رجعت لها وساوس الصلاة، فلا تخشع فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعاني من وساوس الشيطان، لكن الحمد لله تخلصت منها، لكن الآن أصبحت مختلفة , أصبحت الوساوس في الصلاة , يعني أنني لا أخشع , وأستعيذ بالله، وأحاول أبعدها , لكن بدون فائدة، والمشكلة أن إيماني يقل لدرجة كبيرة , وإذا قلَّ الإيمان تقل الأعمال الصالحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من علامات صلاح العبد وحياة القلب أن لا يزال في مراجعة تامة لأحواله، وأعماله، وخطراته، فالحساب يوم القيامة عسير، والناقد سبحانه وتعالى بصير، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
غير أننا نخطئ حين نظن أن حياة القلب أمر يسير، يمكن استجلابه في أي حين، أو يمكن تحصيله بأي سبب، ولو كان الأمر كذلك لما وجدت درجات الجنة ولا دركات النار، ولما تفاضل الناس في الإيمان، بل لصافحتنا الملائكة بالطرقات.
كلنا يعلم – أختي الكريمة – مكامن الضعف في نفسه، ومواضع الزلل في قلبه، ومتى يزداد الإيمان في قلوبنا، ومتى يهن اليقين في عزائمنا، نَجِدُّ ونكبو، ونسعى ونتعثر، ونحن في ذلك كله متعلقون برحمة الله وعطفه وإحسانه، لا لفضلنا ومنزلتنا، وإنما لكرمه وجوده وواسع فضله سبحانه، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، يعلم ضعفنا وعجزنا، وخطأنا وجهلنا، وكل ذلك عندنا، بل جعل جميع تلك الخواطر والأحوال من آياته التي يقسم بها، فقال عز وجل: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) القيامة/1-2.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " أما النفس اللوامة: فقال قرة بن خالد، عن الحسن البصري في هذه الآية: إن المؤمن - والله - ما نراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي؟ ما أردت بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ وإن الفاجر يمضي قُدُما ما يعاتب نفسه " انتهى باختصار.
"تفسير القرآن العظيم" (8/275) .
تأكدي أختي الكريمة أن الذي يظن أنه يجد الطمأنينة التامة في الدنيا، والخشوع الكامل، أو أنه لا يتعرض لوساوس الشيطان ونفثات النفس الأمارة بالسوء، فقد أخطأ ظنه، ولم يفلح في تجاوز ما يواجه من ذلك، فالخطوة الأولى في العلاج هي تقبل الأمر، واحتساب الأجر عند الله عز وجل، وبهذا تتخلص النفس من أرق كبير يسببه شعورها بالتفرد بالمعاناة، والشذوذ عن جميع الناس.
ولا يعني ذلك القعود والتكاسل عن تحصيل معالي الأمور، بل طلب الخشوع من الواجبات باتفاق العلماء، لكن الذي نعنيه من ذلك الحث على المصابرة والمجاهدة في استجلاب اليقين التام، والتذلل الكامل لله عز وجل، في الصلاة وخارجها، والله سبحانه وتعالى سيكتب لكل من جاهد في سبيل ذلك الأجر العظيم عنده، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران/200.
والمسلم الذي يؤمن بهذه الآيات الكريمات، لا يصيبه اليأس من تحصيل ما وعده الله تعالى من النجاح والفلاح، فالمهم هو سلوك الطريق الصحيح إلى الله عز وجل، وطلب أسباب الخشوع والطمأنينة، وتحمل العناء في سبيل ذلك، فإذا أصاب بعد ذلك المطلوب فهنيئا له جنة الدنيا قبل جنة الآخرة، وإلا فثوابه في الآخرة عند الله تعالى ثواب الصابرين، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
ونرجو من الأخت السائلة أن تستعين بما سبق نشره في موقعنا من نصائح مفيدة في أمر الخشوع ودرء الوساوس وعلاجها، لم نشأ أن نكررها هنا خشية الإطالة أو الإملال، وهي تحمل الأرقام الآتية: (25778) ، (39684) ، (106426) .
كما ننصح بمراجعة قسم " الكتب " في موقعنا، وقراءة رسالة بعنوان (33 سببا للخشوع في الصلاة) ، ففيها أمور مفيدة إن شاء الله تعالى.
ومع ذلك فلا نخلي جوابنا هنا من فائدة جديدة، ننقلها عن واحد من أكثر العلماء عناية بهذه الأبواب، وهو الإمام الغزالي رحمه الله، فنرجو قراءة هذا النص الذي ننقله عنه بمزيد عناية وتأمل.
يقول رحمه الله:
" لا يلهي عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة، فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر، ولا يدفع الشيء إلا بدفع سببه.... فمن تشعبت به الهموم في أودية الدنيا لا ينحصر فكره في فن واحد، بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب.
فهذا طريقه أن يرد النفس قهرا إلى فهم ما يقرؤه في الصلاة، ويشغلها به عن غيره، ويعينه على ذلك أن يستعد له قبل التحريم، بأن يجدد على نفسه ذكر الآخرة، وموقف المناجاة، وخطر المقام بين يدي الله سبحانه، وهو المطلع، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه، فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره.
فإن كان لا يسكن هوائج أفكاره بهذا الدواء المسكن، فلا ينجيه إلا المسهل الذي يقمع مادة الداء من أعماق العروق، وهو أن ينظر في الأمور الصارفة الشاغلة عن إحضار القلب فيعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات، وقطع تلك العلائق، فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دنه، وجند إبليس عدوه، فإمساكه أضر عليه من إخراجه، فيتخلص منه بإخراجه، كما أنه صلى الله عليه وسلم لما لبس الخميصة التي أتاه بها أبو جهم وعليها علم وصلى بها نزعها بعد صلاته، وقال عليه الصلاة والسلام: (اذهبوا بها إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي، وائتوني بأنبجانية أبي جهم) ، وكان صلى الله عليه وسلم في يده خاتم، وكان على المنبر، فرماه وقال: (شغلني هذا، نظرة إليه، ونظرة إليكم) ......، ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شيء منها، لا ليتزود منها، ولا ليستعين بها على الآخرة، فلا يطمعن في أن تصفو له لذة المناجاة في الصلاة، فإن من فرح بالدنيا لا يفرح بالله سبحانه وبمناجاته.
وهمة الرجل مع قرة عينه، فإن كانت قرة عينه في الدنيا انصرف لا محالة إليها همه، ولكن مع هذا فلا ينبغي أن يترك المجاهدة، ورد القلب إلى الصلاة، وتقليل الأسباب الشاغلة، فهذا هو الدواء المر، ولمرارته استبشعته الطباع، وبقيت العلة مزمنة، وصار الداء عضالا.. وليته سلم لنا من الصلاة شطرها أو ثلثها من الوسواس لنكون ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا.
وعلى الجملة فهمة الدنيا وهمة الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح مملوء بخلٍّ، فبقدر ما ندخل فيه من الماء يخرج منه من الخلِّ لا محالة، ولا يجتمعان " انتهى باختصار.
"إحياء علوم الدين" (1/161-165) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/124)
دراسته مختلطة في بلد أجنبي ويسأل عن حضور مادة "الثقافة الجنسية"!
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس مادة في الثانوية العامة تسمَّى " إدارة الحياة "، تناقش فيه مواضيع عن الجنس، وعوازل القضيب، وحبوب الحمل، الجنس في الدبر، ومواضيع متعلقة بالجنس، إنني شخص لا أستطيع ضبط نفسي، وأتهيج إذا نوقِشت مثل هذه المواضيع، ما أسأل عنه هو: هل دخولي مثل هذه المواد حلال؟ هل أسقط هذه المادة وأغيِّر إلى فصول لا يوجد فيها مثل هذه المادة " إدارة الحياة "؟ هل يجوز أن نناقش الجنس، واللواط في فصول مختلطة؟ ماذا عليَّ لو لم أشارك في المناقشة؟ إنني في مدرسة عامة، ومجبر أن أذهب إليها من قبل أمِّي، أحاول أن أقنعها أن أدرس من البيت، إلا أنها ستتعصب، وترفض، إذاً هل يجوز لي أن أذهب إلى هذه المدرسة؟ ما الذي عليَّ عمله إذا لم أستطع تغيير المدرسة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المجتمعات الغربية أصبحت وصمة عار في تاريخ الإنسانية بما فيها من شذوذ في الأخلاق، وانحرافات في السلوك، وانتكاس للفطرة السليمة، وأصبح " السعار الجنسي " الشغل الشاغل لكافة طبقات المجتمع، ولم يسلم منهم حتى الأطفال في بيوتهم، ولا في مدارسهم، فعقدت المؤتمرات، وصدرت المراسيم والقرارات بضرورة نشر " الثقافة الجنسية " في مدراس تلك المجتمعات المنحلة، ولم يكتفوا بالفساد لأنفسهم حتى سارعوا لنشره في الدول العربية والإسلامية لتحذو حذوهم في الفتن والشذوذ، فانصاع لهم من اغتر بهم، وسلَّم الله من شاء له الهداية والتوفيق.
ومن أراد النجاة لنفسه وأهله: فلا ينبغي له الرضا بأن يكون جزء من تلك المجتمعات، ولا أن يعيش بين أظهرهم، ويتحتم عليه المنع إن شاركهم فيما يفعلونه من محرَّمات ومفاسد وشذوذ.
وقد نادى عقلاء تلك المجتمعات بضرورة فصل الطلاب عن الطالبات في الدراسة، وقد تبين لهم وجود مفاسد كثيرة جرَّاء ذلك الاختلاط، وبعضهم أرجع المفاسد للأخلاق، وآخرون أرجعوه للتحصيل الدراسي، وبكل حال: فإن الاختلاط في مثل هذه الأماكن جاء شرعنا بتحريمه، وقد جاءت شريعتنا الإسلامية المطهَّرة بما فيه صلاح الفرد والمجتمع، في دينه ودنياه.
ثانياً:
فيما تذكره أخي السائل من حال سبق أن نبهنا على أكثره مراراً وتكراراً، وهو يشمل أموراً ثلاثة:
أ. الإقامة في دول الكفر.
ب. الاختلاط في التعليم.
ج. دراسة ما يسمَّى بـ " الثقافة الجنسية ".
وقد سبق الكلام عن النقطتين الأولى والثانية، وأما النقطة الثالثة: فنقف معها ها هنا وقفة يسيرة، فنقول:
تدريس مسائل الجنس وما يتعلق به من أمور للطلاب والطالبات في مراحل مبكرة من عمرهم فيه مفاسد كثيرة، منها:
1. تعجيل النمو الجنسي عند الطلاب والطالبات، وقد ثبت أن كثيراً من الطلاب والطالبات لا ينتظرون حتى يصلوا إلى المرحلة التي تدرَّس فيها تلك المواد، بل يسارعون إلى استعارتها من زملائهم وزميلاتهن قبل الوصول لتلك المرحلة! ولك أن تتصور مدى الفساد الذي يُمكن أن ينشأ نتيجة هذا الأمر، وبخاصة إذا استغل الكبارُ الصغارَ للتطبيق العملي عليهم! كما يحصل في تلك المجتمعات المنحلة أخلاقياً ودينياً.
2. انتشار حمل الطالبات سفاحاً في المراحل الثانوية والجامعية، وقد وصلت الأعداد إلى حدٍّ ملفتٍ للنظر، حتى دعا هذا الأمر للتدخل من بعض عقلاء التربويين لوضع حدٍّ لهذا الأمر، وأنَّى لمثل هؤلاء العقلاء أن يصلحوا في مجتمع مجنون بالسعار الجنسي؟! .
وقد زادت نسبة أولاد الزنى إلى درجة كبيرة تنذر بالخطر، فقد ذكر مكتب الإحصاء الحكومي في فرنسا أن نسبة أولاد الزنى تجاوزت نصف عدد المواليد في فرنسا في عام 2006 م (50.5%) ، وذلك لأول مرة في تاريخ البلاد.
وهكذا الحال في بريطانيا وأمريكا.
3. ازدياد حالات الاغتصاب بين الطلاب والطالبات، وهناك قضايا مشتهرة، ومنتشرة، ولم يعُد الأمر خافياً على أحد، بل صار كابوس " الاغتصاب " يراود الطالبات ويعيش معهن، وتنتظر كل طالبة الوقت الذي سيحصل معها.
4. كثرة حوادث القتل بين الطلاب بعضهم مع بعض، والطلاب لمدرسيهم، وكل ذلك من أجل التنافس على عشق طالبة، والفوز بقلبها! .
5. نزع الحياء من الطلاب والطالبات، وترى هذا في واقع حالهم بعد تلك الدروس، ويظهر ذلك في حوارهم مع أهليهم، وفي مجالسهم العامة.
6. السعي نحو التطبيق العملي لتلك الدروس النظرية؛ لأنه من المعلوم أن تدريس هذه المواد مما يثير الشهوة – كما جاء في السؤال -، وخاصة إن كان مع التدريس النظري صورٌ ترى، وأفلام تُشاهد، وهو ما يجعل الطلاب والطالبات يحرصون على تطبيق ذلك على أرض الواقع العملي، ولو من أجل اكتشاف المجهول، ثم سرعان ما يتحول ذلك إلى سعار، وإن لم يتمكن أحدهم من ممارسة الجنس مع الطرف المغاير له: مارسه مع أهل جنسه، فينتشر الشذوذ، وهو واقع كثير من تلك المجتمعات، بل أصبحت لهم مؤسسات ونقابات تدافع عنهم، وتطالب لهم بمزايا وحقوق.
ثالثاً:
من أجل ذلك كله: لا نرى لك، ولا لأي مسلم أن يكون في تلك المجتمعات المنحلة، فضلا أن يكون طالباً في مدارسهم المختلطة، فضلاً أن يحضر تلك الدروس الجنسية المثيرة والمفسدة.
وإذا كان هذا هو علمهم اذي يتعلمونه، فلبئس العلم.
واستمع لشهادة طبيبة أمريكية عملت في بعض الدول العربية، ورأت واقع حال بلدها، واعترفت بخطأ نشر مادة " الثقافة الجنسية " بين الطلاب والطالبات في المدارس، تقول:
" ... ولئن كانت نساؤكم في الشرق لا يعرفن عن أسرار الحياة الجنسية بعض ما تعرفه فتيات أمريكا: فإني أقول - بضمير مرتاح -: إنه خير لكم أن تئنوا تحت وطأة الجهل، من أن تنعموا بهذه المعرفة، إننا نلقي على فتياتنا الدروس؛ لتعريفهن دقائق الحياة الجنسية، فلا تلبث الواحدة منهن أن تخرج من قاعة المحاضرات، باحثة عن أول صديق، وأقرب زميل؛ لتمارس معه النظريات الجنسية التي تعلمتها، في غير مبالاة، كأنها تشترك معه في رواية تمثيلية، أو تتفرج على لعبة " فولي بول "، وتكون النتيجة الطبيعية لذلك مزيداً من العبث، ومزيداً من الانحلال ".
انظر: " مكانكِ تحمدي " أحمد محمد جمال (ص 93، 94) ، بواسطة " قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية " للدكتور فؤاد بن عبد الكريم.
وعلى هذا، فلا يجوز لك أن تحضر تلك الدروس، وأقل ما يجب عليك فعله أن تنتقل إلى فصول أخرى لا تدرس هذه المادة.
هذا أقل ما تفعله، مع أن أصل الإقامة في دول الكفار والدراسة في المدارس المختلطة كل ذلك محرم يجب عليك تركه، لا سيما وقد تأثرت أخلاقك بذلك.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/125)
وسائل إزالة الغموم والهموم وضيق الصدور، ووصايا لبناء الشخصية والثقة في النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[نشأت في بيئة محطمة، بين والداي، حيث كبرت ولم يعطوني من حنان الوالدين شيئاً، وأسلوبهم بالتربية معي كان قاسياً ومحطماً، والآن ليس لدي طموح، وأشعر بضيقة صدر غالباً، والتفاؤل عندي ضعيف جدّاً، وكلما حاولت أن أبني لي طموحاً، وأتفاءل يتراجع وينهدم، فكيف أبني فيَّ التفاؤل وأثبته كي لا يتراجع؟ وكيف أعيد الثقة في نفسي؟ وكيف أُذهب عني ضيقة الصدر التي أعاني منها كثيراً، مع العلم أني حافظ لكتاب الله؟ فكيف أوظف هذا الحفظ لأبني نفسي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يفرِّج كربك، وأن يمتعك متاعاً حسناً، وأن يحبِّب إليك الإيمان ويزينه في قلبك، وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان.
وبما أنك من حفظة كتاب الله تعالى فإن الخطب سهل، وأنت تملك مفتاح حلول مشكلات العالَم بأسره، ولن يعجزك حل ما أنت فيه من كرب، وجلاء ما بك من هم.
وسيكون حديثنا معك في مسألتين: الأولى: علاج الهموم، وضيق الصدر، والثانية: بناء التفاؤل، والثقة بالنفس.
ثانياً:
أما علاج ضيق الصدر، وإزالة الغموم والهموم فلا حل لهذه المعاناة إلا باللجوء إلى الأدوية الربانية الشرعية، ولا يزال المسلم يبتلى من ربه تعالى بالهم، والغم، والحزَن، والمؤمن العاقل هو من يعلم أن في هذا التقدير أحد أمرين:
الأول: أن يكون ذلك عقوبة على معاصٍ يرتكبها، وآثام يفعلها، وإنما يقدِّر الله تعالى عليه ذلك حتى يرجع، ويتوب، ويدع ما هو فيه من فعل للسيئات، وتركٍ للواجبات.
والثاني: أن يكون ذلك ابتلاءً لرفع الدرجات، وتكفير السيئات، وليس أمام المؤمن ما يفعله هنا إلا الصبر، والاحتساب، والحرص على إزالة تلك الهموم والغموم بمزيد من الطاعة، وكثير من العمل الصالح.
ولن نطيل معك في هذا الباب، فقد ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله وسائل كثيرة يمكن للمؤمن أن يستعين بها لحياة قلب سعيدة، وسعادة نفس فسيحة، وقد جمع الشيخ رحمه الله هذه الوسائل في رسالة لطيفة سمَّاها " الوسائل المفيدة للحياة السعيدة "، وقد قال في مقدمتها:
" فإنَّ راحة القلب، وطمأنينته، وسروره، وزوال همومه، وغمومه: هو المطلب لكل أحدٍ، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور، والابتهاج، ولذلك أسباب دينية، وأسباب طبيعية، وأسباب عملية، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين، وأما من سواهم: فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب، يجاهد عقلاؤهم عليه: فاتتهم من وجوه أنفع، وأثبت، وأحسن حالاً، ومآلاً.
ولكني سأذكر برسالتي هذه ما يحضرني من الأسباب لهذا المطلب الأعلى، الذي يسعى له كل أحدٍ.
فمنهم من أصاب كثيراً منها فعاش عيشة هنيئة، وحيى حياة طيبة، ومنهم من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء، وحيي حياة التعساء، ومنهم من هو بيْن بيْن، بحسب ما وفق له، والله الموفِّق، المستعان به على كل خيرٍ، وعلى دفع كل شر ".
انتهى
وإذا رمتَ الاطلاع على هذه الوسائل كاملة: فاقرأها هنا:
http://www.kalemat.org/sections.php?so=va&aid=114
وإن أردتَ ما وصفه الإمام ابن القيم رحمه الله لعلاج هذه الأدواء: فانظر جواب السؤال (22704) في موقعنا هذا، وفي الجواب نفسه رابط يوصلك لكتاب " علاج الهموم ".
وانظر جواب السؤال رقم: (30901) ففيه إجابة لشاب مستقيم يعاني من تسلط الهم والضيق.
وبما ذكرناه لك، وأحلناك عليه: يتم الجواب، ويكتمل البناء، ولم يبق لك إلا الدخول فيه، وتطبيق ما تقرؤه على أرض واقعك.
ثالثاً:
أما بخصوص بناء الثقة، والتفاؤل في هذه الحياة: فمثلك من حفظة كتاب الله هو من ينبغي أن يدل الناس على ما يفعلونه من أجل ذلك، ففي صدرك الشفاء، وبين يديك العلاج، لا لهذه الأدواء فقط، بل لكل أدواء الدنيا، فكتاب الله تعالى ليس للمسلمين فحسب، بل هو هدى للناس، ودلالة للعالَمين.
وقد جاء في السنَّة النبوية ما يبين بجلاء أن الإسلام راعى جانب غرس الثقة في نفوس أهل الإسلام منذ الصغر، وربَّاهم على الرجولة، وبناء الشخصية منذ نعومة أظفارهم، ونضرب لذلك مثلين:
الأول:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ فَشَرِبَ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ، هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ: (يَا غُلاَمُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِىَ الأَشْيَاخَ؟) ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِنَصِيبِى مِنْكَ أَحَداً يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. رواه البخاري (2237) ومسلم (2030) .
فالغلام هنا – وهو ابن عباس – صاحب حق في أن يشرب بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عن يمينه، فاستأذنه النبي صلى الله عليه وسلم في أن يؤثر بنصيبه غيره، فلم يأذن! لأنه صاحب قرار، والحق له، فقرَّر أن لا يؤثر أحداً على نصيبه، وهذا لا شك مما يسهم في بناء شخصية الطفل، ويغرس فيه الثقة.
والثاني:
عَنْ َمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ، فَنَسْأَلُهُمْ: مَا لِلنَّاسِ؟! مَا لِلنَّاسِ؟! مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ، أَوْ: أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلَامَ وَكَأَنَّمَا يُقَرُّ فِي صَدْرِي، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، فَقَالَ: صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ - أَوْ سَبْعِ سِنِينَ -. رواه البخاري (4051) .
وهذه غرس للثقة عظيم في نفس ذلك الطفل، وتلك تربية عظيمة في الإسلام لأولئك النشء الذين سيكونون في المستقبل بناة لهذا الدين، ودعاة لهذا الحق.
ونحن – أخي السائل – نشعر معك بالأسى، والحزن، والهم والغم، والذي أصابك بسبب ما فعله أهلك، لكن هذا ليس هو نهاية الأمر، بل هي كانت البداية، وكانت بداية سيئة، ويحتاج الأمر إلى تقويم، ومعالجة، وهذا ما ستفعله أنت، مستعيناً بالله تعالى، متوكلا عليه وحده لا شريك له، وفي صدرك كتاب الله، فلن تجد الأمر إلا سهلاً يسيراً، وسنذكر لك بعض النصائح والوصايا، ونرجو أن تكون لك نافعة، ونرجو أن يكون منك تطبيق لما نقوله لك.
1. احرص على تثبيت الإيمان في قلبك؛ فإن القلب الذي يعمر بالإيمان الثابت فيه من القوة ما يحطم كل ماضٍ أليم، وشر مستطير، ويتحطم على هذا القلب القوي الثابت كل ضلال مبين.
2. ابذل من وقتك ما تتعلم به العلم الشرعي النافع، وانظر لشخصية العلماء كيف هي قوية متينة، وانظر لطموحهم في طلب العلم كيف هو عالٍ كبير، فبالعلم تستطيع بناء الثقة في نفسك، وتكون به طموحاً لأن تكون في مصاف العلماء.
ولا تنس العمل بالعلم، ولا خير فيمن يعلم ولا يعمل، بل علمه سيكون حجة عليه، والعلماء العاملون من أكثر الناس انشراحاً للصدور، ومن أكثر الناس طموحاً، فهم يحرصون أشد الحرص على تعليم الناس، ودعوتهم، وإيصال الإسلام إلى أقاصي الدنيا.
3. لا تنشغل بماضيك الأليم، ومزِّق ورقته، وتقدَّم للأمام، ولا تنظر إلى الوراء، وكل ذلك نافعك إن شاء الله، وفي عكسه الضرر والألَم، فما فات لن ينفعك تذكره، ولا العيش على آلامه، بل اجعله دافعاً لك لأن تعوضه بالأمل، والطموح، والحياة الجديدة السعيدة، واجعله عبرة لك أن تسلك الطريق ذاته مع أولادك.
4. اغفر لوالديك صنيعهم معك، وتجاوز عن أخطائهم في حقك، ولا بدَّ من هذا حتى يكون قلبك أبيض كالثلج، وحتى لا تجعل للشيطان طريقاً إلى قلبك ليبغضك بهم، وقدِّر حالهم من الضعف، والجهل، حتى تجد لهم أعذاراً في فعل ما فعلوه.
واعلم أن الله تعالى أمر ببر والديك والإحسان إليهما، حتى وإن جاهداك على أن تشرك بالله تعالى.
قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان / 14، 15.
قال ابن كثير رحمه الله:
أي: إن حَرَصَا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما، فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعنَّك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً، أي: محسنًا إليهما.
(وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) يعني: المؤمنين.
" تفسير ابن كثير " (6 / 337) .
5. لا تقارن نفسك بمن هم أحسن منك حالاً، حتى لا تزدري نعمة الله عليك، وانظر لمن هم دونك؛ حتى تعلم عظيم فضل الله عليك.
6. اقرأ سيرة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واتخذه لك قدوة حسنة، وانظر كيف كانت طفولته مليئة بالآلام، والأحزان، فقد ولد فقيراً يتيم الأبوين، ثم لم يلبث أن مات جده، ولم يكن هذا مانعاً من أن يكون إماماً للناس يقود الجيوش، ويسير السرايا، ويفتح البلدان، ويعلم الجاهل، وينصر المظلوم.
وقد امتن الله تعالى عليه بذلك فقال: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى/6- 11.
7. خالط أصحاب الهمم العالية، وتجنب أصحاب الهمم الدنيئة، فللصحبة أثرها الحسن والسيئ، فاحرص على صحبة من ينفعك.
8. تذكَّر أن الشيطان يحرص أشد الحرص على إحزانك، وتكدرك، وتثبيط عزائمك، فقابل ذلك بقوة اليقين بالله تعالى، وبالطاعات، ولا تنس أن تستعيذ بالله دوماً من الشيطان الرجيم.
9. أخيراً: الزم الدعاء، وتحيَّن أوقات الإجابة، تسأل ربك من فضله العظيم، وتعوذ به من كل هم، وغم، وحزَن، وتسأله أن يوفقك لمعالي الأمور.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/126)
دراستها مختلطة، ووالدها يرفض أن تتركها؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في جامعة مختلطة مع العلم أنه هنا في الجزائر كل الجامعات مختلطة بعد أن من الله علي بالحجاب أصبحت أرى أنني أسيء للمتحجبات لأن الجامعة مختلطة، ولأن فرعنا أساسا يحوي على تقريبا70 بالمائة ذكور، والباقي إناث، وأحيانا يلزم علينا الأستاذ التعامل مع الذكور في المشاريع، مما يحتم علي الكلام معهم وأحيانا أحتاج إلى أشياء فاطلبها منهم، مع العلم أنني لا أستطيع الانقطاع عن الدراسة وهذا بسبب رفض الوالدين. فأرجو من فضيلتكم أن تبين لي: ما هي حدود التعامل مع الرجال أي الحدود التي بينتها الشريعة؟ وهل أنا في حكم المضطر نظرا لرفض الوالد والوالدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق الحديث في أجوبة عديدة عن حكم الاختلاط في العمل وفي أماكن الدراسة، ويمكنك مراجعة ذلك في جواب السؤال رقم (1200) و (103044) .
وأما بالنسبة إلى مشكلتك، فإن لم يمكنك ترك الدراسة بسبب ظروفك الاجتماعية، فالواجب عليك أن تبحثي عن فرع آخر للجامعة، أو كلية أخرى في نفس الفرع تكون فرص التعامل فيها مع الذكور، والاختلاط بهم أقل؛ فقاعدة الشرع أنه إذا لم يمكن دفع المفسدة تماماً، فالواجب التقليل منها بقدر الإمكان.
وأما إذا لم يكن بإمكانك ذلك التحويل الذي أشرنا عليك به، فالواجب عليك مع محافظتك على الحجاب التام، وغض البصر، وعفة الكلام في كل الأحوال – أن تقللي من فرص الاختلاط بالذكور، وإذا احتجت شيئاً، فاطلبيه من الإناث , وحاولي أن تتفاهمي مع أستاذك أن يجعل مشروعك مع زميلات لك.
فإن لم يكن ذلك ممكنا، فسوف تكون مسؤوليتك في التحفظ والتقلل من الاختلاط بالذكور أكثر، فإياك والخلوة مع أحد، ولو من أجل الدراسة، وليكن تعاملك مع الذكور في أضيق الحدود.
وإذا أمكنك الامتناع عن هذه المخالطة في بعض الأوقات أو في بعض الأعمال فافعلي، وليكن تعاملك جاداً لا يسمح بالتعارف، ولا الخروج عن موضوع الدراسة.
فإن وجدت في نفسك ميلاً إلى أحد أو وجدت من أحدٍ ميلاً إليك، فانتقلي عن هذه المجموعة إلى مجموعة أخرى، ولو نقصت درجاتك، أو قل تحصيلك الدراسي بصورة يمكن احتمالها.
وافتقري إلى الله أن يحميك ويجنبك الفتن ما ظهر منها وما بطن، واستعيني بالصبر والصلاة والصيام وذكر الله.
ويمكنك مراجعة جواب السؤال (72448) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/127)
مشكلة شاب مع والديه في البحث عن زوجة وما ترتب على تأخره في الزواج من آفات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل بوظيفة مرموقة، وراتبي جيد، منظري جذاب، ومن عائلة أصيلة ومحترمة، وسمعتي أكثر من جيدة، عمري 29 سنة، وعلى قدر من الثقافة والعلم، مشكلتي أنني أعزب، وإذا سألتني لماذا أعزب سأجيبك بالتالي: منذ أن كنت طالباً في الجامعة (في مدينة أخرى) كنت أطلب من والدتي أن تخطب لي، فتقابل طلبي بالابتسامة، وقليل من الضحك الذي لا أستطيع تفسيره، ولا أعلم هل معناه أنها موافقة أم أنها غير موافقة، أو أن معناه أنني مازلت طالباً وانتظر حتى تتخرج، اخترت فتاة ذات دين، وقلت لوالدتي: اخطبيها، ولم تفعل - وربما كانت تخشى من عدم موافقة والدي؛ لأنها كانت هناك بعض المشاكل بينهما، مع أنها لم تناقشه في الموضوع - تعثرت قليلاً في الدراسة بسبب بعض المشاكل النفسية من جراء مشاكل أسرتي، وعدم الزواج، على الرغم من رغبتي الصادقة , ومرت السنون وتخرجت من الجامعة، ثم طلبت من والدتي الجدية في البحث عن الزوجة، وكانت تقابل طلبي بذات الابتسامة السابقة، ولا تزيد، ولأنني أعلم أنني معرض للفتن: قررت الإسراع والبحث بنفسي، فاخترت فتاة ذات دين، ونسب، وجمال، وطلبت من والدتي أن تخطبها بعد أن بدا من تصرفاتي بعض الغضب على ما فات من عمري وأنا لم أتزوج بعد , فخطبتْها والدتي لي، ولكنها لم توافق، فحمدت الله، ثم عادت والدتي إلى الصمت، وعندما أسألها عن الموضوع تقول: لم أجد المناسبة بعدُ، وتمر الشهور تلو الشهور، ولا أحد يبادرني من أهلي بالحديث عن الموضوع، ولم تقترح عليَّ والدتي أي فتاة لأتزوجها، وإذا تكلمت أنا معهم أشعر وكأن الحديث في موضوع الزواج عيب فلا أستطيع أن أتحدث مع والدتي عن موضوع الزواج حتى أهيئ نفسي لهذا الحديث لمدة أسبوع أو أكثر، ومع هذا سرعان ما تقفل والدتي هذا الحديث بسرعة بقولها: لم أجد المناسبة، ثم طلب مني أحد زملائي أن يزوجني شقيقة زوجته، وبعد إصرار مني سألتْ والدتي عنهم، وبعد أن ذهبت إليهم وجدت أن فيهم مرضاً وراثيّاً خبيثاً - أجارنا الله وإياكم - فرفض والدي، فقررت في نفسي أن أبحث عن الزوجة بنفسي، فلجأت إلى مواقع " الانترنت "، ووجدت فتاة من جنسية عربية، وأخذت عنوانها، وأضفتها لديَّ في " الماسنجر "، وتفاهمت معها على الأساسيات، وأعطيت والدتي العنوان، ورقم هاتف منزلهم، وبعد تحقيق من والدتي من أين عرفتهم، وما اسم الشخص الذي دلك عليهم، واضطررت إلى الكذب حتى أقنعتُها فخطبتْها لي، وذهبت لرؤية الفتاة، ولكن الخوف من شؤم الطريقة، وأن الوالدة ليست هي التي اختارتها، وأصابني شيء من الوسواس أنها لن تصلح لي، ورأيت في ملامحها شيئاً من اللؤم، ولم أسترح: فقررت الانسحاب، لأعود إلى الانتظار من جديد، مشكلتي: أن والدتي تبحث بصمت وببطء، وأنها لا تعرف ماذا أريد أنا، فهي تبحث ولم تعرف شروطي بعدُ، كنت أرغب بجميلة تصغرني سنّاً، حافظة لكتاب الله، أو متدينة، ومن نسب طيب، ولكن بدأت شروطي تتساقط مع مرور الزمن، ثم عادت أمي إلى الصمت من جديد، فأصبحت ألومها بطريق مباشر وغير مباشر أنها سبب في تأخري عن الزواج، تعايرني بتلك الفتاتين أنها خطبتْهما وما صار النصيب، وأصبحت أقول لها: إن ذنبي عليها، فتفسر الكلمة أنني سأفعل معصية وإذا فعلتُها سيكون الذنب عليها، فتقول: ذنبك على جنبك، مع أنني أقصد أن ذنب مكوثي بدون زواج وضياع عمري عليها، ثم وقعت بحب النظر إلى المواقع الخليعة، وكثرة الاستمناء ليل نهار، حتى أثر ذلك على أداء عملي الوظيفي، ثم قررت العودة إلى طريق " النت " مرة أخرى، وكانت هناك فتاة أعرفها منذ زمن عن طريق أحد مواقع " التشات "، وكان يظهر أنها محترمة، انقطعت علاقتي بها منذ 3 سنين، فأضفتها إلى بريدي، وبدأت تحبني، ثم طلبت مني أن أتصل على هاتفها، فرفضتُ، ولكنها أصرَّت، ففعلتُ وليتني لم أفعل، فإذا بالمصيبة تكبر، والشق يتسع، فأصبحت أكلمها كل يوم، أحاول أن لا أكلمها ولكن لا أستطيع لسببين: الأول: أنني ضعيف إيمان، وتوهمت بتعلقي بها، والثاني: أنها هي متعلقة بي لدرجة جنونية، فطلبتُ منها رقم أهلها لكي أخطبها، وخطبتها عن طريق أحد أقربائي، طبعا دون الرجوع إلى أهلي؛ لأنني أعلم أن أهلي سيحققون معي، وربما يرفضون، وبعد ذلك أخبرتهم، ثم بعد ذلك ندمتُ، وشعرتُ أنني تهورتُ، خصوصاً أنه بدأ يظهر لي من صفات الفتاة مالا يعجبني، فطلبت منها أن إذا سألها أهلها أن ترفض، وبصعوبة تخلصت منها خصوصاً أنني كنت حريصاً على أن لا أجرح مشاعرها، ثم عدت إلى قائمة الانتظار من جديد، عرضت عليَّ والدتي فتاة لأتزوجها ليس فيها المواصفات التي أريدها، فرفضت، ثم طلبتْ والدتي أن تخطب ابنة جار لنا أراه في المسجد، وعلى خلُق ودين، وأحببته في الله، وهو كذلك أحبني في الله، ثم سألت والدتي عنهم بعد إصرار مني بذلك، فوجدت أن فيهم مرضاً وراثيّاً خبيثاً - شفاهم الله - فصرفت النظر، ثم عدت إلى قائمة الانتظار من جديد، فقررت أن ألتحق بصحبة؛ لأنني دائما ما أعيش وحيداً، وأن أعيش حياتي كما يعيشها الشباب، فالتحقت باستراحة فيها قنوات خليعة، وشيشة، ومعسل، ودخان، وبلوت، صحيح أنني لا أشاهد القنوات الخليعة معهم، ولكنني أصبحت أحاول أن أجاريهم، فأتظاهر أنني أشجع النادي الفلاني، وأجلس في الاستراحة طويلاً، وأحياناً يصيبني الملل، ولكني أحاول أن أُشعر أهلي أنني لن أقعد في البيت، وأصبحت أغضب إذا سألتْني والدتي أين كنت؛ لأنها غير متعودة على عودتي متأخراً إلى البيت، على الرغم من أن أشقائي الأكبر والأصغر مني يعودون في ساعات متأخرة دون أن يسألهم أحد أين كنتم، ثم اعتاد أهلي على عودتي إلى البيت في وقت متأخر جدّاً، آخر ما طلبتُ من والدتي فتاة من أسرة طيبة، وجميلة، ولكن لا أعرف كثيراً عن أخلاقها، فسألت والدتي عن أخلاقها فقالت: والدك لا يوافق عليهم، كنا سنخطب شقيقتها لأخيك ولم يوافق، فقلت: جربي، فرفضتْ، فقمت وأنا غاضب وفي اليوم التالي فور دخول والدي وأمام إخوتي، قالت والدتي لأبي: ولدك يريد أن يتزوج " فلانة " هذا هو أمامك فقال والدي: لا، هم يسرفون في الزواجات، دون أن يسأل أو يتأكد، فقامت والدتي تبرر، فقال والدي: أفكر، وفي الليل لمتُ والدتي على الأسلوب لأنني أعرف أن والدتي لو تحدثتْ معه بأسلوب آخر ربما وافق، ثم إنه لماذا هذا الإحراج أمام إخوتي وأمامي، وكأنني عبء عليكم، قالت: أنت زهقتني، كل يوم تقول زوجوني فقلت: أنا لم أكلمك عن هذه الفتاة سوى هذه المرة ولم أصر عليك، وعندما رفضتْ قمت ولم أطلب منكِ أن تكلمي والدي وأنت مرغمة، ومع هذا أنا لا أكلمك بموضوع الزواج كل يوم، ولماذا لا تريدون أن تزوجونني؟ حتى تكسروا كبريائي؟ فآليت أن لا أحدثهم بموضوع الزواج بعدها، ومنذ ذلك اليوم لم أحدثهم بموضوع الزواج لا أعلم هل تقدمتْ والدتي لتلك الفتاة أم لا؛ لأنني سمعتها تبحث عن شقيقتها، ولكن ربما تقدمت لها ولم توافق، وربما لم تتقدم لها، وربما تكون خطوبة، المهم أن والدتي لم تفاتحني بالموضوع، وأنا لم أتكلم معها، وهاأنذا أجلس على دكة الاحتياط لأرى وريقات عمري تتهاوى في فصل الربيع، بل في آخره لأنني لم يبق عليَّ شيء حتى أبلغ الثلاثين، مشكلتي أنه لا يوجد لديَّ صديق لأبوح له عما في نفسي، فأصدقائي في الاستراحة أجلس معهم لقضاء الوقت فقط، وأشقائي وأهلي أجد بيني وبينهم حاجزاً يمنعني، أما أصدقاء الطفولة: فكل واحد مشغول بنفسه، حتى صديقي الصالح الذي كنت أجلس معه تزوج، وانشغل بأهله، ولم أكن أستطيع أن أبوح له بمشكلتي لأنني أخجل، في الليل كنت نائماً على الرغم من شدة التعب لم أستطع النوم أكثر من ساعتين من شده التعب النفسي، على الرغم من أنني عدت متأخراً من الاستراحة، فاستيقظت قبيل صلاة الفجر، ولم ألحق بالصلاة؛ لأنني استمنيت قبل أن أنام، ففاتت علي صلاة الفجر ثم صليت الفجر وأخذت أدعو، وأشتكي إلى الله، ثم أخذت بكتابة هذه الرسالة، وأنا أعلم أن كتابة الرسالة وحدها خطوه لفضفضة ما في النفس والتنفيس، أشعر بشيء من الراحة الآن، أريد تنفسي أكثر عمقاً وراحة، ربما إذا وضعت رأسي على الوسادة سأنام قليلا. وآسف على إزعاجكم (أرسلت هذه الرسالة إلى موقع لم يرد علي فأضفت عليها قليلا وأرسلتها إليكم) ماذا أفعل؟ أرجوكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب عليك أولاً وقبل كل شيء ترك الصحبة السيئة؛ فإنها لا خير فيها لك، لا لدينك، ولا لدنياك، وانظر لنفسك أين أوصلتك تلك الصحبة الفاسدة، وقارن بحالك قبل أن تتعرف إليها، وتختلط بها.
قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) الفرقان/ 27 – 29.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله –:
وهذه الآية الكريمة تدل على أن قرين السوء قد يُدخل قرينه النار، والتحذير من قرين السوء مشهور معروف، وقد بيَّن جل وعلا في سورة " الصافات ": أن رجلاً من أهل الجنة أقسم بالله أن قرينه كاد يرديه، أي: يهلكه بعذاب النار، ولكن لطَف الله به، فتداركه برحمته وإنعامه، فهداه، وأنقذه من النار، وذلك في قوله تعالى: (قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ. يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ المصدقين) إلى قوله تعالى: (فاطلع فَرَآهُ فِي سَوَآءِ الجحيم قَالَ تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ المحضرين) الصافات/ 51 – 57.
" أضواء البيان " (6 / 82) .
وانظر جوابي السؤالين: (82287) و (26118) .
ثانياً:
وجودك في أماكن فعل المعاصي يجعلك شريكاً في كل إثم يُفعل فيها، فلا يعفيك من الإثم قولك إنك لا تشاهد مع أصحابك الأفلام الخليعة، وكل ما يفعلونه من محرمات، كتلك المشاهدات المحرمة للأفلام الساقطة، والتدخين، والشيشة، ولعب الورق، وغير ذلك مما يفعلونه من محرمات فأنت شريك معهم في كل هذه المنكرات؛ لأن الله تعالى قد أمرك بهجر هذه الأماكن التي يُعصى فيها، وتنتهك فيها محارمه، وقد حكم الله تعالى على من اختلط بهم لا للنصيحة، ولا كونه مكرها: بأنه مثلهم! ، قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ للَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/ 140.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -:
وقوله: (إنكم إذًا مثلهم) ، يعني: وقد نزَّل عليكم أنكم إن جالستم من يكفر بآيات الله، ويستهزئ بها، وأنتم تسمعون: فأنتم مثله، يعني: فأنتم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال: مثلُهم في فعلهم؛ لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آياتِ الله يكفر بها، ويستهزأ بها، كما عصوه باستهزائهم بآيات الله، فقد أتيتم من معصية الله نحو الذي أتَوْه منها، فأنتم إذًا مثلهم في ركوبكم معصية الله، وإتيانكم ما نهاكم الله عنه.
وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع، من المبتدعة، والفسَقة، عند خوضهم في باطلهم.
وبنحو ذلك كان جماعة من الأئمة الماضين يقولون، تأوُّلا منهم هذه الآية أنه مرادٌ بها النهي عن مشاهدة كل باطل عند خوض أهله فيه.
" تفسير الطبري " (9 / 320) .
ثالثاً:
الاستمناء حرام، وهو مؤثر سلباً على النفس، والبدن، وقد حذَّر العلماء والأطباء من تلك الآثار السيئة.
انظر جواب الأسئلة (329)
رابعاً:
نحمد الله أن وفقك لكتابة هذه الرسالة، فبكتابتها قد حصل لك نوع من التنفيس لهمك وغمك، ونرجو من الله عز وجل أن يمن عليك بالفرج التام، والراحة والنعيم، وأن تكون نصائحنا التالية عونا لك على ذلك:
1. الصبر على الطاعة، والاستعفاف عن فعل الحرام، حتى ييسر الله أمرك، وإياك أن تبارز الله بالمعاصي والآثام، وإلا صارت حياتك نكداً وازدادت همومك وغمومك، بل تقرَّب إلى الله بالطاعات، وداوم على الدعاء، واجتنب كل ما لا يحبه الله، تُدخل السعادة إلى قلبك، ومن صلح قلبه صلحت جوارحه.
قال تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور/ من الآية 33.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -:
يقول تعالى ذكره: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ) ما ينكحون به النساء، عن إتيان ما حرَّم الله عليهم من الفواحش، حتى يغنيهم الله من سعة فضله، ويوسِّع عليهم من رزقه.
" تفسير الطبري " (19 / 166) .
2. السعي بشدة وقوة في أمر تزوجك، وعدم تأخير ذلك، فبالزواج يحفظ المسلم بصره وفرجه من الوقوع في الحرام.
3. احرص على بر والديك، واسع في كسب رضاهما، وخاصة الوالدة، وما ذكرتَه عنها إنما هو لها لا عليها، فهي لم تقصر في البحث عن زوجة، وقد ذهبت بالفعل للخطبة لك، وما فهمتْه من جملتك " إن ذنبي عليها ": هو الفهم الصحيح لها، وتأويلك لها بعيد، فهي معذورة في فهمها، وردها كان صحيحاً وهو " ذنبك على جنبك "؛ فأنت من يتحمل الإثم إن فعلتَ معصية، أو ارتكبت محرَّماً.
واقطع مقاطعتك لوالديك في أمر الزواج، فهو قرار خطأ منك، ولن يزيدك إلا عناء، فأعد الكرة عليهم مرات ومرات، وابحث أنت بنفسك عن زوجة صالحة، ولا نظن بوالديك إلا أنهما يريدان الخير لك.
وانظر جواب السؤال رقم: (5053) ففيه بيان حق أمك عليك، وحقك عليها، وبيان مدى استقلاليتك عن والديك.
3. امتنع عن السهر، واحرص على ما ينفعك، ولا تهدر طاقتك ونشاطك فيما لا يرجع عليك إلا بالضرر.
4. اتق الله تعالى في بصرك أن يُطلق في الحرام، وتوقف عن ممارسة العادة السرية السيئة، واعلم أن الله تعالى يراك، ويسمعك، فلا تفعل ما لا يحب الله منك أن تفعله، ولا تتكلم بما لا يحب الله منك قوله.
وانظر جواب السؤال رقم: (33651) ففيه بيان وسائل مواجهة فتنة النساء.
5. داوم على الأذكار الشرعية، والأوراد الصباحية والمسائية، والجأ إلى الله بصدق وإخلاص أن يفرج كربك، وييسر لك زوجة صالحة.
06 أخشى ما نخشاه عليك، ونصدقك، أمران:
الأول: أن تكون لك مواصفات مبالغ فيها في المرأة التي تريدها، فالذي ننصحك به، أيها الأخ الكريم: اظفر بذات الدين، كما نصحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس من شرط ذات الدين أن تكون حافظة لكتاب الله، أو كذا أو كذا، بل أن تكون مأمونة على دينها وعرضها، واحرص أن تكون من بيت طيب، دع أن تكون أسرة غنية أو كبيرة، أو..
وأما الأمر الثاني: أن تصاب بوسواس فيمن تختارها للزواج، أو يكون لأسرتكم نظرة استعلائية (ارستقراطية) للناس؛ فليس من السهل أن تقابل، في هذا العدد القيل الذي خطبته، اثنتين مصابتين بمرض وراثي.
فننصحك أن تدفع عنك باب الوساوس، وأن تستعين بأهل الخير والنصيحة، لإزالة هذه النظرة من عند أهلك، إن كنت تشعر بوجودها فيكم، وأنت أدرى بما تراه في أهل بيتك.
عبد الله، أقدم على الخير، واستعن بالله ولا تعجز.
نسأل الله أن يهديك لما يحب ويرضى، ونرجو أن تبشرنا إن يسر الله زواجاً تحفظ به نفسك، وأن تبشرنا بتغير حالك إلى ما هو أحسن وأفضل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/128)
أظهر أنه مسلم وتزوجها عرفيّاً وأنجبت منه، فما حكم فعلها وحال ابنها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة عمري 27 عاماً كنت لا أعرف شيئاً عن الالتزام، أو حتى الطريق إليه، المهم أنني أحببت شابّاً نصرانيّاً، وأخبرني بأنه أسلم ليتزوجني، ولكنه لا يستطيع إشهار إسلامه الآن حتى لا تقتله الكنيسة، وكتبنا ورقة بما يسمى " بالسفاح العرفي "، أو النكاح - كما يسمونه - ولم أكن أعرف وقتها معنى " نكاح "، ودخل بي بدون علم أهلي، وكنت سعيدة جدّاً بإسلامه من أجلي، وحملت منه، وانتظرت أن يعلن الأمر، ولكنه كان خسيساً، وفاجأني بأنه لم يسلم، ولن يشهر زواجي، وسافر إلى أمريكا، وبعدها أحسست بأن نهايتي قد اقتربت، وأن الله سوف ينتقم منى جراء ما فعلت، ولكن فعلا ستر الله كان أعظم، حاولت أن أنزل هذا الجنين بكل الطرق، ولم أستطع، هربت من البيت قبل موعد الولادة، وولد الجنين، وأخذته، وتركته مع أناس فقراء، وأعطيتهم ما يكفي من المال للإنفاق عليه، ووالله، ثم والله إني تبت إلى الله من كل ذنب، ولبست النقاب، وأصوم، وأصلي كل الأوقات، وتقدم لي بعدها بأربع سنوات شاب ملتزم جدّاً، فصارحته بالحقيقة، وكانت المفاجأة أنه لم يتركني، ووقف بجانبي، وستر عليَّ، وتزوجته، وهو الآن يعاملني معاملة طيبة جدّاً؛ لأنه متدين، وحياتنا الآن مليئة بالإيمان، والتقوى، والدين، والآن لا أعرف ما حكم هذا الطفل، وهل هو ابني فعلاً أم ماذا؟ وكيف ذلك؟ وما هو الحكم الشرعي لحالتي هذه؟ وهل هو أخ لأبنائي من زوجي الحالي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مثل هذه القصص والحكايات التي تحدث مع المخالفين للشرع تعزز ثقتنا بأحكام الإسلام التي جاءت بما فيه صلاح الإنسان والمجتمع، فالعلاقات المحرَّمة بين الجنسين جرَّت ويلات على المجتمعات، فترك بعضهم دينه بسببها، وآخرون تركوا التزامهم وفقدوا استقامتهم، وإذا كانت هذه السائلة قد احتفظت بابنها عند أسرة: فإن غيرها قد باشرت قتل الجنين وهو في بطنها، أو بعد ما تلده، وقد تكون طرقهم في القتل غاية في الشناعة، كإلقائه في حاوية قمامة يموت من البرد والجوع والاختناق، ثم الكبس والتقطيع بالآلات المخصصة للقمامة! وكل ذلك من شؤم المعصية التي تهاون بها أولئك حتى جرَّت تلك الفظائع والآثام.
ومن أحكام الإسلام الحكيمة جعل موافقة ولي الزوجة شرطا في صحة عقد الزواج، فالولي أقدر على حسن الاختيار من المرأة التي تغلب عاطفتها – غالباً – على عقلها وحسن تصرفها، ولا تستطيع تمييز الماكر من الرجال من الصادق، فجُعل الولي شرطاً في عقد النكاح لمصالح جليلة، وها نحن نرى مخالفة الناس لهذه الأحكام، وماذا يعقب تلك المخالفة من أسى بالغ، وندم قاهر، وحزن عميق.
ثانياً:
نحمد الله تعالى أن وفقك لتوبة، ونسأله تعالى أن يتقبل منك، ويزيدك هدى، فإن الله تعالى يتوب على من تاب، وعليك بالإكثار من الأعمال الصالحة، والتصدق بالمال، فإن الله تعالى يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
ثالثاً:
نكاحك من هذا النصراني نكاح باطل، فإن المسلمة لا يحل لها أن تتزوج غير مسلم بأي حال من الأحوال، وقد أصبت في وصفك له بأنه "سفاح".
ثم على فرض أنه كان قد أسلم بالفعل، فإن النكاح الذي يتم بلا ولي ولا شهود ويتواصى الزوجان على كتمانه: نكاح باطل عند عامة العلماء.
وانظري جواب السؤال رقم (111797) فقد ذكرنا فيه فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك.
رابعاً:
أما ابنك من هذا النصراني فهو ابنك حقيقة وينسب إليك، ويكون أخاً لجميع أولادك من الأم، ولكن لا يجوز أن ينسب إلى زوجك الحالي لأنه ليس ابناً له.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حال ولد الزنا في الإسلام في عصرنا هذا؟ .
فأجابوا:
"حكمه حكم أمه، فهو تابع لها، على الصحيح من قولي العلماء، فإن كانت مسلمة: فهو مسلم، وإن كانت كافرة: فهو كافر، وينسب إليها، لا إلى الزاني، ولا يضره ما جرى من أمه ومَن زنا بها؛ لقول الله سبحانه: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 343) .
خامساً:
ما فعله زوجك الحالي أمر يُشكر عليه، ويُرجى أن يكون من المستور عليهم في الدنيا والآخرة؛ لوعد الله تعالى بذلك لمن ستر على مسلم.
وعليك أن تسارعي بإحضار ابنك من تلك الأسرة، وتقومي أنتي بتربيته، ورعايته.
وعلى زوجك أن يكمل معروفه بتشجيعك على إحضار ابنك، وعلى رعايته والعناية به، ونسأل الله أن يعظم له الأجر، وأن يزيده من فضله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/129)
زوجها يلزمها بلبس النقاب وتريد النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ألبس الحجاب ولكنني لا ألبس النقاب، قال زوجي بأنني إذا لم أغط وجهي فسوف يطلقني، يقول بأنني يجب أن أطيعه في كل شيء يطلبه مني، أنا لا أريد أن أعصيه ولكن لبس النقاب سيسبب لي الضيق والشدة، ويحزنني كثيراً، أظن بأنني أشعر بهذا الإحساس بسبب ضعف إيماني ولكنني أشعر بأنه يريد أن يغصبني على فعل شيء لا أريد فعله. أرجو أن تنصحني في هذا الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد دلت الأدلة من الكتاب ومن السنة على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها، فمن هذه الأدلة قول الله عز وجل: (يأأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدْنِينَ عليهن من جَلابِيبِهِنَّ) الأحزاب / 59، والجلباب هو ما تجعله المرأة على رأسها مُرْخِيَةً له على وجهها.
وعليكِ أيتها الأخت أن تتقي الله تعالى في هذا الأمر لتجمعي بين الاستجابة لأمرين: أمر الله تعالى، وأمر زوجك، ولا شك أن في هذا خيراً لكِ وصلاحاً وعفافاً، وهذا الأمر سيُدخل السعادة على زوجكِ والهناء على بيتكِ، والشعور بالضيق يزول مع الصبر والتعود عليه، كما أن هذا الضيق سنقلب إلى فرحٍ عندما ترين أثر لبسك له، فأنت بذلك تستجيبين للأوامر الشرعية، ولأمر زوجك الذي وافق شرع الله تعالى بأمره، وتقطعين الطريق على شيطان الناظرين إليك، وتحفظين نظر العفيفين أهل الخير عن النظر كذلك إلى ما لا يحل لهم، وفوائد أخرى ترينها وتحسينها عندما تستجيبين لهذا الأمر.
وكثيراً ما تحسَّرت الأخوات المنتقبات على السنوات اللاتي كنَّ يكشفن فيها وجوههن بعد أن أكرمهن الله بالنقاب، ولو دُفع لواحدةٍ منهن الآن مال الدنيا على أن تخلعه ما فعلت، بل رأينا الكثيرات من العفيفات من تركت زوجها لأنه أراد أن يجبرها على خلع النقاب، فتأملي الفرق العظيم بين حالكِ وحالهن، وأين نجد الآن من يحرص على عفاف وستر أهل بيته؟ إنهم قليل، فهل نفرط في هذا القليل أم نشكره على فعله ذلك الذي يصب في نشر الخير في المجتمعات؟ .
فنذكركِ بتقوى الله تعالى، ونذكركِ بفعل المؤمنات اللاتي استجبن لأمر الله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت هذه الآية أخذ النساء المهاجرات أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها.
وانظري جواب السؤال: (21134) ففيه بيان وجوب تغطية المرأة وجهها.
ولينظر زوجكِ جواب السؤال: (20343) ففيه: وجوب نصيحة الزوج لزوجته وطرق ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/130)
زوجها عمها بغير رضاها وزوجها يشرب الخمر ويضربها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أقص لكم قصتي ومشكلتي. راجيا منكم الإجابة. قبل سنة تعرفت مع فتاة طيبة الخلق وتواعدنا على الزواج بعد إكمال الدراسة. ولكن في يوم من الأيام جاءني الخبر أنه عرضت لها خطبة من قبل إنسان غير معروف لديها وأن عمها وافق بل تعهد أن يزوجها منه مع وجود الأب والأخ، والأب كان ساكتا لم يقل شيئا مع أنه وابنته غير موافقين على هذا الزواج والكلمة الأخيرة عند العم لأنه هو الأكبر في العائلة جميعا. وبعد المخاصمة الطويلة أجبرها عمها بدون إذنها على النكاح مع كونها بكرا. وبعد مضي شهر تبين أن زوجها يشرب الخمر وكثيرا ما يأتي إلى البيت وهو سكران ويضربها ويسبها. ولا يتمسك بأحكام الدين تماما. مع كوني متمسك متدين والحمد لله حتى قلت لها لو تزوجتك ستلبسين الحجاب وشرحت لها كل واجبات المرأة فكانت راضية بذلك. عندما رجع أخوها الأكبر من السفر كان غائبا حينذاك علم أن أخته تزوجت مجبرة من دون إذنها وأن زوجها يشرب خمرا ويضربها فأعادها إلى البيت وهي غير مطلقة -الآن هي في البيت-. السؤال الأول: هل يعتبر هذا النكاح صحيحا بدون إذنها؟ وهل كان العم مستحقا أن يزوجها مع وجود الأب والأخ؟ السؤال الثاني: لو عرض له الطلاق لن يوافق على الطلاق لأنه يعرف أنني أريد زواجها، الآن بعدما أعادها الأخ إلى البيت هل يجوز للقاضي أو الإمام أن يطلقها؟ لو رفض زوجها الطلاق؟ وهل في الإسلام تكافئ في الدين؟ ألست أحقا بها منه مع كوني الآن طالب علم في الجامعة الإسلامية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز إجبار المرأة على الزواج ممن لا تريد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) رواه مسلم (1421) .
وقوله: (لا تُنْكَح الأيم حتى تُسْتَأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) رواه البخاري (4843) ومسلم (1419) .
فإن زُوجت بغير رضاها فالنكاح لا يصح، على الراجح، وأولى إذا زوجت بغير كفء.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/31) : " إذا زوجها من غير كفء , فنكاحها باطل. وهو إحدى الروايتين عن أحمد , وأحد قولي الشافعي لأنه لا يجوز له تزويجها من غير كفء , فلم يصح. كسائر الأنكحة المحرمة , ولأنه عقد لموليته عقدا لا حظ لها فيه بغير إذنها , فلم يصح , كبيعه عقارها من غير غبطة ولا حاجة , أو بيعه بدون ثمن مثله , ولأنه نائب عنها شرعا , فلم يصح تصرفه لها شرعا بما لا حظ لها فيه كالوكيل " انتهى.
والأصل في ذلك ما جاء عن خنساء بنت خذام الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه. رواه البخاري (4845) .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود (2096) وصححه الألباني.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولكن القول الراجح في هذه المسألة أنه لا يحل للأب ولا لغيره أن يجبر المرأة على التزوج بمن لا تريد وإن كان كفئاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تنكح البكر حتى تستأذن) وهذا عام لم يستثن منه أحد من الأولياء بل قد ورد في صحيح مسلم (البكر يستأذنها أبوها) فنص على البكر ونص على الأب وهذا نص في محل النزاع فيجب المصير إليه، وعلى هذا فيكون إجبار الرجل ابنته على أن تتزوج بشخص لا تريد الزواج منه يكون محرماً والمحرم لا يكون صحيحاً نافذاً لأن إنفاذه وتصحيحه مضاد لما ورد فيه من النهي، وما نهى الشرع عنه فإنه يريد من الأمّة ألا تتلبس به أو تفعله ونحن إذا صححناه فمعناه أننا تلبسنا به وفعلناه وجعلناه بمنزلة العقود التي أباحها الشارع وهذا أمر لا يكون، وعلى هذا القول الراجح يكون تزويج والدك ابنته هذه بمن لا تريد يكون تزويجاً فاسداً والعقد فاسد فيجب النظر في ذلك من قبل المحكمة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وعليه فلهذه الفتاة أن تراجع المحكمة وتطلب فسخ النكاح؛ لعدم رضاها بالزوج ابتداء، ولسوء عشرته وضربه لها أيضا.
ثانيا:
الأحق بتزويج المرأة أبوها ثم جدها وإن علا، ثم أخوها الشقيق، ثم لأب، ثم أبناؤهما، وكل هؤلاء مقدمون على العم، ولا تصح ولاية الأبعد كالعم، مع وجود الأقرب.
ثالثا:
ما دام النكاح قائما لم يفسخ، فليس لك التقدم لخطبة هذه المرأة، فإذا فسخ النكاح، وانقضت العدة جاز لك خطبتها من وليها.
رابعا:
قد علم مما سبق أن النكاح مع عدم رضى المرأة لا يصح عند بعض أهل العلم، وذهب بعضهم إلى أنه يوقف على إجازة المرأة، وعليه فإذا رفضت المرأة الاستمرار في الزواج، طلقها القاضي، دون التفات لرأي الزوج. وكذلك للقاضي أن يطلق على الزوج إذا ثبت لديه وقوع الضرر على المرأة لفسق الرجل وسوء معاملته لها.
فإذا لم يكن القاضي في بلدها يطلقها بمثل ذلك، فبإمكانها أن تختلع من هذا الزوج وتفدي نفسها منه، ولو اسقطت حقها كله، أو بعضه، صيانة لنفسها ودينها من مثل هذا الزوج.
خامسا:
الكفاءة معتبرة في النكاح، وهي كفاءة الدين، فلا يزوج كافر من مسلمة، ولا فاسق من عفيفة.
وينظر: سؤال رقم (84306) .
قال في "زاد المستقنع": " فلو زوج الأب عفيفة بفاجر فلمن لم يَرْضَ من المرأة أو الأولياء الفسخ " انتهى مختصرا.
ورجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن النكاح لا يملك الأولياء فسخه بكل فسق، وأن لهم فسخه في حال شرب الزوج للخمر لأنه ضرره متعد للزوجة وأولادها.
قال رحمه الله: " فإذا عُرف أن هذا الزوج يشرب الخمر فللبعيد من الأولياء أن يطالب بفسخ النكاح " انتهى من "الشرح الممتع" (12/105) .
وننبه على أنك أجنبي عن هذه المرأة فليس لك الاتصال بها أو الحديث معها في أمر الزواج أو غيره، سدا للذريعة وبعدا عن أسباب الفتنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/131)
البيت لأمها وأخيها ويريد والدها طردهم منه وتسجيله باسمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوك أن تعطيني من وقتك، وتسمع مصيبتي، وتجيب عليها، فمصير عائلتي متوقف على فتواك. إن أمي عاشت مع أبي حياة سعيدة لمدة 30 سنة، شاركته فيها في بناء بيتين لأنها عملت كمدرسة لمدة 15 سنة، وشاركته بإيفاء مؤخر زوجته الأولى، أعطته الراتب كاملا دون أي مقابل، وهو كان طيِّباً، ولم يحرمنا شيئاً، فقام بتسجيل أحد البيتين باسمها، وقال: هذا مقابل راتبها وسعيها معي , أبي رجل غير ملتزم، وكذلك نحن، حتى سافر، وقبل سفره باع بيته وتركنا لمدة 10 سنين، وخلالها أنار الله حياتي، وحياة أمي، وحصل تغيير كامل على حياتنا، وأخذنا نسمع المحاضرات، وصار رضا الله غايتنا , صانته في غيابه، واقتصدت بماله، واتصل بها وقال: بيعي بيتك لنشتري بيتاً جديداً في منطقة راقية، وبدون تردد باعته، كما دفع أخي سعر ربع البيت الجديد من ماله الخاص، حيث هو يعمل بالغربة، وسجلوا البيت باسمي - ابنتهم الكبرى - بسبب قوانين تخص البيع، وجاء الوالد ليرى التغيير والحجاب، والقرآن، وهو يكفر بالله كل جمعة تقريباً، وأخذ كلما حصلت مشكلة يطرد أمي، ويطردني، ونحن نتجرع الهوان، والآن طردني وأمي، ويقول: " لا تدخلوا البيت حتى تحولي ملكية البيت باسمي "، ويقول لأمي: " أنا سجلت البيت القديم باسمك فقط بسبب الضرائب "، وأنا أخاف الله، هل أحول له الدار كلها وأخي له فيه حصة؟ وأمي ألا تستحق ما يعادل راتبها؟ الآن عمرها 63 سنة، ونحن نقيم ببيت زوج أختي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله لك ولوالدتك الثبات على الدين، وأن ييسر أموركم، ويوفقكم لما فيه رضاه.
ثانياً:
كفر والدك بالله تعالى يعني خروجه من الملة، وسواء كان ذلك بسب الله تعالى أو سب دينه، أو بترك الصلاة: فإن كفره هذا يُحبط أعماله، ويخلده في نار جهنم إن مات على حاله تلك، ويوجب فسخ النكاح بينه وبين والدتك، وقد حرَّم الله تعالى تزوج المسلمة بالكافر، أيّاً كانت ملته، ومذهبه، واعتقاده، وإن كان مسلماً بالأصل فخرج من الملة بقولٍ أو فعلٍ أو اعتقاد يُخرج صاحبه من الملة: فلا يحل له تزوج مسلمة، ولا أن يبقى مع زوجة مسلمة.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم من شتم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولعنه، وشتم الرب سبحانه وتعالى، ولم تصدر منه توبة حتى اليوم، وحصل ذلك منه أمامنا وأمام مجلس كبير من أهل العلم والإيمان
وأفادتنا زوجته بأن هذه المرة ليست الأولى، إنما يتجرأ باستمرار على مثل هذا الشتم، وهي اليوم تريد أن تعرف منا هل هي أمام الشرع ما زالت تعتبر زوجته، أم أن زواجهما انتهى بعد هذا الارتداد؟ وللعلم فإن الزوج لا يصلي على الإطلاق، ويعمل بالغناء والطرب في الأعراس والحفلات المختلطة، وما هي نصيحتكم لهذه الزوجة المسكينة؟ .
فأجابوا:
"سبُّ الله سبحانه: كفر أكبر، وردة عن الإسلام إذا كان الساب ينتسب إلى الإسلام، وهكذا سب الرسول صلى الله عليه وسلم، بإجماع أهل العلم، وهكذا ترك الصلاة كفر أكبر، وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء، والواجب رفع أمره إلى المحكمة الشرعية.
وأما الزوجة: فعليها أن تمتنع من تمكينه من نفسها إذا كانت تعلم ما ذكرتم، حتى ينتهي أمره من المحكمة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " 2 (1 / 403، 404) .
وانظري جوابي السؤالين: (42505) و (91408) .
ثالثاً:
بخصوص البيت الأول: فهو حق لوالدتك، وقد دفعت فيه مبلغاً من المال، وإذا أعطاها والدك البيت مقابل سعيها معه – كما ذكرتِ – وبذلك يكون البيت كلّه ملكاً لها، ولا يحل لوالدك أن يأخذه منها بعد ذلك إلا برضاها.
وبخصوص البيت الثاني: فإنه قد اشتُري بثمن البيت الأول، وبمبلغ آخر شارك به أخوك، وشارك فيه أبوك أيضاً كما يفهم من كلامك.
وبهذا يكون البيت ملكاً للثلاثة (أمك وأخوك وأبوك) كل واحد منهم يملك من البيت بمقدار ما دفع.
وعلى هذا؛ فإذا كانت أمك وأخوك لا يرضيان بالتنازل عن حقهما للأب، فلا يجوز لك كتابته باسم الأب، لأنك بذلك تضيعين حقهم.
والذي ننصحكم به أن تحاولي إدخال بعض الكبراء والعقلاء لينصحوا والدكم لعله يتوب ويرجع إلى الإسلام أولاً، وهذا هو الأهم، ولئلا يأكل حق أمك وأخيك.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالكم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/132)
لديه عيب خلقي جعله يتحاشى الناس ويفرط في الصلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[أكتب إليكم هذه الرسالة وأنا أتقطع ألما وحرقة لعلي أجد الجواب الشافي عندكم. سؤالي كالتالي: أنا شاب مَنَّ الله علي بالالتزام وأنا أصر على بعض المعاصي وأتهاون في الصلوات مؤخرا وذلك لأن لدي حركة لا إرادية مزعجة بجانب الفم تظهر كلما ضحكت أو تعرضت لموقف محرج، وهذا سبب لي رهبة اجتماعية ومشاكل نفسية، والعجيب أني حاولت في إحدى المرات أن أذهب لأحد الرقاة ولكن ينتابني خوف شديد لأني قد ذهبت مرة ورأيت نطق الجان على لسان بعض المرضى فبعدها صرت أخاف من الرقية مع أني أقرأ آية الكرسي والمعوذات ولا أتأثر، فو الله إنها ضاقت بي الأرض بما رحبت وبدأ يتسلل إلى قلبي اليأس وأخاف أن أقنط من رحمة الله وأخشى أن تؤثر على وظيفتي فأفقد عملي وتنقلب حياتي رأسا على عقب. فما الحل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن تحمد الله تعالى وتشكره على نعمة الالتزام، فهي أجل النعم، وأن تعلم أن الشكر هو باب المزيد، كما قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم/7.
ثانيا:
تأمل فيمن حولك من الناس، كم فيهم من مريض، ومبتلى، وذي حاجة، لتعلم أن ما تعاني منه لا يعد شيئا بالنسبة لمعاناة كثير من الناس، فاحمد الله تعالى، واصبر ولا تجزع.
وفي الحديث: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ) رواه مسلم (2963) .
ولو أنك زرت إحدى المستشفيات، وتأملت ما يعانيه الناس؛ لأدركت أنك في خير عظيم، ونعمة سابغة، وأنك مقصر في شكر ربك ومولاك، بل وتخشى من القنوط من رحمته، عجبا لك، لو تأملت في بدنك لرأيت مئات النعم تتوالى عليك، نعمة النظر، والسمع والنطق، والمشي، وسلامة الجوارح، وأهمها هداية القلب، ثم تتأذى من حركة لا إرادية تظهر أحيانا، فكيف لو كنت أخرس أو أعمى أو أعرج أو مقعدا، فاحمد الله تعالى، واحذر أن تسلب النعم بكفرانها وجحودها.
قال ابن القيم رحمه الله: " حبس السلطان رجلا فأرسل إليه صاحبه: اشكر الله، فضُرب، فأرسل إليه: اشكر الله، فجيء بمحبوس مجوسي مبطون في قيد، وجعل حلقة من قيده في رجله وحلقة في الرجل المذكور، فكان المجوسي يقوم بالليل مرات [أي لقضاء حاجته] ، فيحتاج الرجل أن يقف على رأسه حتى يفرغ، فكتب إليه صاحبه: اشكر الله، فقال له: إلى متى تقول: اشكر الله، وأي بلاء فوق هذا؟ فقال: ولو وضع الزنار الذي في وسطه في وسطك كما وضع القيد الذي في رجله في رجلك ماذا كنت تصنع؟! فاشكر الله " انتهى من "عدة الصابرين" ص 123، والزنار كان يلبسه الكفار تمييزا لهم عن المسلمين.
والمقصود من هذه القصة: أنه مهما ابتلي المؤمن في بدنه، فلا تزال نعم الله تعالى عليه لا يستطيع إحصاءها، وأعظمها نعمة الهداية إلى هذا الدين.
فانظر في حال من هو دونك، وتأمل ما منحك الله من النعم، فذلك من أعظم الوسائل التي تعين على الصبر، بل تجلب الرضى، وتساعد على الشكر.
ثالثا:
من ابتلي بمصيبة من المصائب فهو بين أمرين: أن يصبر ويحتسب، فينال الأجر العظيم والثواب الكريم، كما قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة/155- 157، وقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10.
أو أن يجزع ويتسخط، فينال الإثم والعقاب، مع بقاء مصيبته، فلا يفيده الجزع شيئا، وإذا خُيِّر العاقل بين الأمرين اختار الأول ولا شك، فإن المصيبة موجودة على كل حال، فلم لا يكسب الثواب، ويجني الحسنات؟ وأي مصلحة في جلب السيئات، وتعريض النفس للعقاب، بل أي مصلحة في الجمع بين مصيبة الدنيا وعقاب الآخرة؟
رابعا:
لا وجه للتخوف من الرقية، فإنها نافعة في كل حال، سواء كنت مصابا بعين ونحوها أو لم تكن مصابا، والحالة التي تشكو منها قد تكون بسبب شيء من ذلك.
وأهم ما نوصيك بك أن تتجاوز هذه المرحلة، وأن تعرض عن التفكير في هذا الأمر، وأن لا تلتفت إلى نظر الآخرين ورأيهم، فإنهم سيرونك مهما حاولت إخفاء عيبك – إن كان هناك عيب – فلا تبال بذلك، فأنت أفضل من عشرات ممن هم في سنك أو مجتمعك، وكم من صاحب عيب وعاهة هو محبوب محترم بين الناس، قد زكّاه إيمانه، وقدّمه اجتهاده، وجمّله خلُقه.
وهذا عطاء بن أبي رباح إمام من أئمة التابعين، قال عنه الذهبي رحمه الله: "الإمام شيخ الإسلام، مفتي الحرم".
ثم قال في وصفه: " قال ابن سعد: هو مولى لبني فهر أو بني جمح، انتهت فتوى أهل مكة إليه وإلى مجاهد، وأكثر ذلك إلى عطاء.
سمعت بعض أهل العلم يقول: كان عطاء أسود أعور أفطس أشل أعرج، ثم عمي، وكان ثقة، فقيها، عالما، كثير الحديث.
قال أبو داود: أبوه نوبي، وكان يعمل المكاتل، وكان عطاء أعور أشل أفطس أعرج أسود، قال: وقطعت يده مع ابن الزبير " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (5/78) .
فانظر.. هل منعته هذه الأوصاف من طلب العلم، وإمامة الناس، والتصدي للتدريس والإفتاء، والبذل والعطاء؟
وهل كانت هذه الأوصاف مانعة من إقبال الناس عليه، وإجلالهم له، وأخذهم العلم عنه؟
وانظر.. كم أعطاك الله من نعمة في بدنك حُرمها ذلك الإمام الكبير؟
قال الذهبي في تتمة ترجمة هذا الإمام: " قال الأصمعي: دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك [الخليفة] ، وهو جالس على السرير، وحوله الأشراف، وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته، فلما بصر به عبد الملك، قام إليه فسلم عليه، وأجلسه معه على السرير، وقعد بين يديه، وقال: يا أبا محمد: حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين! اتق الله في حرم الله، وحرم رسوله، فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار، فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور، فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين، فإنك وحدك المسؤول عنهم، واتق الله فيمن على بابك، فلا تغفل عنهم، ولا تغلق دونهم بابك، فقال له: أفعل، ثم نهض وقام، فقبض عليه عبد الملك وقال: يا أبا محمد! إنما سألتنا حوائج غيرك، وقد قضيناها، فما حاجتك؟ قال: مالي إلى مخلوق حاجة، ثم خرج، فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشرف، هذا وأبيك السؤدد " انتهى.
فنوصيك بالتوبة إلى الله تعالى، والإقبال عليه، والاجتهاد في طاعته، والإكثار من شكره وحمده، وعدم الالتفات إلى ذلك الأمر، والاجتهاد في عملك ووظيفتك، والإحسان وبذل المعروف للناس، فإنك تنال بذلك الأجر والرفعة في الدنيا والآخرة.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/133)
ألجأته أمه إلى التقصير في حق إحدى زوجتيه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان لرجل زوجتان، فألجأته أمه إلى التقصير في حق إحداهما، فخير زوجته بين أن تبقى عنده، وتصبر على التقصير، وبين الفراق، فاختارت البقاء، فهل يجوز له ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا لا حرج عليه إذا خيرها واختارت البقاء، ولا إثم عليه، وإنما الإثم والحرج على أمه التي ألجأته إلى هذه الحال، فإن تمكن من نصيحة أمه بنفسه، أو بواسطة من تقبل منه، وأنه لا يحل لها هذا، ويخشى عليها من العقوبة الدنيوية والأخروية، فهو اللازم، وإلا فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/656) . ترتيب أشرف بن عبد المقصود.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/134)
يمنعها والدها من الزواج بحجة إكمال تعليمها
[السُّؤَالُ]
ـ[طرق بابنا بعض راغبي الزواج مني فرفض والديّ بحجة إكمال تعليمي، وقد حاولت إقناعهما كثيراً برغبتي في الزواج وأن ذلك لن يتعارض مع دراستي، ولكنهما أصرا على موقفهما، فهل يجوز لي أن أتزوج دون رضاهما؟ وإلا ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا شك أن منع والدك من تزويجك لمن هو كفء أمر محرم، والزواج أهم من الدراسة، وهو لا ينافي الدراسة، لأنه من الممكن الجمع.
وفي الحال الذي وقعت يجوز لكي أن تتصلي بالمحكمة الشرعية لإبداء ما جرى ثم بعد ذلك يكون النظر الأخير لها أي المحكمة الشرعية" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/704) . ترتيب أشرف بن عبد المقصود.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/135)
طلب المرأة الطلاق من زوجها المدمن للمخدرات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها الذي يدمن شرب المخدرات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا إذا وجد سبب لذلك، قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه أحمد (21874) وأبو داود (2226) والترمذي (1187) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2035) .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ) أي: من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة.
وقال الحافظ بن حجر رحمه الله في "فتح الباري":
"الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها، محمولة على إذا لم يكن بسبب يقتضي ذلك، لحديث ثوبان..... ثم ذكر الحديث المتقدم" انتهى.
ولا شك أن إدمان الرجل شرب المخدرات نقص كبير، يضر المرأة في دينها ودنياها، فإنه لا يؤمن أن يدخل عليها زوجها وهو سكران فيضربها أو يشتمها، وقد يطلب منها في ذلك الوقت فعل ما لا يجوز لها فعله.
ومثل هذا يعتبر عذراً يبيح للمرأة أن تطلب الطلاق، لكن الذي ينبغي للمرأة أن تصبر على زوجها، وتحاول إصلاحه بقدر ما تستطيع فإن عجزت عن ذلك ووجدت أن الإقامة معه تضرها، فلا حرج عليها حينئذ في طلب الطلاق.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
ما حكم طلب المرأة للطلاق من زوجها الذي يستعمل المخدرات؟ وما حكم بقائها معه؟ علماً بأنه لا يوجد أحد يعولها وأولادها سواه.
فأجاب:
"طلب المرأة من زوجها المدمن على المخدرات الطلاق جائز، لأن حال زوجها غير مرضية، وفي هذه الحال إذا طلبت منه الطلاق فإن الأولاد يتبعونها إذا كانوا دون سبع سنين، ويلزم الوالد بالإنفاق عليهم وإذا أمكن بقاؤها معه لتصلح من حاله بالنصيحة فهذا خير" انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/745، 746) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/136)
اشترطت على زوجها أن لا يشرب الدخان ولم يلتزم بالشرط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للمرأة أن تشترط على من يريد الزواج بها أن يترك التدخين؟ وماذا تفعل لو لم يلتزم بهذا الشرط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شرب الدخان محرم، لما فيه من تضييع المال والإضرار بالصحة، والإضرار بالآخرين.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (10922) .
ثانياً:
ما يشترطه الزوجان عند العقد أحدهما على الأخر، فالأصل صحة هذه الشروط ووجوب الوفاء بها، ما لم تكن مخالفة للشرع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) رواه البخاري (2721) ومسلم (1418) .
وإذا لم يقم الزوج بما اشتُرط عليه والتزم به، فللمرأة الحق في فسخ العقد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ولو شرط عليها أن تحافظ على الصلوات الخمس، أو تلزم الصدق والأمانة فيما بعد العقد، فتركته فيما بعدُ فَلَكَ الفسخ" انتهى.
"الاختيارات الفقهية" (ص 219) .
فمثله لو اشترطت المرأة على زوجها ترك الدخان، ولم يتركه، فلها فسخ العقد.
وقد سئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
عن امرأة خطبها رجل فاشترطت عليه أن لا يشرب الدخان، فوافق، فتزوجته، ثم تبين لها أنه يشرب الدخان، فماذا يكون أمرها؟
فأجاب:
"الحمد لله. إذا كان الأمر كما ذكر فإن للمرأة المذكورة الخيار في فسخ نكاحها منه، أو البقاء معه" انتهى.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (10/149) .
ولكن النصيحة لها قبل أن تفسخ العقد أن تحاول إصلاح زوجها، وإعانته على ترك هذا المحرم، فإن استقام، فالحمد لله، وإن أصر على ما هو عليه، فإنها تقارن بين المصالح والمفاسد، فقد يكون بقاؤها معه أصلح، من أجل تربية الأولاد ونحو ذلك....
ولعل الله أن يهديه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/137)
أصابها الوساوس، وتريد حلاً له
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد حلا رجاء؛ تعبت من الوسواس وأتمنى من الله عز وجل أن يرسل شفائي على أيديكم فأرجو أن تساعدوني، لقد تعبت من مرضي، وكرهت نفسي، استمريت بالعلاج المذكور للحالات البسيطة المذكور لمدة خمسة أيام، ولكني تغيرت قليلا، ولكن أريد أن أتخلص من هذا الوسواس الذي هي وسوسة الملعون الشيطان الرجيم، بحيث إني كلما دخلت دورة المياه أغسل كامل يدي وقدمي وأتطهر لعدة مرات، مما يسبب لي كراهية الدخول للمغاسل لهذا السبب، وأرى أني أتنجس من كل شيء حولي، وأحس بالألم على نفسي، لأن الكل بدأ يشك في، ويعرف أفعالي، كما أني أعاني الكثير في حياتي العائلية والخارجية أيضا، بسبب هذا الوسواس، وأنا والحمد لله أصلي صلاة الليل وفي بعض الأحيان تفوتني بعض الفروض للسبب نفسه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيتها السائلة، لقد وقفنا على كل كلمة من كلمات السؤال، وقد وجدنا فيه كثيراً من المعاناه، ومع هذه المعاناة الكثيرة، فالحل سهل وبسيط، لكن يحتاج إلى عزيمة وصبر، واعلمي أن ما أصابك يسمى بالوسواس القهري، وعلاج ذلك يكون بأمور:
الأول: الاستمرار والمداومة على ذكر الله تعالى.
الثاني: اللجوء إليه سبحانه وسؤاله الشفاء والعافية من هذا البلاء.
الثالث: الإعراض التام عما يدعو إليه الوسواس، فإذا قضيت حاجتك، واستنجيت، فقومي، ولا تلتفتي إلى كون يدك لمست مكانا طاهرا بعد لمس النجاسة، ولا إلى تطاير ماء الاستنجاء على قدمك أو جسمك، لأن الأصل الطهارة، والشك في تنجس جسمك أو ملابسك، لا يؤثر، ومن قواعد الفقه الكبرى: اليقين لا يزول بالشك.
وحصول الإنقاء يكون بغسل الفرج، ولا يلزم غسل ما حوله، ولا تلتفتي إلى الماء المتطاير كما سبق، وكوني على يقين من أنك طاهرة والحمد لله، وأن صلاتك بهذه الطهارة صحيحة مقبولة بإذن الله، فإن الله رحيم كريم، يرحم عباده المذنبين، فكيف بالطائعين المحبين.
فاعملي بهذه النصيحة، واستمري عليها، ودعي عنك الوسواس فإنه من كيد الشيطان، وكيده ضعيف كما أخبر ربنا سبحانه، وثقي بأنك إن أعرضت عن الوسوسة زالت عنك، بحول الله وقوته.
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك مما أنت فيه، وأن يصرف عنك ما تجدين.
وللفائدة راجعي جواب السؤال رقم (41027) ، (10160) .
وننصحك ـ أيضا ـ أن تراجعي طبيبا مختصا، من أهل الثقة والأمانة، فربما احتاجت حالتك إلى مراجعة طبية، تساعد في شفائك، إن شاء الله.
على أننا، نصدقك القول، أن مثل هذه المشكلات والأمراض، تحتاج إلى عزيمة قوية، كما قلنا سابقا، وتحتاج ـ أيضا ـ إلى صبر طويل، لأن الشفاء التام فيها، غالبا ما يستغرق وقتا طويلا، ويأتي بالتدريج.
فليكن صبرك جميلا، ونفسك طويلا، واحتسبي ما تلاقينه من تعب ومشقة:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران/200
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/138)
مصاب بالوساوس في إيمانه، ومحاسبته على ماضيه السيء؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي استفساران، وأتمنى أن أجد لهما إجابة: الأول: وهو أنني كنت شديد البعد عن الله عز وجل، وكنت من مرتكبي الذنوب والمعاصي بشتى أنواعها، حتى تاب الله تعالى علي في شهر رمضان الحالي، وشعرت فيه بسعادة لم أشعرها بحياتي من قبل، وأصبحت - وبفضل الله - من المحافظين على صلاة الجماعة، وأقوم بما يقدرني الله من الليل، لكن تأتيني بعض الهواجس بأن الله لن يغفر لي مهما فعلت، إضافة لبعض الهواجس التي تراودني عن الذات الإلهية، وعن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والتي أتمنى الموت على أن أفكر فيها، وأصبحت تراودني بشدة لدرجة أني أصبحت أظن بأني لست مسلما؟ خاصة بعد أن وقعت - بحكم عملي - في بعض المجادلات مع أحد القساوسة من النصارى الذي كان يحاول تشويه ديننا، وبعد أن تجاهلته خوفا على نفسي من أي فتنة، اتهمني بالهزيمة، وأنه على الحق، وأننا - المسلمين - على الباطل، لزمت الاستغفار والدعاء والبكاء لكن بلا فائدة. فبالله عليكم ماذا أفعل، لأني أشعر أنه قد أصابني الإحباط واليأس، وكيف أتفقه في الدين؟ وكيف أجادل هذا القسيس وأقنعه أنه جاهل، وأنه يفتري على الله تعالى. أفيدوني أفادكم الله، وجعل هذا المجهود الطيب في ميزان حسناتكم، وأعانكم على فعل الخير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
والله، يا عبد الله، إن حالك لعجب من العجب!!
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
أنت مبتلى بالوساوس في أعظم أمرك، وأجل شأنك، مبتلى في أمر فيه نجاتك، إن شككت فيه هلكت، وإن تزعزع في قلبك لم ينفعك شيء، ثم أنت تفتح على نفسك أبوابا من الشبهات الجديدة، بمجادلتك مع هذه الكافر؛ أنت مهزوز، فكيف تثبت غيرك، ابحث عن نفسك أولا، وداو مرضك، قبل أن تفكر في علاج غيرك.
فاعلم ـ يا عبد الله ـ أنك إن لم تشغل نفسك بالحق، شغلتك بالباطل، وإن لم تحملها على الهدى، حملتك على الضلال؛ فانظر يا عبد الله ماذا تختار لنفسك، وترضه لدينك؟!
ونحيلك في موقعنا إلى أجوبة سابقة فيها حل لإشكال الخطرات والوساوس، سبق بيان الجواب عنه في الأرقام الآتية: (12315) ، (25778) ، (98295) .
كما ننقل لك هنا كلاما للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله، فنرجو أن تتأمل فيه، ففيه بيان شاف لهذه المسألة، يقول رحمه الله:
" معلوم أنه لم يعط الإنسان أمانة الخواطر، ولا القوة على قطعها، فإنها تهجم عليه هجوم النفس، إلا أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها، ورضاه به، ومساكنته له، وعلى دفع أقبحها، وكراهته له، ونفرته منه، كما قال الصحابة: يا رسول الله! إن أحدنا يجد في نفسه ما إن أن يحترق حتى يصير حممة أحب إليه من أن يتكلم به؟ فقال: أوقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذلك صريح الإيمان. أخرجه مسلم في باب الإيمان، وأبو داود في كتاب الأدب.
وفيه قولان:
أحدهما: أن رده وكراهته صريح الإيمان. والثاني: أن وجوده وإلقاء الشيطان له في النفس صريح الإيمان، فإنه إنما ألقاه في النفس طلبا لمعارضة الإيمان وإزالته به.
وقد خلق الله سبحانه النفس شبيهة بالرحى الدائرة التي لا تسكن، ولا بد لها من شيء تطحنه، فإن وضع فيها حَب طحنته، وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته، فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحَب الذي يوضع في الرحى، ولا تبقى تلك الرحى معطلة قط، بل لا بد لها من شيء يوضع فيها، فمن الناس من تطحن رحاه حَبًّا يخرج دقيقا ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن رملا وحصى وتبنا ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينه.
فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومَن فكَّر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه، واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك، فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي لا تبتعد بها أو تقرب من إلهك ومعبودك الذي لا سعادة لك إلا في قربه ورضاه عنك، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئا خسيسا لم يكن في سائر أمره إلا كذلك.
وإياك أن تمكن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك، فإنه يفسدها عليك فسادا يصعب تداركه، ويلقي إليك أنواع الوساوس والأفكار المضرة، ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك، وأنت الذي أعنته على نفسك بتمكينه من قلبك وخواطرك فملكها عليك، فمثالك معه مثال صاحب رحى يطحن فيها جيد الحُبوب، فأتاه شخص معه حمل تراب وبعر وفحم وغثاء ليطحنه في طاحونته، فإن طرده ولم يمكنه من إلقاء ما معه في الطاحون استمر على طحن ما ينفعه، وإن مكنه من إلقاء ذلك في الطاحون أفسد ما فيها من الحَب، وخرج الطحين كله فاسدا.
" انتهى باختصار.
"الفوائد" (ص/191-194)
أما عن شأن مناقشة القس النصراني، فنصيحتنا لك ألا تشتغل بذلك، فذلك علم واسع لم تتخصص أنت فيه، فكيف تريد الخوض فيه، بل وإقناع ذلك النصراني الذي قد يكون متخصصا في هذا الأمر، أرأيت لو أردت أن تناقش طبيبا لتقنعه بعلاج معين لمرض خطير فهل تراه يسمع منك، أو يأخذ عنك، أو يقتنع بكلامك؟! ، فلماذا تسعى للخوض في علم واسع - وهو علم الفرق والأديان والعقائد - وأنت لست من العلماء به، بل وتحمل بسببه هما تلوم به نفسك، ونحن نصدقك القول أننا نراك مخطئا في هذا الشعور، وإن كنا نرجو أن يثيبك الله تعالى على حرصك على إفحام ذلك النصراني المجادل، ولكن عليك أن تسلك سبيل التعلم بالمطالعة والدراسة والاستماع سنوات عديدة، ثم بعد ذلك تتصدى للدفاع عن الإسلام، ودعوة غير المسلمين إليه.
فإن كان قد وقع في قلبك شيء من شبه هذه القسيس، أعاذك الله من ذلك، فبإمكانك أن تستعين بمن عنده علم في هذا الباب أن يحلها لك، ويزيل عنك الإشكال.
وإن كنت بحمد الله على بنية من أمرك، كما يبدو من سؤالك؛ فاعلم أن هذا الرجل كاذب، ويعلم أنه كاذب.
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة /41.
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره (231) : " كان الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه على الخلق يشتد حزنه لمن يظهر الإيمان، ثم يرجع إلى الكفر، فأرشده الله تعالى، إلى أنه لا يأسى ولا يحزن على أمثال هؤلاء؛ فإن هؤلاء لا في العير ولا في النفير، إن حضروا لم ينفعوا، وإن غابوا لم يفقدوا، ولهذا قال مبينا للسبب الموجب لعدم الحزن عليهم - فقال: {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} فإن الذين يؤسى ويحزن عليهم، من كان معدودا من المؤمنين، وهم المؤمنون ظاهرا وباطنا، وحاشا لله أن يرجع هؤلاء عن دينهم ويرتدوا، فإن الإيمان -إذا خالطت بشاشته القلوب- لم يعدل به صاحبه غيره، ولم يبغ به بدلا.
{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} أي: اليهود {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} أي: مستجيبون ومقلدون لرؤسائهم، المبني أمرهم على الكذب والضلال والغي. وهؤلاء الرؤساء المتبعون {لَمْ يَأْتُوكَ} بل أعرضوا عنك، وفرحوا بما عندهم من الباطل وهو تحريف الكلم عن مواضعه، أي: جلب معان للألفاظ ما أرادها الله ولا قصدها، لإضلال الخلق ولدفع الحق، فهؤلاء المنقادون للدعاة إلى الضلال، المتبعين للمحال، الذين يأتون بكل كذب، لا عقول لهم ولا همم. فلا تبال أيضا إذا لم يتبعوك، لأنهم في غاية النقص، والناقص لا يؤبه له ولا يبالى به.
{يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} أي: هذا قولهم عند محاكمتهم إليك، لا قصد لهم إلا اتباع الهوى.
يقول بعضهم لبعض: إن حكم لكم محمد بهذا الحكم الذي يوافق أهواءكم، فاقبلوا حكمه، وإن لم يحكم لكم به، فاحذروا أن تتابعوه على ذلك، وهذا فتنة واتباع ما تهوى الأنفس.
{وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} كقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} .
{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} أي: فلذلك صدر منهم ما صدر.
فدل ذلك على أن من كان مقصوده بالتحاكم إلى الحكم الشرعي اتباع هواه، وأنه إن حكم له رضي، وإن لم يحكم له سخط، فإن ذلك من عدم طهارة قلبه، كما أن من حاكم وتحاكم إلى الشرع ورضي به، وافق هواه أو خالفه، فإنه من طهارة القلب، ودل على أن طهارة القلب، سبب لكل خير، وهو أكبر داع إلى كل قول رشيد وعمل سديد.
{لَهُم فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} أي: فضيحة وعار {وَلَهُم فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} هو: النار وسخط الجبار." انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/139)
تعاني من تأخر زواجها وتريد النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أنا عمري 29 سنة، ولحد الآن لم أتزوج، أنا دائماً أدعو الله أن يرزقني الزوج الصالح الذي يعينني على ديني ودنياي، وثقتي بالله كبيرة بأنه سيستجيب لي عاجلاً غير آجل، أنا أعرف كل الأوقات المناسبة التي تجاب فيها الدعوات، المشكلة أني بدأت أحس أن كل ما أفعله من عبادات الغاية منه أن يستجيب الله دعائي، يعني أصوم لأن دعاء الصائم مستجاب، أقوم الليل لأن الدعوة في الثلث الأخير مستجابة، أصلي السنن والنوافل حتى أتقرب إلى الله ويستجيب دعائي، باختصار: أحس أن ما أقوم به من عبادات ليست خالصة لوجه الله، وهذا الإحساس يخنقني، ماذا أفعل؟ . شيء آخر: أنا تعبانه جدّاً بسبب تأخري في الزواج، أنا أدعو الله دائماً وأبداً وأنا موقنة بأن الله أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، ولكني أخاف ذنوبي، أخاف أن تكون ذنوبي حاجزاً تمنع استجابة الدعاء، ماذا أفعل؟ انصحني يا شيخ وادع لي، أرجوك، أرجوك، أن يرزقني الله زوجاً صالحاً خيراً مما أستحق، رزقاً من عنده يليق بفضله، وجوده، وكرمه. جزاكم الله خيراً، ورزقكم الفردوس الأعلى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تبارك وتعالى: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19
وقال سبحانه: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/216
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) رواه الترمذي (2516)
اعلمي أيتها الأخت المسلمة أن الواجب عليك أن ترجعي لنفسك هنيهة، وتعلمي أن ما أختاره الله لك هو الأصلح والأحسن، وأن ماتفقدينه قد يكون فيه خير، وخير كثير جدا.
ولا تجعلي وساوس الشيطان الرجيم وأمواجه تلاطمك فتأخذك يميناً وشمالاً، شرقاً وغرباً حيث ما يشتهي الرجيم يتلاعب بك، بل كوني كما يحب ربنا ويرضى، وارضَيْ بقضائه واشكريه على نعمائه، وتأملي نعم الله عليك، ولا تضجري ولا تسأمي، واشغلي نفسك بطاعة الله عز وجل، وضعي لك برنامجاً يوقظك لصلاة الفجر ثم تلاوة القرآن والأذكار والدعوة إلى الله وحضور المحاضرات والمواعظ والندوات الإسلامية، فتستطيعين من خلال هذا البرنامج أن تجدي الراحة والطمأنينة، ولتجعلي سلوتك الدائمة، قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999)
(خففي عن نفسك، وتذكري أن هناك ملايين كثيرة من النساء مثلك لم يتزوجن، ولعل كثيرات منهن أسعد من كثيرات من المتزوجات.
شرحَ الله صدرك للرضا بقضائه، والاطمئنان إلى ما أنت عليه، وملأ قلبك سعادة.
أنت أسعد من كثيرات!
هل تزداد معاناتك من عدم زواجك حين ترين امرأة مع زوجها وأولادها يخرجون في نزهة؟!
أيجعلك هذا تتذكرين وحدتك، وحرمانك الزوج ومساندته، والأولاد وبراءتهم؟!
أيثير فيك إحساسا بأنك مظلومة، أو أنك تعيسة، أو أنك محرومة؟
تمهلي قليلا، ولا تدعي هذه المشاعر السلبية، والأحاسيس المحبطة؛ تملأ عليك نفسك، وتزرع فيك الحزن.
لقد رأيتِ جانبا واحدا من حياة هذه الأسرة؛ لكن هناك جوانب كثيرة أخرى لم ترها عينك.
لعلك لو رأيت الزوجة المبتلاة بزوج قاس لا يرحم، واستمعت إلى شكواها من معاناتها الدائمة منه؛ لربما حمدت الله على أن نجاك من الزواج،..
لو جلست مع مطلقة تندب حظها، وتعلن ندمها على زواجها، واستمعت إليها وهي تشكو لك كم احتملتْ وعانت حتى حصلت على الطلاق، واستعادت أمنها؛ لربما حمدت الله على أنك لم تتزوجي ولم تعاني مثل ما عانت.
إن تفكرك، أختي الغالية، بما تعانيه آلاف الزوجات، وما احتملته كثيرات غيرهن انتهى زواجهن بالطلاق، يخفف عنك كثيرا مشاعر الأسى التي تثور في نفسك بسبب عدم زواجك.
إن ذاك التفكر يبدد إحساسك بأنك مظلومة، ويحل محله إحساسا جميلا بالرضا. الرضا الذي يجلب لك رضا الله، كما حدثتك في الرسالة السابقة.
تذكري شكوى صديقتك من صراخ زوجها المستمر، وغضبه الدائم، ونجاتك أنت من هذا.
واستعيدي مشهد جارتك التي خرجت من بيتها باكية بعد أن ضربها زوجها فألحق بها ضررا وأذى................
بلغت الأربعين من عمري ولم أتزوج، وأحمد الله على كل حال ارتضاه لي. في بداية أمري كنت أشعر بالحسرة والألم كلما خلوت بنفسي، وأندب حظي كلما تزوجت واحدة من صديقاتي. لم تكن لي شروط أو مواصفات محددة في الرجل الذي أرتضيه زوجا" فقد كنت مستعدة للقبول بأي رجل صالح. لكن السنين مرت دون أن يأتي هذا الرجل. صرت أعتزل الناس لأتحاشى نظرات الشفقة ... ولم أنج منها تماما فقد كنت أراها في عيون والدي وإخوتي الذين كانوا يدعون لي كلما رأوني ". "وفي يوم من أواخر أيام شهر شعبان، ونحن نستعد لشهر رمضان المبارك، هداني الله إلى اقتناء مصحف خاص بي. صممت على ختمه. وجدت صعوبة كبيرة في قراءته بسبب انقطاعي عن القراءة طوال عشر سنين مضت ". "وجدت صعوبة كذلك في فهم بعض الآيات، فاشتريت كتاب تفسير، وصرت أقرأ فيه تفسير ما أتلوه من آيات الكتاب الحكيم. انتهى رمضان ولم ينته تعلقي بكتاب الله، فواصلت تلاواتي آيات الله وقراءة تفاسيرها ".
"وجاء اليوم الذي استوقفتني فيه آية في سورة الكهف (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) تساءلت: ما معنى (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ) وجدت في التفسير أنها كل عمل صالح ".
"عشقت الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة وتسبيح وتحميد وتهليل وتكبير. وبدأت السعادة تملأ قلبي، والرضا يستقر في نفسي. حمدت الله حمدا كثيرا أن هداني إلى هذا الطريق وأرشدني إلى معالمه ".
تستدرك الأخت أم يمان فتقول:
"لكن هذه ليست دعوة للرهبانية، بل هي دعوة للرضا بقضاء الله وقدره ".
غير متزوجات ... ولكن سعيدات (1 /4-7) محمد رشيد العويد
(ولكن، لتعلم كل فتاة أن الغاية من الحياة هي العبودية بمعناها الخاص ومعناها العام، فإذا توفر المناخ المناسب لبناء بيت مسلم.. قامت الفتاة بعبادة ربها من خلال الزواج وتربية الأولاد، وقد تنشئ لنا الجيل الذي نريد.
.. فإن لم يكن؛ فإن طرق العبادة العامة كثيرة وعلى رأسها الدعوة إلى الله عز وجل. فلتلتفت إلى المنحرفات عن طريق الله لتجعل منهن بنات لها وتهديهن إلى صراط الله السوي (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا)
ولتجعلي من المجتمع الإسلامي بيتا كبيرا هي فيه شمس هداية، ونبراس حق وعدل ومعرفة وعلم. ولنتواص بالحق والصبر: (إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) التوبة/120)
غير متزوجات ... ولكن سعيدات (1 / 12) محمد رشيد العويد
أنظري جواب الأسئلة (21234) , (72257)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/140)
حكم الانتحار بسبب الاكتئاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الانتحار في حالة الاكتئاب الشديدة والتي لا يعي فيها المريض عواقب ما يفعل؟ وهل سيغفر له الله هذا الفعل؟ . وهل يمكن تكون المعاناة التي يتجرعها المريض بسبب هذا المرض كفارة لذنوبه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الانتحار كبيرة من كبائر الذنوب، وفاعلها متوعد بالخلود في نار جهنم أبداً، ويعذبه الله تعالى بالوسيلة التي انتحر بها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها [أي يطعن] في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه البخاري (5442) ومسلم (109) .
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) رواه البخاري (5700) ومسلم (110) .
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) رواه البخاري (3276) ومسلم (113) .
فعلى المؤمن أن يتصبر ويستعين بالله تعالى، ويعلم أن كل شدة تصيبه في الدنيا ـ مهما كانت شديدة ـ فإن عذاب الآخرة أشد منها، ولا يصح عند أحد من العقلاء، أن يستجير الإنسان من الرمضاء بالنار، فكيف يفر من ضيق وشدة مؤقتة ـ لابد لها من نهاية ـ إلى عذاب دائم لا نهاية له.
وليتأمل المسلم أنه ليس هو الوحيد في الدنيا الذي يصيبه البلاء والشدة، فقد أصاب البلاء سادات البشر وهم الأنبياء والرسل والصالحون، وأصاب أيضاً شر البشر وهم الكافرون والملحدون.
فالبلاء سنة كونية، لا يكاد يسلم منها أحد.
فإذا أحسن المؤمن التعامل معها، فصبر، وجعل ذلك سبباً لرجوعه إلى الله واجتهاده في العبادات والأعمال الصالحة، كان البلاء خيراً له، وكان مكفراً لذنوبه، حتى لعله يلقى الله تعالى وليس عليه خطيئة.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رواه البخاري (5642) ومسلم (2573) .
وروى الترمذي (2399) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2280) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/141)
والدها بخيل، ويكره زيارتها له، ويعاقب أمها إن جاءت للزيارة
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي حريص جدّاً على المال، إلى درجة أنه يكره الضيف، لكنه في الأيام الأخيرة صار يكره قدومنا نحن - بناته - إلى البيت، رغم أننا كنا نزوره، ونطلب من والدتنا أن لا تضيفنا شيئاً؛ لأنه بعد ذلك سيعاقبها! بمنع النفقة عليها، وعلى أختي، ورغم ذلك كنا نذهب إلى زيارته، وفي يوم من الأيام طردني أنا وأختي (نحن متزوجتان، وزوجانا يحترمانه) وهو يسبب لنا الحرج معهما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أحسنت أنت وأختك بصلة والديكما، وزيارتهما، والسعي نحو الأكمل في برِّهما، وهي وصية الله للأولاد، وهذه الوصية تشمل الوالدين اللذين بلغا من السوء والشر والفساد أن يجاهدا أولادهم حتى يتركوا دينهم، فكيف من كان أقل من ذلك سوء وشرّاً وفساداً؟! وقد أحسن من عمل بما يعلم.
قال الله تبارك وتعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/ 14، 15.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
(وَإِنْ جَاهَدَاكَ) أي: اجتهد والداك، (عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا) ولا تظن أن هذا داخل في الإحسان إليهما؛ لأن حق الله مقدَّم على حق كل أحد، و " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".
ولم يقل: " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما " بل قال: (فَلا تُطِعْهُمَا) أي: بالشرك، وأما برُّهما: فاستمر عليه، ولهذا قال: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي: فلا تتبعهما.
" تفسير السعدي " (ص 648) .
فعلى الأولاد – ذكوراً وإناثاً – أن يعقلوا وصية الرب تعالى، وأن يعلموا أن اتصاف والديهم بالدعوة إلى الكفر ليس بمبيح لهم العقوق، والإيذاء بالقول والفعل، فأن يكون عندهما من الأخلاق والصفات دون ذلك: أولى أن تبقى صلتهم بهم، ويستمر برهم لهم.
ثانياً:
مما لا شك فيه أن البخل صفة ذميمة، وأن الحرص على جمع المال بِنَهم، وعدم إنفاقه في وجوهه الشرعية: من الصفات القبيحة التي لا يليق بمؤمن أن يتخلق بها، وقد يصيبه من الإثم ما يصيبه إن كانت تلك الوجوه من النفقة واجبة عليه، كالزكاة، والإنفاق على الزوجة، وعلى الأولاد قبل أن يصيروا مكتسبين.
وقد جاء ذم البخل وأهله في هذه الشريعة المطهرة، ومن ذلك:
1. قال سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) النساء/ 37.
2. وقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) الليل/ 5 – 10.
3. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفاً) .
رواه البخاري (1374) ومسلم (1010) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وأما الدعاء بالتلف: فيحتمل تلف ذلك المال بعينه، أو تلف نفس صاحب المال، والمراد به: فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها.
قال النووي: الإنفاق الممدوح: ما كان في الطاعات، وعلى العيال، والضيفان، والتطوعات.
وقال القرطبي: وهو يعم الواجبات، والمندوبات، لكن الممسك عن المندوبات: لا يستحق هذا الدعاء، إلا أن يغلب عليه البخل المذموم، بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه، ولو أخرجه.
" فتح الباري " (3 / 305) .
فاتصاف والدك بالبخل والحرص على فتات الدنيا: خلق ذميم، وكراهيته لبناته من أجل ذلك البخل والحرص: يدل على تمكن تلك الصفات القبيحة فيه، ومنعه النفقة على زوجته وابنته: من المحرَّمات، وهو أمر يبيح لوالدتك الأخذ من ماله دون علمه وإذنه؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة - زوج أبي سفيان، وقد اشتكت عدم نفقته عليها -: (خُذُي مَا يَكْفِيكِ وَوَلدَكِ بِالمَعْرُوف) رواه البخاري (5049) ومسلم (1714) .
وأنتِ وأختكِ عليكما مراعاة صفات البخل والحرص عند والدكما، وعدم التسبب لوالدتك بالأذى والضرر، ومثل هذه الصفات عنده تقتضي منكما عدم تكليفه نفقات الضيافة، والتي تسبب لهم الحمى والقهر، والمعلوم عن هؤلاء البخلاء والحريصين محبة الأخذ وليس الإعطاء، فلو أحضرتما معكما ند الزيارة من الهدايا، والأطعمة، وما تيسر من الأغراض: لرأى في زيارتكما سعداً وفرحاً وسروراً، ولتمنى أن تكثر منكما هذه الزيارات، وفي الوقت نفسه: تعالجون ما عنده من حرص وبخل، بالكلمة الحسنة، والرفق، واللِّين، وبذلك تجمعون بين صلته، وصلة والدتكما، وعدم التسبب بالقطيعة لكما، ولا بمنع النفقة عن أمكما وأختكما، لكن بحيث لا يشق ذلك على زوجيكما، أو يسبب لكما حرجا معهما.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/142)
تحلم بالموت وتخاف منه
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما يأتي لي تذكر الموت، فأخاف خوفا شديدا..، وأحلم أني مت.. وأصبح خائفة جدا. وجزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الخوف من الموت شعور يصيب أكثر الناس، فقد فطر الله سبحانه الإنسان على حب الحياة والخوف من المجهول، وجعل الموت من عالم الغيب الذي لا يدرك حقيقته إلا من انتقل إليه، فإذا فكر الإنسان فيه لم يملك إلا أن يصيبه شعور الوحشة أو الخشية أو القلق من ذلك المستقبل المجهول.
هذا هو التفسير الطبيعي للخوف من الموت لدى الإنسان بوجه عام.
ولكن المؤمن المسلِّمَ لقضاء الله وقدره، الذي غرسَ حبَّ الله في قلبه، وزرعَ حسنَ الظن بالله في نفسه، يدرك أنه إنما يقبل بموته على رب كريم، وإله رحيم، يجزي بالحسنات إحسانا، ويتجاوز عن السيئات صفحا وغفرانا، وذلك للمؤمن المتعلق بالله فقط، المنكسر قلبه بين يديه سبحانه، التواب الأواب الذي
يقول الله تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يونس/62-63.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، كما فسرهم ربهم، فكل مَن كان تقيا كان لله وليا: أنه (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) أي: فيما يستقبلون من أهوال القيامة، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما وراءهم في الدنيا " انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (4/278)
وهكذا ينبغي أن تكوني أختي الكريمة ...
يجب علينا جميعا أن نسعى في ولاية الله تعالى، لننال محبته ورضوانه، ويكون حبه عز وجل أجمل ما في قلوبنا، فيصبح الموت حينئذ نقلة إلى نزل الكريم الرحيم سبحانه، وتحررا من آصار الدنيا وأغلالها إلى سعة الآخرة ونعيمها.
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: (مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ) رواه البخاري (6512) ومسلم (950)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ. قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ)
رواه البخاري (6507) ومسلم (2683)
يقول القرطبي رحمه الله:
" هذه الكراهة للموت هي الكراهية الطبيعية التي هي راجعة إلى النفرة عن المكروه والضرر، واستصعاب ذلك على النفوس، ولا شك في وجدانها لكلِّ أحد، غير أن مَن رزقه الله تعالى ذوقًا من محبته، وانكشف له شيء من جمال حضرته، غلب عليه ما يجده من خالص محبته، فقال عند أزوف رحلته، مخاطبًا للموت وسكرته، كما قال معاذ ـ رضى الله عنه ـ: " حبيبٌ جاء على فاقة، لا أفلح اليوم من ندم "، وكان يقول عند اشتداد السكرات: "اخْنُقْنِي خنْقَك، فوَحقِّكَ إن قلْبي ليحبّك ".
"المفهم" (2/644)
فإذا استحضرت هذه المعاني في قلبك ونفسك، وعملت الأعمال الصالحة استعدادا ليوم الرحيل عن هذه الحياة الفانية، لم يضرك الموت بإذن الله، ولن يكون خوفك منه إلا سببا لكل خير وإقبال على الله، وليس سببا للهلاك أو القلق أو الفزع أو الإحباط لا قدر الله.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي:
" هل يجب على المؤمن عدم الخوف من الموت؟ وإذا حدث هذا فهل معناه عدم الرغبة في لقاء الله؟
فأجاب:
يجب على المؤمن والمؤمنة أن يخافا الله سبحانه ويرجواه؛ لأن الله سبحانه قال في كتابه العظيم: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، وقال عز وجل: (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) ، وقال سبحانه: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) ، وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ) ، وقال عز وجل: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) ، في آيات كثيرة.
ولا يجوز للمؤمن ولا للمؤمنة اليأس من رحمة الله، ولا الأمن من مكره، قال الله سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، وقال تعالى: (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) ، وقال عز وجل: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)
ويجب على جميع المسلمين من الذكور والإناث الإعداد للموت والحذر من الغفلة عنه، للآيات السابقات، ولما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أكثروا من ذكر هادم اللذات - الموت)
ولأن الغفلة عنه وعدم الإعداد له من أسباب سوء الخاتمة، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. فقلت: يا نبي الله: أكراهية الموت فكلنا نكره الموت، قال: ليس كذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله فكره الله لقاءه) متفق عليه.
وهذا الحديث يدل على أن كراهة الموت والخوف منه لا حرج فيه، ولا يدل ذلك على عدم الرغبة في لقاء الله؛ لأن المؤمن حين يكره الموت أو يخاف قدومه، يرغب في المزيد من طاعة الله والإعداد للقائه، وهكذا المؤمنة حين تخاف من الموت وتكره قدومه إليها، إنما تفعل ذلك رجاء المزيد من الطاعات والاستعداد للقاء ربها.
" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (6/313-314)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/143)
مشكلة أبوين مع ابنتهم التي ترفض الزواج وتأخر بها العمر
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أسرة تتقي الله، ومشكلتي أن ابنتي الصغرى البالغة من العمر 34 عاماً لم تتزوج حتى الآن، وهي إنسانة متميزة ذات جمال ومال وحسب ونسب، وناجحة في كل مجالات الحياة، وعلى خلق ودين وملتزمة، وتقوم بكثير من الأعمال الصالحة من مساعدة الغير وقيام الليل وحفظ القرآن وحضور مجالس علم ولذلك فقد تقدم لها أعداد لا حصر لها من العرسان من خيرة الشباب على مدى يزيد عن 10 سنوات وفي كل مرة تقابل الموضوع بفتور وليس بفرحة كما يفعل أقرانها، ثم تعمل استخارة وتخبرنا بعدها أن نفسها غير منشرحة لهذا الشخص وأنها تحس بالاختناق منه، وإنه ليس الشخص المناسب الذي ترغب فيه، وليس لها أي اعتراض موضوعي على معظمهم، ونفشل أنا ووالدها البالغ من العمر 70 عاماً في إقناعها بكل الوسائل الممكنة إبتداءاً من التوسل والملاطفة إلى المشاجرة وإظهار عاقبة الأمور، وقد تم عرضها - بناءاً على رغبتها - على دكتورة أمراض نفسية التي أقرت أنها سليمة معافاة وليس بها شيء، مما جعلنا في حالة حزن وحسرة شديدة تلف أيامنا على مدى العشر سنوات وفي حيرة وحرج من أمرها مما جعلها مختارة تحلف على المصحف أن ليس هناك سبب تعلمه أو يشينها يمنعها من الزواج وإنها تصدقنا القول، ولأنني أكثر حساسية بهذا الموضوع فقد تأثرت نفسيّاً وصحيّاً وغضب قلبي عليها – والعياذ بالله – غضباً شديداً بحيث أنني لا أطيق النظر إليها أو التحدث معها، وحياتنا أصبحت جحيماً وبلغت ذروتها هذا العام بعد رفضها شابّاً كان حلم حياتنا أنا ووالدها وبنفس الأسلوب ولكل منا رأي سأعرضه على فضيلتكم لتحكم بيننا بالشرع، فأنا أرى أنها بعدم طاعتها لوالدها ولي أمرها وتسببها لنا في كل هذا الأذى وحرماننا من ثمرة جهدنا في تربيتها - وهي الفرحة بها - عقوق لنا لن يجدي معه كل ما تفعل من أعمال صالحة، وأن آفتها الكِبر بسبب تميزها والتعامل مع الموضوع باستغناء وعدم تقدير لنعمة الله عليها – فغيرها لا يجد هذه النعمة– وأعتبره بطراً للنعمة، ونصحتها أن تطرح موضوع الانشراح والقبول أولاً هذا جانباً وإنها لو توكلت على الله حق توكله وارتبطت بمن ارتضاه لها والدها فببركة التوكل وإعمال سنة الله في خلقه لإعمار الأرض بالتزاوج والتكاثر وببركة رضانا ودعائنا لها وتقوى الله في معاملتها زوجها مستقبلاً سيجعل الله بينهما المودة والرحمة والسكينة، بمعنى يأتي الانشراح والقبول الذي تسعى إليه، وهي ترى أنها تتبع السلوك الشرعي السليم من عمل الاستخارة ولكن الله لم يرزقها حتى الآن بمن ينشرح له صدرها، وأن هذا بلاؤها، وأن النصيب لم يأت بعد وعندما يأتي سيسهل كل شيء، وأنها غير عاقة لوالديها إنما هي تمارس حقها الشرعي في القبول أو الرفض، وأنها حرة أن تتزوج أو لا تتزوج فهذا شأنها وأنها سبق أن جربت الارتباط بخطوبة 3 مرات – مرتان باختيارها ومرة باختيارنا – وفشلت، وهي التي فسخت هذه الخطب جميعاً. أرجو من فضيلتكم أن تجيب علينا أنا وهي بوضوح تام على هذه الأسئلة: 1. هل هي ابنة عاقة لوالديها أم لا؟ 2. هل الزواج من الأمور الاختيارية ومن يتركه مع قدرة عليه لا إثم عليه؟ 3. أينا رأيه هو الصواب الذي يرضاه الله، رأيي في أن تتوكل على الله وتقبل الزواج ممن يرضاه لها أبوها أم رأيها بأن تنتظر حتى يأتي من ينشرح له صدرها أولا؟ . نحن في انتظار حكم الله لنقول سمعنا وأطعنا،]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الزواج من هدي النبي صلى الله وسلم وسنَّته، وقد أنكر نبيُّنا صلى الله عليه وسلم على مَن أراد ترك النكاح وقال: " أما أنا فأتزوج النساء، مَن رغب عن سنَّتي فليس مني " – رواه البخاري (4776) ومسلم (1401) – والمقصود بـ " سنتي " أي: الهدي والطريقة، لا أنه مستحب؛ والصحيح أن الزواج تجري فيه الأحكام الخمسة، فقد يكون حراماً ومكروهاً ومستحبا وواجبا ومباحاً، ويصبح واجباً عند جمهور الفقهاء في حالة واحدة وهي إذا خاف الرجل أو المرأة من الزنا إذا لم يتزوجا، فهنا يجب على كل من ملك القدرة المالية منهما على النكاح أن يتزوج، أما إذا كان غير راغب في النكاح، وكان قادراً على حفظ نفسه – رجلا كان أو امرأة -: فلا يجب في حقه الزواج عند جمهور الفقهاء، بل هو مستحب في حقه، ويكون حراماً إذا علم الزوج أنه لن يؤدي حقوق زوجته ولن يستطيع إعفافها، وهكذا هو حكم الزوجة.
قال ابن قدامة:
والناس في النكاح على ثلاثة أضرب: منهم من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح: فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام، وطريقه النكاح.
الثاني: من يستحب له، وهو من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور: فهذا الاشتغال له به أولى من التخلي لنوافل العبادة، وهو قول أصحاب الرأي، وهو ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم، وفعلهم ...
القسم الثالث: من لا شهوة له , إما لأنه لم يُخلق له شهوة كالعنين , أو كانت له شهوة فذهبت بكبر أو مرض ونحوه , ففيه وجهان ; أحدهما: يستحب له النكاح ; لعموم ما ذكرنا، والثاني: التخلي له أفضل ; لأنه لا يحصل مصالح النكاح , ويمنع زوجته من التحصين بغيره , ويضر با , ويحبسها على نفسه , ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يتمكن من القيام بها , ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه.
" المغني " (7 / 5، 6) .
وبما سبق يتبين أن ابنتكِ إن تركت الزواج رغبةً عنه مع وجود الشهوة: ففعلها حرام لأنه رغبة عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنَّته، وإن كان تركها له لعدم رغبتها به، وتستطيع ضبط نفسها: فقد تركت مستحبّاً، وإن لم يكن لها شهوة ولا يمكنها أداء حقوق الزوج ولا إعفافه فزواجها دائر بين الكراهة والحرام، وهذا الحكم نذكره لكم ولها، لكم لتعلموا أنها قد يكون فعلها صحيحاً، ولها لنذكِّرها بأنها قد تكون مرتكبة لمحرَّم وهي لا تدري.
ثانياً:
هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل هدي، ولم تمنعه أعباء الدعوة التي يقوم بها من أن يتزوج بل إنه مات عن تسع نسوة، ولم يمنع العلماء علمهم من الزواج، وهكذا العبَّاد والمجاهدون، فلا يجوز لمسلم أن يوجِد تضادّاً بين النكاح وبين قيامه بالدعوة أو طلبه للعلم أو خروجه للجهاد، فالجيل الأول المزكَّى ومعهم نبيهم صلى الله عليه وسلم كانوا دعاة وعلماء ومجاهدين وعابدين، وهم – في الوقت نفسه – متزوجون وبأكثر من واحدة في الغالب.
والنكاح آية من آيات الله تعالى امتنَّ الله بها علينا فقال: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم / 21] ، وهو من هدي وسنن المرسَلين، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ... } [الرعد / 38] ، وعزة الأمة الإسلامية وقوتها إنما تكون بتكثير نسلها المتربي على الخير والطاعة، وقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح من أجل أن تكثر هذه الأمة ويفاخر بها الأمم السابقة.
فندعو أختنا للتأمل في هذه الحِكَم والأحكام، فلعلَّها أن تترك الترفع عن هذا الهدي الكامل، وتكون لبِنَة رئيسة في بيتٍ مسلم، لتنجب ذرية طيبة صالحة.
ثالثاً:
إذا لم يكن ثمة سبب شرعي لأختنا في ترك الزواج: فإنه يجب عليها طاعة والديها فيه، ويكون عصيانهم عقوقاً، وإذا كان ثمة سبب شرعي: فلا يكون تركها للزواج عقوقاً، ويحرم على والديها إجبارها على النكاح، فرضاها وقبولها شرطٌ لصحة عقد الزواج.
قال الإمام أحمد رحمه الله ـ في رواية صالح وأبي داود ـ: " إذا كان له [يعني: للمرء] أبوان يأمرانه بالتزويج: أمرته أن يتزوج، أو كان شابا يخاف على نفسه العنت: أمرته أن يتزوج " انتهى.
الآداب الشرعية، لابن مفلح (1/434) .
وقال المرداوي رحمه الله: " على القول باستحبابه: هل يجب بأمر الأبوين، أو بأمر أحدهما به؟ "
فذكر كلام الإمام أحمد السابق، ثم قال:
" فجعل أمر الأبوين له بذلك بمنزلة خوفه على نفسه العنت [يعني: أنه واجب في الحالين]
قال الإمام أحمد رحمه الله: والذي يحلف بالطلاق لا يتزوج أبدا، إن أمره أبوه: تزوج "
"الإنصاف في بيان الراجح من الخلاف" (8/14) .
ثالثاً:
وندعو أختنا – كذلك – لأن تفكِّر في حال والدَيها، ولتعلم أنه بإدخالها السرور إلى قلبيْهما أنها تكون أدَّت طاعة من أعظم الطاعات لربها تعالى، ففي زواجها موافقة للفطرة، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسنن المرسلين، وفيه برٌّ لوالديها، وفيه إدخالٌ للسرور عليهما، فأي شيء تقوم به – الآن – من الطاعات يعدل هذا ويماثله؟! .
ولتتفكَّر – ولو قليلاً – بحال والديْها وما يعانيه كل واحدٍ منهما بسبب تأخير زواج ابنتهما، ولتعلم أن الناس الذين لا يتقون الله فيكم كثير، وفي تأخيرك للزواج أو امتناعك عنه فتح باب لإطلاق السفهاء ألسنتهم طعناً في أعراضكم واتهامكم بما أنتم بريئون منه.
يقول الدكتور محمد حسن غانم – محللا مشاعر الأم التي يتأخر زواج ابنتها -:
إنها تعيش هذه المشكلة بكامل طاقتها وعصبيتها وقلقها واكتئابها، لأنها كأم تشعر بعمق أحاسيس ابنتها.
وتعيش على حلم أن سعادتها القصوى أن ترى ابنتها في عش الزوجية، وترى أحفادها، ولذا فقد تنتاب الأم حالات من الاكتئاب، وقد تلجأ إلى السحرة والدجالين ظنا منها أن ابنتها " معمول لها عمل بوقف الحال "، وقد تلجأ إلى الدلالات في الأماكن الشعبية وعرض مشكلة ابنتها عليهن، ووعدهن بمكافأة سخية إذا أحضرن لابنتها عريس المستقبل، وعلى العكس من ذلك قد يكون إيمان الأم قويّاً بحيث تقول كلاماً تكون سببا في التخفيف عن ابنتها وحثها على الرضا بقضاء الله.
انتهى
ويقول الدكتور رامز طه:
إن الفتاة التي ترفض الزواج من كل رجل يتقدم لها تجعل نفسها محلا لإثارة الأقاويل والشائعات التي تسيء إلى سمعتها، ومع الوقت لا تجد من يطرق بابها، والشيء نفسه بالنسبة إلى الرجل حتى لو كان ذا مركز مرموق …
انتهى
ولتنتبه أختنا الفاضلة إلى ما يترتب على تأخير الزواج من مضاعفات خطيرة في جسمها، ومنه ضعف الرحم وعدم القدرة على الإنجاب.
قال الدكتور محمد الرواشدة - أستاذ العلاج الطبيعي -:
" إن الزواج المتأخر يترافق معه عدة مشكلات متعددة في الولادة وصحة الجنين "، وقال: " إن بعض الدراسات أكدت أن الحمل المتأخر بعد سن الأربعين يؤدي إلى ولادات مشوهة، أما الإنجاب بعد سن الـ 35 يؤدي إلى طفل منغولي لكل 260 ولادة، فيما تزداد النسبة بعد هذا العمر ".
وقد وجِّه سؤال للدكتور فلاح الخطيب - استشاري ورئيس قسم علاج الأورام - عن أهم العوامل والأسباب التي تساهم في حدوث سرطان الثدي، فذكر عدة عوامل ومنها: احتمالات الإصابة به عند المرأة التي تحمل بالطفل الأول لها بعد سن الثلاثين.
رابعاً:
وما قالتْه الأم من عدم قبول الله تعالى لأعمال ابنتها إذا هي أصرَّت على فعلها: قول غير صحيح، ولا تحبط الأعمال كلها إلا بالشرك والردَّة، ولا يجوز أن يكون فعل ابنتكم سبباً للقسوة عليها والغلظة في التعامل معها، ويجب عليكم التلطف في العبارة والمعاملة، لعلَّ الله تعالى أن يهديها ويوفقها.
كما ننصح أختنا الفاضلة أن تتواضع لربها تعالى، ولا يجوز لها التكبر على خلق الله تعالى، ويجب عليها شكر نعمة الله عليها، ولا يكون الشكر بالتعالي على الناس واحتقارهم، ولتعلم أن مِن الناس مَن يكون قليل العلم لكنه عالي الأخلاق قوي الدين، فلا تغتر بنفسها على غيرها ولْتتواضع لربها ليرفع منزلتها في الدنيا والآخرة، ولا يجوز لها أن ترفض صاحب الخلق والدين، ولا نظن أن كل من جاء لخطبتها يستحق الرفض شرعاً، فلتنتبه لهذا ولتسعَ في تغيير ما هي عليها للأصلح والأفضل والأعلى والأكمل.
ولتعلم الأخت الفاضلة أن انشراح الصدر بعد الاستخارة ليس هو العلامة الوحيدة على رد الزوج، وعدم القبول به، بل هو من العلامات، فنرجو مراجعة إجابة السؤال رقم (5882) .
ونحب أن نذكرك ـ أختنا الكريمة ـ أن ما جاء في جوابنا، هو بحسب ما أداه إليه اجتهادنا، ومبلغ علمنا، لا أن كل رأي نراه، أو حكم نحكم به هو حكم الله، إلا أن يكون فيما نقوله أو نراه نص بيِّن من كتاب الله أو سنة نبيه، صلى الله عليه وسلم؛ فلقد كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: ( ... وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا!!) رواه مسلم (1731) .
قال النووي رحمه الله: " هذا النهي على التنزيه والاحتياط ".
وقال ابن القيم رحمه الله: " قال بعض السلف: ليتق أحدكم أن يقول: أحل الله كذا، وحرم كذا، فيقول الله له: كذبت ح لم أحل كذا، ولم أحرم كذا.
فلا ينبغي أن يقول لما لا يعلم ورود الوحي المبين بتحليله وتحريمه: أحله الله وحرمه الله، لمجرد التقليد أو بالتأويل " إعلام الموقعين (1/39) .
ونسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للحق والصواب، وأن يهديك لما يحب ويرضى، وأن يرزقك زوجاً صالحاً وذرية طيبة، وأن يؤلف بين قلوبكم جميعاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/144)
يرغمها على العمل ويريد الزواج من غيرها فهل تطلب الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إن زوج خالتي] أو زوج عمتي [طلب منها أن تأذن له بالزواج من زوجة ثانية وأخبرها قريباً بأمر الزفاف، المشكلة أن خالتي] أو عمتي [لم تستطع العمل السنوات القليلة الماضية لمرضها لكن زوجها أجبرها على العمل في عمل تنظيفي، وهو يعمل أيضًا لكنه يأخذ كل مالها التي تعمل به ويعطيها القليل، وأخبرها أنه لن يدفع مصاريف الإيجار ولا الطعام لذا عليها أن تعمل أكثر، والعمل يتسبب في مرضها، وخالتي] أو عمتي [هي التي تدفع مصاريف كل شيء، وهو يدّعي أنه ليس لديه أي مال، والواقع أنه ينفق جميع ماله على بيت زوجته الثانية وعلى زفافه، أخبرْنا خالتَنا] أو عمتنا [أن تأتي وتقيم معنا هربًا منه، وهذه ليست أول مرة يتزوج فيها زوجة ثانية ويهمل خالتي] أو عمتي [لكن خالتي] أو عمتي [تقول إنها ستعطيه فرصة أخرى، هل حرام أن نشجع خالتنا] أو عمتنا [أن تبقى مقيمة معنا لمدة ونحثها على الطلاق منه؟ نحن خائفون على صحتها، فهي مريضة أليس لها حق في الطلاق؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله تعالى على الزوج أن يُسكن زوجته ويكسوها وينفق عليها، وقد جعل الله ذلك – كله – حقّاً للزوجة.
قال تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق / 6] .
قال ابن حزم - رحمه الله -:
ويلزمه – أي: الزوج - إسكانها على قدر طاقته؛ لقول الله تعالى {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} [الطلاق / 6] .
" المحلى " (9 / 253) .
وقال ابن قدامة - رحمه الله -:
ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى {أسكنوهن…} فإذا وجبت السكنى للمطلقة، فللتي في صلب النكاح أولى، قال الله تعالى {وعاشروهن بالمعروف} ، ومن المعروف أن يسكنها في مسكن، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع." المغني " (9 / 237) .
وعن معاوية بن حيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله رجل: ما حق المرأة على زوجها؟ قال: " تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت ".
رواه أبو داود (2142) وابن ماجه (1850) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1929) .
قال الخطابي – رحمه الله -:
في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها، وليس في ذلك حد معلوم، وإنما هو على المعروف، وعلى قدر وسع الزوج وَجِدَتِه، وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقاً لها فهو لازم للزوج، حضر أو غاب، وإن لم يجده: كان ديناً عليه إلى أن يؤديه إليها كسائر الحقوق الزوجية. " معالم السنن على هامش المنذري " (3 / 67، 68) .
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ". رواه مسلم (1218) .
قال النووي - رحمه الله -:
فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وذلك ثابت بالإجماع. " شرح مسلم " (8 / 184) .
ثانياً:
يجب على المعدِّد أن يتقي الله تعالى ويعدل في النفقة والكسوة والمبيت، ولا يحل له أن يجور في قسمته بين نسائه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وأما العدل في النفقة والكسوة: فهو السنَّة أيضاً، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة، كما كان يعدل في القسمة، مع تنازع الناس في القَسم، هل كان واجباً عليه أو مستحباً له؟ وتنازعوا في العدل في النفقة هل هو واجب؟ أو مستحب؟ ووجوبه أقوى وأشبه بالكتاب والسنة.
" مجموع الفتاوى " (32 / 269) .
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم المعدَِّد من أن يظلم إحدى نسائه.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ".
رواه الترمذي (1141) وأبو داود (2133) والنسائي (3942) وابن ماجه (1969) ، وصححه الحافظ ابن حجر في " بلوغ المرام " (3 / 310) ، والألباني في " إرواء الغليل " (7 / 80) .
قال الشافعي - رحمه الله -:
ودلَّت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عليه عوام علماء المسلمين: أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي، وأن عليه أن يعدل في ذلك لا أنه مرخص له أن يجوز فيه. " الأم " (5 / 158) .
وقال: ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن. " الأم " (5 / 280) .
وقال البغوي - رحمه الله -:
إذا كان عند الرجل أكثر من امرأة واحدة يجب عليه التسوية بينهن في القسم إن كُنَّ حرائر، سواء كن مسلمات أو كتابيات ... فإن ترك التسوية في فعل القَسم: عصى الله سبحانه وتعالى، وعليه القضاء للمظلومة. " شرح السنة " (9 / 150، 151) .
ثالثاً:
لا يجوز للزوج أن يأخذ راتب زوجته إلا أن عن طيب نفسٍ منها، وقد أباحت لها الشريعة أن تعمل عملاً مباحاً – دون إلزام، لأن النفقة واجبة على زوجها – وأباحت لها التملك لهذا المال، فإن أعطت منه زوجَها جاز، وإن أخذه عن غير طيب نفسٍ منها كان سحتاً عليه.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا حرج عليك في أخذِ راتب زوجتك برضاها إذا كانت رشيدة، وهكذا كل شيء تدفعه إليك من باب المساعدة لا حرج عليك في قبضه، إذا طابت نفسها بذلك وكانت رشيدة؛ لقول الله عز وجل في أول سورة النساء {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء / 4] ، ولو كان ذلك بدون سند، لكن إذا أعطتْك سنداً بذلك فهو أحوط إذا كنت تخشى شيئاً من أهلها وقراباتها أو تخشى رجوعها. " فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 672، 673) .
رابعاً:
إذا علمت الزوجة أن الزوج يجب عليه أن يؤمن لها المسكن والنفقة والكسوة، وعلمت أن العدل واجب عليه بين نسائه، وعلمت أنه لا يحل له أن يجبرها على العمل ولا على أن تعطيه راتبها، ثم رأت من زوجها مخالفة لكل ما ذُكر أو لبعض منه: فهي بالخيار: إما أن تصبر على هذا الظلم رجاء أن يتغير زوجها وأن يُصلَح حاله، وإما أن تطالب بحقها عن طريق المحاكم الشرعية، فإن لم يُصلَح زوجُها، أو لم تحصِّل حقَّها من المحاكم الشرعية، ولم تستطع الصبر على ظلم زوجها: فإن لها حق طلب الطلاق، واستيفاء حقِّها كاملاً منه.
ومع أن المرأة كلما استطاعت الصبر على ما تجده من ظلم زوجها وأذاه، وحافظت على بيتها، فهو أفضل لها وأولى من الطلاق منه؛ فإن لكل حالة من الخصوصية ما يوجب النظر في ملابساتها مجتمعة، قبل إبداء الرأي فيها، ويمكنها ـ هنا ـ أن تستشير عقلاء أهلها وأقربائها في موضوعها، فإما أن يصلَح الحال وتمضي حياتها على خير، وإما أن تختار لنفسها أحد الأمرين: الصبر أو الطلاق، والتحذير من طلب الطلاق إنما هو في حال أن يكون من غير سبب شرعي.
عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة"
رواه الترمذي (1187) وحسَّنه، وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/145)
استغاثة من أم كان ابنها مستقيماً فوقع في الإلحاد!
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أرجو أن يتسع صدرك لاستغاثتي في مصيبتي في ابني، وترشدني إلى الرأي الصواب بأسرع وقت ممكن: أنا عندي أربعة ذكور، أكبرهم عنده 28 سنة، وآخرهم 21 سنة، ولقد ربيتهم على الالتزام والشرع، فنحن أسرة ملتزمة، وبيتنا وعمل زوجي أيضا منارة للدعوة الإسلامية، ولكن للأسف كان ابتلاؤنا في ابننا، ومصيبتنا في دينه، فالابن الكبير مهندس مرموق، وطموح جدّاً، وذكي جدّاً، ولكن للأسف فوجئنا به يكره الدين، والتزاماته، وتكاليفه الشرعية، ويتهمنا بأننا شاذون عن المجتمع؛ لحرصنا على عدم الاختلاط، وبدأ بإنكار السنَّة، والتهكم على أوامر الدين، وأتم كل هذا، وكانت الطامة الكبرى عندما اصطحبناه للعمرة عسى أن يهديه الله أنه لم يقم بها! ولا الصلاة في المسجد الحرام، وامتنع عن الصلاة نهائيّاً إلا صلاة الجمعة، يؤديها فقط إرضاء لنا، عرفنا وقتها أن ابننا ملحد، وعرفنا أنه أيضا ثقف نفسه من مواقع الإلحاد على النت، وهذا بحكم عمله أنه يعمل على الكمبيوتر، وحاولنا كثيراً معه بالإقناع، وجلس مع شيخ، وأدخلناه موقع " طريق الإيمان " ليحاور إخوة عندهم خبرة ودراية بالرد على الشبهات، واستمر معهم حوالي 6 أشهر، ولكن لا فائدة، وعلمنا أنه يدرس هذا الأمر من أربع سنوات! والآن كلما واجهناه بالكفر ينكر ويقول: أنا مسلم اسماً وأمام الناس، ولا أشيع هذا الأمر، وهذا أمر يخصني، وأنا الذي سأحاسب، ويريد أن يتزوج مسلمة، ونحن أوقفنا زواجه، وامتنعنا أن نشاركه فيه، ولو حتى الخطبة؛ لأن الناس تنخدع بنا كملتزمين ويحسبوه كذلك، وهو يتهمنا بأننا السبب في هذا الحال الذي هو عليه من تشددنا، ويقول: أين دعاؤكم المستجاب؟ وأين الله الذي سيهديني؟ وقد عمل عمرة قبل ذلك ودعا الله فيها أن يهديه، هو يقول: لكل شيء سبب ملموس وعلمي، وأنا لا أرى الله وينكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يُعظم لكم المثوبة، وأن يجزيكم خيراً على ما تقدمونه لأولادكم من عناية ورعاية، وتربية إسلامية، وقد لمسنا من خلال رسالتكم قيامكم بما أوجب الله تعالى عليكم تجاه الأمانة التي ائتمنكم عليها.
وخروج ابنكم عن طاعة ربه تعالى، ورضاه لنفسه بطريق الانحراف والضلال والإلحاد: لا ينبغي أن يسبب لكم قلقاً في أنكم مقصرون، أو تربيتكم لأولادكم هي السبب، كما قال ذلك الابن المنحرف، بل أنتم على خير عظيم، إن شاء الله، وغيركم ممن لم يفعل فعلكم هو المقصِّر في حق نفسه، وفي حق أولاده، فلا تلتفتوا لوساوس الشيطان، ولا يصدنكم كلام ابنكم عن الاستمرار في التربية الإسلامية لأولادكم، وفي البقاء على الالتزام بشرع الله تعالى.
واعلموا أنكم غير آثمين على ما وصل له حال ابنكم؛ لأنكم لم تقصروا في توجيهه، وتربيته على الإسلام، ومن كان هذا حاله: فإنه لا يأثم إن خرج بعض أفراد أسرته عن جادة الصواب، وإنما يأثم من كان مقصِّراً، أو مهملاً في رعاية أولاده والعناية بهم.
وها هو نوح عليه السلام فقد رأينا ماذا حلَّ بابنه وامرأته، فقد هلكا مع الهالكين، ولم يألُ نوح عليه السلام جهداً في دعوتهم وهدايتهم، ولم يستجيبا له، فعاقبهما الله، وكانا من المغرَقين.
ومثله يقال في امرأة لوط عليه السلام، ووالد إبراهيم عليه السلام، وأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، فكل أولئك الأنبياء والرسل قد أدوا ما أمرهم الله تعالى به من الأمانة على أكمل وجهها، ولم يقصروا في حق أهليهم، ولكن القلوب بيد الله تعالى يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وما يضل إلا الفاسقين، قال الله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) البقرة/ 272، وقال سبحانه: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) القصص/ 56.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
يُخبر تعالى أنك يا محمد - وغيرك من باب أولى - لا تقدر على هداية أحد، ولو كان من أحب الناس إليك، فإن هذا أمر غير مقدور للخلق: هداية التوفيق، وخلق الإيمان في القلب، وإنما ذلك بيد الله سبحانه تعالى، يهدي من يشاء، وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه، ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله.
وأما إثبات الهداية للرسول في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) : فتلك هداية البيان والإرشاد، فالرسول يبين الصراط المستقيم، ويرغِّب فيه، ويبذل جهده في سلوك الخلق له، وأما كونه يخلق في قلوبهم الإيمان، ويوفقهم بالفعل، فحاشا وكلا. " تفسيرالسعدي " (620) .
وانظري جواب السؤال رقم: (12053) .
واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن الحجة مقامة على ولدك، وليس هو في سن تستطيعون توجيهه والتحكم به، فليس أمامكم إلا الدعاء له بالهداية، فألحوا على ربكم تعالى، وأكثروا الدعاء له في أوقات السحَر، وفي السجود، فلعلَّ الله تعالى أن يستجيب لكم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ / قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثُ دَعَوَات مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) .
رواه الترمذي (1905) وأبو داود (1563) وابن ماجه (3862) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال العظيم آبادي – رحمه الله –:
(دعوة الوالد) أي: لولده، أو عليه، ولم يذكر الوالدة؛ لأن حقها أكثر، فدعاؤها أولى بالإجابة.
" عون المعبود " (4 / 276) .
وقال المناوي – رحمه الله -:
(ودعوة الوالد لولده) لأنه صحيح الشفقة عليه، كثير الإيثار له على نفسه، فلما صحت شفقته: استجيبت دعوته، ولم يذكر الوالدة مع أن آكدية حقها تؤذن بأقربية دعائها إلى الإجابة من الوالد؛ لأنه معلوم بالأولى.
" فيض القدير " (3 / 301) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -
(دعوة الوالد) في بعض ألفاظ الحديث (على ولده) ، وفي بعض ألفاظه مطلقة (الوالد) أي: سواء دعا لولده، أو عليه، وهذا هو الأصح، دعوة الوالد لولده، أو عليه مستجابة، أما دعوته لولده: فلأنه يدعو لولده شفقة، ورحمة، والراحمون يرحمهم الله عز وجل، وأما عليه: فإنه لا يمكن أن يدعو على ولده إلا باستحقاق، فإذا دعا عليه وهو مستحق لها: استجاب الله دعوته.
هذه ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، والمسافر، والوالد، سواء الأم، أو الأب.
" شرح رياض الصالحين " (3 / 157) طبعة دار ابن الهيثم.
وقد بينا شروط الدعاء لكي يكون مستجاباً مقبولاً عند الله في جواب السؤال رقم (13506)
وذكرنا أماكن وأوقات إجابة الدعاء في جواب السؤال رقم: (22438) .
فلينظرا.
وأما ما أنكم لا تساعدونه في أمر زواجه، ولا تذهبون معه إلى أحد، فهذا هو الواجب عليكم، ولو بقي على هذه الحال إلى آخر عمره؛ فالناس، كما قلت ـ أيتها السائلة الكريمة ـ سوف يغترون بحالكم، ويظنون أن ابنكم مثلكم، أو ـ على أقل حال ـ إن اختلف، أو ساء أمره، فلن يتصور أحد أنه قد بلغ هذا المبلغ.
نسأل الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يصلح لنا أزواجنا وذرياتنا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/146)
ضربها زوجها وأخذ مهرها وامتنع عن رؤية ولدها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أحب أن أقول عن تجربتي وهي تتنافى مع أي حق من حقوق المرأة، والإنسان: فأنا أبلغ من العمر 22 عاماً , تقدم لخطبتي رجل كان من وجهة نظري ناجحاً، وعنده دِين، وخلق. وبعد أربعة شهور من الزواج كان يضربني - وأنا حامل - ضرباً مميتاً، وطلب أبي الطلاق منه، بعدما رأينا منه ما لم ير أحد على الإطلاق من كل أنواع السوء، وأخذ كل شيء، وطلب الإبراء، وإلى الآن لم يطلب أن يرى ابنه، وهو يبلغ من العمر 4 أشهر، فأين هو الإسلام؟ أين هو حقي؟ فهو أخذ كل شيء ولم يترك أي شيء حتى ابنه، لا يسأل عنه، ولا يبعث له بمال، والحمد لله أن أبى ميسور الحال، ويصرف علينا، الحمد لله، فأين حق المرأة في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله تعالى على الزوجين أن يعاشر بعضهم بعضاً بالمعروف، وكما أن للزوج حقوقاً فإن للزوجة حقوقاً كذلك، قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/من الآية228.
وعلى الزوج أن يراعي طبيعة خلق المرأة، وأنه لن يجد زوجة يستمتع بها إلا ومعها من الخطأ ما معها، ومتى أراد أن يؤدبها على كل شيء، وأن يقومها من كل نقص أو خطأ، فلن يجد ـ في نهاية المطاف ـ إلا طلاقها!!
ولذا نبهه النبي صلى الله عليه وسلم أنه إن كره منها خُلُقاً فإنه سيرضى منها آخر.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) .
رواه البخاري (3153) ومسلم (1468) وفي لفظ عنده:
(إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – أيضاً - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ - أَوْ قَالَ: غَيْرَهُ -) . رواه مسلم (1469) .
ومعنى " لا يفرَك " أي: لا يبغض.
ثانياً:
إننا لفي غاية العجب منك ومن زوجك، أما من زوجك: فلتلك المعاملة السيئة التي ذكرتيها لنا في سؤالك: من قسوة القلب، وسوء المعاملة، والضرب المبرح، فهذه ليست من أخلاق المسلمين، ولا من أخلاق ذوي المروءة من الرجال ولو كانوا كفاراً، فكيف وأنتِ تزعمين أنه ملتزم، ومستقيم على الطاعة؟! وإننا نسأله: مَنْ قُدوتك في هذه المعاملة؟ من هو أسوتك في تلك الأخلاق؟ من يملك مثل قلبك من الأنبياء والصحابة والتابعين وعلماء الإسلام الأجلاء وأهل الديانة والصيانة؟!!
وهل تعلم أنك لا تسيء لنفسك بتلك المعاملة الفظة فقط، بل تسيء لدينك واستقامتك وإخوانك الملتزمين بطاعة الله؟! هل تعلم أنك من المنفرين عن دين الله؟ .
يجب عليك أن تتقي الله ربك، وأن تعلم ما أوجب الله عليك فتفعله، وما نهاك عنه فتكف عنه، وأن تقف على أخلاق الإسلام فتتخلق بها، ومما أوجبه الله عليك: عشرة زوجتك بالمعروف، ونفقة ولدك التي تهربت منها، ومما نهاك عنه: ضربُ زوجتك المبرح، وأخذُك لمهرها من غير حق، ومن أخلاق الإسلام: الرأفة والرحمة بالأطفال عموما فكيف بأولادك؟! فأين أنت عن هذا كله؟ .
وأما عجبنا منكِ أيتها الأخت الكريمة: فهو سؤالك " أين الإسلام؟ "، " أين حق المرأة؟ "، فهل تظنين أن زوجك هو الإسلام؟ هل زوجك نبي من الأنبياء – حاشاهم من ذلك -؟ إنه فرد من المسلمين، يصيب ويخطئ، يطيع ويعصي، يضل ويهتدي، ليس هو معصوماً من الخطأ، ولا مبرأً من الإثم، ولا منزَّهاً عن الظلم والعدوان، فخطؤه على نفسه، وظلمه وعدوانه لم يأمره به الشرع، بل نهاه عنه وتوعده عليه بالعقوبة الشديدة. فليس هو الإسلام، ولا هو القرآن، ولا هو ممثل للإسلام، ولا ناطق باسمه، على حد تعبير الناس!!
وحق المرأة مكفول في شرع الله تعالى، ولن تجد النساء خيراً لهن من الإسلام يحفظ حقوقهن، ويرعى مشاعرهنَّ، ويكرمهن بناتٍ وأخوات وأمهات وجدات وزوجات، وهذه شرائع الأرض حولك، وهذه الأديان المحرفة أمامك انظري فيها لتعلمي الفرق العظيم بين المرأة في الإسلام وفي غيره.
وأما مخالفة هدي الإسلام من قبَل بعض أهله فهذا لا شأن له بالإسلام، إنما هي أخلاقهم وسلوكهم وانحرافاتهم، والإسلام منها براء
والظن بك أن سؤالك: أين الإسلام في تصرفات هذا المسكين؟!!
وأنت محقة في هذا السؤال، وإنه لمسكين والله، يستحق أن يرحم؛ ذلك الذي يُحَمِّل نفسه الضعيفة، فوق أوزارها وتفريطها في جنب ربها، مظالم العباد، وحقوق الخلق، ليوافي بها ربه يوم القيامة!!
وإذا كان ثمة ادعاء عندك على زوجك فيجب أن يثب ذلك أمام القضاء الشرعي، لتحصلي بعدها على حقوقك كاملة مستوفاة.
ولا يُقبل كلام أحد الطرفين دون سماع الآخر، وإذا استمع القاضي للشرعي لطرفي النزاع حكم بينهما بشرع الله تعالى بما لا يمكن أن يوجد له مثيل في الأرض في تحقيق العدل، وإعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم.
فالذي ننصحك به هو:
1. الاستمرار في التفاهم مع زوجك من قبلك وقبَل أهلك لردعه عن باطله، والقيام بما أوجبه الله تعالى من حقوق.
2. فإن لم ينفع هذا معه: فابحثوا عن شيخ له، أو رجل يحترمه ويقدِّره، واجعلوه واسطة بينكم وبينه للتحكيم بينكما.
3. فإن لم ينفع هذا: فارفعي شكوى ضده في المحاكم الشرعية؛ لإثبات وقوع الضرر عليك منه؛ ولاستيفاء كامل حقوقك التي كفلها لك الشرع المطهَّر.
فإن كان لك حق عليه، كما هو ظاهر من رسالتك، وكان للولد الصغير حق على أبيه، كما هو مقرر في الشرع، بل وفي كل عقل وفطرة، ثم عجزت ـ رغم كل ذلك ـ عن أخذ حقك في الدنيا؛ فاعلمي ـ يا أمة الله ـ أن للعباد يوما يقفون فيه بين يدي اللملك الديان، ليعطي كل ذي حق حقه.
روى الإمام أحمد في مسنده (15612) من حديث عبد الله بن أُنيس، رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ قَالَ الْعِبَادُ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا قَالَ قُلْنَا وَمَا بُهْمًا قَالَ لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ قَالَ قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا قَالَ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ!!) .
صححه الألباني في ظلال الجنة (514)
وفي صحيح البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ، فحُمِلَ عَلَيْهِ) .
ونسأل الله تعالى أن يهديه ويصلحه، ونسأله تعالى أن يوفقكِ لما فيه رضاه، وأن يجمع بينكما على خير، إن كان في اجتماعكما خير لكما ولذريتكما، وأن يأجرك في مصابك هذا، ويخلف لك خيرا منه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/147)
إذا سكن بجوار أهله ستقع مشاكل بينهم وبين زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في الذي يريد أن يسكن بجوار أهله مع علمه أن هذا سيجر مشاكل كبيرة بينهم وبين زوجته وكذلك سينغص على زوجته حياتها حيث إنهم كثيرو التدخل والعلاقة بينهم وبين زوجته ليست جيدة؟ وهل للزوجة الحق في اختيار مسكنها ومكانه ومن تجاور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سكنى الزوجة واجبة على زوجها؛ لأن الله تعالى جعل ذلك حقّاً للمطلقة الرجعية، فقال تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) الطلاق/6، فوجوب السكنى لمن هي في صلب النكاح أولى.
ولا يجوز للزوج أن يسكن زوجته مع امرأة أخرى، ولا مع أبويه إلا بإذنها، ولها أن تمتنع عن السكنى معهم إن لم ترض بذلك، إلا أن يكون قد اشترط عليها ذلك في عقد النكاح.
وفي جواب السؤال رقم (7653) تفصيل مفيد لكل ما سبق.
ثانياً:
الواجب على الزوج أن يهيئ لزوجته سكناً خاصّاً بمرافقه الكاملة، ولا يهم إن كان قريباً من أهله أم بعيداً.
لكن ... إذا كان الزوج يعلم أن سكنه قرب أهله سيسبب له ولزوجته ولأهله الأذى فالواجب عليه إبعاد الأذى عن الجميع بأن يسكن هو زوجته بعيداً عن أهله، فإن كان والداه كبيريْن وعاجزيْن ويحتاجان لأن يكون قريباً منهما: فليفعل ذلك دون أن يلزم زوجته بخدمتهما أو زيارتهما إن كان يترتب على الزيارة مشاكل وأذى لأحد الأطراف.
وينبغي على الزوج أن يستعمل حكمته في التعامل مع هذا الأمر إذ يمكنه الجمع بين القرب من والديه مع عدم حصول مشاكل بينهم وبين زوجته؛ وذلك بوضع ضوابط في الزيارة والمعاملة والتعامل بين جميع الأطراف، كما يمكنه أن يكون بعيداً عن أهله من غير أن يكون ذلك مؤذياً لوالديه؛ وذلك بكثرة التردد عليهم والنظر فيما يحتاجون وتلبية ما يستطيع تلبيته من مطالبهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/148)
هل يأثم بطلاق زوجته التي كان لها علاقات سابقة قبل التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج منذ 3 سنوات بزوجة أقل مني سنّاً بسنة، ورزقت منها - والحمد لله - منذ سنتين ببنت، المشكلة أنه ليس هناك تفاهم بيننا، فنحن دائما في تصادم، حيث إنها عصبية وغالباً لا يعجبها أي شيء، وكثيرة الشكوى، ولا تتفاهم مع عائلتي، زد على ذلك أني أشكُ في ماضيها، فقد كانت قبل زواجنا تدخن، ومِن رواد الملاهي الليلية حين كانت طالبة جامعية، وقد اعترفت لي بذلك قبل الزواج وأكدت بأنها لم تتجاوز تلك الأمور، ومنذ سنة اكتشفت بالصدفة في أوراقها الخاصة شهادة طبية (يرجع تاريخها إلى سنة قبل الزواج) تثبت بأنها بكر فواجهتها وطلبت منها تبرير ذهابها للطبيب للحصول على هذه الشهادة إن كانت لا تشكُ في عذريتها فقالت: إنه قيل لها من قبَل بعض صديقاتها إنه إجراء روتيني تقوم به الفتاة لتفادي المشاكل التي قد تحصل ليلة الدخلة من قبل بعض الأزواج، ولكني لم أقتنع وبقيت أشكٌ بالأمر رغم تأكدي من عذريتها، وبسبب كثرة المشاكل التي بيننا وصعوبة التفاهم إلى جانب الشكٌ أصبحت أفكر جديّاً في الطلاق تجنباً للفتنة ورحمة لي ولها. وسؤالي هو: هل الطلاق في كل الأحوال حرام أم حلال؟ وفي حالتي هل أعتبر آثما إذا طلقت؟ . أرجو الإجابة الشافية، مع الشكر الجزيل لسعة صدوركم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأصل في الطلاق أنه يخالف مقصود الشرع من الاجتماع بين الزوج وزوجته في بيتٍ واحدٍ بألفة ومودة، وقد امتن الله تعالى على الناس بهذه الألفة والمودة، وجعل ذلك من آياته عز وجل، بالإضافة إلى ما ينتج عن هذا الزواج من ذرية طيبة.
وقد دلَّت نصوص شرعية على أن التفريق بين الزوجين هو من أخس أفعال السحرة، قال تعالى – عن السحرة -: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) البقرة /، وهو من أعظم أفعال الشياطين التي تقربهم إلى إبليس، فعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئاً، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقتُ بينه وبين أهله، فيدنيه منه، ويقول: نِعْم أنتَ ". رواه مسلم (2813) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الأصل في الطلاق الحظر وإنما أبيح منه قدر الحاجة" اهـ مجموع الفتاوى (33/81) .
لكن هذا لا يعني المنع من الطلاق أو حرمته، بل قد يكون واجباً، أو مستحبّاً، أو مباحاً، أو مكروهاً.
فيكون واجبا في أحوال، منها: إذا كان الدافع له أموراً تهدم الحياة الزوجية كتهاونها في عرضها وشرفها، أو عند العجز عن الإصلاح بينهما في حال وجود الشقاق، أو كان بالزوج عيبٌ يحول بين الحياة الزوجية وبين أدائها وظيفتها ككونه عنِّيناً أو مجبوباً، والزوجة تحتاج إلى العفاف. ويكون واجباً إن كان إمساكها بغير معروف، ولا يؤدي ما أوجبه الله عليه تجاهها.
ويكون الطلاق مستحباً: إذا كان الدافع له سوء أخلاق الزوجة، وتسببها في إيذاء زوجها أو أقاربه أو جيرانه بالقول أو بالفعل، أو كان الطلاق بسبب نفورها منه.
ويكون مباحاً: إذا أراد طلاقها للتزوج بأخرى وليس عنده قدرة على التعدد، أو بسبب نفورٍ طبيعي.
ويكون مكروهاً: إذا كان مع استقامة حالها وخلقها، وكان بينهما أولاد يخاف ضياعهم، أو كانت فقيرة أو غريبة عن بلدها.
ثانياً:
إننا نتعجب منك – أخي الفاضل – حيث تقول إن زوجتك قد اعترفت لك أنها كانت – قبل الزواج – من رواد الملاهي الليلية، وقد قبلتَ بها بعد أن تابت، ثم أغاظك أنك رأيت شهادة تثبت عذريتها! بل إن هذا يؤكد كلامها أنها لم تقع في الفاحشة الكبرى، وقد تكون صادقة في قولها أنها فحصت من أجل إثبات عذريتها لليلة الدخلة.
وعلى كل حال: إن كنتَ قبلتَ كلامها في أنها تابت وتركتْ جاهليتها خلف ظهرها: فإن هذه الشهادة لا ينبغي أن تغير من نظرتك لها، وهي – في أسوأ الأحوال – كانت في تلك الفترة التي كانت فيها ترتاد أماكن الفساد والانحراف.
وإن كنت لا زلت في شك من صدق توبتها، وترى أنه لا يمكن لحالك أن تستقيم معها، وسوف يبقى الشك ينغص عليك عيشك معها، لا سيما مع وجود المشاكل الأسرية، فالذي نراه لك أن تطلقها، وتحسن إليها، كما أمرك الله: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/229، ونسأل الله أن يغني كلا منكما من سعته، وأن يبدلك خيراً منها، ويبدلها خيراً منك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/149)
اتهمه بعض زملائه بعِرضه فما عقوبتهم؟ وكيف يتصرف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مضاف في أحد القطاعات العسكرية، ولي فيه تقريبا 13 سنة، وفي أحد الأيام إذا أفاجأ وأندهش، وتصيبني الرعشة، ولم أستطع أن أصدِّق الذي يجري من حولي، حيث أطلق عليَّ إشاعة - والعياذ بالله العظيم منه، ومن أن أكون منهم – مفادها: (أني خنيث) !! ولا حول ولا قوة إلا بالله، مرَّت الأيام، والأشهر، وأنا لم أستطع أن أحرِّك ساكناً، والله العظيم أنني أتحسر على نفسي كل ثانية، وعلى ما وصلت إليه سمعتي التي كانت أعظم شيء في حياتي، علماً أنه كل يوم تنتشر الإشاعة، وتزيد إلى حد أني لا أستطع أن أتكلم مع الغير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أين أجد الحل؟ وأنا كل ما كلمت أحداً يقول: تصبر، أو لا تجيب، وكيف العمل علماً أن عمري 33 عاماً، ومتزوج، ولدي أولاد، ... وأقسم بالله العظيم قسماً أحاسب عليه يوم القيامة أني بريء من كل هذا، والله على ما أقول شهيد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال بعض السلف: " ما على وجه الأرض شيء أَحوج إلى طول حَبْس من اللسان "! والحقيقة أنه محبوس في الفم، داخل بوابة الأسنان، وتطبق عليه بوابتان أخريان وهما الشفتان! ومع ذلك فإنه ينطلق رغم تلك الحراسة الشديدة فيوقع صاحبه في الإثم، وقد يوقعه في الكفر.
ومن نفائس الحكَم: " الكلام أسيرُك، فإذا خرج من فيكَ: صرتَ أنت أسيره ".
وقد جاء التحذير من إطلاق اللسان فيما حرَّم الله تعالى من الولوغ في أعراض الناس، وفي الغيبة، والنميمة، والسب، والقول على الله بغير علم، وعموم معاصي اللسان وآفاته.
قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/ 18.
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ) .رواه البخاري (6109) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري (6113) .
وبخصوص الطعن في عرضكَ أخي السائل: اعلم أن الله تعالى يملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفلته، وأنك تؤجر على صبرك وتحملك للأذى، وأنهم يأثمون، ويستحقون الحدَّ في الدنيا على قذفهم لك، ويستحقون العذاب في الآخرة، وهم من المفلسين الذين تؤخذ حسناتهم فتُعطى للمظلوم، ويؤخذ من سيئاته فتُلقى عليهم.
فما فعله أولئك من اتهامك بالفحشاء منكر من القول وزور، وقد ارتكبوا آثاماً عظيمة، ومن أبرزها: البهتان والقذف، والغِيبة، وكلها من كبائر الذنوب:
1. أما البهتان: فقد قال الله تعالى في التحذير منه: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/ 58.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) رواه مسلم (2598)
وفي " الموسوعة الفقهية " (21 / 270) :
البهتان في اللّغة: القذف بالباطل، وافتراء الكذب، وهو اسم مصدرٍ، فعله: بهَتَ، من باب نَفَع.
وفي الاصطلاح: أن يتكلّم خلف إنسانٍ مستورٍ بما ليس فيه.
انتهى
وفي (31 / 330، 331) :
البهتان في اللّغة: القذف بالباطل وافتراء الكذب..، وفي الاصطلاح: ذكرك أخاك بما ليس فيه.
والفرق بين الغيبة والبهتان هو: أنّ الغيبة: ذِكر الإنسان في غَيبته بما يكره، والبهتان: وصفه بما ليس فيه، سواء أكان ذلك في غيبته أم في وجوده.
انتهى
2. وأما القذف: فهو من كبائر الذنوب، وفيه الحد ثمانون جلدة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/4-5.
قال ابن كثير - رحمه الله -:
فأوجب على القاذف إذا لم يقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام: أحدها: أن يُجلد ثمانين جلدة، الثاني: أنه ترد شهادته أبداً، الثالث: أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله، ولا عند الناس.
" تفسير ابن كثير " (3 / 292) .
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصنة من النساء.
" فتح الباري " (12 / 188) .
وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ. رواه مسلم (2581) .
3. وأما الغيبة: فتحريمها بيِّن في كتاب الله تعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لي صديق كثيراً ما يتحدث في أعراض الناس , وقد نصحته ولكن دون جدوى , ويبدو أنها أصبحت عادة عنده , وأحيانا يكون كلامه في الناس عن حسن نية، فهل يجوز هجره؟ .
فأجاب:
الكلام في أعراض المسلمين بما يكرهون: منكر عظيم , ومن الغِيبة المحرمة، بل من كبائر الذنوب؛ لقول الله سبحانه: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات / 12؛ ولما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتدرون ما الغيبة؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم , فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته , وإن لم يكن فيه فقد بهَتَّه) .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه (لما عرج به مر على قوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم , فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم) أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد جيد عن أنس رضي الله عنه , وقال العلامة ابن مفلح: إسناده صحيح , قال: وخرَّج أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا أن (من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق) .
والواجب عليك وعلى غيرك من المسلمين عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم في صحيحه، فإن لم يمتثل: فاترك مجالسته؛ لأن ذلك من تمام الإنكار عليه) .
" فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 401، 402) .
والذي ننصحك به: هو احتساب هذه المصيبة عند الله، والدفاع عن نفسك بتبرئتها أمام من سمعها، وبيان كذب وافتراء أولئك الأفاكين، ونظن أن ابتعادك عن مكان عملك وسكوتك عن بيان كذبهم قد يؤكد صحة كلامهم عند كثير من زملائك، وإذا رغبت بالانتقال من مكان عملك بعد تبرئة نفسك وتبيين كذبهم فلك ذلك، لكن لا تنتقل قبل ذلك، وننصحك أيضاً بتثبيت اتهامهم لك أمام القضاء الشرعي، والمطالبة بإقامة الحد عليهم.
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله -:
شخصان اغتاب أحدهما الآخر، ليقع اللوم عليه، ويبرئ نفسه أمام الآخرين، لكن الشخص الثاني يخشى الله من آثام الغيبة، فمثلاً زوجان تشاجرا، واختلفا، فذهبت الزوجة لأهلها واغتابت زوجها بما حصل منه، وما فعله، وذلك أمام أهلها، ثم قام أهلها بدورهم يغتابون الرجل - زوج ابنتهم - أمام الآخرين، وهكذا إلى أن يفضحوا الرجل، سواء كان فيه هذا الشيء أو لم يكن فيه، لكن الرجل زوج المرأة لما سمع عن زوجته ما حصل منها من الغيبة والظلم منها ومن أهلها أمام الناس وسماعهم: أراد أن يدافع عن نفسه بالمثل، ويخبر الناس بما حصل منها، لكن خشي الله من آثام الغيبة والظلم، فهل يسكت ويسلم أمره إلى الله، ولا يبالي بما حصل؟ .
فأجاب:
لا شك أن الغيبة حرام، وهي ذكرك أخاك بما يكره، ولو كنت صادقاً فيما تقول، أما إن كذبت عليه بما ليس فيه: فهذا من البهتان العظيم، والظلم الكبير، وإثمه أكبر من إثم الغيبة، فعلى هذا يجوز للزوج أن يبرئ نفسه مما كذبوا عليه أمام الناس، حتى يعلم الجمهور عدم صحة ما قيل فيه، وتبرأ ساحته، ويصون عرضه عن الكذب؛ فإنه لو سكت: لصدَّق الناس ما نُسب إليه، وظنوه حقّاً، وانتشرت له سمعه سيئة، كما أن على من علم ذلك نصح الزوجة وأهلها عن مجرد الغيبة والكذب والبهتان، وعن إفشاء الأسرار بين الزوجين، وبيان أن هذا من الظن، والظن أكذب الحديث، وهكذا يجب السعي في الإصلاح بينهما، وجمع الكلمة، وإزالة ما في القلوب من الشحناء والعداوة والبغضاء، رجاء أن تصلح الحال، وتعود الصحبة كما كانت.
" اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين " (النكاح / السؤال 359) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/150)
كيف يتصرف مع زوجته التي وقعت في الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ 10 سنوات، وعندي طفلان، وفي آخر أسبوع من رمضان الماضي استلمت رسالة بطريق الخطأ على هاتفي المحمول وعند قراءة الرسالة وجدتها مبعوثة من هاتف زوجتي لرجل آخر وبسؤال زوجتي أنكرت بشدة عجيبة لدرجة أنني كنت على وشك تصديقها ولكن بحثت بوسائلي الخاصة واستطعت الحصول على معلومات كاملة عن هذا الشخص وبمواجهتها بكل المعلومات التي لدى اعترفت لي ولوالدتها بمعرفتها بهذا الشخص منذ شهر ونصف وأنها كانت تجري معه اتصالات هاتفية أثناء تواجدي في عملي وأنها أحضرته إلى منزلي مرتين، في المرة الأولى لم يحدث سوى قبلات لكن المرة الثانية هي التي حدث فيها حيث إنها قالت إن الرجل قال لها إنه يعاني من عجز جنسي وإنه يريد أن يجرب نفسه معها ليطمأن على نفسه فوافقت وعندما تقابلا معا كان بالفعل عاجزا جنسيا حيث لم يحدث انتصاب وأمضيا الوقت في الملامسة والمداعبة. كل ذلك هي روته في حضور والدتها ثم في حضور والدي ووالدتي وهي الآن تقول إن هذا الحدث لم يتم إلا مرة واحدة فقط وإنها تابت توبة نصوحا لله سبحانه وتعالى وهي الآن محافظة على الصلوات الخمس حيث إنها تقضي ما يقارب 30 دقيقة في صلاة العشاء وتطلب مني أن أسامحها وتبقى معي مع أولادها وهي تقسم أن ما حدث حدث وهى مشلولة العقل وأنها تحبني وما تحب رجلا سواي. أنا الآن في حيرة لا أستطيع تصديقها وكلما ذهبت إلى عملي تقتلني الظنون والشكوك. دلني دلكم الله على الخير ماذا أفعل؟ هل أطلقها أم ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يأجرك في هذا المصاب العظيم، وأن يحفظك ويحفظ أهلك من كل سوء، وأن يرد عنكما أهل الشر والفساد، العابثين بالأعراض، المستهترين بالحرمات.
ولكَم شعرنا بالمرارة والألم ونحن نقرأ هذه الحادثة الأليمة، والمصيبة العظيمة، نسأل الله أن يلطف بك، ويخفف عنك، ويجعل لك من هذا الضيق مخرجا وفرجا.
وأما سؤالك عن المخرج من هذه الحيرة، والخلاص من هذه الظنون والشكوك، فإن جوابنا: أن تلجأ إلى الله تعالى، وأن تنطرح بين يديه، ليدلك على الصواب، ويرشدك إلى السداد، وأن تفتش في حالك، فربما أذنبت ذنبا كبيرا عوقبت به، فبادر بالتوبة والأوبة، وأقبل على عبادتك وطاعتك، فإن الله تعالى ولي المؤمنين، يدافع عنهم وينصرهم، ويرد عنه كيد الكائدين ومكر الماكرين.
وتأمل في حال زوجك، فإن رأيت فيها صلاحا وانكسارا وتوبة وندما، فأمسكها، فلعل الله أراد بها خيرا، وعجَّل فضيحتها، لتتوب إليه، وتزداد تقربا منه. وكم من عاص، تاب فحسنت توبته، وتُقبلت أوبته، فبدل الله سيئاته حسنات، وغفر له الزلات والخطيئات، رحمةً منه وفضلا، وجوداً منه وكرما، سبحانه ما أعظمه، وما أحلمه، وما أكرمه. وهو القائل: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
والقائل: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) النساء/27.
والقائل: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25.
والقائل: (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ) حديث قدسي رواه مسلم (2577) .
فإن أمسكتها، فاحبس عنها وسائل الشر والفساد التي قد تعيدها إلى ما كانت عليه، أو تفتح لها باب الفساد مرة أخرى، ولك أن تمنعها من الاتصال في غيبتك، أو أن يكون لها جوال خاص، حتى تطمئن إلى حالها، وصدق توبتها.
وإن لم تطمئن إلى صدقها، أو شعرت أن الظنون تفسد عليك عيشك، وتشتت عليك أمرك، وأن الحياة لن تستقيم بينكما بالمعروف بعدها، فسرحها بإحسان، ولا تفضح لها سرا، ولا تهتك لها سترا: (وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) رواه مسلم (2699) .
نسأل الله أن يحفظنا وإياك والمسلمين من كل سوء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/151)
تأمر الناس بالصلاة وهي لا تصلي إلا أمامهم فقط!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة وأحرص على تعليم طالباتي الصلاة ولكني لا أصلي إلا أمام الناس مع يقيني بأهمية الصلاة وكذلك دائماً أقول للخادمة إذا دخل وقت الصلاة اتركي العمل، واذهبي صلِّي، وأنا لا أصلي! وأتكاسل فبماذا تنصحني]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نستطيع توصيف حالتك بما يطابق واقعها، لكننا نأمل أن لا يستمر حالك كما هو الآن، ونرى أن عندكِ خيراً عظيماً، ولا بدَّ لك من تنميته واستثماره؛ لئلا تضيع حياتك فتلقي ربك تعالى ولم تصلحي من شأنك وحالك.
وخير ما ننصحك به في إهمالك للصلاة هو كتاب الله تعالى وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتنبهي لما سنذكره من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم لتعلمي عِظم الإثم الذي يلحقك ويثقل كاهلك.
واعلمي أن ترك الصلاة كفر مخرج من الإسلام، فكيف ترضين لنفسك أن تكوني في سلك أولئك الذين استحقوا غضب الله تعالى وسخطه؟ واحذري من تزيين الشيطان لفعلك بأن تركك للصلاة ليس جحوداً، إذ لا فرق بين من يتركها كسلاً أو يتركها جحوداً، فكلاهما تارك وجاحد، والجحود ليس بالقلب فقط، بل هو بالقلب والجوارح، وليس ترك الصلاة معصية يُستغفر من تركها ويُتاب من عدم أدائها، بل يلزم من تركها الدخول في الإسلام بالشهادتين، أو تجديد إسلامه بأداء الصلاة، ومن أذكار الصلاة الواجبة: الشهادتان.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
الذي كان يصلي ثم يترك الصلاة لشهر أو شهرين أو أكثر، ثم يهديه الله تعالى إلى سبيل الهدى والحق- هل عليه القضاء أم لا؟ .
فأجابوا:
مَن ترك الصلاة لشهر، أو شهرين، أو أقل، أو أكثر: فعليه أن يجدد إسلامه، وأن يتوب إلى الله توبةً نصوحاً، ويندم على ما فات؛ لأن ترك الصلاة بالكلية كفر أكبر، ويشرع له أن يكثر من نوافل الطاعات، والتضرع بين يدي الله سبحانه، لعل الله أن يعفو عنه، ويتجاوز عما سلف، وأن يقبل توبته، فالتوبة تجب ما قبلها، ولا يلزمه القضاء.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 44) المجموعة الثانية.
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -:
الصلاة ركن من أركان الإسلام، بل هي آكدُ أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام، وهي الفارقة بين المؤمن والكافر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبينَ الكُفرِ والشِّركِ: تركُ الصلاة) .
والمرأة التي لا تصلِّي: إن كانت لا ترى وجوب الصلاة عليها: فهي كافرة بإجماع أهل العلم، وإن كانت ترى وجوبها وتركتها تكاسُلاً: فإنها تكفر على الصحيح من قولي العلماء.
فعلى هذا لا يصحُّ للمسلم أن يتزوَّجها، وإذا كان قد تزوَّجها: فلا يجوز له إمساكها؛ لقوله تعالى: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الممتحنة/ 10، وقوله تعالى: (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) البقرة/ 221.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (1 / 102، السؤال 53) .
وقد تكلمنا على تارك الصلاة وحكمه في أجوبة عديدة، وبإمكانك الاطلاع على تفاصيلها في قسم تارك الصلاة، من التصنيف الموضوعي.
ثانياً:
قد وقعتِ في أمرٍ آخر جلل، وهو ترك العمل بما تنصحين به غيرك! وكان الواجب عليك الالتفات لنفسك لإنقاذها من النار، ومن سخط العزيز القهَّار.
قال الله تبارك وتعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/44.
قال ابن كثير – رحمه الله –:
قال ابن جريج: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أهل الكتاب، والمنافقون، كانوا يأمرون الناس بالصوم، والصلاة، وَيَدَعُونَ العملَ بما يأمرون به الناس، فعيَّرهم الله بذلك، فمن أمر بخير: فليكن أشد الناس فيه مسارعة.
" تفسير ابن كثير " (1 / 246) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أي: بالإيمان، والخير، (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال: (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وأسمى العقل عقلاً؛ لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير، وينعقل به عما يضره؛ وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه، فمَن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه: دل على عدم عقله، وجهله، خصوصا إذا كان عالِماً بذلك، قد قامت عليه الحجة.
وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل: فهي عامة لكل أحد؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) ، وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره، ونهيه، وأمر نفسه، ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر: فليس في رتبة الأول، وهو دون الأخير، وأيضاً فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قولُه فعلَه، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة.
" تفسير السعدي " (ص 51) .
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ، مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ) .
رواه البخاري (3094) ومسلم (2989) .
(فتندلق) : تخرج وتنصب بسرعة، (أقتابه) : جمع قتب، وهي الأمعاء والأحشاء، (برحاه) : حجر الطاحون التي يديرها.
والذي نوصيك به هو الاستمرار بنصح الناس في أمر الصلاة، مع الاهتمام بإقامتها من قبَلك، وأدائها في وقتها، بصدق وإخلاص.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
أضطر أحيانا إلى إمامة أهل قريتي، وأكثر الأحيان أخطب الجمعة من كتاب خطابة، ولي - والحمد لله - مكانة في قلوب الناس، ومع ذلك يتغلب عليَّ شيطاني وأتبع هوى نفسي، وأشعر بضيق عندما أرتكب أي معصية؛ لأنني أعرف الخطأ، ورغم ذلك أقع فيه، وآمر الناس بالبعد عن الخطيئة، وأنا أفعلها، وأنا أعرف جيِّداً قول الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) .
فأجابوا:
نوصيك بالاستمرار في وعظ أهل قريتك، والاستزادة من العلم الشرعي ما أمكنك ذلك، والبعد عن المعاصي، ومجاهدة النفس على ذلك، والحرص على أن يطابق قولُك عملَك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، والله سبحانه يقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/ 69، مع التوبة النصوح مما سبق.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 269، 270) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/152)
كيف يكمل أعماله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أني لا أستطيع إكمال أي عمل أبدأ به، سواء كنت شرعت فيه فعلا، أم نويته، وسواء كان هذا العمل متعلقا بعباداتي، أم بحياتي الدنيوية، دائما في منتصف الطريق أقطع ما كنت أقوم به. أرجو الإفادة، وشكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست المشكلة في التوجيه والإرشاد، فالأمر الذي تعاني منه أمر سلوكي، يقتضي حلا وعلاجا عمليا، لا يُكتفى فيه بالكلمات الوعظية أو النصيحة اللفظية.
فأول ما ينبغي عليك سلوكه لتجاوز هذا الخلل هو بكل وضوح: " الاستمرار حتى إكمال العمل "، ولعل تجربة أولى ناجحة تحفزك نحو إنجاز جميع أعمالك على وجه الكمال، ويمكنك أن تستعين على ذلك بأمرين اثنين:
1- تقسيم العمل إلى مراحل صغيرة متقاربة، كي يكون ذلك أنشط لإتمام كل مرحلة على حدة، والمجاهدة حتى بلوغ المرحلة الأخيرة، فالنفس تستثقل الأعمال الكبيرة الطويلة، ولا بد أن تستعين عليها بالتقسيم والتجزئة والمرحلية في الإنجاز.
2- اختيار الأعمال القصيرة السريعة والبدء بها لإنجازها، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ! خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ) رواه البخاري (5861) ومسلم (782) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) رواه البخاري (6464) ، ومسلم (783) ، يقول الإمام النووي رحمه الله: " أي: تطيقون الدوام عليه بلا ضرر، وفيه دليل على الحث على الاقتصاد في العبادة، واجتناب التعمق، وليس الحديث مختصا بالصلاة، بل هو عام في جميع أعمال البر " انتهى.
"شرح النووي على مسلم" (6/70-71) .
وننصحك بمراجعة بعد الكتب والدراسات التربوية، والاستفادة منها في هذا المجال، ومنها:
الفتور: أسبابه وعلاجه، للشيخ د. ناصر العمر، عجز الثقات للشيخ د. محمد موسى الشريف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/153)
أخته تحادث رجلاً أجنبيّاً ووالداها لا ينكران عليها فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص له أخت تكلم شابّاً على الهاتف، ونصحها، فلم تستجب، فقال لأبويهما، فلم يُنكرا عليها، وهو لا يحب الدياثة، وهو غيور جدّاً، فماذا يمكن أن يفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
"الغيْرة من الغرائز البشريّة الّتي أودعها الله في الإنسان تبرز كلّما أحسّ شركة الغير في حقّه بلا اختيار منه، أو يرى المؤمن حرمات الله تنتهك.
والغيرة على حقوق الآدميّين الّتي أقرّها الشّرع مشروعة، ومنها غيرة الرّجل على زوجته أو محارمه، وتَرْكُها مذمومٌ، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من غيْرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير منّي) وفي رواية: (إنّه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير منّي) .
وإنّما شرعت الغيرة لحفظ الأنساب، وهو من مقاصد الشّريعة، ولو تسامح النّاس بذلك لاختلطت الأنساب، لذا قيل: كلّ أمّة وُضعَت الغيْرة في رجالها: وُضعَت الصّيانة في نسائها، واعتبر الشّارع من قتل في سبيل الدّفاع عن عرضه شهيداً، ففي الحديث: (من قتل دون أهله فهو شهيد) .
ومَن لا يغار على أهله ومحارمه: يُسمَّى: " ديّوثاً "، والدّياثة من الرّذائل الّتي ورد فيها وعيد شديد، وما ورد فيه وعيد شديد يعدّ من الكبائر عند كثير من علماء الإسلام، جاء في الحديث: (ثلاثة لا ينظر الله عزّ وجلّ إليهم يوم القيامة: العاقّ لوالديه، والمرأة المترجّلة، والدّيّوث) - رواه النسائي (2561) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي.
انتهى من " الموسوعة الفقهية " (31 / 321 - 323) مختصراً.
وقال ابن القيم رحمه الله:
"أصل الدِّين: الغيرة، ومَن لا غيْرة له: لا دين له، فالغيرة تحمي القلب، فتحمي له الجوارح، فتدفع السوء والفواحش، وعدم الغيرة: تميت القلب، فتموت الجوارح، فلا يبقى عندها دفع البتة، ومَثَل الغيرة في القلب مَثَل القوة التي تدفع المرض وتقاومه، فإذا ذهبت القوة وَجد الداءُ المحلَّ قابلاً، ولم يجد دافعاً، فتمكَّن، فكان الهلاك" انتهى.
" الجواب الكافي " (ص 45) .
فنحن مع هذا الأخ السائل الذي لا يزال قلبه حيّاً، ولا تزال الغيرة تجد مكاناً لها في قلبه، ونحثه على التمسك بها.
ثانياً:
حتى ينجح في حل مشكلة أخته: عليه أولاً أن يبحث في الأسباب الدافعة لها لأن تفعل هذه المعصية، وتتجرأ على محادثة رجل أجنبي في بيت أهلها، ونحن نرى أن من أسباب فعل تلك المعصية:
1. الفراغ العاطفي، فقد تكون محرومة من عطف أمها، أو والدها، أو منهما جميعاً، ثم وجدت ذلك الذئب الذي أوهمها بأنه من يستطيع إشباع تلك العاطفة.
2. ضعف الإيمان، ولو أن هذه الأخت عرفت الله تعالى بأسمائه وصفاته، وعرفت ما يترتب على المعاصي من أوزار: لتوقفت عن المعصية، أو لكان ذلك حائلاً بينها وبين فعلها ابتداء.
3. فراغ الوقت، فكثير من الفتيات تجد الفراغ في يومها وليلتها لأن تقرأ روايات الحب والعشق، ولأن تطالع الفضائيات، وتحادث في الهاتف، ولو أنها شُغلت بما ينفعها من أعمال: لضاقت عليها ساعات يومها.
4. النظر إلى المحرمات، وهو ما يهيِّج الشهوة، ويدعو لتقليد تلك الممثلة الفاجرة، أو تجرب تلك التجربة المفعمة بعاطفة الحب والغرام.
5. الخلوة، وهي الداء القاتل، والتي تمكِّن الشيطان من أن يكون أنيسها، وونيسها، في وحدتها.
6. التمكين من أجهزة الاتصالات، وهو سبب مباشر لفعل معصية المحادثة والتعرف على ذلك الرجل الأجنبي.
وعلاج المشكلة يحتاج من ذلك الأخ أن يفكِّر في هذه الأسباب – وقد يكون هناك غيرها – ويحاور عقلاء أهله لعلاجها أو القضاء عليها، من غير إحداث شرٍّ أكبر منه.
ثالثاً:
ننصح الأخ السائل أن يوجِّه رسائل تذكرة لأخته، كتابية كانت أو شفوية، ولتكن محتوية على المسائل التالية:
1. أنها ستصبح بتلك المحادثات المحرَّمة سلعة رخيصة عند ذلك الذئب، وأنه لا يتزوج هؤلاء بمثلك؛ لأنهم يخافون من خيانتك لهم! .
2. أنك بتلك المحادثات تلطخين سمعتك وسمعة ومكانة أهلك في المجتمع.
3. أنها بتلك المحادثات سيزداد عندها بغض الخير والطاعة، وسيزداد عندها حب الشر والمعصية.
4. أنها ستصل لمرحلة كراهية الأهل والتفكير في هجرهم.
5. وليوجَّه لها هذا السؤال: " هل تقبلين هذا لابنتك؟ "، ماذا لو أن ابنتك أحبَّت شخصاً، وبدأت بمراسلته والحديث معه، هل تعلمين كيف ستكون حياتك لو أن ذلك الذئب سلبها عرضها – لا قدَّر الله – فتفكري في نفسك أن تكوني أنت الضحية، وتفكري في حال أهلك كيف سيكون لو أنك تستمرين في الحديث مع ذلك الذئب.
والذي ننصح بفعله في مثل هذه الحالة:
1. مداومة النصح لها، وعدم اليأس من هدايتها.
2. تعريفها على صاحبات الخير والصلاح من بنات جنسها.
3. تحريك الوالدين تجاهها، لنصحها، وتذكيرها، والأخذ على يدها.
4. مكالمة ذلك الذئب الفاسد، وتخويفه، وتهديده.
5. التعجل في تزويجها.
6. الحرص على دعاء الله تعالى أن يهديها، ويجنبها الفتن.
هذا ما نراه، ونسأل الله تعالى أن يوفق أخاها لما فيه رضاه، وأن يهدي أخته لما يحب ويرضى، وأن يحبب إليا الإيمان ويزينه في قلبها، وأن يبغِّض إليها الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعلها من الراشدين.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/154)
هل يزوج ابنته لمن يريد حفل زفاف بالموسيقى ولا يصلي جماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لأب تزويج ابنته لرجل صاحب سلوك حسن، يصر على إقامة حفل زفافه بالموسيقى، مع أنه عالم بتحريمها، وهو من المصلين الذين لا يحرصون على أداء الصلاة جماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء الشرع وأمر المسلم أن يحسن عبادته لله، ويحسن معاملته للناس.
وصاحب السلوك الحسن هو الذي يقوم بالأمرين معاً، فيعبد الله تعالى وحده لا شريك له، ويطيعه ولا يعصيه، ويحسن إلى الناس، فيصدق معهم، ويكرمهم ولا يظلمهم ... إلخ.
فوصف هذا الرجل بأن سلوكه حسن غير صحيح، حتى وإن كان سلوكه حسناً مع الناس، فالله تعالى أحق بأن يطاع ولا يعصى، وأحق بأن يستحيا منه، فكيف يكون هذا الرجل صاحب سلوك حسن وهو يصر على معصية الله تعالى!
أما الموسيقى فقد حرمها الله تعالى، وانظر أدلة تحريمها في جواب السؤال رقم (5000) وأما صلاة الرجل جماعة في المسجد، فهي واجبة، ما لم يكن له عذر من شغل ضروري لا يمكن تأجيله أو مرض أو نوم ونحو ذلك.
والواجب على ولي المرأة أن يختار لها زوجاً صالحاً، صاحب دين وخلق.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"إذا كان الخاطب مرضيّاً في دينه وخُلُقه، بأن كان متمسكاً بدينه، متحليّاً بآداب الإسلام وأخلاقه: فينبغي إتمام الخطوبة، وإن كان غير ذلك: فلا يجوز إتمام الخطوبة، ويجب فسخها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 68) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
إذا كان الخاطب لا يصلي مع الجماعة: فهذا فاسقٌ، عاصٍ الله ورسوله، مخالفٌ لما أجمع المسلمون عليه من كون الصلاة جماعة من أفضل العبادات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (ص 222 ج 23) من " مجموع الفتاوى ": اتفق العلماء على أنها - أي: صلاة الجماعة - من أوكد العبادات، وأجلِّ الطاعات، وأعظم شعائر الإسلام " ا. هـ كلامه رحمه الله تعالى، ولكن هذا الفسق لا يخرجه من الإسلام، فيجوز أن يتزوج بمسلمة، لكن غيره من ذوي الاستقامة على الدين والأخلاق: أولى منه، وإن كانوا أقلَّ مالاً وحسباً، كما جاء في الحديث: (إذا أتاكم من ترضون دِينه وخلُقه فأنكحوه) قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه؟ قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) ثلاث مرات، أخرجه الترمذي، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) .
ففي هذين الحديثين دليل على أنه ينبغي أن يكون أولى الأغراض بالعناية والاهتمام: الدِّين، والخلُق، من الرجل والمرأة، واللائق بالولي الذي يخاف الله تعالى ويرعى مسؤوليته أن يهتم ويعتني بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مسؤول عن ذلك يوم القيامة، قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) ، وقال: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ. فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ) " انتهى.
" فتاوى الشيخ العثيمين " (12 / جواب السؤال رقم 31) .
وعلى هذا؛ ينصح الأب بأن يبحث لابنته عن زوج أحسن حالاً من هذا الرجل الذي يصر على المحرم.
لكن إذا كانت البنت محتاجة للزواج وخشي الأب أن لا يتقدم لابنته أفضل من هذا الرجل، لاسيما مع تقدم سن البنت، فزواجها من هذا الرجل خير لها من بقائها بلا زوج، أو قد تضطر بعد ذلك لقبول من هو أسوأ حالاً من هذا الرجل، فلا مانع في هذه الحال من قبول ذلك الرجل وتزويجه، لكن مع استمرار نصحه بتقوى الله تعالى، والصلاة جماعة في المسجد، والإصرار على عدم إقامة حقل الزفاف بالموسيقى أو غير ذلك مما حرم الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/155)
دخل بزوجته فوجدها ثيباً
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجتُ على أساس أنها بكر، فدخلتُ بها ووجدتها ثيباً، فطلقتُها، وأخذت منهم المهر الذي أعطيتهم إياه، مع العلم أنها أقرَّت في تلك الليلة أن أباها وأمها يعلمون هذا، ويريدون أن يدلسوا عليَّ لعله لن ينتبه لذلك، وأقرت بأن زوج خالتها هو الذي فعل بها تلك الفعلة الشنيعة، وهو الذي توسط لنا بينهم. هل عليَّ شيء في هذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن فاحشة الزنا من أعظم الفواحش التي جاءت الشريعة الإسلامية بالتحذير منها، وقد شرع الله تعالى أحكاماً كثيرة ليُحال دون الوصول إلى تلك الفاحشة، فحرَّم النظر إلى الأجنبيات، ومسهن، والخلوة بهن، وحرَّم سفر المرأة وحدها، وغير ذلك مما يقطع الطريق على الشيطان أن يزيِّن تلك الفاحشة لأحدٍ من المسلمين، ثم شرع الله تعالى حدوداً عظيمة بحق مرتكب هذه الفاحشة، فشرع الجلد مائة جلدة للزاني والزانية غير المحصنين، وشرع الرجم بالحجارة حتى الموت لمن أُحصن منهما.
وقد ارتكبت تلك الزوجة وزوج خالتها إثماً عظيماً بزناهما، واستحقا الإثم والوعيد الوارد في حق الزناة، فعليهما التوبة والاستغفار والندم على ما فات.
ثانياً:
أما بخصوص كتمان الزوجة وأهلها لذهاب بكارتها: فهو غير مخالف للشرع؛ لأن الله تعالى يحب السِّتر، ويجازي خيراً عليه، ولا يلزم الزوجة أن تخبر زوجها بذهاب بكارتها إن كانت قد فقدتها بوثبة أو حيضة شديدة أو بزنا تابت منه.
وهذه بعض فتاوى لعلماء اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز رحمه الله في هذه المسألة:
1. سئل علماء اللجنة الدائمة:
مسلمة تعرضت لحادثة في الصغر فقد منها غشاء البكارة، وقد تم عقد زواجها، ولم يتم البناء بعد، وحالة أخرى تعرضت لنفس الحادث، والآن يتقدم لها إخوة ملتزمون للخطبة والزواج، وهما في حيرة من أمرهما، أيهما أفضل: المتزوجة تخبر زوجها قبل البناء، أو تكتم هذا الخبر، والتي لم تتزوج بعد هل تستر هذا الأمر خشية أن ينتشر عنها ويظن بها سوء، وهذا كان في الصغر، وكانت غير مكلفة، أم هذا يعتبر من الغش والخيانة، هل تخبر من تقدم إليها أم لا لأجل العقد؟ .
فأجابوا:
لا مانع شرعا من الكتمان، ثم إذا سألها بعد الدخول أخبرته بالحقيقة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (19 / 5) .
2. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
فإذا ادَّعت أنَّها زالت البكارة في أمر غير الفاحشة: فلا حرج عليه، أو بالفاحشة ولكنها ذكرت له أنها مغصوبة ومكرهة: فإن هذا لا يضره أيضاً، إذا كانت قد مضى عليها حيضة بعد الحادث، أو ذكرت أنها تابت وندمت، وأن هذا فعلته في حال سفهها وجهلها ثم تابت وندمت: فإنه لا يضره، ولا ينبغي أن يشيع ذلك، بل ينبغي أن يستر عليها، فإن غلب على ظنه صدقها واستقامتها: أبقاها، وإلا طلقها مع الستر، وعدم إظهار ما يسبب الفتنة والشرّ.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (20 / 286، 287) .
ثالثاً:
إذا اشترط الزوج أن تكون الزوجة بكراً وبانت بخلاف ذلك فله الحق في فسخ العقد، فإن كان ذلك قبل الدخول فلا شيء لها من المهر، وإن كان بعد الدخول، فإن كانت هي التي خدعته ردَّت إليه المهر، وإن كان الذي خدعه هو وليها أو غيره دفع المهر للزوج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
لو شرط أحد الزوجين في الآخر صفةً مقصودة، كالمال، والجمال، والبكارة، ونحو ذلك: صح ذلك، وملك المشترِط الفسخ عند فواته في أصح الروايتين عن أحمد، وأصح وجهي الشافعي، وظاهر مذهب مالك، والرواية الأخرى: لا يملك الفسخ إلا في شرط الحرية والدِّين.
" مجموع الفتاوى " (29 / 175) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
إذا اشترط السلامة، أو شرط الجمال: فبانت شوهاء، أو شرطها شابة حديثة السن: فبانت عجوزاً شمطاء، أو شرطها بيضاء: فبانت سوداء، أو بكراً: فبانت ثيِّباً: فله الفسخ في ذلك كله.
فإن كان قبل الدخول: فلا مهر لها، وإن كان بعده: فلها المهر، وهو غُرم على وليِّها إن كان غرَّه، وإن كانت هي الغارَّة سقط مهرها، أو رجع عليها به إن كانت قبضته، ونص على هذا أحمد في إحدى الروايتين عنه، وهو أقيسهما، وأولاهما بأصوله فيما إذا كان الزوج هو المشترِط.
" زاد المعاد " (5 / 184، 185) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
إذا زالت بكارة المرأة بوطء مشروع أو غير مشروع، فما الحكم الشرعي إذا عَقَدَ رجلٌ عليها في حالتين:
الحالة الأولى: إذا اشترط البكارة.
والحالة الثانية: إذا لم يشترط البكارة، فهل له حق الفسخ أم لا؟ .
فأجاب:
المعروف عند الفقهاء: أن الإنسان إذا تزوج امرأة على أنها بكر، ولم يشترط أن تكون بكراً: فإنه لا خيار له؛ وذلك لأن البكارة قد تزول بعبث المرأة بنفسها، أو بقفزة قوية تُمَزِّق البكارة، أو بإكراه على زنا، فما دام هذا الاحتمال وارداً: فإنه لا فسخ للرجل إذا وجدها غير بكر.
أما إذا اشترط أن تكون بكراً: فإن وجدها غير بكر: فله الخيار.
" لقاءات الباب المفتوح " (67 / السؤال رقم 13) .
وعلى هذا؛ فإذا كنت اشترطت عليهم أن تكون بكراً، فلك لحق في استرداد المهر.
أما إذا كنت لم تشترط ذلك، فلك أن تطلقها إن شئت إذا لم تطب نفسك بالعيش معها، ولكن لا حق لك في المهر.
وإن كنا نختار لك أن تبقيها وتستر عليها إن كانت قد تابت توبة نصوحا واستقامت.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/156)
تحرَّش بها أخوها جنسيّاً! وأهلها يريدونها قبول اعتذاره، فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 20، مرة من المرات وثبت من نومي ووجدت أخي الذي يصغرني بثلاث سنوات يتلمس جسدي! ولما رأيته طردته، وأخذت أبكي وأرتجف لمدة ساعة، ثم نمت، واستيقظت الظهر، وبلَّغت أختي، وأختي بلغت والدي، وكان عقاب أبي لأخي أن ترك له الدور الثالث، وكان يطلع ويروح كل مكان، وعنده الكمبيوتر، والتلفزيون، والتلفون، لا أعتقد أن هذا العقاب سيردعه، وأمي تقول: أنا مالي شغل فيه، هذا أبوه وهو يربيه، وكان قراري الذي أتعب أمي وأبي وأهلي أني لا أكلمه، ولا أجلس معه، ولا أركب معه في السيارة ولا حتى أنظر في وجهه، والنتيجة: أبي وأمي قالوا لي: " أخوكِ راح يعتذر منك، وأنت لازم تسامحينه ". أنا في صراع مع نفسي، هل أوافق وأقبل اعتذاره؟ علماً أنه إلى الآن لم يتب، ولا يصلي، ويسمع الأغاني، والله أعلم بما أخفى. أنا أستحي أشوف أبي، وأمي، وأخواتي، وعلى طول أنا في داري وأبكي. أرشدني يا شيخي ماذا أعمل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن أشد ما يؤلم النفس ويقض مضجعها: أن يأتي الشرُّ والبلاء ممن يؤمن جانبه، وأن يَفتح باب المنكر مَن كان مكلفاً بإغلاقه، ويتحول الحامي - والمفترض أن يكون أميناً - إلى خائن آثم، والسبب في هذا كله: هو انتكاس الفطرة، والابتعاد عن الالتزام بشريعة الرب سبحانه وتعالى.
فمما لا يخفى على كل عاقل أن الأخ مطالب بحماية أخته، والذود عنها، وحماية عرضها وشرفها، وربما يكون ذلك سبباً لفقدان حياته في الدفاع عن عرض أخته وشرفها، فكيف يُتصور أو يُعقل أن يكون ذئباً يهتك عرضها؟ ! .
إن ما ذكرتيه أمر خطير، والواجب عليك الحذر من أخيك، ومن وقوعه فيما هو أشد مما فعل!
والذي ننصح أهلك – أولاً - بفعله:
1. أن يبيِّنوا شناعة جرمه، وأنه من المفترض أن يكون حامياً لعرضه، مدافعاً عنه، لا هاتكاً له، وأن عقوبة هذا الفعل – لو أنه لا قدَّر الله وقع -: القتل على كل حال.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن الرجل إذا زنى بمحارمه: وجب قتله بكل حال، يعني لو زنى الإنسان - والعياذ بالله - بأخته: وجب أن يقتل بكل حال، وإن زنى بابنته: فكذلك، وإن زنى بزوجة أبيه: وجب قتله، ولو لم يتزوج، يعني: ولو كان بكراً؛ لأن هذا أعظم من الزنى بغير ذوات المحارم" انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (7 / 296) .
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله في التعليق على عقوبة قتل من وقع على ذات محرَم -:
"وهذا الحكم على وِفق حكم الشارع؛ فإن المحرَّمات كلما تغلظت: تغلظت عقوباتها، ووطء من لا يباح بحال: أعظم جُرماً مِن وطء مَن يباح في بعض الأحوال، فيكون حدُّه أغلظ" انتهى.
" زاد المعاد " (5 / 36) .
2. وعلى أهلك – وبخاصة والدك – مسئولية عظيمة تجاه ترك أخيك للصلاة، فترك الصلاة كفر أكبر، وكيف يقبل أهل يلتزمون الإسلام بوجود ابن لهم يجمع بين الكفر وارتكاب المنكرات في أعراضهم ثم يكون موقف الأم إلقاء التبعة على الأب، ويكون موقف الأب الاكتفاء بالاعتذار؟! فالواجب عليهما أن يأخذا الأمر بجدية أكبر، وأن يعلما أن الأمر ليس بالهزل، وهم لو رأوا ابنهم يحترق رأس أصبعه بالنار لفدوه بأنفسهم! فما بالهم يرضون له نار جهنم خالداً فيها أبداً إن مات على حاله هذا؟! .
3. الحرص على تزويجه، وتعجيل ذلك ما أمكن، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم للشباب، وبالزواج يحفظ المسلم بصره، ويحفظ فرجه.
4. اختيار صحبة صالحة له، تدله على الخير وتعينه عليه، وتحذره من الشر وتمنعه منه.
5. تشجيعه على الإكثار من الصوم؛ وإبعاده عن كل ما يثير الشهوة، كمشاهدة الأفلام، والنظر في المجلات التي تحتوي صور نساء فاتنات.
وأما أنتِ فننصحك بما يلي:
1. احرصي على ألا تجتمعي به منفردة في مكان واحد، إلا أن يتوب توبة نصوحاً، فيندم، ويعزم على عدم العود لفعله.
2. عدم التهاون في لباسك أمامه، وردعه بقوة إن نظر إليك نظر ريبة، وعدم السماح له بذِكر ألفاظ تزيل الحواجز بينك وبينه، وعدم السماح له بالممازحة المريبة.
3. احرصي على التزوج؛ لتعجلي من خروجك من البيت الذي هو فيه.
4. أكثري من الدعاء والالتجاء إلى الله أن يصرف عنك كل شر.
5. ليست المسألة مسألة اعتذار، فلا تقبلي منه هذا حتى لو كان هذا طلب والديك، بل الواجب عليه التوبة، والندم، وأن يظهر ذلك عليه في سلوكه، فإن حصل منه هذا: فيقبل اعتذاره، وإلا فلا.
ونحن نشعر بالألم الذي أصابك، فاستعيني بالله تعالى على تجاوزه، وليكن درساً لك ولغيرك بضرورة الالتزام بالشرع في اللباس، والنوم، واليقظة، وفي كل حياة المسلم، ولا تعيشي مع هذا الألم فتتركي الطاعة، وتضيعي وقتك بالبكاء، بل جدِّي واجتهدي في العبادة، وطلب العلم، وحفظ القرآن، وعسى الله أن ييسر لك زوجاً صالحا عمَّا قريب.
وانظري أجوبة الأسئلة: (10362) و (13809) و (27152) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/157)
مرحلة " المراهقة " كيف وقى الإسلام من شرها، وكيف يُعامل المراهق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبعث إليك سؤالي وشكواي، وأرجو منك التأمل فيه، وإفادتي بجواب موسع، وشافٍ - بإذن الله -: أنا امرأة متزوجة، رزقني الله بابن واحد، هو الآن في الرابعة عشر من عمره، ولدي 4 بنات، وابتلى الله زوجي بالسجن في دَيْن لحق به، وقد يمضي عليه سنوات قبل الخروج منه، ومشكلتنا مع ابني - هداه الله - حيث إنه في سنِّ المراهقة، فبدأ: أولاً: بالخروج - غالباً - عن طور الطاعة. ثانياً: لديه رفقاء سوء، بحكم إقامتنا في الحي. ثالثاً: بحكم عدم وجود والده: اضطررنا بالإجماع - من قبَل والده وأعمامه - إعطاءه جوالاً؛ لأن مدرسته كانت بعيدة؛ ولأنه عندما ينزل للصلاة يتأخر في العودة إلى البيت، مما أضطر إلى الاتصال به وطلب أغراض للبيت، والمطالبة بعودته سريعاً، ولكي يطمئن عليه أعمامه باستمرار، وبعدها طلب ولدي جوالاً بكاميرا وبلوتوث، ورفضت، وأصررت على رفضي، فعارضني أعمامه وعماته، وأعطوه مبلغاً، واشترى جوالاً بكاميرا، ومنها بدأت المعاناة، حيث بعد فترة اكتشفت مقاطع سيئة في جواله، فكلمت والده، واستشار بعض الفضلاء: فأشاروا عليه بسحب الجوال منه، وإعطائه جوالاً عاديّاً من غير بلوتوث، ثم استشار زوجي بعضاً من كبار السن - وهم فضلاء، وعلى خير، ومحفِّظين لكتاب الله، ولديهم أبناء، ومروا بتجارب سابقة - فقالوا: " خطأ فعلك، أعد عليه الجوال بطريقة ما، وقم بنصحه، وأعطه الثقة بنفسه "، فأعدنا إليه جواله، وأصبح يضع فيه رمزاً للقفل، ونهرته عن هذا التصرف، إذ كان يدعي أن جواله نظيف، ولا يوجد به أي سوء، إلا وأني - للأسف - عدت بعد فترة طويلة واكتشفت فيه بعض المقاطع السيئة. رابعاً: بدأ يتفلت من الصلوات، ويكذب في أبسط الأمور، حتى أصبح مشهوراً بالكذب بين أفراد الأسرة وأقاربنا. خامساً: بقدر ما نسعى للتقرب إليه ومحاولة جعل ما بيننا وبينه تعاملاً أخويّاً، بقدر ما يبتعد عنَّا. سادساً: هناك أمر آخر يقلقني ولم يعلم به بعد الله سواي أنا وزوجي فقط، حتى ابني لم يبلغني بما حدث: ألا وهو أنه كان في رحلة مع شباب ... وهم في الباص للاستعداد للانطلاق سمعوا ولداً يصرخ، وقال: إنهم كانوا يريدون أن..... لا حول ولا قوة إلا بالله، وقال: إن ولدي كان منهم. سابعاً: أعمامه متعاونون معي، ولكنهم يسكنون بعيداً عنَّا، فلا يستطيعون مراقبته في كل الأحوال، ولديه خال واحد فقط، ودائماً يقول لي: لا تشددي عليه، اتركيه، وأعطيه الثقة، بدون أي تصرف آخر. آمل منك إرشادي، وتوجيهي، والدعاء لي، ولولدي بأن يصلحه الله، ويهديه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المراهقة هي مقاربة البلوغ.
ومرحلة " المراهقة " مرحلة خطرة، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام غاية في الحكمة للوقاية من خطرها قبل وقوعها، ومن ذلك:
1. التربية على حسن الأخلاق، وتحفيظ الطفل القرآن في أوائل عمره.
وإدخال كلام الله تعالى في صدر الطفل في أوائل عمره من شأنه أن يطهِّر قلبه وجوارحه، وخاصة إن صار حافظاً لكتاب الله تعالى قبل بلوغه فترة المراهقة، ولا شك أنه سيكون متميزاً بذلك الحفظ في المجالس، والمساجد.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"فإذا بلغ الطفل سن التمييز فإنه حينئذ يؤمر والده بأن يعلمه وأن يربيه على الخير بأن يعلمه القرآن، وما تيسر من الأحاديث، ويعلمه الأحكام الشرعية التي تناسب سن هذا الطفل بأن يعلمه كيف يتوضأ وكيف يصلي، ويعلمه الأذكار عند النوم وعند الاستيقاظ وعند الأكل والشرب؛ لأنه إذا بلغ سن التمييز فإنه يعقل ما يؤمر به وما ينهى عنه، وكذلك ينهاه عن الأمور غير المناسبة ويبين له أن هذه الأمور لا يجوز له فعلها كالكذب والنميمة وغير ذلك، حتى يتربى على الخير وعلى ترك الشر من الصغر، وهذا أمر مهم جدًّا غفل عنه بعض الناس مع أولادهم" انتهى.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (5 / 297، السؤال 421) .
2. تعليمه الصلاة في سن السابعة، وضربه على تفريطه فيها في سن العاشرة.
وما قلناه في القرآن نقوله في الصلاة، فهي تطهر قلب وأفعال الشاب الناشئ على طاعة الله، وخاصة إن كان يؤدي الصلاة في المسجد جماعة مع والده أو مع وليه كأخ أو عم.
3. التفريق بين الأولاد في المضاجع عند النوم عند بلوغهم سن العاشرة.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) .
رواه أبو داود (495) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي هذا السن يبدأ ميل الذكر للأنثى، والأنثى للذكر، وهذا الحكم من شأنه أن يُبعد الأولاد عن المهيجات الجنسية، وأن يقطع فرص الاحتكاك التي تولد الشهوة.
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 408) :
" لا يجوز للأولاد الذكور إذا بلغوا الحلُم، أو كان سنُّهم عشر سنوات: أن يناموا مع أمهاتهم، أو أخواتهم في مضاجعهم، أو في فرشهم، احتياطاً للفروج، وبُعدا عن إثاة الفتنة، وسدّاً لذريعة الشرِّ " انتهى.
4. اختيار الصحبة الصالحة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ) رواه أبو داود (4833) والترمذي (2378) وحسَّنه، وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد قيل: " الصاحب ساحب "، فإذا اعتنى الوالدان بصحبة أولادهم وأحسنا اختيارها: وفَّر ذلك عليهما وقتاً وجهداً عظيمين، فالصحبة الصالحة لن تؤدي إلا إلى خير، فالصاحب الصالح يقضي وقته في طاعة الله، يدله على الخير، ويمنعه من الشر، والصاحب الفاسد يدله على الشر، ويمنعه من الخير، ويزين له المعصية، ويقوده إليها.
5. إلزام الأولاد في تلك المرحلة بالاستئذان عند الدخول على والديهم في أوقات التخفف من الثياب، ومظنة كشف العورات أو الجماع، حتى لا تقع أعينهم على ما يهيجهم، أو يمارسونه تطبيقاً عمليّاً.
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 408) :
"أمر الله تعالى الذين لم يبلغوا الحلُم أن يستأذنوا عند دخول البيوت في الأوقات الثلاثة التي هي مظنة التكشف وظهور العورة، وأكد ذلك بتسميتها عورات، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) النور/ 58.
وأمر الذين بلغوا الحلُم أن يستأذنوا في كل الأوقات عند دخول البيوت، فقال تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) النور/ 59، كل ذلك من أجل درء الفتنة، والاحتياط للأعراض، والقضاء على وسائل الشر" انتهى.
6. المبادرة بالزواج.
وقد خاطب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الشباب بذلك، ومخاطبتهم بذلك الاسم وهم في تلك المرحلة له دلالته الواضحة أن في الزواج حفظاً لنظرهم من أن يُطلق في الحرام، وحفظاً لفرجهم أن يوضع في حرام.
فعن عَبْدِ اللَّهِ بن مسْعُود رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) . رواه البخاري (4779) ومسلم (1400) .
ثالثاً:
ما ذكرناه سابقاً يبين مدى تحمل الوالدين لما يصل إليه ولدهم من حال في فترة المراهقة، أو البلوغ، وبحسب تقصيرهم وعدمه يكون استحقاق العقاب والثواب، وقد يبذل المسلم كل سبب يستطيعه لهداية ولده ولا تكون النتيجة مرضية، وهذا لا إثم عليه فيه، وهداية التوفيق بيد الله تعالى. والذي ننصحك به تجاه تصرفات ابنك:
1. عدم معاملته بغلظة، وعدم التهاون معه؛ وذلك أن الغلظة في التعامل قد تسبب له ردة فعل، يخرج بسببها من البيت، ويفعل ما يحلو له، كما أن التهاون معه يفتح الطريق أمامه لفعل المنكرات، وأن لا يبالي بأحد، فينبغي التوسط في التعامل معه، والغلظة في أمور، والتهاون في أخرى.
2. اختيار صحبة صالحة من الشباب المستقيم على طاعة الله تعالى ليكونوا أصدقاء له، ويكون ذلك بطريقة لا يشعر بها أنكم تريدونه ترك أصحابه الفاسدين، فيتم التنسيق مع رجال فضلاء لهم أبناء مستقيمون ليزوروكم – مثلا – أو ليجتمعوا به في مناسبة عامَّة، ويتم التعارف بينه وبين الشباب الذين هم في سنِّه، وهؤلاء – غالباً – فيهم ما يجذب الآخرين من حُسن خلق، وسمتٍ طيب، كما أن أوقاتهم فيها الشيء الكثير الذي يمكن أن يستهويه، كالرحلات، والسفر للعمرة، واللقاءات مع أهل العلم.
3. الحد من خروجه من البيت قدر الاستطاعة، وإشغاله في أعمال البيت، كتدريس أخواته، أو القيام بواجباته المدرسية وعدم القيام بها خارجه.
4. لا بأس بإشغاله ببعض الألعاب المباحة، والتي يمكنه القيام بها في البيت.
5. كثرة زيارته لوالده، وهذه قد تحد من أفعال كثيرة يمكنه فعلها، مع إعلام والده ببعض تصرفاته – لا كلها – ليشعره بأنه متابع لوضعه وحاله.
6. إشعاره بالمسئولية على البيت، وأخواته، وهذا السن الخطير يرى فيه الشاب أنه رجل، ولا يريد لأحدٍ أن ينتقد تصرفاته، فيستثمر غياب الوالد بإفهامه أنه رجل البيت الآن، وأنه مطلوب منه العناية به، ورعاية أخواته، وأنه مسئول عنهنَّ، ولعل هذا يفيد كثيراً من جهة تعلقه بالبيت وأهله، ومن جهة أن يكون قدوة في تصرفاته أمامكم.
7. توثيق صلته بأعمامه، وصلة أعمامه به، وينبغي لوالده أن يكلِّم أشقاءه – أعمام ابنك – بضرورة الاهتمام بابنك، والعناية به، ومراقبة تصرفاته، ونصحه، وتوجيهه، ووجود رجل كبير عاقل بجانب ابنك هو حوج ما يكون له.
8. التفكير جديّاً بتزويجه، وعدم ترك الشهوات تعبث به، وتتحكم فيه، بل اضبطي ذلك بتزويجه، ففيه حفظ لنفسه من الهلكة والضياع، وحتى لو سكن عندكم – مؤقتاً – وليس عندك إلا بناتك، فلن يكون في سكناه معكم ما يُحذر منه.
9. أكثري من الدعاء له، بأن يُصلحه الله، ويهديه، واختاري الأوقات التي هي مظنة استجابة الدعاء، وأفضلها: الثلث الأخير من الليل فهي وقت نزول الرب سبحانه وتعالى وهي الوقت الذي يستجاب فيها للدعاء، وكذا الدعاء له في سجودك في صلاتك.
ونسأل الله تعالى أن يصلح ابنك، وأن يوفقه لمرضاته، وأن يفرِّج عن زوجك، وأن يخرجه عاجلاً غير آجل، وأن يكتب لك أجر العناية بأولادك، والحرص على تربيتهم.
ويمكنك الاستفادة من كتاب " فن التعامل مع مرحلة المراهقة " للدكتور محمد الثويني.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/158)
طرد زوجته من بيته ويريد منعها من الخروج من بيت أهلها للعمل فهل له ذلك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ 9 سنوات، وعندي 4 أطفال - الحمد لله -، أصغرهم: سنة ونصف، مشاكلي مع زوجتي ابتدأت منذ أن اتهمتني زوراً بعلاقة مع زوجة أخي الذي يجاورني، يشهد الله عليَّ أني بريء، فإن كلمتُها كشَّرت، وغضبت، وإن دخلتُ بيت أخي: أسمعتني كلاماً جارحاً، أقسمتُ لها مراراً أني بريء دون جدوى، خفتُ من الفضيحة، ولم يكن أمامي سوى التوجه الى أخيها الأكبر - أبوها متوفى -، ثم أمُّها، ثم أختها، ولكن كلما واجهتها: كذبتني، وبحثت عن سترة بيتي وهدوئه بأي ثمن؛ اعتقاداً مني أنها ستنسى وتكف، صرت أتفادى المشاكل، والتقليل من الاحتكاك مع زوجة أخي، أو حتى أخي، إلى أن أصيب أخي بوعكة صحية منذ شهرين - وحتى هذه اللحظة يرقد في مشفى بعيد -، وبطبيعة الحال فلا بد من زيارته، وفي أحد الأيام رافقتني امرأته، ومعي أمي، وأخي الأصغر إلى المشفى، حين عدت بدأ الشجار، حينها فقدت أعصابي، ولم أعد قادراً على السكوت على هذا الوضع، فصرخت، وناديت أخي الأكبر، وحكيت مشكلتي، وما يدور في رأس امرأتي، حصل كل هذا أمامها، وسألها عن صحة ما أدَّعي فأجابت: " نعم، لا أطيقها؛ لأنها لا تغطي رأسها أحياناً، فأكيد أغار "، لم أتوقع سماع اعترافها، وشعرت بالخزي، والعار، وشفقة أخي المريض، تعذب ضميري، شعرت كم هي ظالمة، ومستهترة بأعراض الناس الذي هو عرضي، فثرت، وطردتها من بيتي، بعد دقائق جاء أخوها يهدد، ويتوعَّد، ورد عليه إخوتي بأن لحقوه حتى بيته، وضربوه، في اليوم التالي بعثتُ لها ابنتي الصغيرة - سنة ونصف - لأني لا أجيد التعامل معها مثل إخوانها، لم ينتهِ اليوم وإذا بي أسمع أنها أعادتها مع ولد صغير إلى بيت أهلي، والطفلة تصرخ مرتعبة، لم أصدق ما سمعت، واتصلت أسألها إن كانت فعلا رمت بنتها في الشارع أم لا، فقالت: " نعم، لا أريدك، ولا أريد أولادك "، وكررت هذه الجملة، بعد أسبوع اتصل بي أخوها يطلب الجلوس معي للتفاهم، وفعلا ذهبت، وتكلم معي بحذاقة، ودبلوماسية، يقصد هدفاً أنا أدركه أصلاً، فهذا الأخ يناديني كي أحضر له حقيبتها المدرسية لتذهب الى عملها – معلمة - بحجة تغيير جو، ثم بعد ذلك بيوم أحضر أنا، وأرجعها إلى بيتها، قمت من مكاني مباشرة وقلت له: " مستحيل، هذا بدل أن تسأل عن أولادها؟ هذا ما يهمها؟ المدرسة؟ يا خسارة!! "، وخرجت، فقال: " لا تعقد الأمور علينا، حلها؛ خوفاً من كلام الناس "، قلت له: " من لا يخشى الله لا يخشى كلام الناس، أما أنا وأولادي: فلنا الله يرحمنا برحمته، ويصبرنا على مصيبتنا ". آسف للإطالة، ولكني أردت سرد ألمٍ يكتم أنفاسي منذ زمن، والاستعانة بالله عز وجل، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، كي لا أضل طريقي. سؤالي عن حكم الإسلام والدين في هذا الوضع، وهل يحق للزوجة الخروج من بيت أهلها، حتى وإن كان للعمل؟ . أرجوكم، انصحوني، ماذا أفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما فعلتُه زوجتك من الطعن في عرضك وعرض زوجة أخيك مما لا يحل لها، والطعن في أعراض الناس من كبائر الذنوب، فالواجب عليها التوبة من هذا الطعن وذاك الاتهام، وأن تحفظ عليها لسانها، وإلا أوردها المهالك.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/ 58.
وفي الوقت نفسه فإننا ننبه إلى أن تساهل الناس في بعض الأحكام الشرعية، أو تهاونهم في التمسك بها يفتح عليهم أبواباً مغلقة لطائفتين: الأولى: شياطين الجن، ليكيدوا لهم، ويوقعوهم في المعاصي وفعل الآثام، والثانية: شياطين الإنس، لقذفهم، والطعن في أعراضهم، واتهامهم بما ليس فيهم.
وعليه: فإن الواجب عليك عدم التساهل – أو التهاون – في أحكام غض البصر، والاختلاط، والخلوة، وهو ما لعله كان السبب في وجود الريبة عند زوجك – وهذا ليس عذراً لها -، ومثله يقال لزوجة أخيك، فإنه يجب عليها الالتزام بأحكام الشرع من التزامها بالحجاب، ومن غض البصر، وغير ذلك مما وقع الناس فيه بسبب خلطة الأقرباء دون الالتزام بضوابط الشرع.
ولو تأملنا حق التأمل في قصتك: لوجدنا مخالفات شرعية وقع فيها الجميع، وأدَّت إلى هذا الذي قصصته علينا في سؤالك هذا.
ثانياً:
ما كان ينبغي لك طرد زوجتك من المنزل، وكان الواجب عليك الالتزام بما شرعه الله للأزواج في حال حصول النشوز من الزوجة، وهو الوعظ، ثم الهجر في الجماع، ثم الضرب غير المبرح، وقد أمر الله تعالى الأزواج بإسكان زوجاتهم حيث سكنوا، قال تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) الطلاق/ 6.
وقد نهى الله تعالى الأزواج في حال الطلاق أن يُخرجوا زوجاتهم من بيوتهم، إلا في حال ارتكاب فاحشة الزنا، بل إن الله تعالى نسب البيت لها فقال: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) ، فكيف والطلاق لم يحصل، ولم ترتكب ما يستوجب طردها؟! .
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/ 1.
قال القرطبي – رحمه الله -:
(لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) أي: ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح، ما دامت في العدة، ولا يجوز لها الخروج أيضاً لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت: أثمت، ولا تنقطع العدة.
والرجعية والمبتوتة في هذا سواء، وهذا لصيانة ماء الرجل.
وهذا معنى إضافة البيوت إليهن، كقوله تعالى: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) الأحزاب/ 34، وقوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) الأحزاب/ 33، فهو إضافة إسكان، وليس إضافة تمليك.
" تفسير القرطبي " (18 / 154) .
وعندما رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تأديب نسائه، وتربيتهن: هجرهن، وبات في المسجد شهراً كاملاً.
عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ آلَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نِسَائِهِ، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِى مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا، فَقَالَ: (إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ) .
رواه البخاري (1812) .
وخروج الزوجة من بيت الزوجية له آثار سيئة عليها، وعلى أولادها، وعلى أهلها، فكان الواجب الالتزام بما شرعه الله تعالى لك عند حصول النشوز منها، وإن لم ينفع شيء منها: فتأتي بحكَم من أهلك وحكَم من أهلها، ويضع هؤلاء الحكام العقلاء الأمور في نصابها، وقد يكون الطلاق في نهاية الأمر هو الخير لك، ولها، والمهم أن يكون ذلك بعد سلوك الطريق الشرعي لمثل هذه الخصومات.
ثالثاً:
أما بخصوص خروج زوجتك من عند أهلها لعملها في التدريس: فإنه لا حرج عليها في ذلك، بشرط أن يكون مجال عملها مباحاً، ليس فيه اختلاط، وأن يكون الوصول إلى العمل والرجوع منه مأموناً، ولا سلطة لك عليها في المنع من الذهاب؛ لأنها الآن في رعاية أهلها ومسئوليتهم، والمنع من الخروج إلا بإذن الزوج إنما هو في خروجها من بيت " زوجها "، لا " أهلها "، إلا أن يكون هو أرسلها لبيت أهلها، فتجب عليه الطاعة مطلقاً، ثم إنها كانت تعمل وهي عندك، فليس خروجا جديدا، أو شيئا لم تعهده وهي عندك.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
أنا متزوجة، ولله الحمد، وأعمل في إحدى المدارس معلمة رياض أطفال، وزوجي موافق على هذه الوظيفة، ومن شروط العمل أن يوقع ولي أمري (زوجي) عقداً بالموافقة على العمل بدون انقطاع مفاجئ عن العمل، وفي إحدى الأيام حدث خلاف بيني وبين زوجي، فقال لي: اذهبي إلى أهلك، وأمرني أن أذهب، وعندما أوصلني لم يخبرني، ولم يأمرني بأن ألزم بيت أهلي بدون خروج، فقمت أنا وأمرت أخي الكبير أن يأخذني عنده ريثما أنهي تدريسي، وخاصة كانت فترة امتحانات نهائية (أسبوعين) ومن الصعب إحضار معلمة بديل تجلس مكاني، وعندما علم زوجي بأني ذهبت عند أخي غضب غضباً شديداً، وقال: أنت خرجت من غير إذني، رغم أنني خرجت من بيت أهلي إلى بيت أخي؛ لأن المدرسة كانت قريبة من عند أخي، وتمشياً مع العقد الذي وقعه زوجي بالموافقة على التدريس والاستمرار فيه بدون انقطاع، وطلب مني أن أرجع إلى بيت أهلي، وأن أمكث فيه ريثما تنتهي المشكلة، ولكن رفضت بحكم عملي الذي لا يسمح لي بالغياب، وهكذا انتهيت من التدريس حيث كانت الفترة فقط أسبوعين، وتأتي الإجازة، هذه المدة (14) يوماً رجعت من عند أخي إلى بيت أهلي، وانتهت المشكلة بتوسيط أهل الخير، وعدت إلى منزلي.
ولكن سؤالي: هل أنا أعتبر عاصية لأني خرجت من غير إذنه (أي: زوجي) رغم أنه ملزم بعقد المدرسة لمدة سنة كاملة، وهو يعاتبني كثيراً، ويقول بأني من المفروض أن أطيعه وأعود إلى منزل أهلي حتى لو كان ملزماً بعقد، وإنني محتارة في أمري جدّاً، وهل يجوز له أن يخل بعقد نظام العمل؟ .
فأجابوا:
إذا كان الواقع كما ذكرت في السؤال، من موافقته على عملك في التدريس: فلا حرج عليك في ذلك؛ لقول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة / 1؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) – متفق عليه -.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (19 / 166 – 168) .
وتجد في جواب السؤال رقم: (87834) تفصيل القول في مسألة خروج الزوجة من بيت زوجها.
على أنه إذا كان مرادك من منعها من الخروج إلى المدرسة وهي عند أهلها، أن تضيق عليها، حتى تعود إلى بيتها وأولادها، وتأديبها على ما حصل منها من الإساءة في حقك وحق أهلك، فإننا لا نرى مانعا من ذلك، خاصة إذا كان خروجها سيزيدها أشرا وبطرا، ويوهمها أنها سوف تستغني براتبها عن قوامة زوجها ونفقته، وتستغني بخلطتها وعملها عن أنس الزوج والأولاد والبيت.
رابعاً:
لا ندري كيف هو قلبها حتى تلقي بابنتها الصغيرة هكذا، وقد جبل الله تعالى الأمهات على العطف والحنان على أولادهن، بل حتى الإناث من البهائم تحن على أولادها، بما صار بعض صور ذلك من الأمثال السائرة الدارجة، فكيف هات عليها ابنتها، بل كل أولادها أن تتخلى عنهم؟! .
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا.
رواه البخاري (5653) ومسلم (2754) .
ومن أحكام الشريعة المطهرة أن قدم الزوجة في حضانة الأولاد، حتى تتزوج، أو يصلوا سن التمييز فيخيرون – على خلاف في التفريق بين الأنثى والذكر – وكل ذلك من أجل ما جبلها الله عليها من عطف وحنان، ومن قدرتها على رعاية أولادها في هذا السن دون زوجها.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
ولما كان النساء أعرف بالتربية وأقدر عليها وأصبر وأرأف وأفرغ لها: لذلك قدمت الأم على الأب.
ولما كان الرجال أقوم بتحصيل مصلحة الولد والاحتياط له في البُضع: قدِّم الأب فيها على الأم.
فتقديم الأم في الحضانة من محاسن الشريعة والاحتياط للأطفال والنظر لهم.
وتقديم الأب في ولاية المال والتزويج: كذلك.
" زاد المعاد " (5 / 537، 538) .
والخلاصة:
1. ننصحك أخي السائل أن ترجع زوجتك لبيتك وبيتها، وأن تسعى في إيقاف طعنها واتهامها لك، ولزوجة أخيك، وذلك بالتفاهم معها، وبيان تحريم فعلها، ولا بأس أن تستعين على ذلك بأهلها.
2. ننصحك بترك ما يمكن أن يكون قد وقع منك في تساهلك في التعامل مع زوجة أخيك، من الخلطة، والخلوة، والمحادثة، وغير ذلك مما يحرم عليك، حتى لو لم تكن لك زوجة تنتقد عليك أفعالك.
3. ننصحك أن تصبر على ما ترى من زوجتك، وأظهر لها خطأ ظنها وريبتها بما تظهره من حقيقة الالتزام بطاعة الله، والوقوف عند حدوده.
4. اجعل الطلاق آخر ما تفكِّر به، واعلم أن الشيطان أكثر ما يفرحه انهدام أعمدة بيت مسلم، فلا تفرحه بهذا.
ونسأل الله أن يهديكما لما يحب ويرضى، وأن يجمع بينكما على خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/159)
الأم لها حقوق عظيمة في الشرع على ابنتها لكن الزوج حقه على زوجته أعظم
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي لحوحة، وذات مطالب لا تنتهي، وتتشاجر معي طوال الوقت حول زوجي الذي يعاملني وأولادي وإياها معاملة طيبة، فتريد منه أخذها في رحلات، وتريد منه أشياء أخرى، تنفق مصروفات كبيرة، وهو لا يحب ذلك؛ لأن عمله كطبيب لا يترك له الوقت لهذا؛ ولأنه يشعر أنهما لن ينسجما معاً، وهي تزورنا في بيتنا على الأقل 4 أو 5 مرات سنويّاً، وتجعلني أصطحبها يوميّاً في نزهة خارجيَّة، لا يهمها في ذلك أن أهمل بيتي، وأطفالي، وهي مشغولة جدّاً بأعمالها التجارية الخاصة، بل حاولت معي، وتشاجرت كي تترك لي أخي، أو أختي يعيشان معي أنا (عمرهما 16 و 18 سنة) وترى أن هذا واجب عليَّ، ولا يستلزم مني أخذ إذن من زوجي، ورفضت دفع قرض جعلتني هي ووالدي (المتوفى من سنتين) أقترضه حين كنت في الجامعة للدراسة، وكان عمري وقتها 16 عاماً، هذا القرض الذي شوه اسمي وسمعتي، وجعل من المستحيل أن أشتري أي شيء تحت اسمي الخاص، وقد كررتْ هي ذلك مع عديد من الذين تدين لهم بفلوس، وفوق هذا كله: قبل رحيل أبي كتب كل أملاكه، وأمواله باسمها؛ لتسهيل توزيعها علينا (نحن أربع بنات وولد واحد) بدلاً من إدخال جهة خارجية في التوزيع، وبعد وفاته قالت: إن كل شيء باسمها، وإنها دفعت كثيراً في الماضي لسداد ديون أعماله التجارية قبل أن يصلا إلى النجاح الذي حققاه معاً، وبالتالي فإنها ستحتفظ بكافة الأموال لها وحدها حتى تموت، بل إني أعطيتها حوالي 100 ألف دولار (كل المال الذي ادخرته وعملت به) ؛ لأنها تظاهرت أنها سوف تستخدم هذا القرض في سداد ديون أبي المتوفى، ثم استخدمته في شراء منزل صيفي لها، بدلاً من سداد الديون، وأنكرت أني أعطيتها فلساً واحداً؛ لأني لم أخبر أحداً سوانا، فقد أردت جعل هذا العمل سرّاً بيني وبينها، والله سبحانه وتعالى؛ رغم علمي بأن لديها الكثير من المال، وقد سئم زوجي كل هذه التصرفات (ولم أذكر لكم العديد من مواقفها الأخرى السيئة) ولذا واجهها بأقل هذه المشكلات: وهي مشكلة قرض الدراسة القديم، الذي تم أخذه من 6 سنوات قبل زواجنا، وظل هذا الدين يتراكم، ويتضاعف باسمي أنا، ثم واجهها بأفعالها الخطأ الكثيرة التي ورطت أسرتي فيها، فغضبتْ غضباً شديداً، وخاصمتنا جميعاً أنا وزوجي، وطبيعي أردت أن ألتزم بحقها نحوي كأمي، فنجحتُ في استمرار العلاقات المتبادلة بيني وبينها على نحو طيب حتى لا تنقطع صلة الرحم، وساد بيننا معظم الأوقات الكلام الحسن، لكن بعد أسبوعين عادت إلى سبِّ زوجي، وأخبرتني أن أتحداه وأعصي كلامه؛ كي أجبره على الاعتذار لها، بل أخذت تسبُّني، وزوجي، بألفاظ محرجة جدّاً ومخزية، وهذه العلاقة تؤثر على زواجي سلباً، ووقتي في بيتي وسط أولادي، فلا أستطيع التفكير في أي شيء آخر، ولا يريد زوجي الاعتذار؛ لأنه على صواب، ويشعر أن أمي لم تغير أساليبها السيئة، ولن تسدد القرض القديم، وفي نفس الوقت من الصعب للغاية الوصول معها إلى حل وسط يوفق الأمور، نحن نعيش في بلدين مختلفين (مصر وأمريكا) ، وهي تقول لي أني إذا كنت فعلا أحبها ولا أريد معصية الله سبحانه وتعالى: فينبغي لي إحضار أولادي الثلاثة، وزيارتها، لكن زوجي لا يوافق أن أتركه وحده، وهي تعلم هذا، وتصر وتقول لي أني بذلك مسلمة عاصية، وأن الله سبحانه وتعالى سوف يعاقبني لمعصيتي أمي، وكلما حاولت نصحها أن تخشى الله سبحانه وتعالى جنَّ جنونها، وتقول: بل الواجب ألا أسمع أنا كلام الزوج، وأسمع كلام الأم، وزوجي يخبرني أن أظل على علاقة طيبة معها قدر المستطاع، وفي الحقيقة هو زوج صالح جدّاً، وفي نفس الوقت أب ناجح جدّاً، الحمد لله أحيا معه حياة زوجية سعيدة جدّاً في وجود 3 من الأبناء الأصحاء ما شاء الله. وسؤالي الآن: 1. ما واجباتي نحو أمي في مثل هذا الموقف المزعج؟ مع العلم أنها تسب زوجي باستمرار في مكالماتنا الهاتفية (نحن نعيش في بلدين مختلفين بعيدين) ، وتطلب مني معصيته، وتحديه، وافتعال المشكلات معه كي يعتذر لها، وهذه المكالمات أثرت على نفسيتي بالغ الأثر، فصار هذا الأمر كل ما يشغل بالي، ويعوقني عن الدراسة، أو الاعتناء ببيتي، فما الحد الأدنى بخصوص زيارة أمي والتحدث معها حتى لا يغضب الله سبحانه وتعالى عليَّ، وفي نفس الوقت ألتزم بحقها عليَّ، وبالتالي لا أقلق من كلمتها لي دومًا أن الله سبحانه وتعالى غير راضٍ عني بسبب معصيتي لها؟ . 2. من المسئول عن هذا القرض؟ مع العلم أني أجبرت على حضور الدراسة في هذه الجامعة، فقد كان عمري فقط من 16 إلى 18 عاماً، ولم يعلم زوجي عن هذا القرض شيئاً قبل الزواج، وكذلك تملك أمي من المال ما يكفي وزيادة لسداد هذا القرض.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن للأم منزلة في شرع الله تعالى لا تُنكر، وقد أوجب الله على أولادها برَّها، وحرَّم عقوقها، وجعلها أولى الناس بحسن الصحبة، كما في الحديث المعروف، لما قال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: (أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ) رواه مسلم (2548) .
وهذا الحق للأم، وتلك المنزلة التي لها: لا تبيح لها أكل مال أولادها بغير حق، بل يجب عليها أداء الحقوق لأصحابها، وتقسيم التركة وفق شرع الله تعالى، كما لا يبيح للأم أن تخبب ابنتها على زوجها، وتفسد ما بينهما من حسن عشرة، وهذه الأفعال من تلك الأم منكرة يأباها الشرع المطهر، ويتوعدها عليها بالإثم والعقوبة.
ولعلَّ من أعظم البر الذي تقدمينه لأمك هو ردعها عن أكل الحرام وفعله، والأخذ على يدها أن تظلم الناس بغير حق، وأن تذكريها بإثم الإفساد بين الزوجين، وإثم الغيبة، والسب والشتم، وغير ذلك مما تفعله من المحرمات، كالتبرج، والسفر من غير محرم – إن وُجدا منها -.
وبخصوص أشقائك الذين ترغب والدتك بأن يسكنا معكِ وزوجك: فإنكِ لستِ مكلفة بهذا شرعاً، بل التكليف لازم لوالدتك، والحق هنا لزوجك، فإن وافق على ذلك: فذاك، وإلا فليس الأمر يلزمك، بل إننا لا ننصح زوجك بقبول هذا الوضع، لأنهم ليسوا ضياعا يضطرون إلى مثل ذلك، وليسوا فقراء يحتاجون من ينفق عليهم، وليست أمك عاجزة عن القيام بشأنهم، ففي حملهم عنها: إعانة لها على ما هي فيه من المخالفات الشرعية، والإهمال لواجبها، وتحميل لزوجك، وإرهاق لك ولبيتك بأمر لا يلزمكم أصلا، فضلا عما يترتب من عيش أختك في بيت واحد مع رجل أجنبي عنها (زوجك) من المخالفات الشرعية؛ إننا لا ننصحكم بقبول هذا الوضع بأي حال!!
ثانياً:
تلك المنزلة للأم، وذلك الحق الذي لها: لا يفوق حق زوجك، بل إن حق زوجك أعظم، وهو يقدم على حق والدتك، وطاعتك له تقدَّم على طاعتها، والزوجة العاقلة تحاول إرضاء زوجها بما يرغب به مما لا يخالف الشرع، وتسعى إلى بر والدتها بما لا يخالف أمر زوجها، فإذا تعارض الأمران والإرادتان: فإنها تقدم أمر وإرادة زوجها.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –:
في امرأة تزوجت، وخرجت عن حكم والديها، فأيهما أفضل: برها لوالديها؟ أم مطاوعة زوجها؟ .
فأجاب: " المرأة إذا تزوجت: كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب، قال الله تعالى: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك) ، وفي صحيح أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلَّت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت) ، وفي الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة) أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن، وأخرجه أبو داود ولفظه: (لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحقوق) ، وفي المسند عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحه تجري بالقيح والصديد ثم استقبله فلحسته ما أدت حقه) ... .
– وساق رحمه الله أحاديث في فضل طاعة الزوج -.
والأحاديث في ذلك كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال زيد بن ثابت: الزوج سيِّدٌ في كتاب الله، وقرأ قوله تعالى: (وألفيا سيدها لدى الباب) ، وقال عمر بن الخطاب: النكاح رق، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته، وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عندكم عوانٍ) .
فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق، والأسير، فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه، سواء أمرها أبوها، أو أمها، أو غير أبويها، باتفاق الأئمة.
وإذا أراد الرجل أن ينتقل بها إلى مكان آخر مع قيامه بما يجب عليه، وحفظ حدود الله فيها، ونهاها أبوها عن طاعته في ذلك: فعليها أن تطيع زوجها، دون أبويها؛ فإن الأبوين هما ظالمان، ليس لهما أن ينهياها عن طاعة مثل هذا الزوج، وليس لها أن تطيع أمها فيما تأمرها به من الاختلاع منه، أو مضاجرته حتى يطلقها، مثل أن تطالبه من النفقة والكسوة والصداق بما تطلبه ليطلقها، فلا يحل لها أن تطيع واحداً من أبويها في طلاقه إذا كان متقيّاً لله فيها.
ففي السن الأربعة وصحيح ابن أبي حاتم عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، وفي حديث آخر: (المختلعات والمتبرعات هن المنافقات) .
وأما إذا أمرها أبواها أو أحدهما بما فيه طاعة لله، مثل المحافظة على الصلوات، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، ونهوها عن تبذير مالها، وإضاعته، ونحو ذلك مما أمرها الله ورسوله، أو نهاها الله ورسوله عنه: فعليها أن تطيعهما في ذلك، ولو كان الأمر من غير أبويها، فكيف إذا كان من أبويها؟ .
وإذا نهاها الزوج عما أمر الله، أو أمرها بما نهى الله عنه: لم يكن لها أن تطيعه في ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنه: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، بل المالك لو أمر مملوكه بما فيه معصية لله: لم يجز له أن يطيعه في معصيته، فكيف يجبر أن تطيع المرأة زوجها أو أحد أبويها في معصية؛ فإن الخير كله في طاعة الله ورسوله، والشر كله في معصية الله ورسوله " اتهى. " مجموع الفتاوى " (32 / 261 – 264) .
وهذا جواب علمي متين، كافٍ لبيان المقصود، وهو أنه لا يحل لوالدتك الإفساد بينك وبين زوجك، وأنه لا يحل لك طاعتها في هذا، وأن حق الزوج وطاعته أعظم من حق والدتك وطاعتها.
ثالثاً:
وكما أنك لستِ ملزمة بأحدٍ من أشقائك بسبب حبسك على زوجك، واشتراط موافقته: فإن الأمر كذلك في زيارتك لوالدتك مع أوالدك، فإن هذا لا يجوز أن يتم إلا بأمر الزوج وموافقته، وقد أحسنتِ في رفضك طلب والدتك، ونحن نؤكد على أنه رفض شرعي، وخاصة إن لم يكن معك محرَم في سفرك.
وأما بخصوص تقدير عدد زيارات والدتك لكم: فهذا أمر يرجع كذلك إلى زوجك، ويمكنك التفاهم معه على تحديد ذلك لوالدتك، وللزوج حق في منع دخول بيته لكل من يراه مفسداً لبيته، حتى لو كان هؤلاء أهلك، وبما أنكما متوافقان، وبينكما من حسن العشرة الشيء الكثير: فالأمر سهل يسير، فما عليكما إلا الاتفاق على تحديد عدد معيَّن، ووقت محدد لزيارتها لكم، وتشترطون ذلك عليها، ولزوجك الحق كل الحق في هذا، بل نرى أنه لو منعها بالكلية كان مصيباً، ولكن يرجى أن زياراتها إن كانت قليلة محدودة، وغير مؤثرة على سعادتكم الأسرية: أنه لا مانع منها، ولا بأس بالسماح بها، ويكون تحديد ذلك راجعاً إليكما عن تشاور وتراض.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " (لا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون) يعني: لا يدخلْنَّ أحداً البيت وأنت تكره أن يدخل حتى، لو كانت أمها، أو أباها، فلا يحل لها أن تُدخل أمَّها، أو أباها، أو أختها، أو أخاها، أو عمها، أو خالها، أو عمتها، أو خالتها إلى بيت زوجها، إذا كان يكره ذلك، وإنما نبهت على هذا: لأن بعض النساء - والعياذ بالله - شرٌّ حتى على ابنتها، إذا رأت حياة ابنتها مستقرة وسعيدة مع زوجها: أصابتها الغيْرة - والعياذ بالله - وهي الأم، ثم حاولت أن تفسد ما بين ابنتها وزوجها، فللزوج أن يمنع هذه الأم من دخول بيته، وله أن يقول لزوجته: لا تدخل بيتي، له أن يمنعها شرعاً، وله أن يمنع زوجته من الذهاب إليها؛ لأنها نمَّامة، تفسد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قتَّات) أي: نمام " انتهى. " شرح رياض الصالحين " (2 / 91 الحديث رقم: 276) ط البصيرة.
رابعاً:
الذي يظهر أن القرض الربوي الذي جاء في سؤالك: إنما إثمه ورده عليك؛ لأنك كنتِ بالغة، ومسئولة عن تصرفاتك، فاحرصي على إرجاع حقك من والدتك، وأوقفي مضاعفة المبالغ الربوية المترتبة على تأخير إرجاع المبلغ، وحاولي أن لا ترجعي إلا أصل المبلغ دون زيادته الربوية، فإن عجزتِ: فلا حرج عليك فيما زاد، مع ضرورة التوبة الصادقة؛ لأن الربا من كبائر الذنوب.
ونسأل الله أن يهدي والدتك، وأن يجمع بينك وبين زوجك على خير.
وانظري جواب السؤال رقم: (96665) ففيه بيان أسباب تدخل الأم في حياة ابنتها المتزوجة، وطريقة علاج ذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/160)
تختلف طباعها عن طباعه وتفكيرها عن تفكيره فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فإني أود أولاً أن أوجه الشكر لكل القائمين على هذا العمل، راجياً الله أن يكون في ميزان حسناتهم، اللهم آمين. متزوج منذ 3 سنوات، ولدي طفلتان، عمرهما (سنتان / 6 شهور) ، وتأتى عليَّ الكثير من الأوقات لا أطيق زوجتي، رغم زواجنا عن حب (أدعو الله ليل نهار أن يغفر لي ولها هذه العلاقة) ؛ وذلك للاختلاف التام بيني وبينها، من حيث النشأة، والتربية، والتفكير، والطباع، أفكر كثيراً في أن أطلقها، ولكن أفكر في عدة أمور، منها: أني مأجور - بإذن الله - على صبري عليها، وأنها يتيمة لا يوجد لها عائل سواي، والأهم من هذا كله - وهو ما يثنيني فعلا في أضيق الأوقات ذرعا بها - أن الله رزقني بنات، وإذا تركتهم لها لن يربوا التربية التي ترضي الله ورسوله (ليس انحرافاً - والعياذ بالله - ولكن ليس بالالتزام المطلوب) ، وهذا التفكير يجعل بدني يقشعر حيث إني محاسب عليهم أمام ربى، تأتي عليَّ الأوقات التي لا أطيق فيها العيش معها، ليس لضعف بي - والحمد لله - حيث إن الكل يشهد لي بقوة الشخصية والشكيمة، خاصة معها! ولكن لاختلاف طباعها، وتفكيرها، وقد حاولت مراراً وتكراراً أن أفهمها العلاقة السليمة بين الزوج والزوجة، إلا أنها بعد فترة تعود لما كانت عليه. السؤال: ماذا يجب عليَّ أن أفعل؟ وهل إذا لم أطق العيش معها وطلقتها وضمت الطفلتين أكون محاسباً عن الخلل في تربيتهما؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يمكن تخيل حياة زوجية دون مشكلات فيها، وهذه أشرف بيوت على وجه الأرض وهي بيوت الأنبياء انظر كم فيها من اختلاف، فإن شئت ذكَّرناك ببيت أبينا إبراهيم عليه السلام وخلافه مع والده، أو بيت نوح وخلافه فيه مع زوجته وابنه، أو بيت لوط عليه السلام وخلافه فيه مع زوجته.
وإن شئتَ ذكَّرنا ببيت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكم حصلت فيه من مشكلات حتى وصل الحال بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يهجر نساءه شهراً كاملاً، ويعتزل في المسجد! .
لا تخلو بيوت المسلمين من هذه المشكلات، وهي تقل بحسب رجحان عقل الزوج، وقوة شخصيته، وحكمته في معالجة الأمور، وتكثر بحسب تهور الزوج، وشدته، وغلظته.
ولا يوجد زوجة تطابق ما في مخيلة زوجها من صفات الكمال البشرية، بل لا بدَّ من النقص والقصور، وعلى الزوج تحمل ذلك إن أراد أن تستقيم حياته، ولن يكون استمتاع بينه وبينها إلا على عوَج، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً:
وقبل أن تقرر الطلاق: نرجو منك التأمل سريعاً في هذه النقاط:
1. قد تكون أنت السبب في أخطاء زوجتك! نعم، إما بسوء خلقك في تعاملك معها، أو بمعاصٍ ترتكبها، ويكون ما يصدر منها عقوبة لك عليها، فقف على السبب، وأصلح حالك مع ربك تعالى بالطاعة وترك المعصية، ومع زوجتك بتوفير سبل الهداية من الصحبة الصالحة، وسماع المحاضرات النافعة، وبتعليمها حقوق الزوج عليها، وسترى أثر ذلك قريباً إن شاء الله.
2. وإذا كنتَ على علاقة غير شرعية مع زوجتك قبل الزواج – ونحمد الله أن وفقك للتوبة منها – ويزعمون أنهم في هذه العلاقة يتعرف بعضهم على بعض! ويخططون لحياة مستقبلية سعيدة: فأنت إذن من بنى هذا البيت، وأنت من اختار شريكة حياته، فما الذي سيتغير في زواجك الثاني؟! سيجمعك الزواج الجديد بامرأة جديدة، وقد يكون لها من الصفات والأخلاق ما هو أسوأ من الأولى، فأصلح الأولى واصبر عليها فهو أفضل لك.
ولتعلم ـ أيها الأخ الكريم ـ أنه إذا كان الذي ينفرك من امرأتك قلة عقلها، وضعف تفكيرها، فاعلم ـ يا عبد الله ـ أن النساء كلهن كذلك: ناقصات العقل؛ وربما كان ذلك ممدحة لهن في كثير من الأحوال، وكم رأينا وسمعنا من يشتكي من امرأته المتعبة المجادلة في كل صغير وكبير، والتي تضع رأسها برأس زوجها في البيت؛ أفتريد رجلا آخر يا عبد الله؟!
3. في كثيرٍ من الأحيان يصبر الزوج العاقل على تصرفات زوجته الحمقاء من أجل أولاده، فهو لا يريد لهم التشتت والضياع، ويريد لهم التوفيق والرشاد، وهذا لا يكون – البتة – في الطلاق، فيصبر على زوجته رجاء أن يكون بقاؤه في بيت الزوجية سبب إصلاح لأولئك الأولاد.
5. لن تندم – إن شاء الله – إن صبرتَ على زوجتك، وفي ظننا أنك سوف تندم على تطليقك لها، فافهم هذا، وليكن على بالك، فلا تتعجل، واصبر وتصبَّر.
4. وقبل أن تطلِّق عليك التفكير في آثار هذا الطلاق، ومن تلك الآثار:
أ. قلة أو انعدام فرص تزوج امرأتك من آخر، بسبب أنها مطلقة، وأنها ذات أولاد، ولا يخفاك ما يمكن أن يترتب على هذا الأمر.
ب. تشتت الأولاد، وضياعهم، فطاقتهم البدنية ستضيع في التنقل بيت بين أمهم وبيت أبيهم، وطاقتهم الذهنية ستضيع في التفكير في حال والديهم، وطاقتهم العاطفية ستجف أو تخف بسبب فقدانهم لحنان الأم المحلى بقوة شخصية الأب.
وقد أحسنتَ جدّاً في جعل هذا الأمر مما يثنيك عن الطلاق، والحقيقة أنهم سبب مهم، وأن وجود مثل هؤلاء الأولاد في المجتمعات إنما هو نذير شرٍّ، فلا تهدم بناءك، وتشتت أولادك بأمرٍ يمكنك المبادرة بإصلاحه دون هدمه.
إننا نوافقك كل الموافقة على أن التفكير في مصير أولادك، مسئوليتك عنهم أمام الله عز وجل، بل ومصير هذه الزوجة اليتيمة، أم أولادك، جدير بأن يقشعر جلدك حين يرد عليك هاجس الطلاق!!
ثالثاً:
وما ذكرناه لك من الصبر عليها من أجل إصلاح حالها، أو من أجل أولادك: لا يجيز لك إساءة عشرتها، والوصية لك: إما أن تمسكها بمعروف، أو تسرحها بإحسان.
ولتتذكر ـ أخيرا ـ وصية نبيك الكريم، صلى الله عليه وسلم، وأدبه لك:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) رواه مسلم (1469) .
قال النووي رحمه الله: (أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضهَا , لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَه، وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا، بِأَنْ تَكُون شَرِسَة الْخُلُق لَكِنَّهَا دَيِّنَة أَوْ جَمِيلَة أَوْ عَفِيفَة أَوْ رَفِيقَة بِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ) .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/161)
تزعم أن زوجها ملتزم وقد اعترف لها بأنه يزني! فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة متزوجة منذ 16 سنة، ولدي 3 أطفال، زوجي يصلي الصلاة في أوقاتها، ويقوم لصلاة الفجر، ويقرأ القرآن، ويصوم التطوع، باختصار: تصرفاته تبين لي أنه رجل ملتزم، وأنا أثق فيه ثقة عمياء، نكوِّن بيتاً يضرب به المثل في التفاهم والتعاون، وفجأة تأتيني صاعقة، وهو أنه زاني من الدرجة الأولى! وأنه حاول عدة مرات مع الخادمة عندنا في البيت، ولكنها كانت ترفض، وحاول مع صديقات أختي عندما نذهب إلى بيت الوالدين، وكانت له علاقة مع سيدة متزوجة، وزوجها بأرض المهجر، وكل هذه الأخبار صحيحة لأنه اعترف. أنا لا أعرف كيف أتصرف، ولكني أصبحت أكرهه، ولا أتصور أنني سأقدر على العيش معه، أفكر كثيراً في الطلاق، ولكن أولادي، ماذا أفعل؟ . ملحوظة: أنا مالكة البيت، والسيارة، ولي راتب شهري لا بأس به، ملتزمة أكثر منه، لا أستمع للموسيقى، وكنت أمنعه كذلك، ومتحجبة، وأوقظ أولادي - 14 و 11 سنة - لصلاة الفجر، ولله الحمد، ولا نتفرج إلا على القنوات الإسلامية، والحمد لله، ونحن بيت ملتزم على قدر المستطاع، وما فعلته هو أني طردته من المنزل، وأخذت السيارة، وأريد أن أعرف التصرف الذي يرضي الله عز وجل في هذا الموقف، لقد سبق لي أن أرسلت سؤالاً، ولم أتوصل بالجواب، وهو يتعلق بمنزلي لأنني اشتريته بقرض ربوي، ولم أكن وقتها على علم بحرمته، فالمدة المتبقية لاستكمال القرض هي 7 سنوات، هل يجب أن أبيعه وأكتفي بكراء منزل آخر، أو ماذا، خصوصا وأنا في هذه الظروف؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بدَّ من تبيين حقيقة مهمة، وهي أن بعض من يدَّعي الالتزام لا يكون له حظ منه إلا في مظهره الخارجي فقط، بل وحتى هذا المظهر الخارجي فإنك تجد التساهل الكبير فيه، فراحوا يتوسعون بالصبغ بالسواد، والتخفيف من اللحية، وإسبال الإزار...... إلخ.
ولو فُرض أن أولئك استقاموا على الشريعة في منظرهم الخارجي فإنك تجد الخواء في الداخل والباطن، وإذا علمتَ هذا لم تتعجب من أن تجد مثل هؤلاء يأكلون أموال الناس بالباطل، أو يعاملون نساءهم بوحشية، أو تراهم يمدون أبصارهم وأسماعهم نحو الحرام من النساء والغناء، وكل هذا بسبب النقص في استقامة قلوبهم على دين الله.
ثانياً:
فتنة النساء هي أضر فتنة على الرجال، وهي أول فتنة كانت لبني إسرائيل، لذا فإن الشريعة المطهرة قد جاءت أحكامها واضحة وصريحة في تحريم الخلوة بالنساء الأجنبيات، وتحريم النظر إليهن، وتحريم مصافحتهن، والاختلاط بهنَّ، وغير ذلك من الخطوات التي تؤدي بالمسلم للوقوع في فاحشة الزنا، ومن تجرأ على شرع الله فأطلق لنفسه العنان في أن تفعل ما تشتهي وتهوى وقع على أم رأسه، وقادته الخطوة إلى أختها، حتى تصل به إلى الهاوية.
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) . رواه البخاري (4808) ومسلم (2740) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) رواه مسلم (2742) .
وعلى الزوجة التي تعلم من زوجها وقوعه فيما حرَّم الله مع النساء الأجنبيات أن تسارع إلى تذكيره بتقوى الله، وأن تخوفه من أليم عذابه، وأن تقطع الطريق على الشيطان أن يقوده إلى الرذائل والفواحش، وأن تبحث عن الأسباب التي أدَّت به إلى الوقوع في هذه المحرمات فتعالجها، فلا تبق خادمة في بيتها، ولا تمكنه من النظر إلى صاحباتها، أو الخلوة بهن، أو الحديث معهن، كما عليها أن تبحث في نفسها فقد تكون مقصرة في حقه في الفراش، ولا تشبع رغبته بسبب عملها، أو انشغالها، أو ضعف شهوتها، وهذا كله لا يعني أنه يحل له ما فعله – إن ثبت عنه – فالزنا من كبائر الذنوب، وهو متزوج، وعقوبته الرجم حتى الموت، وإنما نريد علاج واقع أمامنا، وليس هناك من يعين الأمة على حفظ أعراضها من قوانين وأنظمة وأحوال، بل كل ما في الدنيا يصب في تأجيج الشهوة، وإطلاق العنان لأهلها لتفريغها حيث شاءوا، ونظرة إلى الفضائيات، وعامة وسائل الإعلام تعرِّف الجاهل صدق قولنا.
ومن المهم أن تنظري في جواب السؤال رقم (7669) ففيه بيان كيف تتعامل الزوجة مع زوج يشاهد الأفلام الجنسية ولا يُعطيها حقّها.
ثالثاً:
اتخاذ خادمات في البيوت له مفاسد لم تعد تخفى على أحد، وكم تسبب وجود الخادمات في كثير من المشكلات في بيوت المسلمين، ووقع كثيرون في المعاصي الصغيرة والكبيرة بسبب ذلك.
ويرجى النظر في جواب السؤال رقم (26282) ففيه زيادة بيان حول مفاسد إحضار الخادمات، وشروط جواز ذلك.
رابعاً:
الذي ننصحك به تجاه زوجك بعد أن اعترف لك أنه وقع في الزنا:
1. أن تعظيه، وتخوفيه بالله تعالى أن يتوب ويستغفر ويندم على ما فات من فعاله القبيحة.
2. فإن لم يستجب لهذا، ولم يكف عن ملاحقة النساء، ويترك الزنا: فاطلبي الطلاق منه، فإن لم يرض به: فارفعي أمرك للقضاء ليتم تطليقك منه، فإن لم يتم هذا الفراق إلا بالخلع: فخالعيه، وادفعي ما يطلبه للفكاك منه، وتخليص نفسك من سوئه وشرِّه.
واعلمي أن خطر الزوج الزاني لا يلتصق به وحده، بل يتعداه إلى أولاده، وإليك أنتِ! إلى أولاده بسكوته عما يفعلونه من محرمات ومنكرات، وقد يكون بإشراكهم في أفعاله القبيحة، ويتعداه إليكِ أنتِ بما يمكن أن يؤثر زناه على حالك.
فقد يتلاعب الشيطان بالمرأة ويزين لها أن تقع في الحرام هي الأخرى مغايظةً لزوجها، ومقابلة له على فعله.
فإن هي استجابت للشيطان في ذلك فقد خسرت خسراناً مبيناً.
وانظري كلاماً لشيخ الإسلام رحمه الله في ذلك في "مجموع الفتاوى" (32/120، 121) .
وخلاصة القول: إما أن يتوب توبة صادقة، وإما أن تسعي لمفارقته، بطلاق، أو خلع.
واستعيني بالله تعالى دعاءً، وتضرعاً لهدايته أو التخلص منه، واستعيني بعقلاء أقاربك لتخليصك منه إن لم يتب من ذنبه، وإياكِ أن تجعلي أولادكِ مانعاً من فراقه، فبفراقه تحافظين عليهم، وتحمينهم من سوئه وشرِّه، وبفراقه تستطيعين تربيتهم بعيداً عن مكامن الشر ودواعي الفتنة.
خامساً:
وأما بخصوص بيتك الذي اشتريتيه بقرضٍ ربوي: فكلما تعجلت في سداد هذا القرض والتخلص منه فهو الأولى، ولكن لا يجب عليك ذلك، فلا يلزمك بيع الشقة لتعجيل سداد القرض، وتكفيك التوبة والندم على ما فات والعزم على عدم العودة إلى ذلك.
وانظري جواب السؤالين (85562) و (22905) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/162)
غير مرتاح مع زوجته مع أنها قائمة بجميع واجباتها!
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت - ولله الحمد - قبل 6 أشهر، ولكن أشعر بأنني غير مرتاح مع زوجتي، ليس بسبب تقصيرها في حقي، بل هي قائمة بكل واجباتها من ناحيتي ومن ناحية البيت، وأهلي، ولكن المشكلة أنها ليست المرأة التي تمنيتها، حيث إنني أعجب جدّاً بالمرأة الفارعة الطول، وزوجتي قصيرة تقريباً طولها " 152سم "، وأنا طولي " 160 سم"، ولكن أحس أنني أنجذب إلى حد الجنون للمرأة التي تفوقني في الطول، مما يجعلني أفكر في بعض الأحيان أن أطلق زوجتي أو أن أتزوج امرأة تكون أطول مني، وهذا جعلني غير مركِّز في عملي، وشارد الذهن، وقليل الإنتاج، على عكس ما كنت عليه في الجامعة، حيث كنت من الطلبة المتفوقين. ألوم نفسي كثيراً عندما أنزل مع زوجتي السوق، وأشاهد امرأة جدّاً طويلة، أحس أنني متندم على زواجي من زوجتي ويتعكر مزاجي، وعلى قولهم " أفك خلقي في زوجتي". في بعض الأحيان أقوم بالدخول على مواقع في الإنترنت تعرض صوراً ومقاطع فيديو لنساء جدا طويلات فأعجب بهن جدّاً، بل إني في بعض الأحيان أجامع زوجتي، وأنا أتخيل صورهن في عقلي. زوجتي هذه جدّاً طيبة، وتقدر لي ظروفي الصعبة، وطباخة ماهرة، وتحسن القيام بأمور البيت وهي التي دائماً، تبدأ بالمصالحة عندما نتخالف، حتى عندما أكون المخطئ، وتحاول دائماً أن تلبس الكعب العالي لتشبع رغبتي في الطول، ولكن أحس الكعب العالي لا ينفع معها لأنها جدّاًَ قصيرة. أنا الآن محتار، فزوجتي غمرتني بطيبتها وافتخارها بي بين صاحباتها وأقاربها، لا أدري ماذا أفعل، أريد أن أركز في عملي، وأصبح متميزاً، كما كنت عليه أيام الجامعة، أريدك أن ترشدني وأن تدعو الله لي بأن يدخل حب زوجتي في قلبي، وأن أجدها أجمل امرأة في عيني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه المشكلة من أغرب المشكلات التي وصلتنا! ولا ندري ما هو الذي جعلك تقدِّم الطول على الدين، والخلق، وحسن العشرة، وحسن التدبير، وجودة الطبخ من زوجتك الفاضلة، ونخشى أن يبتليك الله تعالى فتطلق هذه المرأة الفاضلة فتتزوج بامرأة طويلة لا تتصف بأي صفة من صفات زوجتك هذه فتندم أشد الندم.
واعلم أن الله تعالى قد أوجب عليك عشرة زوجتك بالمعروف، وإمساكها بإحسان، فلا يحل لك ما تفعله بها، ولا يجوز لك اختراع مشكلات لتتحرش بها فتضايقها أو تهينها بالقول أو الفعل، فإما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، ولعلك تبحث عن ضالتك في امرأة طويلة، وتترك هذه المرأة الفاضلة لتتزوج بمن يقدِّر دينها وخلقها وحسن تدبيرها لبيت الزوجية، فاحذر من ابتلاء الله، أو عقوبته.
ثانياً:
عليك أن تتأمل هذه الأحاديث:
1. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) رواه مسلم (1467) .
ولم يقل: " خير متاعها المرأة الطويلة "!
2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
ولم يقل: " تنكح المرأة لطولها "! ولا قال: " فاظفر بذات الطول "!
ثالثاً:
تأمل معنا كلام أهل العلم فيمن تزوج بالمرأة الصالحة:
1. قال المناوي رحمه الله:
"قال القاضي: المرأة الصالحة أنفع من الذهب؛ فإن الذهب لا ينفع إلا بعد الذهاب، وهي ما دامت معك رفيقتك، تنظر إليها تسرك، وتقضي إليها عند الحاجة وطرك، وتشاورها فيما يعن لك فتحفظ سرك، وتستمد منها في حوائجك فتطع أمرك، وإذا غبتَ تحامي مالك، وترعى عيالك، ولو لم يكن إلا أنها تحفظ بَذرك، وتربي زرعك: لكفى به فضلاً" انتهى.
" فيض القدير " (1 / 465) .
2. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"فقوله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع) يعني: شيء يُتمتع به، كما يَتمتع المسافر بزاده، ثم ينتهي.
(وخير متاعها المرأة الصالحة) إذا وفق الإنسان لامرأة صالحة في دينها، وعقلها: فهذا خيرُ متاع الدنيا؛ لأنها تحفظه في سره، وماله، وولده، وإذا كانت صالحة في العقل أيضاً: فإنها تدبر له التدبير الحسن في بيته، وفي تربية أولادها، إنْ نظر إليها: سرَّته، وإن غاب عنها: حفظته، وإن وَكل إليها أمرَه: لم تخنه، فهذه المرأة هي خير متاع الدنيا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) يعني: عليك بها؛ فإنها خير من يتزوجه الإنسان، فذات الدين وإن كانت غير جميلة الصورة: لكن يجمِّلها خلُقها، ودِينُها.
(فاظفر بذات الدين تربت يداك) " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (2 / 127، 128) طبعة ابن الهيثم.
رابعاً:
انظر كيف أثَّر مرضك هذا على نفسك ودينك، فبالإضافة إلى احتقار ما تتصف به زوجتك من أخلاق فاضلة: فإن أضفت إليه إهانتها والتحرش بها، وأضفت إليه النظر المحرَّم إلى النساء الأجنبيات، ولم تكتف بذلك حتى دخلتَ مواقع فاسدة فاجرة لتقضي نهمتك لا من النظر إلى الطويلات بل إلى ذات المنكر والفاحشة، ثم رحت تتخيل تلك الفاجرات أثناء جماعك لزوجتك العفيفة الطاهرة! .
فلا ندري – حقيقة – كيف تمكن الشيطان منك، وكيف سوَّل لك الوقوع في هذه المحرمات من أجل توهم وخيال لا قيمة له عند العقلاء، أرباب الفطر السليمة.
وفي اعتقادنا أنك لا تقبل الزواج بامرأة مفتونة بالرجال الطوال، وتفعل مثل فعلك في كل تفاصيله، فتخيل ذلك للحظة أن يقع من امرأة متزوجة، فكيف تحكم عليها؟ وهو الحكم نفسه الذي تحكم به على نفسك.
والذي يظهر لنا أن ما تشعر به هو من تلاعب الشيطان بك، يريد أن يوقع كره امرأتك في قلبك ليفرق بينكما، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تطعه فيما يوسوس به لك.
فاحذر من عقوبة الله، واحذر من سخطه، واحذر من أن تفقد زوجتك العفيفة الطاهرة بسبب أفعالك ومعاصيك، واعلم أن الجمال جمال الدين والخلق، وأن فتنتك هذه لو عرضت على عقلاء قومك لسخروا منك، فلا تجعل نفسك ألعوبة بيد الشيطان، واقطع النظر إلى النساء في الشارع، وفي وسائل الإعلام، واقطع النظر في المواقع الفاجرة، واحذر من خاتمة السوء أن تموت عليها.
ونسأل الله أن يُطهِّر قلبك، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأفعال، وأن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك، وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/163)
اشترطت عليه للرجوع له أن يطلق الثانية وهو يحب الأولى وأهله يحبون الثانية!
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من فترة ستة شهور على زوجتي الأولى، وبدون علمها، وعرفتْ بعدها عن طريق أناس لا نعرفهم، ولي من زوجتي الأولى بنتان 4 سنوات، وسنتان , لكن زوجتي الأولى على خلاف كبير مع أهلي منذ فترة، وهي ساكنة في بيت مستقل، وأهلي لا يكنون لها المحبة بسبب الخلاف الكبير، وعدم احترامها لهم. السؤال يا شيخي: زوجتي الأولى مصممة على الطلاق، ورفعت دعوى في المحكمة، وشرطها لكي ترجع هو أن أطلق زوجتي الثانية، مع العلم أن الزوجة الثانية على حب كبير مع أهلي , ومشكلتي هي أني أحب زوجتي الأولى أم بناتي لحكم العشرة، وقرارها غير قابل للنقاش، إما أن أطلق الزوجة الثانية، أو تستمر هي في المحكمة حتى تحصل على الطلاق , وبالنسبة لي: أميل للأولى أكثر من الثانية بكثير، وأخشى أن أظلمها، أي: الثانية لكوني متعلقاً بالأولى، فانصحني، جزاك الله كل خير؛ لأني – والله - تعبت، ولا أعرف ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يحل لزوجتك الأولى أن تسألك طلاق ضرتها، وقد جاء تحريم ذلك نصّاً في سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا) . رواه البخاري (4857) ومسلم (1413) .
وفي لفظ: (وَلَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي إِنَائِهَا - أَوْ مَا فِي صَحْفَتِهَا -) . رواه البخاري (2574) ومسلم (1413) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"قوله: (لا يحل) ظاهر في تحريم ذلك " انتهى. " فتح الباري " (9 / 220) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله:
"لا ينبغي أن تسأل المرأةُ زوجَها أن يطلق ضرتها لتنفرد به، فإنما لها ما سبق به القدر عليها، لا ينقصها طلاق ضرتها شيئاً مما جرى به القدر لها، ولا يزيدها" انتهى.
" التمهيد " (18 / 165) .
وقال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله في بيان فوائد الحديث -:
"تحريم سؤال المرأة زوجَها أن يطلِّق ضرتَها، أو توغير صدره عليها، أو الفتنة بينهما، ليحصل بينهما الشر، فيفارقها، فهذا حرام؛ لما يحتوى عليه من المفاسد الكبيرة، من توريث العداوات، وجلب الإحن، وقطع رزق المطلقة الذي كنَّى عنه بِكَفْءِ ما في إنائها من الخير، الذي سببه النكاح، وما يوجبه من نفقة، وكسوة، وغيرها من الحقوق الزوجية.
فهذه أحكام جليلة، وآداب سامية، لتنظيم حال المجتمع، وإبعاده عما يسبب الشر، والعداوة، والبغضاء، ليحل محل ذلك المحبة، والمودة، والوئام، والسلام" انتهى.
" تيسر العلام شرح عمدة الأحكام " (2 / 305) .
ثانياً:
أما نصيحتنا لك: فهي أن تسعى بكل جهدك لإرجاع الأولى، وعدم طلاق الثانية، ولا تحرص على غير ذلك، فالزوجة الأولى هي أم أولادك، وهي محبوبتك، ويُخشى على أولادك من الضياع بعد الطلاق، ويمكنك إصلاح ما بينها وبين أهلك فيما بعد، والزوجة الثانية هي محبوبة أهلك، ولا ذنب لها بكونك تميل للأولى حبّاً وتعلقاً، فهي زوجتك، ولها حقوق عليك، فاحرص أشد الحرص على الجمع بينهما، واحذر من العجلة في التطليق.
وأما قولك: إنك تخشى أن تظلم الثانية لأنك تميل إلى الأولى.
فإذا كان الأمر كذلك فلماذا تزوجت الثانية؟ والله تعالى يقول: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النساء/3.
فلا يجوز لمن يخشى من نفسه ألا يعدل بين زوجتيه أن يتزوج الثانية.
فعليك أن تحرص على الجمع بينهما، والعدل بينهما، لا ننصحك بغير هذا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/164)
ظاهرة " وحم " الحوامل كيف يُتصرف معها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تبتدئ من الوحم، بحيث إنني كنت حاملاً، وبهذا الحمل أصبحت فجأة لا أطيق ابنتي الكبرى , عمرها ست سنوات , كما أني لا أحتمل صوتها، ولا كلامها، ولا حتى حركتها , فعندما تكون موجودة في المنزل: أكون في حالة يرثى لها، بحيث أحس بالصداع، وأكون قلقة، وعصبية إلى أقصى حد، على أتفه الأسباب , وبالعكس في غيابها، أكون مرتاحة، وهادئة , أقوم بواجبي المنزلي كما يجب، إضافة لهذا تأتيني في المنام أحلام مزعجة، حيوانات تطاردني، فأختبئ في أماكن الخلاء , وهذا الشيء يتكرر معي كثيراً، بحيث أرى أيضا في منامي مياهاً جوفيةً - أو غيرها - عكرة لا تصلح للشرب , ولهذا فإنني أذهب لأطباء كثيرين، ويقولون: إنها حالة عصبية لا غير، فوجدت نفسي أشرب الدواء بدون فائدة، والحال على ما هو عليه، فأرجو أن تتلقى رسالتي هذه باهتمام بالغ؛ لأنني أتعذب كثيراً، وجزاك الله عنَّا كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الوحم الذي يصيب المرأة الحامل، وخاصة أول حملها: ثابت طبيّاً كأحد أعراض الحمل، واسمه بالإنجليزية " longing "، وهو ثابت في واقع حال كثيرات، وللنساء الحوامل طبائع غريبة في تلك الفترة، فمنهنَّ من تحب زوجها ورائحته، ومنهن العكس، ومنهنَّ من تأكل الثلج، ومنهن من تأكل الفحم! وتعدى الأمر ذلك إلى قضم الأحذية الرياضية للأطفال! وهكذا في طبائع غريبة كثيرة يصعب حصرها، وعلى ضوء ذلك فإننا لا نعجب مما حصل مع الأخت السائلة تجاه ابنتها، وينبغي على أهل بيتها مراعاة حالتها، والعمل على عدم تصعيب الأمر عليها، أو التسبب في حدوث أزمة نفسية مع ابنتها، أو حصول ضرر لها من أمها، ولذا فقد يكون من الحلول لأهل بيتها البحث عن مكان مناسب لهذه الابنة لتقضي فترة وحام أمها فيه.
وقد حيَّر هذا الوحم من النساء الحوامل الأطباء، فذهبت بهم الأقوال يمنة ويسرة، ولم يستطيعوا فهم هذه الظاهرة، والوقوف على حقيقتها، ويذكر بعض الأخصائيين ما يمكن أن يكون بعض علاج لهذه الحالة، وهو: " تجنب التفكير الدائم أو توقع الوحم ".
وعلى كل حال: فهذا أمر واقع لا يُنكر في حياة النساء الحوامل، ولا في واقع الطب، وعلى أهل البيت أخذ التدابير المناسبة لوحم المرأة الحامل، مع التنبيه لعدم تمكينها من أكل المحرَّم والضار، كالفحم والشعر والأحذية! وتحمل تصرفاتها تجاه بعض أنواع الطعام، أو تصرفاتها مع زوجها وأولادها، وقد ثبت حصول حالات طلاق كثيرة في هذه الفترة، وما ذاك إلا لعدم فهم الزوج لطبيعة وحم زوجته، أو لعدم تحمله لتصرفاتها وأفعالها.
ثانياً:
خير ما نوصي به المرأة وزوجها وأهلها علاجاً لهذه الحالة وغيرها من الأمراض النفسية والبدنية: القرآن الكريم، فقد جعل الله تعالى فيه الهداية، والشفاء.
قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) الإسراء/ 82.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
"وقوله في هذه الآية (مَا هُوَ شِفَآءٌ) يشمل كونه شفاء للقلب من أمراضه، كالشك، والنفاق، وغير ذلك، وكونه شفاء للأجسام إذا رقى عليها به، كما تدل له قصة الذي رقى الرجل اللديغ بالفاتحة، وهي صحيحة مشهورة" انتهى.
" أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن " (3 / 253) .
وهذه الأحلام المزعجة التي تأتيك هي من الشيطان، وليس هناك شيء لطرد الشيطان أنفع من ذكر الله تعالى، فعليك بالإكثار من قراءة القرآن، لاسيما سورة البقرة والفاتحة والمعوذات، وأكثري من ذكر الله تعالى، وحافظي على الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات والأحوال المختلفة كأذكار الصباح والمساء، وعند النوم، وبعد الاستيقاظ وعند دخول المنزل والخروج منه..إلخ.
ولا بأس أن تطلبي من أحد الثقات المأمونين أن يرقيك، ونرجو أن يكون في ذلك شفاؤك من هذه الأحلام والصداع والقلق والعصبية الزائدة، إن شاء الله تعالى.
ونسأل الله تعالى أن يشفيك من كل داء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/165)
هل تخلع النقاب، لأنه يعيقها في حركتها، ولا تشعر أنها تلبسه لله؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[ٍأنا ملتزمة بلبس الإسلام، الإسدال، والنقاب، سؤالي هو: أني أعلم أن النقاب أمر يختلف فيه العلماء في أنه فرض أو سنَّة، أنا ألبسه منذ تسعة شهور، ولكنه يعيقني في الحركة كثيراً، ولكني طول هذه المدة حاولت أن أجعل نفسي تأخذ عليه كثيراً حتى لا أرجع في هذه الخطوة، لله، وحتى يوفقني الله دنيا وآخرة، ولكنه يضايقني كثيراً في التنفس، فأنا أتنفس دائماً زفير خارجاً من فمي، أو من أنفى، وفي السفر للدراسة يكون الجو حارّاً أغلب السنة الدراسية، فأنا أسافر مائة كيلو كل يوم، غير المعهد الآخر الذي أدرس فيه مساءً، فيعيقني في النفس، ولا أعرف أن أكتب منه؛ فإنه يتعبني كثيراً عندما أكتب، وعند النظر في المحاضرات، وأنا دائماً لا ألبس القفاز؛ لأني لا أعرف أكتب به، ولا آكل به في السفر، وإن المعهدين دراستهم عملي فأنا أنوي أن أترك النقاب، ولكني أخاف أن يعاقبني الله، ولكني أرجو من الله أن يسامحني عليه، ويبدلني بطاعته، والتقرب إليه في شيء آخر أفضل، فماذا أفعل؟ مع العلم أنه أتعبني كثيراً، ولا أريده، فأنا الآن تعبت من كثرة إرغام نفسي على طاعتي لله فيه؛ لأنه يعيقني حركيّاً كثيراً، ويضايقني في التنفس، فأغلب الوقت أكون فيه عصبية بسبب عدم التنفس بطريقة صحيحة، فأخرج غضبي على أصحابي! فهل حرام عليَّ أخلعه لأنتبه لدراستي لأنه يعيقني في النظر غير أنى طول الوقت أحس أني لا ألبسه لله فقط، ولكن يوجد داخلي نية لأتزوج من خلاله بشخص ملتزم، وهكذا فلن آخذ عليه الثواب فماذا أفعل؟ فأنا أخاف أن أخلعه ويعاقبني الله فماذا أفعل؟ وهل الله سوف يغضب عليَّ ولا يوفقني أم سيسامحني وسيوفقني في شيء أفضل؟ لأني أخاف. آسفة على الإطالة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلمي – يا أمة الله – أن للشيطان مداخل على ابن آدم متنوعة، وليس من همٍّ لإبليس إلا إغواء الناس، وإيقاعهم في مخالفة أمر ربهم تعالى، فاحذري كيده، وإياك أن تقعي في حبائله، ومن ذلك: إيهامك أن لبسك للنقاب ليس لله تعالى! وأن عليك خلعه! وهذا كله من تلبيسه ومكره، فكيف تصدقينه في وسوسته أن لبسك للنقاب ليس لله؟! وهذا يعني أن خلعك له سيكون لله! فهل رأيت شبهة أسقط من هذه؟! فكان عليك التفكير في النتيجة، وليس في الفعل وحده؛ لأنه إن كان الستر والحجاب هو لغير الله: فإن عدمهما هو لله! وهذا ما لا يمكن أن يفوت على مسلم يعلم ما يحب ربه وما يُسخطه، فلا تلتفتي لمكر الشيطان، ولا تصغي له سمعاً.
ثم ما العيب في أن تطلبي زوجا صالحا، وأن تهيئي نفسك لذلك، فالطيور على أشكالها تقع، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، فإن أوهمك ذلك، أو افترضنا أنك لبستيه في أول الأمر بهذه النية، فاجتهدي الآن على أن تصححي نيتك وتجعليها لله، ولا يضرك كيد الشيطان ووسواسه.
واعلمي أن الكتاب والسنَّة قد دلاَّ على وجوب تغطية وجهك وكفيك أمام الأجانب، وانظري أدلة ذلك في أجوبة الأسئلة (45869) و (21536) و (27107) و (11774) و (1496) و (2198) .
ثانياً:
بخصوص تأثير لبس النقاب على صحتك وتنفسك: فيمكنك معالجة هذه المسألة إما بعلاج نفسك إن كان السبب هو مرض عندك، ويمكنك معالجتها بلبس غطاء للوجه يكون فضفاضاً واسعاً لا يؤثر على تنفسك عند لبسه، ولا تظنين أن الإسلام يشرِّع ما فيه ضرر ومشقة بالغة على المكلَّف، وبخصوص اللباس فإن الشرع المطهَّر لم يأتِ إلا بما فيه خير وصلاح الرجال والنساء، ولكِ أن تستعيني بأخواتك المنتقبات المحجبات لدلالتك على لباس يستر وجهك مع عدم مشقة وحرج، أو يدلونك على طريقة لبس نقابك بما لا يؤثر على بدنك، ولا تجعلي هذا الأمر سبباً لخلعك له، ولا سبيلاً للتخلص من سترك لوجهك والالتزام بما أمرك به ربك تعالى.
وانظري جواب السؤال رقم: (34544) .
ثالثاً:
كما أن كشفك لوجهك من المحرَّمات: فإن اختلاطك بالرجال في أماكن الدراسة أيضاً من المحرَّمات.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم الإسلام في خروج المرأة لتعلم العلم الدنيوي، مع أنها تتحمل في هذا الخروج بعض المعاصي مثل: خلع النقاب، والاختلاط بالرجال، وتضيع الوقت فيما لا ينفع، مع العلم أن والدي يأمرني بالذهاب إلى الجامعة، فلما أصريت على عدم الذهاب غضبوا عليَّ غضباً شديداً جدّاً، فهل عليَّ أن أطيعهم في هذا الأمر، وإذا لم أطعهما فهل في هذه الحالة إثم؟ .
فأجابوا:
خلع الحجاب محرَّم، والاختلاط بالرجال في التعليم محرَّم، ولا تجب طاعة الوالدين في معصية الله تعالى، ولا إثم عليك في ذلك.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 263) .
رابعاً:
وقد لفتَ نظرنا في السؤال سفرك من غير محرَّم! وهذا أيضً من المحرَّمات.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) . رواه البخاري (1763) ومسلم (1341) .
ومحرَم المرأة، المراد به: من لا يحل له نكاحها.
قال النووي – رحمه الله -:
فالحاصل: أن كل ما يسمَّى سفراً: تُنهى عنه المرأة، بغير زوج، أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام، أو يومين، أو يوماً، أو بريداً.
" شرح مسلم " (9 / 103) .
قال ابن حجر – رحمه الله -:
(واستدل به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم، وهو إجماع في غير الحج، والعمرة، والخروج من دار الشرك، ومنهم من جعل ذلك من شرائط الحج.
" فتح الباري " (2 / 568) .
وانظري أجوبة الأسئلة: (82392) و (47029) و (9370) .
والخلاصة:
تغطية وجهك مما أوجبه الله عليك، والوهم أنك لا تلبسينه لله إنما هو من كيد الشيطان ليصدك عن فعل الخير والستر والعفاف، ولا يحل لك السفر من غير محرَم، ولا الدراسة، ولا العمل في أماكن مختلطة بالرجال، وابحثي عن مكان قريب منك ليس فيه إلا نساء، وادرسي ما شئت من العلوم المباحة، ولا تعملي في مكان يعمل فيه رجال، وابقي على خوفك من الله؛ ففي الخوف من الله حياة لقلبك، وإصلاح لأعمالك، وإتقان لطاعاتك له عز وجل، ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/166)
كيف تتخلص من سارقي الأعمار
[السُّؤَالُ]
ـ[ابتليت - والله تعالى المستعان- بصحبة الفارغات اللاتي لا يحسبن للوقت حسابا، فيتحدثن في الهاتف لفترات طويلة، ويتصلن في اليوم أكثر من مرة , وأنا أحيانا أجاريهن في انتظار أن ينهين المكالمات ولكن دون فائدة، فأنا من ينهيها غالبا , المشكلة أنني محتارة جدا بين أن أتعامل معهن بحسن خلق، أو أن أحافظ على وقتي الذي هو عمري , كثيرا ما أشغلني هذا الموضوع إذا صارحتهن أو تجاهلت مكالماتهن أو أصررت على إنهائها رغما عنهن، أظل خائفة من أن أكون سيئة الخلق، وسوء الخلق كما تعلمون يفسد العمل , وإذا جاريتهن وأرضيتهن نوعا ما أظل خائفة ماذا سأقول لربي في ساعاتي التي أضعتها دون فائدة , مع العلم أني حاولت كثيرا أن أصارح مرة بلطف ومرة بعنف، ولكن دون جدوى، كما لا أستطيع قطع هذه العلاقات التي تزيد مدة بعضها عن السبع سنوات. أشيروا علي جزاكم الله خيرا، فقد طالت معاناتي.. وحول نفس الموضوع: كيف أتعامل مع الأهل في المنزل، أو كثرة الضيوف الذين لا يعرفون للوقت قيمة، ويطالبونني بالجلوس معهم لساعات، أو ربما أيام دون عمل ترجى فائدته؟ وفقكم الله لما يحب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نصيحتنا لك نوجزها في أمور ثلاثة:
الأول: نثني على حرصك ومحافظتك على وقتك، والحق كل الحق فيما تشعرين؛ لأن عُمُر الإنسان هو أيامه التي تُطوى، وساعاته التي تُقضى، والعاقل هو الذي يحفظ رأس ماله من الضياع، والخاسر هو الذي يفرط في أثمن ما يملك، فلا يرعى له حرمة، ولا يعرف له قدرا.
جاء في تفسير الرازي "مفاتيح الغيب" (22/83) :
" أقسم الله تعالى بالعصر – الذي هو الزمن – لما فيه من الأعاجيب؛ لأنه يحصل فيه السراء والضراء، والصحة والسقم، والغنى والفقر؛ ولأن العمر لا يُقَوَّمُ بشيء نفاسة وغلاء، فلو ضيعت ألف سنة فيما لا يعني، ثم تبت وثبتت لك السعادة في اللمحة الأخيرة من العمر بقيت في الجنة أبد الآباد، فعلمت أن أشرف الأشياء حياتك في تلك اللمحة، فكان الزمان من جملة أصول النعم، فلذلك أقسم الله به، ونبه سبحانه على أن الليل والنهار فرصة يضيعها الإنسان، وأن الزمان أشرف من المكان فأقسم به، لكون الزمان نعمة خالصة لا عيب فيها، وإنما الخاسر المعيب هو الإنسان " انتهى.
ثانيا: ثم نوصيك بعدم المبالغة في الزهد بالحديث مع الناس والأصحاب، والمحافظة على قدرٍ مِن مجالستهم وملاطفتهم، خاصة الأقارب منهم، فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم زيارة أصحابه، والأنس بهم، والحديث معهم، ولكن المحذور هو المبالغة في ذلك حتى تنقضي الساعات الطوال، أو حتى يقع التفريط في الواجبات الأخرى التي تنتظر قضاءها، من عبادة، وتعلم، وعمل، ونحوها، وخير الأمور أوساطها، ومن قصد الخير وفقه الله إليه.
ولتحرصي أثناء محادثة أصدقائك وأقاربك على مدارسة المواضيع الجادة المهمة، ومناقشة ما ينفع في الدين أو الدنيا، ليكتب لك الأجر في إفادتهم، ولتكسبوا مجلسكم ذلك حجة لكم يوم القيامة، لا حجة عليكم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَابِ)
رواه أحمد (2/463) ، وصححه المحققون على شرط الشيخين. والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/76)
ثالثا: أحسني التخلص والاعتذار من سارقي الأعمار والأوقات، وتأملي في الوسائل التي تعينك على ذلك، فأنت أدرى بظرفك وحالك، ومن ذلك مثلا:
أن تعتذري بانشغالك بالتحضير لامتحان الجامعة أو المدرسة أو الدورة العلمية إن كنت مرتبطة بشيء منها، أو بانشغالك بتجهيز مشروع معين لتلك الجهة، فالناس غالبا ما يعذرون في هذه الأشياء، بل ويشجعون على استغلال الوقت لها، ولو اضطرك الأمر للارتباط فعليا بإحدى الجهات العلمية كي يقتنع الناس بعذرك، فإن لم يكن عليك اختبارٌ أو واجبٌ لتلك الجهة فاقصدي في حديثك ما سيأتي منها؛ لأن التحضير والإعداد يكون سابقا دائما، وبهذا تصدقين معهم، وتجدين العذر منهم.
ويمكنك استعمال هذا العذر مع الضيوف الحاضرين، كما يمكنك الاعتذار به من صديقاتك المتصلات، وإن كان التخلص على الهاتف أسهل وأيسر، إذ لا يرى المتصل حقيقة ما تفعلين في البيت، فلك أن تعتذري منها برغبتك في الصلاة قبل فوات وقتها، ولتكن نيتك صلاة النافلة إن كنت صليت الفريضة، أو اطلبي من والدتك مناداتك أثناء حديثك على الهاتف لطلب مساعدتها في العمل، فإذا سمعت المتحدثة نداء الوالدة قطعت اتصالها بك، وهكذا يستطيع المرء أن يجد ما يتخلص به من نزيف الأوقات الذي يحدثه كثير من الناس.
وننقل لك هنا شكوى أحد العلماء من سارقي الأعمار، وكيف كان علاجه لهذه المشكلة، مع كلام جميل في أهمية الوقت، وضرورة حفظه واستغلاله.
يقول ابن الجوزي في "صيد الخاطر" (ص/240-241) :
" أعوذ بالله من صحبة البطَّالين! لقد رأيت خلقًا كثيرًا يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة، ويطلبون الجلوس، ويجرون فيه أحاديث الناس، وما لا يعني، وما يتخلله غيبة!
وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس، وربما طلبه المزور، وتشوق إليه، واستوحش من الوحدة، وخصوصًا في أيام التهاني والأعياد، فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض، ولا يقتصرون على الهناء والسلام، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان.
فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهابه بفعل الخير، كرهت ذلك، وبقيت معهم بين أمرين: إن أنكرت عليهم وقعت وحشة، لموضع قطع المألوف! وإن تقبلته منهم ضاع الزمان! فصرت أدافع اللقاء جهدي: فإذا غلبت قصرت في الكلام لأتعجل الفراق.
ثم أعددت أعمالًا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم، لئلا يمضي الزمان فارغًا، فجعلت من المستعد للقائهم: قطع الكاغد – ورق الكتابة -، وبري الأقلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي.
نسأل الله عز وجل أن يعرفنا شرف أوقات العمر، وأن يوفقنا لاغتنامه.
ولقد شاهدت خلقًا كثيرًا لا يعرفون معنى الحياة: فمنهم من أغناه الله عن التكسب بكثرة ماله، فهو يقعد في السوق أكثر النهار، ينظر إلى الناس، وكم تمر به من آفة ومنكر! ومنهم من يخلو بلعب الشطرنج! ، ومنهم من يقطع الزمان بكثرة الحديث عن السلاطين، والغلاء والرخص، إلى غير ذلك: فعلمت أن الله تعالى لم يُطلِع على شرف العمر، ومعرفة قدر أوقات العافية، إلا مَن وَفَّقه وألهمه اغتنام ذلك، (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت/35" انتهى.
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/167)
ترك صلاة الجماعة في الشركة تجنبا لأذى الموظفين
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل موظفا في شركة، وصل أذى عمالها لي إلى حد اتهامي بالكبائر والنفاق، وأصبح سبي وسب أهلي شيئا محببا لهم، فما حكم ترك صلاة الجماعة معهم، وما حكم ترك العمل لهذا السبب، مع العلم أنه يصعب إيجاد عمل آخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكفيك شرار الخلق، وأن يكف عنك الظلم والأذى.
ثم نوصيك أخانا السائل بالحكمة في الحل، والحكمة لا تكون إلا مع التأني والتروي، وليس بالعجلة والتسرع، وذلك لتأخذ فرصتك في تقليب الأمر ومشورة أهل الفضل والرأي مِن حولك.
والذي نراه لك أمران:
أولا: فيما يتعلق بالصلاة: فليس ما ذكرته عذرا لترك صلاة الجماعة معهم؛ فإن من أصول أهل السنة: حضور صلاة الجماعة خلف كل بر وفاجر، إلا إن كانت تتيسر لك جماعة أخرى أمثل منهم، فلا بأس أن تصلي مع الجماعة الفاضلة، وأما أن تترك صلاة الجماعة لتصلي وحدك، فهذا لا يجوز لك، ثم إن لن يحل من مشكلتك شيئا، لأنك سوف تبقى تلتقي بهم في عملك، وذهابك ومجيئك.
اللهم إلا أن تكون صلاتك معهم لها مدخل في حصول هذا الأذى، أو أنهم يتعمدون إظهاره في مكان الصلاة، فالذي يظهر ـ حينئذ ـ أنه لا بأس بألا تصلي معهم، دفعا لأذاهم عن نفسك.
قال السيوطي ـ رحمه الله ـ في "الأشباه والنظائر" (ص/684) :
" الأعذار المرخصة في ترك الجماعة نحو أربعين ... - فعدها وذكر منها -: أو في طريقه من يؤذيه بلا حق، ولو بشتم، ولم يمكن دفعه نقله الأذرعي " انتهى.
ثانيا: أما أذاهم لك، فاستعن ـ أولا ـ بمولاك: أن يكف عنك شرهم وكيدهم وأذاهم، وأن يسلمك منهم.
ثم إن كان لك رئيس، أو كان عندك ذو سلطان تستعين به في كف شرهم عنك، فافعل.
فإن لم يكن عندك من يدفع عنك الأذى، وكان لعملك مقر آخر، فاطلب نقلك إليه، فما ينبغي للمسلم أن يبقى في مكان تنتهك فيه حرمته، ويتعرض فيه للأذى، وهو لا يستطيع الدفع عن نفسه.
عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قَالُوا وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ يَتَعَرَّضُ مِنْ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ) .
رواه الترمذي (2254) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
على أنه ينبغي لك أن تدبر لك عملا آخر، تنفق منه على نفسك وعيالك قبل أن تترك عملك هذا فعلا.
واعلم أن الله سبحانه وتعالى ناصر المظلومين، ومجير المستضعفين، فالجأ إليه سبحانه، واسأله دائما العصمة من الأذى والحفظ من الضرر، وأن يظهر الحق ويذب عن عرضك، ولتعز نفسك بمن قبلك من المؤمنين الذين اتهموا بالباطل في دينهم وعرضهم، وأولهم الأنبياء، ثم الصحابة والصالحون، حتى تجرأ بعضهم على اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فأنزل الله براءتها من عنده في آيات تتلى إلى يوم القيامة.
وليحذر أولئك الذين يقعون في أعراض المسلمين ويأكلون لحومهم سخطَ الله ومقته وعقابه، فهو سبحانه يمهل ولا يهمل، يقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الأحزاب/58
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ:
(يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ.
قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكِ)
رواه الترمذي (2032) وقال حسن غريب. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"
والحاصل أنه ينبغي لك المحافظة على صلاة الجماعة، مع اعتزال من يتهمونك بالباطل، فإن لم تستطع الجمع بينهما، وبلغ بك من الأذى الشيء الكثير، جاز لك ترك صلاة الجماعة معهم، إن كان ينفعك ذلك في دفع الأذى عن نفسك، أو تقليله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/168)
علاج وسواس الشك
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي يعاني من مرض الشك ... فهل من دواء لهذا المرض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يشفي كل مريض، ويعافي كل مبتلى بهذا المرض، وأن يعيذ المسلمين من الشيطان الرجيم.
ثم نوصيك بحث أخيك على سلوك سبيلين مهمين للعلاج، وهما:
الأول: العلاج الشرعي: ويبدأ هذا العلاج بترك الاسترسال مع الشك والوسواس، فالشريعة لا تأمر الناس بما يسقمهم، وقد نص الفقهاء على أن صاحب الوسواس والشك الكثير لا يلتفت إلى شيء من الشكوك التي تعرض له، وعبادته صحيحة إن شاء الله، فمن بدأ بهذه القناعة الشرعية قطع على الشيطان سبيله الذي دخل منه، وخطا خطوة أولى نحو الشفاء والعلاج إن شاء الله تعالى.
يقول ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان" (1/135)
" فمن أراد التخلص من هذه البلية فليستشعر أن الحق في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله، وليعزم على سلوك طريقته عزيمة من لا يشك أنه على الصراط المستقيم، وأن ما خالفه من تسويل إبليس ووسوسته، ويوقن أنه عدو له، لا يدعوه إلى خير، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، وليترك التعريج على كل ما خالف طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كائنا ما كان، فإنه لا يشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على الصراط المستقيم، ومن شك في هذا فليس بمسلم، ومن علمه فإلى أين العدول عن سنته، وأي شيء يبتغي العبد غير طريقته، ويقول لنفسه: ألست تعلمين أن طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الصراط المستقيم؟! فإذا قالت له: بلى. قال لها: فهل كان يفعل هذا؟ فستقول: لا. فقل لها: فماذا بعد الحق إلا الضلال؟! وهل بعد طريق الجنة إلا طريق النار، وهل بعد سبيل الله وسبيل رسوله إلا سبيل الشيطان، فإن اتبعت سبيله كنت قرينه، وستقولين: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين " انتهى.
ثم عليه بالمحافظة على الأذكار والأوراد الشرعية في الصباح والمساء وأذكار الطعام ودخول الخلاء ونحوها، فهي وقاية من الشيطان، وحصن حصين من خطرات النفس السيئة، ولتكن مداومته عليها مداومة تفكر وتعقل وتدبر، وليست مداومة نطق مجرد باللسان.
كما أن في قراءة القرآن الكريم أثراً بالغاً في النفس، في تهذيبها وتقويمها، وخاصة سورة البقرة التي ينفر منها الشيطان، فليحرص أحدنا على ورده اليومي من كتاب الله تعالى.
وخلال ذلك لا يمل من الدعاء والسؤال والتوجه إلى الله بحاجته، فالرب سبحانه كريم جواد، لا يرد سائلا صادقا، ولا تنفد خزائن كرمه وجوده، يحب الملحين في الدعاء، وقد وعد بالإجابة ما لم يعجل أحدنا فيقول: دعوت ولم يستجب لي.
الثاني: العلاج الحسي السلوكي: وهذا لا بد فيه من مراجعة الطبيب أو المستشار النفسي المختص، فهو أدرى بالأساليب التي يمكن أخذ النفس عليها كي تعتدل في تفكيرها وتتخلص من اضطرابها، وقد يساعده ببعض الأدوية النافعة في هذا الشأن، فليتشجع لمراجعة أهل الاختصاص، ولا يتردد في ذلك، فإن للوسواس مضاعفات بالغة، ينبغي عليه تداركها قبل فوات الأوان.
وفي موقعنا مجموعة من الإجابات المفيدة في هذا الموضوع: (1174) ، (11449) ، (10160) ، (20159) ، (39684) ، (62839)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/169)
تبكي دائماً بسبب وفاة أمها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديقة توفيت أمها وهي تبكي دائماً ماذا عليها أن تفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مصيبة الموت مصيبة لا مفر منها وهي امتحان لنا لنعمل الصالحات ونحسن أعمالنا لننال جزاءنا فيرضى الله عنا، والحزن والبكاء على فقد قريب أمر جائز، إذا كان على وجه العادة، ولم يصحب بنياحة أو تسخط، فقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على موت ابنه إبراهيم، وقال: (إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ) روه البخاري (1220) ومسلم (4279) .
والمصائب في الدنيا تكفر الذنوب، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رواه البخاري (5210) ومسلم (4670) .
لكن.. ينبغي أن يكون هذا البكاء والحزن بقدر، بحيث لا يضيع الإنسان مصالحه في الدنيا أو في الآخرة، ويشتغل بذلك عن أعماله وواجباته، وطاعته لله، بل يجب عليه أن يصبر ويتحمل، حتى يفوز بثواب الصابرين، فيكفر الله سيئاته، ويرفع درجاته.
والنصيحة لصديقتك أن تنشغل عن مصيبتها بعمل جاد كتعلم وقراءة وتلاوة القرآن واللهو المباح، وأن تستعيذ بالله من الهم والحزن، وأن تبتعد عن الانفراد والخلوة بالنفس، فإن ذلك مما يسلط الشيطان عليها.
ولتعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حَرَّم على المرأة أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على الزوج، فقال صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) رواه البخاري (1280) ومسلم (1486) .
فلا يجوز للمرأة أن تستمر حزينة مجتنبة للزينة بسبب موت أحد أكثر من ثلاث ليال، إلا على زوجها، فتستمر مجتنبة للزينة فترة العدة كلها.
نسأل الله تعالى أن يلهمها الصبر، ويستعملها في طاعته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/170)
عاش معها بالحرام فتاب وأسلمت وتزوجها ويريد أهله أن يطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم قراءة رسالتي هذه، وإرسال الجواب بأسرع وقت؛ لأنني تعبت وأنا أبحث عن مواقع الفتوى، وإرسال الرسائل، وانتظار الجواب، وكل المواقع التي راسلتُها لم ترد لي الجواب , فتغيرت نظرتي تجاه تلك المواقع، وعندما قرأت بعض الفتاوى في موقعكم هذا ارتحت له كثيراً وأصبحتُ يوميّاً أقرأ بعض فتاواكم، فهي تريحني، ووجدت فيها الكثير من الأجوبة الشافية لبعض أسئلتي، أرجو منكم إيجاد حل لكل أسئلتي فهي لا تدعني أنام، وأنا بأمسّ الحاجة للجواب الشافي؛ لأنني جدّاً متعب، ومشرد الذهن، وأنا أخاف أن أقع في الخطأ الذي أحاول الابتعاد عنه كل الابتعاد. قصتي هي أنني كنتُ في بلد أجنبي للدراسة، وأنتم تعرفون كيف يعيش المجتمع الغربي، كي لا تطول القصة أكثر: أنا ارتكبت الفواحش: مِن شرب خمر، وزنا، وأفطرت شهر رمضان، وارتكبت الزنا في شهر رمضان، وأخطائي كانت كثيرة، والحمد لله الذي هداني للتوبة التي نوَّرت لي حياتي، ونقلتني من الظلمات إلى النور، توبتي كانت في شهر رمضان، وكانت تسكن معي فتاة أجنبية، ديانتها مسيحية، وعندما رأتني هذه الفتاة تائباً أقرأ القرآن، وأصلي، وأصوم، بدأت هذه الفتاة الاقتراب إلى الإسلام، وفي العاشر من رمضان أسلمت هذه الفتاة، وارتدت اللباس الشرعي، والحجاب، وبدأت تتعلم القرآن، وتصلي الفرض، والسنَّة، وتصوم، ودرست السيرة النبوية، والكثير من الدروس في الإسلام، ولقد تزوجتها في أول يوم أشهرت فيه إسلامها، وعشنا أجمل أيام حياتنا، وذات يوم عرفتُ حقيقةً مرَّة غيَّرت مسار حياتي، وأصبحتُ دائم الهم والحزن، عرفت تاريخ هذه الفتاة، وكان تاريخها كأي تاريخ فتاه أجنبية (الحرية والخيانة) عرفت منها أنها كانت قد خانتني أكثر من مرة، هي خانتني، ولكن قبل أن تسلم، وقبل أن أتزوجها، ولكن كونها أصبحت زوجتي، وكوني عربيا: لا أستطيع نسيان الماضي، وأنا خنت ديني، وربي، وابتعدت عن الإسلام، وأنا مسلم منذ ولدتني أمي، هي لم تكن تعرف شيئاً عن الإسلام، وأنا كنت أعرف الكثير عن الإسلام، هي أفضل مني بكثير أليس كذلك؟ والإسلام يجبّ ما قبله، والتائب من الذنب كما لا ذنب له، أنا أحترمها وأقدِّرها جدّاً لأنها أسلمت عن يقين، وهي تبكي كثيراً، خصوصاً عند قراءتها للقرآن، والأحاديث النبوية، هي كانت قد أخطأت، ولم تكن على علم بالإسلام، وأنا أخطأت وكنت أعرف أن الزنا من الكبائر، وأن الله شديد العقاب، ولكن الإنسان معرَّض للخطأ، ويبقى تفكيره محدوداً، والذي يضايقني عندما عرفت حقيقة الماضي: انفعلتُ، وغضبتُ جدّاً جدّاً، وطلقتها مرة، وبعد يومين: انفعلت وضربتُها، وغضبتُ جدّاً، وطلقتها ثانية، وكثرت المشاكل بيننا، وكثر غضبي، وأنا عندما أغضب أصبح كالمجنون، لا أفكر، ولا أفهم ما أقول، وكل ما أقوله يخرج بشكل عفوي، وفي المرتين راجعتها بعد الاستفسار والسؤال، وبعد مرور عدة أيام حصلت بيننا مشاحنة وصلت إلى الضرب، وهي أهانتني، والبادئ كان أنا، وطلقتها ثالثة، وبعد كل المرات التي حصل فيها الطلاق كنت أندم، وأبكي، وأشفق عليها؛ لأن هذه الفتاة بعد إسلامها أصبحت جدّاً صالحة، وكنت أخاف عليها من الضياع، ولكن الغضب والشيطان جعلوني أرتكب الأخطاء، وبعد طلاق المرة الثالثة صليت ركعتين، وبكيت، ودعوت الله تعالى إذا وقع الطلاق بأن أبتعد عنها مباشرةً، وإن لم يقع بأن أراجعها بأسرع وقت، وهذا الذي حدث، راجعتها في تلك الليلة بتيسير من الله، وأنا قرأت أن طلاق الغضبان لا يقع، وعندما انتهت دراستي رجعت إلى بلدي، وكنت وعدتها أن أفاتح أهلي بالموضوع لكي تلحق بي، ولكن هنا الوضع مختلف، ووجدت الفرق الكبير بين الفتاة العربية التي لم يلمسها أحد قط، وبين الأجنبية التي نامت مع الكثير من قبلي، وهذا الشيء يضايقني بشكل كبير، وأحياناً أفكر بتركها، ولكن أخاف الله؛ لأني كنت مثلها، وهي أصبحت الآن أفضل مني، والآن عقلي وفكري دائما مشغول بالمقارنة بين العربية والأجنبية، وأهلي لم يقبلوا بزواجي، وبدأت أسألتهم لي: من هي؟ هل هي كانت فتاة قبل أن أتزوجها؟ قلت: نعم وهي لم تكن كذلك، أنا تزوجتها لأنها أسلمت، وأحسنت إسلامها , وتزوجتها لإرضاء الله تعالى، ولكي أكفِّر عن ذنبي، وهي الآن بانتظار دعوتي لها، وهي تتمنى أن تصوم شهر رمضان في بلدي المسلم، أهلي رافضون، وأنا أريد أن تلحق بي لكي لا تضيع هناك، وهي إنسانة رائعة الأخلاق، وخصوصاً بعد إسلامها، أصبحت المرأة الأولى الملتزمة بالدين الإسلامي في نظري، أنا الآن أتعذب جدّاً، عندما أتذكر تاريخها وتاريخي وأنا أقول في نفسي إن هذه الفتاه بعثها الله لي كفارة للتكفير عن ذنوبي الكثيرة. - هل الطلاق وقع؟ وإذا وقع هل يحق لي إرجاعها للحفاظ عليها من الضياع والوحدة في البلاد الفاسقة؟ . - ماذا يجب عليَّ فعله، البقاء مع زوجتي الأجنبية المسلمة حديثاً أم الزواج من فتاة عربية مسلمة؟ . - ماذا أفعل مع أهلي؟ هم يريدون أن أطلقها، وإذا طلقتها لإرضائهم: هل هذا حرام؟ . - هل الزنا دين في رقبتي وسيأتي يوم أدفع ثمنه؟ . وكيف لي أن أنسى ماضيها الذي يأكل ويشرب وينام ويستيقظ معي وأعيش معها كزوجين مسلمين؟ . أرجو إرسال أدلة تساعدني في ذلك، أرجو منكم كل الرجاء إرسال الجواب الشافي الذي انتظره منذ زمن، ولكي لا يخيب ظني بهذه المواقع التي أنشأت لمساعدة المسلمين، وخصوصا التائهون، الضائعون مثلي، المحتاجون للمساعدة، ولو حتى بنصيحة (الغريق يتعلق بقشة) إذا انتم لن تساعدوني فإلى أين أذهب يا علماء المسلمين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إننا وإن كنا نرجو أن نكون عند حسن ظنك: إلا أنه لا يسرنا أن تكون لك نظرة سلبية تجاه مواقع الفتوى الأخرى لأهل السنَّة، ونحب منك أن تحسن الظن بالقائمين عليها، وأن تعذرهم، ولو أنك ترى كمية الأسئلة التي ترد لنا ولهم لعذرتنا، ولست وحدك من يطلب التعجل في إجابته، ولا يمكن تحقيق رغبة كل سائل في هذا الباب، فالعذر لنا ولإخواننا في المواقع الأخرى قائم، والكريم هو الذي يَعذر غيره.
ثانياً:
ما حصل معك في ذلك البلد الأجنبي يؤكد ما نقوله دوماً أنه لا يجوز السفر إلى تلك البلاد، وبخاصة إذا كان المسافر شابّاً أو شابَّة في مقتبل العمر، وفي فورة شهوتهم، وعلى الآباء والأمهات أن يعلموا أن أحوال أولادهم في تلك البلاد غالباً ما تكون مؤسفة، من البعد عن الدين، والفعل للفواحش، والتخلي عن السلوك المستقيم، وهم في النهاية من يدفع ضريبة هذه المخالفات الشرعية.
فالواجب على الآباء والأمهات أن يتنبهوا لأولادهم، وأن لا يكون حرصهم على تعليمهم على حساب دينهم وسلوكهم.
ثالثاً:
نهنئك على توبتك، ونحمد الله أن أنقذك من الكفر والفسوق والعصيان، وكم يتخبط غيرك في ظلمات الجهل والمعصية، وكم يغرق غيرك في أوحال الآثام، وكم يتردى غيرك من قمم الأخلاق وأعالي الفضائل، فالواجب عليك العض على شجرة التوبة، والتمسك بحبال التقوى، وإياك والتفريط والرجوع إلى سالف الحال؛ فإنك في نعمة حُرمها كثيرون، فلا تكفر النعمة بترك طريق التوبة.
رابعاً:
ونهنئ أختنا على إسلامها، ونحمد الله أن وفقها وهداها للإسلام، وهي لا شك تعلم الآن عِظَم الفرق بين حالها أولاً وحالها الآن، وتعلم الفرق بين أن يكون الإنسان كافراً وبين أن يكون مؤمناً، وتعلم الفرق بين حال قلبها أولاً من حيث الضيق والضنك، وبين حال قلبها الآن من حيث السعة والانشراح، فنسأل الله أن يزيدها هدى وتوفيقاً، وأن يجعلها هادية مهديَّة.
خامساً:
إن الذي يعيش بعيداً عن الهداية والرشاد يتخبط في القول والفعل والفكر، ويلتزم منهجاً لا يرضى به إلا شياطين الإنس والجن، ويعيش على مبادئ لا توافق نصّاً صحيحاً، ولا تلتقي مع عقلٍ صريح، وخذ على ذلك مثالاً مصطلح " الخيانة "! فإنه عند هؤلاء معناه أن يخون العشيق عشيقته، والعكس! فقد تكون المرأة ذات زوج، وتخون زوجها مع عشيقها، ثم إذا رأت ذلك العشيق مع امرأة أخرى: بكت، وناحت، وأهانته، وقد تضربه! لماذا؟ لأنه خانها!! وكأنها لم تخن زوجها، وكأنه لا عتب عليها، بل جعلت العتب على ذلك العشيق الخائن! فأي مبادئ يعيش عليها هؤلاء؟ وأي منطق يسيرون عليه؟ .
وإن تأسف فاجعل أسفك على المسلم الذي لا يعرف خيانة الله، ولا خيانة رسوله، ولا خيانة دينه، وراح يحصر الخيانة بخيانة محبوبته وعشيقته! وهو يمارس معها كبيرة من كبائر الذنوب، وهو الذي خان الله ورسوله ودينه من قبلُ.
وأنت أخي السائل:
تلوم امرأة كانت تنام معك ومع غيرك وهي كافرة! ولم تلُم نفسك أنك فعلت ما لا يحل لك وأنت تزعم الإسلام وتنتسب إليه؟! .
تلوم امرأة أسلمت وحسُن إسلامها كانت على الفجور والفواحش وهي كافرة؟! .
إن موقفك أضعف ما يكون، وليس لك وجه في الإنكار والعتب والملامة، لا وهي كافرة، ولا وهي مسلمة، فهي عندما كانت كافرة كان كفرها أعظم من كل ذنبٍ فعلته، وهي عندما كانت كافرة ليس ثمة شيء يردعها عن فعل الفواحش والمنكرات.
وهي عندما أسلمت فإن إسلامها كفَّر عنها ذنوبها وآثامها، وهي عندما أسلمت بدَّل الله تعالى سيئاتها حسنات! فأي وجه لك في الإنكار عليها كافرة أم مسلمة؟! .
روى مسلم (121) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: (مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟) قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: (تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟) قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) .
وروى البخاري (4436) ومسلم (174) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً، فَنَزَلَ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) ، وَنَزَلَتْ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) .
فهؤلاء من أهل الشرك قتلوا وأكثروا القتل، وزنوا وأكثروا الزنا، وانظر ماذا أنزل الله تعالى لهم، أنزل لهم أن سيئاتهم تبدَّل حسنات، وفي الحديث السابق بين أن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأي عذرٍ لك بعد هذا في محاسبتها على شيء فعلته في جاهليتها؟!
قال علماء اللجنة الدائمة:
إذا صدق الإنسان في توبته من ذنبه، ولو كان شركاً بالله، أو زناً، أو قتلاً، أو أكل مال بالباطل، وندم على ما مضى من ذنبه، ورد الحقوق إلى أهلها أو سامحوه، وأتبع ذلك عملاً صالحا: تاب الله عليه، وغفر ذنبه، بل يبدل سيئاته حسنات، قال الله تعالى في صفة عباده الصالحين: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان/ 68 – 71، وقال: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال/ 38، وقال: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/ 53، وقرر قول يعقوب لبنيه: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف/ 87، إلى غير ذلك من الآيات وما في معناها من الأحاديث التي وردت في الحث على التوبة والرجاء في رحمة الله ومغفرته، وإن باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، أو حالة الاحتضار ومعالجة سكرات الموت.
فعلى من ارتكب ذنباً أن يتوب إلى الله، ويندم على ما مضى، ويرد الحقوق لأربابها، أو يستبيحهم منها، ويظن بالله خيراً ويرجو رحمته، وإن كان ذنبه أكبر الذنوب فرحمته سبحانه أوسع، ومغفرته أشمل، وعليه أن يستتر بستر الله رجاء أن يستره الله، ولا يفضحه، والله المستعان.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 296، 297) .
فلم يكن ثمة داعٍ لانفعالك وغضبك وضربك لها بعد أن عرفت عنها ما عرفت، فقد أسلمت، وطلَّقت دينها وتاريخها، فلأي شيء يتم محاسبتها على جاهليتها، وبخاصة أنك أنت جزء من تاريخها؟! وفعلك أنت أقبح من فعلها، حيث كنت تنتسب إلى الإسلام الذي يحرِّم عليك أفعالك تلك، وهي لم تكن تنتسب لدينك الذي ينهاها عن أفعالها، بل رضيتَ بها على عاداتهم وتقاليدهم، وهي لم تخالف في ذلك! .
سادساً:
الذي يظهر لنا من خلال كلامك عنها أنها أسلمت وحسن إسلامها، ولعلَّها أن تكون خيراً منك في جوانب كثيرة، فالواجب عليك بعد أن رضيتها زوجة أن تحسن معاملتها، وأن تقوي عزيمتها، وأن تقف بجانبها ناصراً ومؤيداً ومعيناً.
سابعاً:
وبخصوص طلاقكِ لها: يجب عليك مراجعة من تثق به من أهل العلم لإيقافه على حقيقة حالكِ عندما صدر منك الطلاق، فإن الغضب درجات، وليس كل الغضب يقع معه الطلاق، ولا كله لا يقع معه الطلاق، وإنما لا يقع طلاق الغضبان الذي أُغلق عليه بالكلية.
عَنْ عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ) .
رواه أبو داود (2193) وابن ماجه (2046) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -
والإغلاق معناه: أنه يُغلق على الإنسان حتى يفعل الشيء بدون إرادة.
" لقاءات الباب المفتوح " (130 / السؤال رقم 20) .
وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
ويقع الطلاق من الغضبان الذي يتصور ما يقول، أما الغضبان الذي أخذه الغضب، فلم يدر ما يقول: فإنه لا يقع طلاقه.
" الملخص الفقهي " (2 / 308) .
وينظر تفصيل حكم طلاق الغضبان في أجوبة الأسئلة: (22034) و (45174) و (6125) و (72439) .
فإن كان وقع طلاقك لها في المرات الثلاث السابقة: فقد حرمت عليك، ولا يحل لك إرجاعها لعصمتك إلا بعد أن تتزوج هي زواج رغبة من آخر فيدخل بها، ثم يفارقها بطلاق أو موت، وإن لم تقع إحدى الطلقات الثلاث: فإنه يتبقى لك باقيها، ولك أن ترجعها لعصمتك، ومعرفة ذلك تتم بلقائك من تثق بعلمه ودينه لتطلعه على تفصيل ما حصل منك في تلك المرات.
ثامناً:
الذي ننصحك به تجاه تلك الزوجة – إن كنت لا تزال لها زوجاً -: أن تسعى لإحضارها لبلدك؛ لتخلصها من بيئة الكفر والفساد التي تعيش فيها الآن، ولكن على شرط أن تعاهد نفسك على الإحسان لها، وأن تعاشرها بالمعروف، وأن لا تعيرها بتاريخها قبل الإسلام، وأن لا يكون لما عرفته عنها أثر عليك، فإن كنتَ تستطيع فعل ذلك: فأحضرها لبلدك، وكوِّن معها أسرة إسلامية، وإلا فدعها في بلدها، لعلَّ الله أن يرزقها خيراً منك، ولعلَّ الله أن يرزقك خيراً منها.
وقولك: " وكيف لي أن أنسى ماضيها الذي يأكل ويشرب وينام ويستيقظ معي وأعيش معها كزوجين مسلمين؟ " فدعنا نهمس في أذنك ـ أيها الأخ الكريم المسلم ـ: وكيف ستنسى أنت ماضيك؟! بل: وبأي وجه تسأل الله العفو عنك، والصفح عن ماضيك، وأنت غير قادر على العفو عن عباده، والصفح عن ماضيهم؟!
على أنك إن كنت تعنيه حقّاً، وسيبقى معك: فلا ننصحك بإحضارها من بلدها، بل سرِّحها بإحسان، وأعطها حقوقها، وإن كنت مستعدّاً لنسيان ذلك، والعيش مع إسلامها وتوبتها: فهي أولى لك من غيرها.
تاسعاً:
أما بخصوص طلب أهلك منك أن تطلقها: فلا يجب عليك طاعتهما في هذا، وعلى أهلك أن يتقوا الله في التفريق بينك وبين زوجتك، وإذا أصررت على بقائك زوجاً لها: فإنك لا تكون عاقّاً لوالديك، وإنما الإثم عليهما لسعيهما في القطيعة بينك وبين زوجتك.
وانظر جواب السؤال رقم: (47040)
عاشراً:
وأما سؤالك: " هل الزنا ديْنٌ في رقبتي وسيأتي يوم أدفع ثمنه؟ ": فالجواب: إن كنت صدقت التوبة مع الله عز وجل، كما قلت عن نفسك، فعسى ألا يكون ديْناً، وألا تؤاخذ به؛ وقد سبق بيان الوعد للتائبين بمغفرة الذنوب، وتبديلها حسنات.
ونسأل الله تعالى أن يغفر لك ذنبك، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يهديك لما فيه صلاح حالك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/171)
أجبرها أهلها على زواج صوري ليحصل الزوج على إقامة وجنسية!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، أعيش في ألمانيا منذ 15 سنة مع والدتي وأخي، وذلك أثر طلاق والداي، قبل سنة أرغمتني والدتي على الزواج برجل ادَّعت أنه في حاجة ماسة للإعانة، وأمام غطرستها، وتهديدها الدائم لي بالغضب عليَّ، وانعدام المسؤولية عند أخي: لم يكن لي أي خيار، منذ قليل اكتشفت حماقتي، وجهلي , إذ إن أمي تبرر كل أوامرها بحجج تدَّعي أنها من الدين، وتم الزواج لدى المحاكم الألمانية , زواج صوري، يمكِّن هذا الرجل الذي لم أره سوى عند كتابة العقد من البقاء في ألمانيا والحصول على الجنسية الألمانية بعد سنتين، بعد محاولات عديدة أمكن لي الحصول على موافقة والدتي للبداية في إجراءات الطلاق، الرجل الذي أصبح اليوم قادراً على البقاء في ألمانيا موافق على طلاق التراضي، كما كان اتفاقه مع والدتي منذ البداية. سؤالي هو الآتي: كيف أكفِّر عن ذنبي؟ هل عليَّ عدة المطلقات؟ لقد تقدم شاب لي، ويود الزواج بي، وأنا حائرة، إن أعلمته أخشى أن يتركني، وإن لم أفعل أكون خدعته، ثم متى أحل له، أبعد الطلاق من الزواج الباطل أم قبل ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لأحدٍ أن يُكره موليته على النكاح ممن لا ترغب، والعقد الذي يثبت أن المرأة البالغ زُوِّجت فيه بغير إرادتها: باطل عند بعض العلماء، ومتوقف عليها لإمضائه عند آخرين، وفي كل الأحوال لا يجوز أن تُجبر البالغ على الزواج.
وتفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (47439) .
ولا نرى أنك صغيرة بحيث يتحكم في تزويجك والدتك وأخوك، فكان الأجدر بك الوقوف في وجوههم، والاعتراض على مثل هذا الزوج والزواج، وبخاصة أنكم في بلد يدَّعي أهله أنهم ينصرون النساء! .
ثانياً:
العقود التي تُجرى في محاكم الدول الكافرة: قد تكون عقوداً باطلة، وقد تكون صحيحة، فإن كان سبقها عقد شرعي، اشتمل على إيجاب، وقبول، وموافقة ولي، وشهود أو إعلان: كانت العقود أمام تلك المحاكم للتوثيق، والتثبيت، لا للإنشاء، وإن لم يسبقها عقود شرعية: فلا قيمة لها، ولا يُبنى عليها أحكام؛ لأنها باطلة أصلاً.
وينظر جواب السؤال رقم: (4458) .
ثالثاً:
ثمة عقود زواج تُبرم في دول الكفر لا لأجل العفاف والستر وإنشاء أسرة، بل لغايات الإقامة والجنسية! وليُعلم أن الزواج هو " كلمة الله " وهو " الميثاق الغليظ "، وأنه لا يجوز الاستهانة بهذه العقود، وجعلها مجالاً للعبث.
وليُعلم أن هذه العقود " الصُّورية " أو " الشكلية " إذا تمَّت وفق الشرع فإنه تترتب عليها آثارها الشرعية، من المهر، والعدَّة، وغير ذلك، وأما إذا لم تتم وفق الأحكام الشروط الشرعية: فإنه لا تترتب عليها آثارها الشرعية، مع وجود الإثم.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
نحن شباب مسلم - والحمد لله -، من مصر، ولكننا نقيم في هولندا، ونسأل عن حكم الإسلام في بعض الشباب المسلم الذي يلجأ للزواج من الأوربية، أو بعض النسوة الأجنبيات اللاتي معهن أوراق الإقامة، وذلك للحصول على الإقامة في هولندا، مع العلم أن هذا الزواج صوري، أي: حبر على ورق - كما يقولون – أي: أنه لا يعيش معها، ولا يعاشرها كزوجة، هو فقط يذهب معها إلى مبنى الحكومة، ومعه شاهدان، ويتم توثيق العقد، وبعد ذلك كل ينصرف لطريقه؟ .
فأجابوا:
عقد النكاح من العقود التي أكد الله عِظم شأنها، وسمَّاه " ميثاقاً غليظاً "، فلا يجوز إبرام عقد النكاح على غير الحقيقة من أجل الحصول على الإقامة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 98، 99) .
وفي جواب السؤال رقم: (2886) فتوى أخرى بالتحريم والمنع، فلتنظر.
فالذي يظهر لنا أن والدك موجود وعلى قيد الحياة، وهو في هذه الحال وليك في الزواج، ولو كان مطلِّقاً لأمك، وأخوك ليس وليّاً لك مع وجود والدكِ، فإذا تمَّ الزواج بموافقة والدك، وحضور شهود، مع رضاكِ به: فهو عقد شرعي تترتب عليه آثاره، ولو لم يكن من أجل العيش معه؛ لأن واقعه – والحالة هذه – أنه عقد شرعي مكتمل الأركان، فلا يحل لك الزواج بغيره إلا بعد أن تحصلي على الطلاق، وتنتهي عدتك.
وأما إن تمَّ العقد في الدوائر الرسمية فقط، ودون موافقتك أو موافقة والدك: فهو عقد غير شرعي، ولا تترتب عليه آثاره، ولا حاجة للحصول على الطلاق، إلا من أجل أنك زوجة في الأوراق الرسمية، لا من أجل أنك زوجة شرعاً، مع استحقاق من ساهم في وجوده للإثم؛ لاستهانته بالعقد الشرعي، وجعله مجالاً للعبث.
والخلاصة: أن الواجب عليك الاحتياط في أمر زواجك الجديد، على الأقل، وألا تقدمي على إتمام الخطبة الجديدة، إلا بعد طلاقك من الأول، وبإمكانك إتمام الخطبة والزواج الجديد بمجرد إنهاء الطلاق من الأول، وليس عليك عدة تنتظرينها، ولا فاصل زمني بين الزواجين.
وأما بخصوص إعلام الخاطب الجديد، فإن كان يغلب على ظنك أنه لن يعلم بما حدث، فلا ننصحك بإخباره، وأتمي زواجك به، كأن شيئاً لم يكن.
وإن كنت تظنين أنه سوف يعلم ذلك، فليعلمه منك أفضل وأكرم، والقلوب بيد الرحمن يقلبها كيف شاء، فاستعين بربك سبحانه، على صرف قلبه إليك، إن كان في زواجك منه خير لك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/172)
يختلف مع زوجته كثيراً حتى ساءت العشرة بينهما
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد تشاكس في الآراء بيني وبين زوجتي، وفي مرة من المرات أثناء نشوزها علي ضربتها على خذها وندمت لذلك واستغفرت الله لضربي للوجه وربما دخولي في الضرب المبرح، وصليت صلاة توبة على الفور، وتذكرت أن ذلك من عمل الشيطان، فبالرغم من أنها حرضتني على ضربها ولكن يجب أن أكون أكبر نفساً منها، مما جعلها تقول لي إني لا أسوى بصقة عندها، وهذا يضايقني كثيراًً عندما أتذكر كلمتها هذه لي، وأفكر في طلاقها بسبب ذلك، ولي منها أربع أطفال وهي حامل الآن موجودة في بيت أهلها، فماذا ترون في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
العلاقة الزوجية علاقة عظيمة سماها الله تعالى ميثاقا غليظا حين قال: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) النساء/21. فينبغي سهر كل من الزوجين على حماية هذه العلاقة.
ولا يجوز أبدا أن تكون مناقشات الزوجين وحياتهما قائمة على الاختلاف في كل شيء، كبير وصغير، والمشاكسة في الآراء والتنازع، بل الواجب عليهما أن تكون معاشرتهما معاً بحسن الخلق، والمعروف، والإحسان.
ثانيا:
لا شك أن ما قمت به من ضرب الوجه محرم، قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
فالواجب عليك: التوبة إلى الله تعالى، والندم على ما فعلت، والعزم على عدم العود إلى ذلك مرة أخرى، ويجب عليك أن تعتذر لزوجتك وتسترضيها، ويجب عليها إذا رأت منك الصدق في ذلك أن تقبل اعتذارك.
وكل إنسان تحصل منه هفوات وزلات، والعاقل هو الذي يعرف ما أخطأ فيه فيجتنبه ولا يعود إليه.
ثالثا:
عليك أن تحسن معاشرة زوجتك وأن تنتصح بما نصح به النبي صلى الله عليه وسلم الرجال حين قال: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) رواه البخاري (3084) ومسلم (2671) .
وقال أيضا: (أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ [أي: أسيرات] عِنْدَكُمْ) رواه الترمذي (1083) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ثم إننا ننصحك بالإبقاء على زوجتك وأن تحاول أن تترضاها لترتدع عما هي عليه من النشوز والسكنى مع أهلها حفاظا على التئام شملكم وقيامكم بالمسؤولية المشتركة تجاه أولادكم.
وأما الكلمة التي قالتها لك، فلاشك أنها قد أخطأت فيه، ولكن لا تنسى أنك أنت السبب فيها بضربك إياها، ومهما يكن الأمر فالواجب على الزوجين أن يكون حل خلافاتهم بشيء من التعقل والتروي لا بالضرب والسب، فإن هذا لا يزيد الخلافات إلا حدة.
فعليك بالتفاهم مع امرأتك، وتناسي ما بدر منكما، وليكن كل منكما حريصاً على احترام وراحة صاحبه.
وفقكم الله لما فيه الخير
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
(11/173)
يعاني من الأرق
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من عدم القدرة على النوم، يصيبني أرق، فما الحل؟ وهل من طريقه تساعد على النوم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى لنا ولك العافية من كل بلاء، والشفاء من كل داء.
ونوصيك – أخانا السائل – بالصبر واحتساب الأجر عند الله عز وجل، فهو سبحانه يحب الصابرين، ويثيب الشاكرين، والابتلاء سنته في الحياة الدنيا، وهو رحمة للمؤمنين، ونقمة على الكافرين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
ثم اعلم أن الأمر يحتاج إلى شيء من المجاهدة والمصابرة، وهكذا هو الشأن في جميع المشكلات النفسية أو الاجتماعية، فالنفس تؤخذ بالتربية المتدرجة كي تعتاد أمرا جديدا أو تنصرف عن أمر قبيح، ولها في ذلك بعض الأسرار التي يعرفها كل واحد في نفسه، فلا بد أن يستفيد منها كي يبلغ مراقي النجاح والفلاح والعافية التي يريد.
والأرق حالة نفسية تسبب استعصاء النوم أو تَقَطُّعَهُ أو خِفَّتَه، وهو مرض عصري يصيب الكثير من الناس لأسباب مختلفة، منها أسباب نفسية: كالضغوط، والهموم، والقلق، والوسواس، ونحوها، وبعض أسبابه عضوية بسبب اختلال في أداء بعض الأعضاء لوظائفها، أو تأثير بعض المواد المنبهة عليها كـ " النيكوتين " الموجود في الدخان، والقهوة والشاي وغيرها من المنبهات.
وتبعا للأسباب التي تؤدي إلى هذا المرض، يمكننا تقسيم أنواع العلاج إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: العلاج الشرعي:
ونعني به تحصيل طمأنينة القلب التي تدفع عن النفس كل هم أو غم أو وسواس، فالقلب الذي يعمره حب الله ورجاؤه والخوف منه والإنابة إليه أثبت من القلوب المنغمسة في الدنيا، المعرضة عن الآخرة.
وتحقيق هذه الطمأنينة يكون بالمحافظة على الفرائض، واجتناب المعاصي التي لا تزال تنخر في القلب حتى يسقط في أوديةٍ مُرديةٍ مُظلمةٍ وهو لا يشعر، ثم بالإحسان إلى الناس بالخُلُقِ الحسن والمعاملة الطيبة، وبالحرص على تلاوة القرآن الكريم، والتعلق بكتاب الله عز وجل، فقد قال الله عز وجل في وصفه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) يونس/57، ومن ذلك أيضا المحافظة على الأذكار والأوراد الشرعية، كأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ والطعام ونحوها، والله عز وجل يقول: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28
ثم لا بد أن يصحب ذلك كله تذلل القلب لله سبحانه، واستشعار محبته وقربه، والإخلاص له في السر والعلن رجاء تحقيق العبودية التي هي سر النجاح والفلاح يوم القيامة.
وفي موقعنا مجموعة من الأجوبة التي تعينك – إن شاء الله – على تحقيق العلاج الشرعي، فانظر الأجوبة الآتية: (45847) ، (20130) ، (21515) ، (21677) ، (21843) ، (22704) ، (30901) .
النوع الثاني: العلاج النفسي.
وذلك بالسعي لتخليص النفس من اضطرابها وقلقها، ولن يتم لك ذلك – أخانا السائل – إلا حين تؤمن إيمانا صادقا بضعة الدنيا وتفاهتها وصغر شأنها، وأنها (لو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء) ، فهي أحقر من أن يهتم المسلم لما فقد منها أو يخاف على ما حَصَّلَ فيها، وينبغي أن يصاحب ذلك القناعة التامة بما قسم الله، والرضى بقضائه وقدره، فهي أسباب عزة المؤمن وسعادته، وإدخال هذه المعاني إلى النفس يحتاج إلى شيء من المجاهدة، بتكرار الحديث مع النفس بها، وقراءة الكتب التي تقررها، وتدبر آيات القرآن الكريم التي تفيض بتقريرها، حتى تغدو سجية في النفس لا تفارقها في حلها وترحالها.
النوع الثالث: العلاج السلوكي.
وهذا ما ينبغي أن تطلب فيه نصيحة الطبيب أو المستشار النفسي، فإن بعض الجوانب السلوكية أو الأسباب العضوية قد تخفى على الناس، في حين يعرفها الطبيب الحاذق بما علمه الله تعالى من شأن النفس البشرية، فقد يجد لك علاجا في بعض الأطعمة التي تساعد على النوم الصحي، كما قد يكتشف في بعض العادات التي تمارسها أخطاء تؤدي إلى القلق والأرق، وفي الحالات المزمنة والمستعصية من الأرق يمكن للطبيب الاستعانة بشيء من الأدوية المهدئة التي تخفف الضرر وتدفع الأذى.
يقول الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (فتاوى متفرقات/الوساوس والأمراض النفسية) :
" إن هذه الحال التي قصها السائل قد تعرض لكثير من الشباب، بسبب الإرهاق الفكري أو البدني، والدواء لذلك أن يعطي الإنسان نفسه من الراحة ما تستريح به، وأن يكثر من ذكر الله وقراءة القرآن، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم دائماً، وأن يلزم الاستغفار؛ لأن الاستغفار من أسباب حصول الخير واندفاع الشر، وأن يحرص على مصاحبة الأخيار من بني جنسه، فإن الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن يبيعك وإما أن تجد منه رائحة طيبة، وليُعرض عن تذكر هذه الحال؛ لأن تذكر الشيء ينتقل به المتذكر من الخيال إلى الحقيقة، فإذا أعرض عنه وتناساه فإنه بإذن الله يزول عنه " انتهى.
ولا يفوتنا التنبيه هنا إلى ضعف ما رواه بعض أهل العلم من أذكار قبيل النوم للتخلص من الأرق، فقد عقد الإمام النووي في كتابه "الأذكار" (ص/70) بابا قال فيه:
" باب ما يقول إذا قلق في فراشه فلم ينم:
روينا في كتاب ابن السني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:
(شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرقا أصابني، فقال: " قل: اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حي قيوم لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم أهدئ ليلي، وأنم عيني، فقلتها، فأذهب الله عز وجل عني ما كنت أجد)
وروينا فيه عن محمد بن يحيى بن حبان - بفتح الحاء والباء الموحدة - أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أصابه أرق، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يتعوذ عند منامه بكلمات الله التامات من غضبه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون " هذا حديث مرسل، محمد بن يحيى: تابعي.
وروينا في كتاب الترمذي بإسناد ضعيف، وضعفه الترمذي، عن بريدة رضي الله عنه قال: (شكا خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما أنام الليل من الأرق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم رب السموات السبع وما أظلَّت، ورب الأرضين وما أقلَّت، ورب الشياطين وما أضلَّت، كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط علي أحد منهم أو أن يبغي علي، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك، ولا إله إلا أنت) " انتهى.
وهذه أحاديث ضعيفة: حكم عليها أهل العلم بذلك، كابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/114) وفي "المطالب العالية" (4/20) والألباني في "السلسلة الضعيفة" (2403) وغيرهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/174)
ضربها وأهانها بعد الزواج ويريدها أن تتنازل عن مهرها ليطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة تزوجت لمدة 5 أشهر لم أطلق، ولكنى في منزل أهلي منذ أول أسبوع ابتدأت المشاكل لا أجد لها أسبابا، في أول خروج لنا من المنزل مشاكل بداخل المنزل مشاكل ببيت أهله مشاكل 5 أشهر فقط كرهته وكرهت حياتي، إنسان بخيل جدا في كل شيء نقود وعواطف، على أتفه سبب يريد أن يضربني أنا لا أنكر أنى مخطئة أنا لم أتعلم أي شيء عن الحياة الزوجية عندي ولكنى في حقي كنت أريد أشياء تافهة في بداية زواجي كنت أريد أشعر أني عروسة لا أكثر ولا أقل، لم أكن أريد لا رحلة ولا سفر إلى أي بلد، كنت أريد أن أخرج معه إلى أي مكان فقط لأعلن للناس جميعاً وافتخر به كان يرفض ويتحجج أنه لا يخرج مع نساء كنت أريد أن نذهب أنا وهو لمنزل أهلي لأفتخر به، ولكن كان ذهابي كأنني سأذهب إلى مرقص، كنت أبكي وأتوسل إليه في أول فترة من زواجنا، لأني أريد أن أرى أمي أسالها عن أشياء، كان يرفض وكنت أخجل من أسأل والدته، وكنت أفتقد أهلي واستغرب أهلة لأنه كنت عروسا فقط أيام على زواجي، ويجبرني أنى أبيت معهم لسفره لعنده فقط أختي كانت تجرى جراحة وكنت أبكي له في التليفون ولكنة يرفض ولا يوافق إلا بعد أن تحدثت أخته. كرهت إذلاله تعمد أن يهينني يرفض أي شيء أنا أريده لمجرد أنى أريده كان يمنع عنى التليفون لأني اكلم أهلي بحجة أني احكي لهم كل شيء كل مشاكلنا أنا حكيت لأهلي لأنه ضربني ضربا كأنني قتلت له قتيلا، أكيد تعتقد أني فعلت شيئا أنا كنت نائمة أصلاً وأيقظني، نمنا متأخرا كانت عندنا طفلة وظلت تبكى لـ 4 صباحاً وعند الـ12 أول ما استيقظ ظل يوقظني بطريقة كأنه يوقظني ليضربني فثرت، أي زوج آخر كان يلتمس العذر لزوجته ولكنه لو جاء يوم ولم استطع أن أعطية حقه، انتظر مشكلة ثاني يوم وأتوقع ضربي لا يلتمس لي أي عذر، فقط شهوته، كرهت نفسي منه، كنت أشعر أنه يحبسني في البيت، وهذه ليست معاشرة كنت أشعر أني أغتصب، وقالها لي: أنا لم أتزوجك إلا لأعف نفسي فقط، وفعلا بدون أن يقوله كان عندما يأتي من العمل لا يتكلم، يريد أن يأكل وان نذهب إلى الغرفة بدون أي كلام، كنت أترجاه أن يجلس معي 5 دقائق لا أكثر، وكان يرفض أغلب الوقت. أنا مقصرة في ديني، أنا كنت أدعو الله أن التزم، أقسم بالله أني أشعر أني ما بي شيء، أريد أن ألتزم، أحب الالتزام، أنا مقصرة في لبسي وصلاتي، وكنت أقول له هذا، ولكن نادرا، مرة تقريبا، كان يحثني على أي شيء بالخناق، فكنت أقول له أنت لو شيخ كانت الناس كرهت الدين منك، أنا كرهته منذ ضربني بلا رحمة كأني عدوته، وضربني أمام أهلي فقط ليثبت نفسه ورجولته، ووالده ضربه لما فعله معي وأمامي، ولكنه إنسان ظالم، رغم أننا في الزواج لم نطلب أي شيء، ولم نكلفه فوق مقدرته، أشعر أني رخيصة، كأنني بنت شارع عاشرني أياما ويرميني إلى الشارع، أنا كنت مصرة على الطلاق من كثرة مشاكله وبخله، ولكنى تراجعت لعل الله يهديني ويهديه، واتصلت به وحدثته ولكنة ظل يملي على شروطه، هو الذي يشترط وهو المخطئ، وقتها لم أتحمل انهرت، بعد فترة كبيرة نسيت كل شي، وقلت: هذا زوجي لازم أحدثه، أنا كنت خائفة أيضا من الطلاق، لذا كلمته حدثته وسألته: ماذا يريد؟ ولكن من كلامه هو لا يريدني، هو يريد كل شيء تكلفه في الزواج، من ذهب وأثاث، وحتى أثاثي طمع فيه لأنني تركت له المنزل ولم آخذ سوى ملابس قليلة، يريد أن يأخذ أشيائي التي اشتريتها، أشعر فعلا أني رخيصة، لا قيمة لي ولا قيمة لشرفي، أشعر كأني تركت نفسي لرجل أهدر عذريتي وليس كزوج، لا قيمة لي، كل همه الأثاث والذهب، يريد أن نرسل له الذهب ليطلقني، تزوجني ولم يخسر شيئا، ويريد أن يطلقني ولا يخسر شيئا، ومع ذلك فقائمة كل شيء في المنزل باسمى، ممكن أن أرفع قضية، ولكننا لا نحب المشاكل، ولكن إذا وصل لذلك لن أتردد، ماذا أفعل؛ تمنيت ألا أنجب إلا لو تحسنت طباعه، ولم يتغير، ولم أنجب أطفال لن يكن معي من أعود لزوجي بسببه مجبرة؛ دلوني ماذا أفعل، أنا عشت معه تقريباً حوالي شهرين بدون سفرياته، وإقامتي في بيته وبيت أهله تقريبا 5 شهور، وأنا الآن أكملت عام زواج، أي منذ سبعة شهور وأكثر وأنا في بيت أهلي، لم يأت إلا مرة، وقال لي: إنه لم يأتي ليأخذني، بل لأن والده أجبره أن يأتي ليحكى زوجي في آخر مشكلة، ما جعلني أترك له المنزل: أنه أثناء المشكلة أعطاني سكينا لأقتل نفسي، توقع أن أتخلص من نفسي، ويرث كل شيء؛ إنسان دنيء، وأنكر فعلته أمام أهله، وقال: إنه مجرد هزار؟!!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن ما ذكرتِ من سوء المعاملة، وقبح العشرة، لشيء محزن مؤلم، يدل على ضعف الإيمان، وفساد التربية، ونقص الرجولة، وإنه لعار على الرجل أن تكون هذه أخلاقه مع زوجته التي لم يمكث معها إلا نحوا من شهرين.
وقد يتزوج الرجل المرأة فلا يحصل بينهما انسجام ومودة، فيشرع له أن يفارقها بإحسان، وأما اللجوء إلى الضرب أو الإذلال وسوء المعاملة فهذا مما لا يباح شرعا، وفاعل ذلك آثم متعد على حدود الله.
وإذا كان سوء المعاملة من قبله، فليس له أن يلجئ زوجته إلى الخلع لتفتدي منه بالمهر أو غيره.
ولا نرى أن يُجاب إلى هذا الطلب، لأن هذا مما يجرئ الأزوا من سيئي العشرة أمثاله على التمادي في أفعالهم، لأنه لا يجد خسارة في الزواج ولا كلفة، مادام مهره سيرجع إليه.
وإن من حقك أن تطالبي بما هو مسجل في القائمة وأن تلجئي إلى القضاء لإنصافك، فإن أظهر الرجوع والندم، وغلب على ظنك استقام حاله فهذا هو المطلوب، وإلا فخذي حقك ولا تتنازلي عنه.
ونحن نشير هنا إلى أن الزوج قد يكون له أسباب وأعذار في بعض تصرفاته، وقد يشعر بالندم، ويدرك خطأه، فإن بعض الأزواج يظن أن هذا هو الأسلوب الذي يحفظ هيبته في مبدأ الزواج، وهو ظن خاطيء. لكن المقصود أن الزوج إن وجد من يعظه وينصحه، فربما عاد إلى رشده، وأدرك خطأه، وتغير حاله، فلا تدعي هذا الباب، فإن الطلاق قد لا يكون مصلحة لك. فابحثي عمن يوجه له النصيحة، ويبين له الصواب، ولا تلجئي إلى القضاء إلا في نهاية المطاف.
وينظر – للاستزادة -: جوابي السؤالين: (41199) و (10680) .
على أننا نصدقك القول أنه من الملابسات التي قصصتيها علينا، لا نظن أن عنده استعدادا داخليا لإصلاح نفسه، والاستقامة في عشرته؛ إنه المعدن الذي يظهر من صاحبه، مهما حاول التجمل والمواراة: والناس معادن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقديما قال الشاعر:
يا أَيُّها المُتَحَلِّي غَيرَ شِيمَتِهِ وَمَن خَلائِقُهُ الإقصارُ وَالمَلَقُ
اِرجِع إِلى الحَقِّ إِمّا كُنتَ فاعِلَهُ إِنَّ التَخَلُّقَ يَأتي دُونَهُ الخُلُقُ
وَلا يُواتِيكَ فيما نابَ مِن حَدَثٍ إِلّا أَخو ثِقَةٍ فَاِنظُر بِمَن تَثِقُ
فلعل الله تعالى ابتلاك بهذا المصاب لترجعي إليه، وتحسني صلتك به، وتقبلي على طاعته، ولهذا ينبغي أن تحافظي على صلاتك وحجابك، وتدعي كل ما يخالف أمر خالقك.
قال سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97، وقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3
وقال > عليه وسلم: (وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ) رواه ابن ماجه (4022) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
أبشري يا أمة الله بالفرج: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً.
وتأملي معنا وصية النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن عمه عبد الله بن عباس:
(احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ؛ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ؛ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) .
رواه أحمد (2800) والترمذي (2516) ، وصححه الألباني.
فاحفظي وصية النبي صلى الله عليه وسلم، فهي لك ـ أنت ـ أيضا، ولا تضيعيها.
نسأل الله تعالى أن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن ييسر أمرك، ويفرج كربك، ويقضي لك الخير حيث كان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/175)
الخوف من الموت والعذاب، ووساوس الشيطان في العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 25 عاماً، محجبة، وأحافظ على الصلاة، وأقرأ القرآن، ولكني منذ فترة وأنا أعاني، حيث أني وبمجرد أن أستيقظ من النوم أبدأ أفكر في جهنم، وأني سوف أموت في النهاية، وسيكون مصيري النار، ثم تطور الأمر إلى أن بدأت أشك في مصداقية الدِّين، والقرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم، وأن كل هذا قد يكون غير حقيقي، وأني قد أدخل النار حتى لو لم أقترف جرماً، وبالرغم من أني أعرف أن هذا التفكير كفر بالله، ورغم أني أستغفر الله دائماً، وأجتهد في ديني أكثر حتى أثبت: إلا أني لا أستطيع طرد هذه الأفكار، خاصة بمجرد الاستيقاظ من النوم مباشرة، حيث أشعر بعدها بتعب، وإرهاق، وارتخاء بالأعصاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يبارك فيك أيتها الأخت الفاضلة، وأن يزيدك إيماناً، ويثبتك على دينه.
واعلمي أن الخوف من الموت والعذاب أمران مطلوبان شرعاً، وعواقبهما حميدة، إذا كان هذا الخوف دافعاً لصاحبه للإكثار من الأعمال الصالحة، وللتزود لما بعد الموت، وأما إن كان هذا الخوف دافعاً لليأس والفتور والقنوط وترك العمل: فإنه من الوسواس - والعياذ بالله – ليزرع الشيطان في قلب صاحبه الشك من الآخرة، ثم الإنكار والجحود!
وما الذي يجعل الإنسان يكره الموت؟ إنهما – غالباً – أمران، أحدهما مذموم، والآخر محمود، فأما المذموم فهو تعلقه بالدنيا، وأما المحمود فهو الرغبة بالازدياد من الخير، والشعور بالتقصير في حال أنه لقي ربه على حاله تلك.
ولكي يعالج السبب المذموم: فإن عليه أن يعلم أن الدنيا متاع زائل، وأن الآخرة هي دار القرار، والسعادة الأبدية، وبذا لن يتعلق قلبه بفانٍ على حساب دائم، ولن يركن إلى زائل على حساب باقٍ.
قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران/ 185.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
هذه الآية الكريمة فيها التزهيد في الدنيا بفنائها، وعدم بقائها، وأنها متاع الغرور، تفتن بزخرفها، وتخدع بغرورها، وتغر بمحاسنها، ثم هي منتقِلة، ومنتقَل عنها إلى دار القرار، التي توفَّى فيها النفوس ما عملت في هذه الدار، من خير وشرٍّ.
(فمن زحزح) أي: أُخرج.
(عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) أي: حصل له الفوز العظيم من العذاب الأليم، والوصول إلى جنات النعيم، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ومفهوم الآية: أن مَن لم يزحزح عن النار ويدخل الجنة: فإنه لم يفز، بل قد شقي الشقاء الأبدي، وابتلي بالعذاب السرمدي.
" تفسير السعدي " (ص 159) .
فلا تجعلي خوفك من الموت سبباً لتدهور حالتك الصحية، وازدياد قلقك ويأسك؛ فإن هذا عين ما يريد الشيطان أن يناله منكِ، ويحب أن يراه فيكِ، وهو انتصار له على إرادتك، وإيمانك بالله.
وكل مخلوق فهو لا يدري متى تُختم حياته بالموت، ولذا فإن الواجب على المسلم أن يتزود بالتقوى، ويستعد للرحيل، فربما حانت ساعته أو قربت وهو في غفلة:
روى البخاري (6416) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ) .
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ!!
وقال الشاعر:
تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تبقى إلى الفجر
ثانياً:
أما ما يراودك من أفكار سيئة في التوحيد والعقيدة: فهذا من الوسوسة، وهو من كيد الشيطان، يريد صرفك عن الاعتقاد السليم، ويريد صدك عن العمل والطاعة، وقولك " لا أستطيع طرد هذه الأفكار ": غير مقبول منكِ، بل أنت تستطيعين، وما عليك سوى اللجوء إلى الله، والاستعانة به، لطرد تلك الأفكار، وللتخلص من تلك الوساوس، واعلمي أن كيد الشيطان ضعيف، كما قال ربك تعالى (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء/ من الآية 76، لكنه – للأسف – يجد محلا ضعيفاً، ومستقراً هزيلاً، فيحط رحله فيه، ولو أنك حافظتِ على الأذكار الصباحية والمسائية، وعلى ورد من القرآن، وحافظت على الفرائض، وأكثرت من النوافل: فلن يجد هذا الشيطان المريد مكاناً يحط رحله فيه، بل سيجد ما يخزيه ويسوؤه، لذا فعليك أن تباشري بذكر الله تعالى بعد استيقاظك من النوم، بذكر الدعاء الوارد في ذلك، وأعقبي ذلك بالاستغفار والاستعاذة، ولو جعلتِ بجانبك مسجلاً فيه شريط لقارئ يقرأ القرآن تشغلينه بعد استيقاظك ودعائك: لرأيتِ خيراً إن شاء الله، ولدُفع عنك كيد الشيطان ووسوسته.
فإياك أن تستسلمي للأفكار المردية، وإياك أن تسترسلي معها، وقوِّي قلبك بالإيمان قبل أن تأتيك، فإن جاءت فاطرديها بالذكر والاستعاذة.
وبشارة لك أختي الفاضلة: أن مجيء الشيطان بتلك الأفكار السيئة لك، وتألمك منها: فيه تزكية لك، وهو يدل على تحليك بالإيمان، وأن الشيطان ما جاء لك إلا لصرفك عنه.
وهذا سؤال وجوابه لأخت لك، وفي مثل عمرك تقريباً:
سئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -:
أنا فتاة في العشرين من العمر، مؤمنة، ولله الحمد، أعاني من مشكلة الوساوس، وعلى وشك الجنون من هذا المرض النفسي الذي عانيت منه ثلاث أو أربع سنوات، ولم أفلح أن أدفعه عني، أريد أن أعرف: هل يسلط الله على عباده هذا الشيطان الرجيم امتحانًا لهم أم ماذا؟ والذي لا يستطيع دفعه؛ ماذا عليه أن يفعل؟ .
فأجاب:
في الحقيقة أن الوسوسة مرض خطير، وهي من كيد الشيطان لبني آدم، يريد بذلك مضايقتهم، وتضليلهم، وإشغالهم عن طاعة ربهم، ولهذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من هذه الوسوسة، وأنزل في ذلك سورة كاملة.
قال تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلَهِ النَّاسِ. مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) الناس / 1 إلى آخرها.
فهذا الشيطان له وسوسة مع بني آدم، ويشتد ذلك في حق المؤمنين، ولكن يعالج بأمرين:
1. أن المؤمن لا يلتفت لهذه الوسوسة، بل يرفضها رفضاً تامّاً؛ لأنها من الشيطان، ولا تضره.
2. أن يشتغل بذكر الله سبحانه وتعالى؛ لأن المؤمن إذا اشتغل بذكر الله ابتعد عنه الشيطان، ولهذا قال سبحانه وتعالى في حقه: (الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) الناس/ 4؛ أي: أنه يوسوس للعبد مع غفلته عن ذكر الله، ويخنس - أي: يبتعد - عنه عندما يذكر العبد ربه عزّ وجلّ، ولهذا وصفه أنه وسواس خناس.
والذي أنصح به للسائلة ولأمثالها أن تعمل بهاتين الخصلتين، وهما:
أولاً: عدم الالتفات لهذه الوسوسة، وعدم الاكتراث بها والانفعال معها، ثم تزول بإذن الله؛ لأن الإنسان إذا أعطاها اهتماماً والتفت إليها: زادت، وتمكن منه الشيطان.
الثاني: الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى، وتلاوة القرآن، والاستعاذة بالله من الشيطان، وقراءة آية الكرسي والمعوذتين، وتكرار ذلك، وبهذا يزول بإذن الله.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 342، 343، السؤال رقم 509) .
وانظري ـ أيتها الأخت للأهمية ـ جواب السؤال رقم (98295) .
على أنه، إذا قدر بقاء تلك الوساوس بعد اجتهادك في الأذكار والرقى الشرعية، وشغل نفسك بطاعة الله، وما تحتاجين إلى عمله من أمر الدنيا، بحيث لا يبقى عندك فراغ لهذه الوساوس، إذا قدر أنك فعلت ذلك، وبقيت معك تلك الوساوس أو شيء منها، فيمكنك هنا أن تعرضي حالك على طبيب مسلم ثقة، ولعله يعالج لك ـ بإذن الله ـ ما بقي من دائك.
وانظري تفصيلات مهمَّة في هذا الباب في أجوبة الأسئلة: (10160) و (39684) و (62839) و (25778) و (12315) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/176)
هجرت صاحباتها فأثَّر ذلك على دينها، وصايا ونصائح
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة، لا أستطيع أن أتخذ فيها قراراً، لكن القرار لا بدَّ أن يكون خلال هذه الأيام، لدي صحبة، أحسبها والله حسيبها أنها صالحة، أنا فتاة عمري 22 سنة، منذ 4 سنوات ماضية تعرفت عليهن منذ دخول الجامعة، نتعاون على الخير، حفظنا سوية 15 جزءاً من كتاب الله، حررنا مجلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من رائعة، وقفن معي في وجه عاصفة رهيبة شنها عليَّ المحيط بأجمعه في الجامعة التي نحن فيها، لدينا حلقة يومية نتدارس فيها كتاب الله!! لكن المشكلة هي أني لم أعد أطيقهن، أشعر أنهن أمامي بوجه، ومن خلفي بوجه آخر، بعض المواقف السخيفة ولَّدت هذه الأفكار لدي، منعت اتصالي بهن، أو لقاءهن، واعتذرت لهن عن ذلك، جعلت حديثنا على البريد فقط، بكلمات بسيطة: كيف الحال، الحمد لله، انتهى، أما الحفظ، والذكر، والمشاريع الباقية: كلها أوقفتها، كرهتهن بمعنى الكلمة - والله - إلى الآن لم أكمل حفظي، وعندي فتور رهيب في العبادة، ولا قيام، ولا صيام، ولا أدري أهو شيطان حل بداخلي أم ماذا؟ هنَّ يردن الآن أن نقر ما الذي أريده لأني قررت أن أنعزل عن البشر كلهم، أصبحت حقودة، حسودة، قلبي أشد سواداً من الليل، وكله لأني أشعر أن صحبتي هذه فيهن قليل من التعلق المنبوذ بالدنيا، مظاهر، وما إلى ذلك من أشياء البنات، ماذا أفعل؟ حتى رسائل التذكير منهن تحديداً لا أقبلها، والله أني أمسحها من قبل أن أقرأها! . أخشى أن أقول لهن إني سأتركهن للأبد فأنكت سواداً في قلوبهن؛ لأنهن جعلنني قدوة، بعضهن يحلف بالله أن لولا الله ثم أنا ما كنّ يؤدين الصلاة بالمرة، وصلاة الليل، وإفطار يوم وصيام يوم، والحفظ، والتسميع، والجوال لإيقاظ بعضنا لصلاة الفجر، والقيام، لكن قلبي أصبح يكرههن كرهاً حقيقيّاً، أعلم أنه من الشيطان، لكن والله ما قدرت أدفعه، كيف أعيش معهم، أضغط على نفسي، وأترك مشاريع العزلة، وأعود، رسائلهن قتلتني من شدة الإلحاح علي بالعودة، ويسألنني بالله أن أرد، حتى دراستي أشعر أنهن أثَّرن عليَّ، وأي مصيبة تصيبني أقول: هذا عذاب من ربي؛ لأني فعلت لفلانة كذا، ما أبغي أحس أن ربي يفضل أحداً عليَّ، ليس في الدنيا، لكن في كل شيء، أظن عذابي أشد من عذاب الرسل؛ لأن الرسول يعلم يقيناً أن الله يحبه، وأن الله معه، أما أنا: أخشى أن عذاب ربي قد حلَّ بي، لأي سبب؟ لا أعرفه، أعتزلهن أم أعود؟ ماذا أقول لهن؟ من يقع في مشكلة يراها كبيرة ولا يعلم أين المخرج، أرشدني بخبرتك لأني سأتوكل على ربي، ثم سآخذ مشورتك. جزيت الجنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما تشعرين به – يا أمة الله – تجاه أخواتك إنما هو بسبب الشيطان، ومكره، وكيده، ولم يحدث من هؤلاء الأخوات ـ على حسب ما جاء في رسالتك ـ ما يجيز لك تلك التصرفات معهنَّ، بل لو وقع منهم بعض الخطأ أو التقصير والذنب، فكل الناس كذلك، ومن ذا الذي ما ساء قط؟!!
وهو يدل على أن الأمر محض مكيدة من الشيطان ليوقعك فيما وصل حالك إليه، ونأسف أنه نجح في هذا، فبغَّض إليك تلك الصحبة، فحصل الفتور في الطاعة والعبادة.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) النور/ 21.
واعلمي أن من خطوات الشيطان التي يسلكها مع الطائعين ربهم تعالى:
1. التحريش بين المسلمين، وبالأخص بين الصحبة الصالحة.
عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) رواه مسلم (2812)
قال النووي – رحمه الله -:
هذا الحديث من معجزات النبوة، ... ، ومعناه: أيس أن يعبده أهل جزيرة العرب، ولكنه سعى في التحريش بينهم، بالخصومات، والشحناء، والحروب، والفتن، ونحوها.
" شرح مسلم " (17 / 156) .
2. أن يبغض إليهم الصحبة الصالحة، ويحبب إليهم العزلة الضارَّة.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ) .
رواه أبو داود (547) والنسائي (847) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ وَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ) .
القاصية: المنفردة عن القطيع البعيدة عنه
رواه أحمد (22029) ، وحسَّنه محققو المسند.
قال المناوي – رحمه الله -:
(إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم) أي: مُفسد للإنسان، أي: بإغوائه، ومُهلك له، كذئب أرسل في قطع من الغنم.
(يأخذ الشاة القاصية) أي: البعيدة عن صواحباتها، ... وهو تمثيل، مثَّل حالة مفارقة الجماعة، واعتزاله عنهم، ثم تسلط الشيطان عليه: بحالة شاة شاذة عن الغنم، ثم افتراس الذئب إياها بسبب انقطاعها، ووصف الشاة بصفات ثلاث: فالشاذة هي النافرة، والقاصية هي التي قصدت البعد لا عن تنفير، (والناحية) بحاء مهملة التي غفل عنها، وبقيت في جانبٍ منها؛ فإن الناحية هي التي صارت من ناحية الأرض.
ولما انتهى التمثيل حذَّر فقال: (وإياكم والشعاب) أي: احذروا التفرق، والاختلاف.
(وعليكم بالجماعة) تقرير بعد تقرير، وتأكيد بعد تأكيد، أي: الزموها، وكونوا مع السواد الأعظم؛ فان من شذَّ شذَّ إلى النار.
(والعامة) أي: السواد الأعظم من المؤمنين.
(والمسجد) أي: لزومه؛ فإنه مجمع الأخيار، وموطن الأبرار، وأحب البقاع إلى الله تعالى، ومنه ينفر الشيطان.
" فيض القدير " (2 / 350) .
فاحرصي على إغلاق الطريقين أمام الشيطان، ولا تفتحي على نفسك أبواباً من الشر، ولم يصبك الفتور، وقلة العزم على الطاعة إلا بعد أن تمكن الشيطان من السير بك على الطرق التي أرادها لك، ولعلَّ نظرة لحالك الآن مع مقارنة بحالك من قبل أن يتبين لك أن الأمر مكيدة ومكر من الشيطان، فاحذري، وتنبهي.
والصحبة الصالحة من أعظم ما يثبت المسلم على دينه، فاجتهدي في إقامتها على شرع الله تعالى.
عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ.
رواه البخاري (467) ومسلم (2585) .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " عليكَ بإخوان الصدق؛ فإنهم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء ".
واحرصي على الطاعات والأعمال الصالحة، فهي خير زادٍ للثبات، كما قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) إبراهيم/ 27، وقال عزَّ وجل: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) النساء/ 66.
واحرصي على المداومة على الدعاء، والتضرع إلى الله تعالى أن يثبتك على دينه، وأن يزيدكِ هدى وتوفيقاً وصلاحاً، فهكذا كان حال المؤمنين، كما حكى الله تعالى عن حالهم، في قوله سبحانه وتعالى: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) آل عمران/ 8.
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) .
رواه الترمذي (2140) وابن ماجه (3834) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ولإصلاح ما بينكِ وبينهم لا يحتاج الأمر لكثير عناء، فأرجعي تلك العلاقة الطيبة بالرد على رسائلهنَّ، ومكالماتهنَّ، وأخبريهنَّ أنكِ مررتِ بظروفٍ خاصة، ولا داعي لذِكر تفصيلاتها، ويكفي أن تكون درساً لكِ لمستقبل الأيام.
ثانياً:
احذري أشد الحذر من العزلة والانفراد، فهما بداية الانحدار والسقوط للهاوية، ولو كانت عزلتك عزلة عبادة وطاعة لكان لها وجه من الشرع، أما تلك العزلة التي تؤدي إلى الفتور: فهي عزلة محرَّمة، وتصير خلطتك مع صاحباتك واجبة، فتنبهي لهذا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وأما قوله " هل الأفضل للسالك العزلة أو الخلطة ": فهذه المسألة وإن كان الناس يتنازعون فيها إمَّا نزاعاً كليّاً، وإمَّا حاليّاً، فحقيقة الأمر: أن الخلطة تارة تكون واجبة، أو مستحبة، والشخص الواحد قد يكون مأموراً بالمخالطة تارة، وبالإنفراد تارة، وجماع ذلك: أن المخالطة إن كان فيها تعاون على البر والتقوى: فهي مأمور بها، وإن كان فيها تعاون على الإثم والعدوان: فهي منهي عنها، فالاختلاط بالمسلمين في جنس العبادات كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين وصلاة الكسوف والاستسقاء ونحو ذلك: هو مما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الاختلاط بهم في الحج، وفي غزو الكفار، والخوارج المارقين، وإن كان أئمَّة ذلك فجاراً، وإن كان في تلك الجماعات فجَّارٌ.
وكذلك الاجتماع الذي يزداد العبد به إيمانا: إما لانتفاعه به، وإما لنفعه له، ونحو ذلك.
ولا بد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في دعائه، وذكره، وصلاته، وتفكره، ومحاسبة نفسه، وإصلاح قلبه، وما يختص به من الأمور التي لا يشركه فيها غيره؛ فهذه يحتاج فيها إلى إنفراده بنفسه، إما في بيته - كما قال طاووس " نِعْم صومعة الرجل بيته، يكف فيها بصره ولسانه " - وإما في غير بيته.
فاختيار المخالطة مطلقا: خطأ، واختيار الانفراد مطلقا: خطأ، وأما مقدار ما يحتاج إليه كل إنسان من هذا، وهذا، وما هو الأصلح له في كل حال: فهذا يحتاج إلى نظر خاص - كما تقدم -.
" مجموع الفتاوى " (10 / 425، 426) .
ولتعلمي ـ يا أمة الله ـ أن البلايا التي نزلت بقلبك: من الحقد والحسد، هي كلها، مع حالك هذه حلقة واحدة؛ فإن من ثواب الحسنة: الحسنة بعدها، ومن عقاب السيئة: السيئة بعدها.
لو كنت عاقلة للأمر كما ينبغي لعلمت أن الله تعالى أعلم بخلقه، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، بعلمه في خلقه سحانه، وحكمته التي أرادها لهم:
قال الله تعالى: (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (الاسراء:21) وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (الأنعام:53) . قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: " أي: هذا من ابتلاء الله لعباده، حيث جعل بعضهم غنيا؛ وبعضهم فقيرا، وبعضهم شريفا، وبعضهم وضيعا، فإذا مَنَّ الله بالإيمان على الفقير أو الوضيع؛. كان ذلك محل محنة للغني والشريف، فإن كان قصده الحق واتباعه، آمن وأسلم، ولم يمنعه من ذلك مشاركه الذي يراه دونه بالغنى أو الشرف، وإن لم يكن صادقا في طلب الحق، كانت هذه عقبة ترده عن اتباع الحق؛ وقالوا محتقرين لمن يرونهم دونهم: {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} ؛ فمنعهم هذا من اتباع الحق، لعدم زكائهم. قال الله مجيبا لكلامهم المتضمن الاعتراض على الله في هداية هؤلاء، وعدم هدايتهم هم. {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} الذين يعرفون النعمة، ويقرون بها، ويقومون بما تقتضيه من العمل الصالح، فيضع فضله ومنته عليهم، دون من ليس بشاكر، فإن الله تعالى حكيم، لا يضع فضله عند من ليس له بأهل، وهؤلاء المعترضون بهذا الوصف، بخلاف من مَنَّ الله عليهم بالإيمان، من الفقراء وغيرهم فإنهم هم الشاكرون. " تفسير السعدي (258) .
لقد كان الواجب عليك ـ يا أمة الله ـ أن تسارعي في فعل الخيرات، وترك المنكرات، وأن تسبقي الناس إلى ذلك، كما قال رب العالمين: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) المائدة /48.
قال الحسن البصري رحمه الله: " نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره ".
وأما أن تقعدي عن الخيرات، وتشغلي قلبك بالأمراض، ونفسك بالسوآت، فليس هذا من فعل العقلاء في شيء.
نسأل الله تعالى أن يهديك لما يحب ويرضى، وأن يصلح بالك وحالك، وأن يثبت قلبك على الإيمان والطاعة، ونرجو أن تعملي بما ذكرنا لك من الرجوع عن مقاطعتك لأخواتك، ومن الحرص على تلك الصحبة الطيبة، ومن إبعاد كيد الشيطان ووسوسته عنك، ونرجو الله أن يوفقك للعمل بذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/177)
كيف يتصرف الأهل مع الولد العاصي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يدعي بعض الآباء أن دورهم ينتهي عند تبيين الحلال والحرام لأطفالهم، وعلى أطفالهم (13 - 18 سنة) عندئذ الاختيار، فهل على الآباء منع الحرام بكل الطرق أم عليهم فقط التوضيح؟ وإلى أي حد يجب على الآباء منع أبنائهم من ارتكاب ما هو حرام؟ . ويظن بعض الآباء أنه بوصول الطفل لسن البلوغ تنتهي مسئوليتهم عنهم، ويكون الابن حينها مسئولاً عما اكتسب من ذنوب وآثام، ولا شيء عليهم أن يبينوا لأبنائهم ما هو حرام وفعله الأبناء، فهل هذا صحيح؟ أم أن على الآباء مسئولية لا تنتهي عن أبنائهم، وعن منعهم من فعل الحرام حتى لو كان بعد النصح والتبيين؟ . جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذكرنا في أجوبة عديدة، المسؤلية الكبيرة الملقاة على عاتق الآباء تجاه أبنائهم، وأنها ليست فقط في البيان والتعليم، وإنما هي بالتأديب والتربية، والرعاية والعناية، بشتى الوسائل الممكنة للوالدين.
انظر أجوبة الأسئلة رقم (10016) ، (20064) ، (103526) .
فإذا قدِّر أن كان أحدٌ من الأولاد – ذكوراً أو إناثاً – على خلاف الشرع في تطبيق الأوامر، أو فعل النواهي، وكان عاصياً لوالديه فيما يأمرانه به من الشرائع والأخلاق: فإن على الوالدين بذل مزيد من الجهد في هدايته، بالترغيب تارة، وبالترهيب أخرى، وبسلوك سبيل النصح له بتكليم من يثقون به من الأساتذة، أو الأقرباء ليشاركوهم في توجييهم ونصحهم، كما ينبغي لهما المداومة على الدعاء لهذا العاصي بالهداية، وعدم الملل من ذلك.
سئل علماء اللجنة:
" أفيدكم أنني طاعن في السن، ولي ولدان (توءم) ، ويدرسان في الصف الثالث المتوسط، وأرغب أن يكونا مستقيمين، ويذهبا معي إلى المسجد لأداء الصلاة، إلا أنهما أحيانا يرفضان ذلك، وأطلب الدعاء لهما، وما هي الطريقة التي يمكن استخدامها لإصلاحهما؟ علماً أنني أبلغت إدارة المدرسة عن هذا الموضوع، حفظكم الله، ورعاكم.
فأجابوا:
نوصيك بالاستمرار في مناصحة أبنائك، وعدم اليأس، وأن تستعمل الطرق النافعة في تربيتهم وتوجيههم، فتارة بالترغيب، وتارة بالترهيب، وغرس محبة الله ورسوله في قلوبهم، وإبعادهم عن جلساء السوء، وترغيبهم في مجالسة الصالحين، وتحذيرهم من وسائل الإعلام المفسدة، وقبل ذلك وبعده كثرة اللجوء إلى الله سبحانه بالدعاء بصلاحهم واستقامتهم، وهذا مما مدح الله به عباده الصالحين فقال جل وعلا: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان/ 74.
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 288) .
وكما ترين فإن ما ذكره العلماء الأفاضل واضح بيِّن في أنه يجب العناية بالأولاد وتربيتهم وتعليمهم، ونهيهم عن المنكر، وعد تمكينهم من فعله، وأن هذا ليس من التشدد في شيء، وأنه يجب التلطف مع العاصي منهم، وبذل السبل المتعددة في توجيهه ونصحه وإرشاده، ولو بلغت معاصيه ما بلغت؛ فإنه جزء من الأسرة لا يمكن التخلي عنه بسهولة.
ثانيا:
متى تنتهي مسئولية الأهل عن أولادهم؟
فرَّق العلماء بين ولاية الابن والابنة، وقال جمهورهم باستمرار ولاية أهلها، ووجوب العناية بها حتى بعد بلوغها، وبعد زواجها.
وفي " الموسوعة الفقهية " (8 / 204، 205) :
عند الحنفيّة: تنتهي ولاية الأب على الأنثى إذا كانت مسنّةً، واجتمع لها رأي، فتسكن حيث أحبّت حيث لا خوف عليها، وإن ثيّباً لا يضمّها إلاّ إذا لم تكن مأمونةً على نفسها، فللأب والجدّ الضّمّ، لا لغيرهما كما في الابتداء.
وتنتهي ولاية الأب على الغلام إذا بلغ وعقل واستغنى برأيه، إلاّ إذا لم يكن مأموناً على نفسه، بأن يكون مفسداً مخوفاً عليه، فللأب ولاية ضمّه إليه لدفع فتنةٍ أو عارٍ، وتأديبه إذا وقع منه شيء.
وعند المالكيّة: تنتهي الولاية على النّفس بالنّسبة للصّغير ببلوغه الطّبيعيّ، وهو بلوغ النّكاح، فيذهب حيث شاء، ولكن إذا كان يخشى عليه الفساد لجماله مثلاً، أو كما إذا كان يصطحب الأشرار وتعوّد معهم أخلاقاً فاسدةً، يبقى حتّى تستقيم أخلاقه.
وإذا بلغ الذّكر رشيداً ذهب حيث يشاء، لانقطاع الحجر عنه بالنّسبة لذاته، وإذا بلغ الذّكر - ولو زمناً أو مجنوناً - سقطت عنه حضانة الأمّ على المشهور.
وبالنّسبة للأنثى، فتستمرّ الحضانة عليها والولاية على النّفس حتّى تتزوّج، ويدخل بها الزّوج.
وعند الشّافعيّة: تنتهي الولاية على الصّغير - ذكراً كان أو أنثى - بمجرّد بلوغه.
وعند الحنابلة: لا تثبت الحضانة إلاّ على الطّفل أو المعتوه، فأمّا البالغ الرّشيد فلا حضانة عليه، فإن كان رجلاً فله الانفراد بنفسه لاستغنائه عن أبويه، وإن كانت أنثى لم يكن لها الانفراد، ولأبيها منعها منه، لأنّه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها، ويلحق العار بها وبأهلها، وإن لم يكن لها أب فلوليّها وأهلها منعها من ذلك.
انتهى
هذه أقوال المذاهب في وقت انتهاء مسئولية الأهل عن أولادهم، وقد ميزنا الموقف من الابن الذكر عن الابنة الأنثى، لبيان الفرق بينهما، وكلمة العلماء تكاد تكون متفقة على أن مسئولية الأهل على ابنتهم تستمر حتى لو بلغت، ومنهم من جعل زواجها نهاية تلك المسئولية؛ وذلك من أجل وجود مسئول آخر عنها، ومنهم من اشترط كونها في مكانٍ آمن لا خوف عليها فيه، وتفريقهم بين الذكر والأنثى واضح بيِّن، والقاسم المشترك بين الذكر والأنثى: أنه إن كان لا تُؤمن أخلاقهم إذا انفردوا، أو كان يُخشى عليهم من الصحبة الفاسدة، أو عدم حسن التصرف: فإن مسئولية الأهل تبقى متصلة، غير منقطعة، ولو وصلوا سن البلوغ.
وفي " فتاوى نور على الدرب " قال الشيخ العثيمين – رحمه الله -:
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد جعل الرجل راعياً في بيته، وأخبر أنه مسئولٌ عن رعيته، ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم هذا بسنٍّ دون سن، فما دام الرجل قادراً على رعاية بيته: فإن الواجب عليه رعايته، وهو مسئولٌ عن أهله.
انتهى
ثالثاًً:
هل يُسكت عن فعل الأولاد للمعاصي في البيت؟
وما يفعله الأولاد من منكرات في البيت: فإنه لا يُسكت عليه، بل يُنصح فاعله، ويُوجَّه لفعل الخير، ولا ينبغي للوالدين أن يعينا فاعل ذلك المنكر على فعله، كأن يعطوه من المال ما يشتري به ذلك المحرَّم، ولا أن يمكناه من فعله، ولهما السكوت عنه وعدم التصرف العملي حيال فاعله بالطرد: في حال أن يكون تصرفهما يسبب مفاسد أكثر وأكبر من تلك المعصية، فقد يسكت الوالدان على سماع الموسيقى، أو النظر المحرَّم، ويكون ذلك خشية التصرف العملي بالطرد والضرب الذي يؤدي إلى الإكثار من تلك المعاصي خارج نطاق البيت والأسرة، ومن المعلوم أنه من يُطرد من بيته فإنه سيتمكن من فعل ما لا يستطيع فعله في البيت، فتزداد المفاسد والمشكلات التي يسببها ذلك الولد العاصي العاق.
بل حتى لو لم يصل الأمر إلى الطرد والقطيعة أو الهجر، فإن كثيرا من الأبناء، إذا حرم من مشاهدة التلفاز، أو سماع الأغاني في البيت، ولم يكن قد هدى الله قلبه، وشرح صدره للالتزام بذلك، فإنه يتحيل إلى قضاء شهوته، وإشباع رغبته مع رفقة السوء، أو في أي مكان خارج البيت خارج البيت، وهنا يخلو له الجو بلا رقيب على تصرفاته، وهو أمر يوشك أن يفتح عليه أبوابا مضاعفة من الفساد.
فحينئذ؛ إذا عجز الوالد عن تقويم ولده، ومنعه من هذه المنكرات المعتادة في التلفاز وغيره، فإن المصلحة تقتضي أن يتغافل عن بعض ذلك من ولده، اتقاء لشر أكبر منه، يتوقع حصوله متى منع من ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
فإنَّ الأمرَ والنَّهيَ وإن كان مُتضمِّناً لتحصيلِ مصلحةٍ ودفعِ مَفْسدةٍ: فيُنظرُ في المُعَارضِ له، فإن كان الذي يَفُوتُ من المصالحِ أو يحصلُ من المَفاسدِ أكثر: لم يكن مأموراً به، بل يكون مُحرَّماً إذا كانت مفْسَدتُه أكثرُ من مصلحتِه.
" مجموع الفتاوى " (28 / 129) .
وقد طبَّق شيخ الإسلام هذا الأمر عمليّاً، فقد قال:
مررتُ أنا وبعضُ أصحابي في زمنِ التتارِ بقومٍ منهم يشربون الخمرَ، فأنكرَ عليهم من كان معي، فأنكرتُ عليه، وقلتُ له: إنَّما حرَّمَ الله الخمرَ لأنَّها تصدُّ عن ذكرِ الله والصَّلاةِ، وهؤلاء يصدُّهم الخمرُ عن قتلِ النَّفُوسِ، وسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ، وأخذِ الأموالِ فدعهم.
نقله عنه ابن القيم في " إعلام الموقعين " (3 / 5) .
وهكذا يقال في حال الأبناء والبنات، فإن طردهم خارج البيت لا شك أنه سيسبب فعلاً للمنكر أزيد مما كان عليه، وأشنع من الذي قبله، حيث تتوفر فرص فعل تلك المنكرات بعيداً عن رقابة البيت وأهله، فعلى الآباء تقدير هذا الأمر وإلا كانت خسارتهم فادحة.
رابعا:
أما بخصوص طرد المخالف منهم للشرع: فينبغي التنبه لأمرين اثنين:
الأول: التفريق بين الذكر والأنثى.
والثاني: طبيعة المخالفة وحجمها.
فليس كل معصية تستحق المفاصلة، وينبغي معرفة أن المعاصي منها ما هو من الكبائر، ومنها ما هو من الصغائر، وأن الكبائر درجات، وأن بعض المعاصي منها ما يتعدى فاعلها لغيره من الناس، ومنها ما لا يتعدى.
كما أنه ثمة فرقا بين كون الواقع في هذه المعاصي الابن الذكر، أو الابنة الأنثى، والذي ينبغي على الوالدين التنبه له وعدم إغفاله: أنه إن بلغ الشر بالابن ما بلغ، وتعدى شره، ووصل لدرجة لم تُعد تطاق: فإنه يمكن لهما طرده من البيت حفاظاً على باقي الأسرة، وذلك بعد استنفاد كافة الوسائل لهدايته وتقويم أمره، وأن الابنة الأنثى لا ينبغي طردها تحت أي ظرف من الظروف، ومهما بلغت معاصيها؛ فهي عرضهم، ويجب عليهم الحفاظ عليه، وحمايته من الذئاب البشرية التي تنتظر مثل هذه الفرائس.
والخلاصة في هذه النقطة:
أنه قد يصل الأمر في بعض الأحوال لأن يُطرد الابن من المنزل، ويقدَّر ذلك بحسب المصلحة والمفسدة، وأن الأنثى لا تُطرد مهما بلغت معاصيها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/178)
اهتدى حديثاً ويسخر منه أهله وأصدقاؤه، فكيف يتصرف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت من المسرفين في الذنوب والمعاصي، وكان أهون شيء عندي فعل المعصية، كنت من المتعاطين للمخدرات (الحشيش، الحبوب الكبتاجون، الخمر) كنت ممن يزنون، من الله عليَّ فتزوجت، وقبل الزواج تبت من معصية الزنا، ولله الحمد، بقي معي تعاطي المخدرات، وكان سببها الصحبة الفاسدة، وفي يوم من الأيام توفي لي ابن عم يقربني سنّاً، ولكن لم يتزوج، ففكرت في حالي وأنه أصغر مني قد توفي، وكنا في نفس المعصية تعاطي المخدرات، فمنَّ الله عليَّ بالهداية، وتركت كل شيء، حتى الدش - يا شيخ - كسرته، وتغيرت حياتي 180 درجة، أصبحت: أتصدق، أصلي، أدعو للخير، أوزع أشرطة، كتيبات، مطويات، أحضر محاضرات، آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر. المشكلة: واجهت كثيراً من الانتقادات، أولها من الأهل - الوالدة والأخوات - بأنني متشدد، متزمت، يريدون أن يسمعوا الأغاني، وينظروا إلى المسلسلات، وإذا نصحتهم وقلت لهم هذه حرام ما يجوز يردون علي: " لماذا شرع الاستغفار؟ إذا لا تريد تسمع أغاني وتتفرج على التلفزيون اطلع نحن نريد نتفرج ونسمع "، ونفس المشكلة تحصل معي في العمل، طلعت مرة، ومرتين، زوجتي تقعد معهم، وإذا خرجت أخذتها معي، ويطلبون مني أني أخليها تجلس معهم، وأنا أرفض، وزوجتي تستحي من الأهل، وتخاف يصير مشاكل، وإذا تركتها تجلس معهم تقوم تجلس بعيده عن التلفزيون تجلس لحالها وأحيانا أسمع دعوة من الوالدة تقول: " ليت الله ما هداك، آذيتنا! " أعوذ بالله مشكلتي في العمل / أنا أعمل في القطاع العسكري، أصحابي كلهم من الصحبة السيئة، الملتزمون 3 فقط، الملتحون 6، ممن يتغاضون عن أشياء كثيرة، وأن هذا ليس من الدين في شيء، والبقية منهم يشرب الحشيش ويستخدم المخدرات، ومن يغازل النساء، طبعاً الغالبية مدخنون. يا شيخ اتفقوا على الإساءة إليّ، فلا أدخل في مجلس إلا يذكروني بالماضي، ويستهزئون بالملتحين، ويسبونهم، وينعتونهم بـ " الكذابين " و " الإرهابيين "، وأنا تصيبني الغيرة، وأقول لهم: أنتم تسبون إخوانكم، يعني: مسلمين، ما يجوز، حرام تستهزئون باللحية لأنها سنة. يا شيخ أساؤوا لسمعتي، في أغلب المجالس يكثر الانتقادات على الملتحين، ولا يذكرونهم بخير. يا شيخ أحس أني أجرمت في حق إخواني الملتزمين، هل معنى هذا أن التزامي بالشريعة وإطلاق اللحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الزمان: أصبح جريمة لا بد أدفع ثمنها، أو أصير منحرفا مثلهم؟ يا شيخ حتى مديري يقول: أنتم الملتحون حاطكم تحت المجهر، والله أي غلطة ما أغفرها لكم. عملت بعض الحلول: أولاً: قدمت نقل من نفس الإدارة لإدارة أخرى، ولكنها ستطول قليلاً. ثانياً: كل من أساء الأدب بقول أو فعل قطعت علاقتي معه نهائيّاً، وهذا حد من المشكلة كثيراً جدّاً، ولكنه لا يعجبني؛ فقد أصبح الناس تحذر من التعامل معي والخوف من أن يغلطوا عليَّ، فأصبحوا ينفرون منِّي، وينفِّرون الناس. أرجو من فضيلتكم أن تجدوا لي الحل المناسب؛ لأني والله تعبت نفسيّاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هنيئا لك هذه التوبة، يا عبد الله، وهنيئا لك رجوعك إلى ربك، وحمدا لله على سلامتك من طريق الضلال والغواية، ورجوعك إلى طريق الإنابة والهداية، زادك الله هدى، وبرا وتقى، وثبتك على صراطه المستقيم، إلى أن تلقاه على خير ما يحب ويرضى!!
واعلم أخي الفاضل أن الشيطان لن يستسلم بعد توبتك بسهولة، ولن يدعك لحال سبيلك؛ لأنك كنت من جنوده، وخرجت من غير إذنه ولا رضاه! فصرت من جنود الرحمن، وكنت في عصابة أوليائه، وانتقلت إلى طائفة أعدائه، فمنَّ الله عليك بالهداية، وغظتَه وكبتَّه، فمن المنطقي أن يحاول ـ بكل الوسائل ـ أن يعود بك إلى سابق عهدك، فعليك بالمثابرة، والثبات، والصحبة الخيرة الصالحة التي تعينك على الحق.
ونسأل الله أن يتقبل منك غيرتك على الدين، وأمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر، وحب هداية الناس.
ثانياً:
اعلم أخي الفاضل أنه ينبغي النظر إلى قضيتك باعتبارين:
الأول: كونك تائباً مهتدياً.
والثاني: كونك داعياً إلى الله.
1. أما الاعتبار الأول:
فالوصية لك فيه: الصبر على الأذى، والتحمل للسفاهة، مع جواز استعمال الشدَّة إذا لزم الأمر، وذلك إذا تعلَّق الاستهزاء بالدين، وقدرت على منعه وإيقافه.
والشيطان له جنود يرسلهم للكيد والمكر وصد الناس عن الدين، وهؤلاء الجنود ليسوا من الجن كلهم، بل له جنود كذلك من الإنس، وهم الذين يقومون بمهامه في صرف الناس عن الطاعة، ودفعهم لفعل المعاصي، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) الأنعام/ 112.
وقد طمأنك ربك تعالى، وبشرك بالثواب الجزيل يوم القيامة إن صبرت على أذى هؤلاء السفهاء في الدنيا، وذلك بالرفعة في الدرجات يوم القيامة، وقد توعدهم ربنا تعالى بالعقوبة البالغة إن هم ماتوا على سفهاتهم واستهزائهم بالمؤمنن.
قال تعالى: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) البقرة/ 212.
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ. وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ. وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ. وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ. فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ. عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ. هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) المطففين/ 29 – 36.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
يُخبر تعالى عن المجرمين أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين، أي: يستهزئون بهم ويحتقرونهم، وإذا مروا بالمؤمنين يتغامزون عليهم، أي: محتقرين لهم.
(وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) أي: إذا انقلب، أي: رجع هؤلاء المجرمون إلى منازلهم، انقلبوا إليها فاكهين، أي: مهما طلبوا وجدوا، ومع هذا ما شكروا نعمة الله عليهم، بل اشتغلوا بالقوم المؤمنين يحتقرونهم ويحسدونهم.
(وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّون) أي: لكونهم على غير دينهم.
قال الله تعالى: (وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِين) أي: وما بُعث هؤلاء المجرمون حافظين على هؤلاء المؤمنين ما يصدر من أعمالهم وأقوالهم، ولا كلفوا بهم، فلم اشتغلوا بهم وجعلوهم نصب أعينهم، كما قال تعالى: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ. إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ. فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ. إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) المؤمنون/ 108 – 111.
ولهذا قال هاهنا: (فَالْيَوْمَ) يعني: يوم القيامة.
(الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) أي: في مقابلة ما ضحك بهم أولئك.
(عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ) أي: إلى الله عز وجل، في مقابلة من زعم فيهم أنهم ضالون، ليسوا بضالين، بل هم من أولياء الله المقربين، ينظرون إلى ربهم في دار كرامته.
وقوله: (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) ؟ أي: هل جوزي الكفار على ما كانوا يقابلون به المؤمنين من الاستهزاء والتنقص أم لا؟ يعني: قد جوزوا أوفر الجزاء، وأتمه، وأكمله.
" تفسير ابن كثير " (8 / 353، 354) .
فاصبر أخي الفاضل واحتسب الأجر على سفاهة هؤلاء، وداوم على تذكيرهم بحكم فعلهم، وأنهم إن تعرضوا للدين باستهزاء وسخرية فقد خرجوا من ملة الإسلام، ولحقوا بإخوانهم من الكفار والمجرمين، الذين سبق ذكر حالهم في الآيات السابقة.
2. وأما الاعتبار الثاني:
فالوصية فيه أن تسلك الطرق المناسبة لعلاج هؤلاء المرضى، فأنت بهذه الاعتبار لست رجلاً عرف الطريق فسلكه، بل أنت الآن داعية إلى الله، تريد أن تعبر بهؤلاء بحر الظلمات ليصلوا إلى بر الأمان والسلامة، فالوصية لك أن تزيد من العلم الشرعي، والطاعات التي تقربك لخالقك عز وجل، وأن تكون حكيماً في تبليغ رسالة رب العالمين لهؤلاء المرضى، والحكمة هي وضع الشيء في مكانه المناسب، فالأصل في التعامل معهم الرفق واللين، ولا مانع من استعمال الشدة مع بعضهم إن رأيت أن ذلك يردعه.
قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) آل عمران/ 159.
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح، والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم، والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟! .
أليس من أوجب الواجبات، وأهم المهمات، الاقتداء بأخلاقه الكريمة، ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم، من اللين، وحسن الخلق، والتأليف، امتثالاً لأمر الله، وجذباً لعباد الله، لدين الله.
ثم أَمَرَه الله تعالى بأن يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه صلى الله عليه وسلم، ويستغفر لهم في التقصير في حق الله، فيجمع بين العفو والإحسان.
" تفسير السعدي " (ص 154) . وانظر: " تفسير الطبري " (7 / 341) .
وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ! قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ.
رواه البخاري (5678) ومسلم (2165) .
قال النووي – رحمه الله -:
هذا مِن عظيم خلُقه صلى الله عليه وسلم، وكمال حلمه، وفيه: حث على الرفق، والصبر، والحلم، وملاطفة الناس، ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة.
" شرح النووي على مسلم " (14 / 145) .
وقال الشوكاني – رحمه الله -:
في الحديث استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين، إذا لم يترتب عليهم مفسدة.
" نيل الأوطار " (8 / 146) .
ثالثاً:
وبخصوص أهلك:
عليك أن تصبر على أذاهم، وتداوم النصح والتذكير، ولا تيأس من ذلك، واحرص أشد الحرص على هدايتهم، ونوِّع في الأساليب، وتلطف معهم، ولا ترخ الحبل لزوجتك إذا كان في جلوسها مع أهلك معاصٍ أو منكرات، إلا أن تكون تستطيع تغييرها، ولا ينبغي أن يدفعها خجلها منهم إلى أن تُغضب ربها بسماع أو مشاهدة المحرَّمات، كما أن عليها مسئولية كبيرة في الوقوف مع زوجها، ونصرته، وتثبيته على الهداية والطاعة.
ونأسف لقول والدتك تلك المقولة الشنيعة، ولا ندري كيف قالتها ولعلها لا تعلم ما فعله بعض أصحاب المخدرات مع أمهاتهم وأخواتهم! ولا تدري ما فعلوه في إفساد الأسر، والمجتمعات، ولا تدري كم تبذل الأسر من مال ووقت وجهد حتى يصلح الله ولداً من أولادها يتعاطى المخدرات والمسكرات؛ لما رأوه من الأذى والضرر والشر منه.
وبخصوص عملك:
فإن رأينا أنك أحسنت في طلبك النقل إلى مكان آخر خير منه، وخاصة أنك في أول طريق الهداية والتوبة، وتحتاج لصحبة صالحة تدلك على الخير، وتحثك على فعله، وتحذرك من الشر، وتحثك على تركه.
ونعيد أن الأصل في التعامل هو الرفق واللين مع أهلك، وزملاء العمل، وغيرهم، ولا مانع من المخاشنة والشدة مع من يستحقها، إن رأيت في ذلك مصلحة لكف لسانه عن الدين والاستهزاء به.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/179)
كانت متدينة فتزوجت وانقلب حالها فتركت الصلاة!
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ صغري وأنا مولعة بالدين، كثيرة الصلاة، دائمة التعبد، لدرجة الإدمان، لكن بعد زواجي تركت الصلاة لكثرة الجماع ومشقة الغسل، وقد مرَّ على زواجي 6 سنوات، وأصبح لي بنتان، وكثرت المسؤولية، وكرهت نفسي، لا تعلم كم أنا ضائعة، أستحلفك بالله أن تساعدني. جزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بل نعلم كم أنتِ ضائعة! ونعلم أنكِ أوبقتِ نفسك، وسلكتِ طريق المهالك، ولا ندري كيف وصل الحال بك لهذا وأنت تصفين نفسك بأنكِ كنتِ مولعة! بالدين، ومدمنة! على العبادة، والأصل فيمن كان هذا حاله أن يزداد قرباً من ربه، وأن يتعلق قلبه بالإسلام أكثر، وأن يصبح ويمسي وهو يشتاق للجنة ولقاء الله تعالى، لا أن ينقلب على عقبيه، وينتكس بعد الهداية.
وما تذكرينه من أعذار ليس بشيء، فكثرة الجماع والاغتسال لا تمنع من إقامة الصلاة، وكثرة المسئوليات لا تجعل المرء يرضى لنفسه الخروج من الإسلام لأجل تحملها، ولو تأملتِ في النساء حولك لرأيت من عندها عشرة من الأولاد أو أقل أو أكثر، ولم يعقها ذلك عن إقامة الصلاة، والقيام بحقوق الزوج، وتربية أولادها، والأمر يرجع إلى الإنسان نفسه، فأي طريق رضي سلوكها فقد رضيها طريقاً، ورضي بعواقبها، وهل كنتِ تعتقدين أن من ترك الصلاة أنه سيثاب، ويُعان، وتَدخل السعادة لحياته؟! بل لا ينتظر هذا إلا الشقاء والبؤس والحرمان من السعادة والتخلي عن إعانته، ولن يكون مصيره في الآخرة إذا مات على هذا إلا النار – والعياذ بالله -.
إنهما صورتان متضادتان، في الفعل، وفي الحكم، الأولى: لمن آمن وعمل صالحاً، والثانية لمن أعرض عن ذكر الله، فالأولى: وعد الله تعالى أصحابها بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، والثانية: توعَّد الله تعالى عليها بالشقاء والضنك في الدنيا والآخرة.
في الأولى قال ربنا تبارك وتعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97
وفي الثانية قال ربنا تبارك وتعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه/ 124.
وأنتِ قد اخترتِ بملء إرادتك الطريق الثانية، فرأيتِ الضياع، والضنك، وهذا كله يهون في مقابل ما توعدك الله عليه في الآخرة!
قال ابن القيم – رحمه الله -:
والمقصود: أن الله سبحانه أخبر أن من أعرض عن ذكره - وهو الهدى الذي من اتبعه لا يضل ولا يشقى -: بأن له معيشة ضنكاً، وتكفل لمن حفظ عهده أن يحييه حياة طيبة، ويجزيه أجره في الآخرة، فقال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) فأخبر سبحانه عن فلاح من تمسك بعهده علما وعملا، في العاجلة بالحياة الطيبة، وفي الآخرة بأحسن الجزاء، وهذا بعكس من له المعيشة الضنك في الدنيا، والبرزخ، ونسيانه في العذاب بالآخرة، وقال سبحانه: (ومَن يَعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين. وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) فأخبر سبحانه أن من ابتلاه بقرينه من الشياطين، وضلاله به: إنما كان بسبب إعراضه وعشوه عن ذكره الذي أنزله على رسوله، فكان عقوبة هذا الإعراض أن قيَّض له شيطاناً يقارنه، فيصده عن سبيل ربه، وطريق فلاحه، وهو يحسب أنه مهتد، حتى إذا وافى ربه يوم القيامة مع قرينه، وعاين هلاكه وإفلاسه: قال: (يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين) وكل مَن أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله: فلا بدَّ أن يقول هذا يوم القيامة.
" مفتاح دار السعادة " (1 / 43، 44) .
فها هما الطريقان أمامكِ، اختاري أيهما شئتِ، وعلى حسب اختيارك تكون العاقبة، في الدنيا والآخرة.
واعلمي أن ترك الصلاة كفر مخرج من الملة، ويترتب على ذلك فسخ عقد الزوجية، وعدم توريثك من أهلك المسلمين شيئاً، وعدم الصلاة عليكِ بعد الموت، ولا دفنك في مقابر المسلمين، نعم، هذه هي أحكام المرتدين، الذين أنعم الله عليهم بالهداية للإسلام، فذاقوا طعم الإسلام، وحلاوة الإيمان، ثم رضوا لأنفسهم بالكفر والردة عن الدين.
ولا نجد ما ننصحك به إلا سلوك طريق الإيمان، وهو طريق السعادة في دنياكِ وأخراكِ، واستعيني بالله تعالى على القيام بواجباتك تجاه زوجك وأسرتك، ونظمي مع زوجك أوقات الجماع، وارجعي لسالف عهدك من الطاعة والعبادة، قبل أن يُختم لك بشر خاتمة، فتلقي ربك تعالى وأنت بأسوأ حال – والعياذ بالله -، وهو ما لا نتمناه لكِ.
واعلمي ـ أنت وهو، يا أمة الله ـ أن الحياة الزوجية ليست انهماكا في شوات البطن والفرج، كما قد يظن بعض الغافلين، بل هي زيادة أعباء، وتحمل أمانات، والموفق من يُعان على الموازنة بين الحقوق، وإعطاء كل ذي حق حقه.
آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟
قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا!!
فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ [يعني: قال: سلمان لأبي الدرداء] : كُلْ!!
قَالَ [أبو الدرداء] : فَإِنِّي صَائِمٌ!!
قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ؛ قَالَ: فَأَكَلَ!!
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ!! ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ، فَصَلَّيَا.
فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ!!
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَدَقَ سَلْمَانُ)
رواه البخاري (1986)
وانظري – للأهمية – جواب السؤال رقم (14296) ، ورقم (82866) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/180)
متزوج، وله مواهب متعددة، ويعاني من التخبط والفوضوية
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أنني لا أعرف ما هي مشكلتي بالضبط!!!! أنا شاب قاربت الثلاثين من العمر، متزوج ولدي بنت واحدة - ولله الحمد – المشكلة هي أنني شخص فوضوي لأبعد حدٍّ، متخبط جدّاً، والمشكلة أني - ولله الحمد - متعدد المواهب، فأنا شاعر، وقاص، ومبدع في التأليف، والإخراج المسرحي والتلفزيوني، وبارع في مجال الأدب والشعر، وفي مجال التاريخ، وكذلك الثقافة العامة، وفهم الواقع، سريع الحفظ، قوي الذاكرة , ومع ذلك فقد كنت مهملاً جدّاً في دراستي، مع العلم أني كنت أستطيع التفوق ولكن! أعشق النوم والكسل، نادراً ما أنجز شيئاً، أحيانا طموحاتي تتجاوز حدود الخيال، فأنا أريد أن أكون كل شيء، فعندما أجد كتاباً في التاريخ - مثلاً -: أجزم أني سأكون مؤرخاً كالطبري، وعندما أشاهد عالِماً في التلفاز - مثلا - ويعجبني: أقرر بعدها أن أكون طالب علم يشار إليه بالبنان، وبعد فترة أطالع قصيدة فأقول: سأكون شاعر الأمة الكبير، وهكذا تجدني في اليوم الواحد أقرر أن أكون أعظم رجل في العالم، وأصل إلى كل شي، وأكون، وأكون، والعجيب أني أحياناً أرسم، وأضع خططاً وبرامج وأنا مبدع في ذلك، ولكنها حبر على ورق، مع يقيني أني لو عملت ربع هذه الخطط لأصبحت أفضل بكثير مما أنا عليه الآن، والأغرب من كل هذا أني متميز في مجال التربية، والشباب، والمراكز الصيفية، ولا يستطيع أحد أن يجاريني، فالأسرة التي أكون أنا رئيسها في المركز: تكون الأولى في كل شيء، ولكني لم أستطع أن أربي نفسي. أغراضي وملابسي دائما في فوضى، كل شي بعدي يكون فوضويّاً، لا أعرف الترتيب، ولا النظام، أحس أن الأشخاص المنظمين أناس لا يستمتعون في حياتهم، أحسهم كـ " الربورتات " التي تؤدي مهامها فقط. أنا كثير الأحلام والخيال، أما في الواقع: فلا شيء، بصراحة وأنا الآن عاطل، تركت الجامعة بعد سنوات طويلة، فأنا متخرج من الثانوية قبل عشر سنوات تقريبا، دخلت الجامعة وتنقلت بين عدة أقسام فيها ... وفي مجال الأعمال الخيرية والتطوعية كنت الأبرز من بين الشباب، وإذا استلمت عمل: أُبدع فيه، ولكن سرعان ما أتركه حتى عُرف عني هذا الأمر، وأصبحت لا أُكلف بشي، مع علمهم أنني أفضل من يقوم بأي أمر. عمري يقارب الثلاثين، ولا يوجد لديَّ دخل، مع أني متزوج، ولم أتعظ، ولكني متضايق جدّاً من حالتي المزرية، وأنا جاد في البحث عن الحل. والله المستعان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، ونسأله تعالى أن ييسر أمرك، ويفرِّج كربك، ورسالتك تحمل في طياتها شعوراً صادقاً للبحث عن حلٍّ لما تعيشه من اضطرابٍ في التفكير، وخلل في التصور للأهداف الحياتية، ولذا فسنحاول جهدنا الوصول بك إلى برِّ الأمان، ونرجو أن تتعاون معنا بتحقيق ما نقوله لك في واقع العمل، بعد أن تقرأه في واقع النظر.
1. إذا كنتَ مضطرباً في تحديد الهدف لحياتك فترى نفسك متنقلاً من مهنة إلى أخرى، ومن عملٍ لآخر، ومن موهبة لأختها: فلا ينبغي لك أن تتجاهل الغاية التي من أجلها خُلقت، بل خلق الإنس والجن من أجلها، وهي توحيد الله وعبادته، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/ 56، ومعرفتك لغاية واحدة خُلقت لأجلها، وسيرك في هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها هو أيضاً عامل مساعد قوي في حل مشكلتك، فإن نسيت أو غفلت أو ضيعتك هموم الدنيا فإياك أن تغفل عن غاية خلقك، واعمل جاهداً لتحقيقها، وسترى السعادة في الدنيا قبل الآخرة.
قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97. قال ابن القيم – رحمه الله -:
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله روحه - يقول: إن في الدنيا جنَّة مَن لم يدخلها: لا يدخل جنة الآخرة.
وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنَّتي وبستاني في صدري، إن رحتُ فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.
" الوابل الصيب " (ص 67) .
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن غيره في " مجموع الفتاوى " (10 / 647) قوله: لقدْ كنت في حال أقول فيها: إن كان أهل الجنة في الجنة في مثل هذا الحال: إنهم لفي عيش طيب. انتهى
2. ونرى أن عندك جوانب إيجابية ينبغي لك استثمارها، وجوانب سلبية ينبغي لك التخلص منها.
ومن الجوانب الإيجابية عندك:
أ. أنك متعدد المواهب، فمثلك لا يجد صعوبة في الاستقرار على شيء، والإبداع فيه.
ب. أنك سريع الحفظ، وقوي الذاكرة، وهاتان الميزتان لم تُذكرا إلا في تراجم قليلة من أهل العلم والأدب والإبداع، فتستطيع أن تملأ صدرك بكتاب الله تعالى، وتستطيع أن تطلب العلم الشرعي فتكون من الحاملين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والذابين عنه وعن دينه.
ج. أنك تملك طموحاً قويّاً، وهذا يعني قوة الشخصية، وقوة الإرادة.
د. تميزك في جانب الدعوة إلى الله، وحفظ القرآن، والقيام بالأعمال الخيرية، وهذا يمكنك استثماره في تحقيق هدك في الحياة؛ لأن مثلك وقف على جوانب من الشرع من الآيات والأحاديث.
وأما الجوانب السلبية التي ينبغي لك التخلص منها فوراً، ودون تردد:
أ. عشقك للنوم والكسل، وهذا أمرٌ محزن أن يكون من مثلك، فأنت مفعم بالحيوية والطاقة، وتملك مواهب متعددة، وعندك طموح قوي، وكل ذلك لا يتناسب مع الكسل والنوم، وقد ذم الأطباء والعلماء والعقلاء كثرة النوم، وجعلوها في سلسلة الأمراض التي تقتل الهمة والعمل وتمرض البدن.
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: خصلتان تقسيان القلب: كثرة النوم، وكثرة الأكل.
وقال ابن القيم - رحمه الله -:
وأما مفسدات القلب الخمسة: فهي التي أشار إليها: من كثرة الخلطة، والتمني، والتعلق بغير الله، والشبع، والمنام، فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب.
" مدارج السالكين " (1 / 453) .
وشرح ما يتعلق بالنوم فقال - رحمه الله -:
المُفسد الخامس: كثرة النوم؛ فإنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل، ومنه المكروه جدّاً، ومنه الضار غير النافع للبدن ... .
وبالجملة: فأعدل النوم وأنفعه: نوم نصف الليل الأول، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثمان ساعات، وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه.
" مدارج السالكين " (1 / 459) .
فانتبه لهذا الأمر، والتزم بأنفع النوم وأعدله، ودع عنك النوم الزائد عن الحاجة، وانظر لما يسببه من آثار سيئة، ولا ترضى لنفسك إلا بالكمال.
ب. يظهر لنا من رسالتك أنك تبحث عن المجد والشهرة، ولا يهمك تحقيق ما تصبو إليه نفسك إلا من أجل أن تكون مميزاً ويشار إليك بالبنان – على حد تعبيرك -، وهذا أمرٌ خطير، ويجب عليك التوقف عن هذه النية، والتوقف عن السعي لتحقيق مجد وشهرة؛ فإن هذا من كبائر الذنوب، وهو مُحبط للأعمال، وهو مسبب للقلق والكآبة حتى وإن تعلق بأمر غير شرعي؛ لأن سعيك لأن تكون شاعر الأمة، أو عالِماً، أو أعظم رجلٍ في الدنيا: لن يأتي من مواهب متعددة، وطموح جامح، مع كثرة نوم، بل يحتاج لكد وتعب وجد واجتهاد، وسترى نفسك مع واقعك أنك لن تصبح كذلك، فتصاب بالإحباط والكآبة، وهذا هو الواقع، وأنت قد أخطأت خطأ عظيماً، وإياك أن تبحث عن مجد نفسك وشهرتها؛ فإن ذلك سيكون على حساب الأجور والثواب إن كان في أعمالك طاعات، وسيكون على حساب صحتك وعقلك وبدنك ووقتك إن كان في أعمالك أمور دنيوية، فاحذر هذا المرض الخطير، وليكن طلبك للعلم وحفظك للقرآن من أجل الأجور التي عند الله، وليكن تنافسك مع غيرك داعياً لك للعمل والاجتهاد، دون نية إزاحة غيرك والجلوس مكانه.
ج. التخبط في الاستقرار على عملٍ معيَّن، وأنت قد حباك الله مواهب متعددة، وتملك مواصفات مميزة، وهذا التخبط سببه هو: عدم الاستقرار على شيء واحد من مواهبك وأعمالك، فالذي ننصحك به: أن تنظر أي الأشياء أقرب لقلبك من الأعمال التي تتقنها، اخترها ودع غيرها، واعمل في حقلها، وأبدع في صناعتها وإنتاجها وقيامها، على شرط أن تكون موافقة للشرع، فوضوح الهدف عندك لتحقيق عمل معيَّن سيجعلك تصرف النظر عن غيره، واستقرارك على عملٍ واحد دون غيره: سيريح بالك، ويجعلك تبدع في تحقيقه، ولك أن تتصور كم سيكون ذلك مساهماً في حل مشكلتك، وكم سيفرح ذلك زوجتك الصابرة على أفعالك وكسلك ونومك!
د. الفوضوية في ملابسك وترتيب أغراضك: أمر مخالف للفطرة والعقل، ولا يمكن لإنسان حباه الله تعالى عقلاً سليماً ويستمتع بالفوضى وعدم الترتيب، وهب أنك جئت مطعماً لتأكل فيه، ووجدته فوضويّاً كما هو حالك: فهل ستستمتع بالأكل فيه؟ وهب أنك جئت محلا للبقالة لتشتري غرضاً فلم تجد رفوفاً ولا ترتيباً للمواد، ولا تصنيفاً لها، وسألت صاحب المحل عن شيء منها، فقال لك: ابحث في كل أغراض المحل فستجده بينها! فأي عاقل يمكن أن يقول إن هذه الفوضى خير من الترتيب والتنظيم والتصنيف للمواد؟! وقل مثل ذلك في شئون حياتك كلها، فالاستمتاع – أخي الفاضل – هو بوضع كل شيء في مكانه المناسب، والاستمتاع بالنظافة، والطهارة، والترتيب، وليس بعكس ذلك.
أخي الفاضل:
احرص على ما عندك من أمور إيجابية، ونمِّها، وقوِّها، وتخلص مما عندك من سلبيات، واعلم أنك مسئول عن نفسك، وعن زوجتك، وابنتك، فأي زوج تحب أن تكون؟ وأي أبٍ تود أن تراه ابنتك؟ الأمر يرجع إليك في الانطلاق نحو الكمال، وأن تدع عنك الكسل، وتنهض لتقوم بعملٍ واحد شرعي، تبدع فيه، وتحقق آمالك بالعمل المستقر، والحياة الهانئة، فتسعد، وتسعد زوجتك، وابنتك، ولا تنس الهدف الأسمى الذي خُلقت من أجله، وهو توحيد الله وعبادته، فأكثر من الأعمال الصالحة، واستثمر ذاكرتك وقوة حفظك في إتمام حفظ كتاب الله تعالى، والالتزام بحلقات العلم، واسأل ربك تعالى أن يوفقك، وأن يهديك لما فيه صلاح، وصلاح أسرتك.
ننصحك بأن تبحث عن عمل وظيفي تلتزم به، يكون متناسبا مع أقرب مواهبك إلى نفسك، وأولاها عندك بالعطاء والإبداع، ولو أمكن أن تعرض شيئا من أعمالك على بعض المجلات الإسلامية، أو المواقع الإلكترونية الإسلامية، فربما تجد فرصة للعمل والعطاء عندهم، وربما يجدون هم ـ أيضا ـ عندك من الموهبة والعطاء، ما يمكن أن ينفع الناس بما عندك من الخير، وتستثمر فيه النعمة التي رزقك الله، شريطة أن تكون جادا في الالتزام، عازما على إصلاح نفسك وتغييرها.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/181)
كره الحياة ويتمنى الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في رجل كره هذه الحياة الدنيا أشد كراهية، وسأل الله أن يميته إن كان ذلك خيراً له، وانتظر الموت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز للمسلم أن يكره الحياة وييأس فيما عند الله تعالى من فرج وخير، والواجب عليه أن يصبر على ما يلاقيه من أقدار الله ويحتسب ما يصاب به من مصائب عنده تعالى، ويسأله سبحانه أن يصرفها عنه، ويعينه ويأجره على ما يقدر عليه منها، وينتظر الفرج منه تعالى، قال سبحانه: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) الشرح /5، 6، ويكره للمسلم تمني الموت لضر نزل به من مرض أو ضيق دنياً أو غير ذلك، وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) ، وفي الصورة المذكورة في الحديث نوع تفويض وتسليم للقضاء. وما يصيب المسلم في هذه الدنيا من مصائب كفارة له، إذا احتسبها عند الله تعالى ولم يتسخط، وفيها إيقاظ لقلبه من الغفلة، وموعظة في المستقبل.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/398) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/182)
هل تحرم عليه زوجته إذا زنى بأختها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا زنى الرجل بأخت زوجته تحرم عليه زوجته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرم الله تعالى على الرجل أن يجمع بين الأختين، قال الله تعالى في ذكر المحرمات من النساء: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) النساء/23، واختلف العلماء فيمن زنى بأخت امرأته هل يكون الزنا كالزواج بها أم لا؟
قال ابن قدامة في "المغني": " فإن زنى بأخت امرأته فقال أحمد: يمسك عن وطء امرأته حتى تحيض ثلاث حيض.
ويحتمل أن لا تحرم بذلك أختها , ولا أربع سواها ; لأنها ليست منكوحة , ومجرد الوطء لا يمنع, بدليل الوطء في ملك اليمين لا يمنع أربعا سواها" انتهى.
واستدل من منعه من جماع امرأته حتى تنقضي عدة المزني بها، بحديثين:
1. ما رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعْ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ) .
2. وما رُْوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَلْعُونٌ مَنْ جَمَعَ مَاءً فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ) .
والحديثان لا أصل لهما، فهما موضوعان.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"لا أصل له باللفظين.
وقد ذكر ابن الجوزي اللفظ الثاني، ولم يعزه إلى كتاب من كتب الحديث، وقال ابن عبد الهادي: لم أجد له سنداً بعد أن فتشت عليه في كتب كثيرة" انتهى.
" التلخيص الحبير " (3 / 343) .
والقول الصحيح: أن زناه لا أثر له في تحريم زوجته، والعدة واجبة عليها إن أرادت النكاح بعد توبتها، ولا تعلق لعدتها بجماعه لزوجته.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"قال في "الروض المربع" لمؤلفه الشيخ منصور البهوتي الحنبلي: " ومَن وطئ أخت زوجته بشبهة، أو زنا: حرمت عليه زوجته، حتى تنقضي عدة الموطوءة ".
يعني: لو أن رجلاً زنا بأخت زوجته - والعياذ بالله - قلنا له: إن زوجتك حرام عليك حتى تنقضي عدة المزني بها، فلو قدر أن المزني بها حملت من هذا الوطء: فلا تحل له زوجته حتى تضع المزني بها حملها، ولو بقي في بطنها أربع سنوات!! لكن تقدم لنا القول الراجح أن الزنا لا أثر له، ولا يمكن أن نجعل السفاح مثل النكاح الصحيح" انتهى.
" الشرح الممتع " (12 / 133، 134) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/183)
أختها لا تصلي ولا تحسن التصرف
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل لأختي الصغرى، فهي لا تصلي ودائماً تكذب وتتشاجر، وجميع من في البيت سئم من تصرفاتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لك تواصلك معنا، ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا.
أما حال أختك فهو حال كثير من الشباب في هذا الزمان نسأل الله لنا ولهم الهداية، وواجبنا نحوهم - فيما يظهر - كما يلي:
أولا: ينبغي التوجه إلى الله بطلب الهداية لهم، فهو مقلب القلوب، ولربما دعوة خرجت من القلب تكون سببا في سعادتها في الدنيا والآخرة.
ثانيا: ينبغي ترك التعامل معها على أنها صغيرة، أو أنها لا تدرك مصلحتها فالإنسان – لاسيما في سن المراهقة – يحب ممن حوله أن يشعروه بأهميته، ولا يحب أن يعامله الناس على أنه لا يزال صغيراً.
ثالثا: محاولة ربطها بفتيات صالحات، وإبعادها عن صديقاتها الغير صالحات، حتى لو استدعى ذلك مثلاً نقلها من المدرسة التي تدرس بها، وينبغي أن يكون ذلك بحيث لاتنتبه هي؛ لأنها ربما تتصرف تصرفا عناديا يزيد من المشكلة.
رابعا: ينبغي أن لا تكون نظرتكم لها هي نظرة التضايق فقط، بل ينبغي إظهار الفرح بما تفعله من الأشياء الطيبة وتقديم الهدايا لها إذا فعلت أمرا طيبا.
خامسا: يمكنكم مناصحتها من خلال شخص تحبه كمدرستها أو صديقة لها أو غير ذلك.
سادسا: احرصوا على محاولة إيصال الشريط أو الكتاب الذي فيه موعظة بطريق غير مباشر، كوضعه قريبا منها أو الاستماع للشريط في السيارة في حال ركوبها.
وأما كونها لا تصلي فهذا أمر في غاية الخطورة، فمنزلة الصلاة في الإسلام بمنزلة العمود الذي يقوم عليه البناء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الترمذي (2621) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2113) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم (82) .
فالواجب عليكم مناصحتها ووعظها وحملها على الاستقامة، لتجمعوا في ذلك بين أسلوبي الترغيب والترهيب، واللين والشدة، فإن احتاج الأمر إلى الشدة أحياناً فلا بأس من استعمالها.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع) رواه أبو داود (495) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (466) .
وهذه الشدة والقسوة إنما هي لمصلحتها.
قال الشاعر:
قسا ليزدجروا ومن يك راحماً فليقسُ أحياناً على من يرحمُ
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/184)
مصابة بمرض الخوف، وينتابها الهم والغم، فكيف تقي نفسها وتعالجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني منذ وقت قليل من مخاوف عديدة، وأولها هي: أني أخاف من الأمراض، وخاصة من مرض السرطان، فأجد نفسي أنظر إلى جسدي لا ألاحظ أشياء تدلني على أني مريضة، أو أخاف بمجرد إحساسي بأي وجع، وصل بي الحد إلى أني لا أصلي بخشوع، ولا أستطيع التسبيح من كثرة الخوف والفزع الذي يمنعني من العيش، أحب ربي، وثقتي في كرمه وجوده ورحمته كبيرة، لكني وبعد محاولات عديدة للتخلص من هذا: أجد نفسي أغرق. أرجوكم ساعدوني بالدعاء لي بالصحة، وهل هذا مرض نفسي، أم وساوس من الشيطان؟ وهل هناك أدعية للتخلص من الهموم؟ . ادعوا لي أرجوكم، وحتى أهلي قلقون كثيراً عليَّ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلمي أن مصدر هذا التخويف لك هو الشيطان، فعليك أن تستعيني بربك تعالى عليه، وتحذري كيده ومكره، وتكثري من الاستعاذة بالله تعالى منه.
قال الله تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران/ 175.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
"أي: فإذا سوَّل لكم، وأوهمكم: فتوكلوا عليَّ، والجؤوا إليَّ، فأنا كافيكم، وناصركم عليهم، كما قال تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) الزمر/ 36 – 38، وقال تعالى: (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) النساء/ 76، وقال تعالى: (أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) المجادلة/ 19، وقال تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) المجادلة/ 21، وقال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) الحج/ 40، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد/ 7، وقال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ. يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) غافر/ 51، 52" انتهى.
" تفسير ابن كثير " (2 / 172) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
"وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله، والخوف المحمود: ما حجز العبد عن محارم الله" انتهى.
" تفسير السعدي " (ص 157) .
ثانياً:
من جعل الله وليّاً له: لم يكن للشيطان عليه سبيل، ومن تخلى عن ولاية الله فقد جعل الشيطان وليّاً له.
قال الله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) النحل/ 98 – 100.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
"أي: فإذا أردت القراءة لكتاب الله الذي هو أشرف الكتب، وأجلُّها، وفيه صلاح القلوب والعلوم الكثيرة: فإن الشيطان أحرص ما يكون على العبد عند شروعه في الأمور الفاضلة، فيسعى في صرفه عن مقاصدها، ومعانيها.
فالطريق إلى السلامة من شرِّه: الالتجاء إلى الله، والاستعاذة به من شرِّه، فيقول القارئ: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " متدبراً لمعناها، معتمداً بقلبه على الله في صرفه عنه، مجتهداً في دفع وساوسه، وأفكاره الرديئة، مجتهداً على السبب الأقوى في دفعه، وهو التحلي بحلية الإيمان، والتوكل؛ فإن الشيطان (لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ) أي: تسلط (عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ) وحده لا شريك له (يَتَوَكَّلُونَ) فيدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شرَّ الشيطان، ولا يبقى له عليهم سبيل.
(إِنَّمَا سُلْطَانُهُ) أي: تسلطه (عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) أي: يجعلونه لهم وليّاً، وذلك بتخليهم عن ولاية الله، ودخولهم في طاعة الشيطان، وانضمامهم لحزبه، فهم الذين جعلوا له ولاية على أنفسهم، فأزَّهم إلى المعاصي أزًّا، وقادهم إلى النار قَوْدًا" انتهى.
" تفسير السعدي " (ص 449) .
ثالثاً:
علَّمنا نبينا صلى الله عليه وسلم ما نقي به أنفسنا من الهموم والغموم، وعلَّمنا ما نزيل به ما يصيبنا مهما.
أما الوقاية: فهي في الإيمان، والعمل الصالح، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97.
وأما العلاج: فبالأدعية الثابتة في السنَّة النبوية، ومنها:
1. عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) . رواه أحمد (3704) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1822) .
2. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنتُ أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه كثيراً يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) رواه البخاري (2736) .
ضَلع الدَّين: غلبته وثقله.
3. عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ) رواه الترمذي (3427) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
يصاب الإنسان أحياناً بهموم وغموم، فما الأشياء التي تزيل الهموم والغموم التي تصيب المسلم؟ وهل يشرع أن يرقي الإنسان نفسه؟ .
فأجاب:
"أولاً: يجب أن تعلم أن الهموم والغموم التي تصيب المرء: هي من جملة ما يُكفّر عنه بها، ويُخفّف عنه من ذنوبه، فإذا صبر واحتسب: أثيب على ذلك، ومع هذا فإنه لا حرج على الإنسان أن يدعو بالأدعية المأثورة لزوال الهم والغم، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه -وذكر الحديث المتقدم....، فإن هذا من أسباب فرج الهم والغم.
وكذلك قوله تعالى: (لاَّ اله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ، فإن يونس عليه الصلاة والسلام قالها، قال الله تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذالِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ) ، ولا حرج أن يرقي الإنسان نفسه، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرقي نفسه بالمعوذات عند منامه، ينفث بيديه، فيمسح بهما وجهه، وما استطاع من جسده" انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (17 / جواب السؤال رقم 493) .
ولمزيد الفائدة انظري جواب السؤال (21677) .
رابعاً:
الخوف مصدره الشيطان، يمكر بك، ويكيد لك؛ ليصدك عن دين الله تعالى، فيفسد عليك صلاتك، وعموم طاعتك لربك تعالى، فاحذري مكره، وكيده، وتوكلي على ربك تعالى أشد التوكل، والجئي إليه ليصرف عنك كيد الشيطان وفتنته.
وحضور قلبك في صلاتك، وخشوعك فيها مرجعه لقوة إيمانك، وثقتك بربك تعالى، وهو ما يعينك على صرف الموانع التي تحول بينك وبين الخشوع وحضور القلب في الصلاة.
وما يوسوس لك به الشيطان: فاصرفيه عنك، ولا تستسلمي له، فكيد الشيطان ضعيف، ومن كان الله معه فهو منصور دائماً.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن ييسر لك الخير حيث كان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/185)
هل تحذر أولادها من عمتهم؟!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أخت زوجي لها سوابق في الزنا بالمحرمات، وقطعنا عنهم فترة 15 سنة، ثم رجع زوجي يكلمهم، فخفت على أولادي فطعنت بشرفها أمامهم ليبعدوا عنها، قلت: إن عمتكم مارست الجنس مع خالها، فهل يجوز ذلك لأبعد أطفالي - مع أن أطفالي منقطعون عنها، ولكن خفت من زوجي يؤثر عليهم -؟ فتكلمت على شرفها، هل يجوز؟ . وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حفظت الشريعة المطهرة أعراض الناس من أن تنال بالسوء، فشرعت لذلك حدَّ الزنى، وحدَّ القذف، حتى لا يجرؤ أحد على انتهاك أعراض الناس بالفعل وهو يعلم أن مصيره الجلد، أو الرجم حتى الموت، إلا أن يكون مفضلاً للخزي والعار والموت، على الطهارة والنقاء والسلامة، كما لا يجرؤ أحد على انتهاك أعراض الناس بالقول وهو يعلم أنه سيقام عليه حدُّ القذف، وسترد شهادته، ويكون من الفاسقين، إلا أن يكون متجرِّئا على الباطل، راضياً بالسوء والمنكر، على طهارة اللسان وعفته.
وأنت أيتها الأخت السائلة: لا يخلو ما قلتيه في حق أخت زوجك من أمرين:
الأول: أن تكون الجريمة منها غير ثابتة عليها شرعاً، وإنما هي أقاويل وافتراءات.
والثاني: أن تكون تلك الجريمة ثابتة عليها.
وثبوت تلك الجريمة لا يكون بادعاء الناس، ولا بأقاويلهم المفتراة، بل لا بدَّ من ثبوتها بإحدى الطرق الشرعية؛ حماية للأعراض؛ وحفظاً لها من طعن السفهاء، ومن طرق ثبوت جريمة الزنى – بالمحارم وبغيرهم -:
1. شهادة أربعة رجال، يرون الفرج في الفرج – الميل في المكحلة -.
2. اعتراف الزانية على نفسها أنها فعلت تلك الجريمة.
ولا يعد اعتراف الطرف الآخر بينة على طرفه المقابل حتى يعترف هو بفعله.
وعليه:
فلو أن تلك الجريمة المدعاة على أخت زوجتك لم تكن ثابتة بشهادة الشهود، ولا باعترافها: فإن قولك لأبنائك عنها: يعد قذفاً تستحقين عليه الحدَّ الشرعي، فيلزمك أن تتوبي وتستغفري ربك تعالى، وتكذِّبي نفسك أمام أولادك.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/ 4، 5.
وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور/ 23.
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله -:
والذين يَشْتمون العفائف من حرائر المسلمين، فيرمونهنّ بالزنا، ثم لم يأتوا على ما رمَوْهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون عليهنّ أنهنّ رأوهن يفعلن ذلك: فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الذين خالفوا أمر الله وخرجوا من طاعته ففسقوا عنها.
" تفسير الطبري " (19 / 102) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
قوله تعالى في هذه الآية: (يرمون) معناه: يقذفون المحصنات بالزنا صريحاً، أو ما يستلزم الزنا، كنفي نسب ولد المحصنة عن أبيه؛ لأنه إن كان مِن غير أبيه: كان مِن زنى، وهذا القذف هو الذي أوجب الله تعالى به ثلاثة أحكام:
الأول: جلد القاذف ثمانين جلدة.
والثاني: عدم قبول شهادته.
والثالث: الحكم عليه بالفسق.
فإن قيل: أين الدليل من القرآن على أن معنى (يرمون المحصنات) في هذه الآية: هو القذف بصريح الزنى، أو بما يستلزمه كنفي النسب؟ .
فالجواب: أنه دلت عليه قرينتان من القرآن:
الأولى قوله تعالى: (ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) بعد قوله (يَرْمُونَ المحصنات) ، ومعلوم أنه ليس شيء من القذف يتوقف إثباته على أربعة شهداء إلا الزنى، ومن قال: إن اللواط حكمه حكم الزنى: أجرى أحكام هذه الآية على اللائط.
القرينة الثانية: هي ذكر (المحصنات) بعد ذكر الزواني في قوله تعالى (الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً) النور/ 3، وقوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ) النور/ 2، فذِكْر المحصنات بعد ذكر الزواني: يدل على إحصانهن، أي: عفتهن عن الزني، وأّن الذين يرمونهن إنما يرمونهن بالزنى.
" أضواء البيان " (5 / 431) .
وأما إن كانت تلك الجريمة المنكرة قد ثبتت على أخت زوجك أنها فعلتها بشهادة أربعة عدول، أو باعترافها: فإنها تكون مرتكبة لجريمة نكراء، وإذا كان الزنى من كبائر الذنوب: فإن الزنى بالمحارم أقبح منه، وأشد إثماً، وأعظم جرماً.
قال ابن نجيم الحنفي – رحمه الله -:
والزنا محرم بجميع أنواعه، وحرمة الزنا بالمحارم أشد، وأغلظ، فيجتنب الكل.
" البحر الرائق شرح كنز الدقائق " (8 / 221) .
وقال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله -:
وأعظم الزنا على الإطلاق: الزنا بالمحارم.
" الزواجر عن اقتراف الكبائر " (2 / 226) .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن من زنى بمحرم من محارمه قتل، سواء أكان محصناً أم غير محصن، وذهب جمهر الفقهاء إلى أن عقوبة الزنى بالمحارم هي عقوبة الزاني بالأجنبية، فيجلد مئة جلدة إن كان غير محصن، ويرجم حتى الموت إن كان محصناً.
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -:
قد اتفق المسلمون على أن من زنا بذات محرم فعليه الحد، وإنما اختلفوا في صفة الحد هل هو القتل بكل حال، أو حده حد الزاني، على قولين، فذهب الشافعي، ومالك، وأحمد - في إحدى روايتيه -: إلى أن حدَّه حد الزاني، وذهب أحمد، وإسحق، وجماعة من أهل الحديث إلى أن حدَّه القتل بكل حال.
" الجواب الكافي " (ص 123) .
ومن آثار ثبوت تلك الجريمة على أخت زوجك: أنه لا يعد ما قلتيه في حقِّها قذفاً، إلا إن كانت قد تابت من ذلك الفعل توبة نصوحاً، أو أقيم عليها الحد الشرعي – إن كان الحد هو الجلد -، فإن ثبتت جريمتها، ولم تتب منها، ولم يقم عليها حد الجلد: جاز تحذير أولادك وغيرهم ممن يمكن أن يتأثروا بها، أو تسوء أخلاقهم بمصاحبتها وزيارتها، وليس هذا من الغيبة المحرمة، بل هو من الغيبة الجائزة.
قال النووي – رحمه الله -:
اعلم أنَّ الغيبةَ وإن كانت محرّمة: فإنها تُباح في أحوال، للمصلحة، والمُجوِّزُ لهَا غرض صحيح شرعي، لا يمكن الوصولُ إليه إلا بها، وهو أحد ستة أسباب:
...
الرابع: تحذير المسلمين من الشرّ، ونصيحتهم.
" الأذكار للنووي " (ص 792) .
على أن يكون ذلك التحذير لا يكون دافعه وجود خلاف شخصي، بل يجب أن يكون على وجه النصح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –:
وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح، وابتغاء وجه الله تعالى، لا لهوى الشخص مع الإنسان، مثل أن يكون بينهما عداوة دنيوية، أو تحاسد، أو تباغض، أو تنازع على الرئاسة، فيتكلم بمساويه مظهراً للنصح، وقصده في الباطن الغض من الشخص، واستيفاؤه منه، فهذا مِن عمل الشيطان، و (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، بل يكون الناصح قصده أنَّ الله يصلح ذلك الشخص، وأن يكفي المسلمين ضرره في دينهم، ودنياهم، ويسلك في هذا المقصود أيسر الطرق التي تمكنه.
" مجموع الفتاوى " (28 / 221) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/186)
تابت من علاقة محرمة وفقدت بكارتها فهل تتزوج من زنى بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا على علاقة بشاب أفقدني عذريتي، وأنا الآن لست بكراً، وأنا تبت من هذا الفعل، أدعو الله أن يتقبل التوبة، وهذا الشاب تقدم لخطبتي، ولكن هو ليس ملتزماً، ومثل أي شاب في شرب الحشيش، والسجاير، والخمر، ماذا أفعل هو أولى بي بعد فعلته، أم أتركه وأعمل عملية ترقيع غشاء وأتزوج بآخر ملتزم؟ علماً بأني كنت حامل منه وأجهضت نفسي، ويعلم الله صدق توبتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الزنا من كبائر الذنوب، وقد حرَّم الله تعالى فعل الأسباب المؤدية له، وشرع الحد على فاعله، وتوعد الزناة بالعذاب في الآخرة.
قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) الإسراء/ 32.
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله –:
(لا تَقْرَبُوا) أيها الناس.
(الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) يقول: إِن الزّنا كان فاحشة.
(وَساءَ سَبِيلاً) يقول: وساء طريق الزنا طريقاً؛ لأنه طريق أهل معصية الله، والمخالفين أمره، فأسوئ به طريقاً، يورد صاحبه نار جهنم.
" تفسير الطبري " (17 / 438) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه فإن: (من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه) خصوصاً هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه، ووصف الله الزنى وقبحه بأنه (كَانَ فَاحِشَةً) أي: إثما يستفحش في الشرع، والعقل، والفِطَر؛ لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله، وحق المرأة، وحق أهلها، أو زوجها، وإفساد الفراش، واختلاط الأنساب، وغير ذلك من المفاسد.
وقوله: (وَسَاءَ سَبِيلا) أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم.
" تفسير السعدي " (ص 457) .
وانظري أجوبة الأسئلة: (76060) و (20983) و (95754) .
ثانياً:
أما بخصوص الإجهاض: فإن كان الجنين قد نفخت فيه الروح: فتكون هذه جريمة أخرى غير جريمة الزنا، وإن لم ينفخ فيه الروح: فالأمر أهون.
وانظري تفصيل هذا في أجوبة الأسئلة: (11195) و (13319) و (13331) و (90054) .
ثالثاً:
نحمد الله أن وفقك للتوبة، ونرجو أن تكون توبة صادقة، ومن شروط التوبة الصادقة: الندم على ما اقترفتِ من جرم، والإقلاع المباشر عن تلك الفاحشة، وعن كل ما يؤدي إليها، من اتصال، أو مراسلة، أو مواعيد، ومن شروط التوبة – كذلك -: العزم على عدم الرجوع لهذا الفعل المبتذل.
كما أنه عليكِ الإكثار من الأعمال الصالحة، من صلاة، وقراءة للقرآن، وصيام، حتى يتقوى جانب الإيمان والتقوى في نفسك، والحسنات يذهبن السيئات، والتوبة الصادقة تجبُّ ماقبلها، وتبدل السيئات حسنات، قال تعالى – بعد أن ذكر جرائم الشرك، والقتل، والزنا -: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/ 70.
رابعاً:
أما بخصوص زواجك من ذلك المجرم: فاعلمي أنه يشترط لصحة زواج الزاني والزانية التوبة الصادقة، والذي ظهر لنا من سؤالك أنه ليس تائباً من فعله، بل زاد على بلائه الأول أنه ما عليه من سوء الحال، وتناول الحشيش، وشرب المسكرات، والذي نظنه – كذلك – فيمن هذه حاله: أنه لا يصلي، فإن صدق هذا الظن: فإنه يُجزم بعدم جواز القبول به زوجاً؛ لأن ترك الصلاة كفر مخرج من الإسلام، ولا يحل للمسلمة نكاح الكافر.
وانظري تفصيل القول في مسألة نكاح الزاني: أجوبة الأسئلة: (85335) و (87894) و (96460) .
خامساً:
أما بخصوص إجراء عملية رتق لغشاء البكارة: فهو أمر محرَّم، وفيه غش وتدليس على الزوج الذي يتقدم للزواج منك.
وانظري تفصيل المسألة في جوابي السؤالين: (844) .
وبخصوص إخبار زوجك عن فقدانك غشاء البكارة من تلك العلاقة المحرمة: لا يجوز؛ لما فيه من الفضح لنفسك، والمسلم مأمور بالستر على نفسه، ويمكنك استعمال التورية في كلامك، والمعروف أن غشاء البكارة يُفقد من غير جماع في بعض الأحيان، فيمكن استثمار ذلك في التورية.
وانظري – في ذلك – جوابي السؤالين: (42992) .
على أنه إذا أمكن أن يوجه هذا الشخص إلى التوبة النصوح، وإقام الصلاة، وظهر على حاله أن جاد في ذلك، وأنه أظهر التوبة، وأقام الصلاة؛ فلا بأس من قبوله زوجا؛ وهذا الحل لا شك أنه أيسر الأمر لك، وأستره عليك، لكن من لنا بصدق هذا؟!
نسأل الله أن يتقبل توبتك، ويصلح أمرك، ويستر علينا وعليك في الدنيا والآخرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/187)
خطيبها يرفض أن تتحجب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بنت تونسية متدينة، بس عندي مشكلة أن خطيبي رافض أن أتحجب - ولو الحجاب العصري - أسأل هل أرتبط به أو أرفضه؟ علما أن أغلبية التونسيين هكذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وصيتنا لك – أختنا الكريمة – هي وصية الله تعالى للناس أجمعين، للأولين والآخرين، وصية جامعة لخيري الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى فيها: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) النساء/131
أي خير في الدنيا إذا كانت في سخط الرب تعالى، وأي سعادة فيها إن لم تكن في طريق مرضاة الله عز وجل، وهل يرضى المؤمن أن يعمر دنياه ويهدم آخرته.
يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) الحشر/18-20.
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الرجل أن يختار المرأة صاحبة الدين، فقد أمر المرأة وأولياءها أن يختاروا الرجل صاحب الدين أيضاً.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي (1084) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1022) .
والذي يمنع امرأته من ارتداء الحجاب، ليس هو صاحب الخلق والدين الذي يستحق أن يزوج، بل غالب الظن أنَّ مَن يمنع امرأته من ارتداء الحجاب فإنه يتساهل في غير ذلك من الكبائر والموبقات، وأكل الحرام، وعدم تعظيم أحكام الله تعالى.
ومثل هذا، كيف يحافظ على امرأته وبيته، أم كيف يربي أولاده على طاعة الله وهو يعصيه ويأمر بمعصيته؟
جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/62) :
" ولا ينبغي للوليّ أن يزوّج موليته إلاّ التّقيّ الصّالح " انتهى.
وقال الشيخ صالح الفوزان في "المنتقى" (4/سؤال رقم/198) :
" يجب عند الزواج اختيار الأزواج الصالحين المتمسكين بدينهم، الذين يرعون حرمة الزواج وحسن العشرة، ولا يجوز أن يتساهل في هذا الأمر، وقد كثر التساهل في زماننا هذا، في هذا الأمر الخطير، فصار الناس يزوجون بناتهم ومولياتهم برجال لا يخافون الله واليوم الآخر، وصرن يشتكين من مثل واقع هذا الزوج، ووقعن في حيرة من أمر هؤلاء الأزواج، ولو أنهم تحروا قبل الزواج الرجل الصالح ليسر الله سبحانه وتعالى، ولكن هذا في الغالب ينشأ من التساهل وعدم المبالاة بالأزواج الصالحين، ورجل السوء لا يصلح أبدًا، ولا يجوز التساهل في شأنه لأنه يسيء إلى المرأة، وربما يصرفها عن دينها، وربما يؤثر على ذريتها" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (النكاح/اختيار الزوج/سؤال رقم 16) :
"الواجب على ولي المرأة إذا تقدم إليها خاطب أن يبحث عن دينه وخلقه، وإذا كان مرضيا فليزوجه، وإذا كان غير مرضي فلا يزوجه، وسيسوق الله إلى موليته من يرضى دينه وخلقه إذا علم الله من نية الولي أنه إنما منعها هذا الخاطب من أجل أن يتقدم إليها من هو مرضي في دينه وخلقه، فإن الله تعالى يوفر له ذلك " انتهى.
فالذي نراه لك عدم قبول هذا الخاطب، وسيعوضك الله تعالى خيراً منه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/188)
خطر الإعجاب بين الجنسين، وعلاجه، وكيفية تصرف المعجَب فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يُعجب شخص في شخصيتك، وينجذب لها، ثم يتعدى الحد المعقول (مثل الإعجاب بين الفتيات) في هذه الحالة ماذا علينا أن نعمل؟ وما هي الأساليب لعلاج هذا الشخص بدون ضرر لك وله؟ علما أن الإنسان لا يأمن نفسه من الفتنه، وبماذا تنصحون هذا الشخص المصاب بهذه الحالة (من ناحية الدين والدنيا) ؟ . أثابكم الله الموضوع جدّاً مهم، رزقكم الله الفردوس الأعلى]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن الميل الفطري الطبيعي هو ميل الرجل للمرأة، وميل المرأة للرجل، وأما ميل الشخص لواحد من بني جنسه فهو مخالف للفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولا تجده حتى عند البهائم، فهو ـ بالإضافة إلى انتكاس فطرته ـ متردٍّ إلى ما هو أسوأ حالا من البهيمية.
وقد هذَّب الإسلام الميل الفطري وجعل له نهاية شرعية وهي الزواج، ومن لم يرض هذه النهاية الشرعية فإنه يكون مختاراً لفاحشة الزنا، وأما العلاقة المنحرفة من ميل الفتاة لمثيلتها، والرجل للرجل: فهو شذوذ، وانحراف عن الفطرة السليمة الصحيحة، وتنتهي تلك العلاقات الآثمة بما هو أقبح من الزنا وهو اللواط بين الذكور، وتنتهي علاقات النساء غير السوية بالسحاق، وهو من المحرمات أيضاً.
وتبدأ العلاقة الآثمة بين أفراد الجنسين بما يسمَّى " الإعجاب "، وهو مرض خطير تفشى في المجتمعات؛ نتيجة للفراغ الإيماني، والعلمي، ونتيجة لتقليد المجتمعات الكافرة المنتكسة في فطرتها، ويتطور هذا الإعجاب حتى يصير " عشقاً " لا تستطيع الفتاة التخلي عن رؤية عشيقتها، وإن لم تتمكن فتسمع صوتها، أو ترى صورتها، ثم تنتهي تلك العلاقة الآثمة بالسحاق المحرَّم، ولا ترى تلك الشاذات في الرجل ما تراه في تلك العشيقة من إطفاء الشهوة، وملء القلب بعاطفة الحب، وقل الأمر ذاته في العلاقات الآثمة بين الذكور، فالعشق بينهما يصل لشغاف القلب، حتى لا يرى في الدنيا غيرَه، ولو طلب المعشوق من عاشقه السجود له لفعل! نسأل الله الستر والسلامة. وتنتهي تلك العلاقة الآثمة بالفاحشة الشنيعة وهي اللواط، ولا يُرى في أولئك الشاذين ميلٌ لامرأة، ولو كانت من أجمل النساء.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم المساحقة والاستمناء؟ .
فأجابوا:
المساحقة بين النساء حرام، بل كبيرة من كبائر الذنوب لكونها عملا يخالف قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون/ 5 – 7.
وكذا الاستمناء محرم؛ لهذه الآية الكريمة؛ ولما فيه من الضرر العظيم.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (22 / 68) .
ثانياً:
مَن علم من نفسه أنه يوجد من هو معجب فيه من المقربين منه أن يبادر لعلاجه بالحكمة، ولا نعني بالحكمة التساهل معه في النظر والزيارة والملامسة، فهذا مما يزيد في مرضه، وبالتالي يزيد في ألمه، بل الحكمة تعني تقديم العلاج المناسب بالطريقة المناسبة، ومن ذلك:
1. تقوية جانب الإيمان فيه، من خلال حثه على الطاعات، واجتناب المنكرات.
2. غرس حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في قلبه.
3. تعليمه معاني الحب في الله، وأن ميزانه هو إيمان المحبوب بربه وفعله للطاعات، لا لهيئته، ولا لصورته، ولا لجاهه.
4. عدم فسح المجال له بالاتصال المتكرر، ولا بالزيارة المستمرة، والتبيين له بأن العلاقة شرعية فإذا تعدت حدودها حرمت، ووجب قطعها.
5. عدم تمكينه عند اللقاء من مداومة النظر، أو العناق، أو التقبيل.
6. تكليفه بمهام علمية ودعوية، كتجميع أدلة مسألة، أو تلخيص كتاب،أو سماع أشرطة، وكذا القيام بأعمال دعوية كدعوة الناس، وتوزيع كتيبات وأشرطة، وغير ذلك مما فيه إشغال وقته بما يفيده من الطاعات والمباحات.
ثالثاً:
والمسلم إذا رأى من نفسه إعجاباً بغيره، وخشي أن يكون هذا من خطوات الشيطان: فليسارع للتخلص منه، وليبادر لعلاج نفسه، قبل أن يستفحل أمره ويصل للعشق المحرم، وإذا أراد التخلص من ذلك فعليه بفعل أمور، منها:
1. أن يعلق قلبه بربه تعالى، فهو المنعم والمتفضل عليه بالنعم الجليلة، فليوجه حبَّ قلبه للخالق عز وجل.
2. أن يقطع صلته بكل من يرى نفسه قد تعلق به، فلا يداوم على سماع صوته، ولا رؤية صورته، وليحرص على عدم لقائه، ولو كان المحبوب معلِّماً أو مربيّاً أو رحماً، وهذا من خير ما يعالج به نفسه ويداويها به.
3. أن يداوم النظر في سير الصالحين والعلماء والمجاهدين، ليعلم موقعه من أولئك الذين قدَّموا أوقاتهم وأنفسهم في سبيل عز الإسلام والمسلمين، وهو منشغل بنظر في صورة محبوبه، أو التلذذ بسماع صوته، أو التمايل بقراءة كلماته، وهذا مما لا يليق بالمسلمين فعله ولو لمرة واحدة، فكيف أن تكون تلك هي حياته!
4. وينبغي له كذلك أن يقف على الآثار الخطيرة والعظيمة لهذين المرضين المهلكين وهما الإعجاب المرَّم، والعشق المتلف، ومن هذه الأضرار:
1. انصراف الإنسان عن ربه وخالقه إلى مخلوق ضعيف يضره ولا ينفعه.
2. جلب الهم، والغم، والحُزن، والولَه، والكآبة في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
3. ومن الأضرار: تخيل صور من الحرام مع محبوبه ومعشوقه، كالنظر، واللمس، والتقبيل بشهوة، وربما يوصل ذلك المرأة إلى السحاق، والرجل إلى اللواط لتحقيق تلك الصور من عالم الخيال في عالم الوجود.
4. ومن الأضرار: تلوث الفطرة السليمة بضعف الرغبة الجنسية الطبيعية، مما يؤدي هذا إلى فشل المرأة في علاقتها مع زوجها، ورغبتها لما اعتادته من الحرام، وكذا بالنسبة للرجل.
رابعاً:
العلاقة بين المسلمين يجب أن يكون مبناها على الشرع، وتأسيسها على التقوى، ومن التقى بغيره في الدنيا على معصية: انقلبت علاقتهما يوم القيامة إلى عداوة.
قال الله عز وجل: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) الزخرف/ 67.
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله -:
يقول تعالى ذكره: المتخالون يوم القيامة على معاصي الله في الدنيا، بعضهم لبعض عدوّ، يتبرأ بعضهم من بعض، إلا الذين كانوا تخالّوا فيها على تقوى الله.
" تفسير الطبري " (21 / 637) .
وقال ابن كثير – رحمه الله –:
أي: كل صداقة وصحابة لغير الله: فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة، إلا ما كان لله عز وجل، فإنه دائم بدوامه.
" تفسير ابن كثير " (7 / 237) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فالمُخَالّة - أي: الصداقة والمحبة - إذا كانت على غير مصلحة الاثنين: كانت عاقبتها عداوة، وإنما تكون على مصلحتهما: إذا كانت في ذات الله، فكلٌّ منهما وإن بذل للآخر إعانة على ما يطلبه، واستعان به بإذنه فيما يطلبه: فهذا التراضي لا اعتبار به، بل يعود تباغضاً، وتعادياً، وتلاعناً، وكل منهما يقول للآخر: لولا أنت ما فعلت أنا وحدي هذا، فَهَلاكِي كان مني ومنك.
والرب لا يمنعهما من التباغض والتعادي والتلاعن، فلو كان أحدهما ظالماً للآخر فيه: لنُهيَ عن ذلك، ويقول كل منهما للآخر: أنت لأجل غرضك أوقعتني في هذا، كالزانيين كل منهما يقول للآخر: لأجل غرضك فعلتَ معي هذا، ولو امتنعتَ لم أفعل أنا هذا، لكن كل منهما له على الآخر مثل ما للآخر عليه، فتعادلا.
" مجموع الفتاوى " (15 / 129) .
وباب التوبة مفتوح لمن أراد ولوجه، والنعيم بالإيمان والطاعة موجود لمن رغب بالدخول في ناديه، والله تعالى يغفر الذنب، ويقبل التوب، ويبدل السيئات حسنات، قال تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/ 70، وقال سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/ 82.
وللمزيد من الفائدة: تنظر: أجوبة الأسئلة: (10050) وفيه بيان لماذا حرَّم الإسلام السحاق واللواط، و (21058) وفيه بيان: عقوبة السحاق، و (60351) و (36837) وفيهما التعليق على ظاهرة التقبيل اليومي والتقبيل على الفم بين طالبات المدارس، و (591) وفيه بيان حكم حب المرأة للمرأة لدرجة عدم القدرة على الفراق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/189)
اعترف رجل أنه زنى بها وعند زوجها قرائن على ذلك فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ 13 سنة، ولي بنتان: 11 سنة، و 9 سنوات، قبل - عدة أسابيع - أكتشف بالصدفة حدوث مكالمات تليفونية طويلة المدة، ومجهولة، على هاتف المنزل، ثم علمت فيما بعد أن مع زوجتي هاتفاً محمولاً سرّاً، والأخطر هو خروجها من المنزل بدون علمي، وعندما أواجهها إما أن تنكر، أو ترد بتبريرات واهية، اشتكيت لأهلها دون جدوى؛ نظراً لإصرارها الدائم على نفي حدوث أي خطأ؛ وعدم وجود شخص قوي محايد، أخيراً تلقيت عدة مكالمات تليفونية على محمولي تفيد أنها سرقت مبلغاً كبيراً من المال من عشيقها، ثم قابلني هذا الشخص، وادعى أنه زنى بها مرات عديدة داخل منزلي! ووصف لي البيت بدقة، وأدق الأسرار الزوجية التي لا يعرفها ألا أنا وهي - أسرار عني، وعن البنات، وعن أسرتها، وفَرش حجرة النوم , وكذلك رقم هاتفها المحمول الذي لم أكن أعلم أنها تمتلكه أصلاً، وتفاصيل خلافاتنا الزوجية، وصفات كاذبة عني، وعن أهلي، ثم ادعى أنها في إحدى المرات سرقت منه المال بعد أن زنى بها، الأدهى أنها لا تزال على الإنكار دون إبداء أي تفسير عن تلك المعلومات السليمة والمفصلة!! وترفض الطلاق على اعتبار أنها ضحية مكيدة من هذا الرجل اللعين!! أحيانا تُظهر التوبة، وقراءة القرآن والصلاة، أمامي، وأحيانا أخرى تنهال عليَّ بالشتائم لأتفه الأسباب!! المشاكل بيننا تتفاقم، واستمرار الحياة الزوجية مستحيل، البنات في حالة انهيار كامل، حالتي النفسية سيئة جدّاً، وكذلك مستوى أدائي في العمل الآن , وبعد أدائي صلاة الاستخارة عشرات المرات لا أريد الإبقاء عليها كزوجة، وعليه: ليس أمامي إلا التفاهم معها على الطلاق بالتراضي، ولكن شروطها المادية مبالغ فيها جدّاً؛ على اعتبار أنها بريئة، وترفض الطلاق، وطلباتها كالآتي: 30000 نفقة متعة، وحسبتها كالآتي: (500 شهريّاً - 12 شهر، 5 سنوات -) + نفقة عدة 3000 (1000، 3 شهور) + 5000 مؤخر صداق + 1200 نفقة شهرية للبنات!! + كل محتويات شقة الزوجية + مصاريف العلاج والدراسة والكسوة + شقة تمليك جديدة لحضانة البنات!! . الأسئلة: 1. هل من حق تلك المرأة أن تطلب مثل تلك الطلبات، خصوصاً نفقة المتعة؟ 2. هل من حقي طلب اللعان بيننا؟ . 3. هل من حقي طردها من شقة الزوجية الحاليَّة أو نقل مسكن الزوجية إلى مكان آخر؟ . 4. فما هو رأي الدين والقانون فيما حدث، وبماذا تنصحوني أن أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من الواضح أن الحياة مع تلك الزوجة أضحت مستحيلة الاستمرار، وسواء صدقت أم كذبت فإن القرائن التي تملكها كافية لتجعلك تطلقها، وتبحث عن امرأة صالحة مطيعة، ولا ندري كيف تطيب لك حياة لدقيقة واحدة معها وأنت قد علمت بتلك المكالمات، والسرقة، والخروج من البيت دون إذنك، وكل ذلك قد يتحمله المرء، لكن أن يأتيك من يزعم أنه زنى بزوجتك! ويصف لك البيت وغرفة النوم بدقة! : فهذا ما لا يتحمله المرء، ولأن يموت أهون عليه من سماع هذا لو كان كذباً، فكيف وقد اجتمعت ـ مع ذلك ـ قرائن كثيرة على صدقه؟!! .
ثانياً:
جاءت الشرائع السماوية بما يحفظ الأعراض من انتهاكها، ومن قذفها واتهامها بالباطل، وقد رتبت الشريعة المطهرة الحد على من قذف امرأة أو رجلاً، واتهم أحدهما بارتكاب فاحشة الزنا، وشرع الله تعالى أن يُجلد القاذف ثمانون جلدة، وأن لا تُقبل شهادته، وهو من الفاسقين، إلا أن يشهد أربعة واقعة الزنى، ويرون الميل في المكحلة.
وقد استثني الزوج من هذا الحكم، وذلك أن تقوم أيمان أربعة يحلفها أنها زانية مقام الشهود الأربعة، فإن حلف تلك الأيمان فإنها تستحق الرجم، ويمكنها أن تدفع الرجم عنها بأربعة أيمان تحلفها أنه من الكاذبين، وهنا يفرَّق بينهما، ولا يلتقيان بعدها، وهذا هو ما يسمى " اللعان "، ويكون بالشهادة عليها بالزنى، وبنفي الحمل أن يكون منه، وبنفي الولد الذي تنجبه.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
إذا قذف زوجته المحصنة: وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان: لزمه ذلك كله، وبهذا قال مالك، والشافعي ...
ولنا: قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه.
وأيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيِّنة وإِلاَّ حدٌّ في ظَهْركِ) ، وقوله لما لاعن: " عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة، كالأجنبي.
" المغني " (9 / 30) .
ثالثاً:
وزنى الزوجة لا يوجب فسخ النكاح، ولا يُسقط مهرها، وقد فرَّقت الشريعة بين ابتداء نكاح الزانية فلم يكن جائزاً، وبين دوام النكاح فلم يكن محرَّماً عليه إمساكها، فإن تابت وحسنت توبتها: فخير تقدمه لنفسها، وإن أصرَّت على زناها: فلا خير فيها، ويحل له أن يطلقها، كما يحل له أن يضيق عليها لتفتدي نفسها منه.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/19.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
الزوج له أن يستوفي حد الفاحشة من البغي، الظالمة له، المعتدية عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق الرجل على امرأته (وأن لا يوطئن فرشكم من تكرهونه) فلهذا كان له أن يقذفها ابتداء، وقذفها إما مباح له، وأما واجب عليه إذا احتاج إليه لنفي النسب، ويضطرها بذلك إلى أحد أمرين: إما أن تعترف، فيقام عليها الحد، فيكون قد استوفى حقه، وتطهرت هي أيضاً من الجزاء لها، والنكال في الآخرة بما حصل، وإما أن تبوء بغضب الله عليها، وعقابه في الآخرة الذي هو أعظم من عقاب الدنيا؛ فإن الزوج مظلوم معها، والمظلوم له استيفاء حقه إما في الدنيا وإما في الآخرة، قال الله تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) بخلاف غير الزوج، فإنه ليس له حق الافتراش، فليس له قذفها، ولا أن يلاعن إذا قذفها؛ لأنه غير محتاج إلى ذلك مثل الزوج، ولا هو مظلوم في فراشها، لكن يحصل بالفاحشة من ظلم غير الزوج ما لا يحتاج إلى اللعان؛ فإن في الفاحشة إلحاق عار بالأهل، والعار يحصل بمقدمات الفاحشة.
فإذا لم تكن الفاحشة معلومة بإقرار، ولا بينة: كان عقوبة ما ظهر منها كافياً في استيفاء الحق، مثل الخلوة، والنظر، ونحو ذلك من الأسباب التي نهى الله عنها، وهذا من محاسن الشريعة.
" قاعدة في المحبة " (ص 202، 203) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في عدم سقوط المهر -:
ولا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي، قال: لا، مال لك، عندها إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد لك "؛ لأنها إذا زنت قد تتوب، لكن زناها يبيح له إعضالها، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه أو تتوب.
" مجموع الفتاوى " (15 / 320) .
وانظر جوابي السؤالين: (83613) و (42532) .
رابعاً:
وعليه: فقد علمتَ أنه يجوز لك أن تلاعنها لما عندك من قرائن على وقوعها في الزنا، وعليك تحمل آثار أيمانك، وإن أردت السلامة فطلقها من غير ملاعنة، وإن لاعنتها: فلها مهرها، وليس لها نفقة ولا سكنى إلا أن تكون حاملاً ولم ينف حملها.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
لا نفقة لها عليه، ولا سكنى، كما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا موافق لحكمه في المبتوتة التي لا رجعة لزوجها عليها، وأنه موافِق لكتاب الله، لا مخالف له، بل سقوط النفقة والسكنى للملاعَنة أولى من سقوطها للمبتوتة؛ لأن المبتوتة له سبيل إلى أن ينكحها في عدتها، وهذه لا سبيل له إلى نكاحها، لا في العدة، ولا بعدها، فلا وجه أصلاً لوجوب نفقتها وسكناها وقد انقطعت العصمة انقطاعاً كليّاً.
فأقضيته صلى الله عليه وسلم يوافق بعضُها بعضاً، وكلها توافق كتاب الله والميزان الذي أنزله ليقوم الناس بالقسط، وهو القياس الصحيح كما ستقر عينك إن شاء الله تعالى بالوقوف عليه عن قريب.
" زاد المعاد " (5 / 356) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله -:
فأما الملاعَنة: فلا سكنى لها، ولا نفقة، إن كانت غير حامل؛ للخبر، وكذلك إن كانت حاملاً فنفى حملها وقلنا: إنه ينتفي عنه، أو قلنا: إنه ينتفي بزوال الفراش.
وإن قلنا لا ينتفي بنفيه، أو لم ينفه، وقلنا: إنه يلحقه نسبه: فلها السكنى، والنفقة؛ لأن ذلك للحمل، أو لها بسببه، وهو موجود، فأشبهت المطلقة البائن.
فإن نفى الحمل فأنفقت أمه، وسكنت من غير الزوج، وأرضعت، ثم استلحقه الملاعِن: لحقه، ولزمته النفقة، وأجرة المسكن، والرضاع؛ لأنها فعلت ذلك على أنه لا أب له، فإذا ثبت له أب: لزمه ذلك، ورجع به عليه.
" المغني " (9 / 291) .
وبه تعلم أن ما تطلبه زوجتك من نفقة وسكنى أنه لا يلزمك منهما شيء إن لاعنتها، إلا أن تكون حاملاً، فتنفق عليها من أجل حملها، وإن طلقتَها طلاقاً باتّاً: فليس لها إلا مهرها، ولا يلزمك نفقتها، ولا سكناها، إلا أن تكون حاملاً، أو يكون معها أولادك، فتنفق عليهم، وعلى ما في بطنها، لا عليها.
قال تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/ من الآية 6.
خامساً:
وأما " متعة الطلاق " - وهو مال أو متاع يُعطى للمطلقة بعد طلاقها -: فقد اختلف أهل العلم في المطلقة التي تستحقه، فمنهم من ذهب إلى العموم فقال: تعطى المتعة لكل مطلقة وجوباً، قبل الدخول أو بعده، سمي المهر أم لم يسمَّ.
وذهب آخرون إلى أنه في المطلقة قبل الدخول ممن لم يسمَّ لها مهر، وفي قول ثالث: أنها للمطلقة قبل الدخول، ولو سمي لها مهر.
والأخذ بالقول الأول هو الأحوط، وقد رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن المعاصرين: الشيخ الشنقيطي، والشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمهم الله -، لكن الشيخ العثيمين قيَّد الوجوب فيما لو طالت مدة زواجهما.
وهذه المتعة المفروضة لا ينبغي أن تكون مرهقة للمطلِّق، بل على قدر وسعه وطاقته، ولذا لم يأت لها تحديد في الشرع.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -:
والتحقيق أن قدر المتعة لا تحديد فيه شرعاً لقوله تعالى: (عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدْرُهُ) البقرة/236، فإن توافقا على قدر معين: فالأمر واضح، وإن اختلفا: فالحاكم يجتهد في تحقيق المناط، فيعين القدر على ضوء قوله تعالى: (عَلَى الموسع قَدَرُهُ) الآية البقرة/236، هذا هو الظاهر، وظاهر قوله: (ومَتِّعُوهُنَّ) البقرة/236 وقوله: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ) البقرة/241 يقتضي وجوب المتعة في الجملة، خلافاً لمالك ومن وافقه في عدم وجوب المتعة أصلاً.
" أضواء البيان " (1 / 192) .
وقد ذكرنا لك من قبل أن زناها يبيح لك أن تعضلها وتضيق عليها حتى تفتدي منك، وتختار الطلاق، مقابل التنازل عن حقوقها المادية أو بعضها، وبإمكانك أن تهددها بإطلاع أهلها، أو من تهابه منهم، على ما حدث. فإن أبت الافتداء والتنازل عن حقوقها المالية بعد ذلك كله، فالذي نختاره لك أن تطلق هذه المرأة، مهما كانت تكلفة طلاقها، لكن لا تمكنها من الحصول على مال زائد عما يحكم لها به، إن وصلت المسألة بينكما للقضاء، ولك أن تحتال على ذلك، أعني على منعها من ظلمك، وأخذ أكثر من المهر المسمى لها (مؤخر الصداق) ، والحقوق الثابتة لها شرعا، على ما أشرنا إليه من قبل، وليس لك أن تحتال على إسقاط حقها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/190)
معنى (الخبيثات للخبيثين) وهل يمكن العثور على زوجة صالحة ظاهراً وباطناً؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[كتبت هذه الرسالة بعد قراءتي لمقال وفي آخر المقال ذكر الموقف التالي: ساق اللالكائي بسنده أن الحسن بن زيد لما ذَكَرَ رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فأمر بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عزّ وجلّ: (الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ) ، فإن كانت عائشة رضي الله تعالى عنها خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر، فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه. فما هو تفسير آية (الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ) ؟! وقد حدثت لي تجربة شخصية من عهد قريب، حيث تزوجت من فتاة كنت أعتقد فيها الصلاح، وكان هدفي هو إقامة بيت مسلم أحاول فيه بكل جهدي أن أسير على نهج رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، ومن بعده صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وبدون الكثير من التفاصيل فقد قصَّرت في حق نفسي، ولم أُحسن السؤال عنها وعن أخلاقها، ووجدتها - غفر الله لي ولها - على جانب عظيم من الخبث، وأكثر حديثها كذب وخداع، ولم أشعر أن عندها أي حب للدين أو للالتزام، وقد طلقتها بعد أن أنجبتُ منها مرة واحدة بعدما يئستُ تماماً من الإصلاح، وأنا في قلبي حب شديد للدِّين، ولمن أراه من الصالحين، وفي المقابل عندي بغض شديد لمن أراه غير ملتزم، وبالذات إن كان يصر على المعصية أو يجاهر بها، المهم كانت تجربة زواجي وطلاقي أقسى وأمرّ ما مررت به في حياتي، وأنا الآن خائف من تكرار التجربة، وهل سأجد من تعينني على الصلاح، وكيف أطمئن طالما تعوَّد الناس على إظهار غير حقيقتهم وبالذات عند هذه الأمور؟ لأني قبل أن أتزوج تلك الفتاة كنت قد استخرت الله كثيراً، وكنت أحيانا أبكي أثناء الصلاة ليرشدني الله، وبالذات لما كنت أرى علامات منها، أو من أسرتها لا تدل على الالتزام الحقيقي، أنا لا أبرئ نفسي من الخطأ والتقصير، ولا أزكى نفسي، ولكني - والله - أحب دينه، وأغار عليه بشدة، وأبغض الكذب بغضاً شديداً، باختصار: فإني لست أظن مهما سألت أو جمعت المعلومات أو حاولت دراسة شخصية الفتاة قبل الارتباط بها - مع الضوابط الشرعية بالطبع - أني سأحسن الاختيار، إلا برحمة وفضل من الله، كما أن الزواج أصبح شديد الصعوبة هذه الأيام، وأصعب وأشد ما فيه هو كيف أجد هذه الزوجة الصالحة، فوالله إني لأظنه الآن من أصعب الأمور، وأكاد أظنه من المستحيلات إلا بقدر الله وتوفيقه عز وجل، وعندما أسمع أو أقرأ هذه الآية فإني بدون إرادتي أشعر بالحزن الشديد، فهل تعني هذه الآية أنني ما تزوجت هذه الفتاة إلا لأني أستحقها؟ أعلم أنه بلاء من الله، ولكني أبغي سماع رأي واضح في تفسير الآية، وإن أمكن الرد على باقي ما ذكرته من الاستفسارات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/ 26، فقال بعضهم: هو الخبث والطِّيب في الأقوال، فيكون معنى الآية: الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول.
وقال آخرون: هو الخبث والطيب من الأفعال، فيكون معنى الآية: الأفعال الخبيثات للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من الأفعال، وكذا الأفعال الطيبات للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من الأفعال.
والقول الثالث في الآية: أن الخبث والطيب هو من الأشخاص في النكاح، فيكون معنى الآية: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء.
ولا مانع من حمل الآية على المعاني جميعها، وإن كان أظهر الأقوال هو القول الأول، وعليه الجمهور من المفسرين، ويليه: القول الثاني.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات، والأفعال مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومُشاكِل له، وكل طيِّب من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال مناسب للطيب، وموافِق له، ومقترن به، ومشاكِل له، فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته: أن الأنبياء - خصوصا أولي العزم منهم، خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق - لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك من قصد المنافقن، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم يُعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح.
فكيف وهي هي؟ صدِّيقة النساء، وأفضلهن، وأعلمهن، وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها، ثم صرح بذلك بحيث لا يُبقي لمُبطل مقالاً، ولا لشك وشبهة مجالاً فقال:
(أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا.
(لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) تستغرق الذنوب.
(وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) في الجنة صادر من الرب الكريم.
" تفسير السعدي " (ص 563) .
ثانياً:
ما نقلتَه بشأن قتل من قذف عائشة رضي الله عنها صحيح، وهذا هو الذي ينبغي على الحكام المسلمين أن يفعلوه، وهو قتل كل من قذف عائشة رضي الله عنها؛ لأن الطعن في عرض عائشة تكذيب للقرآن، وطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وكل واحدٍ من هذين يوجب الكفر المخرج من الملة، ويستحق فاعله القتل على الردة.
وفي " الموسوعة الفقهية " (22 / 185) :
اتّفق الفقهاء على أنّ من قذف عائشة رضي الله عنها: فقد كذّب صريح القرآن الّذي نزل بحقّها، وهو بذلك كافر، قال تعالى - في حديث الإفك بعد أن برّأها الله منه -: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ، فمن عاد لذلك: فليس بمؤمنٍ.
وهل تعتبر مثلها سائر زوجات النّبيّ صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهنّ؟ .
قال الحنفيّة والحنابلة في الصّحيح واختاره ابن تيميّة: إنّهنّ مثلها في ذلك، واستدلّ لذلك بقوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) .
والطّعن بهنّ يلزم منه الطّعن بالرّسول والعار عليه، وذلك ممنوع.
والقول الآخر وهو مذهب الشّافعيّة والرّواية الأخرى للحنابلة: أنّهنّ - سوى عائشة - كسائر الصّحابة، وسابّهنّ يجلد، لأنّه قاذف.
انتهى
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
قذْف عائشة بما برأها الله منه: كفر؛ لأنه تكذيب للقرآن، وفي قذف غيرها من أمهات المؤمنين قولان لأهل العلم، أصحهما: أنه كفر؛ لأنه قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فإن (الخبيثات للخبيثين) .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (5 / ص 86) .
وانظر جواب السؤال رقم: (954) .
ثالثاً:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ) .
رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
ليس من المستحيل أن يجد الرجل امرأة صالحة تعينه على طاعة الله، وتقوم بخدمته، وتربي أولاده، وتحفظ ماله وبيته، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح ذات الدِّين، ولولا أنه بمقدور الرجل واستطاعته أن يجد تلك المرأة المتدينة لما أوصاه نبيه صلى الله عليه وسلم بتزوجها، وهو الذي أخبر في الحديث نفسه أن من الرجال من ينكح المرأة لجمالها، ومنهم من ينكحها لحسبها، ومالها، فالرجال يختارون من النساء كلٌّ حسب رغبته، وعادته، وعرفه، والوصية لجميع المسلمين بأن يكون البحث عن ذات الدين، والاقتران بها؛ لأن في التزوج منها خيراً يراه الرجل في نفسه، وفي بيته، وعلى أولاده.
ولا ينبغي لك أخي السائل قطع الأمل من وجود امرأة صاحبة دين وخلق، فما تزال أمة الإسلام بخير، وما تزال بيوت المسلمين تربي أجيالاً من النساء يحملن أخلاق الإسلام، ويتربين عليه.
ولا يعني فشل تجربة في الزواج أن الحكم سينساق ليشمل كل زواج بعده، فلا يخرج ما حصل معك أولاً عن كونه عقوبة لك بسبب تقصيرك في السؤال والاستفصال عن المرأة التي تزوجتها.
والناس يعرف بعضهم بعضاً، ويختلط بعضهم ببعض، فلا يخفى حال الأسرة وأفرادها عن أقربائهم، وجيرانهم، كما أن أفراد الأسرة يختلطون في المسجد، والمدرسة، والزيارات، فتُعرف المرأة الصالحة من عكسها، ويُعرف الرجل المتدين من عكسه؛ وذلك بمحافظتهما على الصلاة، والالتزام بالشرائع الظاهرة، والأخلاق في التعامل مع الآخرين، وما يخفيه أحدهم في باطنه: فهذا مما لا يمكن لأحد معرفته، ولا يلام من اغتر بصلاح الظاهر وخفي عليه فساد الباطن؛ إذ لم يكلفنا ربنا بشق بواطن الناس والاطلاع عليها.
ثم إن ما يجري على النساء اللاتي تبحث بينهن عن شريكةٍ لحياتك يجري عليك أيضاً! فما الذي يُدري الناس بحقيقة أمرك، وعلم باطنك؟! وقد أوصي الأولياء بأن يزوجوا أهل الدين والخلُق من الرجال، وذلك بحسب ما يظهر منهم، مع السؤال والاستفصال من المقربين لهذا الخاطب، وما قد يقع من الإيهام والخديعة من قبَل المرأة فإنه قد يقع مثله – بل وأضعافه – من الرجال، فلا ينبغي لك أخي السائل أن تقلق وأن تغتم بسبب زواجك الأول، وكل ما عليك الآن هو البحث بأناة، وسؤال أهل الخير عن الأسر الفاضلة الكريمة التي ربَّت بناتها على طاعة الله تعالى، وعلى الأخلاق الفاضلة، ومن ثمَّ تخصص سؤالك عمن ترغب نكاحها من تلك الأسرة بسؤال صديقاتها وزميلاتها عن التزامها واستقامتها وعن أخلاقها وتعاملها، وبذلك تكون حققت وصية النبي صلى الله ليه وسلم، والمرجو أن لا يخيب ظنك بها، وأن لا تخيِّب أنت ظنهم بك.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لحسن الاختيار، وأن يرزقك زوجة صالحة، تعفُّك، وتعفها، وتُحسن إليها وتُحسن إليك، وأن يرزقكم ذرية طيبة.
ولمعرفة مواصفات الزوجة انظر جوابي السؤالين: (26744) و (10376) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/191)
يريد أن يتزوج من مسلمة حديثا لمساعدتها ووالداه يرفضان
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم، أنا شاب أبلغ من العمر 24 عامًا وأعمل في أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة في شركة محترمة والحمد لله، أنا من جنوب الهند، ومنذ 7 أشهر اعتنقت الإسلام إحدى زميلاتي التي كانت هندوسية وتنتمي إلى نفس بلدتي وذلك بمساعدة المحكمة الشرعية هنا في أبو ظبي، وهي ملتزمة جدًا الآن وتؤدي الفروض الخمس في وقتها، وقد أعلمت والديها بإسلامها، إلا إن والديها، وهم هندوس متشددون، يرفضون ما قامت به بشدة، وهي الآن تشعر بوحدة شديدة، وهي كمسلمة لا تستطيع أن تتزوج إلا مسلمًا، ومن المستحيل أن يقوم والداها وهم معترضون على إسلامها بالبحث عن زوج مسلم لها، وقد عرضت علي أن أتزوجها ونحيا معًا في ظل الإسلام، وبدافع إعانة مسلمة على الحياة الإسلامية فقد وافقت على الزواج منها، وقد حاولت هي دعوة والديها إلى الإسلام إلا إن كل جهودها باءت بالفشل، وهي الآن في الهند وحدها وفي خطر شديد وأنا في أبو ظبي، وقد وافق والدي على هذا الزواج شريطة موافقة والديها، ومنطقهم في ذلك أنني أنا الأخ الأكبر وأحد دعائم أسرتي، وهم يظنون أن زواجي من هذا الفتاة دون موافقة والديها سوف يثير الإشاعات مما قد يؤثر على سمعة أختي الأصغر مني، كما أنهم يخشون أن يقوم والداها بالانتقام مني وقتلي، وأنا لا يرتابني أي من هذه الهواجس، وأتمنى حقًا إنقاذ هذه الفتاة، إلا أنني محتار بين الزواج من تلك الفتاة دون موافقة والديها وبين رغبة والدي، أرجو منكم إخواني المساعدة بالنصيحة للوصول إلى قرار صائب. [مسلم - 24 سنة - الإمارات العربية المتحدة]]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
رغبتك في الزواج من هذه الفتاة لإعانتها على الحياة الإسلامية، أمر محمود يرجى لك به الأجر والثواب من الله تعالى، وهو من باب التعاون على البر والتقوى، والحفاظ على المسلمة، أن تؤذى في نفسها، أو تفتن في دينها، وهو ـ أيضا ـ من تمام موالاة المسلم لأخيه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ) رواه أبو داود (4918) وحسنه الألباني.
والمعنى أنه يَمْنَع تَلَفه وَخُسْرَانه , يَحْفَظهُ وَيَصُونَهُ وَيَذُبّ عَنْهُ بِقَدْرِ الطَّاقَة. [انظر: عون المعبود] .
وعن عبد الله بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (2442) ومسلم (2580) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: َقَوْله: " وَلَا يُسْلِمُهُ " أَيْ لَا يَتْرُكُهُ مَعَ مَنْ يُؤْذِيه وَلَا فِيمَا يُؤْذِيه , بَلْ يَنْصُرُهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ , وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا بِحَسَبِ اِخْتِلَاف الْأَحْوَالِ , وَزَادَ الطَّبَرَانِيّ مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ سَالِم " وَلَا يُسْلِمُهُ فِي مُصِيبَةٍ نَزَلَتْ بِهِ ".
انتهى من فتح الباري مختصرا.
لكن ينبغي أولا أن تحتال لإقناع أسرتها بهذا الزواج، وألا تقابل تشددهما بتشدد مثله، بل حاول أن تلين لهم الكلام، وتحسن إليهم في المعاملة والصلة، واحتسب ما تنفقه من أجل إنقاذ المسلمة من الأذى الذي يحيط بها.
وإذا لم يمكن إقناعهما، فبالإمكان أن تعقدا نكاحكما في المحكمة الشرعية، في الدولة التي تعملان فيها، وأن تبتعد أنت وزوجك عن مكان الخطر الذي يتوقع أن يلحق بك أو بها، من جراء هذا الزواج، مع أنه من الممكن أن تستغلا عملكما في الخارج، وتكثرا من الصلة لأهلها بالمال والهدايا، لعل الله أن يلين قلوبهم لكما، أو على الأقل أن تتقي شرورهم بذلك.
على أنه يلزمك أن تستصلح قلب والديك للموافقة على هذا الزواج، وما فيه من الخير والأجر إن شاء الله، فإن قدر أنهما لم يقتنعا قبل إتمامه، فسوف تتضاعف مسؤوليتك في استصلاح قلوب أهلك وأهلها، لكن نرجو الله عز وجل أن يجعل لكما فرجا ومخرجا، ببركة النية الصالحة، والرغبة في الخير الذي تقدمان عليه.
وهذا كله، فيما إذا كانت الأخطار التي تتحدث عنها أسرتك، هي مجرد هواجس وظنون
لكن إذا كان والداك لا يرغبان في هذا الزواج ويتخوفان من عاقبته عليك أو على بقية الأسرة، وكانت المخاوف المذكورة لا حقيقة لها، وإنما هي مجرد هواجس وظنون، كما بدا لنا من رسالتك.
وأما أن كانت الأخطار محققة، عليك، أو على أسرتك، أو على الفتاة، والتجارب في بلادكم لعلها تعطيك مؤشرا لذلك، فلا ننصحك أن تحمل نفسك من البلاء فوق ما تطيق، وهي ـ إن كانت صادقة مع الله، فسوف يجعل لها فرجا ومخرجا، ولتصبر ولتحتسب:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) لأنفال/29
نسأل الله أن ييسر لكما أمركما، وأن يحفظكما من كل مكروه وسوء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/192)
اتهمت زوج أختها بتحرشه الجنسي بها وهو يكذبها فما تصنع الزوجة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر باليأس، وأسألكم النصيحة في موقف حدث منذ عدة شهور بين زوجي وأختي التي ادَّعت أن زوجي قد تحرش بها جنسيّاً، باستخدام القوة بالطبع، وقد حدث هذا أيضاً من قبل، من عدة سنين، لقد صدمت وحاولت أن أفهم الأمر وتحدثت مع كل منهما على حدة، إلا أن زوجي حلف بالله العظيم أنه لم يفعل ذلك، وأقسمت أختي أن ذلك قد حدث، لا أعرف ماذا أفعل؟ لقد تزوجنا منذ 15 عاماً، وقد قال زوجي لي: إنه إذا كان قد فعل ذلك فزواجنا بطل، فهل هذا صحيح؟ لقد كانت مشاعري له قويَّة جدّاً، ولكني الآن أشعر بالحيرة من أمري، ولا أعرف ماذا أفعل، أن أصبر: أمر صعب للغاية، أشعر أن إيماني ليس كما كان، أشعر بالضعف، ولا أستطيع أن أفكر، لا أريد أن أفقد زوجي، ولكني لا أستطيع العيش معه، أبكي كل يوم بكاءً شديداً، فبما تنصحونني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أخت الزوجة أجنبية عن الزوج، ويظن بعض الناس أن معنى الحرمة المؤقتة أنه يجوز له النظر إليها، والخلوة بها، ومصافحتها، وهذا بعيد عن الحق والصواب، وليس الأمر كذلك، بل هي أجنبية عن زوج أختها، ومعنى الحرمة المؤقتة أنه لا يحل له الجمع بينها وبين أختها في النكاح؛ لقوله تعالى – في سياق بيان المحرمات من النساء في النكاح: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ... وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) النساء/ 23.
وبسبب هذا الفهم المغلوط صارت أخت الزوجة جزء من حياة أختها، تدخل البيت، وتسهر مع أختها وزوجها، ويراها وتراه، وهو ما مَهَّد طريقاً لإبليس للإيقاع في الفحشاء، فتولدت العلاقات المحرَّمة، وصرنا نسمع عن موبقات وفواحش في بيت الزوجية.
وكما يحدث هذا مع أخت الزوجة فإنه يحدث – كذلك – مع أخي الزوج، ولو تأمل المسلم مشكلات بيوت الزوجية ومآسيها من حيث الوقوع في فاحشة الزنا لوجد كثيراً منها سببه: أخت الزوجة، أو أخو الزوج.
وانظري كلاماً مهمّاً للشيخ العثيمين في هذا الباب في جواب السؤال رقم: (13261) .
ثانياً:
الاتهامات المتبادلة بين زوجك وأختك لا يمكنك معرفة الصادق منهما من الكاذب، فاتهامها له بالتحرش الجنسي بها، واتهامه لها بالكذب: كل ذلك لا ينبغي أن يجعلك تحكمين على أحدهما بما يسوؤه، ما لم تكن هناك بيِّنة أو قرينة قوية يُحكم بها لأحد الطرفين، أو يكون اعتراف من أحدهما.
والذي ينبغي عليكِ فعله تحذيرهما من الوقوع فيما حرَّم الله من الأفعال المشينة، ومن الكذب والافتراء، والاتهام بالباطل، فإن كانت أختك كاذبة ردعها ذلك عن اتهامه، ووجب عليها التوبة من اتهام زوجك، وإن كان زوجك كاذباً وجب عليه التوبة الصادقة.
وإن لم تكن بينة، ولا اعتراف: لم يكن في يدك ما تفعلينه سوى الاحتياط للمستقبل أن لا يقع مثل ذلك، ويجب عليك الحيلولة دون لقاء أختك بزوجك، ورؤيتها له، واعلمي أن تهاونكم في العمل بأحكام الشريعة، وتساهلكم في الاختلاط هو الذي سهَّل الطريق لهذا الفعل المحرم، - إن كان وقع _ ولهذه الاتهامات المتبادلة.
كما نوصيك بستر الأمر عن الناس، وعدم ذِكره لأحدٍ؛ لأنه ليس هناك فاعل لمنكر ببينة شرعية؛ ولأن الإسلام يوصي بالستر، إلا من كان فاعلاً لمنكر ولم يتب منه، ويُخشى أن يُكرِّر فعله مع أناسٍ آخرين.
ثالثاً:
وأما ما قاله زوجك من أنه لو حصل منه هذا الأمر لكان عقد الزوجية باطلاً: فهذا القول غير صحيح، وإنما قال بعض العلماء فيمن زنى بأخت امرأته: إنه تحرم عليه امرأته ولا يقربها حتى تنتهي عدة أختها التي زنى بها، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (105468) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/193)
اكتشف أن زوجته على علاقة بآخر ويشك في نسب الطفل
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن زوجتي على علاقة محرمة بشاب آخر، وبعد ما اكتشفت خيانتها صار عندي شك بأن يكون الجنين الذي تحمله ليس من صلبي، فماذا إن كتبت الحياة لهذا الجنين، هل أستطيع أن أعتمد التحاليل الطبية لإثبات النسب؟ وإن كان غير ذلك: فما هو الحل الشرعي لهذه الحالة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الأصل أن ما تلده الزوجة أنه لزوجها، ولا يحل لك أخي السائل قذفها – كما سبق – من غير رؤيتك لزناها، كما لا يحل لك نفي الحمل أو الولد عنك إلا ببينة، كرؤيتك لزناها، أو استحالة أن يكون الحمل منك كأن تكون غائبا عنها، أو لم تجامعها في طهرها، وما يشبه هذه الحالات، وما لم يكن من ذلك شيء: فلا يحل لك نفي الحمل، أو الولد بمجرد الشك والوهم، وكما قلنا سابقاً لا يعني وجود علاقة محرمة أنه يحصل زنا، ونضيف هنا: أنه لا يعني حصول زنا، أنها حملت من ذلك الزنا.
وعليه: فلو أنك رأيتها تزني: لكان لك وجه في نفي الحمل، ونفي الولد، أما وقد بنيت ذلك على الشك: فلا يجوز لك نفي الجنين الذي تحمله امرأتك عنك، ولا تستسلم لوساوس الشيطان، واحذر أن يجعلك تعيش في عالم الاتهامات والخيانات والوساوس، وإلا أفسد عليك دينك ودنياك.
ولا ينبغي لك اللجوء إلى التحليل لإثبات نسب ولدك، وهذا باب وسوسة وريبة، ولو فتح الباب لاعتمد الناس على هذه التحاليل القابلة للخطأ والوهم على ما يعتقدونه في قرارة أنفسهم من عفاف نسائهم، ولذا فإن الشريعة المطهرة تعتمد أدنى الأدلة لإثبات النسب، وأقواها في نفيه.
قال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله -:
" النسب يُحتاط لإثباته، ويَثبت بأدنى دليل، ويلزم من ذلك التشديد في نفيه، وإنه لا يُنتفى إلا بأقوى الأدلة ".
" المغني " (6 / 420) .
واعلم أن تشريع اللعان لا يقوم مقامه التحاليل الطبية؛ لأن المرأة تستطيع دفع تهمة زوجها والستر على نفسها باللعان، والله تعالى يعلم أن أحد الزوجين كاذب، ومع ذلك شرع اللعان، فلا يجوز إعطاء الحق للزوج بتلك التحاليل، وحرمان المرأة منه، وقد أصدر " مجلس المجمع الفقهي " التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة قراراً بشأن البصمة الوراثية (DNA) ، ومجالات الاستفادة منها، يؤكد ما قلناه من عدم جواز التحاليل لمثل حالتك، ولا كونه يقوم مقام اللعان، وهذا نص القرار:
القرار السابع
بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها
الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من 21 – 26 / 10 / 1422 هـ الذي يوافقه 5 – 10 / 1 / 2002 م، وبعد النظر في التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورته الخامسة عشر، ونصه " البصمة الوراثية هي البُنية الجينية، (نسبة إلي الجينات أي المورثات) التي تدل علي هوية كل إنسان بعينه، وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي، ويمكن أخذها من أي خلية (بشرية) من الدم، أو اللعاب، أو المني، أو البول، أو غيره ".
وبعد الإطلاع على ما أشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشر بإعداده من خلال إجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمة والإطلاع على البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء والأطباء والخبراء، والاستماع إلي المناقشات التي دارت حوله: تبيَّن من ذلك كله:
أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين، أو نفيهم عنهما، وفي إسناد العينة (من المني أو الدم أو اللعاب) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها، فهي أقوي بكثير من القيافة العادية (التي هي إثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الأصل والفرع) ، وأن الخطأ في البصمة الوراثية ليس وارداً من حيث هي، وإنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث، ونحو ذلك، وبناء على ما سبق قرر ما يأتي:
أولاً:
لا مانع شرعاً من الاعتماد علي البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر (ادرؤوا الحدود بالشبهات) وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع، ويؤدي إلي نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة.
ثانياً:
أن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهي الحذر والحيطة السرية، ولذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية.
ثالثاً:
لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان.
رابعاً:
لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً، ويجب على الجهات المختصة منعه، وفرض العقوبات الزاجرة؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم.
خامساً:
يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:
1. حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.
2. حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
3. حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الوارث أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.... .انتهى
وهو قرار قوي واضح، ونأمل أن يكون ما ذكرناه لك كافياً للامتناع عن نفي نسب ولدك عنك.
ونسأل الله تعالى أن يوفقها للتوبة الصادقة، وأن ييسر لك الخير حيث كان، وأن يصبرك على ابتلائك، ونوصيك بنفسك خيراً، فلا توبقها، ولا توردها المهالك، ويسعك أن تطلقها وتعطيها حقوقها، ويسعك أن تبقيها في ذمتك إن رأيت صدق توبتها، ونرجو التأمل فيما فصلناه لك في النقاط السابقة، واستعن بالله تعالى على تيسير أمورك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/194)
لا تجزع من عدم إجابة الدعاء!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل فضيلتكم سؤالاً، وأرجو أن يتسع صدركم لي، أنا مسلم عادي، لا أنا بعظيم الإيمان، ولا بضعيف الإيمان , فأنا أؤدي الفرائض مع بعض التقصير- أرجو الله أن يسامحني عليه - وأدرك اليسير من السنن، وأؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره , منذ حوالي سبع سنين أصابني همٌّ عظيم بسبب مصيبة ما - لا أشغل فضيلتكم بها - وأصدقكم القول أني في البداية جزعت، وأصابني اليأس والإحباط، ولكن بعد عام تقريباً هداني الله , وأعلمني أهل الخير أن ذلك فيه الخير بأمر الله، وأخبروني إما أن تكون المصيبة بذنب ارتكبته، أو ابتلاء من الله , ونصحوني بالدعاء والاستغفار , وأن أسأل الله من فضله , وأن أتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وأن أكثر من عمل الخير , وبإذن الله لن يردَّ سؤالي، فإن الله يستحيي من ذلك , وها أنا ذا قمت بكل هذا، لا أقول على وجه الكمال، ولكن على قدر استطاعتي، فأكثرتُ من الدعاء، وأعمال الخير، وتبت إلى الله توبة نصوحاً من جميع الذنوب، وسألت الله أن يفرج كربي، ويزيل همي , وقد استخرت الله في القيام ببعض الأمور في حياتي لكي أعيد تصحيح الأوضاع , ولكن بعد القيام بكل هذه الأمور ما ازددت إلا همّاً وغمّاً، فزادت المصائب، وكثرت الأحزان، وفشلت كل خطواتي التي استخرت الله فيها، بل وألحقت بي الأذى , وغلقت كل الأبواب في وجهي , حاشا لله أن أكون أشكو الله لفضيلتكم إنما أشكو بثي وحزني إلى الله , ولكنى أريد أن أعرف لماذا لا يستجيب الله لي؟ ولماذا لا أوفق في أي أمر من أمور الدنيا - رغم أني آخذ بالأسباب، وأتوكل على الله، ولا أقوم بشيء إلا وقبله الاستخارة , فالله يوفق الكافر في دنياه الذي يأخذ بالأسباب , ولا آكل الحرام، ولا أضمر الشرَّ لأحدٍ وأدعو للجميع بالتوفيق -؟ وقد سمعت من أحد المشايخ وهو يحكي قصه فرعون أن الله قال لموسى: " وعزتي وجلالي لو استنجد بي لنجدته "، وبدأت بعض الأسئلة تدور في نفسي، هل أنا أهون عند الله من فرعون رغم أني لم أرتكب ذنوبه؟ وإذا لم أكن كذلك لماذا يبتليني الله بهذا الابتلاء رغم أني لست بعظيم الإيمان؟ وإذا كان السبب هو الذنوب فإني تبت من جميع الذنوب، وأكثرت الدعاء، وإن كان الله يريد أن يرفع به درجاتي في الجنة فكيف ذلك والله يعلم أني ليس لي طاقة بهذا البلاء؟ . أسئلة كثيرة تدور في رأسي , أتعبتني وأرهقتني ولم أجد لها إجابة , والحقيقة لقد بدأت عزيمتي تفتر، وقوة إيماني تضعف، وضاقت نفسي بالدنيا، ولم أعد أقوى على تحمل هذه الكوارث , فقد طالت المدة، وأصابني اليأس الشديد، وتسرب الشك إلى قلبي , ولولا أن الله حرم قتل النفس لكنت فعلت وأرحت نفسي، معذرة أني أطلت على فضيلتكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يقبل توبتك، ويغفر حوبتك، وأن يوفقك لما يحب ويرضى.
ثانياً:
لا شك – أخي الفاضل – أن ثمة خللاً في تصورك لمسائل الدعاء والإجابة والابتلاء، وما تعاني منه طبيعي إن كنتَ على غير بصيرة في تلك المسائل وغيرها مما يتعلق بها، ونحن شعرنا معك برسالتك، وأحسسنا بآلامك، فنرجو منك التنبه لما سنبينه لك، والعمل به، فنحن رأينا في رسالتك من الاستعداد للقبول ما شجعنا على أن نرد عليك، ونوجهك لما فيه الخير لك دنيا وأخرى.
ثالثاً:
يتصور كثير من الناس أنه بمجرد أن يعلن توبته وإنابته لربه تعالى، أنه سينتقل مباشرة إلى النعيم، فيرتفع عنه البلاء، وتأتيه الأموال، ويعيش في رغد من العيش! وكل ذلك غير لازم البتة، بل إنه ثمة اختبار وابتلاء لتوبة هذا العبد، هل هي صادقة أم لا، وهل هي لله أم ليست له، وكل ذلك سيجعله في ابتلاء جديد؛ بل إن مختصر هذه الحياة وحكمتها: أنها تجربة ابتلاء واختبار. قال الله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الانسان:2) ؛ فإذا فهم هذه الحقيقة، فهو حري أن يسلم له قلبه، وإن لم تسلم له جوارحه، وظاهر عيشه، أما بدون وعي ذلك والتنبه إليه، فهو حري ألا يسلم له قلبه، حتى وإن سلمت جوارحه؛ ومن هنا جاء عن بعض السلف قولهم " لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف " وأي نعيم يقصد أولئك العظام؟ إنه نعيم القلب، يقينه بربه تعالى، وفرحه بطاعته، وسعادته بالتقرب إليه، ولو عاش في ضيق من الدنيا، وهذا هو مقياس الحياة الطيبة، كما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم حين قال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
فمَن جمع بين الإيمان والعمل الصالح: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) وذلك بطمأنينة قلبه، وسكون نفسه، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه، ويرزقه الله رزقاً حلالاً طيِّباً من حيث لا يحتسب، (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ) في الآخرة (أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) من أصناف اللذات مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيؤتيه الله في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة. " تفسير السعدي " (ص 448) .
وأما الآخرون من الكفار والعصاة: فاسمع لقول الله تعالى في حقيقة حالهم حين قال: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه/ 124.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) أي: خالف أمري، وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه، وأخذ من غيره هداه: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حَرَج لضلاله، وإن تَنَعَّم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى: فهو في قلق وحيرة، وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة.
" تفسير ابن كثير " (5 / 322، 323) .
فهل من الحكمة في شيء، أو من العقل الصريح أن تترك ما فتح الله تعالى لك من أبواب العبودية، وشرفك به من الإيمان به، لأجل اغترارك بحال أهل الكفر من السعة في الدنيا والرزق: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ)
ثم أنت تترك البينات الواضحات في كتاب الله وسنة رسوله في شأن الدعاء، وعظم قدره، وأسباب إجابته، وتعلق حالك بمثل هذا الخبر: " وعزتي وجلالي لو استنجد بي لنجدته " ـ الذي يشبه كلام القصاص وأخبار بني إسرائيل.
وهب أنه صحيح ثابث، هل مجرد حصول مطلوب العبد من الدنيا، وسعة عيشه، ووفور رزقه، علامة على قبوله عند ربه.
قال الله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) الآيات، سورة الفجر.
وهب ـ أيضا ـ أن هذا الرزق إنما أتاه بعد دعاء دعاه؛ أفيدل هذا ـ يا عبد الله ـ على أن هذا العبد مقبول مرضي الحال عند مولاه؟!!
(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (يونس: 22-23)
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" عرفوا أنه الهلاك، فانقطع حينئذ تعلقهم بالمخلوقين، وعرفوا أنه لا ينجيهم من هذه الشدة إلا الله وحده، فدَعَوُه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ووعدوا من أنفسهم على وجه الإلزام، فقالوا: {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي: نسوا تلك الشدة وذلك الدعاء، وما ألزموه أنفسهم، فأشركوا بالله، من اعترفوا بأنه لا ينجيهم من الشدائد، ولا يدفع عنهم المضايق، فهلا أخلصوا لله العبادة في الرخاء، كما أخلصوها في الشدة؟!!
ولكن هذا البغي يعود وباله عليهم، ولهذا قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: غاية ما تؤملون ببغيكم، وشرودكم عن الإخلاص لله، أن تنالوا شيئًا من حطام الدنيا وجاهها النزر اليسير الذي سينقضي سريعًا، ويمضي جميعًا، ثم تنتقلون عنه بالرغم؛ {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ} في يوم القيامة {فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وفي هذا غاية التحذير لهم عن الاستمرار على عملهم " انتهى، تفسير السعدي (361) .
وتأمل معي قول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) الإسراء: 18-21
لتعلم ـ يا عبد الله ـ أن القضية ليست بالحساب الذي تظنه: من نال حظه، أو أجيب دعاؤه فهو أفضل، ومن لم ينل فهو أقل وأرذل!! كلا، ليست المسألة هكذا.
رابعاً:
ويخطئ كثير من الناس في مسألة الدعاء من وجوه كثيرة، ويهمنا في سؤالك أخي الفاضل أن ننبهك على خطئين اثنين:
الأول: ظنك أن الدعاء يستجاب بمجرد أن تدعو، وهو خطأ؛ إذ للدعاء شروط لاستجابته، وموانع تمنع من استجابته.
وانظر تفصيل ذلك بتمامه وكماله في جواب السؤال رقم (5113) .
وفي ذلك التفصيل بيان مانع من موانع الاستجابة عندك، وهو تعجل الإجابة، وااستحسار بعده.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) رواه مسلم (2735) .
والثاني: ظنك أن الاستجابة نوع واحد وهي تحقيق المطلوب في الدعاء من مال أو ولد أو وظيفة، أو غير ذلك، وهو خطأ؛ إذ الاستجابة ثلاثة أنواع، فهي إما أن تكون بتحقيق المطلوب في الدعاء، أو أن يصرف عنه من السوء والشر بقدر دعائه، أو يدَّخر ذلك له أجراً وثواباً يوم القيامة.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ) .
رواه أحمد (10749) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب (1633) .
خامساً:
تقصير المسلم في طاعته وعبادته ينبغي أن يُشعره بأنه ليس أهلاً لإجابة دعائه، ولعل ذلك أن يدفعه لأن يعمل بطاعة الله أكثر، ويزداد تقرباً إليه عز وجل، فإذا اعتقد الداعي أنه جاء بما يحب الله ويرضى عنه، وأنه أهلٌ للإجابة ولَّد ذلك عنده سوء ظنٍّ بربه تعالى! وولَّد عنده شعور بالإحباط، واليأس، حتى إنه ليود التخلص من الحياة بالانتحار! وكل ذلك – وللأسف – رأيناه – أخي الفاضل – في كلامك.
وهذا بخلاف من علم تقصيره في جانب ربه تعالى، فإن مثل هذا يتولد عنده سوء ظنٍّ بنفسه لا بربه عز وجل، ويدفعه ذلك للابتعاد عن المنهيات، والإتيان بالواجبات، ويأخذ بالورع، ويترك التوسع بالمباحات التي قد تلهيه عن طاعة ربه تعالى.
قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله تعالى -:
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " بالورع عما حرَّم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح "، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: " يكفي مع البِرِّ من الدعاء، مثل ما يكفي الطعام من الملح "، وقال محمد بن واسع: " يكفي من الدعاء مع الورع اليسير " …
وقال بعض السلف: " لا تستبطئ الإجابة وقد سددتَ طرقها بالمعاصي "، وأخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال:
نحن ندعو الإله في كل كرب ... ثم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابة لدعاء ... قد سددنا طريقها بالذنوب
" جامع العلوم والحكم " (1 / 107، 108) .
وقال القرطبي – رحمه الله -:
وقيل لإبراهيم بن أدهم: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟
قال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس.
" تفسير القرطبي " (2 / 312) .
وتأمل ـ أخي الكريم ـ هذا الفصل البديع من كلام ابن الجوزي في هذه المسألة، قال رحمه الله:
" رأيت من البلاء أن المؤمن يدعو فلا يجاب، فيكرر الدعاء وتطول المدة ولا يرى أثرا للإجابة؛ فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر!!
وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب؛ ولقد عرض لي من هذا الجنس؛ فإنه نزلت بي نازلة فدعوت فلم أر الإجابة، فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده، فتارة يقول: الكرم واسع، والبخل معدوم، فما فائدة التأخير؟!!
فقلت له: اخسأ يا لعين، فما أحتاج إلى تقاضي، ولا أرضاك وكيلا!!
ثم عدت إلى نفسي فقلت: إياكِ ومساكنةَ وسوسته، فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك المقدر في محاربة العدو، لكفي في الحكمة.
قالت: فسلِّني عن تأخير الإجابة في مثل هذه النازلة!!
فقلت: قد ثبت بالبرهان أن الله عز وجل مالك، وللمالك التصرف بالمنع والعطاء؛ فلا وجه للاعتراض عليه.
والثاني: أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة، فربما رأيتِ الشيء مصلحةً، والحكمة لا تقتضيه، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر، يقصد بها المصلحة، فلعل هذا من ذاك.
والثالث: أنه قد يكون التأخير مصلحة، والاستعجال مضرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال العبد في خير ما لم يستعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي) .
الرابع: أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيكِ؛ فربما يكون في مأكولك شبهة، أو قلبك وقت الدعاء في غفلة، أو تزاد عقوبتك، في منع حاجتك، لذنبٍ ما صدقتِ في التوبة منه.
فابحثي [يا نفس] عن بعض هذه الأسباب لعلك تقعين بالمقصود ...
والخامس: أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب؛ فربما كان في حصوله زيادة إثم، أو تأخيرٌ عن مرتبة خير، فكان المنع أصلح!!
وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو، فهتف به هاتف: إنك إن غزوت أُسرت، وإن أُسرت تنصرت!!
والسادس: أنه ربما كان فقد ما فقدته سببا للوقوف على الباب واللجْء [أي: اللجوء إلى الله] ، وحصوله سببا للاشتغال به عن المسؤول، وهذا الظاهر؛ بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجء ... وإنما البلاء المحض ما يشغلك عنه، فأما ما يقيمك بين يديه ففيه جمالك!!
وإذا تدبرت هذه الأشياء تشاغلت بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك؛ من رفع خلل، أو اعتذار من زلل، أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب!! " انتهى.
صيد الخاطر (59-60) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/195)
ترك الصلاة بسبب معاناته من وسواسه بسلس البول
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي في الصلاة، أنا للأسف أهملت صلواتي، وتقريباً لي سبعة أشهر لم أصلِّ! مع علمي بعظم هذه المعصية، وأنا أذكر إخواني دائما بالصلاة، وأحذر من التهاون فيها، وبكل أسف أنا لا أصلي! أنا لست منافقاً أبدا، وأنا والله أتمنى أني أستطيع أن أصلي وأنا أكون كباقي الناس، لكن والله أنا ما تهاونت فيها إلا بسبب الوساوس القهرية في الوضوء والغسل وقد يكون هذا الأمر هيناً، لكن المصيبة التي كرهتني في كل شيء هي " سلس البول " , وهو ليس سلساً مستمراً بل هو مجرد إحساس بعد قضاء الحاجة بخروج نقاط من البول، وكم وكم قرأت من استشارات لكن قد يكون الأمر سهلاً عند من يفتيك لأنه لم يعان مما يعانيه غيره، وأنا والله العظيم لولا هذه المشكلة ما كنت فرطت في صلواتي , وأنا كنت سابقا لا ألتفت لها وكنت أسمع من البعض يقول إنه لا يجب عليك أن تلتفت لها، وأن تستنجي، ثم تتوضأ ولا عليك من أي شي يخرج منك بعد ذلك , كنت على هذا طيلة حياتي , لكن بعد أن بدأت أبحث في المواقع الدينية وأسال وجدت أنني كنت مخطئاً. أنا عندي عدة أسئلة وأتمنى تريحوني من هذا العذاب لأن أعظم البلاء أن يبتلي الإنسان في دينه وأنا ابتليت في أنني لا أستطيع أن أصلي. سؤالي: الآن هل أُعتبر أنا كافراً كفراً يُخرج من الملة بسبب إهمالي لصلواتي طيلة السبعة شهور؟ وماذا يجب عليَّ أن أفعل؟ وكيف أجدد إيماني؟ وهل يجب أن أتلفظ بالشهادتين؟ أريد منكم التوضيح بشكل مفصل. السؤال الآخر: ماذا أفعل بخصوص سلس البول (هل يجب عند قضاء الحاجة أن أنتظر فترة قد تصل إلى نصف ساعة في دورة المياه لكي أتأكد أنني لا أحس بخروج شيء، ثم أتحفظ بقماش ومعاناة تثبيت القماش أو غيره على العضو ثم أبدأ الوضوء وتبدأ معاناة الوسواس بل أيضا تنتظرني معاناة الوسواس في الصلاة وإعادتها) ، أنا أعلم أن الدين يسر ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وأنا لا أعلم ماذا أفعل في مصيبتي هذه. بارك الله فيكم، لا تحيلوني لأي استشارات أخرى، وأغيثوني، أغاثكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبحان الله، كيف تمكَّن الشيطان من الكيد لك، والإيقاع بك! فتختار ترك الصلاة بالكلية! تختار الردة! تختار حبوط الأعمال جميعها!
نعم، ترك الصلاة كفر مخرج من الملة، ولا يُعذر المسلم بترك الصلاة في أي ظرف أو حال كان فيه، ففي الحرب يصلي، وفي المرض يصلي، وفي السجن يصلي، ولا يُعذر بترك الصلاة إن فقد الماء والتراب، ولا يعذر إن جهل القبلة، ولا يعذر في تركها إن لم يكن عنده ثياب يستر عورته بها.
وقد شرع الله تعالى لكل من ذكرنا أحكاماً تتناسب مع حاله وظرفه، من الجمع بين الصلاتين، وسقوط شرط الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة، والصلاة جالساً أو مضطجعاً، بل والصلاة بالنية في حال عدم قدرته على الحركة! وكل ذلك يدل على عظم هذه الفريضة، وعظم شأنها في شرع الله تعالى.
ومما يدل على عظيم شأنها: أن الله تعالى فرضها على المسلمين في السماء ليلة المعراج من غير واسطة بينه تعالى ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
فالحذر الحذر، وإياك أن تهون ما عظمه ربك عز وجل، وإياك أن ترضى لنفسك الدخول في عصابة العاصين المرتدين، فالحكم واضح بيِّن، وليس لك عذر عند الله تعالى البتة، فلم يبق لك إلا المسارعة إلى الصلاة – وتغنيك الصلاة عن التلفظ بالشهادتين - ولتعوض ما فات من عمرك بالاستغفار والطاعات، ولتصدق في توبتك، واحذر أن تموت وأنت تارك للصلاة وإلا حبط عملك الصالح، ولقيتَ الله كافراً مرتدّاً.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
كيف يقضي من فاتته صلاة يومين بسبب مرض؟ ومتى يكون القضاء؟
فأجاب:
"هذا المريض إما أن يكون قد غاب عقله – أي: أغمي عليه -: فهذا لا قضاء عليه؛ لأنه مغمى عليه، فاقد العقل، وليس كالنائم الذي إذا أيقظته استيقظ، وأما إذا كان عقله معه: فلا يحل له أن يؤخر الصلاة، يصلي على حسب حاله، ولو بالنية، حتى لو – فرضنا - أنه لا يستطيع أن يتحرك: فعليه أن ينوي بقلبه التكبير والقراءة والركوع والسجود، لكن بعض المرضى لضيق أنفسهم، وكونهم في حرج: تجده إذا قيل له: صلِّ: قال: إذا عافاني الله صليت! هذا غلط، خطر عظيم جدّاً، لو مات على هذا يخشى أن يكون كافراً، ولهذا يجب على الممرضين الذين يمرضون أقاربهم إذا قالوا هذا أن يحذروهم، يقول: صلِّ ولو بالنية، ما دام العقل ثابتاً هل يمكن أن يفقد الإنسان النية؟ لا يمكن أن يفقدها، ولا لسانه....، أو كما يفعل بعض المرضى تكون ثيابه متنجسة ويقول: لا أستطيع أن ألبس ثوباً طاهراً، ولا أغسل النجاسة، أنتظر حتى يعافيني الله وأتطهر: نقول: هذا أيضاً حرام، صلِّ ولو بالثوب النجس؛ لأن الله يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/ 16.
بقدر ما يستطيع، إن قدر على الطهارة: تطهر، وإن لم يقدر: فإنها تسقط عنه" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (163 / السؤال رقم 9) .
ثانياً:
وأما حكم ما تركته من صلوات: فليس عليك قضاؤها وتكفيك التوبة والمحافظة على الصلاة.
ثالثاً:
الذي تعاني منه أنت سببه، فلست مريضاً بسلس البول، فأنت من جعل الخيال حقيقة، وجعل الوهَم واقعاً، فمجرد الإحساس بوجود نقاط بول تخرج منك – كما تقول – ليس لها حكم البول الخارج بالقطع والجزم، فلا تلتفت لهذا الوهم، ولا تبني حكما على ذلك الخيال، وإذا استجبت لهذا ارتحت، وإذا استسلمت له جاءك الوسواس القهري، وجعل حياتك نكداً.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
بعدما أنتهي من الوضوء أشعر بأنه يخرج مني نقاط من البول , فهل يجب عليَّ إعادة الوضوء , علماً أنني كلما أعدت الوضوء حصل نفس الشعور , فماذا أفعل؟ .
فأجاب:
"هذا الشعور عند السائل بعد الوضوء يعتبر من وساوس الشيطان , فلا يلزمه أن يعيد الوضوء , بل المشروع له: أن يُعرض عن ذلك , وأن يعتبر وضوءه صحيحاً لم ينتقض ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يجِد الشيء في الصلاة , قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) متفق على صحته.
ولأن الشيطان حريص على إفساد عبادات المسلم من الصلاة والوضوء وغيرهما , فتجب محاربته، وعدم الخضوع لوساوسه , مع التعوذ بالله من نزغاته ومكائده" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 124) .
وليس لك أن تنتظر فترة من الزمان في الحمام لتنتظر خروج شيء، وليس لك أن تمشي أو تقفز أو تعصر فرجك، فكل ذلك وما يشبهه من تلبيس إبليس، وإنما يوسوس بذلك للناس ليصرفهم عن الطاعة، وليقذف في قلوبهم الحزن، فإياك أن تستجيب لوسوسته، وكل ما عليك فعله إنما هو التبول ثم الاستنجاء بعده، ثم نضح الفرج والثياب بقليل من الماء لتذهب به كيد الشيطان وتتخلص من وسوسته، والبول ينقطع بطبعه إذا فرغ الإنسان منه، ولو أنه انتظر عدم نزول شيء جديد منه، أو راح يعصره لينشفه لم ينته، فإنه كلما عصره استمر في النزول!
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
عن الاستنجاء هل يحتاج الى أن يقوم الرجل ويمشي ويتنحنح يستجمر بالأحجار وغيرها بعد كل قليل في ذهابه ومجيئه لظنه أنه خرج منه شيء؟ فهل فَعَل هذا السلف رضي الله عنهم أو هو بدعة أو هو مباح؟
فأجاب:
"الحمد لله، التنحنح بعد البول، والمشي، والصعود في السلم، والتعلق في الحبل، وتفتيش الذَّكَر بإسالته، وغير ذلك: كل ذلك بدعة، ليس بواجب، ولا مستحب عند أئمة المسلمين، بل وكذلك نتْر الذَّكَر بدعة على الصحيح، لم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبول يخرج بطبْعه، وإذا فرغ: انقطع بطبعه، وهو كما قيل: كالضرع، إن تركته: قرَّ، وإن حلبتَه: درَّ.
وكلما فتح الانسان ذكَره: فقد يخرج منه، ولو تركه: لم يخرج منه، وقد يخيل إليه أنه خرج منه، وهو وسواس، وقد يحس من يجده برداً لملاقاة رأس الذكر فيظن أنه خرج منه شيء، ولم يخرج.
والبول يكون واقفاً محبوساً في رأس الذكرلا يقطر، فاذا عُصر الذكَر أو الفرج أو الثقب بحجر أو أصبع أو غير ذلك: خرجت الرطوبة، فهذا أيضا بدعة، وذلك البول الواقف لا يحتاج الى إخراج، باتفاق العلماء، لا بحجَر، ولا أصبع، ولا غير ذلك، بل كلما أخرجه جاء غيره؛ فإنه يرشح دائماً.
والاستجمار بالحجر كافٍ لا يحتاج الى غسل الذكر بالماء، ويستحب لمن استنجى أن ينضح على فرجه ماء، فإذا أحس برطوبته قال: هذا من ذلك الماء.
وأما مَن به سلس البول، وهو أن يجري بغير اختياره لا ينقطع: فهذا يتخذ حفاظاً يمنعه، فإن كان البول ينقطع مقدار ما يتطهر ويصلي وإلا صلى وإن جرى البول، كالمستحاضة تتوضأ لكل صلاة، والله أعلم" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (21 / 106، 107) .
وفي جواب شيخ الإسلام تفصيل لحالتك، والجواب عليها، فعليك التأمل في كلام أهل العلم، وإظهار الاحترام والتقدير لهم، فهم نجوم يهتدي بهم من ضلَّ طريقه، فما عندك إنما هو وهم وخيال لا ينبغي لك الالتفات له، ولا الاهتمام به، وليس لك أن تنتظر خروج شيء من البول بعد انتهائك من التبول، وليس عليك أن تتحفظ بقماش أو غيره.
والذي يظهر لنا أنك لست مريضاً بسلس البول، وإنما أنت استسلمت لوسوسة الشيطان فتمكن منك.
فاسأل ربك تعالى العون والتأييد والتثبيت، وتوكل على الله تعالى في صرف الشيطان وكيده، فإنه (لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) النحل/99.
وانظر للفائدة أجوبة الأسئلة: (2723) و (11449) و (1174) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/196)
اساءات إليها أختها فهل تهجرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه عمري 19 عاماً فقدت والدي ووالدتي وأصبحت انطوائية جدا والكل يخبرني بأني تغيرت كثيرا. وأنا دائما أجلس في غرفتي ولا أجلس مع أخواتي.. ولي أخت تكبرني بسنة في البيت ولكنني لا أكلمها لأسباب كثيرة لولا الحياء لذكرتها.. علماً أنها تجرحني بكلمات كبيره لا أتحملها فقطعت علاقتي بها ونحن في بيت واحد ومرت على حالتنا شهور ... ونحن لا نجتمع على طعام أو غيره فكل واحدة منا تعيش وحدها....
س: هل قطيعتها قطيعه للرحم ولي ذنب في ذلك.. علما أنني مرتاحة بعدها وهذه هي رغبتي..؟؟
س: لدينا خادمه كافرة وإذا طلبت منها شيء ترميه لي بطريقه تأفف وهذه الحركات معي فقط فهل زجري لها وعتابها يحملني أي ذنب؟؟
س: ما هي صلاه الوتر وكم ركعاتها وصفتها ووقتها؟؟
س: كم عدد ركعات صلاه التراويح وهل يجوز أن أمسك المصحف وأنا أصليها أو دفتر فيه أدعيه ... ؟؟؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
فنسأل الله أن يعوِّضك خيرَ ما يعوِّض به عباده الصابرين، وأن يشرح صدرك، وييسر أمرك، ويصلح شأنك مع أهلك.. إنه سميع قريب.
وأما هجرك لأختك، فإن كان هذا الهجر لأنها ترتكب بعض المخالفات الشرعية، وهجرك لها سيحقق مصلحة لكِ، بأن تسلمي من شرها وأذاها،أو يحقق مصلحة لها بأن تتأثر وترتدع عن معاصيها، فهذا لا بأس به.
وإن كان الهجر لحظوظ شخصية، أو خلاف على أمور دنيوية كبعض المشاكل العائلية، فهنا لا يجوز الهجر ولا القطيعة، ويندفع هذا الهجر بالسلام عليها، ولا يشترط كثرة الجلوس معها أو محادثتها، خاصة إذا لم يحصل من هذا الجلوس فائدة لكِ أو لها.
ونوصيك أيتها الأخت بالحرص على التعرف على بعض الصالحات الخيِّرات، من خلال حضور المجامع النسائية الخيِّرة كجمعيات تحفيظ القرآن الكريم، وما شابهها، ليكُنَّ خير معين لك على الخير، وسبباً لدفع هذه الإنطوائية التي تشتكين منها، ولتستفيدي منهن العلم والعمل.
كما نوصيكِ بالحرص على الاستفادة من أوقات الفراغ باستماع الأشرطة النافعة، وقراءة الكتب المفيدة؛ التي تزيدك إيماناً وعلماً.
وأما الخادمة التي تقصر في عملها أو تسيء إليك؛ فلا بأس من زجرها وتأديبها على قدر إساءتها، وبما يصلحها، من غير بغي ولا تعدٍّ عليها.
وأما ما يتعلق بأحكام الوتر وصلاة التراويح فتجدين في زاوية (مواضيع في المناسبات < فضل قيام ليالي رمضان) . إجابة لكثير من أسئلتك.
وإذا أردت المزيد فراجعي زاوية: (فقه < عبادات < الصلاة < صلاة النافلة < قيام الليل) من مكتبة الإجابات.
وفي السؤال (1255) تجدين جواب عن حكم حمل المصحف في صلاة الليل.
وأما حمل دفتر للأدعية في أثناء صلاة التراويح فلا بأس به، على أن الأفضل أن تحرصي على حفظ بعض الأدعية , والدعاء بها في صلاتك، فهو أدعى للتفكر في الدعاء، وقلة الحركة في الصلاة.
نسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير وأن يصرف عنك الشر وأهله.. آمين. والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/197)
تحبُّ رجلاً عن طريق الإنترنت وتقدَّم لها صاحب دِين للزواج وتطلب المشورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً أريد أن أحييكم على مجهوداتكم الجبارة من خلال موقعكم المميز، جزاكم الله خيراً، وجعل هذا في ميزان حسناتكم يوم القيامة. لقد لجأت إليكم لا لأشكو همِّي فالشكوى لغير الله مذلة، وإنما لأطلب النصح من أب، وأخ، وشيخ فاضل، وأتمنى أن توجهوني لما فيه رضا الله عز وجل، ولما فيه صلاحي في الدنيا والآخرة، أنا فتاة مطلقة، تعرفت منذ 7 أشهر إلى شاب عن طريق الانترنت، حسب ما أعرفه عنه خلال هذه المدة أنه إنسان محترم، ذو خلق، ومتدين، يعيش في بلد أوربية، أحس أنني أحبه، وهو أيضا، لكنه لا يستطيع التقدم لخطبتي حاليّاً؛ نظراً لظروفه، حيث إنه ما زال غير مستقر في البلد الذي يعيش فيه، حيث إنه ومنذ أكثر من 5 سنوات يعيش في هذه البلاد بإقامة طالب، وهذا ما يمنعه من الزواج؛ لأنه إن تزوج فليس له الحق في اصطحاب زوجته معه، ولا يعرف إلى أي مدى قد يطول هذا الأمر، ربما لسنوات، الله أعلم. حدث مؤخراً أن تقدم لخطبتي شاب على مستوى من الأخلاق والدِّين، لا نسأل عنه أحداً إلا قال فيه خيراً. انصحني شيخنا الفاضل ماذا يتوجب عليَّ فعله، أحس أنني أحب الشخص الذي أعرفه منذ مدة، وأهلي يريدون تزويجي من الشاب المتقدم لخطبتي، هم لم يفرضوه عليَّ، لكنهم لا يجدون سبباً مقنعا لأرفضه، ولا أستطيع إخبارهم عن علاقتي بالشخص الآخر. أرجو يا شيخنا الفاضل أن توجهني وتنصحني بما آتاكم الله من علم، لما فيه مرضاة الله عز وجل، وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي أن تعلمي أنكِ وقعتِ في آثام متعددة من المراسلة والمحادثة المتكررة مع رجل أجنبي عنكِ، ومعرفتكِ عنه أنه متدين، ومحترم، وذو خلق، وكذا معرفة ظروفه المعيشية: كل ذلك يؤكد أن هذه العلاقة المحرَّمة قد استمرت لفترة طويلة، ولا ندري ما هو التدين الذي يتحلى به ذلك الشاب، ولا ندري كيف تصفينه بأنه محترم وصاحب خلُق، وهو يرضى لكِ ما لا يرضاه لأخته ولا ابنته!
والواجب عليكِ – وعليه بالطبع – الآن التوبة من تلك العلاقة، والمبادرة الفورية بقطعها، وحتى تكون توبتك صادقة فإنه يجب عليك الكف فوراً عن تلك العلاقة، والندم على ما حصل منكِ، والعزم على عدم العودة لها أو لمثلها.
وتجدين حكم هذه العلاقة في أجوبة متعددة، وانظري – مثلاً -: (34841) و (23349) و (21933) .
ثانياً:
وبما أنكِ قد علمتِ ظروف ذلك الشاب، وأنه لا يستطيع التقدم لخطبتكِ: فهذا يحتِّم عليك قطع العلاقة معه؛ لأنها – بالإضافة لحكمها الشرعي – فليس مأمولا منها أن تنتهي بالزواج، على الأقل في المستقبل المنظور، وإنما هي مجرد أوهام، يضيع العمر بالجري وارءها: كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً!!
قال الإمام أحمد رحمه الله: " من أحالك على غائب فما أنصفك ".
نقله ابن تيمية في الفتاوى (27/102) .
ثالثاً:
لا نظن عاقلاً على وجه الأرض يمكن أن ينصحك بعدم قبول المتقدم لخطبتكِ على (أمل) ! أن تتحسن ظروف ذلك الشاب ليخطبكِ؛ وذلك لأمور، منها:
أ. أن ذلك الشاب مجهول، ولا يَعرف أحد حقيقته، وأما الثاني فإنه معلوم لكِ ولأسرتكِ.
ب. أن ظرف الأول قطعي في عدم قدرته على خطبتك، وتحسن أحواله مظنون، وفي عالم الغيب، وأما الثاني: فإن ظرفه الحالي مقطوع به بقدرته على التزوج.
ج. أن الأول يعيش في دولة كافرة، ولا يحل لك الذهاب إليها، والعيش بها، والأمر كذلك بالنسبة له، وأما الثاني: فهو يعيش في بلد عربي مسلم، وبينهما فروق من حيث الحكم الشرعي، ومن حيث صلاحية البلديْن لإقامة شعائر الدين، وسلامة الاعتقاد، والحفاظ على الأسرة والأولاد.
رابعاً:
اعلمي أنه ليس لكِ عذر في عدم الموافقة على الخاطب الذي تقدم لخطبتك، فلا تتردي بالموافقة، والعمر تمر ساعاته عليكِ ـ وأنت في هذه الأوهام ـ بما يضرك لا بما ينفعك، وبما يؤثمك لا بما يؤجرك، فصد هذا الخاطب يعني رضاك بالبقاء على علاقة آثمة لا يعلم إلا الله تعالى: متى تنتهي، وإلى أي حال تنتهي؟!!
وهذا ما لا نتمنى حصوله منك، وقد رضيتِ برأينا ومشورتنا، ونحن نشكرك على ثقتك بنا، فلا تردي نصيحتنا، واقبليها طيبة بها نفسك، وسترين أثر ذلك على قلبك وبدنك، ويكفيك أنك تتخلصين بذلك من إثم تلك العلاقة، وسترين معنى العلاقة الشرعية بعد عقدك وقبولك بالخاطب، وستتذوقين طعم الحب الشرعي الطاهر، وسترين أي جناية كنتِ ترتكبينها بحق نفسك، وسيتبين لك أن تلك " العلاقة الإلكترونية " مع ذلك الشاب لا قيمة لها، وليست حبّاً، إنما هي أوقات تصرف في المعصية والتسلية، وعندنا مئات بل آلاف النماذج من تلك العلاقات الإلكترونية التي ضيعت نساء كثيرات أعراضهن من خلالها! ومَن تزوجت منهن فقد باء زواجها بالفشل، فلا تفكري في حبٍّ موهوم، ولا تعيشي في خيالات، واجعلي همَّك في طاعة ربك تعالى، وفي العيش في الواقع المرئي، لا الخيال المتهم، واتركي ذلك الماضي بسوآته، ولا يشغلنك منه إلا التوبة النصوح إلى الله تعالى، وإصلاح العمل فيما بقي:
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك، وأن يخلصك من الآفات والشرور، وأن يطهر قلبك، وأن يعجل لك بالخير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/198)
هل يُنصح بالتزوج من امرأة غير متحجبة وتربت في بلد أجنبي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مقبل على الزواج من فتاة مسلمة، ولكنها تربت في بلد أجنبي، وهي غير محجبة، وأنا في حيرة، وخوف، وقلق، ولا أعلم ماذا أفعل، والسبب: أنه إذا حصل الزواج أن تبقى على ما هي عليه - أقصد " الحجاب " - وسؤالي هو: ما الذي يترتب علي؟ هل هذا الزواج حرام؟ وهل أأثم؟ وماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للزوجة دور بالغ الأهمية في بيتها، وبصلاحها تصلح – إن شاء الله – ذريتها، ولا يمكن تخيل مدى السوء الذي سيكون في بيت الزوجية في حال فساد تلك الزوجة، فالزوج لن يجد في بيته السكن، ولا المودة والمحبة، كما أنها ستؤثر سلباً على أولادها، من ذكور وإناث، وهذا مشاهد لا يخالف فيه أحد.
وقد وجدت حالات كثيرة سعى أبطالها للتزوج بامرأة ناقصة الدين، بل وفي أحيان أخرى تكون كافرة يطمع في إسلامها، أو مبتدعة يطمع بإرجاعها لأهل السنَّة، ولكن تبوء مشاريعهم بالفشل؛ وقد رأينا كثيرين غرقوا في تلك البحار، وما استطاعوا النجاة بأنفسهم.
وقد أوصانا الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم بالتزوج بذات الدِّين، فقَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) ، فعليك بهذه الوصية المباركة، ولا تفرِّط فيها، واعلم أن الزوجة ستكون عرض الإنسان وشرفه، وستكون مربيةً لأولاده، ومؤتمنة على ماله وبيته، ولا خير في امرأة لا تحفظ هذه الوظائف ولا تقوم عليها حق القيام، والإنسان ابن بيئته، وابن بيته، وإذا كان هذا الأمر يظهر في الرجال فإن ظهوره في الإناث آكد وأقوى، فمن تربت في بلد أجنبي، وفي بيت لا يعرف الاستقامة والالتزام فإنه ستظهر آثار تلك البيئة وذلك البيت على المرأة ولا شك، إلا أن يرحم الله تعالى بعض الأفراد فيوفقهم للهداية والاستقامة، ولو أنها كانت مقبلة على الهداية، وترغب بالتخلص من ماضيها، وتريد من يأخذ بيدها للاستقامة: لنصحناك بها، ولرغبناك في التزوج منها، أما وحالها ليس كذلك: فإننا لا ننصحك بالتزوج منها، وابحث عن غيرها، ولعلك أن توفق لذات الدين عاجلاً غير آجل.
وهذه فتاوى من علمائنا تؤيد ما قلناه لك، ونصحناك به:
1. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
لي أخ سيتزوج من فتاة متبرجة، فما واجبي نحوه؟ وبماذا تنصحه بعد أن خطبها؟ وما الواجب عليَّ فعله إذا استعملت آلات اللهو والغناء داخل البيت احتفالاً بالعرس؟
فأجابوا:
" عليك أن تنصحه أن يتزوج بذات الدين؛ امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدِّين) ولا تحضر حفلة الزواج التي تستعمل فيها آلات اللهو والغناء إلا إذا كنت قادراً على إنكار المنكر، فإن لم تكن قادراً على ذلك: وجب عليك اجتناب المنكر على الأقل " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 182، 183) .
2. وسئلوا – أيضاً -:
ما حكم الإسلام في رجل تزوج بامرأة لا ترتدي الزي الإسلامي، وهل يحمل سيئات أم لا على أنها متبرجة، وبالرغم أنه نصحها وأمرها به هل يجوز له أن يطلقها؛ لأنها لا ترتدي هذا الزي؟ بالرغم أنها معترفة به وتقول: إنه فرض.
فأجابوا:
" على الزوج أن يستمر في نصحها وحسن توجيهها؛ لعل الله أن يهديها ويوفقها، وإذا بذل وسعه في نصحها: فليس عليه إثم، فإن أصرَّت على البقاء على المنكر: فواجب عليه أن يطلقها " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 181) .
3. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وهو يذكر صفات الزوجة:
(ديِّنَةٍ) ، أي: صاحبة دين، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (تُنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ، فالديِّنة تعينه على طاعة الله، وتُصلح مَن يتربى على يدها من أولاده، وتحفظه في غيبته، وتحفظ ماله، وتحفظ بيته، بخلاف غير الديِّنة فإنها قد تضره في المستقبل، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فاظفر بذات الدين) ، فإذا اجتمع مع الدِّين جمالٌ ومالٌ وحسبٌ: فذلك نور على نور، وإلا فالذي ينبغي أن يختار الديِّنة.
فلو اجتمع عند المرء امرأتان: إحداهما جميلة، وليس فيها فسق أو فجور، والأخرى دونها في الجمال لكنها أدين منها، فأيهما يختار؟ يختار الأدين.
...
وقد يقول بعض الناس: أتزوج امرأة غير ديِّنة لعل الله أن يهديها على يدي، ونقول له: نحن لا نكلَّف بالمستقبل، فالمستقبل لا ندري عنه، فربما تتزوجها تريد أن يهديها الله على يدك، ولكنها هي تحولك إلى ما هي عليه فتشقى على يديها " انتهى.
" الشرح الممتع " (12 / 13، 14) .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (96584) .
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك زواجاً بامرأة صالحة، وأن يعينك وإياها على إنشاء أسرة طيبة صالحة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/199)
تعرف إلى فتاة ويسأل عن إتمام الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه قصتي مع الهاتف، أنا شاب تعرفت على فتاة عن طريق الهاتف، وتكلمت معها فترة طويلة لمدة خمسة شهور، وبعد مرور خمسة شهور قالت لي الفتاة إنها تخاف من كلامي معها؛ لأنه حرام، وعرضت عليها أن أتزوجها عبر الهاتف بأنها تقول لي: زوجتك نفسي، وأنا أقول لها: وأنا قبلت الزواج منك. وكان شرطها أنه زواج مع إيقاف التنفيذ؛ لأن شروطه غير مكتملة، وبعد ذلك تحدد يوم لمقابلة أمها وزوج أمها، وذهبت وطلبت الفتاة من أمها ووافقت الأم، ولكن زوج الأم رفض، وبعد فترة رفضت الأم هي الأخرى، وفي بعض الأحيان تقول انتظر حتى تنتهي البنت من الجامعة، وتطورت المسألة بيني وبين الفتاة في الهاتف، وبدأ الحديث يأخذ مجرًى آخر، أصبحنا نتحدث مثل الأزواج، وما زلت متمسكا بها أكثر من الأول؛ لأنها إنسانة طيبة والله أعلم، وبعد ذلك ندمنا على كل هذا، وبدأنا نحفظ القرآن، وهو شرطنا الآن حتى نتزوج، وفي يوم تحكى لي الفتاة قصة غريبة، أن أمها تركت أباها وهو في المستشفى في آخر أيام عمره، وطلبت منه الطلاق، وقالت له إنها تحب رجلا ثانيا، وبعدها توفي الزوج، وبدأت تدخل الرجل الثاني البيت، وسألتها الفتاة: من هذا؟ قالت لها: إنها متزوجة عرفيا، سألتها الفتاة عن شهور العدة. قالت لها: أنا منفصلة عن أبيك من أكثر من سنة، وبعد فترة انفصلت عن هذا الرجل، وتزوجت صديقه، والغريب أنه كان عنده علم، وبعد زواجها من هذا الرجل انشغلت أكثر من الأول عن أولادها بهذا الزوج الجديد، الذي يأخذ من أموال اليتامى لكي يرسل الأموال إلى الزوجة الأولى وأولاده، وبعد فترة أنجب منها. ملحوظة: حتى وقتي هذا لم أقابل هذه الفتاة، وهى تعرض علي أن أقابلها وأنا أرفض. هل هذا الزواج صحيح أم لا؟ هل أكمل الطريق مع هذه الفتاة أم أبتعد عنها؟ هل البنت لها ذنب في موضوع أمها؟ هل البنت ممكن أن تكون مثل أمها في يوم من الأيام؟ ماذا أفعل؟ دلوني بعد أن بدأت الفتاة في حفظ القرآن، وتعرف الصواب من الخطأ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد كان الأحرى بك – أخانا الكريم – أن تسأل عن الحكم الشرعي قبل أن تُقدم على ما عملت، وليس أن تبدأ بالخطأ والمعصية ثم تسعى في التفتيش عن مخرج ينجيك مما قدمت يداك. ونحن نوجهها لك نصيحة ولجميع أبنائنا وإخواننا من شباب المسلمين أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يتقوا الله في قلوبهم وقلوب فتيات المسلمين، وألا يميلوا عن الصراط المستقيم الذي شرعه الله تعالى، حيث أمر باجتناب الفتن، والبعد عن طرق الهوى والشيطان.
يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21
ويقول تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/268
وقال سبحانه: (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) النساء/60
ويقول الحق عز وجل: (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) القصص/15
وأعظم الغفلة حين يعمى القلب عن مراقبة الله، وحين يفقد الحسَّ الإيماني الذي يلوم نفسه الخطاءة على معصيتها ويحثها إلى الطاعة، أو حين تقع النفس في المعصية فتشغلها الغفلة عن حقيقة معصيتها ببعض الرسوم والعوارض التي لا أهمية لها.
يقول ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص/33) :
" فالواجب على العاقل أن يأخذ حذره من هذا العدو الذي قد أبان عداوته من زمن آدم عليه الصلاة والسلام، وقد بذل عمره ونفسه في فساد أحوال بني آدم " انتهى.
إن الزواج الشرعي الذي أحله الله تعالى لعباده معروف معلوم، لا تسأل أحدا عنه إلا أخبرك: كيف يتزوج الناس في النور، ويفرحون، ويفرح لهم إخوانهم وأهلوهم: فالحلال بيِّن، والحرام بين!!
وأما ما فعلته ـ أنت وهي ـ من الزواج الهاتفي: تزوجيني، زوجتك..، فهذا كله ـ أيها السائل ـ لعب بآيات الله، وتعد لحدوده سبحانه: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: من الآية231) .
أين ولي الفتاة – وهو أخوها الأكبر، ثم عمها، وليس زوج أمها -.. وأين الشهود، وأين المهر، وأين الإعلان، أين هي علامات الزواج الشرعي وأماراته؟!!!
الطريق الصحيح أن تكرر طلب الزواج من الفتاة من ولي أمرها، وتنظر إليها النظر الشرعي كي يطمئن قلبك إلى صورتها ومظهرها، وتقطع خلال ذلك وقبله الحديث معها في أي موضوع حتى يتم الإيجاب والقبول بينك وبين ولي أمرها برضاها، ويحضر الشهود، ويدون العقد في السجلات الرسمية، فإن لم تُفلح في نيل رضى وليها فعليك بالمحاولة مرات أخرى بواسطة أهل الخير والفضل، والله سبحانه وتعالى يقدر لك الخير إن صدقت في طلب الحلال وأخلصت في الدعاء والاستخارة.
ولكن يجب قبل ذلك كله تقديم التوبة الصادقة بين يدي الله تعالى، وسؤاله العفو عما سلف من الزلل، ومعاهدته سبحانه على عدم العود.
وحين يتم الزواج بشروطه وأركانه فهو زواج صحيح، ووقوع والدتها في الإثم والخطيئة لا يعني بالضرورة مشابهة ابنتها لها، فكثير من الأسر العاصية يخرج من بينها أبناءٌ بررةٌ صالحون، والعكس كذلك، فإن كنت ترى فيها بوادر الخير والصلاح فاسْعَ في الزواج بها، ولا تترفع عنها بخطيئة والدتها، وأمر الهداية في يد الله عز وجل، ونحن لا نحكم إلا على الظواهر، والله يتولى السرائر.
وإلى أن يتم بينكم الزواج الحقيقي الذي شرعه الله، لا اللعب بآياته، والعدوان على حرماته، يجب أن يتوقف كل حديث بينكما، ولو في الهاتف، ولو كان ذلك الحديث عن القرآن الكريم؛ ومن يخادع الله يخدعه!!
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/200)
زوجها يحبها وصاحب دين ولكن هي لا تنجذب إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ فترة قصيرة، ولكني لست سعيدة بهذا الزواج , ولا يوجد في زوجي عيب أو شيء منفِّر بل هو يحافظ على الصلاة في المسجد، وصاحب أخلاق، ويحاول أن يتقي الله , المشكلة أنني لا أحبه، مع أني كنت دائما أرغب بالزوج الملتزم، قد أكون تسرعت في الموافقه لأنني لم أتعرف عليه جيداً قبل الزواج وكنت أحيانا وقت العقد أشعر بعدم القبول، أخاف من أن انفصل عنه من المستقبل المظلم، ولكني مترددة، الشيء الوحيد الذي يطمئني أنني استخرت الله قبل الموافقة عليه، أنا لا أعلم ما أنا فيه وهل هذا ابتلاء حقا أم أنا التي صنعت هذا الهم لنفسها، وهل يمكن أن أكمل في زواجي هذا بهذا الشعور الداخلي وأنجب أولادا منه، ويكبرون، وتكون هذه حياتي مع شخص لست راضية به، أم عليَّ أن أتناسى وأعيش هكذا بلا شعور مع زوجي! .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن نعَم الله تعالى على الإنسان كثيرة وعظيمة، وهو يعجز عن إحصائها، فأنَّى يستطيع شكرها؟! ولذلك وَصف الله تعالى الإنسان بالظلم والجهل بعد بيان عظيم نعَم الله، قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم/ من الآية 34، فاعلمي أيتها الأخت أنك تتقلبين في نعم الله تعالى، حيث رزقك الله بزوج صالح، وبيت تأوين إليه، في الوقت الذي ترتفع آهات كثيرة من نساء لا يجدن زوجاً، ومن وجدت فقد يكون ظالماً أو فاجراً، وفي الوقت الذي تتشرد فيه الآلاف من النساء بسبب الفقر والحروب، فاحرصي على شكر النعمة بالمحافظة عليها، وأداء حقها، واحذري من كفرانها، وإلا سلبها الله منك، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم/ 7.
وحتى تعلمي عظم تلك النعم عليك انظري في حال من فقدها، أو نقصت منه، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لنا حتى لا يزدري أحدنا نعمة الله عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ) رواه مسلم (2963) .
ثانياً:
مما نعجب منه في رسالتك قولك " فأنا لم أتعرف على زوجي جيِّداً قبل الزواج "! وهل تعتقدين أن ما يحدث قبل الزواج بين الرجل والمرأة هو شرعي أولاً؟ وهل تظنين أنه بتلك العلاقة يتعرف الرجل على المرأة والعكس؟ إن أكثر ما يحدث في فترة التعارف تلك ليس بشرعي، بل هو مخالف للشرع؛ حيث يكون التوسع في النظر والحديث، والاختلاط المستهتر، والخلوة المحرمة، وغير ذلك من المنكرات الشرعية، وهي مشهورة بين الناس.
وفي هذه الفترة لا يَظهر الرجل على حقيقته، ولا المرأة كذلك، بل يحاول كل واحد منهما أن يُظهر صفاتٍ جميلة، وأخلاق عالية راقية، ولا تظهر الحقائق إلا فيما بعد الزواج، وفي إحصائيات متعددة في دول مختلفة تبين أن الزواج الذي تسبقه علاقة " حب محرَّم " أفشل من ذلك الذي خلا من تلك العلاقة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (84102) ، وحسبنا تنبيهك أنه ليس ثمة حاجة لتلك الفترة لتتعرفي على زوجك، وقد ذكرت من صفاته وأخلاقه ما يغنيك عن تلك الفترة للتعرف عليه.
إن الحب قبل الزواج قائم على المخادعة العاطفية؛ إذ ليس في المرأة ما يجعلها محبوبة لزوجها إلا مظهرها الخارجي! بخلاف الحب بعد الزواج فإن سببه المخالطة والمعاشرة، ولذا فإن الله تعالى يجعل بين الزوجين مودة ورحمة بعد زواجهما الشرعي، لا قبله، كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/ 21.
ثالثاً:
تقولين في رسالتك: " فأنا دائما كنت دائما أرغب بالزوج الملتزم الذي يعيشني حياة الالتزام بالدين.. "، ونقول لك: ها هي أمنيتك قد تحققت، وها هي رغبتك قد تحصلت، فقد رزقك الله زوجاً لا تعيبين عليه خلُقاً ولا دِيناً.
فاتقي الله في نفسك، واحذري من عقوبة الله لك، ويُخشى عليك سلب تلك النعمة، والعقوبة بزوج آخر لا يتقي الله تعالى فيك، ولا يربي أولادك كما ترغبين، وساعتها سيفوت وقت الندم.
أيتها السائلة الكريمة: لقد استخرت الله تبارك وتعالى قبل إقدامك على هذا الزواج، وهذا من أعظم أسباب توفيقك، إن شاء الله، شريطة أن ترضي بما قسم الله تعالى وقدره لك، وتعلمي أن الله تعالى قد اختار لك الخير: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216) .
إننا معك أيتها السائلة الكريمة في الخوف من المستقبل المجهول إذا ما فكرت في الانفصال عن هذا الزوج الصالح، وأنت تعلمين نظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة، ول كانت امرأة صالحة، وظلمت في زواجها الأول، وهي نظرة يشوبها كثير من الجاهلية؛ فكيف إذا عرف أنك انفصلت عن هذا الزوج الصالح، من غير ما بأس، ولا عيب فيه!!
بل إننا نخاف عليك ما هو أشد من ذلك والله!!
ألم تسمعي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه أبو داود (2226) وصححه الألباني.
وانظري جوابي السؤالين: (23420) و (20949) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/201)
كيف يتعامل مع زوجته المريضة نفسيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ 5 أعوام ولي طفلة عمرها عام ونصف. زوجتي عنيدة ولا تتفاهم مطلقا. وعنادها أدى إلى مشكلة نفسية تأصلت عندها بحيث أني لو لم ألبي مطالبها فإنها تبدأ في البكاء وقد يمتد ذلك أحيانا إلى وقت متأخر من الليل ثم تدخل في الاكتئاب تدريجيا.
منذ البداية وزوجتي لا تحب أهلي. وهي لا تترك لي المجال لأقضي وقتا ممتعا مع أهلي. لقد أساءت إلى والدي عدة مرات. ولأنها تصاب بالاكتئاب فلم أتخذ خطوات تصحيحية معها حتى الآن. لكني لا أستطيع تحمل تصرفاتها تلك. أريد أن أهتم بوالدتي وأن أسعدها هي الأخرى. لقد أخفق والداها في جعلها تحسن من تصرفاتها. كما نصحاها بالذهاب إلى طبيب نفساني، لكنها لا تريد الذهاب. أعلم أنها مصابة إلى حد ما بمرض عقلي. أرجو نصحي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخي نشكرك لك ثقتك بنا ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً للصواب.
قرأت رسالتك أكثر من مرة وأشعر أنه من الصعب أن أدرك الأمور على تفاصيلها؛ لأنها تبدو معقدة إلى حد ما ولا أستطيع أن أتوجه بالاتهام لأحدكما، ولكن أشعر أن لكل منكما نصيباً من المشكلة.
ولكن هذه بعض التوجيهات التي أنصحك بفعلها، وأسأل الله أن يجعلها عونا لك في تخطي مشكلتك:
أولا:
لابد من رجوع كل منكما إلى الله عز وجل، وذلك لأن المعصية لها أثر على حياة الإنسان في أهله وعلاقته كلها، ولهذا قال بعض السلف: إني لأفعل المعصية فأجد أثرها في أهلي ودابتي. وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحبه. قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه. فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا، فأبغضه. قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا، فأبغضوه. قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض.
ثانيا:
أن يتوجه الإنسان إلى ربه، فيدعوه ويتوجه إلى مولاه سبحانه وتعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) النمل / 62، ألح عليه بالدعاء، وتحرَّ أوقات الإجابة، من ثلث الليل الآخر، والذي ينزل فيها ربنا سبحانه وتعالى فينادي: من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له، من يسألني فأعطيه، من يتوب فأتوب عليه. وينبغي أن تدعو ربك وأنت موقن بالإجابة ولا تستعجل، فإن الله يستجيب للعبد ما لم يستعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي.
ثالثا:
إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله) أخرجه أحمد (3397) وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (1650) ، فعليك بالأدعية الشرعية من الرقية وقراءة القرآن وغير ذلك، قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) الإسراء / 82، وإذا كانت ترفض أن تعرض نفسها على الأخصائي النفسي، فلا يمنع هذا أن تكون الواسطة بينهما.
رابعا:
أكثر ما تحتاجه منك زوجتك أن تكون معها عاطفيا، خذها مثلا في نزهة بالسيارة إلى أي مكان مريح للأعصاب، أو سافر معها إلى بلد آخر للنزهة، أصر عليها بلطف على ذلك إذا رفضت، واختر النشاطات التي كانت تألفها وتسر منها مثل الذهاب إلى مكان ما تحبه أو ممارسة هواياتها.
خامسا:
لا تصر بقوة إذا رفضت التعاون، فالمكتئب يحب جلب نظره إلى الأشياء، وليس إلى مطالبته بها، لأنه سوف يزيد من شعوره بالفشل.
سادسا:
أوصيك بالرفق، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه.
أخيرا أخي السائل لاحظ أن المريض بالاكتئاب كسول ولا يقبل أن يحسن من حاله، بأن يخرج من حالة الاكتئاب من تلقاء نفسه، وتذكر أن معظم حالات الاكتئاب يمكن أن تعالج لكنها قد تحتاج إلى وقت طويل وصبر جميل، وتذكر أنه ربما تكون أنت من أسباب مرضها فلا تستعجل بالاستغناء عنها وعليك أن تساعدها على الخروج مما هي فيه، وتذكر أن الصبر مهما كانت مرارته إلا أن عوقبه حميدة.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/202)
يخاف من المستقبل
[السُّؤَالُ]
ـ[أواجه هذه المشكلة منذ شهرين تقريباً، ذهبت للطبيب ولكنهم قالوا بأنني بخير وصحة جيدة، لا أدري كيف أشرح ولكنني أحسن حالاً الآن.
أفكر بالموت كل يوم وكل دقيقة وهذا حقاً يخيفني مع أنني أدعو الله، أفكر بحادث وكيف مات الناس فيه، ولا أدري ما الذي سيحصل لي ولعائلتي في المستقبل. أدعو الله أن أعيش في سلام في هذه الدنيا وأن أفكر فيه كل ساعة. أشعر بالصداع بعد ذلك، لا أستطيع العمل كما كنت أعمل من قبل، أشعر بأنني في عالم آخر. أحياناً أسأل نفسي لماذا بعض الناس يموتون بهذه الطريقة المأساوية، هل لأنهم سيئون أم ماذا؟
أرجو أن تساعدني إجابتك على أن يتحسن شعوري وأن أعيش حياة سعيدة مع عائلتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخي الحبيب كم نحن نفتقر في كثير من الأحيان إلى النظرة المتوازنة للأشياء والحقائق، وكم نجد في حياتنا اليومية من المشكلات التي تعود في أصل تكوينها إلى إفراط جامح، أو تفريط فاضح، ولاغنى لطالب السعادة والنجاح في هذه الدنيا أن يسير معتدلاً، دون أن يغلب جانباً على آخر، وبذلك يعمر قلبه الإيمان، ويطمئن في عمل ما يطلب منه، وإن ما تشكو منه ليس عائداً إلى جهل بأصل القضية، وإنما هو عائد إلى تغليبك لجوانب الخوف وتكثيرك لأسبابها، وتجاهلك لجوانب الفأل والتقصير في أخذها.
أخي المسلم ...
لقد علمت أن الموت حقيقة قادمة لكل حي موجود، لا يتخلف عن ذلك أحد مهما شرفت منزلته عند الله، فهذا نبي الله تعالى أشرف الخلق قال الله له: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) الزمر/30، وقال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران/185
وقال الشاعر: كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
إن الخوف المحمود من الموت هو ذلك الذي يدعو الإنسان للبحث عن حاله، ومراقبة نفسه ومحاسبتها عن أعمالها السيئة، فإن هذا الخوف هو الذي يدعو المرء إلى البعد عن المعاصي ومداومة الاستغفار والتوبة، وأما الخوف الذي يكوّن لدى الإنسان حالة هلع وتوجس وترقب لخطر قادم، يجعله يعيش مكتوف الأيدي، ويثنيه عن العمل ويؤخره عن واجباته فهذا خوف مذموم، وصاحبه بحاجة لأن يجد ويجتهد في العمل على إزالته والحد منه، ولعلك أخي السائل تشعر بهذا، وتظن أن هذه الوسوسة هي أجراس الخطر ومؤشرات النهاية، وليس الأمر كذلك، غاية ما في الأمر أن هذه وسوسة من الشيطان الرجيم، ليوهن قلب المؤمن، وينغص عليه حياته، ليس من ورائها أي حقيقة تذكر، ولهذا تجد أن ذهابك إلى المستشفى لإجراء الفحوصات أكد لك أنك بخير، الأمر الذي أدى لتحسنك وطمأنينتك، ولعلنا نساعدك بما يعينك على التخلص من هذه الوسوسة وذلك في النقاط التالية:
الأولى:
تحريك جذوة الإيمان التي في فؤادك بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) التكوير/29، وما الموت إلا من قضاء الله وقدره الذي لا حيلة لابن آدم في دفعه، أو الحيلولة دون وقوعه، قال تعالى: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) يونس /49، وقال تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) النساء / 78
وإذا كان كذلك فإن الخوف من الموت لا يؤخر ولا يقدم، ولن تجني منه سوى النكد والأسى، فلن يأتيك أجلك إلا إذا أراد الله في وقته المعلوم، لن يتقدم عن ذلك، سواءً خفت من الموت أو لم تخف، وسواءً فكرت في نهايتك كيف ستكون أم لا، كل مافي الأمر أنك لن تجني من خوفك هذا إلا ضيق الصدر ونكد المعاش، وهذا خلاف ما أراد الله للمؤمنين من الحياة الهانئة المستقرة المطمئنة قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل /97.
الثانية: تذكر لطف الله بعباده المؤمنين ورحمته بهم، فإنه الودود الرحيم الغفور، الذي سبقت رحمته غضبه، يمن على العاصين بالمغفرة الواسعة، قال تعالى: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً) النساء /147
والمؤمن موعود بالجنة إذا مات، فلا يحول بينه وبين الجنة إلا الموت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار) رواه مسلم 47
الثالثة: كن دائم التوكل على الله تعالى في كل أمورك، واعلم أن في التوكل قطعاً لدابر الوسوسة وحسماً لمادتها، وإذا عزمت على فعل فلا تلتفت إلى الخلف، وإذا شعرت بهذه الهواجس فاجأ إلى الله تعالى بالاستعاذة قال تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الأعراف/200
الرابعة:
ارفع رأسك للأمام وابدأ حياتك اليومية بكل ثبات ويقين، وباشر كل أعمالك بنشاط وطمأنينة، فكم في هذه الدنيا من المبشرات التي تبعث الأنس والطمأنينة في النفوس لتألف نظرة مشرقة متفائلة، تعيد للإنسان الأمل وتزرع في النفس اليقين.
وأما سؤالك: مالذي سيحصل لك ولعائلتك في المستقبل؟
فسبحان الله!
أأنت الذي خلقتهم؟ أو أنت الذي رزقتهم؟ أو أنت الذي تتكفل بتدبير حوائجهم؟
لا ولكنه الله تعالى، الذي هو أرحم بهم منك، وثق تماماً أن الله لن يضيعهم سبحانه وبحمده، فهذا الأمر ليس إليك ابتداؤه ولا منتهاه، ولو فكر الناس بمثل هذه الطريقة ما عاش أحد مرتاح الفكر والبال، ولكن الحمد الله الذي ضمن الرزق لكل أحد قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) هود /6
فاطرد عنك هذا التفكير.
الخامسة:
عليك بكثرة الدعاء أن يطرد الله عنك هذه الوساوس، ادعه بكل خشوع وتضرع، مظهراً له العجز والفقر، وثق تماماً أنه يجيبك على ذلك، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة /186
وأما الذين يموتون بسبب الحوادث؛ فلا يدل موتهم بهذه الطريقة على سوئهم أبداً، بل ربما مات بهذه الطريقة من هو في عداد الصالحين، وتأمل هذا الحديث النبوي الشريف الذي سيعينك على إزالة هذا الإشكال، قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِيقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه البخاري برقم 615
فانظر إلى من يموت بالغرق، أو يموت بالحرق، أو من يموت بالهدم أليس كل ذلك مما يفزع، ولكن ذلك لم يدل على سوئهم، بل سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم شهداء، وهي قمة الكرامة والشرف، فليس طريقة الموت مؤشراً على سوء الميت، ولكن الله تعالى بحكمته يقضي أن يموت بعض الناس بهذا،ربما لكي يرفع منازلهم في الجنة، أو ليكفر عنهم ذنوبهم، أو لحِكم أخرى لا نعلمها.
نسأل الله أن يوفقك لحسن العمل، وحسن التفكير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/203)
خسرت حُسن عشرة زوجها بسبب علاقتها بغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[باختصار أنا لي علاقة مع شاب تعرفت عليه عن طريق المنتدى ثم الماسنجر ثم الجوال، وقد كشف زوجي الأمر وغضب عليَّ، وقال لي: لولا الأبناء لأصبحت مطلقة، ولكن أصبر وأتزوج بأخرى، أنا أدركت ذنبي وتبت، وبدأت حياتي من جديد، وأصبحت أُكثر الاستغفار والحمد والشكر على النعمة، لكن زوجي كل يوم يسمعني كلاما يهز الجبال، كرهته ولكن صبرت، وحاولت أن أحبه، وألبي جميع طلباته التي كنت في السابق لا ألبيها، تعبت من كثر الطلبات، ولم أقل شيئا، بل برحب وسعة، لكن لا أجد إلا السب والشتم وتذكيري بالعلاقة السابقة، وبعد عدة أشهر رجع الشاب واتصل عليَّ، واستمر بذلك وبإرسال الرسائل، ولكن خشيت من زوجي؛ لأنه إذا رن جوالي برقم غريب يطلب مني أرد، وأرفض، قال لي: ردي لعله ذلك الشاب، وإذا رديت أصبح الشخص غلط، قال لي أكيد بينكم رموز، ماذا أفعل؟ أصبحت أخاف من الجوال، وأخفيه عن زوجي دائما خوفا أن يرن رقم غريب، ويشك بي. ماذا أعمل مع ذلك الشاب، مللت الحياة، تمنيت الموت كل الذي أستطيع عمله قراءة القرآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يزال الطمع في قلب ابن آدم حتى يهلكه، وما حرم القناعة إنسان إلا تاه في أودية الهم والاضطراب، يتلفت يمنة ويسرة لعله يجد ما يملأ به نفسه التي تمنى وتشتهي، ولا يملأ قلب ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.
وأسوأ الطمع ما تُقتَحَمُ به الحرمات، وتضيع فيه الأعراض: كالطمع في زوجات المسلمين وأعراضهم، أو طمع النساء في شباب المسلمين، وعدم القناعة بالزوج الذي مَنَّ الله به عليها، وقد علم المسلمون جميعا أن اللذات لا تنال بمعصية الله تعالى، وأن السعادة إنما تتوافر في طريق الطاعة وحفظ حدود الله عز وجل.
أختي السائلة:
لقد كانت المعصية سببا في هلاك أمم سابقة، فهل تظنين أنها ستكون سببا في سعادة إنسان؟! كما كانت المعصية أيضا طريقا إلى النقم، فهل تريدينها أن تكون مجلبة للنعم؟!
والله عز وجل يقول: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/ 30.
قد يكون من السهل الوقوع في الخطأ؛ فالنفس تندفع برغبات اللذة والشهوة نحو المعصية، لكن من الصعب تحمل التبعات، والتعامل مع آثار تلك الأخطاء.
قال ابن القيم رحمه الله:
" الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة؛ فإنها إما أن توجب ألما وعقوبة، وإما أن تقطع لذة أكمل منها، وإما أن تضيع وقتا إضاعته حسرة وندامة، وإما أن تثلم عرضا توفيره أنفع للعبد من ثلمه، وإما أن تُذهب مالا بقاؤه خير له من ذهابه، وإما أن تضع قدرا وجاها قيامه خير من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقا لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلب هما وغما وحزنا وخوفا لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تنسى علما ذكره ألذ من نيل الشهوة، وإما أن تشمت عدوا وتحزن وليا، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تحدث عيبا يبقى صفة لا تزول، فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق " انتهى.
" الفوائد " (ص 139) .
وأنت اليوم في المشكلة التي تعرضين إنما تواجهين نتائج أخطاء تراكمت، ومعاص تساهلت بها، ثم لم تحسني التوبة منها:
- أما محادثتك مع ذلك الشاب فمن أقبح ما يمكن أن يصدر من امرأة أنعم الله عليها بالزوج والمنزل والولد، وكفاها بؤس الحياة الذي يواجهه كثير ممن حرموا البيوت السعيدة والحياة الهانئة.
وقد كفانا زوجك مؤونة اللوم والعتاب، فهو يسمعك كل يوم كلاما " يهز الجبال " - على حد وصفك -، والمقصود هو أن تدركي من قرارة قلبك عظيم الخطأ الذي ارتكبت.
- وأما ما ذكرت بشأن عدم تلبيتك رغبات الزوج وحاجاته في السابق، فهي معصية أخرى كان لها أثر كبير في تحويل حال أسرتك إلى هذا العناء.
ألم تعلمي أن طاعة الزوج واجبة، وأن خدمته وتلبية طلباته من أفضل ما تقدمه الزوجة عند الله وعند الناس، وقد جاء عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِابْنَةٍ لَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ ابْنَتِى قَدْ أَبَتْ أَنْ تَزَوَّجَ، فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: أَطِيعِى أَبَاكِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَتَزَوَّجُ حَتَّى تُخْبِرَنِى مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ، قَالَ: حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَوْ كَانَتْ لَهُ قُرْحَةٌ فَلَحِسَتْهَا مَا أَدَّتْ حَقَّهُ)
رواه النسائي في " السنن الكبرى " (3 / 283) ، وقال المنذري في " الترغيب والترهيب " (3 / 98) : إسناده جيد، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (3148) .
ونحن نصارحك القول: بأن العلاج يبدأ من هذه الفكرة:
يبدأ من حيث طاعة الله ورضاه سبحانه؛ لأن المصيبة بدأت من معصيته ومخالفته، وقد وعد الله عز وجل التائب بتبديل السيئات إلى حسنات، ووعده فضلا منه وأجرا.
التوبة تبدأ من الحزم والعزم بترك ما فرط من معصية، وقطع كل صلة محرمة، وفي قصتك تبدأ من إلغاء الهاتف الجوال بالكلية، وعدم العودة إليه حتى تطيب نفس الزوج بشراء رقم جديد لك، إذا فعلت هذا فقد أثبت لزوجك ولنفسك صدق توبتك والرغبة الجادة في الإصلاح.
وكيف تريدين من زوجك أن يتجاوز ما مضى وأنت لم تتجاوزيه وعدت إليه؟!
لقد حفظ لك زوجك حقا عظيما وطوقك بمنة كبيرة حين أعطاك فرصة جديدة للعيش معه، ولعل سبب ذلك الحقيقي رغبته فيك ومحبته لك، وإلا فقد كان التسلسل المنطقي للأحداث أن تتجه نحو الفضيحة والفراق والطلاق، لكن الله مَنَّ ولطف وأنعم عليك بالستر والبيت والأسرة، فالواجب أن تبادلي زوجك بالإحسان إحسانا، وتحفظي حدود الله فيه، فتقطعي فعليا كل وهم وسبيل إلى عودة اتصال ذلك المعتدي بك، ولكن الذي حصل منك هو تكرار للخطأ، وإصرار على المعصية، وتساهل في تحقيق التوبة.
فهل تنتظرين بعد ذلك توفيقا وإصلاحا؟
كيف تسمحين لنفسك تكرار سماع صوت ذلك الشاب، واستقبال الرسائل منه مرة أخرى، وكيف عدت إلى تحميل زوجك همَّ الوسواس الذي يصيب كل إنسان حين يرى ريبة من زوجته، كيف تريدينه أن يثق بك من جديد وأنت لم تمنحيه الثقة الكافية، ونحن نؤكد لك أن استمرارك على هذه الحال سيؤدي إلى خسران أعظم مما أنت فيه، تأملي حالك لو أن زوجك أخبر أهلك بما تفعلينه، لا شك أن ما ستكونين فيه من هموم وغموم أعظم مما أنت فيه الآن.
نحن ندعوك – أختنا السائلة – إلى ضرورة الاستدراك والإصلاح، وقد قطعت شوطا جيدا، ليبقى لك الكثير أيضا، فنوصيك بتقوى الله عز وجل، والحرص على البيت والزوج والأبناء، ولا تلتفتي إلا إلى رضوان الله تعالى، ليكن هذا همك وسعيك، واثبتي ولا تيأسي من المحاولة، واستمري على حسن العشرة والطاعة بالمعروف، ولا يُقعدك ما تجدينه من نفور الزوج وسوء معاملته، فإِنْ صَدَقْتِ اللهَ في التزامك بشرعه صدقك هو سبحانه فأصلح لك زوجك ولو بعد حين، وأعاد حاله إلى السعادة المرجوة، ودرء عنك كل فتنة وتعاسة، وماذا يبتغي الإنسان من دنياه سوى حياة هادئة صفوها العافية، وسرها العبودية، فإذا أكرم الله العبد بشيء من ذلك فليحافظ على النعمة بشكرها وتقوى الله فيها، والقناعة كنز لا يفنى.
نسأل الله تعالى لك الهداية والتوفيق والسعادة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/204)
والده يؤخر زواجه وهو في أشد الحاجة له
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم موقع " الإسلام سؤال وجواب " العزيز آمل فى أن تتمكنوا من مساعدتى فى حل مشكلة حرجة تزعجنى منذ سنوات، وأنا أسألكم بالله - سبحانه وتعالى - ألا تتجاهلوني، وأن تردوا بحق على سؤالى، فاتقوا الله وساعدونى بإبداء النصح إن شاء الله. كرجل يبلغ من العمر 27 عاماً فإنى امتنعت عن الزنا مخافة الله تعالى، طوال هذا الوقت وأنا أبذل كل مابوسعى لإيجاد زوجة، لكني عاجز عن ذلك لأسباب كثيرة، كعدم توافق الشخصيات، وقلة ذات اليد، وخلافات أسرية حول الزواج (يعتقد والداي أنه ليس بوسعك الزواج إلا عندما تتجاوز 30 عاماً) ... إلخ. موقع " الإسلام سؤال وجواب " العزيز ليس بوسعى السيطرة على نفسي أكثر من ذلك، فهذا الأمر بالغ الصعوبة عليَّ، وأنا مشتت الفكر للغاية، وأفكر فى النساء طوال الوقت، وقد قرأت رسائلكم السابقة، وبذلت كل ما بوسعى للصلاة، وقضاء الوقت بصحبة إخوة صالحين، وتذكر الله - سبحانه وتعالى -، وطلب مساعدته ... إلخ لكنه من الواضح أننى لن أتمكن من أظل على هذا الحال للأبد، برجاء تقديم النصح حول مايجب عليَّ القيام به، وماهى الخيارات المتاحة أمامي الآن، وما الذي يمكن لأي شخص بمكاني القيام به إن شاء الله؟ برجاء تقديم يد العون لي فلم يعد بوسعي الاستمرار أكثر على هذا الوضع؛ فإن هذه الرغبة ترهقني كثيراً. وجزاكم الله خيراً، برجاء مساعدتي، وتذكروا أن الله - سبحانه وتعالى - سيعلم إذا قمتم بتجاهل سؤالي ورفضتم مساعدتي بتقديم النصح. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى الذي وفقك للتوبة، ونسأله عز وجل أن يثبتك على طاعته، والثبات لا بد له من الاستمرار والتواصل حتى تنال رضا الله، فالنفس تميل للشهوة والدنيا، والقلب يتقلب، ويحتاج المسلم للثبات على الطاعة وتثبيت القلب، وليس لك إلا الله تدعوه ليثبت قلبك على دينه، ويصرفه لطاعته.
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) .
رواه الترمذي (2140) وابن ماجه (3834) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
فهذا خير خلق الله يسأل الله الثبات، فنحن أولى بهذا الدعاء.
عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ) .
رواه مسلم (2654) .
واعلم أخي الفاضل أن النفس إن لم تملأها بالحق: مُلئت بالباطل، وإن لم تشغلها بحب الله وحب رسوله: شغلتك بحب الشهوات والملذات المحرمة، وإن لم تعوِّدها على الطاعة: عوَّدتك على المعصية.
ثانياً:
نحن سنجتهد إن شاء الله في إبداء ما عندنا من النصيحة لك، والوقوف معك في محنتك، ونسأل الله تعالى أن يثبتك، ويحفظنا وإياك من الفواحش والفتن، ما ظهر منها وما بطن.
إن الحل الأول والأمثل لك هو الزواج، فبه تغض بصرك، وتحفظ فرجك، وليس عندنا، ولا نظن أن عاقلا سوانا عنده أفضل ولا أعلى من أن يدفعك للزواج دفعا:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَابٌ لَا نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (4779) ومسلم (1400) .
قال الإمام أحمد رحمه الله: ((إنْ خَافَ الْعَنَتَ أَمَرْتُهُ يَتَزَوَّجُ)) نقله في الفروع (5/147) .
وأما قلة ذات اليد: فاعلم أن الراغب بالعفاف موعود بالعون من الله تعالى، والأمثلة أكثر من أن تحصر على إخوة فقراء توةجوا فأعانهم الله، ويسر أمرهم.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ: الْمُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِى يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِى يُرِيدُ الْعَفَافَ) .
رواه الترمذى (1655) ، وقال: حسن، والنسائى (3120) ، وابن ماجه (2518) ، وحَّسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
واعلم أنه ليس من حق والدك أن يمنعك الزواج بحجة السن، أو عدم التوافق الأسري، أو غير ذلك من الأعذار الواهية، وليس عليك أن تطيعه في ذلك أيضا؛ فابحث لك يا عبد الله عن امرأة تريد العفاف، مثل ما تريده، وتخشى الله، كما تخشاه أنت أن تقع في الفاحشة، فإن أبى والدك أن يساعدك، فاجتهد في أن تدبر أي عمل يوفر لك القوت وحد الكفاف، واستغن عن نفقته.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((هل ترون أن طاعة الوالدين عليَّ لازمة إذا منعاني من الزواج بغير عذر مقبول، عذرهم في ذلك أني صغير مع العلم أني أبلغ العشرين من عمري، فما هي الطريقة إذا أصرا على رفضهما مع حاجتي الشديدة للزواج جزاك الله خيراً؟))
فأجاب رحمه الله:
((إذا كنت قادراً على النكاح فتزوج ولو منعك أبوك وأمك؛ لأن أمامك أمر الرسول عليه الصلاة والسلام وهو مقدم على أمر والديك. أما إذا كنت عاجزاً ليس عندك مال وعند أبيك مال، فإن الواجب على أبيك أن يزوجك وإذا امتنع فإنه آثم. فإن كان أبوك فقيراً فقد أرشد النبي عليه الصلاة والسلام الشباب إذا لم يستطيعوا الباءة أن يصوموا، قال: (فعليه بالصوم فإنه له وجاء) أي: قطع؛ لأن الصوم يقلل الشهوة)) لقاءات الباب المفتوح (15/16) .
وأما إشكالية عدم توافق الشخصيات التي ذكرتها؛ فاعلم أن هذه حجة مطاطة هلامية، إلى حد كبير؛ واعلم أن يكفيك ـ لكي تقدم على الارتباط بفتاة كزوجة، وأم ولد لك إن شاء الله؛ أن ترى فيها من الدين ما يطمئنك في العيش معها على عرضها وعرضك، وتأمنها على ولدها وولدك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (5090) مسلم (1466)
وبعيدا عن المثاليات التي ربما ترهق الكثيرين في البحث والنظر قبل الزواج، حدد النبي صلى الله عليه وسلم، إطارا عامة للشخصية المرضية للمرأة: أن تصون نفسها، وتطيع ربها، وتؤدي فراض الله عليها:
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ!!) رواه أحمد (1664) وقال الألباني والأرناؤوط: حسن لغيره.
ثالثاً:
إذا لم يتيسر لك الآن أمر الزواج فاعلم أن وصية الله لك هي أن تستعفف، وذلك بفعل الأسباب التي تصبرك عن التزوج كالطاعة عموما والصيام خصوصاً، وبالابتعاد عن الدواعي التي تهيج الشهوة كالنظر والسماع المحرَّمين.
قال تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) النور/ 33.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) هذا حكم العاجز عن النكاح، أمره الله أن يستعفف، أن يكف عن المحرم، ويفعل الأسباب التي تكفه عنه، من صرف دواعي قلبه بالأفكار التي تخطر بإيقاعه فيه، ويفعل أيضاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) .
وقوله: (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً) أي: لا يقدرون نكاحاً، إما لفقرهم، أو فقر أوليائهم وأسيادهم، أو امتناعهم من تزويجهم وليس لهم من قدرة على إجبارهم على ذلك ... .
(حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) وعدٌ للمستعفف أن الله سيغنيه وييسر له أمره، وأمرٌ له بانتظار الفرج، لئلا يشق عليه ما هو فيه.
" تفسير السعدي " (ص 567) .
فهذا هو الذي نوصيك به، ويوصيك به كل من يعرف الشرع، ويريد الخير لك، وهو النكاح، فإن لم تستطع فالاستعفاف.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
إنني في مرحلة المراهقة، وأبلغ من العمر 19 عاماً، وإنه ينتابني بعض الأمور من الجنس، وإنني بحق أعيش في قلق وعدم المبالاة بالدروس؛ لأنني دائما أفكر في الجنس وغير ذلك، مما يراودني الشيطان - لعنه الله - أن أرتكب جريمة الزنا - أعاذنا الله منها وإياكم - علماً أنني لا أقدر على الزواج؛ لأنني في مرحلة الدراسة في الصف الثاني ثانوي، وإنني أصبر دائما اليوم، والذي بعده، ولكنني لا أصبر الثالث، أرجو أن تعينوني على ذلك بما أفعل في تلك القضية، علماً أن حلها في رأيي الزواج، ولا أستطيع ذلك، وأنا في حالتي هذه نحيل الجسم بما فعلته بي تلك القضية، وهي في بعض الأيام حينما أصلي لا أعقل ماذا صليت، وكم صليت، وذلك لأنني أفكر في تلك القضية، أرجو وأكرر: أعينوني على ذلك.
فأجابوا:
إذا كان حالك كما ذكرت: فأكثر من صيام التطوع قدر الاستطاعة؛ فإن هذا مما يساعد على ضبط نفسك، وكبح جماح شهوتك، وكسب العفة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) .
وإن تيسر لك أن تستدين وتتزوج مع القدرة مستقبلا على تسديد الدين: فافعل، إعفافا لفرجك، وارج الله أن يعينك على ذلك، وننصحك بالبعد عن مثار الشهوة، فغُضَّ البصر، واجتنب الاختلاط بالفتيات ومجالستهن والحديث معهن قدر الاستطاعة، واسأل الله تعالى أن يعفك، ويحفظك من غائلة الشهوات، وزلات الفتن.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 21، 22) .
ولا مانع من تناول أدوية مأمونة لتخفيف حدة الشهوة، واجعل هذا الحل آخراً وليس أولاً.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
" قال الله عز وجل: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور/ 33، يعني: يتصبر، ومن يتصبر: يصبِّره الله عز وجل، والله تعالى قد وعد: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي: إلى أن يغنيهم الله من فضله، (حتى) هنا للغاية وليست للتعليل، لكنها تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى سيجعل لهم فرجاً ومخرجاً إذا استعفوا، فإن لم يصبر، وعجز، وخاف على نفسه من الزنا: فلا حرج عليه أن يتناول ما يهدئ الشهوة من الأدوية، ونحوها؛ حتى لا يقع في الحرام.
" لقاءات الباب المفتوح " (159 / مقدمة اللقاء) .
وانظر أجوبة الأسئلة: (20161) , (1025) , (20229) , (21831) , (26811)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/205)
متردد في الزواج من هذه الفتاة بسبب نقص دينها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب، أبلغ من العمر 27 عاماً، لدى رغبة جامحة في الزواج، مما دفعني للتفكير في الزواج بأي فتاة مهما كان شكلها، ومهما كانت ظروفها، ما دام متوفراً فيها شرط الدين، ولي ابنة عمة متدينة جدّاً، عرضتْ عليَّ ابنتها، عمرها 15 عاما، وهي غير ملتزمة بالدين على الوجه الذي يرضيني، لكنها تؤدى الصلاة في وقتها، لبستْ النقاب بعد خطبتي لها، وبناء على طلب مني، لكنها تشاهد التلفاز، وتضع نغمات لأغاني على الجوال الخاص بها، وفي يوم الرؤية الشرعية قالت لي إنها لا تحب الملتزمين، وبعد أن تحدثت إليها بدأت الفكرة عن الملتزمين تتغير عندها، وبعد 4 شهور من الخطبة اتصلت بي وقالت لي إنها أخبرت أمها أنها لا تحبني وليست قادرة على أن تعرفني، وذلك بحكم أني عندما أذهب إليهم أجلس مع أهلها ولا أجلس معها، لأنها لا تزال أجنبية عني، وقالت لي هل تستطيع أن تعوضني عن الجامعة، حيث إن الزواج بعد 3 سنوات، أي بعد نهاية المرحلة الثانوية، وقبل الجامعة؟ فقلت لها: لا أفهم ماذا تريدين، قالت: يعني أنا وأصحابي نريد أن نذهب للجامعة لنحب شباب، ونعيش فترة الجامعة، هكذا نحب شباب ويحبونا، ولا أفكر في الزواج قبل هذه المرحلة، المهم تعاملت مع الموقف على أنها لا تزال صغيرة ولا تعرف شيئاً، وتريد أن تقلد زميلاتها، وتقلد ما تراه في التلفاز ليلا نهارا من قصص العشق والغرام، وحاولت إقناعها أني أستطيع أن أعوضها عن الجامعة وما يدور برأسها، ولكني خائف جدّاً من كلامها هذا، وأنا أكتب لك بعد المكالمة التي كانت بيننا بساعتين فقط، وأنا في حيرة من أمري، فأبوها وأمها وكافة أهلها متمسكون بي جدّاً، وأنا كنت أشعر بميل تجاهها، ولكني الآن خائف أن تكون ليست الزوجة الصالحة التي عشت عمري أحلم بها، وفى نفس الوقت أقول: لا تظن بها السوء، فهي لا تزال صغيرة ولا تعي ما تقول. أرجو من فضيلتكم النصيحة ما أفعل لكي أحافظ على ديني؟ مع العلم أن ظروفي المادية سيئة، ولن يرضى بي أحد على وضعي هذا، فهم رضوا بي لأنهم أهلي ويعرفونني جيداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هناك خطأ كبير يقع فيه كثير من المقبلين على الزواج، والباحثين عن شركاء الحياة من الرجال والنساء، كثيرا ما أودى بمشاريعهم نحو الفشل، ليترك كلا الطرفين نُهبةً للهموم والأحزان، ويُحمِّلَ المجتمعَ وزرا جديدا تجره أعباء الطلاق وسلبياته.
وسبب هذا الخطأ هو " الخيال "! ، حين يمني أحد الطرفين نفسه بأن شريكه سيتغير ويتبدل في مستقبل الأيام حتى تكتمل فيه صفات شريك الأحلام الذي كان يداعب شبابه، وأن كل نقص فيه سيعوضه كمالا يملأ وجدان شريكه ومشاعره بكل جديد وجميل.
يحاول هؤلاء تجاوز الحاضر نحو المستقبل المجهول، هربا من الحقيقة، ورغبة في التخلص من مواجهة قريبة، ونسي هؤلاء أن الواجب على كل مقبل على الزواج – إذا أراد نجاحا وتوفيقا – أن يكون " واقعيا " في شرطه واختياره، " واقعيا " في قبوله أو رفضه، لا يبني على الأوهام، ولا يشطح في " الخيال "، بل يرى الحاضر بواقعية ثم يبني حكمه على أساسه، ليتحمل بعد ذلك المسؤولية المباشرة.
فواقع هذه الفتاة ينادي عليها بعدم التدين، وعدم صلاحيتها لك، ووصية نبيك صلى الله عليه وسلم لك هي أن تنكح ذات الدِّين، وهو اللائق بك أن تفعله دون غيره، وعذرك في قبول أهلها لك لا ينفعك؛ لأنك ستعيش مع الفتاة لا مع أهلها، ولن يكون منهم إلا تصبيرك عليها، ولو رأيت منها ما رأيت، ولو سمعت منها ما سمعت.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) .
رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -
والمعنى: أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدِّين مطمحَ نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدِّين الذي هو غاية البغية ...
" فتح الباري " (9 / 135) .
وقال الصنعاني – رحمه الله -:
ودلَّ الحديث على أن مصاحبة أهل الدِّين في كل شيء هي الأولى؛ لأن مصاحبَهم يستفيد من أخلاقهم، وبركتهم، وطرائقهم، ولا سيما الزوجة، فهي أولى مَن يُعتبر دينُه؛ لأنها ضجيعته، وأم أولاده، وأمينته على ماله ومنزله وعلى نفسها.
" سبل السلام " (1 / 146) .
ثانياً:
نوصيك بالاستعانة بخالقك تعالى على إعانتك على الزواج، ولا تظنن أن زواجك بتلك الفتاة لن يكلفك مبالغ طائلة؛ لأن الظاهر من حالها أنها ستُكثر من المطالب ولو أدى لفقرك! ولا تقلق إن تركتها لتتزوج غيرها؛ فإن الله تعالى قد تكفَّل بإعانة الناكح الذي يريد العفاف.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) .
رواه الترمذي (1655) والنسائي (3218) وابن ماجه (2518) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال المباركفوري – رحمه الله -:
(والناكح الذي يريد العفاف) أي: العفة من الزنى، قال الطِّيبي: إنما آثر هذه الصيغة إيذاناً بأن هذه الأمور من الأمور الشاقة التي تفدح الإنسان، وتقصم ظهره، لولا أن الله تعالى يعينه عليها لا يقوم بها، وأصعبها: العفاف؛ لأنه قمع الشهوة الجبلية المركوزة فيه، وهي مقتضى البهيمية النازلة في أسفل السافلين، فإذا استعف وتداركه عون الله تعالى: ترقَّى إلى منزلة الملائكة، وأعلى عليين.
" تحفة الأحوذي " (5 / 242) .
والخلاصة:
أن حال تلك الفتاة لا يصلح لأن تتزوجها، فإن عزمَتْ على التغير إلى الأفضل عزماً أكيداً، وسعت في ذلك فعلاً فتزوجها، وإن أبت إلا الاستمرار على حالها، أو لم تصدق في تغيرها: فدعها إلى غيرها، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/206)
يعانون من تمرد الأبناء ورفضهم للدراسة النظامية
[السُّؤَالُ]
ـ[قمنا بإرسال بعض أطفالنا لما يسمى بدار العلوم بناء على رغبة زوجى، بالرغم من أن دار العلوم تبعد عن مدينتنا مسافة رحلة جوية تستغرق 6 ساعات، وكان رأيي أن إرسالهم بعيدا سيؤدى إلى عدم قدرتنا على رؤيتهم كثيرا، وخاصة الفتيات، بالإضافة إلى كونها مكلفة للغاية، ونحن أسرة تنتمى للطبقة المتوسطة وقد قمنا بصرف جميع مواردنا المالية عليهم حتى وإن كان ذلك قد أدى إلى قيامنا بالإقتطاع من ميزانيتنا فى بعض الأوقات. وبعد ذلك بأربع أو خمس سنوات حدث أمر بالغ السوء لابنتنا من قبل القائمين على دار العلوم، وعندما اكتشفنا ذلك كادت أرواحنا تفارق أجسادنا لأننا حتى لم نستطع التفكير فى قيام من يدعون التقوى بهذه الأفعال، وكان علينا أن نسحب جميع أطفالنا من دار العلوم ونعيدهم إلى المنزل ورغبنا فى أن نرسلهم للتعليم النظامى. وقد عاد جميعهم للمدارس النظامية ويبلون هناك بلاء حسنا عدا أحدهم، وهو حافظ ورافض لأن يذهب إلى مدرسة نظامية، وقد أمضى الخمس سنوات الأخيرة بحجرته يلعب الألعاب على الكمبيوتر. كما أن جميعهم متمردون ويشعرون بالمرارة لدرجة عدم تمكننا من الحديث إليهم أو نصحهم فى أى أمر، حيث إنهم يؤذوننا كلاميا وجسديا ولومنا (والديهم) بأننا قمنا بتدمير حياتهم بإعادتهم إلى المنزل، وعدم تركهم يتمون التعليم الإسلامى. والآن وبعد انقضاء خمس سنوات علينا نحن والديهم فإننا نعانى من الإحباط والعجز والقلق والضغط العصبى، ونشعر بالندم كل ثانية فى حياتنا على إرسالهم إلى هذه الأماكن التى يديرها أشرار، لا يفكرون بأن أفعالهم الشريرة ستؤثر على الأسر وتدمرها. ونحن قلقان على مستقبلهم، فكيف سيعيشون ويصرفون على أنفسهم دون الحصول على تعليم مناسب. وقد حاولنا الحصول على مساعدة احترافية، لكنهم رفضوا التعاون كما أنهم غير مهتمين بأمر الزواج. هذا بالإضافة إلى أنهم لايكادون يساعدون فى تنظيف المنزل والواجبات المنزلية والجو بالمنزل متوتر للغاية دائما مما كان له أثر على أطفالنا الأصغر سنا. ونحن نطلب نصحكم وعونكم فى ضوء الإسلام، فما الذي علينا القيام به وما الذى أخطأنا فيه؟ وجزاكم الله خيرا لإستجابتكم لهذا الطلب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قمتم به من إرسال بعض الأطفال إلى تلك الدار لتعلم العلوم الإسلامية، أمر يدل على حرصكم على تربية الأبناء وتعليمهم أمر دينهم، فنسأل الله تعالى لكم الأجر والثواب.
وما جرى لابنتكم هناك من الأمر السيئ الذي أشرتم إليه، مما يؤسف له ويحزن لأجله، لأن هذه الدور ينتظر منها أن تكون مثالا للأمانة والرعاية والخلق الحسن، لكن هكذا يكون الحال حينما تكون الذئاب هي الرعاة!! وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ.
مع أن بداية المشكلة كانت ـ فعلا ـ في إرسال الأبناء بعيدا عن أنظاركم ورعايتكم، أيا كان نوع الدراسة التي سوف يدرسونها، وأيا كان المسؤول عنها، خاصة إذا كان فيهم إناث، فهذا الذي لا يجوز بحال، لكن قدر الله وما شاء فعل، ولنأخذ من الماضي عبرة ودرسا، وإن كان قاسيا مرا، بالطعم الذي ذقتموه!!
وأمام المشكلة التي ذكرت نشير عليك ببعض الأمور:
أولا: التقرب من الأبناء، والجلوس معهم، ومصارحتهم، والتعرف على رغباتهم وميولهم، وطلب الاقتراحات المناسبة منهم، ليشعروا أنهم جزء من حل المشكلة، ويلزمهم اتخاذ القرار الذي ينبني عليه مستقبلهم.
وهذا من أهم وسائل العلاج، فإن الحب إذا شاع في البيت أمكن أن يحل معه قدر كبير من المشاكل والأزمات، لا سيما وهم يشعرون بتقصيركم وخطئكم نحوهم، فابذلوا الوسع في تصحيح هذه الصورة، وإبداء الرغبة في تحقيق ما يريدون مما يمكن تحقيقه.
ثانيا: محاولة دمجهم مع الجالية المسلمة في المكان الذي تعيشون فيه، وإيجاد الأصدقاء الصالحين لهم.
ثالثا: الاستمرار في تعليمهم العلوم الإسلامية، عن طريق المراكز الإسلامية، أو الجامعات المفتوحة، أو جلب من يعلمهم ويوجههم.
رابعا: إرسال الابن المتمرد إلى دار أخرى للتعليم، ليحقق رغبته، ويخفف من حدوث التوتر في البيت، والتأثير على بقية إخوانه.
خامسا: البحث عن وسيلة للتعليم في غير المدارس النظامية التي يحبونها، كالدراسات عن بعد، بواسطة الإنترنت وغيره.
سادسا: الدعاء المستمر لهم بالصلاح والتوفيق، فإن الله سبحانه يهدي من يشاء، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
وإذا تطلب الأمر أن تنتقل الأسرة بكاملها من مكان الإقامة، إلى حيث يتمكن الأبناء من مواصلة دراستهم، والخروج من الأزمة التي يعيشون فيها، والتي تربك الأسرة بكاملها، فلا تبخلوا على أنفسكم وأبنائكم بذلك، وعلى الرغم من صعوبة التضحية في مثل هذه الحال، وعلى الرغم ـ أيضا ـ من أنها كثيرا ما تكون مكلفة جدا، فإن أي تضحية أهون من التضحية بالأبناء ومستقبلهم، وإن أي تكلفة سوف تكون أخف مما تعانونه وتعيشون فيه.
ونوصيكم باستشارة أهل الخير والصلاح ممن هو قريب منكم، ويعلم واقع أبنائكم وطبائعهم.
نسأل الله لكم العون والتوفيق والسداد.
نسأل الله أن ييسر لكم أمركم، وأن يصلح لنا ولكم ذرياتنا، وأن يجعلهم ذخرا لدينه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/207)
يجبرها زوجها على نقل كل ما تسمعه من أهلها والناس له!
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يجبرني على أن أخبره بكل ما تحدثتُ به مع أمي، وإخوتي، أو أي إنسان آخر؛ بحجة أن أمي – مثلاً - تقول كلاماً ممكن أن يؤدي إلى خراب البيت، وإذا لم أقل له تحصل مشكلات بيني وبينه، فهل أستجيب له؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. الواجب على هذا الزوج – إن صح ما تقوله زوجته عنه – أن يتقي ربه تعالى في طلبه ذلك من زوجته، وأن يعلم أنه آثم بفعله هذا، وأنه لا يحل لزوجته أن تطيعه في طلبه هذا.
2. ونوصي هذا الزوج أن يشتغل بنفسه عن الناس، وينظر لعيوبه فيصلحها، ولتقصيره فيجد ويجتهد في بلوغ كمال نفسه الأمارة بالسوء، فهو خير له وأولى من الاشتغال بالناس ماذا قالوا، وماذا فعلوا، قال ابن القيم رحمه الله: " أخسر الناس صفقة: مَن اشتغل عن الله بنفسه، بل أخسر منه: مَن اشتغل عن نفسه بالناس ". "الفوائد" (ص 58) .
3. ولا ينبغي له إساءة الظن بالناس، واعتقاد الكمال في نفس، وليس كل ما يقوله الناس يهمه ويتعلق به، وإنما هي الشهوة في سماع قصص الناس وأحوالهم، والتفكه بأعراضهم.
4. وكان المرجو من ذلك الزوج ألا يقبل من زوجته إن نقلت هي ما يقوله أهلها ويقوله الناس لها، حتى لو كان الكلام فيه، لأنها بذلك تكون نمَّامة، وقد قال بعض السلف: " يُفسد النمَّام والكذَّاب في ساعة ما لا يُفسد الساحر في سنَة "، فكيف له أن يقبل لنفسه أن يكون هو الموصي لها بذلك، بل الآمر، بل والمتوعد بالعقوبة إن لم تفعل!؟ .
قال النووي – نقلا عن أبي حامد الغزالي رحمهما الله:
" وكل من حُملت إليه نميمة، وقيل له: فلان يقول فيك، أو يفعل فيك كذا: فعليه ستة أمور:
الأول: أن لا يصدِّق؛ لأن النمام فاسق.
الثاني: أن ينهاه عن ذلك، وينصحه، ويقبح له فعله.
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى؛ فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض مَن أبغضه الله تعالى.
الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء.
الخامس: أن لا يحمله ما حكي له على التجسس، والبحث عن ذلك.
السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه، فلا يحكي نميمته عنه، فيقول: فلان حكى كذا، فيصير به نمَّاماً، ويكون آتياً ما نهى عنه " انتهى.
" الأذكار " (275) .
5. ما يريده الزوج من زوجته هو من " النميمة "، وهي من كبائر الذنوب، ومما لا شك فيه أن هذا النقل سيسبب مفسدة وقطيعة وبغضاً وعداوة، ولا شك أن أهل الزوجة يكرهون نقل كلامهم، وليعلم أن النميمة ليست فقط نقل الكلام من أجل الإفساد، بل قد تكون للاستمتاع.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" مما ينبغي اجتنابه، والابتعاد عنه، والتحذير منه: " النميمة "، التي هي نقل الكلام من شخص إلى آخر، أو من جماعة إلى جماعة، أو من قبيلة إلى قبيلة، لقصد الإفساد، والوقيعة بينهم، وهي كشف ما يُكره كشفه، سواء أكره المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو كره ثالث، وسواء أكان ذلك الكشف بالقول، أو الكتابة، أو الرمز، أو بالإيماء , وسواء أكان المنقول من الأقوال، أو الأعمال , وسواء كان ذلك عيباً، أو نقصا في المنقول عنه، أو لم يكن، فيجب أن يسكت الإنسان عن كل ما يراه من أحوال الناس، إلا ما في حكايته منفعة لمسلم أو دفع لشر.
والباعث على النميمة: إما إرادة السوء للمحكي عنه، أو إظهار الحب للمحكي عليه، أو الاستمتاع بالحديث والخوض في الفضول والباطل، وكل هذا حرام.
...
وأدلة تحريم النميمة كثيرة من الكتاب والسنة، منها: قوله تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) القلم/ 10، 11، وقوله تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الهمزة/ 1، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمَّام) متفق عليه، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أنبئكم ما العَضْهُ؟ هي النميمة، القالة بين الناس) رواه مسلم.
والنميمة من الأسباب التي توجب عذاب القبر؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين فقال: (إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير) ، ثم قال: (بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة) متفق عليه.
وإنما حرمت الغيبة والنميمة لما فيهما من السعي بالإفساد بين الناس، وإيجاد الشقاق، والفوضى، وإيقاد نار العداوة، والغل، والحسد، والنفاق، وإزالة كل مودة، وإماتة كل محبة، بالتفريق، والخصام، والتنافر بين الإخوة المتصافين، ولما فيهما أيضا من الكذب، والغدر، والخيانة، والخديعة، وكيْل التهم جزافاً للأبرياء، وإرخاء العنان للسب والشتائم وذكر القبائح، ولأنهما من عناوين الجبن والدناءة والضعف، هذا إضافة إلى أن أصحابهما يتحملون ذنوباً كثيرة، تجر إلى غضب الله وسخطه وأليم عقابه ".
" فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 237 – 239) باختصار.
و" العَضَّة " قيل: هو السحر بلسان قريش. وقيل: هو الكذب والبهتان.
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله:
زوجي ينقل كلامي لأهله، ثم يأتي إليَّ بكلامهم، فيترتب على ذلك مشاكل كثيرة، ولقد طلبت منه كثيراً ترك ذلك لكنه لم متثل، فكيف أصنع؟ .
فأجاب:
" هذا الفعل يسمَّى نميمة، وهي نقل الكلام على وجه التحريش والإفساد ... وأما الوعيد: فقد قال تعالى (همَّاز مشَّاء بنميم) القلم/ 11، هذا في وصف بعض أهل النار، وقال تعالى: (ويل لكل همزة لمزة) الهمزة/ 1، وهو النمَّام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمَّام) ، وفي الأثر: " إن النمام يفسد في الساعة ما لا يفسد الساحر في السنة "، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن النمام يعذب في قبره) ، ولا شك أن التحريم يكون أشد إذا كان بين الرجل وزوجته وأقاربه، فعليه الخوف من الله تعالى والمراقبة له، والبعد عن الأسباب التي توقعه في العذاب العاجل والآجل، وعليه أن يجتنب الكذب، والغيبة، والنميمة، والبهتان، والتحريش بين الناس، وأن يعدل إلى الصدق، وصيانة الأعراض، والخوف من الله، ومراقبته، فهو شديد العقاب " انتهى.
" الحلول الشرعية للخلافات والمشكلات الزوجية والأسرية " للشيخ عبد الله بن جبرين (فتوى رقم 42) .
فعلى الزوج أن يتراجع عن طلبه هذا من زوجته، فإن أصرَّ فلا يحل للزوجة الاستجابة لطلبه، ففي الموافقة على نقل الكلام استمرار للمعصية والسماع لها، وفي الامتناع كف عنها وقطع لوجودها.
وإذا خشيت الزوجة من حصول مشكلات بينها وبين زوجها، فلا حرج عليها إن أصرّ زوجها على أن تنقل له كلام أهلها، أن تقول له: إنهم يثنون عليك ويذكرونك بخير، ونحو ذلك من الكلمات التي تنشر المحبة والألفة وتطفئ نار الفتنة والخلافات بين زوجها وأهلها.
ونسأل الله تعالى أن يُصلح لك زوجك ويجمع بينكما في خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/208)
خرجت من بيت زوجها وطلب منها عشيقها التزوج منه وهي على ذمة الأول!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 26 سنة، تطلقت منذ فترة أسبوع، بعد أن تركت منزل الزوجية منذ سنة، وأنا عند أهلي مع طفلي، وعمره سنتان الآن، وفي بداية زواجي الذي كان عن حب سكنت معه في منزل والدته، وبدأتْ والدته بالتدخل في كل شيء، وطلب مني العمل لأساعده على أعباء الحياة وتسديد القرض الذي أخذه لزواجنا، وبالفعل وجدت وظيفة، وعملت، وساعدته، وكان شَرطي الوحيد أن نسكن وحدنا بعيداً عن تدخل والدته المستمر، ووعدني بذلك، وكانت والدته هي من يتحكم بكل شيء في البيت، وزوجي كان لا يستطيع أن يعترض وإلا فإنها ستطلب منه الخروج من المنزل، وهي تعمل كذلك، أما بالنسبة لزوجي فقد جربته وعشت معه سنتين وجدته خلالها شخصاً آخر غير الذي عرفته في البداية، كان مجرد قناع، أصبح يأخذ راتبي كله ويعطيني مصروفاً يوميّاً، وكذلك كلما احتاج للنقود أو ترك عمله يطلب مني أن أبيع من ذهبي، وبالفعل قمت بذلك، وهو قام بذلك في بعض الأحيان، وكان يطلب مني أن أستدين من أهلي، وكنت أفعل، وبالمقابل هو لم يكن يعطيني شيئاً، وكنت محرومة من كل شيء، وكانت جملته لي دوماً (أنتي تعرفين وضعنا، وتحملي) وكان يخفي محفظته في السيارة، ويقول بأنه لا يحق لي أن أعرف ما معه، أو ليس معه، وأصبحت المشاكل بيننا تزداد، وكذلك استمررت بطلبي منه بأن يكون لي بيت مستقل لأني لست معتادة أن أكون في بيت الداخل داخل والخارج خارج منه، حيث له أخت مطلقة، تعمل، وتبيت في مكان عملها في فندق خارج (منطقتنا) وتأتي للزيارة، وخلال زيارتها تخرج للسهر كل ليلة وتعود بعد منتصف الليل، وكان هذا الوضع لا يرضيني ولا يعجبني، وكنت أقول لزوجي المحترم: ماذا سيقول الجيران عن سكان هذا المنزل الذي نحن فيه؟ هذا عيب، وكان يجيب: أنا سأتحدث معهم، أنا لا يعجبني هذا، وبقي يصبِّرني بكلامه، وفي النهاية قال لي: هذه عاداتنا وطباعنا (كونهم من قومية غير عربية) وأنا لا أستطيع أترك أمي وأختي وحدهما وأسكن بعيداً عنهما، وبقيت مترددة في إخبار أهلي لأنهم جميعاً عارضوا زواجي منه في البداية ولكن أصررت لأني رأيت فيه طيبة الخلق والقلب، وكم كنت عمياء، وفي النهاية أخبرت أهلي بناء على آخر كلام سمعته وهو يتحدث لوالدته يشكي لها مني وهي تخبره بأن يضربني، وأن يأخذ الولد مني، وهذا كان آخر ما حصل، وتركته، وذهبت لمنزل أهلي، وحضر بعد أسبوعين ليعرف لماذا تركت المنزل، ولم أخبره بأني سمعت شيئاً، وكان ما طلبته منزلاً شرعيّاً وحدي وليس مع أهله، ووافق، وبعد أن رأينا المنزل وذهب هو لرؤية المنزل غيَّر رأيه، وبقي الموضوع سنتين خلالها اتهمني بأني على علاقة بأحد ما، وبأنه يلعب بعقلي عندما شاهد معرفة لوالدي يوصلني من مكان عملي، وجدته يومها صدفة في مكان عملي، ووجدت زوجي ينتظرني أسفل مكان عملي، وخوفا من أن يؤذيني طلبت منه أن يوصلني، وبعدها أرسل أناساً للتشهير بي، وإما أن أعود لمنزل والدته، أو أطلَّق، وأن أتنازل عن حقوقي، فرفضت طبعا، وعندها أصررت على الطلاق منه، لم أعد أريد منزلاً، ورفع عليَّ قضية الطاعة مرتين، وفي النهاية رفعت أنا قضية الطلاق، ولكن خلال آخر خمسة أشهر كنت قد تحدثت بالصدفة إلى نفس الشخص الذي أوصلني الذي يعرفه والدي، وهو يكبرني بحوالي 14 سنة، وكنت قد أخبرته بما حصل معي، ووقف إلى جانبي، وأفهمني أموراً عن الحياة والناس، وأن هناك أموراً لا يجب السكوت عنها، وأن هذا الشخص اقتراني به من الأساس كان خاطئاً وبأني لم أسمع نصيحة ورأي الجميع، وأني أنا المخطئة، وفيما بعد بدأت أشعر بانجذاب نحوه، وأنا بداخلي أعرف أن هذا خطأ، وهذا الشعور يؤنبني دوماً، خاصة وأني أصبحت أحبه، وأعرف أنه يحبني أيضا، وهذا أمر لم يكن مخططا له، والتقينا عدة مرات، وتقابلنا، وجلسنا، وتحدثنا كثيراً، حتى إنه طلب مني أن يتزوجني قبل أن أتطلق، وأنا أود ذلك لكن أخاف مما قد يحصل فيما بعد من معارضة، خاصة في الظروف التي نشأتْ فيها هذه العلاقة، وأنا خوفي من الله أن أكون قد أخطأت كوني أحببتُ شخصاً آخر، وأنا على ذمة رجل آخر، مع العلم أني تركت زوجي منذ سنة و 3 شهور، وأنا تطلقت منذ أسبوعين تقريباً. أرشدوني فيما فعلتُ، هل أنا على خطأ؟ وهل ما فعلت هو حرام؟ فأنا في خلاف دائم مع نفسي، وفي حيرة شديدة؛ لأني لا أريد أن أغضب الله، وأن لا أكون قد فعلت معصية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد وقعتِ في جملة من المخالفات الشرعية الواضحة البيِّنة، ولذا فقد عجبنا من نهاية رسالتك والتي تقولين فيها " لأني لا أريد أن أغضب الله، وأن لا أكون قد فعلت معصية "!! وعلى كل حال: فإن هذا من شؤم المعصية، ومن آثارها، وهو حجب العقل، وحجب نوره الذي يقود صاحبه للطريق الصحيح المستقيم.
قال ابن القيم – رحمه الله – في بيان آثار المعاصي -:
ومنها: أن المعاصي تُفسد العقل، فإن للعقل نوراً، والمعصية تطفئ نور العقل، ولا بد، وإذا طُفئ نوره: ضعف، ونقص، وقال بعض السلف: " ما عصى اللهَ أحدٌ حتى يغيب عقلُه "، وهذا ظاهر، فإنه لو حضر عقله: لحجزه عن المعصية، وهو في قبضة الرب تعالى، أو يجهر به، وه مطلع عليه، وفي داره، على بساطه، وملائكته شهود عليه، ناظرون إليه، وواعظ القرآن نهاه، ولفظ الإيمان ينهاه، وواعظ الموت ينهاه، وواعظ النار ينهاه، والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة: أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها، فهل يُقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقل سليم؟! .
ومنها: أن الذنوب إذا تكاثرت: طُبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين/ 14، قال: " هو الذنب بعد الذنب "، وقال الحسن: " هو الذنب على الذنب، حتى يعمي القلب "، وقال غيره: " لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم: أحاطت بقلوبهم ".
وأصل هذا: أن القلب يصدأ من المعصية، فإذا زادت: غلب الصدأ حتى يصير راناً، ثم يغلب حتى يصير طَبعاً، وقفلا، وختماً، فيصير القلب في غشاوة وغلاف، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة: انتكس، فصار أعلاه أسفله، فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد.
" الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " (ص 39) .
ونأسف أن نقول لكِ: إن المعاصي التي فعلتيها كل واحدة منها جرَّت أختها، فأثَّرت على العقل والقلب فأطفأت نورهما.
ثانياً:
وهذه المخالفات التي حصلت منكِ هي:
1. العلاقة المحرَّمة التي أنشأتيها مع زوجك الأول قبل زواجك به، وهو واضح من خلال قولك إنه كان زواجاً عن حبٍّ! ومن خلال وقوفك في وجه أهلك الرافضين لتزوجه بكِ، وها أنتِ تعيدين الأمر مع آخر وأنت على ذمة زوج! .
وقد بيَّنا حكم المراسلة بين الجنسين في أجوبة الأسئلة: (34841) و (26890) و (23349) .
وانظري – في العلاقات المحرَّمة -: أجوبة الأسئلة (1114) و (9465) و (21933) و (10532) .
2. الظاهر أن وظيفتك فيها اختلاط مع الرجال الأجانب، فإن كان ظنُّنا في مكانه: فهي معصية، وإن كانت غير مختلطة – أو ليست في مجال محرَّم كالبنوك وشركات التأمين -: فليس عليك شيء.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال: أصلُ كل بليَّة وشرٍّ، وهو مِن أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء: سببٌ لكثرة الفواحش، والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.
" الطرق الحُكمية " (ص 407) .
وانظري جواب السؤال رقم (1200) .
وللوقوف على حكم عمل المرأة، وشروط جوازه: انظر جواب السؤال رقم (22397) .
وفي جواب السؤال رقم (6666) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط.
3. خروجك من بيت الزوجية دون إذن من الزوج، وكان هذا الخروج مبنيّاً على كلام سمعتيه من أمه، ومن شكوى منه بثها لها، وهذا لا يجعلك في حلٍّ من خروجك من بيت الزوجية دون إذن زوجك، وأنتِ لك الحق في بيت خاص مستقل مع زوجك، لكن يظهر أنك تنازلتِ عن هذا في أول زواجكِ ورضيتِ بالسكن معه في بيت والدته، فكان الأولى التفاهم معه على الوفاء بشرطه عندما رضيتِ بمساعدته في أعباء الحياة وفي سداد قرضه، وإلزامه بذلك عن طريق القضاء الشرعي، أو الحكَّام بينكما من أهل الخير والعلم، وأما تصرفك هذا وخروجك دون استئذان منه: فهو غير جائز، وقد منع الله تعالى المطلقات الرجعيات من أن يخرجن من بيوتهن بعد الطلاق، فكيف المتزوجات؟! قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/ 1.
4. وأشنع هذه المخالفات الشرعية وأقبحها: هو علاقتك الآثمة بذلك المجرم الآثم؛ الذي أظهر نفسه على أنه المخلِّص لك من مشكلات الدنيا، ولبس لباس الناصح الحكيم، فظهر في صورة الحمَل الوديع، وفي داخله طبعُ الذئاب الكاسرة، والثعالب الماكرة!!
فكيف رضي هذا المجرم بأن يلتقي بكِ ويحادثك، ويجالسك ويتبسط معكِ، بل إنه وبكل وقاحة وخساسة يطلب منك الزواج وأنت على ذمة زوج آخر! والعجيب أنك ذكرتِ عن نفسك أن زوجك الأول قد كان يلبس قناع الطيبة، وأنك كنت عمياء عندما قبلتِ به زوجاً، فهل تظنين نفسك الآن مبصرة؟! لا والله لستِ كذلك، وإنَّ عماكِ مع زوجك الأول أهون من عماكِ الآن، فأنتِ لم تكوني متزوجة حين كنت على علاقة معه، أما الآن فإنك وأنت متزوجة كنتِ على علاقة محرمة بذلك المجرم، والذي لم يكتفِ بالإيقاع بينك وبين زوجك، وتقسية قلبك عليه، وتبغيضك في الرجوع لبيت الزوجية، حتى أضاف إلى ذلك كله طلب الزواج منكِ وأنت على ذمة زوج آخر.
فما فعلتيه حرام، بلا أدنى شك، وهو قبيح شنيع حتى عند غير أهل الإسلام، ولا يرضى زوج أن تكون زوجته على مثل حالك، ولا يمكن لعاقل – فضلا عن مسلم عالم بأحكام الشرع – أن يوافقك على التزوج من هذا المجرم الذي أبان عن سوء خلقه قبل الزواج! وهذا يوفر عليك سلوك تجربة أخرى مريرة معه! وهل تظنين أنه سينسى لك خيانة زوجك معه؟ وهل تظنين أنه سيثق بك أن لا تعيدي الكرة معه؟! لا تترددي في قطع العلاقة معه، فهي علاقة محرمة من جهة، ومن جهة أخرى فهو لا يصلح أن يكون زوجاً مأموناً وقد صدرت منه تلك الأفعال القبيحة المحرَّمة.
ولمعرفة مواصفات الزوج الصالح فلينظر جوابي السؤالين: (5202) و (6942) .
ثالثاً:
نرجو أن يكون ندمك، ومحاسبتك لنفسك دليلَ خيرٍ على رجوع للحق، وعلى حياة نفسكِ اللوامة التي تلومك على القبيح، وتلومك على التقصير في الطاعات.
وإياك واتباع خطوات الشيطان، فإنه يورد المهالك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا) النور/ 21.
ولا تفرطي بفرصة الندم والتوبة، قبل أن يأتي يوم لا ينفع الإنسان درهم ولا دينار، ولا حميم، ولا شفيع، وقبل أن يعض أصبع الندم، قال سبحانه: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) الفرقان/ 27 – 29.
ولتطهير نفسك من الذنوب، وللحافظ على دينك وإيمانك وعفافك، احرصي على:
1. الصلاة في وقتها بخشوع وخضوع.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا) .
رواه البخاري (505) ومسلم (667) .
2. الرفقة الصالحة من النساء المستقيمات على طاعة الله.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً) .
رواه البخاري (1995) ومسلم (2628) .
قال الأمام النووي – رحمه الله -
وفيه: فضيلة مجالسة الصالحين، وأهل الخير، والمروءة، ومكارم الأخلاق، والورع، والعلم، والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر، وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يَكثر فجوره وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة.
" شرح مسلم (16 / 178) .
3. عدم الاستماع للغناء والمعازف واللهو المحرم.
قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ. وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) لقمان/ 6،7.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من الذم بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن وإن لم ينالوا جميعه ... يوضحه: أنك لا تجد أحداً عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرآن، وربما حمله الحال على أن يُسكت القارئ، ويستطيل قراءته، ويستزيد المغني، ويستقصر نوبته.
" إغاثة اللهفان " (1 / 240، 241) .
وأخيراً:
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله –:
يجب على المسلم أن يتوب من الذنوب، ويبادر بذلك امتثالاً لأمر الله سبحانه، ومن أجل إنقاذ نفسه من عذاب الله وغضبه، ولا يجوز له أن يستمر على المعصية، أو يؤخر التوبة بسبب طاعة النفس والشيطان، ولا ينظر إلى لوم الناس، بل يجب عليه أن يخشى الله ولا يخشى الناس، ولو كانوا يفعلون المعاصي، فلا يجوز له أن يقتدي بهم، ويجب عليه أن يلزم أهله بالتوبة؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم/ 6، ولا يداريهم فيما يسخط الله عز وجل.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (2 / ص 293) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/209)
يعاني من الشذوذ ويخشى أن يتزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب تقدمت لخطبة فتاة وقبل بي أهلها وقبلت هي بي وبقي حوالي 3 أشهر على الزفاف ولكن الآن أنا في حيرة من أمري ومشكلتي هي في أني شاذ جنسيا وميولي الجنسي إلى الرجال أكثر من النساء ولحد الآن لا أحد يعلم بهذا الأمر. فهل علي كتمان هذا السر للأبد أم ينبغي علي أن أخبر الفتاة بهذا الأمر لأن ضميري يؤنبني وأحس بأن هذا خداع وخيانة في حقها وهي فتاة طيبة وتستحق من هو أفضل مني بكثير. وحتى لو تم الزفاف سيأتي يوم لا محالة وتكتشف فيه الأمر الذي أخفيته عنها وربما يحدث ما لا تحمد عقباه وخاصة إذا كان هناك أولاد وأنا لا أريد أن أظلم أحدا؟ ترون نحن الشاذين جنسيا خياراتنا محدودة في عالمنا الإسلامي ومنبوذون في كل مكان ولا نستطيع أن نتزوج كبقية الناس العاديين فما عسانا أن نفعل وهل هو خطؤنا إذا كنا كذلك؟ وما هي الحكمة في أن يخلق الإنسان هكذا؟ فما العمل يا من يهمكم أمرنا ومعاناتنا ... ؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الشذوذ الجنسي مرض عظيم، وبلاء كبير، وإذا صاحبه الفاحشة الكبرى كان أعظم وأعظم، لما في هذه الفاحشة من الإثم والوزر والقبح، وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة.
ولهذا كان ينبغي أن يكون انشغالك بكيفية العلاج من هذا الشذوذ، والنجاة من هذا الشر الماحق، أعظم من انشغالك بمسألة كتمانه أو إفشائه لمخطوبتك.
واعلم أن هذا البلاء له أسباب، وهذه الأسباب من كسبِ المبتلى نفسه، فمن أراد النجاة مما هو فيه: فليقف على هذه الأسباب، وليتخلَّص منها، وليفعل ما نوصيه به، وإلا فهو راضٍ عن حاله، ولا يريد تحولاً إلى ما هو خير، ومن هذه الأسباب التي هي من فعله:
1. ضعف الإيمان، وبُعد القلب عن حب الله تعالى، وقلة الخوف من عقابه.
2. إطلاق النظر للمردان، والتمتع بجمالهم وهيئتهم.
وهذا هو أول طريق المعصية التي يسلكها المبتلى بهذا الداء، وقد أمره ربه تعالى بغض بصره عن المحرمات، وكذا أمره نبيه صلى الله عليه وسلم، فلما ترك الأمر ووقع في النهي: أدخل إبليس سهمه المسموم في قلبه، فقضى عليه.
قال ابن القيم رحمه الله:" والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولِّد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولِّد الفكرة شهوة، ثم تولِّد الشهوة إرادة، ثم تَقوى فتصبر عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده " انتهى من "الجواب الكافي" (ص 106) .
ومن هنا فإن كلمة العلماء قد اتفقت على حرمة النظر إلى الأمرد، بل إن بعضهم جعله أكثر حرمة من النظر للنساء.
قال الإمام النووي رحمه الله: " وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن الصورة، سواء كان بشهوةٍ أم لا، سواء أمن الفتنة أم خافها، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين، نص عليه الشافعي، وحذاق أصحابه - رحمهم الله تعالى -، ودليله: أنه في معنى المرأة، فإنه يُشتهى كما تشتهى، وصورته في الجمال كصورة المرأة، بل ربما كان كثيرٌ منهم أحسن صورةً من كثيرٍ من النساء، بل هم في التحريم أولى لمعنى آخر: وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر ما لا يتمكن مثله في حق المرأة " انتهى من "شرح مسلم " (4 / 31) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والنظر إلى وجه الأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم، والمرأة الأجنبية بالشهوة، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء، أو شهوة التلذذ بالنظر، فلو نظر إلى أمِّه، وأخته، وابنته يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية: كان معلوماً لكل أحدٍ أن هذا حرام، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة " انتهى من "مجموع الفتاوى " (15 / 413) و (21 / 245) .
وقال أيضاً: " ومن كرَّر النظر إلى الأمرد ونحوه، أو أدامه، وقال: إني لا أنظر لشهوة: كذب في ذلك، فإنه إذا لم يكن معه داع يحتاج معه إلى النظر: لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك، وأما نظرة الفجأة فهي عفو إذا صرف بصره " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15 / 419) و (21 / 251) .
ومن النظر الذي ابتلي به هؤلاء المرضى: ما يشاهدونه في القنوات الفضائية، والصحف والمجلات، ومواقع الإنترنت من صور الأطفال والشباب المردان، وهو ما يهيجهم على الفاحشة.
3. التقصير في الواجبات والنوافل.
ولو أن هذا المبتلى أدى الصلوات في أوقاتها، وبشروطها وواجباتها: لكانت ناهية له ورادعة عن الوقوع في الفحشاء والمنكر، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت/من الآية45، فكيف إذا حافظ على الرواتب والنوافل؟! .
4. هجر القرآن، وهجر قراءة كتب سير الصالحين وتراجم الأئمة.
وكتاب الله تعالى فيه الهدى والنور والشفاء، فهو خير وقاية للمسلم من الوقوع في الآثام والمعاصي، وهو خير علاج لمن وقع فيها.
وإذا قرأ في كتب الأئمة وتراجم العلماء: اتخذهم قدوة له، وأنس بصحبتهم، وترفع عن الرذائل والقبائح.
5. التقصير في طلب العلم.
فالعلم نور، وبه يعرف الحلال فيفعله، والحرام فيجتنبه، وبه يتعرف على ربه تعالى، على أسمائه وصفاته وأفعاله، فيولِّد ذلك في قلبه حياء من ربه، وحياء من ملائكته أن يقع في فاحشة قبيحة، وبه يتعرف على أحوال العصاة وما أعده الله لهم من العقوبة.
6. كثرة الفراغ في حياة هؤلاء المبتلين.
ولو أنهم شغلوا أوقاتهم بالطاعة، والرياضة، والأعمال المباحة، وطلب العلم: لما وجدوا أوقاتاً يصرفونها في التفكير في المحرمات فضلا عن فعلها.
7. اتخاذ أصدقاء السوء، وجلساء الشر.
8. ترك الزواج.
وقد خلق الله تعالى في الرجال شهوة طبيعية، وجعلها تصريفها في النساء، والطريق المباح لذلك هو الزواج أو مِلك اليمين، ومن انتكست فطرته فإنها يصرفها في أمثاله من الذكور، وها هي البهائم التي خلقها الله تعالى أمامنا فهل رأينا ذكراً يعلو ذكراً، أو ينظر إليه نظر شهوة؟! فانظر لهذا وقارنه بحال من ينظر للمردان من جنسه بشهوة، ومن يفعل معهم الفاحشة، بل إن ذلك يجعله يعزف عن تزوج النساء!
وانظر جواب السؤال رقم (20068) ففيه بيان المخرج والعلاج من هذا الداء.
وقال ابن القيم رحمه الله في بيان علاج العشق والتعلق المحرم: " ودواء هذا الداء القتَّّال: أن يعرف أن ما اُبتُليَ به من هذا الداء المضاد للتوحيد إنما هو مِن جهله وغفلة قلبه عن الله، فَعَلَيْهِ أن يعرف توحيد ربِّه وسُننه وآياته أولاً، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه، ويُكثر اللجأ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه، وأن يرجع بقلبه إليه وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله، وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ، فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه؛ فإن القلب إذا خلص وأخلص عمله لله: لم يتمكن منه عشقُ الصور؛ فإنه إنما تمكن من قلب فارغ، كما قيل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا خاليا فتمكنا"
انتهى من " الجواب الكافي " (ص 150، 151) .
ثانيا:
من أكبر الخطأ أن تظن أن هذا المرض ليس له علاج، وأن الشاذ لا يمكن أن يعود مستقيما، ولو كان الأمر كذلك لما أمر الله تعالى قوم لوط بالتوبة، ولما دعاهم نبي الله لوط عليه السلام إلى ترك الشذوذ، والله سبحانه هو خالق الإنسان، وهو يعلم ما يمكن أن يتغير فيه أو لا يتغير، فلا تلتفت لكل دعوى تخالف ذلك.
وكم من شاذ أقبل على ربه وتاب وأناب، فتغير حاله، وذهب عنه ما كان يجد من الشهوة المحرمة. وقد دعا لوط عليه السلام قومه للزواج، لأنه علاج نافع، يتمكن منه المبتلى من تصريف شهوته على الوجه المباح.
ثالثا:
وقد تبين مما سبق أن ما يقع فيه الشاذ من تعلق بصور المردان، أو من الفاحشة المنكرة، هو من فعله وبكسبه، وأنه مطالب بترك ذلك، وأنه يمكنه الخلاص من ذلك. ولو فرض أنه شعر بالميل نحو الرجال، فإن عليه أن يقاوم ذلك، وأن يتجنب أسباب الوقوع في الحرام، كما أن الرجل السوي يميل بطبعه للنساء، لكنه مطالب بغض البصر، وعدم الخلوة، وترك جميع أسباب الفتنة.
رابعا:
أما قولك: " فما عسانا أن نفعل؟ "؛ فقد بينا لك ما عساك أن تفعل، وما يجب عليك من تقوى الله تعالى، وإجلال مقامه أن يراك في مقام السوء والقذر الذي يكرهه منك، ويعاقب أهل عليه العقاب الأليم.
لكن الذي أفزعنا فعلا هو قولك بعد ذلك:
" وهل هو خطؤنا إذا كنا كذلك؟ وما هي الحكمة في أن يخلق الإنسان هكذا؟ "
نعم يا عبد الله، اللوم والعتاب، والوعيد والعذاب إنما يقع على فاعل الذنب، وهو يستحقه بما قدم لنفسه من سوء، وبما اقترفت يداه:
قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) .
وقال تعالى أيضا: (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) .
قال الشيخ السعدي رحمه الله: ".. فأخبر هنا أن {الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ} بالحجج الباطلة، والشبه المتناقضة {مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} أي: من بعد ما استجاب لله أولو الألباب والعقول، لما بين لهم من الآيات القاطعة، والبراهين الساطعة، فهؤلاء المجادلون للحق من بعد ما تبين {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} أي: باطلة مدفوعة {عِنْدَ رَبِّهِمْ} لأنها مشتملة على رد الحق وكل ما خالف الحق، فهو باطل.
{وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} لعصيانهم وإعراضهم عن حجج الله وبيناته وتكذيبها. {وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} هو أثر غضب الله عليهم، فهذه عقوبة كل مجادل للحق بالباطل " انتهى.
وقال الله تعالى عن أعدائه المكذبين: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) .
قال الشيخ السعدي رحمه الله: " يقول تعالى مبينا لقبح حال المشركين الذين يفعلون الذنوب، وينسبون أن الله أمرهم بها: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} وهي: كل ما يستفحش ويستقبح، ومن ذلك طوافهم بالبيت عراة {قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} وصدقوا في هذا. {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} وكذبوا في هذا، ولهذا رد الله عليهم هذه النسبة فقال: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} أي: لا يليق بكماله وحكمته أن يأمر عباده بتعاطي الفواحش لا هذا الذي يفعله المشركون ولا غيره {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} وأي افتراء أعظم من هذا؟ " انتهى.
عبد الله؛ إن هذا الذي قلته هو فرع مقالة أعداء الله المشركين به، والمكذبين لرسله؛ يقعون في المعاصي، ثم يحتجون عليها بالقدر: أن الله خلقهم على ذلك، أو أمرهم به، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وهكذا فليقل الزاني: ما ذنبي، والله خلقني كذلك، والسارق، والقاتل، و....،
ونهاية هذه الحجة الباطلة أن تبطل كل الشرائع، ويبطل الأمر والنهي، ويبقى الناس سدى، يتهارجون تهارج الحمر، حتى ليوشك أحدهم أن يواقع الفاحشة في طريق الناس، كما يكون في آخر الزمان، بل كما وقع في بعض بلاد الكفر والعصيان!!
أعلمت أنك الذي فتحت على نفسك الباب، وأن الحجة لله عليك، وليس لك على الله تعالى حجة!!
فاشتغل الآن يا عبد الله بإغلاق باب الشر والفساد عنك، قبل ألا تستطيع أن تغلقه؛ بدلا من أن تشغل نفسك بمن صنع الباب، كيف لم يجعله مغلقا دائما؛ فيبدو أنك لم تعرف الفرق بين الباب والحائط!!
فإذا أردته حائطا كله، لا باب فيه، ولا مشكاة؛ فما قيمة التكليف، وما قيمة الأمر والنهي والحلال والحرام، والثواب والعقاب، والجنة والنار؟!!
وخلاصة ما ننصحك به أن تبادر الزواج، لتضع نطفتك في الطهر الحلال، وتصون نفسك عن النجس الحرام!!
لكن، وحتى لا تغرر بمن وثق فيك، وتغش من أمنك، وتجني على من لم يظلمك؛ لا بد أن تبدأ أولا بالتوبة النصوح لله تعالى مما أصابك من بلاء الشذوذ، وتجتهد في أبواب الطاعة، وتشغل نفسك بالله تعالى ومرضاته؛ حتى إذا أنست منها بدء السير في طريق الهداية، ولاحت عليها علامات الصلاح، فقوِّ دواعي الخير والطهر في نفسك بالزواج ممن تعفك؛ وأما قبل البدء في العلاج، والإحساس بصدق التوبة، فلا تجنِ على غيرك، ولا تخدع من وثق فيك.
نسأل الله تعالى أن يعافيك، وأن يطهر قلبك، ويحصّن فرجك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/210)
تريد المبيت في بيت أهلها وزوجها يريده في بيت أهله هو
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا هنا في غربتي مع زوجي، ولنا إجازة لمدة شهر في العام، نقضيها مع أهلنا، يطلب مني زوجي أن أقضي هذا الشهر في بيت أهله، والذهاب لأهلي في زيارات، في حين أنا أريد أن أذهب هناك يوميا، والمبيت هناك، فهو شهر واحد، فلو صممت على ذلك ولم يقبل زوجي فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننصحك بالالتزام بما يطلبه زوجك، ففي ذلك الخير والفضل من وجوه كثيرة:
- ففي طاعة الزوج طاعة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك الأجر الكبير عند الله تعالى، وأجر طاعة المرأة زوجها لا يكاد يَعدِلُه عمل آخر.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ)
رواه أحمد (1/191) حسنه السخاوي في "البلدانيات" (161) والألباني في "صحيح الترغيب" (1932)
وعَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ)
رواه أحمد (4/341) قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/97) : إسناده جيد. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1933)
- وفي طاعتك زوجك في هذا الأمر خلاصٌ من المنازعات والخصومات التي قد تحصل بعصيانك لزوجك.
- ونذكرك أيضا بأن الزوجة الصالحة هي التي لا تفارق زوجها، تحرص على خدمته وراحته وتسعى في إسعاده.
- واعلمي أن في طاعتك له في هذا الأمر حفظا للسعادة بينكما، وتأكيدا لرابطة المحبة والمودة، وأن في مخالفتك له فتحا لسبيل الشيطان، وإثارة لما في النفوس من النزاع والشقاق، وإن لم يظهر أثرها العاجل، فلا بد أن أثر المخالفة سيظهر عن قريب، وخاصة إذا تراكمت المخالفات والمنازعات.
ويمكنك التفاهم مع زوجك بهدوء في هذا الأمر، ولو أن تبقي عند أهله نصف المدة وعند أهلك نصفها الآخر، أو تذهبي إليهم عدة أيام.
والذي ينبغي للزوج أن يكون رفيقاً بأهله فلا يضيّق عليهم ولا يتعسف، فإن الزوجة من أحق الناس بالرفق واللين معها، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ونسأل الله لكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/211)
مدرِّس ويعاني من كثرة الهموم والتفكير ويطلب النصح
[السُّؤَالُ]
ـ[دائماً مهموم، أفكر كثيراً، أقل موقف مؤلم يدمرني، لا أستطيع النوم في الليل، أقرأ بعض آيات القرآن لكنني أشعر باختناق، ماذا تنصحونني؟ وأعمل مدرساً، لكنني مكره على هذه المهنة، وصلت في المرحلة بالتفكير بالسفر وترك عملي وبلدي لأبحث عن عمل في مجالي ويريحني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يفرِّج همك، وأن ييسر أمرك، وأن يختار لك ما هو خير لدينك ودنياك، وأما نصيحتنا لك: فهي:
أولاً: ننصحك بتقوية إيمانك، ويكون ذلك بمحافظتك على الواجبات فتؤديها على أحسن وجه، وتبتعد عن المنهيات، وتكف عنها على الفور إن كنت تقترفها، واعلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فإن الإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة وقبولها، بل لا تسمَّى أعمالاً صالحة إلا بالإيمان، والإيمان مقتضٍ لها؛ فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات، فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح:
(فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) وذلك بطمأنينة قلبه، وسكون نفسه، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه، ويرزقه الله رزقاً حلالاً طيِّباً من حيث لا يحتسب.
(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ) في الآخرة.
(أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) من أصناف اللذات، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة.
" تفسير السعدي " (ص 448) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ونِعمٌ أخرى يختص بها الإنسان، وهي الشرائع التي أنزلها الله على الرسل لتستقيم حياة الخلق؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم حياة الخلق أو تطيب حياة الخلق إلا بالشرائع (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) المؤمن العامل بالصالحات هو الذي له الحياة الطيبة في الدنيا، والثواب الجزيل في الآخرة، والله لو فتشت الملوك، وأبناء الملوك، والوزراء، وأبناء الوزراء، والأمراء، وأبناء الأمراء، والأغنياء، وأبناء الأغنياء، لو فتشتهم وفتشت مَن آمن وعمل صالحاً: لوجدت الثاني أطيب عيشة، وأنعم بالاً، وأشرح صدراً؛ لأن الله عز وجل الذي بيده مقاليد السموات والأرض، تكفَّل فقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) تجد المؤمن العامل للصالحات مسرور القلب، منشرح الصدر، راضياً بقضاء الله وقدره، إن أصابه خير شكر الله على ذلك، وإن أصابه ضده صبر على ذلك واعتذر إلى الله مما صنع، وعلم أنه إنما أصابه بذنوبه فرجع إلى الله عز وجل، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عجباً للمؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سَّراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضَّراء صبر فكان خيراً له) ، وصدق النبي عليه الصلاة والسلام.
" تفسير جزء عمَّ " (ص 77، 78) .
ثانياً: ننصحك بجمع همومك كلها وجعلها همّاً واحداً، وهو هم الآخرة، وكيف تلقى ربك وهو عنك راضٍ.
واعلم – يا أخانا الفاضل – أن الدنيا لا تسوى عند الله جناح بعوضة، ولو تسوى ذلك ما سقى كافراً شربة ماء، فمهما بلغت هموم المسلم لهذه الدنيا فهي هموم لدنيا زائلة، ولو أن المسلم يعلم أن الانشغال بالهم والقلق يسبب له أمراضاً نفسية وبدنية: لتركها على الأقل حفاظاً على صحته، فكيف إذا علم قبل ذلك أن إيمانه بالقدر يجعله غاية في الطمأنينة، وأنه لا بدَّ من حصول المقدور؟ .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ: كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا: لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ) .
رواه ابن ماجه (257) وحسَّنه الألباني في " صحيح ابن ماجه ".
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ) .
رواه الترمذي (2465) وأبو داود (1668) وابن ماجه (4105) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال ابن القيم – رحمه الله –:
إذا أصبح العبد وأمسى وليس همُّه إلا الله وحده: تحمَّل الله سبحانه حوائجه كلها، وحمَل عنه كل ما أهمَّه، وفرَّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همُّه: حمَّله الله همومها، وغمومها، وأنكادها، ووكله إلى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره، كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره، فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلي بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته قال تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) الزخرف/ 36.
" الفوائد " (ص 84) .
ثالثاً: ننصحك أن تغتنم حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وأن تغتنم فراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، فالحياة متقلبة، وكل يوم يمر في حياتك فأنت تتقدم فيه خطوة إلى قبرك، وكل يوم يمضي من عمرك لا يرجع، فانشغاله بالهموم والتفكير يقتل وقتك، ويتلف بدنك، ويعجِّل هرمك، فمتى تؤدي ما أمرك الله به؟ وما النتيجة التي سترجوها لنفسك بتلك الهموم وتلك التفكيرات؟ .
رابعاً: ننصحك باستثمار وظيفتك، فهي وظيفة رائعة، تستطيع فيها الاستفادة فيها لنفسك، ولغيرك، فكم من معلِّم تلتقي بهم كل يوم، وكم مِن فائدة ونصيحة يمكن أن تكون منك لهم، وكم من طالب تواجهه في مدرستك كل يوم، فلمَ لا تستثمر ذلك كله بإشغال نفسك بطاعة الله في الدعوة والتوجيه والنصح؟ لذا فإننا نصحك باستثمار وظيفتك، والتوصل بها لتحقيق أهدافٍ سامية عالية.
خامساً: ننصحك بالاستعانة بالله تعالى بدعائه، وذِكره، كما علَّمنا ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:
أ. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ يَقُولُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) .
رواه البخاري (5985) ومسلم (2730) .
ب. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ (يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ) .
رواه الترمذي (3524) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ج. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا) قَالَ: فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: (بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) .
رواه أحمد (3704) وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (199) .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الهموم والمشاكل والقلاقل التي تهز الإنسان وتصيبه من الزمن، فما الأشياء التي تزيل الهموم والغموم التي تصيب المسلم؟ وهل يشرع أن يرقي الإنسان نفسه؟ .
فأجاب:
أولاً: يجب أن نعلم أن الهموم والغموم التي تصيب المرء هي من جملة ما يكفَّر عنه بها، ويخفف عنه من ذنوبه، فإذا صبر واحتسب: أثيب على ذلك، ومع هذا فإنه لا حرج على الإنسان أن يدعو بالأدعية المأثورة لزوال الهم والغم، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي أخرجه أهل السنن بسند صحيح (اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي) فإن هذا من أسباب فرج الهم والغم.
وكذلك قوله تعالى: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) الأنبياء/ 87، فإن يونس عليه الصلاة والسلام قالها، قال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) الأنبياء/ 88.
ولا حرج أن يرقي الإنسان نفسه؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرقي نفسه بالمعوذات عند منامه، ينفث بيديه، فيمسح بهما وجهه، وما استطاع من جسده.
" فتاوى إسلامية " (4 / 467) .
وقد يحاول الشيطان صدك عن القرآن، وعن الدعاء، وعن الذِّكر، فاحذر أن تستجيب لما يوسوس لك به، واحذر من ترك ذلك إن شعرت بضي أو اختناق، واعلم أن الترك ليس هو العلاج ولا الحل، بل الاستمرار في القراءة، والمداومة على الأدعية والأذكار هما العلاج والحل لمشكلته بإذن الله تعالى.
سادسا: إذا كنت تشعر بضيق في وقتك الحالي، فننصحك بأخذ إجازة قصيرة من عملك، إن كانت ظروفك المادية تسمح بذلك، يمكنك فيها أن تخفف عنك الهموم والمتاعب، فإن تمكنت من السفر لزيارة بيت الله الحرام، في حج أو عمرة، فسوف تنتفع بذلك إن شاء الله تعالى في حالك ومآلك، وإن لم تسمح ظروفك بالسفر أو أخذ إجازة فحاول أن تزور صديقا أو قريبا محببا أمينا يرجو لك الخير ويدلك عليه، فاستأنس به وقتا ما، ريثما تهدأ نفسك.
وعلى كل حال، فنحن لا ننصحك بالمرة، كما أشرنا بترك عملك، فإن تيسرت لك فرصة للعمل في الخارج، في مهنة تناسبك، فهو أمر طيب إن شاء الله، لكن مع الاحتفاظ بوظيفتك في بلدك، حتى إذا رجعت إليها لم تكن عالة على غيرك.
سادساً: ننصحك بالاطلاع على كتاب " علاج الهموم " وهو هنا في موقعنا، وستجد فيها ما يزيل عنك الهم والغم، ويشرح صدرك، ويُطمأن قلبك، بإذن الله تعالى.
http://www.islam-qa.com/index.php?pg=article&ln=ara&article_id=36
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/212)
الخوف من الموت: خيرُه وشرُّه، وهل يُدعى بطول العمر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي بعض الأسئلة أرجو الإجابة عليها: 1. لقد مررت بفترة عصيبة فلم أعد أفكر سوى بالموت في كل تصرفاتي، فلم أعد أستطيع النوم بسبب هذه الوساوس، وأصبحت أفكر في كل من مات، وكيف مات، وأصبحت صور الموتى ممن أعرفهم تراودني بين لحظة ولحظة، فلم أعد أحتمل هذه الحالة، فأصبحت أخاف من كل شيء، لم يعد للحياة طعم، فهل هذا إنذار باقتراب الأجل، وأني سأموت في فترة قريبة؟ أرجوكم أفيدوني، في الواقع هذه الحالة انتابتني بعد ذنب ارتكبته، فهل لهذا الذنب علاقة؟ . 2. أحد أقاربي أخبرني بأنه رآني في المنام أني ميت، وسأل أحد شيوخ البلدة وقال: إنه يدل على طول العمر، فهل هذا صحيح أم أنه غير ذلك؟ . 3. هل الدعاء بطول العمر مستجاب أم إنه قد كتبت الأعمار وانتهى الأمر؟ وما الذي يبارك في العمر من أعمال؟ . وجزاكم الله خيراً. نرجو الإجابة على الأسئلة بأسرع وقت؛ لأنني بحاجه إليها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخي الفاضل
أولاً:
أرجو منك أن تعي ما أكتبه لك، وأن تعمل به، فلعل ما أصابك أن يكون خيراً لك:
1. كلُّ نفس ذائقة الموت:
وهذه حقيقة يجب أن تعلمها، فليس أحدٌ بناجٍ من الموت، طال عمره أو قصر، صحيحاً كان أو مريضاً، غنيّاً كان أو فقيراً.
قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) آل عمران/ 185، وقال سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) العنكبوت/ 57.
وقال عز وجل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء/ 35.
ولو كانت الدنيا تدوم لأحدٍ: لأدامها الله لأنبيائه وأوليائه وأصفيائه، فأين هم الأنبياء والرسل؟ وأين هم الصدِّيقون والشهداء؟ وأين هم الصحابة والتابعون؟ كلهم ذاقوا الموت – إلا عيسى عليه السلام وسيذوقه في آخر المطاف -.
قال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) الأنبياء/ 34.
وقال تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) الزمر/ 30.
2. لا مهرب من الموت:
ومهما بذل الإنسان من أسباب الصحة والنشاط فهو ميت، وأينما كان فإن الموت يدركه، وحيثما فرَّ من الموت فإنه سيجده مقابل وجهه.
قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) الجمعة/ 8.
وقال تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) النساء/ 78.
قال ابن كثير- رحمه الله -:
أي: أينما كنتم يدرككم الموت، فكونوا في طاعة الله، وحيث أمركم الله فهو خير لكم، فإن الموت لا بد منه، ولا محيد عنه، ثم إلى الله المرجع، فمن كان مطيعا له جازاه أفضل الجزاء، ووافاه أتم الثواب.
" تفسير ابن كثير " (6 / 291) .
وقال- رحمه الله –:
أنتم صائرون إلى الموت لا محالة، ولا ينجو منه أحد منكم، كما قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وِالإكْرَامِ) .
" تفسير ابن كثير " (2 / 360) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ق/ 19 -:
وقوله (بِالْحَقِّ) : أي: أن الموت حق، كما جاء في الحديث: " الموت حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ " – متفق عليه -، فهي تأتي بالحق، وتأتي أيضاً بحق اليقين، فإن الإنسان عند الموت يشاهد ما تُوُعِّد به، وما وُعِدَ به؛ لأنه إن كان مؤمناً: بُشِّر بالجنة، وإن كان كافراً: بُشِّر بالنار- أعاذنا الله منها -.
(ذَلِكَ) أي: الموت.
(مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) اختلف المفسرون في " ما " هل هي نافية فيكون المعنى: ذلك الذي لا تحيد منه، ولا تنفك منه، أو أنها موصولة فيكون المعنى: ذلك الذي كنت تحيد منه، ولكن لا مفر منه، فعلى الأول يكون معنى الآية: ذلك الذي لا تحيد منه، بل لابد منه، وقد قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) .
وتأمل يا أخي: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) ولم يقل " فإنه يدرككم "، وما ظنك بشيء تفر منه وهو يلاقيك؟ إن فرارك منه يعني دنوك منه في الواقع، فلو كنت فارّاً من شيء وهو يقابلك، فكلما أسرعت في الجري أسرعت في ملاقاته، ولهذا قال: (فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) ، وفي الآية الأخرى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) النساء/ 78؛ لأنه ذكر في هذه الآية أن الإنسان مهما كان في تحصنه فإن الموت سوف يدركه على كل حال، وهنا يقول تعالى: (ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) .
وعلى المعنى الثاني، أي: ذلك الذي كنت تحيد منه وتفر منه في حياتك، قد وصلك وأدركك، وعلى كل حال: ففي الآية التحذير من التهاون بالأعمال الصالحة، والتكاسل عن التوبة، وأن الإنسان يجب أن يبادر؛ لأنه لا يدري متى يأتيه الموت.
" تفسير القرآن من الحجرات إلى الحديد " (ص 95، 96) .
قالَ الشاعر:
الموت بابٌ وكل الناسِ داخله الا ليت شعري بعد الموت ما الدار
الدارُ جَنَّةُ خُلدٍ إِن عَمِلتَ بِما يُرضي الإِلَهَ وَإِن قَصَّرتَ فَالنارُ
3. تذكر الموت خير لا شر.
وما لي أراك – أخي الفاضل – قلقاً من الموت، خائفاً من ذِكره؟! ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بالإكثار من ذِكر الموت؟! ألم تعلم أن في ذلك خيراً عظيماً لمن فعل ذلك حتى يكون مستعدّاً للقاء ربه، ويكثر من الأعمال الصالحة قبل أن يفجأه الموت؟! وهل تعلم أن نسيان الموت والغفلة عنه تؤدي إلى التعلق بالدنيا، وتسويف التوبة، والتكاسل عن الطاعات؟! .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ - يَعْنِي: الْمَوْتَ) رواه الترمذي (2307) والنسائي (1824) وابن ماجه (4258) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
على أننا ننبهك هنا ـ أخانا الكريم ـ إلى أن المراد بذكر الموت هو الذكر القاطع عن الانهماك في لذات الدينا وشواغلها، والحامل على الاستعداد للموت والقبر، وليس المراد بالذكر هنا الذكر السلبي الذي يوشك أن يقطع الإنسان عن مصالحه في معاشه ومعاده، ويصيبه بالإحباط أو الجبرية في أفعاله.
قال الشيخ عطية سالم رحمه الله: " المراد بذلك أن تكثر من ذكر الموت لتستعد له، لا لتكدر صفوك في الدنيا وتقول: أنا سأموت، لماذا اعمل؟!! ثم يضيق صدرك؛ لا، المراد: أكثروا من تذكُّره في نفوسكم، من أجل أن تستعدوا له " شرح بلوغ المرام (4/2) .
وقال بعض العلماء:
" مَن أكثر ذكر الموت أكرمه الله بثلاث: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي ذكر الموت ابتلي بثلاث: تسويف التوبة، وترك الرضا، والتكاسل بالعبادة ".
فينبغي أن يكون تذكرك للموت سبباً لقيامك بالطاعات، ومحفِّزاً على سرعة التوبة، ولا تجعل خوفك من الموت يسبب لك قلقاً، ولا وساوس، ولا يُقعدك عن العمل والطاعات، ولا يمنعك من الكسب، ولا يجعلك تقوم بحقوق نفسك وأسرتك، وإلا كان هذا التذكر عليك، لا لك.
ولا تنس مع ذِكرك للموت، بل إكثارك منه، أن تحسن الظن بربك تعالى، وأنه لا يظلم الناس شيئاً، وأنه تعالى يضاعف الحسنات، ويعفو ويصفح، ويقبل من عباده المسيئين توبتهم وإنابتهم، فاحذر أشد الحذر من القنوط من رحمة الله، واجمع في قلبك بين الخوف من الله وبين رجائه تعالى، فالخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطائر، فلا يغني أحدهما عن الآخر
، وهذا هو حال الأنبياء والأولياء والصالحين.
قال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء/ 90.
وقال سبحانه: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) السجدة/ 16.
وقال تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الزمر/ 9.
فلا تسأل نفسك متى تموت؟ بل على أي شيء تموت؟ على خير أم شر؟ على طاعة أم معصية؟ على الإسلام أم على الكفر؟ وبما أن الإنسان لا يدري متى يموت فإن هذا يدفعه لأن يكون متأهباً دائما للموت استعداداً للقاء ربه على أحسن حال.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
ولهذا نقول: أنت لا تسأل متى تموت، ولا أين تموت؛ لأن هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال، أمر مفروغ منه، ولابد أن يكون، ومهما طالت بك الدنيا، فكأنما بقيت يوماً واحداً، بل كما قال تعالى هنا: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) النازعات/ 46، ولكن السؤال الذي يجب أن يرِد على النفس، ويجب أن يكون لديك جواب عليه هو: على أي حال تموت؟! ولست أريد على أي حال تموت هل أنت غني أو فقير، أو قوي أو ضعيف، أو ذو عيال أو عقيم، بل على أي حال تموت في العمل، فإذا كنت تسائل نفسك هذا السؤال، فلابد أن تستعد؛ لأنك لا تدري متى يفجَؤُك الموت، كم من إنسان خرج يقود سيارته ورجع به محمولاً على الأكتاف، وكم من إنسان خرج من أهله يقول هيئوا لي طعام الغداء أو العشاء ولكن لم يأكله، وكم من إنسان لبس قيمصه وزر أزرته ولم يفكها إلا الغاسل يغسله، هذا أمر مشاهد بحوادث بغتة، فانظر الآن وفكِّر على أي حال تموت، ولهذا ينبغي لك أن تكثر من الاستغفار ما استطعت، فإن الاستغفار فيه من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً.
" لقاءات الباب المفتوح " (اللقاء رقم 17) .
ثانياً:
وأما بالنسبة لرؤيا قريبك وأنه رآك في المنام ميتاً: فقد سبق بيان أن الموت حق، وأن الإنسان لا يدري متى يموت ولا في أي أرض، فليس في الرؤيا ما ينافي الواقع لك عاجلاً أم آجلاً، ولم يبق لك إلا الاستعداد له – كما سبق -، مع التنبيه أن رؤية الشخص من قبَل غيره أنه ميت قد تعني أنه يرزق بولد أو حفيد كما أفاده بعض إخواننا المشتغلين بتعبير الرؤى، ولو فرِض أن رؤيا قريبك ستتحقق قريبا: فهذا يجعلك تسارع في العمل الصالح، ولسنا نشتغل هنا بتعبير رؤى الناس، لكننا ننصحهم ونبين لهم ما ينتفعون به من أحكام ومسائل شرعية واجتماعية وتربوية.
ثالثاً:
الدعاء بطول العمر جائز، على أن يكون معه الدعاء بأن يكون في طاعة الله، أو حُسن العمل؛ إذ طول العمر من غير توفيق لأعمال صالحة فيه ضرر على صاحبه؛ لأنه تكثر أعماله السيئة وتكثر معاصيه، وها هو إبليس له عمر طويل، وهو يقضيه في الوسوسة والكيد.
وقد سبق في جواب السؤال رقم: (12372) جواز الدعاء بطول العمر، مع الزيادة التي نبهنا عليها وهي " في طاعة الله " وما يشبهها.
والأعمار والأرزاق مكتوبة مقدَّر في اللوح المحفوظ لا تتبدل ولا تتغير، لكن الله تعالى جعل لها أسباباً تطول بها الأعمار – أو يبارك فيها – ويكسب بها رزقاً، ومن ذلك: صلة الرحم؛ فإنها تطيل في العمر وتزيد في الرزق، وقد علم الله تعالى أزلاً أن فلاناً سيصل رحمه فقدَّر له عمُراً ورزقاً بسببه، والمسلم لا يدري ما كُتب له، لكنه يبذل أسباب الحفاظ على حياته، ويبذل أسباب تحصيل الرزق.
وبعض العلماء يرى أن التبديل والتغيير يكون بما في أيدي الملائكة من صحف، وأما ما في اللوح المحفوظ فلا يمكن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رُفعَت الأَقلام وجفَّت الصحف". رواه أحمد (2664) والترمذي (2516) وصححه الألباني.
قال تعالى: (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) فاطر/من الآية 11.
وقال تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد/ 39.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ) من الأقدار.
(وَيُثْبِتُ) ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه، وكتبه قلمه؛ فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير؛ لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص أو خلل، ولهذا قال:
(وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) أي: اللوح المحفوظ، الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع له وشُعب.
فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسباباً، ولمحوها أسباباً، لا تتعدى تلك الأسباب ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سبباً لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سبباً للسلامة، وجعل التعرض لذلك سبباً للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علِمه وكَتَبه في اللوح المحفوظ.
" تفسير السعدي " (ص 419) .
وسواء كانت الزيادة حقيقية في صحف الملائكة، كما هو الصحيح، أو أنها بالبركة في عمُر المسلم: فإن المطلوب من المسلم بذل الأسباب التي تطيل عمره أو تبارك له فيه، كما يبذل الأسباب في الرزق والبركة فيه.
عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ: فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) .
رواه البخاري (1961) ومسلم (2557) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
" وقد تأول بعضهم أنه يبارك له في عمره حتى قد يعمل فيه من الخير في العمر القصير ما يعمل في العمر الطويل، والصحيح: أنه يزيد وينقص فيما في أيدي الملائكة من الصحف كما تقدم، وليس لأحد اطِّلاع على اللوح سوى الله ".
" مختصر الفتاوى المصرية " (1 / 227) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/213)
حصل لها كثير من المصائب فأصابها اليأس من الحياة، وتسأل عن الحل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ابتليت منذ فترة ببعض الآلام الجسدية التي زاد من حدتها بلاء " السحر " الذي كدر علي حياتي وتقدم سني مع عدم الزواج!! أكاد أشعر باليأس والإحباط، فحياتي في شقاء، وليس فيها شيء من مظاهر التوفيق أو النجاح، ولا أقوم بواجباتي الدينية كما ينبغي، فلا أنا ارتحت في الدنيا، ولا أنا أشعر بحلاوة الإيمان. فكيف أقوى على الاستمرار في حياتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أختي السائلة
من خلال كلامك وعرضك للمشكلة القائمة لديك يتبين لنا أمور هامة لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار منها:
أولاً:
أن عندك من الخير ما لا يقدَّر بثمن، وعلى رأس هذا الخير: الإسلام، فهذه نعمة عظمى ومنة كبرى منَّ الله بها على كل مسلم، مهما حصل له من البلاء والهم والغم والاكتئاب فلا بد له أن يتذكر أنه مسلم، وأن الله يحب من عباده أن يكونوا مسلمين مع غناه عنهم وعدم ضره لو كفروا، ولو وقعت منه بعض المنكرات، فبقاؤه في دائرة الإسلام من نعم الله العظيمة عليه.
وتصوري - أختنا الفاضلة - أن لديك من الدنيا أجمل ما فيها: المال، والمكانة، والزوج، والأولاد، والبيت الهادئ المستقر، والثقافة، والسعادة تملأ حياتك، وكل ما تمنيتيه فهو موجود لديك، ولكن ذلك كله مع اعتناقكِ لليهودية، أو النصرانية، أو البوذية، أو أنك تقدسين بقرة، كملايين من الناس، أو أنك تعبدين فأراً، أو الشمس، أو أي مخلوق آخر، أو أنك من الحيارى التائهين: فهل سيكون ذلك خير أم ما أنت عليه من الهموم والغموم مع الإسلام؟! .
وثانيها: السنَّة:
وتخيلي - أختنا الفاضلة - لو أنك تنتسبين إلى الإسلام ولكن على منهج غير قويم، تصوري أنك شيعية رافضية تعتقدين أن القرآن محرّف ناقص وتقدِّسين عليّاً، وتسبين الصحابة – رضوان الله عليهم جميعاً -، وتكفِّرين عمومهم، وتتعبدين الله بلعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وتتهمين أم المؤمنين عائشة بالزنا - كما هو حال الملايين ممن ينتسب للإسلام والإسلام منهم براء -؟!
أو تصوري أنك ممن ينتسب إلى الإسلام ويعتقد أن الأولياء في قبورهم ينفعون ويضرون، فيدعونهم، ويستغيثون بهم، ويذبحون لهم، ويقدمون لهم القرابين، وهذا لا شك أنه الكفر الصريح.
وهذه إشارة إلى فرقتين من بين اثنتين وسبعين فرقة تنتسب إلى الإسلام كلها في النار إلا واحدة كما أخبر بذلك الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام.
أيهما أحب إليك؟ أن تكون الدنيا وما فيها من متاع تحت قدميك مع هذا الضلال والانحراف أم تكوني مسلمة سنية وفطرة وتوحيد مع كثير من الهموم والمتاعب؟ .
ثالثها:
واحمدي الله تعالى على الهداية للصلاة والتوفيق للعمل الصالح؛ فإن كثيراً من الناس يعدُّ نفسه مسلماً سنيّاً، ولكنه لا يصلي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (العَهدُ الذِي بَينَنَا وَبَينَهُمُ الصَّلاةُ، فَمَن تَرَكَهَا فَقَد كَفَرَ) رواه الترمذي (2621) والنسائي (463) وابن ماجه (1079) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ومن التوفيق للعمل الصالح: حب الله ورسوله والصحابة كما ذكرت ذلك في رسالتكِ، وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام قوله: (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) رواه البخاري (16) ومسلم (43) .
وكذلك فإن حب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أعظم القربات التي حُرم منها أكثر البشر، فقد صحَّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " (المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) رواه البخاري (6169) ومسلم (2640) من حديث عبد الله بن مسعود، ورواه مسلم (2639) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
فهذه الخيرات العظيمة التي لا تستبدل واحدة منها بالدنيا وما فيها من الملذات والنعيم، وفي الواقع أنتِ لا تشعرين بقيمتها الحقيقية؛ لأنك لم تجربي فقدها يوماً ولم تري شيئاً من ثمارها في الدنيا إلا القليل.
أختنا الفاضلة:
إننا لا نقلِّل من حجم المشكلة التي تعانين منها، ولكن تضخيم الأمور قد يجعل من مشكلة واحدة مشكلات متعددة، وأنت عندك في الواقع مشكلات متعددة، فكيف لو ضخمتِ كل واحدة منها حتى أصبحت عدة مشكلات؟! .
إن النظر إلى المشكلات من زاوية واحدة يُورث الهم والغم والاكتئاب، وإن كانت صغيرة تعظم في نظر صاحبها حتى يرى أن هموم الدنيا كلها على كاهله، ولا يمكن أن تكون هنالك مشكلة لدى مسلم ليس فيها إلا الشر المحض، وفي أكثر الأحيان يكون الخير في المصيبة أضعاف السوء الذي فيها.
أولاً: هل تعلمين أن الله يبتلي المؤمنة لأنه يحبها ويحب الخير لها، ففي الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام (مَنْ يُرِد الله بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ) رواه البخاري (5321) .
فأي فضل أعظم من أن يغسل الله عبده الذي يحبه من الذنوب أولاً بأول، بالبلاء والمصائب ليلقاه يوم يلقاه نقيّاً لا ذنب عليه، فتكون الفرحة عنده عظيمة، ويعلم حينها أن البلاء الذي كان به من أعظم نعَم الله عليه.
والنبي صلوات الله وسلامه عليه يقول: (يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ) . رواه الترمذي (2402) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
فجددي نظرتك أختي الكريمة للحياة التي تعيشين، وللمصائب التي تعانين، وأحسني الظن بربك، فهو أحكم الحاكمين سبحانه.
حاولي أختي قدر استطاعتك أن تنظري للجانب الطيب الجميل لكل مشكلة تعانينها: نفسيَّة كانت أو ماديَّة، فمثلاً:
تأخر الزواج:
كم من الفتيات تأخر سن الزواج بالنسبة لهن فكان ذلك لهن خير عظيم.
فهذه امرأة بلغت الأربعين من العمر، تزوجت أخواتها وتزوج إخوانها، وتوفي والداها، وبقيت في البيت وحدها، وهي ذات دين وصلاح، قالت لها امرأة: أعانك الله على هذه الوحدة، بقيتِ وحدك بعدما ذهب كل أهلك، وجعلتْ تصبِّرها، فردت بجواب يعجز عنه كثير من الخاصة لو كانوا مكانها، وصعقت المستمعات بإجابتها، قالت: ومن قال لكِ إنني أعيش وحدي؟ أبداً؛ أنا ما عشتُ يوماً إلا مع من أحب! فهو معي في الليل والنهار، لا يفارقني طرفة عين، أأناجيه في الأوقات الفاضلة، إنه ربي.
مثال آخر: في مصيبة عدم الإنجاب:
إحدى الأخوات تزوجت ومكثت سنوات ولم تنجب، ثم علمت من الفحوصات أنها هي سبب عدم الإنجاب، فخيَّرت زوجها بين أن يطلقها أو تُزوِّجه امرأة أخرى تعيش معها كأختين في بيت واحد، وكان يحبها لدينها، وصلاحها، فاختار أن يتزوج، ويبقيها معه زوجة ثانية بكامل حقوقها الزوجية، وتم ذلك فصار لديها وقت فراغ، فالتزمت مع مجموعة من النساء في حفظ القرآن، حتى أتمت حفظه، ثم أخذت سنداً، وإجازةً في القراءة، والحفظ، ثم بدأت تطالع وتدرس فأخذت دورة فقهية، ودورة في العقيدة، وهي الآن مدرسة للنساء في عدة مراكز نسائية، وكان لها الفضل بعد الله في إدخال السنَّة في كثير من المناطق التي طالما عاشت على البدع والخرافات، وكان لها أثر عظيم في رفع الجهل عن نساء طالما عبدن الله على جهالة، فهي قد صبرت على برئها، فأكرمها ربها؛ لما ترى لتفرغها من الأثر العظيم على نفسها وغيرها من العلم والتعليم.
مثال ثالث:
وهذا المثال يتعلق بمشكلة من أكبر المشاكل التي تعانين منها وهي السحر، وتأثير الجن والسحرة على الناس، وفي هذا المثال إجابات على أكثر تساؤلاتك المتعلقة بالموضوع.
فتاة من عائلة طيبة متدينة، ابتليت الأسرة بزوجة أحد الأبناء أنها تتعامل بالسحر، فحصل بينها وبين أخت زوجها خلاف فسحرت لها سحراً ليعزف الخطاب عنها، وليروها قبيحة عند أول رؤية، فلا يرجع الخاطب، وقد حصل ذلك مرات عديدة رغم أن عندها نسبة جمال ملحوظة، وبقيت على ذلك مدة طويلة، ثم عرضت نفسها على الرقية الشرعية من السحر فظهرت آثار السحر عليها، وبقيت تتعالج مدة فلم تستفد، كلما ظنت أن المشكلة عندها قد انتهت تتفاجأ بأنها مازالت تعاني من نفس السحر، فأصيبت بما تصابين أنت به الآن من هم وغم واكتئاب.
وبدأت تتساءل، ألهذه الدرجة يكره الناس بعضهم ويؤذون بعضهم بلا مبرر، وأصبح السحر والجن يسبب لها الرعب في الليل والنهار ...
ثم عرضت مشكلتها على أحد أهل الاختصاص، فقال لها: عشر نقاط، التزمي بها، وبإذن الله ألا تستمر هذه المشكلة إذا صبرتِ وتحملتِ مدة يسيرة، ولا تحتاجين فيها أن تعرضي نفسك على رجل ليرقيك، بل تعالجي نفسك بنفسك، فقالت: أصبر، وأبذل كل جهدي بإذن الله فكُتب لها عشر نقاط، والتزمت بها وحافظت عليها بقوة، وها هي النقاط العشر نكتبها لك، ونسأل الله أن يوفقك للمحافظة عليها كجزء من علاج عدة مشكلات عندك، والسحر واحدة منها، وهذه النقاط هي:
1. قراءة ما تيسر من القرآن في كل يوم.
2 الدعاء في الثلث الأخير من الليل بإلحاح أن يفرج الله عنك.
3. تحري أوقات الإجابة، والدعاء فيها، مثل السجود، وبين الأذان والإقامة، وقبل التسليم من الصلاة.
4. المحافظة على أذكار الصباح والمساء، حتى في أيام الحيض.
5. العناية بالأذكار المخصوصة، كالذكر عند دخول المنزل، ودخول الخلاء، والخروج منه، والنوم، والاستيقاظ، ومختلف مناسبات الأذكار، وهي مفصلة في رسالة صغيرة الحجم عظيمة النفع، وهي " حصن المسلم " للشيخ سعيد بن وهف القحطاني.
6. البعد عن المعاصي، وترك الغفلة ومواطنها؛ لأنها مواطن تجمع الشياطين، وفيها يُستغل الغافلون، فيُسيطر عليهم بالشهوات.
7. محاولة إعانة مكروب، وتفريج كربته، عسى الله أن يفرج كربتك بذلك، فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج كربة أخيه فرَّج الله كربته.
8. الدعاء لأصحاب الكربات أن يفرج الله عنهم؛ لأن ذلك مظنة دعاء الملائكة لك بمثل ما دعوتِ.
9. كثرة الاستغفار.
10. الإكثار من دعاء الكرب في مختلف الأوقات وهو: " لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ".
وبعد شهر تقريباً من محافظتها على هذه الأمور – مع اختلاف يسير -: أذهب الله بلاءها، وكتب لها الشفاء والعافية، وما هي إلا أيام بعد ذلك حتى جاءها خاطب وتزوجت، وعندها الآن ثلاثة أبناء، وتعيش حياة هادئة مستقرة، تتقلب بين النعم الدينية والدنيوية.
المثال الأخير، وأسأل الله أن يجعل فيه عبرة وأسوة لك.
فتاة من عائلة غير متدينة، تزوجت بشاب عامي يميل إلى التدين مع شيء من التهاون والتفريط في بعض الأمور الشرعية، حملت بعد أشهر من الزواج، ومكث الحمل مدة ثم سقط ميتاً، حزنت هي وزوجها كثيراً، ثم بعد عدة أشهر حملت ثانية، ومكث الحمل عدة أشهر ثم سقط كالأول، فكان الحزن للثاني أعظم، فأصبحا يراجعان الأطباء لمعرفة الأسباب، وتم تشخيص العلة، وفي الحمل الثالث أخذت الأدوية اللازمة لتثبيت الحمل إلا أنه بعد أشهر سقط ميتاً مع أخذ كل الاحتياطات لتثبيته، وكان الحزن هذه المرة أضعاف الأوليين، وفقدا الثقة بالطبيب فبحثوا عن آخر أمهر منه لكن الأمر تكرر، وأسقطت مرة أخرى، فبدأ كل منهما يبحث عن علاج ويسأل فأرشدوا إلى شيخ يعالج بالرقية فقال لها عندك سحر قوي، وهو الذي يسبب الإسقاط، ويحتاج عدة جلسات، وتم ذلك، ولكن لم تستفد شيئا، ثم إلى شيخ آخر، وثالث، ورابع، وفي كل مرة يحصل علاج جزئي ثم تعود أعراض السحر إليها ثانية.
فضاقت الدنيا على الزوجين بما رحبت، واقتربا من اليأس، وأصبحت الحياة بلا طعم، وكثير من التساؤلات التي طرحتيها - أختنا الفاضلة - في رسالتك كانا يطرحانها، لماذا خلق الله الجن؟ ولماذا يتمكن من أذيتنا دون أن نقدر على فعل شيء؟ ولماذا؟ ولماذا؟ فأصيبا باكتئاب، وكاد ذلك يعصف بحياتهما الزوجية.
ثم يسَّر الله لزوجها لقاء أحد طلبة العلم الأفاضل، فقال له: ألا أدلك على خير دينك ودنياك؟ فقال الزوج: هذا ما أبحث عنه، فكتب له قريبا مما ذكرنا من النقاط العشر، فالتزمها هو وزوجته، ويسَّر الله أمرهما، وفرَّج كربهما، ورزقا بطفلة غاية في الجمال.
لقد مرت هذه المرأة بابتلاء عظيم، ومات أطفالها بفعل السحر، وأنفقت الأموال على العلاج، ولكن انقلب البلاء في النهاية إلى نعمة، بل نعَم كثيرة، فقد كانت تؤخر الصلاة عن وقتها فأصبحت تحافظ عليها، وكانت تسمع الأغاني وتشاهد المسلسلات والأفلام وتحضر الأعراس المختلطة بما فيها من منكر، فامتنعت هي وزوجها عن ذلك إلى هذه اللحظة، وكانت لا تعرف قيام الليل ولا تلاوة القرآن ولا حفظه ولا طلب العلم ولا صيام النوافل، ثم أصبحت من أهل ذلك كله، حتى وإن انتهت المشكلة التي كانت تعاني منها قبل سنة، إلا أنها ذاقت طعم الطاعة، ولذة العبادة والمناجاة، فقررت أن تحافظ عليها طيلة عمرها، نعم كانت في مشكلة ومصيبة: فأصبحت مشكلتها سبباً لرفعتها في الدنيا والدين، نسأل الله لنا ولها ولك أختنا الفاضلة الثبات على الدين والاستقامة.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/214)
علاج الوسوسة في الاستنجاء والصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصابة بوسوسة شديدة في كل عباداتي خاصة في الاستنجاء..فعندما أقضي حاجتي أكرمكم الله أطيل في دورة المياه وصرت أكره دخولها مهما كانت الحاجة وكلما دخلت أبكي وأتألم من شدة الوسوسة..فلا أقتنع أبدا أنني طاهرة وأتعرض لحوادث كثيرة مثل ملامسة يداي بعد غسل المكان النجس فتلامس مكان طاهر واضطر لغسله أيضا..وأتعرض لتطاير ماء الاستنجاء على قدمي أو جسمي فأشك واضطر لغسلهما كلما فرغت.. فما هو الحل؟ الكثير يقولون الإعراض عن الوسواس هو الحل..لكني لا أعلم حقا متى يحصل الإنقاء ومتى أنا طاهرة وهل تعدى البول المخرج وعلي غسل باقي الأعضاء أم لا..وإن تركتها اشك أقول ماذا ولو كان قد تعداها وأنا نجسة والله لا يقبل صلاتي..وإن غسلتها أحس أنني أكلف على نفسي. وسؤال آخر: ماذا لو عزمت في صلاتي على قطعها ... أو وضوئي أو غسلي , فهذا يراودني كثيرا..تارة أقول انه لا يضرني وأكمل وتارة أقول أن العزم على قطع العبادة يبطلها لما فيه من قطع في النية فأقطعها وأعيدها من جديد لكن دون جدوى يحصل معي نفس الشيء ولا استطيع التحكم فيه ... فماذا علي أن افعل؟ هل أكمل صلاتي أو وضوئي أو غسلي مهما عزمت على قطعها؟ أم هل هذا يبطلها وعلي الإعادة؟ فهذا الإحساس يراودني طيلة الصلاة من بدايتها إلى التشهد الأخير أو التسليم ... شيئا يقول لي أعيديها أم اقطعيها أم أعيديها بعد فراغك وأنا لا أريد لأنني تعبت وأصبح يشق علي كثيرا..فهل صلاتي صحيحة إذا راودتني هذه الأفكار طيلة الصلاة؟ فما هو الحل؟ أفيدونا أفادكم الله]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرته السائلة الكريمة يرجع إلى نوع من الوسواس، وإلا فالطهارة والصلاة أمرهما يسير، ولا تحتاجان هذا العناء، فدين الله تعالى يسر لا حرج فيه، كما قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، وقال: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/15
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا) رواه البخاري (39) .
وعلاج ما تعانين منه بثلاثة أمور:
الأول: الاستمرار والمداومة على ذكر الله تعالى.
الثاني: اللجوء إليه سبحانه وسؤاله الشفاء والعافية من هذا البلاء.
الثالث: الإعراض التام عما يدعو إليه الوسواس. فإذا قضيت حاجتك، واستنجيت، فقومي، ولا تلتفتي إلى كون يدك لمست مكانا طاهرا بعد لمس النجاسة، ولا إلى تطاير ماء الاستنجاء على قدمك أو جسمك، لأن الأصل الطهارة، والشك في تنجس جسمك أو ملابسك، لا يؤثر، ولتعلمي أن بدنك وثيابك، ومكان صلاتك، بل وغير ذلك من الأشياء طاهرة، فتبقى على حكم الطهارة حتى نتأكد من تنجّسها، وأما الشك والأوهام والوساوس فلا يلتفت إليه وانظري جواب السؤالين (62839) ، (25778) .
وحصول الإنقاء وزوال النجاسة يكون بغسل الفرج، ولا يلزم غسل ما حوله، ولا تلتفتي إلى الماء المتطاير كما سبق، وكوني على يقين من أنك طاهرة والحمد لله، وأن صلاتك بهذه الطهارة صحيحة مقبولة بإذن الله، فإن الله رحيم كريم، يرحم عباده المذنبين، فكيف بالطائعين المحبين.
وأما العزم على قطع الوضوء أو الصلاة، فلا يضرك ذلك أيضا، بل تجاهلي هذا الخاطر، واستمري في وضوئك وصلاتك؛ لأنه لا مبرر لقطع العبادة، وإنما هذا من الوسوسة، وهي لا تؤثر على عبادتك والحمد لله. فمهما جاءك الخاطر بقطع العبادة أو إعادتها فلا تلتفتي لذلك، واستمري فيها، وسلي الله تعالى قبولها، لأنك بذلت ما في وسعك، وأديت ما عليك، والله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها.
فاعملي بهذه النصيحة، واستمري عليها، ودعي عنك الوسواس فإنه من كيد الشيطان، وكيده ضعيف كما أخبر ربنا سبحانه، وثقي بأنك إن أعرضت عن الوسوسة زالت عنك، بحول الله وقوته.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لطاعته، وأن يسعدك بعبادته، وأن يصرف عنك ما تجدين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/215)
متحجبة! دخلت جامعة مختلطة وتصادق الشباب وتفعل الزنا على الهاتف!
[السُّؤَالُ]
ـ[يا ليت يكون لك معي صبر وافر لسماع حكايتي، وأن تنصحني بما فيه خير لي، وسوف أكون إن شاء لله مطيعة لنصائحك. قصتي لا أعرف كيف أبدأها ولكنها كالآتي: أنا متحجبة، وألبس الجلباب، وأصادق في الجامعة بنات في مثل تديني، بل أكثر مني، ولكن لا أعرف ما الذي يحدث لي بين الفترة والأخرى، بل وأحيانا لا أمتّ لديني بأي صلة، فأُصبح أتكلم مع الشباب في أمور غير لائقة، ونمارس أفعالاً غير محتشمة، وذلك بمجرد بُعد صديقاتي عنِّي، وأحياناً يصل الأمر إلى الزنا! والقصد هنا زنا عن طريق الهاتف! إذ لم يمسسني أي شخص مباشرة، وصدقني عندما ينتهي الأمر أكره نفسي، وأكره ما فعلت، وأتذكر الباري عز وجل الذي يراني، ويسمعني، وأقول في نفسي إن هذه المرة هي آخر مرة، وإني سوف أتوب للباري، وتمر الأيام وأنا تائبة ونادمة، ولكن سرعان ما أعود لنفس القصة، وعندما تنتهي أندم مرة أخرى، وهكذا، والمشكلة في الأمر: لا أعرف لمن أشتكي، ومن ينصحني، لا أعرف إذا كان هذا مرضاً أو انفصاماً في الشخصية، أو حتى هل بإمكاني أن أرجع مثل الأول، وأعود لحياتي الطبيعية، علماً بأن هذه المسألة بدأت معي منذ دخولي إلى الجامعة، وما مراسلتي لك إلا لأنني أريد فعلا أن أتبدل، وأغير نمط حياتي، فهل لي من عطفك وإرشادك لي على الطريق الصحيح، وأن أبدأ حياتي نظيفة تائبة، حياة لا رجوع فيها إلى الوراء؟ أتمنى أن ترشدني إلى ما هو صحيح برأيك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
آلمتنا رسالتك أشد الألم، وأصابنا الغم والهم بسببها، وإننا لفي عجبٍ من كل من يرضى على عرضه أن يكون بين ذئابٍ بشرية، وكم نادينا بما نادت به الشريعة الغراء من ضرورة الفصل بين النساء والرجال، وكم بَيَّنا تحريم الاختلاط بين الجنسين، وكم نبهنا على أن الشريعة لم تأذن للمرأة أن تؤذن ولا أن تؤم وتخطب الجمعة، ورغبت في صلاتها في بيتها، وحرَّمت على المرأة أن تسافر من غير محرَم، ومن أن تخلو برجل أجنبي عنها، ومن أن تخضع بالقول وتلين فيه، أو تصافح الرجال الأجانب عنها أو تمازحهم، وكل ذلك – وغيره - من أجل الحفاظ على الأعراض، ومن أجل سلامة القلوب من الفتنة.
وها هم المسلمون وللأسف – إلا من رحم الله – يفرطون في تلك الأوامر، ويرتكبون تلك النواهي، حرصاً منهم على مشابهة الغرب في تصرفاتهم، أو حرصاً على تحصيل شهادة، ولو دُفع مقابلها أغلى الأثمان، وهو العِرض! نعم، العِرض هو الثمن في حالات كثيرة، ونحن نتلقى مئات الرسائل والاتصالات والحالات لشباب وشابات على الطاعة والاستقامة سرعان ما يذوب أحدهم في مجتمعه المختلط، ويتأثر بالبيئة الفاسدة التي حوله، فينسى استقامته، ويتخلى عن طاعته، ويبيعها بثمن بخسٍ، إرضاءً لشهوته البهيمية الزائلة.
وانظري لنفسكِ أيتها السائلة، أين تدينكِ؟ أين استقامتك وطاعتك لربك؟ وضعتِ على رأسك حجاباً استجابة لأمرِ الله وفرَّطتِ في عرضك تسلمينه للذئاب تنهش به؟! وهل الزنا على الهاتف هو نهاية المطاف وآخر الأمر؟! لا، ولن تزال الشهوة تلتهب وتحرق قلبك وبدنك حتى تطفئيها بما هو أشد إثماً وفحشاً وسوءً! كيف رضيتِ لنفسك وأنت على هذه الحال من التدين والحجاب أن تكلمي أجانب عنك بكلمات غير لائقة؟! وأين أنتِ عن رقابة الله تعالى لك وسماعه وإبصاره لك وأنت تمارسين الزنا على الهاتف؟! ماذا لو رآكِ أهلك وأنت تفعلين هذا؟ وماذا لو قبض الله تعالى روحك وأنت تفعلين هذا فكانت هذه خاتمة حياتك؟ هل تضمنين الحياة بعد تلك الأفعال المشينة؟ وهل تضمنين التوفيق للتوبة بعدها؟! .
وإذا كنتِ تتوقعين منا حلاًّ لمشكلتك ينهيها لك: فليس عندنا حل إلا في الاستجابة لأوامر الله تعالى، والكف عن نواهيه، ليس عندنا حل لك إلا بخروجك من الجامعة فوراً ودون تردد أو تأخر والانتقال إلى جامعة أخرى ليس فيها اختلاط محرم، فهذه بيئة موبوءة، وقعتِ بسببها في معاصٍ وارتكبتِ فيها آثاماً، فكيف تكون النجاة من غضب الله وسخطه؟ لا نجاة إلا بترك البيئة الفاسدة، ولا نجاة إلا بالتوبة الصادقة، والإقبال على الطاعات.
إن باب التوبة مفتوح أمامكِ أيتها السائلة، وفضل الله ورحمته على عباده عظيمة جليلة، فسارعي إلى إرضاء ربك بتوبة صادقة، وأعمال يحبها ويرضاها، وتجنبي سخطه عز وجل، ولا تقدِّمي شيئاً على نعيم الآخرة، ولا تجعلي لك همّاً غير أن يرضى عنك ربك سبحانه وتعالى.
ولقد لمسنا من رسالتك تنازع جوانب الخير والشر، فتغلبك الشهوة ويغلبك الشيطان فتفعلين المحرمات، ثم يأتيك داعي الخير ليُحدث عندك ندماً وأسفاً على الحال التي وصلتِ لها، فاستثمري داعيَ الخير، وأخرجي داعي الشر من نفسك ومن حياتك، فالنفس اللوامة التي تلومك على فعل المنكرات والآثام خير من النفس الأمَّارة بالسوء، لكن إن لم تتداركي نفسك لتكون نفسك نفساً خيِّرة مطمئنة فإنها ستصير نفساً أمَّارة بالسوء، وهنا سيكون الهلاك والفضيحة والخزي في الدنيا والآخرة، وهو ما لا نتمنى حصوله، ونثق بكِ أنك ستنقذين نفسك من الآثام والمعاصي، وستسارعين إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدَّت للمتقين الذين يتقون الله بفعل الطاعات وترك المنكرات.
ومع تخلصك من الجامعة وخروجكِ منها: اقطعي كل صلة لك بكل من تعرفين من الشباب والشابات الذين سهلوا لك الوقوع في المنكر، ولا يحل لك الاتصال بشاب أجنبي عنك، ولا تتصلي بأي صديقة يمكن أن تجرك لمعصية أو فاحشة، واحرصي على الصحبة الصالحة من النساء المتدينات، والزمي كتاب الله تعالى قراءة وحفظا وتدبراً، واحرصي على طلب العلم من الأشرطة والكتب وحلقات العلم، وتداركي نفسك قبل فوات الأوان.
وفي حال عدم خروجك من الجامعة – بسبب ضغط أهلك -: فاعلمي أنه لا يحل مصادقة أحد من الشباب، وأن عليك البحث عن الأخوات المستقيمات الملتزمات لصحبتهن، وتعاهدي إيمانك بتقويته بأوراد يومية من القرآن والأذكار، وألزمي نفسك بالاستقامة على أمر الله تعالى، واسأليه عز وجل أن يعينك ويوفقك لما يحب ويرضى.
وعليك أن تقللي ذهابك إلى الكلية بقدر الإمكان، وألا تنفردي فيها عن أخواتك المستقيمات، حتى لا تتركي مجالاً للشيطان أو النفس الأمارة بالسوء، أن تزين لك المعصية، فعليك بمعالجة أسباب المعصية، واستحضري دائماً، اطلاع الله سبحانه وتعالى عليك، وسمعه وبصره، وهل إذا اطلع عليك أحد من أهلك، أكنت تفعلين ما تفعلين أمامه! فهل يكون نظر الله وسمعه واطلاعه عليك أهون عندك من نظر أهلك؟!
وأكثري من دعاء الله تعالى الثبات والاستقامة والهداية (اهدنا الصراط المستقيم) وكان من دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكني الإسلام حتى ألقاك عليه) رواه الطبراني وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1823)
(اللهم يا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) رواه الترمذي (2140) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فالمشكلة منكِ، والحل عندكِ، وما تختارينه لنفسك يدل على صدقك أو كذبك، فإن اخترتِ التوبة الصادقة: فأنت صادقة في ندمك وأسفك، وصادقة في رسالتك أنك تريدين النجاة والخلاص من المعاصي والآثام، وإن اخترتِ الصحبة الفاسدة: فأنت لستِ صادقة في ندمك وأسفك، ولستِ صادقة في البحث عن النجاة من همومك وغمومك ومعاصيك، ونرجو أن تكوني من الصادقات.
وأما عن سؤالك أنه هل يمكن أن ترجعي لحالك الأول: فنبشرك بأنه يمكن أن ترجعي لأحسن منه! لكن على أن تصدقي في التوبة والإنابة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
لكن قد يفعل الإنسانُ المحرَّمَ ثم يتوب، وتكون مصلحته أنه يتوب منه، ويحصل له بالتوبة خشوع ورقّة وإنابة إلى الله تعالى، فإن الذنوب قد يكون فيها مصلحة مع التوبة منها؛ فإن الإنسان قد يحصل له بعدم الذنوب كِبْر وعُجب وقَسوة، فإذا وقع في ذنب أذله ذلك وكسر قلبه وليَّن قلبَه بما يحصل له من التوبة.
" مجموع الفتاوى " (14 / 474) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
وما أكثر ما يكون الإنسان منَّا بعد المعصية خيراً منه قبلها، وفي كثير من الأحيان يخطئ الإنسان ويقع في معصية، ثم يجد مِن قلبه انكساراً بين يدي الله وإنابة إلى الله، وتوبة إليه حتى إن ذنبه يكون دائما بين عينيه يندم عليه ويستغفر، وقد يرى الإنسان نفسه أنه مطيع، وأنه من أهل الطاعة فيصير عنده من العجب والغرور وعدم الإنابة إلى الله ما يفسد عليه أمر دينه، فالله حكيم قد يبتلي الإنسان بالذنب ليصلح حاله، كما يبتلي الإنسان بالجوع لتستقيم
صحته، وهل حصل لآدم الاجتباء إلا بعد المعصية والتوبة منها، كما قال: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) طه/ 122، أي: بعد أن أذنب وتاب؛ اجتباه ربه فتاب عليه وهداه، وانظر إلى الذين تخلفوا في غزوة تبوك ماذا حصل لهم؟ لا شك أنه حصل لهم من الإيمان، ورفعة الدرجات، وعلو المنزلة ما لم يكن قبل ذلك، وهل يمكن أن تنزل آيات تتلى إلى يوم القيامة في شأنهم لولا أنهم حصل منهم ذلك ثم تابوا إلى الله.
" الشرح الممتع " (3 / 51، 52) .
فلا تستعظمي ذنوبك مقابل رحمة الله، واعلمي أن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده، ويحب التوابين.
قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) الزمر/ 53،54.
وقال عز وجل: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة/ 222.
ونسأل الله تعالى أن يطهر سمعك وبصرك وجوارحك من الآثام والمنكرات، ونسأله تعالى أن يحبب إليكِ الإيمان وأن يزينه في قلبك، وأن يكرِّه إليك الكفرَ والفسوق والعصيان.
وانظري كلاماً مفصلاً حول التوبة وشروطها في جواب السؤال رقم: (13990) .
وللوقوف على كيفية التخلص من المعاصي: انظري جواب السؤال رقم: (10280) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/216)
أحب فتاة ولم تقبل الزواج منه فأصابه المرض والاكتئاب
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على فتاة على الانترنت، وقابلتها وأحببتها وتعلقت بها، وكنا أولا أصدقاء وحين قلت لها إني أحبها وأنوي الارتباط قالت: لا. تولدت لدي صدمة ورسبت في امتحاني، ثم تلقيت صدمة ثانية من صديق لي في أثناء الامتحانات، وكنت قد رافقته وصادقته فلم يرض أن يسكنني معه. ذهبت لطبيب نفسي وقال لي إنني مصاب باكتئاب حاد، والآن وضعي من سيئ لأسوأ، حتى إنني أسبب المشاكل لأهلي!! أحيانا أفكر بأن الحل الوحيد هو الانتقام من هذين الشخصين فأريد أن أفضح هذه الفتاة أمام أخيها في الإنترنت، وذلك بنشر كل ما أعرفه عنها وأنا باسم مستعار، فلن يعرفني علما أن الفتاة نفسها سبق وحكت لي أن هناك شابا كاد أن يموت من أجلها وحاول الانتحار ولكنه لم يمت. أبي رباني على الفطرة وحب العلم وطالما غدر الناس بي فما العمل فقدت تقريبا الثقة بنفسي أريد الإرشاد جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن تحمد الله تعالى أن صرفك عن الزواج من هذه الفتاة، التي تقيم العلاقات مع الرجال عن طريق الإنترنت وغيره، فإن هذه ليست موضع ثقة، فربما استمرت على علاقاتها المحرمة بعد زواجها.
وأكثر الزيجات التي بنيت على الحرام، وكان مبدؤها الحرام، يعتريها الفصام والنكد والشك والريبة، كما هو معلوم من النظر في كثير من الوقائع.
وأما ما جرى من صديقك، فربما كان السكن معه مضرة عليك، أو عليه، وهو ليس ملزما بأن يسكنك معه، فهو لم يظلمك حين رفض أن تسكن معه، بل إن كثيرا من العقلاء الحريصين على دوام المودة والصحبة، يرفض أن يسكن مع صديقه، لما يحدث كثيرا في السكن من الاحتكاكات والأمور التي تولد المشكلات، وربما فرقت بين الإخوان.
" قال ثابت البناني للحسن: إنك تريد الحج، وأنا أريد؛ أفأصحبك؟
فقال الحسن: دعنا نتعايش بعيش الله، إني أكره أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه. " البصائر والذخائر (3/155) .
وإنا لنرجو أن يكون الله تعالى قد اختارك لك الخير، حينما صرف عنك الزواج بهذه الفتاة اللعوب، وحينما صرف عنك ـ أيضا ـ هذه السكنى مع صديقك، والله سبحانه يقدر لعبده كثيرا من الخير الذي لا يدرك العبد حكمته ومصلحته وعائدته إلا بعد زمن.
قال ابنُ مسعود رضي الله: " إنَّ العبد ليهمُّ بالأمرِ من التجارة والإمارة حتى يُيسّر له، فينظر الله إليه فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإني إنْ يسرته له أدخلتُه النار، فيصرفه الله عنه، فيظلُّ يتطيَّرُ يقول: سبقني فلان، دهاني فلان، وما هو إلا فضل الله – عز وجل " ذكره ابن رجب رحمه الله في "جامع العلوم والحكم".
فاحمد الله تعالى، وارض بقضائه، وظنّ فيه الخير والنفع، فلعل الله حفظك ورعاك، وصرف عنك ما يضرك ويسوؤك.
ثانيا:
لا يجوز لك الانتقام من صديقك هذا، فإنه لم يمنعك حقا واجبا، وقد يكون له من الأعذار الصحيحة ما أوجب رفضه لسكنك معه.
وليس لك أن تفضح هذه الفتاة، ولا أن تنشر شيئا عنها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (2442) ومسلم (2580) .
وقوله: (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ) رواه الترمذي (2032) وأبوداود (4880) .
وهذا الذي يحركك الشيطان نحوه، ويدفعك على فعله هو من الفجور في الخصومة، والعياذ بالله، وهي من خصال المنافقين، لا تليق ـ أبدا ـ بالمؤمنين:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) . رواه البخاري (34) ومسلم (58) .
فدع عنك أمر هذه الفتاة، وانشغل بعيبك عن عيوب الناس، وتب إلى الله تعالى من تلك العلاقة، واحرص على الزواج من ذات الخلق والدين، العفيفة المصونة، التي تحفظك في حلك وترحالك، وأقبل على طاعة ربك، وانشغل بما ينفعك، وعد إلى دراستك، ولا تدع لليأس والإحباط سبيلاً عليك، فإن المؤمن يمنعه إيمانه ويقينه من اليأس، ويحول بينه وبين العجز، فليس في الدنيا ومتاعها الزائل ما يستحق أن يلهث خلفه الإنسان، ولا أن يبكي على فواته، وقد علم المؤمن أن لا يجري أمر في حياته إلا بقدَر، فما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهذا مما يهوّن عليه، ويسليه، كما قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) الحديد/22،23
وانظر في علاج الهمّ والحزن والضيق: جواب السؤال رقم (22704)
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، وأن يزيل همك، وأن يوفقك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/217)
زوجته تقوم الليل وتفرط في الفرض! وتغير حالها إلى الأسوأ فكيف يتصرف معها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج من قرابة العامين والنصف، والحمد لله على ذلك، في أول أيام زواجنا كان كل شيء على ألف خير، والحمد لله، وكان اجتماعنا على كتاب الله ورياض الصالحين، وصيام الاثنين والخميس. ولكن دوام الحال من المحال - كما يقال في المثل الشعبي -، بعد مرور ثلاثة أشهر على زواجنا تغير على هذا حال الزوجة؛ حيث اكتشفت أنها من النساء اللاتي لا يقمن بأداء الصلاة في وقتها، وفي بعض الأحيان تجمع معظم الصلوات مرة واحدة، مع أنها في بعض الأوقات تقوم من الليل للصلاة. وهي أيضاً تعشق السهر بشكل كبير، مما يؤدي إلى النوم طوال النهار، وبعد أن كان البيت لا يوجد به جهاز التلفزيون، اضطررت إلى إدخال قناة إلى المنزل من قرابة ست أشهر بطلب منها. بالإضافة إلى أن اهتمامها بزوجها ليس من الأمور المهمة عندها، كثيرة الرفض للاستجابة إلى زوجها في الفراش، كثيرة التسويف لذلك، مع علمها بعقوبة ذلك الأمر؛ فهي حاملة لشهادة جامعية دارسات إسلامية!! وعندما أغضب عليها لا يؤثر ذلك فيها، وكأنه شيء عادي عندها، كم هي المرات التي تم هجرها في الفراش لكن لا حياة لمن تنادي، وكم عدد المرات التي تم التدخل من الأطراف الأخرى للإصلاح، ولكن للأسف الأمر كما هو من سيء إلى أسوء، بالإضافة إلى أن العناد صفة دائمة لها، شدة التمسك بما تقتنع به حتى لو كان على خطاء، أسلوب الاعتذار غير موجود عندها. ما هو الحل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحن في الحقيقة أمام حال غريبة من هذه الأخت، وهي تحمل تناقضات، فلا نستطيع الجمع بين كونها تصلي قيام الليل، وفي الوقت نفسه تترك بعض الصلوات المفروضة، أو تجمعها معاً!! فكيف تحرص على نافلة وتضيع فريضة من جنسها؟! وكيف تتقرب إلى الله بعبادة من أعظم نوافل العبادات – وهي قيام الليل – ثم تعصي ربها في أوجب الواجبات عليها، من تضييع الصلاة في وقتها، وعدم الاستجابة لطلب زوجها لفراشه؟!
فأين ما سمعته من آيات وأحاديث وأحكام في دراستها الشرعية؟! إن الحجة مقامة على هذه الأخت أكثر من غيرها، فهي تعرف الخطأ والصواب، وتعرف الطاعة والمعصية، فليس حكمها مثل حكم غيرها من الجاهلات، فلتنتبه لنفسها، ولتحاسب نفسها قبل أن تُحاسب، ولتزن أعمالها قبل أن توزن عليها.
ثانياً:
والواجب عليك أيها الزوج أن تنصحها وتذكرها بالله، وخاصة في مسألة الصلاة، ويجب أن تعرف أن العلماء قد اختلفوا في حكم من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها عامداً، وأن من السلف والخلف من كفَّره، بل قد نقل بعضهم إجماعاً للسلف على كفره! فكيف ترضى هي لنفسها أن تكون على حال مختلف فيه بين العلماء، ومثله يقال لك في حال إصرارها على التخلف عن بعض الصلوات والتفريط فيها، فمثلها لا يُحرص على إبقائها في عقد الزوجية، بعد بذل الأسباب في هدايتها.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – عن رجل لا يصلي الفجر جماعة، ولا وحده، وبقية الفروض يصليها على حسب راحته، هل يعتبر كافراً أم لا؟ .
فأجاب:
" هذه مسألة اختلف فيها العلماء - الذي يترك صلاةً واحدة حتى يخرج وقتها بدون عذر-، مِن العلماء من قال: إنه كافر، وإليه ذهب بعض السلف، وبعض الخلف، وهو رأي الشيخ عبد العزيز بن باز في وقتنا الحاضر أنه إذا ترك صلاةً واحدة بلا عذر حتى خرج وقتها: فهو كافر، لكن الذي أرى: أنه لا يكفر إلا إذا ترك الصلاة نهائيّاً، وأن الذي يصلِّي ويترك مع إقراره بوجوبها: لا يكفر، لكن يعد من أفسق عباد الله؛ ... فذنبه أعظم من الزنا، وشرب الخمر، وقتل النفس ... ".
" لقاءات الباب المفتوح " (168 / السؤال رقم 6) .
ولتعلم هذه الزوجة أن أداء الصلوات في غير وقتها من الكبائر، ولا تقبل هذه الصلوات المؤادة في غير أوقاتها، وهي وعدمها سواء، لذا فالواجب عليك أيها الزوج التشديد عليها في هذا الأمر: إما الاستقامة على الصلاة، وإما أن تفارقها.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
أنا متزوج ابنة خالي، ومعي منها ولد، وهي لا تصلي، ولا تصوم شهر رمضان، وأخاف أن يلحقني بعد ذلك ذنب وإثم، وأنا في الوقت الحاضر محتار من هذا الأمر، أفيدوني جزاكم الله خيراً.
فأجابوا:
" أنت آثم في عشرتك إياها المدة الماضية وهي تاركة للصلاة والصيام دون أن تجتهد في نصحها وتحزم أمرك معها، أما اليوم: فإذا كان الأمر لا يزال على ما كان من تركها للصلاة والصيام: فاجتهد في أمرها بالصلاة وبالصيام وغيرهما من فرائض الإسلام، واستعن بالله، ثم بالحي من والديك ووالديها ومحارمها على نصحها، فإن أطاعت وتابت إلى الله وصلَّت: فالحمد لله، وعليك أن تحسن عشرتها، وإن أصرت على ترك الصلاة والصيام فطلِّقها، وما عند الله خير لك، والله المستعان؛ لأن ترك الصلاة كفر، وردة عن الإسلام؛ لحديث: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) - روه مسلم -؛ وقوله: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " - رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه -؛ وقال تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الممتحنة/ 10.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 283، 284) .
ثالثاً:
بعد أن ذكرناها بتقوى الله وطاعته، وخاصة في إقامة الصلاة في وقتها: فإننا نذكِّرها بحقوق الزوج، ووجوب طاعته، وقد قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/ 34، وأنه لا يحل لها رفض دعوته إذا دعاها للفراش، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة من الامتناع من زوجها إذا دعاها للفراش فقال: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) رواه البخاري (3065) ومسلم (1736) ، كما لا يحل لها النشوز والإعراض، وقد أوجب الله تعالى عليها طاعة زوجها بما لا يخالف الشرع، وما تفعله من السهر الطويل في الليل، وتضييع الواجبات في النهار: أمرٌ منكر، ولا يحل لها الاستمرار عليه.
رابعاً:
أما ما تفعله أنت تجاهها: فإن عليك أن تتلطف في دعوتها وسلوك السبل الحكيمة في الإنكار عليها دون قسوة ودون غلظة، وقد قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ) رواه مسلم (2593) ، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ) رواه مسلم (2594) .
زانه: أي: زيَّنه.
شانه: أي: عَيَّبَه.
ويمكنك سلوك طرق شتى لإصلاحها وهدايتها، ومن ذلك:
1. الخطاب المباشر معها برفق ولين ومحبة.
2. الاستعانة بالحي من أهلها أو أقاربها أو صديقاتها لنصحها وتوجيهها.
3. الذهاب معها للعمرة، والمحافظة على الصلاة في الحرم.
4. إسماعها الأشرطة المفيدة، وإعطاؤها الكتب النافعة لتعرف ما عليها من حقوق، ولتذكرها بالآخرة.
5. التخلص من القنوات الفضائية التي أدخلتها بيتك بالكلية، أو الإبقاء على المفيد النافع منها كقناة " المجد "، وقناة " الحكمة ".
6. البحث عن أسباب أخرى قد تكون غيَّرت من حالها، كصاحبة فاسدة، أو جارة، أو قريبة من شيطانات الإنس، ومنعها من اللقاء بها.
7. الاستعانة بالدعاء والتضرع لله تعالى لأن يهديها ويصلح حالها.
وإذا لم ينفع ذلك كله: فطلِّقها طلقة واحدة لعلها ترعوي بها، وتراجع نفسها، فإن لم ينفع ذلك: فلا تراجعها، ودعها حتى تنقضي عدتها وتبين منك، ولعل الله أن يبدلك خيراً منها.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/218)
هل تقبل أن تكون زوجة ثانية أم تصبر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مطلقة وفي الأربعينات وذات حسب ومركز في الحياة العامة أيضاً وتعلمت من تجربتي السابقة درساً قاسياً لأن الاختيار كان قائماً على المظاهر ولم يكن على أساس ميزان الدين والخلق. تقدم إلي الآن من أحسبه على دين وخلق ومشهود له بالصلاح ولكنه متزوج وزوجته صديقة لأسرتي، كما أنه من حيث المكانة الاجتماعية أقل من أسرتي. ويمنعني من القبول خوفي من نظرة المجتمع، ونظرات التأنيب في عيون الزوجة، لمجرد تقدمه إلى أخي للخطبة، فما بالنا بالمضي في الزيجة. أنا من مصر وتعلم يا شيخ نظرة المجتمع المصري للزوجة الثانية. أصلي صلاة استخارة فأشعر بارتياح وأوشك أن أطلب من أخي أن يرد عليه بالقبول، ثم أحسب حساب المجتمع وتساؤل الناس لماذا أقبل بمن هو أقل من حيث الوضع الاجتماعي وكيف أخطف الزوج من زوجته وأولاده وهي صديقة الأسرة فيضيق صدري. علماً أنه لم يتقدم طمعاً في شيء وإنما رغبة منه في ستر بنات المسلمين خاصة إذا كانت البنت مشهوداً لها بالصلاح، بل إنه يشجع غيره على أن يسلك نفس المسلك من أجل عفة النساء ومن ثم المجتمع، ويتضح ذلك من شهادة أخي، كذلك أنا لست الشابة الجميلة ويمكنه أن يتقدم لمن هي أصغر وأجمل إن شاء. هل علي ذنب إذا رفضت؟ وما هو رأيكم يا شيخ هل أرفض وأصبر عسى الله أن يرزقني بغيره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن نظرة كثير من المجتمعات الإسلامية (ومنها المجتمع المصري) إلى تعدد الزوجات على أنه خيانة للزوجة الأولى، أو أنه مما يعاب به الزوج أو الزوجة الثانية، لا شك أن تلك النظرة خاطئة، تخالف شرع الله تعالى، حيث أباح للرجل أن يعدد الزوجات إلى أربع. قال تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) النساء/3.
ولا يمكن لمسلم أن يعترض على الله تعالى في حكمه، أو يظن الظلم والعدوان والخطأ في حكمٍ شرعه الله تعالى.
ولذلك نحن لا نوافقك على قولك: " وكيف أخطف الزوج من زوجته وأولاده " فهذا الزوج لم تخطفيه أنت، بل هو تقدم إليك باختياره ورضاه.
ثم إنه سيتحمل أعباء الأسرتين والبيتين معاً، ولن يترك زوجته الأولى وأولاده من أجلك، فكيف يكون ذلك خطفاً له؟!
وأما نظرات الزوجة الأولى، فهذه هي الفطرة التي جُبلت عليها النساء عموماً (الغيرة) وتريد أن تستأثر بزوجها وحدها، ولا يكون لها فيه شريك، وقد كانت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وهن أفضل نساء الأمة يحصل منهن أشياء بسبب الغيرة، فيتجاوز عنها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يقف عندها.
ويمكنك معالجة ذلك بشيء من الحكمة في التصرف وحسن الخلق، ولكن لا بد أيضاً من تحمل بعض ما يصدر عنها لأن هذه هي طبيعة النساء.
ولا بد أن يكون الزوج حكيماً في التصرف في مثل هذه المواقف حتى لا تزداد الخلافات والنزاعات.
وأما نصيحتنا لك: هل تقبلين هذا الزوج أم تصبرين لعل الله أن يرزقك بغيره؟
فالجواب: إن كنت ترجين أن يأتيك من هو أفضل منه فلا مانع من رفضه، لكن إن خشيت – مع تقدم السن – ولظروفك الخاصة أن لا يأتي أفضل منه – أو حتى مثله – فنرى لك – والله أعلم – الموافقة على هذا الزوج.
وكون المرأة ترضى أن تكون زوجة ثانية، وتتحمل بعض المضايقات من الزوجة الأولى أو المجتمع حولها أهون بكثير من بقائها بلا زوج.
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كان
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/219)
كلمة حول قناة " شدا " وحُكم الاشتراك فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيك في قناة " شدا " التي تعرض ضمن باقة قنوات المجد، وهي باشتراك شهري، قناة أناشيد إسلامية، وأنا أريد أن أشترك، علماً بأنني لم أشاهدها، ولكني سمعت أناساً يقولون: بأنها حرام، وأهلي يجبرونني أن أشترك بها، فهم يهوون، ويحبون سماع الأناشيد. أريد منكم رأيكم في هذه القناة، هل هي حلال أم حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قناة " شدا " ليست ضمن باقة قنوات " المجد "، وإنما قناة المجد تسوِّق القناة عن طريقها.
ثانياً:
النشيد كلام ملحَّن، وإنما يُعرف حكمه إذا عُرف كلام تلك النشيدة، وصفة التلحين، وطريقة الأداء، وهل يصاحبها معازف أم لا؟
وبتأمل كلام العلماء والمشايخ الثقات يمكننا جمع الضوابط والشروط الشرعية التي يجب تحققها حتى يكون النشيد جائزاً، ومن ذلك:
1. أن تكون الكلمات خالية من الكلام المحرم والتافه.
2. أن لا يصاحب النشيد معازف أو آلات موسيقية، ولم يُبح من المعازف إلا الدف للنساء إلا في أحوال معينة.
3. أن تخلو من المؤثرات الصوتية التي تشبه صوت الآلات الموسيقية.
4. أن لا تكون الأناشيد ديدناً للمستمع، وتستهلك وقته، وتؤثر على الواجبات والمستحبات، كتأثيرها على قراءة القرآن، والدعوة إلى الله.
5. أن لا يكون المنشد امرأة أمام الرجال، ولا يكون المنشد رجلاً أمام النساء.
6. أن يتجنب سماع أصحاب الأصوات الرقيقة، والمتكسرين في أدائهم، والمتمايلين بأجسادهم، ففيه ذلك كله فتنة، وتشبه بالفساق.
7. تجنب الصور التي توضع على أغلفة أشرطتهم، وأولى من ذلك: تجنب ظهورهم بالفيديو كليب المصاحب لأناشيدهم، وخاصة ما يكون من بعضهم من حركات مثيرة، وتشبه بالمغنين الفاسقين.
8. أن يكون القصد من النشيد الكلمات لا الألحان والطرب.
وقد سبق بيان ذكر هذه الضوابط وأقوال العلماء الدالة على ذلك في جواب السؤال رقم (91142) .
ونأسف عندما نقول إن قناة " شدا " لم تراع أكثر تلك الشروط والضوابط، وحتى تسد الفراغ في وقتها راحت تقدم كل لون، ونوع، من النشيد، حتى لو كان فيه مخالفة شرعية، فجاءوا بفرق نشيد من الذكور يلبسون لباساً موحَّداً، و" يدبكون "، مع استعمال المؤثرات الصوتية التي تؤدي غرض المعازف، وبعض تلك الأناشيد كانت تصوَّر من أعراس، وقد رؤي في الحضور من يجاهر بتدخينه أمام الناس، ويُنقل هذا على أنه نشيد إسلامي!
وقد نقلت بعض تلك الأناشيد من مهرجانات واحتفالات، وتسمع فيها التصفيق والتصفير تشجيعاً للمنشد وشكراً له! وأما عن حال بعضهم من حيث حلق اللحية أو قصها للدرجة قبل الأخيرة، أو إسبالهم ثيابهم: فحدِّث عن ذلك كثيراً.
وهناك أمر خطير في هذه الأناشيد، وهو فتنة النساء بالمنشدين، فترى الواحد منهم يخرج في أبهى حلة، وبعضهم يضع المكياج! وصاروا يضعون صورهم وأرقام جوالاتهم على أغلفة أشرطتهم! تشبهاً بالفساق من المغنين، وفتنة بعض النساء بالمنشدين أمر واقع لا يمكن إنكاره، فليحذر الراعي في بيته والمسئول عن رعيته من هذا الأمر الخطير.
وقد حاول بعض القائمين على القناة أن يسوِّق لها من الناحية الشرعية عن طريق إبراز تزكية الشيخ عبد العزيز الفوزان لهم، ولما علم الشيخ واقع حالها، وأنها ليست ضمن باقة قنوات المجد، وأنها للنشيد فقط – وكان قد قيل له: إنها تابعة للمجد، وإنها قناة شبابية -: تبرأ من تزكيته تلك، وحذَّرهم من نشرها.
وقد حذَّر من هذه القناة – أيضاً – مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله.
ففي لقاء مع سماحته عصر يوم الخميس 13 / 9 / 1427 هـ في قناة " المجد "، في برنامجه " مع سماحة المفتى " سئل حفظه الله عن قناة " شدا " للأناشيد فأجاب:
" أما قناة " شدا " وأنها أناشيد: فأنا أرجو من القائمين على قناة " المجد " إغلاق هذه القناة؛ لأنها في الحقيقة أناشيد قد تحمل في طياتها الأناشيد الصوفية، ويكون فيها من الأصوات الرنانة ما يشغل الناس عما هو خير منها، فالأساليب الصوفية، والأناشيد الصوفية، والسماع الصوفي: هذا أمر أنكره العلماء المحققون، وقالوا: هذا يصد الناس عن ذكر الله، هو غناء، لكنهم حسَّنوه بقولهم: إنها أناشيد إسلامية، وإنها ابتهالات، وإنها..، وإنها.. .
فالمطلوب: ألا تُدخِل هذه القناة، فأنا لا أراها، وأنصح بتركها، وأرجو مِمَّن سعى في إيجادها: أن يتقي الله، ويبتعد عن هذه القناة، وعن تأييدها، وعن الإنفاق عليها، ولا يغره من حسَّنها، أو مَن دعى إليها، أو حاول إيجاد مخرج لها، هي مجرد أناشيد تشغل الناس عما هو خير منها " انتهى.
ومما يؤكد صحة كلام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله أنها قد تحمل في طياتها الأناشيد الصوفية:
أ. وجود رؤوس من المتصوفة مشاركين فيها، وهم من عمالقة الأناشيد عندهم!
ب. كثرة التغني بالمدينة، وساكنها، وقبر النبي صلى الله عليه وسلم.
ج. عبارات التصوف الكثيرة في كثير من أناشيدهم، نحو: مولاي، يا سندي، أمرِّغ الخد في الأعتاب! أغثني منك بالمدد!! وغير ذلك!
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أرجو التفصيل في مسألة الأناشيد، كذلك حكم بيعها؟ .
الشيخ: أي أناشيد؟ .
السائل: الأناشيد الإسلامية التي تباع في التسجيلات.
فأجاب: لا أستطيع أن أحكم عليها؛ لأنها مختلفة , لكن أعطيك قاعدة عامة:
1. إذا كانت الأناشيد مصحوبة بدف فهي حرام؛ لأن الدف لا يجوز إلا في حالة معينة، لا في كل وقت , ومن باب أولى إذا كانت مصحوبة بموسيقى أو طبل.
2. إذا كانت خالية من ذلك نظرنا: هل أنشدت كأنشودة الأغاني الماجنة، فهذه أيضاً لا تجوز , لأن النفس تعتاد هذا النوع من الغناء , وتطرب له، وربما تتجاوز إلى الأغاني المحرمة.
3. إذا كانت هذه الأناشيد من فتيان أصواتهم فاتنة , يعني: قد تحرك الشهوة , أو قد يستمتع الإنسان بالصوت دون مضمون القصيدة: فهذه أيضاً لا تجوز.
أما إذا كانت أناشيد حماسية على غير الوجه الذي قلت لك: فليس بها بأس , لكن خير من ذلك أن يستمع إلى القرآن , أو يستمع إلى محاضرة جيدة مفيدة , أو يستمع إلى درس من دروس العلماء، هذا أفضل , يستفيد فائدة دينية، وفائدة أخرى أنه يسهل الطريق على الإنسان؛ لأن الإنسان ربما يسافر مثلاً من مكة إلى المدينة فيحتاج إلى أشياء توقظه.
السائل: لكن ما حكم بيعها؟ .
الشيخ: أعطيك قاعدة: كل ما حرم استعماله حرم بيعه؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) - رواه أبو داود، وهو صحيح -.
" لقاءات الباب المفتوح " (111 / السؤال 7) .
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله:
ونحن لا ننكر إباحة الإنشاد النزيه وحفظه، ولكن الذي ننكره ما يلي:
1. ننكر تسميته نشيداً إسلاميّاً.
2. ننكر التوسع فيه حتى يصل إلى مزاحمة ما هو أنفع منه.
3. ننكر أن يجعل ضمن البرامج الدينية، أو يكون بأصوات جماعية، أو أصوات فاتنة.
4. ننكر القيام بتسجيله وعرضه للبيع؛ لأن هذا وسيلة لشغل الناس به؛ ووسيلة لدخول بدع الصوفية على المسلمين من طريقه، أو وسيلة لترويج الشعارات القومية والوطنية والحزبية عن طريقه أيضاً " انتهى.
" البيان لأخطاء بعض الكتَّاب " (ص 341) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/220)
أحكام ومسائل متعددة لزوج اكتشف علاقة غرامية بين زوجته ورجل أجنبي
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن زوجتي على علاقة غرامية بشاب، في بادئ الأمر كان بينهما اتصالات هاتفية، ولكن وصلت فيها الوقاحة أن أحضرته إلى البيت أثناء غيابي، هي إلى الآن لا تعرف أني علمت بالأمر، وأني أنوي طلاقها. سؤالي: هل يحق لي شرعاً أن أستعيد ما دفعت لها من مهر، وأن أجبرها على التنازل عن مؤخر المهر الذي سجلته على نفسي بأوراق مثبتة في المحكمة الشرعية؟ . سؤالي الثاني: سرقت مني زوجتي عدة مبالغ مالية، ولم أكتشف أنها الفاعلة إلا بعد السرقة الأخيرة، فهل يحق لي مطالبة أهلها باستعادة ما سرقته مني بالإضافة إلى استعادة المهر الذي ذكرته في سؤالي السابق؟ . سؤالي الثالث: عندنا طفلتان، الكبيرة عمرها سنتان ونصف، والصغيرة عشرة أشهر، وتوقفت عن الرضاعة من أمها، فهل يحق لي أن أحرم زوجتي بعد أن أطلقها من تربيتهم؛ بسبب ما فعلته من خيانة , فأنا أريد أن أربي بناتي بنفسي؛ خوفا من سوء أخلاقها؟ . سؤالي الرابع: زوجتي الآن حامل، هل أستطيع أن أطلقها وهي حامل؟ . سؤالي الخامس: حسب تقرير الطبيبة: الحمل غير مستقر إلى الآن، وقد تتعرض للإجهاض، إذا حصل ذلك هل يجب أن أنتظر حتى تأتيها الدورة الشهرية لكي أطلقها , ما هو التوقيت الشرعي للطلاق؟ . سؤالي السادس: هل يكفي طلقة واحدة أم يجب أن أطلقها ثلاث مرات متباعدات. أفيدوني، جزاكم الله عني كل خير، فأنا بانتظار فتواكم حتى أبدأ بالطلاق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بدَّ من تذكيرك أخي السائل قبل الإجابة على أسئلتك بأنك ترتكب إثماً عظيماً إن كنت تُخبر بخلاف الواقع، وبه تكون قاذفاً، تستحق الحد وهو ثمانون جلدة، وإن كنتَ صادقاً في دعواك فهي مصيبة ولا شك وابتلاء عظيم، ومع ذلك فإن مجرد وجود علاقة محرمة بين زوجتك وبين ذلك المجرم الآثم لا يعني حصول الزنا بينهما، لذا فينبغي لك الانتباه وأن تعلم أن عذاب الدنيا – وهو ثمانون جلدة – أهون من عذاب الآخرة، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل مع من يتهم زوجته.
عن ابن عمر قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدْ ابْتُلِيتُ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) ، فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ، وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا، فَوَعَظَهَا، وَذَكَّرَهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَتْ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
رواه البخاري (5005) ومسلم (1493) – واللفظ له -.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
إذا قذف زوجته المحصنة وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان: لزمه ذلك كله، وبهذا قال مالك، والشافعي ... .
ولنا: قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه.
وأيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيِّنة وإِلاَّ حدٌّ في ظَهْركِ) ، وقوله لما لاعن: " عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة، كالأجنبي.
" المغني " (9 / 30) .
فإن ثبت بما لا مجال للشك به أنها على علاقة محرَّمة مع أجنبي، أو تبيَّن لك زناها، أو اعترفت هي لك به: جاز لك التضييق عليها لتتنازل عن مؤخر صداقها.
وإن كانت ليست على علاقة محرَّمة، ولم يتبين لك زناها، ولم تعترف: لم يجز لك ذلك التضييق.
وعلاقاتها المحرمة لا ينبغي لك السكوت عليها، فإما أن تختار البقاء معها بعد استتابتها وتذكيرها بقبح فعلها، وإما أن تختار فراقها، فإن كرهت بقاءها في ذمتك: فلك أن تطلقها مع إعطائها صداقها.
فأنت الآن بالخيار: إما أن تطلقها لفعلتها وتعطيها حقوقها، وإما أن تضيِّق عليها لتتنازل عن مؤخر صداقها، ولا يحل لك إبقاءها في ذمتك وهي على معصيتها دون توبة وإنابة منها.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/ 19.
والفاحشة ليست هي الزنا فقط، بل ويدخل في لفظها: النشوز والعصيان للزوج، وسبه وسب أهله، ومن باب أولى دخول علاقتها المحرمة مع أجنبي في هذا اللفظ، وفي حكمه.
قال ابن كثير - رحمه الله -:
وقوله: (إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قال ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المُسَيَّب، والشَّعْبِيُّ، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن جُبَيْرٍ، ومجاهد، وعِكْرَمَة، وعَطاء الخراسانيّ، والضَّحَّاك، وأبو قِلابةَ، وأبو صالح، والسُّدِّي، وزيد بن أسلم، وسعيد بن أبي هلال: يعني بذلك الزنا، يعني: إذا زنت: فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها، وتُضَاجرهَا [تضيق عليها] حتى تتركه لك وتخالعها، كما قال تعالى في سورة البقرة: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة/229.
وقال ابن عباس، وعكرمة، والضحاك: الفاحشة المبينة: النُّشوز والعِصْيان.
واختار ابن جرير - أي: الطبري - أنَّه يَعُم ذلك كلَّه: الزنا، والعصيان، والنشوز، وبَذاء اللسان، وغير ذلك.
يعني: أن هذا كله يُبيح مضاجرتها حتى تُبْرئه من حقها، أو بعضه، ويفارقها، وهذا جيِّد، والله أعلم.
" تفسير ابن كثير " (2 / 241) .
ولا بدَّ أن تعلم أن مجرد زنا الزوجة لا يُسقط مهرها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ولا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي، قال: لا، مال لك عندها؛ إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد ذلك "؛ لأنها إذا زنت قد تتوب، لكن زناها يبيح له إعضالها، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه، أو تتوب.
" مجموع الفتاوى " (15 / 320) .
ثانيا:
ما تأخذه المرأة من مال زوجها دون علمه له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون ذلك للإنفاق على نفسها، وعلى أولادها، وبيتها، ويكون سبب فعلها ذلك: بخل زوجها، وشحه في النفقة.
الحالة الثانية: أن يكون ذلك الأخذ لشراء كماليات، أو لإعطاء المال لأهلها، أو ما شابه ذلك من حالات الإنفاق.
وفي الحالة الأولى: لا يحل للزوج مطالبتها بهذا المال؛ لأنها أخذت ما هو حق لها؛ لأن نفقة الزوجة والأولاد واجبة على رب البيت، وإذا قصَّر فيها، أو منعها: جاز لها الأخذ من ماله، ولو دون علمه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت هند - امرأة أبي سفيان - للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح - (أي: بخيل) -، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، قال: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ) .
رواه البخاري (5049) ومسلم (1714) .
قال النووي - رحمه الله - في ذِكر فوائد الحديث -:
ومنها: أنَّ مَن له على غيره حق وهو عاجز عن استيفائه: يجوز له أن يأخذ من ماله قدْر حقه بغير إذنه.
" شرح مسلم " (4 / 373) .
وفي الحالة الثانية: لا يحل للزوجة أخذ شيء منك لغير ما سبق مما يجب عليك بذله، فإن فعلت أثمت، ولك أن تطالبها بما أخذته، وإن رفضت: فلك أن تستوفي مالك من مؤخر صداقها، أو مما لها من مال في ذمتك، إلا أن تكون أخذت ذلك المال للصدقة على المحتاجين، ففيه تفصيل، لكن ليس لك مطالبتها بما أنفقته.
ثالثا:
الأصل أن الأم أحق بحضانة أولادها – قبل سن السابعة - ما لم تتزوج، وليس المقصود بالحضانة الطعام والشراب والإيواء المادي فقط، بل – وأيضاً، وهو المهم -: التربية، والتعليم، والرعاية النفسية والخلقية، فإن كانت الأم كافرة أو فاسقة فلا يجوز تمكينها من حضانة أولادها، وليست العبرة في الحضانة كون الحاضن أباً أو أمّاً، بل العبرة بما يقدمه للمحضون من رعاية وتربية على الإسلام، وعليه: فأحق الوالديْن بالحضانة: أحسنهما دِيناً، فإن كانت الأم بعد تطليقها على غيها ومعصيتها: لم يجز تمكينها من حضانة أولادها، وتكون الحضانة للأب، وإن تابت وأنابت: فهي أحق بحضانتهم ما لم تتزوج، و (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) .
قال ابن القيم – رحمه الله -:
قال شيخنا – أي: ابن تيمية -: وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي وأمْره الذي أوجبه الله عليه: فهو عاصٍ، فلا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته: فلا ولاية له عليه، بل إما أن تُرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب، وإما أن يُضم إليه من يقوم معه بالواجب، إذ المقصود: طاعة الله ورسوله بحسب.
قال شيخنا: وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء سواء كان الوارث فاسقاً أو صاحاً بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة على الواجب والعلم به وفعله بحسب الإمكان.
قال: فلو قُدِّر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرَّة: فالحضانة هنا للأم قطعاً.
قال: ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقاً، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البَرِّ العادل المحسن، والله أعلم.
" زاد المعاد " (5 / 475، 476) .
وانظر جواب السؤال رقم: (20705) .
رابعا:
طلاق الحامل طلاق شرعي، موافق للسنَّة، ويعتقد كثير من العامة أنه لا يقع، وقولهم لا أصل له في الشرع، بل هو طلاق سنِّي.
وقد روى مسلم (1471) قصة طلاق ابن عمر لامرأته وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم " مُرْه فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً ".
قال ابن عبد البر – رحمه الله -:
وأما الحامل: فلا خلاف بين العلماء أن طلاقها للسنَّة، من أول الحمل إلى آخره؛ لأن عدتها أن تضع ما في بطنها، وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه أمره أن يطلقها طاهراً، أو حاملاً، ولم يخصَّ أول الحمل من آخره.
" التمهيد " (15 / 80) .
وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في حكم طلاق الحامل في جواب السؤال رقم (12287) .
وتستطيع ـ حينئذ ـ أن تطلق زوجتك طلقة واحدة رجعية، وأنت بالخيار بعدها، إما أن تراجعها في العدة – وهي هنا وضع حملها – إن رأيت صلاحها واقتنعت بتوبتها، وإما أن تنتظر انتهاء عدتها فتصير بعده بائنة بينونة صغرى، فتصبح حرة نفسها، وتستطيع إرجاعها برغبتها وبموافقة ولي أمرها بعقد ومهر جديدين؛ لأنها أجنبية عنك.
ولا تستطيع تطليقها ثلاث طلقات في مجلس واحد، ولا بلفظ واحد؛ لأنه تطليق مخالف للسنَّة.
وانظر جواب السؤال رقم (36580) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/221)
زوجها مريض نفسيّاً ويؤذي زوجته فكيف تتصرف معه؟ وهل له حقوق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تسأل عن حق زوجها، حيث إن زوجها مريض نفسيّاً، ومختل، وهو لا يتدخل في أمور الحياة المنزلية، ودائماً يتهمها بالإثم، وهي بعيدةٌ عنه، وهو أب لـ 10 أفراد، تزوج أولاده من دون معاونته لهم، مما يؤدي ذلك لانفعال زوجته من هذا الأمر، ولا تطيقه في الكلام معه. راجين منكم حكم الشرع في هذا الأمر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يشفي زوجك عاجلاً غير آجل، ونسأل الله أن يُعظم لك الأجر على صبرك وتحملك، وهذه المصيبة التي ابتلاكم الله تعالى بها تؤجرون عليها لو أنكم صبرتم واحتسبتم الأجر عليها.
عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) . رواه مسلم (2999) .
وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَنٍ وَلاَ أَذى وَلاَ غمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكَها إِلاَّ كفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاه ". رواه البخاري (5318) ومسلم (2573) .
ثانياً:
مرض زوجكِ إما أن يكون معه مُدرِكاً لأفعاله وتصرفاته، أو لا يكون مُدرِكاً، فإن كان مدركاً: فهو مؤاخذ بما يقول، وبما يفعل، ولا يحل له قذفك، ولا التخلي عن تربية أولاده، ويجب عليه القيام بما أوجبه الله تعالى عليه من الطاعات، وعدم فعل ما نهاه الله تعالى عن فعله.
وفي هذه الحال يجب عليكِ أداء حقوقه الزوجية، ولا يحل لك التهاون بها.
وإن كان مرضه لا يُدرِك معه تصرفاته وأفعاله: فقد سقط عنه التكليف، ولا يؤاخذ بما يقول، ولا بما يفعل، إلا إن تعلق فعله بحق غيره، فلصاحب الحق أن يأخذ حقه من مال زوجك، أو من أوليائه، كما لو تعدى على غيره بالقتل، أو حطَّم له سيارته، أو ما يشبه ذلك من الأفعال.
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عن النائمِ حتى يستيقظَ، وعَن الصبِيِّ حَتى يَحتلمَ، وعَن المجنونِ حتى يَعْقل - أو يفيق -) .
رواه أبو داود (4398) والنسائي (3432) وابن ماجه (2041) .
وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال ابن حزم – رحمه الله -:
وأما من لم يبلغ , أو بلغ وهو لا يميز، ولا يعقل، أو ذهب تمييزه بعد أن بلغ مميزاً: فهؤلاء غير مخاطَبين، ولا ينفذ لهم أمر في شيءٍ من مالهم؛ لما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث , - فذكر: - الصبي حتى يبلغ , والمجنون حتى يبرأ) .
" المحلى " (7 / 200) .
وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
وأما العاقل فضده: المجنون الذي لا عقل له، ومنه الرجل الكبير، أو المرأة الكبيرة إذا بلغ به الكبر إلى حد: فقد التمييز، وهو ما يًعرف عندنا بـ " المهذري ": فإنه لا تجب عليه الصلاة حينئذ لعدم وجود العقل في حقه.
" مجموع الفتاوى " (12 / السؤال الأول) .
وينظر كلام أهل العلم في تصرفاته وأثرها في جواب السؤال رقم (73412) .
وبالنسبة لاتهامك بالإثم: فإن كنتِ تعنين " الزنا ": ففي حاله الثانية: لا يقع منه قذف؛ لتخلف شرط مهم وهو العقل، ومثله – أيضاً – لا يمكن أن يلاعن.
وفي " الموسوعة الفقهية " (33 / 11) :
اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في القاذف: البلوغ والعقل والاختيار، وسواء أكان ذكراً أم أنثى، حرّاً أو عبداً، مسلماً أو غير مسلم.
انتهى
والخلاصة:
إما أن تتحملي ما يجري منه إن كان غير مدرك لتصرفاته وأفعاله بسبب مرضه واختلال عقله، وإما أن ترفعي أمرك للقضاء الشرعي ليحكم القاضي بأهليته للبقاء لك زوجاً، أو يحكم بفسخ النكاح.
وإن كان مدرِكاً لتصرفاته: فإما أن تتحملي ما يجري منه، وإما أن تطلبي منه الطلاق، فإن أبى: فترفعين أمرك للقضاء الشرعي ليفصل بينكما.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/222)
ما هي حدود تدخل الوالدين في زواج ابنهم؟ وهل يأثم إن خالف رغبتهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على فتاة أسلمت حديثاً (كانت نصرانية) ، واتفقنا على الزواج، لكن أسرتي تمانع ذلك بشدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نرجو أن تنتبه لما فعلتَه من مخالفات شرعية من التعرف على تلك الفتاة الأجنبية عنك، ومخاطبتك لها، ومصاحبتها، وغير ذلك من التقصير الذي تعترف به، واعلم أن هذه المعاصي تقتضي منك: الإقلاع عنها، والندم عليها، والعزم على عدم العود لها، مع الإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة.
وبخصوص علاقتك بتلك الفتاة: فلا يحل لك محادثتها، أو رؤيتها، فضلاً عن مصاحبتها والخلوة بها، ومن الجيد لك ولها أنكما فكرتما في الزواج، فهو الوسيلة الوحيدة لجمعك بها جمعاً شرعيّاً، فابذل وسعك فيه، فإن لم يتيسر لك: فلا تُبقِ لتلك العلاقة أثراً، ولعلَّ الله تعالى أن يعوضك خيراً منها، ويعوضها خيراً منك.
وقد سبق ذكرنا لمسألة تحريم المراسلة بين الجنسين في جوابي السؤالين: (26890) و (10221) فلينظرا.
وفي التعلق المحرم وآثاره والزواج من المتعلَّق به: يُراجع جواب السؤال رقم (47405) .
ثانياً:
بالنسبة لاعتراض أسرتك على التزوج بها: فاعلم أن علاقة الوالدين بزواج ابنهم لها صور متعددة، ومنها:
1. عدم موافقتهم على أي فتاة يختارها لنفسه زوجة.
2. عدم موافقتهم على فتاة يختارها، لكن عدم موافقتهم تكون لأسباب شرعية، كأن تكون سيئة السمعة، أو تكون على غير دين الإسلام – وإن كان نكاح الكتابية جائز في أصله -.
3. عدم موافقتهم على فتاة يختارها لا لأسباب شرعية، بل لأسباب شخصية، أو دنيوية، كنقص جمالها، أو حسبها ونسبها، وقلبه غير متعلق بها، ولا يخشى على نفسه لو ترك التزوج بها.
4. الصورة السابقة نفسها، لكنَّ قلبه متعلق بها، ويخشى على نفسه الفتنة لو أنه ترك التزوج بها.
5. إجباره على فتاة يختارونها له، ولو كانت ذات دين وجمال.
والذي يظهر لنا من حكم تلك الصور السابقة: أنه يجب على الابن طاعة والديه في الصورتين الثانية والثالثة، ويتأكد الوجوب في الصورة الثانية، ففي الصورة الثانية الأمر فيها واضح، وطاعتهما ملزمة؛ لأنه سيقدم على أمرٍ فيه شر لابنهم وقد ينتشر ليصيبهم، وفي الصورة الثالثة: الأمر فيها مباح له، وطاعتهما واجبة، فيقدم الواجب على المباح.
وأما الصورة الأولى والرابعة والخامسة: فلا يظهر أنه يجب عليه طاعتهما؛ فاختيار الزوجة من حق الابن، وليس من حق والديه، ويمكنهم التدخل في بعض الحالات، لا فيها كلها، فمنعُه من التزوج بأي فتاة يختارها بغض النظر عن كونها متدينة أم لا: تحكم لا وجه له، ولا يلزمه طاعتهما.
وكذا لو تعلق قلبه بامرأة، وخشي على نفسه الفتنة لو أنه لم يتزوج بها: فهنا لا تلزمه طاعتهما إذا أمراه بتركها، وعدم التزوج بها؛ لما يؤدي ذلك إلى شر وفتنة جاءت الشريعة لدرئهما عنه.
ويتأكد عدم طاعتهما في الصورة الخامسة، وهي أن يلزماه بفتاة هم يختارونها، وهذا ليس مما يلزمه طاعتهما فيه، وهو بمنزلة الطعام والشراب، فهو يختار ما يشتهي ليأكله ويشربه، وليس لهما التحكم في ذلك.
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله:
ليس للوالدين إلزام الولد بنكاح من لا يريد، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله (أي: ابن تيمية) : إنه ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وإنه إذا امتنع لا يكون عاقا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر منه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه: كان النكاح كذلك، وأولى، فإن أَكْلَ المكروه مرارة ساعة، وعِشْرة المكروه من الزوجين على طول، تؤذي صاحبه، ولا يمكنه فراقه. انتهى كلامه.
" الآداب الشرعية " (1 / 447) .
وعليه نقول:
إذا كانت تلك الفتاة قد أسلمت وحسن إسلامها، وكان قلبك معلَّقاً بها، وكنت تخشى على نفسك الفتنة لو أنك تركتها: فنرى أن تتزوجها، ولو لم توافق أمك، وأولى من هذا أنك تخشى على دينها أن تُفتن فيه، بسبب عدم وجود من يرعى شأنها وأمرها.
ونوصيك بمحاولة بذل الجهد لإقناع والديك؛ لتجمع بين الخيرين: طاعتهما، والتزوج بمن تعلق قلبك بها، ولك أن تتزوج دون علم والدتك، مع الحرص على هدايتها، وإرشادها، والدعاء لها ولوالدك.
واعلم أنه حيث جاز لك التزوج بمن ترغب، ولم تُلزم بطاعة والديك: فلا تخشَ دعاءهما عليك، وغضبهما منك؛ لأنه دعاء بإثم، ولا يقبله الله منهما، إن شاء الله، إلا أن تكون ظالماً لهما معتدياً عليهما، وحيث جاز لك التزوج دون الالتزام بما يرغبانه فلست آثماً ولا ظالماً.
وانظر – للأهمية -: جوابي السؤالين: (82724) و (84052) .
وانظر جوابي السؤالين: (21831) و (5512) .
وفي تلك الأجوبة بيان لكثير من الصور التي ذكرناها.
وانظر جواب السؤال رقم (5053) فيه بيان حقوق أمك عليك، وحقوقك على أمك.
ثالثاً:
اعلم أنه لا يجوز لك التزوج بتلك الفتاة من غير ولي لها، فإن كان ثمة ولي لها من أهلها من المسلمين: فيجب موافقته على الزواج - ولا ولاية لكافرٍ عليها إن هي أسلمت -، فإن لم يوجد أحد من المسلمين من أوليائها: تولى أمرها أحد المسلمين، كقاضٍ شرعي، أو مفتٍ للمسلمين، أو إمام مركز إسلامي، وبكل حال: لا يحل لها التزوج من غير ولي.
وانظر - للأهمية -: جواب السؤال رقم (7989) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/223)
هل يتزوج مطلقة، رغم معارضة والديه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل ملتزم دينيا، وأريد أن أتزوج، وقد تعرفت على سيدة مطلقة، وهي أكبر مني بعدة سنوات، وصاحبة دين ولقد أردت دائما أن أظفر بذات الدين، والحمد لله وجدتها هي ذات الدين والجمال والخلق والنسب والمال كما دلنا الرسول على مواصفات الزوجة الصالحة؛ لقد أحببتها حبا جما لصفاتها الحسنة وعقلها المتزن , وتلك الصفات لا أجدها أبدا فيمن في سني!! عرضت الموضوع على أهلي فرفضوا بشدة، وأنا أعلم أني في حال عدم زواجي بها لن تستقيم حياتي أبدا، وسأكره والدي كرها لم يره بشر من قبل، ولكنى سأعاملهما بالحسنى ابتغاء مرضاة الله فقط. فهل يجوز لي الزواج بغير رضا والدي؟ وما يعاقب والدي لأنهما منعا حلال الله لأسباب دنيويه، وليس لأسباب دينية؟ وفى حال رفض أهلها أيضا؛ بم تنصحونهم؟ وأريد أن أعف نفسي بالزواج، حيث إنى أستطيع الباءة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
فإنك أيها الأخ الكريم قد أبديت شدة احتياجك إلى هذه النصيحة، فنسأل الله تعالى أن يوفقك للانتفاع بها، على قدر ما أبديت من حاجة إليها، وألا يكلك إلى نفسك التي سولت لك أن والديك غير ناصحين لك، وأنك قد تكرههما كرها لم يره بشر إذا حالا بينك وبين هواك؟!!
أيها الأخ الكريم؛ أتريد أن نتحدث معك من خلال عقلك الكبير الذي يسبق سنك، ولا يتفهمه والداك؟
أم تريد منا أن نتحدث معك من خلال عاطفتك التي طغت على كل شيء عندك، حتى على نظرتك إلى أبويك؟
أما العقل الكبير، فلن نقول لك هنا: كم من أناس أهلكتهم عقولهم، وأرداهم إعجابهم برأيهم..، لن نحتاج إلى أن نقول لك شيئا من ذلك؛ بل نقول لك، وهذا لا بد أن تعلمه من نفسك، كما يعلمه كل عاقل، وتشهد به التجارب: لقد خسرت قسطا كبيرا من عقلك هذا (الكبير) من جراء ما أنت فيه، وصرت تفكر بعاطفتك الجياشة، التي ملكت عليك حياتك!!
فإن كابرت في تلك الحقيقة، نعيذك بالله من هذا، فاستمع الآن، وأنت المتديِّن جدا، على حد قولك، إلى قول رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساء:
(مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ) رواه البخاري (304) ومسلم (80) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَوْله: (أَذْهَبُ) أَيْ أَشَدّ إِذْهَابًا , وَاللُّبّ أَخَصّ مِنْ الْعَقْل وَهُوَ الْخَالِص مِنْهُ , (الْحَازِم) الضَّابِط لِأَمْرِهِ , وَهَذِهِ مُبَالَغَة فِي وَصْفهنَّ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الضَّابِط لِأَمْرِهِ إِذَا كَانَ يَنْقَاد لَهُنَّ فَغَيْر الضَّابِط أَوْلَى " انتهى.
وصدق الأعشى حين قال:
وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبْ!!
فنرجو منك أن تفتح لما تقرأ الآن قلبك عقلك، واصدق الله وانصح لنفسك: كيف تعرفت على هذه المرأة؟ وكيف وصل بك الحال إلى أن (أحببتها حبا جما) ؟
اعلم أنك لو تعرفت عليها تعرفا أدى بك إلى هذه الحال في مجلس تحفيظ للقرآن الكريم، لكان هذا المجلس آثما ينهى عن مثله، فكيف بغيره من المجالس والملتقيات؟
إنك ما أحببتها حبا جما إلا بعد نظر محرم، استماع محرم، واتباع لخطوات الشيطان حتى جعلك ترى هذه المرأة على تلك الصورة التي ربما لم تكن عليها في واقع الأمر؛ فألقى في قلبك أن ليس في الناس مثلها، حتى آل بك الأمر إلى أن ترى والديك يحولان بينك وبين سعادتك، وإلى أن تكرههما كرها لم يره بشر، يا أيها المتدين العاقل؟!!
وحتى رحت تسأل: " وما عقاب والدي عند الله لأنهما منعا حلال الله لأسباب دنيويه.. "
أتريد أن تتشفى بما يكون لهما من العقاب عند الله، لتبرد نار الشوق والحرمان في صدرك؟!! أم أنك مشفق عليهما من عقاب الله وعذابه؟!!
على أية حال، والله ما نعلم لهما عقابا عند الله، ما داما يجتهدان في النصح لك، والسعي فيما يصلحك، ويصلح لك؛ هذا إن أخطآ، فكيف إن أصابا في ذلك، وإنا لنسأل الله ألا يحرمهما من الأجر على كل حال؛ أجر تربيتك، والصبر عليك، والنصح لك، والاهتمام بأمرك ...
ولو سألت عن الاختيار بين الأمرين: أن تبدأ حياتك بطريقة تغضب والديك، وتسبب القطيعة، أو ترضيهما على حساب عاطفتك، واختيارك لنفسك؟!!
لقلنا: السؤال خطأ، فرضا الوالدين لا يعدله شيء، فيكف يوزن بمثل ذلك؟!!
وإن أردت نصيحتنا، فلا تقدم على شيء لا يرضاه والداك، وإن كنت تريد صاحبة الدين، فصاحبات الدين سواها كثير، فاختر منهن ما تناسبك، وترضي والديك، لتجمع بين الحسنيين، وليست المرأة التي تفوتك هي نهاية العالم، كما يتصور العاشقون، بل أمر الزواج أيسر من ذلك، إنما هو المودة والرحمة والسكن، وهذا من الممكن تحصيله ـ بسهولة ـ بين الأشخاص الأسوياء!!
وهذا كله نقوله لك، إن كنت ترضى منا أن نخاطبك من خلال عقلك الكبير، فاحذر أن تكون ما أنت فيه جذوة من الشوق، لا تلبث أن تخبو عند مصادمة الحياة الواقعية.
فأما إن أبيت ذلك، ورأيت أنك لن تستقيم حياتك، وسوف تكره ... ، معاذ الله، فلنخاطبك الآن بحكم عاطفتك التي أسكرتك، وغطت على عقلك، حتى لم تقدر لما تقوله وزنا؛ فالهوى والعشق حالة مضية، كما قال ابن القيم رحمه الله:
" فصل: في ذكر حقيقة العشق وأوصافه وكلام الناس فيه:
فالذي عليه الأطباء قاطبة أنه مرض وسواسي، شبيه بالماليخوليا، يجلبه المرء إلى نفسه بتسليط فكره على استحسان بعض الصور والشمائل، وسببه النفساني الاستحسان والفكر " انتهى من روضة المحبين (137) .
فلتتزوج هذه المرأة التي تعلقت بها، وليس هناك ما يمنع من ذلك، حتى وإن لم تتقبل أعراف الناس ذلك بسهولة، لكننا ننصحك أن تستشير في ذلك من تثق بعقله ودينه ممن يعرفك ويعرفها، أو على الأقل أن تتحرى عن دينها، من طرف محايد، لا يتأثر رأيه بعاطفة جياشة، ولا بموقف رافض لفكرة زواجك بها من الأساس.
فإن صح لك أنها صاحبة الدين التي تبحث عنها لتعف نفسك، فلا يعنينا الآن أن يكون ما قالته عن زوجها صحيحا، لأن مثل هذا الأمر لا يجوز الخوض فيه , ولا قبول رأيها فيها، لأن بينهما خصومة، وليس من اللازم للطلاق أن تقع تلك الجرائم، وليس من اللازم أيضا للزواج بالمطلقة أن تكون ضحية لمثل ذلك، فقد يكون هو زوجا صالحا خيرا، وتكون هي كذلك، لكن الحياة لم تستقم بينهما!!
إننا معك في أن نظرة المجتمعات للمطلقات، بل وللأرامل أيضا، هي نظرة جاهلية في المقام الأول، حتى لتكاد تحكم على الواحدة منهن بالإعدام من الحياة الاجتماعية السوية، وأخذ فرصة أخرى للعيش الكريم.
وفي هذه الحال ننصح والديك بالتوقف عن معارضة زواجة، مراعاة لما وصل إليه أمرك، ما دام أنه لا يوجد ما يطعن في دين المرأة ولا خلقها، وليس من حقهما حينئذ ـ وقد بذلا نصحهما ـ أن يكرهاك على أمر لا تريده، أو يمنعاك مما تعلقت به نفسك.
وانظر جوابي السؤالين رقم (30796) ورقم (20152) .
لكن يبقى موافقة أهلها هي على ذلك، فهذا ليس له حل عندنا، بل لا بد من موافقة أهلها، ولا يحل لك أن تنكحها من غير إذن وليها، ولو قدر أن هذا يحل، أفيعقل أن تعيشا في منعزل عن أهلك وأهلها، وأن تعادي أنت أهلك لأجلها، وتعادي هي أهلها لأجلك؟!!
هذا ـ فقط ـ في قصص العشاق، وأفلام العواطف الجياشة، وأما الحياة الواقعية، فينبغي أن تكون لها موازينها وضوابطها.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى، وألهمنا رشدنا، ووقانا شر أنفسنا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/224)
هل فعل أحد أفراد الأسرة لذنب اقترفه والدهم في الماضي من تعجيل العقوبة؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عندما يعمل شخص ذنب، وبعد ذلك يكتشف أن ابنه أو أي شخص من عائلته عمل ذات الذنب، هل ذلك: كما تدين تدان، أم إنه تعجيل للعقوبة؟ وهل يجب أن يعاقب هذا الشخص الذي تحت مسئوليته وعمل الذنب؟ أم إنه يقول: إن هذا عقاب من الله لظلمه لنفسه، وبما كسبت يداه وإنه خارج إرادة الشخص الذي تحت مسئوليته؟ أرجو إفتاءنا، وجزاكم الله خير]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن الإنسان لا يؤاخذ بذنب غيره، كما قال الله سبحانه: (وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام:164، قال العلامة الشوكاني رحمه الله في فتح القدير عند تفسير الآية: " أي لا يؤاخذ مما أتت من الذنب، وارتكبت من المعصية سواها؛ فكل كسبها للشر عليها لا يتعداها إلى غيرها " انتهى.
ثم قال رحمه الله: " وقد قيل: إن المراد بهذه الآية في الآخرة، والأولى حمل الآية على ظاهرها، أعني العموم. " انتهى.
وإذا كان كذلك فإن الله تعالى لا يقدر الذنب على إنسان مؤاخذة له بذنب غيره، ولكنه سبحانه وتعالى حكيم فيما يفعل، وهو أعلم أين يضع فضله. قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في شفاء العليل (1/71) : (فالله أعلم حيث يضع هداه وتوفيقه كما هو أعلم حيث يجعل رسالته.) فهو سبحانه يهدي ويوفق من يشاء فضلا، ويخذل من يشاء عدلاً.
ولكن شؤم المعصية قد يسري من شخص لآخر، لمجالسته له وإلفه لعمله؛ إذ ربما جره ذلك إلى موافقته في فعله، والاقتداء به، وربما كان في تقدير الله المعصية على قريب العاصي إساءة له، وتنغيص عليه؛ فكان في ذلك نوع من المجازاة له، ولكن مع اعتقاد أن الله قدر ذلك بتمام عدله وحكمته.
ومن الكلام المأثور عن علي رضي الله عنه، في كتب الأدب: " من هَتك حجاب أخيه، هُتِك حجاب بنيه!! ".
وفي قول الله تعالى: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) مريم: 28
قال قتادة رحمه الله: " كانت من أهل بيت يُعرفون بالصلاح، ولا يُعرفون بالفساد؛ ومن الناس من يُعرفون بالصلاح ويتوالدون به، وآخرون يُعرفون بالفساد ويتوالدون به "
تفسير الطبري (18/186) .
وقال ابن كثير رحمه الله: "أي: أنت من بيت طيب طاهر، معروف بالصلاح والعبادة والزهادة، فكيف صدر هذا منك؟! " تفسير ابن كثير (5/226)
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: " وذلك أن الذرية - في الغالب - بعضها من بعض، في الصلاح وضده " اهـ تفسير السعدي (492) .
وفي سنن أبي داود (3963) وغيره، وصححه الألباني، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ) ؛ أَيْ الزَّانِيَانِ وَوَلَدهمَا.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ولد الزنا إن آمن وعمل صالحا دخل الجنة، وإلا جوزي بعمله كما يجازى غيره، والجزاء على الأعمال لا على النسب، وإنما يذم ولد الزنا لأنه مظنة أن يعمل عملا خبيثا، كما يقع كثيرا؛ كما تحمد الأنساب الفاضلة لأنها مظنة عمل الخير؛ فأما اذا ظهر العمل فالجزاء عليه، وأكرم الخلق عند الله أتقاهم " اهـ مجموع الفتاوى (4/312) .
قال الشاعر:
وَأَوَّلُ خبثِ الماءِ خَبثُ تُرابِهِ وَأَوَّلُ لُؤمِ القَومِ لُؤمُ الحَلائِلِ
وليس ذلك كما قلنا من مؤاخذة الإنسان بذنب غيره في شيء؛ وإنما الطبع لص، والأيام دُول، والمعاصي ديون!!
وكما أن الله تعالى يمن على عبده الصالح، ويُقر عينه بصلاح زوجه وذريته، فقد يكون من عقاب العاصي أن يرى شؤم معصيته فسادا في ذريته، أو معصية في أهله، نعوذ بالله من غضبه وشر عقابه.
وأما تأديبه، بل وعقابه لشخص تحت رعايته، وقد وقع في نفس الذنب الذي وقع فيه هو من قبل، فنعم هذا واجب عليه أيضا: أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في بيته فيلزمه أن ينكر على من ولاه الله عليه إذا وقع في المعصية التي هو واقع فيها.
قال العلامة السفاريني رحمه الله في غذاء الألباب (1/219) : يجب على كل مؤمن مع الشروط المتقدمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو فاسقاً، حتى على جلسائه وشركائه في المصعية. انتهى.
وقال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله في أسنى المطالب (4/180) : " لا يشترط في الآمر والناهي كونه متمثلاً ما يأمر به، مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه أن يأمر وينهى نفسه وغيره، فإن اختل أحدهما لم يسقط الآخر." انتهى.
على أنه سوف يكون عيبا عليه، أي عيب، وشينا في حقه أي شين: أن يأمر الناس بالمعروف وينسى، وينهاهم عن المنكر الذي يأتيه:
قال الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) البقرة:44،وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) الصف: 2-3.
فليس له من مخرج من تلك الورطة، ولا علاج لذلك الفصام، إلا بالتوبة النصوح، والأخذ بعمل الخير، قبل أن يذوق وبال أمره: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) .
قال الشاعر:
يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ
فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ
فَهُناكَ يُقبَلُ ما تَقولُ وَيَهتَدي بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/225)
ضعف إيمانه بعد استقامته، وترك الصلاة لعدة أيام
[السُّؤَالُ]
ـ[كان عندي مشكلة، وفي نفس الوقت سؤال عن فتوى: أنا وبفضل الله علي التزمت منذ أشهر، ولكن بعد مرور الوقت بدأت أضعف، ولا أعرف السبب، وبدأت الهمة تنقص تدريجيا لدرجة أني جاءت علي فترات تركت فيها الصلاة وأصبحت عزيمتي ضعيفة، ولكن والحمد لله حاولت ألا أقع في المعاصي، غير أني أضعت كثيرا من الصلوات وذلك أثناء فترة التزامي، إما أن أكون نائما أو في الخارج، وبعد مرور الوقت من التزامي تركت الصلاة لأيام ... ، فماذا افعل وأشعر أحيانا أن لدي عقدة في موضوع الصلاة، حيث أضيع الصلوات كثيرا، وأشعر أنني لن أشفي من تلك العقدة؛ فما الحل لها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي لك أخي السائل أن تقدر نعمة الله عليك بأن وفقك للتوبة والالتزام بدينك، قبل فجأة الموت فتعظم شكره سبحانه وتعالى على هذه النعمة، وهذا سيستدعي منك مزيداً من الاجتهاد في الطاعة.
فقد روى البخاري (4836) ومسلم (2819) عن المغيرة بن شعبة قال: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ: (أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)
فكيف ترضى لنفسك أن تقابل الجميل بالقبيح، وتعود من إلى أول الطريق بعد ما قطعت فيه شوطا، بل يا ليتك تعود إلى أول الطريق المستقيم، لقد انحرفت، واعوججت عن الطريق بعد ما من الله عليك بالاستقامة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من مثل هذا.
ففي صحيح مسلم (1343) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْنِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ) .
وفي رواية النسائي (5498) وغيره: (وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ) .
ولقد ضرب الله تعالى في كتابه الكريم لمن عاد إلى سوء الحال، وهدم ما بناه، وانتكس في طريق الهداية، مثلا يبين سوء حاله، وما اختاره لنفسه، ويحذر عباده من ذلك الصنيع من أفعال الحمقى:
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل 91-92
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات والنذور والأيمان التي عقدها، إذا كان الوفاء بها برا، ويشمل أيضا ما تعاقد عليه هو وغيره كالعهود بين المتعاقدين..
{وَلا تَكُونُوا} في نقضكم للعهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على سفه متعاطيها، وذلك {كَالَّتِي} تغزل غزلا قويا فإذا استحكم وتم ما أريد منه نقضته فجعلته {أَنْكَاثًا} فتعبت على الغزل ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص الدين والمروءة. " انتهى. ص (447) .
فسارع بالتوبة من الحالة التي أنت عليها وبادر بذلك، فإن ترك الصلاة من أعظم الذنوب التي عُصِي الله عز وجل بها، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم تركها كفراً، فقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر.) رواه الترمذي (2545) وأحمد وغيرهما وصححه الألباني.
فالعجب كيف يقول الأخ السائل: حاولت ألا أقع في المعاصي، ثم يذكر أنه أضاع كثيراً من الصلوات؛ فما هو تصوره للمعاصي إذاً؟!!
إن ترك الصلاة هو أعظم ذنبا وخطرا، من كل ذنب حاولت أن تمنع نفسك من، سوى الشرك بالله تعالى.
فالبِدارَ البدارَ بالتوبة والندم على ما فات، قبل أن تأتي لحظة يندم فيها الإنسان ولا ينفعه الندم.
وأما قولك: " إن لديك عقدة في موضوع الصلاة، وتشعر بأنك لن تشفى من تلك العقدة "، فإن هذا من تزيين الشيطان وتسويله وتخويفه، وأنت الذي أعنت عدوك على نفسك، وتركته يعقد على قلبك تلك العقدة من الأوهام والكسل، وضعف الهمة والعزيمة على الخير؛ فبادر بحلها بطاعة الله تعالى، والحفاظ على الوضوء، والمسارعة إلى الصلوات في أول وقتها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ) رواه البخاري (3269) ومسلم (776)
قال ابن عبد البر رحمه الله: " في هذا الحديث أن الشيطان ينوم المرء ويزيده ثقلا وكسلا، بسعيه وما أعطي من الوسوسة والقدرة على الإغواء والتضليل وتزيين الباطل والعون عليه، إلا عباد الله المخلصين.
وفي هذا الحديث دليل على أن ذكر الله يطرد به الشيطان، وكذلك الوضوء والصلاة.. " انتهى. التهميد (19/45) .
وقال ابن القيم رحمه الله: " ولا ريب أن الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن وإذابة أخلاطه وفضلاته ما هو من أنفع شيء له، سوى ما فيها من حفظ صحة الإيمان وسعادة الدنيا والآخرة.
وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة، ومن أمنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة، ومن أنشط شئ للبدن والروح والقلب، كما في الصحيحين.. " وذكر الحديث.
زدا المعاد (4/225) .
فلا تضعف يا عبد الله أمام عدوك، ولا تمكنه من نفسك، واستعن بالله ولا تعجز، كما أمرك نبيك صلى الله عليه وسلم، واعلم أن: (كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء: 76 واعلم أن الصلوات المفروضة يسيرة لا يجد المسلم عناءاً في أدائها والمحافظة عليها.
وأما ما ذكرته من فتور الهمة، فقد يكون سببه نوع الجلساء الذين تجالسهم، فاحرص قدر الاستطاعة على حضور مجالس الذكر والعلم ومصاحبة الأخيار، فإن العبادات تسهل على النفس إذا رأى الإنسان من يقتدي به فيها ويعينه عليها، والإنسان معرض لا محالة لحالات يزيد فيها نشاطه ورغبته في الخير، ولحالات أخرى تقل فيها تلك الرغبة، ولكن لا يجوز أن تؤدي به تلك الحال إلى ترك الفرائض، أو ارتكاب المحرمات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ) رواه أحمد (6725) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2151) .
ولذا فالنصيحة لك أيها الأخ الكريم أن تجعل لنفسك برنامجاً ثابتاً لا تنقص عنه؛ مشتملاً على الفرائض والمؤكدات من النوافل، فإن زدت في بعض الأحيان فذاك خير إلى خير، وإذا نقصت فلا تنقص عن الفرائض.
وأما ما فاتك من الصلوات فيما مضى، فما كان قد فاتك بسبب النوم، فلا إثم عليك فيه ويجب عليك قضاؤه، وأما ما فاتك من غير عذر، أي تكاسلت عن أدائه حتى خرج الوقت، فإن عليك التوبة، ولا ينفعك ـ حينئذ ـ القضاء، والواجب عليك أن تكثر من النوافل والاستغفار، لعل الله أن يتجاوز عنك.
وقد بينا كلام أهل العلم في جواب السؤال رقم (7969) فارجع إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/226)
الزواج من أجل الإقامة والجنسية، ومشكلة زوجة مع أحد هؤلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت منذ عشر سنوات تقريباً، وعندي أربعة أطفال - والحمد والشكر لله -، وزوجي - والحمد لله - إنسان جيد بكل معنى الكلمة، ونحن نعيش في أمريكا، ولكن مشكلتي تكمن أن زوجي عندما خطبني أخفى عني أشياء من ماضيه، وهو أنه عندما أتى أمريكا ليحصل على الأوراق التي تؤهله للحياة هنا اضطر لأن يتزوج من أمريكيَّة، وبقي معها حتى حصل على الأوراق، ثم هجرها، فطلبت الطلاق بالمحكمة، وجاءته الورقة ليوقعها، ثم بعد شهر أو أكثر بقليل القاضي حكم بالطلاق، وبعد – تقريباً - شهرين أو أكثر أتت إليه طليقته، وعاشرها جنسيّاً، وحسب قوله أنه ليست في نيته أن يعود لها، أو أي شيء، فقد أتته طالبة ذلك، وفعل تلك الليلة، وبعد فتره رآها وسألها إن كانت حاملاً منه؟ وأجابت بالنفي، تكراراً، ثم ذهب زيارة لبلده لمدة ثلاثة أشهر، وعاد، وكان وضعه المادي سيئاً، ففكر بالذهاب إليها، ففعل، وعندها ذهب علم أنها حامل، فسألها عن الحمل، أجابت: منه، ولم يهتم للموضوع فقد كان صغيراً، وطائشاً، مع أنه يعلم أنها تكذب كثيراً بهذه المواضيع، فعندها طفلان من قبله، وأخبرته بنفسها بأن هذين الطفلين ليسا من زوجها الأول، وأن زوجها الأول توفي وهو يعتقد أن الأولاد أولاده، بعد ذلك تركها لفترة إلى أن التقى بها في أحد الأماكن، ووجد معها طفلة صغيرة سألها عنها أجابته: بأنها ابنته، المهم: حسب قوله إنه عاد ليعيش معها فقط بسبب سوء الأحوال المادية، فهو كان طالباً هنا، وكذلك السبب الثاني ليتأكد أن البنت ابنته أم لا، ورفضت طليقته أن تضع البنت باسمه، وطلب منها أن تتركه يقوم بفحص الأبوة كذلك، رفضت وبشدة، وبدأت المشاكل، وتفرقا، وفي البداية لم تعطه المجال ليرى البنت فأقام دعوى بالمحكمة، وسمحوا له برؤية البنت، وعليه أن يدفع مبلغاً من المال شهريّاً لها، وعندما فكَّر وبعض رفاقه نصحوه، أعطى الحضانة للأم، وتخلى عن البنت. سؤالي بخصوص زوجي: هل عليه أي واجب تجاه البنت؟ . أما أنا فمشكلتي: أنه عندما خطبني سمعت بعض الأقاويل عن زواجه، وعن وجود بنت، فأقسم بالله أن ذلك كذب، وأنه لم يمس المرأة، وأنا صراحة كنت متدينة كثيراً فصدَّقته؛ لأنني كنت أعتقد أن من يقسم بالله لا يكذب، المهم كل هذه السنين لم أعرف أي شيء، حتى الآن فهو أخبرني بنفسه كل هذه الأمور، كانت صاعقه لي، فأنا طوال هذه السنين أفكر أنني الأولى في حياة زوجي، صراحة لا أعرف لماذا أنا منزعجة أكثر، من كذبه عليَّ أم من غيرتي منها، مع أنها لا تستحق ذلك، وأنا أعلم علم اليقين أنه لا يفكر فيها، ولكن شعوري أنه كان يتردد عليها في الماضي لمدة أربع سنين تقريباً يتعبني كثيراً، مع أنه لا يكف عن سؤالي بأن أسامحه أحياناً، وأحيانا أخرى يقل لي: احمدي ربك أنني منذ عرفتك لم أعرف غيرك، وأنه ماضٍ بعيد، ولكني لا أستطيع أن أسامحه، حتى إن معظم الأحيان عندما يريد أن يعاشرني أصد منه، وأشعر كأنه معها، ربما تقول إن ردة فعلي مبالغ فيها، ولكن هذا ما يحصل معي، معظم وقتي أقضيه بالبكاء، حتى إنني فكرت بالانتحار عدة مرات، وطبيبتي أخبرتني أن عليَّ أن آخذ دواء نفسيّاً لمعالجة حالتي، ولكني لم أفعل، لن أفعل؛ لأنه إن بدأت به عليَّ أن آخذه سنه كاملة، وإلا حالتي ستسوء؛ وكذلك لأن له ردة فعل في بعض الأحيان تكون سلبيه، قبل معرفتي بتلك القصة كنت أشعر أنني أسعد زوجة في العالم، وأشكر الله دائما على ذلك، ولكن منذ عرفت أصبحت حياتنا جحيماً، فأنا لا أكف عن الأسئلة، مع أنه بعض الأحيان يجيب عليَّ ويعتذر، ويطلب المسامحة؛ لأنه لم يكن صادقاً، ويعلل ذلك بأن الهدف لأوافق عليه، وبعض الأحيان يضيق ذرعاً فينزعج مني، ويكرر أنه لم يفعل شيئاً، وأنه كان ماض بعيد قبل أن يتزوجني، وليس عليَّ محاسبته، أصبِّر نفسي بأنني أفضل بكثير من النساء اللاتي تزوج رجالهم عليهم، ولكن الشيطان يأتيني دائما لأتخيل كيف كانا يعيشان، وأفكر بأنني حرمت من حق الاختيار، فلو علمت لربما انقلبت الأمور، وكذلك وجود بنت مع أنه لم يرها منذ ستة عشر سنة، لقد طلبت منه عدة مرات أن نذهب إلى زوجته الأولى، فهي تعيش بمدينه أخرى أن نذهب لنتأكد هل البنت ابنته أم لا، مع أن عمُر البنت الآن عشرون سنة، وأنا ضمنيّاً أعلم إن كانت البنت ابنته ستدمر حياتي، وإن كانت ليست كذلك ربما يكون ذلك تخفيفاً لي، وهو لا يكف عن إخباري بأنه لا يستطيع التقرب منها؛ لأنه أعطى الحضانة للأم. أرجوك أخبرني ماذا أفعل، فأنا أسال الله دائما أن يصلح وضعي، ولكني أتحسن ليوم أو يومين، ويعود الهمُّ والحزن لي. أرجوك ساعدني، فأنا لا أعتقد أني أستطيع ترك زوجي، فأنا أحبه كثيراً، وكذلك تعبت من التفكير، حتى أعتقد أني سأجن إن بقيت كذلك. أرجوك سامحني، أطلت عليك، ولكن صراحة لم أجد غيرك أشكو له بعد الله. أدامكم الله ذخراً لنا، وللأمة الإسلامية، ودمتم بخير وعافية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أفعال زوجك في ماضيه ليست أنه تزوج وأخفى ذلك عنكِ، فقد وقع في مخالفات كثيرة، ولعلَّه لم يهمك من كل ما حدث معه سوى أنه كان متزوجاً! وأنكِ لستِ الأولى في حياته! وهذا عجب منكِ، وقد جعلتِ من هذا الأمر سبباً لتفكيرك بالانتحار! وسبباً لاحتمال إصابتكِ بالجنون! عدا عن القلق والحزن والنكد في حياتكِ، والله المستعان، ولنا معكِ وقفة بعد حين إن شاء الله.
ثانياً:
زوجكِ وقع في أخطاء كثيرة يحتاج معها التوبة الصادقة، والندم على ما فات، وتعويض ذلك بحسن الطاعة، والإكثار من الأعمال الصالحة، ومن هذه الأخطاء:
1. أنه سعى للإقامة في بلاد الكفر، من غير ضرورة ملجئة.
2. زواجه المؤقت بتلك الأمريكية لحين الانتهاء من الحصول على الأوراق!
وهو زواج المتعة الذي نصَّ نبينا صلى الله عليه وسلم على تحريمه، ولا يشترط أن ينص في العقد المكتوب على تحديد مدة انتهاء العقد، بل يكفي التلفظ به، والاتفاق عليه بين الطرفين.
3. العبث بعقد الزواج لاستعماله في غير ما شُرع من أجله، فقد أصبح هذا العقد الذي تستحل به الفروج، وتعظم فيه الشروط لعبة في أيدي من يرغب بالإقامة في بلاد الكفر، ومن يريد القيام بالحج، ... !
4. وأعظم ما وقع فيه زوجكِ هو: الزنا!
وهو كبيرة من كبائر الذنوب، وهو محرَّم في كل الشرائع، ومنافٍ للفطرة والعقل.
وأما ابنته المزعومة: فعليه أن يتحرى ويتثبت من كونها ابنته، وعليه أن يسلك الطرق المتاحة لتثبيت نسبها له، وإنقاذها من تلك الديار، إن استطاع ذلك.
وقد سبق لنا في موقعنا التعرض لهذه الجزئيات، في أجوبة عديدة، يمكن لزوجك الرجوع إليها، إن كانت لديه رغبة في معرفة حكم ما وقع منه.
وعلى كل حال:
فالتفاصيل فيما فعله زوجك كثيرة، ومسائله تحتاج لمن يسمع ويستفصل منه، وحبذا أن يراجع مركزاً إسلاميّاً موثوقاً، أو يقابل عالماً ليوقفه على أفعاله وأحكامها.
ثالثاً:
واعلمي أنه لا يشترط في الرجل أن يخبر أنه كان متزوجاً، وإن سئل فلا يكذب، وإن كذب فقد أثم.
وانظري أنتِ ماذا فعل زوجكِ، وماذا ترتب على أفعاله، وانظري المخالفات التي وقع فيها، وأنتِ ليس لكِ همٌّ إلا أنه كان متزوجاً! وأخفى ذلك عنك.
يا أم الأربعة الأطفال، أبعد ذلك العمر كله، وبعد ذلك البيت المشيد، الذي عماده أربعة أطفال، تبحثين عن ذلك الماضي، وتشعلين نار الغيرة: أن لم تكوني أنت الزوجة الأولى؟!
فكان ماذا؟! وما الضرر الذي نالك: أن لم تكوني أنت الزوجة الأولى، سواء كان ذلك برضا منك، أو كرها عنك.
لقد كنا نفكر معك، ونبحث معك، ونتشاور معك في أمر تلك الزيجة، وهل تناسبك أولا، لو كان الأمر في إبانه: قبل أن تتزوجي فعلا، فكيف الآن وقد تزوجت، فكيف وأنت أم لأربعة أطفال، تنبشين في خرائب الماضي؟!!
وما عسى أن يخرج لك من تلك الخرائب، إلا الشياطين والوساوس التي توشك أن تدمر حياتك؟!!
عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ!!) .
فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا!!
رواه أبو داود (4888) وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
قد فات ـ يا أختاه ـ أوان تلك الغيرة القاتلة:
صحا القلبُ عن سلمى وأقصر باطله وعُرِّيَ أفراسُ الصبا ورواحلُه
فكيف وقد ذكرت أنت، أن زوجك " - والحمد لله - إنسان جيد بكل معنى الكلمة "؟!!
وأنتِ بما تذكرينه من حالكِ بعد أن علمتِ بزواجه من قبل إنما تكتبين نهايتك معه بتلك الأفعال، وإنما تحفرين قبر زواجك منه بتلك الحال، ولن نجامل في الجواب، ولا بدَّ من تنبيهك على عِظَم أخطائك وتصرفاتك معه، فهو في ظنه أنه أراد تحقيق مصلحة لنفسه، وأراد إعفاف نفسه، وهي أمور من الماضي، فلا تكثيري اللوم، وتسيئي معاملته وإلا دفعت ثمن ذلك غالياً! فامتناعك عن الفراش سبب لسخط الرب تبارك وتعالى، وسبب للعن الملائكة لك، كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسوء عشرتك له قد يجعل الكيل عنده يطفح ولا يرى مجالاً للبقاء معك، حيث لا سعادة ولا هناء، ولا عشرة حسنة، فأي زوج يرضى بأن يطول أمد هذا معه؟ وأي حبٍّ تزعمينه وأنتِ تعاملينه بهذه المعاملة؟ وهل تعلمين أن الانتحار كبيرة من كبائر الذنوب؟ وهل تعلمين أن سوء عشرته من المحرمات عليك؟ .
وأنتِ ذكرتِ أنك تجزمين أنه لا يفكِّر فيها، وأن هذا من زمن بعيد، وأنه ليس في حياته إلا أنتِ، فأي سببٍ يجعلك تنكئين الجروح، وتنبشين عن الماضي الغابر الميت؟! .
نحن ننصحك بشدة: إن لم تغيري من معاملتك لزوجك، وتحسني له: فستفقدينه، وسترين نفسك تائهة ضائعة، تتنقلين بين مراكز العيادات النفسية، فارجعي لدينك، وحكِّمي عقلك، واتركي عنك القلق والحزن والكآبة، فليس لها أسباب، وأنتِ الملومة في كل ما يجري لك، ويترتب على أفعالك، وبما أن زوجك قد طلب منك المسامحة تكراراً فلم يعد مخطئاً في حقك، وعليك قبول اعتذاره.
إن السؤال الذي أجبت عنه أولا، وأنصفت زوجك الذي تشتكينه:
كيف حال هذا الرجل الآن مع ربه؟ ثم كيف حاله معك؟ وهل هو جدير بأن يؤتمن عليك، بالنظر إلى واقعه الآن، وبغض النظر عما كان منه في ماضيه؟!!
إن كانت إجابتك ـ كما ذكرت أولا ـ: أنه جيد بمعنى الكلمة؛ فالواجب عليك أن تساعديه على تجاوز ذلك الماضي الأسود، بدلا من أن تفتحي عليه أبواب العودة إليه، وليكن همك أن يتوب منه إلى ربه توبة نصوحا، وأن يكثر من الخيرات في حاضره ومستقبله، علَّ الله تعالى أن يتجاوز عنه ويغفر له: (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
وإن لم تستطيعي العيش مع هذا الزوج، وذلك الماضي فخلِّصي نفسك من هذه الحياة بطلب الخلع، أو افتدي نفسك ليطلقك!
لكن عليك أن تسألي نفسك أن تفعلي شيئا من ذلك: هل أنت بذلك تبحثين عن السعادة حقا، وتسلكين طريقها صدقا؟!!
أو أنك، والعياذ بالله كعنز السوء التي بحثت عن حتفها بظلفها، وصاحبة المثل في كتاب الله التي نقضت غزلها من بعد ما أحكمت غزله ونسجه، فجعلته خيوطا متناثرة، لا نظام لها!!
نحن نجزم أنك لن تكوني مرتاحة ولا سعيدة إن بقيت على حال التفتيش في الماضي وسوآته، أو أخربت بيتك، وهجرت زوجك وأولادك لمجرد كابوس الماضي!!
فحافظي على زوجك وأسرتك، وأظهري له الحب والمودة، وأسمعيه ما يحب سماعه منك، واتركي التفكير في ماضيه وما حصل منك.
ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لما يحب ويرضى، وأن يجمع بينكما على البر والتقوى، وأن يهديك ويصلح بالك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/227)
أقل الكفن المجزئ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أقل كفن يمكن أن يكفن فيه الرجل والمرأة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في جواب السؤال (98308) ، (98189) أن الأفضل أن يكفن الميت في ثلاثة أثواب إن كان رجلاً، وخمسة إن كان امرأة.
ثانياً:
أما أقل كفن يمكن أن يكفن الميت فيه، وبه يحصل الواجب فهو ثوب واحد يستر جميع البدن، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد، وأحد القولين عند المالكية.
انظر: "حاشية ابن عابدين" (3/98) , "المغني" (3/386) ، "مواهب الجليل" (2/266) .
واستدلوا بما رواه البخاري (4047) ومسلم (940) عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لما قتل مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَتْرُكْ إِلَّا نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ , وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلَاهُ خَرَجَ رَأْسُهُ , فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الْإِذْخِرَ) .
قال الزيلعي: "وهذا دليل على أن ستر العورة وحدها لا يكفي" انتهى من "حاشية ابن عابدين" (3/98) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" وإن كفن الميت في لفافة واحدة ساترة جاز سواء كان رجلاً أو امرأة , والأمر في ذلك واسع ".
"مجموع فتاوى ابن باز" (13/127) .
وقال البسام في "توضيح الأحكام" (2/39) : " الواجب للميت مطلقاً صغيراً كان أو كبيراً , ذكراً أو أنثى ثوب واحد يستر جميع بدن الميت " انتهى.
ومذهب الشافعي: أقل الكفن ما يستر العورة , وللمرأة ثوب يستر جميع بدنها إلا الوجه والكفين، وهو القول الثاني عند المالكية.
انظر: "المجموع" (5/162) ، "مواهب الجليل" (2/266) .
واستدلوا بحديث مصعب أيضاً.
قال النووي: ولو كان ستر البدن واجباً لاشتروا له من تركته (سلاح ونحوه) كفناً , وإن لم يكن له مال لوجب تتميم الكفن من بيت المال فإن فقد فعلى المسلمين.
"المجموع" (5/150-151) .
ويجاب عن هذا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يجدوا ما يكفنون به شهداء أحد، حتى كانوا يكفنون الرجلين في ثوب واحد، كما رواه البخاري (1343) عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ) .
فمن أين يشترون الكفن وهم لا يجدون ما يكفنون به شهداء أحد؟!
فإن ضاق الكفن عن ذلك , ولم يوجد ما يستر الميت، ستر به رأسه وما طال من جسده , وما بقي منه مكشوفاً جعل عليه شيء من الإذخر أو غيره من الحشيش، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في قصة مصعب بن عمير: (غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الْإِذْخِرَ) متفق عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين "في الشرح الممتع" (5/225) : " والدليل على أن هذا واجب (يعني ستر جميع الميت بالكفن) : أن الصحابة الذين قصرت بهم ثيابهم عن الكفن أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يجعل الكفن من عند الرأس ويجعل على الرجلين شيء من الإذخر، وهو: نبات معروف.
فإذا لم يوجد شيء، مثل: أن يحترق بثيابه، ولم يوجد ثياب يكفن بها، فإنه يكفن بحشيش أو نحوه يوضع على بدنه ويلف عليه حزائم، فإن لم يوجد شيء فإنه يدفن على ما هو عليه؛ لعموم قول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16 " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/228)
طرق الشيطان في الإيقاع بالدعاة في فتنة النساء في الإنترنت وموقف الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من رجل دين وعلى خلُق (فيما يظهر لي وللناس) المشكلة: أنه بعد دخول الانترنت أصبح يدخل إلى الشات والمنتديات بحجة الدعوة إلى الله وتفريج كرب المسلمين، ثم أصبح التواصل مع هؤلاء الناس أكثر من المساعدة فقط، فقد أصبح هناك سؤال عن الأحوال الشخصية، وحتى الحالة النفسية، وتطور الأمر أكثر من ذلك فأصبح اتصال بالجوال، ورسائل بأنواعها، وتطور الأمر إلى السفر إليهم ومقابلة الجنسين بكل سهوله، والجلوس معهم، ومناقشة أمور الدين، وغيرها، وقد كنت أتحاور معه على هذا الموضوع باستمرار، ولكن دون فائدة، بل أصبح يخفي بعض الأمور بدعوى أنها حياته الشخصية، وعندما أوضح له أنه لا يجوز له مخاطبة النساء الأجانب والتحاور معهم على الأمور الشخصية: يتحجج بأن الشيوخ يفعلون ذلك ولا حرج، ويحثني على أن أنتبه للعائلة وأدعه في شأنه، وعند مناقشة هذا الأمر معه يقول: إن هذا أمر عادي، ولكن المجتمع السعودي متخلف، ومتحجر، ولا يفهم التطور ومحاورة الآخرين، وسوف يتقبل المجتمع ذلك كما تقبل الدش، والآن تعرَّف على امرأة من الانترنت، وقدَّم لها المساعدة، وأصبح يتابع أخبارها باستمرار، ثم سافر إلى بلدهم وقابل زوج صديقتها، ثم جلسوا مع بعض، وتناقشوا في عدة أمور، ثم رأى أن حل مشكلة هذه المرأة بالزواج منه، فعرض عليها الزواج، ثم بعد الرجوع إلى السعودية أخبرني أنه سيتزوج منها، وهو يسعى إلى إيجاد التصريح ولو دفع مالاً مقابل ذلك، وأصبحت أنا أتحمل مسؤولية تربية الأبناء وحدي (وقد كنت من الأول أنا أتحمل المسؤولية) ، المشكلة كذلك أنه طوال الوقت مشغول بالعمل والدراسة، ونادر التواجد في البيت، وعند مناقشة هذا الأمر معه كان يقول إن في السلف من يغيب عن بيته بالسنوات، والمرأة هي من يقوم بالتربية وعند التحدث عن الانشغال أيضا بالزوجة الثانية يقول: لا، بل سينظم وقته، ويتفرغ لزوجاته وأبنائه، وإنا بصراحة أشك في ذلك، أنا لم أهمل زوجي، ولا نفسي، ولا أولادي، لكنني إنسانة لا أحب المجادلة، وكنت أثق فيه، ولم أتصور أن يتطور الأمر إلى ذلك، فقد أصبح همَّه، وعند سؤاله يخبرني بأن الله هو من يحاسبه. أفيدوني بارك الله فيكم ماذا أعمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن للشيطان وسائل يسلكها ليصل إلى الإيقاع بعامة الناس، وله وسائل أخرى يصل إلى المقصود نفسه مع خاصة الناس من أهل العلم والدعوة والعبادة. وصدق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ) رواه مسلم (2814) ، وهكذا يدخل اللعين لكل هدف، من الباب الذي يلائمه! فيزين له أعماله حتى يحسب أنه يُحسن صنعاً، ولا يزال به حتى يوقعه في المعاصي والمنكرات.
ولو عقل هؤلاء الخاصة شرع الله تعالى لانتبهوا لأنفسهم، فإن الله تعالى قد نهانا عن اتباع خطوات الشيطان، ولم ينهنا عن اتباع الشيطان مباشرة! قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) النور/من الآية 21، وقال: (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) البقرة/ من الآية 168 من الآية 208، والأنعام / من الآية 142.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
وخطوات الشيطان يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب، واللسان، والبدن، ومن حكمته تعالى أن بين الحكم، وهو: النهي عن اتباع خطوات الشيطان، والحكمة، وهو بيان ما في المنهي عنه من الشر المقتضي، والداعي لتركه فقال: (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ) أي: الشيطان (يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ) أي: ما تستفحشه العقول والشرائع، من الذنوب العظيمة، مع ميل بعض النفوس إليه، (وَالْمُنْكَرِ) وهو ما تنكره العقول ولا تعرفه، فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان لا تخرج عن ذلك، فنهي الله عنها للعباد نعمة منه عليهم أن يشكروه ويذكروه؛ لأن ذلك صيانة لهم عن التدنس بالرذائل والقبائح، فمن إحسانه عليهم أن نهاهم عنها، كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها.
" تفسير السعدي " (ص 563) .
ونهانا ربنا تعالى عن أن نقرب الزنا، ولم ينهنا عن الزنا مباشرة! قال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32.
وعندما يريد الشيطان أن يوقع خاصة الناس في المعصية: فإنه يأتيهم من باب الطاعة! فيبدأ الأمر من الترغيب برعاية الأرملة والمسكينة، ولا يزال يتطور الأمر، فيبدأ بالعناية بأحوال تلك النساء من بُعد، ثم لا يزال يقترب بالكلام، ثم النظر، ثم الجلوس والانبساط في الحديث، إلى أن يقع الإعجاب، ثم يحصل ما لا يُحمد عقباه.
وله طرق أخرى، ومنها: الدعوة إلى الله! فيبدأ لأمر على أنه نصح عام للمسلمين، ثم يبدأ بتخصيص نصحه ودعوته لبعض الخاصة، ثم لا يفرِّق في هذا بين ذكر وأنثى، ثم يبدأ مشواره مع النساء بالكلام المحتشم، ثم بالأسئلة الخاصة، فالمزح، فالإكثار من المراسلة، ثم ينتقل إلى الحديث بالصوت، ثم بالصوت والصورة، ثم باللقاء، ثم يحصل ما لا يُحمد عقباه، وكل ذلك الطريق الذي سلكه كان من خطوات الشيطان الذي نهاه الله عن اتباعها، وكل ذلك كان من " قربان " حدود الله التي نهاه الله عن قربانها، فزيَّن له الشيطان عمله، وأوهمه أنه يدعو إلى الله، وأن هذا من نفع المسلمين، ومن تعليم الجاهلين، ومن تنفيس الكربات، وتفريج الهموم، ولا يزال يزين له أعماله حتى يوقعه في الموبقات.
وإننا لنأسف على إخوة وأخوات عرفناهم من أصحاب الهمم والطاقات في الخير، ثم صار حالهم إلى بُعد عن الله تعالى، ووقوع في الفواحش والمنكرات، ومعظم النار من مستصغر الشرر، فلم ينتبه هؤلاء إلى أول خطواتهم في طريق المعصية، ولم ينتبهوا لأنفسهم وقلوبهم وتغيرها، ولن يلتفتوا لإيمانهم وضعفه، وكل ذلك جعله الله تعالى إشارات ينتبه بها الغافل، ويستيقظ بها النائم.
وينظر سؤال: (60269)
ثانياً:
وما حصل من زوجك هو مما ذكرناه قطعاً، والفتنة التي وقع بها واضحة المعالم، وكلامه فيه مغالطات وتجنٍّ، وكل ذلك من أجل أن يقنع نفسه أنه ليس بمخطئ، ومن ذلك:
1. إخفاء تصرفاته عنكِ، ودعواه أنها " حياته الشخصية "! ولو كان يفعل الخير، ويرجو ثوابه عند الله تعالى لشاركك في دعوته، واستشارك في كيفية تعامله مع النساء – على الأقل -، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الإثم هو " ما حاك في الصدر وكرهتَ أن يطلع عليه الناس " وهو عين ما كان يفعله.
2. زعمه في تسويغ تصرفاته أن " الشيوخ يفعلون ذلك ولا حرج "! هو من تجنيه عليهم، وإذا كان " الشيوخ " يخفون تصرفاتهم وأحوالهم – مثل ما يفعل – فكيف وصل له الخبر أنهم يفعلون مثل فعله؟! وإن كان الشيوخ يخاطبون النساء ويرشدونهم فبالطريقة الشرعية لا بطريقته هو، فلا يصح له الاستدلال بفعلهم، فلا هو بالذي فعل مثل فعلهم، ولا هم فعلوا فعله كما زعم عليهم.
3. زعمه أن " المجتمع السعودي متخلف ومتحجر ولا يفهم التطور ومحاورة الآخرين ": هو من تلبيس إبليس عليه، فإذا كان الواقع كما يقول: فلماذا لا يسمح لكِ بمخاطبة الرجال الأجانب كما يفعل هو مع النساء الأجنبيات؟! وهل يسمح لابنته بأن تخاطب من تشاء من الرجال في الإنترنت وفي حياتها؟! فإن كان يسمح في الحالتين فهو ديوث، رضي بالدياثة لنفسه خلُقاً، وإن كان لا يسمح – وهذا ما نعتقده -: فهو متناقض، لأن ما أنكره على المجتمع السعود من التخلف والتحجر قد وقع هو فيه.
4. زعمه أن في السلف " من يغيب عن بيته بالسنوات ": نعم صحيح، لكنهم كانوا يغيبون لطلب العلم، والجهاد، لا لملاحقة النساء وإشباع الرغبات الفاسدة! .
5. وزعمه أن " المرأة هي من يقوم بالتربية ": زعم باطل، بل مسئولية مشتركة على الأب والأم، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل الأب راعياً في بيته ومسئول عن رعيته: (والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته) ، فماذا سيقول لربه تعالى إن سأله عن رعيته؟! .
6. قوله " بأن الله سيحاسبه ": نعم، لكنه حساب يترتب عليه الثواب والعقاب، وثمة حساب في الدنيا على تصرفاته، ويجب أن يُحاسب نفسه أولاً، ويجب أن يقبل من غيره محاسبته على تصرفاته، فهو عبد لله تعالى، وهو زوج، وأب، وثمة مسئوليات شرعية، ودنيوية عليه، ويجب عليه الانتباه لها، وقبول محاسبة غيره عليها.
إن هذا المنطق الغريب الذي يتكلم به زوجك " إن الله سيحاسبه " يريد من ورائه هدم قاعدة من أعظم قواعد الدين، فـ " الدين النصيحة " كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويريد تعطيل شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) التوبة/71
7. إن ما يدعوك إليه من الانتباه إلى العائلة وتركه في شأنه ترك لسبيل المتقين (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) سورة الأعراف/201، لقد ترك خير الكلام الذي هو ذكر الله عز وجل، وردّ نصيحتك، بل ونهاك عنها: (إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل اتق الله فيقول عليك بنفسك) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة
ثالثاً:
والذي ننصحكِ بفعله:
1. مداومة نصحه وتوجيهه وتذكيره، وليكن ذلك بالأسلوب الحسن، والحجة القوية، وذكريه بأيام استقامته، وحذريه من خاتمة السوء، وأعلميه بأن الله تعالى قد يبتليه في عرضه، كما يفعل هو بأعراض الناس. وفي مأثور الحكم: (ومن هتك حجاب أخيه، انتهكت عورات بنيه)
2. أكثري من الدعاء له، واحرصي على الأوقات الفاضلة كثلث الليل الآخر، واحرصي على الأوضاع الفاضلة كالسجود، فأكثري فيه الدعاء له.
3. ولا بأس بإخبار بعض إخوانه في الله ممن يوثق بدينه وخلقه ممن يثق بهم ويحترمهم، وليكن ذلك من غير مباشرة منك، ولا تصريح بأفعاله، فيخبر ذلك الثقة بأن صاحبه قد نقصت استقامته، وبدأ حاله بالتغير، ونحو لك الكلام المجمل.
4. ونرى أن تعينيه على التزوج بأخرى، فلعلَّ ذلك أن يشغله عن تتبع النساء، وإهدار وقته فيما لا ينفع، وقد يطفئ الزواج شهوته، ويرجعه لدينه وعقله، فلا نرى لك الوقوف في وجهه إذا عزم على هذا الأمر، وأعلميه أنك ترضين بالزواج لأنه حلال، وتخالفينه في أفعاله تلك لأنها حرام.
ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويفرِّج كربك، وأن يهديه ويصلح باله.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/229)
علق الطلاق على أمر وزوجته لا تعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[زوج خالتي رمى يمين الطلاق على خالتي أن لا تدخل بيتنا، وخالتي لا تعلم بذلك فدخلت بيتنا بهدف صلة الرحم والصلح معنا، نحن لا نعلم متى حلف ولكنه قال إنه رمى يمين الطلاق أن لا تدخل، وعلى فكرة والدي الله يهديه دائماً يحلف بالطلاق، وأمي لم يبقَ لها سوى طلقة واحدة فقط، فما هو حكم الشرع في ذلك؟ وبصراحة والداي دائماً في عراك طوال حياتهم، وكل مرة تزداد حياتنا تحطيماً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (82400) حكم الطلاق المعلق، وتفصيل الأقوال فيه، وفيه أيضاً: التحذير من التسرع في الطلاق، والحلف به، فلينظر.
ولتعلم خالتك أنها لا يشترط معرفتها بتعليق طلاقها على حصول شيء منها، كما لا يشترط سماعها لطلاق زوجها، لكن كان ينبغي لزوجها أن يبين لها ما فعله، وعدمُ إخبارها بما قاله من تعليق الطلاق على دخول بيت أختِها يبين أنه لم يقصد المنع، وبالتالي فهو يريد إيقاع الطلاق، ولو أنه أراد منعها لأسمعها كلامه أو لكان أخبرها به فيما بعد.
وعلى كل حال: فالذي يظهر أنه أراد إيقاع الطلاق، وتكون قد طلقت بدخولها لبيت أختها، حتى لو لم تكن تعلم بكلامه.
وانظري جواب السؤال رقم: (43481) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/230)
يُكرهها والدها على حضور مجالس فيها بدع فكيف تتصرف معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يجبرني والدي أنا (19) وأخي (15) وأختي (11) على الذهاب إلى مكان تمارس فيه البدعة، وإذا لم أذهب فإن والدي سيعلم بذلك، ويفوت الناس أحياناً في هذا المكان أداء الصلاة، ويقومون بالغناء، وقراءة أسماء الله التسع وتسعين مع بعضهم البعض، مع التأرجح للأمام والخلف (لم أعلم أبداً أن الصحابة قاموا بذلك!) مع إضافة بعض الإضافات فى نهاية سورة الفاتحة. أسلمتُ حديثا ولا أريد أن أضل كما يحدث للبعض، فأنا أريد أن أتمسك بسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فأنا أخشى إذا لم أذهب لهذا المكان أن أُطرد من المنزل لعصيانى والدي، وليس لدي مكان آخر أذهب إليه، ولكن أخبرني أحدهم أيضاً بالحديث القائل بأننا يجب أن نترك المكان الذي توجد به البدعة، ولا أعرف ماذا أفعل، فأنا أفضِّل أن أخبر والدي بأنني لن أذهب، وأطرد من المنزل؛ لأنني أخشى الله، ولكن ذلك سيكون قطعاً للرحم وهو من الكبائر! وإذا تركت المنزل فماذا عن أخي وأختي؟ وكيف أنقذهم من هذه البدعة؟ وأين أذهب؟ هل يجوز لى أن أترك المنزل وأعيش مع إحدى الأخوات أم أحتاج لمحرم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قراءة هذه الرسالة وإن كان المرء ليحزن لما فيها: إلا أنه يفرح لما يقرؤه من فطنة وذكاء وحسن اتباع من هذه الأخت الفاضلة، فهي مستاءة من وجود هذه البدعة، وتخاف أن تقع في معصية مخالفة والدها الذي يأمرها بالذهاب لمكان تلك البدعة، وهي – أيضاً – تفكِّر في الخروج من البيت إلا أنه يقلقها حال أخيها وأختها، وتخشى أن تكون مخالفة للشرع إن لم يكن معها محرَم، وهذا كله وهي مسلمة حديثاً، فنسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يثبتها على الحق وإخوتها، وأن يهدي أهلها لاتباع السنَّة.
ثانياً:
نقول للأخت السائلة الفاضلة:
1. لا شك أن حضور تلك المجالس بما فيها من بدع ومعاصٍ يعدُّ أمراً مخالفاً للشرع، فلم يكتفِ أولئك المبتدعة ببدعهم من ذكر أسماء الله بالغناء والرقص، حتى أضافوا إليها معاصي بيِّنة وهي تفويت الصلاة عن وقتها، وهذا يدل على كذب زعمهم أنهم يتعبدون الله ويتقربون له، ولو كانوا صادقين لحرصوا على التقرب له بما شرع، ولما ضيعوا الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام العملية، وقد جاءت النصوص في القرآن والسنة تتوعد من أداها في غير وقتها، وتتوعد من ضيعها.
2. من المعلوم شرعاً أن الذهاب لتلك المجالس البدعية فيه إثم كبير، ويترتب عليه مفاسد كثيرة، لكن قد يكون من المصلحة تأخير الامتناع من الذهاب؛ لما يترتب على هذا التأخير من جلب مصالح ودفع مفاسد كثيرة.
3. ومن مصالح ذهابك الآن: الحفاظ على أختك وأخيك من أن لا يكون معهما من يوجههما ويبين لهما خطأ هذه الأفعال، ومن المصالح كذلك: أن لا يكون عدم الذهاب سبباً لطرد والدك لك من البيت، وهو الأمر الذي يترتب عليه مفاسد وشرور، لا يعلم مداها إلا الله، لا سيما في البلاد التي تعيشين فيها، بل والله وفي غيرها من البلاد، ومن (الذي يأمن على شاة لا راعي لها) في وسط الذئاب: ومن رعى غنماً في أرض مسبعة، ونام عنها تولى رَعْيَها الأسدُ.
4. فنرى لك أن تبقي على الذهاب مع التقلل منه بقدر طاقتك واختراع الأسباب المقبولة – عند والدك – للتأخر عن الذهاب مع بذل الوسع والطاقة في إدخال أطراف من الناس العقلاء من أهل السنَّة لتوضيح الحق لوالدك، وتبيين الحق له.
5. ومثلك لا نخشى عليه – إن شاء الله - من الاغترار بما يفعله أولئك المبتدعة الجهلة، ومع ذلك فإننا نوصيك بتقوية إيمانك بالطاعات، وبتقوية علمك بالقراءة والاطلاع على كتب أهل السنَّة؛ وهذا نافع لك، وسؤال أهل السنة الثقات عن كل ما يُشكِل عليك أمره، مع التنبيه على وجوب متابعة إخوتك بالنصح والتوجيه والإرشاد، وكذا انتقاء بعض من يحضر تلك المجالس من بنات جنسك لدعوتهم للحق والصواب.
6. ونوصيك إن ذهبت هناك بالابتعاد عن تلك المجالس قدر الاستطاعة، وذلك بالجلوس مع النساء في غرف مستقلة بعيدة عن تلك البدع والانحرافات، وكوني – كلما قدرت – آخر الداخلين وأول الخارجين.
7. ونوصيك بالجلوس مع والدك، والتفاهم معه على ما يأمرك به، وعلى قناعاته بأولئك المبتدعة، فأنتِ في سنٍّ يمكنك فعل ذلك معه، وعندك من الفهم ما يؤهلك لتكوني مقنعة له إن شاء الله.
8. داومي على الدعاء لوالدك، وداومي على النصح له، وأكثري من حسن المعاملة له؛ فإن (الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ونسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يثبتك على الحق، وأن يهدي والدك للحق.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/231)
انتكس زوجها وغير معاملته لها وارتكب المحرمات فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة منذ عشر سنوات، ولدي ولدان وبنت، لم أتزوج عن حب، ولكن أحببت زوجي كثيراً؛ لأنه كان في بداية زواجنا يقدرني ويناقشني في كل أموره، وكان يُسمعني من كلمات الحب والغرام حتى أحببته بكل جوارحي، وبصراحة كان يصلى في المسجد، ويساعدني في كل شيء، في تربية الأولاد، وأعمال المنزل، وبعد أربع سنوات من عمر الزواج بدأ يكوِّن علاقات مع الشباب، وصدفة اكتشفت أنه يدخن الشيشة، وحزنت كثيراً عندما عرفت ذلك، ووعدني بأنه لن يفعلها مرة أخرى، ولكن للأسف الشديد فهو ما زال يدخن الشيشة وبإدمان لدرجة أنه يذهب إلى المقهى خلال فترة الصباح لكي يدخنها، وعندما منعته صرخ في وجهي بأن لا أتدخل في شؤونه، مع العلم بأنه مقصِّر في حقي وحق أولاده، وأصبح مشغولاً جدّاً مع أصدقائه، لدرجة أنه عندما يخرج في الصباح لا يرجع إلا آخر الليل، وحاولت أن أًدخل أهله في الموضوع، ولكن دون جدوى، فهو لا يسمع لأحد. أنا في حيرة من أمري، فهو عصبي جدّاً معي، ولكن مع أصدقائه يضحك ويمرح، كما أنه عندما أطلب منه أن نخرج معاً لا يرضى، وإذا خرجنا فإنه طوال الوقت صامت لا يتكلم، ويكون مشغولاً بالهاتف، إما برسائل، أو الرد على المكالمات، لدرجة في بداية الأمر ظننت بأن له علاقة بغيري، ولكن حسب تصرفاته أراه فقط مشغولاً بالأصدقاء، وأنا أحبه وأريده بكل جوارحي. ملاحظات: كان يصلِّي في المسجد، والآن تمر عليه صلوات دون أن يصليها، يُكثر من تجريحي وإهانتي، يصرخ في وجهي أمام الأولاد، وأمام أي شخص دون مراعاة لمشاعري، كثير الرحلات مع الأصدقاء، مدمن الشيشة، مسرف في ملابسه وأناقته، ولا يبالي بنواقص واحتياجات المنزل والأولاد، كثير الديون، ولا يملك أي شيء ثمين، علماً بأني أعمل وأصرف على نفسي، وأدفع الإيجار، وراتب الشغالة، وكثير من مصاريف البيت، وهو لا يبالى، فكيف أتصرف معه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مشكلات بيوت الزوجية كثيرة، وإذا كانت هذه المشكلات من طرف الزوج: فلا بدَّ للمرأة العاقلة من البحث عن أسباب تغير معاملة زوجها لها، وسبب إحداثه المشكلات في حياتها، فقد تكون مخالِفة لأوامره، معاندة في تصرفاتها، أو مقصرة في طاعته، أو مهملة في بيتها وتربية أولادها، وغير ذلك من الأسباب، ولا يُتصور وجود حياة زوجية سعيدة، ثم تنقلب الأمور فجأة إلى كراهية الزوجة، وحب السهر خارج البيت، وشرب الشيشة، وغيرها إلا أن تكون ثمة أسباب دفعت هذا الزوج لمثل هذه الأفعال، وإن كنا نعلم أنه في كثير من الأحيان لا يكون للزوجة يد في هذه الأسباب؛ بل تكون انتكاسة ألمت بالرجل بعد استقامته، نسأل الله الثبات والهداية، أو رفقة سوء أحاطت به، حتى أضلته عن صراط ربه المستقيم، ومصالح معاشه ومعاده، كما هو الظاهر من المشكلة التي أمامنا.
وإذا تبين للزوجة أن لا دخل لها فيما حدث لزوجها من تغيرات: فإنه ابتلاء من الله لها، فعليها أن تختار بين الصبر على ما يفعله زوجها، مع مداومة النصح والدعاء، أو طلب الفراق، إذا لم يمكنها الصبر على أذاه، أو كانت تخشى على نفسها أو دينها أو ولدها إذا بقيت معه، أو وصل في معصيته إلى حد الكفر، والعياذ بالله.
ثانياً:
على الزوجة أن تبذل وسعها في نصح زوجها، وتذكيره، بالتي هي أحسن، ولا تعنِّف في الكلام، ولا تعبس في وجهه، بل تتلطف في اللفظ والمعاملة، وتخبر أهلها ليجعلوا أحد المقربين له من أهل الخير ينصحه ويذكره ويوجهه للصواب، مع حرصها على الدعاء في سجودها، وفي آخر الليل أن يهديه ربه ويوفقه.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
لا يجوز للزوج أن يعامل زوجته معاملة سيئة؛ لأن الله تعالى يقول: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19، ويقول صلى الله عليه وسلم: (وإن لزوجك عليك حقًا) - رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما -، وإذا أساء عشرتها: فإنه ينبغي لها أن تقابل ذلك بالصبر، وأن تؤدي ما له عليها من حق؛ ليكون لها الأجر في ذلك، ولعل الله أن يهديه، قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصّلت/34.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (4 / 177) .
وإذا كان ثمة معاصٍ يرتكبها وتستطيع الزوجة الصبر عليها: فإن تركه للصلاة ليس من هذا الباب؛ لأن ترك الصلاة كفر وردة، فلا تمكنه منها إلا أن يرجع لصلاته.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
امرأة عند رجل يرتكب بعض المعاصي والآثام الكبيرة، كالمخدرات، ونحو ذلك، وهي تعاني من هذا الرجل، وهي امرأة فيها صلاح، وإيمان - نحسبها كذلك، والله حسيبها - ماذا تعمل هذه المرأة وقد نصحت واهتمت لكي يترك هذا الرجل هذا المحرم، ويعود إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن بدون جدوى؟ فما رأيك؟ هل تذهب إلى أهلها أو تصبر لعل الله يهديه؟ وكذلك أبناؤه يمنعهم من الصلاة.
فأجاب:
هذا الرجل الذي يفعل المحرمات هل يصلي أم لا يصلي؟ .
الائل:
يصلي بتهاون، أحياناً في البيت، وأحياناً في العمل، وأحياناً يتأخر.
الجواب:
أرى أنها إذا نصحته ولم يستفد: فلها الحق في طلب الفسخ، ويفسخ النكاح، لكن على كل حال مثل هذه الأمور قد يكون هناك أشياء ما تتمكن معها من الفسخ؛ لأنها معها أولاد، يحصل مشاكل في الفسخ، فإذا لم تصل معصيته إلى حد الكفر: فلا حرج عليها أن تبقى معه؛ خوفاً من المفسدة، أما إذا وصلت إلى حد الكفر مثل كونه لا يصلي: فهذا لا تبقى معه طرفة عين.
" لقاءات الباب المفتوح " (13 / السؤال رقم 18) .
ثالثاً:
يجب على الأزواج أن يتقوا الله تعالى في زوجاتهم، ولْيعلموا أن الله تعالى قد أمرهم بعشرتهن بالمعروف، وأمرهم بإمساكهن بمعروف، وأخبرهم أنه قد يكره الواحد منهم زوجته ويجعل الله فيها خيراً كثيراً، وهكذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، أنه إن ساءه منها خلُق فليرض بما لها من أخلاق حسنة.
قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/من الآية19.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ - أَوْ قَالَ: غَيْرَهُ -) . رواه مسلم (1469) .
وليعلم هؤلاء الأزواج أن قدوتهم هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان خير زوج لنسائه.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
وقوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي: طيِّبُوا أقوالكم لهن، وحَسّنُوا أفعالكم، وهيئاتكم، بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/228، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأنا خَيْرُكُم لأهْلي) - رواه الترمذي (3892) وصححه -، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جَمِيل العِشْرَة، دائم البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بهم، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين؛ يَتَوَدَّدُ إليها بذلك، قالت: سَابَقَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم، ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني، فقال: (هذِهِ بتلْك) – رواه أبو داود (2578) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " -، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/21.
" تفسير ابن كثير " (2 / 242) .
على أننا، وبخصوص هذه المشكلة، نرى أن جزءا كبيرا من العلاج يكمن في إبعاد زوجك عن صحبة السوء التي شغلته عن بيته وأهله ودينه؛ فإن أمكن الاستعانة على ذلك برفقة صالحة من أهله تغنيه عن رفقاء السوء الذي أفسدوا حاله، فهو أمر حسن.
ثم عليك أنت أيضا أن تستعيني بالله في تعويضه عن هذه الرفقة بالسكن والمودة والرحمة التي تشيعينها في بيتك، عسى الله أن يجعل لك ولزوجك من ذلك البلاء فرجا ومخرجا.
ونسأل الله تعالى أن يهدي زوجك، وأن يوفقه لمرضاته، وأن يجمع بين زوجته على خير.
وانظري جوابي السؤالين (45600) و (9463) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/232)
تقدم لها شاب فرفضته من أجل تشككها من توبته وخوفها من انتكاسته
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد استشارتكم؛ فأنا في حيرة من أمري: أنا فتاة ملتزمة - ولله الحمد -، أحافظ على صلاتي، وصيامي، وقيام الليل، وعند مشاهدة التلفاز أشاهده بتحفظ، فلا أنظر إلى الحرام والغناء، تقدم لخطبتي شاب، جميع مواصفاته جيدة، ولكن عندما جلست للحديث معه وكنت في حضرة أهلي وأرتدي الحجاب: تحدثنا، وأعجبني كل شيء فيه، كذلك هو أُعجب بي جدّاً، وقال لي: أنا أريد فتاة تكون ملتزمة، ولم أجد مثلك، لكن في نهاية الحديث صارحني بماضيه، فقال لي: أنا فعلت جميع أنواع المعاصي إلا الزنا، والمخدرات، لم أقربهم، وكنت على علاقة مع الفتيات، وكنت أجلس على التشات، لكني تركت ذلك، وتبت إلى الله، وأنا أحب أتزوج فتاة متدينة، وأُعجبت بتدينك، ولكن مع أنه قال لي إنه تاب إلاَّ أنه عندما كان عندي جاءته رسالة جوال فقلت له: من هذا؟ ضحك، وقال لي: هذه فتاة، قلت له: ما دام أنك أقلعت عن ذلك لماذا لا تغير رقمك؟ قال لي: أنا أعطيك الجوال وأنتِ ردي عليهم مثل ما تريدين، فرفضته بعد أن كنتُ موافقةً عليه، مع أنه رضي بي، ورضي بقصري، ونحافتي، فأنا قصيرة، ونحيفة، وكان هذا في شهر رمضان، كنت أدعو الله إن كان سيبعدني عنك: أبعِده عنِّي، وسبحان الله، صارحني، ورفضته. الأمر الذي يحيِّرني: في هذه الأيام حلمت حلماً: أن شابّاً جاء لخطبتي، وعندما أردت الدخول لرؤيته: كنتُ أنتظر أخي حتى يفرغ من الصلاة ليدخل معي، وكان شعري طويلا جدّاً وجميلاً، ودخلت كاشفة لشعري فقط، وجلست بجانبه، وكان يلبس خاتماً من فضة في يده اليمنى، أما أنا لم أكن لابسة ذلك الخاتم، هذا الشاب لا أعرفه، وكان يتحدث مع أهلي عندما جلست بجانبه، وقد رأيتُ في تلك الجلسة الشاب الذي تقدم لخطبتي فتعجبتُ لماذا هو موجود؟ وكان هذا المنام قبل قيامي لصلاة قيام الليل، وفي اليوم الثاني رأيت أنني أشتري خاتماً، ولبسته في يدي، وأسورة، أو ساعة، ولكن لم ألبسها لأنها تحتاج إلى تصغير، في اليوم التالي قال لي أحد الأشخاص أن ذلك الشاب الذي رفضتيه لم يجد إلى الآن فتاة مثلك، وهو معجب بك. أريد استشارتكم، أنا نفسي فيه، فأنا ارتحت له، ولكن رفضته من أجل الله، خائفة أن لا تكون توبته صادقة، أو أن يعود إلى شرب الخمر، مع أنه قال لي إنه تاب، خائفة أن يبعدني عن الله، أو يجرني إلى معصية الله، أنا أحب أن أوافق عليه حتى آخذ بيده إلى الله، ولكن خائفة أن لا أستطيع التأثير عليه، مع أنه هو يريد فتاة ملتزمة، هل يجوز لي أن أخبر ذلك الشخص أن يلمح له ليطلبني مرة أخرى، أو يحادثني على الإنترنت على الماسنجر؛ لأنه قد يخاف أن يكسف مرة أخرى، فربما إذا حدثني على الماسنجر أعرف عنه أكثر؟ ماذا أفعل؟ هل أنساه أم أوافق عليه وأنال به الأجر؟ أم إن من يتعلق بهذه المعاصي لا يستطيع تركها؟ ورأيته مرة أخرى في منامي وهو يمسك بثيابي ويقول لي: أنا عشت خمس سنوات في ضلال ولقيتك لماذا تخليتِ عني؟ ماذا أفعل؟ هل موافقتي له قد يهتدي على يدي؟ أم يبعدني عن ربي؟ أرجوكم أفيدوني ولا تتأخروا عليَّ بالرد، أرجوكم، أرجوكم، جزاكم الله خيراً. أريد الرد على البريد الالكتروني، مع العلم أنني إذا تحدثت معه على النت سيكون في حدود ما يرضي الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لن نبنيَ جوابنا على ما رأيتيه في منامكِ، بل على الحقائق التي ذكرتيها في سؤالكِ مما كان في اليقظة؛ لأن ما يُرى في المنام ليس شيئاً واحداً، فبعضه يكون حلماً من الشيطان، وبعضه يكون حديث نفْس، ويظهر لنا أن الأمر عندك هو من حديث النفْس.
والذي لمسناه من سؤالك هو أنك تتصفين ببعض الصفات التي قد تؤثِّر على حياتك قبل الزواج وبعده، وهذه الصفات هي: " التشكك الزائد " و " الخوف من المجهول "! .
فأنتِ تتشككين في حقيقة توبة ذلك الخاطب، وعندك أن بعض المعاصي لا يُتاب منها! ولا يتركها صاحبها! وعندك " الخوف " من أن يؤدي الزواج به إلى التأثير عليكِ وجرك معه إلى أن تفعلي أفعاله!
وكلا الأمرين خطأ، ولا ينبغي لك التخلق بمثل هذا، وظننا بك حسنٌ، وأنك تريدين القُرب من الله تعالى، وأنك تسعين لنيل رضاه، لكن ليس بمثل هذه الأشياء تتم الأمور.
فالرجل قد اعترف بأنه كان مبتلى ببعض المعاصي، وذكر أنه لم يفعل الزنا ولم يتناول المخدرات، وليس ثمة ما يُلزمه بالبوح بهذا أصلاً، بل إننا نراه مخطئاً في فعله، وكان الواجب عليه ستر نفسه، والاكتفاء بذكر حاله الذي هو عليه الآن.
وقد ظهر منه – أيضاً – أمرٌ مستحسن لا يصدر إلا عن صادق في توبته – كما نراه والله أعلم بحقيقته – وهو إعطاؤك الجوال لتردي على تلك الفتاة المعاكسة وتمكينك من ذلك في غيرها، وإننا لنعلم من حال كثير من التائبين أنه يلاحقهم شياطين الإنس من النساء والرجال لصدِّه عن التوبة، وإرجاعه إلى حاله الأول، وقد تكون بعض الفتيات ممن كان يعرفهن يفعلن ذلك، وقد سلك طريقاً جيدة في التخلص منها، وهو أنه جعلكِ تردين عليهن، وهذا يدل على صدقه، وعلى سلوكه طريقة ناجحة في التخلص منهنَّ.
ولا ينبغي لك " التشكك " في توبة الناس، وإساءة الظن بهم، والمسلم ليس له إلا ما ظر من الناس، وفي حال تقدم الراغب بالزواج لطلب فتاة: فإن من حقها السؤال عن دينه وخلقه، ومعرفة ذلك من المقربين منه، وليس لها ولا لأهلها البحث عن ماضيه، والنبش على أحواله السالفة، والعبرة بما هو عليه الآن، لا ما عليه كان.
كما أنه لا ينبغي لك وضع العراقيل أمام الاقتران بشخص بحجة أنه قد يُفتن، وأنك قد تفعلين مثل فعله بداعي التأثير عليك، ولماذا كان الخوف من جهته ولم يكن من جهتك؟! نعم، كما أنه هو معرَّض للفتنة فكذلك الأمر بالنسبة لك، فهل ضمنتِ العصمة من الفتنة؟ قطعاً لا، فلماذا الخوف من فتنة الطرف الآخر وعدم الخوف من فتنة نفسك؟! .
نحن لا نعرفك، ولا نعرفه، ولسنا بصدد إقناعك به، ولا تشجيعك على الاقتران به، ونحن لا ندري فقد يصلح لك ولا تصلحين له، وقد يكون العكس، لكننا نتكلم معك بحسب ما جاء في سؤالك واستفسارك، ونحن نتكلم معك عن عموم حالك لا عن خصوص مسألتك؛ لأننا نرى أن ما تتشككين به وما تخافين منه قد يكون له أثر سلبي على حياتك.
ونلخص ما نريد قوله لكِ بنقاط محددة:
1. اقبلي من الخاطب ظاهر حاله، ولا تلتفتي لماضيه الذي تاب منه، وصدق في توبته.
2. احرصي على التزوج بصاحب الخلُق والدِّين، فهو الذي يعينك على طاعة ربك، ويأخذ بيدك لطريق الجنة.
3. ليكن خوفك من الانتكاس عن طريق الهداية دافعاً لك للاستقامة على دين الله تعالى، وإصلاح باطنك، كما تصلحين ظاهرك، وأكثر، وافعلي مثل ذلك مع زوج المستقبل، أعينيه على طاعة الله تعالى، وخذي بيده لطريق الاستقامة، فاستثمري خوفك من الانتكاس إلى برنامج لتثبيت الإيمان وزيادته.
4. ليس ثمة من هو معصوم عن الفتنة، فلا تظني بنفسك خيراً، وبالناس شرّاً، والثقة بالنفس قد تؤدي إلى الغرور، وإساءة الظن بالآخرين قد تؤدي إلى العيش في ظلمة حالكة، لا يرى الإنسان فيها حتى نفسه، فضلا أن يرى الطريق أمامه، أو يرى غيره.
5. صارحي أهلك بحقيقة تراجعك عن رفضه، ولا تجعلي ذلك لنفسك دونهم، فالقبول والرفض كما أنه حق لك، فهو حق لهم كذلك، ولن يكون موقفهم حسناً لو أنه رجع ليطلبك دون أن يكون عند أهلك سابق علم بتراجعك عن قرارك الأول.
6. اجعلي أحد أفراد أهلك من الرجال يتثبت من الخاطب، ويسأل عنه من يعرفه، ويتحرى عن حاله واستقامته، لاسيما فيما يتعلق بالمعاصي التي كانت منه في ماضيه، فالذي تاب من تلك السبيل، وسلك طريق الهداية، لا يخفى حاله إن شاء الله: من استقامته في خلقه، وحرصه على صلاة الجماعة في حيه، وخاصة صلاة الفجر.
07 ليكن الحكم على اختيارك، هو ما يظهر لك من دينه وخلقه، وصلاحيته لأن يكون لك زوجا؛ تأمنين معه على دينك وعرضك، بحسب ما فصلناه من قبل؛ وليس الدافع أن يهديه الله على يديك؛ فتأثير الرجل على امرأته أشد من تأثيرها عليه، لاسيما في ناحية الهداية والاستقامة، فإن لم تطمئني إلى حسن حاله وصدق توبته، فلا ننصحك حينئذ بالإقدام على الاقتران به.
7. في حال اطمئنانك إليه، يمكنك إبلاغ ذلك الخاطب أن يتقدم لك، عن طريق أحد أفراد أهلك، أو عن طريق واسطة من النساء تعرفينها وتثقين بها، وتكون من محارمه.
8. لا يجوز لك الكلام معه على الماسنجر، ولا غيره من وسائل الاتصال والمراسلة، وقد ذكرنا في الموقع فتاوى كثيرة لأهل العلم في تحريم ذلك، ولا تغتري بتزيين الشيطان أن ذلك سيكون في حدود ما يرضي الله، أو أن ذلك سيكون مرة واحدة أو مرتين فقط، فهذا من طرق الشيطان ليوقع المسلم فيما لا تُحمد عقباه من المخالفة والآثار السيئة في الدنيا على حياته.
9. إذا لم يتيسر أمر ذلك الخاطب: فلعل ذلك أن يكون خيراً لك وله، فاستفيدي مما حصل، ودوامي على الدعاء بأن ييسر الله لك أمرك، فلا غنى للعبد عن ربه.
10. وقد جاء في سؤالك أنك ترين التلفاز بتحفظ! ولا ندري وجه التحفظ هذا، فما يظهر في التلفاز أكثره – وفي كثير من القنوات كله – لا يجوز النظر إليه، وخاصة من النساء، فلا يجوز لك نظر الريبة أو الشهوة إلى الرجال، أو النظر ـ مطلقا ـ إلى عوراتهم، ولا سماع الموسيقى والمعازف منه، ولا يحل لك النظر إلا لبنات جنسك، مع خلو ذلك من صوت المعازف.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/233)
هل تقيم مع زوجها في الغرب أم ترجع لبلدها حفاظاً على دينها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة، وزوجي يعمل في أمريكا، فسافرت إليه هناك، وأول ما دخلت هذه البلاد تحطمت نفسيتي، ولم أعد أحتمل العيش هنا، وأنا دائماً في البيت، لا أهل، ولا أقارب، ولا أصحاب، ولا عرف أحداً هنا ـ من أهل ديننا حتى نخالطه!! فقط نعيش أنا وزوجي وأمه، أحس كأنني في عالم آخر، أو أنني في كهف منقطع عن العالم، وقد أثَّر هذا الوضع على ديني، فأصبحت لا أقوم الليل، ولا أصوم النهار، وحتى إني أصبحت أبحث عن أي شيء لأرفِّه عن نفسي، فصرت أبحث – للأسف - عن مواقع الجنس! وصور! وغير ذلك، والله المستعان، اللهم اغفر لي. وأصبحت أضعف إيمانيّاً أكثر، وأكثر، علماً أنني كنت داعية في بلدي، لذلك قررت الرجوع لبلدي، وأرفع شعار " إني مهاجر إلى ربي "؛ لأني أريد الرجوع لصديقاتي الصالحات، وبيئتي الملتزمة، كي أرجع إلى الله، وأريد أن أذهب عمرة أيضاً عندما أرجع لبلدي، ومنها أكمل دراستي؛ لأنه بقي فصلان وأتخرج، ولكن السبب الأساسي لسفري: الدِّين. فسؤالي لك - فضيلة الشيخ - هل تشجعني على ذلك؟ فأنا سأبعد عن زوجي بهذه الحال قريب الستة أشهر، وقد سألت زوجي هل تصبر ستة أشهر؟ قال: نعم، علماً أن شهوته قوية جدّاً، وأنا لا أريد أن أكسب إثماً، مع أني أخاف إذا بقيت هنا أن أضعف إيمانيّاً أكثر، والله المستعان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن ييسر لك ولزوجك الخير، وأن يهديكما لما فيه رضاه، ونشكر لك ثقتك بنا، ونشكر لك حرصك على زوجك وعلى نفسك، وهذا يدل – إن شاء الله – على صدقٍ في الاستقامة، ونسأل الله أن يثبتكم، وأن يزيدكم من فضله.
ثانياً:
يجب عليكِ التوبة الصادقة من المعاصي التي اقترفتيها في بلاد الكفر، من تصفُّح لمواقع جنسيةٍ، والنظر إلى عورات الرجال والنساء، وهذه الأفعال من كبائر الذنوب؛ لأن ما يحدث في تلك الأفلام، وما يُصوَّر في تلك الصور هو الزنا، واللواط، والسحاق، بل ومعاشرة البهائم! وهذا من انتكاس الفطرة عند أولئك القوم.
والنظرُ إلى تلك الصور والأفلام نوع من المشاركة فيها، بإطلاق البصر فيما حرم الله تعالى من العورات التي يهتكها هؤلاء الفجار، ثم أثره في القلب: بتفريق شمله، وإمراضه، وشغله بالشهوات، وحجب سبل الخير عنه، مما لا يخفى على من كان له قلب ونصح لنفسه.
فالتوبة الصادقة تقتضي منك: الاستغفار باللسان، والإقلاع عن المداومة في النظر إلى تلك المنكرات، وتقتضي الندم القلبي، والعزم على عدم العودة إلى هذه المعاصي والآثام.
ثالثاً:
والحل الجذري لقضيتكِ أمره سهل، وهو أن يترك زوجك العمل في تلك البلاد الكافرة، وهو ليس أمراً اختياريّاً له، بل هو واجب شرعي، ويحرم على المسلم الذهاب إلى مثل تلك البلاد لغير ضرورة العلاج، أو التجارة، أو الدعوة، وحتى أصحاب الضرورات فإنه لا بدَّ من توفر شروط في حقهم: كالعلم الذي يمنعهم من الوقوع في الشبهات، وكالعفاف الذي يمنعهم من الوقوع في الشهوات، وعلى أن يرجعوا لبلاد الإسلام فور انتهاء ضرورتهم.
وليس العمل في تلك البلاد من الضرورات التي تبيح لأحدٍ أن يقيم في تلك الديار، وليست الدراسة التي تتوفر في بلاد المسلمين من تلك الضرورات.
لذا فيجب على زوجك أن يحمل الشعار الذي ارتضيتيه لنفسك، وهو أن يهاجر بدينه إلى ربه تعالى، ولم يعد خافياً على أحدٍ ما في تلك الديار من شهوات تقضي على الخلق القويم، وتنكِّس الفطرة السوية، وانظري في حالكِ كيف كنتِ وكيف صرتِ، فإذا كان هذا هو حالك وأنت في البيت، فكيف سيكون الحال عندما تواجهين الفتن في تلك الديار سماعاً ومشاهدة وملامسة؟! .
رابعاً:
وإذا لم يقتنع زوجك بهذا الحكم، أو رضي ولكنه أجلَّه لفترة محددة: فإننا نبقى أمام مشكلتك وإياه، هل تبقين عنده معرِّضة نفسك للفتن والشهوات ونقصان الدِّين مع المحافظة على عفافه وتصريف شهوته بالحلال، أم ترجعين لبلاد المسلمين إنقاذاً لنفسك من الفتن والشهوات، مع احتمال تعرض زوجك لفتنة الشهوة؟
إن الجواب على هذا السؤال ليس سهلاً تقريره، ولكننا لسنا أمام شكوى من زوجك لحاله، وإنما نحن أمام واقعكِ الذي علمناه منكِ، وأنتِ الذي يطلب المشورة والإنقاذ، وأنتِ الذي نعلم ما عاناه وما يمكن أن يعانيه في حال بقائه في تلك الديار، لذا فإننا نقول لك:
1. الخيار الأسلم للطرفين: هو البقاء مع زوجك إن كانت مدته قريبة الانتهاء، أو أنه قرر المغادرة بعد فترة من الزمان، وبقاؤك معه مشروط بشرط بالغ الأهمية، وهو أن تلتزمي الاستقامة في تلك البلاد في بيت الزوجية، وأن تغيري من نظرتك لنفسك وأنك تعيشين في كهف منعزل عن الناس، وتبدئين بالعمل الجاد للإسلام والمسلمين، نعم، نريدك أن تستمري داعية للإسلام، والناس هناك أحوج لدعوتك من الناس في بلادك، فهم بين كافر يحتاج من ينقذه من النيران، وبين مسلم ضيَّع هويته واستقامته إلا من رحم الله.
نريدك داعية إلى الله في مواقع الإنترنت كاتبة، وموجهة، وواعظة لبنات جنسك، ونريدك منطلقة في التعليم لهن عبر برنامج " البال توك " في الغرف الخاصة بالنساء، ونيدك مع دعوتك لأولئك المحتاجين لكِ أن تطلبي العلم عبر الأشرطة، والكتب، والقنوات العلمية الموثوقة.
واعلمي أنك إن عشتِ للإسلام، وإن عشتِ لدعوة المحتاجين لدعوتك: فلن تكوني منعزلة عن العالَم، ولن تكوني في كهفٍ منقطع، بل ستكونين بين صديقاتك، وأهلك، وبين المحتاجين للدعوة والتعليم.
وإننا لنجزم أنك لن تَجِدي الوقت للقيام ببعض المباحات إن التزمتِ ما قلناه لك، فضلاً أن تجدي الوقت للنظر في الحرام وسماعه، فأين هو الوقت الذي يجده الداعية للقيام بما أوجبه الله تعالى عليه من التعلم والتعليم والدعوة إلى إليه تعالى؟! إن الوقت لو كان يُشترى لاشتراه العلماء وطلبة العلم والدعاة إلى الله لضيق وقتهم عن القيام بمثل تلك الواجبات.
2. والخيار الثاني: هو الرجوع الفوري لبلادك، هروباً من بيئة الفتن، ورجوعاً إلى بلاد الإسلام والمسلمين.
لكننا سنصارحك بما في قلوبنا من باب النصح الواجب علينا تجاهك، وهذه المصارحة تقتضي منك الاعتراف بحقيقة الحال التي ستكونين عليها عند رجوعك لبلادك، فاسمعي منا يا أختنا:
أنتِ قد اعتدت تصفح المواقع المحرمة، والنظر إلى الصور القبيحة، والعورات المكشوفة؛ هذا كله وأنت في بيتك، وبوجود زوجك وأم زوجك في بيت الزوجية في بلاد الكفر، وأنتِ الآن تريدين الفرار من ذلك إلى بلدك، ومعنى ذلك أنك ستكونين في بلدك وحدك في بيتك، فهل بقي عندك من العزم والقوة في دين الله ما يمنعك من ذلك، حين تكونين وحدك، بلا رقيب ولا حسيب، بل ولا زوج يعوضك بحلال الله عما فاتك من مشاهد تلك القاذورات؟! وبالطبع نحن نعلم أنه لا علاقة بفساد المجتمع في تلك البلاد الكافرة بما ارتكبتيه من آثام وخطايا؛ لأنك لم تخرجي للمجتمع وتخالطيه، بل فعلتِ ذلك وأنت منعزلة عن الناس في بيتك.
لذا فإننا نقول لك صادقين: إن دوافع ارتكابك للحرام في تلك البلاد التي يوجد فيها زوجك متوفرة بما هو أسهل منها إذا رجعتِ لبلدك وكنتِ وحدك، لذا فإننا نشترط عليكِ للخيار الثاني: أن لا تكوني وحدك في البيت الذي تسكنين فيه، بل لا بدَّ من سكنك مع أهلك، أو سكن أهلك – أو بعضهم – معكِ، ونشترط عليكِ أن تعزمي على عدم تكرار ما حدث معك سابقاً، وأن تكوني صادقة مع نفسك في معرفة قدراتك الحقيقية، ثم نشترط عليكِ ـ أخيرا ـ أن تكوني جادة في الرجوع إلى أحسن مما كنتِ عليه قبل سفرك لتلك الديار، واعتيادك لتلك المعاصي والخطايا.
فإن التزمتِ بهذا الشروط: فإننا نرى أن الأفضل لك هو الخيار الثاني، وإن كنتِ ترين ما صارحناكِ به حقيقة وواقعاً، وأنك تخشين رجوعك للوقوع في الإثم نفسه: فاختاري الخيار الأول بشروطه.
وندع الأمر لكِ، وليس لنا إلا النصح والتوجيه والإرشاد، واعلمي أن اختيارنا لك لأحد الأمرين إنما هو مع تحقيق شروط كل واحد منهما، لا بدونها.
وخلاصة الخيارين:
1. البقاء مع زوجكِ لحين انتهاء عمله، على شرط الالتزام بترك النظر في المواقع المحرمة، وبشرط العمل على طلب العلم والتعليم ودعوة الناس.
2. أو الرجوع لبلدك، بالشروط السابقة نفسها.
فلا بقاء مطلقا، ولا رجوع مطلقاً، وإنما هو بحسب الحال الذي ستكونين عليه، واعلمي أننا نرى أن الأفضل لك هو البقاء لحين انتهاء زوجك من عمله، والالتزام بالشروط التي ذكرناها لك، ونرى أن هذا الخيار بشروطه سيستفيد منه زوجك، وأما الخيار الثاني بشروطه فإنه سيضره بسبب فقده لكِ، وسيضرك بسبب فقدك له.
وانظري كلام الشيخ العثيمين – رحمه الله – في جواب السؤال رقم (3477) ففيه ترجيح للخيار الأول، وهو الذي نميل إليه.
وفي جواب السؤال رقم (5322) ذِكر شروط مهمة لبعد الزوجة عن زوجها.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/234)
ترفض المتقدمين للزواج فهل يمكن أن يكون سحراً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بنت عندي تقريبا 28 سنة، مثقفه، وملتزمة، والكل يحترمني، ويحبني، والحمد لله، لست متزوجة، والسبب أنه كلما تقدم لخطبتي شخص أحاول أن أجد أشياء سيئة فيه حتى أرفضه، ثم بعد ذلك أندم، وعندي صديقة أثق فيها كثيراً، وهي تحبني، وتريد مصلحتي، قالت لي قبل أيام: إن السبب هو سحر معمول لك من شخص لا يريد أن تتزوجي، وأنا أريد أعرف حكم الإسلام بهذا الموضوع، وهل ممكن فعلا يحصل هذا الشيء؟ يعني: ممكن أن يعملوا لي عملاً يخليني أرفض الزواج حتى لو كنت مقتنعة بذالك الشخص، وإذا هذا صحيح فما حله؟ وأيضاً قالت لي إنه يوجد أشخاص يمکنهم فك هذا السحر. رجاء ساعدوني لأني بصراحة ما أصدق هذه القصة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من ترفضينه ممن يتقدم لخطبتك لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون متصفاً بصفات سيئة في حقيقة الأمر.
والثانية: أن يكون ذلك وهماً وتخيلاً منك، وليس واقع الأمر كذلك.
فإن كانت حاله الأولى: فقد أحسنتِ في ردِّه وعدم القبول به زوجاً، ولا يصلح للمرأة زوجٌ إلا من حسُن دينُه وخلُقه، فهو الذي يدلها على الخير، ويعينها على طاعة ربها، ويربي أولادها على أحسن الأخلاق والأقوال والأفعال.
لكننا ننبه هنا إلى أمر بالغ الأهمية، وهو أن الحكم على بواطن الناس ليس إلى البشر، ولم يؤمر به أحد، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ) رواه البخاري (4351) ومسلم (1064) .
وإذا كنا لم نؤمر بذلك، فيكفينا من الناس ما ظهر منهم، فمن أظهر لنا الخير أمناه، وحكمنا عليه بما ظهر منه، وأمره إلى الله.
عن عَبْد اللَّهِ بْن عُتْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: (إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ؛ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ؛ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ) . رواه البخاري (2641) .
ويوشك ـ أيتها الأخت الكريمة ـ إن فتشت الناس، وبحثت عن بواطنهم ألا يسلم لك أحد؛ وانظري في نفسك ـ أولا ـ: هل أنت سالمة مما تفتشين الناس عنه:
وَمَن لا يُغَمِّض عَينَه عَن صَديقِهِ وَعَن بَعضِ ما فيهِ يَمُت وَهوَ عَاتِبُ
وَمَن يَتَتَبَّع جاهِداً كُلَّ عَثرَةٍ يَجِدها وَلا يَسلَم له الَّدهرَ صَاحِبُ
عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ!!)
فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، نَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا!!
رواه أبو داود (4888) وصححه الألباني.
قال المناوي رحمه الله: " لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة، أو لحصول تهمة لا أصل لها، أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم.
وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يراد إزالتها.
والحاصل أن الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن "
فيض القدير (1/559) .
ثم إن نصيحتنا لك ـ أيتها الأخت الكريمة، ولأخواتنا اللاتي يبحثن عن الزوج المناسب ـ أنه لا ينبغي للمرأة أن " نتشدد " في الشروط التي ينبغي توفرها في الزوج من حيث أخلاقه وتدينه؛ لأمرين اثنين:
الأول: أنها هي قد لا يكون عندها من الميزات والصفات من حيث التدين والجمال ما يدفع أصحاب الخلق والتدين للبحث عنها وطلب الاقتران بها، وهنا لا يكون لرفضها وجه؛ لأنه قد يستحيل أو يصعب مجيء من في خيالها ليطلبها زوجة، فليراع هذا الأمر فإنه مهم.
والثاني: أن الناس درجات في أخلاقهم وتدينهم، وإذا جاء لها صاحب خلق ودين فلتعلم أن ثمة من هم خير منه، وثمة من هو خير منهم، ولذا فلترض بالحد المناسب لأن يكون زوجاً يستر عليها، ويدلها على الخير، ويحب أن يزداد في إيمانه، وأن لا يكون كارهاً لسترها وتدينها.
وإن كانت حاله الثانية: فالاحتمال الأكبر أن يكون ذلك بسبب الحسد أو السحر، ويسمى هذا النوع من السحر " سحر التعطيل "، ويمكنك معرفة هذا الحال إذا كان المتقدم للزواج صاحب خلق ودين، ولا يكون فيه ما يعيب، فتقبلين به ويقبل بك، ثم لا يتم الأمر، أو ترفضينه من غير سببٍ ظاهر.
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله -:
وأما سحر تعطيل الزواج: فكثيراً ما يشتكي النساء التعطل، بحيث لا يتم الزواج، مع توفر الشروط، وعدم الموانع، وقد يتقدم الخطباء، ويتم القبول، ثم ينصرفون دون إتمامه، ولا شك أنه بسبب عمل بعض الحسدة ما يصد عن إتمامه، وما يحص به التغيير، حتى إن بعض العوائل يبقون دون أن يتم تزويج نسائهم، وإن تم الزواج لبعضهم: حدث ما يسيء الصحبة.
" الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة " (ص 175) .
ثانياً:
وحل هذين الأمرين سهل ويسير بإذن الله، فإن كان الحال هو أنك تتشددين في صفات الراغب بالزواج: فاعلمي أن حل هذا الأمر بالرضا بالزوج الذي تتوفر فيه صفات الرجولة وحب الخير والدين الذي يمنعه من فعل المحرمات، والناس تتفاوت في هذا، فاقبلي بمن يزكيه لك الناصح الأمين من أهل الخير والدين، ممن له علم بحالك وحال الخاطب؛ ولعل الله أن يجعل فيه خيراً كثيراً.
وأما حل الأمر إن كان الحال أنك أصبتِ بعينٍ، أو تمَّ عمل سحر لكِ: فعليكِ السعي في حله بالطرق الشرعية، وقد بيَّنا هذه الطرق في أجوبة الأسئلة: (13792) و (11290) و (12918) فلتنظر.
ولا داعي للبحث عن أناسٍ لحل السحر؛ فالقراءة والرقية تستطيعين القيام بها وحدك، فإن تعذَّر عليك القيام به: فابحثي عن أختٍ يوثق بدينها للقيام به، واحرصي على البعد عن الرجال.
ونسأل الله تعالى أن يعينك ويوفقك لكل خير، ونسأله أن يثبت قلبك على دينه، وأن ييسر لك زوجاً صالحاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/235)
نصائح لأبٍ ترك ابنُه حفظ القرآن بسبب النية، ونصائح للابن
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي ولد يحب الخير كثيراً، ويدعو إليه، ويحفظ القرآن، ويحافظ على الصلاة من الصغر، وفي الآونة الأخيرة بدأ يهمل الحفظ، ولا يرغب في الذهاب إلى حلقة تحفيظ القرآن، ويقول: إنه لم يحفظ إلا من أجلي، ولم يصلِّ في الناس إماماً إلا من أجلي، وأنه سمع أحد المشايخ يذكر حديث أن من يحفظ أو يصلي من أجل أبيه أو أمه سوف يجر إلى النار، وحديث أن من حفظ القرآن من أجل أن يقال عنه أنه قارئ يسحب إلى النار، ويقول: إنه من بعد هذه الخطبة وهو يفكر في هذا الكلام والعذاب، حيث ناقشته أن هذا من الشيطان، وأن يصلح النية أنه يحفظ القرآن من أجل أن يتعبد الله فيه، ولكنه يحدثني والدموع نزلت من عينه ومخنوق في الكلام، ولا أدري ماذا أفعل معه، مع العلم أني من ذلك الوقت وأنا لا أكلمه، ولا أمزح معه مثل إخوانه، محاولة مني أن يعدل عن رأيه، ولكنه مصر على عدم الذهاب إلى حلقة التحفيظ، وهو في الصف الثالث المتوسط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يصلح لك ذريتك، وأن يجزيك خير الجزاء على اهتمامك وعنايتك ببذل النصح والتوجيه والإرشاد لمن ولاَّك الله تعالى مسئوليتهم.
واعلم أيها الأخ الفاضل أن تربية الأولاد شاقة، وأنها تحتاج لعلم وحكمة، ولصبر وجلَد، فالأولاد – ذكوراً وإناثاً – يمرون في مراحل مختلفة من أعمارهم، ولكل مرحلة مشكلاتها، فعليك معرفة هذا، والانتباه له قبل الشروع في حل مشكلة ابنك وتركه لحفظ القرآن.
ثانياً:
لا ينبغي للآباء التخلي عن مسئوليتهم في تربية أولادهم لحدَثٍ يحصل مع أحدهم، ولا ينبغي لهم ترك توجيههم والعناية بهم، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عنهم يوم القيامة، ورعيته – من زوجة وأولاد – من الأمانة التي حذَّر الله تعالى من التفريط في القيام بحقوقها.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) التحريم/6.
وقال تعالى: (إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإنسَنُ إِنَّه كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) الأحزاب/72.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا) . رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
قال ابن القيم - رحمه الله -:
فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءَهم كباراً.
" تحفة المودود " (ص 229) .
ثالثاً:
ما فعله ابنك من ترك الاستمرار في حفظ القرآن والقيام بالإمامة يحتمل أحد أمرين:
الأول: أن يكون صادقاً في قوله، وهذا هو الذي يظهر لنا في الواقع، وهنا يجب عليك نصحه وتوجيهه بالتي هي أحسن، وإفهامه أنه لا يتعارض ما تأمره به مع الإخلاص في النية، وأنه يستطيع إصلاح نيته لو كانت فاسدة، فإصلاحها خير له في دنياه وآخرته من ترك العمل بالكلية، وإفهامه أن من طرق الشيطان في الصد عن الطاعات وترك الاستمرار بها: الوسوسة للمسلم بأن نيته غير سليمة، وأنه لا يعمل لأجل الله، فيترك هذا المسلم الطاعة إن كان بدأ بها، أو يتوقف عن إنشائها والقيام بها إن لم يبدأ بها، ويكون الشيطان قد ظفر منه بمراده.
ويمكنك أن تسأل ابنك هذا: ماذا سيصنع مع أولاده عندما يرزقه الله تعالى ذرية ويكون مسئولاً عنها يوم القيامة؟ لا شك ـ إن شاء الله ـ أنه سيجيبك بأنه سيأمرهم بما فيه نفعهم، ويحثهم على الطاعة والعبادة، ومنها حفظ القرآن والصلاة، فإن صدق معك وأجابك بهذا: فيكون قد ألزم نفسه، وحجَّ نفسه بنفسه، وهو ما فعلتَه أنت معه.
وننصحك أخي الفاضل أن لا تكثر من اللوم عليه، والنقاش معه، ويمكنك الذهاب لعالِم أو طالب علم يثق به لتعرض الأمر عليه، فيسمع من غيرك من أهل العلم ما يطمئن به قلبه، ويريح به نفسه، ولا تُلزم نفسك أن تكون أنت الناصح المغيِّر له قناعته، بل اجعل ذلك لغيرك، حتى يكون ذلك عن رضا تام منه بما يسمع.
كما ننصحك بالكف فوراً عن مقاطعته، والكف عن ترك حسن معاملتك له، بل هو الآن أحوج ما يكون لك ولعطفك، فهو يعاني من أمرٍ عانى منه أئمة وعلماء، وهو " النية "، ومنه ما قاله الإمام سفيان الثوري رحمه الله: " ما عالجت شيئاً أشد على من نيتي "، فإياك أن تتخلى عنه، وإياك أن تقسو عليك في العاملة وإلا خسرته للأبد، ونسأل الله تعالى أن لا يكون ذلك.
والاحتمال الثاني: أن يكون كاذباً، وهنا يجب أن تعلم أنه قد أصاب ابنَك مرضُ " الفتور " و " ضعف الهمة "، ولتلك الأمراض أسبابها الكثيرة، ومنها:
1. تأثير الصحبة السيئة عليه.
2. كثرة الاجبات الدراسية والمنزلية عليه، فتتزاحم عنده الأمور، فيتخلى عن بعضها.
3. إثقاله ببرنامج الحفظ، وهو ما يسبب له مللاً وسآمة.
4. عدم الترويح عنه بالمباحات من الأمور، كالرحلات، واللعب، ومشاهدة البرامج النافعة المفيدة، فمن حرص بعض الآباء على أولادهم لا يلتفتون لهذه الأمور التي تروِّح عن النفس، وتزيد النشاط للعبادة والطاعة.
5. وصوله لمرحلة البلوغ والمراهقة، وهي مرحلة خطيرة في حياة الشباب، يجب على الآباء الاهتمام بأولادهم إن وصلوا لها، فيعامل أبناءه على أنهم رجال لا أطفال، ويخفف الأوامر التي يلقيها عليهم، وتبدأ مرحلة الإقناع والتفاهم، وهو ما يختلف بالكلية عن السن التي كانوا فيها صغاراً.
وما ذكرناه هو بعض الأسباب المحتملة، وأنت عليك الوقوف على حقيقة أمره، إن كان صادقاً أو كاذباً، ولذا فإننا قلنا إن تربية الأولاد شاقة، وتحتاج لعلم وحكمة، وصبر وجلَد، فليس الأمر بالهين، وخاصة مع كثرة المفسدات والملهيات والحرب على الفضيلة والعفاف والاستقامة من الداخل والخارج.
فابحث عن الأسباب التي من أجلها ترك الحفظ والاستقامة، فإن كان صادقاً: فبما ذكرناه لك، وإن كان كاذباً: فعالج ما ذكرناه لك من الاحتمالات، واستعن بالله تعالى أن يوفقك ويهديك ويسددك، ولا تنس الدعاء لولدك فهو أحوج ما يكون له منك.
وهذه تجربة لقارئ مشهور وهو الشيخ محمد صدِّيق المنشاوي – توفي سنة 1388 هـ - فاقرأ ماذا كتب ولده " محمد الشافعي " عنه، وعن طريقة عنايته ورعايته وتحفيظه القرآن لأولاده.
قال الأستاذ محمد حسين إبراهيم الرنتاوي:
ويكشف الشافعي محمد صدّيق – اسم ولد الشيخ - عن ملامح تربوية من حياة والده فيقول: كان أبي حريصاً على أن نؤدي الفرائض، وكثيراً ما اصطحبنا للمساجد التي يقرأ فيها القرآن، وكان ذلك فرصة لي لزيارة ومعرفة معظم مساجد مصر، كما كان يراقبنا ونحن نختار الأصدقاء، ويصر على أن يكونوا من الأسر الملتزمة خُلُقاً وديناً، ويشارك أبناءه في المذاكرة، ويساعدهم في أداء الواجبات المدرسية، ويحضر مجالس الآباء في المدارس التي يلتحق بها أبناؤه، وخلال الإجازة الصيفية كان يشاركنا في الرياضات مثل السباحة والرماية في النهار، وفي الليل يقرأ لنا الكتب الدينية التي تناسب أعمارنا، حتى إذا تعوّد الواحد منّا على القراءة: زوّده بالكتب، وشجّعه على قراءة المزيد، وقبل هذا وذاك يأتي تحفيظ القرآن الكريم للأبناء، حتى من تركه صغيراً: أوصى والده الشيخ صدّيق أن يحفّظه القرآن، وقد فعل.
انتهى
مقال بعنوان " مقرئ الصحوة الإسلامية المعاصرة القارئ الشيخ محمد صدّيق المنشاوي (1920 م – 1969 م) .
مجلة " الفرقان " الصادرة عن " جمعية المحافظة على القرآن " الأردن، العدد الواحد والأربعون، جمادى الأولى 1426هـ، حزيران 2005 م.
رابعاً:
وهذه لابنك، الذي نسأل الله تعالى أن يوفقه ويهديه لما يحب ويرضى، فنقول له:
اعلم أولا ـ أيها الابن الحبيب ـ أن هذه الحيلة الشيطانية للصد عن سبيل الله معروفة قديمة: يريد اللعين أن يصد العبد عن أبواب الخير، ما وجد إلى ذلك سبيلا، ويدخل لكل إنسان من المدخل الذي يناسبه.
ولهذا قال الفُضيل بن عِياض رضي الله عنه:
" تركُ العمل لأجل الناس رياءٌ، والعمل لأجل الناس شِركٌ، والإِخلاصُ أن يعافيَك الله منهما"
الأذكار للنووي (18) .
عن الحارث بن قيس الجعفي قال: " إذا كنت في أمر الآخرة فتَمَكَّث، وإذا كنت في أمر الدنيا فتوَخَّ، وإذا هممت بخير فلا تؤخره، وإذا أتاك الشيطان وأنت تصلي فقال: إنك ترائي فزدها طولا " رواه الإمام أحمد في الزهد (430) بإسناد صحيح عنه.
ولا شك أنك تعلم أن منزلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، وفي ظننا أنك تعلم أنه من العلماء الثقات، ونعتقد أنك تكن له الاحترام والتقدير، ونحن لن نتجاوز الشيخ، وسنتركك معه لنعرض مشكلتك عليه، ونرجو منك الاهتمام بجوابه والعمل به، ففيه السعادة والخير لك في الدنيا والآخرة.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ما نصيحتكم لطالب علم اجتهد في إصلاح نيته، واجتهد في الإخلاص، ولكنه لم يقدر، وهو خائف من أن تصدق عليه الأحاديث الواردة في الوعيد الشديد لمن كانت نيته ليست خالصة لله، ويوشك أن يترك طلب العلم، وجهونا في ضوء هذا السؤال مأجورين؟ .
فأجاب:
إن هذا السؤال سؤال مهم لطالب العلم؛ وذلك أن العلم عبادة من أفضل العبادات وأجلِّها وأعظمها، حتى جعله الله تعالى عديلاً للجهاد في سبيله حيث قال تبارك وتعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ، فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا في الجهاد في سبيل الله كلهم، ولكن ينفر من كل فرقة طائفة ليتفقه القاعدون في دين الله، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، والآخرون يقاتلون في سبيل الله.
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) ، فإذا رأى الإنسان أن الله تعالى قد فقَّهه في دينه: فليبشر أن الله تعالى أراد به خيراً، ويجب إخلاص النية لله في طلب العلم، بأن ينوي الإنسان في طلبه للعلم:
أولاً: امتثال أمر الله تبارك وتعالى؛ لأن الله تعالى قال: (فَاعْلمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ، قال البخاري رحمه الله: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
ثانياً: أن ينوي بتعلمه: حفظ شريعة الله؛ فإن الشريعة تُحفظ في الصدور، وتُحفظ في الكتاب المسطور.
ثالثاً: أن ينوي بتعلمه: حماية شريعة الله عن أعدائها؛ لأن أعداءها مسلطون عليها منذ بعث الرسول عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة، فلينوِ بطلب العلم: حماية هذه الشريعة العظيمة.
رابعاً: أن ينوي بذلك: المدافعة عن الشريعة إذا هاجمها أحدٌ، وحينئذ يجب أن يتعلم من العلم السلاح الذي يدافع به، بل ينبغي أن نقول: الذي يهاجم به أعداء الله، ويعامل كل أحد بالسلاح الذي يناسب حاله، والناس يختلفون في هذا الشيء، فمن الناس من يحاجّ في العقيدة، فيحتاج الإنسان إلى تعلم العقيدة التي يدافع بها العقائد الفاسدة، ومن الناس من يهاجم الإسلام بالأخلاق السافلة، فيجب على الإنسان أن يتعلم الأخلاق الفاضلة، وأن يتعلم مساوئ الأخلاق السافلة وآثارها السيئة، وهلم جرّاً.
(خامساً) : كذلك أيضاً ينوي طالب العلم بطلبه العلم: أن يقيم عبادة الله على ما يرضي الله عز وجل؛ لأن الإنسان بدون التعلم لا يمكن أن يعرف كيف يعبد الله، لا في وضوئه، ولا صلاته، ولا صدقته، ولا صيامه، ولا حجه، وأيضاً يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بعلمه فيبين الشريعة للناس ويدعوهم إلى التمسك بها.
فالعلم في الحقيقة من أفضل العبادات وأجلِّها وأعظمها نفعاً، ولهذا تجد الشيطان حريصا على أن يصد الإنسان عن العلم، فيأتيه مرة بأنَّه إذا طلب العلم يكون مرائياً لأجل أن يراه الناس ويقولوا إنه عالم فيستحسر ويقول: مالي وللرياء، أو يقول له: انوِ بطلبك العلم الشرعي شيئاً من الدنيا حتى يحق عليك الوعيد (من طلب علما مما يبتغي به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضا من الدنيا لم ير رائحة الجنة) ، ويأتيه بالأشياء الكثيرة التي تصده عن العلم، ولكن على المرء أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يمضي لسبيله، ولا يهتم بهذه الوساوس التي تعتري قلبه، وكل ما أحس بما يثبطه عن العلم - بأي وسيلة -: فليقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وليقل " اللهم أعني "، وما أشبه ذلك.
وأقول لهذا الطالب:
امض لسبيلك، اطلب العلم، لا يصدنك الشيطان عن ذكر الله، ولا عن طلب العلم، واستمر وأنت سوف تلاقي صعوبة ومشقة في تصحيح النية، ولكن تصحيح النية أمر سهل، فامض أيها الشاب في سبيلك، واستعن بالله عز وجل، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
" فتاوى نور على الدرب " (العلم) / نقلاً عن موقع الشيخ العثيمين – رحمه الله -.
وفي ظننا أن فيك خيرا كثيرا، إن شاء الله، وأن كلام أئمة العلم والدين، ونصيحة الشيخ العثيمين رحمه الله سيكون لكل ذلك موقعه من عقلك وقلبك وحياتك.
واعلم أن والدك لا يريد لك إلا الخير، وأن كل ما تفعله من الطاعات والعبادات فهو لك ولوالديك.
ثم تذكر ـ أيها الابن الحبيب ـ أن الفوز ببركة القرآن في الدار الآخر مشترك بينك وبين أبويك، فالخسارة بإهماله ـ من ثم ـ مشركة بينك وبينهما:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا) .
رواه أبو داود (1464) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به ألبس يوم القيامة تاجا من نور، ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتان لا يقوم لهما الدنيا، فيقولان: بم كسينا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن "
رواه الحاكم (1/756) وقال صحيح على شرط مسلم، وقال الألباني: " حسن لغيره " كما في صحيح الترغيب.
فالخير والسعادة في طاعة الله في الدنيا، وطاعة والديك واجبة عليك، والعبادات التي تفعلها ليست لأحدٍ من البشر، إنما هي لله تعالى ربك، ونسأل الله تعالى أن يهديك ويوفقك لما يحب ويرضى.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/236)
والدها يريد الإقامة معها وهي وزوجها يريدان الهجرة من بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[يتعلق سؤالي بكوني اضطررت للسفر لبلد غير مسلم بسبب زواجى من رجل كان يعيش ويعمل هناك، حدث ذلك منذ فترة من الزمن، ولكن يريد كلٌّ منَّا الآن الرحيل والذهاب إلى بلد مسلم، في الوقت الذي تقدم فيه أبي بطلب للمجيء إلى هنا حتى يكون قريباً مني، فهو يبلغ من العمر 70 عاماً، وليست لديه زوجة ترعاه، والآن فإن والدي يرجوني ألا أتركه وحيداً؛ لأنه تقدم في العمر للحد الذي لا يمكنه فيه الاعتناء بنفسه، وحتى لو حصل زوجي على وظيفة فى بلد مسلم فإننا لانستطيع أن نصطحب معنا والدي بسبب مشاكل فى الحصول على تأشيرة، رجاء قدموا لي يد العون.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أحسنتما في التخلص من الإقامة في بلاد الكفر، فلا يجوز للمسلم أن يقيم في تلك الديار ويستقر بينهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُر المُشْرِكِينَ) رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (27211) تحريم الإقامة في بلاد الكفر ووجوب الهجرة إلى بلاد المسلمين، فلينظر.
وبخصوص والدك: فيجب عليكِ إبلاغه بهذا الحكم، وعدم التنازل عن ترك البلد من أجله، وذهابه معكم إلى بلدٍ مسلم هو الأليق به، وهو واجب عليكِ أن تسعي فيه، ولا نظن أنه أمرٌ يستحيل حدوثه، فرجل في مثل سنِّه نظن أنه من السهل الحصول على تأشيرة له، وبخاصة أنه والدك، فدرجة القرابة القوية بينكما تؤهله في كل البلدان – في الغالب - للحصول على تأشيرة.
وإذا فُرض أنه صعُب ذلك عليكِ، أو أن الأمر سيتأخر بعض الوقت: فالذي ننصح به هو بقاؤه مع أسرة مستقيمة، أو مع أشخاص موثوقين لحين الحصول على تأشيرة ليلتحق بكم
وإذا لم يتيسر هذا الأمر: فيمكنكِ التأخر من أجله زمناً يسيراً لحين الحصول على تأشيرة، فيسافر معك للبلد المسلم، ويكون زوجك قد سبقك وهيأ لكما أمور السكن والإقامة.
وأخيراً: إذا لم يتيسر أمر تأشيرته، وليس له مكان يقيم فيه في بلده، ولم يوجد إلا أنتِ ترعينه وتقومين على خدمته: فالذي نراه هو اختيار تأخير خروجك من بلد الكفر حتى ييسر الله أمره، ولعلَّ احتسابك هذا الأمر لله تعالى أن ييسر الله لك أمرك، ويفرج عنك كربك، فاقنعي زوجك بتأخير الخروج من أجل والدك، ولعله أن يأخذ سنَّه في الحسبان، وأن يحتسب أمره عند الله تعالى.
وننبه الزوجة إلى أن اختيارها التأخر، أو إلغاء الخروج من أجل والدها لا يكون دون موافقة زوجها، فزوجها له عليها طاعة، فإذا أمرها بالخروج معه، وعدم الانتظار، أو عدم الإلغاء: فليس لها أن تخالفه، وطاعته تقدَّم على طاعة والديها، لذا فليكن الأمر بينها وبين زوجها بالتفاهم والإقناع، فلعلَّه أن يرضى بحلٍّ تبر فيه والدها حتى يقضي الله أمر والدها.
وهذا كله على فرض أنه لا يوجد لوالدك أبناء آخرين يقومون بشأنه غيرك، كما هو ظاهر من سؤالك؛ وإلا لو كان له أحد سواك، ولو أخ أو أخت له، لكان ذلك أعون على تخطي المشكلة، ولو إلى أن يتم لك ولزوجك الاستقرار في مكان يمكنكما اصطحابه إليه.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/237)
أسباب تدخل الأم في حياة ابنتها المتزوجة وطريقة علاج ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة، وأمي تتدخل في شؤوني، وتسبب لي المشاكل مع زوجي , حيث إنها تذهب وتسأل الطبيب عن حالتي الصحية، أو أنها تأخذ من المركز الصحي نتائج فحوصي، وأحيانا تستمر في سؤالي عن أشياء تخص زوجي، وهي تعلم أنه لا يحب هذه الأسئلة، ولكنها لا تبالي , طبعاً هي تقول إنها تفعل ذلك بحجة الاطمئنان عليَّ وعلى صحتي، ولكن أنا وزوجي نرى أن هذا تدخل في حياتنا، وليس من حقها، حاولت التكلم معها مراراً ولكن دون جدوى، بل إنها تغضب مني، أنا لا أدري ما أفعل؛ حيث إنني لا أريد أن أغضب أمي ولا زوجي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن حقَّ الأم على أولادها حقٌّ عظيم، وقد أوجب الشرع على أولادها إيفاء هذه الحقوق، وعُدَّ عقوق الوالدين من كبائر الذنوب.
وينظر تفصيل ما للأم من حقوق، وما عليها في جواب السؤال رقم (5053) .
وينبغي أن تعلم الأم التي زوَّجت ابنتها: أنه لا يجوز لابنتها أن تقدِّم طاعة أمها على طاعة زوجها، ولتعلم – كذلك – أنه لا يجوز لها التدخل في حياة ابنتها بعد زواجها، إلا أن يُطلب منها التدخل للإصلاح والوعظ والإرشاد.
وتدخل أم الزوجة في حياة ابنتها المتزوجة له آثار سلبية وآثار إيجابية، ومن آثاره الإيجابية: ما تفعله الأم العاقلة الحكيمة من توجيه ابنتها وإرشادها إلى ما يُصلح حياتها، سواء كان ذلك التوجيه والإرشاد قبل زواج ابنتها أم بعده.
ولا شك أن تجربة الأم في حياتها، وعاطفتها نحو ابنتها يدفعانها إلى بذل النصح والتوجيه للابنة التي لا تملك ما تملكه أمها من الخبرة والحكمة في التعامل مع الزوج.
وقد يكون لتدخل الأم في حياة ابنتها المتزوجة آثار سلبية، ومن أعظم تلك الآثار ما قد يتسبب به تدخلها من تطليق ابنتها، وذلك عندما يرى الزوج أنه لا طاعة له على زوجته، ولا قوامة له عليها، وأن أم زوجته هي الآمرة والناهية لزوجته، وبذلك تتسبب في خراب بيت ابنتها.
فلا يجوز للابنة مجاراة أمها فيما تتطلبه من أخبارها الخاصة، ولو تسبب ذلك بغضبها عليها، فطاعة الله تعالى مقدَّمة على طاعة غيره، ولا يجوز تقديم غضب غيره على غضبه تعالى على العبد المسلم.
ولا شك أن هذا التدخل من أم الزوجة له أسبابه، ومن هذه الأسباب:
1. قوة شخصية الأم، مع ضعف شخصية زوجها، فتكون هي المسيطرة في بيتها على قراراته ونظامه، فتريد نقل هذا لبيت ابنتها.
2. ضعف شخصية زوج ابنتها مع ضعف شخصية ابنتها، وهنا تكون الفرصة مواتية لأن يكون للأم الدور الأكبر في توجيه دفة قيادة بيت ابنتها، فترى الأم أن البيت يحتاج لإدارة قوية، وأن الزوجين لا يستطيعان إدارة هذا البيت، فتتولى هي قيادته.
3. العاطفة الجياشة نحو ابنتها، وهذا يدفعها لسؤالها عن طعامها، وشرابها، ودوائها، وأمراضها، وعن كيفية تعامل زوجها معها، بل يتعدى ذلك إلى أدق تفاصيل الحياة الزوجية، ومنه الحب والجماع! .
4. ظلم الزوج لزوجته، وهذا الظلم يدفع الأم للتدخل في كل صغيرة وكبيرة؛ لتوقف الزوج عند حدِّه، وتساهم في إعطاء ابنتها حقوقها المسلوبة.
5. كثرة زيارات الابنة لأمها، وكثرة اتصالاتها بها، وفي غالب هذه الزيارات والاتصالات لا تجد الأم شيئاً تتكلم به إلا معرفة ما يجري داخل بيت ابنتها.
ولحل مشكلة تدخل الأم في حياة ابنتها المتزوجة تدخلاًّ قد يفسد عليها حياتها، فعليها وعلى زوجها مراعاة أمور، ومنها:
1. التوجه بالنصيحة المباشرة للأم من قبَل الابنة وزوجها بعدم التدخل في حياتهما، وأن ذلك لا يحل لها، وأن هذا التدخل قد يسبِّب فراق بين الزوجين.
2. مناصحة الأب (زوج الأم) بضرورة كف زوجته عن التدخل في حياة الابنة وزوجها.
3. التلميح للأم، أو حتى تهديدها، بأنه إن استمر التدخل في حياتهما فسوف يمنعها الزوج من زيارة ابنتها أو الاتصال بها، كما أنه سيمنع زوجته وأولاده من زيارة أمها، وبذلك تظهر قوة شخصية الزوجة والزوجة، ويكون هذا مانعاً للأم من التدخل السلبي في حياتهما.
4. ضرورة التفاهم بين الزوجين على تجاوز هذه المشكلة، وعدم تفرد واحد منهما بحله دون الآخر، فهي مشكلة تتعلق بالطرفين، وينبغي أن تكون الرؤية مشتركة.
5. مشاورة الأم في بعض الأمور، وطلب نصحها فيها، حتى تبقى الصلة بينهما بحدودها الشرعية، وحتى تعلم أن تدخلها ليس مرفوضاً كله، وأنهما قد يحتاجانها في بعض الأمور، وهذا يُعطي الثقة فيها، ويُبقي على التواصل، ويمنع من تدخلها السلبي.
6. تخفيف الزيارات والاتصالات بالأم، وإذا حصل شيء من هذا أن يستثمر في الكلام المفيد، والنصح والتذكير بالطاعات، والبُعد عن المعاصي واقتراف السيئات.
ونسأل الله تعالى أن يصلح الأحوال، وأن يهديكم جميعاً لما فيه رضاه.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/238)
كيف يتمتع في الجنة من كان في النار ثم خرج منها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتمتع بالجنة من دخل جهنم وبقي بها لبعض الوقت ثم أُخرج منها وأدخل الجنة؟ كيف يشعرون بالتمتع فى الوقت الذى يمكن أن يتذكروا فيه ما حدث لهم في جهنم (الضغط النفسي البعدي) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يعتقد أهل السنَّة والجماعة أن من المسلمين من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومنهم من يدخل الجنة بعد الحساب، ومنهم من يدخل الجنة بعد العذاب في النار، ما شاء الله له أن يعذب، ثم خروجه منها.
هذا، وإن خروج هؤلاء من النار ثم دخولهم الجنة لن يجعلهم في شقاء أو بؤس في الجنة؛ لأن الجنة دار النعيم، ولهم ما لأهل الجنة مما ذُكر في الكتاب والسنَّة.
ولا يظهر في الأدلة أن هؤلاء سينغص عليهم بعد دخولهم الجنة بسبب ما كانوا فيه من عذاب في النار.
على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمنا عن صفات هؤلاء بعد خروجهم من النار، ومن ذلك:
1. أنهم يُلقون في " نهر الحياة " ويُنبتون من جديد.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيَخْرُجُونَ، قَدْ امْتُحِشُوا، وَعَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّهَا تَنْبُتُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً.)
رواه البخاري (6192) ومسلم (184) .
(امتحشوا) : أي: احترقوا، والمحش: احتراق الجلد، وظهور العظم.
انظر: " النهاية في غريب الحديث " (4 / 302) .
(حِمماً) : أي: صاروا سود الأجساد كالحمم، وهو الفحم.
انظر: " النهاية في غريب الحديث " (1 / 444) .
(الحبة) بكسر الحاء، وهي بزر البقول والعشب، تنبت في البراري وجوانب السيول.
(حميل السيل) فبفتح الحاء وكسر الميم , وهو ما جاء به السيل من طين أو غثاء ومعناه: محمول السيل , والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته.
انظر: " شرح مسلم " للنووي (3 / 22، 23) .
2. وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن حالهم سيتغير بعد خروجهم من النار.
عَن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ – عن الجهنميين – أنهم (يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ، فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ) .
رواه مسلم (191) .
قال النووي – رحمه الله -:
قوله: (فيخرجون كأنهم عيدان السماسم) هو بالسينين المهملتين: الأولى مفتوحة , والثانية مكسورة , وهو جمع سمسم , وهو هذا السمسم المعروف الذي يستخرج منه الشيرج , قال الإمام أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بابن الأثير - رحمه الله تعالى -: معناه - والله أعلم - أن السماسم جمع سمسم , وعيدانه تراها إذا قلعت وتركت في الشمس ليؤخذ حبها دقاقا سودا كأنها محترقة , فشبه بها هؤلاء.
قوله: (فيخرجون كأنهم القراطيس) القراطيس: جمع قرطاس بكسر القاف وضمها لغتان , وهو: الصحيفة التي يكتب فيها , شبههم بالقراطيس لشدة بياضهم بعد اغتسالهم وزوال ما كان عليهم من السواد.
" شرح مسلم " (3 / 52) .
وفي رواية البخاري (6190) :
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ كَأَنَّهُمْ الثَّعَارِيرُ، قُلْتُ: مَا الثَّعَارِيرُ؟ قَالَ: الضَّغَابِيسُ)
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
أما الثعارير فقال ابن الأعرابي: هي قثاء صغار، وقال أبو عبيدة مثله.
والمقصود: الوصف بالبياض والدقة.
وأما الضغابيس: فقال الأصمعي: شيء ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون يسلق ثم يؤكل بالزيت والخل.
وقيل ينبت في أصول الشجر وفي الإذخر يخرج قدر شبر في دقة الأصابع لا ورق له وفيه حموضة.
وفي غريب الحديث للحربي: الضغبوس شجرة على طول الإصبع , وشبه به الرجل الضعيف.
(تنبيه) :
هذا التشبيه لصفتهم بعد أن ينبتوا , وأما في أول خروجهم من النار فإنهم يكونون كالفحم كما سيأتي في الحديث الذي بعده.
" فتح الباري " (11 / 429) .
3. أنهم يصير الواحد منهم مثل اللؤلؤة، ويحل الله عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: ( ... فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ " نَهَرُ الْحَيَاةِ " فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ... قَالَ: فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ، يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُ: رِضَايَ فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا.)
رواه البخاري (7002) ومسلم (183) – واللفظ له -.
وهو حديث عظيم يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم عظيم حال الخارجين من النار، في كراماتٍ يهبها لهم ربهم تعالى فضلاً منه وكرماً، ومنها:
أ. الإلقاء في نهر الحياة، والإنبات من جديد.
ب. يخرجون من النهر كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم.
ج. يعطيهم كل ما يجدونه مما يرونه في الجنة.
د. يظنون، من تنعمهم وبلوغهم الغاية من السرور والحبور، أن الله تعالى أكرمهم بما لم يكرم به غيرهم.
هـ. يحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبداً.
ويؤكد كرامة الله تعالى لمن دخل الجنة من هؤلاء:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ كَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا - أَوْ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا - فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي - أَوْ: تَضْحَكُ مِنِّي - وَأَنْتَ الْمَلِكُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً) .
رواه البخاري (6202) ومسلم (186) .
4. أنه يُطلق عليهم اسم " الجهنميين " و " عتقاء الجبار "، ثم يُرفع عنهم هذا الاسم.
والجهنميون: جمع جهنمي، نسبة إلى جهنم، والمراد: أنَّ الله أعتقهم من جهنم.
عنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ النَّارِ بَعْدَ مَا مَسَّهُمْ مِنْهَا سَفْعٌ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَهَنَّمِيِّينَ) .
رواه البخاري (6191) .
وعند أحمد (12060) من حديث أَنَسٍ ـ أيضا ـ: ( ... فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ!! فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: بَلْ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الْجَبَّارِ عَزَّ وَجَلَّ) .
صححه ابن مندة في " الإيمان " (2 / 847) ، وابن خزيمة (2 / 710) ، والألباني في " حكم تارك الصلاة " (ص 33) .
وعند ابن حبان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( ... فيسمون في الجنة " الجهنميين " من أجل سواد في وجوههم، فيقولون: ربنا أذهب عنا هذا الاسم، قال: فيأمرهم فيغتسلون في نهر في الجنة فيذهب ذلك منهم) .
رواه ابن حبان (16 / 457) وصححه، وصححه شعيب الأرناؤوط.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن غمسة واحدة في الجنة تُنسي المسلم كل بؤس عاشه في الدنيا، فكيف بمن تكون الجنة مستقره وداره؟! ولا يبعد أن يشمل هذا البؤس الذي عاناه المسلم عندما كان في النار.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ.
رواه مسلم (2807) .
ومما يدل على أن الغمس في نعيم الجنة، يذهب كل بؤس سبقه، حتى بؤس العذاب في النار، إضافة إلى ما ذكرناه من تغير هيئاتهم وأحوالهم بعد الإلقاء في نهر الحياة، ما رواه مسلم (2836) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ) .
وهذا النعيم المؤكد بنفي البؤس عمن يدخل الجنة، عام في كل من يدخلها، سواء دخل النار قبلها، أو لم يدخل.
قال القاضي: " معناه أن الجنة دار الثبات والقرار، وأن التغير لا يتطرق إليها؛ فلا يشوب نعيمها بؤس، ولا يعتريه فساد ولا تغيير.. " نقله في تحفة الأحوذي (7/194) .
ولأجل ذلك كله، حكى الله تعالى عن حال أهل الجنة إذا دخلوها: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (فاطر:34-35) .
قال الشيخ السعدي رحمه الله: "
أي: الدار التي تدوم فيها الإقامة، والدار التي يرغب في المقام فيها، لكثرة خيراتها، وتوالي مسراتها، وزوال كدوراتها.
وذلك الإحلال {مِنْ فَضْلِهِ} علينا وكرمه، لا بأعمالنا، فلولا فضله، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
{لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} أي: لا تعب في الأبدان ولا في القلب والقوى، ولا في كثرة التمتع، وهذا يدل على أن الله تعالى يجعل أبدانهم في نشأة كاملة، ويهيئ لهم من أسباب الراحة على الدوام، ما يكونون بهذه الصفة، بحيث لا يمسهم نصب ولا لغوب، ولا هم ولا حزن. "
تفسير السعدي (689) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/239)
قد تزول البكارة بغير الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 17 سنة لدي سؤال وهو.. أذكر بأنني عندما كان عمري 10 سنوات وذلك قبل أن أبلغ أنه نزل دم قليل لكنني لم أكن أعلم ماذا يعني ذلك فقد اعتقدت بأنه دم الحيض ولكن الآن أعتقد أن سببه خرق في غشاء البكارة حيث إن الماء الذي كنت استخدمه للاستنجاء كان شديد الاندفاع.. وربما كان ذلك السبب وأنا أريد أن أعرف تفسير ذلك حيث إنني ولله الحمد محافظة على نفسي وعلى صلاتي ولم أقل ذلك للتستر على خطيئة ارتكبتها]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البكارة قد تذهب بأسباب، منها: الوثبة وإدخال الأصبع والحيضة الشديدة وغير ذلك مما ذكره الفقهاء.
ينظر: المبسوط (5/8) ، كشاف القناع (5/47) ، الفتاوى الكبرى (3/88) .
وقد يؤدي اندفاع الماء الشديد إلى خرق الغشاء أيضا.
وعلى كل حال، فما دمت عفيفة محصنة، فلا تهتمي لذلك، ولا يلزمك إخبار الزوج به، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (84364)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/240)
يعتقد أن أمه سحرت له ووقعت بينه وبينها خصومة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعتقد أن أمي تسحر لي، لأسباب أو لأخرى، وهذا الأمر له نتائج في الواقع، وهي أنني أصاب بالسحر بين الوقت والآخر، وأتعالج عند الطبيب النفساني، لكن دون فائدة.
المشكلة أنني أعتقد أن أمي لن تتورع عن الإقدام على هذا العمل مرة أخرى، ولا داعي بأن أخبرك بما أقاسيه من الشدائد جراء هذا السحر، ناهيك عن القعود عن العمل والكسب، أنا أعتقد أن أمي مجنونة! لذلك فإنني لا أكلمها، مع ذلك فهي تود مني أن أترك البيت، وقالت لي: إذا كنت لا ترغب في الكلام معي: فاخرج من البيت، هذا كلام مجانين، لسبب أنه ليس عندي مكان أذهب إليه، لهذا أجبتها قائلاً: إنني مريض، ولن أخرج من البيت، فما كان منها إلا أن ذهبت عند خالتي ثم رجعت في اليوم التالي، حتى الآن أنا لا أكلمها، لكنها تتكلم معي كلمات بسيطة مثل " اقفل الباب "، أو ما أشبه ذلك، وأنا أبادر للقيام بما أمرتني به؛ لأنني في الواقع لا أحقد عليها، أو أسعى في معاندتها - كما تقول هي -، ولكن لأسباب خارجة عن إرادتي.
أرجو توضيح هذا الأمر، ووصف العلاج الناجح.
بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم – أولاً – أن الله تعالى قد أمرك ببر والدتك، وبالإحسان إليها بالقول والفعل، وأنه – تعالى – قد نهاك عن الإساءة إليها ولو بقول " أف ".
قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/23.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ.
رواه البخاري (5626) ومسلم (2548) .
ولذلك: فإنه يجب عليك ترك إيذائها، وقولك عنها " مجنونة " لا يليق بك، فأحسن إليها، وتودد لها، ولا تخالف أوامرها فيما لا معصية فيه؛ ولا يحل لك هجرها، ومقاطعتها، وإن فعلت هي ذلك فابذل جهدك لمصالحتها بحسن الكلام وجميل الأفعال.
واعلم – ثانياً – أنه لا يجوز لك اتهام إنسانٍ بعينه أنه سحر لك، فكيف أن يكون المتهم عندك هو أمك؟! وأنت بذلك تكون قد اتهمتها بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب قد تصل لحد الكفر، فلا يحل لك هذا لو كان المتهم أجنبيّاً فكيف وأنت تنسب ذلك الفعل القبيح لأمك من غير بيِّنة ولا برهان؟! وعاقبة ظلم الآخرين وخيمة، فكيف بمن كان ظالماً لأمه؟! .
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/58.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
وقوله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي: ينسبون إليهم ما هم بُرَآء منه، لم يعملوه، ولم يفعلوه.
(فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) : وهذا هو البهت البيِّن، أن يحكى، أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقص لهم.
" تفسير ابن كثير " (6 / 480) .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
رواه مسلم (2578) .
قال النووي – رحمه الله -:
قال القاضي: قيل: هو على ظاهره، فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلاً حتى يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم، ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد , وبه فسروا قوله تعالى: (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر) أي: شدائدهما، ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات.
" شرح مسلم " (16 / 134) .
واعلم – ثالثاً – أنك قد لا تكون مسحوراً، وإنما هي أوهام وخيالات، وهي تصيب كثيراً من الناس، ويعتقدونه سحراً، وليس الأمر كذلك، فاحرص على طاعة ربك تعالى بأداء الواجبات، والنوافل، واحرص على برِّك بأمك، وداوم على قراءة القرآن، واحرص على أذكار الصباح والمساء، وهذه الأمور – إن شاء الله – تقيك الشر والسوء، وتعالجك من أمراضك الحسية والمعنوية.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/241)
زوجته تتطاول عليه بالسب والشتم فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة سيئة الخلق تسب زوجها بكثير من الشتائم وحذرها أكثر من مرة وهى مصرة على التطاول والغلط وليس له طاقة على التحمل وله ابنة يخاف عليها من الفراق فما العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الزوجة تتطاول على زوجها بالسب والشتم والإساءة، فعليه أن ينصحها، ويحذرها، ويبين لها ما يترتب على كلامها السيئ من الإثم، لا سيما والزوج أحق الناس بصلتها ومعروفها وإحسانها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق) رواه أبو داود (2140) والترمذي (1159) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وينبغي أن يسلك معها ما ذكره الله تعالى في كتابه من الوعظ والهجر والضرب غير المبرح، فإن لم يُجد شيء من ذلك، فينبغي أن يستعين على نصحها بالصالح من أهلها، وذلك حفاظا على الأسرة، ومراعاة لحق الأولاد إن وجدوا، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34.
ومن الموعظة التي تقدم لها: أن يبيّن لها ما عليها من الإثم في معصيتها لزوجها، وما لها من ثواب وأجر جزيل إذا أطاعته.
وأيضاً: يبين لها ما عليها وعلى زوجها وعلى ابنتها من الضرر في حال حصول الطلاق أو استمرار العشرة على هذا النحو.
فإن استجابت المرأة للنصح، وأثّرت فيها الموعظة، وعدلت عن المخالفة، فهذا هو المطلوب، وإن استمرت في غيها وسفهها، فلا حرج على الزوج من طلاقها.
فقد ذكر العلماء أن الطلاق يكون مباحاً " عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر بها، من غير حصول الغرض بها "
" المغني" (10/324)
وما ذكرته من خوفك على ابنتك فيما لو حدث الفراق، أمر ينبغي اعتباره، فإن كنت تخشى ألا تستطيع القيام بتربيتها، وأن تتضرر البنت بهذا الطلاق، فينبغي أن توازن بين المفسدتين، مفسدة بقائك مع امرأة سيئة الخلق، تسيء إليك، ومفسدة ما قد يحصل لابنتك بعد إيقاع الطلاق، ومن قواعد الشريعة: "ارتكاب أخف المفسدتين لدفع أعلاهما ".
وينبغي أن تستخير الله تعالى قبل اتخاذ قرارك، وأن تسعى للإصلاح ما أمكنك، فإن تعذر ذلك فاجتهد أن تحتاط لابنتك، وأن تؤمن حضانتها عندك، ولا تتركها لهذه المرأة تربيها على أخلاقها.
ونوصيك بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى، وملازمة التقوى، فإن الله وعد أهل التقوى بالرزق والفرج، قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3.
كما نوصيك بالتوبة إلى الله تعالى من سائر الذنوب، فإن سوء خلق الزوجة قد يكون عقابا للعبد على ذنوب يرتكبها، كما ذكر عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/242)
هل يجوز وضع ماء الزوج وبويضة الزوجة في رحم الزوجة الثانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ (أحمد) له زوجتان الأولى منهما لا تلد والثانية تلد بحمد الله، وفي العصر الحاضر العلمي يستطيع الطبيب بفضل الله تعالى أن يضع بويضة الزوجة الثانية مع ماء الزوج في تيست تيوب بيبي Teste-tube baby كي تختلطا وينشأ الولد نشوءا ابتدائيا ثم يضعها في رحم الزوجة التي لا تلد ليتربى الولد فيها حتى تضعه، هل هذا يجوز في ضوء الكتاب والسنة؟ بعض الناس يقول بجواز ذلك قياسا على الرضاعة، أي: كما يجوز تغذية الولد من لبنها في حجرها، كذلك يجوز أن يتغذى بدمها في رحمها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الطريقة من التلقيح ووضع البويضة مع مني الزوج في رحم الزوجة الأخرى: طريقة غير شرعية، وقد ذهب إلى تحريمها جمع كبير من العلماء، وقد صدر فيها قراران من مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومن مجلس الفقه الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي، والذي كان يرى إباحة هذه الطريقة ثم تراجع عن إباحتها، وإليك بعض ما جاء في القرارين:
1- قرار المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد من 8 إلى 13 صفر 1407 هـ، 11 إلى 16 أكتوبر 1986.
بعد استعراضه لموضوع التلقيح الصناعي " أطفال الأنابيب "، وذلك بالاطلاع على البحوث المقدمة، والاستماع لشرح الخبراء والأطباء، وبعد التداول تبين للمجلس:
"أن طرق التلقيح الصناعي المعروفة في هذه الأيام هي سبع:
الأولى: أن يجرى تلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبييضة مأخوذة من امرأة ليست زوجته ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته.
الثانية: أن يجرى التلقيح بين نطفة رجل غير الزوج وبييضة الزوجة ثم تزرع تلك اللقيحة في رحم الزوجة.
الثالثة: أن يجرى تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متطوعة بحملها.
الرابعة: أن يجرى تلقيح خارجي بين بذرتي رجل أجنبي وبييضة امرأة أجنبية وتزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
الخامسة: أن يجرى تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى.
السادسة: أن تؤخذ نطفة من زوج وبييضة من زوجته ويتم التلقيح خارجيا ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
السابعة: أن تؤخذ بذرة الزوج وتحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحا داخليّاً.
وقرر:
أن الطرق الخمسة الأول كلها محرمة شرعا وممنوعة منعا باتا لذاتها، أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب، وضياع الأمومة، وغير ذلك من المحاذير الشرعية.
أما الطريقان السادس والسابع فقد رأى مجلس المجمع أنه لا حرج من اللجوء إليهما عند الحاجة مع التأكيد على ضرورة أخذ كل الاحتياطات اللازمة " انتهى.
" مجلة المجمع " (3/1/423) .
2- قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي:
"الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 28 ربيع الآخر 1405 هـ إلى يوم الاثنين 7 جمادى الأولى 1405 هـ الموافق 19 – 28 يناير 1985 م قد نظر في الملاحظات التي أبداها بعض أعضائه حول ما أجازه المجمع في الفقرة الرابعة من البند الثاني في القرار الخامس المتعلق بالتلقيح الصناعي وطفل الأنابيب الصادر في الدورة السابعة المنعقدة في الفترة ما بين 11 – 16 ربيع الآخر 1404 هـ ونصها:
" إن الأسلوب السابع الذي تؤخذ فيه النطفة والبويضة من زوجين وبعد تلقيحهما في وعاء الاختبار تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى للزوج نفسه، حيث تتطوع بمحض اختيارها بهذا الحمل عن ضرتها المنزوعة الرحم: يظهر لمجلس المجمع أنه جائز عند الحاجة وبالشروط العامة المذكورة ".
وملخص الملاحظات عليها:
" إن الزوجة الأخرى التي زرعت فيها لقيحة بويضة الزوجة الأولى قد تحمل ثانية قبل انسداد رحمها على حمل اللقيحة من معاشرة الزوج لها في فترة متقاربة مع زرع اللقيحة ثم تلد توأمين ولا يعلم ولد اللقيحة من ولد معاشرة الزوج، كما لا تعلم أم ولد اللقيحة التي أخذت منها البويضة من أم ولد معاشرة الزوج، كما قد تموت علقة أو مضغة أحد الحملين ولا تسقط إلا مع ولادة الحمل الآخر الذي لا يعلم أيضًا أهو ولد اللقيحة أم حمل معاشرة ولد الزوج، ويوجب ذلك من اختلاط الأنساب لجهة الأم الحقيقية لكل من الحملين والتباس ما يترتب على ذلك من أحكام، وإن ذلك كله يوجب توقف المجمع عن الحكم في الحالة المذكورة ".
كما استمع المجلس إلى الآراء التي أدلى بها أطباء الحمل والولادة الحاضرين في المجلس والمؤيدة لاحتمال وقوع الحمل الثاني من معاشرة الزوج في حاملة اللقيحة واختلاط الأنساب على النحو المذكور في الملاحظات المشار إليها.
وبعد مناقشة الموضوع وتبادل الآراء فيه قرر المجلس: سحب حالة الجواز الثالثة المذكورة في الأسلوب السابع المشار إليها من قرار المجمع الصادر في هذا الشأن في الدورة السابعة عام 1404 هـ " انتهى.
"قرارات المجمع الفقهي" (ص159-161) .
وعليه:
فلا يجوز أخذ ماء الزوج وبويضة الزوجة ووضع الخليط في رحم زوجةٍ أخرى له.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/243)
رتق غشاء البكارة لمن طلقت قبل الدخول
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز عملية رتق غشاء البكارة؟ مع العلم أنه لم يتم ذلك بالحرام وإنما كان بعقد شرعي ولكن دون زواج معلن بين الناس "خطبة"]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تم عقد النكاح، أصبحت المرأة زوجة، يحل لزوجها منها ما يحل لسائر الأزواج مع زوجاتهم، إلا أنه ينبغي تأخير الوطء إلى يوم الدخول، تجنبا لما قد ينشأ عن ذلك من مفاسد.
وأما الخطبة، فإنها تسبق العقد، ولا يحل بها وطء ولا خلوة ولا استمتاع، وإنما يباح للخاطب عند الخطبة أن ينظر إلى من يريد الزواج منها، ثم هو أجنبي عنها كسائر الرجال حتى يتم عقد النكاح.
وبناء على ذلك، فالوطء في الحالة الأولى (حالة العقد) مباح، لا إثم فيه، وأما في الحالة الثانية (الخِطْبة) فهو زنا.
وأما رتق غشاء البكارة فلا يجوز في كلتا الحالتين، لأنه تدليس وغش، وخداع للزوج الثاني وإيهام له بأن زوجته بكر، والحقيقة أنها ثيب، مع ما تستلزمه العملية من الاطلاع على العورة المغلظة من غير ضرورة إلى ذلك
ويضاف إلى ذلك أنه في حال زوال البكارة بالزنا تكون عملية الرتق فيها إعانة على المحرم وتيسير له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/244)
يعيره أهله بمكثه عندهم وعدم زواجه فكيف يتعامل معهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أعامل أهلي بما يرضي الله، وهم يسيئون إليَّ في بعض الأحيان بأن يعايروني بأني مازلت أسكن معهم ولم أتزوج حتى الآن، علماً بأني أساعد في مصاريف المنزل من مرتبي المتواضع - 200 جنيه - وأنا موظف حكومة بالتربية والتعليم، وقد كنت أريد أن أدرس مجالاً آخر ولا أعمل بالحكومة إلا أنني سمعت كلامهم عن الاستقرار والمعاش وأصبحت موظفاً، لا يمكنني الزواج حاليّاً، وعمري 34 عاماً، أعرف عقوق الوالدين، وأجتنبه، ولكن لي كرامة أريد أن أحافظ عليها عندما يعايروني، خاصة أمي بأني لم أرحل عنهم حتى الآن، كيف أتعامل معهما؟ أكتم غضبي كثيراً ولكن إلى متى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن للوالدين عليك حقّاً عظيماً في البر والمصاحبة بالمعروف، وإن أساؤوا إليك، بل وإن سعوا جاهدين لأن تترك الإسلام وتلحق بقافلة الشرك – وحاشاهم من ذلك -، وهذا الحق كفله لهم الشرع المطهَّر، فقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/23، وقال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15.
فاعلم هذا وأنت تظن أن إحسانك لهم وبرَّك بهم يهدم " كرامتك "، واعلم هذا وأن تقول " إلى متى أكتم غضبي؟ ".
فعليك أن تبقى على سكوتك عن الإساءة من أهلك تجاهك، ويجب عليك أن تداوم على برِّك وإحسانك لهم، ولو أساؤوا إليك وآذوك.
ثانياً:
والذي ننصحك به عمليّاً هو:
1. الصبر والاحتساب على ما أصابك من أهلك، قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) البقرة/45.
2. البر والإحسان لهم، وتفقدهم بالهدايا والرعاية، والكلام الطيب، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تهادوا تحابوا) . رواه البخاري في " الأدب المفرد " (594) ، وحسَّنه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (3 / 70) والألباني في " إرواء الغليل " (1601) .
3. نصحهم وإرشادهم للالتزام بالأحكام الشرعية والأخلاق الفاضلة، بالحكمة، والموعظة الحسنة.
قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل/125.
4. تنويع أسلوب الدعوة، وعدم التزام طريقة واحدة، فالأشرطة السمعية، والمرئية، والكتيبات قد يكون لواحد منها أثره في تغيير سلوكهم.
5. الاستعانة بأهل العلم وطلابه من أصحاب المكانة عندهم، بجعلهم يزورونك ويكلمونهم وينصحونهم.
6. السعي في طلب الرزق الحلال، الذي تستعين به على أمور الزواج، فيمكنك البحث عن عمل آخر، أو السفر إلى دولة إسلامية للعمل فيها.
7. داوم على الدعاء لهم بالهداية والتوفيق.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن ييسر لك أمورك، وأن يهدي أهلك للبر والرشاد.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/245)
متزوجة من مسلم والحجاب يعيقها عن الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي مسلم ويخاطبني كثيراً لكي أتحول للإسلام، ولكن هناك شيء مهم بالنسبة لي وهو الحجاب، لماذا يجب على النساء أن يتحجبن ويظهر منهن فقط ما يظهر بالعادة؟ أنا أمريكية ونحن نكشف في العادة أغلب الجسد هنا. أريد أن أفهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما من شك أن الله تعالى لا يأمر إلا بما فيه الحكمة، وفي بعض الأحيان تخفى حكمة بعض هذه الأحكام على العبيد وفي بعضها تكون ظاهرة معلومة، كتحريم الله تعالى للخمر التي تُذهب العقل وتصد عن ذكر وعن الصلاة.
وحكمة تشريع الحجاب من أظهر ما يكون، فإنها ستر للمرأة وعفاف لها، وهي بذلك تمنع السفهاء من التعرض لها والنيل منها، فكم من امرأة متحجبة منع حجابها من تعرض شياطين الإنس لها، وكم من امرأة متبرجة عرضت زينتها وأظهرت مفاتنها للناس فتسببت في مضايقتها والتعرض لها من السفهاء، وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما} الأحزاب / 59، وهذه الآية فيها الجواب الكامل على السؤال حيث ذكر الله تعالى فيها الأمر لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين بالحجاب، وفيها كذلك ذِكر الحكمة وهو حفظهن وعدم تعرضهن للإيذاء.
وخروج المرأة مبدية لأغلب جسدها – كما تقول السائلة – هو من أكثر أسباب الجرائم، وفساد أخلاق الرجال، وشيوع الفواحش، كما أنه إساءةٌ للمرأة، وإهدارٌ لكرامتها، حيث أصبحت المرأة سلعة رخيصة لأصحاب الشركات والدعايات، والتي تُظهر المرأة منزوعة اللباس والحياء لجلب الزبائن وتسويق المنتجات التجارية.
إن جسد المرأة لها وليس مشتركاً بين الناس، فإن تزوجت فهو لزوجها ولا ينبغي لها أن تشرك معه غيره، وماذا تريد المرأة التي تعرض جسدها وتبرز مفاتنها للناظرين؟ هل تريد منهم فقط أن ينظروا ويتأملوا؟ حسناً فما هو أثر ذلك على المغتصبين والسفهاء؟ وكيف ستمنعينهم من تحقيق رغبتهم بافتراسك والانقضاض عليك؟ وقد أظهرت للجائعين لحماً ثم تريدين منعهم من أكله؟ .
ففي دراسة حديثة وجد أن:
65 % من العاملات يتعرضن للتحرش الجنسي في أماكن عملهن في بعض الدول الأوربية.
18% من النساء في أمريكا اغتصبن أو تعرضن لمحاولة اغتصاب في مرحلة من مراحل عمرهن.
أكثر من نصف الضحايا تحت سن الـ 17 سنة.
"كتاب إحصاءات، دراسات، أرقام " (ص 140) .
إن الشريعة الإسلامية جاءت بما هو خير للمرأة والرجل والأسرة والمجتمعات، ولم تقيد المرأة كما يزعم أعداء الدين، فقد أباح الإسلام للمرأة العمل وطلب العلم والتجارة والشهادة وصلة الرحم وعيادة المريض وغير ذلك، لكنه وضع لخروجها ضوابط تحفظها وتمنع تعرض السفهاء لها.
ونقول للسائلة:
إن كثيرات من نساء الغرب عندما تأملن وعرفن حقيقة شرع الله تعالى وخاصة فيما يتعلق بالمرأة لم يترددن في إعلان إسلامهن والدخول في ركب الأنبياء والصالحين.
فالمرأة في الإسلام محفوظة ومكفولة، وليس ذلك مقابل بقائها في البيت فقط بل لأنها تؤدي دوراً عظيماً وهو رعاية الزوج والقيام على شئونه، وتربية الأبناء والعناية بهم، وهو دور عظيم إذ يعرف صلاح المجتمعات وفسادها بمدى نجاح الأم في التربية والتوجيه.
وفي دراسة نشرتها إحدى أكبر شركات التأمين البريطانية على مليون امرأة ووقع الاختيار على " أم بيت متفرغة " فجاءت النتائج المثيرة: إن المرأة المتفرغة للبيت تعمل 19ساعة في أعمال البيت، وهي المربية، والممرضة، والمسؤول الأول عن إدارة الشؤون المالية للبيت..
إضافة لذلك – فحسب دراسة بالتقييم المادي البعيد عن العواطف - كانت المرأة المتفرغة للمنزل هي أثمن شيء تمتلكه الأسرة.
" المرجع السابق " (ص 118، 119) .
وقد تبين لكثير من العاقلات خطر ما هنَّ عليه من حرية زائفة، وانتبهن أخيراً إلى أين يذهب بهن هذا الطريق، ففي دراسة أخرى تبين أن:
80 % من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاما الأخيرة هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن.
75% يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي.
80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد.
87% قلن لو عادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة وقاومنا اللواتي يرفعن شعاراتها.
" المرجع السابق " (ص 147) .
فقط يحتاج الأمر منكِ إلى تفكير يسير، ومراجعة للواقع الذي ترينه، لتعرفي بعدها أن نزع الحجاب عن المرأة يعني الشر والضرر والجريمة، وقد أغلق الإسلام طرق ذلك كله بما وضع من تشريعات، ومنها وجوب الحجاب على البالغات.
وفي ختام هذا الجواب نهنئك على أن وفقك الله للاقتران بزوج مسلم ترين منه أو من أقاربه المسلمين من شعائر الإسلام ما يرغبك في الإسلام وما يكسر حاجز خوفك من الدخول في هذا الدين الحنيف العظيم، ثم اعلمي أن الدخول في هذا الدين الخاتم الذي ارتضاه الله لجميع الخلق، شرف عظيم لك قد تحرمين منه إذا تأخرت عنه ودهمك الموت فبادري إليه مذعنة راغبة فرحة بفضل الله.
واعلمي أن وقوعك في شيء من التقصير في شعيرة الحجاب بسبب ضعفك عن الالتزام به أو خجلك من بني قومك، يعد معصية من المعاصي ينبغي ألا تصدك عن الحسنة الكبرى التي يبنى عليها دخول الجنة والنجاة من النار وهي اعتناق الإسلام، وأعلمي أن الشيطان عدو بني آدم كلهم هو الذي يجعل لك هذه الشبهة ليصدّك عن الدخول في هذا الدين ليكثر إتباعه إلى النار، فكوني قوية حازمة جريئة في اتخاذ قرار السعادة الأبدية بإذن الله، سائلين الله لك العون وقوة النفس على الدخول في الإسلام أختا لنا في الله، ومشاركة لما في هذه النعمة، ونشكر لك على حسن ثقتك بنا.
والله الهادي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/246)
تبغض زوجها وتخشى أن تقع في الزنا إذا استمرت معه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من خمس سنوات ولست على وفاق مع زوجي ولا أطيعه وتم الانفصال مرتين وهو ضعيف جنسيا عندما عدت إليه هذه المرة أشعر أني لا أطيقه ولا أرغب في العيش معه ولكن سبب رجوعي إليه ابني وقد ارتكبت جريمة الزنا أريد التوبة وتكفير هذا الذنب العظيم ولكني أشعر أن استمراري معه سيؤدي إلى استمراري في هذا الذنب هل أنفصل عنه للمرة الثالثة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الزنا ذنب عظيم، وجرم كبير، لا سيما ممن أنعم الله عليها بالزواج، فبدلت نعمة الله كفرا، وخانت زوجها، ودنست عرضه، ولوثت فراشه. ولهذا كان عقاب هذه المتزوجة أن ترجم بالحجارة حتى تموت، نكالا من الله عز وجل، والله عزيز حكيم.
لكن من رحمته سبحانه أنه يلطف بعبده، ويمهله، ويدعوه للتوبة، ويقبلها منه، ويثيبه عليها، فما أرحمه، وما أعظمه، وما أكرمه سبحانه وتعالى.
قال عز وجل: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70
فاستمري في توبتك وإنابتك، وتضرعي إلى الله تعالى أن يقبلها منك، وكوني على حذر من النفس الأمارة بالسوء أن تغتري بحلم الله عليك، وستره لك، فإنه سبحانه يمهل ولا يهمل، ويغضب فينتقم.
ثانيا:
يجب عليك أن تسدي كل باب إلى الحرام، من تبرجٍ أو اختلاط أو مراسلة أو مهاتفة، وهذا من تمام توبتك واستقامتك، وأن تحذري من خطوات الشيطان، فإن للشيطان خطوات ومقدمات يستدرج بها أولياءه، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21
ثالثا:
إذا كنت لا ترغبين في البقاء معه، ولا تطيقينه، وتخشين مع ذلك أن تقعي في الزنا، فلا حرج عليك في طلب الطلاق، لكن ينبغي أن تتدبري في عاقبة هذا الأمر وحالك بعده، واستخيري الله تعالى قبل أن تقدمي عليه، وراجعي السؤال رقم (11981) لمعرفة ما يتعلق بصلاة الاستخارة
ومما يدل على جواز طلب الفراق عند بغض الزوج وعدم احتمال البقاء معه، ما رواه البخاري في صحيحه (4867) أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. [زاد ابن ماجة (2056) : لا أطيقه بغضاً] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) .
ومعنى: " ولكني أكره الكفر في الإسلام ": أي أكره أن أعمل الأعمال التي تنافي حكم الإسلام من بغض الزوج وعصيانه وعدم القيام بحقوقه.. ونحو ذلك.
انظر "فتح الباري" (9/400) .
ولكننا نشير عليك قبل الإقدام على طلب الطلاق أن تجتهدي في الإصلاح أولاً، فإن الطلاق مما يكرهه الله تعالى ولا يحبه، فحاولي أن توسطي رجلاً عاقلاً من أهلك يكلم زوجك ويتعرف على أسباب المشكلة ويحاول التوفيق بينكما، وما ذكرتيه من ضعفه يمكن التفاهم مع زوجك فيه بكل صراحة، فإن الله لا يستحي من الحق، وإن كان الأمر مرضاً عارضاً فلا حرج من عرضه على الطبيب.
فإن ضاقت بك السبل ولم تنفع محاولات الإصلاح، فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى من طلب الطلاق.
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/247)
تكرر رفض وليها للخطّاب فهل تزوج نفسها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة سني 31 سنة أعمل بالتربية والتعليم منذ أول 1996 وفي آخر 1997 تقدم لي في المدرسة زميل، وطلب منى التقدم لخطبتي، فطلبت منه الانتظار لحين زواج أختي الكبرى. وبعد زواجها عام 2000 تقدم هذا المعلم لخطبتي في المنزل، ولكن أبي رفض رغم موافقة والدتي، بحجة أنها أمامها دراسات عليا واحتمال تعينها في الجامعة كمعيدة، وكذلك تم رفض العديد من المتقدمين خلال هذه الفترة، والسبب أنه بعد العمل بالجامعة سيأتي من هم أفضل من هؤلاء (من المهن التي رفضت مهندس، وغيرها) . وفي عام 2002 تم تعيني بالجامعة كمعيدة، وتقدم آخرون، ولكن كان الرفض أيضاً لأسباب مختلفة، وكان سبب الرفض الذي يقال للمتقدمين أنها مشغولة بالدراسات العليا ... منها طبيب بحجة طامع في مرتبك. ـ وتقدم لي المدرس التي تقدم أول مرة، ورغم إعلاني بموافقتي التامة إلا أن أبي رفض بحجة اختلاف المهن (مدرس ـ معيدة) ، رغم أن يتناسب معي علمياً حيث أنه يستكمل دراساته العليا في نفس المجال، ويتناسب معي ثقافياً واجتماعيا، كما أنه متيسر مادياً وعلى خلق ودين. ـ ومنذ 2003 حتى الآن آخر 2006 لم يتقدم أحد سوى هذا الشخص الذي مازال متمسكا بالزواج مني، وأنا أرغب في الزواج منه، وأخبرني أبي أنه من الأفضل أن أبقى بلا زواج، أفضل من الزواج من مدرس، بحجة أنني أعمل في وظيفة مضمونة ولي دخل كبير وغير محتاجة للزواج، إلا إذا جاءت الفرصة المناسبة، والتي تتمثل في مهن معينة قليلة بشروط مادية معينة، وهو جاد في هذا، وهذا يسبب لي ضرراً نفسياً بالغاً، حيث إنني لا أرى طموحي في العمل بل في تكوين أسرة. والسؤال: ـ فهل يحق لي تزويج نفسي به بدون علم الولي؟ وهل يعتبر غير كفء لي، أفيدوني يرحمكم الله أرجو تفصيل الرد وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز النكاح ولا يصح إلا بولي، في قول جمهور الفقهاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي " رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7557
وقوله صلى الله عليه وسلم:" أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
وولي المرأة: أبوها، ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وابنه وإن سفل (هذا إن كان لها ولد) ، ثم أخوها لأبيها وأمها، ثم أخوها لأبيها فقط، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم العمومة، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم عمومة الأب، ثم السلطان. (المغني 9/355)
ولكن إذا تكرر رفض الولي للخاطب الكفؤ، اعتبر عاضلا لموليته، وسقطت ولايته بذلك، وانتقل الحق إلى من بعده من العصبات.
ثانيا:
الكفاءة المعتبرة هي الكفاءة في الدين، فلا فرق بين عربي ولا عجمي، ولا أحمر ولا أبيض إلا بالتقوى. واعتبر بعض الفقهاء شروطا أخرى في الكفاءة، كالنسب، وغيره، وكون الخاطب مدرسا وأنت معيدة، لا يعني أنه غير كفؤ لك، ما دام على خلق ودين ومتيسر ماديا كما ذكرت.
ثالثا:
الذي نراه هو معاودة نصح الوالد، والاستعانة في ذلك بمن له قبول عنده من قريب أو صديق، فإن رضي تزويجك بهذا الخاطب، فهذا هو المراد، وإلا فاعرضي الأمر على من بعده من الأولياء حسب الترتيب السابق، فإن أبى تزويجك، أو حصل نزاع بين الأولياء، فارفعي الأمر إلى القاضي، ويتولى هو تزويجك.
رابعا:
إن من أعجب العجب ما يفعله هذا الولي، وأشباهه، من تحويل بناتهم إلى سلع تجارية لمن يدفع أكثر، أو لمن يكون أيسر يدا من الآخر، ثم أعجب من ذلك أن يزعم أنها ليست بحاجة إلى الزواج!! فماذا يفهم من الحاجة هذا المسكين، ألم يعلم حاجة النفوس إلى السكن، والمودة والرحمة، وحاجة النفوس الطبيعية التي غرسها الله فيها، لحكمه البالغة، سبحانه. فعلى ولي المرأة أن يتقي الله تعالى، وأن يعلم أن منع ابنته أو أخته من الزواج بالكفء الذي رضيته، يعتبر ظلما وعدوانا، يوجب فسقه وسقوط عدالته وردّ شهادته.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه، وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها، أن يزوجها، لأن له ولاية عامة، ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا، وتسقط عدالته وولايته، بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته، فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين، وهذا أمر خطير!!
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن، وهم أكفاء.
ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد، أيهما أشد مفسدة: أن تبقى بلا زوج، وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه، فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوجها، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج، مع أن ذلك حق شرعي لها.
لا شك أن البديل الثاني أولى، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردعا لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء.
أي أن في ذلك ثلاث مصالح:
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج.
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه.
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق) انتهى، نقلا عن فتاوى إسلامية 3/148) .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه الخير والصلاح والفلاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/248)
تحب زوجها حبّاً جنونيّاً وتطلب الحل
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب زوجي حبّاً جنونيّاً، وهو راضٍ عني كل الرضا، وعندما سافر للعمل في انتظار أن أصل إليه: أصبحت أشتاق إليه، ولا أرتاح حتى يكلمني، رغم أنني أقوم بواجباتي الدينية؛ أحس بنقص في عدم وجوده، فبماذا تنصحوني، إخواني في الله، للصبر حتى اللقاء؟ . جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الرائع أن نرى بيوت المسلمين ينتشر فيها الحب والمودة والألفة، وإذا رأينا ذلك تحديداً بين الزوجين كنّاً سعداء بذلك؛ لأن هذا الحب والمودة سيكون له الأثر الطيب على أفراد الأسرة، ومن آيات الله العظيمة أن خلق المرأة من الرجل، ومن حكمة خلق المرأة أن تكون سكناً للرجل، وقد ذكر الله تعالى ذلك في آدم وحواء، وفي عموم الخلق، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الأعراف/من الآية189، وهذا في آدم وحواء، وفي عموم الخلق: قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) الروم/من الآية21، وجعل الله تعالى بين الزوجين مودة ورحمة، فقال – في تتمة آية الروم -: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/من الآية21.
قال الشنقيطي – رحمه الله -:
قوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} الآية.
ذكر في هذه الآية الكريمة أنه خلق حواء من آدم ليسكن إليها، أي: ليألفها ويطمئن بها، وبين في موضع آخر أنه جعل أزواج ذريته كذلك، وهو قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] .
" أضواء البيان " (2 / 304، 305) .
وقال ابن كثير – رحمه الله -:
فلا ألفة بين رُوحين أعظم مما بين الزوجين.
" تفسير ابن كثير " (3 / 525) .
ولكن لا نريد الحب أن يكون " جنونيّاً "! ـ كما يقول الناس ـ؛ بل متعقلاً يضع الأمور مواضعها؛ كما روى زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال لي عمر بن الخطاب: " يا أسلم! لا يكن حبك كَلَفا، ولا يكن بغضك تلفا!!
قلت: وكيف ذلك؟
قال: إذا أحببت فلا تَكْلف كما يكلف الصبي بالشيء يحبه، وإذا أبغضت فلا تبغض بغضا تحب أن يتلف صاحبك ويهلك ".
رواه عبد الرزاق في المصنف (20269) ، وإسناده صحيح.
وإنما نصح الخليفة الراشد بذلك لأن الكَلَف في الحب (الحب الجنوني) له آثاره السيئة على المحِب وعلى المحَب، فأما أثره على المحِب فهو:
أ. انشغال فكره بحبيبه، مما يسبب له قلقاً وتوتراً، فيضيع مع هذا الانشغال الأوقات، ويكون لآثاره الأمراض النفسية والبدنية.
ب. ومن آثار الحب الجنوني أنه يجعل هذا المحِب يتغاضى عن تقصير حبيبه في الواجبات، ويجعله يتغاضى عن فعله للمحرمات، بل وإذا طَلب منه حبيبه المشاركة فيها: فإن حبَّه الجنوني سيدفعه للمشاركة.
ج. ومن الآثار السيئة لهذا الحب أنه يستولي على مجامع قلبه، بحيث يزاحم محبة الله ورسوله التي هي مدار نجاته؛ فضلا عن محبة من سوى ذلك من الأهل والولد!!
د. ومن آثاره السيئة أن هذا المحِب بجنون لا يستطيع تحمل صدمة غياب حبيبه، ولا مرضه، فضلاً عن موته!
ومن آثار الحب الجنوني السيئة على المحَب:
أ. أنه قد يصيبه التوتر بسبب إلحاح المحب على رؤيته والجلوس معه، وهذا قد يؤدي به إلى الإخلال بوظيفته، أو التقصير في المهمات التي ينبغي أن ينصرف قلبه وعزمه إليها؛ من علم نافع أو عمل صالح.
ب. ومن آثاره السيئة عليه: أنه لن يجد هذا المحب ناصحاً وموجهاً له، بل سيتغاضى عن أخطائه وتقصيره. كما قيل: حبك الشيء يعمي ويصم!
ج. ومن آثاره السيئة عليه: أنه إن كان مستجيباً لمن يحبه: ضاعت أوقاته معه، وإن لم يفعل تسبب في حصول القلق له، وهذا قد يؤدي به للنفرة عنه وبغضه في النهاية.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله:
".. فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأة، ولو كانت مباحة له، يبقى قلبه أسيرا لها تحكم فيه وتتصرف بما تريد ; وهو في الظاهر سيدها لأنه زوجها. وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها لا سيما إذا درت بفقره إليها ; وعشقه لها ; وأنه لا يعتاض عنها بغيرها ; فإنها حينئذ تحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور ; الذي لا يستطيع الخلاص منه، بل أعظم!! فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن؛ فإن من استعبد بدنه واسترق لا يبالي إذا كان قلبه مستريحا من ذلك مطمئنا، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص؛ وأما إذا كان القلب الذي هو الملك رقيقا مستعبدا متيما لغير الله، فهذا هو الذل والأسر المحض والعبودية لما استعبد القلب ... فالحرية حرية القلب، والعبودية عبودية القلب؛ كما أن الغنى غنى النفس؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس} ، وهذا لعمري إذا كان قد استعبد قلبه صورة مباحة؛ فأما من استعبد قلبه صورة محرمة: امرأة أو صبيا، فهذا هو العذاب الذي لا يدان فيه [يعني: لا حيلة فيه] ؛ وهؤلاء من أعظم الناس عذابا وأقلهم ثوابا؛ فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقا بها مستعبدا لها اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، ولو سلم من فعل الفاحشة الكبرى.. " انتهى " مجموع الفتاوى " (10/185-186) .
فيا أيتها الأخت العزيزة: اعلمي أننا في غاية السعادة من إكرامك لزوجك، وحبك له، لكننا سنكون سعداء أكثر إن جعلتِ حبَّك له متعقلاًَ، واعلمي أن كثرة الإلحاح على الزوج باتصاله أو وجوده في البيت أو تركه لسفرٍ معيَّن: كل ذلك سيجعله في قلق، أو يربك له حياته، وترتيبه لمهماته، ونحن نريد لبيتكم الكريم هذا أن يكون جو المودة فيه صحيا، معينا لأهله، والذرية التي يجعلها الله فيه، إن شاء الله، على معالي الأمور، والجد في أن يكونوا ذخرا لدينه، وعونا للصالحين من عباده.
والذي ننصحك به أيضاً:
أ. القيام بالواجبات الشرعية المطلوبة منك، وأداء النوافل.
ب. المحافظة على أذكار الصباح والمساء.
ج. القيام بطلب العلم قراءة واستماعاً.
د. القيام بدعوة النساء، من جيرانك وأقاربك.
هـ. احرصي على أن يكون في قلبك محبة شرعية لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم باتباع الأوامر، وترك النواهي، ومحبة لدين الله، تجعلك تدافعين عنه، وتنشرينه بين الناس، ومحبة طبيعية لوالديك وأبنائك.
وكل ذلك سيجعل لحياتك معنى أسمى من حصر الحياة في الزوج، وحصر المحبة فيه.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يديم عليكما الألفة والمودة والرحمة والحب، وأن يرزقكما الذرية الصالحة.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/249)
مبتلى بحب المردان فكيف يتخلص من مرضه هذا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ابتليت بحب المرد والرغبة عن النساء، ربما بسبب تجارب سيئة في طفولتي، أصابر ما استطعت، وأغض بصري، وأعلم أن هذا حرام، ولا أستحله، وأستغفر الله منه، وأدعو " اللهم طهر قلبي وحصِّن فرجي "، لا أظن الزواج حلاًّ لي لأني لا أجد رغبة في النساء، أصوم الاثنين والخميس، ولكن هذا الأمر لا يزال في قلبي، ما العمل؟ وهل هناك ما يعوضني في الجنة؟ أستغفر الله إن كان هذا اعتداء في السؤال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم يا أخي السائل أن هذه البلية من أعظم البلايا، واعلم أنها قد تُهلك صاحبها، تصيبه في عقله فيصير مجنوناً، وتصيبه في بدنه فينقلب مريضاً، وتصيبه في دينه فيهلك، ويختم له بشر، فالحذر الحذر من الاستمرار على هذا الأمر، وابذل جهدك مستعيناً بربك للتخلص منه، وانظر في حال من أصيب به لتعتبر.
قال ابن القيم رحمه الله:
" ويروى أن رجلاً عشق شخصاً، فاشتد كلفه به، وتمكن حبه من قلبه، حتى وقع، ألماً به، ولزم الفراش بسببه، وتمنَّع ذلك الشخص عليه، واشتد نفاره عنه، فلم تزل الوسائط يمشون بينهما حتى وعده أن يعوده، فأخبر بذلك البائس، ففرح، واشتد سروره، وانجلى غمه، وجعل ينتظر للميعاد الذي ضربه له، فبينا هو كذلك إذ جاءه الساعي بينهما فقال: إنه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع، فرغبت إليه وكلمته، فقال: إنه ذكرني، وفرح بي، ولا أدخل مداخل الريب، ولا أعرِّض نفسي لمواقع التهم، فعاودته، فأبى، وانصرف، فلما سمع البائس ذلك أُسقط في يده، وعاد إلى أشد مما كان به، وبدت عليه علائم الموت، فجعل يقول فى تلك الحال:
أسلم يا راحة العليل ... ويا شفاء المدْنَف النحيل
رضاك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل!!
فقلت له: يا فلان اتق الله، قال: قد كان!!
فقمت عنه، فما جاوزت باب داره حتى سمعت صيحة الموت!
فعياذاً بالله من سوء العاقبة، وشؤم الخاتمة " انتهى.
" الجواب الكافي " (ص 117) .
فما رأيك أخي السائل؟ هل يتمنى مسلم عاقل أن يموت كما مات ذلك العاشق البائس، والذي جعل رضا محبوبه مقدَّماً على رضا خالقه الذي خلقه وصوره ورزقه وهداه للإسلام، وأسبغ عليه نِعَمه ظاهرة وباطنة؟! فإن قلت إنك لا تتمنى ذلك – وهذا هو الظن بك -: فينبغي أن تعلم أنك سائر على طريقه، وأنه قد يصيبك ما أصابه إن لم تتدارك نفسك.
واعلم أن هذا أول طريقٍ سلكه قوم لوط، وهو العشق للمردان، ولذا عاقبهم الله تعالى بما لم يعاقب به أمَّة قبلهم ولا بعدهم، فقلب الله تعالى ديارهم، وخسف بهم، ورجمهم بالحجارة، وطمس أعينهم.
قال ابن القيم رحمه الله في بيان أنواع العشق:
"وعشقٌ هو مقتٌ عند الله وبُعدٌ من رحمته، وهو أضر شيءٍ على العبد في دينه ودنياه: وهو عشق المردان، فما ابتليَ به إلا مَن سقط مِن عين الله، وطرد عن بابه، وأبعد قلبه عنه، وهو من أعظم الحُجب القاطعة عن الله، كما قال بعض السلف: إذا سقط العبد مِن عين الله ابتلاه بمحبة المردان، وهذه المحبة هي التي جلبت على قوم لوط ما جلبت، وما أوتوا إلا مِن هذا العشق، قال الله تعالى: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) " انتهى.
" الجواب الكافي" (ص 173، 174) .
ثانياً:
واعلم أن هذا البلاء له أسباب، وهذه الأسباب من كسبِ المبتلى نفسه، فمن أراد النجاة مما هو فيه: فليقف على هذه الأسباب، وليتخلَّص منها، وإلا فهو راضٍ عن حاله، ولا يريد تحولاً إلى ما هو خير، ومن هذه الأسباب التي هي من فعله:
1. ضعف الإيمان، وبُعد القلب عن حب الله تعالى، وقلة الخوف من عقابه.
2. إطلاق النظر للمردان، والتمتع بجمالهم وهيئتهم.
وهذا هو أول طريق المعصية التي سلكها هذا المبتلى، وقد أمره ربه تعالى بغض بصره عن المحرمات، وكذا أمره نبيه صلى الله عليه وسلم، فلما ترك الأمر ووقع في النهي: أدخل إبليس سهمه المسموم في قلبه، فقضى عليه.
قال ابن القيم رحمه الله:
"والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولِّد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولِّد الفكرة شهوة، ثم تولِّد الشهوة إرادة، ثم تَقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده ".
"الجواب الكافي" (ص 106) .
ومن هنا فإن العلماء قد حرموا النظر إلى الأمرد، بل إن بعضهم جعله أكثر حرمة من النظر للنساء.
قال النووي رحمه الله:
"وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن الصورة، سواءً كان بشهوةٍ أم لا، سواءً أمن الفتنة أم خافها، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين، نص عليه الشافعي، وحذاق أصحابه - رحمهم الله تعالى -، ودليله: أنه في معنى المرأة، فإنه يُشتهى كما تشتهى، وصورته في الجمال كصورة المرأة، بل ربما كان كثيرٌ منهم أحسن صورةً من كثيرٍ من النساء، بل هم في التحريم أولى لمعنى آخر: وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر ما لا يتمكن مثله في حق المرأة" انتهى.
" شرح مسلم " (4 / 31) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"والنظر إلى وجه لأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم، والمرأة الأجنبية بالشهوة، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء، أو شهوة التلذذ بالنظر، فلو نظر إلى أمِّه، وأخته، وابنته يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية: كان معلوماً لكل أحدٍ أن هذا حرام، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (15 / 413) و (21 / 245) .
وقال - رحمه الله – أيضاً -:
ومن كرَّر النظر إلى الأمرد ونحوه، أو أدامه، وقال: إني لا أنظر لشهوة: كذب في ذلك، فإنه إذا لم يكن معه داع يحتاج معه إلى النظر: لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك، وأما نظرة الفجأة فهي عفو إذا صرف بصره.
" مجموع الفتاوى " (15 / 419) و (21 / 251) .
ومن النظر الذي ابتلي به هؤلاء المرضى: ما يشاهدونه في القنوات الفضائية، والصحف والمجلات، ومواقع الإنترنت من صور الأطفال والشباب المردان، وهو ما يهيجهم على الفاحشة.
3. التقصير في الواجبات والنوافل.
ولو أن هذا المبتلى أدى الصلوات في أوقاتها، وبشروطها وواجباتها: لكانت ناهية له ورادعة عن الوقوع في الفحشاء والمنكر، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت/45، فكيف إذا حافظ على الرواتب والنوافل؟! .
4. هجر القرآن، وهجر قراءة كتب سير الصالحين وتراجم الأئمة.
وكتاب الله تعالى فيه الهدى والنور والشفاء، فهو خير وقاية للمسلم من الوقوع في الآثام والمعاصي، وهو خير علاج لمن وقع فيها.
وإذا قرأ في كتب الأئمة وتراجم العلماء: اتخذهم قدوة له، وأنس بصحبتهم، وترفع عن الرذائل والقبائح.
5. التقصير في طلب العلم.
فالعلم نور، وبه يعرف الحلال فيفعله، والحرام فيجتنبه، وبه يتعرف على ربه تعالى، على أسمائه وصفاته وأفعاله، فيولِّد ذلك في قلبه حياء من ربه، وحياء من ملائكته أن يقع في فاحشة قبيحة، وبه يتعرف على أحوال العصاة وما أعده الله لهم من العقوبة.
6. كثرة الفراغ في حياة هؤلاء المبتلين.
ولو أنهم شغلوا أوقاتهم بالطاعة، والرياضة، والأعمال المباحة، وطلب العلم: لما وجدوا أوقاتاً يصرفونها في التفكير في المحرمات فضلا عن فعلها.
7. اتخاذ أصدقاء السوء، وجلساء الشر.
وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم جليس السوء بنافخ الكير، فهو إما أن يحرق ثياب جليسه، وإما أن يشم منه رائحة خبيثة.
8. ترك الزواج.
وقد خلق الله تعالى في الرجال شهوة طبيعية، وجعلها تصريفها في النساء، والطريق المباح لذلك هو الزواج، ومن انتكست فطرته فإنها يصرفها في أمثاله من الذكور، وينزل بذلك عن درجة البهائم، فها هي البهائم التي خلقها الله تعالى أمامنا فهل رأينا ذكراً يعلو ذكراً؟
ثالثاً:
ومن أراد علاج مرضه، والتخلص من بلائه: فليبحث عن الأسباب التي أدَّت به للوقوع في المحرَّمات من النظر والخلطة والمصاحبة للمردان، وليتخلص منها بتركها، وعلاج دون ترك لسبب المرض علاج فاشل غير ناجح، وهذه طرق العلاج لمن أراد التخلص من بلائه، والسعي نحو تخليص نفسه من شرَك الشيطان، والمشي في طريق رضا الرحمن، ومنها:
1. تقوية الإيمان بالطاعات، ومنها الصوم، وتعمير القلب بمحبة الله، واستشعار الخوف من عقابه.
2. منع نفسه من النظر للمردان بشهوة وبغير شهوة، وترك مصاحبتهم والجلوس معهم مطلقاً، وترك الخلوة بهم، ولو لتدريس القرآن.
قال النووي رحمه الله:
"والمختار: أن الخلوة بالأمرد الأجنبي الحسن كالمرأة، فتحرم الخلوة به حيث حرمت بالمرأة، إلا إذا كان في جمع من الرجال المصونين" انتهى.
" شرح النووي " (9 / 109) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وأما صحبة المردان، وعلى وجه الاختصاص بأحدهم، كما يفعلونه، مع ما ينضم إلى ذلك من الخلوة بالأمرد الحسن، ومبيته مع الرجل، ونحو ذلك: فهذا من أفحش المنكرات، عند المسلمين، وعند اليهود والنصارى، وغيرهم " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (11 / 542) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا تجوز الخلوة بالأمرد ولو بقصد التعليم؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وكم من أناس كانوا قتلى لهذا الأمرد فأصبحوا فريسة للشيطان والأهواء، وهذه المسألة يجب الحذر منها" انتهى.
" الشرح الممتع " (1 / 294، 295) .
3. المحافظة على الصلوات في أوقاتها، والحرص على فعل الرواتب والنوافل.
4. الالتزام بورد من القرآن يقرؤه، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، والنظر في كتب تراجم الأئمة وحياتهم.
5. طلب العلم، قراءة وسماعاً ومشاهدة، وهو أمرٌ واجب على المسلم أصلاً.
6. إشغال الوقت بالطاعة، وبما هو مفيد لدينه ودنياه.
7. هجر الصحبة الفاسدة، والبحث عن الصحبة الصالحة والتزامها مجالسةً واستفادة من علمهم وأخلاقهم.
8. السعي المباشر للزواج؛ لإطفاء الشهوة بطريق مباح.
9. الاستعانة بالله تعالى بالدعاء أن يخلصه مما هو فيه من مرض وابتلاء.
10. التأمل في حال الواقعين في هذا العشق المحرَّم وما أدى بهم إلى الجنون والأمراض والردة – والعياذ بالله –.
قال ابن القيم:
ودواء هذا الداء الردي: الاستعانة بمقلِّب القلوب، وصِدق اللجأ إليه، والاشتغال بذِكْره، والتعوض بحبِّه وقربه، والتفكر بالألم الذي يعقبه هذا العشق واللذة التي تفوته به فتُرتب عليه فوات أعظم محبوبٍ وحصول أعظم مكروه، فإذا دِمت نفسه على هذا وآثرته: فليكبِّر على نفسه تكبير الجنازة، وليعلم أن البلاء قد أحاط به.
"الجواب الكافي" (ص 174) .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (27176) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/250)
يدَّعي على زوجته الزنا فطلقها وأعطاها مهرها، فهل له حقوق عندها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن متزوج من فتاه متدينة وملتزمة , ولقد كنت متزوجاً من قبلها بفتاة، ولكنني قد طلقتها، وكان سبب طلاقي منها هو: عدم حفاظها على شرفها , حيث اكتشفت أنها على علاقة بشاب آخر، وأنه كان يدخل البيت - بيت الزوجية - في غيابي، ولقد تأكدت من هذا الكلام - وذلك قبل الطلاق - من الشاب نفسه، وبوجود أدلة، كصورة شخصية لها، والصور هذه كان قد تم تصوريها بحفلتي الخطوبة والزواج , كما تبين بعد ذلك أنها قد أجْرت معه مكالمة هاتفية، وذلك ليلة الزفاف , وقمت بعدها بطلاقها وأرجعت لها كل حقوقها المطلوبة مني شرعاً. سؤالي هو: أحس في بعض الأحيان وعندما أتذكر ما مرت بي من أحداث معها , بأنني قد ظُلمتُ منها، ومن أهلها؛ لأنها كانت على علاقة مع ذلك الشاب بعد الزواج، وكان أهلها على علم بتلك العلاقة , وأحس بضيق في صدري وألم عندما أسترجع تلك الذكريات المريرة في حياتي، فماذا عليَّ أن أفعل؟ وما زلت حزيناً على الظلم الذي جرى عليَّ منها ومن أهلها , كما لا زلت في بعض المرات أتذكر هذه الفتاة , علماً بأنني متزوج حاليّاً، وزوجتي ستنجب في الشهر المقبل - إن شاء الله -، فأرجو منكم إفادتي بما يتوجب عليَّ فعله، كما أتمنى أن تفيدوني كيف لي أن أرجع حقي منهم، ولكم كل تحية وتقدير.]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً:
الزنا من - الرجل والمرأة - من المحرمات القطعية في دين الله تعالى، قال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) الإسراء/32، وهذا نهي عن قربانه فكيف يكون حكم مقارفته وفعله؟!.
وحد الزاني المحصن – وهو من سبق له الدخول بعقد شرعي – الرجم حتى الموت، وحد الزاني البكر: جلد مئة، ويعزر بالتغريب – أو السجن – عاماً كاملاً.
وليس الزنا محرَّما في الإسلام فقط، بل هو حرام في كل دين وشرع، ولا يخالف في ذلك صاحب فطرة سليمة ولا عقل راجح.
قال القرطبي:
وقد أجمع أهل الملل على تحريمه، فلم يحل في ملة قط، ولذا كان حده أشد الحدود؛ لأنه جناية على الأعراض والأنساب، وهو من جملة الكليات الخمس، وهي حفظ النفس والدين والنسب والعقل والمال.
" تفسير القرطبي " (24 / 20، 21) .
ثانياً:
لا يجوز لأحدٍ أن يدَّعي على غيره اقتراف هذه الجريمة إلا ببينة، والبينة هي أن يرى الزنا أربعةُ شهود، ويرون الفعل كاملاً بإدخال فرج الرجل في فرج المرأة، وهذا لم يثبت في تاريخ الإسلام لصعوبة تحققه، ويثبت الزنا بإقرار الزاني، ويثبت – كذلك - إذا رفضت المرأة ملاعنة زوجها الذي اتهمها بالزنا.
وللزوج في اتهام زوجته بالزنا حكم خاص، وهو الملاعنة – وينظر تفصيله في جواب السؤال رقم: (33615) - فإن قذفها بالزنى ولم يلاعنها: جُلد حد القذف، وهو ثمانون جلدة، ولا يجوز للزوج اتهام زوجته بالزنا لكونها خرجت مع أجنبي، أو رأى لهما صورة معاً، أو ما يشبه هذه الأحوال، إلا أن يرى ذلك بنفسه فيتيقن، أو يغلب على ظنه بقرائن قوية، وفعلها الذي وصفه زوجها لا شك أنه من عظائم الذنوب، وهي تستحق عليه الوعيد الشديد، لكن لا يجوز إثبات الزنا عليها بمثل هذه الأفعال.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
إذا قذف زوجته المحصنة: وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان: لزمه ذلك كله، وبهذا قال مالك، والشافعي ... .
ولنا: قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه.
وأيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيِّنة وإِلاَّ حدٌّ في ظَهْركِ) ، وقوله لما لاعن:
(عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة، كالأجنبي.
" المغني " (9 / 30) .
ثالثاً:
إذا ثبت الزنا باعترافها فإنه لا ينفسخ النكاح، ولا يسقط مهرها.
قال ابن مفلح:
فائدة:
إذا زنت امرأة رجل أو زنى زوجها، قبل الدخول أو بعده،لم ينفسخ النكاح في قول عامتهم.
" المبدع " (7 / 70) .
وقال ابن قدامة في:
وإن زنت امرأة رجل، أو زنى زوجها: لم يفسخ النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده.
" المغني " (7 / 108) .
وقال الشنقيطي – رحمه الله -:
اعلم أن من تزوج امرأة يظنها عفيفة، ثم زنت، وهي في عصمته: أن أظهر القولين: أن نكاحها لا يُفسخ، ولا يحرم عليه الدوام على نكاحها، وقد قال بهذا بعض من منع نكاح الزانية، مفرقاً بين الدوام على نكاحها، وبين ابتدائه.
واستدل من قال هذا بحديث عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه، أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: «استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان ليس تملكون منه شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة؛ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً» .
قال الشوكاني في حديث عمرو بن الأحوص هذا: أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة عمرو بن الأحوص المذكور، وحديثه في الخطبة صحيح ا. هـ.
وحديثه في الخطبة هو هذا الحديث بدليل قوله " فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ "، وهذا التذكير والوعظ هو الخطبة كما هو معروف ... .
وبه تعلم: أن قول من قال: إن من زنت زوجته، فسخ نكاحها، وحرمت عليه: خلاف التحقيق، والعلم عند الله تعالى.
" أضواء البيان " (6 / 82، 83) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في عدم سقوط المهر -:
ولا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي، قال: لا، مال لك، عندها إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد لك "؛ لأنها إذا زنت قد تتوب، لكن زناها يبيح له إعضالها، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه أو تتوب.
" مجموع الفتاوى " (15 / 320) .
وانظر جواب السؤال رقم (83613) .
رابعاً:
من ثبت عنده زنا زوجته باعترافها فطلقها: فالواجب عليه إعطاؤها كامل حقوقها، فإن لم يرغب بإعطائها حقوقها: فيجوز له التضييق عليها – عضلها – لتفتدي نفسها بالخلع، فيطلب إرجاع ما دفع لها من مهر، ويطلب زيادة إن شاء – على خلافٍ في الزيادة -.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/19.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ولهذا جاز للرجل إذا أتت امرأته بفاحشة مبينة أن يعضلها لتفتدي نفسها منه، وهو نص أحمد، وغيره؛ لأنها بزناها طلبت الاختلاع منه، وتعرضت لإفساد نكاحه، فإنه لا يمكنه المقام معها حتى تتوب.
" مجموع الفتاوى " (15 / 320) .
قال ابن كثير – رحمه الله -:
وقوله: (إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قال ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المُسَيَّب، والشَّعْبِيُّ، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن جُبَيْرٍ، ومجاهد، وعِكْرَمَة، وعَطاء الخراسانيّ، والضَّحَّاك، وأبو قِلابةَ، وأبو صالح، والسُّدِّي، وزيد بن أسلم، وسعيد بن أبي هلال: يعني بذلك الزنا، يعني: إذا زنت: فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها، وتُضَاجرهَا حتى تتركه لك وتخالعها، كما قال تعالى في سورة البقرة: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة/229.
وقال ابن عباس، وعكرمة، والضحاك: الفاحشة المبينة: النُّشوز والعِصْيان.
واختار ابن جرير – أي: الطبري - أنَّه يَعُم ذلك كلَّه: الزنا، والعصيان، والنشوز، وبَذاء اللسان، وغير ذلك.
يعني: أن هذا كله يُبيح مضاجرتها حتى تُبْرئه من حقها، أو بعضه، ويفارقها، وهذا جيِّد، والله أعلم.
" تفسير ابن كثير " (2 / 241) .
وقال الشيخ الشنقيطي - رحمه الله -:
قوله تعالى: (وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ) الآية: صرَّح تعالى في هذه الآية الكريمة بالنهي عن إمساك المرأة مضارة لها لأجل الاعتداء عليها بأخذه ما أعطاها؛ لأنها إذا طال عليها الإضرار افتدت منه ابتغاء السلامة من ضرره.
وصرَّح في موضع آخر بأنها إذا أتت بفاحشة مبينة جاز له عضلها، حتى تفتدى منه، وذلك في قوله تعالى: (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ُلِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) النساء/19، واختلف العلماء في المراد بالفاحشة المبينة:
فقال جماعة منهم هي: الزنا، وقال قوم هي: النشوز والعصيان وبذاء اللسان.
والظاهر: شمول الآية للكل، كما اختاره ابن جرير، وقال ابن كثير: إنه جيد؛ فإذا زنت، أو أساءت بلسانها، أو نشزت: جازت مضاجرتها، لتفتدي منه بما أعطاها على ما ذكرنا من عموم الآية.
" أضواء البيان " (1 / 189) .
وانظر جواب السؤال رقم (42532) .
خامساً:
الخلاصة:
1. اعلم أن ما فعلته زوجتك من تلك الأفعال المخالفة للشرع أمورٌ منكرة، وهي تستحق عليها الوعيد، ونسأل الله أن تكون تابت منها.
2. وكذلك أهلها، فإنهم يأثمون لعلمهم وسكوتهم على تلك العلاقة الآثمة، ومن يرى في أهله السوء ـ كهذا ـ ثم يسكت عليه ديوث، مستحق للوعيد؛ عن عبدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَالْعَاقُّ وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ) رواه أحمد (5349) وصححه الألباني.
3. ولا يجوز لك ادعاء الزنا على زوجتك السابقة لوجود علاقة بينها وبين ذلك الأجنبي؛ لما بيناه لك سابقاً.
4. ولو فُرض أنها وقعت في الزنا: فإن عقدك عليها لم ينفسخ، ومهرها لم يسقط، بل هي تستحقه منك كاملاً.
5. وإذا ثبت عندك زناها: فيجوز لك التضييق عليها حتى ترجع ما أعطيته لها، وهي – بالطبع – في هذه الحال لا تستحق مؤخر صداقها.
6. وبما أنه لم يثبت زناها، وأنت لم تضيِّق عليها، بل بادرتَ لتطليقها: فإنها تستحق مهرها كاملاً.
7. وقد أحسنتَ في تطليقها، فلا تقلق من فعلك هذا، ولا تجعل لها مجالاً للتفكير.
8. ننصحك بعدم الالتفات للوراء، فهي أجنبية عنك، ولا حق لك عندها، وأنت متزوج فانظر أمامك، والتفت لنفسك وزوجتك الجديدة، ولا تحزن على ما فات، واجتهد في تربية نفسك وزوجتك على طاعة الله، وما فعلتَه هو الصواب إن شاء الله، فدع الانشغال بماضٍ أليم، ليس في التفكير فيه سوى إضاعة الوقت، والتسبب بالقلق.
نسأل الله تعالى أن يوفقك في حياتك الجديدة، وأن يكتب لك السعادة، وأن يرزقك الذرية الصالحة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/251)
مريض نفسي ويعاني من الوسواس في الطهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعاني من مرض نفسي أظن أنه الوسواس فبعض الأيام استيقظت من نومي فشككت هل أجنبت أم لا؟ فتمعنت في ملابسي الداخلية فخيل لي أني على جنابة، فلم أكترث الأمر ولم أغتسل، لكن مع زوال اليوم بدأ الوسواس فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: خير علاج للوسوسة هو الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، وألا يهتم الإنسان بما يلقيه الشيطان في نفسه من الشك في طهارته أو صلاته....ونحو ذلك.
مع الإكثار من دعاء الله تعالى وسؤاله العافية، والاستعانة به في قهر الشيطان.
وانظر جواب السؤال رقم (62839) .
ثانياً:
الأصل أن الإنسان باقٍ على طهارته، فلا يجب عليه الاغتسال إلا إذا تيقن أنه أجنب، فما دام لم يتيقن لم يلزمه الاغتسال، حتى لو غلب على ظنه أنه أجنب.
وقد شكي للرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: (لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) رواه البخاري (137) ومسلم (361) . والمراد: حتى يتيقن أنه أحدث.
فالذي يظهر أنه لا يلزمك الاغتسال ما دمت لم تتيقن أنك أجنبت.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/252)
يهدده بالانتحار إن لم يفعل به الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 24 عاماً، وتربطني علاقة مع شاب بلغ من العمر 29، وعمر صداقتنا حوالي 10 سنوات تقريبا , في البداية كانت العلاقة على ما يرام، ولم تكن هناك أي مشاكل، وما إن وصل عمر صداقتنا إلى الخمس سنوات حتى انقلبت الدنيا على رأسي، وبدأ صديقي يطلب مني أن يلامسني جنسيّاً! ورفضت، وقاومت، رغم الضغوط التي واجهني بها، وكنت أتحملها، ولكن بعد فترة قام يهددني بالانتحار، وبالفعل حاول فعلها مرات عديدة عندما رفضت الفعل الذي يريده، ولكنني لم أصمد تجاه ما أراده، فقد شاهدته يسكب البنزين، ويشعل النار، ويهددني، ولولا رضوخي وبكائي لفعلها! وبين كل فترة يعيد نفس الفعل، ويقول لي هذه آخر مرة، وأعدك بأن أترك هذا الفعل، ولكن بعد فترة يخون، ولا يترك الفعل المشين هذا، وأقوم بمقاومته، ولكن يواجهني بالانتحار، فمرة يسكب الزيت لكي يحرق نفسه، ومرة يشرب الغراء – مادة لاصقة -، ومرة يريد أن يرمي نفسه من فوق المنزل، ومرة بالسكين..... الخ، وكل مرة يقول: إني سأترك، ولا يترك هذا الفعل، فلا أعلم هل هو مريض نفسيّاً أو مصاب بسحر، أو، أو، والعلم عندكم، فأنا كرهته، ولا أريد أن أصاحبه، ولولا تهديده بالانتحار لتركته، ولكنه يهددني دائما بالانتحار، ودائما يحاول أمام عيني أن ينتحر، ولكنني أمتنع، واخضع لطلباته الجنسية. فأرجو منكم النظر في مشكلتي، ومساعدتي في أقرب وقت ممكن؛ لان التأخر قد يجعل حياته وحياتي في خطر. أرجوك دكتور أن تعالجني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنا لله وإنا إليه راجعون، من يعش في هذا الزمان يسمع ويرى عجباً، ونحن في غاية العجب منك أخي السائل عندما تريد منا النصيحة والمشورة، فهل ستظننا نوافق على أن تبذل عرضك لمجرم خسيس الهمة، منتكس الفطرة؟! وهل سننصحك بالبقاء معه ومصاحبته؟! .
إن الذي يلزمك الآن ودون أدنى تردد أن تهجر هذا المجرم الخسيس، وألا ترى عينك عينه.
واعلم أن ما فعلتَه من تسليم نفسك له منكر شنيع، وكبيرة من كبائر الذنوب، وأنه لا عذر لك في كونه سينتحر، وهل حياة ذلك الخسيس أعظم عندك من عرضك؟! إنه مستحق للقتل أصلاً من أول مرة فعل ذلك الفعل الشنيع، ولو أنه انتحر وقتل نفسه لكان في ذلك إراحة للمجتمع من شره، وإن كانت توبته أحب إلينا، لكننا لا نراه حريصاً عليها ولا مهتما بها.
فاعلم أيها السائل أن هذا الرجل لو قتلك أنت فهو خير لك من مثل هذه الحياة التي تميتك في كل لحظة، فكيف لا ترضى أن يكون المقتول هو نفسه؟! .
قال ابن كثير رحمه الله:
ولأن يُقتل المفعول به خير من أن يُؤتى في دبره؛ فإنه يُفسَد فساداً لا يُرجى له بعده صلاح أبداً، إلا أن يشاء الله.
" البداية والنهاية " (9 / 184) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
ولَأَن يقتل المفعول به خيرٌ له من أن يُؤتى؛ فإنه يَفسد فساداً لا يرجى له بعده صلاح أبداً، ويَذهب خيرُه كله، وتمص الأرضُ ماء الحياء من وجهه، فلا يستحيي بعد ذلك لا من الله ولا من خلقه، وتعمل في قلبه وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم في البدن.
" الجواب الكافي " (ص 115) .
وقال أيضاً:
وقتل المفعول به خيرٌ له من وطئه؛ فإنه إذا وطئه الرجل قتله قتلاً لا تُرجي الحياة معه، بخلاف قتله؛ فإنه مظلوم شهيد، وربما ينتفع به في آخرته.
" الجواب الكافي " (ص 119) .
لكن هذا لا يعني أن الله تعالى لا يقبل توبتك، بل إننا نذكر لك هذا لنبين لك عظَم ما اقترفت من ذنب، وقبح ما فعلتَ من معصية، حتى إن بعض العلماء يقول بأنه لا يدخل الجنة مفعول به! .
قال ابن كثير رحمه الله:
وقد اختلف الناس: هل يدخل الجنة مفعول به؟ على قولين، والصحيح في المسألة أن يقال: إن المفعول به إذا تاب توبة صحيحة نصوحاً، ورُزق إنابةً إلى الله وصلاحاً، وبدَّل سيئاته بحسنات، وغسل عنه ذلك بأنواع الطاعات، وغض بصره، وحفظ فرجه، وأخلص معاملته لربه: فهذا - إن شاء الله - مغفور له، وهو من أهل الجنة، فإن الله يغفر الذنوب للتائبين إليه (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الحجرات/11، (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/39، وأما مفعول به صار في كبَره شرّاً منه في صغره: فهذا توبته متعذرة، وبعيدٌ أن يؤهل لتوبة صحيحة، أو لعمل صالح يمحو به ما قد سلف، ويخشى عليه من سوء الخاتمة، كما قد وقع ذلك لخلقٍ كثيرٍ ماتوا بأدرانهم وأوساخهم، لم يتطهروا منها قبل الخروج من الدنيا، وبعضهم خُتم له بشرِّ خاتمة، حتى أوقعه عشق الصور في الشرك الذي لا يغفره الله.
وفي هذا الباب حكايات كثيرة وقعت للوطية وغيرهم من أصحاب الشهوات، يطول هذا الفصل بذكرها.
" البداية والنهاية " (9 / 184) .
والواجب عليك بعد هجره بالكلية: أن تتوب إلى الله تعالى توبة صادقة لا شائبة فيها، ومن تمام توبتك البعد عنه محادثته ومراسلته ومشاهدته، والواجب عليك – أيضاً – تحذير الذين يعرفهم ويصاحبهم من شره وكيده، ولو بإخبار آبائهم وأهاليهم، وليكن ذلك من غير طريقك لسببين: الأول: أن لا يتعرض لك بالأذى والضرر، والثاني: أنه قد يتكلم في عرضك، ويفضحك بين الذين تحذِّرهم منه، وليس ذلك عنه ببعيد.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لتوبة صادقة، وأن ييسر لك الهدى والتوفيق، وأن يطهر قلبك وجوارحك من الإثم والعصيان.
وانظر جواب السؤال رقم (27176) ففيه أربع مسائل هي: قبح وشناعة فاحشة اللواط، والآثار المترتبة عليها من حيث المخاطر الصحية، وبيان سعة رحمة الله للتائبين، وطرق العلاج لمن ابتلي بهذه الفاحشة.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/253)
تقصير الزوج في حقوق زوجته بسبب مرضه البدني والنفسي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ سنتين ونصف تقريباً، وزوجي لا يقربني إلا كل ثلاثة أو خمسة شهور تقريباً، متعللاً دوماً إما بالمرض، أو السحر، أو عدم الاستقرار المالي، ولا يتودد نهائيّاً لي، وكلما صارحته بالأمر أوجد الأعذار الجاهزة، مع العلم أنه لا يعاني شيئاً كما يقول، ويرفض الذهاب للطبيب، حتى أخبرت عائلته بالموضوع، وأيضاً لم يجدوا أي فائدة من الكلام معه، وهو يضغط عليَّ من أجل العلاج للحمل، ولا أعلم كيف سيحصل، أنا متعبة جدّاً، ولا أعلم ما أفعل، إن علم أهلي بموضوعي سيكون الطلاق أكيداً، ومع العلم أننا ذهبنا إلى العديد من شيوخ الدين، وكلهم أجمعوا على وجود نفْس أصابتنا، ولم ينفع معنا شيء، وبصراحة أنا أخاف من القيام بالفاحشة. أرجو منكم إطلاعي ما يتوجب عليَّ عمله، وفي حالة الطلاق ما هي حقوقي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله تعالى على الزوج معاشرة زوجته بالمعروف، فقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19، وهو من الحقوق المشتركة، فيجب على كل واحدٍ من الزوجين معاشرة صاحبه بالمعروف.
ولكل واحدٍ من الزوجين حق على الآخر، وقد فصلنا القول في حقوق الزوجين بعضهما على بعض في جواب السؤال (10680) .
ومن حقوق الزوجة على زوجها: إعفافها بالوطء، وهو واجب على القادر، وهو قول جمهور العلماء.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (30 / 127) :
" من حقّ الزّوجة على زوجها أن يقوم بإعفافها، وذلك بأن يطأها، وقد ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - إلى أنّه يجب على الزّوج أن يطأ زوجته " انتهى.
وقد اختلف العلماء في الحد الذي يجب فيه على الزوج جماع زوجته، وأصح الأقوال أنه ذلك يتبع حاجتها وقدرته.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر والشهرين لا يطؤها، فهل عليه إثم أم لا؟ وهل يطالب الزوج بذلك؟ .
فأجاب:
يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه، أعظم من إطعامها، والوطء الواجب قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة، وقيل: بقدر حاجتها وقدرته، كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته، وهذا أصح القولين.
" مجموع الفتاوى " (32 / 271) .
وقد يكون زوجك تعرض لأمراضٍ نفسيَّة أو عضويَّة، وهو ما سبَّب له نفوراً من الجماع أو التودد، وليس لكِ الجزم بعدم وجود ذلك عنده، وبخاصة أنكِ تقولين إن المشايخ الذين اطلعوا على حالتكما رأوا أنه قد أصابتكما عينٌ – وتسمَّى " النفْس " -، فلا يبعد أن تكون تلك العيْن هي التي تسببت في سلوكه المتغير.
سئل الدكتور عبد الله السدحان – وهو أحد المختصين في أمور الرقية، ورسالته للدكتوراة كانت بعنوان " دراسة مقارنة عن الرقية الشرعية " -:
هل تسبِّب العين أمراضاً عضوية ومشكلات مادية أو اجتماعية؟ .
فأجاب:
نعم، تتسبَّب العين في عدم شفاء كثير من الأمراض العضوية، بل واستفحالها، وكذلك المشكلات المادية، والزوجية، والقطيعة، وكثير من المصائب، كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين) ، فما دون الموت من المصائب أولى أن تُلحق بالعين.
عن " مجلة الدعوة " العدد (2018) ، 15 شوال 1426هـ، 17 نوفمبر 2005 م.
ومن واجب الزوجة الصالحة أن تقف مع زوجها في مثل هذه الأحوال، فهو أحوج ما يكون لمن يسانده، ويعينه في علاجه، حتى يكتب الله له الشفاء، وإذا كان ما أصابه سببه الظروف المادية، والحياة الاجتماعية: فإنك تستطيعين كسب قلبه بالتجمل له، والتودد إليه، والتلطف معه، فأنتِ سكنه، وقد جعل الله بين الزوجين من المودة والرحمة ما يسهِّل عليك الوصول إلى قلبه، والتخفيف عنه ما يعانيه من ضغط الحال.
ولتعلمي أن الرجل ليس كالمرأة، فالمرأة تستطيع تلبية حاجة زوجها الجنسية في كل أحوالها، إلا أن تكون مريضة أو حائضاً أو نفساء، والرجل لا يستطيع ذلك إلا أن يكون نشيطاً وله رغبة في الجماع، ولذا لم يوجب الشرع عليه العدل في الجماع بين زوجاته؛ لأن هذا يتبع النشاط والرغبة والقوة، ولذا – أيضاً – جاء الوعيد في الامتناع عن الفراش للزوجة دون الزوج.
وأما قولك! إنك تخافين من الوقوع في الفاحشة فإنه ينبغي لك الصبر والتحمل وإعانة زوجك حتى يشفيه الله، فإن لم يمكنك الصبر فلك الحق في طلب الطلاق.
وعلى زوجكِ المسارعة في علاج نفسه، ولا ينبغي له التردد في ذلك أو التهاون والكسل، فهو – بحسب كلامك – واقع في التفريط في حق زوجته، وللزوجة حقها في الإعفاف، فإن كان قادراً فليفعل، وإلا فليطلِّقها، وليسرحها سراحاً جميلاً، إن كانت لا تستطيع الصبر على مرض زوجها.
وفي جواب السؤال رقم (11359) ذكرنا كيفية الوقاية من العين، والعلاج منها، فلينظر.
ونرى أن عرض قضيتك على قاضٍ شرعي هو الأولى، فهو الذي يستطيع إثبات حقيقة حالة زوجك، وطلب التقارير الطبية، وهو الذي يحكم بعد ذلك في مسائل الطلاق والحقوق.
ونوصيك بالصبر على ما أنتِ فيه من حال، وأن تقفي مع زوجك في مرضه، وأن تساهمي في البحث عن علاجه، سواء عند أطباء، ولو كانوا أطباء نفسيين، وعرضه على مشايخ ثقات لمعرفة سبب تصرفاته، فقد يكون فعلاً مصاباً بالعين.
نسأل الله أن يصلح أحوالكما.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/254)
زوجته لا تقبل النصيحة فما هو الحل معها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت قبل أربع سنوات، كانت زوجتي لا تطبق أياًّ من شعائر الدين، كانت ضد الحجاب والنقاب تماماً، وكانت لا تغطي حتى رأسها، عندما طلبت منها الحجاب رفضت وقالت بأنها متعلمة وتعرف الخطأ من الصواب، لم أفقد الأمل وبقيت أحاول أن أقنعها وأخوفها بعظمة الله، الآن وبعد 4 سنوات هناك تحسن بسيط، بدأت تضع الحجاب، تغطي به رأسها وصدرها فقط ولكنها حتى الآن ليست مقتنعة بالنقاب، أصبحت تصلي وتقرأ القرآن وتخطيء فيه (نطق الكلمات غير سليم) ، ليست لديها الرغبة في تعلم قراءة القرآن، لا تبالي في تعلم أمور الدورة الشهرية وتخلط الأيام وتترك الصلاة يوماً أو يومين بعد انقضاء الدورة، لا تأخذ برأي أحد وتعتبر أن قرارها نهائي.
ما هو التصرف الذي أتخذه معها إذا كانت لا تتحمل أي كلام أو تصرف قاس؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لاشك أخي السائل أن زوجتك مقيمة على خطأ عظيم جداً، نسأل الله لها الهداية، وأخطر ما ذكرت عنها هي مسألة التهاون بشأن الصلاة، لأن تركها يقود والعياذ بالله إلى الخروج من الملة والدين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة) رواه مسلم 82، وهذا فيمن تركها بالكلية، وإن كان بعض العلماء رحمهم الله يرى كفر من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها، انظر المغني (3/354) ، وهذا يدل على خطورة الأمر وهوله.
وقد قمت بما يجب عليك تجاه زوجتك من التوجيه والنصح الذي ظهرت ثمرته، وإن كانت ليست كاملة، ولكنها خطوة إيجابية تدل على وجود خير في زوجتك واستعداد لتغيير الباقي، نعم قد يكون ذلك بطيئاً ولكنه ممكن، فأنت ترى أنها في بداية الأمر لم تكن مقتنعة بالحجاب ولم تكن ترتدي منه شيئاً، ولكنها بعد تلك المساعي النبيلة منك أصبحت ترتدي شيئاً منه، وإن لم يكن ذلك كاملاً على ما ينبغي، ولكن هذه بارقة أمل ودلالة على خير مكنون، يمكنك أن تجليه لتفعل ذلك عن اقتناع ورغبة على وجه الكمال مع مرور الأيام ومواصلة المجهود، وهذا يعني أنه لابد من الاستمرار في نصحها وإرشادها، وعدم الانقطاع في ذلك، وأنت مأجورٌ مثاب على ذلك، قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) رواه البخاري برقم (6)
ذَكِّرْهَا بالله دائماً وخَوِّفْهَا به وعَلِّمْهَا منزلةَ الصلاة في الإسلام وأنها يجب عليها أن تتعلم ما له صلة بالصلاة مثل أحكام الحيض والنفاس، إذ يجب على كل من طهرت من حيضها أو نفاسها أن تبادر إلى الغسل إذا حانت الصلاة، حاول أن تناولها الكتب النافعة في ذلك مثل رسالة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الدماء الطبيعية للنساء، أو بعض الأشرطة النافعة. ويمكنك أن تساعدها على ذلك بأن تجلس وتقرأ معها، أو تستمع إلى الشريط معها. فإن هذا من التعاون على البر والتقوى.
وأما ما ذكرته من الخطأ في القراءة، فهذا إن كان في قراءتها للفاتحة في الصلاة وكان هذا الخطأ يحيل المعنى ويغيره كما لو قرأت " أنعمتَ " بكسر التاء " أنعمت ِ" أو أي خطأ إذا سمعه السامع فهم منه معنى آخر غير المعنى الصحيح المراد من الآية فهذا يجب عليها أن تتعلمه جيداً لأن مثل هذا الخطأ يبطل الصلاة لأن قراءة الفاتحة ركنٌ في الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بها، أما إن كان الخطأً لا يغير المعنى كما لو قرأت "الرحمنِ الرحيمِ" بالضم " الرحمنُ الرحيمُ " فهذا لا يبطل الصلاة.
والواجب على المسلم أن يتعلم قراءة القرآن حتى يقرأه قراءة صحيحة، ولا يقع في تحريف القرآن وهو لا يشعر.
وعليك أن تعينها على ذلك إما أن تعلمها أنت بنفسك، وإما أن تدلها على ما يفيدها في ذلك مثل أشرطة القرآن للقراء المعروفين بحسن التلاوة والتجويد، كما ينبغي لك أن تبين لها فضل قراءة القرآن الكريم، وما فيه من الأجر والمثوبة.
وبالجملة فالواجب عليك أن تستمر في تعليمها وتوجيهها، وتصبر على ذلك، ولا تقل لم تستجب مع طول المدة وبذل الجهد إلا شيئاً قليلاً، فإن هذا القليل يبارك الله فيه، ولنا في أنبياء الله تعالى الأسوة الحسنة، فهذا نوح عليه السلام مكث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين، قال الله تعالى: (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) العنكبوت / 14. ومع ذلك لم يؤمن معه إلا قليلٌ من قومه.
حَبِّبْ إليها تَعَلُّمَ أمورِ دينها بتسهيلها لها، شَجِّعْهَا إن رأيت منها تجاوباً ولو كان شيئاً قليلاً، واعلم أنك قدوة عندها، فراقب أقوالك وأفعالك، وإياك أن تأمرها بأمر ثم تكون أول المخالفين له، أو تنهاها عن أمر وتكون أول الفالين له، فإن هذا يمنعها من قبول توجيهك أو يؤخر ذلك.
وعليك بالرفق في نصحها وإرشادها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ) رواه مسلم (2593) .
وعليك أن تكثر من الدعاء والتضرع إلى الله أن يشرح صدرها لطاعته ويحبب إليها دينه وشرعه.
وأسأل الله أن يوفقك لك خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/255)
طرق النجاح في الحياة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أحصل على النجاح والتوفيق "أو الازدهار أو الرخاء" في الدنيا والآخرة.. وما نوع النجاح والازدهار الذي يريده الإسلام للأمة الإسلامية في هذا العالم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن راحة القلب وطمأنينته، وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج، ولذلك أسباب دينية، وأسباب طبيعية، وأسباب عملية، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين، وأما من سواهم فإنها وإن حصلت لهم من وجه فاتتهم من وجوه أخرى.
وبين يديك - أيها القارئ – جملة من الأسباب لهذا المطلب الأعلى الذي يسعى له كل أحد، فمنهم من أصاب كثيراً منها فعاش عيشة هنيئة، وحيي حياةً طيبة، ومنهم من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء، وحيي حياة التُعساء، ومنهم من هو بين بين، بحسب ما وفق له. فمن تلك الأسباب والوسائل:
1- الإيمان والعمل الصالح....
وهو أعظم الأسباب وأصلها وأُسها؛ قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل/ 97 فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة والجزاء الحسن في الدنيا والآخرة.
وسبب ذلك واضح: فإن المؤمنين بالله – الإيمان الصحيح المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة – معهم أصول وأُسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان..
فيتلقون المحاب والمسارّ بقبولٍ لها، وشكر عليها، واستعمال لها فيما ينفع، فإذا استعملوها على هذا الوجه أحدث لهم من الابتهاج بها، والطمع في بقائها وبركاتها، ورجاء ثواب الشاكرين، أموراً عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرَّات التي هذه ثمراتها، ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته، وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم منه بُدٌّ، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة، والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمورٌ عظيمة تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه، كما عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا في الحديث الصحيح فقال: " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلَّه خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن " رواه مسلم رقم (2999) .
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره.
2- الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل وأنواع المعروف ... وهذا من الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق، وبها يدفع الله عن البَرِّ والفاجر الهموم والغموم بحسبها، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه فيُهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه، قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاحٍ بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) النساء/114 ومن جملة الأجر العظيم: زوال الهم والغم والأكدار ونحوها.
3- ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب، واشتغال القلب ببعض المكدرات: الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة، فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه، وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه وازداد نشاطه، وهذا السبب أيضاً مشترك بين المؤمن وغيره، ولكن المؤمن يمتاز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه، وبعمل الخير الذي يعمله.
وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه فإن هذا أدعى لحصول المقصود النافع والله أعلم.
4- ومما يُدفع به الهم والقلق اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن، فالحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها، والهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل، فيكون العبد ابن يومه، يجمع جِدَّه واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر، فإن جم القلب على ذلك يُوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن، والنبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء، فهو يحث مع الاستعانة بالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو بحصوله، والتخلي عما كان يدعو لدفعه؛ لأن الدعاء مقارنٌ للعمل، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده، ويستعينه على ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيءٌ فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان " رواه مسلم. جمع صلى الله عليه وسلم بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال، والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار، وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة، ومشاهدة قضاء الله وقدره، وجعل الأمور قسمين:
1- قسم يمكن العبد السعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكن منه أو دفعه أو تخفيفه فهذا يبذل فيه العبد مجهوده ويستعين بمعبوده.
2- وقسم لا يمكن فيه ذلك فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويُسلم.
ولا ريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم.
5- ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته الإكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه، قال تعالى: " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " الرعد/28 فلذكر الله أثرٌ عظيمٌ في حصول هذا المطلوب لخاصيته، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره.
6- ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم، السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم، وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيه من باب العبث والمحال، فيُجاهد قلبه عن التفكر فيها، وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته، فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهولٌ ما يقع فيها من خير وشر، وآمال وآلام، وأنها بيد العزيز الحكيم، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، واتكل على ربه في إصلاحه، واطمأن إليه في ذلك، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه وصلحت أحواله وزال عنه همه وقلقه.
ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به: " اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموت راحةً لي من كلِّ شر " رواه مسلم (2720) .
وكذلك قوله: " اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كلَّه، لا إله إلا أنت " رواه أبو داود بإسناد صحيح رقم 5090 وحسنه الألباني في صحيح الكلم الطيب ص 49. فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر، ونيةٍ صادقة، مع اجتهاده فيما يُحقق ذلك، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحاً وسروراً.
7- إذا حصل لإنسان قلق وهموم بسبب النكبات، فإن من أنفع الأسباب لزوالها أن يسعى في تخفيفها عن نفسه بأن يُقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر , ويوطن على ذلك نفسه، فإذا فعل ذلك فليَسْعَ إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان، فبهذا التوطين وهذا السعي النافع، تزول همومه وغمومه، ويكون بدل ذلك السعي في جلب المنافع، وفي رفع المضار الميسورة للعبد، فإذا حلت به أسباب الخوف , وأسباب الأسقام، وأسباب الفقر فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها، بل على أشد ما يمكن منها، فإن توطين النفس على احتمال المكاره يهونها ويزيل شدتها، وخصوصاً إذا أشغل نفسه بمدافعتها بحسب مقدوره، فيجتمع في حقه توطين النفس مع السعي النافع الذي يشغل عن الاهتمام بالمصائب، ويُجاهد نفسه على تجديد قوته المقاومة للمكاره، مع اعتماده في ذلك على الله، وحسن الثقة به، ولا ريب أن لهذه الأمور فائدتها العظمى في حصول السرور وانشراح الصدور مع ما يؤمله العبد من الثواب العاجل والآجل، وهذا مُشاهد مُجرب، ووقائعه ممن جربه كثيرة جداً.
8- قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة؛ لأن الإنسان متى استسلم للخيالات، وانفعل قلبه للمؤثرات، من الخوف من الأمراض وغيرها، ومن الغضب والتشوش من الأسباب المؤلمة، ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية، والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة، التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة، ومتى اعتمد القلب على الله وتوكل عليه، ولم يستسلم لأوهام , ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله، وطمع في فضله، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسدة، وكم أثرت هذه الأمور على قلوب كثير من الأقوياء، فضلاً عن الضعفاء، وكم أدت إلى الحمق والجنون.
واعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكاراً فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة. وإلا فالأمر بالعكس.
والمُعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب، الدافعة لقلقه، قال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) الطلاق/3. أي كافيه جميع ما يُهمه من أمر دينه ودنياه، فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام، ولا تُزعجه الحوادث، لعلمه أن ذلك من ضعف النفس، ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له، ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئن لوعده، فيزول همه وقلقه، ويتبدل عُسره يُسرا، وترحه فرحا، وخوفه أمنا، فنسأله تعالى العافية، وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته، وبالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهله بكل خير، ودفع كل مكروه وضير.
وينبغي أيضاً إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، وبين ما أصابه من مكروه فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم، واضمحلال ما أصابه من المكاره.
أنظر كتاب الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للشيخ عبد الرحمن بن سعدي.
* وقد لخص ابن القيم خمسة عشر نوعاً من الدواء يذهب الله بها الهم والحزن وهي:
الأول: توحيد الربوبية.
الثاني: توحيد الإلهية.
الثالث: التوحيد العلمي الاعتقادي (وهو توحيد الأسماء والصفات) .
الرابع: تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك.
الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.
السادس: التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء، وهو أسماؤه وصفاته، ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات: الحي القيوم.
السابع: الاستعانة به وحده.
الثامن: إقرار العبد له بالرجاء.
التاسع: تحقيق التوكل عليه، والتفويض إليه، والاعتراف له بأن ناصيته في يده، يصرفه كيف يشاء، وأنه ماض فيه حكمه، عدل فيه قضاؤه.
العاشر: أن يرتع قلبه في رياض القرآن، ويتعزى به عن كل مصيبة، ويستشفي به من أدواء صدره، فيكون جلاء حزنه، وشفاء همه وغمه.
الحادي عشر: الاستغفار.
الثاني عشر: التوبة.
الثالث عشر: الجهاد.
الرابع عشر: الصلاة.
الخامس عشر: البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده.
نسأل الله تعالى أن يعافينا من الهموم وأن يفرج عنا الكروب ويزيل عنا الغموم إنه هو السميع المجيب، وهو الحي القيوم.
أنظر للأهمية رسالة علاج الهموم – وهي موجودة في الموقع – قسم الكتب.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(11/256)
لا يجد مكاناً نظيفاً للوضوء والصلاة فهل يؤخر الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة جميع من فيها غير مسلمين وأنا المسلم الوحيد فيها، ولا يوجد مكان نظيف وملائم للوضوء خلال النهار، ولا يوجد مكان خاص للصلاة، هل يجوز أن أنتظر حتى أصل للبيت وأصلي الظهر والعصر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أن يعلم المسلم أهمية الصلاة، وضرورة المحافظة عليها من حيث أوقاتها وشروطها وأركانها وواجباتها، قال الله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} النساء / 103.
عن عبد الله بن مسعود قال: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله.
رواه البخاري (504) ومسلم (85) .
فلا يحل لمسلم أن يؤخر الصلاة عن وقتها، والوضوء لا يحتاج إلى مكانٍ نظيف ليفعله، ولو فرضنا أنه يحتاج له فإن على الأخ السائل أن يحتاط قبل مجيئه للعمل ويكون على وضوء ليصلي الصلاة في وقتها.
ويجب عليه أن يصلي الصلاة في وقتها، والبحث عن مكان نظيف ليؤدي الصلاة فيه ليس أمراً صعباً ولا متعسِّراً، والصلاة تصح في أي مكان من الأرض ما دام طاهراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) رواه البخاري (335) ومسلم (521) ، ولم يستثن الشرع إلا أماكن معينة لا تصح الصلاة فيها، منها المقبرة والحمام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) رواه أبو داود (492) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فمكان عمله الذي يعمل فيه هو مكان الصلاة إن كان طاهراً، فإن لم يتيسر فليبحث عن غيره، ولو أن يطلب من أصحاب العمل تخصيص زاوية يصلي بها فهو ليس من الأمور الصعبة والمتعذرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وإذا تعمَّد تأخير الصلاة حتى ضاق الوقت عن فعل شروطها وأركانها مثل أن تكون عليه نجاسة أو هو جنب وأخَّر الصلاة بحيث متى اشتغل بالطهارة خرج الوقت: فعليه أن يشتغل بالطهارة أيضاً، وهو آثم بفعلها في غير الوقت؛ لأنه كان يجب عليه الطهارة قبل ضيق الوقت والصلاة فيه، فمتى أخَّر ذلك: فعليه أن يفعله كما وجب عليه مع إثمه بالتأخير.
" شرح العمدة " (4 / 58) .
وإذا عجز عن شرط من شروط صحة الصلاة - كالطهارة - فإنه يصلي في الوقت ويسقط عنه هذا الشرط، ولا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها من أجل أن يحصل هذا الشرط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
... لأن من خوطب بالصلاة في أول الوقت وهو عاجز عن شرط أو ركن في الحال، ويقدر على تحصيله بعد الوقت: لم يجز له تأخير الصلاة عن وقتها، ولو جاز هذا لكان من عجز عن الطهارة أو السترة أو الركوع أو السجود وغير ذلك من الشرائط والأركان يؤخر الصلاة إلى أن يقدر على ذلك إذا علم أو غلب على ظنه أنه يقدر على ذلك، وهذا خلاف الكتاب والسنة والإجماع؛ فإن رعاية الشرع للوقت أعظم من رعايته لجميع الشرائط والأركان المعجوز عنها، ولهذا لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها البتة للعجز عن بعض الأركان، ومتى ضاق وقت الوجوب عن تحصيل الشرط والفعل: قدم الفعل في الوقت بدون الشرط، وإنما تكون المحافظة على الشرط أولى إذا كان الوجوب في آخر الوقت، مثل نائم يستيقظ آخر الوقت فإن الصلاة واجب عليه حينئذ فعلها بشروطها كما لو استيقظ بعد الوقت.
" شرح العمدة " (4 / 347، 348) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/257)
تزوج بثانية وأسلما فماذا يفعل بزوجته الأولى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من صديق أسلم حديثاً:
رجل تزوج امرأة وله منها ولدان، سافر للعمل في السعودية وترك أولاده وزوجته في بلده، تعرف على امرأة في السعودية وتزوجها دون علم زوجته الأولى وأنجب منها ولدا، الزوجان اللذان يعملان في السعودية اعتنقا الإسلام، وبما أنهما جديدان في الدين الإسلامي فهما يخشيان أنهما قد اقترفا ذنباً فهل يمكن أن تعطينا نصيحتك؟
1- ما حكم العلاقة المذكورة؟
2- ما هي الواجبات المترتبة على الرجل تجاه ولديه وزوجته الأولى؟
3- ما هي الذنوب التي اقترفاها وماذا يفعلا ليتجنبا الوقوع فيها؟
أرجو أن تسدي النصيحة لمثل هذه الحالة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن هداكما للإسلام، ووفقكما لذلك، ونسأل الله لكما الثبات حتى الممات لتفوزا بجنة الله ورضوانه. ونبشركما بأن الإسلام يهدم ما قبله من الذنوب، فمهما اقترف الإنسان من الذنوب ثم أنعم الله عليه وهداه للإسلام فإنه ينقى من ذنوبه كلها كيوم ولدته أمه، قال تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) الأنفال / 38. (إن ينتهوا) يعني عن كفرهم وذلك بالإسلام لله وحده لا شريك له. تفسير السعدي.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يهدم ما كان قبله) رواه مسلم (121) يعني من الذنوب.
ثانياً:
ليس للرجل أن يقيم علاقة مع امرأة أجنبية عنه، فإن كان قد حدث شيء من ذلك قبل زواجكما، فهو ذنب أو ذنوب قد كتبت عليكما. فإن كان ذلك قبل إسلامكما فقد غفر الله تعالى لكما ذلك بالإسلام.
وإن كان ذلك بعد الإسلام، فالواجب عليكما التوبة من ذلك، وقد وعد الله عز وجل بقبول توبة من أناب إليه فقال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25. وقال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
ولمعرفة المزيد عن التوبة وشروطها يراجع السؤال رقم (13990) .
ثالثاً:
وليس في زواج الرجل بامرأة ثانية ذنب أو إثم، فقد أباح الله له أن يجمع بين أربع نسوة، إذا استطاع أن يعدل بينهن ويؤدي حقوقهن. ولا يجب عليه أن يُعلم زوجته الأولى برغبته أو شروعه في الزواج من ثانية.
رابعاً:
وأما واجب الرجل تجاه ولديه وزوجته الأولى، فيجب عليه أن ينفق عليهم بقدر حاجتهم، والأهم من ذلك أن يسعى في هدايتهم وإنقاذهم من النار، كما قال سبحانه:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم /6.
وعليه أن يبذل كل وسيلة ممكنة لدعوة زوجته ونصحها، وترغيبها في الإسلام. فإذا رفضت الإسلام فإن له أن يبقيها معه ولا يفارقها إذا كانت كتابية (يهودية أو نصرانية) أما الوثنية فلا يجوز أن تبقى زوجة لمسلم وعليه أن يفارقها.
وليراجع إجابة السؤال رقم (9949) .
وليعلم أنه إذا أسلم أحد الأبوين فإن أولاده الصغار (وهم من دون البلوغ) يحكم بإسلامهم تبعاً لإسلامه، أما الكبار البالغون فلا يتبعونه. انظر "المغني" (13/115) ، "أحكام أهل الذمة" لابن القيم (2/507) .
فعليه أن يعلم أولاده الصغار أن الله تعالى أنعم عليه وعليهم بالهداية إلى الدين الحق، وعليه أن يعلمهم الطهارة والصلاة وغير ذلك من الأحكام حتى ينشئوا عليها ويعتادوا فعلها امتثالاً لأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مروا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) . رواه أبو داود (495) . وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (5868) .
وليراجع السؤال رقم (10016) .
ولا ينبغي أن يبقى هنا للعمل ويترك أولاده الصغار عرضة للضياع والانحراف، وعليه أن يسعى في إحضارهم ليكونوا معه، حتى يستطيع القيام بما أوجب الله عليه من حسن تربيتهم، فإن لم يستطع إحضارهم فليداوم الاتصال بهم ومراسلتهم وتوجيههم. . . ولا يجوز له أن يهملهم ويتركهم للضياع، فإنه مسئول عنهم يوم القيامة.
كما نحث أخانا الجديد وزوجته أن يتعلما أحكام الإسلام من خلال القراءة وسؤال أهل العلم والمواقع الإسلامية المفيدة على الإنترنت، وأن يقوم بتطبيق ما يتعلمه على الوجه المطلوب.
ونسأل الله لهما الثبات والتوفيق لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/258)
وُضعت تحت مساومات وضغوط فاضطرت للسرقة من خالتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرض عليك مشكلتي آملة أن تساعدني، أنا فتاة في العشرين من عمري، ملتزمة، ومتعلمة، ومن أسرة متدينة ومحافظة جدا، أعيش مع والدتي وأختيّ؛ حيث إن والدي متوفى منذ أربع سنوات، وقبله أخي الوحيد بثلاث سنوات، كنت ضحية مؤامرة حقيرة من صديقة خدعتني واستطاعت أن تأخذ صورة مني بغير علمي، وفاجأتني وقد تلاعبت بصورتي على برامج الكمبيوتر ووضعت رأسي على جسد امرأة في وضع قذر جدّاً، وطلبت مني مبلغ 5000 آلاف وإلا سترسل الصورة إلى والدتي، وكانت تلك السافلة تعرف أن والدتي مصابة بـ " هبّات تشنّجيّة " في صدرها بسبب الحزن، وقالت لي بالحرف الواحد: " إن لم تدفعي المبلغ سأرسل الصورة إلى والدتك فتصاب بالجلطة وتموت كما مات أبوك وأخوك ". إني أعترف بأني كنت ساذجة، وأني لم أحسن التصرف من شدة خوفي على والدتي ومشاعرها، وكانت قد هددتني في اليوم الذي ذهبنا فيه لزيارة خالتي، فدخلت كي أصلي في غرفة ابنة خالتي، فرأيت إسورتها وسلسالها وحلقها، وفكرت في السرقة من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، وقلت في نفسي لن آخذ إلا السلسال لأن ثمنه يكفيني مع أن المجوهرات كانت أمامي، وفكرت أني إن أخذت من بيت أهلي وسرقت فإن والدتي ستكشف أمري، فلجأت إلى السرقة من بيت خالتي، ونحن على علاقة طيبة جدّاً مع خالتي هذه، وهي أحب وأقرب الناس إلينا، وسرقتي من بيت خالتي كانت لسبب ألا وهو أني أستطيع أن أردّ ما سرقت لخالتي كهدية في المستقبل أو بأي صورة أخرى , ودفعت المبلغ لتلك السافلة، احتقرت نفسي كثيراً بعد فعلتي هذه إذ إن يدي لم تُمدّ إلى الحرام قبلها، وأنا متدينة جدّاً، وأقوم بحفظ القرآن، بعد فترة طلبت هذه السافلة مني مبلغاً آخر، وأنا في خضم معاناتي انكشف أمر سرقتي لبيت خالتي، انصدمت والدتي ومجرد أن سألتني انفجرت باكية وأعلمتها بمشكلتي كاملة، والحمد لله أن والدتي إنسانة عاقلة متفهمة تثق بي وبتربيتي وتفهمت الموضوع، واعتبرت ما حدث لي ولها ابتلاء من الله عز وجل، ووجهت إليَّ اللوم الشديد لأنني لم ألجأ إليها وارتكبت ذنب السرقة، وطلبت مني أن أستغفر الله، وارتاحت نفسي، وظننت أنها نهاية المعاناة، وضّحت والدتي لخالتي ما حدث وأعادت إليها ما أخذت منها، ولكن للأسف لم تصدق خالتي، وأصبح للموضوع ذيول أخرى تمس شرفي وسمعتي أنني بين أهلي وأقربائي بشخصية وبعيداً عنهم بشخصية أخرى , عندها أقسمت على المصحف الشريف أمام خالتي على طهارتي وعفتي واستقامتي، ولكن خالتي مصرة أن ما حدث لي لا يُبرر بأن أسرق من بيتها وأنها فقدت الثقة بكل الفتيات بعد فعلتي، وزاد هذا الشيء أنه لدي ابنة خالة كانت دائما تقول لي إن كنت أحببت أحدا أو شيئاً ما، وكنت أجاوبها بأني لا يمكن أن أخرج عن الشرع والدين، فلما رأت ابنة خالتي موقفي أصبحتْ تحرّض أمها زيادةً عليَّ، حدثت مشاحنات بين أمي التي تدافع عن شرفي وبين خالتي التي تتهمني بأني أتعاطي المخدرات، أو بأن الصورة حقيقية وليست مركبة، وانقلبت المحبة والمودة إلى عداوة وبغضاء. شيخنا: لجأت إليكم لتحكم بيننا، فأنا ضحية غدر وإفك وبهتان، وأعترف بغلطتي لأنني ارتكبت ذنباً لأخرج من أزمتي، وأعترف بغلطتي فأنا لم أصارح أمي منذ البداية بسبب خوفي الشديد عليها ظنّاً منِّي أنني أستطيع إنهاء الأمر دون علمها. أرجو أن أتلقى منك كلمة فصل بيننا وبين خالتي تعيد ولو جزءاً من المحبة التي كانت بيننا، وتعيد الصلة بين والدتي وخالتي التي كان يظن الأقرباء أنه لا يفرق بينهما إلا الموت، خاصة وأني سأجعل خالتي تقرأ إجابتكم الكريمة، وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه ثلاث رسائل نوجهها لكِ، ولصديقتكِ، ولخالتكِ.
الرسالة الأولى: لكِ
1. نسأل الله أن يُعظم لك الأجر، وأن يفرِّج كربك، وأن يجمع شمل أسرتك على خير.
2. نرجو أن يكون ما حصل درساً لكِ ولغيركِ، بأن لا تتهاون المرأة في صورتها وتصوير نفسها ولو مع صديقاتها، وأن لا تعطي ثقتها في هذه المسائل لأحدٍ، وحتى أقرب الناس منها كأختها – مثلاً – فإنها لا تأمن زوج أختها أن ينظر إليها أو ينشرها، فضلاً أن تعطي ثقتها لغريب عنها بحجة الصداقة أو القرابة.
3. وقد وقعتِ في الخطأ قبل السرقة في عدم مشاورتك لأهل العلم والحكمة، وكنا ونحن نقرأ رسالتكِ نعتقد أنها ستنتهي عند المشاورة فيما تفعلينه مع الصديقة الخائنة، لكننا فوجئنا بتطور الأمور ووصولها لذلك الحد، ولعلَّ في هذا ما يكون عبرة لكل أحدٍ يقع في ورطة أن يبحث عن الحل عند غيره قبل استفحالها وتطورها؛ لأن المشكلات كلما تطورت زاد تعقيدها، وبخاصة ما يقع مع النساء من قبَل أهل الشر والفساد.
4. وما فعلتيه تجاه خالتكِ هو المتحتم عليكِ، فقد صدقتِ معها في القول، وأرجعتِ حقها لها، وحلفتِ لها على حقيقة ما حصل، والواجب عليها تصديقك وتجاوز هذا الأمر، واعلمي أن الصدق منجاة لصاحبه، وأن الله تعالى مُظهر الحق عاجلا أم آجلاً، فاصبري واستعيني بالله تعالى، وداومي على دعائه بأن يفرج عنك، ويُظهر العدل والحق.
5- نتوجه إليك بهذه المشورة، وهي تحتاج منك إلى مشاورة أهلك، ومشاورة أحد المحامين ـ لو أمكن ـ لأننا لا ندري شيئا عن قوانين بلادكم: لماذا لا تقومين بإبلاغ الشرطة عن صاحبتك التي خدعتك بالصورة، فإننا نظن أنه لو تم القبض عليها ومعاينة جهازها (الكمبيوتر) سيكفيك الله شرها ويبين الحق إن شاء الله تعالى.
الرسالة الثانية: لصديقتكِ
1. يجب عليكِ أن تتوبي إلى الله وتستغفرينه مما حصل منكِ، واعلمي أنكِ قد ارتكبتِ ذنوباً كثيرة، وتسببتِ بمفاسد متعددة، فقد خنتِ صديقتكِ، واتهمتيها زوراً وبهتاناً، وساهمتِ في نشر المنكر من الصور القبيحة التي رأيتِيها ودبلجتيها على صورة صديقتك، وأخذتِ منها المال بغير حق، وتسببتِ في أذيتها، وتسببتِ في قطيعة الرحم.
2. ومن تمام توبتكِ: الاعتراف بخطئكِ لصديقتكِ، ولأمها، ولخالتها، ولا يقبل الله تعالى توبتكِ إلا بهذا؛ لأن من شرط التوبة: إصلاح ما فسد بالمعصية، قال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة/160، واعلمي أنه باعترافكِ بفعلكِ ستفرجين كرب صديقتكِ، وترفعين التهمة الباطلة عنها، وعمُر الإنسان قصير، ثم سيلقى ربه تعالى بأعماله، فإياكِ أن تلقي ربك بتلك الأفعال من غير توبة صادقة منها..
3. ومن تمام توبتك: إرجاع المال الذي أخذتيه بغير حق لصديقتك.
4. ومن تمام توبتكِ: إتلاف الصورة بالكلية، وعدم معاودة الذنب مع صديقتك، ولا مع غيرها.
الرسالة الثالثة: لخالتكِ
1. يا خالتَنا العزيزة: اعلمي أن الله تعالى مطلع عليكِ، سامع لقولك، يعلم السر وأخفى، ولا نريد لكِ إلا الخير، فمثْلك يكون مرجعاً في الملمات والمشكلات، وعند أمثالك يطلب التائهون الدلالة على الطريق، وفي حضنك ترتمي بناتك وبنات أخواتك؛ لأنكِ الصدر الحنون والقلب الرحيم الذي يعرفونه، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال: (الخَالَةُ بِمَنْزَلَةِ الأُم) رواه البخاري (2553) .
2. يا خالتنا العزيزة: سنسألك سؤالا واحداً نرجو أن تجيبي بينك وبين نفسك: ماذا لو حصل مثل هذا الموقف – لا قدَّر الله – مع إحدى بناتك؟ وماذا لو كانت فعلتْ مثل ما فعلت ابنة أختك؟ فهل ترضين أن يكون موقف خالتها مثل موقفك الآن؟ إننا نجزم بما نعتقده فيك ونحسن الظن بك أنك لن ترضي ذلك، فلمَ إذن ترضينه لنفسك؟ ولا تستبعدي شيئاً عن أهل الشر أن يفعلوه، ولا تستبعدي شيئاً عن أهل الخير أن يقعوا فيه ظلماً وبغياً.
إننا لنرجو لكِ ولأبنائك وبناتك الخير، ونرجو أن يتسع صدرك لتقبل الحقيقة، ومعرفة براءة ابنة أختك من التهمة الباطلة التي ألصقتها بها صديقتها، ونحن قد نصحنا صديقتها بالتوبة والاعتراف لكم بالحقيقة، فلعلَّ الله أن يهديها، وتعترف أمامكم بقبيح جرمها، لكن نطلب منكِ التأمل في هذا الاتهام الباطل، وأن تعلمي أنه محض افتراء، ورجاحة عقلك، وسعة صدرك يحتمان عليك أن يكون موقفك مثاليّاً.
3. يا خالتنا العزيزة: إن نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم قد أمركِ بأمرٍ لا نظنك إلا أن تنفذيه طائعة مستجيبة لأمره، وهذا الأمر هو: أنه من حلف لكِ بالله فيجب عليك أن تصدقيه، وأن ترضي بيمينه، وليس عندك يقين يقابل يمين ابنة أختك، فليس لك إلا الطاعة لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، والاستجابة لأمره.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُما قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ) .
رواه ابن ماجه (2101) ، وحسَّنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (11 / 536) والألباني في " صحيح الترغيب " (2951) .
قال السندي – رحمه الله – على هامش " سنن ابن ماجه ":
(ومن حُلف له) أي: حُلف بالله لإرضائه.
(فليس مِن الله) أي: من قُربه في شيء.
والحاصل: أن أهل القرب (يعني: من الله) يصدِّقون الحالف فيما حلف عليه؛ تعظيماً لله، ومَن لا يصدقه مع إمكان التصديق: فليس منهم. انتهى.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن – رحمه الله -:
وقوله: (مَن حُلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله) : أما إذا لم يكن له بحكم الشريعة على خصمه إلا اليمين فأحلفه: فلا ريب أنه يجب عليه الرضا، وأما إذا كان فيما يجري بين الناس مما قد يقع في الاعتذارات من بعضهم لبعض ونحو ذلك: فهذا من حق المسلم على المسلم: أن يقبل منه إذا حلف له معتذراً أو متبرئاً من تهمة، ومن حقه عليه: أن يحسن به الظن إذا لم يتبين خلافه، كما في الأثر عن عمر رضي الله عنه: (ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرّاً وأنت تجد لها في الخير محملاً) .
وفيه: من التواضع والألفة والمحبة وغير ذلك من المصالح التي يحبها الله ما لا يخفى على من له فهم، وذلك من أسباب اجتماع القلوب على طاعة الله، ثم إنه يدخل في حسن الخلق الذي هو أثقل ما يوضع في ميزان العبد، كما في الحديث، وهو من مكارم الأخلاق.
" فتح المجيد " (ص 405) .
ونرجو يا خالتَنا العزيزة التأمل في كلام هذا الشيخ – رحمه الله – فإنه في صميم مسألتكم وقضيتكم، فمن حق ابنة أختك عليك أن تقبلي منها يمينها، ومن حقها عليكِ أن تحسني الظن بها.
وهل علمتِ يا خالتَنا العزيزة ماذا فعل عيسى عليه السلام عندما رأى رجلاً يسرق، فحلف له ذلك الرجل بالله أنه لم يسرق؟ اقرئي وتأملي:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: (رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلَّا وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَكَذَّبْتُ عَيْنِي) . رواه البخاري (3260) ومسلم (2368) .
قال ابن القيم – رحمه الله -:
" ومعنى الحديث: أن المسيح - عليه السلام - لعظمة وقار الله في قلبه وجلاله ظن أن هذا الحالف بوحدانية الله تعالى صادق، فحمله إيمانه بالله على تصديقه، وجوَّز أن يكون بصره قد كذبه، وأراه ما لم ير، فقال: " آمنت بالله وكذبت بصري ".
ولا ريب أن البصر يعرض له الغلط ورؤية بعض الأشياء بخلاف ما هي عليه، ويخيِّل ما لا وجود له في الخارج، فإذا حكم عليه العقل تبين غلطه، والمسيح صلوات الله عليه وسلامه حكَّم إيمانه على بصره، فكذَّب بصره، ونسب الغلط إليه.
" بدائع الفوائد " (3 / 1159، 1160) .
وإننا لنرجو أن يكون ما ذكرناه كافياً لقبول يمين ابنة أختك، ورفع التهمة عنها، ولا يسعك مخالفة الشرع في رفض هذا الحكم، ظننا بك لن يخيب إن شاء الله.
4. يا خالتَنا العزيزة: نختم معك هذه الرسالة بالقول أنه لو كان – لا قدر الله – قد حصل من ابنة أختك الذنب والخطأ، ولن نقول إنك علمتِ ذلك من طرفٍ ثالث، بل سنقول إنك رأيتِ ذلك بنفسك، أتدرين ما الذي يجب عليك فعله؟ إنه الستر عليها! نعم ستر ذنبها، وعدم إشاعته بين الناس، أتدرين ما الأجر المترتب على ذلك؟ إنه الستر عليكِ في الدنيا والآخرة من قبَل ربنا تبارك وتعالى.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) . رواه مسلم (2699) .
وتأملي ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل دفع زانياً للاعتراف بذنبه، قال له: (لو سترته بثوبك كان خيراً لك) !
رواه أبو داود (4377) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (2335) .
وتأملي الوعيد المترتب على من كشف عورة أخيه – وحاشاكِ من ذلك؛ لأن عرض ابنة أختك هو عرضك، والمسيء إليها مسيء إليك -.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ) .
رواه ابن ماجه (2546) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (2338) .
فيا خالتَنا العزيزة:
اعذرينا على الإطالة، ولم نطل إلا من حرقتنا على قطيعة رحم كانت بسبب حسن ظن ابنة أختك بالناس، ومن حرقتنا على عرضٍ يتهم بغير حق، فلم تري شيئاً بنفسكِ، ولم تعترف ابنة أختك بذنبها، بل حلفت لك اليمين وأعلمتكِ بصديقتها التي سبَّبت لها الأذى، فأي عذرٍ بقي لأحدٍ أن يتهمها أو يتكلم في عرضها.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقكم لكل خير، وأن يجنبكم الشر وأهله، وأن يجمع بينكم على خير، وأن يعيد ما بينكم من روابط أقوى مما كانت.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/259)
حكم اعتراف الزوجة لزوجها بماضيها السيئ وأثر إخبارها على حياتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه مشكلة امرأة عاملة، تزوجت منذ بضعة أشهر، ولم تكن متمسكة بدينها في فترة الدراسة، وكانت تدرس بعيداً عن أهلها، وتعرفت على شاب غير مسلم كان يساعدها، وإنه أتى معها بعض الأفعال المحرمة دون أن تصل إلى حد ارتكاب الفاحشة، ولكنها تابت، وقطعت علاقتها به واستقامت، ولديها مشاكل مع زوجها حيث إنه كثير الشك، ولا يثق في أحد، وله تعلق بالشرك، والحسد، والسحر، وما أشبه، وأنه نادراً ما يحضر الجمعة، وأنه بدأ يشك في ماضيها، وأحضر مصحفاً، وطلب منها أن تحلف عليه، فحلفت كاذبة، ثم تابت، وأخبرته بعلاقتها السابقة، فبدأ في إذلالها، وأجبرها أن تكتب إلى أهلها بالتفاصيل، وأخذ يضيق عليها، فلا يسمح لها بالاختلاط بأهلها، ولا أقرب الأقارب، ومع ذلك تقول إنها تحبه، وهو كذلك، وتطلب النصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يقبل توبتها، وأن يغفر لها ذنبها، وأن يبدل سيئاتها حسنات.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/ 68-70.
ثانياً:
لا يجوز للزوج أن يجعل للشيطان طريقاً إلى قلبه بالشك في زوجته، وطريق الشك طريق شائك، لا يجعل صاحبه في هناءة من العيش، بل تكون حياته قائمة على القلق والاضطراب وتعظيم الأمر التافه، وهو ما يسبِّب ظلماً للآخرين، وتزكية لنفسه، وأمراضاً نفسية، وربما عضوية يعاقبه الله بها.
فما كان على الزوج أن يشك بامرأته البتة، كما لم يكن له أن يسألها عن ماضيها، فلا يخلو أحد – غالباً – من ماضٍ يود لو أنه يمحى من صحيفته ومن ذهنه ومن ذهن من يعرفه، فأن يأتي الشيطان له ليجعل زوجته تخبره بماضيها أمرٌ مستبشع مستنكر محرَّم، كيف لا يكون كذلك وقد أمر الله تعالى بالستر؟! ستر الإنسان المقصِّر على نفسه، وستره على غيره، وبسؤال الزوج فإنه يكون متسبباً في نقض السترين! .
وفي جواب السؤال رقم (7650) قلنا:
فليس للرجل حق في البحث عن الماضي الذي قد تابت عنه زوجته لما قدمنا، ولا ينبغي للمرأة أن تصارح زوجها بما قد حصل في الماضي وتابت منه، ولتستتر بستر الله.
انتهى
ثالثاً:
كان المرجو من الزوجة أن تبقى على يمينها عندما حلفت له أنه ليس لها ماضٍ فيه سوء؛ فليس من حقه أن يستنطقها بماضيها فضلاً أن يحلِّفها، أما وقد فعلت فإن هذا من الكذب المباح ـ إن شاء الله ـ حتى لو كان بيمين؛ دفعاً لسفاهة الزوج؛ وحفاظاً على شرفها وعرضها؛ وحفاظاً على زوجها وأولادها.
ونعجب من الزوجة الفاضلة كيف تراجعت عن يمينها وأقرَّت على نفسها بالفضيحة لماضٍ سالفٍ ستره الله عليها.
وكثير من النساء يسألن عن حكم إخبار الأزواج عن الماضي الذي كانت اقترفت فيه آثاماً وتابت منه، ولا ينبغي أن يشك في أن الحكم هو المنع الجازم من الإخبار؛ حفاظاً على ستر الله تعالى عليها؛ ومنعاً من فضيحتها؛ وحفاظاً على شرفها وعرضها من أن يناله أحد بسوء؛ وإبقاء للحياة الزوجية دون وجود ما يكدرها.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (اجْتَنِبُوا هذهِ القَاذُوراتِ التي نَهَى الله عز وجل عَنْهَا، فَمَنْ أَلَمَّ بِشَيءٍ منها: فَلْيَسْتتِر بِسِتْرِ الله عز وجل وليتب إلى الله؛ فإنَه مَن يُبْدِ لنَا صَفْحَتَه نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله) .
رواه مالك (1562) مرسلاً، والحاكم (4 / 425) ، والبيهقي (8 / 330) بإسناد متصل. والحديث: صححه الحاكم وابن السكن وابن الملقن، وحسَّنه العراقي، والألباني.
انظر: " التلخيص الحبير " (4 / 57) ، " خلاصة البدر المنير " لابن الملقِّن (2 / 303) ، " السلسلة الصحيحة " (663) .
والقاذورة: هي الفعل القبيح والقول السيئ مما نهى الله عنه.
قال ابن عبد البرّ:
في هذا الحديث دليل على أنّ السّتر واجب على المسلم في خاصّة نفسه إذا أتى فاحشةً وواجب ذلك أيضاً في غيره. " التّمهيد " (5 / 337) .
وعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ:ُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) .
رواه البخاري (5721) ومسلم (2990) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
أما المؤمن العاصي فإنه إذا ابتلي بالمعصية فإن الأفضل ألا يجاهر بها وألا يخبر بها أحداً، وأن يستتر بستر الله ويتوب إلى الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) ، المجاهرون هم الذين يعملون السيئات ثم يصبحون يتحدثون للناس بما صنعوا، فمن أصاب شيئاً من هذه القاذورات: فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله عز وجل، ولا يخبر بها أحداً. " لقاءات الباب المفتوح " (13 / السؤال رقم 13) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
ويؤخذ من قضيته - أي: ماعز عندما أقرَّ بالزنى - أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحدٍ
. . . وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال: أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب اهـ. " فتح الباري " (12 / 124، 125) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (3 / 181، 182) .
وقد اتّفق الفقهاء على أنّ المرء إذا وقع منه ما يعاب عليه يندب له السّتر على نفسه، فلا يُعْلِم أحداً، حتّى القاضي، بفاحشته لإقامة الحدّ أو التّعزير عليه؛ لما رواه البخاريّ وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلّ أمّتي معافًى إلاّ المجاهرين ... ) ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم (من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله ... ) .
وقال أبو بكرٍ الصّدّيق: " لو أخذت شارباً لأحببت أن يستره الله، ولو أخذت سارقاً لأحببت أن يستره الله "، وأنّ الصّحابة أبا بكرٍ وعمر وعليّاً وعمّار بن ياسرٍ وأبا هريرة وأبا الدّرداء والحسن بن عليٍّ وغيرهم قد أثر عنهم السّتر على معترفٍ بالمعصية، أو تلقينه الرّجوع من إقراره بها، ستراً عليه، وستر معترف المعصية على نفسه أولى من ستر غيره عليه. والجهر بالمعصية عن جهلٍ، ليس كالجهر بالمعصية تبجّحاً، قال ابن حجرٍ: فإنّ من قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربّه، وقال الخطيب الشّربينيّ: وأمّا التّحدّث بها تفكّهاً فحرامٌ قطعاً.انتهى
وقد ذكر العلماء فوائد للاستتار بالمعصية، ففي " الموسوعة الفقهية " (3 / 182) :
يترتّب على الاستتار بالمعصية:
أ. عدم إقامة العقوبة الدّنيويّة؛ لأنّ العقوبات لا تجب إلاّ بعد إثباتها، فإذا استتر بها ولم يعلنها ولم يقرّ بها ولم ينله أيّ طريقٍ من طرق الإثبات، فلا عقوبة.
ب. عدم شيوع الفاحشة، قال الله تعالى: (إنّ الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الّذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدّنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) .
ج. من ارتكب معصيةً فاستتر بها فهو أقرب إلى أن يتوب منها، فإن تاب سقطت عنه المؤاخذة، فإن كانت المعصية تتعلّق بحقّ الله تعالى فإنّ التّوبة تسقط المؤاخذة؛ لأنّ الله أكرم الأكرمين، ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدّنيا لم يفضحه في الآخرة، وإن كانت تتعلّق بحقٍّ من حقوق العباد، كقتلٍ وقذفٍ ونحو ذلك، فإنّ من شروط التّوبة فيها أداء هذه الحقوق لأصحابها، أو عفو أصحابها عنها، ولذلك وجب على من استتر بالمعصية المتعلّقة بحقّ آدميٍّ أن يؤدّي هذا الحقّ لصاحبه. انتهى
وقد ذكرنا في أول الجواب فوائد أخرى تتعلق بالاستتار بمعاصي الزوجة قبل زواجها، ولا نعلم عن أحدٍ سمع من زوجته ماضياً سيئاً وازداد حبه لها، ولا ازدادت ثقته بها، حتى ولو كانت توبة نصوحا، واستقام حالها فيما بعد؛ بل على العكس، رأينا وسمعنا الشكوك المتزايدة، والترقب لأفعالها، ومنعها مما أباحه الله لها، وآخر ذلك تطليقها لاستحالة الحياة بينهما إما من جهته، أو من جهتها، أو من كلا الجهتين.
ثالثاً:
لذا فإننا نرى في حال الزوجة المسئول عنها:
1. إن أمكن فلتكذِّب نفسها مرة أخرى أمام زوجها، وأن تخبره أن هذا كان بسبب ضغطه عليها، وأنه ليس لما قالته أصل من الصحة.
2. أن لا تخبر أهلها كما هي رغبة الزوج، وإلا فإنها ستقع في المحذور نفسه.
3. وإذا لم يقتنع فلتخبر أهلها بذلك إن أوصل لهم الزوج ما قالته.
4. أن تصبر على حياتها الجديدة معه؛ لتثبت له أنه لا علاقة للماضي بحاضرها، وتحاول تحمل قراراته وأفعاله حتى يهديه الله، ولتدع ربها بأن يهديه ويصلح باله.
5. وإذا استمرت شكوكه وسوء أفعاله ولم تستطع الصبر: فليس لها إلا فراقه، وإلا صارت حياته جحيماً لا يطاق، ولا نظنه سيطيل المدة حتى يبادر هو بتطليقها.
6. على أننا، وبغض النظر عن هذا المشكلة، وما ترتب عليها، لا ننصح هذه الزوجة بالبقاء مع زوج حاله بالسوء الذي وصفته: من التعلق بالشرك والسحر، والتفريط في الصلاة، حتى صلاة الجمعة، مع ما ذكرت من شكوكه وظنونه، وسوء معاملته، فمثل هذا لا ننصح بالحرص على الحياة معه، لأن مثل هذا الحياة لن تزيدها عن طريق الإيمان والهدى إلا بعدا!!
ولتحتسب أمرها عند ربها، ولتدع ربها تعالى أن يهوِّن عليها مصيبتها، وأن يبدلها خيراً منه.
وللاستزادة يرجى النظر في أجوبة الأسئلة: (27113) و (9562) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/260)
يعاني من أخلاق زوجته وتقصيرها في دينها
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتنقت الإسلام منذ سنتين تقريبا، وتزوجت منذ ذلك الوقت، وقد تزوجت صغيراً لعلمي بأن الإسلام يحرم المواعدة، وللأسف لم أكن أعلم بمسؤوليات كلٍّ من الزوجين في الزواج، والمشكلة الآن أن زوجتي - وهي حامل بطفلنا الأول - نادراً ما تصلي، وتسخر من حبي للملابس الإسلامية قائلة: إنه ينبغي أن ألبس تلك الملابس عندما أكون في بلد إسلامي وليس في الغرب، وتحثني على ارتداء الملابس الغربية، والاندماج في المجتمع الأمريكي، وهي تضايق الأخوات اللاتي يرتدين الملابس المحتشمة، وخاصة النقاب، وكلما حاولت أن أحثها على الصلاة تقول: إن الصلاة بينها وبين الله، وتغضب مني بشدة، وكل ذلك يزيد من ألمي، ولكن أكثر ما يؤلمني هو أن زوجتي ليست جاهلة بالدين، فقد كانت في وقت من الأوقات ترتدي النقاب، وتحفظ نصف القرآن مع التفسير أيضاً. أرجو من فضيلة الشيخ النصح والمشورة، وجزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب أن تعلم أخي السائل حرمة الإقامة في بلاد الكفر، وأن تعلم ما تسببه الإقامة من تأثير سيء على دين وأخلاق وأفكار من يعيش بين أولئك الكفرة، والذين تفسخت مجتمعاتهم، وتخلت عن الأخلاق الفاضلة، وانظر لحال زوجتك كيف صارت بعد أن كانت مستقيمة تطلب العلم وتحفظ من القرآن، وانظر لسلوكها كيف تريدك أن تلبس، وكيف تنكر على الأخوات المستقيمات عفافهن ولباسهن الشرعي؛ وما ذاك إلا من تأثرها بتلك البيئة.
ومن نفيس كلام الشيخ العثيمين - رحمه الله – بعد أن بيَّن حرمة الإقامة بين أظهر الكفار -:
وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله، وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد، ويسكن فيها بأهله وأولاده، ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين، مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3 / 30) .
وانظر في تفصيل هذه المسألة: جوابي السؤالين (14235) و (3225) .
ثانياً:
وأما كونها لا تصلِّي إلا نادراً فهي في حكم التاركة للصلاة، وتارك الصلاة من الكفار، وغضبها منك بعد نصحها بالصلاة يدل على استهانتها بهذه الشعيرة العظيمة، ويدل على إصرارها على تركها، وعليه: فلا يحل لك البقاء معها، وعليك أن تفارقها إن بقيت مصرة على ترك الصلاة ولم ينفع فيها الوعظ والتذكير والهجر والتأديب.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عمن له زوجة لا تصلي هل يجب عليه أن يأمرها بالصلاة وإذا لم تفعل هل يجب عليه أن يفارقها أم لا؟ .
فأجاب:
نعم، عليه أن يأمرها بالصلاة، ويجب عليه ذلك، بل يجب عليه أن يأمر بذلك كل من يقدر على أمره به إذا لم يقم غيره بذلك، وقد قال تعالى: (وأْمُر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) الآية، وقال تعالى: (يا أيها الذي آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) الآية، وقال عليه الصلاة والسلام (علِّموهم وأدبوهم) – [لا يصح مرفوعاً، وروي عن علي بن أبي طالب]- وينبغي مع ذلك الأمر أن يحضها على ذلك بالرغبة، كما يحضها على ما يحتاج إليها، فإن أصرت على ترك الصلاة: فعليه أن يطلقها، وذلك واجب في الصحيح، وتارك الصلاة مستحق للعقوبة حتى يصلي باتفاق المسلمين، بل إذا لم يصل قتل، وهو يقتل كافراً مرتداً، على قولين مشهورين، والله أعلم.
" مجموع الفتاوى " (32 / 276، 277) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/261)
من مآسي المسلمين في الدول الغربية
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يخفى على فضيلتكم انتشار الصحوة الإسلامية المباركة وبالأخص في صفوف الفتيات المسلمات، وحيثُ إننا نعيش في بلد غير إسلامي (أوروبي) لذلك نجد صعوبة في تطبيق أحكام الإسلام، فمِن حينٍ لآخر نجد بعض الصعوبات، فمرة بالاستهزاء بالقرآن، ومرة بإلصاق الإعلانات في الأماكن العامة وقد صوروا عليها فتاة مسلمة وكتبوا تحتها عبارة (هل تريدين غطاء الرأس؟ نحن نظن أنك لا تريدين) ، وآخرها: القرار الصادر من الحكومة بمنع ارتداء النقاب كليّاً، ودفع مبلغ 150 يورو لمن ترتديه، وفي الآونة الأخيرة أصبح في الأمر صعوبة كبيرة على الأخوات؛ لأن الأمر قد تعدى العقوبة المالية إلى ممارسة بعض التصرفات العنصرية من قبل رجال الشرطة، وذلك مثل الاستهزاء والسخرية، وأحياناً يتم إجبارهن على رفع النقاب أمام الرجال، ولا ننسى الموقف المُشين والصورة الغير لائقة للفتاة المُتنقبة أمام أعين الناس ورجال الشرطة يلتفون من حولها وكأنها ارتكبت جريمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أما بالنسبة لموقف الأخوات من هذا القرار فبعضهن انهمكت في الاتصال بالمشايخ لعلها تظفر بفتوى تُبيح لها كشف وجهها، وبالفعل وجدن من أفتى لهن بأن في الأمر خلافاً بين العلماء وأنتن في ضرورة ولا بأس بنزعه، والبعض الآخر لازلن محاصرات في بيوتهن ينتظرن رحمة رب العالمين.
فضيلة الشيخ
وحيثُ إنني ولدتُ وقضيتُ كل عمري في هذا البلد لذلك معذرة دعني أصارحك القول أن الإقامة في بلد الكفر تحمل في طياتها أسراراً لا يعلمها إلا من عاشها واقعيّاً.
فضيلة الشيخ
والله الذي لا إله غيره إن المسلمين في بلاد الكفر يعيشون في ذُل ومهانة وضياع لا يعلمه إلا الله وحده، فكم من البيوت انهارت، وكم من الأبناء لا يعرفون من الدين إلا اسمه، بل وصل الأمر إلى بيع بناتنا المسلمات إلى تجار الرقيق وإرسالهن إلى بعض دول أوروبا الشرقية، وذلك ليتم استعمالهن في ممارسة البغاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولقد استمعتُ يوماً من الأيام إلى رئيس قسم الأمراض المعدية - وهو عربي الجنسية - حيثُ صرح بأنه يوجد عدد 4000 أربعة آلاف من الفتيات المسلمات وبأعمار مختلفة يشتغلن في ممارسة الزنا وبأوراق رسمية، وهذا الإحصاء في مدينة واحده فقط!! وللأسف الشديد حتى ممن يوصفون بالتدين وجدوا أنفسهم بين فكي الأسد، فالأموال اختلطت بالربا، والأبناء لا يتكلمون اللغة العربية، وصلاة الجمعة تصلى ظهراً في المصانع الخ! ، ولا أقول هذا عن طريق سماع الأخبار، بل ما نراه بأعيننا، وهذا قليل من كثير، والله إن القلب ليتفطر من شدة ما نسمع ونرى وما وصلنا إلى هذا المستوى الذي نراه اليوم إلا عندما خالفنا شرع ربنا ورضينا بالعيش معهم من أجل دراهم معدودة إلا من رحم الله من الذين لهم العذر في البقاء، وفي المقابل هناك عدد من العائلات اجتهدوا في الهجرة إلى بلاد الإسلام وهم الآن يعيشون في رغد من العيش والله خير الرازقين.
فضيلة الشيخ
جزاك الله خيراً يوم علمتنا أن نكون مُتفائلين لا متشائمين، ولكن هذه هي الحقيقة المرة التي لا مفر منها، وحتى نكون منصفين فالحمد لله الإقبال على الإسلام كثير وبالأخص في صفوف المسلمين الجدد، فالحمد لله على نعمته وفضله.
فضيلة الشيخ
ما نريده من فضيلتكم ولكم الأجر من الله سبحانه وتعالى:
1. تقديم النصيحة للفتيات المسلمات بالتمسك بحجابهن، وعدم تعلقهن بالفتاوى الواهية التي تفتح لهن أبواب الشر.
2. تشجيع الشباب على الهجرة وعدم الركون إلى الدنيا؛ لأن كثيراً منهم - أو أغلبهم - كان سبباً في بقاء زوجته وأبنائه وتعرضهما إلى هذه المصائب، علماً بأن كثيراً من الإخوة لم يهاجروا بعد وذلك بحجة جمع المال الكافي الذي يمكنهم من القيام بمشروع تجاري في البلد الذي سيهاجرون إليه، فكم المبلغ المطلوب جمعه؟ ومتى سيُجمع؟ .
3. تقديم النصيحة للأخوات اللواتي يُكثرن الخروج من البيت لغير ضرورة، وبالأخص في مثل هذه الظروف الحرجة.
4. تقديم النصيحة للإخوة الذين يطلبون من زوجاتهم كشف الوجه بالقوة أمام بعض الإدارات بحجة أن الأمر فيه ضرورة، فما هو الحكم الشرعي في طاعة الزوج في هذا الأمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن مآسي المسلمين والمسلمات في كثير من دول الكفر كثيرة، وحالهم في تلك الدول يُفطِّر القلب، ويُدمع العين.
وكلنا نسمع ونقرأ ما يتعرضون له من مضايقات، وبخاصة النساء، وقد بان زيف هذه الدول التي تدَّعي الحضارة والحرية، فراحوا يضيقون على المسلمين في وظائفهم وبيوتهم، وعلى النساء في حجابهن وعملهن، فأطلقوا الحريات في زواج المثليين، والشذوذ الجنسي، وحرية الإساءة للإسلام وأهله، وضيَّقوا على المسلمين في شعائرهم وشرائعهم.
والواجب على كل من قدر على الخروج من تلك الديار أن لا يقصِّر في ذلك، قبل أن يأتي يوم يندم فيه على تفويت الفرصة، ولا يملك حتى نفسه ليخرج بها، وذلك بعد أن يضِيع أولاده في خضم تلك الحضارة الزائفة الخارجة عن كل خلق وفضيلة، فيعيش سنين حياته يعمل ويكد ويجتهد، ثم يسلِّم أولاده للشارع والكنيسة، خسر الدنيا والآخرة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه، وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فُسّاقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وبسائر الأديان - والعياذ بالله - حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي بل يتعين
التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهويّ في تلك المهالك ... .
وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله، وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم؟! انتهى.
وانظر تتمة هذا الكلام للشيخ – رحمه الله – في جواب السؤال رقم (27211) ففيه تفصيل مسألة الإقامة في دول الكفر.
ثانياً:
لا يجوز للمرأة المسلمة التنازل عن عفافها وحجابها أمام تلك المغريات الفاسدة الزائلة، ولا يزال شياطين الإنس والجن يزينون للمرأة الانخراط في سلك الغاوين، فمن تبعهم زينوا الدنيا في ناظريه، وأبعدوه عن التفكير في القبر والآخرة ولقاء الله تعالى.
وللأسف أن يساهم بعض مفتي الفضائيات في نزع المرأة حجابها بحجة الدراسة أو العمل، ولا خير في دراسة وعمل يسبب غضب الرب تبارك وتعالى وسخطه، وأي متاع دنيوي ستحوزه المرأة بشهادتها أو راتبها، وهي تعلم أنه على حساب ثواب الآخرة ورضا الله تعالى، فلا يرضى بهذا إلا مَنْ زُيِّن له سوء عمله فرآه حسناً.
ولا يجوز للمسلمة أن تكشف عن وجهها فضلاً أن تكشف عن شعرها، ولو بحجة الدراسة أو العمل، وما عند الله خيرٌ وأبقى، ويجب على كل مسلم أن يسارع في الخروج من تلك الظلمات، وعلى العلماء أن يعينوا الأسر المسلمة على دينها وطاعة ربها بدلاً من إعانتهم على تكوين ثرواتهم وعبادة الدرهم والدولار!
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا يجوز لكِ ولا لغيركِ من النساء السفور في بلاد الكفار، كما لا يجوز ذلك في بلاد المسلمين، بل يجب الحجاب عن الرجال الأجانب سواء كانوا مسلمين أو كفاراً، بل وجوبه عن الكفار أشد؛ لأنه لا إيمان لهم يحجزهم عما حرم الله.
ولا يجوز لكِ ولا لغيركِ طاعة الوالدين ولا غيرهما في فعل ما حرم الله ورسوله، والله سبحانه يقول في كتابه المبين: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) الأحزاب/53.
فبيَّن سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن تحجَّب النساء عن الرجال غير المحارم أطهر لقلوب الجميع، وقال سبحانه: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) إلى أن قال سبحانه: ( ... ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... ) النور/31.
" فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 529) .
ثالثاً:
ينبغي للأزواج أن يكونوا عوناً لزوجاتهم على العفاف والستر والحياء، ولا يحل لهم أن يأمروهن بخلع حجابهن من أجل الدنيا كدراسة أو عمل، فإن تحتم عليهم ذلك ولم يتيسر لهم إبقاء حجاب نسائهم فيجوز كشف الوجه لتلك الضرورة، كالمطارات والجوازات، على أن يحرصوا أن يكون الناظر لها امرأة.
وأما الذين يريدون من نسائهم خلع حجابهن بالكلية، أو من غير ضرورة: فلا يحل لهم هذا، والواجب عليهم أن يفخروا بانتسابهم لهذا الدين، وأن يفخروا بستر نسائهم وبناتهم، خاصة وأنهم يرون لباس الكافرات من حيث العري والشذوذ في الألوان والتفصيل!
ولا يحل للمرأة طاعة زوجها إذا كان يأمرها بخلاف الستر والحجاب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) .
رواه البخاري (4085) ومسلم - واللفظ له - (1840) .
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
رجل متزوج وله أبناء، زوجته تريد أن ترتدي الزي الشرعي وهو يعارض ذلك، فبماذا تنصحونه بارك الله فيكم؟ .
فأجاب:
إننا ننصحه أن يتقي الله عز وجل في أهله، وأن يحمد الله عز وجل الذي يسَّر له مثل هذه الزوجة التي تريد أن تنفذ ما أمر الله به من اللباس الشرعي الكفيل بسلامتها من الفتن، وإذا كان الله عز وجل قد أمر عباده المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حمَّل الرجل المسؤولية في أهله فقال: (الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته) ، فكيف يليق بهذا الرجل أن يحاول إجبار زوجته على أن تدع الزي الشرعي في اللباس إلى زي محرم، يكون سبباً للفتنة بها ومنها، فليتق الله تعالى في نفسه، وليتق الله في أهله، وليحمد الله على نعمته أن يسَّر له مثل هذه المرأة الصالحة.
وأما بالنسبة لزوجته: فإنه لا يحل لها أن تطيعه في معصية الله أبداً؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
" فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 442، 443) .
ولينظر جواب السؤال رقم: (45672) ففيه تفصيل لحكم إجبار الدول للمسلمات على نزع الحجاب.
رابعاً:
وأما خروج المرأة من بيتها: فلتعلم أخواتنا أن الأصل في المرأة أنها مكرَّمة، ومن تكريمها أن سخر لها زوجها وأولادها لخدمتها، وأوجب على الزوج النفقة عليها، وبقاؤها في بيتها ليس إلا لأنها تقوم بعمل جليل لا يمكن لمجموعة من الرجال أن يقوموا به، وهو تربية أولادها، وخدمة زوجها وبيتها، وهي أعمال جليلة عظيمة، ولذا فإنها لا تخرج إلا من ضرورة أو حاجة ماسة، وخاصة إن كانت في بلاد كافرة أو غير آمنة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
لا شك أن بقاء المرأة في بيتها أفضل وأبعد عن الفتنة والشر, ولا يخفى علينا جميعاً ما يحصل من خروج النساء إلى الأسواق من الفتنة لهن وبهن , فإذا أمكن ألا تخرج: فهذا هو المطلوب , وإذا اضطرت للخروج: فلتخرج كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وليخرجن تفِلات) أي: غير متبرجات بزينة ولا متطيبات , ولكن لا تخرج إلا لحاجة , ... فالذي أرى في هذه المسألة أن تلزم المرأة بيتها بكل حال، ولا تخرج إلا للضرورة , وإذا خرجت للضرورة فلتكن غير متطيبة ولا متبرجة بزينة.
أما اصطحاب محرَم لها: فلا شك أنه أفضل وأولى , لكنه ليس بلازم ما دام أن المسألة لا تحتاج إلى سفر، ولكن من المؤسف أنك تجد بعض الناس يأتي إلى الخياط أو إلى التاجر ومعه أهله ثم يبقى في السيارة والمرأة هي التي تذهب وتخاطب الرجال وربما يحصل فتنة بأهله , فعلى الإنسان أن يكون رجلاً حازماً غيوراً على أهله , فلا يفعل هذا الفعل , إذا كان ولا بد فلينزل معها وليكن واقفاً عندها وهي تكلم الرجل أو يكلمها ثم هو يكلم الرجل.
" لقاءات الباب المفتوح " (117 / السؤال 2) .
وانظري جوابي السؤالين: (6742) و (9937) .
خامساً:
ولمن يريد النصح الصادق، والتوجيه الشرعي إذا أبى إلا البقاء في دول الكفر: فلينظر جوابي السؤالين: (70256) و (4237) ففيهما خير كثير إن شاء الله من التوجيه والنصح.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/262)
تاب من التحرش ببنات أخواته فماذا يلزمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب 28 سنة كنت في صغري أتحرش بالبنات وكان ذلك بتحريض من أخي الأكبر دون أن أفهم أي شئ واستمر الأمر عندي حتى أصبحت عادة وبدأت بالتحرش ببنات أخواتي وهن صغيرات حتى كبرن وامتنعن عني ووصلت إلى السنوات الأولى من الجامعة والتزمت وندمت كثيرا حتى أصبحت الوحيد في الأسرة الملتزم وأصلي جماعة وأنصح وأفعل كل ما هو خير لكني عاجز عن نصح بنات أخواتي إن فعلن أي خطأ , وأسال هل لي من توبة؟ علما أن ذلك الأمر قد يكون ظلما وقع على بنات أخواتي وأخواتي والعائلة فكيف أرد تلك المظالم وأنقي نفسي؟ علما أن أمثالي متوعدون بالعقاب الشديد في الدنيا والوعيد الشديد في الآخرة، وأنا في خوف شديد وندم أشد ولا حول ولا قوة إلا بالله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله أن منّ عليك بالالتزام والاستقامة والتوبة، ونسأله سبحانه أن يتجاوز عنك فيما ذكرت من الظلم المتعلق بأخواتك وبناتهن، وعليك بالإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة، مع البعد عن أسباب المعصية.
وباب التوبة مفتوح، مهما عظم الذنب، كما قال سبحانه: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104.
وقال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
والتوبة تهدم ما قبلها من الذنوب مهما كانت عظيمة أو كثيرة، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
وأما رد المظالم فعليك بالدعاء والاستغفار لمن ظلمت والله تعالي يتوب على من تاب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/263)
مشكلة بين الأب والأم بسبب تأخر مستوى الأولاد التعليمي
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا ابن ليس جيِّداً في مستواه الدراسي، وقد أساء والده في تربيته، وعند بلوغه الصف السادس تعلم كلمة نابية وأطلقها على أخيه، وعندما هممت بعقابه منعني والده عنه، وهذه ليست المرة الأولى، ولكن لأول مرة آخذ موقفاً، فتخليت عن تدريسه، وبعد فترة تدنَّى فيها مستواه، وطلب مني والده تدريسه فشرطت عليه أن لا يحول بيني وبين تأديبه، وألا يحرمني من الذهاب إلى دور التحفيظ مهما حصل، حيث إنه كان يوافق تارة ويمنعني تارة أخرى ليس لشيء إلا لفرض السيطرة، وافق، فتعهدته بالتدريس، وذهبت إلى التحفيظ - المستوى الأول -، وبعد أن وفقنا الله ونجحنا جميعنا في الدراسة وبدأت السنة الدراسية الجديدة: منعني زوجي أن أكمل دراستي في الدار بدون إبداء سبب مقنع، فتدنت همتي ولم أجتهد في تدريس ابني، وكانت النتيجة رسوبه في النصف الأول من العام الدراسي الجديد، وعند اقتراب الامتحانات النهائية طلب زوجي أن أدرس هذا الابن، فسألته قائلة: هل أدرسه وتوافق على ذهابي إلى التحفيظ في السنة القادمة إن شاء الله؟ فثار، وقال: أنتِ السبب إذن في رسوبهم، وكل طلباتك مرفوضة، وما فيك خير، والله لا يشكر فضلك، ومنذ ذلك اليوم حرمني من الخروج، ودائما يسبني من ورائي أمام أبنائه، لدرجة أن قال لهم " أمكم أخليها في البيت مثل الشيطانة، لا أخرجها ولا أوديها "، وينوي حرماني حتى من زيارة أهلي. فهل تدريس الأبناء واجب شرعي أستحق على تركه العقاب؟ وما حكم إصراري على الذهاب إلى التحفيظ حيث إني أنشغل به عن الوقوع في المعاصي التي غرقت فيها هذه السنة التي أجبرت فيها على ترك الدراسة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تربية الأولاد مسئولية مشتركة بين الوالديْن، وإذا حصل التعارض والتناقض في تربيتهم أثمر ذلك ثماراً فاسدة على الأولاد، فساءت أخلاقهم، وتشتت شملهم، لذا يجب على الوالدين أن يحسنا تربية أولادهم، وأن لا يقع بينهما تناقض أو تعارض، وبخاصة إذا كان هذا أمام أولادهم، ويجب أن يتفقا على الوسائل الشرعية التربوية في معالجة أخطاء أولادهم، فلا يرى أحد المعاقبة على الخطأ وينكر عليه الآخر ويرى مسامحته إلا أن يكون ذلك باتفاق بينهما وتشاور، حتى يعلم الولد أنهما اتفقا على المسامحة شفاعة من الآخر لإعطائه فرصة أخرى لإصلاح نفسه، أما أن يعترض طرف على الطرف الآخر أمام ولدهم المخطئ، ويعنف في الكلام ويسيء في الأدب: فإن هذا خطأ؛ ينعكس على تصرف الأولاد.
ومما يدل على المسئولية المشتركة بين الأب والأم في تربية أولادهم:
1. قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
2. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) . رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
وانظري جواب السؤال رقم (10016) ففيه مزيد فائدة.
ثانياً:
مسئولية الوالد في تربية ولده ينبغي أن تكون من أولى اهتماماته، فالرجل يملك الحكمة والتجربة والقوة ويستطيع بالمخالطة بغيره أن يتوصل لأنجع الوسائل والطرق في تربية ولده، وقد اشتد حرص السلف على مباشرة مهمة تربية أولادهم، كما ذكر أن الخليفة العباسي المنصور بعث إلى مَنْ في السجن من بني أمية يقول لهم: ما أشد ما مر بكم في هذا السجن؟ قالوا: ما فقدنا من تربية أولادنا.
ويظن بعض الآباء أن تربية الأبناء والقيام على هذه الأمانة هو بتوفير الطعام والشراب واللباس والسكن لهم، وهو تصور باطل بعيد كل البعد عن شرع الله.
قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -:
الإحسان إلى البنات - ونحوهن - يكون بتربيتهن التربية الإسلامية، وتعليمهن، وتنشئتهن على الحق، والحرص على عِفَّتهن، وبُعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره، وهكذا تربية الأخوات والأولاد الذكور، إلى غير ذلك من وجوه الإحسان، حتى يتربى الجميع على طاعة الله ورسوله، والبعد عما حرم الله، والقيام بحق الله سبحانه وتعالى، وبذلك يعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط، بل المراد ما هو أعم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا.
" مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز " (4 / 377) .
ثالثاً:
وأولى ما ينبغي عليكم العناية به والاهتمام بتحقيقه هو تعليم أولادكم العقيدة الإسلامية الصحيحة، والأحكام الشرعية، والأخلاق الفاضلة، فهذا أولى من غيره، ولا مانع من أن يدرس علوماً أخرى دنيوية، على أن تكون ظروف دراسته شرعية، فلا اختلاط مع الفتيات، ولا الدراسة في مدارس تنصيرية، ولا دراسة مناهج كفرية أو فسقية.
وفي فتوى رقم (4172) وتاريخ 4 / 12 / 1401 هـ من " اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " بالمملكة العربية السعودية، جاء فيها:
رابعاً: يجب على جميع المسلمين رعاةً ورعيةً العناية بتعليم الأولاد ذكوراً وإناثاً الإسلام الحق عقيدةً وأحكاماً وأخلاقاً وآداباً، ولا يجوز تفريغ برامج التربية والتعليم من ذلك ولا مزاحمة دين الإسلام بغيره من العقائد والمذاهب والآراء الباطلة.
خامساً: ليعلم كل مسلم استرعاه الله رعية أن الله عز وجل سيسأله عن هذه الأمانة التي حملها فإن كان أداها على الوجه الأكمل ونصح لها فليحمد الله، وإن كان غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة) . انتهى
فالمسئولية مشتركة في التعليم والتوجيه، كلٌّ حسب طاقته وقدرته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا يجوز للأب أن يلقي عبء دراسة الولد على أمه ويقف موقف المتفرج، ويغفل هو عنه أو يتغافل، كما لا يجوز للأم أن تفعل الشيء نفسه، فهي مسئولية مشتركة في العناية والتربية والتعليم، فإذا كان الأب من العاملين الكادِّين والأم متفرغة فيكون حملها أثقل، والعكس بالعكس، وينبغي التشاور والتفاهم حتى تؤدَّى الرسالة على أكمل وجه، والأصل في التوجيه والمسئولية الأب لا الأم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
البنون والبنات لهم راعٍ يرعاهم، إذا كانوا صغاراً: فإن الذي يرعاهم ويدير شئونهم هو أبوهم أو أخوهم الأكبر، (الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) ، فيجب على أولياء الأمور ورعاة البيوت أن يحملوا أهليهم على عبادة الله عز وجل، وعلى الحرص في طلب العلم، وأن يشجعوا الأولاد، يقول: تعال يا بني! ماذا حفظت اليوم؟ اقرأ عليَّ ما حفظت؛ حتى يتشجع ويعلم أن وراءه من يتابعه، وكذلك يقال في البنات، شجِّعهم، احملهم على العلم، احملهم على العمل به، ألِّف قلبك إلى قلوبهم، لا تكن كبعض الآباء يكون في بيته كالخشبة المسندة لا يحرك ساكناً، فإن الإنسان مسئول عن أسرته ورعيته.
" اللقاء الشهري " (67) .
رابعاً:
وصيتنا لأختنا السائلة أن لا تخرج من بيتها من غير إذن زوجها ورضاه، ولو لتعلم القرآن أو تعليمه؛ فإن طاعة الزوج واجبة، وخروج المرأة من غير إذن زوجها محرَّم، والضغط عليه لإجباره على خروجها أيضاً لا يجوز، ولا تفتحي على نفسكِ باباً من الشر بالخروج بهذه الطريقة، ويمكنك تقسيم الوقت بين تعليم ولدك وتعلمك، ومن ثم إقناع زوجك بهذا التقسيم، وظننا به أن يقدِّر هذا الأمر منكِ ويكون سبيلاً للتفاهم على كلا الأمرين.
ولتعلمي يا أختنا أن زوجك ليس آثماً بمنعك من الخروج لحلقات تحفيظ القرآن، والإثم فقط في حال منعك من الصلاة في المسجد أو تعلم علم واجب لا يمكنك تعلمه في البيت، وقد يسَّر الله تعالى للناس سبل العلم، فتستطيع المرأة أن تقرأ الكتب وتسمع الأشرطة في كل فنون العلم، ولا يقف بينها وبين الاستفادة من الطرق الحديثة في التعلم شيء، ولن ترى في خروجها أكثر مما تراه في بيتها لو أنها أرادت، كما يمكنك عقد حلقة من أخوات مستقيمات للحفظ والعلم في بيتك دون الحاجة للخروج منه.
وبكل حال: قدِّمي ما تستطيعين من عناية ورعاية وتعليم لابنك، وعاشري زوجك بالمعروف، وقومي بما أوجبه الله تعالى عليك تجاهه، وسترين ثمار ذلك في نفسك وزوجك وأولادك إن شاء الله تعالى.
خامساً:
ووصيتنا للزوج أيضاً أن يحسن العشرة مع زوجته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِه) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (385) .
فإذا رأى أن خروجها إلى دار التحفيظ فيه فائدة لها، وتعود تلك الفائدة على أولادها بل على البيت بأكمله، فلماذا يمنعها من ذلك الخير؟ ثم تسوء العلاقة بينه وبينها، لأنها تراه منعها من أمر كان نافعاً لها، فالذي ينبغي أن تكون الحياة بينكما قائمة على التفاهم والمشاركة في المسئولية، وحرص كل طرف على ما ينفع الآخر.
واعلم أيها الزوج أن إرضاءك لزوجتك وإسعادك لها في غير معصية الله سيعود بالنفع عليك وعلى أولادك، نسأل الله تعالى أن يجمع بينكما على خير، وأن يوفقكما لما فيه نفعكما في الدنيا والآخرة.
سادساً:
وهذه كلمات لبعض المتخصصين في بيان الدور المشترك بين الأب والأم في تربية الأولاد وتعليمهم:
تساءلت أم مستنكرة: لماذا يتهم الزوج زوجته بالتقصير والإهمال إذا لم يحصل الابن على درجات عالية ويتناسى واجبه الذي لا غنى عنه نحوهم في هذا الأمر؟
وقال الدكتور محمود أبو دف أستاذ التربية بالجامعة الإسلامية بغزة: "على كل من الأب والأم أن يتعاونا في هذه المسألة، فيقوم الأب بسد النقص الذي قد لا تتمكن من فعله الأم لانشغالها أو لعدم إلمامها بالمادة العلمية بصورة كافية.
وشدد الدكتور "أبو دف" على ضرورة أن يكون للآباء دور فاعل ومؤثر في عملية متابعة النشاط الدراسي للأبناء حيث يُشعرهم ذلك بمدى الالتزام.
وعزا هروب الآباء إلى وجود نظرة سلبية ترسبت في أذهانهم، وهي أن الدور التعليمي من مهام الأم مثله مثل أي عمل داخل المنزل، واستطرد موضحا: "وهذا خطأ فادح؛ فهذه المهمة بالدرجة الأولى تربوية وبحاجة إلى تكامل الأدوار بين الزوجين، ويجب أن يدرك الأب أن دوره لا يكون فقط خارج المنزل حيث توفير لقمة العيش ومستلزماتها بل هناك أدوار بالغة الأهمية داخل المنزل ومنها تدريس الأبناء؛ فهي ليست مهمة عادية.
وطالب الآباء بضرورة زيادة وعيهم وإحساسهم تجاه هذه المسألة حتى لا تنعكس الخلافات حولها على الأسرة والأبناء.
وقال الأستاذ "أسامة المزيني" المحاضر بكلية التربية بالجامعة الإسلامية: على الأب أن يهتم بمتابعة النشاط الدراسي لأبنائه كجزء مهم من أولوياته.
وقال أيضاً: الزوجة شريكة حياتك، وفي اهتمامك بدروس الأبناء ومذاكرتهم تكون قد أديت دورك في الشراكة، وإلا فاسأل نفسك: أين دوري؟ وتذكر أن هناك ما هو أهم من توفير الحياة المادية للأبناء ألا وهو الاهتمام بمستقبلهم العلمي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/264)
يأتيه الوسواس القهري فيسب ويلعن
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من الوسواس القهري خصوصاً في الصلاة، أو إذا كنت بمفردي، ونوع الوسواس الذي لدي هو اللعن والسب أتلفظ به غصبا عني مثل أن ألعن نفسي أو أبي أو أمي. أرجو توجيهي للطريقة الصحيحة للعلاج، والدعاء لي، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوسواس القهري نوع من المرض، ينبغي لمن أصيب به أن يتداوى بأمور:
1- الفزع إلى الله تعالى واللجوء إليه، فإنه سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، وليقل كما قال أيوب عليه السلام: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأنبياء/83، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ) رواه أحمد (3727) وحسنه الألباني في غاية المرام برقم (292) ، فالدواء من عنده سبحانه، والشفاء بيده، فألح على الله بالدعاء، واغتنم أوقات السحر، فإن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: (مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) رواه البخاري (6321) ومسلم (758) .
2- الإعراض عن الوسواس وما يدعو إليه، والانشغال عنه بالعبادة والطاعة ما أمكن، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من يأتيه الوسواس بقوله: (فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) رواه البخاري (3276) ومسلم (134) ، فإذا جاءتك الرغبة في السب أو اللعن، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وانشغل بذكر الله تعالى وتسبيحه، أو ارفع صوتك بالقرآن، أو الكلام مع صديقك ونحو ذلك.
3- الإكثار من ذكر الله تعالى، لا سيما الاستغفار، فإن الوسواس من الشيطان، أو له مدخل فيه، والشيطان إذا ذُكِر اللهُ تعالى خنس، وفر وأدبر، قال الله تعالى:) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْعَلِيمُ) فصلت/36. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله والتجأت إليه كفه عنك ورد كيده، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " انتهى. وروى مسلم (2203) أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا) قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي. وفي وصية يحيى عليه السلام لأصحابه: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ) رواه الترمذي (2863) وصححه الألباني في صحيح الترمذي
4- الذهاب إلى الطبيب المسلم الثقة، فإن هذا الوسواس نوع من المرض كما سبق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الْهَرَمُ) رواه أحمد (17726) وأبو داود (3855) والترمذي (2038) وابن ماجه (3436) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
5- أن تعلم أن من ابتلي بهذا المرض فهو معذور فيما يتلفظ به، لعدم إرادته له، وكراهته له، بل هو مأجور مثاب إن شاء الله، إذا صبر واحتسب، ومأجور على كراهته للوسوسة، وفراره منها، ولهذا لما جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: (وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟!) قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: (ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ) رواه مسلم (132) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال النووي في شرح مسلم:
" معْنَاهُ: اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلَام بِهِ هُوَ صَرِيح الْإِيمَان , فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلًا عَنْ اِعْتِقَاده إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الْإِيمَان اِسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك " انتهى.
وانظر السؤال رقم (62839) ، ورقم (25778) ، ورقم (39684) .
نسأل الله لك الشفاء والعافية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/265)
مشكلة بين زوجين بسبب إدخال "الدش"
[السُّؤَالُ]
ـ[أدخلت الدش على أهل بيتي وأنا الآن نادم وأريد إخراجه، إلا أن زوجتي ترفض هذا الشيء بشدة وتقول: إنها تشاهد البرامج الثقافية وأزياء المرأة والبرامج الأسرية، ولكني فرضت كلمتي وأصررت على إخراج الدش، وناقشتني وقالت لي: ليس هكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرفق ما أتى في شيء إلا زانه، وما رفع عن شيء إلا شانه) أفتوني كيف أقنع زوجتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن إدخال –الدش- إلى البيت؛ من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الناس على أنفسهم وأهليهم , قال تعالى: (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ... ) التحريم/6.
ومن سمع أو قرأ أو رأى! ما يعرض في الفضائيات من منكر وفواحش لا يتردد في تحريم إدخال هذا الجهاز إلى البيت، والقول بأننا نرى فيه البرامج المفيدة أو المباحة، كلمة كثيراً ما يقولها الناس إلا أن الواقع أنها مجرد كلمة، لأن معظم برامج تلك الفضائيات محرمة، والمفيد فيها أو المباح قليل جداً، ثم مع قلته لا يخلو من محرم كموسيقى أو صور عارية ... أو غير ذلك. ومراقبة تلك البرامج ليست بالأمر السهل، لا سيما إذا وجد أولاد في البيت، لأن الغالب أن الأب والأم لن يكونا معهم دائما في كل وقت، فلماذا المخاطرة بالدين والأخلاق إذاً؟!
وانظر جواب السؤال رقم (42458) ففيه كلام للشيخ ابن عثيمين رحمه الله في التحذير الشديد من إدخال هذا الجهاز.
ثانياً:
أخي الكريم! كل خلاف بين الزوجين يمكن حله ـ بإذن الله ـ؛ عن طريق التفاهم الودي, والمناقشة الهادفة الهادئة؛ التي تحقق مصلحة الأسرة , والمحافظة عليها, وصيانتها, وتحصين وتربية الأولاد.
فعليك إقناع زوجتك بالآتي:
1- بيان مفاسد هذا الأمر, وتوعيتها بخطورته, وبيان أثره السيئ على الأسرة جميعا, وعلى الأولاد خاصة. وقد حكى لنا الثقات كثيراً من البلايا , والخزايا , والمصائب التي حصلت بسبب تلك القنوات الفضائية، وأظنك تعرف عن هذا الكثير.
2- شراء بعض الأشرطة السمعية , والمرئية (الفيديو) , التي تتحدث عن مساوئ هذه القنوات. مع ملئ الفراغ لدى الزوجة بشراء بعض الأشرطة الأخرى؛ التي تتحدث عن زيادة الإيمان , والطاعة , والترغيب في الجنة , والترهيب من النار.
3- اقتطاع جزء من وقتك وتخصيصه لأهلك؛ بقراءة بعض الكتب , والاستفادة منها في تفوية الإيمان.
4- ربط أسرتك بمراكز تحفيظ القرآن الكريم النسائية – وما أكثرها في بلادنا- ففيها الخير الكثير.
وأخيراً ... يمكن استبدال ذلك بالقنوات الإسلامية؛ التي تعنى ببث البرامج الاجتماعية والإسلامية , وتسعى لربط الأسرة , والمجتمع بدينها , ولا تغفل عن الأخبار وغيرها من البرامج النافعة، كقناة المجد وغيرها. ولا شك أن العمل على تحقيق ذلك لا بد أن يرافقه الرفق واللين في بدايته , لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ) رواه مسلم (2594) .
لكن عندما لا ينفع ذلك, لا بد من اللجوء لأساليب أخرى – وحسب القدرة التي تتناسب وإزالة المنكر- وحيث إن هذا المنكر في بيتك , وأنك صاحب القوامة وربان السفينة؛ فلا مانع من إزالته بعد ذلك, بالأسلوب الذي تراه مناسباً , شريطة أن لا يؤدي إلى منكر أكبر, أو مفسدة أعظم, فأنت أدرى بهذا الأمر من غيرك, لمعرفة ظروفك مع أهلك. وقديماً قيل: (أهل مكة أدرى بشعابها) .
سائلين المولى أن يعينك وأن يهدي زوجتك ويثبتها على الحق والصواب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/266)
مسافرة بعيداً عن أهلها وتخشى على نفسها الفتنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة أعيش وحيدة في بلاد كافرة، بعد أن رفض أهلي كل من تقدم لي للزواج، وقد عانيت كثيراً وأنا أحاول الهروب من الفتن وأحافظ على ديني، لكن 4 سنوات من الغربة جعلتني أمرض وأعاني من آلام نفسية حادة، لكثرة ندمي على سفري بلا محرم، ولا أستطيع العودة إلى بلدي، ولا أهلي تركوني أحصن نفسي، وبالرغم من أنني حافظت على حجابي وساهمت في الدعوة إلى الله إلا أنني ضعفت وكدت أقع في الزنا، ومن ثم ساءت حالتي أكثر وأكثر. فكرت في الانتحار لكن علمي بعظم هذا الجرم منعني.
سافرت في إطار عملي فالتقيت بشاب من بلدي الأصلي تظهر عليه علامات الطهر والالتزام يعيش في نفس البلد الذي أدرس فيه.
كنت أبكي طيلة السفر، وأدعو الله أن أموت في تلك الرحلة، لأنني أشعر أني ضعفت وفقدت القدرة على المقاومة.
عندما عدت من السفر أحسست أن شيئاً ما تغير في نفسي، وأني استعدت ثقتي بالله، وقطعت صلتي بكل من أفسدني، وأعلنتها توبة عجزت عنها منذ مدة طويلة، صليت لله واستخرت أن يكون هذا الشاب زوجي، فوالله ما فتئ يتصل بي طالباً مني الزواج على أن ألتزم بالشرع، أخبرت أهلي لكنهم رفضوا مرة أخرى وآذوني لأنهم ما فكروا فيما أعاني، فوالله لا أريد عقوقهم، لكنهم يحملوني ما لا طاقة لي به، فقد فكرت طلب ولاية الإمام، لأن الشاب من أحسن ما رأيت دينا وخلقا، ووالله لا أريد إلا تحصين نفسي لوجه الله فما أفعل؟
وسؤالي الثاني: إنني أحس بالذنب مع هذا الشاب لما أذنبته، فهل أخبره بما فعلته في الماضي برغم توبتي الصادقة! أنا على اتصال هاتفي بهذا الشاب للتفاهم، ويشهد الله أنه ما تجاوز حدوده أبدا! أفيدوني بإجابتكم فوالله إن قلبي لممزق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يفرج همك، ويزيل غمك، ويحميك من الانزلاق في مهاوي الردى والمعصية إنه على ما يشاء قدير.
اسمعي معي إلى هذا النداء الإلهي العظيم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
واسمعي إلى قوله تعالى وهو ينادي عباده المؤمنين: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) التحريم/8.
والله يقبل التوبة عن عباده، كما قال جل شأنه: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25.
أختي السائلة:
ما الذي دعاك لترك أهلك؛ والسفر إلى بلاد الكفر والعيش معهم؟! والإنسان لم يعد يأمن على نفسه حتى في بلاد الإسلام! وذلك لكثرة الشبهات والشهوات!
فكيف ببلاد استبيح فيها كل شيء، وفتحت فيها أبواب المعاصي على مصراعيها!
من أجل هذا – ومن حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته, وحماية لهم من الوقوع في مثل ما وقعت به – أسأل الله أن يعافيك-، حرّم السكن والعيش بين الكفار, والإقامة في بلادهم. فقال: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (2654) والترمذي (1604) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1207) .
والإقامة في بلاد الكفر مرتع وخيم، وعيش نكد، وحياة قلق واضطراب، وهم – أعني أصحاب تلك البلاد – حياتهم جهنم لا تطاق – باعترافهم – لأنهم فقدوا تربية الروح، والصلة مع الله، وصارت حياتهم مادية بحتة، فكثرت فيهم الأمراض النفسية، ولجأوا في كثير من الأحيان – للتخلص من هذه الحياة – إلى الانتحار.
ثانياً:
النصيحة لك أن تبحثي عن الأسباب التي جعلت أهلك يقفون منك هذا الموقف، فيرفضون كل من تقدم للزواج منك , وجدي في معرفتها والعمل على إزالتها، حتى تستطيعي معالجة الأمر، وإيجاد الحلول المناسبة؛ حتى يلتم الشمل وتجتمعي مع أهلك.
وإذا تعثر ذلك، وبقيت الأمور على ما هي وتبيّن أن الأسباب الحائلة بينك وبين أهلك أسباب غير شرعية. عند ذلك تنتقل ولايتك للسلطان أو القاضي الشرعي، وحيث إنك توجدين في بلاد ليس فيها قضاء شرعي وليست بلاد إسلام، فلا حرج عليك أن يكون وليك هو مدير أحد المراكز الإسلامية أو إمام المسجد، وانظري جواب السؤال (7989) .
ثالثاً:
إن إحساسك بالذنب على ما قد فعلته سابقاً , ورجوعك إلى الله، والتوبة الصادقة النصوح، التي يندم فيها الإنسان على ما فعل , ويعزم على أن لا يعود، ويقلع عن الذنب , ويستغفر, ويكثر من الأعمال الصالحة , إن ذلك يجبر ما فات ويطهره، قال تعالى: (فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) المائدة/39.
وقال جل شأنه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وقال تعالى: (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/71.
فمن رجع عن المعاصي، وأناب إلى ربه، وأسلم له؛ فإن الله يقبل توبته ويحسن عاقبته، ويجعله من ورثة جنة النعيم، قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) مريم/59-60.
والتوبة تفتح على صاحبها باباً جديداً, ينطلق منه إلى حياة جديدة؛ ملؤها الإيمان , والإحسان , والأمل.
قال صلى الله عليه وسلم: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجة (4250) وحسنه الألباني.
فأنصحك بعدم ذكر ذلك له، لأن ذلك صار كأنه لم يكن – بعد التوبة – وابدئي معه حياة جديدة, ملؤها الأمل , والحب , والسعادة , وكلليها بالطاعة , والتقوى، والاستقامة على الهدى.
ونصيحتنا لك أن تعجلي بأمر الزواج من هذا الشاب، لأن اتصاله بك وإقامة علاقة معه قبل الزواج أمر محرم، وقد يكون ذلك باباً من أبواب الفتنة، نسأل الله تعالى أن يحفظنا من الزلل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/267)
سليطة اللسان على زوجها وتشكو من ابتعاده عنها!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب زوجي كثيرا وهو يحبني ولكن أنا كثيرة العصبية وسليطة اللسان (أتمادى على زوجي وأهله) ، لأنه كثير الانشغال عني وعن بنتي والبيت كله.
يخدم الناس وأهله ولا يجلس معي، ربما لأني كنت على علاقة بشباب في فترة قرابة السنة والنصف والحمد لله كانت علاقة بالهاتف فقط وانتهت. وبعدها بثلاث سنوات تزوجت.
سؤالي: كيف أستطيع التغير؟ لا أريد أن أغضبه، أريد أن أحترمه، ساعدوني، أنا كثيرة العصبية، أريد حلاًّ يريحني ويجعلني أعيش سعيدة مع زوجي وبنتي، مع العلم أني لا أحس بأني متزوجة وأني زوجة وأم لبنت وصاحبة منزل أديره، حياتي فيها فراغ كبير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الأخطاء الشائعة: أن يخبر الزوجان كل منهما الآخر؛ عما كان في حياته السابقة قبل الزواج، بحجة أنه على كل منهما أن لا يترك لحبيبه الجديد شيئاً من حياته الماضية؛ إلا وأخبره وعنها، تعللاً بالمصارحة بينهما , وحتى تصفو الحياة لهما , ولا تصاب بركسة ولا نكسة، وخوفا ًمن هواجس الماضي فيعيشان حياة سعيدة!
وقد أثبت الواقع وتكشف عن فشل هذه الفكرة , لأن الزوجين في معظم الأحيان لا يتحملان هذا الأمر! وإن صبرا عليه في البداية، لأن حرارة الحب الجديد بينهما تمنع من ردة الفعل المباشرة، حتى إذا ما خمدت هذه الحرارة , وبرد الحب , وخفت العلاقة بينهما سرعان ما يظهر ما كان خافياً ومختبئاً ويطفو على سطح حياتهما, فتنقلب عليهما الحياة، فتبدأ بالتعسر، والعلاقة الحميمة إلى فتور , وتنشأ المشكلات بينهما, وتبدأ حرارة الغيرة تحرق روابط الحياة بينهما.
أختي السائلة:
ما كان قبل الزواج يجب أن يذهب مع أيامه ووقته , لا يعلمه أحد من الناس مهما كان شأنه أو مكانه أو قربه، فإن كان معصية يحدث صاحبه توبة بشروطها بينه وبين الله سبحانه، لأن التوبة هي التي تهدم ما قبلها من الذنوب، وليس إخبار الزوج ومصارحته.
ومن شروطها: الندم على ما حصل، والإقلاع عن الذنب، والعزم على أن لا يعود , وينبغي أن يكثر من الطاعة والاستغفار لتعويض ما فات.
على أن المؤمن مأمور بالستر على نفسه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله) أخرجه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع (149) .
وروى البخاري (6069) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) .
وما ذكرت من حبك لزوجك الذي هو من أسس الحياة الزوجية – بداية طيبة وأساس متين لحل كثير من الخلافات القائمة بينكما بإذن الله تعالى.
أختي السائلة:
أظهري لزوجك هذا الحب حيّاً واقعياً , وذلك بإظهار اهتمامك به، غيري نمط حياتك معه، نفسك، شكلك، بيتك، أحدثي تغييراً جذرياً فيها.
لعل السآمة أخذته من حياة تقليدية رتيبة لا تغيير فيها.
حولي نظره إليك، إلى بيتك، إلى ابنتك، بكل ما تمتلكين من أسباب، وإياك والتذمر أو الضيق من شؤونه الخاصة، لأنها ستقف عثرة أمام التفاهم المنشود بينكما.
أدبي نفسك بأدب الإسلام, وإياك والعصبية، فقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب.
روى البخاري (6116) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي قَالَ: (لا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: لا تَغْضَبْ) .
كما أمرنا بحفظ اللسان وصيانته، فقال صلى الله عليه وسلم وهو يوصي معاذاً رضي الله عنه: (كف عليك هذا – أي: لسانك- فقلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: ثكلتك أمك يا معاذ, وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) رواه الترمذي وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (772) .
إن ما ذكرت فيك من العصبية, وسلاطة اللسان.. هما معولا هدم وتكسير، ينقض أساس بنيان الأسرة وحياتها.
ولعلهما السبب في إعراض زوجك عنك، وأنه رأى ووجد في أهله، والناس من التقدير, والاحترام والأدب ما لم يجده عندك، فألجأه ذلك إلى ما هو عليه.
فاجتهدي في تغيير سلوكك، وضبط نفسك، وتوجهي إلى الله بالدعاء لك وله بالتوفيق , والصلاح , وحسن الأخلاق , والأدب فإن الله قريب مجيب.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمع بينكما في خير، ويوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/268)
يعاني من وسواس العين
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أعجب أحدهم بشيء وذكر الله , هل ممكن أن يصاب بالعين؟ وإذا كان أحدهم يشك بذلك الأمر , وهذا يضيق عليه حياته الاجتماعية كثيرا، وأصبح يخاف من أن ينظر إلى الأشياء أو الأشخاص , علما أنه لا يحسد الناس على ما عندهم، ولا يحب الأذى لغيره أبدا والله، ويقرأ القرآن، ويذكر الله دائما. أرجو المساعدة في فك هذا الكرب عن أخيكم المسلم. جزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
أسأل الله تعالى أن يفرج كربك ويزيل همك.
واعلم أخي السائل الكريم أن الشريعة لا تجيء بالحرج أبدا، بل من أهم مقاصدها رفع الحرج عن الناس.
قال سبحانه وتعالى: (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ) المائدة/6
ولا يجوز للمسلم أن يجاري الشيطان لتصير حياته شكا ووسواسا وريبة، فإنه إن فعل ذلك خسر في دنياه ولم يكسب في آخرته، ومثل هذه الوساوس إنما هي من مكائد الشيطان اللعين، يريد أن يحزن الذين آمنوا، ويريد أن يشق عليهم، والله سبحانه وتعالى خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
فالواجب عليك أخي الكريم قطع جميع هذه الوساوس، وعدم الالتفات إلى ظنون السوء، ويكفيك أن تأتي بالذكر المشروع عند رؤية الشيء الحسن، والله سبحانه وتعالى يدفع عنه العين أو الحسد، ولا يمكن أن يجتمع ذكر الله مع العين والحسد أبدا.
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(أَلاَ بَرَّكْتَ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌ)
رواه مالك في "الموطأ" (2/938) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (6/149)
قال الزرقاني في شرح الموطأ (4/320) : " أي: قلت بارك الله فيك، فإن ذلك يبطل المعنى الذي يُخاف من العين، ويُذهب تأثيره " انتهى.
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِن نَفسِهِ وَأَخِيهِ مَا يُعجِبُهُ فَلْيَدعُ بِالبَرَكَةِ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌّ)
رواه الحاكم في "المستدرك" (4/240) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بذكر البركة. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (556)
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/31) :
" فيه دليل على أنّ العين لا تضرّ ولا تعدو إذا برّك العائن، فالمشروع على كلّ من أعجبه شيء أن يبرّك، فإنّه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة، والتّبرّك أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين، اللهمّ بارك فيه.
وقال النّوويّ يستحبّ للعائن أن يدعو لمعيّن بالبركة، فيقال: اللهمّ بارك ولا تضرّه.
ويقول: ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله " انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/205) :
" الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه " انتهى.
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/547) :
" وأما العلاج للعائن فإذا رأى ما يعجبه فليذكر الله وليبرك " انتهى.
ويقول الشيخ الفوزان في "المنتقى" (1/سؤال رقم 87) :
" فإذا خشي العائن أن يضر المنظور؛ فإنه يقول: اللهم بارك عليه!! وكذلك يُستحَبُّ له أن يقول: ما شاء الله لا قوَّة إلا بالله؛ لأنه رُويَ عن هشام بن عروة عن أبيه؛ أنه كان إذا رأى شيئًا يُعجِبُهُ، أو دَخلَ حائطًا من حِيطانِهِ؛ قال: ما شاء الله لا قُوَّةَ إلا بالله.
فإذا لازم العائن هذا الذكر؛ فإنه يدفع ضرره بإذن الله " انتهى.
وجاء في فتاوى الشيخ عبد الكريم الخضير (5) :
" لا ينبغي للمسلم أن تساوره الشكوك والأوهام والظنون والخوف الزائد من العين فيصاب بأمراض نفسية وغيرها، وليحسن الظن بالله عز وجل، وليعلم أن ما أصابه لم يكن إلا بقدر الله تبارك وتعالى، فليلجأ إلى الله عز وجل؛ لأنه وحده سبحانه القادر على كشف الضر ورفع البلاء " انتهى.
فإذا رأيت شيئا يعجبك أخي الكريم فادع الله له بالبركة، ثم لا تلتفت إلى غير ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى يحفظه بدعائك، ويرد عنه كل سوء، ولا تترك نفسك في مخاوفها، فإن الله سبحانه وتعالى لا يرضى ذلك لعباده، مع مجاهدة نفسك على النظر إلى تقدير الله تعالى في كل أمر، وأن له الحكمة البالغة سبحانه فيما أعطى ومنع، وخفض ورفع، لا معقب لحكمه، ولا مبدل لكلماته سبحانه.
وتذكر دائما ـ يا عبد الله ـ أن أمر الدنيا وما فيها أحقر من أن نتحاسد أو نتعادى من أجله، كما قال المتنبي:
وَمُرادُ النُفوسِ أَصغَرُ مِن أَن نَتَعادى فيهِ وَأَن نَتَفانى
وإلى ذلك الإشارة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (علامَ يقتلُ أحدُكم أخاه) رواه الإمام مالك (1746) أحمد (15550) وغيرهما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/269)
قبلته زوجا بعد الاستخارة لكنه طلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل مدة تقدم لي شاب ووافقت عليه بعد استخارتي أنا وأمي أكثر من مرة، وكتب كتابي، ولكن بعد العقد بستة أشهر فسخ العقد بيننا لأسباب مجهولة من جهته، أي أنها غير مقنعة يقول: إنه يشعر ببرود في المشاعر بعد أن كان يحبني حبا كبيرا فسبب لي إحباطا وكرها للشباب الذين لا يهمهم في الحياة سوى أنفسهم فعلا أنا أكره الشباب ولا أريد أن أخطب مرة أخرى، لأن في المرة الأولى كان كل شيء صحيحا أي "زواج تقليدي" وبعد استخارة. ملاحظة: الشاب يعمل في البنك هل من الممكن أن الله يعاقبني لأنني وافقت على شاب يعمل في البنك؟ لكنني استخرت أكثر من مرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحن نقدر مشاعرك تجاه هذا الأمر، وما سببه لك من ضيق وألم، لكن قد يكون في ذلك خير عظيم لك، تدركينه فيما بعد إن شاء الله.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
فالمؤمنة ترضى بقضاء الله تعالى، وتعلم أن الله أرحم بها من نفسها، وأن البلاء يزيد المؤمن أجرا ورفعة، إن هو صبر واحتسب.
ثانيا:
إذا كان الشاب الذي تقدم لك يعمل في بنك ربوي، فاحمدي الله تعالى أن صرفه عنك، ولم تصبحي زوجة له، تأكلين من ماله الحرام، وهذه نتيجة الاستخارة، والحمد لله، فإن الاستخارة قد لا تظهر نتيجتها في الحال، فيمضي الطرفان في القضية، ثم يصرف الله أحدهما أو كليهما عن إتمامها، فثقي تماما أن الله تعالى قد اختار لك خير الأمرين، ويكون ما جرى من كتابة العقد ثم الطلاق، ابتلاء من الله، وهو مفيد ونافع، وإن جرّ عليك شيئا من الألم والحزن.
ولاشك أنك أخطأت في قبول هذا الشاب، فإن أول ما ينبغي أن تبحثي عنه هو الدين والخلق، ومن يعمل في الربا كتابة أو شهادة أو غير ذلك، ساقط العدالة، معرّضٌ نفسه للعن والطرد من رحمة الله، فكيف ترضى به المؤمنة زوجا لها، وأبا لأولادها.
فاحمدي الله تعالى، واشكريه على هذه النعمة، وخذي من هذا الدرس عبرةً وعظة، فإن الإنسان إن سلِم مرة، قد لا يسلم في كل مرة.
ولا أعجب من حال العبد، يصرفه الله عن الشر، رحمة منه وإحسانا، ويظل هو يتألم على فواته!
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسر له، فينظر الله إليه فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإنه إن يسرته له أدخلته النار، فيصرفه الله عنه، فيظل يتطير بقوله: سبقني فلان، وأهانني فلان، وما هو إلا فضل الله عز جل) .
ثالثاً:
وأما الإحباط الذي حصل لك وعزمك على عدم تكرار ذلك مرة أخرى فالأولى بك غير هذا التصرف، وكون الإنسان فشل مرة، لا يعني ذلك أنه سيفشل كل مرة، بل استفيدي مما حصل، وليكن ذلك دافعا لك إلى حسن الاختيار في المرة القادمة، وأن يكون أساس ذلك الاختيار: الدين والخلق.
نسأل الله تعالى أن يزيدك إيمانا وتقى، وأن يرزقك الزوج الصالح، والذرية الصالحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/270)
هل يطرد خاله مدمن الخمر من السكن معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يعيش معنا -أنا واثنان من الإخوة أصغر مني- في بلاد الكفر في نفس البيت الصغير -غرفتين- خال لي مدمن خمر , لكن في بداية سكناه معنا لم يكن يشرب بهذا القدر , أضف إلى ذلك أنه لا يصلي , ويسب الدين والرب في بعض الأوقات , وهو هنا في بلاد الكفر منذ ما يقارب 30 سنة لم يذهب خلالها قط إلى البلاد.. ولقد كان صديقاً لأبي قبل أن يتزوج أبي بأمي.. ونحن ولله الحمد والمنة نصلي ونحاول اتقاء الله قدر المستطاع , ولقد تكلمنا معه بالتي هي أحسن ونصحناه بأن يتوب إلى الله , فيقول لنا؛ معكم الحق.. ادعوا الله أن يتوب عليّ.. ثم بعد يوم أو اثنين يعود لما كان عليه! ونحن إن قمنا بطرده من البيت فلا يوجد من يستضيفه في بيته مما سيؤدي به إلى النوم في الشارع ككثير من المدمنين العرب الذين يعيشون في الشوارع , نسأل الله لنا ولهم الهداية.. السؤال؛ ماذا يتوجب علي فعله مع العلم بأن أمي وأبي لا يعيشون معنا في نفس البيت فهما في بلدنا الأصلي , لكن في حالة طرد خالي أو التكلم معه بقسوة فقد تنزعج أمي لأنها رغم ذلك تحب أخاها لأنها لم تره منذ 30 سنة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مآسي المسلمين في بلاد الكفر كثيرة , لا تعد ولا تحصى , تدمي القلب , وتفطر الكبد , وتحزن النفس , ذلك أن هذه المجتمعات؛ وتلك البيئات ليست للمسلمين , فمقوماتها لا تتناسب ودينهم , وما جاء به من مبادئ سامية , وأخلاق رفيعة , وأدب جم.
لقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من العيش في تلك البيئات والمجتمعات أشد تحذير، لما يعلم ما لهذه الإقامة من الأثر السيء على المسلمين؛ في دينهم؛ وأخلاقهم , وسلوكهم. فقال: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (2654) والترمذي (1604) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1207) .
وما حال خالكم المذكور ـ وغيره كثير- إلا نتيجة لتلك الإقامة التي نهانا ديننا عنها.
إنه الضياع الكبير , والخسران المبين للدنيا والآخرة , إن لم يتداركه الله برحمته.
أخي السائل:
ليس لكم إلا الصبر على خالكم , فإنه يظهر من نصيحتكم له وجوابه لكم أن بذرة الإيمان لا زالت حية , تنبض في قلبه , فتحتاج منكم الرعاية , والسقاية , والاهتمام دون كلل , ولا ملل , واضعين نصب أعينكم قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: (فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) أخرجه البخاري (2942) .
فبقاؤه معكم في البيت – مع بذل النصيحة له والعناية به – خير له من التسكع في الشوارع , وعيشة المشرد , والتي قد تؤدي به إلى سوء الخاتمة , بسبب بعده عنكم. وارتكاب أخف المفسدتين ودفع إحداهما بالأخرى , هو الأصل المطلوب.
مع ما في الإحسان إليه من بر الوالدة ورضاها بذلك، فاجتهدوا في دعوته إلى الخير، وحاولوا إشغاله عما هو فيه، وخذوه معكم إلى المسجد شيئاً فشيئاً، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي ضال المسلمين, وينير بصائرهم ,إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/271)
هل يقاطع رحِمه الذين يعملون المعاصي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي مقاطعه أحد الأرحام بسبب تعامله بالربا، ويبيع أراضي لليهود، ومطعمه حرام؟ وهل يجوز طرح السلام عليه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله صلة الأرحام وحرَّم قطيعتها، قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى) النساء/36، وقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) الروم/38، وقال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء/1.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي توجب صلة الأرحام، وتُحرِّم قطيعتها، وقد لعن الله قاطع الرحم؛ قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) محمد/22،23.
فقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب بلا خلاف يُعلم.
ثانياً:
الهجر للمسلم إما أن يكون على أمرٍ من أمور الدنيا، كالشجار بسبب الأولاد، وإما أن يكون بسبب أمرٍ شرعي، كفعل بدعة أو ارتكاب معصية.
فإن كان بسبب أمرٍ دنيوي، فلا يحل الهجر لأكثر من ثلاثة أيام، مع أنه ممنوع أصلاً، وإن كان بسببٍ شرعي فيجوز البقاء على الهجر لأكثر من ذلك، حتى يدع بدعته أو يتوب من معصيته.
وقد يكون الهجر بسبب البدعة أو المعصية، سبباً في أن يزيد في بدعه ومعاصيه، ولا يحقق المصلحة في الهجر؛ فحينئذٍ لا يجوز الهجر؛ لأن الهجر شرع لغاية التأديب والتنفير عن الاستمرار في المخالفة للشرع، فإذا لم يحقق مقصوده فلا يهجر، بل يسلك طرقاً أخرى في الإنكار، كالترغيب والترهيب والموعظة الحسنة أو الهدية، وغير ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وأما هجر التعزير فمثل هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه الثلاثة الذين خُلِّفوا، وهجر عمر والمسلمين لصبيغ، فهذا من نوع العقوبات، فإذا كان يحصل بهذا الهجر حصول معروف أو اندفاع منكر: فهي [يعني: عقوبة الهجر] مشروعة، وإن كان يحصل بها من الفساد ما يزيد على فساد الذنب، فليست مشروعة.
" مجموع الفتاوى " (28 / 216، 217) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – وقد سئل عن الموقف ممن يفعل بعض الكبائر -:
من يتهم بهذه المعاصي تجب نصيحته وتحذيره منها ومن عواقبها السيئة، وأنها من أسباب مرض القلوب وقسوتها وموتها، أما من أظهرها وجاهر بها: فالواجب أن يُقام عليه حدُّها، وأن يُرفع أمره إلى ولاة الأمور، ولا تجوز صحبتهم، ولا مجالستهم، بل يجب هجرهم لعل الله يهديهم ويمنُّ عليهم بالتوبة، إلا أن يكون الهجر يزيدهم شرّاً: فالواجب الإنكار عليهم دائماً بالأسلوب الحسن والنصائح المستمرة حتى يهديهم الله، ولا يجوز اتخاذهم أصحاباً، بل يجب أن يستمر في الإنكار عليهم وتحذيرهم من أعمالهم القبيحة.
" فتاوى إسلامية " (4 / 520) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
فإن كان في الهجر مصلحة أو زوال مفسدة بحيث يكون رادعاً لغير العاصي عن المعصية، أو موجباً لإقلاع العاصي عن معصيته، كان الهجر حينئذٍ جائزاً، بل مطلوباً طلباً لازماً، أو مرغباً فيه، حسب عظم المعصية التي هجر من أجلها ... .
أما اليوم فإن كثيراً من أهل المعاصي لا يزيدهم الهجر إلاّ مكابرة وتمادياً في معصيتهم، ونفوراً وتنفيراً عن أهل العلم والإيمان؛ فلا يكون في هجرهم فائدة لهم ولا لغيرهم.
وعلى هذا فنقول:
الهجر دواء يستعمل حيث كان فيه الشفاء، وأما إذا لم يكن فيه شفاء، أو كان فيه إشفاء - وهو الهلاك -: فلا يستعمل.
فأحوال الهجر ثلاث:
إما أن تترجح مصلحته: فيكون مطلوباً.
وإما أن تترجح مفسدته: فينهى عنه بلا شك.
وإما أن لا يترجح هذا ولا هذا: فالأقرب النهي عنه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة) .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3 / السؤال رقم 385) .
وقال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -:
هجر المؤمن لا يجوز فوق ثلاثة أيام إذا كان على أمر من أمور الدنيا، بل عليه أن يصالح أخاه وأن يُسلِّم عليه إذا لقيه، ومع أنه لا ينبغي ابتداءاً أن يهجر على أمر من أمور الدنيا، ولكن لو حصل شيء من الهجر: فإنه لا يتجاوز ثلاثة أيام، وهذا هو المراد بالحديث: (لا يَحِلُّ لمؤمن أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاث) يعني: إذا كان الهجر على أمر من أمور الدنيا.
أما إذا كان الهجر لأجل معصية ارتكبها ذلك المهجور، وكانت هذه المعصية من كبائر الذنوب، ولم يتركها: فإنه يجب مناصحته وتخويفه بالله عز وجل، وإذا لم يمتنع عن فعل المعصية ولم يتب: فإنه يُهجَر؛ لأن في الهجر تعزيراً له وردعًا له لعله يتوب؛ إلا إذا كان في هجره محذور؛ بأن يُخشى أن يزيدَ في المعصية وأن يترتب على الهجر مفسدة أكبر؛ فإنه لا يجوز هجره في هذه الحالة؛ فهجر العاصي إنما يجوز إذا كان من ورائه مصلة ولا يترتب عليه مضرة أكبر.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 273، 274) .
ثالثاً:
حكم السلام على صاحب البدعة والمعصية حكم الهجر، والأمر يدور على المصلحة وانتفاع المهجور، فإن كان الهجر يحدث فيه تغييراً للأفضل، فيُلحق السلامُ بالهجر فلا يسلَّم عليه، فإن كان الهجر غير مؤثر فيه: تُرك الهجر وتُرك الامتناع عن السلام.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الهجر إذا كان فيه مصلحة بالنسبة للفاسق: فاهجره، وإلا لا تهجره، لو مررت بشخصٍ يشرب الدخان - والدخان معصية وحرام، والإصرار عليه ينزل صاحبه من مرتبة العدالة إلى مرتبة الفسوق -: سلِّم عليه إذا رأيت أن هجره لا يفيد، سلِّم عليه ربما إذا سلمتَ عليه ووقفت معه وحدثته بأن هذا حرام، وأنه لا يليق بك: ربما يمتثل ويطفئ السيجارة ولا يعود، لكن لو أنك لم تسلِّم عليه، كبر ذلك في نفسه وكرهك وكره ما تأتي به من نصيحة، حتى لو أصر على المعصية: سلِّم عليه وانصحه.
" لقاءات الباب المفتوح " (165 / السؤال رقم 8) .
وانظر للأهمية: جواب السؤال رقم (21878) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/272)
تحصين المجتمعات من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتم إحضار أربعة شهود على الزاني والزانية، في الوقت الحاضر؟ وكيف تتم نصيحة شبابنا المسلم من هذا العمل القبيح؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
يعد العلماء في طرق ثبوت الزنا أربعة طرق:
1- الشهادة. 2- والإقرار. 3- وحمل من لا زوج لها ولا سيد. 4- وإذا تم لعان الزوج ولم تدافعه الزوجة.
ويشترط في الشهود على الزنا أن يكونوا أربعة ممن تجوز شهادتهم، يصفون الزنا بصريح لفظه – وهو أنهم رأوا ذكر الرجل في فرج المرأة -، فإن اكتفى بعضهم بالشهادة برؤيتهما متجردين من اللباس، أو وصفوا هيئة وحركة معينة، فلا يكفي ذلك لثبوت الزنا.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/157) :
" يصفون الزنا بلفظ صريح بأن يقولوا: رأينا ذكره في فرجها. لا بد من هذا، فلو قالوا رأيناه عليها متجردين، فإن ذلك لا يقبل، حتى لو قالوا نشهد بأنه كان منها كما يكون الرجل من امرأته، فإنها لا تكفي الشهادة، لا بد أن يقولوا نشهد أن ذكره في فرجها، وهذا صعب جدا، مثلما قال الرجل الذي شهد عليه في عهد عمر، لو كنت بين الأفخاذ لن تشهد هذه الشهادة. ولهذا ذكر شيخ الإسلام في عهده أنه لم يثبت الزنا عن طريق الشهادة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد شيخ الإسلام ابن تيمية، وإذا لم يثبت من هذا الوقت إلى ذلك الوقت، فكذلك لا نعلم أنه ثبت بطريق الشهادة إلى يومنا هذا؛ لأنه صعب جدا " انتهى.
وليس هذا التشديد في أمر الشهادة على الزنا إلا لتحقيق مقصد أراده الشارع، وهو الستر على العباد، وعدم إشاعة الفاحشة، وتجنيب المجتمعات الاتهام في الأعراض والطعن في الأنساب.
يقول القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن" (5/83) :
" جعل الله الشهادة على الزنا خاصةً أربعةً: تغليظاً على المدَّعِي، وسترا على العباد " انتهى
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" (1/563) :
" (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) أي: هلا جاء الرامون على ما رموا به، (بأربعة شهداء) أي: عدول مرضيين. (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأن الله حرم عليهم التكلم بذلك من دون أربعة شهود، ولهذا قال: (فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) ولم يقل (فأولئك هم الكاذبون) وهذا كله من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه من دون نصاب الشهادة بالصدق " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (839) ، (6926)
ثانيا:
أما تحصين شبابنا ومجتمعاتنا من هذه الفاحشة المهلكة، فلا بد له من عمل عام تقوم عليه الدول والمجتمعات، وتتضافر له جهود الجهات المختلفة، فهي مسؤولية جماعية وليست فردية، ولا يمكن تحقيق سلامة المجتمعات إلا بتكامل الأخذ بالأسباب التي تحفظ من الزنا والولوغ فيه، ومن تلك الأسباب:
1- نشر التوعية العامة بعظم إثم الزنا، وأنه من الكبائر التي اتفق العقل والشرع على قبحه وشناعته وتحريمه، وبيان أنه سبب لهلاك الأمم وحلول المصائب والكوارث في الدنيا، وأن جزاءه النار يوم القيامة.
قال الإمام أحمد: ليس بعد قتل النفس أعظم من الزنا. "غذاء الألباب" (2/435)
يقول الله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) الإسراء/32
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" (1/457) :
" ووصف الله الزنى وقبحه بأنه (كَانَ فَاحِشَةً) أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفِطَر؛ لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد. وقوله: (وَسَاءَ سَبِيلا) أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم " انتهى.
2- توعية الشباب بالآثار السيئة المترتبة على انتشار هذه الفاحشة، والتي يتهدد استقرار الأسر والمجتمعات، كانتشار الأمراض القاتلة، وظهور أولاد الحرام، وانهيار التكوين الأسري، وتشرد الأبناء، وتلقيهم السلوكات السيئة، وارتفاع معدلات الطلاق، وانتشار الجريمة، وغير ذلك، وهي آثار تعيشها المجتمعات التي تنتشر فيها الإباحية في أسوأ صورها، مما ينذر بانحلال مجتمعاتهم، وسقوط حضارتهم.
3- العمل على تيسير الطريق الشرعي للعلاقات الجنسية، بالزواج الحلال الطيب، وذلك بالترغيب فيه وبيان ندب الشريعة إليه، وأنه من سنن المرسلين، وأن من تزوج فقد استكمل نصف الدين، وأن له أجرا في إعفافه نفسه وزوجه.
4- ومن مسؤولية المجتمع في هذا السبيل إزالة العوائق التي تؤخر الزواج، فتعالج الفقر الذي قد يكون مانعا من الزواج، وتوفر الدعم المادي للشباب الذي لا يملك ما يعف به نفسه، حتى قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32
" زوجوا من لا زوج له منكم، فإنه طريق التعفف " انتهى. (12/239) .
وفي كتاب "الأموال" لأبي عبيد القاسم بن سلام (251) أن عمربن عبد العزيز كتب إلى واليه بالعراق: أن انظر كل بكر وليس له مال فشاء أن تزوجه فزوجه وأصدق عنه.
ويقول ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/587) :
" يلزم الرجل إعفاف ابنه إذا احتاج إلى النكاح، وهذا ظاهر مذهب الشافعي " انتهى.
5- وأدنى ما يمكن أن يتحمله المجتمع والآباء تجاه هذه المسألة المهمة ترك المغالاة في المهور، أو التفاخر والمباهاة بتكاليف الزواج، أو السعي إلى التكسب منها.
خطب عمر بن الخطاب على المنبر فقال:
(أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ – أي مهورهن - فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً) رواه أبو داود (2106) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولا يختلف المصلحون في أن استغلال الآباء مهور البنات كان واحدا من أسباب انتشار الفساد والرذيلة في المجتمعات.
يقول وول ديورانت وهو يحكي أسباب انتشار الرذيلة في بعض المجتمعات الغربية في فترة من التاريخ في كتاب "مباهج الفلسفة" (127-128) :
" ولا نزاع في أن ذلك يرجع إلى حد ما إلى ما كان يقتضيه الآباء المغرمون ببناتهم من مهر غال ثمنا لعفتهن، وقت أن كان الزواج يشترى صراحة " انتهى.
6- ومن أهم ما يقي المجتمعات رذيلة الزنا إشاعة جو المحبة والمودة بين الأزواج، والحرص على سعادة الأسرة بالحب والاحترام والصدق والوفاء وأداء الحقوق والواجبات، فإن الأسرة السعيدة والزوجين المتفاهمين المتآلفين وقاءٌ للمجتمع من الانحراف والسقوط في الفواحش بحثا عن سعادة موهومة.
7- وأخيرا لا بد من العمل على تهيئة المناخ المحافظ الملتزم المتعلق بالله سبحانه وتعالى، والذي تختفي فيه مظاهر التبرج والسفور، وتستر فيه العورات، وتمنع فيه الخمور والمعازف التي هي رقية الزنا، فإن هذه الأمور هي الوقود التي تشعل نار الفاحشة، فإذا تخلص المجتمع منها فقد أمِن من النار.
ويمكن الاستفادة بأجوبة الأسئلة الآتية المنشورة في موقعنا (20161) ، (3234) .
ومن الكتب المفيدة في هذا الموضوع كتاب " التدابير الواقية من الزن ا" تأليف د فضل إلهي فيمكن الاستفادة منه والرجوع إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/273)
هل يمشي مع أخته المتبرجة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخت متبرجة، وأنا لا أمشي معها في الطرقات، وهذا مما قد يسبب غضب أمي، فأريد أعرف مدى حدود تعاملي معها؟ هل يوجد جدول سنوي مقترح بالأيام والساعات وأسماء الكتب، علما بأني قد اطلعت على إجابات فضيلتك، فوجدت أسماء الكتب؟ ما هو أسهل أسلوب للقراءة وترويض النفس للصبر عليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن تنصح لأختك، وتبين لها حكم الحجاب وحرمة التبرج، لعل الله تعالى أن يهديها ويشرح صدرها للحق.
والمهم أن تتحلى بالحكمة والصبر، وأن يظهر في دعوتك ما تكنّه لها من المحبة والرحمة والشفقة، وأن تختار الأسلوب المناسب والوقت المناسب لذلك، ولعلك أن تستعين بشيء من الكتب أو الأشرطة التي ترغبها في الحجاب، وتكشف لها ما قد يرد عليها من شبهات.
وأما الخروج معها إلى الطرقات وهي متبرجة، فلا يجوز إلا لضرورة، لأن خروجها كذلك منكر لا يجوز إعانتها عليه؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2
وينبغي أن تنصح لوالديك، وتبين لهما حرمة خروج الفتاة إلى الشارع متبرجة، وأنهما مسئولان عن ذلك، كما قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (893) ومسلم (1829) .
وليس من البر بالوالدين طاعتهما في التبرج، أو في الخروج مع المتبرجة؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ثانيا:
لا يوجد جدول سنوي مقترح لتنظيم القراءة، ولكن يرجع ذلك إلى كل إنسان بحسب شغله وفراغه، ومدى استيعابه، وغير ذلك من العوامل، والمهم أن تنظم وقتك، وأن يكون لديك همة وحرص على تحصيل العلم، وزيادة المعرفة، مع الاستعانة ببعض الشيوخ في ترتيب الأولويات في القراءة، وحل المشكل، وتوضيح الغامض.
فإن لم يتيسر لك أحد من الشيوخ الذين يحمل عنهم العلم، فيمكنك أن تستعين بالأشرطة العلمية التي تتولى شرح الكتب، في فنون مختلفة، مع الاستعانة بأحد إخوانك الصالحين، يذاكر معك وتذاكر معه، والانتظام بمواعيد ثابتة في حضور الدرس، أو المذاكرة، من أعظم أسباب البركة والتحصيل.
ثالثا:
قراءة الكتب تحتاج إلى وعي وبصيرة وحسن اختيار، كما تحتاج إلى وسائل تعين على الاستمرار والإنجاز، وننصحك في هذه الخصوص بقراءة كتاب: "كيف تقرأ كتابا"، وتجده على هذا الرابط مقروءا ومسموعا:
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=audioinfo&audioid=102290
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/274)
تأتيها في الصلاة وساوس تتعلق بالأمور الجنسية
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة لديها وسوسة في الصلاة وتفكر دائما في الأمور الجنسية أثناء الصلاة. فكيف تتخلص من هذه الوساوس. وهل تقطع الصلاة في كل مرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الوسوسة نوع من المرض ينشأ عن تسلط الشيطان على الإنسان، أو غلبة النفس الأمارة بالسوء، ولهذا فعلاجها يكون بتقوية الإيمان، وإضعاف موارد الشيطان، والإكثار من الطاعة والإنابة، والذكر والتسبيح والاستغفار، والفزع إلى الصلاة، واللجوء إلى الله تعالى والتضرع إليه، ليكشف السوء، ويرفع الضر، وهو سبحانه نعم المجيب، وهو أرحم بالعبد من نفسه، قال تعالى: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62، وقال سبحانه: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) الأنبياء/83، 84
وكثير ممن هو مبتلى بالوسوسة تجده مفرطا في الأذكار المشروعة في الصباح والمساء، وعند النوم، والدخول والخروج، والطعام والشراب، وهذا يزيد من تسلط الشيطان عليه، وإرهاقه بالأفكار السيئة والخواطر الرديئة؛ ليزيده هما وحزنا.
ثانيا:
من أنفع الوسائل في علاج الوسوسة: الإعراض عنها ومجاهدة النفس على عدم الالتفات إليها، حتى تذهب بالكلية. سئل ابن حجر المكي رحمه الله: " عن داء الوسوسة هل له دواء؟
فأجاب: له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون , وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم , كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها) انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/149) .
ثالثا:
ينبغي أن يعلم المبتلى بالوسوسة أنه غير مؤاخذ على ما يجول في خاطره من أفكار مهما كانت سيئة، سواء جاءته في الصلاة أو خارجها، ما دام كارها لها راغبا في زوالها، وقد دل على ذلك: ما روى مسلم (132) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قَالَ وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ.
أي كراهة ذلك والنفرة منه، تدل على وجود الإيمان في القلب.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
" يخطر ببال الإنسان وساوس وخواطر وخصوصا في مجال التوحيد والإيمان، فهل المسلم يؤاخذ بهذا الأمر؟ .
فأجاب: قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه قال: " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " – متفق عليه - وثبت أن الصحابة رضي الله عنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عما يخطر لهم من هذه الوساوس والمشار إليها في السؤال، فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله: " ذاك صريح الإيمان " – رواه مسلم - وقال عليه الصلاة والسلام: " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسله " – متفق عليه -، وفي رواية أخرى " فليستعذ بالله ولينته " رواه مسلم في صحيحه " انتهى من "تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام " السؤال العاشر.
وإذا كان الأمر كذلك فالحذر الحذر من استماع وساوس الشيطان في ترك العبادة، لأجل ما يخطر على البال فيها من أمور محرمة، بل على الإنسان أن يستمر في صلاته، مهما خطر له، ولا يقطعها ولا يعدها، بل يجاهد نفسه على تجاهل هذه الأفكار، وستذهب عنه بإذن الله تعالى.
انظر: السؤال رقم (25778) .
على أننا ننبه هنا إلى أنه من الواجب عليها أن تبتعد عما يثير في نفسها تلك الوساوس والخيالات الفاسدة؛ مثل أن تكون تشاهد الأفلام أو الصور الخليعة التي تستقر في النفوس، وتعمل فيها عملها، ولو بعد حين.
فإن ابتليت بشيء من ذلك، على كره منها، أو كان في نفسها شيء من الرغبة والميل إلى زوجها، فينبغي أن تفرُغ من حاجتها إلى زوجها أولا، وقبل أن تصلي، متى أمكن ذلك، وكان في وقت الفريضة متسع.
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: (مِنْ فِقْهِ الْمَرْءِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ) . رواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (134) وعلقه البخاري في صحيحه.
نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد.
وللتعرّف على أسباب الخشوع في الصلاة راجع رسالة 33 سببا للخشوع في الصلاة في قسم الكتب من هذا الموقع
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اإسلام سؤال وجواب(11/275)
تعرضت للتحرش الجنسي وتركها خطيبها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 19 سنة، نشأت في ظل أسرة علمت أبناءها " لا إله إلا الله محمد رسول الله " منذ النشأة ورسخت مبادئ الدين في عقولهم وركائز الإسلام في قلوبهم والحمد والشكر لله عز وجل.
تعرضت وأنا بنت 16 سنة إلى اعتداء جنسي تكرر 8 مرات من طرف شخص يقرب عائلتي، لم يكتفِ بفعلته بل تسرب كابوسه إلى حياتي كلها، فأصبح يظهر لي في كل الوجوه، ذلك بعد أن مرت فترة دفنتُ فيها هذه الذكرى المحزنة بمساعدة خطيبي بعد الله تعالى، الذي أخبرته عن كل ما وقع معي وبالتفصيل الممل؛ ذلك لأنه علم بالأمر من أشخاص لا أعرفهم لحد الآن، والذين أمدوه برقم الهاتف الخاص الذي يخص ذلك الشخص فاتصل به ولم يتفانى هذا الأخير في إعطائه معلومات خاطئة ولا تمت للحقيقة بصلة، فحينها عندما أخبرني بالأمر، لم يكن بوسعي سوى التفسير، حينها تفهم خطيبي الوضع، وحاول تنسيته لي، بعدها وقع خلاف بيننا فاقترحت البعد فترة حتى نهدأ جميعاً، وحتى نصل إلى الحل الأمثل، لكنني فوجئت بردة فعله ألا وهي الفراق، حاولت معرفة السبب فإذا بما دفن يقوم ليؤكد لي ضعفي وضعف شخصيتي وقلة عقلي وينتصر عليَّ فيدمر حياتي، وهذا هو ما صبا إليه ذلك الشخص، حاولت - سيدي الفاضل - تسوية المسألة إلا أنه صمم على أن أستشير أحد الأساتذة والدعاة وأصحاب الدين في مسألتي وأن أطلب منهم الأجر والثواب الذي سينتظره، وماذا عليه القيام به، خصوصا وأن فكرة الانتقام لا تفارق خياله، كما أرجو أن تدعم لي بقصة حصلت قبل هذا الوقت، وأسألك بدوري ماذا عساني أن أفعل؟ فلا أحد يصدق أني بريئة مما حصل لي غيره سبحانه، فما أشكو بثي وحزني إلا لله هو العلام الخبير، مع العلم أني كنت جافة صارمة مع خطيبي خلال الفترة الأخيرة وكنت السبب في معاناته لكنني أدركت خطئي وأريد التكفير عنه، فماذا عساني أن أفعل؟ .
وأخيراً: أطلب منك العذر والمسامحة، كما أتمنى أن تجيبني في أقرب وقت، وجزاك الله عني كل خير.
معلومة: قد تسألني لماذا لم أخبر أسرتي خصوصا وأن الأمر تكرر 8 مرات لكن ما أريد قوله أنه كان الخوف والخوف من الفضيحة خصوصا أنه كان يضربني ويهددني وأن باب الحوار داخل أسرتي كان شبه مقفل في هذه الأمور.
أرجوا أن تفهمني وتتفهمني وجزاك الله عني كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يجبر كسرك، ويفرج همك، فمآسي التحرش كثيرة، وآثاره على النفس عظيمة، ونسأل الله تعالى أن يهلك هؤلاء المتحرشين والذين لا يردعهم دين ولا عقل ولا فطرة، فقد استهانوا بدينهم، ولوثوا عقولهم، ونكَّسوا فطرتهم.
وإن كان منا عجب فهو أنه قد تحرش بك ذلك المجرم في سن ال 16! وهي سن كبيرة تستطيعين فيها الصراخ والدفاع عن النفس، وخاصة أنه قد تكرر فعله معك عدة مرات، وكان بإمكانك قطع الطريق عليه – أيضاً – بإخبار أهلك، ومهما بلغت القطيعة بين أفراد الأسرة فإنهم لا يتساهلون في هذه الحوادث، وفي ظننا أن المجرم المتحرش قد أوصل هذه الرسالة لخطيبك، وأخبره برضاك عن فعله، وهو الذي جعله يتغير من جهتك.
ونحن نصدقك في أنك كنتِ مكرهة، ولم تستطيعي النجاة من أفعاله والخلاص من شروره، ونريد أن نقف معك في محنتك هذه فنقول لك ِ:
هذا هو قدر الله تعالى لك، وقد عانت نساء مسلمات عفيفات كثر في سجون بلاد المسلمين والكفار من التحرش والاغتصاب على يد فسقة المسلمين والكفار الشيء الكثير، وإن القلب ليتفطر بسماع قصصهم وحكاياتهم ويود لو أنه مات قبل أن يسمع شيئا منها.
وعزاؤنا أن الله تعالى سينتقم من أولئك المجرمين، وأن الله تعالى سيكتب الأجر والثواب لأخواتنا، لكن يجب عليهن احتساب هذه المصيبة، ويجب عليهن أن يصبرن على ما قدَّر الله تعالى عليهن وقضى، ولا يجوز لهن الانتحار وقتل أنفسهن؛ فهذه جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب، ولا نقول إن الأمر يسير على المرأة المتحرَّش بها، بل هو أمر عظيم، وآثاره على المتحرش بها خطيرة، فبعضهن أصابتها الأمراض النفسية، وبعضهن انتحرن أو فكَّرن في الانتحار، وبعضهن سلكن سبيل الانحراف والعلاقات المحرَّمة مع الأجانب، وبعضهن أصابهن الاكتئاب والنفور من زوجها، لذا لا بدَّ للمرأة المتحرَّش بها أن تحتسب ما جرى لها وأن تصبر على آثاره، وأن تزود نفسها بالطاعة والإيمان ليكرمها الله تعالى بصفاء القلب وراحة البال.
ثانياً:
وقد أخطأ من أخبر خطيبك بما حصل معك، والواجب على هؤلاء التوبة والاستغفار؛ لأنه لا يحل لهم أن يجعلوا أعراض الناس فاكهة مجالسهم، ولا أن يوقعوا بين الناس، ولا أن يتسببوا في الضرر لهم، وكان الواجب عليهم الستر وعدم نشر الأمر بين الناس، وليعلموا أن عندهم أخوات وبنات وهم – بالتأكيد – لا يسرهم أن يفعل الناس فعلهم بمن ابتليت بتلك المصيبة.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُوَيْمِرًا أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عَجْلَانَ فَقَالَ: (كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَتَى عَاصِمٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ فَسَأَلَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا!!..)
رواه البخاري (4745) ومسلم (14929)
قال النووي رحمه الله: قَوْله: (فَكَرِهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِل وَعَابَهَا) الْمُرَاد كَرَاهَة الْمَسَائِل الَّتِي لَا يُحْتَاج إِلَيْهَا لَا سِيَّمَا مَا كَانَ فِيهِ هَتْك سِتْر مُسْلِم أَوْ مُسْلِمَة أَوْ إِشَاعَة فَاحِشَة أَوْ شَنَاعَة عَلَى مُسْلِم أَوْ مُسْلِمَة
ثالثاً:
ولستِ ملزمة بالبوح بهذا السر لأحد، حتى لو جاء ليخطبك، فقلوب الناس ضعيفة، والشبَه خطّافة، ولا يكاد يجد المسلم رجلاً يثق بدينه ورجاحة عقله أن يستر أمراً مثل هذا، أو يتجاوزه فلا يعيرها به.
وبما أن خطيبك قد تصرف معك مثل هذا التصرف ورغب في الفراق: فإنه يدل على تأثره بكلام ذلك المجرم، ويكون قد كوَّن في ذهنه صورة قاتمة للحياة معكِ، فالذي ننصحك به: هو البعد عنه بالكلية، وعدم إتمام الزواج؛ لأنه لا يُؤمَن أن يكون له تأثير على حياتكما بعد ذلك.
واستخيري الله تعالى في هذا الفراق وفي دعاء الاستخارة دعاء الله تعالى أن يصرفك عن الزواج به إن كان الزواج شرّاً لك في دينك ودنياك، ويصرفه عنكِ، وفيه دعاء الله تعالى أن يقدِّر لك الخير كان ثم يرضيك به.
فاحرصي على الاستخارة، وانظري تفصيلاً حولها في جواب السؤال (11981) .
فإن أراد خطيبك التراجع عن الفراق: فليعلم أن أجره عند الله عظيم عندما يقوم بالستر على من عرف حالها في أمرٍ لم يكن لها فيه يدٌ، لكن يجب أن يكون هذا عن اقتناع منه كامل، ولا ينبغي أن يكون لنزوة عاطفة سرعان ما تزول، فإذا أراد الرجوع والزواج: فلا يحل له تعييرك ولا لومك فيما حصل لكِ، بل يحتسب سكوته وصبره راجياً الثواب من الله تعالى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/276)
تظهر زينتها أمام إخوة زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هو: زوجة أخي لا تستحي أو تخجل من إخوتي، تظهر أمامهم بحركات ولباس لا يليق بها، وهي سيئة الخلق معنا نحن أخوات زوجها، تتعامل معنا بوقاحة، ومع إخوتي الرجال بلطف ولين ودلع، وتغريهم بحركاتها وكلامها، حتى إن أحد إخواني بدأ ينتقد زوجته على كل شيء، وحوَّل حياتها إلى جحيم بسبب زوجة أخي هذه، حاولنا أن نعلمها أو نصلحها دون فائدة، قلنا لزوجها بما تفعله من حركات وكيف علاقتها بنا، وهو لا يعلم عنها كل شيء؛ لأنه يقضى معظم وقته في العمل، كل الأهل يعرفون أنها سيئة الخلق، وأخي أحياناً يضربها على أفعالها، ولكنه متمسك بها بإصرار من والدتي، لا يريد طلاقها، فما هو الحل معها؟ وكيف يمكن التعامل معها؟ وهل أترك المنكر هذا ولا أهتم به؟ فكرت أن أسعى لتزويج أخي بامرأة أخرى صالحة، أرجو منكم إفادتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله تعالى على المسلمين نصح بعضهم بعضاً، وأوجب على من نُصح بالحق أن يستجيب لأمر الله تعالى، وأن يكف عن القبائح التي يرتكبها، لذا فإن عليكم واجب النصح:
1. لزوجة أخيكم أن تكف عن فعل ما حرَّمه الله عليها من الكشف عن شيء من جسمها أمام إخوة زوجها، ومن التكسر في كلامها، وأفعالها ومن الإساءة لكُنَّ.
2. ولأخيكم نفسِه أن يَمنع زوجته من مخالطة الرجال الأجانب، وأن يمنعها من الإساءة لأخواته، وأن ينتبه للشرور التي يمكن أن تُحدثها في البيت من التفرقة بين إخوته ونسائهم.
3. وعلى والديكم أن يكون لهم موقف من أفعال زوجة ابنهم.
4. وعلى إخوة الزوج أن لا يجلسوا مع زوجة أخيهم، ولا يستمعوا لكلامها، وأن يحذروا أن تكون سبباً للفرقة بين الأسرة الواحدة، والفرقة بينهم وبين نسائهم.
ثانياً:
ويجب عليها أن تعلم حدود الله تعالى فتقف عندها، وواجب على زوجها – كذلك – أن يعلم أن زوجته من رعيته التي أوجب الشرع عليه أن يقوم برعايتها، وليعلم أنه مسئول يوم القيامة عنها وعن أفعالها.
ومما يوجبه الإسلام عليها:
1. أن تحافظ على حيائها، وعفتها، وتغض بصرها عما حرَّم الله عليها.
قال الله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب من الرجال بشهوة.
" مجموع الفتاوى " (15 / 396) .
2. المحافظة على حجابها الكامل أمام الرجال الأجانب، ولتعلم أن إخوة زوجها منهم، بل يجب أن تحتاط في لباسها وزينتها وكلامها أمامهم أكثر من غيرهم، وفي الآية السابقة من سورة النور بيان من يجوز لهم إظهار زينتها أمامهم.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) .
وانظري شرح الإمام النووي لهذا الحديث في جواب السؤال (12837) .
3. أن تلتزم أحكام الشرع في كلامها مع الأجانب، وفي مشيتها، فلا يكون في كلامها ولا أفعالها ميوعة وتكسر، قال تعالى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الأحزاب/ من الآية 32.
4. تجنب وضع الطيب الذي يجد ريحه الأجانب.
فعَنْ أَبي مُوسى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ) .
رواه الترمذي (2786) وأبو داود (4173) والنسائي (5126) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود "
5. تمتنع عن الخلوة بأحدٍ من إخوة زوجها، كما تمتنع عن الاختلاط بهم.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) ، رواه البخاري (1763) ومسلم (1341) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز للمرأة أن تجلس مع أقارب زوجها وهي محجبة حجاب السنَّة؟
فأجاب:
" يجوز للمرأة أن تجلس مع إخوة زوجها أو بني عمها أو نحوهم إذا كانت محجبة الحجاب الشرعي، وذلك بستر وجهها وشعرها وبقية بدنها؛ لأنها عورة وفتنة، إذا كان الجلوس المذكور ليس فيه ريبة، أما الجلوس الذي فيه تهمة لها بالشر: فلا يجوز، وهكذا الجلوس معهم لسماع الغناء وآلات اللهو ونحو ذلك.
ولا يجوز لها الخلوة بواحد منهم أو غيرهم ممن ليس محرماً لها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم) متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما) أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه " انتهى.
" فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 422، 423) .
ويجب على الزوج أن يقف على هذه الأوامر والنواهي، وأن يعلم أنه مسئول عن زوجته، فيجب عليه نصحها وتوجيهها للخير، وهدايتُها أحب إلينا من تسريحها وتطليقها.
كما يجب على الوالدين أن يكون لهما موقف حازم تجاه هذه المسألة، وعلى الأم أن تقف مع الحق والصواب، ولا تقدم عاطفتها على الشرع والعقل، وعليها أن تعلم أن استمرار زوجة ابنها بتلك التصرفات معناه تخريب بيوت أبنائها، وها هي بوادر ذلك واضحة كما جاء في السؤال.
كما يجب على إخوة الزوج أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم، وأن يكتفوا بالحلال الذي رزقهم الله إياه، ويجب عليهم نصح أخيهم والأخذ على يده ويد زوجته لئلا تفسد علاقتهم بنسائهم، وعليهم المحافظة على غض البصر، وترك الجلسات المختلطة.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/277)
ليس لديه عمل فهل يقيم مع عمته المتزوجة من نصراني
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم، وظروفي المعيشية قاسية جدا، والحمد لله، فليس لدي عمل، وأنا متزوج ولدي طفلة، وأعيش مع والدي بالتبني، وعمتي متزوجة برجل نصراني، وهي التي تعولنا، وتريد أن نعيش معها في بيت واحد، وتعلمون طامات النصارى من خمر وهلم جرا، فسؤالي هو كالتالي هل أعيش معها وأؤكد على أني لا أستطيع في الوقت الراهن فتح بيت مستقل، سؤالي الثاني هو أني الآن ابنهم بالتبني وأريد معرفة حكم الشرع في هذا الأمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويفرج كربك، ويرزقك من فضله.
ثانيا:
إن كان المقصود بالتبني نسبتك إلى الشخص المتبني بحيث تأخذ حكم ولده، في المحرمية والإرث وغير ذلك، فهذا هو التبني المحرم الذي أبطله الإسلام.
وإن كان المقصود به الكفالة والرعاية والإحسان، من غير إلحاق بالنسب، فهذا لا حرج فيه، بل هو أمر محمود يرجى لفاعله الأجر والثواب. [راجع السؤال رقم (10010) ]
ولا يخفى أنك في حكم الشرع أجنبي عن هذا البيت، فليس لك أن تخلو بأخت المتبني ولا بزوجته ولا ببنت من بناته، ولا حق لك في إرث واحد منهم، وليس لزوجتك أن تكشف على المتبني، ولا أن يخلو بها؛ لأنه ليس أبا لك شرعا.
ثالثا:
لا يجوز للمسلمة أن تتزوج من كافر، يهودي أو نصراني أو غيره؛ لقوله تعالى: (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) البقرة/221.
وقال: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الممتحنة/10.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وقد اتفق المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم , ولا يتزوج الكافر المسلمة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/130) .
فهذا الذي ارتكبته أخت المتبني بزواجها من النصراني منكر عظيم، وهو نكاح باطل، يجب فسخه، ولا يحل لها البقاء مع هذا الزوج بحال من الأحوال، كما يجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى، وتتضرع إليه أن يغفر لها ويصفح عنها.
وعيشك معها في وجود زوجها المذكور لا يجوز؛ لما فيه السكوت على هذا المنكر العظيم، إضافة إلى ما ذكرت من شربه الخمر.
وهذا كله مع اعتبار أن هذه المرأة ليست عمتك على الحقيقة، فلا يجوز لك ن تدخل عليها، أو أن تخلو بها، فضلا عن أن تعيش معها في بيت واحد!!
رابعا:
ينبغي أن تبحث عن عمل مباح تكسب منه ما تعول به نفسك وأهلك، وأن توقن بأن الرزق من عند الله تعالى، وأن أسباب الرزق كثيرة، وإن غفل عنها الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ) رواه البخاري (1470) ومسلم (1042) .
وليكن لك أسوة في عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقد روى البخاري (2048) عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالا؛ فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي، وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا، فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا!!
قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ؛ هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟
قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعٍ!!
قَالَ: فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ، ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ!!
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَزَوَّجْتَ؟!!)
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَمَنْ؟
قَالَ: امْرَأَةً مِنْ الأَنْصَارِ.
قَالَ: كَمْ سُقْتَ؟
قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ) .
فاستعن بالله تعالى ولا تعجز، وسل الله تعالى أن يغنيك من فضله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/278)
دوافع النجاح وتجاوز الفشل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدافع لدى بعض الناس لمقاومة الفشل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن اسم الفشل، أيها السائل الكريم، كاف لكي ننفر منه، ونسعى للنجاح، بغض النظر عن مكسب مادي يتحصل عليه المرء من نجاحه؛ فالفشل اسم نقص وذم، والنجاح اسم كمال ومدح:
وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ
إن الفشل والنجاح، ثنائية منقطعة متصلة في الوقت نفسه، قد يبدو منها التناقض في أول وهلة، ولكنها في حقيقتها متلاحمة متشابكة في تنظير الفكر، وشواهد التجربة والواقع، وإن كان لكل منهما معرِّفاتُه التي من خلالها نفهم الدوافع التي تحملنا على سلوكها إقبالا أو إحجاما:
فالنجاح سنة في هذا الكون أراد الله تعالى أن تكون غاية كل مؤمن، وخلق الكون كله مسخرا لتحقيق تلك الغاية، فقد أمر سبحانه الإنسان بالإيمان، وطلب منه الالتزام بالعبودية التي لا ينفك عنها، وجعل ذلك غاية الخلق حين قال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56، وعد سبحانه من مات على ذلك الطريق هو الناجح وغيره هو الخاسر: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) آل عمران/185
فالنجاح إذا قصة الحياة، وغاية خلق الله تعالى لهذا الكون، وما أرسلت الرسل، وما أنزلت الكتب إلا لدعوة الناس إلى النجاح الحقيقي عند الله سبحانه، وقد وضع سبحانه من محفزات النجاح في الدنيا والآخرة ما يأخذ بأيدي السالكين إليه، وذلك:
- حين كتب النعيم المقيم الخالد لمن نجح في اختبار الإيمان والعبودية، والتزم طريقهما ومات عليهما: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ. إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ. قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) الحاقة/19-24
- وحين صور القرآن حال أولئك الذين رفضوا سبيل النجاح، وأصروا على سبيل الغواية والفشل، ووصف حالهم يوم تعرض النتائج، ويُعلم الناجح من الخاسر: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ. وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ. يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ. مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ. هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ) الحاقة/25-29
- وحين كتب سبحانه الحياة الطيبة في الدنيا لمن يسلك سبيل النجاح، فقال عز وجل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) النحل/97
قال ابن كثير - رحمه الله -:
" هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت، وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فسرها بالقناعة، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إنها هي السعادة، والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله. " تفسير القرآن العظيم " (4 / 601) .
هذا هو المنهج الذي يعيش وفقه المسلم ويفهم من خلاله الحياة، ومن انطلق من هذا الفهم فإنه لا بد سيقوده إلى النجاح والتفوق في أمور دينه ودنياه، لأن المؤمن يعلم أنه مطالب بإقامة الحق والعدل في هذه الدنيا لقول الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) الحديد/25، ونجاح الفرد جزء من نجاح الأمة في تحقيق العدل والقسط.
ولأن المؤمن يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلًا أَن يُتقِنَهُ) رواه أبو يعلى (7 / 349) وحسنه الألباني بشواهده في " السلسلة الصحيحة " (1113) ، وإتقان العمل ركن من أركان النجاح.
هذه الدوافع كلها هي التي تحفز المؤمن لبلوغ أقصى درجات النجاح، فهو يسعى دائما في تنمية مواهبه، واكتساب المهارات النافعة، وتطوير ذاته على المستوى الثقافي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي، ويعلم أن المؤمن العامل الناجح خير من القاعد المحبط الكسول، الذي لا يجني من كسله سوى خسارة الدنيا والدين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) . رواه مسلم (2664) .
قال ابن القيم رحمه الله: " فتضمن هذا الحديث الشريف أصولا عظيمة من أصول الإيمان..، ومنها:
أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع ... ، ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه أمره أن يستعين به، ليجتمع له مقام إياك نعبد وإياك نستعين، فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله، ولا تتم إلا بمعونته؛ فأمره بأن يعبده وأن يستعين به.
ثم قال: (ولا تعجز) ؛ فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه، وينافي استعانته بالله، فالحريص على ما ينفعه، المستعين بالله، ضد العاجز؛ فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده، ومصدرها منه، ومردها إليه؛ فإن فاته ما لم يُقَدَّرْ له، فله حالتان: حالة عجز، وهي مفتاح عمل الشيطان؛ فيلقيه العجز إلى لو، ولا فائدة في لو ههنا، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن، وذلك كله من عمل الشيطان، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح، وأمره بالحالة الثانية، وهي: النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قدر له لم يفت ولم يغلبه عليه أحد؛ ... فلهذا قال: (فإن غلبك أمر فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل) ، فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين: حالة حصول مطلوبة، وحالة فواته، فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا "
شفاء العليل (37-38) .
وهو بهذا الفكر يتجاوز كل عقبة وكل فشل، لا يعجزه شيء، وليس لأمانيه حدود، وليس لهمته وعزيمته نهاية.
بل يعلم أن الفشل إنما هو دليل على العمل، لأن الذي يعمل هو الذي قد يفشل، وأما القاعد المتكاسل فلا يصيب فشلا ولا نجاحا، والعمل لا بد أن يثمر النجاح يوما ولو بعد حين، فهو لذلك يتخذ من الفشل خطوة نحو النجاح، يتنبه به على مواطن الخلل والنقص، ويحاول تجاوزها وإصلاحها، فيعود أقوى وأصلب مما كان عليه من قبل، حتى يصيب النجاح الذي يسعى إليه.
وما باب التوبة الذي فتحه الله تعالى للذين يخطئون ويفشلون إلا حافز آخر لتجاوز مراحل الفشل إلى مراقي النجاح، خاصة إذا استفاد المقصر من تجربته، حتى قال بعض السلف: " معصية تورث ذلا وانكسارا خير من طاعة تورث عجبا واستكبارا ".
وأخيراً، ومع كل هذه الحوافز والدوافع نحو النجاح وتجاوز الفشل لا يبقى عذر لقاعد أو متكاسل أو محبط، فالسبيل ميسر، إنما يَطلُبُ منك شيئا من العزيمة والإرادة والحكمة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى) رواه البخاري (7280) .
وانظر جواب السؤال رقم (22704) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/279)
هل يتزوج من تطلقت لأجله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متزوج منذ 13 سنة، وعندي ثلاثة أولاد، منذ حوالي سنتين وأنا منفصل عن فراش زوجتي، علاوة على أن زوجتي أصبحت سمينة جدّاً، ولا تهتم بنفسها!!
تعرفت منذ سنة ونصف على امرأة متزوجة، ووقعت هذه المرأة في حبي الشديد، لدرجة أنها تركت زوجها وطفلتيها وتطلقت، منذ طلاقها وهي ملتصقة بي التصاقاً شديداً، حتى إنها قدمت من بلدها لتزورني هنا وتقيم معي لعدة أيام (عائلتي موجودة في بلد آخر) ، تتصل بي يوميّاً وعن طريق الإيميل، اتفقنا مرات كثيرة على الزواج، ولكنني أتراجع في كل مرة خوفا على أولادي وبيتي من الهدم، ولكن بنفس الوقت فأنا أشفق عليها جدّاً؛ لأنها ضحت بحياتها وبناتها من أجل سعادتنا معا (رغم أنني لم أطلب منها الطلاق) ، أريد أن أتزوج هذه المرأة، ولكنني بنفس الوقت لا أستطيع نسيان أنها كانت زوجة لرجل قبلي وكانت تمارس معه الجنس، أنا الآن ملتزم دينيّاً منذ رمضان، ولا أفوِّت أي فرض صلاة في المسجد، وأقرأ القرآن، وأتصدق، وأخلاقي أصبحت ممتازة مقارنة بما كانت عليه، وأيضا هي أصبحت ممتازة جدّاً، أخاف من الله أن أكون قد تسببت بهدم حياتها الأولى، وأريد أن أعيش معها كزوجة ثانية، ولكني أخاف على بيتي وأولادي من الهدم، وأخاف أن لا أنسى زواجها الأول
أرجوكم أرشدوني، فتأنيب الضمير يقتلني، ويفسد علي عبادتي، علما أنني قادر ماديّاً على الزواج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عجيب أمر تلك النفوس التي تأبى إلا سلوك سبيل الردى والهلاك.
وغريب حال تلك النفوس التي تتخبط في كل واد في سبيل تحصيل لذة فانية، أو سعادة متوهمة.
فمن رزقه الله سبحانه بيتا وأولاداً؛ ثم لا يقنع بعد ذلك إلا بإفساد بيوت الناس وهدم سعادتهم، فليت شعري؛ عن أي سعادة يبحث، وفي أي سبل الأهواء يسير؟!
ثم ها أنت ذا، أيها السائل الكريم، لم تعد ترى من زوجك وأم أولادك إلا أنها أصبحت سمينة جدا، ولا تهتم بنفسها!!
فيا عجبا كل العجب، من الشيطان حين يزين للإنسان ما حرم الله عليه، ويصده عما أحله الله له بكل سبيل!!
ولمن تعتني زوجك بنفسها، وأنت قد هجرت فراشها من زمن طويل، ثم لم تكتف بذلك حتى صرت تسكن ببلد، وزوجك وأولادك ببلد آخر؟!!
أهكذا تكون البيوت؟!! أم هكذا يكون قيامك بشأن أسرتك ورعيتك التي استرعاك الله عليها؟!!
وإذا قدر أن رجلا لم تكفه زوجته الأولى، أو قصرت في بعض شأنه، فقد أوسع الله علينا – نحن المسلمين – فأباح لنا أربعا من الزوجات، تقوم الواحدة منهن بإكمال نقص الأخرى، في مقابل قيام الزوج على أمورهن وأمور أبنائهن والعدل بينهن.
فسد حاجة النفس لا يكون بالنظر إلى ما من الله به على بعض الناس، أو فضلهم به علينا، من زوجة أو أولاد أو أموال: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) النساء/32.
وإذا كان الله تعالى قد من الله علينا من الحلال بما فيه الكفاية، فما حاجتنا إلى سبل الغواية في إعفاف النفس وسد حاجاتها؛ اللهم إلا أن يكون كل هم المرء أن يجري خلف الشهوات المسعورة؟!!
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ) . رواه أبو داود (2175) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وروى أبو داود (5170) – أيضاً - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ عبد العظيم آبادي – رحمه الله -:
(مَن خبَّب) : بتشديد الباء الأولى، أي: خدع وأفسد.
(امرأة على زوجها) : بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته، أو محاسن أجنبي عندها.
" عون المعبود " (6 / 159) .
وقال:
(مَنْ خَبَّب زوجة امرئ) : أي خدعها وأفسدها أو حسن إليها الطلاق ليتزوجها أو يزوجها لغيره أو غير ذلك.
" عون المعبود " (14 / 52) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عن إمام المسلمين: خبب امرأة على زوجها حتى فارقته وصار يخلو بها، فهل يُصَلَّى خلفه؟ وما حكمه؟ .
فأجاب:
في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على مواليه) فسعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة، وهو من فعل السحرة، وهو من أعظم فعل الشياطين، لا سيما إذا كان يخببها على زوجها ليتزوجها هو، مع إصراره على الخلوة بها، ولا سيما إذا دلت القرائن على غير ذلك، ومثل هذا لا ينبغي أن يولى إمامة المسلمين إلا أن يتوب، فان تاب تاب الله عليه، فاذا أمكن الصلاة خلف عدل مستقيم السيرة فينبغى أن يصلى خلفه، فلا يصلَّى خلفَ من ظَهَرَ فجوره لغير حاجة، والله أعلم.
" مجموع الفتاوى " (23 / 363) .
وقال ان القيم - رحمه الله -:
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك، وتبرأ منه، وهو من أكبر الكبائر، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه وأن يستام على سومه: فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته وأمته حتى يتصل بهما، وعشاق الصور ومساعدوهم من الديثة لا يرون ذلك ذنبا؛ فإن في طلب العاشق وصل معشوقه ومشاركة الزوج والسيد ففي ذلك من إثم ظلم الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يربُ عليها، ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة، فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فحق العبد باق، له المطالبة به يوم القيامة، فإنَّ ظُلْمَ الزوج بإفساد حبيبته والجناية على فراشه أعظمُ مِن ظلمه بأخذ ماله كله، ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه بأخذ ماله، ولا يعدل ذلك عنده إلا سفك دمه، فيا له من ظلم أعظم إثما من فعل الفاحشة، فإن كان ذلك حقّاً لغازٍ في سبيل الله وقف له الجاني الفاعل يوم القيامة، وقيل له: خذ من حسناته ما شئت، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: فما ظنكم؟! أي: فما تظنون تبقى له من حسناته، فإن انضاف إلى ذلك أن يكون المظلوم جاراً، أو ذا رحم محرم: تعدد الظلم، وصار ظلما مؤكدا لقطيعة الرحم وأذى الجار، ولا يدخل الجنة قاطع رحم، ولا من لا يأمن جاره بوائقه.
" الجواب الكافي " (ص 154) .
وإفساد الزوجة على زوجها ليس فقط بأن تطلب منها الطلاق، بل إن محاولة ملامسة العواطف والمشاعر، والتسبب في تعليقها بك أعظم إفساد، وأشنع مسعى يمكن أن يسعى به بين الناس.
نعم – أخي السائل – لقد أتيت أمرا عظيما حين تعرفت على تلك المرأة واتصلت بها حتى هدمت أسرتها، كما أتت هي أيضا أمرا عظيما حين تعلقت بغير زوجها، حتى طلبت منه الطلاق، فخربت بيتها بيدها، وسألت ما لا يحل لها.
عن ثوبان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي غَيرِ مَا بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ) .
رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
ونحن إنما نرجو بهذا العتاب الشديد أن يقذف الله في قلب كل من يقرأ هذا الجواب فظيع عاقبة التعدي على الحرمات، والتساهل في أمور الاتصال بالجنس الآخر والحديث إليه، وقد أشرنا مرارا إلى كلام أهل العلم في تحريم ذلك.
انظر (26890) ، (52768) ، (66266) ، (59907) .
كما نرجو أن يكون ذلك حافزاً لكما على إخلاص التوبة لله تعالى، والإنابة إليه، وسؤال المغفرة منه سبحانه على ما فات، وأخيرا رد المظالم إلى أهلها.
واعلم – أخي الكريم – أن الله سبحانه يقبل التوبة عن عبادة إذا صدقوا بها، وأن باب رحمته مفتوح لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، بل كثيرا ما يكون العبد بعد المعصية والتوبة خيرا منه قبلها.
يقول سبحانه وتعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) الزمر/53-54.
ويقول عز وجل: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة/222.
ثانياً:
من شروط التوبة الصادقة رد المظالم إلى أهلها، فإن المؤاخذة لا تسقط حتى ترجع المظلمة ويأخذ المظلوم حقه في الدنيا قبل الآخرة.
فالواجب على تلك المرأة الرجوع إلى بيتها، ومحاولة الاعتذار إلى زوجها السابق عن طريق بعض المقربين منهما، ولو رفع الأمر إلى القاضي لما أجاز أي عقد على تلك المرأة حتى تتوب وترجع إلى زوجها.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (5 / 251) :
وقد صرّح الفقهاء بالتّضييق عليه وزجره، حتّى قال المالكيّة بتأبيد تحريم المرأة المخبّبة على من أفسدها على زوجها معاملةً له بنقيض قصده، ولئلاّ يتّخذ النّاس ذلك ذريعةً إلى إفساد الزّوجات. انتهى.
والزواج الذي يبدأ بمعصية الله تعالى لن يوفق في الغالب، وسينقلب نقمة على صاحبه.
فإذا عفا الزوج وسامح فالحمد لله، فإن رفض ولم يقبل إرجاع زوجته، فلا حرج عليكما أن تتزوجا حينئذ، مع استشعار الندم وسؤال الله تعالى العفو والمغفرة.
وجمهور العلماء يرون صحة عقد من أفسد على رجل زوجته حتى طلقها ثم تزوجها هو، رغم إثم التخبيب – وهو القول الراجح -، وخالف في ذلك بعض أهل العلم من المالكية والحنابلة فأبطلوا العقد.
ففي " الإقناع " (3 / 181) – وهو من كتب الحنابلة -:
وقال في رجل خبب امرأة على زوجها: يعاقب عقوبة بليغة، ونكاحه باطل في أحد قولي العلماء في مذهب مالك وأحمد وغيرهما، ويجب التفريق بينهما. انتهى.
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (11 / 19، 20) :
انفرد المالكيّة بذكرهم الحكم في هذه المسألة، وصورتها: أن يفسد رجل زوجة رجل آخر، بحيث يؤدّي ذلك الإفساد إلى طلاقها منه، ثمّ يتزوّجها ذلك المفسد.
فقد ذكروا أنّ النّكاح يفسخ قبل الدّخول وبعده بلا خلاف عندهم، وإنّما الخلاف عندهم في تأبيد تحريمها على ذلك المفسد أو عدم تأبيده، فذكروا فيه قولين:
أحدهما - وهو المشهور -: أنّه لا يتأبّد، فإذا عادت لزوجها الأوّل وطلّقها، أو مت عنها جاز لذلك المفسد نكاحها.
الثّاني: أنّ التّحريم يتأبّد، وقد ذكر هذا القول يوسف بن عمر كما جاء في شرح الزّرقانيّ، وأفتى به غير واحد من المتأخّرين في فاس.
هذا ومع أنّ غير المالكيّة من الفقهاء لم يصرّحوا بحكم هذه المسألة، إلاّ أنّ الحكم فيها وهو التّحريم معلوم ممّا سبق في الحديث المتقدّم. انتهى.
وفي " كتب أئمة الدعوة النجدية " (7 / 89) :
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد - رحمهما الله -: عن رجل خبب امرأة على زوجها وتزوجها؟ .
فأجاب:
نكاح الثاني الذي خببها على زوجها: باطل، ويجب أن يفارقها؛ لأنه عاص لله في فعله ذلك. انتهى.
ونرجو لكَ، بحسن توبتك وصدقك مع الله تعالى أن يوفقك إن تزوجت هذه المرأة، إذا بدأت أولا بمحاولة إصلاح ما أفسدت من شأنها مع وزجها الأول.
وأما أنها كانت زوجة لغيرك، وكان بينهما ما يكون بين المرء وزوجه، فهذا هاجس لا قيمة له في واقع الأمر؛ فالذي يأنف الحر منه أن تكون امرأة لوثت نفسها بعشرة في الحرام، وأما ما أحله الله له لعباده وشرعه لهم، فلا وجه للأنفة منه!!
قال الله تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً) (التحريم:5) ؛ فجعل الله تعالى النعمة بزواج الثيب، كالنعمة بزواج البكر.
ثم ما تخشاه من ضياع أولادك، هو وارد في زيجة تفكر فيها، بعد زواجك الأول؛ والذي نرجوه أنك، إذا تزوجت هذا المرأة أو غيرها، ألا تبني بيتا جديدا على أنقاض بيتك الأول، الذي فيه زوجك الأولى وأولادك؛ بل الواجب على من أراد خوض تلك التجربة أن يكون عنده من الحكمة والكياسة ما يعينه على تدبير أمر بيته، وسياسة رعيته، وأن يكون عنده من العدل بين نسائه، وإعطاء كل ذي حق حقه، ما لا يبقي عليه تبعة لأحد، ولا مظلمة يطلبه بها عند ربه.
قيل لرجل من العرب كان يجمع الضرائر: كيف تقدر على جمعهنّ؟
قال: كان لنا شبابٌ يصابرهنّ علينا، ثم كان لنا مالٌ يصبّرهنّ لنا، ثم بقي خلق حسن، فنحن نتعاشر به ونتعايش!! [عيون الأخبار 1/396] .
ونسأل الله لنا ولكما العفو والتوفيق
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/280)
تعرضت للاغتصاب وهي صغيرة، وتريد الزواج الآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مشكلة نفسية واجتماعية فى نفس الوقت , حيث تعرضت في صغري لاغتصاب من أحد أقاربي، أشك فى أنه أفقدني براءتي، مما كان له أثر سيئ على نفسيتي، فكنت أبكي كل ليلة وأنا نائمة لا يشعر بي أحد، ثم في مرحلة الثانوية وما قبل الجامعة جاء إلى بيتنا شاب لدرس، واعترف لي أنه يريد الزواج مني، فصارحته بكل شيء، فأجاب بأن هذا ماض وأنه مسامح، ولا أخفي عليك، فمنذ ذلك الحين نتحادث هاتفيّاً كل مدة، وأهلي على علم بذلك، وهو الآن فى العام الأخير من الجامعة، فأريد أن أعرف هل ذلك حرام؟ وهل أنا كذلك مستسلمة لقضاء الله؟ وإن لم يكن كذلك فماذا أفعل؟ .
أرجو النظر في مشكلتي وإفادتي.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد لا يدرك المرء حقيقة الحكمة التي من أجلها ابتلاه الله تعالى في دنياه، حتى يكون يوم القيامة، فينكشف له ذلك المقام الرفيع الذي أعده الله تعالى له في الجنة إذا صبر واحتسب، ويعلم حينئذ أن الله تعالى كان قد ابتلاه بفضله، واختبره بحكمته.
عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَوَدُّ أَهلُ العَافِيَةِ يَومَ القِيَامَةِ حِينَ يُعطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِّضَت فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ) .
رواه الترمذي (2402) وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2206) .
ويبدو أنك – أختي الفاضلة – قد تجاوزت بحمد الله تلك الواقعة، وتحملت آثارها النفسية، بل وأرجو أن تكوني خرجت بنفسية أقوى، وبروح أعلى وأذكى، فإن في كل محنة منحة، ووراء كل بلاء عافية، ولا ينبغي للمرء أن يتأسف على ما فات، ويستذكر الماضي الذي لن يرجع أبدا، بل ينبغي أن يأخذ منه العبرة ليومه والتفاؤل لغده.
وفي قصتك درس للآباء الذين يتحملون مسؤولية أبنائهم أمام الله تعالى، ألا يُسلِموهم لمواضع الردى بدعوى حسن الظن بالقرابة، والحقيقة المؤسفة تقتضي أن نقول: إن كثيرا من حالات الاعتداء إنما تجيء من القرابة، نسأل الله العافية.
وليست هذه دعوة لقطع الأرحام أو التشكك في الناس، إنما هي دعوة للاحتفاظ بالحذر والاحتياط الذي يقتضيه الحال، وعلى الوالدين تقدير ذلك الحذر من غير غلو ولا تفريط، وقد جاءت شريعتنا بقاعدة عظيمة في ذلك، هي قاعدة سد الذرائع، بل جاءت الشريعة بأخذ الاحتياط بين الإخوة في البيت الواحد، وذلك حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهم في المضاجع، كما رواه أبو داود (495) وصححه الألباني.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ رحمه الله: أَيْ فَرِّقُوا بَيْن أَوْلَادكُمْ فِي مَضَاجِعهمْ الَّتِي يَنَامُونَ فِيهَا إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا حَذَرًا مِنْ غَوَائِل الشَّهْوَة، وإن كُنّ أخواته. انتهى [فيض القدير 5/531] .
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: إنما جَمَعَ بَيْن الْأَمْر بِالصَّلَاةِ وَالْفَرْق بَيْنهمْ فِي الْمَضَاجِع فِي الطُّفُولِيَّة تَأْدِيبًا وَمُحَافَظَة لِأَمْرِ اللَّه كُلّه ... وَتَعْلِيمًا لَهُمْ َالْمُعَاشَرَة بَيْن الْخَلْق , وَأَنْ لَا يَقِفُوا مَوَاقِف التُّهَم فَيَجْتَنِبُوا محارم الله كلها. اِنْتَهَى. [شرح مشكاة المصابيح 2/155] .
وفي قصتك درس للآباء ـ أيضا ـ: أن يتفقدوا أحوال أبنائهم، ويُعَوِّدُوهم على مصارحتهم في كل ما يواجهون، في المدرسة أو الشارع أو المنزل، فإن كثيرا من الأطفال تصيبهم المصائب، وتلحقهم الأمراض النفسية، والوالدان في غفلة تامة عن أمرهم، وقد كان يمكن للوالدين أن يخففا عن أبنائهم ما أصابهم، ولكن ترك المصارحة الأسرية يولِّدُ حرجا عند الأبناء في الشكوى لآبائهم.
وأما ذلك القريب الظالم الفاجر المعتدي، فقد استحق غضب الله وسخطه ومقته، واستحق جهنم التي أعدها الله تعالى للظالمين المعتدين، الذين يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، وهو يظن أنه ينجو بفعلته ويلوذ بجريمته، ولكنه لا يشعر أن الله تعالى يتربص به وبأمثاله، حتى إذا أخذه فما له مِنَ الله مِنْ ناصر.
يقول الله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) إبراهيم/42.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُملِي لِلْظَالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّك إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) . رواه مسلم (2583) .
قال النووي – رحمه الله -: " معنى (يملي) يمهل ويؤخر ويطيل له في المدة ... .
ومعنى (لم يفلته) : لم يطلقه، ولم ينفلت منه ". " شرح مسلم " (16 / 137) .
ثانياً:
أما ما ذكرتِ من شأن الشاب الذي عرض عليك أمر الزواج، وأنت بدورك صَدَقتِيهِ القول وصارحتيه بما جرى معك في صغرك فتقبل ذلك ولم يعترض: فذلك من نِعَم الله تعالى عليك، أَن هَيَّأَ لك من يعذركِ فيما حصل معكِ في صغرك، ويست عليك في أمر ظلمتِ فيه، ويرغب في الاقتران بك بالطريق الذي شرعه الله، فجزاه الله خيرا.
ولكنكما أخطأتما حين استمرت المحادثات بينكما، قبل أن يتم الرابط الشرعي، وقد كان بإمكانكما إتمام عقد الزواج الشرعي، وتأخير الدخول إلى حين التخرج أو العمل، أما أن تبقى الحال على ما هي عليه: فلا شك في حرمة ذلك، إذ ليس بينكما علاقة شرعية، وإنما هي إلى الآن أماني أو وعود بالزواج.
والواجب عليكما الوقوف عند الحكم الشرعي، وأنه لا يجوز استمرار المحادثة بينكما حتى يتم العقد الشرعي، فإن كان صادقا في وعده لك بالزواج: فسيستجيب لحكم الله، ويسارع في إتمام العقد، أو يقطع الاتصال حتى يتخرج، فإن لم يستجب لحكم الله تعالى: فاحذري حينئذ، فقد يكون ذئباً جديداً يسعى للتسلية وقضاء الوقت في محادثة الفتيات، ويتخذ الوعود بالزواج وسيلة لتحقيق ما يريد، وخاصة أنه قد علِم بحالك، وقد تكون هذه فرصة له يسول له الشيطان بسببها أمراً منكَراً.
سئل الشيخ الفوزان - حفظه الله -:
مكالمة الخطيب لخطيبته عبر الهاتف، هل هي جائزة شرعا أم لا؟
فأجاب:
مكالمة الخطيب عبر الهاتف لا بأس به، إذا كان بعد الاستجابة له، وكان الكلام من أجل المفاهمة، وبقدر الحاجة، وليس فيه فتنة، وكون ذلك عن طريق وليها: أتم وأبعد عن الريبة.
أما المكالمات التي تجري بين الرجال والنساء وبين الشباب والشابات، وهم لم تجرِ بينهم خطبة، وإنما من أجل التعارف - كما يسمونه -: فهذا منكر، ومحرَّم، ومدعاة إلى الفتنة، والوقوع في الفاحشة، يقول الله تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) الأحزاب/32.
فالمرأة لا تكلم الرجل الأجنبي إلا لحاجة، وبكلام معروف لا فتنة فيه ولا ريبة، وقد نص العلماء على أن المرأة المحرمة تلبي ولا ترفع صوتها، وفي الحديث (إِنَّمَا التَّصْفِيقُ للنِّسَاءِ) - رواه البخاري (1218) ومسلم (421) - مما يدل على أن المرأة لا تُسمع صوتها الرجال إلا في الأحوال التي تحتاج فيها إلى مخاطبتهم مع الحياء والحشمة.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 604 - 605) .
وقد سبق في موقعنا بعض الإجابات التي تبين حكم المحادثة بين الجنسين، ومنها: أجوبة الأسئلة: (7492) ، (13791) ، (26890) ، (45668) ، (66266) ، (82702) .
نسأل الله تعالى أن يحفظك ويوفقك ويرزقك الرضى والسعادة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/281)
مشكلاته مع أهله سببت له اكتئابا
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ نعومة أظفاري نشأت في حياة بائسة، فقد كان والدي متزوجاً باثنتين زوجته الأولى، وأمي، وقد كان أخي الأكبر مسيطراً سيطرة كاملة على المنزل، وكان جبَّاراً لا أحد يستطيع الكلام في وجوده أو حتى الهمس، ولا أعلم ما هو السر حتى الآن، أما أبي فقد ترك كل شيء له، حتى أمي وزوجة أبي لا يقدرون عليه ولا يستطيعون مناقشته، وعندما أصبحت في الصف الرابع أو الخامس طُلقت والدتي وعشتُ أصنافاً من العذاب والويل - والله -، قمع على أتفه الأسباب، واستعباد، وقلوب قاسية من هذا الأخ ومن زوجة أبي، وضرب حتى يخرج الدم، وأبي لا حياة لمن تنادي، ثم كبرت وتوظفت وكبر إخواني الآخرون، وما زال حتى الآن يراهم ملائكة ويراني لا شيء - تافه وحقير - وهم بدورهم متكبرون وقاطعوني، وقد واصلتهم، ولكني رأيت تعاملهم معي فقاطعتهم، حاولت التقرب منه ولكنه مصمم على عدم العدل في كل تصرفاته، والآن أعاني من هذا الظلم، وأعاني من الاكتئاب ومن ثقتي بنفسي، فما هو الحل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما تعاني منه هو مؤلم، والظلم إذا حصل من القريب كان أشدَّ على النفس من ظلم البعيد، لكنَّ المسلم الذي يحمل اعتقاد أهل السنَّة والجماعة يعلم أن " ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه "، وهو يأخذ بأسباب السعادة، ويفعل ما أمره الله تعالى به دون تقصير، وإذا لم يقدِّر الله تعالى له الخير فيكون ما أصابه ابتلاء ليكفِّر الله تعالى به السيئات ويرفع الدرجات.
ثانياً:
والظلم الذي وقع عليك من والدك، وزوجته، وأخيك، هو مما يحز في النفس وجوده، وهو أمرٌ يدل على استيلاء الشيطان على عقول وقلوب أتباعه الذين يستجيبون لأمر الشر والسوء، ويصدون أنفسهم عن مواطن الخير والفضل.
وما كنتَ تفعله من مواصلتهم مع قطعهم لك هو الذي ينبغي لك المداومة عليه، وقد أخطأتَ في ترك مواصلتهم، والمسلم يحتسب ما يقع عليه من ظلم، ويرجو ثواب صبره عند ربه تبارك وتعالى، وإذا كان هذا الظلم من والدَين أو رحم فإنه لا يقطعهم إلا أن يؤثر قربه منهم على دينه، ولتعلم أن الله تعالى ينصرك ويؤيدك إن كنتَ واصلاً لهم وهم يقطعونك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ.
رواه مسلم (2558) .
وقد جعل الله تعالى ذلك أدبا عاما للمسلم مع الناس: أن يحلم على الجاهل، ويحسن إلى المسيء؛ قال الله تعالى:
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) سورة فصلت
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره (558) :
" أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات، لأجل رضا الله تعالى، وفعل السيئات والمعاصي، التي تسخطه ولا ترضيه. ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم، لا في ذاتها، ولا في وصفها، ولا في جزائها: " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان "؟!!
ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو: الإحسان إلى من أساء إليك فقال: " ادفع بالتي هي أحسن ": أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه؛ فإن قطعك فصله، وإن ظلمك فاعف عنه، وإن تكلم فيك، غائبا أو حاضرا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين. وإن هجرك، وترك خطابك، فطيب له الكلام، وابذل له السلام. فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة: " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " أي: كأنه قريب شفيق!!
" وما يلقاها " أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة " إلا الذين صبروا " نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله. فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟ فإذا صبر الإنسان نفسه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله، لا تفيده شيئا، ولا تزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه ليس بواضع قدره، بل مَنْ تواضع لله رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك متلذذا مستحليا له.
" وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد، الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق." انتهى.
قال ابن حبان البستي – رحمه الله -:
الواجب على العاقل توطين النفس على لزوم العفو عن الناس كافة، وترك الخروج لجازاة الإساءة؛ إذ لا سبب لتسكين الإساءة أحسنُ من الإحسان، ولا سبب لنماء الإساءة وتهييجها أشدُّ من الاستعمال بمثلها.
ولقد أنشدني منصور بن محمد الكريزي:
سألزمُ نفسي الصفح عن كل مذنب وإن كثرت منه إليَّ الجرائم
فما الناس إلا واحد من ثلاثةٍ شريف ومشروف ومثلٌ مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف فضله وأتبع فيه الحقَّ، والحقُّ لازم
وأما الذي دوني فإن قال صنْتُ عن إجابته عِرضي وإن لام لائم
وأما الذي مثلي فإن زلَّ أو هفا تفضَّلتُ إن الحلم للفضل حاكم
" روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " (ص 166) .
ولا يعني أنك إذا واصلتَهم أنك لا تُنكر عليهم أفعالهم ولا تبيِّن لهم أخطاءهم، بل يجب عليك أن تفعل ذلك، وهذا من النصيحة التي أوجبها الله تعالى عليك، حتى يقفوا على أخطائهم، ويصلحوا ما أفسدوه، فإن رأيت تغيرهم للأفضل فهو خير عظيم قدَّمتَه لهم، وإن لم يستجيبوا لنصحك فعليك بتكرار المحاولة مع الاستعانة بالدعاء أن يصلح الله تعالى بالهم وشأنهم، ولا تقطع الصلة بهم بالكلية؛ بل أبق عليها ولو على أدنى مراتبها.
ثالثاً:
وأما ما أصابك من اكتئاب وفقدان ثقة بنفسك فمردُّه إلى ما عانيته من هموم وغموم، لكن لا ينبغي لك الاستسلام لهذا، ويجب أن تعلم أن اكتئابك هذا سيسبب لك أمراضا نفسية وعضوية إن استمررت مستسلماً له، وعليك أن تبدأ بعلاج نفسك لتواجه الحقيقة وهي أن الناس تختلف طبائعها، وأنك تجد الخير والشر عندهم، وأن غيرك يعاني أضعاف ما تعاني منه، فليس أمامك إلا أن تسلك الطرق الشرعية في انشراح الصدر لتنعم بحياة آمنة مطمئنة لا كدر فيها ولا هم ولا غم.
ويمكن أن نلخص لك ما نريد منك أن تفعله في أمور:
1. الرضا بقدر الله تعالى، والسعي في إصلاح والدك وزوجته وأخيك بالتي هي أحسن.
2. المحافظة على ذِكر الله تعالى، ومنها الأدعية الواردة في علاج مثل هذه الأمور.
أ. قال الله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28.
ب. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ " اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي ": إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) .
رواه أحمد (3704) وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (199) .
قال ابن القيم – رحمه الله -:
ومن أسباب شرح الصدر: دوام ذِكْره على كل حال، وفي كل موطن؛ فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر، ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه، وحبسه، وعذابه.
" زاد المعاد " (2 / 22)
3. إشغال الوقت بطلب العلم والدعوة إلى الله تعالى وقراءة سير الصالحين.
4. ترك النظر المحرَّم وفضول المخالطة والأكل والنوم.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
ومنها – أي: أسباب انشراح الصدر -: ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم؛ فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وغموماً وهموماً في القلب، تحصره، وتحبسه، وتضيِّقه، ويتعذب بها، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها.
" زاد المعاد " (2 / 22)
وستجد – إن شاء الله - أن ما بك من هموم وغموم وتكدر معيشة سيزول، وسيكون مكانه انشراح صدر وراحة بال.
ونسأل الله تعالى أن يرفع عنك الهموم والغموم، وأن يصلح أهلك ويهديهم لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق، ونسأله تعالى أن يُعظم لك الأجر، وأن يعينك على ذِكره وشكره وحُسن عبادته.
وللمزيد: انظر أجوبة الأسئلة (21677) و (45847) و (4631) .
وانظر أيضا: في قسم الكتب في موقعنا: علاج الهموم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/282)
والدتها تسيئ معاملتها
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد تفرقة في المعاملة بين الأخوات من قبل الأهل، التحكم والسيطرة من قبل الوالدين في التصرفات والملبس والمأكل، ولا تقل لي إنهم ينصحونني بالزى الإسلامي، بل على العكس (وضع ماكياج لإعجاب العرسان) هم يريدونني أن لا أصرف من مرتبي، أو عدم الذهاب كثيرا للملاجئ والمسنين، وأمي تريدنا أن نذهب لأهلها فقط، وأبي لا يبالي، فَهَمُّه جمع المال والأكل؛ فهو شخصية ضعيفة مع أمي المتسلطة، وأختي الوحيدة تابعة لأمي في كل شيء، وفي المقابل أمي تعاملها أحسن وباهتمام وتكبرها علي، لقد احتسبت الله بيني وبينهم،
أريد فقط أن أعرف ما معنى المعاملة بالإحسان، وكيف أضبط انفعالي معها وهى تكذب؟ وهل قولي لها أنت كاذبة حرام؟ وماذا أفعل عندما يضيق صدري وتبتل وسادتي مما تفعله وتقوله عني أمام الناس؟ والله المستعان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كثيرة هي المشاكل التي تعرض في حياة الأسرة المسلمة، كما أنها متنوعة بتنوع نواحي الحياة المختلفة إلى اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية، ولكن من أخطر أنواع المشاكل تلك التي يعاني فيها الأبناء من تصرفات آبائهم، ذلك أن الواجب أن يقوم الوالدان باحتواء أبنائهم وشملهم بعطفهم ورعايتهم، وتفهم حاجاتهم، ومراعاة نفسياتهم، في حين أن الحال ينعكس في هذا النوع من المشاكل، حيث تتغير وجهة الخطاب لتصبح موجهة إلى الأبناء، كي تتسع صدورهم ونفوسهم لما يعانونه من والديهم.
وفي ذلك دعوة للجيل القادم كي يستفيد من التجربة، فيقوم بدور الأبوة الذي سيسخره الله له، ولن يعذره أحد بالجهل أو قلة المعرفة، كما يمكن أن يعذر به الجيل السابق، فإن تعلم وسائل التربية الإسلامية الصحيحة أمر ميسور اليوم، ولا يعجز عنه إلا عاجز.
وسوف نعترف لك ـ مقدما ـ بأن حديثنا هنا ربما يبدو وكأنه يهون من مشكلة، هي كبيرة في حقيقة الأمر، ونقول لك أختنا الكريمة: لا عيب في ذلك، فإذا قدر أن ذلك التهوين يخفف عنا بعضا من أعباء تلك المشاكل، وإحساسنا بوطأتها، فأهلا به، وهو جزء من العلاج:
فَقُلتُ لَها يا عَزَّ كُلُّ مُصيبَةٍ إِذا وُطِّنَت يَومًا لَها النَفسُ ذلَّتِ
وإذا كان لهذه المشكلة طرفان: أحدهما أنت، والآخر: أسرتك؛ أمك، وأبوك ـ أيضا ـ، ثم أختك؛ فإن حديثنا سوف ينصب في معظمه ـ أيضا ـ عليك، وأنت الشاكية، وأنت المظلومة، كما يبدو لنا من رسالتك؟!!
وإذا بدا ذلك نوعا من الاستسهال في التعامل مع المشكلة، فليكن ـ أختنا الكريمة ـ؛ فلا أنت، ولا نحن نريد تعقيد المشكلة، ولا إلهاب العداوة، إنما نريد الحل، بغض النظر عن طرف الخيط الذي نمسك به؛ فالمهم أن نحل المشكلة، إن استطعنا، أو ـ على أقل تقدير ـ ألا نزيدها تعقيدا!!
لو كان أبوك يسمع لنا لقلنا له: الواجب الأول عليك، والدور الكبير لك، فأنت القيم، وأنت الراعي ومسئول عن رعيتك؛ لكنه لم يسألنا، ولا نظنه يسمع لنا صوتا!!
لو كانت أمك تسمع نداءنا لقلنا لها: اللهَ الله في أبنائكِ، فحقهم واحد، والعدل بينهم واجب:
( ... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) متفق عليه، واللفظ للبخاري
لو كانت أمك تسمع لنا لقلنا لها: (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا) رواه مسلم (1837) .
لقد كان من الممكن أن نقول الكثير، لو كان طرف المشكلة الآخر يسمع لنا!!
لكننا الآن مضطرون إلى أن نوجه حديثنا إلى طرف واحد، هو أنت، وأن نحمل عبء الحل على جانب واحد، هو أنت، فأنت الخيط الذي نملك أن نجذبه، إذا كنا نريد أن نحل العقدة التي تؤرقك!!
وإذا كان واضحا أنك أمام أزمة في التفاهم مع والدتك، وهذه حقيقة يجب أن تبدئي العلاج منها، فلا تحاولي الفرار ورفض الاعتراف وتقبل هذه المشكلة، ويتمثل ذلك بالانفعالات الغضبية التي تصيبك أثناء تعاطيك مع الوالدة، ونحن لا نظن أنها تصدر إلا ممن يحاول الهروب من واقعه، ولم يتفهم ما يواجهه.
والبداية الصحيحة في العلاج تبدأ من الحقيقة التي يقررها القرآن الكريم في قوله تعالى:
(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) الشورى/30، فتغيير كل واقع إنما ينطلق من أصحاب الشأن، وليس من غيرهم، وينطلق فقط حين يتفهمون أن التغيير يبدأ من أنفسهم، وليس من غيرهم.
فلا بد – أختي الفاضلة – أن تتلمسي مواضع الخلل ومكامن النقص في تعاملك مع أسرتك، وتعملي على علاجها أو لنقل – تغييرها -، ولا نقول هذا تجاوزا، إذ ليس بالضرورة أن يكون هذا الخلل سوء خلق منك – لا قدر الله -، لكنه قد يكون خطأ في طريقة التعاطي مع المشكلة والتعامل مع الواقع، وأستطيع مما ذكرت في السؤال التنبيه على شيء من ذلك:
- دائرة المندوبات والمستحبات لا ينبغي أن تجعل مثار شقاق ونزاع، فإن أمر إصلاح ذات البين وتأليف القلوب أعظم من مصلحة فعل تلك المستحبات، فإن كنت تسببت في بعض النزاع لإصارك على القيام بأمور غاية أمرها الندب، فأرجو أن تراجعي مواقفك تلك.
- متابعة الوالدة مصروفات ابنتها ومحاولة ضبطها أمر محمود، والجانب السلبي فيه فقط هو المبالغة في ذلك، وأظن أن هذا الفهم لسياق المشكلة أكثر موضوعية من وضعها في سياق التجبر والتسلط!
- الانفعال السريع والغضب أساس كل مشكلة، ولن يقود إلى علاج أبدا، من أراد تحصيل ما يتمنى فلا بد أن يكتم في قلبه بعض سهام الظلم أو الأذى.
عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ جُرعَةٍ أَعظَمُ أَجرًا عِندَ اللَّهِ مِن جُرعَةِ غَيظٍ كَظَمَهَا عَبدٌ ابتِغَاءَ وَجهِ اللَّهِ) رواه ابن ماجه (4189) وحسنه العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 163) .
ويمكنك الاستفادة من الأجوبة التالية في علاج سرعة الغضب (658) و (45647) .
وأظنك تملكين – والحمد لله – بعض المفاتيح التي يمكن أن تخفف عنك ما أهمك، فقد أنعم الله عليك بالوظيفة، والمال يأسر القلوب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَهَادُوا تَحَابُّوا) .
رواه البخاري في " الأدب المفرد " (208) وحسَّنه العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 53) وابن حجر في " بلوغ المرام " (277) والألباني في " صحيح الأدب المفرد ".
وبالهدية يمكن أن تتملكي قلب والدك ووالدتك وأختك، وراوحي بين أنواع الهدايا: عينية أو نقدية أو بعض أثاث المنزل أو رحلة سياحية إلى مكان جميل، وسيكون لذلك أثر عظيم في نفوسهم إن شاء الله.
وأختك مفتاح حل آخر، إذ يمكنك التفاهم معها والتقرب والتحبب إليها، لتكون عونا لك على ما تواجهين، وخسارتك لها يعني فشلك أنت في ذلك، فلا تحاولي أن تضعي اللوم عليها هي أيضا – وإن كان ذلك هو الواقع – ولكن حين يتهم المرء طريقته فإنه سيسعى حتما لتغييرها إلى الملائم والمناسب، وهنا يكون العلاج.
واعلمي – أختي الفاضلة – أن قلب الوالدة يظل ينبض بالشفقة والرأفة على ولده، مهما أظهر من قسوة وشدة، فحاولي أن تستخرجي كل رحمة في قلب والدتك، بالتحبب والتذلل والمسامحة والمصابرة، ولا أظنك إذا ارتميت في حجر والدتك وقبلت يدها واختلطت دموعك بكلماتك في حبها وشكوى تعب الحياة وألمها إليها: فلا أظنك ترجعين خائبة، بل أرجو أن تعود والدتك خيراً مما كنت تظنين.
يقول الله عز وجل: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/34.
وقد جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِن يَعفُو وَيَغفِر) رواه البخاري (2125) .
وأولى من يعامل بالحسنى ويقابل بالمسامحة هما الوالدان، لما فرض الله لهما من حق عظيم، حتى قال سبحانه وتعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) الإسراء/24.
والخُلُق الحسن يقتضي تحمل الظلم والأذى من الأحبة، فكيف بالوالدين؟!!
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " المؤمن ملجم بلجام، فلا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يجد طعم الذل ".
وخطب علي بن أبي طالب في أصحابه فقال: (كونوا في الناس كالنحلة في الطير، فإنه ليس شيء من الطير إلا يستضعفها، ولو يعلم ما في أجوافها لم يفعل، خالقوا الناس بأخلاقكم وألسنتكم، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم، فإن لامرئ ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب) .
وعن محمد بن الحنفية قال: (ليس بحليم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بُدّاً حتى يجعل الله له فرجا - أو قال: مخرجاً -)
روى هذه الآثار ابن أبي الدنيا في كتابه " مداراة الناس " (37، 27، 41) .
كن كالنخيل عن الأضغان مرتفعا يرمى بطوب، فيلقي أطيب الثمرِ
والمهم – أختي الفاضلة – أن تسعي في تغيير الأساليب التي اعتدت عليها في مخاطبة ومحاورة والدتك، وأن تتفكري في كل فكرة ممكنة تكون منفذا لقلبها، ولا تعجزي أبداً، ولا تقولي حاولت وأسقط في يدي، واستعيني بالله سبحانه وتعالى أولاً وآخراً.
وأخيراً:
لن يكون سوء معاملة والدتك لك نهاية المطاف أبدا، فالدنيا مليئة بالفرص الطيبة، ومليئة بالخيِّرين من أقارب وجيران وأصحاب، يعيش المرء معهم أيامه، ويطوي بقربهم عمره، يحسن إلى الناس كافة، ويخالقهم بخلق حسن، وهذه أعظم رسالة يحملها المسلم في حياته.
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ مِن أَحَبِّكُم إِلَيَّ وَأَقرَبِكُم مِنِّي مَجلِسًا يَومَ القِيَامَةِ أَحَاسِنُكُم أَخلَاقًا) رواه الترمذي (2018) وقال: حسن غريب، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
سئلت اللجنة الدائمة:
السائل يعيش مع والديه في منزل واحد، لكنه دائم الخصومة مع أمه والقطيعة لوالده، وسبب ذلك أن أمه تفضل أخاه الصغير، فتصفه بأقبح الأوصاف، وتشتمه بأقذع الشتائم ولأتفه الأسباب، فصارت عنده عقد نفسية، وتتسامح مع أخيه، ولو أساء أشد إساءة، فصار مدللا خاليا من العقد النفسية، وكذلك والده يسيء إليه كثيرا، لا يرد عليه السلام إلا نادرا، ويضربه أحيانا أمام الناس لأدنى سبب، ولا يضرب أخاه الصغير ولو اشتدت إساءته، فهل يطالب من أساء إليه والداه بما يطالب به سائر الأبناء من البر والصلة، وهل يأثم بإثارة الخصومات مع أنه يجتهد في إبعاد الخصومات، وكثيرا ما يندم بعد وقوعها ويتصدق عنهما دون شعور منهما، فهل يثابان بذلك ويثاب هو أيضا، وهل يخفف ذلك من ذنوبه، مع أن هذه الصدقة قليلة جدّاً؟ .
فأجابت:
قد يكون الوالدان معذوريْن فيما حصل منهما، وقد يكون لديهما اعتبارات في التشديد على واحد من أولادهما دون آخر، ككونه أكبر سنّاً، وأرشد من غيره، فالغلط منه أشد، وكتأديبه ليستقيم فيكون قدوة لإخوانه الصغار، وعلى تقدير إساءتهما لا يجوز للولد أن يقابل سيئتهما بالسيئة، بل يقابلها بالحسنة، عملا بقوله تعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/34، وقوله (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15.
فأمر الولد أن يصاحب والديه بالمعروف ولو جاهداه على أن يشرك بالله غيره، والشرك أكبر الكبائر، وأمره أن يلزم سبيل الله المستقيم، وأخبر بأن جزاء الجميع عنده تعالى يوم القيامة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببر الوالدين، وحذر من عقوقهما وبين أن العقوق من أكبر الكبائر، هذا وتُشكَر على الندم على ما فعلت من إثارة الخصومات والقطيعة، وعلى الصدقة عنهما، ولو أعلنت ذلك لهما كان أرجى إلى الوئام وحنانهما عليك، ويرجى لك ولهما الأجر ومغفرة الذنوب بما قربت من الصدقة عنهما، وإن قَلَّت، فإن الله يضاعف الحسنات، وأما الوالدان فالواجب عليهما تحري العدل بين أولادهما، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) .
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 123 – 125) .
ونسأل الله أن يوفقكِ ويفتح عليك أبواب رحمته وفضله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/283)
مقدمة على الزواج وقد زالت بكارتها من غير فاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الحمد لله من أسرة ملتزمة وأنا أيضا أتمتع بذلك، ولكن أعيش حالة بشعة من الرعب بسبب اقتراب موعد زواجي بشاب محترم أيضا وذلك لأني أشك في فقدان غشاء البكارة - من غير فاحشة والعياذ بالله - فهل أصارحه بذلك (مع أن ذلك صعب على) أم أتركه إلى يوم الزفاف ولا أقول له؟؟ لا أعرف كيف أتصرف أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دمت عفيفة لم تقترفي فاحشة والحمد لله، فلا يلزمك إخباره، ولا ينبغي أن تقلقي من ذلك؛ فإن البكارة قد تذهب بالوثبة وإدخال الإصبع والحيضة الشديدة وطول العنوسة ونحو ذلك مما ذكره الفقهاء.
ينظر: المبسوط (5/8) ، كشاف القناع (5/47) ، الفتاوى الكبرى (3/88) .
وعلى الزوج أن يحسن الظن بزوجته إن اكتشف عدم بكارتها، وأن يقدر ما ذكرنا من أن البكارة قد تزول بأسباب غير الفاحشة، ولو فرض أنه سألك فإنك تجيبنه بما يدفع الريبة عن قلبه، وكوني على ثقة من أن الله تعالى يوفق عبده الصالح ويؤيده ويسدده، وراجعي السؤال رقم (40278)
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: " مسلمة تعرضت لحادثة في الصغر فقد منها غشاء البكارة، وقد تم عقد زواجها ولم يتم البناء بعد، وحالة أخرى تعرضت لنفس الحادث، والآن يتقدم لها إخوة ملتزمون للخطبة والزواج، وهما في حيرة من أمرهما أيهما أفضل: المتزوجة تخبر زوجها قبل البناء أو تكتم هذا الخبر؟ والتي لم تتزوج بعد هل تسير في هذا الأمر خشية أن ينتشر عنها ويظن بها سوء، وهذا كان في الصغر وكانت غير مكلفة أم هذا يعتبر من الغش والخيانة، هل تخبر من تقدم إليها أم لا لأجل العقد؟
فأجابت: " لا مانع شرعا من الكتمان، ثم إذا سألها بعد الدخول أخبرته بالحقيقة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/5) .
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/284)
يعاني من مشكلة نفسية: الخوف من الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الزواج.. أريد زوجة صالحة نعيش معاً في سعادة ورضى وطمأنينة.. نعيش في حب وصفاء وتناصح.. نقوم من الليل معاً وأسكن إليها وتأنس بي.. أنا شاب أعيش في رهبة وخوف كبيرين من الزواج والزوجة.. أعيش في خجل وحياء.. لي فترة أريد الزوج ولكن أستحي من البوح به لوالدي مع أنهما يلحان كثيراً.. ومن داخلي أصرخ أريد الزواج.. أشعر أنني جعلت الحياء والخجل والوساوس بشأن قدرتي الجنسية حاجزاً بيني وبين الزواج حتى أهرب منه.. نعم أنا أحب الزواج، ولكنني لا أدري لماذا أهرب منه هل هو لخوفي وخجلي أم لعدم الثقة بنفسي وأن الفشل يقف بيني وبين ما أريد.. أعيش في بعض حالاتي ترددا كبيرا وخاصة عند الشراء أو البيع.. أعيش في أسرة محافظة.. وقليلاً ما تتكلم أسرتي في أمور الجنس ولا حتى من بعيد.. مع أنني أسمع أقاربي كيف يمازحون أبناءهم في أمور الجنس وكيف أن أبناءهم واثقون ويتحدثون بطلاقة ليس في أمور الجنس فحسب بل في أمور الزواج.. بلغ بي الخوف من الفشل أنني ذهبت لعيادة الذكورة لقياس العضو وكفاءته.. وتحليل الهرمونات.. وغيرها.. لا أدري هل هو الخوف أم الرغبة في البعد عن الزواج.. حتى أن بعض التحاليل والفحوصات أدخلت الشكوك في نفسي بشكل كبير.. ومع ذلك فأنا أشعر بداخلي بأن ليس الفحوصات السبب في بعدي عن الزواج بل هو الخوف منه.. إذا عقدت العزم على محادثة أهلي بالزواج أشعر برهبة وخوف.. والحق أنني كنت أعيش في سابق عهدي على إستحالة زواجي وخزنت في داخلي أنني مستحيل أن أتزوج.. وسأبقى هكذا.. حتى إن من يحادثني متى تتزوج أرد فوراً " في الجنة ".. أشعر والله أن مايسمى بالعقل الباطن خزن ما كنت أردده.. أريد الزواج.. والله إنني أريد الزواج.. ولكن هذا الخوف أو المخاوف من المرأة والفشل وعدم تصور أنني في يوم من الأيام يمكن لي الزواج وعدم تصور أنني أمارس الجنس مع أنثى وعدم تصور أنني أنام وأسافر مع امرأة.. كل هذا يقف حاجزاً بيني وبين الزواج.. تشجعت قبل فترة وكلمت أهلي وخطبوا لي فتاة.. وتمت الموافقة وبقي أن أذهب لرؤيتها فتملكني الخوف الشديد.. وقلت لأهلي لا أريد الفتاة هذه.. عمري الآن قفز الثلاثين سنة.. وأنا أقف عاجزاً وإن كان الأمل موجوداً.. أقف مترددا وإن كانت الهمة تواقة.. أقف متخوفاً وإن كان اليقين يغلب أحياناً.. لقد تأثرت نفسيتي بهذا.. وزرت أطباء نفسانيين أشكو اكتئابي.. وقلقي.. وكلهم يصرف لي حبوب ويقول استعملها.. لا يشعرون بما أشعر به.. إلا آخرهم استمر معي حتى وضع يده على أساس المشكلة وهو الخوف من المرأة والزواج والفشل والجنس.. أرجوكم أرشدوني.. فأنا بحاجة لنصحكم وتوجيهكم.. أريد كسر هذا الحاجز بيني وبين الزواج.. يعلم الله أن الكلمة تؤثر في نفسي سواء السلب أم الإيجاب.. أريد من يأخذ بيدي ويعبر بي إلى حيث الراحة والأنس والطمأنينة الزوجية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثق تمام الثقة - أخي الكريم – أننا نعيش معك هذه المشكلة ونشعر بك وبآلامك، وأن أي مسلم في الدنيا هو أخ لنا، مصابه مصاب لنا، ومشاعرنا معه في فرحه إن فرح، وفي حزنه إن حزن، ونتألم لألمه، ونحاول أن نضع الحلول بين يديك، من باب المشاركة لك في هذا الألم حتى تتخلص منه عاجلاً بإذن الله تعالى.
أخي الكريم، اعلم – رعاك الله - أنك لست الوحيد في الدنيا الذي يعيش مشكلة ويعاني هماً وكآبة، فأنت في هذه الآونة تعيش ابتلاءً من الله لك، وهذا البلاء يتطلب منك بعض الأمور لتستفيد منه وتخرج من بلائك بمنافع جليلة وكثيرة، ومن هذه الأمور:
أولاً: حسن الظن بالله تعالى، وأنه ما قدر عليك هذا القدر إلا لحكمة عظيمة بالغة يعلمها سبحانه، وأنه يريد بك الخير مادمت مستقيماً على أمره، مستمسكاً بهديه، ممتثلاً أمره ومحاذراً الوقوع في حدوده ومحارمه، فلا تدري لعل هذا البلاء جاءك ليدفع الله به عنك ما هو أشد وأبلى، ولعل الله دفع عنك به بعض كبائر الذنوب والمهلكات من حيث لا تشعر، فأحسن ظنك بربك ومولاك لعله يخرجك من بلائك، كما تخرج الشعرة من العجين.
ثانيا: إن البلاء يحتاج إلى الصبر والاحتساب، وقد امتدح الله الصابرين في كتابه ورتب لهم الأجر الذي لا يساويه أجر، فقال سبحانه: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10
وامتدحه النبي صلى الله عليه وسلم، وامتدح أهله الذين يتخلقون به، فقال ـ في المتفق عليه ـ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "...... وَمَنْ يَتَصبَّر يُصبِّرْه الله، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خيراً وَأَوْسَع مِن الصَّبْر " رواه البخاري (1400) ومسلم (1053) .
فعليك بالصبر فهو عدتك في البلاء وزادك في الرخاء.
ثالثاً: يقول أهل الطب: " التشخيص ثلثا العلاج "، ومن خلال الشرح الذي ذكرتَ في سؤالك عن حالتك يتبين أن ابتلاءك ليس بدنيّاً عضويّاً، وليس نفسيّاً مما يعالج مثله عند الأطباء النفسيين، بقدر ما هو وسواس قهري، يتملكك، في جانب خطير من حياتك. فالوسواس مرض خطير، إذا تمكن من العبد فيمكن أن يودي به إلى المهالك وربما أخرج عض الناس من ملة الإسلام، نسأل الله العفو والعافية، ولكن ولله الحمد فوسواسك لا يتعلق بعقيدتك وأصول دينك ولا في العبادات وأركان الإسلام، وإنما يتعلق بترددك في الزواج والبيع والشراء كما ذكرت، وهذا الأمر وإن كان في نفسك عظيماً، إلا أنه صغير إذا ما قارنته بوسواس غيرك ممن يتردد في الطهارة؛ فربما اغتسل بعضهم مرات عديدة، وبعدها لا يكون مطمئناً أنه على طهارة، وربما توضأ أكثر من عشر مرات ولا يطمئن أنه على وضوء، وربما أدرك بعضهم تكبيرة الإحرام خلف الإمام وتذهب منه الركعة الأولى وهو يحاول أن يأتي بتكبيرة الإحرام، ثم يكمل صلاته وهو لا يعلم أتى بها أم لا، والحمد لله أن لا شيء من ذلك عندك.
لذا فاعلم أن علاجك بإذن الله في الخطوات التالية:
1. أن تعلم أن الوسواس من الشيطان، بل إن الله سمى الشيطان بـ (الوَسواس) في سورة الناس كما هو معلوم، وهذا يتطلب منك أن تشن على الشيطان حرباً شديدةً مع العلم أنه هو الذي بدأها معك، وهو الذي اعتدى عليك وقيدك وأراد سلب حقوقك، فلا تولّه ظهرك، ولا تريه ضعفك، فهو الضعيف، وهو المهزوم، وهو الخناس، فتشجع وكن واثقاً من التغلب عليه ما دمت مع الله، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) الحج/78.
2. أن تكثر من قراءة سورة البقرة، وأن تختمها كل ثلاث ليال، وإن كان في قيام الليل فهو أفضل، فقد ثبت عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه قوله: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ) رواه مسلم (804) " فِرقان ": جماعتان أو قطيعان، " تُحاجان ": تدفعان، " البَطَلَة ": السَّحَرَة.
فالشياطين لا تقدر على سماع سورة البقرة وتفر منها وتضعف أمام قارئها وتخافه، وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) رواه مسلم (780) .
3. أن تحافظ على الأذكار الخاصة بالمناسبات، كأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، ودخول المسجد والمنزل والخلاء والخروج منها، وأذكار الطعام والشراب واللباس وما شابه ذلك، ففي كل منها نفع عظيم لك وقطع لطريق الشيطان إليك.
4. أن تكثر من الدعاء، بل أن تلح على ربك ومولاك بالدعاء أن يفرج عنك وأن يخرجك من محنتك، وتحين لذلك أوقات الإجابة، وخصص للدعاء وقتاً في كل ليلة في ثلث الليل الآخر، وفي الساعة الأخيرة من نهار يوم الجمعة، وأدبار الصلوات المكتوبة، وادعُ لكل مبتلى فإن الملائكة تؤمن على دعائك وتقول ولك بمثل، وأكثر من الإستغفار والتوبة إلى الله فإن الله وعد المستغفر بخير عظيم، فقال سبحانه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً) نوح/10 – 12.
5. لا بد لك مع ذلك كله أن تبذل وسعك في دفع الوسواس، وأن تعالج نفسك بأن تقنع نفسك أنك طبيعي ولا مشكلة عندك وأن تدفع كل ما يأتيك من من الأفكار التي تضعفك، وأن تعلم أن هذا كله مصدره شيء واحد هو الوسواس والتغلب عليه سهل بإذن الله تعالى.
06 استعن بالله ـ أيها الأخ الكريم ـ وأقدم على الزواج، واستعن بأهلك والمخلصين من أصدقائك على إمضاء ذلك، ولقد علمنا ـ عيانا ـ بعض من أصيب بما أصبت به، وكانت حاله مثل حالك تماما، أو أشد، ثم استكرهه بعض إخوانه ومحبيه على الزواج، وحملوه على ذلك حملا، بعد ما تأكدوا أنه لا يعاني مشكلة عضوية، ثم إن الله تعالى وفقه في ذلك، وشرح صدره، واستقام له أمر زواجه كغيره من الناس.
07 لا بأس أن تستشير بعض الأخصائيين النفسيين، وتستعمل بعض العلاجات النفسية المساعدة في هذا الشأن؛ فإن الوسواس هو ـ أيضا ـ مرض نفسي معروف لدى المختصين، فلا بأس من الجمع بين العلاج الذي أشرنا عليك به، والعلاج النفسي.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، وأن يعجل فرجك وفرحك، إنه سميع قريب
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/285)
ترك الصلاة سبب كل ضيق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 23 سنة، الصراحة أنا لا أصلي، وإن قمت للصلاة لا أصلي كل الفروض، والصراحة أنا أستمع للأغاني، ولكن - والله شاهد - أن هذا الموضوع يسبب لي حالة نفسية، أريد الصلاة، وأريد أن أطيع الله، وأنا أخافه، أنا أعتز بكوني مسلمة، وربي هو الله وحده لا شريك له، وأحب الحبيب المصطفى وسيرته، وأتأثر عند سماع قصصه، الحمد لله، أكرمني الله عز وجل بأن ذهبت إلى العمرة هذه السنة، وكنت فرحة لهذا، ولكني أحس أني جاحدة، أو لا فرق بيني وبين الكافرين لأني لا أصلي، حاولت كثيراً أن أداوم على الصلاة، لكن لا أدري لماذا يحدث معي هذا، مع العلم أني كنت لفترة طويلة جدّاً لا أصلي أبداً، وأحس أيضاً أني أجهل أموراً كثيرة بالدِّين، وأشعر أيضاً أن الله لن يتقبل مني أي عمل كان: صلاة أو زكاة أو عمرة أو غير ذلك من أمور الدين الإسلامي، وأن مثواي لا محالة النار، أحتاج إلى من يأخذ بيدي، ينصحني، ينتشلني من حالة الضياع التي أنا فيها، أكره كوني على هذه الحالة!!
وفوق كل هذا هناك مشكلة أخرى، وهي أني أشعر أني لم أصم أياما من رمضان، وأنا لا أعاني من أي شيء، أي لا يوجد هناك مانع من الصوم!!
والصراحة أني لست متأكدة إن كانت أياما من رمضان أو كانت من أيام شوال الستة، فعندنا عادة في منزلنا أن نصوم هذه الأيام الست كل سنة، فاختلطت الأمور علي، وهذه المشكلة حدثت لي في الفتره التي كنت فيها بعيدة عن الله، وأنا أعلم أنه من أفطر رمضان بدون سبب لا يقبل الله له صوما، وعليه كفارة، فماذا أفعل؟
أرجوك ساعدني وأفدني، أرجوك، أنا يائسة جدّاً، جعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله، وجزاك عن المسلمين جميعاً خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بد – أختي الفاضلة – أن تُحَدِّدِي أولا مكان المشكلة ثم تنطلقي في العلاج، وإن طلبتِ منَّا المساعدة في تحديدها فسنقول لكِ: المشكلة في نفسك أنتِ وليس في شيءٍ آخر! ولن تكون المساعدة التي يقدمها لك الآخرون نافعة حتى تأخذي أنتِ بنفسكِ إلى النجاة.
والمشاعر التي بثثتِيها في سؤالك تدل على أن مقومات الاستقامة والصلاح موجودةٌ فيك، فإن المؤمن هو الذي يحاسب نفسه ويعاتبها، ويبدو أنك تقومين بذلك.
والمؤمن يخاف تقصيره وذنوبه، ويراها كأنها جبل يوشك أن يقع عليه، ويظهر أنك تشعرين بذلك أيضا.
والمؤمن يرتفع بإسلامه وإيمانه، ويعتز بانتسابه إلى هذا الدين العظيم، ويحب نبيه الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم، ورسالتك تنضح بذلك؟!!
إذاً فكيف اجتمعت هذه الصفات مع التقصير في أعظم واجبات الدين، وهي الصلاة؟!
ليس عندنا تفسير لذلك سوى سوء إدارة النفس وضعف التحكم فيها، وإلا فأداء الصلاة لا يستغرق جهدا ولا وقتا، ما هي إلا دقائق يخلو فيها المرء بربه، يناجيه بحاجته، ويبث إليه ثقل الدنيا، ويشكو إليه شوقه إليه وإلى رحمته.
فإذا كانت أنفسنا لا تحتمل الالتزام بهذه الدقائق المعدودة، فلا أظننا ننجح في حياتنا أبدا، فإن قيادة النفس تحتاج إلى شيء من العزم والحزم، ونحن المسلمين لم يكلفنا ربنا فوق طاقتنا، بل لم يكلفنا ما يشق علينا، وهو سبحانه يحب أن يتوب علينا ويخفف عنا.
قال سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185
وقال سبحانه: (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً. يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) النساء/26-28
والصلاة رحمة فرضها الله علينا من جوده وكرمه، من حافظ عليها وقام بحق القيام بها: رأى فضل الله تعالى علينا حين كتبها علينا، وعرف أن الإنسان المحروم هو الذي حرم نفسه لذة الصلة بالله سبحانه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الصَّلَاةُ خَيرٌ مَوضُوعٌ، فَمَنِ استَطَاعَ أَن يَستَكثِرَ فَلْيَستَكثِرْ)
رواه الطبراني (1 / 84) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (390) .
وانظري كيف عقب الله تعالى آيات فرض الطهارة للصلاة بقوله:
(مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6.
والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي تحبينه وتحبين سيرته كان يقول:
(جُعِلَت قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلَاةِ) رواه النسائي (3940) وحسنه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (3 / 116) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
فكيف يرضى المؤمن لنفسه أن تفوته تلك الخيرات والبركات؟.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
فواأسفاه وواحسرتاه كيف ينقضي الزمان وينفذ العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة، وخرج من الدنيا كما دخل إليها، وما ذاق أطيب ما فيها، بل عاش فيها عيش البهائم، وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياته عجزاً، وموته كمداً، ومعاده حسرة وأسفاً، اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
" طريق الهجرتين " (ص 327) .
ولا أذكر لك هذا الكلام لأزيد اليأس الذي تشعرين به، إنما كي تسعي جاهدة للتخلص منه، فهو لم يصبك إلا لعجزك عن أداء أسهل الفرائض، فعرفتِ أنكِ عن سواها أعجز.
ويجب أن لا تجعلي في حياتك مجالاً لليأس في جنب الله؛ ويجب أن تعلمي أنه سبحانه يكره القنطين: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر/56، ويحب عباده المستبشرين برحمته وفضله، ومن سعة كرمه أنه يغفر السيئات، ويصفح عن الزلات، بل قال سبحانه وتعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/70-71، وقد قال بعض الحكماء: " لا يأتي بالأمل إلا العمل "، ولن يخرجك من حالة اليأس التي أوقعك الشيطان فيها إلا البدء بالعمل، ومحاولة الالتزام بالاستقامة،
ولو تخللها في البداية بعض النقص.
قال الله تعالى: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) ؛ فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانه، ورحمته، وروحه.
" إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "؛ فإنهم ـ لكفرهم ـ يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين. ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد، يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه." تفسير ابن سعدي.
وأول ما يجب أن تبدئي به أن توجدي في نفسك همّاً كبيراً وحرصا عظيما للمحافظة على الصلاة، كما هو الهم الذي تستشعرينه لأمور الدنيا الأخرى من طعام وشراب ودراسة وزواج ونحو ذلك، فإن كل عمل يسبقه اهتمام وتفكر، وقد كان بعض السلف يجاهد نفسه على الإكثار من نوافل الصلاة مجاهدة عظيمة، حتى قال ثابت البناني رحمه الله: كَابَدتُ الصلاة [يعني: قيام الليل] عشرين سنة، واستمتعت بها عشرين سنة.
ولا يكفي هذا الفكر والاهتمام حتى يقوم بموازاته فكر واهتمام بوسائل المحافظة على الصلاة، وكيف تحتالين على نفسك حتى تلتزم بما فرض الله تعالى، والإنسان يملك قدرة كبيرة في حسن اختيار الأساليب التي تعينه على ما يريد.
احرصي أن تقومي مباشرة إذا سمعت صوت المؤذن بالتكبير، واستشعري أنه سبحانه أكبر من كل الدنيا التي أنت منشغلة بها، ثم اعمدي إلى محرابك لتصلي ما كتب الله لك، ولا تنسي أن تقولي الدعاء الذي علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم دبر كل صلاة: (اللهم أعِنِّي على ذِكْرِك وشُكْرِك وحُسْنِ عِبادتِك) .
وقد ذكرتِ أنكم أهل بيت حريصون على صيام الست من شوال، وهذه أمارة صلاح وإحسان تعينك على أداء الصلاة في وقتها، حين ترين الوالدة والإخوة يقيمونها في وقتها، واحمدي الله تعالى على ذلك، فكم من شكاوى تأتي من أبناء يضربهم أهلهم على ترك الصلاة وخلع الحجاب، وأنت قد أكرمك الله تعالى بالأهل الذين يعينونك على تقوى الله تعالى.
صاحبي الفتيات المصليات المستقيمات، واطلبي منهن العون على الصلاة، وتذكيرك بها، والتواصي عليها، وقد يكون ذلك خير معين لك.
وأخيرا احذري المعاصي، فهي أساس كل داء، والمعصية تأتي بأختها وهكذا حتى تجتمع على الإنسان فتهلكه، فتثقل العبد عن صلاته، وتحرمه من نورها وبركتها، نسأل الله السلامة.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
المعاصي تزرع أمثالها، وتولد بعضها بعضا، حتى يعِزَّ على العبد مفارقتُها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.
" الجواب الكافي " (ص 36) .
ثانيا:
أما سؤالك عن صيام رمضان، وأنك تشكين في تركك صيام أيام منه من غير عذر، فنقول لك: لا تلتفتي لهذه الشكوك، إذ يبدو أن الغالب على ظنك أنك أديت تلك العبادة في وقتها مع أسرتكِ، وغلبة الظن كافية لبراءة الذمة، ولا عبرة بالشك بعد ذلك.
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 143) :
الشك بعد الانتهاء من الطواف والسعي والصلاة لا يلتفت إليه؛ لأن الظاهر سلامة العبادة.
انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله -:
إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة: فإنه لا يلتفت إليه، ما لم يتيقن الأمر.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (14 / السؤال رقم 746) .
ثم إن ترك الصيام بغير عذر لا يوجب القضاء ولا الكفارة، وإنما يوجب التوبة والاستغفار، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50067) .
أسأل الله تعالى أن يكتب لك أجرك، وأن يثبت قلبك على الحق والدين، وأن يعيذك من الشيطان الرجيم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/286)
أمه لا تحب زوجته فأدى ذلك إلى سكنه عند أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي لا تحب زوجتي، مما أدَّى إلى خروجي من المنزل والعيش مع زوجتي في منزل والديها؛ فما العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس من الضروري أن تعيش مع أهلك، بل قد يكون من الخير لك ولزوجتك ولأمك أن تعيش مع زوجتك خارج بيت والديك، وفي الغالب فإن من يسكن مع أهله – أو حتى قريبا منهم – لا تخلو حياته من منغصات ومشكلات، والعقلاء الذين يزِنون الأمور بميزان الشرع والحكمة قليل، وخاصة من النساء بسبب ما يحصل بينهن من غيرة وتنافس.
وقد يكون في سكنك خارجاً عن أهلك ما يُصلح العلاقة بين أمك وزوجتك، فالبُعد غنيمة في كثيرٍ من الأحيان، فلا داعي للقلق، وربَّ شيء تراه ضارّاً وتغتم له ثم يكون فيه الخير، وقد يتولد الشوق من أمك لك ولأحفادها ببُعدك عنها، وقد يختلف شعورها تجاه زوجتك إذا كانت بعيدة عن ناظريها، ولا تراها إلا قليلاً، وهذا مشاهد ومجرَّب.
وأما إذا أردت الحل لأصل المشكلة، وهي عدم محبة أمك لزوجتك: فلا بدَّ لك من البحث عن أسباب عدم المحبة، ومعرفة موانع وجود المحبة، وهذه بعض الأسباب التي يمكن أن تكون أدَّت لعدم محبة أمك لزوجتك:
1. كثرة الخلطة، وهو ما يولِّد كثرة الكلام، ومن كثُر كلامه كثر لغطه وخطؤه.
2. الغيرة من تعلق زوجتك بها وحبك لها، وهذا موجود بكثرة، فترى أم الزوج تغار من تعلق ابنها بزوجته، وتلبيته لرغباتها، وترى أن هذه الزوجة قد أخذت ابنها منها.
3. سوء تعامل زوجتك مع أمك، فبعض الزوجات لا تحسن التعامل مع أم زوجها، فلا تلبي لها طلباتها، ولا تظهر لها الاحترام والتقدير، فتقع بينهما من المشاكل الشيء الكثير.
4. تقصيرك في حق أمك، وعدمه في حق زوجتك، فلا تستطيع الأم بغض ولدها، بل تجعل ذلك – فيما بدا لها – في السبب وهو زوجته، فتبغضها.
فهذه بعض الأسباب التي قد تولِّد بغض أمك لزوجتك، وإذا تبين لك أنها موجودة كلها أو بعضها: فلا بدَّ لك من معالجتها بالحكمة والحسنى.
وننصحك أن تقوم بهذه الخطوات لتوجِد المحبة بين أمك وزوجتك:
1. السكن بعيداً عن والدتك، وأن تخبر أمك أنك فعلتَ هذا مع عدم رغبتك به من أجلها، ومن أجل أن لا تضغط أمك على نفسها فيسبب لها آلاماً وأمراضاً.
2. أن توصي زوجتك بالإكثار من بعث الهدايا لأمك، سواء المادية منها كاللباس والطعام وغيرهما، أو المعنوية كبعث السلام والسؤال عن صحتها.
3. توسيط عقلاء ممن تحبهم والدتك لتغيير نظرتها تجاه زوجتك، وهنا قد يكون لطرف خارجي من التأثير ما يفوق تأثير ولدها وزوجها عليها.
على أننا نشير هنا إلى أنه ينبغي عليك، ما دمت تركت السكن مع أمك، أن تجتهد في الاستقلال بمسكن خاص بك، بعيد عن أهل زوجتك أيضا، فإن انتقالك إليهم ربما يعمق هوة الخلاف بين الطرفين، ثم إنه لا يكون ـ في العادة ـ مستحبا في استقامة الحياة الزوجية، وربما تولدت عنه آثار سلبية في العشرة بين الزوجين.
ولا تنس دعاء الله تعالى أن يهدي الجميع لما يحب ويرضى، والدعاء بأن يؤلِّف الله تعالى بين القلوب، وأن يصلح بالهم، ويهديهم لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/287)
حكم التخيلات الجنسية
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجنا مند 3 سنوات ونصف، هو طيب جدّاً، متدين جدّاً، ونعبد الله معا ما استطعنا، والحمد لله، المشكلة بدأت معي من أول الزواج , كان لابد له أثناء الجماع أن يحكي لي قصصا جنسية، وأنا أتخيل؛ لأني لم أكن أستطيع أن أقضي وطري بدونها، وحتى أشبع لابد أن أتخيل، المشكلة عندي للآن، وأحس بتأنيب ضمير بعد كل جماع، تلاحقني التخيلات وأنا معه حتى أنتهي - لا أتخيلني مع شخص آخر أبداً أبداً , فقط أناس لا أعرفهم - أخبرته بهده المشكلة، ولم يغضب , لكن أنا أحس بنوع من الخيانة , ماذا أفعل؟ أفيدوني أرجوكم، وما حكم الشرع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التخيلات الجنسية جزء من الخواطر التي تطرأ على ذهن الإنسان بسبب ما يستدعيه العقل الباطن من صورٍ مختزنةٍ أوحتها له البيئة التي يعيش فيها، والمناظر التي يراها، وهي تخيلات تصيب أغلب الناس، وخاصة فئة الشباب، لكنها تختلف من شخص لآخر من حيث النوع والإلحاح والتأثير.
والشريعة الإسلامية شريعة الفطرة، جاءت منسجمةً مع الطبيعة البشرية، وملائمةً للتقلبات النفسية التي جعلها الله سبحانه وتعالى جزءا من التكوين البشري، فلم تتعد حدود الممكن، ولم تكلِّف بما لا يطاق.
يقول الله سبحانه وتعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُُسْعَهَا) البقرة/286، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعمَلُوا بِهِ) رواه البخاري (2528) ومسلم (127) .
قال النووي - رحمه الله - في شرح هذا الحديث:
وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه: فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه.
" الأذكار " (ص 345) .
والتخيلات العارضة تدخل في دائرة حديث النفس المعفو عنها بنص الحديث السابق، فكل من تصورت في ذهنه خيالات محرمة، طرأت ولم يطلبها، أو حضرت قَسرًا ولم يَستَدْعِهَا: فلا حرج عليه، ولا إثم، وإنما عليه مدافعتها بما يستطيع.
ثانياً:
وأما إذا كان الشخص يتكلف التخيلات المحرمة، ويستدعيها في ذهنه، فقد اختلف كلام الفقهاء في تكييف هذه الحالة، وهل هي داخلة في دائرة العفو أو في دائرة الهم والعزم المؤاخذ به؟
والمسألة يذكرها الفقهاء بالتصوير التالي:
لو أن رجلا وطئ حليلتَه متفكِّرا في محاسن أجنبيَّةٍ، حتى خُيِّلَ إليه أنَّه يطؤُها، فهل يحرم ذلك التفكر والتخيُّل؟ اختلفت في ذلك أقوال الفقهاء:
القول الأول: التحريم، وتأثيم من يستحضر بإرادته صُوَرًا محرَّمَةً ويتخيلها حليلته التي يجامعها.
قال ابن عابدين الحنفي – رحمه الله -:
والْأَقْرَب لقَوَاعِد مَذهَبِنَا عَدمُ الحِلِّ، لأَنَّ تَصَوُّرَ تلك الأَجنبِيَّةِ بَينَ يَدَيْهِ يَطَؤُهَا فيهِ تَصويرُ مُبَاشَرةِ المَعصِيَةِ عَلى هَيئَتِهَا.
" حاشية رد المحتار " (6 / 272) .
وقال الإمام محمد العبدري المعروف بابن الحاج المالكي – رحمه الله -:
ويتعين عليه أن يتحفظ في نفسه بالفعل، وفي غيره بالقول، من هذه الخصلة القبيحة التي عمَّت بها البلوى في الغالب، وهي أن الرجل إذا رأى امرأةً أعجبته وأتى أهله جعل بين عينيه تلك المرأة التي رآها.
وهذا نوع من الزنا؛ لما قاله علماؤنا رحمة الله عليهم فيمن أخذ كُوزا يشرب منه الماء، فصوَّرَ بين عينيه أنه خمر يشربه، أن ذلك الماء يصير عليه حراما.
وما ذُكر لا يختص بالرجل وحده، بل المرأة داخلة فيه، بل هي أشد؛ لأن الغالب عليها في هذا الزمان الخروج أو النظر من الطاق، فإذا رأت من يعجبها تعلق بخاطرها، فإذا كانت عند الاجتماع بزوجها جعلت تلك الصورة التي رأتها بين عينيها، فيكون كل واحد منهما في معنى الزاني، نسأل الله السلامة منه.
ولا يقتصر على اجتناب ذلك ليس إلا، بل ينبه عليه أهله وغيرهم، ويخبرهم بأن ذلك حرام لا يجوز.
" المدخل " (2 / 194، 195) .
وقال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -:
ذكر ابن عقيل وجزم به في " الرعاية الكبرى ": أنه لو استحضر عند جماع زوجته صورةَ أجنبيَّةٍ محرَّمَةٍ أنَّه يأثم، ... أما الفكرة الغالبة فلا إثم فيها.
" الآداب الشرعية " (1 / 98) .
ودليل هذا القول: ما يرجحه طائفة من أهل العلم من أن خواطر النفس إذا أصبحت عزيمة وإرادة دخلت في دائرة التكليف، والتخيلات المحرمة التي يجلبها الذهن بإرادته انتقلت من دائرة العفو؛ لأنها أصبحت هَمًّا وعزيمة يحاسب عليها المرء.
قال النووي – رحمه الله -:
وسبب العفو (عن حديث النفس) ما ذكرناه من تعذر اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراما.
" الأذكار " (345) .
القول الثاني: الجواز، وأنه لا حرج على من فعل ذلك: وهو قول جمع من متأخري الشافعية: منهم السبكي والسيوطي.
قالوا: لأن التخيلات ليس فيها هم ولا عزم على معصية، إذ قد يتخيل في ذهنه أنه يباشر تلك المرأة الأجنبية وهو مع ذلك ليس في قلبه عزم على فعله والسعي إليه، بل قد يرده لو عرض عليه.
جاء في " تحفة المحتاج في شرح المنهاج " (7 / 205، 206) - وهو من كتب الشافعية -:
" لأنه لم يخطر له عند ذلك التفكر والتخيل فعل زنا ولا مقدمة له، فضلا عن العزم عليه، وإنما الواقع منه تصور قبيح بصورة حسن " انتهى.
وانظر " الفتاوى الفقهية الكبرى " (4 / 87) .
والذي يبدو أن الراجح القول بكراهة ذلك التخيل إن لم نقل بالتحريم، وذلك للأسباب التالية:
1. أن كثيراً من المتخصصين النفسيين يعدون التخيلات الجنسية اضطرابا نفسيا إذا سيطرت على عقل الإنسان بحيث تفقده كل لذة تأتي من غير طريق تلك التخيلات، وذلك قد يفضي إلى تخيلات جنسية غير سوية.
2. أن الشريعة الإسلامية جاءت بقاعدة سد الذرائع، ومنع كل باب يفضي إلى الشر، وإفضاءُ التخيلات الجنسية إلى الوقوع في المحرمات أمر متوقع، فإن مَن أَكثَرَ مِن تصور شيء وتمنيه لا بد وأن تحفزه نفسه إلى الحصول عليه، والسعي إلى الاستكثار منه، فيبدأ بالتطلع إلى الصور المحرمة، وتعتاد عيناه على مشاهدة المحرمات، سعيا لتحقيق الشبع الذي أصبح مرتبطا بتلك التخيلات.
3. أن غالب تلك التخيلات إنما تجتمع في الذهن بالأسباب المحرمة، عن طريق فضائيات الرذيلة، ومشاهدات الواقع المتحلل من كل خلق في بلاد الكفار، حيث ينعدم الحياء وتصبح مناظر ممارسة الجنس عادةً يومية يعايشها من يسكن في بلادهم ويخالطهم في أعمالهم.
4. وأخيراً قد تفضي كثرة تلك التخيلات إلى زهد الزوجين ببعضهما، فلا تعود الزوجة محل نظر الزوج، كما لا يعود الزوج محل إقبال الزوجة، وتبدأ حينئذ رحلة المعاناة والمشاكل الزوجية.
ولذلك كله، فالنصيحة لكل من ابتلي بمثل تلك التخيلات أن يسارع إلى إيقافها والتخلص منها، ويمكنه الاستعانة بالوسائل التالية:
1. الابتعاد التام عن كل ما يثير تلك التخيلات من الأفلام والمشاهد المحرمة التي تعرضها الفضائيات، والابتعاد عن قراءة القصص التي كانت السبب في تولد تلك التخيلات، وقد سبق في موقعنا الحديث عن حرمة قراءة تلك القصص الجنسية، فانظري جواب السؤال رقم (34489) .
قال الغزالي في " إحياء علوم الدين " (1 / 162) :
" وعلاج دفع الخواطر الشاغلة: قطع موادها، أعني النزوع عن تلك الأسباب التي تنجذب الخواطر إليها، وما لم تنقطع تلك المواد لا تنصرف عنها الخواطر " انتهى.
2. المحافظة على الأذكار الشرعية، وخاصة تلك التي تقال قبل الجماع (الَّلهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيطَانَ مَا رَزَقتَنَا) رواه البخاري (141) ومسلم (1434) .
3. الانشغال باللذة الحاضرة عن اللذة الغائبة، فإن في كل من الزوجين ما يغني الآخر عن التطلع إلى الحرام، فإذا انشغل الزوجان بمحاسن بعضهما واستغرقا في ذلك لم تنصرف الخيالات إلى شيء آخر.
4. تصوري لو كان خيال زوجك يجول في مثل ما تجولين فيه، هل ستكونين راضية عن ذلك؟ ألن يشعرك ذلك بعدم الرضا؟ فكيف ترضين أنت أن تصيبي زوجك بمثل هذا الشعور، فاحرصي على استغلال هذه الفكرة للتخلص مما تجدين.
5. استشارة المختصين النفسيين، فلا حرج عليك أن تراجعي الطبيبة النفسية أو الأسرية وتطلبي نصيحتها في حالك، وستجدين عندها ما يساعدك إن شاء الله تعالى.
وأسأل الله لك ولزوجك التوفيق والسعادة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/288)
تسببت أختها بخلاف مع زوجها فأقسمت أن لا تكلمها فهل تتراجع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة، ولدي أخت تكبرني وتزوجتْ من بعدي وسافرتْ للخارج مع زوجها، لكنها عندما كانت تأتي لزيارتنا كنت أستقبلها وزوجها في بيتي وفي حضور زوجي، ولم يكن يظهر مني لزوجها إلا وجهي فقط، وذات مرة أرسل لي رسالة يعترف فيها بحبه لي وأنه يريد إقامة علاقة غير شرعية معي، علما بأنني لم أعطه بريدي بل أخذه من أختي، أخبرت زوجي بهذه الرسالة وأقسم أنه سيوسعه ضربا بالحذاء - أكرمكم الله - أمام جميع الخلق بمجرد عودته من الخارج، وقمت أنا بإبلاغ أختي بالموضوع كله، في بادئ الأمر أعربت عن أسفها، ثم طلبت مني أن أسامحها؛ لأنه ليس لها أي ذنب، وقد قمت بذلك أنا وزوجي لوجه الله وعلماً منَّا أنه ليس لها أي ذنب، اتصلتْ في اليوم التالي لتقول لي إن زوجها اعترف لها أنه قد كتب هذه الرسالة وأنه كان يمزح فقط وأقسم لها بذلك، بعد ذلك اتصل زوجها بزوجي وأخبره أنه لم يكتب أي شيء، وأقسم بذلك، وأخبره أنه من المستحيل أن يفعل شيئاً كهذا، وأن لا فكرة لديه عن الرسالة - علماً بأنها كانت باسمه ومن بريده -، ثم حادثتْ أختي زوجي ونفت ما قالته من قبل، وقالت له بأنها هي من قام بكتابة الرسالة حتى تحدث خصاما بين زوجها وزوجي، مبررة ذلك بأن زوجها حين يختلط بزوجي يتحدثان بسخرية عن والدي. فضيلة الشيخ: لقد سمعت أختي وهي تقول لزوجي ذلك لأنه كان يحادثها من مكبر الصوت وهي لا تعلم، فغضبت، وأخذت الهاتف وقلت لها: " أنت لست أختي إلى يوم الدين، وأنا لا أعرفك، ولا أريد أي صلة لك بي وبزوجي، لا أنت ولا زوجك ولا بناتك "، ولم أرها أو أتحدث معها منذ سنة تقريبا، علما بأنها عادت إلى الوطن، وتعيش هنا الآن , فهل عليَّ أي إثم - علما بأني لا أنوي أبدا أن أكلمها أو أراها في المستقبل -؟ . جزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نرجو أن يكون في مثل هذه المشاكل عبرة وعظة للجميع، فكل الذي حصل معكم هو من شؤم المعصية، ونتيجة التساهل في الأحكام الشرعية، وجماع المخالفات يرجع إلى مسألتين: الاختلاط في الزيارات، وكشف وجهك أمام زوج أختك.
والزيارات الأسرية كثيراً ما يتساهل فيها الناس فتجدهم يجلس رجالهم مع نسائهم دون أدنى تحرج، ظانين أن الأمر ليس فيه مخالفة للشرع، وغافلين عن آثاره السيئة، وهذا الاختلاط باب شر كبير يفتحه الناس ليدخلوا منه على مشاكل ومفاسد تسبِّب غضب الرب وتقطِّع أواصر هذه الأسر، فيحصل الإعجاب والمواعدة والمراسلة وقد يتطور الأمر – كما في كثير من الحوادث – إلى الزنا – والعياذ بالله -.
وأما المخالفة الثانية فهي كشفكِ لوجهكِ أمام زوج أختك، والواجب على المرأة أن تستر كامل بدنها ووجهها عن الرجال الأجانب، وبالأخص من له خلطة في بيتها كأقرباء زوجها، أو له كثرة حضور كزوج أختها.
وينظر في المسألتين:
جواب السؤال رقم (1200) ففيه تفصيل الحكم في الاختلاط.
وجواب السؤال رقم (11774) ففيه بيان حكم تغطية الوجه بالأدلة التفصيلية.
ثانياً:
قد تعدت العلاقة بين أسرتك وأسرة أختكِ إلى أكثر من حدها الشرعي حتى تجرأ وأرسل زوج أختكِ – كما ظهر أولاً - رسالة يطلب إقامة علاقة غير شرعية!! وهذا من ثمار التساهل في الأحكام الشرعية كما سبق.
وادعاؤه المزح عذر قبيح، فهو مزح فاحش.
ثالثاً:
إن قطيعتك لأختك وأولادها أمر منكر، ويمينك يمكنك التكفير عنه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم تستطيعي فتصومين ثلاثة أيام.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ) . رواه البخاري (6343) ومسلم (1652) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) . رواه مسلم (1650) .
ويجب على زوجك أيضاً كفارة يمين لأنه أقسم أن يضربه، ثم لم يفعل.
وإنكار زوج أختك ما فعله بعد إقراره عجيب، واعتراف أختك بأنها هي التي أرسلت وتراجعها عن كونها لا تعلم إلى أن تصبح هي المرسلة عجيب، ولا شك أن أحدهما كاذب، فإما أن تكون هي المرسلة وأراد أن يغطي فعلتها، أو يكون هو المرسل وأرادت أن تغطي فعلته بنسبة الأمر إليها، وبكل حال: فمثل هذه العلاقات على هذه الحال ضررها أكثر من نفعها.
رابعاً:
الذي نراه أنه إذا صلح حال أختكِ واعترفت بذنبها وتابت منه توبة صادقة: أنه ليس لك مقاطعتها، بل الواجب عليكِ أن تُرجعي علاقتكِ بها، و (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ، و (كل ابن آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون) ، ولا علاقة لأبنائها بما حصل منها، فأنت خالتهم وهم جزء منك، وفي الحديث الذي رواه البخاري (2335) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الخالة بمنزلة الأم) .
وكذلك الأمر بالنسبة لزوجها، فإن تاب وأناب فلا مانع من إرجاع علاقة زوجك معه، على أن يكون ما حصل عبرة وعظة لكم، وإن رجعت العلاقات بينكم فلا يحل لكِ كشف وجهك أمامه، ولا يحل لكم أن تجلسوا جميعاً معاً، واحرصي على أن تكون مجالستك لأختك مجالسة نفع وخير، تتواصيان فيها على الطاعة، وتجتمعان فيها على ما يرضي الله.
ونسأل الله تعالى أن يهديكم جميعاً لما يحب ويرضى، وأن يصلح قلوبكم، وأن يجنبكم الفتن ومجالس السوء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/289)
عقد عليها وتغير حالها فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عقدت قراني على إحدى قريباتي منذ ستة شهور، مع العلم أني أعمل في دولة أخرى، حيث تمت فترة الخطبة وحتى العقد وأنا في السفر، منذ أن تم العقد وزوجتي اختلفتْ كثيراً وأصبحتْ متشائمة جدّاً، وتُردد أنها لا تحس بالسعادة معي، ولا تتوقعها في المستقبل لذا فهي تطلب الطلاق، فهل يجوز لي تطليقها - مع العلم أنها أصبحت تعاندني في أمور هامة بالنسبة لي مثل الحجاب الشرعي الكامل، وعملها في مكان مختلط، وأنا أحب أن أحافظ على ديني -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الطلاق الكراهة؛ لأنه يحصل به من تقطع أواصر المصاهرة، وتشتيت الأسرة، وضياع الأولاد.
قال شيخُ الإسلامِ ابنِ تيمية - رحمه الله -:
الأصلُ في الطلاقِ الحظرُ، وإنما أبيحَ منه قدرَ الحاجةِ.
" مجموع الفتاوى " (33 / 81) .
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
الأصل في الطلاق الكراهة، والدليل: قوله تعالى في الذين (يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِم) أي: يحلفون ألا يجامعوا مدة أربعة أشهر (فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وهذا فيه شيء من التهديد، لكن في الفيء، أي: الرجوع، قال: (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فدل هذا على أن الطلاق غير محبوب إلى الله عز وجل، وأن الأصل فيه الكراهة، وهو كذلك.
" الشرح الممتع " (10 / 428) .
ولكن لما كانت طباع الناس وأخلاقهم ودينهم يتفاوت ويختلف من شخص لآخر، كان لا بدَّ من تشريع الطلاق في شرع الله تعالى، فقد تتأذى المرأة ببقائها مع زوجها لقلة دينه أو سوء خلقه أو غلظ طباعه، كما قد يتأذى الرجل ببقاء زوجته معه لعدم صلاحيتها لتربية أولاده، أو عدم إعطائه حقه من العشرة بالمعروف، ومن هنا كان تشريع الطلاق موافقاً للحكمة وموافقاً لطبيعة الخِلقة.
وقد يكون لكلا الزوجين في اختياره الآخر بعد الطلاق ما تستقيم به حياتهما، كما قال تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء/130، لذا فليس الطلاق نهاية الدنيا، ويمكن أن يكون الطلاق الوسيلة الناجعة لما بين الزوجين من تنافر في الطباع، وعدم توافق في السلوك والأخلاق والأفعال.
وعليه: فالذي ننصحك به هو توسيط العقلاء من أهلك وأهلها لإقناعها بضرورة تغيير سلوكها وتصرفاتها معك، وأن تعاهدك على السير على الطريق المستقيم في حياتكما الزوجية من غير اعوجاج ولا انحراف، وإخبارها بأنه بمثل هذا يمكنك الاستمرار معها للزواج، فإن استجابت وقبلت هذا فالحمد لله، ولعل الله أن يؤدم بينكما، ويجمع بينكما على خير، وننصحك بأن تتريث فترة قبل إتمام الزواج، لترى مدى رغبتها في الاستقامة في الحياة معك، ثم مدى قدرتها ـ بالفعل ـ على تنفيذ ذلك؛ فإن ما ذكرته لنا من حالها يجعلنا نشك ـ بقوة ـ في رغبتها في ذلك التوافق، أو قدرتها عليه.
وإن لم تقبل فالذي نراه أن تطلقها، وطلاقها الآن خير لك ولها من طلاقها بعد الدخول، أو بعد الإنجاب.
ولو فعلتَ هذا وحصل الطلاق فليس عليك إثم؛ لأن الطلاق في حقك هنا يكون واجباً أو مستحبّاً وخاصة إذا أصرَّت على عملها المختلط، وهو أمرٌ محرَّم لا ينبغي لك التفاوض عليه، بل يجب إلزامها بالخروج منه، ولو أصرَّت فيكفي هذا الأمر لتطليقها، فكيف إذا انضم إليه ما عندها من أمور أخرى؟! .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/290)
أشغلها العشق وأثَّر عليها فهل تراجع طبيبا نفسيّاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في التاسعة عشرة من عمري، وإني مولعة بشخص، ولكنني أعرف أن هذا الحب حرام في الدين الإسلامي، وأعرف أنه لا يحبني، ولكن لا جدوى من نسيان هذا للمرض حتى أنني عندما فكرت في نسيانه واجهتني مشاكل البحث عن حب جديد، وقد بدأت أفكر في المتزوج والعازب والصديق وابن العم ... الخ، حتى وقعت في الكثير من عدم الثقة بنفسي، والتفكير الكبير في هذا الموضوع قد بدأ يقلقني حتى أصبحت أفكر أن هناك سحراً وأريد أن أذهب إلى شيخ ولكن مترددة قليلا، ولا أعرف ماذا أفعل، والآن أريد أن أذهب إلى الطبيب النفسي، فهل هذا حرام وأنه لجوء إلى غير الله تعالى؟ ولكن لا أعرف أيضا ما حل هذه المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست قضيتك ـ أيتها السائلة الكريمة ـ قضية سحر ونفث، حتى تحتاجي إلى الذهاب إلى راق يرقيك، وليست قضية مرض نفسي أو عصبي، حتى تحتاجي إلى الذهاب إلى الطبيب؛ إنما قضيتك قضية قلب أصابه مس من الشيطان ووسواسه، وألقى فيه جمارا من العشق الحرام، وأنت رحت تشعلين جذوة الشهوة بسهام النظر المسمومة، والخيالات الفاسدة، والأماني الكاذبة، حتى وصل بك الحال إلى ما ترين من المرض!!
قال ابن القيم رحمه الله: فصل: في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج العشق
(هذا مرض من أمراض القلب، مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم عز على الأطباء دواؤه وأعيى العليل داؤه..)
ثم قال: (وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى، المعرضة عنه المتعوضة بغيره عنه؛ فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه، دفع ذلك عنه مرض عشق الصور؛ ولهذا قال تعالى في حق يوسف: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) يوسف/24، فدل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته؛ فصرف المسبب صرف لسببه، ولهذا قال بعض السلف: العشق حركة قلب فارغ..) زاد المعاد (4/265، 268) .
فاعلمي أيتها السائلة، صانك الله عن أسباب غضبه، أن أصل هذا الداء يبدأ من النظرة المحرمة، التي هي رسول البلاء، وبريد الداء إلى القلب، ثم القلب يسرح في خيالاته، حتى يصل إلى تمني الحرام أو تخيله، كما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ) رواه البخاري (6243) ومسلم (2657)
وحينئذ، فالواجب عليك سد الطريق الموصلة إلى هذا الداء، والبعد عن أماكن البلاء والعدوى، ولهذا أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) النور/ 30-31.
وأعظم ما يعين العبد على حفظ فرجه، أن يجعله فيما أحل الله له، فيتزوج، إن كان ذلك ميسورا له، وقد تعلق قلبه بإنسان معين، يمكنه الزواج منه. كما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (لمْ يُر للمتحابيْن مثل النكاح) - رواه ابن ماجة (1847) وصححه الألباني في " صحيح سنن ابن ماجه "
وإن كان له تعلق بأمر الزواج، من أجل تحصيل العفة، وإحصان الفرج، من غير أن يكون تعلقه بإنسان معين، فهذا يكون أسهل له، ويمكنك ـ حينئذ ـ أن تسعي في التعجيل بأمر زواجك، وتذليل العقبات التي تحول دونه، ولا حرج عليك ولا عيب في السعي في تحصيل العفة، وإحصان نفسك، ويمكنك أن تستعيني في تحصيل ذلك بمن تثقين منه من أخت، أو قريبة صالحة، أو والدة تتفهم أمرك.
وحتى يتم لك ذلك، فاشغلي قلبك وبدنك بطاعة الله تعالى، وضيقي مداخل الشيطان إلى قلبك، ولا تتركي له فرصة من غفلة، أو فكرة شاردة. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (1905) ومسلم (1400)
والباءة: أعباء الزواج وتبعاته , وقوله وجاء: مراده أن الزواج يقطع الشهوة.
ثم اعلمي أن من أنفع الدواء، وأرجى الأسباب لمن ابتلي بذلك: صدق اللجأ إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، وأن يطرح نفسه بين يديه على بابه، مستغيثا به متضرعا متذللا مستكينا؛ فمتى وفق لذلك فقد قرع باب التوفيق، فليعف وليكتم..
قال صلى الله عليه وسلم: (.. وَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ) رواه البخاري (6470) ومسلم (1053) .
وأنتِ يا أختنا السائلة تعلمين أن الطرف الآخر لا يبادلك الشعور نفسه، وتعلمين أنه لا مصير لك للزواج منه، فما تفعلينه حرام، وسفه في العقل، وأنتِ لا تزالين في مقتبل عمرك، والطريق أمامك سهل يسير أن تنعمي بحبٍّ شرعي من زوج صالح، فلا تُشغلي نفسك بما حرَّم الله عليكِ.
وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (21677) ما هو الأحسن في علاج القلق، وفيه وصايا مهمة، لا بدَّ من أن تتأمليها، وفيه بيان جواز العلاج عند الطبيب النفسي، مع أننا لا نرى لكِ ذلك؛ لأن داءكِ معروف وأنت سببه، وعلاجك هو بما ذكرناه لك ونصحناك به.
وذكرنا في جواب السؤال رقم (10254) مسألة امرأة متعلقة بشاب في المدرسة وتريد حلاًّ، فانظري – كذلك – في جوابها، ولعلك أن تستفيدي.
ونسأل الله تعالى أن يحبب إليكِ الإيمان وأن يزينه في قلبك، وأن يكرِّه إليكِ الكفرَ والفسوق العصيان، وأن يهديك لأحسن الأقوال والأفعال، وأن ييسر لكِ زوجاً صالحاً وذرية طيبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/291)
تريد مساعدة زوجها في شئون الزواج وأخواتها يرفضن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 23، مخطوبة، وأريد أن أساعد خطيبي في متطلبات الزواج حتى يتم الزواج في أسرع وقت؛ لأن حالته المادية غير متيسرة، وأخواتي لم يوافقن، مع العلم بأني سوف أساهم من أموالى الخاصة، فهل هذا جائز، أم الواجب أن يقوم بمتطلباته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أحسنتِ في نيتك مساعدة زوجك حتى يتم إكمال زواجه منكِ، وهو أمر تُشكرين عليه، ويدل على دينٍ متين وعقل راجح ومروءة بالغة.
وإعانتك لزوجكِ في إتمام زواجه إعانة على دينه وإيمانه، وهذا من أعظم الطاعات، وهو أمر محمود في شرع الله تعالى، وهو من أعظم مصارف المال.
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أُنْزِلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا أُنْزِلَ، لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ، فَقَالَ: أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ.
رواه الترمذي (3094) ، وابن ماجه (1856) وعنده: (تُعِينُ أَحَدَكُم عَلَى أَمْرِ الآخِرَة) ، والحديث حسَّنه الترمذي، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الشيخ المباركفوري – رحمه الله -:
(وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه) أي: على دينه، بأن تذكِّره الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات، وتمنعه من الزنى وسائر المحرمات.
" تحفة الأحوذي " (8 / 390) .
ولا شك أن الزواج يعين الرجل على الطاعة، ويصده عن المحرمات من النظر والسماع، ويمنعه من الوقوع في الزنا.
هذا من حيث المبدأ العام، لكن ينبغي أن تراعى بعض الأمور، منها:
1- جدية الرجل في أمر الزواج والسعي لتحصيل تكاليفه فإن بعض الناس يركن إلى هذه المسألة، ويعتمد عليها، ولا يجدّ في تحصيل ما هو مطلوب منه.
2- إذا كان الخاطب جاداً وكان لديه بعض تكاليف الزواج ويعجز عن قيمتها فلا مانع من مساعدته في بعض ما يحتاج، كأن تشارك الزوجة في شراء بعض الأثاث أو الأجهزة، أو في تكاليف العرس.
3- الخاطب أجنبي عن مخطوبته حتى يعقد عليها، فلا يحل له أثناء الخطبة أن يخلو بها أو يصافحها أو يخرج منعها، بل هو كغيره من الأجانب. انظري السؤال رقم (2572)
ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لما يحب ويرضى، وأن يرزقكما ذرية طيبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/292)
تعيش مع حماتها وبينهما مشاكل كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا زوجة منذ 10 سنوات تقريبا ولديَّ طفلان، أعيش منذ أن تزوجت مع والد ووالدة زوجي، بدأت حياتي وأنا أرجو أن نكوِّن أسرة وأن أعامل وكأني ابنة لهم وأعاملهم بنفس الطريقة، ولكن الحياة بيننا أصبحت ما يمكن أن يسمى " تعايش سلمي "، فهناك حوار ما دامت ليس لها ملاحظات عليَّ، لكني أفتقد الإحساس بالمحبة وخصوصا عندما أكون مريضة أو أحس بالتعب، لا أحس أنها تسأل عن صحتي باهتمام الأم، إن أنا قلت إني أحس بالتعب لا تسألني إن تحسنت حالتي أو كيف أصبحت فصرت لا أقول، وفي بعض الأحيان ردها على كلامي يوصل الإحساس أنها ترى أني أتصنع ذلك، وهذا يحز في نفسي، فأنا لا أطلب أن أستريح وتقوم هي بعمل المنزل ولكن مجرد الاهتمام بالسؤال عن صحتي، والمشكلة الأخرى تكمن في طبع والدة زوجي أنها كثيرة الانتقاد لتصرفات الآخرين، تكون في بعض الأحيان على صواب وأحيانا أخرى تكون فيها مبالغة، فهي تريد الأمور أن تتم كما تراها وغير ذلك فهو في نظرها خطأ، المشكلة أن حديثنا في الغالب ما يكون انتقادا لأشخاص سواء من الأصدقاء أم من الأقارب من جهتهم أو من جهتي، وانتقادها يكون غالباً حادّاً وخاصة إن كانت في حالة غضب من الشخص وفي بعض الأحيان يصل إلى حد الشتم، أولاً أنا أحس أننا نرتكب الكثير من الغيبة، وإن لم أرد عليها أو حاولت أن أبرر تصرفات من تنتقده في محاولة لرد غيبة الشخص المتحدث عنه انقلب عليَّ الحال، فالوضع الوحيد الذي يرضيها أن أقول إنها على حق وأن الطرف الآخر قد أخطأ، ولكن ذلك لا يتم إلا وقد جرحنا في الناس كثيراً، ويزيد من ضيقي أن يكون هذا النقد اللاذع لأهلي (أبى وأمي وإخوتي وأزواجهم) ، وقد يكون معها الحق أحيانا، فهم بشر ولهم عيوبهم وأخطاؤهم، ولكن أن نظل نتحدث عما حدث وننتقدهم والانتقاد لا يكون فقط على السلوك الذي حدث منهم وأغضبها (وطبعا بشكل لاذع) بل يكون أحيانا على تصرفاتهم في حياتهم الشخصية، وإن ظهر عليَّ الضيق غضبت مني، وقد توفي والد زوجي منذ ما يقل من عام فأصبح الوضع أكثر سوءا؛ أصبحتْ أشد حساسية وانتقاداً للنظرة والحركة والكلمة وطريقة كلام من نعرفهم، وانتقل هذا الانتقاد لي أنا شخصيّاً في كل أمور حياتنا؛ طريقة معاملتي لزوجي (ابنها) ، وتعاملي مع أولادي، وتعاملي مع أهلي، فهي تريديني أن ألومهم على ما تراه هي أن فيه خطأ ما مباشرة وأن لا أفوت لهم أي تصرف دون معاتبة، ولكن أنا أرى أن إخوتي يجاملونها (إرضاء لخاطري) ، وحتى إن غضبتْ من أحدهم لتصرُّف صدر عنه يأتي للاعتذار – أليس في ذلك سببا كافيا لأحمل لهم هذا الجميل ففي استطاعتهم ألا يهتموا بزعلها منهم ولكنهم يفعلون ذلك لأجل خاطري – كمثال لما أقول، كان زوجي مسافراً لمدة 10 أيام كانوا يتصلون كل يوم للسؤال عنَّا وإن كنا نريد شيئا، كان أول ما أخذته عليهم أن من المفروض أن يأتي كل يوم أحد منهم ليجلس معنا قليلا ويعرض استعداده لأخذنا للمكان الذي نريد، ثم كان موعد أخذ إبرة دواء تأخذها أسبوعيا فأتى زوج أخت لي لأخذها إلى المستشفى، وأخذنا بعدها لشراء أغراض للمنزل، أخذت عليه أنه لم يكلف نفسه عناء شراء شيء لأولادي فقد كانوا معنا، وغضبت كثيراً، ووصفته بالبخل، أما من ناحيتي أنا فقد زادت انتقاداتها لي كثيراً، وازدادت حدتها، وقد تصل أيضا لحد الألفاظ الجارحة أحيانا، وقد يتم ذلك أمام أولادي، صبرتُ واحتملتُ كل هذه السنين دون أن أرد أو حتى يظهر عليَّ أي اعتراض لما تقول احتراماً لها وإرضاء لزوجي، ونيتي في ذلك أجددها دائما أنها طاعة لله، ولكن أحس أني لا أستطيع الاحتمال أكثر من ذلك، وقد أثَّر ذلك على حالتي النفسية فأصبحت عصبيَّة جدّاً مع أولادي، أعرف أنه تنفيس عن الضغط النفسي الذي أحس به، وأحاول أن أتغلب على ذلك ولكن لا أستطيع، وأيضاً إحساسي أنه ليست لي أي حياة زوجية خاصة، فلا وقت لي لأجلس مع زوجي بمفردنا، فأنا أجلس معها دائماً حتى لا أتركها تجلس بمفردها وأتجاذب معها أطراف الحديث الذي أحاول أن أبتعد به عن ذكر أي شخص وأن أجعله في أمر عام أو ديني، ولا أن أقضي وقتا مع أولادي لألعب معهم فهم أطفال أعمارهم 9 و 6 سنوات، لا أحس أن لي بيتاً أستطيع أن آخذ راحتي فيه فيجب أن أسألها قبل أن أفعل أي شيء؛ لأني في رأيها قليلة الحيلة لا أستطيع التصرف، أصبحت أحس أنني فعلا لا أعرف التصرف في أي شيء، ماذا أفعل؟ أفعل ما في وسعي لإرضائها، ولكن أحس إحساس من يتعب في غير بيته كأني مقيمة، كضيفة في بيت قريب يجب أن تظل منتبها طوال الوقت لما يجب أو لا يجب أن تفعله، وقد تكلمت مع زوجي، رأيه أن هذا طبعها وأننا لا يجب أن نعتبره موجها لشخصي، فهي تعامل الناس جميعاً بهذه الطريقة القريب والبعيد، وبالتالي إن اعتبرته طبعا لا يقصد به شخصي فقط، فيجب ألا يسبب لي هذا ضغطاً نفسيّاً، بصراحة لم أستطع أن أستوعب هذه النظرية ولا أن أكيِّف نفسي عليها وأصبحت كالمكثف الكهربائي أظل أخزن التوتر والضغط لفترة ثم أنهار ليلا بالبكاء لاحتمل لفترة أخرى، وتذهب طاقتي النفسية في أن أمتص ما تقوله سواء في حق الغير لإحساسي بارتكاب الغيبة أو في حق الأهل وهو غيبة ويؤلم لأنهم أهلي وفي حقي، فلا أظهر لها امتعاضي أو غضبي وأن أرد على ما تقول بأقصى ما أستطيع من دبلوماسية ف محاولة لرد غيبة من نتكلم عنهم وتجنب أن يرتد غضبها على وإن كنت أفشل أحيانا في الجمع بين هذين الأمرين فتغضب مني، أصبحت بلا أصدقاء، فقد فضلت أن أنقطع عمن أعرفهم قبل زواجي لأقلل من انتقاداتها ولأنني لا أستطيع أن أجاملهم كما تعودت معهم، فأنا لا أخرج إلا إن رضيت هي، حتى زياراتي لأهلي يجب أن نتحايل لتحس أنها هي من قال لنا اذهبوا، فليست لي حرية الخروج مع زوجي كما نريد، وإن حدث وخرجنا أحس عند عودتي أنها غاضبة ويكون ذلك واضحا حتى لزوجي ولا مبرر لهذا الغضب إلا أننا خرجنا بمفردنا، لا أجد سبباً آخر لذلك مع أننا نكون استأذنا للخروج، وزوجي ليس لديه أصدقاء يقيم معهم علاقات اجتماعية بل في حدود العمل وخارج المنزل دون أسرهم، فقد حدثت علاقات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة مع أسَر من يعمل معهم وانتهت كلها بسبب انتقادها لتصرفاتهم سواء الرجل أو أسرته، فلم تعد لدينا أي علاقة مع أي أسرة، وأنا من أسرة ترى أن الحياة الاجتماعية شيء أساسي وأصدقاء والدي ووالدتي منذ عشرات السنين في تزايد وعلاقات مستمرة وأحسبهم والحمد لله صالحين، قاموا بتربيتي أنا وإخوتي على حفظ القرآن منذ صغرنا والصلاة وأن الصحبة الصالحة ضرورية للمسلم، لذا أحس بفراغ كبير في هذا الجانب، ولا أعرف تعويضه، أريد الصحبة الصالحة ولكن أخشى أن تأتي من ورائها المشاكل وأنا في غنى عن المزيد، ماذا أفعل؟ أحس أنني لا أستطيع الاستمرار، وفي نفس الوقت لا أريد أن أفقد في الطريق أحلى سنين أطفالي وأنا أصرخ فيهم؛ لأن طاقتي العصبية وقدرتي على الصبر والتفهم تستنفذ في امتصاص ما أحس من توتر من أم زوجي، فهي على الرغم من كل شيء هي أم زوجي، وعليه أن يبرها وأن أبرها أنا أيضا، ولكن أحس أني لن احتمل لفترة أطول، هل الخطأ مني؟ هل ضاع أجر صبري عندما أصبح عصبية مع أولادي أو أشتكي لزوجي مما ألاقيه؟ وهل طلبي من زوجي أن تكون لنا بعض الخصوصية كأن يحاول توفير وقت نجلس فيه معا أو نخرج فيه بمفردنا فيه عدم بر بالوالدة؟ وما يرتكب من غيبة للناس كيف أتحاشاه؟ هل يكفي إنكاري بالقلب ومحاولة رد الغيبة إن استطعت بما لا يسبب لي الضرر حتى لا أأثم؟ وإن اضطررت للمشاركة فأشارك بلساني وقلبي كاره وأستغفر سرّاً لمن اغتبناهم، هل أنا بذلك آثمة؟ وأصبحت أقوم بواجبي تجاهها وتجاه المنزل من باب أداء الواجب، بدون أن يكون ذلك نابعاً عن حب حقيقي، كنت أتمنى أن أحس بإحساس الابنة تجاه والدتها، ولكن ذلك لا يكون من طرف واحد، يجب أن يبادلك الطرف الآخر نفس الشعور، فهل أنا آثمة في ذلك - أن يكون أدبي ومساعدتي لها في المنزل من باب الواجب وصلة الرحم واحترام الكبير -؟ بصراحة لا أحس أنه منزلي! نحن لا نستطيع أن نتكلم معها بصراحة فيما يحدث، فلن تتقبل النقد بصدر رحب، والمشكلة أنها حين تنفعل أو تغضب فإنها تتعب جسديّاً، أي: أن التعب النفسي يظهر عندها بشكل عضوي، هل هناك طرق لتفادي ما أنا فيه، أم عليَّ أن أستمر في الاحتمال؟ وأيضا علاقتي مع زوجي تتأثر بحالتي النفسيَّة جدّاً، فأنا بشر. أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي أن تعلمي – أختنا السائلة - اختلاف طبيعة البشر، فهم ليسوا سواء من حيث الخلُق والدين والعقل والتصرفات، وينبغي عليكِ - كذلك - مراعاة من كان كبيراً في السنِّ فإن عقله يضعف ويعود صغيراً في كثيرٍ من تصرفاته، وعليكِ – أيضاً – مراعاة أنكِ تتعاملين مع أم زوجكِ، وغالب هؤلاء الأمهات تدب فيهن غيرة الضرائر من زوجات أبنائهنَّ.
فإذا راعيتِ كل ما سبق وفطنتِ له فإنه تهون عليك مشاكلك وتفرَّج همومك، فما تعانين منه تعاني منه كثيرات، وهو يحتاج لأمرين مهمين: الصبر والحكمة.
فاصبري على ما ترينه وتسمعينه من أهل زوجك، وكوني حكيمة في تعاملك معهم، وبخاصة أم زوجك؛ فإنه بحكمتك تستطيعين تجنب كثير من المشاكل، وتفوزين برضاهم أو على الأقل كف شرهم عنكِ، وتفوزين بقلب زوجك ورضاه عنكِ.
والحكمة في تعاملك مع أم زوجكِ تقتضي منكِ إسماعها الكلام الحسن، والثناء عليها، والدعاء لها، وتلبية طلباتها، وأن تكوني أحرص منها على نفسها إن كانت تتناول دواء – مثلاً – أو لها موعد زيارة طبيبة، كما أن للهدية دوراً كبيراً في ترقيق قلبها وتغيير معاملتها تجاهك.
مع العلم أنه لا يجب عليكِ خدمتها ولا العناية بها من حيث الوجوب الشرعي، فما تفعلينه هو أمر مستحب محبوب للشرع، وهو من حسن العشرة لزوجكِ، ولعلَّها إذا عرفت أنكِ تقومين بما لا يجب عليكِ شرعاً، وعرف زوجكِ ذلك – أيضاً – أن يكون لك مكانة عندهما عالية.
ثانياً:
هذا لا يعني أنكِ تجارينها في الغيبة التي تفعلها، بل يجب عليكِ نصحها بترك أكل لحوم الناس باغتيابهم، فإن انتهت فهو خير لها، ولكِ أجر ذلك، فإن استمرت ولم تنته فلا يحل لك الجلوس معها وهي تغتاب الآخرين، بل يجب مفارقة مجلسها، وقد يكون تصرفك هذا مساهماً في تركها للغيبة، ولا يكفي إنكارك بقلبك في الحال؛ لأنك لستِ في حكم المكرَهة، ولا بدَّ أن تفهم هي وابنها هذا الحكم، واعلمي أنكِ إن بقيتِ معها وهي على ذلك الحال فأنت شريكة معها في إثم الغيبة، فكيف إن شاركتِ معها بلسانك؟! .
ثالثاً:
لك كل الحق في أن يكون لكِ بيتٌ مستقل تعيشين فيه مع زوجكِ وأبنائكِ، ولك الحق أن يكون لك كثير من الخصوصية إن كان زوجك يريد أن يكون مسكنكم مع أهله، ولا يكون عاقّاً لأمه لو فعل ذلك، فالرجل العاقل الحكيم يزن الأمور بميزان الشرع، ويعطي كل ذي حقٍّ حقَّه، ولا ينتقص لواحدٍ من الآخر.
على أننا، مع ذلك، نعلم صعوبة الاستقلال بمسكن في كثير من الأحيان، لا سيما مع الظروف المعاصرة التي جعلت من الحصول على المسكن الملائم، خاصة في المدن الكبرى، أمرا صعب المنال، وهنا يتوجب على المرء أن ينظر في الظروف المحيطة به، بشكل عام، وبأفق أرحب، من أجل ألا يشق على نفسه، ولا على من حوله، والله تعالى كتب الإحسان على كل شيء.
ويجب على زوجكِ أن يعلم بحقيقة وضعك مع أمه؛ لأن هذا سبَّب لك عصبية ظهر أثرها على أبنائك، وقد يكون أثر على زوجك أيضاً، لذا ينبغي عليه أن يسارع في حل مشكلات البيت، وعليك أن يتقبل منكِ المصارحة في الأمور كلها؛ وعليه أن يتحمل المسئولية التي أوجبها عليه الشرع، فعليه برُّ أهله، ومن برِّهما نصحهما وتذكيرهما إن وقعا في مخالفة الشرع، كما أن عليه مسئولية عِشرة زوجته بالمعروف، وعليه مسئولية تربية أولاده، فهو أحوج ما يكون للمصارحة والمعاونة على ذلك، وأنتِ الطرف الأساس الذي يعينه على ذلك كله.
ونسأل الله تعالى أن يهديكم ويصلح بالكم، وأن يجمع بينكم على خير، وأن تكونوا أسرة واحدة سعيدة في الدنيا والآخرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/293)
من أحق بابنها هي أم زوجها الذي تتهمه بالسحر؟ وما هي علامات الساحر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ولدي عمره 11 سنة تقريبا، وأصبح عدوانيّاً كثيراً، ومرات لا يحترمني ويعلي صوته عليَ، وأيضا يمد يده فجأة من دون مبررات بعد أن أهدى إليه والده جهاز كمبيوتر، مع العلم أن أباه يتعامل بالشعوذة، ولا أعلم أو أجزم أنه ساحر، فعلا الله هو العالم، وهو يريد أن يأخذ الولد مني (نحن مطلقان) . ما هي الطريقة لأن أحمي ولدي ونفسي، وأن يرجع ولدي لما كان من قبل؟ وكيف أعرف حقيقة هذا الأب؟ وهل لي أن أمنع أباه إن أراد أن يراه، إن تأكدت أنه ساحر وأنه يريد بي وبابني شرّاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوصت الشريعة المطهرة الوالدين بالعناية بأولادهما والقيام على حسن تربيتهم، ويتربى الأولاد على ما يسمعونه ويقرؤونه ويرونه في بيتهم وشارعهم ومدارسهم، وما يحصل من خلل في تربيتهم إنما هو بسبب الخلل في أحد تلك الجوانب، أو كلها.
وما حصل من ولدك من سوء خلُق تجاهكِ قد يكون سببه ما رآه وسمعه في البيت من مشكلات بينك وبين زوجك، والتي أدت للطلاق، وقد يكون بسبب ما تأثر به مما سمعه وقرأه في جهاز " الكمبيوتر "، وقد يكون نتيجة " سحر كراهية " قام عليه والده ليأخذه منكِ، وكل ذلك محتمل، وقد تكون الأسباب كلها مجتمعة هي التي أدَّت لتلك التصرفات السيئة من قبَل ابنكِ تجاهك.
وعلى كل حال: فيجب عليك لإصلاح حاله أن تبحثي عن الأسباب التي أدَّت به لتلك التصرفات لكي تعالجي الأمر بمعالجة السبب، فإن كان بسبب مشاكلك مع والده: فلا بدَّ من تفهيمه لحقيقة الحال التي آلت إليه بينكما بطريقة لبقة تناسب سنَّه وعقله، وإن كان بسبب ما يسمعه ويشاهده ويقرؤه في جهاز " الكمبيوتر "، فلا بدَّ لك من مراقبة المواد التي يطلع عليها، ولا بدَّ من توجيهه نحو حسن الاستفادة من الجهاز، فإن لم يستجب فيمكنك منعه منه بالكلية.
وإن كان بسبب سحر والده له: فيمكنك البدء بعلاجه بالرقية الشرعية من القرآن والأذكار النبوية الصحيحة، ولا مانع من عرضه على من يوثق بدينه ممن يقوم على العلاج الشرعي لمثل هذه الحالات.
ثانياً:
يمكنك معرفة حقيقة والده إن كان يشتغل بالسحر، وذلك بمعرفة طريقة علاجه للآخرين، أو معرفة حقيقية ما يقوله لزائريه ومراجعيه.
وقد ذكر بعض أهل العلم علامات للساحر يمكن لأي أحدٍ تمييزه عن غيره من أهل الخير والصلاح، وهذه العلامات هي:
1. أنه يطلب من المريض اسم الأم، وبعض الأشياء الخاصة من المراد علاجه مثل الشعر أو اللباس.
2. أنه يتمتم بكلمات ليس لها معنى، ولا يفهمها السامع، وهذه التمتمات قد تكون نداءات للجن والشياطين ليقوموا بخدمته.
3. ومن العلامات: أن هذا الساحر لا يحضر صلاة الجمعة، ولا الصلوات الخمس في المسجد.
4. أنه يكون رث الثياب كريه الرائحة، يحب الظلام والوحدة.
5. أنه يعطي المريض حجاباً يحتوي على طلاسم ومربعات وأرقام.
ولمعرفة حقيقته لا بدَّ من أن يكون متصفاً بتلك الصفات مجتمعة أو ببعضها، وبذلك تعرفين حقيقته، مع التنبيه أنك قد تكونين مبالغة في اتهامه بالسحر، فيجب عليكِ العدل في الحكم عليه، وتحقيق تقوى الله قبل الاتهام والادعاء بما هو منه براء.
على أنك، ما دمت قد انفصلت عنه، فلا نرى لك أن تشغلي نفسك كثيرا بحال طليقِك؛ هل هو ساحر أو لا، وإنما الذي ينبغي عليك أن تشغلي نفسك به هو كيفية المحافظة على نفسك، وابنك، وكيف تؤدين واجب الرعاية والتربية الواجبة لهذا الولد عليك.
ثالثاً:
وأما حضانة الولد: فليعلم أن مقصود الحضانة هو حفظ الطفل ورعايته، ولهذا يسقط حق الشخص في الحضانة لفسقه وفساده، أو لإهماله وتضييعه، أو لكثرة أسفاره، بما يضر بمصلحة أولاده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومما ينبغي أن يُعلم أن الشارع ليس له نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً، ولا تخيير أحد الأبوين مطلقا، والعلماء متفقون على أنّه لا يتعيّن أحدهما مطلقا؛ بل مع العدوان والتّفريط لا يقدم من يكون كذلك [يعني: من يكون معتديا أو مفرطا من الأبوين] على البَر العادل المحسن القائم بالواجب.
" مجموع الفتاوى " (34 / 132) .
وليُعلم أن مدة الحضانة هي إلى سن التمييز والاستغناء، أي: أنه تستمر الحضانة إلى أن يميِّز المحضون ويستغني عن حاضنه، بمعنى أن يأكل وحده ويشرب وحده، ويستنجي وحده ونحو ذلك.
وبما أنه قد بلغ سن (11) فإنه يخيَّر بين العيش مع والده أو معكِ؛ على أن يكون الاختيار نابعاً من اختياره دون ضغط أو إكراه، وعلى أن لا يكون سبب الاختيار هو أنه لن يُلزم بصلاة أو طاعة لله تعالى، أو ما فيه مصلحة دينه ودنياه؛ لأن اختياره – والحالة هذه – فيها مضرة له، وكثير من الأطفال يكون همه في اختياره من يبالغ في تدليله، أو إعطائه ما يريده من اللهو واللعب؛ فلا يمكن أن يمكَّن له ـ حينئذ ـ ما يريد.
وإن ثبت أن والده يتعامل بالسحر فلا يحل له أن يأخذ ولده، بل يُمنع منه إلى أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة.
فإذا لم يثبت على الوالد أنه يتعامل بالسحر: فينبغي أن يتعاون الأبوان في رعاية ابنهما، مراعاةً لمصلحته، وحتى لا يكون تنازعها سبباً لفشل الأبناء وضياعهم.
وانظري أجوبة الأسئلة: (8189) و (20705) و (21516) .
ونسأل الله تعالى أن يصلح شأنكِ كله، وأن يهدي ابنك لما يحب ربنا ويرضى، وأن يصلح والده ويحفظ عليه دينه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/294)
هل زواجي مقدَّر؟ وهل الطاعة والمعصية تغيران القدَر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قدَّر الله سبحانه لكل شخص من تكون زوجته؟ وهل للمعصية والطاعة دور في تغيير القدر؟ .
أنا أحب فتاة ذات دين وخلق، ولكن هي لا تحبني، فهل يجوز لي أن أدعو الله بأن يحببها فيَّ ويجعلها زوجتي في المستقبل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
القدَر: هو تقدير الله تعالى الأشياء في القِدَم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة، وكتابته سبحانه لذلك، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها، وخَلْقُه لها.
والإيمان بالقدر من أركان الإيمان التي لا يصح إيمان أحدٍ إلا به، ولا يصح الإيمان بالقدر إلا أن يؤمن المسلم بمراتب القدر الأربع وهي:
1. الإيمان بأن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلا من الأزل والقدم فلا يغيب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.
2. الإيمان بأن الله كتب كل ذلك في اللوح المحفوظ، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
3. الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة؛ فلا يكون في هذا الكون شيء من الخير والشر إلا بمشيئته سبحانه.
4. الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله فهو خالق الخلق وخالق صفاتهم وأفعالهم.
وانظر تفصيل هذا في أجوبة الأسئلة (49004) و (34732) .
وهذا التفصيل يبين لك أن الله تعالى قدَّر في الأزل من يكون أهلك، ومن تكون زوجتك، ومن يكون أبناؤك، وكل ما كان ويكون في الكون فهو بتقدير الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر/49.
ثانياً:
لا يعني هذا أن الإنسان يكون في الدنيا بلا إرادة، كما لا يعني هذا أن لا يسعى الإنسان في أسباب سعادته وعافيته، فكل شيء جعل الله له سبباً، فمن أراد الولد فلا بدَّ له من الزواج، ومن أراد السعادة في الآخرة فلا بدَّ أن يسعى لها سعيها، وأن يأخذ في طريق الهداية، ومن أراد المال والغنى فلا بدَّ أن يسعى للكد والتعب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ..) متفق عليه.
ولم يُطلع الله تعالى أحداً على تفصيل ما سيحصل له من خير أو شر، لذا فإن كل أحدٍ يسعى لجلب الخير لنفسه ودفع الأذى عن نفسه، ولا يكون عاقلاً من يسير في طريق سريع عكس الاتجاه ثم يقول " لن يحصل معي إلا ما كُتب لي أو عليَّ " ولا يجلس أحدٌ في بيته ثم يقول " لن يأتيني إلا ما قدِّر لي من رزق " ولا يأكل أحد طعاماً فاسداً ثم يقول " لن يصيبني إلا ما كتب الله لي أو عليَّ " وهذه الأمور لو فعلها أحدٌ وقالها لعدَّ من المجانين، وهو كذلك.
وفي خصوص الزواج فإن المسلم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حثَّه على التزوج بذات الدِّين، وهذا يقتضي منه البحث والتحري عن صاحبة الدِّين، ولا يقول عاقل إنني لن أسعى في هذا؛ لأنه لو عرض عليه امرأة مجنونة أو دميمة أو كبيرة في السن أو ذات أخلاق سيئة فإنه لن يقبل بها زوجة! ولن يدَّعي أنه سيتزوج بأول من يراها أو أول من تُعرض عليه، وهذا يؤكد ما قلناه من أنه سيعرض عن بعض النساء، ويتأمل في أخريات ويتردد في بعضهن وهكذا، ولو اختار، بعد النظر والتأمل والاستشارة والاستخارة، امرأة تناسبه فليعلم أنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فليجعل رجاءه في ربه عز وجل أن يهيئ له من أمره رشدا، وأن يقدر له أرشد الأمور بالنسبة إليه، وأحبها إلى رب العزة تبارك وتعالى.
ثم عليه، إذا وقع الأمر، وقدر له ربه عطاءً أو منعا، على ما وافق هواه أو خالفه، أن يحسن الظن بربه عز وجل، ويعلم أن الله لا تعالى لا يقضي لعبده المؤمن الصبار الشكور إلا قضاء الخير. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
وانظر جواب السؤال رقم: (1804) .
ثالثاً:
أما بالنسبة لأثر الطاعة والمعصية على تغيير القدَر، فلتعلم أن أما ما كان في اللوح المحفوظ فإنه لن يتغير، قال النبي صلى الله عليه وسلم (رُفعت الأَقْلاَم وَجَفَّت الصُّحُف) - رواه الترمذي (2516) وصححه من حديث ابن عباس -، وأما ما في أيدي الملائكة من صحف فإن الله تعالى قد يأمر ملائكته بتغييرها لطاعة يفعلها المسلم أو معصية يرتكبها، ولا يكون في النهاية إلا ما كُتب أزلاً، ويدل على ذلك قوله تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد/39.
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على القيام ببعض الطاعات التي لها أثر في زيادة عمر الإنان، كصلة الرحِم، وأخبر أن الدعاء يرد القضاء، وهذا معناه: أن الله تعالى علَم أولاً أن عبده فلان سيأتي بهذه الطاعات فقدَّر له عمراً مديداً أو بركة في الرزق، والعكس كذلك فقد يرتكب الإنسان معصية يُحرم بسببها الرزق، ويكون الله تعالى قد علَم ذلك أزلاً فقدَّره وكتبه بحسب علمه، ولم يجبر الله تعالى أحداً على طاعة ولا معصية.
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا في حديث واحد:
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلا الْبِرُّ وَلا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلا الدُّعَاءُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ) . رواه ابن ماجه (4022) .
قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " (رقم 33) :
سألت شيخنا أبا الفضل العراقي – رحمه الله – عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن. انتهى
وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) رواه البخاري (5640) ومسلم (2557) .
وروى الطبري بإسناده، عن أبي عثمان النهدي: أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت ويبكي: اللهم إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب فاجعله سعادة ومغفرة
وكان أبو وائل شقيق بن سلمة التابعي مما يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. [تفسير الطبري 7/398]
وانظر جواب السؤال رقم: (43021) .
رابعاً:
حبُّك للفتاة ذات الخلق والدِّين يوجب عليك الحذر من أن تقع في مخالفات شرعية كمراسلتها أو محادثتها أو الخلوة بها، ولا ننصحك أن تدعو الله تعالى أن يحببها بك، بل ننصحك بالدعاء أن يرزقك الله تعالى زوجة صالحة، وإذا رأيتَ من تنطبق عليها مواصفات المرأة الصالحة فتقدَّم لها واخطبها، ولا داعي لتعيين امرأة بعينها فقد تبادلك المحبة ثم تقعان في مخالفات شرعية، وقد لا يتيسر لكما أمر الزواج، فدعاء الله تعالى بأن ييسر لك زوجة صالحة خير لك فيما نرى.
على أننا نصدقك ـ أخانا الكريم ـ القول، ونرى أن التعلق بهذه الفتاة هو مشكلة فراغ بالنسبة؛ ونعني بالفراغ هنا أنك لم تشغل نفسك بمهمات الأمور، فملأ الشيطان قلبك شغلا بما فيه المضرة عليك في نفسك ودينك، أو بما يفوت عليك مصالحك.
روى ابن الجوزي عن ابن عائشة قال: قلت لطبيب كان موصوفا بالحذق: ما العشق؟
قال شغل قلب فارغ!! [ذم الهوى 290] .
وإلا، فقل لي بربك يا أخي، هل أنت جاد في البحث عن زوجة مناسبة، في هذه الفترة؟!
وإذا كنت جادا في ذلك البحث، فهل أنت جاد في إمضاء الزواج الآن؟!
وإذا كنت جادا في إمضاء الزواج الآن، فهل ظروفك ملائمة لذلك الجِد (!!) منك؟!!
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: خَطَبْتُ امْرَأَةً، فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهَا فِي نَخْلٍ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!!
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا) رواه ابن ماجة (1864) وصححه الألباني.
فانظر ـ يا أخي ـ كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم علق الإذن بالنظر على إرادة النكاح.
قال العلماء: وهذا مستثنى من النهي عن النظر إلى المرأة الأجنبية، ولذلك إنما يسوغ حيث تدعو إليه الحاجة، ويرجو أن يتم زواجه الذي يريد.
قال ابن القطان رحمه الله: " لو كان خاطب المرأة عالما أنها لا تتزوجه، وأن وليها لا يجيبه، لم يجز له النظر، وإن كان قد خطب [يعني: وإن كان يطلب خِطبتها] ؛ لأنه إنما أبيح له النظر ليكون سببا للنكاح، فإذا كان على يقين من امتناعه، بقي النظر على أصله من المنع) [النظر في أحكام النظر 391] .
ومعلوم أن إرادة النكاح ممن لا يقدر على مؤنته، أو لا تساعده عليه ظروفه في وقته الراهن، نوع من العبث وإضاعة الزمان، وشغل القلب بما لا ينفع، بل بما يضر.
وحين تكون جادا، فاستعن بالله تعالى، واسأله التوفيق في أمرك، فإن بقيت على حالها، واستخرت ربك في شأنها، فامض في خطبتك، وإلا، فالنساء سواها كثير؛ فاظفر منهن بذات الدين؛ تربت يداك!!
نسأل الله تعالى أن يهديك لما فيه رضاه، وأن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يرزقك زوجة صالحة وذرية طيبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/295)
دخلت في الإسلام ثم انحرفت عن طريق الهداية وتريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أخت لكم، وقد أسلمت منذ 11 عاما، وكنت قبل ذلك أشعر بالفضول تجاه الإسلام، وذلك لمتابعتي لمالكولم إكس. كنت دائما أرى المسلمات وأكن لهن الاحترام الشديد لأني كنت أرى فيهن الوقار والجمال إلى درجة كبيرة بسبب طريقتهن في اللبس. وعندما غادرت البيت وأنا في السابعة عشرة من العمر انتقلت إلى مدينة أخرى يقطنها عدد كبير من المسلمين. وقد تعرضت مرة أخرى للإسلام وأهدي إلي القرآن. كنت في غاية السعادة وكنت أشعر دائما في قلبي أن هناك شيء خاص جدا حول هذا الطريق، مع أني كنت جاهلة فيما يتعلق بتعاليمه. على أية حال، فقد حصل ذلك في وقت كنت أعاني فيه من ضعف شديد وكنت حينها في حاجة للتوجيه والمساعدة. ولم يكن حولي أحد ولا أهل ولا شيء آخر بل كنت محاطة بكل الأمور السيئة من بغاء ومخدرات وقمار وقتل وسرقة إلخ. كما أن جميع عماتي وأعمامي (أو ربما خالاتي وخالاتي) كانوا مدمني مخدرات، وسرعان ما سار أبناؤهم على نفس خطاهم. وبفضل الله فلم أسمح مطلقا لنفسي بالانخراط في جميع الأشياء الفاسدة التي كانت تحدث من حولي. ثم بدأت مع أختي نقرأ القرآن في المساء ما لامس قلبي على الفور بطريقة غير مسبوقة. كنا نبكي عند قراءتنا للنصوص حول جهنم، لأننا كنا نؤمن بالنار ولم نكن نرغب في دخولها. ونحن نعلم دون أي شك أن هذا الكتاب كان حقا. لقد شعرت أنه مشابه للكتاب المقدس في كثير من الجوانب لكنه كان الخطوة التالية. وبعد مرور أسبوعين ذهبنا للمسجد وأعلنا الشهادة. مرت الأعوام ومررت بمراحل لا يمكن تصديقها. وها أنا الآن قد تزوجت ثلاث مرات من مسلمين كل واحد منهم عاملني بطريقة سيئة جدا وتركت في النهاية. أما أحدهم فقد طلب الطلاق وأنا حامل. وعندما أخبرني أنه لا يحبني أخذت أنزف بغزارة حتى سقط الجنين. أما الآخران فكانا يعانيان من اعتلالات عقلية لم أكن أعلم قبل أن أتزوج بأي منهما. والآن، وبعد أن أصبح كل ذلك قيد الماضي، إلا أني تحطمت تماما. كنت في الماضي قوية جدا وقادرة على التكيف مع المستجدات إلا أني الآن أشعر وكأني أطفو على سحب من الضياع. كيف فقدت ربي وهو قريب جدا؟ كيف يمكن للواحد أن يستعيد ذلك؟ لماذا تركت الله وأنا أعلم أنه يقول إنه سيبتلي من يحب؟ أنا أشعر بضعف شديد وبالتحطيم، وأنه لا قيمة لي أو جمال. والآن وبعد كل هذا الوقت فقد تحطمت وأخذت أقع في أمور كنت قد قلت إني لن أعود لها البتة. أنا أشرب (الخمر) يوميا في البيت بمفردي وأشرب السجائر. أنا لا أريد فعلا أن أعيش كما لا أريد أن أموت لأني أعلم أني لست على طريق صحيحة. وكل ما أتمناه هو لو أني كنت قد حُميت من كل هذه الفتن وبقيت مع الله بجواره. أرجو أن تساعدني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيتها الأخت الكريمة، كان الله لك، وجبر مصابك، وأقال عثرتك، وغفر ذنبك!!
وبعد؛ فما زالت روحك فيك، وما زال فيك قلب ينبض، وعقل يفكر، ومن هنا نبدأ!!
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) رواه الترمذي (3537) ، وحسنه الألباني.
فلست ـ إذًا ـ ضعيفة بدرجة كافية، ولا أنت حطام متراكم، كأهل القبور، بل ما زالت فيك القوة التي تدفعك إلى العودة من جديد؛ بل أنت ـ إن شاء الله ـ أقوى مما تظنين!!
ليس القوي ـ أيتها الأخت الكريمة ـ هو الذي لا يسقط بالمرة؛ بل القوي هو الذي يحسن النهوض، إذا سقط!!
ألم تكوني على دين آبائك وأجدادك من الشرك بالله، والكفر بنبيه صلى الله عليه وسلم، فقواك الله حتى تركت كل ذلك لله، وانتقلت إلى دين جديد، لم تألفيه، ومشيت في سبيل لم تسلكيه؟!! وذلك أشق على النفس ـ ألف مرة ـ من الخروج مما أنت فيه!!
ألم تكن كؤوس الخمر ممتلئة حولك، وسبيل الغواية ممدودة أمامك، ولا رقيب ـ هنالك ـ يعصمك الحياء منه، فقواك الله، وعصمك من أوحال الفاحشة، ونجس الخمور، فكيف تستسلمين ـ الآن ـ لما أنت فيه؟!!
أنت قوية على النهوض، فلا تعيني عدوك على نفسك؛ إذا لطمتك يد آثمة، فلا تلطمي ـ أنت أيضا ـ خدك الآخر: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى، الْجَاهِلِيَّةِ) رواه البخاري (1294) .
وشتان بين من سقط في حفرة، فاستسلم لسقوطه، وراح يندب حظه، ويلوم القدر، ويسيء الظن بربه، وبين من سقط فعلم أنه يستحق ذلك السقوط بذنبه، وبسوء فعله، واختياره لنفسه: (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) ، فنهض من عثرته، واستعان بربه على الخلاص من ذنبه أولا، وعلى تفريج كربته ثانيا، كما تَعَلَّم أن يقول كل يوم: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، فهذا هو المؤمن القوي الذي يحبه الله. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ؛ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ، كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ ُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) رواه مسلم (2664) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإن الإنسان ليس مأمورا أن ينظر إلى القدر عند ما يؤمر به من الأفعال، ولكن عندما يجرى عليه من المصائب التي لا حيلة له في دفعها؛ فما أصابك بفعل الآدميين أو بغير فعلهم، اصبر عليه، وارض وسلم؛ قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) التغابن/من الآية11، قال بعض السلف إما ابن مسعود، وإما علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم " مجموع الفتاوى (7/278) .
وقال ابن القيم رحمه الله: " فتضمن هذا الحديث الشريف أصولا عظيمة من أصول الإيمان..، ومنها:
أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع ... ، ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه أمره أن يستعين به، ليجتمع له مقام إياك نعبد وإياك نستعين، فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله، ولا تتم إلا بمعونته؛ فأمره بأن يعبده وأن يستعين به.
ثم قال: (ولا تعجز) ؛ فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه، وينافي استعانته بالله، فالحريص على ما ينفعه، المستعين بالله، ضد العاجز؛ فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده، ومصدرها منه، ومردها إليه؛ فإن فاته ما لم يُقَدَّرْ له، فله حالتان: حالة عجز، وهي مفتاح عمل الشيطان؛ فيلقيه العجز إلى لو، ولا فائدة في لو ههنا، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن، وذلك كله من عمل الشيطان، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح، وأمره بالحالة الثانية، وهي: النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قدر له لم يفت ولم يغلبه عليه أحد؛ ... فلهذا قال: (فإن غلبك أمر فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل) ، فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين: حالة حصول مطلوبة، وحالة فواته، فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا "
شفاء العليل (37-38) .
فإذا فهمت ذلك ـ أيتها الأخت الكريمة ـ لم يبق هناك وجه للاقتراح على القدر، الذي هو اقتراح على الله في واقع الأمر، لو كان أعفاك من هذه المحنة التي مرت بك، حتى ضعفت قواك، ومادت بك الأرض من تحتك، وتاه منك السبيل، بعدما وجدتيه!!
ألم تعلمي أن الابتلاء والاختبار هو قدر ملازم لوجود الإنسان في هذه الحياة: (إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) الانسان/2.
إن الناس معادن يا أمة الله؛ فمنهم الذهب الخالص، ومنهم المشوب، ومنهم دون ذلك، والابتلاء نار، تدل على صدق الذهب الأصيل، وتفصح الزيف الدخيل:
قال الله تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت /1-3
يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" يخبر تعالى عن تمام حكمته، وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال: «إنه مؤمن» وادعى لنفسه الإيمان، أن يبقوا في حالة، يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه. فإنه لو كان الأمر كذلك، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل.
ولكن سنته تعالى وعادته في الأولين، في هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل، ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها، إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة.
فمن كان عند ورود الشبهات، يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر الله به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه، شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات، تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه (أي تصده) عن الواجبات، دل ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه. والناس في هذا المقام: درجات، لا يحصيها إلا الله، فمستقل ومستكثر. فنسأل الله تعالى، أن يثبتنا بالقول الثابت، في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبت قلوبنا على دينه، فالابتلاء والامتحان للنفوس، بمنزلة الكير، يخرج خبثها، وطيبها "
يا أمة الله؛ أنت لا تريدين هذه الحياة، ولا أنت تريدين الموت!!
فنقول: ولا نحن ـ أيضا ـ نحب لك هذه الحياة على المعصية، ولا نرجو لك الموت على تلك الحال، بل إن ربنا، رب العالمين لا يحب لك هذه الحياة، ولا يرضاها، ولا يحب لك ـ أيضا ـ أن تموتي على تلك الحال؟!!
والقضية ليست لغزا محيرا، كما تظنين؛ ولا الحل في أن تستسلمي للضياع، كما هو حالك الآن، فالله تعالى لا يحب لك أن تقابليه، بعد الموت، إلا وأنت على الإسلام:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران/102.
واله تعالى لا يحب لك ـ أيضا ـ أن تعيشي إلا على الإسلام الذي ارتضاه لعباده:
(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام/162-163
فكيف الحال إذاً، وأين الطريق؟!!
أن تعودي إليه ـ سبحانه ـ يا أمة الله، وسوف يحبك حين تعودين: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة/من الآية 222.
وسوف يفرح بك إذا عدت إليه، مهما ضللت الطريق:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي، وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ) رواه مسلم (2675) .
وكيف بالذنوب والخطايا، والخمر والإثم؟!!
قال ربنا الرحمن الرحيم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53 فما زال أمامك الطريق لكي تعود صحيفتك بيضاء نقية، يا أمة الرحمن؛ ولسنا نريدها بيضاء، لا حسنة فيها ولا سيئة، لنبدأ من الصفر، في أول الطريق، لا، بل نريدها بيضاء، لا إثم فيها ولا معصية، ثم هي ـ برحمة أرحم الراحمين ـ مليئة بالحسنات، مكان كل سيئة اقترفتيها، وكل خطيئة وقعت فيها!!
ألم تسمعي إلى كلام الله، يقص علينا صفات عباد الرحمن، فذكر جملة من صفاتهم الجميلة المحبوبة إليه سبحانه، وذكر من صفاتهم:
( ... وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) سورة الفرقان /68-71
أرأيت كيف أن الله تعالى لم يكتف بأن غفر لهم تلك الخطيئات الكبيرات، بل حولها بمنه وكرمه إلى حسنات؟!!
عن أبي طويل شطب الممدود: (أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها، فلم يترك منها شيئا، وهو في ذلك لم يترك حاجَة ولا داجَة [يعني: صغيرة ولا كبيرة] ، إلا أتاها فهل له من توبة؟!
قال: فهل أسلمت؟
قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله.
قال: تعم تفعل الخيرات، وتترك السيئات؛ فيجعلهن الله لك خيرات كلهن!!
قال: وغدراتي وفجراتي؟
قال: نعم
فقال: الله أكبر، فما زال يكبر حتى توارى!!)
رواه الطبراني في الكبير (7/314) وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
فهيا يا أمة الله؛ هيا لتغيري حالك، فافعلي الخيرات، واتركي السيئات، ليتحول الجميع في صحيفتك إلى حسنات، وحينئذ تعلمين أنك لم تفقدي القرب من ربك، وأنه ما زالت أمامك الفرصة إلى جواره في دار السلام.
قال ابن القيم رحمه الله:
" هلم إلى الدخول على الله، ومجاورته في دار السلام، بلا نصب ولا تعب ولا عناء، بل من أقرب الطرق وأسهلها؛ وذلك أنك في وقت بين وقتين، وهو في الحقيقة عمرك: وهو وقتك الحاضر، بين ما مضى، وما يستقبل؛ فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار، وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة عملٍ شاق، إنما هو عمل قلب، وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب، وامتناعك ترك وراحة، ليس هو عملا بالجوارح يشق عليك معاناته، وإنما هو عزم ونية جازمه، تريح بدنك وقلبك وسرك ...
ولكن الشأن في عمرك، وهو وقتك الذي بين الوقتين، فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك، وإن حفظته، مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكرت، نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم!!
وحفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعده، فإن حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها، وأنفع لها، وأعظم تحصيلا لسعادتها، وفي هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت!! " الفوائد (117) .
فاستعيني بالله يا أمة الله على ما أنت فيه، واطوي صفحة الماضي بما فيها، وهيا إلى إصلاح ما بقي من عمرك، واجتهدي في أن تكوني في رفقة صالحة تعينك على ما أنت فيه، وإن استطعت أن تنتقلي إلى مكان آخر، قريب من أهل الخير والصلاح، فافعلي فهو خير لك، واحفظي الله يحفظك، واصدقيه يبدلك خيرا مما فات منك.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لأنفال/70 نحن إن شاء الله على ثقة من أنك سوف تفعلين، وفي انتظار رسالة أخرى تبشريننا فيها بالسير الجديد، نحو النور، كما أحزنتنا عثرتك في الطريق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/296)
هل يجوز إخبار الأهل بالحمل قبل مضي ثلاثة أشهر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حملت زوجتي منذ فترة قصيرة للمرة الثانية، ونحن نريد أن نعلن الأمر على الجميع. فهل يجوز إعلان الأمر فورا، أم أن هناك فترة انتظار لمدة 3 أشهر قبل إعلان الحمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يرزقكما الذرية الصالحة، وأن يبارك في هذا المولود، وينبته نباتا حسنا.
ثانيا:
لا حرج في الإخبار بحصول الحمل، بعد علمكم بذلك، ولا يشترط أن تمضي ثلاثة أشهر، بل يجوز قبل ذلك، لكن ينبغي الاقتصار على خاصة الأهل والأحبة، وهذا مبدأ عام يُراعى في الإخبار بالنعم، لا يُخبر بها إلا من يحب لك الخير، ويفرح بذلك، اتقاء للعين والحسد.
ودليل ما ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود) رواه الطبراني وأبو نعيم، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (943)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/297)
أخبرت زوجها بماضيها فساءت العلاقة بينهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ مدة وقد أخبرت زوجي بأمر كنت أخفيته في نفسي، فعندما كنت صغيرة قام خالي بالتحرش بي فطلب زوجي الانفصال، لا أدري، لم ألام أنا، وقد كنت غير قادرة على حماية نفسي، ولا أدري ماذا يجري، غير أني كنت أشعر أن هناك شيئا غير صحيح، وكنت أخاف إخبار والدي بذلك لأني صغيرة فخشيت أن يتمكن من إلصاق المسئولية بي أنا، مما يجعلني أتعرض لمشاكل.
ومع مناقشة الأمر مع زوجي تفهم أن التحرش لم يكن بتلك الدرجة، وأنه تزوجني بكراً، لكنه يريد مني إخبار أهلي حتى لا يتكرر ذلك مستقبلا مع أي شخص آخر، لكني أعلم أن ذلك سيؤدي إلى حدوث مشاكل كثيرة ومنها: قطع الرحم.
أنا أشعر أني أخطأت لأني كشفت الأمر، لكني فعلت، زوجي لا يزال لا يسامحني على عدم إخباري له بالأمر قبل زواجنا.
لا أعرف كيف أتصرف أو أفعل مع زوجي؟ هل أبتعد قليلاً وأتركه يتعامل مع الموضوع؟ كلما طلبت منه أن يسامحني قال إن شاء الله، لا أدري ماذا يعني بذلك؟ لقد لاحظت أن التحدث إليه أصبح صعبا، وكأنه منزعج ولم يعد عنده ثقة، أنا أحب زوجي كثيرا كما أني لا أريد أن أتسبب في مزيد من الأذى.
أرجو أن تساعدني في فعل الشيء الصحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الأزواج أن يخبر بعضهما البعض بماض؛ ليس لهم فيه ناقة ولا جمل، ولِمَ تفضي الزوجة لزوجها بما سلف معها, بما لا علاقة للزوج فيه أبداً؟!
ماض ولى وراح بما فيه فلِمَ يذكر من جديد؟! وينبش من قبره، وتنفخ فيه الروح، ويبعث، ويتحدث فيه؟!
هذا الماضي يجب أن يبقى حبيس الصدر؛ لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
يجب على الزوجين أن يبدآ حياتها الزوجية على أسس متينة من التقوى والطاعة , والحب المتبادل، وأن يعرف كل منهما حقوق الآخر، حتى يحققا الغاية من الزواج التي ذكرها الله في قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.
وبعض الأزواج يظن أن هذه المصارحة علامة إيجابية على حسن العشرة والعلاقة بين الزوجين، غير أن هذا الظن خاطئ، أثبت الواقع عدم صحته، وأن هذه الصراحة قد تكون سبباً لإفساد العلاقة بين الزوجين.
وكيف تكون هذه الصراحة التي توصل إلى ذلك محمودة، والرسول صلى الله عليه وسلم رخص في كذب الرجل على أهله، وكذب المرأة على زوجها مما يكون سبباً لزيادة الألفة والمحبة بينهماً!
فهناك أشياء لا حرج على كل من الزوجين من كتمانها عن الآخر، بل قد تكون هذه هي الحكمة، لأن إظهارها قد تحصل منه مفسدة، مع أنه لا مصلحة ترجى من إظهارها.
أختي السائلة:
إن لكل من الزوجين أسراراً قبل الزواج , وأحوالاً خاصة , يجب المحافظة على سريتها , والبقاء عليها مدفونة مخبوءة, لا يعلمها إلا الله، والتوبة منها إن كانت معاص.
نعم، عليهما المصارحة فيما بينهما فيما له علاقة بحياتهما الزوجية, وفيما يخص تربية الأولاد، وكيف يحافظان على ذلك , ووضع الخطط لإنجاح حياتهما الزوجية , وإيصال سفينة الحياة إلى بر السلام.
لقد أخطأت في إخبار زوجك بذلك، وها أنت تعانين نتائج هذا الخطأ.
ومن الحكمة الآن أن لا يخبر أهلك أو غيرهم عن الموضوع بشيء, لأن الموضوع قد فات وقته, ومضى عليه زمن بعيد، وقد يثمر إخبارهم عن خلق عداوات كبيرة, أنتم في غنى عنها.
والنصيحة لزوجك أن يتفهم الموضوع , ويعيه بدقة , وخاصة أنك كنت غير واعية لمثل هذه الأمور، وأن الأمر لم يكن كما تصوره، يجب أن يفهم ذلك زوجك، ولا يقوم بتدمير بيته بيده، ويعاقبك على تصرف بدر منك منذ سنوات طويلة، مع أنك لا تستحقين اللوم عليه لأنك كنت صغيرة، ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوالكما ويجمع بينكما في خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/298)
متى يكون الشخص موسوسا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يكون الشخص مبتلى بالوسواس وهل يمكنه الحكم على نفسه بالوسواس؟ أرجو أن تفسروا هذه الفقرة في سؤال رقم (62839) " بل إن المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به، عند بعض أهل العلم، ما لم يقصد الطلاق، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق في إغلاق) . فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق) انتهى، نقلا عن: فتاوى إسلامية 3/277 " كيف يكون هذا الوسواس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوسوسة نوع من المرض، عافانا الله وإياك منه، وهي من تسلط الشيطان على الإنسان ليُدْخِل عليه الهم والحزن والكرب والضيق.
والوسوسة أنواع، فمن ذلك: الوسوسة في الطلاق، فيظن الموسوس أنه طلق زوجته، ويحدِّث نفسه بالطلاق، ويعتريه الشك هل تلفظ بالطلاق أم لا؟ هل طلق أو لا، ويبقى في حيرة من أمره، مع أنه لا يريد طلاق زوجته ولا يرغب في ذلك.
وبعضهم إذا تكلم بكلمة معينة أو لم يَرُدَّ على زوجته، ظن أن الطلاق يقع بذلك، وأن هذا كناية عن الطلاق، وكل هذا وهم لا حقيقة له، وربما شعر أن الكلمات خرجت من فمه وأنه سمعها. فمثل هذا المبتلى حتى لو فرض أنه تكلم بكلام مسموع، فما دام أنه موسوس، ولم يُرِد الطلاق إرادة حقيقية، فلا يقع طلاقه، هذا معنى كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله المنقول في الجواب السابق.
ومن الناس من يوسوس في الطهارة، فكلما توضأ أعاد الوضوء ظنا منه أنه لم يغسل أحد الأعضاء، أو أن وضوءه قد انتقض، أو أنه إن لم يُعد الوضوء سيظل في شك بقية يومه، وهكذا يسيطر عليه شعور قوي يدعوه إلى إعادة الطهارة، ولا تهدأ نفسه حتى يفعل. وقد ذكرنا في أجوبة عدة أن علاج الوسوسة يكون بتقوية الإيمان بالأعمال الصالحة والأذكار النافعة، مع عدم الالتفات للوسوسة والاستجابة لها.
وانظر في ذلك: السؤال رقم (62839) ، ورقم (39684)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/299)
الآثار الشرعية لزنا الزوج بأم زوجته قبل النكاح وبعده
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة متزوجة، وزوجها قد زنى بأمها مرات عديدة وهذه الزوجة لا تعلم، ماذا تفعل مع أمها ومع زوجها، فهي في حيرة من أمرها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يحل لأحدٍ أن يدَّعي على غيره أنه وقع في الزنا إلا أن يَثبت ذلك بطريق شرعي، كاعتراف الزاني، أو شهادة أربعة رجال عدول شهدوا وقوعه في الزنا، ومن نسب لغيره الوقوع في الزنا من غير بينة: فقد وقع في القذف، وهو من كبائر الذنوب، ويستحق صاحبه ثمانين جلدة، وهو الحد المترتب على القذف.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/4-5.
ثانياً:
إن ثبت عند السائلة ما جاء في السؤال من وقوع الزوج في جريمة الزنا بأم زوجته: فليُعلم أنهما مستحقان لعذاب الله وسخطه، ومستحقان للعقوبة في الدنيا، أما المرأة: فلأنها محصنة؛ فإنها تستحق الرجم حتى الموت، وأما هو فإن كان محصناً: فمثل حكمها، وإن لم يكن محصناً، وإنما وقع منه الزنى قبل زواجه: فحدُّه مائة جلدة.
قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2.
وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ - يُرِيدُ نَفْسَهُ - فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَعْرَضَ عَنْهُ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَحْصَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ.
رواه البخاري (6439) ومسلم (1691) .
والمحصَن: هو من سبق له الزواج والدخول، ولو حصل بعد زواجه طلاق أو وفاة زوج أو زوجة.
بل قال الإمام أحمد – في رواية عنه – فيمن فعل ذلك " يقتل على كل حال " يعني أن من زنى بمحرم من محارمه، قتل، سواء كان محصناً أو لا، وسواء كان محرماً من النسب أو المصاهرة أو الرضاع.
قال ابن قدامة: " وبهذا قال جابر بن زيد، وإسحاق، وأبو أيوب، وابن أبي خيثمة " اهـ "المغني" (12/341)
قال ابن القيم رحمه الله: " وأما إن كانت الفاحشة مع ذي محرم، فذلك الهُلك كل الهُلك، ويجب قتل الفاعل بكل حال، عند الإمام أحمد وغيره.. "
" روضة المحبين" ص (374)
وهل يوجب زناه بأمها تحريم نكاحه ابنتها، أو فسخ النكاح القائم: وقع خلاف بين العلماء في هذا، والراجح عدم تحريم نكاحها، وعدم فسخ النكاح.
وقد بيَّنا حكم هذه المسألة وفصَّلناها في جواب السؤال رقم (78597) فلينظر.
ثالثاًً:
الواجب على الزوجة الآن:
1. عدم بناء أحكام أو تصرفات على هذا الأمر إلا أن يثبت لديها قطعاً.
2. نصح أمها – إن ثبت الادعاء بالزنى – بضرورة التوبة الصادقة.
3. نصح زوجها بالتوبة الصادقة إن كان وقع الزنا بأمها بعد نكاحها، وضرورة إبعاده عن أمها في السكن واللقاء حتى لا يتكرر الفعل، وإن لم يتب من الفعل فلتسع في الطلاق، ولا يحل لها البقاء معه؛ لأن الله تعالى حرَّم نكاح الزاني للمؤمنة العفيفة.
على أننا نعلم شدة البلاء الذي نزل بالأخت الكريمة، فكم يحزن المرأة، ويشق عليها أن يزني زوجها!! وأشق من ذلك على النفس وأغيظ للقلب، ألف مرة ومرة أن تزني أمها!! فكيف إذا كان زوجها هو الزاني بأمها!! إن هذا لبلاء مبين.
نسأل الله تعالى أن يفرج همها، ويزيل كربها، وأن يرزقها الصبر والحكمة
على أننا ننصحها – قبل اتخاذ قرار كبير في حياتها – أن تتدبر جيداً في عاقبته:
إذا قررت الانفصال عن زوجها فهل يمكنها – حينئذ – أن تعيش مع أمها في بيتها، وهي التي فعلت وفعلت، ثم كان خرب بيتها على يدها؟!
نحسب أنه – إذا لم يكن عندها مأوى مناسب، ومحرم يقوم على شأنها ويرعاها – أن البقاء مع زوجها مع نصحه بالتوبة والاستقامة أهون من طلاقها والعيش في بيت أمها!!
فلتوازن هذه الأخت الكريمة بين نتائج قرارها، وبعض الشر أهون من بعض!!
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/300)
زوجته أسلمت ويؤذيها ويسيء لها
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل هاجر إلى بلاد أوروبا وتزوج من نصرانية وأنجب معها طفلة للحصول على الإقامة، وعاش السنين الأولى في الظلمات، وكان يعتدي على زوجته وابنته وكأنهم ليسو بأسرته، اعتنقت زوجته الإسلام بعد هداية من الله، ولكن حالته هو لم تتغير فلا يزال يزني ويرتكب المعاصي ولا ينفق في بيته مالاً ولا طعاماً، يعيش على نفقة زوجته بالقوة، والمسكينة صابرة على كل الظلم لأن لها أطفالاً آخرين ولا تريد تخريب بيتها، راجيةً من الله أن يهدي زوجها. أهل المرأة يرون الإسلام والأجانب السبب في هلاك ابنتهم، هل لكم من نصيحة أو طريقة قد ترد هذا الرجل إلى الصواب؟ وما حكم الإسلام في هذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن هدى هذه الأخت للإسلام، ونسأله تعالى أن يثبتها على الحق، وأن يهديها للصواب في الأقوال والأفعال.
وما ذكرته الأخت الكريمة هو صورة لمحنة الإسلام ـ إن صح التعبير ـ مع أهله، أهله الذين انتسبوا إليه، ثم خالفوا أحكامه وآدابه؛ ثم لو كانت المخالفة في ديار الإسلام، حيث يكون الدين ظاهرا، وأهله الذين هم أهله معروفون؛ فلا يؤاخذ أحد بجريرة غيره، ولا يطعن في الإسلام بإساءة من أساء، لو كان ذلك لهان الأمر، لكن تعظم المصيبة حين يكون المرء من هؤلاء في الغرب، ويعيش بين الكفار، ويعتبرونه صورة لدينه، وممثلا لأخلاقه وآدابه وأحكامه، ثم هو يعيش في حياته كما يعيش من حوله من اليهود والنصارى، لا يبالي بحرام ولا حلال.
قال الأوزاعي رحمه الله: كان يقال: ما من مسلم إلا وهو قائم على ثغرة من ثغر الإسلام، فمن استطاع ألا يؤتى الإسلام من ثغرته فليفعل.
وقال الحسن بن حي رحمه الله: إنما المسلمون على الإسلام بمنزلة الحصن؛ فإذا أحدث المسلم حدثا ثُغِر في الإسلام من قبله؛ فإن أحدث المسلمون كلهم فاثبت أنت على الأمر الذي لو اجتمعوا عليه لقام الدين لله، بالأمر الذي أراده من خلقه، لا يؤتى الإسلام من قبلك!!
" السنة لمحمد بن نصر المروزي رقم (29، 30)
وإنه ليحز في نفس كل مسلم أن تتعرض الأخوات المسلمات اللاتي دخلن في الإسلام حديثاً إلى الإيذاء والضرر القولي والبدني من أناسٍ يُفترض بهم أن يكونوا صورة حسنة عن الإسلام، وعن الأسرة المسلمة والتي تتميز بالاستقرار والمودة والرحمة بين أفرادها، وللأسف أن يكون من بين المنتسبين للإسلام مثل هذا الزوج الذي كان قدوة سيئة ومنفِّراً عن الإسلام ومسبِّباً له الطعن والتشويه.
وإن كان من أفعال هذا الزوج ترك الصلاة: فلتعلم الأخت الفاضلة أنه لا يحل لها البقاء معه؛ لأن ترك الصلاة في الشرع كفرٌ مخرج عن الملة، وبه يصير العقد مفسوخاً، ومثل هذا الزوج ليس أهلاً لأن يكون ربَّ أسرة يؤتمن فيها على زوجته وذريته، بل إنه يُخشى عليهم من سوء أفعاله، وإذا كان لا ينفق عليهم النفقة التي أوجبها الله تعالى عليه: فإنه يكون قد جمع الشر كلَّه في أفعاله وصفاته، والبقاء معه عبءٌ ثقيل تتحمله الزوجة من غيرِ داعٍ، ولو أنها تتخلص منه بالطلاق والفراق لكان خيراً لها وأفضل، ولعل حياتها أن تتغير للأحسن إما وحدها مع أبنائها أو مع زوجٍ آخر يعرف للأسرة قيمتها، ويؤدي الرسالة التي أوجبها الله تعالى عليه.
وعلى الأخت الفاضلة إن كانت ترجو هداية زوجها وصلاحه أن تسعى لذلك عن طريق أصدقائه أو أقربائه الذين يمكن أن يكون لهم تأثيرٌ عليه لتقويمه وهدايته، ويمكنها الاستعانة بالأشرطة السمعية والمرئية في المواعظ والترهيب من اقتراف المعاصي، والتذكير بالموت والقبر والحساب، فلعلَّ ذلك أن يؤثِّر فيه ويرجع لربه تبارك وتعالى.
فإن لم يُجدِ ذلك نفعاً فلا ينبغي لها التردد في رفع أمرها لقاضٍ مسلم أو مفتٍ أو إمام مسجد يوثق بعلمهم ودينهم ليخلصوها منه، فإن لم تستطع فلترفع أمره لمن يخلصها منه من المسئولين عن حماية الأسرة أو القضاء أو غيرهما من مؤسسات الدولة، وهو إن كان تاركاً للصلاة فعقدها مفسوخ معه، وإن كان مرتكباً لتلك المعاصي مع أدائه للصلاة: فلتسلك الطريق الشرعي في التخلص منه عن طريق عالم أو طالب علم أو مركز إسلامي لإلزامه بالنفقة على أهله مع ترك المعاصي والمنكرات، فإن أبى فليطلقوها منه وفقاً للشرع، ولتسلك بعدها الطريق الرسمي للتخلص منه بصفته زوجاً.
ولتحرص هذه الأخت الفاضلة على الانتقال لبلاد الإسلام والمسلمين فإنها – على ما فيها من مخالفات للشرع – خيرٌ من بلاد الكفر والمجون، والتي لا يستطيع المسلم طلب السلامة لنفسه ولا لأولاده فيها.
ونسأل الله تعالى أن يُعظم لها الأجر، وأن يهديها ويوفقها وذريتها لما فيه رضاه عز وجل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/301)
سمعة أهلها سيئة وتريد السفر بعيداً عنهم!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حياتي في البيت لا تطاق، ومن كثرة ما حصل من أهلي - أمي، وأبي - كرهت نفسي وكرهتهم، وأدى بي ذلك إلى عقوقهم، ولا أقدر أن أبرَّهم تحت أي ظرف، وأرجو أن الرد يكون غير المحاولة مرة أخرى، سمعتهم سيئة، فيه طلاق لكن بطريقة لا أقدر أن أقولها، أنا قررت أن أبعد عنهم وأسافر مكاناً أعيش فيه وأشتغل بعيداً عن سمعتهم.
أنا منقبة بسبب المشاكل، المكان يشترط عدم وجود النقاب، ولكن فقط محجبة، أنا قررت أسافر وأعيش بعيداً عن كل هذا، أن أكون محجبة أحسن من أن أكون منقبة قد وصلتْ- والعياذ بالله - للكفر!
بالله عليكم أفيدوني، أنا محتاجة أتكلم مع أي أحد، بالله عليكم حلوا مشكلتي، أنا قربت أن أيأس من رحمة ربنا! أنا لو مت والعياذ بالله خايفة أكون كافرة،لأنكم لا تعرفون ما بداخلي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تخلو هذه الدنيا من هموم وغموم، والمسلم يعلم ذلك، بل كل الناس يعلمون ذلك، وكل الناس يعانون من الدنيا نعيمها وبؤسها، رخاءها وشقاءها:
فيومٌ علينا، ويوم لنا ويوما نُساءُ، ويوما نُسرُّ
والفرق بين المؤمن والكافر في ذلك، أن المؤمن يرجو من الله في الشدة والرخاء من الأجر، ما حرم منه الكافر لأجل كفره. قال الله تعالى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء/104
والمؤمن يعلم أن ما يراه في هذه الدنيا من الخير ما هو إلا طرف وبارق منه، وما يراه من الشر في هذه الدار، أيا كان هذا الشر، فهو لفحة من الشر , وطرف منه؛ الخير الحقيقي في الجنة، والشر الحقيقي في النار:
كان شداد بن أوس رضي الله عنه يقول: إنكم لن تروا من الخير إلا أسبابه، ولن تروا من الشر إلا أسبابه؛ الخير كله بحذافيره في الجنة، والشر بحذافيره في النار، وإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، والآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قاهر، ولكل بنون؛ فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا) صفة الصفوة (1/709)
ولأجل هذه الحقيقة، ينسى هذا الخير كله عند أول صبغة لصاحبه في النار، إن كان من أهلها، وينسى هذا الشر كله ـ أيضا ـ عند أول غمسة لصاحبه في الجنة، إن كان من أهلها!!
فتلك حكمة الله تعالى، التي يراها المؤمن فيما يقدره الله تعالى عليه: أن يبتلي عباده بالسراء والضراء: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء/35
إن كلام الإيمان، ودعوى الصدق سهلة على كل أحد؛ لكن بالاختبار، يتبين الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق. قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/2-3.
ولذلك فإن المؤمن يختلف عن غيره من الناس عندما يُبتلى بالسراء والضراء، فهو شاكر في السراء، صابر في الضرَّاء، ولا خير في غير ذلك:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) . رواه مسلم (2999) .
ومن أسمائه تعالى التي سمى بها نفسه: (الحكيم) وفي أفعاله من الحكمة ما يعجز العقل عن الوقوف على أسرارها جميعا، وفيما تبين لنا منها ما يُثَبِّت المؤمن على سبيل التصديق، وباب الصبر والثبات. وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (35914) بعض الحِكَم والمصالح المترتبة على حصول الابتلاء، فلينظر فهو مهم.
وهناك أمور إذا تأملها من أصيب بمصيبة هانت عليه مصيبته وخفت، وقد ذكر ابن القيم في كتابه " زاد المعاد " (4 / 189 – 195) جملة منها، كنا قد ذكرناها في جواب السؤال رقم: (71236) فلينظر؛ فهو مهم.
ثانياً:
برُّك لوالديكِ واجب شرعي، ويحرم عقوقهما حتى ولو كانت أخلاقهما، أو معاملتهما سيئة، وحتى لو كان بينهما ما كان، وقد أمر الله بمصاحبتهما بالمعروف، وإن جاهداكِ على الكفر، كما قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصلتهما والإحسان إليهما حتى ولو كانا كافرين، كما قال لأسماء رضي الله عنها وقد جاءت إليها أمها تزورها وهي كافرة لحاجة فقال لها: " صلي أمَّك " كما رواه البخاري (2477) ومسلم (1003) .
ثالثاً:
ابتعادكِ عن أهلك وسفرك بمفردك، ليس حلا شرعيا للمشكلة، بل هو نوع من لمعالجة الخاطئة، لوضع غير صحيح؛ كالمتسجير من الرمضاء بالنار.
عن ابن عباس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (لاَ يَخْلونَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ إِلاَّ وَمَعَها ذُو مَحْرَم، وَلاَ تُسَافِر المَرْأةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ... )
رواه البخاري (1763) ومسلم (1341) .
فدل هذا الحديث على أن سفر المرأة منفردة، من غير زوج ولا محرم لها، من المحرمات.
ولفظ " السفر " في الحديث عام، وهو شامل للسفر إلى الحج أو العمرة أو طلب العلم، فما تنوين فعله داخل في السفر المنهي عنه في الحديث، فإذا كان السفر إلى بلاد الكفر: فهو أشد حرمة وأعظم خطراً.
رابعاً:
لا يجوز للمرأة أن تتخلى عن حجابها ورمز عفافها وعنوان دينها وحيائها، وطاعة الله تعالى مقدمة على الشهوات والملذات وأمور الدنيا الزائفة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
يجب على المرأة أن تحتجب عن الأجانب في الداخل والخارج، لقوله سبحانه: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) وهذه الآية الكريمة تعم الوجه وغيره، والوجه هو عنوان المرأة وأعظم زينتها، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) وقال سبحانه: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) الآية.
وهذه الآيات تدل على وجوب الحجاب في الداخل والخارج، وعن المسلمين والكفار.
ولا يجوز لأي امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتساهل في هذا الأمر؛ لما في ذلك من المعصية لله ولرسوله؛ ولأن ذلك يفضي إلى الفتنة بها في الداخل والخارج.
" فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 446، 447) .
خامساً:
لا ينبغي لكِ القنوط من رحمة الله تعالى، فما جاء في سؤالك من كلام يدل على أنكِ قد فقدتِ الثقة بنفسك، وقطعتِ الأمل والرجاء بربك تعالى، وودَّ الشيطان لو ظفر منكِ بهذا أن يدوم ويستمر، فإياك أن تنساقي وراء مكائد الشيطان، وإياك أن تقعي في شرَكِه.
نعم، نقرأ في رسالتك الحزن والأسى على الحال الذي وصل إليه أهلك، وما وصلت إليه سمعتهم التي آذتك، والتي سببت لك التفكير في الرحيل عنهم، لكننا نريد التفكير بروية ودون تعجل خشية أن تقعي فريسةً بين أنياب أهل الشر، وبخاصة إذا علموا حال أهلكِ، ووجودك وحيدة بينهم، لذا فيجب عليكِ التخطيط للخلاص من تلك المشكلات دون الوقوع في المحرَّمات.
ونقترح عليكِ عرض مشكلتكِ على أحد أقربائك العقلاء من المحارم عليك مثل العم أو الخال، ليخلصك من مشكلات البقاء بين أهلك، فالانتقال إلى بيت أحد محارمك هو المقدَّم في حل مشكلتك، إذا كانت الحياة معهم على ما وصفت، ولم يكن هناك أمل في صلاحهم، ويمكن بعدها أن ييسر الله لك زوجاً صالحاً، تسعدين بالعيش معه، ويرزقك الله تعالى منه ذرية طيبة.
ولا مانع من أن يسعى أقرباؤك لتتزوجي من رجلٍ صالح، وهم لو فعلوا ذلك لاستحقوا المدح والثناء، بل لا مانع من أن تسعي أنت، عن طريق من تثقين في عقله ودينه، ونصحه لك، أن يبحث لك عن زوج مناسب، أو يذكرك عند شخص معين تتوسمين فيه الصلاح، وتأملين أن يكون مأمونا عليك.
لكننا على أية حال، لا ننصحك بالسفر وحدك، ولا الانتقال لبيت وحدك، بل ننصحك بالسكن مع أحد أقربائك من المحارم، إن أمكن ذلك، على أن تختاري بيتاً صالحاً يصلح أن تعيشي فيه، فإن لم يتيسر فننصحك بالبحث عن أخوات مستقيمات من الطالبات – مثلاً – وتسكنين معهنَّ، فإن لم يتيسر فابحثي عن أخت صالحة تعيش مع أخواتها أو أمها، يصلح أن تكوني بينهن، والمهم في ذلك كله تجنب العيش وحدك، وتجنب السفر، وخاصة لبلاد الكفر، والحرص على وجود بيئة صالحة ملائمة تصلح أن تحافظي على دينك فيها.
ولا يجوز لك الاستسلام لأوهام الشيطان بأنك من اليائسات أو من القريبات للكفر، فكل ذلك يساهم في كثرة الهموم والغموم.
وتأملي معي ـ أيتها الأخت الصابرة إن شاء الله ـ قول الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) البقرة/214، فستعلمين أن الأزمة متى اشتدت، ووصلت هزتها أن تكون زلزالا، فإن الفرج بعدها قريب برحمة أرحم الراحمين.
وتأملي قول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) ، وقوله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4، وقوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (يا غلام؛ أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟ فَقُلْتُ: بَلَى!! َقَالَ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) رواه أحمد (2800) ، وصححه الألباني.
وأخيراً: نوصيك بالدعاء، مع تحري الأوقات الفاضلة كالثلث الأخير من الليل، وكثرة الدعاء في السجود، وأخلصي في دعائك، وتذللي لربك عز وجل أن يهدي والديك، وأن يصلح شأنهما، وأن يوفقك لما يحب ويرضى.
وانظري ـ أيضا ـ كتاب " علاج الهموم " في قسم الكتب من موقعنا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/302)
زوجان يتشاجران كثيراً وتضربه فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزوجتي نتشاجر كثيراً، وتضربني هي بكل قوتها، أحيانًا أكون أنا الغلطان وأحياناً هي، ماذا نفعل حيال هذا؟ الحمد لله أنا أقوى فهي لا تؤذيني، ونحن زوجان سعيدان والحمد لله، آخر مرة ضربتني، وهممت أن أضربها لكني الحمد لله لم أفعل، وأنا لم أضربها منذ تزوجنا والحمد لله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ندري ما هي السعادة التي تعنيها أخي السائل؟ ولا ندري كيف تلتقي سعادتكما مع كثرة التشاجر وضرب الزوجة لكِ؟! .
ومما لا شك فيه أن ضرب المرأة لزوجها يدل على خراب هذا البيت وعدم صلاحيته لتربية الأولاد؛ إذا كيف سيربي الوالد أولاده وهم يرونه يُضرب من قبَل أمهم؟! .
وعلى كل حال: إذا أردتَ صلاح بيتك، وصلاح حال زوجتك: فلا بدَّ أن تعرف سبب لجوء زوجتك للعنف، ولا بد من علاجها.
وقد ذكر المختصون أسباباً لعنف الزوجة، ومنها:
1. أن يكون عنفها بسبب رد فعل منها تجاه عنف زوجها، وهذا السبب غير موجود – حسب الحال في سؤالك – في حياتك، فأنت تقول أنك لا تضربها.
2. وقد يكون عنف زوجتك بسبب طفولتها السيئة، والتي قد تكون تعرضت فيها لعنف من والديها أو أحدهما أو من أحد إخوتها.
3. وقد يكون عنف الزوجة بسبب ضعف شخصية الزوج، وهذا له أسباب كثيرة؛ فقد يكون زوجها لا يعمل، وتكون هي العاملة والمتحملة لمسئولية البيت، فتدفعها شخصيتها المتحكمة للطغيان على شخصيته الضعيفة.
وقد تكون الزوجة جميلة؛ فتدل عليه بجمالها، وهي تعلم شدة تعلقه بها، وقلة صبره عنها، فستغل ذلك لبسط سلطانها عليه وعلى بيته.
وقد تكون صاحبة جاه: من نسب وشرف، أو قوة أسرة، أو ما شابه ذلك، ولا يكون هو كذلك، فتستقوي عليه , وتستعلي عليه بما عندها، لا سيما إذا واكب ذلك ضعف طبيعي في شخصية الرجل وقوامته في بيته.
4. وقد يكون عنف المرأة بسبب تأثيرات ما تقرؤه أو تشاهده أو تتعاطاه، فقد تكون متأثرة بالنساء القويات، أو أنها تقرأ حكاياتهن، أو يوسوس لها شيطانات الإنس بأن هذه الطريقة المناسبة لوقف الزوج عند حدِّه، أو أنها قد تكون تتعاطى المخدرات والمسكرات.
وفي ظننا أن السبب الثاني والثالث هما المحتملان بقوة لعنف امرأتك، فإذا عرفتَ السبب فلا بدَّ من معالجته بالحكمة واللطف، وتذكيرها بعظيم حقك عليها، وواجبها تجاهك، وتذكرها بعقوبة التعدي عليك باللسان واليد، وتنبيهها على أن فعلها سيسهم في فشل تربيتكم لأولادكم، وقد تنعكس شخصيتها على بعض بناتها.
فإن لم تجدِ هذه الطريقة: فيجوز لك استعمال الشدة معها، فإذا جرأها عليك حلمك عليها، ولينك معها، فلعل شدة عليها، وإغلاظك لها، يردعها عن ذلك.
وأيا ما كانت هذه الشدة، بالقول، أو بالهجر، أو بالضرب غير المبرح، فهي كلها وسائل متاحة لك لتقويم عوج زوجك، وإظهار القوامة بمعناها الكامل، والقِوامة تعني ظهور شخصيتك في البيت والإنفاق على البيت، ولا حرج عليك من ضربها إن تعدَّت حدودها، وأطالت لسانها، أو مدت يدها لضربك.
وعليك أخي السائل أن تبتعد عن إثارتها واستفزازها، فقد تؤذيها ببعض كلامك، وليس عندها من الدين والعقل ما يمنعها من إطالة لسانها أو يدها عليك، واعلم أن مرضها هذا يحتاج منك لصبر وحكمة في التعامل معها.
والواقع أن استعلاء المرأة على زوجها، وتخطيها لحق القوامة الواجب له، هو من الشذوذ الذي يصيب بعض النساء، وقبول الرجل لذلك هو ـ أيضا ـ نوع من الشذوذ الذي يصيب بعض الرجال، فيتنازل عن جزء لا يتجزأ من رجولته وقوامته، وهو وضع يجب تعديله وإصلاحه، ولا يجوز الاستمرار عليه، لا سيما إذا كان هناك أولاد يرون ذلك.
إن ما أشرت إليه ـ أيها السائل ـ من أنك تتشاجر أنت وامرأتك كثيرا، هو مربط الفرس ـ كما يقولون ـ في مشكلتكم؛ فإن الزواج هو عقد بداية للمحبة والمودة والسكن، والمشاجرات هي سعي ـ ولو ببطء ـ لفض تلك الشركة، وإنهاء السكن والمحبة:
فَإِنّي وَجَدتُ الحُبَّ في الصَدرِ وَالأَذى إِذا اِجتَمَعا لَم يَلبث الحُبُّ يَذهَبُ
وانظر جواب السؤال رقم (41199) لتقف على تفاصيل حكم ضرب الزوجة.
ونسأل الله تعالى أن يهديها ويصلح بالها، وأن يعينك على الصبر على أذاها، وأن يوفقك لإصلاحها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/303)
هل تركيب الأسنان الصناعية يعتبر تغييراً لخلق الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طبيب الأسنان يضع لنا أضراساً صناعيّةً مكان الأضراس التي تم نزعها بسبب مرضها وكونها لم تعد صالحة، يقول الطبيب: إنه إذا لم تملأ الفراغات ستتضرر الأسنان الأخرى، علماً أن هذه الأضراس الاصطناعية هي (إما مرتبة أو غير مرتبة) أي: يمكن نزعها وإرجاعها، هل هذا العمل حلال أم حرام داخل في تغيير خلق الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تركيب أسنان صناعية مكان الأسنان المنزوعة لمرض أو تلف أمرٌ مباح لا حرج في فعله، ولا نعلم أحداً من أهل العلم يمنعه، ولا فرق بين أن تثبت الأسنان في الفم أو لا تثبت، ويفعل المريض الأصلح له بمشورة طبيب مختص.
وتغيير خلق الله تعالى هو عدم الرضا بخلقة الله تعالى من حيث طول الأسنان أو شكلها أو المسافات بينها، ولذا لُعن الذي يغيِّر خلق الله تعالى عموماً، ولُعن المغيِّر لها في أسنانه خصوصاً.
قال الله تعالى: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا. لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً. وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً) النساء/117-119.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ) رواه مسلم (2125) .
قال النووي رحمه الله:
(الواشمة) فاعلة الوشم , وهي أن تغرز إبرة أو مسلة أو نحوهما في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم , ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة , فيخضر , وفاعلة هذا واشمة , والمفعول بها موشومة، فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة.
(النامصة) هي التي تزيل الشعر من الوجه , والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها.
(المتفلجات) المراد به: مفلجات الأسنان بأن تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات , وهو من الفَلَج وهي فرجة بين الثنايا والرباعيات , وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السن إظهاراً للصغر وحسن الأسنان , لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار , فإذا عجزت المرأة كبرت سنها وتوحشت فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر , وتوهم كونها صغيرة , وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها لهذه الأحاديث , ولأنه تغيير لخلق الله تعالى , ولأنه تزوير وتدليس.
(المتفلجات للحسن) معناه يفعلن ذلك طلبا للحسن , وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن , أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس.
" شرح مسلم " (14 / 106، 107) باختصار.
وكلام النووي رحمه الله بيِّنٌ في التفريق بين علاج الأسنان لإزالة عيب فيها، وبين عدم الرضا بخلقة الله والعبث بها من أجل التجميل، فالأول مباح، والثاني محرَّم.
وقد جاء في السنَّة ما يستدل به على جواز تركيب الأسنان لمن سقطت أسنانه لكبر أو مرض، بل ويجوز أن تكون ذهباً إن لم يقُم غيره مقامه.
فعن عرفجة بن أسعد أنه أصيب أنفه يوم الكُلاب في الجاهلية فاتخذ أنفا من وَرِق (أي: فضة) فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب.
رواه الترمذي (1770) وأبو داود (4232) والنسائي (5161) وحسَّنه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (824) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
" لكن عند الضرورة يجوز استعمال الذهب سنّاً، أو أنفاً، أو نحو ذلك إذا لم يقم غيره مقامه " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (4 / 248) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" يجب أن نعلم أن السنَّ الذهب لا يجوز أن يركب إلا عند الحاجة إليه، فلا يجوز أن يركبه أحدٌ للزينة، اللهم إلا النساء إذا جرت عادتهن التزين بتحلية الأسنان بالذهب فلا بأس، أما الرجال فلا يجوز أبداً إلا لحاجة " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (28 / السؤال رقم 5) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/304)
مصابة بالوسواس وتشك في عبادتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسانة شديدة الوساوس بشكل لا يتصوره عقل بشر في الصيام، وعندما أكون صائمة في رمضان تأتيني الوساوس في كل وقت أن صيامي خاطئ. فمثلا تأتيني الوساوس قبل الفجر وبعده، وأحيانا قبل المغرب على أتفه سبب، ومن ثم أصوم ذلك اليوم ولكن أنوي أن أعيده، وعندما انتهى رمضان قلت في نفسي سأقضي القضاء فقط، لأن تلك الأيام صمتها. ولكن جاءت الوساوس مرة أخرى بأن ما قلت سأعيده يجب إعادته لأنني نويت إعادته والآن لا أدري أأعيدها أم أسال الله عز وجل قبولها؟ بالإضافة أنني جاءتني بعد القصة البيضاء صفرة في رجب وشعبان ورمضان ثم بعد ذلك لم تعد تأتيني بعد القصة البيضاء أي صفرة أو كدرة وهذا كان له كبير الأثر في المعاونة على الوساوس، هذا وتضيع علي الأيام بعد رمضان بسبب الوساوس فهذا لم أنوي وهذا أدخلت نيتين وهذا دخل شيء في حلقي وهذا وذاك حتى يقرب رمضان الآخر وأنا لم أقض وأنا في حالة لا يعلم بها إلا الله عز وجل أرجو الإفادة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك من هذه الوساوس؛ لأن الوسوسة نوع من المرض يتوصل الشيطان من خلاله إلى إدخال الهم والحزن على المؤمن، ونوصيك بالصبر، والفزع واللجوء إلى الله تعالى وسؤاله العفو والعافية فإنه سميع قريب مجيب، جل وعلا.
واعلمي أن خير علاج للوسوسة هو الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها.
وانظري جواب السؤال رقم (62839) و (25778) .
ثانياً:
صيامك صحيح، ولا يلزمك إعادة شئ منه، ولو كنت نويت الإعادة، لأنها ـ كما تعلمين وساوس ـ لا حقيقة لها. وانظري السؤال رقم (39684)
ثالثاً:
نزول الصفرة أو الكدرة بعد القصة البيضاء لا يكون حيضاً؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) رواه البخاري (326) وأبو داود (307) واللفظ له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/305)
تعاني من مشكلة التأتاة فهل هناك أدعية لعلاجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخت تسأل: أنا مبتلاة بمشكلة (التأتأة) أي: صعوبة النطق وتردد الحروف، والحمد لله مازلت صابرة على قدر الله، هل هناك أدعية ما في الكتاب والسنة يدعو بها لإنسان لحل هذه المشكلة؟ وإذا كانت نعم فما هي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يُعظم للأخت المبتلاة الأجر، ونسأله تعالى أن يشفيها ويعافيها، ونوصيها بالصبر والاحتساب، وهذا من صفات أهل الإيمان.
ولتعلم هذه الأخت أن مثل هذه الابتلاءات لها حكَم بالغة، وهي مما يُكفَّر بها عنها الخطايا، ويرفع بها لها الدرجات.
عَنْ صُهَيْبٍ الرُّومي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَباً لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ) رواه مسلم (2999) .
قال علماء اللجنة الدائمة: " الله سبحانه حكيم عليم بما يصلح شأن عباده، عليم بهم، لا يخفى عليه شيء، فيبتلي عباده المؤمنين بما يصيبهم من مختلف أنواع المصائب في أنفسهم، وأولادهم، وأحبابهم، وأموالهم؛ ليعلم الله سبحانه - علماً ظاهراً - المؤمن الصابر المحتسب من غيره، فيكون ذلك سبباً لنيله الثواب العظيم من الله جل شأنه، وليعلم غير الصابر من الجزعين الذين لا يؤمنون بقضاء الله وقدره، أو لا يصبرون على المصائب، فيكون ذلك سبباً في زيادة غضب الله عليهم، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ، وقال سبحانه وتعالى: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ) إلى أن قال: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ، وقال سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) ، والعلم الظاهر: الموجود بين الناس، وإلا فهو سبحانه يعلم في الأزل الصابر وغيره.
كما أن المصائب - من الأمراض والعاهات والأحزان - سبب في حط خطايا وتكفير ذنوب المؤمن، فقد ثبت في أحاديث كثيرة أنها تحط الخطايا، فعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما يصيب المؤمن من وَصَب ولا نَصَب ولا سقم ولا حزَن حتى الهمّ يهمّه، إلا كفر الله به سيئاته) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً، قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم " قلت: أذلك بأن لك أجرين؟ قال: أجل، ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها) أخرجه البخاري ومسلم.
هذا وقد تكون الأمراض ونحوها عقوبة، ومع ذلك تكون كفارة لمن أصابته إذا صبر واحتسب؛ لعموم ما تقدم من النصوص؛ ولقوله سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/336) .
ثالثاً:
لا نعلم شيئاً في السنَّة النبوية يقال عند الابتلاء بهذا، وفي الطب الحديث – كذلك – لا يوجد ـ فيما نعلم ـ دواء لهذا الداء؛ لأنه ـ في الغالب الأعم من حالاته ـ لا يعد مرضاً بل مشكلة يحتاج علاجها إلى عناصر مهمة أن توجد في المبتلى، وهي: الثقة بالنفس، والبيئة البيتية والمدرسية والسكنية الواعية التي لا تتسبب في ضغط نفسي على المبتلى، والتدرب على طريقة الكلام المناسبة ببطء ومهل حتى يتخلص من مشكلته – بإذن الله – نهائيّاً، ويحتاج هنا لمساندة أخصائي النطق والتخاطب.
وفي السنة النبوية أدعية يقولها المريض أيّاً كان مرضه، ويمكن الاطلاع عليها في جواب السؤال رقم: (20176) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/306)