَارَةُ الْحَرَّةِ وَلَكِنَّهُ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَقَالَ الرَّجُلُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْذُرْنِي فِي أَصْحَابِكَ لا يَظُنُّونَ أَنَّكَ سَخِطْتَ عَلَيَّ بِشَيْءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَذَرَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْهُ إِنَّمَا كَانَ لِخَاتَمِهِ الذَّهَبِ. المسند 3/14.
وفي رواية لأحمد رحمه الله عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَلْقَاهُ وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ هَذَا شَرٌّ هَذَا حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ فَأَلْقَاهُ فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَسَكَتَ عَنْهُ المسند 163. المسند ت. أحمد شاكر برقم 6518 وقال إسناده صحيح.(13/164)
(30) هجر المخطئ
وهو من الأساليب النبوية المؤثرة خصوصا إذا عظم الخطأ والذنب وذلك لما يُحدثه الهجران والقطيعة من الأثر البالغ في نفس المخطئ ومن أمثلة ذلك ما حصل لكعب بن مالك وصاحبيه الذين خُلّفوا في قصة غزوة تبوك: فبعد أن تأكد للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن لهم عذر واعترفوا بذلك قال كعب رضي الله عنه: وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ وَلا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلامِ عَلَيَّ أَمْ لا ثُمَّ أصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَ اللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ.. إلى أن قال رضي الله عنه في قصته:
حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلامِنَا فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ. فتح 4418
وفي هذه القصة من الفوائد العظيمة والعظات البالغة ما لا ينبغي تفويته بحال ويمكن الاطّلاع على شيء من ذلك في شروح العلماء للقصة كزاد المعاد وفتح الباري.
ومما يدلّ على اعتماده صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب أيضا ما رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَذِبِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُحَدِّثُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكِذْبَةِ فَمَا يَزَالُ فِي نَفْسِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ سنن الترمذي رقم 1973
وفي رواية أحمد (.. فما يزال في نفسه عليه..) المسند 6/152
وفي رواية: وما اطلع منه على شيء عند أحد من أصحابه فيبخل له من نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث توبة. السلسلة الصحيحة 2052
وفي رواية: " كان إذا اطّلع على أحد من أهل بيته كذب كذبة لم يزل معرضا عنه حتى يُحْدِث توبة " رواه الحاكم صحيح الجامع 4675
ويتضح من الروايات السابقة أن الإعراض عن المخطئ حتى يعود عن خطئه أسلوب تربوي مفيد ولكن لكي يكون نافعا لابد أن يكون الهاجر والمُعْرض له مكانة في نفس المهجور وإلا فلن يكون لهذا الفعل أثر إيجابي عليه بل ربما يشعر أنه قد استراح.(13/165)
(31) الدعاء على المخطئ المعاند
روى مسلم رحمه الله: أَنَّ رَجُلا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ فَقَالَ كُلْ بِيَمِينِكَ قَالَ لا أَسْتَطِيعُ قَالَ لا اسْتَطَعْتَ مَا مَنَعَهُ إِلا الْكِبْرُ قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ رقم 2021
وفي رواية لأحمد: عن إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ ابْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ بُسْرُ بْنُ رَاعِي الْعِيرِ أَبْصَرَهُ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ فَقَالَ كُلْ بِيَمِينِكَ فَقَالَ لا أَسْتَطِيعُ فَقَالَ لا اسْتَطَعْتَ قَالَ فَمَا وَصَلَتْ يَمِينُهُ إِلَى فَمِهِ بَعْدُ.4/45
قال النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل حال حتى في حال الأكل. شرح صحيح مسلم 13/192
ونلاحظ هنا أن الدعاء عليه لم يكن بما يُعين عليه الشيطان ولكن كان بما يُشبه التعزير.(13/166)
(32) الإعراض عن بعض الخطأ اكتفاء بما جرت الإشارة إليه منه تكرّما مع المخطئ
(وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبّأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فما نبّأها به قالت من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير) التحريم/3
قال القاسمي رحمه الله في محاسن التأويل:
(وإذ أسرّ النبي) أي محمد صلى الله عليه وسلم (إلى بعض أزواجه) هي حفصة (حديثا) تحريم فتاته.. أو ما حرمّ على نفسه مما كان الله جل ثناؤه قد أحله له
(فلما نبأت به) أي أخبرت بالسر صاحبتها (عائشة)
(وأظهره الله عليه) أطلعه عن تحديثها به
(عرّف بعضه) أي عرّفها بعض ما أفشته معاتباً
(وأعرض عن بعض) أي بعض الحديث تكرُّماً
تنبيه في الإكليل: في الآية أنه لا بأس بإسرار بعض الحديث إلى من يُركن إليه من زوج أو صديق، وأنه يلزمه كتمانه. وفيها حسن المعاشرة مع الزوجات، والتلطّف في العَتَب، والإعراض عن استقصاء الذنب. محاسن التأويل 16/222
قال الحسن ما استقصى كريمٌ قط، وقال سفيان مازال التغافل من فعل الكرام(13/167)
(33) إعانة المسلم على تصحيح خطئه
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ (وهو الزنبيل الكبير) قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ رواه البخاري فتح 1936
وفي رواية أحمد عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ فَارِعِ أُجُمِ حَسَّانَ جَاءهُ رَجُلٌ فَقَالَ احْتَرَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا شَأْنُكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنا صَائِمٌ قَالَتْ وَذَاكَ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ فَجَلَسَ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ فَأَتَى رَجُلٌ بِحِمَارٍ عَلَيْهِ غِرَارَةٌ فِيهَا تَمْرٌ قَالَ هَذِهِ صَدَقَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ آنِفًا فَقَالَ هَا هُوَ ذَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ قَالَ وَأَيْنَ الصَّدَقَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلا عَلَيَّ وَلِي فَوَ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ أَنَا وَعِيَالِي شَيْئًا قَالَ فَخُذْهَا فَأَخَذَهَا المسند 6/276.(13/168)
(34) ملاقاة المخطئ ومجالسته لأجل مناقشته
َفي صحيح البخاري عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا فَتَقُولُ نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْقَنِي بِهِ فَلَقِيتُهُ بَعْدُ فَقَالَ كَيْفَ تَصُومُ قَالَ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ وَكَيْفَ تَخْتِمُ قَالَ كُلَّ لَيْلَةٍ قَالَ صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةً واقرأ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ قَالَ قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْجُمُعَةِ قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا قَالَ قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ السُّبْعَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالنَّهَارِ وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا وَأَحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ثَلاثٍ وَفِي خَمْسٍ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى سَبْعٍ الفتح 5052
وفي رواية أحمد مزيد إيضاح وفوائد حسنة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ زَوَّجَنِي أَبِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيَّ جَعَلْتُ لا أَنْحَاشُ لَهَا مِمَّا بِي مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ فَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى كَنَّتِهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ قَالَتْ خَيْرَ الرِّجَالِ أَوْ كَخَيْرِ الْبُعُولَةِ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا وَلَمْ يَعْرِفْ لَنَا فِرَاشًا فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَعَذَمَنِي قال ابن الأثير عذموه أي أخذوه بألسنتهم، وأصل العذم العضّ.. ومنه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص " فأقبل عليّ أبي فعذمني وعضني بلسانه " النهاية 3/200 وَعَضَّنِي بِلِسَانِهِ فَقَالَ أَنْكَحْتُكَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ ذَاتَ حَسَبٍ فَعَضَلْتَهَا (أي أهملتها فلم تعاملها معاملة الزوجة) وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَانِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ لِي أَتَصُومُ النَّهَارَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَمَسُّ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي قَالَ اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ قُلْتُ إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قُلْتُ إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِمَّا حُصَيْنٌ وَإِمَّا مُغِيرَةُ قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ ثَلاثٍ قَالَ ثُمَّ قَالَ صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ قُلْتُ إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُنِي حَتَّى قَالَ صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ وَهُوَ صِيَامُ أَخِي دَاوُدَ قَالَ حُصَيْنٌ فِي حَدِيثِهِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ فَإِنَّ لِكُلِّ عَابِدٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَإِمَّا إِلَى سُنَّةٍ وَإِمَّا إِلَى بِدْعَةٍ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ فَقَدِ اهْتَدَى وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ قَالَ مُجَاهِدٌ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو حَيْثُ ضَعُفَ وَكَبِرَ يَصُومُ الأَيَّامَ كَذَلِكَ يَصِلُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ لِيَتَقَوَّى بِذَلِكَ ثُمَّ يُفْطِرُ بِعَدِّ تِلْكَ الأَيَّامِ قَالَ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ حِزْبِهِ كَذَلِكَ يَزِيدُ أَحْيَانًا وَيَنْقُصُ أَحْيَانًا غَيْرَ أَنَّهُ يُوفِي الْعَدَدَ إِمَّا فِي سَبْعٍ وَإِمَّا فِي ثَلاثٍ قَالَ ثُمَّ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ أَوْ عَدَلَ لَكِنِّي فَارَقْتُهُ عَلَى أَمْرٍ أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ المسند 2/158 وقال أحمد شاكر إسناده صحيح تحقيق المسند رقم 6477(13/169)
ومن فوائد القصة:
- معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بسبب المشكلة وهو الانهماك في العبادة بحيث لم يبق وقت لأداء حقّ الزوجة فوقع التقصير
- إنّ مبدأ أعط كلّ ذي حقّ حقّه يطبّق في حقّ كلّ من كان منشغلا ومنهمكا بأمور من الطاعات كطالب العلم الذي يلقي دروسا كثيرة والداعية المنغمس في شئون دعوته بحيث يؤدي ذلك إلى شكاية الزوجة وتضررها وهذا ينشأ عن عدم الموازنة في القيام بالطاعات المختلفة وتوزيع الوقت على أصحاب الحقوق، فلا بأس أن يخفف هذا من دروسه شيئا ما وهذا من انشغالاته بحيث يتوفّر الوقت الكافي للاهتمام بالبيت والزوجة والأولاد وإعطائهم حقوقهم في الإصلاح والمعاشرة والتربية.(13/170)
(35) مصارحة المخطئ بحاله وخطئه
روى البخاري رحمه الله عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلامٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَنِلْتُ مِنْهَا فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي أَسَابَبْتَ فُلانًا قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ قُلْتُ عَلَى حِينِ سَاعَتِي هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ قَالَ نَعَمْ هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلا يُكَلِّفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ فتح 6050
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِي كَلامٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ. صحيح مسلم رقم 1661
وهذه المصارحة والمفاتحة من النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه كانت لعلمه صلى الله عليه وسلم بقبول الصحابي لذلك، فالصراحة وسيلة مفيدة تختصر الوقت وتوفّر الجهد وتبيّن المقصود بأيسر طريق ولكنها تكون فيما يُناسب من الأحوال والأشخاص.
وقد يعدل الداعية عن مصارحة المخطئ إذا كان في ذلك حصول مفسدة أكبر أو تفويت مصلحة أعلى كأن يكون المخطئ صاحب جاه أو منصب لا يتقبّل ذلك أو أن يكون في المصارحة إحراج بالغ لمخطئ أو يكون ذا حساسية زائدة تجعله ذا ردّ فعل سلبي، ولاشكّ أن المصارحة مكروهة للمخطئ وثقيلة على نفسه لما فيها من المواجهة والإحراج والظهور بمظهر الناقص في مقابل ظهور الناقد في موضع المستعلي والأستاذ. وكذلك فإنه يجب التنبه إلى أن أسلوب " اللفّ والدوران " قد يكون له سلبيات مضاعفة تفوق المصارحة أحيانا وذلك لما قد يشعر به المخطئ من الاستغفال والتلاعب ويتضايق من الإشارات الخفيّة لشعوره بأنها غمز وإيذاء مبطّن ثمّ إن التوجيه قد لا يصل أصلا لخفاء المقصود وبعده عن ذهن المخطئ فيمضي في خطئه قُدُما. وعموما فإن الأشخاص يتفاوتون في التقبّل والأسلوب الأمثل المناسب لكل منهم، ولكن يبقى أن حسن الخلق في العرض والتوجيه له الأثر الأكبر في نجاح المهمّة.(13/171)
(36) إقناع المخطئ
إن السعي لمناقشة المخطئ بغية إقناعه يؤدي إلى إزالة الحاجز الضبابي الذي يعتري بصيرته فيعود إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ومن أمثلة ما ورد في السنّة بشأن هذا ما رواه الطبراني رحمه الله تعالى في معجمه الكبير عن أبي أمامة رضي الله عنه أن غلاما شابا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لي في الزنا فصاح [به] الناس فقال [النبي صلى الله عليه وسلم] : مه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقروه، ادن، فدنا حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبّه لأمّك؟ قال: لا، قال وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم. أتحبه لابنتك؟ قال: لا قال وكذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟، قال: لا قال وكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم، أتحبّه لعمتك؟ قال وكذلك الناس لا يحبونه لعماتهم أتحبه لخالتك؟ قال: لا قال وكذلك الناس لا يحبونه لخالاتهم. فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال اللهم كفّر ذنبه وطهّر قلبه وحصّن فرجه. المعجم الكبير للطبراني 7679 و7759 ومنه الزيادتان بين الأقواس(13/172)
(37) إفهام المخطئ بأنّ عذره الزائف غير مقبول
يحاول بعض المخطئين تقديم مبررات مختلقة وغير مقبولة وخصوصا إذا انكشف أمرهم بغتة على حين غرة منهم بل قد يبدو على بعضهم التلعثم وهم ينطقون بالعذر الزائف وخصوصا الذين لا يُحسنون الكذب لنقاء في سرائرهم. فكيف يتصرّف المربي يا تُرى إذا صادف مثل هذا الموقف من أحد المخطئين؟ إن القصة التالية تبيّن موقفا رائعا ودقيقا للنبي صلى الله عليه وسلم مع أحد أصحابه ويظهر من خلال القصة المتابعة المستمرّة من المربي للمخطئ إلى حين تخلّيه عن موقفه الخاطئ:
عن خوّات بن جبير رضي الله عنه قال نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ الظهران (موضع بقرب مكة) قال فخرجت من خبائي فإذا نسوة يتحدثن فأعجبنني فرجعت فاستخرجت عيبتي (وعاء توضع فيه الثياب) فاستخرجت منها حُلّة فلبستها وجئت فجلست معهن فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبا عبد الله!! أي أنه يُنكر عليه جلوسه مع هؤلاء النسوة الأجنبيات فلما رأيت رسول الله هبته واختلطت تلعثم يبحث عن عذر، قلت يا رسول الله جمل لي شرد وأنا أبتغي له قيدا أتى رضي الله عنه بعذر غير صحيح ليبرر به فعله فمضى واتبعته فألقى إليّ رداءه ودخل الأراك كأني أنظر إلى بياض متنه في خضرة الأراك، فقضى حاجته وتوضأ وأقبل والماء يسيل من لحيته على صدره، فقال: أبا عبد الله ما فعل شراد جملك؟ ثم ارتحلنا فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال: السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟ فلما رأيت ذلك تعجّلت إلى المدينة واجتنبت المسجد ومجالسة النبي صلى الله عليه وسلم فلما طال ذلك تحيّنت ساعة خلوة المسجد فخرجت إلى المسجد وقمت أصلّي وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حُجَره فجاء فصلى ركعتين خفيفتين وطوّلت رجاء أن يذهب ويدعني، فقال: طوّل أبا عبد الله ما شئت أن تطوّل فلست قائما حتى تنصرف، فقلت في نفسي: والله لاعتذرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأُبْرِئن صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرفت قال: السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد جملك؟ فقلت والذي بعثك بالحقّ ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت. فقال: رحمك الله ثلاثا، ثم لم يعد لشيء مما كان. قال الهيثمي رواه الطبراني من طريقين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير الجراح بن مخلد وهو ثقة. المجمع 9/401 وبالرجوع إلى المعجم اكبير للطبراني 4/203 تبين أن الرواية من طريق زيد بن أسلم يحدّث أن خوات بن جبير قال نزلنا.. وفي ترجمة خوات رضي الله عنه في التهذيب: وأرسل عنه زيد بن أسلم وفي الإصابة في وفاة خوات سنة 40 أو 42 وأما زيد بن أسلم ففي السير أنه توفي سنة 136 وعلى ذلك فالسند منقطع
إنه درس رائع في التربية والخطة الحكيمة المؤدية إلى النتيجة المطلوبة، ويمكن أن يؤخذ من القصة أيضا الفوائد التالية:
- المربي صاحب الهيبة يستحي منه من لابس المعصية إذا مرّ به
- إن نظرات وسؤالات المربي ـ على وجازتها وقصرها ـ لها دلالاتها الكبيرة وأثرها في النفوس
- عدم مناقشة العذر الملفّق لحظة سماعه ـ مع وضوح الثغرة فيه ـ والإعراض عن صاحبه يكفي في إشعار المخطئ بعدم قبوله مما يدفعه للتوبة والاعتذار، وهذا يُؤخذ من قوله " فمضى".
- المربي الجيد هو الذي يجعل المخطئ يشعر بالاستحياء منه الموجب للتواري عنه، والحاجة إليه الموجبة للإتيان إليه. ثم يتغلب الثاني على الأول.
- إن تغيير الموقف من المخطئ ينبني ـ في مثل هذه الحالة ـ على إظهار اعترافه ورجوعه عما حصل منه.
إن موقع المربي والقدوة في نفس أصحابه كبير وعظيم ولومه لبعضهم أو تخطئته تقع بموقع وقد يلاحظ المربي مصلحة أشخاص آخرين في إنكاره على أحد أصحابه من أجل المنفعة العامة ولكن هذا لا يعني ترك الأثر السلبي الخاص باقيا بل يُمكن تداركه ومحو أثره بطرق منها المعاتبة من قِبَل التابع ولو بطريق واسطة كما فعل المغيرة بتوسيط عمر رضي الله عنهما وفي المقابل إيضاح الموقف والتأكيد على مكانة التابع وحسن الظنّ به من قِبَل القدوة والمربي(13/173)