حكم ضرب الطالبات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ضرب الطالبات اللاتي يحتجن إلى توجيه سواء في أدب أو علم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يحسن الرفق ولين الجانب من المُدرس والمُعلم للصغار والكبار، ولكن إذا استدعى الحال تعزيراً أو ضرباً غير مبرح جاز ذلك، فإن من عادة السفهاء سوء المعاملة وعدم الاحترام، فتدعو الحاجة إلى شدة وقوة تؤثر أكثر من اللطف واللين" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين حفظه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 399) .
وينظر جواب السؤال رقم (50022) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/2)
حكم وضع جهاز تسجيل لمراقبة مكالمات الأهل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أخ لذكور وإناث لذا فإني أستخدم جهاز التسجيل التلفوني ردأً للمفاسد حيث تم درأ مفاسد بهذه الطريقة ما رأيكم في هذه الطريقة مع العلم بأنهم لا يعلمون بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عُرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال:
رأيي في هذا أنه من التجسس ولا يجوز لأحدٍ أن يتجسس على أحد؛ لأنه ليس لنا إلا الظاهر ولو ذهبنا نتجسس على الناس لتعبنا تعباً عظيماً في طريق التجسس وتعبت ضمائرنا فيما نسمع ونرى.
وإذا كان الله تعالى يقول (ولا تجسسوا) بعد قوله (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا) .
لكن إذا رأى قيم البيت أمارات تدل على هذه المكالمات الخبيثة فلا بأس أن يضع مسجلاً من حيث لا يعلمون لكن عليه إذا علم من أول الأمر أن لا يتابع بل يوبخهم مباشرة، لأنه ربما إذا تابع سمع أكثر مما كرهه أولاً، فمثلاً إذا علم بمكالمةٍ رديئة فعليه أن يوبخ صاحبها مباشرة ولا يُؤخرها إلى الغد فيجب قطع الطريق من البداية.
أما مجرد الاتهامات والوساوس فلا يجوز لكن إذا علم أن الأمر خطير وأن الأمر يقع فلا بأس أن يضع المسجل من أجل أن يتحقق من الأمر.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللقاء الشهري للشيخ محمد بن صالح العثيمين رقم 50.(10/3)
تحصين المجتمعات من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتم إحضار أربعة شهود على الزاني والزانية، في الوقت الحاضر؟ وكيف تتم نصيحة شبابنا المسلم من هذا العمل القبيح؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
يعد العلماء في طرق ثبوت الزنا أربعة طرق:
1- الشهادة. 2- والإقرار. 3- وحمل من لا زوج لها ولا سيد. 4- وإذا تم لعان الزوج ولم تدافعه الزوجة.
ويشترط في الشهود على الزنا أن يكونوا أربعة ممن تجوز شهادتهم، يصفون الزنا بصريح لفظه – وهو أنهم رأوا ذكر الرجل في فرج المرأة -، فإن اكتفى بعضهم بالشهادة برؤيتهما متجردين من اللباس، أو وصفوا هيئة وحركة معينة، فلا يكفي ذلك لثبوت الزنا.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/157) :
" يصفون الزنا بلفظ صريح بأن يقولوا: رأينا ذكره في فرجها. لا بد من هذا، فلو قالوا رأيناه عليها متجردين، فإن ذلك لا يقبل، حتى لو قالوا نشهد بأنه كان منها كما يكون الرجل من امرأته، فإنها لا تكفي الشهادة، لا بد أن يقولوا نشهد أن ذكره في فرجها، وهذا صعب جدا، مثلما قال الرجل الذي شهد عليه في عهد عمر، لو كنت بين الأفخاذ لن تشهد هذه الشهادة. ولهذا ذكر شيخ الإسلام في عهده أنه لم يثبت الزنا عن طريق الشهادة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد شيخ الإسلام ابن تيمية، وإذا لم يثبت من هذا الوقت إلى ذلك الوقت، فكذلك لا نعلم أنه ثبت بطريق الشهادة إلى يومنا هذا؛ لأنه صعب جدا " انتهى.
وليس هذا التشديد في أمر الشهادة على الزنا إلا لتحقيق مقصد أراده الشارع، وهو الستر على العباد، وعدم إشاعة الفاحشة، وتجنيب المجتمعات الاتهام في الأعراض والطعن في الأنساب.
يقول القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن" (5/83) :
" جعل الله الشهادة على الزنا خاصةً أربعةً: تغليظاً على المدَّعِي، وسترا على العباد " انتهى
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" (1/563) :
" (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) أي: هلا جاء الرامون على ما رموا به، (بأربعة شهداء) أي: عدول مرضيين. (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأن الله حرم عليهم التكلم بذلك من دون أربعة شهود، ولهذا قال: (فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) ولم يقل (فأولئك هم الكاذبون) وهذا كله من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه من دون نصاب الشهادة بالصدق " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (839) ، (6926)
ثانيا:
أما تحصين شبابنا ومجتمعاتنا من هذه الفاحشة المهلكة، فلا بد له من عمل عام تقوم عليه الدول والمجتمعات، وتتضافر له جهود الجهات المختلفة، فهي مسؤولية جماعية وليست فردية، ولا يمكن تحقيق سلامة المجتمعات إلا بتكامل الأخذ بالأسباب التي تحفظ من الزنا والولوغ فيه، ومن تلك الأسباب:
1- نشر التوعية العامة بعظم إثم الزنا، وأنه من الكبائر التي اتفق العقل والشرع على قبحه وشناعته وتحريمه، وبيان أنه سبب لهلاك الأمم وحلول المصائب والكوارث في الدنيا، وأن جزاءه النار يوم القيامة.
قال الإمام أحمد: ليس بعد قتل النفس أعظم من الزنا. "غذاء الألباب" (2/435)
يقول الله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) الإسراء/32
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" (1/457) :
" ووصف الله الزنى وقبحه بأنه (كَانَ فَاحِشَةً) أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفِطَر؛ لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد. وقوله: (وَسَاءَ سَبِيلا) أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم " انتهى.
2- توعية الشباب بالآثار السيئة المترتبة على انتشار هذه الفاحشة، والتي يتهدد استقرار الأسر والمجتمعات، كانتشار الأمراض القاتلة، وظهور أولاد الحرام، وانهيار التكوين الأسري، وتشرد الأبناء، وتلقيهم السلوكات السيئة، وارتفاع معدلات الطلاق، وانتشار الجريمة، وغير ذلك، وهي آثار تعيشها المجتمعات التي تنتشر فيها الإباحية في أسوأ صورها، مما ينذر بانحلال مجتمعاتهم، وسقوط حضارتهم.
3- العمل على تيسير الطريق الشرعي للعلاقات الجنسية، بالزواج الحلال الطيب، وذلك بالترغيب فيه وبيان ندب الشريعة إليه، وأنه من سنن المرسلين، وأن من تزوج فقد استكمل نصف الدين، وأن له أجرا في إعفافه نفسه وزوجه.
4- ومن مسؤولية المجتمع في هذا السبيل إزالة العوائق التي تؤخر الزواج، فتعالج الفقر الذي قد يكون مانعا من الزواج، وتوفر الدعم المادي للشباب الذي لا يملك ما يعف به نفسه، حتى قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32
" زوجوا من لا زوج له منكم، فإنه طريق التعفف " انتهى. (12/239) .
وفي كتاب "الأموال" لأبي عبيد القاسم بن سلام (251) أن عمربن عبد العزيز كتب إلى واليه بالعراق: أن انظر كل بكر وليس له مال فشاء أن تزوجه فزوجه وأصدق عنه.
ويقول ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/587) :
" يلزم الرجل إعفاف ابنه إذا احتاج إلى النكاح، وهذا ظاهر مذهب الشافعي " انتهى.
5- وأدنى ما يمكن أن يتحمله المجتمع والآباء تجاه هذه المسألة المهمة ترك المغالاة في المهور، أو التفاخر والمباهاة بتكاليف الزواج، أو السعي إلى التكسب منها.
خطب عمر بن الخطاب على المنبر فقال:
(أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ – أي مهورهن - فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً) رواه أبو داود (2106) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولا يختلف المصلحون في أن استغلال الآباء مهور البنات كان واحدا من أسباب انتشار الفساد والرذيلة في المجتمعات.
يقول وول ديورانت وهو يحكي أسباب انتشار الرذيلة في بعض المجتمعات الغربية في فترة من التاريخ في كتاب "مباهج الفلسفة" (127-128) :
" ولا نزاع في أن ذلك يرجع إلى حد ما إلى ما كان يقتضيه الآباء المغرمون ببناتهم من مهر غال ثمنا لعفتهن، وقت أن كان الزواج يشترى صراحة " انتهى.
6- ومن أهم ما يقي المجتمعات رذيلة الزنا إشاعة جو المحبة والمودة بين الأزواج، والحرص على سعادة الأسرة بالحب والاحترام والصدق والوفاء وأداء الحقوق والواجبات، فإن الأسرة السعيدة والزوجين المتفاهمين المتآلفين وقاءٌ للمجتمع من الانحراف والسقوط في الفواحش بحثا عن سعادة موهومة.
7- وأخيرا لا بد من العمل على تهيئة المناخ المحافظ الملتزم المتعلق بالله سبحانه وتعالى، والذي تختفي فيه مظاهر التبرج والسفور، وتستر فيه العورات، وتمنع فيه الخمور والمعازف التي هي رقية الزنا، فإن هذه الأمور هي الوقود التي تشعل نار الفاحشة، فإذا تخلص المجتمع منها فقد أمِن من النار.
ويمكن الاستفادة بأجوبة الأسئلة الآتية المنشورة في موقعنا (20161) ، (3234) .
ومن الكتب المفيدة في هذا الموضوع كتاب " التدابير الواقية من الزن ا" تأليف د فضل إلهي فيمكن الاستفادة منه والرجوع إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/4)
كيف تحفِّظ أختها ذات الخمس سنوات القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخت ذات خمس سنوات ونيف، وأريد أن أحفِّظها القرآن، فمن أين أبدأ معها؟ وكيف أبدأ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن تربية الأبناء منذ صغرهم على الدين، وتحفيظهم كتاب الله وتعليمهم سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم يُعدُّ أمراً عظيماً، وخاصة في هذه الأيام، والتي فرَّط الكثيرون في أبنائهم ومن يعولون، وأشغلوهم بما لا ينفعهم في الآخرة، بل وقد يضرهم، وعلقوهم بمن لا يستحق أن يُذكر فضلاً أن يكون لهم قدوة، كالممثلين واللاعبين والمغنين.
فنشكر الأخت الفاضلة على سؤالها ونسأل الله أن يثبتها وأن يعينها على هذا الأمر وغيره، وأن يكتب لها الأجر يوم القيامة، فما أعظم أن يلقى الإنسان ربَّه وفي صحيفته أعمال دلَّ عليها أو ساهم في وجودها.
وأما بالنسبة للأخت الصغيرة وحفظها للقرآن فنشير على الأخت بما يلي:
1. أن تبدأ بالأسهل في القراءة والحفظ وهو فاتحة الكتاب، ثم الجزء الأخير من نهايته، فالبداية بالسهل معين على التقدم لما بعده، ثم إن حاجتها إلى ذلك تكون ماسة حينما تبدأ في تعلم الصلاة.
2. أن يكون قدر الحفظ في كل يوم شيئاً يسيراً حتى تمكِّن حفظها، ويسهل عليها حفظ ما بعده، وهذا القدْر يختلف من واحدٍ لآخر حسب ذكائه وسرعة حفظه.
3. كثرة المراجعة حتى يثبت حفظها، وألا يمر يوم من غير حفظ شيء جديد، ومراجعة للقديم.
4. تشجيع الحافظة بإعطائها جائزة كلما انتهت من جزء – مثلاً – حفظاً وتمكيناً.
5. تبدأ في الانتقال معها من التلقين والترديد، وهو أول مرحلة في التحفيظ عادة، إلى تعليمها القراءة حتى يسهل عليها أن تقرأ القرآن وحدها في وقتٍ لا توجد عندها أختها أو مدرِّستها.
6. أن تعودها أن تقرأ ما حفظته في صلاتها سواء الفرض منها أو النافلة، إذا بلغت سن الصلاة وعقلتها.
7. أن تعودها على سماع ما تحفظه من الأشرطة أو جهاز الكمبيوتر لتجمع بين حسن النطق وحسن التلاوة ومراجعة الحفظ وتمكينه.
8. اختيار وقت مناسب للحفظ حيث تقل الأشغال والمشوشات مثل ما بعد الفجر أو بين المغرب والعشاء، وتجنب أوقات الجوع أو التعب أو النعاس.
9. الثناء على الحافظة أمام جيرانها وأقربائها تشجيعاً لها وحثّاً لهم على سلوك الطريق نفسه، مع الأخذ بعين الاعتبار تعويذها بالمعوذات خشية عليها من عين الحاسدين.
10. ضرورة أن يكون لها رسم مصحف واحد دون تغيير، وذلك حتى يرسخ في ذهنها مكان الآية.
11. أن تشجع على كتابة ما تحفظ حتى تجمع بين تعلم الكتابة ورسوخ الحفظ.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/5)
يعاني من ميوعة بعض طلاب التحفيظ لديه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مدرس في حلقة تحفيظ لشباب في سن يقارب ما بين 16 سنة إلى 20 سنة ولكن بهم من الدلع والميوعة ما الله به عليم فما هي الطريقة الصحيحة لتربية الشباب هؤلاء على الجهاد والرجولة?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعل من أحسن الطرق في هذا السن تعليقهم بشخصيات الأبطال والفاتحين، وسرد قصصهم ومواقفهم، لترتفع اهتماماتهم وحدثهم عن واقع المسلمين، وخطط أعدائهم للإيقاع بهم وإشغال شبابهم بالترهات ولا تشدد عليهم في بعض الأمور التي هي من مقتضى طبيعة الشاب في هذا السن، من العناية بالمظهر، ولكن بضوابط الشرع.
وأنصحك بقراءة كتاب " المراهقون" للدكتور عبد العزيز النغيمشي
وفقك الله
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: أحمد العبد لرحمن القاضي
جامعة الإمام محمد بن سعود فرع القصيم.(10/6)
شكوى مدرِّسة من عدم استجابة الطلاب لدعوتها ونصحها لهم
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أتأسف لطول سؤالي ولكن الأمر جد خطير، أرجو أن تصبروا عليَّ، إنني أعمل مدرِّسة في مَدرَسة ابتدائية إسلامية , وهي مقامة داخل مسجد , وأقوم بتعليم أطفال ما بين 10 - 12 عاماً، وسؤالي هو: أنهم عندما أقوم بتعليمهم الأحاديث، والتربية، ودروس السيرة: فإنهم يكونون سعداء جدّاً بالاستماع إليها , ولكنني لا أجد النتيجة المأمولة منهم، على سبيل المثال: لا أجدهم يطبقونها، مع العلم أنهم يعرفون أنه لا يجب عليهم أن يشربوا واقفين، ويعرفون الحديث الذي يتحدث عن الشرب واقفاً ومع ذلك مصرين على ما يفعلون، إلا إذا أخبرتهم وذكرتهم بالحديث. إنني أريد أن أقوِّي من إيمانهم , وأن يطبقوا ما أعلِّمهم إياه , ولكنني لا أعرف ما أفعل أكثر من ذلك , وأظن أنني قد أهملت بعض المواضيع الحيوية، لذلك فإنهم يجدون صعوبة في التطبيق، وفي بعض الأحيان أرى أنه تقصير مني , وإنني أريد منهم أن يحبون الدين كما أحبه، كما أنني آخذ في الاعتبار أن بعض الأطفال من مدارس عامة، والبيئة الإسلامية جديدة عليهم. فما هي أفضل المواضيع التي أبدأ بتعليمها للأطفال خطوة بخطوة في هذا العمر، فيخافون الله، ويحبون العمل لأجله؟ وكيف يمكنني أن أجمِّل الدين لهم وأن أشرح جماله لهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سؤالكِ هذا دليل على حسن قيامك بواجب المسؤولية في عملك كمدرِّسة، وموجهة، وداعية , فنسأل الله سبحانه أن يبارك فيك، وفي همتك، وجهدك.
فالمدرِّس في مدرسته مؤتمن، ومسؤول على ما اؤتمن عليه , من نصح الطلاب، وتوجيههم , والأخذ بأيديهم لما فيه خيرهم، ونفعهم , وفي الحديث عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
ولو أن المدرِّسين والمدرِّسات حملوا همكِ وهمتكِ , وهذه الرغبة الصالحة: لنشأ - بإذن الله - جيل صالح , وبذرة طيبة.
ثانياً:
على المسلم أن يقوم بالتعليم والنصح والإرشاد وهو غير مسؤول عن النتيجة، وعن عدم استجابة الناس له، قال الله تعالى: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ) المائدة/ 99.
ونجاح الدعوة ليس بالكثرة، والعدد , ففي الحديث عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ النَّبِيُ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِي لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ) رواه البخاري (5378) ومسلم (220) .
ولا يعني عدم التطبيق المباشر للمدعوِّين فشل الدعوة، أو انتكاسها , فربَّ كلمة، أو نصيحة، أو موعظة أثَّرت بعد حين.
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ) رواه أحمد (28/155) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3) .
وهو صلى الله عليه وسلم لم يشهد ذلك في حياته.
فليس من لازم نجاح الدعوة أن يلمس الإنسان آثارها مباشرة.
أما السبيل الذي ننصح أن يسلكه المعلِّم في نصحه وتوجيهه لطلابه: فكما يلي:
أ. لا بد من التواصل البيتي المدْرسي، فإذا كانت المدرسة تبني والبيت يهدم أو العكس: فلن نحصل على الثمرة المرجوة , فلا بد من التواصل مع أولياء أمور الطلاب , فمثلاً إذا حثَّ المعلم على المحافظة على الصلاة: فلا بد من متابعة الأهل للأولاد، وتذكيرهم بموعد الصلاة.
ولو حث المعلمُ الطفلَ - مثلاً - على آداب الطعام من التسمية، والأكل باليمين: فلا بد من متابعة الأهل لهذا الأمر، وهكذا في باقي الآداب، والأحكام.
ب. التركيز على التربية الإيمانية , وتقوية الوازع الإيماني في نفس الطف.
وانظري جواب السؤال رقم: (22950) .
ج. التربية بالقصة , وتربية الأولاد على حب الأنبياء، والصالحين من الصحابة، والتابعين، والاقتداء بهم فهذا الأسلوب من أعظم مواطن التأثير في الطلاب.
وانظري جواب السؤال رقم: (22496) .
د. التربية بالقدوة , فظهور المعلم – والمعلمة - أمام الطلبة – والطالبات - بمظهر الصدق، والأمانة، وحسن المنطق , وحسن الخُلق: له أكبر الأثر الإيجابي في نفوسهم , فكيف يقبل طالب من معلِّم حثه له على الصدق , والوفاء بالوعد: وهو يكذب في حديثه، أو يعدهم، ولا يوفي؟!.
هـ. التربية بالتطبيق العملي، فأداء الصلاة أمامهم , والتوضؤ أمامهم: من شأن ذلك أن يطبع في أذهانهم تلك العبادة بهيئاتها.
وأما أول ما يبدأ به المعلم في غرسه في نفوس الطلبة:
أ. أركان الإيمان: من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدَر، خيره وشرِّه؛ وتسهيل الأمر إلى مستواهم، مع ضرب المثال، والتكرار.
ب. الأحكام المتعلقة بأهم العبادات، كالصلاة، ومعها الوضوء، وكذا آداب الطهارة، والحث على النظافة.
ج. الآداب العامة: من الكلمة الطيبة واجتناب الألفاظ السيئة، وحب الوالدين , واحترام الكبير، والإحسان إلى الصديق، إلى غير ذلك.
د. التحذير من الأمور السيئة، كالسب والشتم والكذب؛ والاعتداء على الآخرين ... إلخ.
وأهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المربي: الصبر، والمتابعة، وعدم اليأس.
ونسأل الله أن يعينك ويوفقك وأن يجزيك على همتك وجهدك خير الجزاء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/7)
شاب يشتكي من عدم إيقاظ والده له لصلاة الفجر فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يوقظني أبي لصلاة الفجر وقد بلغت سن الحلم، فماذا عليَّ أن أفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
في البداية - أخي السائل - نود أن نحيي فيك هذه الهمة الطيبة والحرص على أداء صلاة الفجر في المسجد، ونسأل الله سبحانه وتعالى لك الثبات، ومزيداً من التوفيق، والاستقامة.
ثانياً:
يجب على الوالدين أن يحثا أولادهما – ذكوراً وإناثاً - على المحافظة على الصلاة في وقتها، وأن يقوما بتشجيعهما على ذلك؛ فالأب راع في بيته ومسئول عن رعيته، والأم – كذلك - راعية، ومسئولة عن رعيتها.
ولينظر جواب السؤال رقم (103420) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل يجوز أن يخرج الرجل إلى الصلاة وأولاده بالمنزل؟ .
فأجاب:
"يجب على المرء أن يقوم بأمر الله عز وجل في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) ، يجب على المرء أن يأمر أهله بالصلاة، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) ، وكما ذكر الله تعالى عن إسماعيل أبي العرب أنه كان (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً) .
ولا يحل له – أي: الوالد - أن يُبقي أولاده نائمين دون أن يوقظهم للصلاة ويتابعهم، ولا يكفي الإيقاظ فقط، بل لابدَّ من المتابعة؛ لأنه ربما يوقظهم ثم يرجعون، فينامون" انتهى.
"فتاوى إسلامية" (4/215) .
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الشاب الذي ينشأ في طاعة الله؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ) ، ذكر منهم: (شَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ) رواه البخاري (629) ومسلم (1031) .
ومن أهم الأسباب التي تساعد على نشأة الشاب في عبادة ربه، أن يقوم أبواه أو من يتولى تربيته بتعويده على ذلك من الصغر، وتشجيعه والأخذ بيده باستمرار.
وهنيئاً للوالدين مثل هذا الابن الذي يتأسف على عدم إيقاظ والده له لأداء صلاة الفجر، وكم يوجد من الآباء من هو على استعداد لبذل كل ما يملك في سبيل أن يكون ابنه صالحاً مستقيماً على طاعة الله، ونأسف أن يكون حال بعض الآباء الزهد في تشجيع أبنائه على الصلاة في وقتها، أو في المسجد جماعة.
ثالثاً:
إذا كان والدكَ يستيقظ للصلاة في وقتها، ويصلي في المسجد جماعة: فالأمر سهل - إن شاء الله - فتطلب منه أن يوقظك للصلاة، وأن يصطحبك معه، وتناقش معه الأمر بهدوء.
وأما إذا كان لا يصلي، ويتركك نائماً من باب الشفقة عليك، فهي شفقة في غير محلها بلا شك.
وعليك أن تأخذ بأسباب الاستيقاظ للصلاة , كالنوم مبكراً , ووضع المنبِّه , والعزيمة الصادقة , والطلب ممن يستيقظ للصلاة من أهلك أن ينبهك، أو عن طريق طلب التذكير بالهاتف عن طريق بعض الأصدقاء، وغير ذلك من الأسباب المعينة على الاستيقاظ للصلاة في وقتها.
ويستحسن أن تطلب من إمام الحي أن يبحث هذا الموضوع في درس خاص في المسجد، أو في خطبة الجمعة؛ ليُسمع والدك الحكم الشرعي في فعله، ويتنبه إلى أهمية أمر أولاده وأهله بالصلاة وأن ذلك من الواجبات عليه التي سيسأل عنها بين يدي الله تعالى.
ونسأل الله تعالى أن يزيدك من فضله وتوفيقه , وأن يشرح صدر والدك لإيقاظك للصلاة، وأن يجعلك وأهلك جميعاً من المقيمين للصلاة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/8)
كيف يتم تعويد الأطفال على الصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد عندي ولد عمره 9 سنوات، وأريد مساعدتي في كيف أعوِّد ابني على صوم رمضان، إن شاء الله؛ لأنه صام رمضان السنَة الماضية فقط 15 يوماً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من المفرح أننا نرى مثل هذا السؤال، وهو يدل على عظيم الاهتمام بالأولاد، وتربيتهم على طاعة الله تعالى، وهذا من النصح للرعية التي استرعى الله الوالدين عليها.
ثانياً:
الابن في عمر 9 سنوات ليس من المكلفين شرعاً بالصيام؛ لعدم بلوغه، ولكنَّ الله تعالى كلَّف الوالدين بتربية أولادهم على العبادات، فأمرهم الله تعالى بتعليمهم الصلاة وهم أبناء سبع سنين، وضربهم عليها وهم أبناء عشر، كما كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يصوِّمون أولادهم في صغرهم تعويداً لهم على هذه الطاعة العظيمة، وكل ذلك يدل على عظيم الاهتمام بالذرية لتنشئتها على خير ما يكون من الصفات، والأفعال.
ففي الصلاة:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أبو داود (495) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وفي الصيام:
عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِى حَوْلَ الْمَدِينَةِ: (مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ) ، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ رواه البخاري (1960) ومسلم (1136) .
وقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِنَشْوَانٍ [أي: سكران] فِي رَمَضَانَ: "وَيْلَكَ! وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ! "، فَضَرَبَهُ. رواه البخاري – معلَّقاً – باب صوم الصبيان.
والسن الذي يبدأ الوالدان بتعليم أولادهما الصيام فيه هو سن الإطاقة للصيام، وهو يختلف باختلاف بنية الولد، وقد حدَّه بعض العلماء بسن العاشرة.
وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (65558) وفيه فوائد مهمة.
ثالثاً:
أما بخصوص وسائل تعويد الصبيان على الصيام: فينتظم في أمور، منها:
1- تحديثهم بفضائل الصيام وأنه سبب مهم من أسباب دخول الجنة، وأن في الجنة باباً يسمى الريان يدخل منه الصائمون.
2- التعويد المسبق على الصيام، كصيام بضع أيام من شهر شعبان؛ حتى لا يفجؤهم الصوم في رمضان.
3- صيام بعض النهار، وتزاد المدة شيئاً فشيئاً.
4- تأخير السحور إلى آخر الليل، ففي ذلك إعانة لهم على صيام النهار.
5- تشجيعهم على الصيام ببذل جوائز تُدفع لهم كل يوم، أو كل أسبوع.
6- الثناء عليهم أمام الأسرة عند الإفطار، وعند السحور، فمن شأن ذلك أن يرفع معنوياتهم.
7- بذل روح التنافس لمن عنده أكثر من طفل، مع ضرورة عدم تأنيب المتخلف.
8- إلهاء من يجوع منهم بالنوم، أو بألعاب مباحة ليس فيها بذل جهد، كما كان الصحابة الكرام يفعلون مع صبيانهم، وهناك برامج أطفال مناسبة، وأفلام كرتونية محافظة في القنوات الإسلامية الموثوقة، يمكن إشغالهم بها.
9- يفضَّل أن يأخذ الأب ابنه – وخاصة بعد العصر – للمسجد لشهود الصلاة، وحضور الدروس، والبقاء في المسجد لقراءة القرآن، وذكر الله تعالى.
10- تخصيص الزيارات النهارية، والليلية، لأسر يصوم أولادهم الصغار؛ تشجيعاً لهم على الاستمرار في الصيام.
11- مكافأتهم برحلات مباحة بعد الإفطار، أو صنع ما تشتهيه نفوسهم من الأطعمة والحلويات، والفواكه، والعصائر.
وننبه إلى أنه إذا بلغ الجهد من الطفل مبلغه أن لا يصرَّ عليه إكمال الصوم؛ حتى لا يتسبب ذلك في بغضه للعبادة، أو يتسبب له في الكذب، أو في مضاعفات مرضية، وهو ليس من المكلفين، فينبغي التنبه لهذا، وعدم التشدد في أمره بالصيام.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/9)
ما هو العمر المناسب الذي يتم فيه تعليم الأولاد الثقافة الجنسية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو العمر المناسب الذي يتم فيه تزويد الأبناء بالثقافة الجنسية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بد أن تعلم أخي السائل أن الأولاد مسئولية في عنق الوالدين، كما جاء في الحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) .
رواه البخاري (853) - واللفظ له - ومسلم (1829) .
ومن تلك المسئولية الملقاة على عاتق الأهل تجاه أولادهم: منعهم من كل يسبب إفسادهم، أو يؤثر في أخلاقهم سلباً.
ثانياً:
من المعلوم أن تدريس ما يسمَّى بـ " الثقافة الجنسية " عند الغرب أصبح هوساً وجنوناً، وصار شغلا شاغلا لهم، فخصصت له الحصص في المدارس؛ والبرامج في التلفاز , وعقدت له الندوات، والمؤتمرات؛ وللأسف أنه تأثر بهذه الثقافة الكثير من أبناء المسلمين , وخصوصاً من اغتر بثقافتهم وحضارتهم.
ولا شك أن تدريس مسائل الجنس، وما يتعلق بها، للأبناء في مراحل مبكرة من عمرهم: فيه مفاسد كثيرة.
وقد تقدم الحديث عن ذلك , فانظر جواب السؤال رقم: (113970) .
ثالثاً:
ليُعلم أن تعليم الأولاد – ذكوراً وإناثاً - الآداب الإسلامية المتعلقة بستر العورة , والنظر، والاستئذان: أنه يبتدئ ذلك معهم من الصغر، وعند التمييز، قبل البلوغ بمرحلة، وقد جاءت الأدلة من الوحي المطهر صريحة بهذا، ومنه:
1. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) النور/ 58.
قال ابن كثير - رحمه الله -:
فأمر الله تعالى المؤمنينَ أن يستأذنَهم خَدَمُهم مما ملكَت أيمانهم، وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحُلُم منهم في ثلاثة أحوال: الأول: من قبْل صلاة الغداة؛ لأن الناس إذ ذاك يكونون نياماً في فرُشهم.
(وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) أي: في وقت القيلولة؛ لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله.
(وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ) ؛ لأنه وقت النوم.
فيُؤمَرُ الخدمُ، والأطفال: ألا يهجمُوا على أهل البيت في هذه الأحوال؛ لمَا يُخشى من أن يكون الرجل على أهله، ونحو ذلك من الأعمال.
" تفسير ابن كثير " (6 / 82) .
وأما عند بلوغ الأطفال: فإن الاستئذان يكون في كل الأوقات، كما قال تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) النور/ 59.
2. وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) .
رواه أبو داود (495) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي – رحمه الله -:
قال المناوي في " فتح القدير شرح الجامع الصغير ": أي: فرِّقوا بين أولادكم في مضاجعهم التي ينامون فيها إذا بلغوا عشراً؛ حذراً من غوائل الشهوة، وإن كن أخوات.
وقال الطيبي: جمع بين الأمر بالصلاة، والفرق بينهم في المضاجع في الطفولية؛ تأديباً لهم، ومحافظة لأمر الله كله , وتعليماً لهم , والمعاشرة بين الخلق , وأن لا يقفوا مواقف التهم، فيجتنبوا المحارم.
" عون المعبود " (2 / 115) .
فهذه وصايا وإرشادات من الوحي المطهر فيما يتعلق بالعورات، وإثارة الشهوات، وهو – كما رأينا – يبدأ في سن العاشرة، وهو سن التمييز عند أكثر الأطفال.
وعند قرب البلوغ يعلَّم الأولاد علامات البلوغ، والصفات التي تفرِّق بين الرجال والنساء، وأنواع السوائل التي تَخرج من القبُل لدى الجنسين، ومثله أحكام الوضوء، والغسل، على أن تراعى الألفاظ المستعملة في التعليم، وعلى أن يكون ذلك حسب الحاجة لذلك.
وانظر - في بيان علامات البلوغ - جوابي السؤالين: (70425) و (20475) .
وثمة أمران مهمان غاية، يبدآن في سن مبكرة جدّاً – حوالي السنة الثالثة -، ولهما تعلق أصيل بالثقافة الجنسية، وهما:
1. ضرورة أن يفرِّق الطفل والطفلة بين الذكورة والأنوثة، والخلط بينهما في تلك السن المبكرة من شأنه أن يحدث خللاً وفساداً في التصور، والصفات، والأفعال، لدى الجنسين، لذا كان من الضروري إفهام الطفل أنه لا يلبس ملابس أخته، ولا يضع الحلق في أذنه، ولا يطوق معصمه بسوار؛ لأن هذا للإناث، لا للذكور، وهكذا يقال للبنت بالنسبة لأفعال، وصفات أخيها الذكَر.
2. تعليم الأطفال خصوصية العورة، وأنها مما ينبغي أن لا تُكشف أمام أحد، فتعليمهم هذا، وتربيتهم عليه: من شأنه يربي فيهم خلق العفاف، والحياء، وأن يمنع المعتدين الشاذين من الاعتداء عليهم.
رابعاً:
أما مسألة الثقافة الجنسية المتعلقة بالجماع، أو بعموم ما يكون بين الزوجين: فهذه تكون عند الحاجة إليها، كقرب زواجه – مثلاً -، أو نضجه بحيث يعقل مسائل العلم، كأحكام الزنا، وما يشبهه، مما له تعلق بالجماع، والعورات.
وليعلم أن ما يحتاج إليه من ذلك هو ـ في أصله ـ أمر فطري؛ وما يحتاج إلى التنبيه عليه ينبغي أن يصل إلى مسامع الأولاد تدريجيّاً، مع مراحل نموهم، وذلك من خلال دروس الفقه , ومجالس العلم؛ وحصص المدرسة؛ مع لزوم التحفظ في العبارة، ومراعاة السن المناسبة لطرح الموضوع , والتحذير من مظاهر الانحلال الخلقي عند الكفار , ومقابلة ذلك بذِكر محاسن الإسلام من حثه على الستر، والحياء، وحفظ الفروج عن الحرام.
وننصح بالاطلاع على كتاب: " يا بني لقد أصبحت رجلاً " للشيخ محمد بن عبد الله الدويش، ففيه بيان طرق المعالجة الشرعية للشهوة عند الأولاد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/10)
حكم الذهاب إلى ملاهي الأطفال وحكم اللعب بالتماثيل المجسمة لذوات الأرواح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذهاب إلى ملاهي الأطفال؛ حيث إن الكثير من الألعاب يكون على هيئة حيوانات (حصان، قرد) ، وبعض الألعاب يكون عليها تماثيل حيوانات أيضا كحلية فوق اللعبة. هل يدخل هذا في التماثيل المحرَّمة شرعاً، وبناءً عليه لا يجوز الذهاب إلى الملاهي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكلام في الذهاب إلى ملاهي الأطفال، يكون من جهتين:
الأولى: ما في تلك الملاهي من منكرات، كالاختلاط، وتبرج النساء، والموسيقى، فإن كان هناك شيء من هذه المنكرات أو غيرها فلا يجوز الذهاب إليها.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
يكثر ذهاب أولياء الأمور بأطفالهم إلى ما يسمَّى بـ " ملاهي الأطفال "، وفيه من المخالفات الشرعية من تبرج بعض النساء، والأطفال فيهم حرص شديد على الذهاب إلى هذه الملاهي، فما الحكم الشرعي في الذهاب إلى هناك؟ .
فأجاب:
" هذه الملاهي - كما ذكر أخونا السائل - فيها منكرات، وإذا كان المكان فيه منكرات: فإن استطاع الإنسان أن يزيل هذه المنكرات: وجب عليه الحضور لإزالتها، وإذا لم يستطع حرم عليه الحضور، وحينئذٍ نقول: اخرج بأولادك إلى البرِّ، وكفى، وأما أن يؤتى بهم إلى هذه الملاهي، وفيها الاختلاط، وفيها السفهاء الذين يغازلون النساء، وفيها الثياب التي لا يحل للمرأة لبسها: فإنه لا يحل أن يأتي إليها إلا إذا كان قادراً على إزالة المنكر " انتهى من " اللقاء الشهري " (75 / السؤال رقم 8) .
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله:
يقوم بعض الآباء - هدانا الله وإياهم والمسلمين أجمعين - بالذهاب بأسرهم من أطفال، وبنات كبار، وصغار، ونساء، إلى بعض الأماكن المسماة بـ " الملاهي الترفيهية "، وهي تتكون من ألعاب، للصغار، والكبار، حيث تقوم النساء باللعب أمام بعضهن البعض، وهن في وضع تبرج، وزينة، وسفور، حيث يحضر كثير من النساء، والبنات، بالملابس القصيرة، والشفافة، والبنطال، وبعضها ما يكاد يغطي العورة، وتصوير بعضهن البعض بالكاميرات، علماً أن بعض الصالحات ممن نحسبهم كذلك - والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً - يقومون بالذهاب إلى تلك الأماكن، ولا ينكرون المنكر، وإذا نصحْنا بعدم جواز الذهاب إلى تلك الأماكن: يحتججْن بأن ذلك ليس فيه شيء، وأنه من باب التسلية، والترفيه، بل إنهم يعدون ذلك من التربية الحسنة، ويعدون من يناصحهم عن ذلك أنه متشدد، آمل من فضيلتكم إبداء النصح والتوجيه لهن عن ذلك الأمر، مع بيان ما قد يترتب عليه من أمور، ومفاسد، شاكراً، ومقدراً لفضيلتكم ذلك، والله يحفظكم، ويرعاكم.
فأجاب:
" أرى أنه لا يجوز الذهاب إلى تلك الملاعب، والملاهي، التي تحتوي على ما ذُكر في السؤال؛ فإن ذلك من فعل أسباب الفساد، والميل إلى المعاصي، والتربية زمن الصغر على محبة التبرج، والسفور، والاختلاط بالأجانب، ولا شك أن نشأة الصغار من ذكور وإناث مع مشاهدة تلك الملاهي، ومخالطة أولئك الفسقة: مما يسبب اعتياده هذه المحرمات، والتهاون بأمرها، واعتقاد إباحتها، وعدم الاستنكار لوجودها في ذلك المكان، وفي غيره؛ مما يحبب إلى الأطفال عمل تلك الأزياء، وتقليد أولئك الفسقة، ولا يبرر القول بالترفيه، والتسلية، فهناك ما يقوم مقامها، كالذهاب إلى البراري الخالية من الأجانب، أو الجلوس في الحدائق البعيدة عن الاختلاط، أو الانشغال في المنازل بالأعمال المفيدة، والعلوم النافعة، وقراءة الكتب العلمية، والتواريخ الإسلامية، ففي ذلك تسلية، وترفيه بريء، وسلامة من المحاذير، ومن الخسران المبين للدِّين، والدنيا، والله المستعان " انتهى من موقع الشيخ حفظه الله (سؤال رقم 11036) .
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=11036&parent=3156
الجهة الثانية: فهي ما تحتويه تلك الأماكن من تماثيل، وأصنام، وهو منكر لا شك فيه، وما كان على صورة حصان، أو قرد، أو غيره مما يركبه الأطفال: فلا يخرجه ذلك عن كونه صنماً، وتمثالاً، وإنما أبيح من لعب الأطفال ما يمتهن، ويُلعب به، لا ما ينحت نحتاً على صورة ذات روح، ويكرَّم، ويحرس، ويُعتنى به.
قال الشيخ خالد المشيقح حفظه الله:
" هذه الملاهي التي على شكل صور، وتماثيل: الذي يظهر أنها غير جائزة، ولا يجوز تمكين الأطفال من اللعب بها؛ لما ورد في التصوير من الوعيد الشديد، قال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أَلاَّ تَدَعَ صُورَةً إِلاَّ طَمَسْتَهَا وَلاَ قَبْراً مُشْرِفاً إِلاَّ سَوَّيْتَهُ) أخرجه مسلم.
ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام لعمرو بن عبسة حين سأله بأي شيء أرسلك الله؟ قال: (بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لاَ يُشْرَك بِهِ شَيْئًا) أخرجه مسلم.
وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ الله بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِين، وَأَمَرَنِي رَبِّي عزَّ وَجَلَّ بِمَحْقِ الأَوْثَانِ) أخرجه أحمد في مسنده.
فعلى السائل ألا ينساق وراء رغبات أطفاله، وأما البديل: فأقول: يمكن أن يوفِّر لهم الألعاب المباحة في البيت، أو في الاستراحة، عوضاً عن الذهاب بهم إلى تلك الملاهي التي فيها مثل هذه الألعاب التي على شكل صور، وتماثيل " انتهى.
http://www.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&Itemid=31&catid=591&id=30494
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/11)
زوجها يرى عدم إرسال أولاده إلى المدارس لفسادها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في اختلاف دائماً مع زوجي، وسبب ذلك: أنه لا يريد ترك الأولاد يذهبون إلى المدارس , ويقول: إن المدارس تفسد تربية الأولاد، فما رأي حضرتكم من ناحية الدين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأولاد نعمة عظيمة مِن نعَم الله تعالى على عباده , وهي أمانة في عنق العبد يُسأل عنها يوم القيامة، كما جاء في الحديث عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
ومن الواجب على الأب أن يحفظ أولاده من كل مكروه، مادي، أو معنوي , وأولى ما يجب حفظه هو دينهم، واستقامتهم.
ثانياً:
الأصل في المسلم أن يوازن بين حسنات الشيء وسيئاته، ويقارن بين السلبيات والإيجابيات، ويغلب الجانب الأرجح.
ولا شك أن المدارس لها سلبياتها، وإيجابياتها، فالمدارس لها تأثير إيجابي، وسلبي، في تربية الأولاد، وتنشئتهم، ويشكوا كثير من الآباء والأمهات من سلبيات المدارس , وهذا واقع تعيشه أغلب الأسر الملتزمة , ولكن يستطيع المسلم أن يتغلب على تلك السلبيات بأمور عدة:
أ. الاستعانة بالله سبحانه وتعالى في حفظهم بالدعاء، والتضرع إليه، والدعاء سلاح عظيم في حفظ الأولاد، وقد ذكر الله من دعاء الصالحين: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان/ 74.
مع توضيح أن صلاح الوالدين له دور كبير في صلاح الأولاد، كما قال تعالى: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) الكهف/ 82.
قال ابن رجب رحمه الله:
"وقد يحفظُ الله العبدَ بصلاحه بعدَ موته في ذريَّته، كما قيل في قوله تعالى: (وَكَانَ أَبُوْهُمُا صَالِحاً) : أنَّهما حُفِظا بصلاح أبيهما" انتهى.
"جامع العلوم والحِكَم" (ص 186) .
ب. أن يكون للوالدين دور في نشأة الأولاد، وتربيتهم , وعدم الاقتصار على دور المدرسة، فواجبٌ على الأب أن يصطحب أولاده إلى المسجد، ويبعث بهم إلى حلقات تحفيظ القرآن، ودروس العلم , وأن يغرس فيهم حب الدين، وهكذا الحال أيضاً بالنسبة للأم في بيتها مع بناتها.
ج. أن يراقب الأولادَ مراقبة حثيثة، ويتابعهم متابعة متواصلة في المدرسة، مع المعلمين , ومع الطلبة، مع النصح والتوجيه لأولاده بالرفق، واللين، ويجمع بين الترغيب والترهيب.
د. الاستعاضة عن المدارس الحكومية بالمدارس الإسلامية التي تهتم بالجانب الديني للطلبة , وأن يختار لذلك الأفضل، والأحسن , وهي كثيرة - والحمد لله -، وفي أغلب البلاد , فإن كان الأب لا يقدر ماديّاً على دفع رسوم تلك المدارس: فيمكنه البحث عن المدرسة الأحسن، والأفضل من المدارس العامة، بالسؤال، والاستشارة.
هـ. الحرص على أن يكون للوالدين دور في اختيار الصحبة الصالحة في المدرسة، وفي الحي، وذلك بأن يكونوا – مثلاً - من زملاء المسجد، أو حلقة تحفيظ القرآن، أو الأقرباء الذين يوثق بهم.
و. أن يحرص الوالدان أن لا يكون هناك فجوة بينهم وبين أولادهم، بحيث لو حصلت مشكلة مثلاً: سارع الأولاد إلى الوالدين لعرضها عليهم , وهذا معلوم بالتجربة.
والشاهد: أن مِن أعظم المسؤولية هي مسؤولية الأولاد، وقد قال ابن القيم رحمه الله: " فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم , وترك تعليمهم فرائض الدين، وسننه، فأضاعوهم صغاراً" انتهى.
"تحفة المودود" (ص 229) .
ثم بعد ذلك نبين أنه لو اضطر إنسان لإخراج أولاده من المدارس: فالأصل أن يجد لهم بديلاً مناسباً عن تلك المدارس لئلا يضيع أمرهم إلى لا شيء، وخاصة أننا وجدنا من تورع عن المدارس فهجرها: ضاع أولاده ما بين التلفاز، والشارع، وغرقوا في الجهل، وأكثروا من اللعب، فلم يصنع شيئاً، بل قد أثم بإيقاع الضرر عليهم.
ولذلك، فإن النصيحة للأب أن لا يمنع أولاده من دخول المدارس النظامية، وعليه أن يعمل على علاج سلبياتها، بقدر ما يستطيع.
والنصيحة للأخت أن تستعين بالله، وأن تلجأ إليه بالدعاء , وأن تحاور زوجها , وتناقشه، باللين، والحجة، والبيان , وأن تستعين بأولي العقل والصلاح من أهلها، أو أهله , والله هو الله المأمول أن يحفظنا، وإياكم، وذريتنا من كل سوء، وشر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/12)
عمر أختها إحدى عشرة سنة وأمها لاتأمرها بالصلاة فهل عليها مسئولية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي لا تصلي , عمرها 11 سنة، وأنا أكرر الكلام على أمي لكي تحثها على الصلاة , لكن أمي تقول: "ما عليكِ منها , فيه رب فوقها يحاسبها"، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (علموهم لسبع واضربوهم لعشر) ، سؤالي الآن: هل عليَّ أمر أعمل به لهذا الأمر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يكتب لك أجر اهتمامك بأختك، وحرصك على قيامها بالصلاة، ونسأله تعالى أن يهدي والدتك لأن تقوم بواجب دعوة ابنتها للخير، وحسن تربيتها، فإن أبت: فتضربها ضرباً تأديبيّاً؛ لتنقذها مما هي فيه من اتباعها هواها، ولأجل أن تربَّى على طاعة الله تعالى، كما نسأله تعالى أن يهدي أختك، وأن ييسر لك الاستقامة على أمره عز وجل.
ثانياً:
نص الحديث المذكور في السؤال هو: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أبو داود (495) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
والمخاطَب بتعليم الصغير وأمره، وضربه: ليس هو الأب فقط، ولا الأم فقط، بل هو كل من كان مسئولاً عن هذا الصغير، والأب هو أول المعنيين بهذا الخطاب؛ لأنه هو الراعي في البيت، والمسئول عن رعيته، وتشاركه الأم في المسئولية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ويجب على كلِّ مطاعٍ أن يأمر مَن يطيعه بالصلاة، حتى الصغار الذين لم يبلغوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) .
ومَن كان عنده صغير مملوك، أو يتيم، أو ولد: فلم يأمره بالصلاة: فإنه يعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويعزَّر الكبير على ذلك تعزيراً بليغاً؛ لأنه عصى الله ورسوله، وكذلك من عنده مماليك كبار، أو خدم، أو زوجة، أو إماء: فعليه أن يأمر جميع هؤلاء بالصلاة، فإن لم يفعل: كان عاصياً لله ورسوله" انتهى باختصار.
" مجموع الفتاوى " (22 / 50، 51) .
وقال رحمه الله:
"بل يجب على الأولياء أن يأمروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبعاً، ويضربوه عليها لعشر" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (28 / 360) .
وعليه: فبوجود والدك، أو والدتك: فإن عليهما مسئولية تعليم أختك، وضربها إذا أكملت السنة العاشرة، وإن لم يكن والدك موجوداً، وكان لك أخ أكبر: فتنتقل المسئولية عليه، وعلى والدتك.
وينظر – للفائدة – جواب السؤال رقم: (126208) .
وعلى والدتك أن تنتبه لنفسها من أن تبوء بإثم كلمتها تلك؛ فإن الله تعالى لا يحاسب أختكِ على عدم صلاتها إن لم تبلغ، لكن الأم مسئولة عن عدم دعوتها ابنتها، وعدم حثها على الصلاة، وضربها عليها.
قال الماوردي رحمه الله:
"ولأن في تعليمهم ذلك قبل بلوغِهم إلفاً لها، واعتياداً لفعلها، وفي إهمالهم وترك تعليمهم: ما ليس يخفى ضرره، من التكاسل عنها عند وجوبها، والاستيحاش من فعلها وقت لزومها، فأما تعليمهم ذلك لدون سبع سنين: فلا يجب عليهم، في الغالب لا يضبطون تعليم ما يُعلَّمون، ولا يقدرون على فعل ما يُؤمرون، فإذا بلغوا سبعاً ميزوا، وضبطوا ما علموا، وتوجه فرض التعليم على آبائهم، لكن لا يجب ضربهم على تركها، وإذا بلغوا عشراً: وجب ضربهم على تركها ضرباً غير مبرِّح، ولا مُمْرِض، في المواضع التي يؤمَن عليهم التلف من ضربها، فإذا بلغوا الحلُم: صاروا من أهل التكليف، وتوجه نحوهم الخطاب، ووجب عليهم فعل الطهارة، والصلاة، وجميع العادات" انتهى.
" الحاوي الكبير " (2 / 314) .
وأما دورك أنت فهو استمرار النصح والإرشاد لأختك وحثها على الصلاة برفق ولين.
ونسأل الله تعالى لها الهداية والتوفيق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/13)
ما دور زوج الأم تجاه أولاد زوجته من حيث تربيتهم وتعليمهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما دور زوج الأم تجاه أبناء زوجته؟ ففي هذه الحالة والد ابنتي ليس مسلماً، ولا يريد الإسلام، فهل يتولى زوجي مسألة تعليم ابنتي، وتربيتها؟ هل يسأله الله كيف رباها؟ وكيف يتعامل زوجي معها وأنا أشعر أنه لا يحبها، ولا يرتاح معها؛ لأن عمرها ثمان سنوات، وهي لم تتلق أي تربية إسلامية من البداية، وبالتالي سلوكها ليس قويماً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الطفل الصغير، ذكراً كان أم أنثى، يتبع المسلم من أبويه، عند اختلافهما في الدين، وهذا قول جمهور العلماء.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (2/310) :
"إذا اختلف دِين الوالدين، بأن كان أحدهما مسلماً، والآخر كافراً: فإن ولدهما الصغير، أو الكبير الذي بلغ مجنوناً: يكون مسلماً، تبعاً لخيرهما ديناً.
هذا مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة" انتهى.
وعلى هذا، فابنتك هذه مسلمة، ومسؤولية حضانتها وتربيتها عليك، ولا علاقة لها بأبيها الكافر من حيث الحضانة والتربية.
ثانياً:
أما زوج أمها (زوجك) : فهو محرَّم عليه نكاح تلك الابنة ما دام قد دخل بأمها؛ لأن الابنة ربيبة له، والربيبة من المحرمات في الزواج على الرجل، بشرط أن يكون دخل بأمها، قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ... وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) النساء/23.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يحرم على الرجل نكاح بنات المرأة المدخول بها، ويعتبر محرَماً لجميع بناتها ما قبل الزواج، وما بعده، قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) إلى قوله: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) ، أما إذا لم يكن دخل بها: فليس محرَما لبناتها؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (17/346، 347) .
فزوجك محرم لها.. ولكن لا مسئولية تُلقى عليه تجاه تلك الابنة من حيث التربية، والعناية بها، إلا أن يفعل ذلك عن طيب نفسٍ، ومن باب المعاشرة بالمعروف لأمها، وهو ما ننصحه بفعله؛ حتى يكسب الأجر العظيم، والثواب الجزيل، وبخاصة إن علَم مدى حاجتها لذلك المعلِّم، والمربِّي، والموجِّه، وأن أباها ليس أهلا للقيام بهذه المهمة، وأن الأم أضعف من أن تتحمل المسئولية وحدها، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، حيث تزوج بنساء لهن أولاد، فتكفل بتربيتهم، والعناية بهم، وهذا نموذج من ذلك:
عَن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَال: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ) رواه البخاري (5061) ومسلم (2022) .
وعمرو بن سلمة هو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها من أبي سلمة، وكان وُلد في الحبشة حين هاجر والداه هناك.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"وفي هذا الحديث من الفوائد: أنه يجب على الإنسان أن يؤدِّب أولاده على كيفية الأكل والشرب، وعلى ما ينبغي أن يقول في الأكل والشرب، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ربيبه، وفي هذا حُسن خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم، وتعليمه؛ لأنه لم يزجر هذا الغلام حين جعلت يده تطيش في الصحفة، ولكن علَّمه برفق، وناداه برفق: (يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك) " انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (3/172) .
وليعلم زوجك أن عمر ابنة زوجته لا يزال في أوله، وأنه يمكنه أن ينجح في تنشئتها على الطاعة، والعفاف، من خلال كسب قلبها بالمعاملة الحسنة، وبالهدية، ولطف القول، وإذا حصل الوئام بين الطرفين، وقويت المحبة بينهما: أمكنه أن يؤثِّر عليها بما يقوِّم أخلاقها، ويحسِّن سلوكها، وعليك أنت أيتها الزوجة دور عظيم في تحبيبها لزوجك، وفي تقوية العلاقة بينهما، وتصبير زوجك على تحمل أمرها، وتذكيره بالثواب العظيم في تربيتها، والعناية بها.
ونسأل الله أن يوفقكم لما فيه خيركم، وأن يثبتكم على الهدى، وأن يرزقكم العفاف، والتقى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/14)
مَنْ سَنَّ سُنَّة سَيِّئَة فعَلَيْهِ مِثْل وِزْر كُلّ مَنْ عمل بِهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مات شخص، وترك أفعالا وأشياء سيئة هل تتراكم هذه السيئات؟ بمعنى: إذا كان هناك أب نموذج سيء لأبنائه، وأبناؤه شبوا على نفس سلوكيات أبيهم، فهل هذا الأب يتحمل أوزار أبنائه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا مات العبد، وقد فعل أفعالا مخالفة للشرع، فاقتدى به فيها غيره من ولد أو صاحب أو جار أو غيرهم: فإن عليه وزر ما فعل، ووزر من فعل فعله مقتديا به فيه، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء؛ لما رواه مسلم (1017) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ. وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) .
قال ابن علان:
" (ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة) : معصية وإن قلَّت، بأن فعلها فاقتِدي به فيها، أو دعا إليها، أو أعان عليها (كان عليه وزرها) أي: وزر عملها (ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) " انتهى.
"دليل الفالحين" (2/136) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"فيه التحذير من السنن السيئة، وأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، حتى لو كانت في أول الأمر سهلة ثم توسعت فإن عليه وزر هذا التوسع، مثل لو أن أحدا من الناس رخص لأحد في شيء من المباح الذي يكون ذريعة واضحة إلى المحرم وقريبا، فإنه إذا توسع الأمر بسبب ما أفتى به الناس فإن عليه الوزر، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (ص 199) .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ) رواه البخاري (3336) ومسلم (1677) .
قال النووي:
"وَهَذَا الْحَدِيث مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ: أَنَّ كُلّ مَنْ اِبْتَدَعَ شَيْئًا مِنْ الشَّرّ كَانَ عَلَيْهِ مِثْل وِزْر كُلّ مَنْ اِقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَمَل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة" انتهى.
فالأب الذي أساء تربية أولاده، وكان قدوة سيئة لهم، واقتدوا به في سلوكياته في المنحرفة، يتحمل وزر أولاده، لأنه هو السبب في انحرافهم، وعلى الأولاد أيضاً وزر أفعالهم كاملاً، لا ينتقص منها شيء.
وقد كان الواجب على هذا الأب أن يحسن تربية أولاده، ويقوم بالمسؤولية التي أوجبها الله عليه خير قيام.
وقد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (7138) ومسلم (1829) .
قال الشيخ ابن عثيمين:
" الرجل راع في أهل بيته، في زوجته، في ابنه، في بنته، في أخته، في عمته، في خالته، كل من في بيته، هو راع في أهل بيته، ومسؤول عن رعيته، يجب عليه أن يرعاهم أحسن رعاية، لأنه مسؤول عنهم " انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (ص 337) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/15)
كيف يكون ضرب الأطفال على الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون ضرب الأطفال على الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد روى أبو داود (495) وأحمد (6650) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) . وصححه الألباني في "الإرواء" (247)
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/357) :
" َهَذَا الْأَمْرُ وَالتَّأْدِيبُ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِتَمْرِينِهِ عَلَى الصَّلَاةِ , كَيْ يَأْلَفَهَا وَيَعْتَادَهَا , وَلَا يَتْرُكَهَا عِنْدَ الْبُلُوغِ " انتهى.
وقال السبكي:
" يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَ الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ وَيَضْرِبَهُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ.
ولَا نُنْكِرُ وُجُوبَ الْأَمْرِ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَالضَّرْبَ عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَنَحْنُ نَضْرِبُ الْبَهِيمَةَ لِلتَّأْدِيبِ فَكَيْفَ الصَّبِيُّ؟ وَذَلِكَ لِمَصْلَحَتِهِ وَأَنْ يَعْتَادَ بِهَا قَبْلَ بُلُوغِهِ " انتهى ملخصا.
"فتاوى السبكي" (1/379)
فيؤمر الصبي والجارية بالصلاة لسبع , ويضربان عليها لعشر , كما يؤمران بصوم رمضان , ويشجعان على كل خير، من قراءة القرآن , وصلاة النافلة , والحج والعمرة , والإكثار من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد , ويمنعان من جميع المعاصي.
ويشترط في ضرب الصبي على الصلاة أن يكون ضربا هينا غير مبرّح، لا يشق جلدا، ولا يكسر سنا أو عظما، ويكون على الظهر أو الكتف وما أشبه ذلك، ويتجنب الوجه لأنه يحرم ضربه، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يكون فوق عشرة أسواط، ويكون للتأديب والتربية، فلا يظهر به الرغبة في العقاب إلا عند الحاجة إلى بيان ذلك، لكثرة نفور الصبي وتركه للصلاة ونحوه.
عن أبي بردة الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يُجلد أحدٌ فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله ". رواه البخاري (6456) ومسلم (3222) .
قال ابن القيم رحمه الله:
" فقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله " يريد به الجناية التي هي حق لله.
فإن قيل: فأين تكون العشرة فما دونها إذ كان المراد بالحد الجناية؟ .
قيل: في ضرب الرجل امرأته وعبده وولده وأجيره , للتأديب ونحوه , فإنه لا يجوز أن يزيد على عشرة أسواط ; فهذا أحسن ما خُرِّج عليه الحديث " انتهى.
إعلام الموقعين " (2/23)
كما ينبغي أن لا يكون أمام أحد، صيانة لكرامة الصبي أمام نفسه وأمام غيره من أصحابه وغيرهم.
وينبغي أن يُعلم من سيرة الأب مع أبنائه، وتأديبه لهم أنه لا يضرب من يضربه إلا طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا قصد له من وراء ذلك إلا تمام مصلحته، والحرص على تربيته على الوجه المشروع، حتى لا يشب الصبي كارها للأمر الشرعي الذي يشق عليه ويضرب من أجل تركه.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" والعناية بأهل البيت، لا تغفل عنهم يا عبد الله، عليك أن تجتهد في صلاحهم، وأن تأمر بنيك وبناتك بالصلاة لسبع، وتضربهم عليها لعشر، ضربا خفيفا يعينهم على طاعة الله، ويعودهم أداء الصلاة في وقتها، حتى يستقيموا على دين الله ويعرفوا الحق، كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى ملخصا.
"مجموع فتاوى ابن باز" (6/46)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع سنين، وأن نضربهم عليها لعشر سنين، مع أنهم لم يُكلفوا بعد، من أجل أن يتمرنوا على فعل الطاعة ويألفوها، حتى تسهل عليهم بعد الكبر، وتكون محبوبة لديهم، كذلك الأمور التي ليست بالمحمودة، لا ينبغي أن يعود الصغار عليها وإن كانوا غير مكلفين؛ وذلك لأنهم يألفونها عند الكبر ويستسيغونها" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (11/386)
وقال الشيخ أيضا:
" الأمر للوجوب، لكن يقيد بما إذا كان الضرب نافعاً؛ لأنه أحياناً تضرب الصبي ولكن ما ينتفع بالضرب، ما يزداد إلا صياحاً وعويلاً ولا يستفيد، ثم إن المراد بالضرب الضرب غير المبرح، الضرب السهل الذي يحصل به الإصلاح ولا يحصل به الضرر " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (95/18)
وقال رحمه الله أيضا:
" لا يضرب ضرباً مبرحاً، ولا يضرب على الوجه مثلاً، ولا على المحل القاتل، وإنما يضرب على الظهر أو الكتف أو ما أشبه ذلك مما لا يكون سبباً في هلاكه. والضرب على الوجه له خطره؛ لأن الوجه أعلى ما يكون للإنسان وأكرم ما يكون على الإنسان، وإذا ضرب عليه أصابه من الذل والهوان أكثر مما لو ضرب على ظهره، ولهذا نهي عن الضرب على الوجه " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (13/2)
وقال الشيخ الفوزان:
" الضّرب وسيلة من وسائل التربية، فللمعلِّم أن يضرب، وللمؤدِّب أن يضرب، ولولّي الأمر أن يضرب تأديباً وتعزيراً، وللزوج أن يضرب زوجته على النشور.
لكن يكون بحدود، لا يكون ضرباً مبرحاً يشقّ الجلْد أو يكسرُ العظم، وإنّما يكون بقدر الحاجة " انتهى ملخصا.
"إغاثة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" (282- 284)
كما ينبغي التنبه أيضا إلى أن تأديب الصبي ليس على ترك الصلاة فقط، وإنما هو أيضا على التهاون بها في شروطها وأركانها وواجباتها، فقد يصلي الصبي ولكنه يجمع بين الصلوات، أو يصلي بغير وضوء، أو لا يحسن يصلي، فيجب تعليمه شأن الصلاة كله، والتأكيد على واجباتها وأركانها وشروطها، فإن فرط في شيء من ذلك ألححنا عليه في النصح، وعلمناه مرة بعد مرة، فإن أصر أُدّب بالضرب حتى يحسن الصلاة.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/16)
ما حكم لبس دمى على شكل حيوان في حفل للأطفال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لبس الدمى التي على شكل إنسان أو بعض الحيوانات كالدببة وغيرها، وذلك للمشاركة في برامج الأطفال وإدخال السرور عليهم والطرافة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رخص كثير من أهل العلم في لعب الأطفال وإن كانت على صورة ما فيه روح؛ لما روى أبو داود (4932) عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر، فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي! ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس. قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان. قال: فرس له جناحان! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى البخاري (5779) ومسلم (2440) عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي ... الحديث) .
هذا بالنسبة لما يصنع من الألعاب والدمى، وفي المسألة نزاع مشهور، فمن أهل العلم من حرم لعب الأطفال إذا كانت على صورة حيوان كأسد أو نمر ونحوه، ومنهم من رخص في ذلك.
وينظر: "أحكام التصوير في الفقه الإسلامي"، ص 241- 261، فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن عثيمين، شريط رقم (374) وجه أ.
وعلى القول بجواز الدمى على سبيل العموم، فإن لبس الإنسان لما صنع على هيئة الدب مثلا، ومحاكاته له في حركته ومشيته فيه محذوران: التشبه بالحيوان، ولبس الصورة أو ما فيه صورة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن العدسات اللاصقة: " إن كانت تحكي عيون الحيوان كالتي تكون على شكل عيون القط أو الأرنب أو غيرهم من الحيوانات فإن ذلك لا يجوز؛ لأن التشبه بالحيوان لم يأتِ في الكتاب والسنة إلا في مقام الذم، قال الله تبارك وتعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شئنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ) ، وقال الله تبارك وتعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) ، وقال: (ليس لنا مثل السوء) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارا) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وينظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (32/256-260) ففيه فتوى مفصلة في المنع من التشبه بالبهائم ومحاكاتها في حركاتها أو أصواتها.
وسئل الشيخ الدكتور أحمد بن محمد الخضيري، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية حفظه الله: نحن مجموعة نعمل في مجال المسرح للأطفال، ونقدم برنامجاً هادفاً يحضر لدينا في المنتزه أو موقع لمسرح الأطفال مع ذويهم الأب والأم، ونعمل على فصل الرجال عن النساء، وتقديم الأطفال في الكراسي الأمامية، ويلبس بعض الشباب ملابس تنكرية (دمى) على شكل ثعلب أو دب أو خيارة أو برتقالة- والسؤال: هل التمثيل ولبس مثل هذه الملابس جائز؟
فأجاب: "إذا كان ما تقومون به في المسرح برنامجاً هادفاً يستفيد منه الأطفال، وليس في هذا المكان اختلاط بين الرجال والنساء، فليس في هذا العمل بأس، غير أن التشبه بالحيوانات لا ينبغي أن يقع من المسلم، لما فيه من إهانة للنفس التي كرمها الله تعالى بالعقل، ومحاكاة البهائم والحيوانات لم ترد في القرآن والسنة إلا في مقام الذم، وإذا كانت دمى هذه الحيوانات مجسمة فإنها لا تجوز؛ لأنها تدخل في التصوير الذي جاءت النصوص بتحريمه، وأما دمى الجمادات فلا بأس بلبسها واستخدامها " انتهى من "موقع الإسلام اليوم".
ولا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان أو إنسان.
وقال في "مطالب أولي النهى" (1/353) : "وحرم على ذكر وأنثى لبس ما فيه صورة حيوان لحديث أبي طلحة قال: سمعت رسول الله , صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة أو كلب) متفق عليه" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم لبس الثياب التي فيها صورة حيوان أو إنسان؟
فأجاب: "لا يجوز للإنسان أن يلبس ثيابا فيها صورة حيوان أو إنسان، ولا يجوز أيضا أن يلبس غترة أو شماغا أو ما أشبه ذلك وفيه صورة إنسان أو حيوان، وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة) " انتهى.
والذي يظهر أن لبس ما صنع على هيئة الحيوان أبلغ في المخالفة من لبس اللباس المعتاد كالقميص ونحوه وعليه صورة حيوان.
وبهذا يتبين أنه لا يُرخص فيما ذكرتم من لبس الدمى على شكل إنسان أو حيوان، ولو كان الغرض هو المشاركة في برامج الأطفال وإدخال السرور عليهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/17)
هل تخصيص الوالدين أحد أبنائهم لينام في غرفة وحده يخالف وجوب العدل بين الأولاد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي 3 إخوة: أحدهم عمره 12 سنة، والآخر 10 سنين، وأصغرهم عمره 6 سنين، وأنا حوالي 17 سنة، فأعطاني والدي غرفة كاملة لوحدي، وإخواني الثلاثة في غرفة واحدة مع بعضهم البعض، فهل في ذلك ظلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد بينا في أجوبة كثيرة أنه من الواجب على الوالدين العدل بين أولادهم في العطية – انظر: جواب السؤال رقم (22169) -، وهذا الذي قلناه إنما هو في " العطية "، لا في " النفقة "؛ لأنها تختلف من صغير إلى كبير، ومن ذكَر إلى أنثى.
وما قلناه في " النفقة " نقوله في القضية الواردة في السؤال، فإنه من المعلوم لدى العقلاء أنه من الأولى أن لا تنام البنات في غرفة أشقائهن الذكور، وأن لا ينام الكبار في غرفة الصغار، وهذه الأمور لا تعلق لها بالعدل بين الأولاد، بل تقتضيها الطبيعة، والمصلحة، فإنه من المعلوم أن طبيعة الإناث تختلف عن طبيعة الذكور، وتحتاج الأنثى في غرفتها ما لا يمكن أن يشاركها فيه شقيقها الذكَر، والأمر نفسه يقال في حال اختلاف الأعمار بينهم.
وعليه: فلا مانع من أن يجعل الأب غرفةً مستقلة لابنته – مثلاً – ولو كانت وحدها، ويجمع الذكور – بعدد مناسب – في غرفة واحدة، كما لا مانع من فصل الكبير بغرفة وحده مستقلاً بها عن أشقائه الذين هم أصغر منه سنّاً.
وننبه هنا إلى أمور، منها:
1. وجوب مراعاة الفصل في الفراش بين الأولاد منذ سنٍّ مبكرة، ويتحتم هذا الفصل إذا بلغوا عشر سنين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أحمد (6717) ، وأبو داود (495) ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (298) .
وانظر – للأهمية -: جواب السؤال رقم: (78833) .
2. لا نرى من المصلحة نوم الكبار مع الصغار في غرفة واحدة.
3. قد تكون المصلحة أحياناً ألا يستقل كل ولد – ذكر أو أنثى – في غرفة مستقلة وحده؛ لأن الشيطان أقرب إلى الواحد في الوسوسة، والحث على السوء والمعصية من الاثنين والثلاثة، فإذا اجتمع أكثر من واحد في غرفة فهو أفضل.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال أسَر المسلمين، وأن يوفق الوالدين لحسن رعاية أولادهم والعناية بهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/18)
أبناؤه يرفضون العودة إلى بلاد الإسلام؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبتُ مع اثنين من أبنائي منذ 5 سنوات للدراسة في دولة غير مسلمة يحملون جنسيتها، وهي متقدمة جدّاً، ثم أحضرت الثالث في السنة التالية، ورغم أن الأول أكمل الماجستير: فإنه يرفض مساعدتي له في تكاليف الزواج، أو العودة، بحجة انخفاض الرواتب، أما الثاني: لم يسمع النصيحة، ولم ينهِ دراسته، وحوَّل لكليَّة أخرى تحتاج 4 سنوات أخرى، وهو يقول إنها دولة غير مسلمة، ويكره العيش فيها، ومع ذلك يغير مجال الدراسة، ويرفض العودة لبلده، مع أنه يستطيع إنهاء الدراسة بعد سنتين ونصف بأقل من عشر المصاريف في بلد مسلم ويحصل على بكالوريوس، حيث أنني أعطيته الفرصة، وفشل، وهو يرفض العودة، فماذا أفعل؟ والثالث انتهى من دراسة دبلوم لمدة عامين في أربع سنوات، ويعمل به بدلاً من الانتهاء من البكالوريوس والعودة للعمل في بلاد المسلمين، ويرفض العودة بحجة أنه ربما يدرس مستقبلاً، والرواتب في البلاد العربية أقل بكثير من الغرب، ويرفض الزواج رغم قيامي بعرض دفع كل المصاريف من مهر، وشبكة، وشقة، فماذا أفعل؟ وما هو موقفي الشرعي من أبنائي الثلاثة؟ علماً بأن زوجتي تقول: إنه خطؤنا أن أرسلناهم هناك، مع أنهم يصلون، ويؤدون الفرائض، ولكنهم لا يسمعون النصيحة، وهي لجانبهم دوماً، وأنا لا أدري ماذا أفعل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله تعالى على الآباء العناية بأولادهم، وأمرهم عز وجل أن يقوهم نار جهنم، وهذا واضح في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
ومما يؤسف له في هذا الزمان أنه قد حصر كثير من الآباء أوجه تلك العناية والرعاية بالطعام، والشراب، واللباس، والدراسة، حتى لو كان ذلك على حساب دين أولادهم، وسلوكهم، ومن أخطر ما زلَّ فيه أولئك الآباء أنهم حرصوا أشد الحرص على تدريس أولادهم، وبذلوا في ذلك جهدهم، وطاقتهم، بل كثير منهم حمَّلوا أنفسهم ما لا يطيقون، وحرص الواحد منهم على اختيار جامعة، أو كلية، ليدرِّس فيها أولاده، الذكور منهم والإناث، ولم يلتفتوا إلى خطر تلك المعاهد والجامعات، ولا خطر تلك البلدان التي توجد فيها تلك المؤسسات التعليمية، ووافق ذلك كون أولئك الأولاد في أوائل فورة الشهوة الجنسية، وبداية تفتح العقل على الأشياء، فأغرتهم تلك الأشياء المادية في تلك البلاد، وسلبت عقولهم أولئك النسوة الشقراوات الحسناوات، فحصل كثير من المفاسد، حتى إنه ليتخلى كثير من أولئك الأولاد الطلاب عن دينهم، ويسفل سلوكهم، وتتردى أخلاقهم، والآباء يرون ذلك، ويسكت عنه كثير منهم؛ انتظاراً لشهادة تافهة يأتي بها ولده؛ ليرفع رأسه بين أقربائه وأقرانه وجيرانه! ؛ وليكن بعدها ما يكن من خراب ودمار.
هذا للأسف هو حال كثير من أحوال بيوت المسلمين الذين يرضون لأولادهم ما ذكرناه، ثم عندما يأتي وقت قطاف ثمار عناء وتعب أولئك الآباء: تظهر آثار تلك البيئات السيئة التي درس فيها أولئك الأولاد، ويظهر تأثير مناهج الدراسة على حياتهم، فيلتفت الأب المسكين حوله، وتنظر تلك الأم المدهوشة، كلٌّ يبحث عن أولاده – وخاصة الأبناء – فلا يجدون منهم أحداً، ومن وجدوه فليس هو كما يريد عقلاء الأهل وصالحوهم.
ثانياً:
ذلك الواقع المرير هو ما عاشه ويعيشه الأب السائل، وإننا لنشعر معك، ونتألم لألمك، وما حصل من الأبناء بعد ذلك إنما هو نتيجة تأثير تلك الدراسة، وتلك البيئة، والتي لا تهتم لجمع الأسرة تحت سقف واحد، ولا للم شملها تحت قيادة واحدة، وكلٌّ يسير وفق المنهج الذي يريد، بزعم الحرية، وقوانين تلك البلاد تؤيدهم، وتقويهم على من يخالفهم.
ثالثاً:
والواجب عليك وعلى أمهم:
1. التوبة والاستغفار مما حصل من تقصير وتفريط منكما تجاه أبنائكما، ولا تضع الحِمل والوزر على أمهم فقط، فأنت تتحمل المسئولية الأكبر.
2. عدم اليأس من محاولات إرجاعهم، بالتي هي أحسن، وابذلا في ذلك كل ممكن، من بيان حقكما عليهم، إلى إرسال من يثقون بهم من الناس لنصحهم وإرشادهم، إلى غير ذلك من الوسائل المباحة لتحقيق تلك الغاية. ولتحتفظ ـ أيها الوالد الكريم ـ دائما بأكبر قدر ممكن من العلاقة السوية الأسرية بينكم، ولا تقطعا ـ أنت وزوجك ـ حبال التواصل معهم، وكونا ـ في تلك البلد ـ بجانبهم، ما دام هناك أمل في أن يعودوا معكما، ولو بعد فترة من الدراسة، ولا تتخلوا ـ أبدا ـ عن واجبكما تجاهم.
3. الإلحاح على الله تعالى بالدعاء، وخاصة من الأم، أن يهدي الله تعالى أبناءكم، وأن يرجعهم سالمين في دينهم وسلوكهم، وعليكما اختيار الأوقات والأحوال الفاضلة للدعاء، كالدعاء في ثلث الليل الآخر، وفي السجود.
04 الاستعانة على ذلك بتعويضه عما يفوته في هذه البلاد، ببذلك المغريات المادية منكما، لمن ينفع فيه ذلك، إن هو عاد إلى بلاده، وأكمل مسيرته، حيث يكون أكثر أمنا على دينه.
05 تذكير أبنائكما بمخاطر العيش في تلك البلاد، بحقارة ما يمكن أن يحصلوا عليه من أمر الدنيا، في جنب ما يفوتهم من راحة البال، واجتماع الشمل، وصلاح أمر الدين، مع الاستعانة بأمثلة من الواقع، لأناس أضاعوا شبابهم وأعمارهم في تلك البلاد، ثم صاروا جزءا من تلك المجتمعات البائسة، بكل ما فيها من ضياع وشتات، ثم من أجل ماذا، من أجل الحصول على قليل من أمر العيش: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) الروم /6-7
ونسأل الله أن يردَّ عليكم أبناءكم وهم على أحسن حال، عاجلاً غير آجل، ونسأله تعالى أن يصبِّركم على فراقهم، وأن يكتب لكم أجور ذلك كاملاً موفوراً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/19)
حكم ضرب الطالبات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ضرب الطالبات اللاتي يحتجن إلى توجيه سواء في أدب أو علم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يحسن الرفق ولين الجانب من المُدرس والمُعلم للصغار والكبار، ولكن إذا استدعى الحال تعزيراً أو ضرباً غير مبرح جاز ذلك، فإن من عادة السفهاء سوء المعاملة وعدم الاحترام، فتدعو الحاجة إلى شدة وقوة تؤثر أكثر من اللطف واللين" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين حفظه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 399) .
وينظر جواب السؤال رقم (50022) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/20)
" هاري بوتر " و " مفكرة الموت " فتنة الصغار والكبار، كفر وإلحاد
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في هذا الوقت ما يسمَّى بـ " هاري بوتر "، وله روايات مجزأة على 8 أو 7 أجزاء، وصورت بعضها أفلام، تتحدث عن السحر، شخصيّاً لم أطلع عليها، ولم أر شيئاً منها، ولكن سمعت عنها، وعن انتشارها كثيراً، وأيضاً هناك فيلم " مفكرة الموت " رأيت حلقة واحدة منه تحدث عن " إله الموت " أنه رمى بـ " مفكرة الموت " للبشر، وأخذها شخص، وقرأ على غلاف هذه المفكرة أنه إذا أراد أن يُميت أحداً: فإنه يكتب اسمه، وطريقة موته، ثم يموت خلال 30 ثانية، أو أقل - لا أتذكر بالضبط -، وتدور الأحداث كيف تعامل هذا الشخص مع هذه المفكرة. فما رأيكم في مثل هذه الأفلام؟ وتبادلها بين الشباب؟ وبعضهم يدعي بأنه لا يشتريها حتى لا يدعمهم، ولكن يأخذها من زميله " يقرؤها، أو يشاهدها، ويرجعها له "! هل هذا تصرف صحيح؟ وكيف يمكن إقناعهم بخطورة مثل هذه الأفلام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سلبَت أفلام الرسوم المتحركة الحديثة عقول الصغار والكبار! ، وتحوَّل كثير منها إلى أفلام حقيقية بسبب فتنة الملايين بها، وتعلق قلوبهم بأحداثها وشخصياتها، وقد احتوى كثير منها على عقائد تخالف دين الإسلام، وتشكك المسلمين – وخاصة الصغار منهم – بالمسلَّمات والعقائد القطعية، إضافة لما تبثه من مفاسد سلوكية، بما يظهر فيها من نساء متبرجات، وقصص حب وغرام.
ونأسف أن يتلقف المسلمون تلك الأفلام ليجعلوها في بيوتهم، ويمكنوا أطفالهم من تقضية أوقاتهم في مشاهدتها، وليس عند من يفعل ذلك أدنى اهتمام بما يمكن أن تؤثر به مثل هذه المشاهدات على أولاده ذكورهم وإناثهم.
ثانياً:
مما فتن به العالَم في زماننا هذا قصص " هاري بوتر " الشهيرة، وهي سلسلة مكونة من سبعة كتب، كتبتها كاتبة بريطانية تدعى " ج. ك رولينج "، وتدور القصة حول فتى يدعى " هاري بوتر " وُلد لأبويْن ساحرين، وقد قتلهما ساحر شرِّير، وقد فشل هذا القاتل في قتل ابنهما " هاري "، وعندما بلغ هذا الفتى سن الحادية عشرة اكتشف أنه ساحر! ثم تبدأ سلسلة الأحداث القائمة على السحر والشعوذة والخيالات، وقد بيعت مئات الملايين من هذه القصة في أرجاء الأرض، وترجمت إلى حوالي 60 لغة! ومن بينها اللغة العربية! ، وقد أنشئت منتديات، وكتبت ألوف الصفحات في شبكات الإنترنت، تحلل القصة، وتتوقع وقائعها، وتناقش أحداثها، بل إن الموقع العربي المسمى باسم بطلها لا يكتب – كباقي المنتديات – " اسم المستخدم " للدخول لموقعه، بل يكتب " اسم الساحر "! والله المستعان.
ثالثاًً:
وقد كتب الأستاذ خالد الروشة نقداً علميّاً متيناً لما احتوته تلك القصص، وذكر ما فيها من خروقات عقيدية وتربوية، فقال:
" وأحاول هنا بإيجاز أن أقف مع القارئ على بعض الخروق التربوية التي تؤدي إليها مثل تلك القصة وما يتبعها:
1 - القصة تقدِّم نموذجاً للقدوة عند أبنائنا , هو الساحر الشهير " هاري بوتر " , وهي هنا تهدم هذا الجدار الذي يبنيه النموذج الإسلامي بين أبناء الإسلام وبين السحر والسحرة , ولطالما لجأ الغرب إلى اختراع الشخصيات الأسطورية؛ لإلهاء الأطفال؛ ولملء الفراغ العميق بداخلهم , فاخترعوا لهم " سوبر مان " و " بات مان " و " هرقل "، وغيرهم من شخصيات يقدمونها للأبناء على أنها تستطيع أن تغير العالم وتهدم الجبال! وهذا ولاشك في ذاته دليل على عجزهم عن تقديم نموذج واقعي جاد جدير بجذب الأبناء وتعلقهم به والإقبال عليه.
2 - تقدِّم القصة السحر كمخلِّص من العقبات التي لا يمكن حلها، والأزمات التي لا يستطيع أحد السيطرة عليها، وفي لحظة واحدة، وبكلمة سحرية: يستطيع الساحر أن يحل الأزمة، ويتخطى العقبة , وهو – ولا شك - يولِّد لدى الأبناء خللاً عقائديّاً كبيراً , إذ إنه يدعوهم نحو ما يدعو إليه دافعاً إياهم إلى نسيان من ينبغي أن يلجئوا إليه في العقبات، والأزمات , ونحن ليل نهار نعلم أبناءنا (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) الأنعام/ 17، 18 , وهو المنصوص عليه في جميع الديانات الصحيحة، وعلى لسان جميع الأنبياء من لَعْن السحرة، والمشتغلين بالسحر , ولكن القصة تجعل أبناءنا يشتاقون للسحر، ويحبونه، ويتمنى كل واحد منهم أن لو صار ساحراً!!
3 - الحياة الغربية هي حياة مركزها الإنسان، ومحورها منفعته، ومكاسبه , والإسلام يعلِّمنا أن يكون مركز تفكيرنا في مرضات الله سبحانه , فطاعة الله هي مركز حياتنا , ورضاه عز وجل هو محور سعينا , وهذا ما ينبغي أن نعلمه أبناءنا من قوله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/ 162 , وفي تلك القصة الساقطة هم يقدِّمون الشخصية التي تفعل كل المعجزات اعتماداً على قدراتها السحرية، وسعياً وراء مصلحة الأفراد , ولا يغتر أحد أنهم يقدمونه محارباً للشر , فالخير لا يأتي عن طريق الشر أبداً , وما جعل دواء فيما حُرِّم!
قصة " بوتر " قائمة على شيء حرَمه الله في ديننا الحنيف، ولعن فاعله، ذلك الشيء القبيح هو السحر , والمبدأ القرآني عندنا يقول (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) طه/ من الآية 69.
4 - اعتمدتْ القصة على التخويف والفزع من تخيلات شيطانية لا تطرأ إلا في عالم الجن، والشياطين، ومساكنهم في مجاري المياه، والمراحيض، وأماكن النجس - هكذا أوردت القصة - , والمزاج السليم يرفض ذلك، ويبعد بالأبناء عن تلك المجالات المفزعة، والقابضة لنفوس الأبناء، والمجرئة لهم – في بعض الأحيان – على عالم الشيطان , حتى يستسيغوا الحياة في ذلك العالم , فلا يجد حينئذ عبَّاد الشيطان صعوبة في دعوتهم إلى السوء!
5 - قدَّمت القصةُ الساحرَ الأكبرَ على أنه بإمكانه أن يحي ويميت! فهو يميت الطائر كذا، والحيوان كذا، ثم يحييه في صورة أفضل، وشكل أحسن , كما تقدمه على أنه يشفي المرضى، ويعالج الجروح في لحظة واحدة، وبكلمة سحرية واحدة , وهو خلل أي خلل في التكوين النفسي والفكري لدى أبنائنا الذين يجب أن نعلمهم دوما معنى قوله تعالى (الَّذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِين. والَّذِي هُوَ يُطْعِمُني وَيَسْقِين. وَإِذَا مَرِضت فَهُوَ يَشْفِين. والَّذي يُمِيتُني ثُمَّ يُحْيين. والَّذي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين) الشعراء/ 78 - 82.
6 - لا يهم الغرب أن يتربى الابن وقلبه مملوء بمحبة الله سبحانه والرغبة في عبادته , فهو يهتم بترفيهه وتقديم ما يبهره , ولذلك دوماً نجد أبناءهم يشبُّون على المادية الجامدة، وعلى النفعية البالغة، وعلى التقليل من شأن الروح، وإعلاء المادة عليها، وعلى البعد الكبير عن شئون القلب، وحقائق الكون , فقليل منهم من ييمم وجهه نحو البحث عن الإيمان، ولكنه يتربى على أن الإيمان هو شيء زائد يتمثله ليشعره بالراحة النفسية في بعض المواقف , وهذا يتنافى تماماً مع ما يأمرنا الإسلام بتربية أبنائنا عليه، حيث أوصانا أن نربِّي أبناءنا على حراسة القلب بالإيمان، وتعليقه بربه، وانظر إلى نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم للغلام الصغير عبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو يقول له: (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ... ) أين الثرى من الثريا، وأين الظلمات من النور؟!! " انتهى.
ولقراءة المقال كاملاً: اضغط هنا:
http://www.islamselect.com/mat/42292
رابعاً:
قد حرمت الشريعة قراءة كتب السحر، ولا يختلف حكم مشاهدة الأفلام عن القراءة، بل هو أشد إثماً؛ لما فيه من تطبيق عملي للأمور النظرية في الأفعال السحرية المحرمة؛ ولما له من تأثير بالغ على ذهن المشاهد، وعلى حياته.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
أرجو من فضيلتكم أن تبينوا حرمة استعمال، وقراءة كتب السحر والتنجيم، حيث إنها موجودة بكثرة، وبعض زملائي يريدون شراءها ويقولون: إنها إذا لم تستعمل فيما لا يضر فليس في ذلك حرمه. نرجو الإفادة، وفقكم الله.
فأجاب:
هذا الذي قاله السائل حق، فيجب على المسلمين أن يحذروا كتب السحر والتنجيم، ويجب على من يجدها أن يتلفها؛ لأنها تضر المسلم، وتوقعه في الشرك، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد) ، والله يقول في كتابه العظيم عن الملَكين: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) البقرة/ 102، فدلَّ على أن تعلم السحر، والعمل به: كفر، فيجب على أهل الإسلام أن يحاربوا الكتب التي تعلِّم السحر والتنجيم، وأن يتلفوها أينما كانت.
هذا هو الواجب، ولا يجوز لطالب العلم، ولا غيره، أن يقرأها، أو يتعلم ما فيها، وغير طالب العلم كذلك، ليس له أن يقرأها، ولا أن يتعلم مما فيها، ولا أن يقرَّها؛ لأنها تفضي إلى الكفر بالله، فالواجب إتلافها أينما كانت، وهكذا كل الكتب التي تعلم السحر والتنجيم يجب إتلافها.
" فتاوى نور على الدرب " (1 / 148) طبعة " دار الوطن ".
والخلاصة:
لا يحل لمسلم أن يشتري هذه القصة المسمى " هاري بوتر " لما تحتويه من تعظيم للسحر، والسحرة؛ ولما فيها من عقائد تخالف عقيدة الإسلام، ومن باب أولى عدم جواز مشاهدة القصة مصورة في " فيلم " لما لها من تأثير بالغ على عقيدة، وسلوك مشاهديها؛ ولما تحتويه من مشاهد منكرة، وموسيقى محرمة.
خامساً:
الفيلم الكرتوني الآخر – وقد تحول إلى فيلم حقيقي – والمسمى " مفكرة الموت " يحتوي على عقائد كفرية، وملخص قصة الفيلم أن " إله الموت "! والمسمى " ريكو " يرمي بمفكرة سماها " مفكرة الموت " إلى عالم البشر! ، ويلتقطها بطل الفيلم " ياجامي "، ليعلم فيما بعد أنه يستطيع أن يميت من يشاء! وذلك من خلال كتابة اسم المراد موته فيها، بشرط أن يكون على علم بصورته، كما يستطيع أن يتحكم في طريقة وفاته! فإذا كتب طريقة الموت بعد " 40 " ثانية من كتابة الاسم، وكتب طريقة الموت: مات بما يطابق كتابته، وإن مرت المدة ولم يكتب طريقة موته: مات بالنوبة القلبية! فيبدأ بعدها التخلص من الأشرار! بكتابة أسمائهم في تلك المفكرة ليتم القضاء عليهم، ويبدأ محقق في تتبع أسباب وفاة أولئك، في قصة تملؤها الخرافة، والشرك، والكفر، والإلحاد، وفي كل مرة يقدَّم الكفر على أنه مخلص الأرض من الشر! وهذا ما رأيناه قبل قليل في الساحر " هاري بوتر " وكذا ما قدَّمته الرسوم المتحركة اليابانية من " ميكي ماوس " الإله الفأر الذي ينقذ المظلومين ويقضي على الأشرار، وها هم هنا يأتون بشخص يسمونه " إله الموت " – " شينيغامي " – ليجعل له وكيلاً من البشر! يقضي على من يشاء بالموت.
ولا يشك موحد يعرف الإسلام أن مثل هذه القصص والرسوم المتحركة والأفلام لا يحل نشرها، ولا قراءتها، ولا مشاهدتها؛ لما فيها من مخالفات واضحة لعقيدة التوحيد؛ ولما لها من أثر سيء على قارئها ومشاهدها.
ولمزيد فائدة: انظر أجوبة الأسئلة: (110352) و (71170) و (97444) و (111600) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/21)
أمه كافرة وتكره لحيته ونقاب زوجته وتريد مطلق التصرف بابنه!
[السُّؤَالُ]
ـ[أم زوجي كافرة وتعيش في بلد كفار، وأنا منتقبة وزوجي ملتحي، ولدينا ولد عمره سنة ونصف، ولا توافق على هذا الالتزام وتريدني أن أترك النقاب وأنا لا أوافق طبعاً، وهي تريد أن نسمح لها بأن تأخذ له صوراً، وتسمعه الموسيقى عن طريق اللعب، ولكننا نعارضها كثيراً. وأيضا تريد أن تذهب بالولد لكي يراه أصدقاؤها بدوني؛ لأنها ترفض أن تنزل معي أمام الناس، قلت لها أن تأتي بأصدقائها إلى بيتي، ولكنها تريد جدّاً أن تخرج معه وحدها، وأنا لا أوافق لما يمكن أن يحدث من أضرار، ولأنني لا أعلم ـ أيضاً ـ لماذا إصرارها على الخروج معه وحدها. هي الآن لا تريد أن تراني أنا وزوجي وابني، فماذا أفعل؟ ، غير أني في أوقات كثيرة أتكلم معها بطريقة ليست جيدة، وأنا أعلم أن هذا ليس من الدين، وأريد أن أعرف كيف أتصرف معها في هذه المواقف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لتعلمي أن الإسلام يأمر بحسن الخلق، والمعاملة الحسنة، حتى مع الكفار غير المحاربين، لكن هذا لا يعني – أبداً – التنازل عن الدِّين، والتفريط في الواجبات الشرعية التي أوجب الله تعالى علينا فعلها، أو فعل المحرمات التي نهانا الله تعالى عن إتيانها، من أجل كائن من كان من الأقارب، فضلاً عن الأباعد.
فتحسين خلقك مع أم زوجك، وتغيير معاملتك معها للأحسن: هما أمران محبوبان للشرع، وأنتِ تؤجرين عليهما، وخاصة إن احتسبتِ ذلك من أجل دخولها في الإسلام.
وفي الوقت نفسه: عليك الاهتمام بابنك، وتربيته التربية الإسلامية الصحيحة، وعدم التفريط في ذلك، فإن رغبت أم زوجك بشيء لا يتعارض مع هذا – كالخروج به للتفسح واللعب المباح -: فلا بأس من تمكينها منه، مع الانتباه والمتابعة لسلوكها معه، وإن أرادت فعل شيء يتعارض مع اهتمامك به، وتربيتك له – كإسماعه الموسيقى المحرَّمة -: فلا تمكنيها منه، وليس ذلك لأنها كافرة، بل يكون هذا الحكم سارياً حتى لو كانت مسلمة، ونرى – بسبب صغر سنِّه – عدم التشدد منكم في أمركم هذا؛ فإن السن التي هو فيها ـ سنة ونصف ـ مبكر جداً بالنسبة لما يمكن أن يكتسبه منها من العادات أو الأخلاق، أو أمور الدين؛ لا سيما وهي لن تمكن من الانفراد به لفترات طويلة، وإنما مجرد خروج معها، أو جلوس وقت معين، وهذا كله ـ فيما يبدو لنا ـ ليس كافياً لأن تؤثر فيه تأثيراً سلبياً، في هذه السن الصغيرة، إن كان من مقصودها شيء من ذلك.
ولعلَّ تعلقها به أن يكون طريقها للهداية، وسبباً في ترك ما هي فيه من غواية، فالحرص منكما مطلوب، لكن من غير وسوسة، ولا تشدد، وإن رأيتم تعلقها به قويّاً فلعل أن يكون اهتمامها بصحته وسلامته مثل - أو أكثر من - اهتمامك أنتِ ووالده.
ثانياً:
أما بخصوص بغضها لنقابك، ولحية زوجك: فهذا غير مستغرب من الكفار، وإذا كنا نرى ذلك في بعض المنتسبين للإسلام: فليس بغريب أن يبدو ذلك من كافر، فاستمرا على ما أنتما عليه من التزام واستقامة، ولا تلتفتا لرضاها على حساب معصية الله تعالى، وفي الوقت نفسه: ابذلي ـ أنت وأبوه ـ جهودكما في دعوتها، عن طريق التحبب لها بالهدايا، وخدمتها، والنفقة عليها، واستثمار حبها لابنكما حتى تصلا إلى بغيتكما في أن تعلن إسلامها، وليس ذلك على الله بعزيز.
ثالثاً:
ما يجب على زوجك من بر أمه، والإحسان إليها: لا يجب عليك مثله بالنسبة إليها؛ للفرق بينكما، فهي والدته، ولها عليه حق الإحسان إليها، ومصاحبتها بالمعروف، حتى لو كانت كافرة، وحتى لو دعته لمعصية، بل للكفر! فلا يستجيب لها فيما تأمره به مما يخالف شرع الله تعالى، ولا يغلظ لها القول، ولا يخشن لها المعاملة.
قال علماء اللجنة الدائمة:
على تقدير الإساءة من الوالد لولده: فإنه لا يجوز للولد المقابلة بالسيئة، بل يقابلها بالحسنة؛ عملا بقول الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/ 34، والوالدان أولى بالإحسان من غيرهما؛ ولقول الله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء/ 23.
- طاعة الوالدين في المعروف واجبة على ولديهما، ما لم يأمرا بمعصية، فإذا أمرا بمعصية: (فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ؛ لقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) العنكبوت/ 8؛ وقوله سبحانه: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان/ 15، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) رواه الإمام أحمد..
فإذا أمر الوالدان ولدهما بفعل معصية، من شرك بالله عز وجل، أو شرب خمر، أو سفور، أو تشبه بالكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، ونحو ذلك من المعاصي، أو أمر الوالدان ولدهما بترك فرض من الصلوات الخمس المفروضة، أو عدم أدائها من البنين في المساجد، ونحو ذلك مما أوجبه اله على عباده: فإنه لا يجوز للولد طاعتهما في شيء من ذلك، ويبقى للوالدين على الولد حق الصحبة بالمعروف والبر، من غير طاعة في معصية أو في ترك واجب.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 131 - 135) باختصار.
ولمزيد فائدة في الموضوع: نرجو منكما النظر في أجوبة الأسئلة: (103977) و (27105) و (5053) و (6401) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/22)
إذن الوالدين في الجهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستفسار عن الجهاد في سبيل الله، علما بأني أكبر إخواني، ووالدي متوفى، وأمي موجودة، ولي زوجة وأطفال، وقد طلبت موافقة والدتي على الجهاد فرفضت؛ فهل لي الجهاد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجهاد من أفضل الأعمال، وكذلك بر الوالدين، وإذا أراد الشخص أن يذهب إلى الجهاد الشرعي فإنه يستأذنهما، فإن أذنا له وإلا فلا يذهب إلى الجهاد، بل يلزمهما، فإن لزومهما أو لزوم أحدهما نوع من أنواع الجهاد، والأصل في ذلك ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني " متفق عليه (البخاري 1/134، مسلم 1/89-90)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك، قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد " (رواه البخاري 4/18) ، وفي رواية: " أتى رجل فقال: يا رسول الله: إني جئت أريد الجهاد معك، ولقد أتيت وإن والدي يبكيان، قال: فارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما " (رواه أحمد 2/160 وأبو داود 3/38)
وعن أبي سعيد رضي الله عنه " أن رجلا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال: هل لك أحد باليمن؟ فقال أبواي، فقال: أذنا لك؟ قال: لا، قال: فارجع إليهما، فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما " (أخرجه أحمد 3/75-76، وأبو داود 3/39) .
وعن معاوية بن جاهمة السلمي، أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك، فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، فقال: الزمها، فإن الجنة عند رجليها. (أخرجه أحمد 3/429، والنسائي 6/11) .
وهذه الأدلة كلها وما جاء في معناها لمن لم يتعين عليه الجهاد، فإذا تعين عليه فتركه معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومن الجهاد المتعين أن يحضر بين الصفين أو يستنفره الإمام. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 12/18.(10/23)
وقفات مع المسلسل الكرتوني " عدنان ولينا "، وهل فيه إشارة لمعتقدات يهودية؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[يتداول الناس اليوم في مجالسهم ومنتدياتهم عن مسلسل " عدنان ولينا "، وقال البعض: بأنه تصوير للدجال، واليهود، وفلسطين، فهل هذا التصوير صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ننكر وجود إشارات دينية في كثير من برامج الأطفال، ومسلسلاتهم، كما هو الحال في أفلام ومسلات الكبار، وتظهر آثار البوذية على الأفلام الكرتونية اليابانية أكثر من غيرها، كما تظهر آثار النصرانية واليهودية على الأفلام الكرتونية الأمريكية، وخاصة ما تنتجه شركة " والت دزني " المشهورة، وليس بالضرورة أن يكون هذا في كل ما يُنتج؛ لأن أولئك القوم ليس أكثرهم متديناً أصلاً، والربح التجاري هو هدفهم، وهم إن حملوا رسالة دينية فلن يستطيعوا تسويق ذلك في العالَم.
وقد قرأنا ما كتبه بعض الناس من كون ذلك المسلسل الكرتوني يحمل رسالة دينية يهودية، وفيه الإشارة إلى العرب والمسلمين، وفلسطين، والمسيح الدجال.
والذي تبيَّن لنا أنه لا علاقة لذلك المسلسل الكرتوني بشيء مما سبق، وأنه إن كان يحمل بعض الدلالات: فمن بعيد جدّاً، وليس فيه شيء مباشر، أو قريب.
ومما يدل على ذلك أمور:
1. أن أصل هذا المسلسل الكرتوني هو رواية بعنوان " المد المذهل " أو " الفيضان المدهش " "The Incredible Tide "، وهي من تأليف " ألكسندر كي "، وكان عمره حين ألفها 19 عاماً! فأنَّى لمثل هذا أن يقدم رسالة دينية من خلال روايته، ولم يظهر لنا أنه يهودي الديانة.
2. يبدو أن مؤلف الرواية واسع الخيال، فتأليفه للرواية كان سنة 1923 م، وكان يعتقد بوجود من يمتلك قوة خارقة، ومن يستطيع التواصل مع غيره عن بعد، ويؤمن بمقدرة بعض البشر من مخاطبة الحيوانات، وهي إن لم تكن معتقدات وقناعات عنده: فإنها تكون من نسج خياله، وهو يدل على أن الكاتب واسع الخيال، حتى إنه كتب عن وجود أسلحة تدميرية في آخر الزمان، وعن اختراع طائرات تطير في السماء، وتقف على ماء البحار! .
3. إخراج هذه الرواية على شكل مسلسل كرتوني كان من فعل " اليابانيين "، وتحديداً: المخرج لهذا المسلسل واسمه " ميازاكي "، وهؤلاء في غالبهم لا يعتقدون إلا بالبوذية لهم ديناً، فمن أين سيقدم مثل هذا رسالة تدعم دين اليهود، واعتقادهم فيما سيحدث آخر الزمان؟! .
4. المسلسل الكرتوني يخاطب الصغار، ومثل هذه الاعتقادات يصعب مخاطبتهم بها، فهي لا تعدو أن تكون معارك تقوم بين الخير والشر، والحق والباطل، ولا يرى الناس – صغاراً وكباراً – على مدى التاريخ المعاصر من يحمل رسالة الشر مثل اليهود! .
5. هذه النسخة من المسلسل ليست موجهة للعرب والمسلمين، بل قد فتن بها العالم أجمع، ودبلجت إلى عدة لغات عالمية، وهي لا تخرج عن التخيلات المستقبلية لحال الأرض بعدما عانت الدول الأوربية حروباً عالمية – ويبدو أن الرواية كانت بعد الحرب العالمية الأولى، وكان الإنتاج الكرتوني لها بعد الحرب العالمية الثانية -.
وفي أول كل حلقة نسمع عبارة: " اندلعت الحرب العالمية الثالثة عام 2008!! ، استَخدمت فيها الشعوب المتحاربة أسلحة مغناطيسية، تفوق في خطورتها الأسلحة التقليدية، ونتيجة لذلك: حل الدمار في البر والبحر، فانقلبت محاور الكرة الأرضية، وباتت الكرة الأرضية تعيش كارثة مؤلمة ".
وهو خيال حربي، لعله من آثار ما عاشته تلك الدول من الحروب العالمية، والتي مات فيها عشرات الملايين منهم، كما أن التشويق فيها للأطفال – بل والكبار - أكثر من غيرها.
6. التركيز في المسلسل الكرتوني ليس على من يُزعم أنه " الدجال "، بل على " الفتى " المسمى في النسخة العربية " عدنان " - وإنما هو في النسخة الأصلية والإنجليزية " كونان "، ولذلك جاءت تسمية المسلسل في النسخة الإنجليزية " كونان فتى المستقبل " – "future boy conan " – واسم بطلي القصة فيها: " كونان ولانا "! وإنما جاءت تسميتها في النسخة العربية " عدنان ولينا " لقرب الاسمين من الاسمين الأصليين - وأصل تسمية المسلسل بنسخته العربية: " مغامرات عدنان "، وهو يؤكد ما قلناه في هذه النقطة من أنه هو الأصل فيها، لا من يُزعم أنه " الدجال ".
7. أن من يُزعم أنه " الدجال " – وهو جد " لينا " في المسلسل - وهو ملك اليهود – واسمه عندهم المسيح بن داود – يموت في آخر حلقات المسلسل، بل ويُرمى في البحر! وهو يخالف ما في اعتقاد اليهود من تعظيمه، وخلوده.
8. في " المسلسل " يصيد " عبسي " الخنازير، ويأكلها، والخنزير محرَّم عند اليهود! فكيف يكون هذا المسلسل يهوديّاً؟! .
وينظر – لبيان تحريم الخنزير عند اليهود -: جواب السؤال رقم: (12558) .
9. الصفات التي قيلت إنها تمثلها الشخصيات في المسلسل لا تتطابق مع الواقع، فهم يقولون: إن " عدنان " يرمز إلى اليهود! ، ومن المعلوم أن اليهود شعب جبان، مبغوض من العالَمين، بينما شخصية " عدنان " قوية، ومحببة لمن يراها.
وما قيل بأن " علاَّم " والمرأة معه يمثلان العرب! : فهو بعيد عن الواقع، وهو أقرب إلى أنهما يمثلان اليهود، والصليبيين الحاقدين من الأمريكان، والصرب، ومن الشيوعيين، والهندوس، وغيرهم، ممن عاثوا في الأرض فساداً، واستعبدوا الشعوب، وظلموهم، وقهروهم.
ثانياً:
وما سبق لا يعني تبرئة المسلسل من النقد الشرعي، بل فيه بيان بُعد ما قيل من أنه يحمل إشارات ورموزاً لمعتقدات دينية.
وأما هو من حيث هو: ففيه مخالفات شرعية كثيرة، منها:
1. ما يحمله من اعتقادات فاسدة، كمخاطبة الطيور، وإنزال المطر بأمر البشر، وغير ذلك مما لا يخفى على موحِّد.
2. الموسيقى في جميع حلقاته، وأجزائها.
3. العلاقة المحرمة بين بطلي القصة! والحركات المثيرة بين البطلين! من العناق المستمر، وما تلبسه " لينا " من ملابس قصيرة يظهر منه ما تحته! : كل ذلك يربي في المشاهد والمشاهدة من الأطفال أخلاقاً سيئة، وسلوكاً مشيناً.
4. الشخصية المسمَّاة " عَبسي " يلبس لباساً عارياً، ويلعب بصغار الخنازير! ويصيد كبيرها، ويشويها، ويأكلها! وهي أفعال – ولا شك – محرَّمة في ديننا.
وينظر للاستزادة:
جواب السؤال رقم: (71170) ففيه بيان حكم الرسومِ المتحركة.
وجواب السؤال رقم: (110352) ففيه بيان حكم مشاهدة قناة " سبيس تون " للأفلام كرتونية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/24)
حقوق الأبناء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقوق كل من الزوجة والأبناء على الرجل ?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. حقوق الزوجة:
قد بيّناها بالتفصيل في الجواب على السؤال رقم (10680) .
2. حقوق الأبناء:
قد جعل الله للأبناء على آبائهم حقوقا كما أن للوالد على ولده حقوقاً.
عن ابن عمر قال: " إنما سماهم الله أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالدك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا ". " الأدب المفرد " (94) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديث عبد الله بن عمر: " ….. وإن لولدك عليك حقاً " مسلم (1159) .
وحقوق الأولاد على آبائهم منها ما يكون قبل ولادة الولد، فمن ذلك:
1- اختيار الزوجة الصالحة لتكون أما صالحة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
قال الشيخ عبد الغني الدهلوي: تخيروا من النساء ذوات الدين والصلاح وذوات النسب الشريف لئلا تكون المرأة من أولاد الزنا فإن هذه الرذيلة تتعدى إلى أولادها قال الله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} النور / 3، وإنما أمر بطلب الكفؤ للمجانسة وعدم لحوق العار. " شرح سنن ابن ماجه " (1 / 141) .
حقوق ما بعد ولادة المولود:
1- يسن تحنيك المولود حين ولادته.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي (أي: مات) فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن ما كان فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها فلما فرغ قالت: واروا الصبي (أي: دفنوه) فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: أعرستم الليلة؟ قال: نعم، قال: اللهم بارك لهما فولدت غلاما قال لي أبو طلحة: احفظه حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وأرسلت معه بتمرات فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أمعه شيء؟ قالوا: نعم تمرات فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ثم أخذ من فيه فجعلها في في (أي: فم) الصبي وحنكه به، وسماه عبد الله " رواه البخاري (5153) ومسلم (2144) .
قال النووي:
اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تعذر فما في معناه وقريب منه من الحلو فيمضغ المحنِّك التمر حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها جوفه.
" شرح النووي على صحيح مسلم " (14 / 122 – 123) .
2- تسمية الولد باسم حسن كعبد الله وعبد الرحمن.
عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن " رواه مسلم (2132) .
ويستحب تسمية الولد باسم الأنبياء:
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم " رواه مسلم (2315) .
ويستحب تسميته في اليوم السابع ولا بأس بتسميته في يوم ولادته للحديث السابق.
عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى " رواه أبو داود (2838) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (4541) .
قال ابن القيم:
إن التسمية لما كانت حقيقتها تعريف الشيء المسمى لأنه إذا وجد وهو مجهول الاسم لم يكن له ما يقع تعريفه به فجاز تعريفه يوم وجوده وجاز تأخير التعريف إلى ثلاثة أيام وجاز إلى يوم العقيقة عنه ويجوز قبل ذلك وبعده والأمر فيه واسع. " تحفة المودود " (ص 111) .
3- كما يسن حلق شعره في اليوم السابع والتصدق بوزنه فضة:
عن علي بن أبي طالب قال: " عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاة وقال: يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة قال فوزنته فكان وزنه درهما أو بعض درهم " رواه الترمذي (1519) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " (1226) .
4- كما تستحب العقيقة على والده كما مر سابقا من الحديث، فقوله: " كل غلام رهينة بعقيقته ".
فيذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة:
فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة " رواه الترمذي (1513) ، صحيح الترمذي (1221) أبو داود (2834) النسائي (4212) ابن ماجه (3163) .
5- الختان:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب " رواه البخاري (5550) ومسلم (257) .
- حقوق في التربية:
عن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كلكم راع فمسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " رواه البخاري (2416) ومسلم (1829) .
فعلى الآباء مراعاة توجيه أبنائهم في الواجبات الدينية وغيرها من فضائل الشريعة المستحبة ومن أمور الدنيا التي فيها قوام معاشهم.
فيبدأ الرجل بتربية أبنائه على الأهم فالمهم فيبدأ بتربيتهم على العقيدة الصحيحة الخالية من الشرك والبدع ثم بالعبادات لاسيما الصلاة، ثم يعلمهم ويربيهم على الأخلاق والآداب الحميدة، وعلى كل فضيلة وخير.
قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقمان / 13.
عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر " رواه الترمذي (407) وأبو داود (494) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (4025) .
وعن الربيع بنت معوذ قالت: " أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار " رواه البخاري (1859) ومسلم (1136) .
وعن السائب بن يزيد قال: " حُج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين " رواه البخاري (1759) .
- التربية على الآداب والأخلاق:
ينبغي على كل أب وأم أن يعلموا أبناءهم وبناتهم على الخلق الحميد والآداب الرفيعة سواء في أدبهم مع الله أو نبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أدبهم مع قرآنهم وأمتهم ومع كل من يعرفون ممن لهم عليه حق، فلا يسيئون العشرة مع خلطائهم ولا جيرانهم وأصدقائهم.
قال النووي:
على الأب تأديب ولده وتعليمه ما يحتاج إليه من وظائف الدين وهذا التعليم واجب على الأب وسائر الأولياء قبل بلوغ الصبي والصبية نص عليه الشافعي وأصحابه، قال الشافعي وأصحابه: وعلى الأمهات أيضا هذا التعليم إذا لم يكن أب لأنه من باب التربية ولهن مدخل في ذلك وأجرة هذا التعليم في مال الصبي فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته لأنه مما يحتاج إليه والله أعلم.
" شرح النووي على صحيح مسلم " (8 / 44) .
وينبغي عليه أن يربيهم على الآداب في كل شيء في المأكل والمشرب والملبس والنوم والخروج من المنزل ودخوله وركوب المركبات وغير ذلك وفي أمرهم كله، وأن يغرس فيهم صفات الرجال الحميدة من حب التضحية والإيثار والنجدة والشهامة والجود، وأن يبعدهم عن الرذائل من جبن وبخل وقلة مروءة وقعود عن المكرمات وغير ذلك.
قال المناوي: (كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا أي حقوقا كثيرة منها تعليمهم الفروض العينية وتأدبهم بالآداب الشرعية والعدل بينهم في العطية سواء كانت هبة أم هدية أم وقفا أم تبرعا آخر فإن فَضّل بلا عذر بطل عند بعض العلماء وكره عند بعضهم.
" فيض القدير " (2 / 574) .
وعليه أن يقي أبناءه وبناته من كل شيء مما شأنه أن يقربهم من النار، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} التحريم / 6.
قال القرطبي:
… وعن هذا عبَّر الحسن في هذه الآية بقوله: " يأمرهم وينهاهم "، وقال بعض العلماء: لما قال: قوا أنفسكم دخل فيه الأولاد لأن الولد بعض منه كما دخل في قوله تعالى: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات فيعلمه الحلال والحرام ويجنبه المعاصي والآثام إلى غير ذلك من الأحكام.
" تفسير القرطبي " (18 / 194 – 195) .
النفقة:
وهذه من الواجبات على الأب تجاه أولاده فلا يجوز له التقصير فيها ولا تضييعها، بل يلزمه القيام بها على الوجه الأكمل:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " رواه أبو داود (1692) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (4481) .
كذلك أيضاً من أعظم الحقوق وأجلها حسن التربية والرعاية للبنت خاصة، ولقد رغَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا العمل الصالح.
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتُها فقسمتْها بين ابنتيها ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحدثتُه فقال: من يلي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كنَّ له ستراً من النار.
رواه البخاري (5649) ومسلم (2629) .
كذلك أيضاً من الأمور المهمة: وهي من حقوق الأولاد التي ينبغي رعايتها حق العدل بين الأولاد، وهذا الحق أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " رواه البخاري (2447) ومسلم (1623) ، فلا يجوز تفضيل الإناث على الذكور كما لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث، وإذا وقع الأب في هذا الخطأ وفضّل بعض أولاده على بعض ولم يعدل بينهم تسبب ذلك في مفاسد كثيرة، منها:
ما يكون ضرره على الوالد نفسه فإنه ينشأ الأولاد الذين حرمهم ومنعهم على حقده وكراهيته وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله في الحديث الذي رواه مسلم (1623) لوالد النعمان: " أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم "، أي: إذا كنت تريدهم في البر سواء فاعدل بينهم في العطية.
ومنها كراهية الأخوة بعضهم لبعض وزرع نار العداوة والبغضاء بينهم.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/25)
مربون يسألون: هل نحث طلاب المتوسطة على أداء الرواتب والوتر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن لجنة تعمل لإعداد أهداف تربوية لحلقات المرحلة المتوسطة، وقد وضعنا هدفاً كالتالي: أن يحافظ الطالب على السنن الرواتب، وصلاة الوتر، أو أن يُحثَّ الطالب على السنن الرواتب وصلاة الوتر. فنرجو منك إبداء رأيك في هذا الهدف من الناحية الشرعية، وأيضاً من الناحية التربوية، ومناسبتها للمرحلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يمكن الاعتراض على مثل هذه الأهداف العالية، فالحث على الطاعة، والعبادة، مما ينبغي على الآباء والمربين الاهتمام به غاية الاهتمام، لأولادهم وتلامذتهم، وإذا كان هناك تقصير من الأهل في ذلك: فإن على المربين حث تلامذتهم على ما قصَّر به أهليهم، ولسنا فقط مع حث أولئك التلامذة على الرواتب والوتر، بل نحن – كذلك – مع حثهم على صيام النفل، والصدقة، وبر الوالدين، وإعانة المحتاجين، وإماطة الأذى عن الطريق، نحن مع حثهم على كل خير، وتحذيرهم من كل شرٍّ وسوء.
فعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: (مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ) ، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ. رواه البخاري (1960) ومسلم (1136) .
وهذا الصيام الوارد في الحديث هو في صوم النافلة.
وقال ابن القيم رحمه الله:
"فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنُنه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً" انتهى.
"تحفة المودود بأحكام المولود" (ص 229) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"أوجب الله الصيام أداء على كل مسلم مكلف قادر مقيم، فأما الصغير الذي لم يبلغ: فإن الصيام لا يجب عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة) ، وذكر (الصبي حتى يبلغ) ، ولكن يجب على وليِّه أن يأمره بالصيام إذا بلغ حدّاً يطيق الصيام فيه؛ لأن ذلك من تأديبه، وتمرينه على فعل أركان الإسلام، ونرى بعض الناس ربما يترك أولاده فلا يأمرهم بصلاة، ولا صوم، وهذا غلط، فإنه مسؤول عن ذلك بين يدي الله تبارك وتعالى، وهم يزعمون أنهم لا يُصَوِّمون أولادهم شفقةً عليهم ورحمةً بهم، والحقيقة: أن الشفيق على أولاده، والراحم لهم هو من يمرِّنهم على خصال الخير، وفعل البر، لا من يترك تأديبهم، وتربيتهم تربية نافعة" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (19/19، 20) .
فنحن نشجعكم على حث الشباب في المرحلة المتوسطة على أداء الرواتب، بل ونطلب المزيد من الحث على عموم الخير، وعلى التحذير من المعاصي والشر، والتربية في الصغر نافعة أشد النفع بإذن الله، والتقصير فيها والتفريط يؤدي إلى فساد عريض.
قال ابن القيم رحمه الله:
"ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج: الاعتناء بأمر خُلُقه؛ فإنه ينشَّأ على ما عوَّده المربِّي في صغره، مِن حرْد، وغضب، ولجاج، وعجلة، وخفة مع هواه، وطيش، وحدَّة، وجشع، فيصعب عليه في كِبَره تلافي ذلك، وتصير هذه الأخلاق صفاتٍ، وهيئاتٍ راسخة له، فلو تحرز منها غاية التحرز فضحته ولا بدَّ يوماً ما، ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم وذلك من قبَل التربية التي نشأ عليها" انتهى.
" تحفة المودود " (ص 240) .
ونسأل الله لكم التوفيق.
وانظر – لمزيد فائدة – جواب السؤال رقم: (103526) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/26)
وسائل محاربة خطر الرسوم المتحركة وذِكر البدائل عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي بعض الأسئلة أتمنى أن تجد جواباً شافياً، وسوف تساعدني في بحثي. انتشرت في المنتديات استخدام صور الأنمي (الصور المرسومة ذات أرواح) ، ما هي الوسائل المعينة في التصدي لمثل هذه المظاهر، مع ولعهم الشديد وحبهم لها، وخصوصاً بين الفتيات؟ وما هي البدائل الممكنة؟ . أرجو الرد سريعاً، الوقت ليس في صالحي. وجزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يشك عاقل ما للرسوم المتحركة من أثر على الأطفال، وهو الأثر الذي ازداد شدة لأجل قوة العرض، وانعدام الدفع؛ فقد باتت الوسائل التي تعرض بها تلك الرسوم غاية في القوة والإثارة، حتى إن كثيراً من الكبار ليُفتن بها، يضاف هذا إلى انعدام القوة الدافعة لمثل هذا عند الأطفال، من اكتمال العقل، إلى قوة الاعتقاد، ولذا فإنك لو سألت كل من شاهد تلك الرسوم المتحركة في أوائل عمره: فإنه سيذكر لك كثيراً من قصصها وحوادثها كأنه يراها الآن رأي العين، ولينظر كم انطبع في ذهن أولئك الأطفال من صور تحكي عقيدة، أو تعلم سلوكاً، ومن تأمل واقع تلك الرسوم علَم شدة خطرها على الأطفال بله الكبار.
وقد أشارت " جريدة الجزيرة " ـ العدد: 12321، الجمعة 27 جمادى الأولى عام 1427 هـ ـ إلى دراسة أكاديمية ـ للباحثة هدى الغفيص ـ تناولت أثر الرسوم المتحركة على الطفل، في مختلف نواحي حياته، ومما جاء فيها:
" حذَّرت دراسة علمية من خطورة تأثير الرسوم المتحركة المستوردة على عقيدة أطفال المسلمين؛ لما تتضمنه من انحرافات في الأفكار تستهدف زعزعة الإيمان في عقول النشء، مؤكدة على ضرورة تضافر جميع الجهود لإصلاح القنوات، والفضائيات لحماية نشئنا مما يحاك ضده، فالقضية لم تعد خافية.
وأشارت الدراسة إلى أن حرباً فكرية عقدية ضد الإسلام، وأهله، تستهدف أولاً عقيدة أبناء المسلمين، ومرتكزات الدين، والإيمان بالله، وكتبه، ورسله.
وكشفت الدراسة أن فترة تعلق الأطفال بوسائل الإعلام مرتفعة عند سن الثالثة للذكور، والخامسة للإناث، وهذه أخطر مراحل نمو الطفل، وبناء أفكاره، ومعتقداته.
وأظهرت الدراسة عدم إدراك نسبة عالية من الأمهات لدور الرسوم المتحركة في ترسيخ العقيدة الصحيحة، ومن عدمها لدى الأطفال، حيث إن 75 % ممن شملتهم الدراسة لم يجزم بأثر الرسوم المتحركة في بناء عقيدة الطفل، وهذا ينم عن حاجة ماسة لإعادة بناء ما يشاهده الأطفال، مشيرة إلى أن دور الرسوم المتحركة في بناء خيال الطفل الذي يقوده لتبني قناعات في غاية الخطورة على نفسية الطفل، وللأسف أن هذه القضية - قضية أثر الرسوم المتحركة على عقلية الأطفال – ورغم عِظم متعلقها: لم تطرح بصورة تلائم، وتساوي مستوى الخطر المحدق بأطفالنا " انتهى باختصار.
ثانياً:
يجب على القائمين على وسائل الإعلام أن يتقوا الله تعالى في أطفال المسلمين، وأن يعلموا أنهم بإعلامهم قد ساهموا في تدمير المجتمعات، ونشر الرذيلة، والعنف، والفساد، فهم لم يكتفوا بما يفسد الفتيات والشباب والرجال والنساء بالأفلام والتمثيليات والأغاني حتى أضافوا لرصيدهم ما يُفسد عقائد وأخلاق الأطفال بما يجلبونه لهم من الشرق الهالك، أو الغرب الفاسد من برامج للأطفال ورسوم متحركة تساهم في إتلافهم وإفسادهم.
ثالثاً:
من الوسائل التي يُنصح الآباء وأولياء الأمور بسلوكها في محاربة هذه الهجمة على الأطفال وصدها:
1. الاهتمام بتحفيظ الأطفال كتاب الله تعالى، واستثمار صغر سنهم لأجل ذلك.
2. تربيتهم على حب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام من خلال النظر في سيرتهم وتراجمهم، وحسن اختيار الكتب المناسبة لأعمارهم.
3. تعليمهم شيئاً من مسائل العقائد بأسلوب سهل ميسَّر، كتوحيد الله، وتعظيمه، ومحبته، والخوف منه، وقدرته على كل شيء، وأنه الخالق، الرازق، وغير ذلك مما يتناسب مع سنهم وتفكيرهم.
4. تربيتهم على إنكار المنكر، وبغضه، فيعلَّم أنه لا يرى رسوماً فيها موسيقى، أو فيها بنات متبرجات، أو فيها صليب، بل وحتى لو رأى أحداً يشرب أو يأكل ولا يسمي الله فإنه يُنكر ذلك، وإذا رأى من يسرق أو يخطف أو يقتل فإنه ينكر ذلك، وتربيته السابقة لمشاهدته نافعة بإذن الله؛ لأنه قد يرى أشياء تعرض في غير بيت أهله، فيسارع إلى إغلاقها، أو عدم مشاهدتها، وللأطفال الذين تربوا على ذلك قصص لطيفة، كانت سبباً في منع كثير من المنكرات.
ومن البدائل المقترحة لتلك الرسوم المفسدة:
1. إنتاج برامج مشابهة لتلك الرسوم توافق منهج الإسلام، فتخلو من المنكرات، وتربي على الفضائل، ولا مانع من أن تكون هي نفسها لكن بإنتاج جديد، تُحذف فيه المنكرات، وتؤدى فيه الأدوار بكلمات مباحة لا تخالف الشرع، وقد أحسنت قناة " المجد " حين سلكت هذا الطريق، فلها برامجها الخاصة بها من الرسوم المتحركة، ولها " دبلجات " نافعة لرسوم متحركة مشهورة، فيجمع الطفل بين تحقيق الرغبة، وحسن التربية والتعليم.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ظهر الآن في بعض التسجيلات الإسلامية رسوم متحركة، يقولون: إنها إسلامية، يعني: ظهر منها مثلاً " فتح القسطنطينية "، أو " رحلة السلام "، وأخيراً ظهر " غلام نجران " الذي ذكر في سورة البروج، أو في الحديث الذي في صحيح مسلم، وهذه الرسوم المتحركة يجعلونها بديلاً عن الرسوم المتحركة الفاسدة، ما هو الحكم في ذلك يا شيخ؟! .
فأجاب:
أنا أرى أنها إن شاء الله ما فيها بأس؛ لأن الواقع - أنك كما تفضلتَ - أنها تحمي الصبيان عن الأشياء المحرمة، فأقل ما فيها إذا كان ولا بد أن نقول بالتشديد أنها أسهل من الرسوم الأخرى التي يسمونها " أفلام الكرتون "، يعني: تلك - كما سمعنا - فيها التشكيك في العقيدة، وتمثيل - والعياذ بالله - للرب عز وجل عند إنزال المطر، وما أشبه ذلك، فعلى كل حال لا أرى فيها بأساً ... .
فأرى أنه إذا كانت ليس فيها إلا الخير: ما فيها شيء إن شاء الله، وإذا كانت مصحوبة بموسيقى: فهذا لا يجوز؛ لأن الموسيقى من المعازف المحرمة.
" لقاءات الباب المفتوح " (127 / السؤال رقم 10) .
2. اختيار برامج ثقافية تعليمية، تجمع بين المتعة والتعليم، وقد انتشرت مثل هذه البرامج بالصوت والصورة، وفيها الحديث عن عالَم البحار، وعالَم الحيوانات، ولقناة المجد الوثائقية مشاركة فاعلة في هذا الباب، وبرامجها تخلو من الموسيقى والنساء.
وهذه الرسوم، وتلك البرامج ينبغي أن تكون وفق ضوابط شرعية. وقد ذكرت الأخت هدى الغفيص في رسالتها بعضها، فقد قالت جريدة الجزيرة في سياق عرض رسالتها:
" وتقترح الدراسة بعض الخصائص التي ينبغي على صانعي برامج الأطفال أن يضعوها أمام أعينهم، ومنها: البعد عن إنتاج البرامج التي تثير الرعب، وتزرع الخوف في قلب الطفل؛ لأنه يكون في مرحلة مهيأ فيها نفسيّاً لتقبُّل مثل هذه المثيرات؛ لأن الطفل من سنتين إلى خمس سنوات يخاف من الوحدة، ومن النار، ومن الحيوانات، ومن الأشياء الخيالية، مثل الأشباح، والعفاريت، وتصوير مثل هذه المشاهد يخرِّج أطفالاً مضطربين نفسيّاً.
وأن تهتم البرامج المخصصة للأطفال ببث القيَم، وعدم إعطاء جرعة كبيرة للبكاء؛ لأن هذا لا يبني إلا شخصية ضعيفة غير قادرة على تحمل الصعاب، إنما تبث القيم من خلال القوالب المرحة، والأفكار التفاؤلية السعيدة.
مؤكدة الدراسة على أن إعلام الطفل عِلْم وفَن قبل أن يكون هواية، وعلينا أن نهتم بهذه المنظومة العلمية والمهارية والفنية، ولا نفرط في استخدام الخيال لأنه أمر غاية في الخطورة على مدركات الأطفال فينبغي إدراجه بصورة قليلة.
وتؤكد الدراسة على ضرورة تحليل أثر الرسوم المتحركة، الموافقة للمعايير الشرعية حتى لا تكون الغاية منها التسلية وإيجاد البديل، وأن نعرف ماذا قدم البديل الإسلامي للأطفال؛ لأن الملاحظ أن غالبية البدائل تُعنى بعدم إيراد ما يخالف المعايير الإسلامية، لكن أهملت جانباً مهمّاً، وهو كيف تساهم في غرس العقائد الإسلامية، وفق خطة مدروسة، مناسبة لعمر المتلقي، وضرورة أن يقوم المتخصصون بالعلوم الشرعية بواجب التصدي للحملات التي تستهدف عقول الناشئة دون هوادة ". انتهى
3. إشغال الأطفال ببرنامج صحي مفيد، يمارس فيها الرياضة، والسباحة، وغيرها من الألعاب المباحة، وهي تجمع له بين المتعة والفائدة، على أن يُحسن اختيار النادي الذي يمارس فيه تلك الألعاب، ويحسن اختيار الأصدقاء الذين يشاركونه فيها.
4. مشاهدة المواقع الإسلامية التي تُعنى في بعض أقسامها بالأطفال، وذلك من خلال عرضهم لفلاشات مفيدة، أو لعب مسلية، أو رسوم متحركة فيها قصص الأنبياء، والصالحين، وفيها عرض للغزوات والمعارك الإسلامية، وفي " الشبكة الإسلامية " قسم خاص بالأطفال فيه نفع كبير لهم.
وكما تلاحظ - أخي – فإننا لا نتعامل مع الأطفال كما نتعامل مع الكبار، فيجب أن يُلحظ أننا نحث أولياء الأمور على إشباع رغبة الطفل من متعة المشاهدة، ومن اللعب، لكننا في الوقت نفسه لا نترك الحبل على غاربه؛ لئلا نقع في مخالفات شرعية؛ ولئلا ينقلب الطفل علينا فاسداً مُفْسِداً، ولذا فإننا نحث الشركات والمؤسسات القادرة على إنتاج ما يستفيد منه الطفل بالصوت والصورة أن لا يُقَصّر في ذلك، فهم أحوج ما يكونون لهذا، وأولياء الأمور أحوج ما يكونون لبديل نافع مفيد ممتع يقدمونه لأولادهم، ونرى ضرورة إنتاج أشياء خاصة بالفتيات حتى تربى الابنة على الحياء وغض البصر من صغرها.
وقد ذكرت الأخت " هدى الغفيص " في رسالتها المشار إليها في أول الجواب بعض الأشياء النافعة في هذا الباب.
وقد جاء في عرض جريدة الجزيرة لدراستها قولهم:
" أما عن الآثار السلبية لوسائل الإعلام وكيفية علاجها: فقد أشارت الدراسة إلى تبني منهج تربوي قائم على التنشئة الإيمانية، المبني على إصلاح القلوب، وتقوية العقيدة، يمنع، أو يحد من هذه الآثار السلبية، وقد رصدت الدراسة بعض هذه الآثار وكيفية وضع الحلول لها منها:
أولاً: كثرة إجراء المقابلات الإعلامية مع نجوم الكرة، والفن، والاشتغال بحياتهم، وحفلاتهم، وتحويلهم قدوة للأبناء، وتقترح الدراسة: ربط الطفل بقدوته رسول الله، عن طريق تحويل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى واقع قصصي يعيشه الطفل.
ثانياً: حفظ الطفل لأسماء شخصيات الرسوم المتحركة، وطلبه ملابس مثل التي يرتديها هؤلاء، والحل: أن نجعل الطفل يحاكي حياة رسوله صلى الله عليه وسلم، والصحابة، وتاريخ المسلمين.
ثالثاً: سهولة تلقي الطفل وتقبله لأفكار لا تتوافق ومعتقداتنا، وتعالج الدراسة هذه النقطة: بتقوية الحصانة الذاتية لدى الأطفال، وتعليمهم كتاب الله، والعناية به، وبربطهم به في كل من شؤون حياتهم.
رابعاً: تدني مستوى الاعتزاز، والفخر بالانتماء للإسلام، وذلك بسبب عدم تربية الطفل على حب الإسلام، وتوعيته بقيمة كونه مسلماً موحداً، ولحل هذه المسألة: يجب الاستمرار في عرض مزايا الإسلام، واستغلال المناسبات لذلك، ومقارنته بغيره من الأديان، وعلينا أن نحس بالمسؤولية والصدق في حمل الأمانة ".
انتهى
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/27)
استغاثة من أم كان ابنها مستقيماً فوقع في الإلحاد!
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أرجو أن يتسع صدرك لاستغاثتي في مصيبتي في ابني، وترشدني إلى الرأي الصواب بأسرع وقت ممكن: أنا عندي أربعة ذكور، أكبرهم عنده 28 سنة، وآخرهم 21 سنة، ولقد ربيتهم على الالتزام والشرع، فنحن أسرة ملتزمة، وبيتنا وعمل زوجي أيضا منارة للدعوة الإسلامية، ولكن للأسف كان ابتلاؤنا في ابننا، ومصيبتنا في دينه، فالابن الكبير مهندس مرموق، وطموح جدّاً، وذكي جدّاً، ولكن للأسف فوجئنا به يكره الدين، والتزاماته، وتكاليفه الشرعية، ويتهمنا بأننا شاذون عن المجتمع؛ لحرصنا على عدم الاختلاط، وبدأ بإنكار السنَّة، والتهكم على أوامر الدين، وأتم كل هذا، وكانت الطامة الكبرى عندما اصطحبناه للعمرة عسى أن يهديه الله أنه لم يقم بها! ولا الصلاة في المسجد الحرام، وامتنع عن الصلاة نهائيّاً إلا صلاة الجمعة، يؤديها فقط إرضاء لنا، عرفنا وقتها أن ابننا ملحد، وعرفنا أنه أيضا ثقف نفسه من مواقع الإلحاد على النت، وهذا بحكم عمله أنه يعمل على الكمبيوتر، وحاولنا كثيراً معه بالإقناع، وجلس مع شيخ، وأدخلناه موقع " طريق الإيمان " ليحاور إخوة عندهم خبرة ودراية بالرد على الشبهات، واستمر معهم حوالي 6 أشهر، ولكن لا فائدة، وعلمنا أنه يدرس هذا الأمر من أربع سنوات! والآن كلما واجهناه بالكفر ينكر ويقول: أنا مسلم اسماً وأمام الناس، ولا أشيع هذا الأمر، وهذا أمر يخصني، وأنا الذي سأحاسب، ويريد أن يتزوج مسلمة، ونحن أوقفنا زواجه، وامتنعنا أن نشاركه فيه، ولو حتى الخطبة؛ لأن الناس تنخدع بنا كملتزمين ويحسبوه كذلك، وهو يتهمنا بأننا السبب في هذا الحال الذي هو عليه من تشددنا، ويقول: أين دعاؤكم المستجاب؟ وأين الله الذي سيهديني؟ وقد عمل عمرة قبل ذلك ودعا الله فيها أن يهديه، هو يقول: لكل شيء سبب ملموس وعلمي، وأنا لا أرى الله وينكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يُعظم لكم المثوبة، وأن يجزيكم خيراً على ما تقدمونه لأولادكم من عناية ورعاية، وتربية إسلامية، وقد لمسنا من خلال رسالتكم قيامكم بما أوجب الله تعالى عليكم تجاه الأمانة التي ائتمنكم عليها.
وخروج ابنكم عن طاعة ربه تعالى، ورضاه لنفسه بطريق الانحراف والضلال والإلحاد: لا ينبغي أن يسبب لكم قلقاً في أنكم مقصرون، أو تربيتكم لأولادكم هي السبب، كما قال ذلك الابن المنحرف، بل أنتم على خير عظيم، إن شاء الله، وغيركم ممن لم يفعل فعلكم هو المقصِّر في حق نفسه، وفي حق أولاده، فلا تلتفتوا لوساوس الشيطان، ولا يصدنكم كلام ابنكم عن الاستمرار في التربية الإسلامية لأولادكم، وفي البقاء على الالتزام بشرع الله تعالى.
واعلموا أنكم غير آثمين على ما وصل له حال ابنكم؛ لأنكم لم تقصروا في توجيهه، وتربيته على الإسلام، ومن كان هذا حاله: فإنه لا يأثم إن خرج بعض أفراد أسرته عن جادة الصواب، وإنما يأثم من كان مقصِّراً، أو مهملاً في رعاية أولاده والعناية بهم.
وها هو نوح عليه السلام فقد رأينا ماذا حلَّ بابنه وامرأته، فقد هلكا مع الهالكين، ولم يألُ نوح عليه السلام جهداً في دعوتهم وهدايتهم، ولم يستجيبا له، فعاقبهما الله، وكانا من المغرَقين.
ومثله يقال في امرأة لوط عليه السلام، ووالد إبراهيم عليه السلام، وأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، فكل أولئك الأنبياء والرسل قد أدوا ما أمرهم الله تعالى به من الأمانة على أكمل وجهها، ولم يقصروا في حق أهليهم، ولكن القلوب بيد الله تعالى يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وما يضل إلا الفاسقين، قال الله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) البقرة/ 272، وقال سبحانه: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) القصص/ 56.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
يُخبر تعالى أنك يا محمد - وغيرك من باب أولى - لا تقدر على هداية أحد، ولو كان من أحب الناس إليك، فإن هذا أمر غير مقدور للخلق: هداية التوفيق، وخلق الإيمان في القلب، وإنما ذلك بيد الله سبحانه تعالى، يهدي من يشاء، وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه، ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله.
وأما إثبات الهداية للرسول في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) : فتلك هداية البيان والإرشاد، فالرسول يبين الصراط المستقيم، ويرغِّب فيه، ويبذل جهده في سلوك الخلق له، وأما كونه يخلق في قلوبهم الإيمان، ويوفقهم بالفعل، فحاشا وكلا. " تفسيرالسعدي " (620) .
وانظري جواب السؤال رقم: (12053) .
واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن الحجة مقامة على ولدك، وليس هو في سن تستطيعون توجيهه والتحكم به، فليس أمامكم إلا الدعاء له بالهداية، فألحوا على ربكم تعالى، وأكثروا الدعاء له في أوقات السحَر، وفي السجود، فلعلَّ الله تعالى أن يستجيب لكم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ / قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثُ دَعَوَات مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) .
رواه الترمذي (1905) وأبو داود (1563) وابن ماجه (3862) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال العظيم آبادي – رحمه الله –:
(دعوة الوالد) أي: لولده، أو عليه، ولم يذكر الوالدة؛ لأن حقها أكثر، فدعاؤها أولى بالإجابة.
" عون المعبود " (4 / 276) .
وقال المناوي – رحمه الله -:
(ودعوة الوالد لولده) لأنه صحيح الشفقة عليه، كثير الإيثار له على نفسه، فلما صحت شفقته: استجيبت دعوته، ولم يذكر الوالدة مع أن آكدية حقها تؤذن بأقربية دعائها إلى الإجابة من الوالد؛ لأنه معلوم بالأولى.
" فيض القدير " (3 / 301) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -
(دعوة الوالد) في بعض ألفاظ الحديث (على ولده) ، وفي بعض ألفاظه مطلقة (الوالد) أي: سواء دعا لولده، أو عليه، وهذا هو الأصح، دعوة الوالد لولده، أو عليه مستجابة، أما دعوته لولده: فلأنه يدعو لولده شفقة، ورحمة، والراحمون يرحمهم الله عز وجل، وأما عليه: فإنه لا يمكن أن يدعو على ولده إلا باستحقاق، فإذا دعا عليه وهو مستحق لها: استجاب الله دعوته.
هذه ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، والمسافر، والوالد، سواء الأم، أو الأب.
" شرح رياض الصالحين " (3 / 157) طبعة دار ابن الهيثم.
وقد بينا شروط الدعاء لكي يكون مستجاباً مقبولاً عند الله في جواب السؤال رقم (13506)
وذكرنا أماكن وأوقات إجابة الدعاء في جواب السؤال رقم: (22438) .
فلينظرا.
وأما ما أنكم لا تساعدونه في أمر زواجه، ولا تذهبون معه إلى أحد، فهذا هو الواجب عليكم، ولو بقي على هذه الحال إلى آخر عمره؛ فالناس، كما قلت ـ أيتها السائلة الكريمة ـ سوف يغترون بحالكم، ويظنون أن ابنكم مثلكم، أو ـ على أقل حال ـ إن اختلف، أو ساء أمره، فلن يتصور أحد أنه قد بلغ هذا المبلغ.
نسأل الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يصلح لنا أزواجنا وذرياتنا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/28)
لبس القصير والضيق للأولاد بين أمر الزوج واعتراض الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ارتداء الشورت للأولاد الذين قاربوا سن البلوغ؟ وماذا أفعل إذا رفضت ابنتي ارتداء الحجاب والعباءة؟ وماذا أفعل مع زوجي؟ فهو رجل متشدد وأعاني منه كثيرًا، وهو يرغب في أن يجنب أبناءنا كل ما هو حرام حتى وإن كان يفعله هو، فما السبيل في هذا العالم فجميع من يتبع الإسلام هذه الأيام يتشدد في كل شيء، وكيف لي في ظل كل ما أتعرض له من مشكلات وأوقات عصيبة أن أتعلم الإسلام؟ يقولون لا يجوز معصية الزوج، فماذا أفعل إن كنت لا أثق في قدر علمه كي أتبع ما يقوله لي؟ فما الحل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن السفن التي تعبر المحيطات، وتحمل على ظهرها بضع أشخاص لا يمكن أن تسير إلا بقيادة توجهها، وتقودها، حتى تصل بركابها إلى برِّ الأمان، والأسرة المسلمة الآن سفينة في محيط هائج مائج من الفتن والمهلكات، وقد اجتمع أعداء الدين لإضعاف الأسرة المسلمة، بل لقتلها، وقد استخدموا كل الوسائل الممكنة من أجل ذلك، فهذه المؤتمرات العالمية تنتقل من بلد إلى آخر، وتسير بانتظام، وبقيادات عالمية، وكل همها إتلاف الأسرة المسلمة، وتفكيك ترابطها، ونزع حيائها، وقتل عفافها، وهذه القنوات الفضائية تعمل عملها السيء في الأسرة المسلمة، وتلك الصحف السيارة، وغيرها من وسائل الإعلام، كلها تؤدي غرضاً واحداً لا يخفى على متابعها ومترصدها.
وفي ظل هذه الأمواج المتلاطمة تسير سفينة الأسرة المسلمة، وإن لم يكن لها قائد عاقل حكيم فإنها ستتحطم وتكون ركاماً.
ورب الأسرة هو القائد لتلك السفينة، ولا نلوم أباً يخاف على أهله وذريته من الفتن والفساد، فقد أضحت هذه المفسدات أكثر وأقوى من أن يصدها رب الأسرة وحده، فكيف إذا انضاف لذلك عدم معاونة زوجته له في تلك القيادة، بل فكيف يكون الحال لو كانت تقف ضده فيما يحاول النجاة بتلك الأسرة من تلك الفتن والمفسدات؟! .
فاعلمي – أختنا السائلة – أن الأمر ليس بالهين، وأنه يجب عليك أن تكوني خير معين لزوجك فيما يصلح من أفراد أسرتكم، وإنه حتى لو لم تكوني مقتنعة فيما يصدره من أحكام وقرارات لا ينبغي لك أن تقفي في وجهه، وأن تخالفيه، وخاصة إن كان ذلك منك أمام أولادكم؛ فإن أثر هذا سيء للغاية على تربية أولادكم.
وما يريده الأب من أفراد أسرته لا يخلو من شيء فيه نص من الشرع يأمره به، أو شيء يراه في مصلحة أولاده فيأمر به لما فيه صلاحهم، أو يمنع منه لما فيه فسادهم، وإن كان ثمة مجال لمناقشته في الأمر الثاني: فليس ثمة مجال في الأول؛ لأن الشرع حاكم على تصرفاتنا جميعاً، وليس لنا الخيرة في عدم قبوله، وتنفيذه.
ثانياً:
اعلمي أيتها الأخت السائلة أن الله تعالى أمركِ وزوجك أن تقوا أنفسكم ناره، وكذا أن تقوا أولادكم، فالأمر ليس بالهين، بل هو جد خطير، وليس زوجك المسئول وحده عن رعيته، بل وأنت كذلك مسئولة مثله.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/ 6.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) .
رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
واعلمي أن تربيتهم لا تكون بالقسوة الشديدة، ولا بالإهمال.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة: ما هي الطريقة الناجحة للأبوين في تربية أولادهما؟
فأجابوا: " الطريقة الناجحة في تربية الأولاد هي: الطريقة الوسط، التي لا إفراط فيها، ولا تفريط، فلا يكون فيها عنف وشدة، ولا يكون فيها إهمال ولا مبالاة، فيربي الأب أولاده، ويعلمهم، ويوجههم، ويرشدهم للأخلاق الفاضلة، والآداب الحسنة، وينهاهم عن كل خلق ذميم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 290 , 291) .
ثالثاً:
اعلمي أن الشرع الحكيم يأمركم أن تعلموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع سنين، ويأمركم أن تفرقوا بينهم في المضاجع وهم أبناء عشر سنين، وهذا من أجل تنشئتهم خير تنشئة، ومن أجل صلاحهم في مستقبل الأيام، وهم وإن كانوا غير مكلفين – لأنهم دون البلوغ – إلا أن هذا لا يمنع أن يؤمر أولياؤهم، وأهليهم بما فيه صلاحهم، فالأمر هنا لكم لا لهم، والأمر هنا فيه خير لهم ولكم.
ومثل هذا تنشئتهم على حسن المعاملة، وحسن الخلق عموماً، وعلى الحياء، والعفاف، خصوصاً، ويدخل في ذلك الأمر لهم بحفظ العورة، وعدم لبس الضيِّق والقصير من الثياب، فهو من جهة فيه تربية لهم على الحياء والعفاف، ومن جهة أخرى فيه منع لتأجيج الشهوة والتفطين للسوء عند من يراهم، سواء من أهل بيتهم، أو من غيرهم من أقربائهم – مثلاً -، ولا يمكن للشريعة المطهرة أن تأمركم بالتفريق بينهم في المضاجع ثم تجيز لكم تمكينهم من لبس القصير والضيِّق طوال استيقاظهم! فتفطني لعلة الأمر، وكوني حذرة أن تتسببي في فتنة وفساد لا يكفيه ماء البحر دموعاً، ولا الفضاء الرحب أسىً وحسرةً.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: كثيراً ما نرى في مجالس النساء: الفتيان، والفتيات الصغار، ذوي السبع سنوات، أو نحوها، وهم يرتدون الملابس القصيرة، أو الضيقة، أو بقصات غريبة، أو قصات للفتيات الصغيرات تشبه قصات الأطفال الذكور، فإذا تكلمنا مع الأم ونصحناها: احتجت بأنهم مازالوا صغاراً، فنرجو من فضيلتكم التكرم بالبيان الشافي لقضية لباس الأطفال، وقص شعورهم، وبارك الله فيكم.
فأجاب: " من المعلوم أن الإنسان يتأثر بالشيء في صغره، ويبقى متأثراً به بعد الكبَر، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأمر الصبيان بالصلاة لسبع سنين، ونضربهم عليها لعشر؛ ليتعودوا، والطفل على ما اعتاد، فإذا اعتادت الطفلة الصغيرة أن تلبس القصير الذي يصل إلى الركبة، والقصير الذي يصل إلى العضد أو الكتف: ذهب عنها الحياء، واستساغت هذه الملابس بعد كبرها، كذلك بالنسبة للشعر، فالمرأة لا بد أن يكون لها شعر يتميز عن شعر الرجال، فإن جعلت شعرها كشعر الرجال: فقد تشبهت بهم، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال.
وليُعلَم أن الأهل مسئولون عن هؤلاء الصبيان، وعن توجيههم، وتربيتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) فالحذر الحذر من الإهمال، وليكن الإنسان جادّاً في توجيه أبنائه، وبناته، حريصاً عليهم، حتى يصلحهم الله تبارك وتعالى، ويكونوا قرة عين له " انتهى.
" اللقاء الشهري " (66 / 10) .
رابعاً:
إذا تربَّت البنت منذ صغرها على الحياء والعفاف والستر: كانت هي الراغبة في العباءة والخمار حتى قبل بلوغها، وإذا كبرت ولم تلبس الساتر من الثياب، مع تقصير الأهل في صغرها: فإن عليهم مداومة النصح والإرشاد والتذكير، فإذا لم ينفع ذلك فليستعمل أسلوب الشدة قليلاً، ولتمنع من رغباتها، حتى لا يترك لها المجال لتصنع ما تشاء في هذا وفي غيره؛ لأنكم إن سكتم عن لباسها لأنها ترفض ليس العباءة، أو الساتر من الثياب: فإنها ستتجرأ على أشياء أخرى تفعلها، وهذا علامة على قرب غرق السفينة! حيث جعلت القرارات بيد الأطفال! ونؤكد على البداية باللين والرفق، وعدم اليأس من صلاحها، ولا تستعمل الشدة القاسية إلا حيث يرى ذلك قائد السفينة العاقل.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: إلى أي سن يجب على الفتاة أن تلبس الحجاب، وهل يجب أن نفرضه على التلميذات، ولو كرهن ذلك؟ .
فأجابوا: " إذا بلغت البنت: وجب عليها أن تلبس ما يستر عورتها، ومنها: الوجه، والرأس، والكفان، سواء كانت تلميذة أم لا، وعلى ولي أمرها أن يلزمها بذلك لو كرهت، وينبغي له أن يمرنها على ذلك قبل البلوغ حتى تتعوده، ويكون من السهل عليها الامتثال.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 219 , 220) .
فكوني خير معين لزوجك على طاعة الله وتربية أولادكم، واحذري من مجاراة أعداء الإسلام في وصف التمسك بالشرع بالتشدد، وما يقصِّر به زوجك في خاصة نفسه: انصحيه، وعظيه، وخوفيه بالله رب العالمين، ولا تجعلي تقصيره مسوِّغاً لتقصير أولادكم، واستعيني بالله ربكم على أداء الأمانة على أكمل وجهها، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه رضاه.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (10016) كيف يربي أبناءه على الصلاح.
وفي جواب السؤال رقم: (10211) بينَّا الطريقة الصحيحة لتعليم الصغار ودعوتهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/29)
حكم مشاهدة قناة " سبيس تون " وما فيها من أفلام كرتونية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مشاهده أفلام الكرتون التي تبث في قناة " سبيس تون " Speace toon على سبيل المثال: " كابتن ماجد " و " توم وجيري " (القط والفار) سواء للصغار أو الكبار؟ . وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه القناة تشتمل على منكرات كثيرة، وفيها مفاسد متعددة، ويبدأ تضليلها للمسلمين من اسمها " الإنجليزي "، ثم يبدأون بعدها ببث منكراتهم وفسادهم في عقول الصغار والكبار، ولذا لا يحل لولي أمرٍ أن يمكِّن أولاده من مشاهدتها؛ لما لها من تأثير سيء على عقائد من يشاهدها، وعلى سلوكهم، ومن المفاسد والمنكرات التي فيها:
1. الرسم باليد.
2. الموسيقى.
3. العري واللبس الفاضح، كألبسة اللاعبين، والمصارعين، والسابحين، والإناث عموماً.
4. العشق، والحب، والجريمة، وغيرها من معاني وأخلاق السوء والشر.
أ. قال الأستاذ نزار محمد عثمان: إن من أكثر الموضوعات تناولاً في الرسوم المتحركة: الموضوعات المتعلقة بالعنف والجريمة، ذلك أنها توفر عنصري الإثارة والتشويق اللَّذَيْن يضمنا نجاح الرسوم المتحركة في سوق التوزيع، ومن ثم يرفع أرباح القائمين عليها، غير أن مشاهد العنف والجريمة لا تشد الأطفال فحسب، بل تروّعهم، " إلا أنهم يعتادون عليها تدريجيّاً، ومن ثم يأخذون في الاستمتاع بها وتقليدها، ويؤثر ذلك على نفسياتهم، واتجاهاتهم التي تبدأ في الظهور بوضوح في سلوكهم حتى في سن الطفولة، الأمر الذي يزداد استحواذاً عليهم عندما يصبح لهم نفوذ في الأسرة والمجتمع " ... .
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: " فقصص " توم وجيري " تبدو بريئة، ولكنها تحوي دائماً صراعاً بين الذكاء والغباء، أما الخير والشر: فلا مكان لهما، وهذا انعكاس لمنظومة قيمية كامنة وراء المنتج، وكل المنتجات الحضارية تجسد التحيز ".
من مقاله " الرسوم المتحركة وأثرها على تنشئة الأطفال ".
ب. وفي موسوعته عن " اليهودية " قال الدكتور عبد الوهاب المسيري – أيضاً -:
أثبتت إحدى الدراسات أن أفلام " توم وجيري " هي أكبر آلية نقل فكرة حسم المشاكل عن طريق العنف للأطفال.
انتهى
ج. وقد جاء في أفلام كرتونية مشهورة أنهم جعلوا السارق، والملاحِق للنساء، والمتحرش بهنَّ رجلاً ضخماً له لحية! ، ومن المعلوم أن اللحية شعار المسلمين، ولا يخفى وجه جعلهم الشر متجسداً في هذه الصورة.
د. وفي الفيلم الكرتوني " كابتن ماجد " – والذي جاء ذِكره في السؤال - يصوَّر حضور الفتيات للمباريات، وما فيه من تشجيع للاعبين، ويصاحب ذلك الرقص، والصراخ، والمعانقة بين الذكور والإناث حال تسجيل الهدف، وتجد الفتاة تلاحق لاعبها المفضل عندها، وتقدم له هدية تعبيراً عن محبتها، ويقبِّلها ذلك اللاعب! .
فماذا يمكن أن يتعلم من هذا فتياننا وفتياتنا؟! إنها الوقاحة، وقلة الأدب، والعشق، والحب، وجعل قدوة لها من اللاعبين تحبه وتتعلق به، وهكذا تُغرس المعاني الفاسدة في أذهانهم، وتتحول إلى واقع عملي في سلوكهم.
5. الخطر على العقيدة، ويتمثل ذلك في تلك الرسوم في صور كثيرة، منها:
أ. تصوير الرب تعالى – عياذاً بالله – في صورة بشعة في السماء يحكم بين المتخاصمين، وهذا موجود في بعض حلقات " توم وجيري " الواردة في السؤال.
ب. تصوير الرب في صورة بشعة أيضاً، ينظر بمنظار في الأرض كلها من السماء! وينزل لنصرة المظلوم! ويستطيع التحكم بالأمطار، والرياح، والبراكين! ، وهذا في حلقات " ميكي ماوس "، وجعله " فأراً " وفي السماء لا يخفى على عاقل سبب فعلهم هذا.
ج. قال الأستاذ نزار محمد عثمان: " وللتدليل على ذلك: نذكر مثال الرسوم المتحركة الشهيرة التي تحمل اسم " آل سيمسونز The Simpsons لصاحبها مات قرونينق Matt Groening، الذي صرّح أنه يريد أن ينقل أفكاره عبر أعماله بطريقة تجعل الناس يتقبلونها، وشرع في بث مفاهيم خطيرة كثيرة في هذه الرسوم المتحركة منها: رفض الخضوع لسلطة الوالدين، أو الحكومة، الأخلاق السيئة والعصيان هما الطريق للحصول على مركز مرموق، أما الجهل فجميل، والمعرفة ليست كذلك، بيد أن أخطر ما قدمه هو تلك الحلقة التي ظهر فيها الأب في العائلة Homer Simpson وقد أخذته مجموعة تسمي نفسها " قاطعي الأحجار "!! عندما انضم لهم الأب، وجد أحد الأعضاء علامة في الأب رافقته منذ ميلاده، هذه العلامة جعلت المجموعة تقدسه، وتعلن أنه الفرد المختار، ولأجل ما امتلكه من قوة ومجد: بدأ Homer Simpson يظن نفسه أنه الرب حتى قال: " من يتساءل أن هناك ربّاً، الآن أنا أدرك أن هناك ربّاً، وأنه أنا!! " ".
من مقاله " الرسوم المتحركة وأثرها على تنشئة الأطفال ".
6. السخرية من العرب والمسلمين.
قال الأستاذ نزار محمد عثمان: " ومثال ذلك: بعض حلقات برنامج الرسوم المتحركة المعروف باسم " سكوبي دو " " Scobby Doo "، والمملوك لـ William Hanna و Joseph Barbera اللَّذين طبّقت شهرتهما الآفاق بعد نجاح رسومهما المتحركة " توم أند جيري "، في إحدى الحلقات " يفاخر ساحر عربي مسلم عندما يرى سكوبي بقوله: " هذا ما كنت أنتظره تماماً، شخصٌ أمارس سحري الأسود عليه "، ويبدي الساحر المسلم رغبته في تحويل سكوبي إلى قرد، لكن السحر ينقلب على الساحر ويتحول الساحر نفسه إلى قرد، ويضحك سكوبي وهو يتحدث مع نفسه قائلاً: " لا بد أن ذلك الساحر المشوش ندم على تصرفاته العابثة معنا "، ومرة أخرى في حلقة سكوبي دو تقوم مومياء مصرية بمطاردة سكوبي ورفاقه، ويرتابون في أن المومياء نفسها حولت صديقهم الدكتور نسيب - العربي المسلم - إلى حَجر، وفي النهاية يستميل سكوبي المومياء ويلقي بها في إحدى شباك كرة السلة، ولكن عندما يكشف النقاب عن المومياء يجد أنها - لدهشة سكوبي - لم تكن مومياء بل الدكتور نسيب نفسه الذي أراد سرقة قطعة عملة ثمينة من سكوبي متنكراً في زي مومياء، أي: أن سكوبي يريد إنقاذ مسلم يود سرقته، لقد بلغ المسلم هذا الحد من الرداءة " ".
من مقاله " الرسوم المتحركة وأثرها على تنشئة الأطفال ".
قال علماء اللجنة الدائمة:
لا يجوز بيع ولا شراء ولا استعمال أفلام الكرتون؛ لما تشتمل عليه من الصورة المحرمة، وتربية الأطفال تكون بالطرق الشرعية، من التعليم، والتأديب، والأمر بالصلاة، والرعاية الكريمة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " 2 (1 / 323) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
لا يخفى عليكم حفظكم الله تأثير أفلام الكرتون وما تسمى بالأفلام المتحركة على أخلاق النشء وخاصة في العقيدة، ولكن إذا وجد - وخاصة في هذا الوقت - ما يسمى جهاز وأشرطة الأتاري فهل تكون هذه الأشرطة عوضاً وبدلاً عن أفلام الكرتون؟ .
فأجاب:
نحن يُذكر لنا هذا كثيراً بأن أفلام الكرتون التي تنشر في التلفاز أنها مضرة، وربما تكون مضرة في العقيدة، ولكن هل رأيت أو سمعت عن شيء محدد بحيث نعرف هل ينافي العقيدة أو لا؟ ... .
طيب: إذاً لا يجوز أن نمكِّن أولادنا من بنين وبنات في مشاهدة هذا الكرتون ما دام أنه يغير العقيدة، كيف نجعلهم يشاهدونها؟! .
" لقاءات الباب المفتوح " (71 / السؤال رقم 2) .
ونرجو النظر في جواب السؤال رقم: (71170) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/30)
كشف عورته أمام أولاده ليعلمهم كيفية حلق العانة!
[السُّؤَالُ]
ـ[لديّ سؤال أود أن أوجهه إليكم، أخرج أب عضوه التناسلي وشرح لأبنائه بعد بلوغهم كيفية حلق شعر العانة وقال إن ما فعله مستحب في الإسلام، فهل ذلك صحيح؟ أم أن ما فعله ذلك الأب حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما فعله الأب من كشف عورته أمام أبنائه، حرام، لأنه يجب على الإنسان ستر عورته إلا عن زوجته أو ما ملكت يمينه، كما يحرم عليه أن ينظر إلى عورة غيره، ولا يباح شيء من ذلك إلا للضرورة أو الحاجة الشديدة كالمداواة، وتعليم الأبناء كيفية حلق العانة لا يعتبر ضرورة أو حاجة تبيح كشف العورة؛ إذ يمكن تعليمهم بالوصف والكلام دون كشف، كما يمكن إرشادهم إلى إزالة الشعر بأنواع المزيلات الأخرى.
وقد وردت النصوص الصحيحة الصريحة بتحريم اطلاع الرجل على عورة الرجل، والمرأة على عورة المرأة، وقد أجمع العلماء على هذا التحريم.
فعَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ) رواه مسلم (338) .
وروى الترمذي (2794) وأبو داود (4017) وابن ماجه (1920) عن بَهْز بْن حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْتُ: (يَا نَبِيَّ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَاهَا، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْظُر الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل , وَلَا الْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة) فيه تَحْرِيم نَظَر الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل , وَالْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة , وَهَذَا لَا خِلَاف فِيهِ. وَكَذَلِكَ نَظَر الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة، وَالْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الرَّجُل حَرَام بِالْإِجْمَاعِ , وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَظَرِ الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل عَلَى نَظَرِهِ إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة وَذَلِكَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى , وَهَذَا التَّحْرِيم فِي حَقّ غَيْر الْأَزْوَاج وَالسَّادَة , أَمَّا الزَّوْجَانِ فَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا النَّظَر إِلَى عَوْرَة صَاحِبه جَمِيعهَا " انتهى.
فيجب على هذا الأب أن يتوب إلى الله تعالى ويندم على ما فعل ويعزم على عدم العودة إلى ذلك، ويربي أولاده على الحياء وحسن الخلق، ويترك تلك الأعمال المشينة التي تدل على قلة الحياء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/31)
تزوج نصرانية ورزق بمولود وتريد تعميده في الكنيسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم سني متزوج من مسيحية وأعيش في لبنان وهي تعيش في بلدها وقد رزقنا الله بطفل يعيش الآن مع أمه ويبلغ من العمر شهرين، وقد طلبت مني أن يكون طفلنا مسيحيًا وترغب في الذهاب به إلى الكنيسة لتعميده، فماذا أفعل؟ وماذا أقول لها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للمسلم أن يتزوج من النصرانية، إذا كانت عفيفة، لقول الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) المائدة/5.
ومع ذلك فلا ينصح بالزواج من الكتابية في هذا الزمن، لما ينطوي عليه من مخاطر كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بتربية الأولاد.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " فإذا كانت الكتابية معروفة بالعفة والبعد عن وسائل الفواحش جاز؛ لأن الله أباح ذلك وأحل لنا نساءهم وطعامهم.
لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن وقد يسبّب ذلك تنصر أولاده، فالخطر كبير، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها، ولأنها لا تؤمن في نفسها في الغالب من الوقوع في الفاحشة، وأن تعلّق عليه أولادا من غيره ... لكن إن احتاج إلى ذلك فلا بأس حتى يعف بها فرجه ويغض بها بصره، ويجتهد في دعوتها إلى الإسلام، والحذر من شرها وأن تجره هي إلى الكفر أو تجر الأولاد " انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/172) .
ومنه تعلم أن تنصير الأولاد من أكبر المحاذير التي يخشى أن تترتب على الزواج من النصرانية. ولا شك أنه لا يجوز لك السماح بذلك بحال من الأحوال، وكان عليك أن توضح لها قبل الزواج أن أولادك مسلمون ولا يمكن تنصيرهم، وأن هذه مسألة لا تقبل النقاش أو المساومة.
والواجب عليك الآن أن تحفظ دين ولدك، وأن تحول دون تنصيره، وإذا كانت الزوجة مصرة على ذلك فإنه ليس أمامك إلا أن تلزمها بالبقاء معك في بلدك، أو تستبقي الابن فقط، ولو أدى ذلك إلى فراقها وطلاقها، فإن الأمر عظيم، والمسألة كبيرة، فهي مسألة كفر وإيمان، نعوذ بالله من الخذلان.
واعلم أن تعميد الولد لا يعني أنه يصير نصرانيا بالفعل، بل هو مسلم يتبع دين أبيه المسلم، ولا يصير نصرانيا حتى يعقل النصرانية ويختارها بنفسه، وأما تعميده فلا اختيار له فيه، ولا يؤثر على دينه الذي فطره الله عليه وهو الإسلام.
فابذل كل وسيلة لتحافظ على هذا الابن، وتحول دون تلقينه تعاليم النصرانية، واعلم أنك مسؤول عنه، وأن أعظم التفريط والخيانة لهذه الأمانة أن تتركه يكفر بالله عز وجل.
نسأل الله تعالى أن يحفظك وذريتك، وأن يصرف عنكم السوء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/32)
كيف يتصرف الأهل مع الولد العاصي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يدعي بعض الآباء أن دورهم ينتهي عند تبيين الحلال والحرام لأطفالهم، وعلى أطفالهم (13 - 18 سنة) عندئذ الاختيار، فهل على الآباء منع الحرام بكل الطرق أم عليهم فقط التوضيح؟ وإلى أي حد يجب على الآباء منع أبنائهم من ارتكاب ما هو حرام؟ . ويظن بعض الآباء أنه بوصول الطفل لسن البلوغ تنتهي مسئوليتهم عنهم، ويكون الابن حينها مسئولاً عما اكتسب من ذنوب وآثام، ولا شيء عليهم أن يبينوا لأبنائهم ما هو حرام وفعله الأبناء، فهل هذا صحيح؟ أم أن على الآباء مسئولية لا تنتهي عن أبنائهم، وعن منعهم من فعل الحرام حتى لو كان بعد النصح والتبيين؟ . جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذكرنا في أجوبة عديدة، المسؤلية الكبيرة الملقاة على عاتق الآباء تجاه أبنائهم، وأنها ليست فقط في البيان والتعليم، وإنما هي بالتأديب والتربية، والرعاية والعناية، بشتى الوسائل الممكنة للوالدين.
انظر أجوبة الأسئلة رقم (10016) ، (20064) ، (103526) .
فإذا قدِّر أن كان أحدٌ من الأولاد – ذكوراً أو إناثاً – على خلاف الشرع في تطبيق الأوامر، أو فعل النواهي، وكان عاصياً لوالديه فيما يأمرانه به من الشرائع والأخلاق: فإن على الوالدين بذل مزيد من الجهد في هدايته، بالترغيب تارة، وبالترهيب أخرى، وبسلوك سبيل النصح له بتكليم من يثقون به من الأساتذة، أو الأقرباء ليشاركوهم في توجييهم ونصحهم، كما ينبغي لهما المداومة على الدعاء لهذا العاصي بالهداية، وعدم الملل من ذلك.
سئل علماء اللجنة:
" أفيدكم أنني طاعن في السن، ولي ولدان (توءم) ، ويدرسان في الصف الثالث المتوسط، وأرغب أن يكونا مستقيمين، ويذهبا معي إلى المسجد لأداء الصلاة، إلا أنهما أحيانا يرفضان ذلك، وأطلب الدعاء لهما، وما هي الطريقة التي يمكن استخدامها لإصلاحهما؟ علماً أنني أبلغت إدارة المدرسة عن هذا الموضوع، حفظكم الله، ورعاكم.
فأجابوا:
نوصيك بالاستمرار في مناصحة أبنائك، وعدم اليأس، وأن تستعمل الطرق النافعة في تربيتهم وتوجيههم، فتارة بالترغيب، وتارة بالترهيب، وغرس محبة الله ورسوله في قلوبهم، وإبعادهم عن جلساء السوء، وترغيبهم في مجالسة الصالحين، وتحذيرهم من وسائل الإعلام المفسدة، وقبل ذلك وبعده كثرة اللجوء إلى الله سبحانه بالدعاء بصلاحهم واستقامتهم، وهذا مما مدح الله به عباده الصالحين فقال جل وعلا: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان/ 74.
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 288) .
وكما ترين فإن ما ذكره العلماء الأفاضل واضح بيِّن في أنه يجب العناية بالأولاد وتربيتهم وتعليمهم، ونهيهم عن المنكر، وعد تمكينهم من فعله، وأن هذا ليس من التشدد في شيء، وأنه يجب التلطف مع العاصي منهم، وبذل السبل المتعددة في توجيهه ونصحه وإرشاده، ولو بلغت معاصيه ما بلغت؛ فإنه جزء من الأسرة لا يمكن التخلي عنه بسهولة.
ثانيا:
متى تنتهي مسئولية الأهل عن أولادهم؟
فرَّق العلماء بين ولاية الابن والابنة، وقال جمهورهم باستمرار ولاية أهلها، ووجوب العناية بها حتى بعد بلوغها، وبعد زواجها.
وفي " الموسوعة الفقهية " (8 / 204، 205) :
عند الحنفيّة: تنتهي ولاية الأب على الأنثى إذا كانت مسنّةً، واجتمع لها رأي، فتسكن حيث أحبّت حيث لا خوف عليها، وإن ثيّباً لا يضمّها إلاّ إذا لم تكن مأمونةً على نفسها، فللأب والجدّ الضّمّ، لا لغيرهما كما في الابتداء.
وتنتهي ولاية الأب على الغلام إذا بلغ وعقل واستغنى برأيه، إلاّ إذا لم يكن مأموناً على نفسه، بأن يكون مفسداً مخوفاً عليه، فللأب ولاية ضمّه إليه لدفع فتنةٍ أو عارٍ، وتأديبه إذا وقع منه شيء.
وعند المالكيّة: تنتهي الولاية على النّفس بالنّسبة للصّغير ببلوغه الطّبيعيّ، وهو بلوغ النّكاح، فيذهب حيث شاء، ولكن إذا كان يخشى عليه الفساد لجماله مثلاً، أو كما إذا كان يصطحب الأشرار وتعوّد معهم أخلاقاً فاسدةً، يبقى حتّى تستقيم أخلاقه.
وإذا بلغ الذّكر رشيداً ذهب حيث يشاء، لانقطاع الحجر عنه بالنّسبة لذاته، وإذا بلغ الذّكر - ولو زمناً أو مجنوناً - سقطت عنه حضانة الأمّ على المشهور.
وبالنّسبة للأنثى، فتستمرّ الحضانة عليها والولاية على النّفس حتّى تتزوّج، ويدخل بها الزّوج.
وعند الشّافعيّة: تنتهي الولاية على الصّغير - ذكراً كان أو أنثى - بمجرّد بلوغه.
وعند الحنابلة: لا تثبت الحضانة إلاّ على الطّفل أو المعتوه، فأمّا البالغ الرّشيد فلا حضانة عليه، فإن كان رجلاً فله الانفراد بنفسه لاستغنائه عن أبويه، وإن كانت أنثى لم يكن لها الانفراد، ولأبيها منعها منه، لأنّه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها، ويلحق العار بها وبأهلها، وإن لم يكن لها أب فلوليّها وأهلها منعها من ذلك.
انتهى
هذه أقوال المذاهب في وقت انتهاء مسئولية الأهل عن أولادهم، وقد ميزنا الموقف من الابن الذكر عن الابنة الأنثى، لبيان الفرق بينهما، وكلمة العلماء تكاد تكون متفقة على أن مسئولية الأهل على ابنتهم تستمر حتى لو بلغت، ومنهم من جعل زواجها نهاية تلك المسئولية؛ وذلك من أجل وجود مسئول آخر عنها، ومنهم من اشترط كونها في مكانٍ آمن لا خوف عليها فيه، وتفريقهم بين الذكر والأنثى واضح بيِّن، والقاسم المشترك بين الذكر والأنثى: أنه إن كان لا تُؤمن أخلاقهم إذا انفردوا، أو كان يُخشى عليهم من الصحبة الفاسدة، أو عدم حسن التصرف: فإن مسئولية الأهل تبقى متصلة، غير منقطعة، ولو وصلوا سن البلوغ.
وفي " فتاوى نور على الدرب " قال الشيخ العثيمين – رحمه الله -:
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد جعل الرجل راعياً في بيته، وأخبر أنه مسئولٌ عن رعيته، ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم هذا بسنٍّ دون سن، فما دام الرجل قادراً على رعاية بيته: فإن الواجب عليه رعايته، وهو مسئولٌ عن أهله.
انتهى
ثالثاًً:
هل يُسكت عن فعل الأولاد للمعاصي في البيت؟
وما يفعله الأولاد من منكرات في البيت: فإنه لا يُسكت عليه، بل يُنصح فاعله، ويُوجَّه لفعل الخير، ولا ينبغي للوالدين أن يعينا فاعل ذلك المنكر على فعله، كأن يعطوه من المال ما يشتري به ذلك المحرَّم، ولا أن يمكناه من فعله، ولهما السكوت عنه وعدم التصرف العملي حيال فاعله بالطرد: في حال أن يكون تصرفهما يسبب مفاسد أكثر وأكبر من تلك المعصية، فقد يسكت الوالدان على سماع الموسيقى، أو النظر المحرَّم، ويكون ذلك خشية التصرف العملي بالطرد والضرب الذي يؤدي إلى الإكثار من تلك المعاصي خارج نطاق البيت والأسرة، ومن المعلوم أنه من يُطرد من بيته فإنه سيتمكن من فعل ما لا يستطيع فعله في البيت، فتزداد المفاسد والمشكلات التي يسببها ذلك الولد العاصي العاق.
بل حتى لو لم يصل الأمر إلى الطرد والقطيعة أو الهجر، فإن كثيرا من الأبناء، إذا حرم من مشاهدة التلفاز، أو سماع الأغاني في البيت، ولم يكن قد هدى الله قلبه، وشرح صدره للالتزام بذلك، فإنه يتحيل إلى قضاء شهوته، وإشباع رغبته مع رفقة السوء، أو في أي مكان خارج البيت خارج البيت، وهنا يخلو له الجو بلا رقيب على تصرفاته، وهو أمر يوشك أن يفتح عليه أبوابا مضاعفة من الفساد.
فحينئذ؛ إذا عجز الوالد عن تقويم ولده، ومنعه من هذه المنكرات المعتادة في التلفاز وغيره، فإن المصلحة تقتضي أن يتغافل عن بعض ذلك من ولده، اتقاء لشر أكبر منه، يتوقع حصوله متى منع من ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
فإنَّ الأمرَ والنَّهيَ وإن كان مُتضمِّناً لتحصيلِ مصلحةٍ ودفعِ مَفْسدةٍ: فيُنظرُ في المُعَارضِ له، فإن كان الذي يَفُوتُ من المصالحِ أو يحصلُ من المَفاسدِ أكثر: لم يكن مأموراً به، بل يكون مُحرَّماً إذا كانت مفْسَدتُه أكثرُ من مصلحتِه.
" مجموع الفتاوى " (28 / 129) .
وقد طبَّق شيخ الإسلام هذا الأمر عمليّاً، فقد قال:
مررتُ أنا وبعضُ أصحابي في زمنِ التتارِ بقومٍ منهم يشربون الخمرَ، فأنكرَ عليهم من كان معي، فأنكرتُ عليه، وقلتُ له: إنَّما حرَّمَ الله الخمرَ لأنَّها تصدُّ عن ذكرِ الله والصَّلاةِ، وهؤلاء يصدُّهم الخمرُ عن قتلِ النَّفُوسِ، وسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ، وأخذِ الأموالِ فدعهم.
نقله عنه ابن القيم في " إعلام الموقعين " (3 / 5) .
وهكذا يقال في حال الأبناء والبنات، فإن طردهم خارج البيت لا شك أنه سيسبب فعلاً للمنكر أزيد مما كان عليه، وأشنع من الذي قبله، حيث تتوفر فرص فعل تلك المنكرات بعيداً عن رقابة البيت وأهله، فعلى الآباء تقدير هذا الأمر وإلا كانت خسارتهم فادحة.
رابعا:
أما بخصوص طرد المخالف منهم للشرع: فينبغي التنبه لأمرين اثنين:
الأول: التفريق بين الذكر والأنثى.
والثاني: طبيعة المخالفة وحجمها.
فليس كل معصية تستحق المفاصلة، وينبغي معرفة أن المعاصي منها ما هو من الكبائر، ومنها ما هو من الصغائر، وأن الكبائر درجات، وأن بعض المعاصي منها ما يتعدى فاعلها لغيره من الناس، ومنها ما لا يتعدى.
كما أنه ثمة فرقا بين كون الواقع في هذه المعاصي الابن الذكر، أو الابنة الأنثى، والذي ينبغي على الوالدين التنبه له وعدم إغفاله: أنه إن بلغ الشر بالابن ما بلغ، وتعدى شره، ووصل لدرجة لم تُعد تطاق: فإنه يمكن لهما طرده من البيت حفاظاً على باقي الأسرة، وذلك بعد استنفاد كافة الوسائل لهدايته وتقويم أمره، وأن الابنة الأنثى لا ينبغي طردها تحت أي ظرف من الظروف، ومهما بلغت معاصيها؛ فهي عرضهم، ويجب عليهم الحفاظ عليه، وحمايته من الذئاب البشرية التي تنتظر مثل هذه الفرائس.
والخلاصة في هذه النقطة:
أنه قد يصل الأمر في بعض الأحوال لأن يُطرد الابن من المنزل، ويقدَّر ذلك بحسب المصلحة والمفسدة، وأن الأنثى لا تُطرد مهما بلغت معاصيها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/33)
التعريف بالخالق بشكل سهل
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نساعد الطفل في التعرف على ربه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يُعرّف الطفل بالله بطريقة مناسبة، مع إدراكه ومستواه، فيُعلم بأن الله واحد لا شريك له ويعلم بأنه الخالق لكل شيء فهو خالق الأرض والسماء والناس والحيوانات والأشجار والأنهار وغيرها، ويمكن أن يستغل المربي بعض المواقف فيسأل الطفل في نزهة في بستان أو في البرية عن خالق الماء والأنهار وما حوله من مظاهر الطبيعية ليلفت نظره إلى عظمة الخالق سبحانه وتعالى فقد يكون الأب أو الأم أو المربي بصفة عامة مع طفل أو مجموعة من الأطفال في سيارة في سفر أو رحلة وقت غروب الشمس، وهي تتوارى عن الأنظار تدريجياً فما على المربي حينئذٍ إلا أن يلفت نظر من معه إلى قدرة الله عز وجل في ذلك.
كما يوجه الطفل لإدراك فضل الله عليه وما أسبغه عليه من نعمة الصحة والعافية فيقال له مثلاً من الذي أعطاك السمع والبصر والعقل؟ من الذي أعطاك القوة والقدرة على الحركة، وهكذا. ويُحث أيضاً على محبة الله وشكره على هذه النعم وهذا الفضل، إن تحبيب الطفل إلى الله وما يحبه الله أمر جيد وله مردوده التربوي عاجلاً أو آجلاً بإذنه تعالى.
فتحت الأم الشباك من غرفة منزلهم في الدور الثاني للتهوية وإذا بطفلها يأتي مسرعاً ويقفل الشباك، وعندما سألته أمه لماذا هذا التصرف قال: إني رأيت الدش في أحد سطوح المنازل المجاورة لنا، وأردف قائلاً، إني لا أريد أن انظر إلى شيء لا يحبه ربي ...
قد يسأل الطفل عن ربه، هل يأكل هل ينام؟ وعند ذلك لابد من إجابته بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأنه لا تأخذه سنة ولا نوم، وأن الله ليس مثلنا بحاجة إلى النوم والطعام والشراب.
إن تسهيل هذه المعاني للطفل وتوضيحها له بشكل مناسب لسنه، وتعظيم الله في قلبه مما يساعد على مراقبته لربه في السر والعلانية.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أمهات قرب أبنائهن ص 26.(10/34)
أختها لا تصلي ولا تحسن التصرف
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل لأختي الصغرى، فهي لا تصلي ودائماً تكذب وتتشاجر، وجميع من في البيت سئم من تصرفاتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لك تواصلك معنا، ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا.
أما حال أختك فهو حال كثير من الشباب في هذا الزمان نسأل الله لنا ولهم الهداية، وواجبنا نحوهم - فيما يظهر - كما يلي:
أولا: ينبغي التوجه إلى الله بطلب الهداية لهم، فهو مقلب القلوب، ولربما دعوة خرجت من القلب تكون سببا في سعادتها في الدنيا والآخرة.
ثانيا: ينبغي ترك التعامل معها على أنها صغيرة، أو أنها لا تدرك مصلحتها فالإنسان – لاسيما في سن المراهقة – يحب ممن حوله أن يشعروه بأهميته، ولا يحب أن يعامله الناس على أنه لا يزال صغيراً.
ثالثا: محاولة ربطها بفتيات صالحات، وإبعادها عن صديقاتها الغير صالحات، حتى لو استدعى ذلك مثلاً نقلها من المدرسة التي تدرس بها، وينبغي أن يكون ذلك بحيث لاتنتبه هي؛ لأنها ربما تتصرف تصرفا عناديا يزيد من المشكلة.
رابعا: ينبغي أن لا تكون نظرتكم لها هي نظرة التضايق فقط، بل ينبغي إظهار الفرح بما تفعله من الأشياء الطيبة وتقديم الهدايا لها إذا فعلت أمرا طيبا.
خامسا: يمكنكم مناصحتها من خلال شخص تحبه كمدرستها أو صديقة لها أو غير ذلك.
سادسا: احرصوا على محاولة إيصال الشريط أو الكتاب الذي فيه موعظة بطريق غير مباشر، كوضعه قريبا منها أو الاستماع للشريط في السيارة في حال ركوبها.
وأما كونها لا تصلي فهذا أمر في غاية الخطورة، فمنزلة الصلاة في الإسلام بمنزلة العمود الذي يقوم عليه البناء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الترمذي (2621) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2113) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم (82) .
فالواجب عليكم مناصحتها ووعظها وحملها على الاستقامة، لتجمعوا في ذلك بين أسلوبي الترغيب والترهيب، واللين والشدة، فإن احتاج الأمر إلى الشدة أحياناً فلا بأس من استعمالها.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع) رواه أبو داود (495) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (466) .
وهذه الشدة والقسوة إنما هي لمصلحتها.
قال الشاعر:
قسا ليزدجروا ومن يك راحماً فليقسُ أحياناً على من يرحمُ
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/35)
الأذكار والطفل المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نعلم أطفالنا أذكار اليوم والليلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يلقن الطفل في الثالثة والرابعة أذكار الصباح والمساء والنوم والطعام والشراب، وسماع الطفل للأذكار، وحفظه لها وممارستها، ربط وثيق لروحه بالله عز وجل، فتنمو روحه وتسلم فطرته من الانحراف.
ذهبت إحدى الأسر للتنزه في البر، وعندما نزلت الأسرة ذهب الطفل مسرعاً يجري في البر فرحاً مسروراً وإذا به يعود مسرعاً سائلاً والدته: ما هو الذكر الذي يقال في هذا المكان؟
وكما هو معلوم فإن الذكر المقصود ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: قالت خولة بنت حكيم رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك " رواه مسلم.
إن هذا الطفل أحس أن المسلم له أذكار معينة بعضها خاص بالزمان وبعضها خاص بالمكان وهكذا، وقد أدرك هذا الطفل حقيقة العلاقة بربه وأنها دائمة مستمرة مما تعوده من والديه، وإذا تربى الطفل على ذلك كان صالحاً بإذن الله، وكان له أثر على أقرانه ومن لهم به صلة ,
ومن القصص حول نشأة الطفل على الذكر والصلة بالله: أنه في أحد الأيام جاء الطفل الصغير البالغ من العمر أربع سنوات إلى أمه بلباس جديد وقد ألبسته إياه أخته البالغة من العمر ثلاثة عشر سنة فقالت له أمه دعني أقول لك دعاء لبس الجديد فقال الطفل لقد قلته، فتعجبت الأم لأنها تعلم أن الطفل لا يحفظ هذا الدعاء، قال الطفل لأمه قالت أختي الدعاء ورددته معها، فلننظر إلى أن صلاح هذه الفتاة كان له أثر حتى على إخوتها الصغار.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أمهات قرب أبنائهن ص 25.(10/36)
التعامل مع خوف الطفل
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي طفل يخاف من كل شيء حتى من ظله ولا أعرف هل طريقة تربيتي خاطئة وكيف أعلمه الشجاعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يرى المختصون بعلم نفس الأطفال أن الطفل في السنة الأولى قد يبدي علامات الخوف عند حدوث ضجة مفاجئة، أو سقوط شيء بشكل مفاجئ، أو ما شابه ذلك، ويخاف الطفل من الأشخاص الغرباء اعتباراً من الشهر السادس تقريباً، وأما الطفل في سنته الثالثة فإنه يخاف أشياء كثيرة مثل الحيوانات، والسيارات، والمنحدرات، والمياه، وما شابه هذا.
وبوجه عام فإن الإناث إظهاراً للخوف من الذكور، كما تختلف شدته تبعاً لشدة تخيل الطفل، فكلما كان أكثر تخيلاً كان أكثر تخوفاً.
ولازدياد الخوف لدى الطفل عوامل وأسباب، منها:
- تخويف الأم للطفل بالأشباح، أو الغول، أو العسكري، أو الظلام، أو العفريت، أو المخلوقات الغريبة ... الخ.
- دلال الوالدين المفرط، وقلقهما الزائد، وتحسسهما الشديد.
- تربية الطفل على العزلة، والإنطوائية، والاحتماء بجدران المنزل.
- سرد القصص الخيالية التي تتصل بالجن، والعفاريت.. إلى غير ذلك من الأسباب.
- وقد يبدي الطفل استعداداً قوياً لالتقاط مخاوف والديه عن طريق العلم بالمشاهدة، وهذه المخاوف التي تكتسب عن هذا الطريق تمتاز بطول بقائها، لذا كان للقدوة الحسنة دور كبير في تربية الطفل على عدم الخوف، والقدوة المطلوبة هنا هي القدوة الشجاعة في كل المواقف على اختلافها، وعدم الخوف من الحيوانات التي لا تضر، ومن الأفراد – وإن علت مكانتهم – في الحق بالطبع، وعدم الخوف عموماً بدون داع.
ولعلاج ظاهرة الخوف عند الطفل كان على الوالدين مراعاة عدة أمور منها:
- تنشئته منذ نعومة أظفاره على الإيمان بالله، وعبادته، واللجوء إليه في كل ما ينوب ويروع.
- إعطاؤه حرية التصرف، وتحمل المسؤولية، وممارسة الأمور على قدر نموها.
- عدم تخويفه ولا سيما عند البكاء بالغول والضبع والحرامي والجني والعفريت.. إلى غير ذلك، وذلك يدخل في عموم الخيرية: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) أخرجه مسلم رقم 2664
- تمكينه منذ أن يعقل من الخلطة العملية مع الآخرين، وإتاحة المجال له للالتقاء بهم والتعرف عليهم ليشعر من قرارة نفسه ووجدانه أنه محل عطف ومحبة واحترام مع كل من يجتمع به، ويتعرف عليه.
ومما ينصح به علماء النفس والتربية: أن تتاح الفرصة للطفل للتعرف على الشيء الذي يخيفه، فإذا كان يخاف الظلام فلا بأس بأن يُداعب بإطفاء النور ثم إشعاله، وإن كان يخاف الماء فلا بأس بأن يسمح له بأن يلعب بقليل من الماء في إناء صغير ... وهكذا.
- تلقينه مواقف السلف البطولية، وتأديبه على التخلق بأخلاق الصحابيات، ليتطبع على الشجاعة، والبطولة.
أما إذا كان الخوف عند الطفلة قلقاً، فسببه يرجع إلى مجموعة من عوامل متداخلة، عالجتها السنة النبوية بشيء من الروية، ومن هذه العوامل:
- تكليف الطفل ما لا يستطيع أداءه، في حين يقول صلى الله عليه وسلم: (من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا) أخرجه أبو داود رقم 4943، والترمذي رقم 1921 وفي صحيح الجامع للألباني 5444
- عدم إشباع حاجته للنجاح، في حين ورد عن علي رضي الله عنه أنه قال: (ما سمعت رسول الله يفدي أحداً غير سد، سمعته يقول: (ارم فداك أبي وأمي) أظنه يوم أحد) أخرجه البخاري رقم 6184، ومسلم رقم 2411. وفي ذلك توجيه للآباء إلى تشجيع أولادهم على أي مستوى أداء يحققونه تحفيزاً لهم على مزيد من الاهتمام.
- الإسراف في العقاب البدني، والقسوة في المعاملة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من يُحرم الرفق يُحرم الخير كله) أخرجه مسلم، رقم 2292.
- الظروف المعيشية الصعبة التي تدفع الوالدين لصبِّ غضبهم على أولادهم. كعدم التوافق بين الزوجين، أو عمل الأم، أو عدم الرضا عن العمل في حين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) أخرجه البخاري برقم 6116.
ونشير ختاماً أنه ليس معنى هذا ألا يخاف الطفل مطلقاً، فالخوف لا بد منه في بعض الأمور، لأنه يحفظ بقاء الطفل، فعليه أن يخاف من الله، وإيذاء الناس، وارتكاب الجرائم ... الخ، وليكن خوفاً طبيعياً سوياً لا مبالغة فيه ولا تهاون.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب تنشئة الفتاة المسلمة ص 159 تأليف حنان عطية الطوري الجهني.(10/37)
بعض الأحكام الخاصة بالبالغين
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أخ عمره 15 سنة وأريد منكم أن تكتب له رسالة وتفهمه الأحكام الشرعية التي تتعلق بهذه الفترة من عمره من حيث البلوغ والطهارة والاحتلام وغيره من أمور الرجال وكل شيء يتعلق بسنه لأني أشك أنه فاهم وأخاف أن تكون صلاته بغير طهارة، وكذلك بعض النصائح له وأرجو منكم الدعاء بأن يسخر الله له الصديق النافع وجزاكم خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي أخاك وجميع شباب المسلمين، وأن يلهمهم رشدهم ويشرح صدورهم وييسر أمورهم.
مرحلة المراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته كلها، حيث إن للإنسان فيها تغيرات جسمية وعقلية وعاطفية وجنسية، والشيطان حريص على إغوائه في هذه المرحلة بصورة كبيرة.
ومن خلال اطلاعنا على ما قاله المختصون في التربية في هذا الجانب وجدناهم ينصحون بما يلي:
- الحرص على ربط الفتى بصحبة صالحة، فإن صحبة الصالحين تغري بالصلاح، والصاحب ساحب، وكما قيل:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
فليبحث عن الشباب المستقيم المتمسك بالدين لينخرط فيهم، ويعبد الله معهم، ويشهد معهم صلاة الجماعة، ويطلب معهم العلم النافع.
نسأل الله تعالى أن يوفق أخاك للصحبة الصالحة التي تعينه على الخير وتحضه عليه.
-الحرص على شغل وقته بالنافع والمفيد من أمور الدين والدنيا، ولا يترك فارغا فإنه من أعظم المفسدات في هذه المرحلة، كإشراكه في أي نشاط جماعيٍ هادفٍ حولكم، حيث يستُفيد ويفيد.
- المبادرة والإسراع بتزويجه إذا تيسر ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (5066) ومسلم (3464) .
- كثرة الدعاء له بالخير والتوفيق والسداد.
- حثه على فعل الطاعات، والبعد عن المحرمات والمشتبهات والمكروهات.
- عدم تمكينه من استخدام الوسائل الحديثة المتاحة بطريقة غير صحيحة، وإبعاده عنها إلا فيما لابد منه، فلا يسمح له مثلا بتصفح الإنترنت في مكان معزول عن أهل البيت، كغرفة مغلقة، والوسيلة في ذلك أن يوضع الجهاز في مكان عام في البيت بحيث لا ينفرد الولد بمشاهدة ما لا يحسن مشاهدته.
هذه بعض التوجيهات المفيدة في هذا الجانب.
أما عن الواجبات الشرعية التي تجب على من بلغ الحلم، فلا يمكن ذكرها بالتفصيل في فتوى أو جواب، لكننا نشير إلى أهم تلك الواجبات ثم نحيل السائل إلى بعض الكتب التي يمكنه أن يستفيد منها في هذا المجال فنقول:
أولاً: يثبت بالبلوغ في حق البالغ الالتزام بجميع أحكام الشرع، وذلك بفعل المأمورات واجتناب المنهيات، فيجب عليه فعل الصلاة وصيام رمضان وإيتاء الزكاة إن كان من أهلها، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا.
وبما أن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة؛ فالواجب على من بلغ سن التكليف أن يتعلم أحكامها كذلك، وذلك لقول الله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) قَالَ رَجُلٌ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. رواه البخاري (135) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ) رواه مسلم (557) .
وقد مضى بيان صفة الوضوء في السؤال رقم (11497) ، وكذلك أحكام الغسل من الجنابة في السؤال رقم (10790) ورقم (2648) .
أما نواقض الوضوء فيراجع فيها السؤال رقم (14321) ورقم (11591) .
ومما يطرأ على المرء بالبلوغ نبات الشعر الخشن حول العانة وتحت الإبطين، ومما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما: نتف الإبط وحلق العانة، وقد مضى بيان ذلك في السؤال رقم (26266) ورقم (9037) ورقم (1177) .
ثانياً: إذا وجب على المكلف شيئا؛ وجب عليه تعلم أحكامه، لأنه لا يمكن للمرء أن يمتثل أمراً إلا بعد فهمه ومعرفة أحكامه.
قال القرافي في "أنوار البروق" (2/148) : "حكى الغزالي الإجماع في إحياء علوم الدين والشافعي في رسالته حكاه أيضا في أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه , فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع , ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله تعالى في الإجارة ومن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في القراض , ومن صلى وجب عليه أيتعلم حكم الله تعالى في تلك الصلاة وكذلك الطهارة وجميع الأقوال والأعمال فمن تعلم وعمل بمقتضى ما علم أطاع الله تعالى طاعتين , ومن لم يعلم ولم يعمل فقد عصى الله معصيتين , ومن علم ولم يعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله تعالى طاعة وعصاه معصية " انتهى.
وتعلم التكاليف الشرعية سهل ميسور لمن يسره الله له، فليجتهد الإنسان في تعلم العلم النافع، والعمل به، وليسأل ربه التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/38)
أجر تربية ثلاث بنات للأب أو للأم
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن وسقاهن وكساهن كن له حجابا من النار) هل يكن حجابا من النار لوالدهن فقط أم حتى الأم شريكة في ذلك؟ وأنا عندي وله الحمد ثلاث بنات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث عام للأب والأم بقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان له ابنتان فأحسن إليهما كن له سترا من النار) وهكذا لو كان له أخوات أو عمات أو خالات أو نحوهن فأحسن إليهن فإنا نرجو له بذلك الجنة، فإنه متى أحسن إليهن فإنه بذلك يستحق الأجر العظيم ويحجب من النار ويحال بينه وبين النار لعمله الطيب.
وهذا يختص بالمسلمين، فالمسلم إذا عمل هذه الخيرات ابتغاء وجه الله يكون قد تسبب في نجاته من النار، والنجاة من النار والدخول في الجنة لها أسباب كثيرة، فينبغي للمؤمن أن يستكثر منها، والإسلام نفسه هو الأصل الوحيد وهو السبب الأساسي لدخول الجنة والنجاة من النار.
وهناك أعمال إذا عملها المسلم دخل بهن الجنة ونجا من النار، مثل من رزق بنات أو أخوات فأحسن إليهن كن له سترا من النار، وهكذا من مات له ثلاثة أفراط لم يبلغوا الحنث كانوا له حجابا من النار، قالوا يا رسول الله: واثنان. قال: (واثنان) ولم يسألوه عن الواحد، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقول الله عز وجل ما لعبدي المؤمن جزاء إذا أخذت صفيه من أهل الدنيا فاحتسب إلا الجنة) فبين سبحانه وتعالى أن ليس للعبد المؤمن عنده جزاء إذا أخذ صفيه - أي محبوبه - من أهل الدنيا فصبر واحتسب إلا الجنة، فالواحد من أفراطنا يدخل في هذا الحديث إذا أخذه الله وقبضه إليه فصبر أبوه أو أمه أو كلاهما واحتسبا فلهما الجنة وهذا فضل من الله عظيم وهكذا الزوج والزوجة وسائر الأقرباء والأصدقاء إذا صبروا واحتسبوا دخلوا في هذا الحديث مع مراعاة سلامتهم مما قد يمنع ذلك من الموت على شيء من كبائر الذنوب، نسأل الله السلامة.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/375.(10/39)
ما هي الطريقة الصحيحة لتعليم الصغار ودعوتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطريقة التي أدعو بها إخوتي الصغار الصبيان سن عشر سنوات للالتزام حتى يشبوا ملتزمين، وما هو المنهج الذي اتبعه معهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
ننصحك بتعليمهم القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، وما فيها من أخلاق الإسلام، من البر والصلة والصدق والأمانة وغيرها، وتعاهدهم في المحافظة على الصلوات في الجماعة، وكذلك آداب الإسلام في الأكل والشرب والحديث وغيرها، فإن هم شبوا على هذه الأخلاق والآداب العظيمة اهتدوا واستقاموا بإذن الله، ونبتوا نباتاً حسناً، فنفعوا أنفسهم ونفعوا أمتهم، ولك في ذلك الأجر العظيم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 261 - 262.(10/40)
كيف يربي أبناءه على الصلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أجد صعوبة في تربية أبنائي وإصلاحهم , وفي أغلب الأحيان فأنا أغضب وأضربهم. أرجو أن تنصحني في هذا الخصوص، وأن تدلني على كتب مفيدة تتناول هذا الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تربية الأولاد من الواجبات المطلوبة من الأبوين، أمر الله تعالى بها في القرآن وأمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} التحريم / 6.
يقول الإمام الطبري في تفسير هذه الآية:
يقول تعالى ذكره يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله {قوا أنفسكم} يقول: علموا بعضكم بعضا ما تقون به من تعلمونه النار وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة الله واعملوا بطاعة الله. وقوله {وأهليكم ناراً} يقول: وعلموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يقون به أنفسهم من النار.
" تفسير الطبري " (28 / 165) .
وقال القرطبي:
قال مقاتل: ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه، قال إلكيا: فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما لا يستغني عنه من الأدب وهو قوله تعالى: {وأْمُر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} ، ونحو قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {وأنذر عشيرتك الأقربين} ، وفي الحديث: " مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع ".
" تفسير القرطبي " (18 / 196) .
والمسلم - أي مسلم – داعية إلى الله تعالى، فليكن أولى الناس بدعوته أولاده وأهله من الذين يلونه، فالله تعالى عندما كلف الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة قال له: {وأنذر عشيرتك الأقربين} الشعراء / 214، لأنهم أولى الناس بخيره ورحمته وبره.
وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم مسؤولية رعاية الأولاد على الوالدين وطالبهم بذلك:
عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته ".
رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
ومن واجبك أن تنشئهم من الصغر على حب الله ورسوله وحب تعاليم الإسلام وتخبرهم أن لله ناراً وجنة، وأن ناره حامية وقودها الناس والحجارة، وإليك هذه القصة ففيها عبرة:
قال ابن الجوزي:
كان ملِك كثيرَ المال، وكانت له ابنة لم يكن له ولد غيرها، وكان يحبها حبّاً شديداً، وكان يلهيها بصنوف اللهو، فمكث كذلك زماناً، وكان إلى جانب الملك عابدٌ، فبينا هو ذات ليلة يقرأ إذ رفع صوته وهو يقول {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} فسمعت الجارية قراءته، فقالت لجواريها: كفوا، فلم يكفوا، وجعل العابد يردد الآية والجارية تقول لهم: كفوا، فلم يكفوا، فوضعت يدها في جيبها فشقت ثيابها، فانطلقوا إلى أبيها فأخبروه بالقصة، فأقبل إليها، فقال: يا حبيبتي ما حالك منذ الليلة؟ ما يبكيك؟ وضمها إليه، فقالت: أسألك بالله يا أبت، لله عز وجل دار فيها نار وقودها الناس والحجارة؟ قال: نعم، قالت: وما يمنعك يا أبت أن تخبرني، والله لا أكلتُ طيِّباً، ولا نمتُ على ليِّنٍ حتى أعلم أين منزلي في الجنة أو النار.
" صفوة الصفوة " (4 / 437-438) .
وينبغي عليك أن تبعدهم عن مراتع الفجور والضياع وألا تتركهم يتربون بالسبل الخبيثة من التلفاز وغيره ثم بعد ذلك تطالبهم بالصلاح، فإن الذي يزرع الشوك لا يحصد العنب، ويكون ذلك في الصغر ليسهل عليهم في الكبر وتتعوده أنفسهم ويسهل عليك أمرهم ونهيهم ويسهل عليهم طاعتك.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " مروا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ".
رواه أبو داود (495) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (5868) .
ولكن ينبغي على المؤدب أن يكون رحيماً حليماً سهلاً قريباً غير فاحش ولا متفحش يجادل بالتي هي أحسن بعيداً عن الشتائم والتوبيخ والضرب، إلا أن يكون الولد ممن نشز عن الطاعة واستعلى على أمر أبيه وترك المأمور وقارف المحظور فعندئذٍ يفضَّل أن يستعمل معه الشدة من غير ضرر.
قال المناوي:
لأن يؤدب الرجل ولده عندما يبلغ من السن والعقل مبلغاً يحتمل ذلك بأن ينشئه على أخلاق صلحاء المؤمنين ويصونه عن مخالطة المفسدين ويعلمه القرآن والأدب ولسان العرب ويسمعه السنن وأقاويل السلف ويعلمه من أحكام الدين ما لا غنى عنه ويهدده ثم يضربه على نحو الصلاة وغير ذلك: خير له من أن يتصدق بصاع؛ لأنه إذا أدبه صارت أفعاله من صدقاته الجارية، وصدقة الصاع ينقطع ثوابها، وهذا يدوم بدوام الولد والأدب غذاء النفوس وتربيتها للآخرة {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} التحريم / 6.
فوقايتك نفسك وولدك منها أن تعظها وتزجرها بورودها النار وتقيم أودهم بأنواع التأديب فمن الأدب الموعظة والوعيد والتهديد والضرب والحبس والعطية والنوال والبر فتأديب النفس الزكية الكريمة غير تأديب النفس الكريهة اللئيمة.
" فيض القدير " (5 / 257) .
والضرب وسيلة لاستقامة الولد، لا أنه مرادٌ لذاته، بل يصار إليه حال عنت الولد وعصيانه.
والشرع جعل نظام العقوبة في الإسلام وذلك في الإسلام كثير كحد الزاني والسارق والقاذف وغير ذلك، وكلها شرعت لاستقامة حال الناس وكف شرهم.
وفي مثل هذا جاءت الوصية عن الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً الأب ردع الولد:
عن ابن عباس عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه أدب لهم ".
رواه الطبراني (10 / 248) .
والحديث: حسّن إسنادَه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8 / 106) .
وقال الألباني في صحيح الجامع (4022) : حسن.
فتربية الأولاد تكون ما بين الترغيب والترهيب، وأهم ذلك كله إصلاح البيئة التي يعيش بها الأولاد بتوفير أسباب الهداية لهم وذلك بالتزام المربيين المسؤولين وهما الأبوان.
ومن الطرق التي ينجح المربي بها في تربية أولاده استخدام جهاز المسجل لسماع المواعظ وأشرطة القرآن وخطب ودروس العلماء حيث هي كثيرة.
أما الكتب التي سألت عنها والتي يمكن الرجوع إليها في تربية الأولاد فنوصيك بما يلي:
تربية الأطفال في رحاب الإسلام.
تأليف: محمد حامد الناصر، وخولة عبد القادر درويش.
كيف يربي المسلم ولدَه.
تأليف: محمد سعيد المولوي.
تربية الأبناء في الإسلام.
تأليف: محمد جميل زينو.
كيف نربي أطفالنا.
تأليف: محمود مهدي الإستانبولي.
مسئولية الأب المسلم في تربية الولد
تأليف: عدنان با حارث
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/41)
هل يترك ابنته لمطلقته المرتدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الأفضل لي، أن أتخلى عن تربية ابنتي البالغة من العمر عاماً واحداً، والتي لم أنجح حتى الآن في أن أجعل منها طفلة مسلمة. لقد طلقت والدتها لأنها مرتدة عن الدين، وقد بينت (والدتها) معارضتها للمحاولات التي بذلتها لتربية ابنتي على الإسلام أثناء الفترة التي سمحت مطلقتي وسمح نظام المحكمة الكافر في أمريكا لي أثناءها بإبقاء ابنتي معي أسبوعياً، والتي تمتد من يوم إلى 3 أيام؛ أم أن الأفضل لي أن أترك كل ذلك، كما فعل بعض الإخوة عندما تعرضوا لظروف مشابهة، وأهاجر إلى بلد إسلامية وأطلب العلم هناك، وأترك ابنتي لتواجه مستقبل ضياع غالباً بين يدي نظام كافر لتربية الأطفال؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أنصحك أن تحرص على تربية ابنتك وأن لا تتخلى عنها أبداً، فإنك مسؤول عنها يوم القيامة (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ، وأمر آخر وهو أن لك مثل أجرها إذا اهتدت وعملت صالحاً بسبب تربيتك، وكيف تترك فلذة كبدك لمن يهديها إلى عذاب السعير، قال تعالى عن الكفار: (أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه) سورة البقرة، فاحرص على ابنتك، وسيعينك الله تعالى، وييسر أمرك، وفقك الله تعالى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(10/42)
دور الآباء تجاه أبنائهم، في وسط مجتمع لا يساعد على التربية؟!!
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك ظاهرة شائعة بين الشباب في الغرب، ألا وهي أن الآباء يتركون أبناءهم يفعلون بعض الأشياء الحرام ظانين أن ذلك يحميهم من السقوط فيما هو أشد، مثال ذلك: أن الآباء يقولون: إنهم يتركون أبناءهم يستمعون إلى الموسيقى بدلاً من خروجهم ومخالطتهم أصحاب السوء، أو تركهم للمنزل بالكلية، ويخشى الآباء من تطبيق شرع الله في بيوتهم خشية فرار أبنائهم، فما رأي الإسلام في ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يختلف نجاح وفشل المسلم في تربية أولاده تبعاً لاختلاف اعتبارات كثيرة، ومما لا شك فيه أن للبيئة التي يسكنون فيها دور كبير في نجاح تلك التربية وفشلها.
يرجى مراجعة إجابة السؤال رقم (52893) .
ثانياً:
يجب أن يعلم الوالدان أن الله تعالى قد استرعاهم رعية، ووجب عليهم أداء الأمانة كما أمرهم الله تعالى بذلك في محكم التنزيل، وجاءت السنَّة النبوية مؤكدة لهذا الأمر في كثير من الأحاديث الصحيحة، كما جاءت نصوص الوحي بالوعيد لمن لم يحط رعيته بنصح، ولمن فرَّط في الأمانة التي ائتمنه الله عليها.
عن مَعْقِلِ بْنِ يسار المُزنيِّ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّةَ) .
وفي رواية: (فَلَمْ يَحُطْها بِنَصِيحَةٍ إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) رواه البخاري (6731) ومسلم (142) .
وانظر جواب السؤال رقم (20064) .
ثالثاً:
قد أمر الله تعالى أولياء أمور الأولاد بتربيتهم منذ صغرهم على الطاعة، ومحبة الدِّين، وهم وإن لم يكونوا مكلفين بسبب عدم بلوغهم: لكنه لا يُنتظر البلوغ لتوجيه النصح والإرشاد والأمر بالطاعة؛ لأن الغالب على هذا السن أنه لا يستجيب أصحابه إلا أن يكونوا على تربوا على ذلك وتعلموه من أهلهم في صغرهم، ومن هنا جاء الأمر للأولياء بتعليم الأولاد الصغار الصلاة منذ سن السابعة، وبالضرب عليها في سن العاشرة، وكان الصحابة يصوِّمون أولادهم الصغار؛ تعويداً لهم على محبة الدين، وشرائعه، ليسهل عليهم تنفيذ الأوامر والابتعاد عن النواهي عند الكبَر.
عن عبد الله بن عمرو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ) .
أبو داود (495) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِى حَوْلَ الْمَدِينَةِ: (مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ) ، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ.
رواه البخاري (1960) ومسلم (1136) .
وكما يربونهم على فعل الطاعات: فإنهم يمنعنونهم من المحرمات، وفعل الولد للطاعة إنما يكون أجرها له ولمن علّمه وشجعه عليها، وأما فعل المعصية: فإن الصغير لا يأثم، وإنما يأثم من مكَّنه منها، وترك بابها مفتوحا أمامه ولم يغلقه، وأما من دله عليها، فهذا كمن فعل!!
ولذا فإنه ليس من التشدد في شيء أن يربي المسلم أولاده على الطاعة، وأن يمنعهم من فعل المحرمات، كلبس الذكر للذهب، أو الحرير، أو لبس الأنثى لثياب الذكور، أو الكذب، والسرقة، والشتم، وغيرها من المعاصي، كما أنه ليس من التشدد أن يربي المسلم ابنته على الحياء، والعفاف، وعدم الاختلاط؛ لأنه من شبَّ على شيء يُخشى عليه الاستمرار عليه.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
والصبي وإن لم يكن مكلفاً: فوليُّه مكلَّف، لا يحل له تمكينه من المحرَّم , فإنه يعتاده، ويعسر فطامه عنه.
" تحفة المودود بأحكام المولود " (ص 162) .
وقال - رحمه الله -:
فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنُنه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً.
" تحفة الودود " (ص 229) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
بالنسبة لأولادي الصغار: هل تعليمهم آداب الإسلام، وإلزام البنات منهم الصغار بالملابس الإسلامية، هل يعتبر ذلك تشدداً؟ وإذا كان فعْلي هذا صحيحاً: فما الدليل عليه من الكتاب والسنَّة؟ .
فأجابوا:
ما ذكرتيه من إلزام البنات بالملابس الواسعة والساترة، وتعودهن على ذلك من الصغر: هذا ليس من التشدد، بل أنتِ على حق في تربيتهم التربية الإسلامية.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 285، 286) .
وفي كتابه " مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة " قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
يقول أهل العلم: إنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم إلباسه الكبير، وما كان فيه صور: فإلباسه الكبير حرام، فيكون إلباسه الصغير حراماً أيضاً، وهو كذلك.
والذي ينبغي للمسلمين أن يقاطعوا مثل هذه الثياب، والأحذية حتى لا يدخل علينا أهل الشر والفساد من هذه النواحي، وهي إذا قوطعت فلن يجدوا سبيلا إلي إيصالها إلي هذه البلاد وتهوين أمرها بينهم.
وسئل – بعدها -:
هل يجوز لبس الأطفال الذكور مما يخص الإناث كالذهب والحرير أو غيره والعكس؟ .
فأجاب:
هذه مفهومة من الجواب الأول، قلت: إن العلماء يقولون إنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم إلباسه البالغ، وعلى هذا فيحرم إلباس الأطفال من الذكور ما يختص بالإناث وكذلك العكس.
وسئل – بعدها -:
هل يدخل تحت هذا إسبال الثياب للأطفال الذكور؟ .
فأجاب:
نعم يدخل. انتهى
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/43)
هل يلزمه إيقاظ أولاده الذين بلغوا سبع سنين لصلاة الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي بنت عمرها سبع سنوات وهي تصلي ولله الحمد، هل يجب علي إيقاظها لصلاة الفجر؟ مع العلم أن هذا قد نَفَّرها من الصلاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأب راع في بيته وهو مسئول عن رعيته، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه أن يربي أبناءه وينشّئهم على أداء الواجبات وترك المحرمات، ومن ذلك: أمرهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين؛ لما روى أبو داود (495) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وينبغي أن يتلطف الأب في أمر أولاده الصغار بالصلاة، وأن يشجعهم على أدائها بالثناء والهدية والمكافأة، حتى يعتادوا عليها ويحبوها.
ولك أن تؤخر إيقاظ ابنتك إلى قرب طلوع الشمس، مع ترغيبها في النوم المبكر ليسهل عليها القيام.
ولا حرج عليك إذا تركت إيقاظها في الأيام التي ترى أنه يشق عليها الاستيقاظ فيها، لكونها ـ مثلا ـ قد نامت متأخرة، أو لشدة البرد، ونحو ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لي ولد عمره حوالي تسع سنوات هل أوقظه لصلاة الفجر؟
فأجاب: "نعم، إذا كان للإنسان أولاد ذكور أو إناث بلغوا عشر سنين فليوقظهم، وما دون ذلك إن أيقظهم ليصلوا في الوقت فهذا هو الأفضل، وإلا فلا إثم عليه، ولكن الاختيار أن يوقظهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم للصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل أيضا: ابني يبلغ من العمر ثمان سنوات، هل أوقظه لصلاة الفجر؟ وإذا لم يصل هل أنا آثم؟
فأجاب: "الظاهر أن هذا يُنظر: إذا كان مثلاً في أيام الشتاء وأيام البرد والمشقة فلا بأس أن يُترك وإذا قام، يقال له: صل. وأما إذا كان الجو معتدلاً ولا ضرر عليه في الإقامة فأقمه حتى يعتاد ويصلي مع الناس، ويوجد والحمد لله الآن صبيان صغار ما بين السابعة إلى العاشرة نراهم يأتون مع آبائهم في صلاة الفجر، فإذا اعتاد الصبي على ذلك من أول عمره صار في هذا خير كثير، أما مع المشقة فإنه لا يجب عليك أن توقظهم، لكن إذا استيقظوا مرهم بالصلاة " انتهى من "اللقاء الشهري" (40/18) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/44)
يريد أن يمنح ولده لأخته التي لا تنجب لتربيته
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي لا تنجب، وقد بلغت 40 عاما، فهل يجوز لي أن أمنحها أحد أبنائي الذكور، مع الاحتفاظ بنسبته لي من حيث الاسم والمواريث والحقوق الأخرى، فقط تربيه مع زوجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يكرمك بالثواب الجزيل على صلتك لأختك وبرك بها، ونسأله عز وجل أن يكتب لك الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.
ثم نعلمك أخانا الفاضل بأن المحظور والمحرم في أمر الأنساب والأولاد هو نسبة الولد إلى غير أبيه، واعتبار ذلك النسب الكاذب موجبا للأحكام الشرعية الأخرى من ميراث ونكاح وحقوق.
وبما أنك تنوي تجنب هذا المحذور، فلا حرج عليك فيما دونه إن شاء الله تعالى، فإذا رغبت أختك في تربية ولدك وإبقائه عندها ليملأ عليها وحشتها، ويعوضها ما حُرمته من نعمة الولد، فذلك أمر جائز إن شاء الله، بل لك فيه الأجر والثواب عند الله.
ومن المعلوم أنه قد شرع التبني في أول الإسلام، ثم جاءت النصوص المحكمة في تحريمه، آمرة بنسبة الأولاد لآبائهم، ومحرِّمة أن ينسب أحدٌ لغير أبيه، وليس ذلك قطعاً للمودة والإخاء والعناية والرعاية.
وقد ذكر علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أمر التبني وتحريمه في الشرع المطهَّر، ثم قالوا:
" تبيِّن مما تقدم: أن القضاء على التبني ليس معناه القضاء على المعاني الإنسانية، والحقوق الإسلامية، من الإخاء، والوداد، والصلات، والإحسان، وكل ما يتصل بمعالي الأمور، ويوحي بفعل المعروف:
أ. فللإنسان أن ينادي مَن هو أصغر منه سنّاً بقوله: " يا بُني "، على سبيل التلطف معه، والعطف عليه، وإشعاره بالحنان؛ ليأنس به، ويسمع نصيحته، أو يقضي له حاجته، وله أن يدعو من هو أكبر منه سنّاً بقوله: " يا أبي "؛ تكريماً له، واستعطافاً، لينال برَّه، ونصحه، وليكون عوناً له، وليسود الأدب في المجتمع، وتقوى الروابط بين أفراده، وليحس الجميع بالأخوة الصادقة في الإنسانية، والدين.
ب. لقد حثت الشريعة على التعاون على البر والتقوى، وندبت الناس جميعاً إلى الوداد، والإحسان، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 2، وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) رواه أحمد ومسلم، وقال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
ومن ذلك: تولي اليتامى، والمساكين، والعجزة عن الكسب، ومن لا يعرف لهم آباء، بالقيام عليهم، وتربيتهم، والإحسان إليهم، حتى لا يكون في المجتمع بائس، ولا مهمل؛ خشية أن تصاب الأمة بغائلة سوء تربيته، أو تمرده، لما أحس به من قسوة المجتمع عليه وإهماله، وعلى الحكومات الإسلامية إنشاء دور للعجزة، واليتامى، واللقطاء، ومن لا عائل له، ومن في حكمهم، فإن لم يف بيت المال بحاجة أولئك: استعانت بالموسرين من الأمة، قال صلى الله عليه وسلم: (أيما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك ديْنا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه) رواه البخاري " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 357 - 359) .
ثانياً:
وننبهك إلى أمرين مهمين في هذا الشأن:
1. لا ينبغي لك تسمية هذا الفعل بـ " المنحة " أو " الهدية " أو " الهبة "، فأنت لا تملك نفسك التي بين جنبيك فضلا عن ولدك، والخلق كلهم خلق الله، وهم عبيده سبحانه، فلا يحق لأي مخلوق إهداء ما لا يملك، وفاقد الشيء لا يعطيه.
لذلك نرى لك ولأختك وأهلك استعمال لفظ " التربية " أو " العناية " لتكون عمة الولد هي مربيته والمعتنية به، وتكون أنت من دفع ابنه لأخته كي تعتني به وترعاه، وليس على وجه الهبة والهدية.
2. أننا لا نرى أن تنقطع عن ابنك انقطاعاً تامّاً، لتنساه وينساك ولا يطلبك، بل عليك ألا تحرمه حق الأبوة الذي له عليك من الاهتمام بشأنه والسؤال عنه، ليبقى حبل المودة الذي فطره الله في قلوب بني آدم متصلا على بعد السنين والمسافات؛ لأننا نخشى إن طال زمانُ انقطاعكم وبعدكم عن ولدكم أن يُحدث ذلك في نفسه من الأذى والألم ما لم يكن في الحسبان، وقد يتطور ذلك الشعور إلى قطيعة حقيقية أو اضطرابات نفسيه كنتم في غِنًى عنها، والمصاب الأول بها هو هذا الابن.
كما قد تصير الأمور إلى العكس، حين يبدأ الولد بالإدراك والتمييز، فيرغب في الرجوع إلى الوالدين وإكمال المشوار في كنفهما، مما يؤدي إلى الأذى البالغ لأختك التي ربته وتعلقت به وقضت سنوات طويلة في العناية به ورعايته، ثم فجأة تفقد هذا الأمل الذي عاش معها وعاشت معه فترة طويلة.
فإن غلب على ظنك حصول هذه الآثار، فلا ننصحك حينئذ بسلوك هذا الطريق، وإن كنا لا نملك أن نحرم ونمنع - حيث لا دليل على المنع - إلا أن مراعاة دواخل النفوس ومكامن الضعف ضروري لتجنب وقوع الأذى والضرر.
نسأل الله عالى لكم الخير والتوفيق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/45)
كيف تعرِّف أولادها الصغار على الإسلام وتحببهم به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد اعتنقت الإسلام - والحمد لله - ولدي ثلاثة أطفال، وأنحدر من أسرة مسيحية " تسامحت " في حقيقة كوني مسلمة. وسؤالي هو: كيف أطلع أطفالي على الإسلام، حيث يبلغ أحدهم من العمر 11 عاماً والآخر 8 أعوام في حين تبلغ الفتاة 5 أعوام دون أن أتسلط عليهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد لله الذي وفقك للدخول في دين الإسلام، ونسأله تعالى أن يثبتكِ، وأن يهدي أهلكِ للدخول في هذا الدين.
ونوصيكِ بعدم التهاون والكسل في هدايتهم وإرشادهم، بالتي هي أحسن، فلعل الله أن يفرح قلبك بدخولهم الإسلام، وتكتب لك مثل أجور أعمالهم.
ثانياً:
وقد أحسنتِ بالسؤال عن أولادك، وعن طريقة تربيتهم على الإسلام، وقد جعل الله تعالى على الوالدين مسؤولية عظيمة في تربية أولادهم.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا) . رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
قال ابن القيم - رحمه الله -:
" فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركَه سدًى: فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءَهم كباراً " انتهى.
" تحفة المودود " (ص 229) .
ثالثاً:
ومما ننصحك به في مجال تربية أولادك على التعرف على الإسلام ومحبته:
1. ربطهم باللغة العربية، وإدخال محبتها لقلوبهم؛ لأنها مفتاح مهم لفهم الإسلام ومحبته.
2. تعريفهم على أصدقاء في أعمارهم من جنسهم من المسلمين المحافظين على شعائر الإسلام، ومن الضروري أن يكون هؤلاء على خلق واستقامة؛ حتى يتأثر بهم أولادك، ويكونوا لهم قدوة في استقامتهم والتزامهم بالشرع وتعاملهم مع والديهم.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً) رواه البخاري (1995) ومسلم (2628) .
3. تعليق قلوب الذكور بالمسجد، وذلك بالحث على الصلاة، وحضور حلق العلم، وحبذا أن يكون مع ذلك تشجيع منك بالهدايا والجوائز كلما قطع واحد منهم شوطاً في تلك الحلَق.
ولا بأس أن تذهب معهم إلى المسجد لتحببهم في بيوت الله، والصلاة
وإن لم يتيسر لهم الذهاب للمسجد لبُعده، أو عدم أمن الطريق: فلا تفرطي في تعليمهم الصلاة في أوقاتها في المنزل، وقد أُمرتِ بتعليم من بلغ السابعة منهم بالصلاة أمراً لازماً، وما قبل هذا العمر فيعلَّم لكن ليس على وجه الإلزام.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أبو داود (495) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
4. إسماعهم القرآن الكريم بأصوات حسنة محببة للنفوس؛ حتى يكون للقرآن شأن عظيم في قلوبهم، وكتاب الله تعالى كتاب هدى ونور للناس، فهو ينير لهم طريقهم، ويثبتهم على الصراط المستقيم بإذن الله تعالى.
5. مشاهدة الأفلام الكرتونية ذات الصبغة الإسلامية؛ ليقارن بين ما يشاهده فيها ويسمعه منها، بما يكون في غيرها، وهنا يكون لكم دور مهم في تبيين الفروقات، وأن الإسلام يحث الناس على الخير والصلة والبر والرحمة، ويحذر من الشر والقطيعة والفساد والقسوة.
6. إطلاعهم على مواقع إسلامية نافعة لهم، وذلك بحسب أعمار كل واحد منهم، مع الحذر من فتح المجال لهم للدخول بحريتهم، بل يكون ذلك عن طريقك أنت.
7. ومما ينبغي لك التفكير به مليّاً وهو يعينك على ما تصبين إليه: الذهاب بهم لأداء مناسك العمرة، وزيارة بيت الله الحرام، وقد وُجد لهذه الزيارات أثر بالغ على نفوس الشباب، كما هو الحال للكبار.
8. تعليمهم مبادئ العقيدة بشكل ميسر يتناسب مع أعمارهم، وذلك مثل وحدانية الله تعالى، وأنه يسمعهم، ويبصرهم، وأنه يثيب من يحسن التصرف ويلتزم بأحكام الإسلام.
فلم يمنع صغر سن عبد الله بن عباس من أن يقول له صلى الله عليه وسلم كلمات بليغات في التوحيد والعقيدة، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) رواه الترمذي (2516) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وانظري – للأهمية - جواب السؤال رقم: (22175) .
9. إحضار القصص المناسبة لأعمارهم عن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام رضي الله عنهم، حتى يعلموا أنهم ينتسبون لخير دين، وخير نبي، وخير أمة.
وانظري – للأهمية -: جوابي السؤالين: (21215) و (22496) .
10. إدخالهم مدارس إسلامية، وتجنيبهم المدارس الفاسدة، ومن شأن المدارس الإسلامية العناية بهم اعتقاداً وسلوكاً، ويرجع اختيار أفضلها لكِ بحسب ما ترينه.
وانظري جواب السؤال رقم: (38284) .
ولا ينبغي لك الغفلة عن أمرين مهمين:
الأول: الدعاء بأن يصلحهم الله، ويهديهم، ويوفقهم، فدعاؤك سبب عظيم تفعلينه لإصلاحهم وهدايتهم، فلا تغفلي عنه، ولا تقللي من شأنه.
والثاني: أن تكوني أنتِ قدوة صالحة لهم في حسن تعاملهم معهم، ورحمتك بهم، ولا يكون ذلك من منطلق الأمومة فقط، بل ومن منطلق كونك مسلمة، ملتزمة بشرع الله تعالى.
ونسأل الله أن يوفقك لما تسعين له من خير، وأن يهدي أولادك لما يحب ويرضى.
وينظر – للاستزادة -: أجوبة الأسئلة: (10016) و (22150) و (4237) – مهم – و (22950) و (10211) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/46)
حكم الدعاء على الأولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تستجاب دعوة الوالد على ولده إذا كان الوالد على خطأ والولد على صواب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تستجاب دعوتهما ما دام أن الولد على حق والوالد على خطأ، فإن الله لا يستجيب دعوته، فإن العقوق من الولد لوالديه إذا كان لم يقم بواجبهما أو قصر في حقوقهما، أما مجرد أن الأب يأمر ولده أو ينهاه فيما لا مصلحة فيه، هذا لا يلزم الولد قبوله، كما لو قال الأب لابنه: طلق زوجتك بدون سبب فلا يلزم الابن ذلك استجابة لطلب أبيه أو أمه، فامتناعه عن هذا لا يسمى عقوقاً، ولو دعوا عليه فإنه لا يأثم ولا حرج إن شاء الله والله أعلم.
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله ص 30
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/47)
ابنته ترفض الحجاب وتهدد بإيذاء نفسها
[السُّؤَالُ]
ـ[عمر ابنتي 14 سنة وكانت قد ارتدت الحجاب منذ سنتين والآن قامت بخلعه وهي تهددنا بإيذاء نفسها في حال أرغمناها على ارتدائه مع العلم أنني ملتزمة وأبوها كذلك وقد سلكت معها أسلوب الحوار والإقناع دون جدوى]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يهدي ابنتك، ويصلح حالها، ويعيذها من شر نفسها ومن نزغات الشيطان، ولا شك أن ما ذكرت من خلعها الحجاب ورفضها له، من البلاء الكبير الذي يبتلى به المؤمن في ولده وفي أحب الناس إليه؛ وهو بلاء يحتاج إلى صبر، وحسن معالجة، نسأل الله أن يعينكما على ذلك.
ثانيا:
يجب على الأب أن يأمر ابنته بالحجاب، وأن يلزمها به في حال بلوغها، وأن يمنعها من الخروج من البيت بدونه؛ لأنه مسئول عن رعيته، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم/6، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.... وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) رواه البخاري (893) ومسلم (1829) .
وعلى الأب أن يشدد في ذلك، وأن لا يتهاون فيه، لأنه أمر بواجب، ومنع من معصية تتكرر بتكرر الخروج.
هذا هو الأصل الذي يجب العمل به، لكن إذا كانت البنت تهدد بإيذاء نفسها في حال إرغامها على الحجاب، أو منعها من الخروج بدونه، وكان هذا التهديد حقيقيا، بحيث يغلب على الظن أنها ستؤذي نفسها أذى بالغا، أو تفكر في الهرب من البيت وترك الأسرة، فحينئذ يكتفي الأبوان بالأمر والتوجيه والنصح، مع إحسان المعاملة، والترغيب في الصالحات، وتقوية الإيمان، وغرس محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم في قلب الفتاة، فلعل هذا يكون دافعا لها لارتداء الحجاب.
وينبغي إحاطة الفتاة ببعض الصديقات الصالحات، فإن أثر الصداقة قد يكون أقوى من تأثير الوالدين، كما ينبغي الاستعانة بمن يسدي لها النصح، من قريب أو عالم أو داعية، فقد تكون لديها شبهة، أو غفلة عن خطورة التبرج وإثمه، والحال أنها ستجمع بين منكرين عظيمين: عقوق الوالدين، وترك الحجاب.
ثم إننا نوصيكم بالدعاء لها، واختيار أوقات الإجابة، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/48)
مسؤولية الزوجة تجاه زوجته وأولاده
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة إلى الزوج، وهو: " راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته "، ما هو مستوى العلم والتدين الذي يجب أن يكون عليه؟ هل مثلاً إذا أتت الزوجة أو الأبناء أمراً منهيّاً عنه شرعاً يكون الزوج آثماً مستحقاً لعقاب الله لتضييعه الأمانة، وعدم نصحه لهم قبل أن يأتوه]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ولمعرفة مواصفات الزوج الصالح: ينظر جواب السؤال رقم: (5202) و (6942) .
ثانياً:
" والرجل راعٍ في بيته ومسئول عن رعيته " كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مسئول عن تعليم وتربية زوجته وأولاده، ومن قصَّر في هذا الأمر ووقعت زوجته أو أولاده في معصية: كان آثماً؛ لأنه السبب في عدم تربيتهم وتعليمهم، وإذا لم يكن مقصِّراً ووقع بعض أهله في المعصية لم يكن آثماً، لكن عليه أن يذكرهم ويعظهم بعد وقوعهم في المعصية ليتركوا ما وقعوا فيه من المخالفات الشرعية.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
يبدأ تعليم الأولاد عندما يبلغون سن التمييز، فيبدأ تعليمهم التربية الدينية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع) - رواه أبو داود وهو صحيح -، فإذا بلغ الطفل سن التمييز: فإنه حينئذ يؤمر والده بأن يعلِّمه وأن يربِّيه على الخير بأن يعلِّمه القرآن، وما تيسر من الأحاديث، ويعلمه الأحكام الشرعية التي تناسب سن هذا الطفل، بأن يعلمه كيف يتوضأ، وكيف يصلي، ويعلِّمه الأذكار عند النوم، وعند الاستيقاظ، وعند الأكل، والشرب؛ لأنه إذا بلغ سن التمييز: فإنه يعقل ما يؤمر به، وما ينهى عنه، وكذلك ينهاه عن الأمور غير المناسبة، ويبيِّن له أن هذه الأمور لا يجوز له فعلها، كالكذب، والنميمة، وغير ذلك، حتى يتربى على الخير، وعلى ترك الشر من الصغر، وهذا أمر مهم جدًّا، غفل عنه بعض الناس مع أولادهم.
إن كثيراً من الناس لا يهتمون بأمور أولادهم، ولا يوجهونهم الوجهة السليمة، ويتركونهم مهملين لا يؤمرون بالصلاة، ولا يوجهون إلى خير؛ بل ينشئون على جهل، وعلى أفعال غير حسنة، ويخالطون الأشرار، ويهيمون في الشوارع، ويهملون دروسهم؛ إلى غير ذلك من المضار التي ينشأ عليها كثير من شباب المسلمين بسبب إهمال آبائهم، وهم مسئولون عنهم؛ لأن الله حمَّلهم مسئولية أولادهم، قال صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع) ، وهذا أمر، وتكليف للآباء، فالذي لا يَأمر أبناءه بالصلاة: يكون قد عصى النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل محرَّماً، وترك واجباً عليه ألزمه به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) - رواه البخاري ومسلم -، بعض الآباء - وللأسف - مشغول بأمور دنياه، ولا يلتفت لأولاده، ولا يفرغ لهم شيئًا من وقته، وإنما جميع وقته مخصص لأمور الدنيا، وهذا خطر عظيم، كثر في بلاد المسلمين، ساءت بسببه تربية أولادهم، فأصبحوا لا يصلحون لدين ولا لدنيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 297، 298 السؤال رقم 421) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/49)
هل اللون والجمال ميزان للتفضيل في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في طرح سؤال يمثل مشكلة تشيع بين الكثيرين منا. كيف ينظر الله إلى الجمال الخلقي؟ وكيف يتناول الحديث والقرآن هذا الموضوع؟ فبعض الناس يفضلون بعض أبنائهم بسبب أن لون بشرتهم أفتح من اخوتهم الآخرين، أو لأن لون أعينهم يختلف عن الآخرين. فكيف ينظر القرآن إلى ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يعتبر الجمال الخَلقي معيار تفاضل في الإسلام بين الناس، وإنما المعيار الذي يقوم على أساسه التفاضل هو التقوى قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13
ولذلك جاءت الشريعة بتصحيح أساس التعامل الذي يقوم على الأشكال والمظاهر مغفلاً التعامل الذي شرعه الله عز وجل وهو التقوى، والأحاديث في ذلك كثيرة، ومنها:
ما جاء في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُم ْ) رواه مسلم (البر والصلة/4651)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ.... كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَنِلْتُ مِنْهَا فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي أَسَابَبْتَ فُلَانًا قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ... الحديث) رواه البخاري (الأدب/5590) ومسلم (الأيمان / 3140) ، وفي رواية: فقلت له: يا ابن السوداء. وقوله عليه الصلاة والسلام: فيك جاهليًّة أي خصلة من خصال الجاهلية.
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ.
قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا) رواه البخاري (الرقاق/5966)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تراب) رواه الترمذي (المناقب/ 3890) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " برقم (3100) .
" والجُعَل ": بِضَمِّ جِيمٍ وَفَتْحِ عَيْنٍ وَهُوَ دُوَيْبَةٌ سَوْدَاءُ تُدِيرُ الْغَائِطَ يُقَالُ لَهَا الْخُنْفُسَاءُ.
ومعنى " يُدَهْدِهُ ": أَيْ يُدَحْرِجُهُ " بِأَنْفِهِ، وَالْخِرَاءُ بِكَسْرِ الْخَاءِ مَمْدُودًا وَهُوَ الْعُذْرَةُ.
وعُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ" بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ نَخْوَتَهَا وَكِبْرَهَا.
فكل هذه الأحاديث تدل على ما سبق ذكره من أن الشكل واللون لا يُشكِّل تفاخراً ومِيزَة وعلوّاً ورفعة، والواجب على المسلم أن يقرِّب المتقين والصالحين.
عن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يقول:....إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ....الحديث) رواه البخاري (الأدب/5531) ومسلم (الإيمان / 316) .
وأما بالنسبة لمعاملة الأولاد فإنه يجب العدل بينهم وعدم تفضيل بعضهم على بعض، ولو كان بعضهم أبّر بأبيه من بعض فكيف إذا كان سبب التفضيل لون بشرة الولد أو لون عينيه تالله أنها لإحدى الكبر وإنها لظلم عظيم، فعلى الآباء أن يتقوا الله في معاملة أبنائهم وأن يعدلوا بينهم، فقد جاء في الحديث المتفق عليه من حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (.. َاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ) رواه البخاري (2398) ومسلم (3055) ، وهذا التفضيل إنما يشيع الحسد والغل بين الأبناء. نسأل الله السلامة. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(10/50)
هل تعوِّد ابنها على عدم لباس سروال داخلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عمر ابني 4 سنوات ونصف، ولقد بدأت ألاحظ عليه أنه يضع يده في سرواله الداخلي أحياناً؛ وذلك بهدف إبعاد السروال عن جسمه، وعندما نهرته لوضعه يده في هذا المكان قال: إنه يشعر بألم في هذه المنطقة " يقصد عملية الانتصاب "، ولقد قمت حينها بخلع سرواله الداخلي وتركته بالسروال الخارجي، ولقد أصبح يفضل الجلوس في البيت بدون سرواله الداخلي، فهل هذا خطأ؟ وهل ممكن أن يتعود على ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لك حرصك على الاهتمام بتربية أولادك، وهذا أمرٌ قد فرَّط فيه كثيرون، مع وجود الأوامر في القرآن والسنَّة بوجوب وقاية النفس والأهل النار، وبوجوب إحاطتهم بالنصح، ورعايتهم والعناية بأحوالهم الدينية، كالأمر بالصلاة، والتفريق بينهم في المضاجع.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا) .
رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
عَن مَعْقِل بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ) .
رواه البخاري (6731) .
وانتباهك لحركة ولدك يدل على حرصك على تعويده على صفات الخير، وتجنب الصفات السيئة، وهو أمرٌ طيب، ومع أن سن ابنك الذي أشرت إليه ـ أربع سنوات ـ لا يكون النشاط الجنسي قد ظهر لدى معظم الأطفال؛ فقد " دلت بعض البحوث إلى أنه يمكن أن يكون لدى بعض الأطفال نشاط جنسي قبل البلوغ، يتمثل في اللعب والعبث بالأعضاء التناسلية بغية الاستمتاع ... ، ويرى بعض المهتمين بالتربية أن ممارسة هذه العادة تبدأ في سن التاسعة عند عشرة بالمائة من الأولاد، ويرى البعض الآخر أنها تبدأ في الفترة من سنتين إلى ست سنوات" [انظر: عدنان صالح باحارث: مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة، ص (468) ] .
" وكثيرا ما يشاهد الولد في هذا السن واضعا إحدى يديه على عضوه التناسلي، دون انتباه منه؛ فإذا نُبُّه انتبه ورفع يده.
ويعود السبب في ذلك، في بعض الحالات، إلى وجود حكة، أو التهاب في ذلك الموضع، من جراء التنظيف الشديد من قِبَل الأم، أو ربما كان سبب الالتهاب هو: إهمال تنظيف الولد من الفضلات الخارجة من السبيلين.
ومن أسباب اهتمام الولد بفرجه: إعطاؤه فرصة للعب بأعضائه عن طريق تركه عاريا لفترة طويلة؛ فإنه ينشغل بالنظر إليها والعبث بها، والمفروض تعويده على الستر منذ حداثته، وتنفيره من التعري.
وإذا شوهد الولد واضعا يده على فرجه، صُرِف اهتمامه إلى غير ذلك؛ كأن يعطى لعبة، أو قطعة من البسكويت، أو احتضانه وتقبيله.
والمقصود هو صرفه عن هذه العادة بوسيلة سهلة ميسرة، دون ضجيج. ولا ينبغي زجره وتعنيفه؛ فإن ذلك يثير فيه مزيدا من الرغبة في اكتشاف تلك المنطقة، ومعرفة سبب منع اللعب بها.
ولا بأس أن يُسأل الولد عما إذا كانت هناك حكة، أو ألم في تلك المنطقة يدفعه للعبث بنفسه "
المرجع السابق، ص (472) .
وبالنسبة لأمر ابنك خاصة: فنرى أن تتأكدي من أن ملابسه، أو بدنه ليس فيه مشكلة تدعوه لذلك الأمر، وحاولي أن تلبسيه لباساً داخليّاً فضفاضاً، وأن لا تبقيه بسرواله الخارجي فقط.
وعلى كل حال:
فنحن نوصي الآباء والأمهات بضرورة تعويد أولادهم على الستر والحياء، وعدم تمكينهم من اللباس القصير سواء للذكور أو الإناث، وأن يعوَّدوا على الملابس الساترة في صغرهم، حتى ينشأ الواحد فيهم على العفاف والفضيلة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
" من المعلوم أن الإنسان يتأثر بالشيء في صغره، ويبقى متأثراً به بعد الكبر، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأمر الصبيان بالصلاة لسبع سنين، ونضربهم عليها لعشر؛ ليتعودوا، والطفل على ما اعتاد.. "
" اللقاء الشهري " (66 / السؤال رقم 9) .
وانظر جواب السؤالين: (43485) و (9909) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/51)
نصائح للمراهقات واختيار الصديق
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أستطيع التوفيق بين أن أكون فتاة مراهقة عصرية، وفتاة مرضية لأهلها ويحبها الجميع، وأن أتخلص من صديقتي التي لا أحبها ولا أجد طريقة في حبها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلمي أن مرحلة المراهقة هي أخطر مرحلة يمر بها الإنسان حيث إن للإنسان فيها تغيرات جسمية وعقلية وعاطفية وجنسية، والشيطان حريص على إغوائه في هذه المرحلة بكل ما يستطيع من طرق ووسائل الإغواء، ولذا فإنه يجب على كل مراهق ومراهقة أن ينتبه لنفسه وأن يأخذ حذره، ومما نوصي به في هذه المرحلة:
أولاً: احرصي على فعل الطاعات من: واجبات ومستحبات، واحرصي على البعد عن المحرمات والمشتبهات والمكروهات.
ومن الوسائل التي تنجي من الوقوع في حبائل الشيطان وتبعد العبد عن معصية الله:
ـ مراقبة الله واستحضار عظمته وخصوصاً عند الخلوة، قال الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب
وقال الآخر:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
ـ عدم الإنسياق وراء خطوات الشيطان، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ) النور/21. فخطوات الشيطان كالسلسلة من انساق وراءها لم تنته.
وكل خطوة أعظم من التي قبلها، إلا أن يتدارك الإنسان نفسه بالإقلاع والتوبة.
ـ التوبة من كل ذنب، فالذنب قد يحصل من المسلم، ولكن الواجب عند ذلك هو الإقلاع والتوبة، وليس الاستمرار والإصرار، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) آل عمران/135.
وقال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه ابن ماجة برقم (4251) ، وقال الشيخ الألباني: حسن.
ـ تذكر الموت ولقاء الله، فإن من تذكر أن الموت يأتي بغتة، وأنه سيلقى الله وسيسأله عن عمله، فإنه سيرتدع عن الذنب.
ـ اللجوء إلى الله بالدعاء بأن يوفقه لفعل الطاعات، وترك المنكرات، والله لن يخيب من دعاه، قال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ) البقرة/186
ثانياً: احرصي على جلساء الخير وابتعدي عن جلساء السوء، فإن الصاحب ساحب. وكما قيل: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي.
ثالثاً: عليك بشغل الوقت بالنافع والمفيد من أمور الدين والدنيا، وإياك والفراغ فإنه من أعظم المفسدات في هذه المرحلة.
رابعاً: إذا أردت أن تملكي قلوب الناس فأحسني معاملتهم وحسني أخلاقك معهم، وتعاوني معهم واقض حوائجهم، فإنك بذلك تستطيعين ملك قلوبهم، ألم تسمعي إلى ما قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهُمُ * فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
ومن مأثور الحكم عن على رضي الله عنه قوله:
اُمنُنْ على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره!!
على أننا نقول لك هنا قولا جامعا، في ملك قلوب الناس، واستجلاب محبتهم.
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) ، قال قتادة رحمه الله في تفسير الآية: " إي والله، في قلوب أهل الإيمان؛ ذُكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقه مودّتهم ورحمتهم " تفسير الطبري (18/266) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ؛ قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ!!
وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ، قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ!!) رواه البخاري (7485) ومسلم (2637) .
أرأيت يا أمة الله، كيف أن امتلاك قلوب الناس، والحصول على محبتهم، ليس بمقدورك أنت، ولا بمقدور غيرك من البشر، وإنما هو بيد الله سبحانه وحده، فهو الذي يؤلف بين القلوب، وهو الذي يباعد بينها، وهو الذي يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، وهذا كله من مقتضى ربوبيته سبحانه لخلقه.
وأما كيف نتحصل على محبة الله تعالى، وهو أعظم مطلوب للعبد المؤمن، فذلك القصد النبيل العظيم له طريق واحد، هو اتباع نبيه وطاعته. قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) رواه البخاري (6502) .
وأما إن بقي بعد ذلك، قوم من أهل الشر والفساد، ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ويريدون لك الشر، ويطلبون منك موافقتهم، وثقل عليهم ما أنت فيه من طاعة الرحمن، والحرص على منازل الطاعة، وشعب الإيمان، فلا عليك منهم يا أمة الله، وسيري في طريقك المستقيم، وكوني مع الصالحين من عباده:
إِذا رَضِيَتْ عَنِّي كِرامُ عَشيرَتي فَلا زالَ غَضْباناً عَلَيَّ لِئامُها
ونؤكد هنا على الإحسان إلى الوالدين والأقربين فإنهم أحق من يحسن المرء إليهم وأحق من يسعى لملك قلوبهم، ولا بد من الصبر على ما قد يصدر من الوالدين من نظرة إليك على أنك مازلت صغيرة، لأنك مهما كبرت فأنت في أعين والديك صغيرة.
ثم إن لهما حق القوامة والرعاية والتربية والأدب عليك، وهما مؤتمنان عليك، مسئولان عنك في الدنيا والآخرة، ومن حقهما أن يحملاك على الأدب، ومراعاة أحكام الدين، واحترام أعراف الناس وعاداتهم التي لا تخالف شرع الله؛ وكل ذلك يصطدم مع أهواء المراهق ونزعاته، مما يسبب الحالة التي تصفينها، وتشعرين بكونها مشكلة؛ نعني: حالة التوفيق بين ما تتطلبه منك حالة المراهقة، ومتابعة رغبات النفس وأهوائها، وما يتطلبه منك واجب الأدب، ويجلبه عليك حق الرعاية والقوامة لأبويك.
وبهذا تعلمين الجواب عن بقية سؤالك؛ فإذا كانت هذه الصاحبة من أهل الخير، فاحرصي على مودتها والتقرب إليها، وإن كانت من أهل السوء والفساد، فانأي بنفسك عنها، واتخذي جانبا منها، وسوف تنأى ـ هي ـ أيضا عنك:
(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (النور:26) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/52)
مشكلة بين الأب والأم بسبب تأخر مستوى الأولاد التعليمي
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا ابن ليس جيِّداً في مستواه الدراسي، وقد أساء والده في تربيته، وعند بلوغه الصف السادس تعلم كلمة نابية وأطلقها على أخيه، وعندما هممت بعقابه منعني والده عنه، وهذه ليست المرة الأولى، ولكن لأول مرة آخذ موقفاً، فتخليت عن تدريسه، وبعد فترة تدنَّى فيها مستواه، وطلب مني والده تدريسه فشرطت عليه أن لا يحول بيني وبين تأديبه، وألا يحرمني من الذهاب إلى دور التحفيظ مهما حصل، حيث إنه كان يوافق تارة ويمنعني تارة أخرى ليس لشيء إلا لفرض السيطرة، وافق، فتعهدته بالتدريس، وذهبت إلى التحفيظ - المستوى الأول -، وبعد أن وفقنا الله ونجحنا جميعنا في الدراسة وبدأت السنة الدراسية الجديدة: منعني زوجي أن أكمل دراستي في الدار بدون إبداء سبب مقنع، فتدنت همتي ولم أجتهد في تدريس ابني، وكانت النتيجة رسوبه في النصف الأول من العام الدراسي الجديد، وعند اقتراب الامتحانات النهائية طلب زوجي أن أدرس هذا الابن، فسألته قائلة: هل أدرسه وتوافق على ذهابي إلى التحفيظ في السنة القادمة إن شاء الله؟ فثار، وقال: أنتِ السبب إذن في رسوبهم، وكل طلباتك مرفوضة، وما فيك خير، والله لا يشكر فضلك، ومنذ ذلك اليوم حرمني من الخروج، ودائما يسبني من ورائي أمام أبنائه، لدرجة أن قال لهم " أمكم أخليها في البيت مثل الشيطانة، لا أخرجها ولا أوديها "، وينوي حرماني حتى من زيارة أهلي. فهل تدريس الأبناء واجب شرعي أستحق على تركه العقاب؟ وما حكم إصراري على الذهاب إلى التحفيظ حيث إني أنشغل به عن الوقوع في المعاصي التي غرقت فيها هذه السنة التي أجبرت فيها على ترك الدراسة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تربية الأولاد مسئولية مشتركة بين الوالديْن، وإذا حصل التعارض والتناقض في تربيتهم أثمر ذلك ثماراً فاسدة على الأولاد، فساءت أخلاقهم، وتشتت شملهم، لذا يجب على الوالدين أن يحسنا تربية أولادهم، وأن لا يقع بينهما تناقض أو تعارض، وبخاصة إذا كان هذا أمام أولادهم، ويجب أن يتفقا على الوسائل الشرعية التربوية في معالجة أخطاء أولادهم، فلا يرى أحد المعاقبة على الخطأ وينكر عليه الآخر ويرى مسامحته إلا أن يكون ذلك باتفاق بينهما وتشاور، حتى يعلم الولد أنهما اتفقا على المسامحة شفاعة من الآخر لإعطائه فرصة أخرى لإصلاح نفسه، أما أن يعترض طرف على الطرف الآخر أمام ولدهم المخطئ، ويعنف في الكلام ويسيء في الأدب: فإن هذا خطأ؛ ينعكس على تصرف الأولاد.
ومما يدل على المسئولية المشتركة بين الأب والأم في تربية أولادهم:
1. قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
2. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) . رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
وانظري جواب السؤال رقم (10016) ففيه مزيد فائدة.
ثانياً:
مسئولية الوالد في تربية ولده ينبغي أن تكون من أولى اهتماماته، فالرجل يملك الحكمة والتجربة والقوة ويستطيع بالمخالطة بغيره أن يتوصل لأنجع الوسائل والطرق في تربية ولده، وقد اشتد حرص السلف على مباشرة مهمة تربية أولادهم، كما ذكر أن الخليفة العباسي المنصور بعث إلى مَنْ في السجن من بني أمية يقول لهم: ما أشد ما مر بكم في هذا السجن؟ قالوا: ما فقدنا من تربية أولادنا.
ويظن بعض الآباء أن تربية الأبناء والقيام على هذه الأمانة هو بتوفير الطعام والشراب واللباس والسكن لهم، وهو تصور باطل بعيد كل البعد عن شرع الله.
قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -:
الإحسان إلى البنات - ونحوهن - يكون بتربيتهن التربية الإسلامية، وتعليمهن، وتنشئتهن على الحق، والحرص على عِفَّتهن، وبُعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره، وهكذا تربية الأخوات والأولاد الذكور، إلى غير ذلك من وجوه الإحسان، حتى يتربى الجميع على طاعة الله ورسوله، والبعد عما حرم الله، والقيام بحق الله سبحانه وتعالى، وبذلك يعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط، بل المراد ما هو أعم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا.
" مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز " (4 / 377) .
ثالثاً:
وأولى ما ينبغي عليكم العناية به والاهتمام بتحقيقه هو تعليم أولادكم العقيدة الإسلامية الصحيحة، والأحكام الشرعية، والأخلاق الفاضلة، فهذا أولى من غيره، ولا مانع من أن يدرس علوماً أخرى دنيوية، على أن تكون ظروف دراسته شرعية، فلا اختلاط مع الفتيات، ولا الدراسة في مدارس تنصيرية، ولا دراسة مناهج كفرية أو فسقية.
وفي فتوى رقم (4172) وتاريخ 4 / 12 / 1401 هـ من " اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " بالمملكة العربية السعودية، جاء فيها:
رابعاً: يجب على جميع المسلمين رعاةً ورعيةً العناية بتعليم الأولاد ذكوراً وإناثاً الإسلام الحق عقيدةً وأحكاماً وأخلاقاً وآداباً، ولا يجوز تفريغ برامج التربية والتعليم من ذلك ولا مزاحمة دين الإسلام بغيره من العقائد والمذاهب والآراء الباطلة.
خامساً: ليعلم كل مسلم استرعاه الله رعية أن الله عز وجل سيسأله عن هذه الأمانة التي حملها فإن كان أداها على الوجه الأكمل ونصح لها فليحمد الله، وإن كان غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة) . انتهى
فالمسئولية مشتركة في التعليم والتوجيه، كلٌّ حسب طاقته وقدرته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا يجوز للأب أن يلقي عبء دراسة الولد على أمه ويقف موقف المتفرج، ويغفل هو عنه أو يتغافل، كما لا يجوز للأم أن تفعل الشيء نفسه، فهي مسئولية مشتركة في العناية والتربية والتعليم، فإذا كان الأب من العاملين الكادِّين والأم متفرغة فيكون حملها أثقل، والعكس بالعكس، وينبغي التشاور والتفاهم حتى تؤدَّى الرسالة على أكمل وجه، والأصل في التوجيه والمسئولية الأب لا الأم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
البنون والبنات لهم راعٍ يرعاهم، إذا كانوا صغاراً: فإن الذي يرعاهم ويدير شئونهم هو أبوهم أو أخوهم الأكبر، (الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) ، فيجب على أولياء الأمور ورعاة البيوت أن يحملوا أهليهم على عبادة الله عز وجل، وعلى الحرص في طلب العلم، وأن يشجعوا الأولاد، يقول: تعال يا بني! ماذا حفظت اليوم؟ اقرأ عليَّ ما حفظت؛ حتى يتشجع ويعلم أن وراءه من يتابعه، وكذلك يقال في البنات، شجِّعهم، احملهم على العلم، احملهم على العمل به، ألِّف قلبك إلى قلوبهم، لا تكن كبعض الآباء يكون في بيته كالخشبة المسندة لا يحرك ساكناً، فإن الإنسان مسئول عن أسرته ورعيته.
" اللقاء الشهري " (67) .
رابعاً:
وصيتنا لأختنا السائلة أن لا تخرج من بيتها من غير إذن زوجها ورضاه، ولو لتعلم القرآن أو تعليمه؛ فإن طاعة الزوج واجبة، وخروج المرأة من غير إذن زوجها محرَّم، والضغط عليه لإجباره على خروجها أيضاً لا يجوز، ولا تفتحي على نفسكِ باباً من الشر بالخروج بهذه الطريقة، ويمكنك تقسيم الوقت بين تعليم ولدك وتعلمك، ومن ثم إقناع زوجك بهذا التقسيم، وظننا به أن يقدِّر هذا الأمر منكِ ويكون سبيلاً للتفاهم على كلا الأمرين.
ولتعلمي يا أختنا أن زوجك ليس آثماً بمنعك من الخروج لحلقات تحفيظ القرآن، والإثم فقط في حال منعك من الصلاة في المسجد أو تعلم علم واجب لا يمكنك تعلمه في البيت، وقد يسَّر الله تعالى للناس سبل العلم، فتستطيع المرأة أن تقرأ الكتب وتسمع الأشرطة في كل فنون العلم، ولا يقف بينها وبين الاستفادة من الطرق الحديثة في التعلم شيء، ولن ترى في خروجها أكثر مما تراه في بيتها لو أنها أرادت، كما يمكنك عقد حلقة من أخوات مستقيمات للحفظ والعلم في بيتك دون الحاجة للخروج منه.
وبكل حال: قدِّمي ما تستطيعين من عناية ورعاية وتعليم لابنك، وعاشري زوجك بالمعروف، وقومي بما أوجبه الله تعالى عليك تجاهه، وسترين ثمار ذلك في نفسك وزوجك وأولادك إن شاء الله تعالى.
خامساً:
ووصيتنا للزوج أيضاً أن يحسن العشرة مع زوجته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِه) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (385) .
فإذا رأى أن خروجها إلى دار التحفيظ فيه فائدة لها، وتعود تلك الفائدة على أولادها بل على البيت بأكمله، فلماذا يمنعها من ذلك الخير؟ ثم تسوء العلاقة بينه وبينها، لأنها تراه منعها من أمر كان نافعاً لها، فالذي ينبغي أن تكون الحياة بينكما قائمة على التفاهم والمشاركة في المسئولية، وحرص كل طرف على ما ينفع الآخر.
واعلم أيها الزوج أن إرضاءك لزوجتك وإسعادك لها في غير معصية الله سيعود بالنفع عليك وعلى أولادك، نسأل الله تعالى أن يجمع بينكما على خير، وأن يوفقكما لما فيه نفعكما في الدنيا والآخرة.
سادساً:
وهذه كلمات لبعض المتخصصين في بيان الدور المشترك بين الأب والأم في تربية الأولاد وتعليمهم:
تساءلت أم مستنكرة: لماذا يتهم الزوج زوجته بالتقصير والإهمال إذا لم يحصل الابن على درجات عالية ويتناسى واجبه الذي لا غنى عنه نحوهم في هذا الأمر؟
وقال الدكتور محمود أبو دف أستاذ التربية بالجامعة الإسلامية بغزة: "على كل من الأب والأم أن يتعاونا في هذه المسألة، فيقوم الأب بسد النقص الذي قد لا تتمكن من فعله الأم لانشغالها أو لعدم إلمامها بالمادة العلمية بصورة كافية.
وشدد الدكتور "أبو دف" على ضرورة أن يكون للآباء دور فاعل ومؤثر في عملية متابعة النشاط الدراسي للأبناء حيث يُشعرهم ذلك بمدى الالتزام.
وعزا هروب الآباء إلى وجود نظرة سلبية ترسبت في أذهانهم، وهي أن الدور التعليمي من مهام الأم مثله مثل أي عمل داخل المنزل، واستطرد موضحا: "وهذا خطأ فادح؛ فهذه المهمة بالدرجة الأولى تربوية وبحاجة إلى تكامل الأدوار بين الزوجين، ويجب أن يدرك الأب أن دوره لا يكون فقط خارج المنزل حيث توفير لقمة العيش ومستلزماتها بل هناك أدوار بالغة الأهمية داخل المنزل ومنها تدريس الأبناء؛ فهي ليست مهمة عادية.
وطالب الآباء بضرورة زيادة وعيهم وإحساسهم تجاه هذه المسألة حتى لا تنعكس الخلافات حولها على الأسرة والأبناء.
وقال الأستاذ "أسامة المزيني" المحاضر بكلية التربية بالجامعة الإسلامية: على الأب أن يهتم بمتابعة النشاط الدراسي لأبنائه كجزء مهم من أولوياته.
وقال أيضاً: الزوجة شريكة حياتك، وفي اهتمامك بدروس الأبناء ومذاكرتهم تكون قد أديت دورك في الشراكة، وإلا فاسأل نفسك: أين دوري؟ وتذكر أن هناك ما هو أهم من توفير الحياة المادية للأبناء ألا وهو الاهتمام بمستقبلهم العلمي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/53)
دعاء الوالدين على الأولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دعاء الوالدين على الأبناء بالشر بكثرة وفي بعض الأوقات دون سبب، هل يستجاب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأبناء من زينة الحياة الدنيا، كما قال الله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الكهف/46.
وهم قرة عين الوالدين، وفلذة كبدهما، فكيف يدعوان عليهم!!
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الأولاد والأموال والأنفس، خشية أن يوافق ساعة إجابة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ) رواه مسلم (3014) .
ودعاء الوالد لولده أو عليه مستجاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ) رواه ابن ماجه (3862) وحسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (596) . ولفظ الإمام أحمد (7197) : (وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) .
فمن الخطأ الذي يقع فيه كثير من الأباء والأمهات أنهم يدعون على أولادهم إذا حصل منهم ما يغضبهم، والذي ينبغي هو الدعاء لهم بالهداية وأن يصلحهم الله ويلهمهم رشدهم.
ومن رحمة الله تعالى أنه لا يستجيب دعاء الوالدين على أولادهما إذا كان في وقت الغضب والضجر، وذلك لقوله تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يونس/11.
قال ابن كثير رحمه الله في " تفسيره " (2/554) :
" يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده، وأنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم، أو أموالهم، أو أولادهم؛ في حال ضجرهم، وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم - والحالة هذه - لطفاً ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم , أو لأموالهم , أو لأولادهم , بالخير والبركة والنماء " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/54)
اختلاف الوالدين في طريقة التربية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اختلف الأبوان فى طريقة تربية الأبناء، بحيث إن كلا منهما يرى ما لا يراه الآخر، فهل تجب على الزوجة أن تطيع زوجها فيما تراه يؤدى إلى فتنة الابن - حيث إن أباه يريد أن يحاسبه على كل كبيرة وصغيرة -؟ أم إنها تظهر الطاعة أمامه، ثم تفعل ما تراه مناسبا بعد ذلك مع ابنها - من باب قول الله تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) ومن باب (كلكم راع) -؟ أم إن هذا الخطاب موجه للولي فقط، وهو الأب؟ أم إن هذا يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم (لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق) ؟ أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تربية الأبناء مسؤولية مشتركة بين الوالدين، فقد ولاهما الله سبحانه وتعالى حفظ هذه الأمانة، كل بحسب موقعه وقدرته، ولا ينبغي حصر هذه المسؤولية العظيمة في واحد منهما دون الآخر.
عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) .
رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
فتأملي كيف نص الحديث على مسؤولية كل واحد من الأبوين ليؤكد استقلال كل واحد بهذا التكليف، وفي حديث الفطرة يظهر أيضا كيف أن التوجه الديني للأبناء مبني على توجه أبويهم معا وليس واحداً منهما فقط.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ) .
رواه البخاري (1292) ومسلم (2658) .
وفي أداء المسؤوليات المشتركة جاءت الشريعة بالأمر بوسيلة تؤدي في الغالب إلى أكمل النتائج وأحسنها، وذلك من خلال " الحوار والمشاورة "، ولعل هذه القيمة أعظم سبب لسعادة الأسرة ونجاح التربية، وقد جاء الأمر بالشورى في المسؤوليات المشتركة في قوله تعالى: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) البقرة/233.
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -:
أي: فإن اتفق والدا الطفل على فطامه قبل الحولين، ورأيا في ذلك مصلحة له، وتشاورا في ذلك، وأجمعا عليه: فلا جناح عليهما في ذلك، فيؤخذ منه أن انفراد أحدهما بذلك دون الاخر لا يكفي، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشاورة الآخر، قاله الثوري وغيره، وهذا فيه احتياط للطفل، وإلزام للنظر في أمره، وهو من رحمة الله بعباده حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما وأرشدهما إلى ما يصلحهما ويصلحه.
" تفسير القرآن العظيم " (1 / 380) .
وتشير بعض الدراسات إلى أن كثيراً من المشاكل الزوجية التي تؤدي إلى الطلاق سببها غياب هذا النمط من المعايشة " نمط الشورى " من حياة الأسرة، أو الخطأ في ممارسته، فإن الحوار والشورى فن وعلم يحتاج دربة وممارسة وتفهما.
ومن الطبيعي أن تتعارض آراء الزوجين في بعض المسؤوليات المشتركة كتربية الأبناء؛ وذلك بسبب اختلاف ثقافة الزوجين، أو تدخّل بعض الأقارب في ذلك، وغير ذلك من الأسباب، ولكن ذلك لا يستلزم الوصول إلى حالة الأزمة الحقيقية إلا إذا لم يتوصل الزوجان إلى طريقة مناسبة لاحتواء هذا التعارض.
ثمة حل وعلاج يمكن اقتراحه لفك التعارض القائم بين أسلوبي الوالدين في التربية، وهو استشارة المختص، أو من تتيسر استشارته في المشاكل التي تختلفون حولها، ممن كانت عنده الخبرة والأمانة الكافية في ذلك؛ فالتربية علم وفن قائم بذاته، تقام له الدراسات وتمنح فيه الشهادات، بل هو من أخطر التخصصات وأدقها، ولن يعدم الزوجان بعض المستشارين التربويين الأمناء، فيلجؤوا إليهم لأخذ رأيهم في محل الخلاف خاصة.
ولعل إدراك الوالدين لخطورة انعكاسات تعارض أساليب التربية على شخصية الابن يحثهما على ضرورة تجاوز هذه المشكلة.
فالرسالة التربوية التي يحرص الأب على إيصالها ستضيع ويتلاشى أثرها إن قامت الأم بتوجيه رسالة مغايرة لها، ويؤدي ذلك إلى اختيار الابن الرسالة التي تناسبه هو، بل كثيرا ما يبتدع حلاًّ ثالثاً تبعاً لهواه هو، وذلك يعني صعوبة في تمييز الابن بين الصواب والخطأ، والحلال والحرام، وهو أخطر ما يواجه التربية الصحيحة.
وتعارض أساليب التربية قد يؤدي إلى كراهة الطفل أحد الوالدين وضعف الميل نحوه، وقد تبدو المشكلة أكبر فأكبر في مراحل متقدمة من تعمق الخلاف بين الأب والأم حول تربية الأبناء.
إذًا فمن الواجب أن يكون هناك اتفاق مبدئي بين الأب والأم على عدم قيام أي طرف منهما بتوجيه رسالة تربوية مخالفة للرسالة التي وجهها أحدهما إلى الأبناء، خاصة أمامهم، وإن كان ثمة ملاحظات أو اعتراضات على تلك الرسالة فيؤخر أمرها إلى حين المشاورة والمحاورة بعيدا عن عين الأبناء.
كما أن من المهم جدّاً أن يتعامل الوالدان بينهما بالصدق والصراحة، فلا ينبغي لا شرعا ولا خلقا وتربية وأدبا لأحد الوالدين أن يظهر للآخر موافقة على أسلوب تربوي معين، ولكنه في حقيقة الأمر يخالفه ويناقضه ولا يقوم به، وسريعا ما يكتشف الطرف الآخر خداعه له، فتفقد الثقة بين الأبوين في مسألة التربية، ولا تؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة، في حين أن سلوك الصراحة والمشاورة والمراضاة بين الأبوين يؤدي إلى تجاوز الخلاف، كما أنه يتجاوز بالأبوين كل خلاف آخر، وذلك حين يعتادان على الشورى والتفاهم.
ويجب مراقبة الله عز وجل في تربية الأبناء، والتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله في أصول التربية عند الاختلاف، فإن كان الاختلاف في الوسائل فطريقه المشاورة والمحاورة بين الأبوين، ثم بعد ذلك يكون الحَكَم بينهما هو الناصح الأمين، من أهل الاختصاص أو الخبرة، وإذا صدق الوالدان في نيتهما صَلاح الأبناء خلقا ودينا فإن الله سبحانه وتعالى سيجعل لهما من خلافهما مخرجا.
مع التنبيه – أخيراً – إلى أن الله تعالى جعل في المرأة ما لم يجعل في الرجل، فالعاطفة والحنان عند المرأة أكثر منه عند الرجل، ورجاحة العقل وقوة الإرادة والإدارة عند الرجل أكثر منه عند المرأة، فيراعى هذا الجانب في الخلاف بين الزوجين، ولعلَّ الأمر لو أوكل للزوج أن يكون فيه نفع بالغ، إن كان الزوج متصفاً بالدين والعقل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/55)
كيف يكون العدل بين الأولاد في النفقة والهدية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يعدل الوالد في العطايا مع أولاده الذكور والإناث؟ وإذا كان أحد الأبناء يعمل مع والده في عمله، فكيف تكون معاملته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" العدل بين الذكور والإناث بما عدل الله به عز وجل في قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. فإذا أعطيت الذكر ريالين، أعط الأنثى ريالا , لكن العدل في النفقة أن تعطي كل واحد ما يحتاج إليه، قد تحتاج الأنثى إلى ثياب تساوي مائتي ريال، والذكر يحتاج إلى طاقية تساوي عشرة ريالات، على كل حال أعط هذا ما يحتاج وهذه ما تحتاج، كما أنه لو احتاج أحدهما إلى الزواج زَوِّجْه ولا تعط الآخرين مثله، إلا من بلغ حد الزواج فزَوِّجْه. هذه مسألة النفقة، العدل فيها أن تعطي كل واحد ما يحتاج.
وأما التبرع المحض فالعدل أن تعطي الذكر ضعف ما تعطي الأنثى كما قسم الله بينهما كذلك في الميراث.
أما من كان يشتغل مع أبيه في تجارته وفلاحته، فإذا تبرع بذلك وأراد ثوابه من عند الله، فثواب الآخرة خير، وإن قال: أنا أريد من الدنيا كما أن إخواني كل واحد منهم يشتغل لنفسه ويشتغل بماله، فهذا يجعل له والده؛ إما أجرة شهرية وإما نسبة من الأرباح؛ ولكن يَعُدُّه كأنه رجل أجنبي إذا كان مثله في الشهر يعطى مرتبا ألف ريال أعطاه ألف ريال في الشهر، وإذا كان يعطى من الربح أو ناتج الفلاحة الثلث أعطاه الثلث وهكذا بلا محاباة " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "لقاءات الباب المفتوح" (2/63)(10/56)
من آداب العناية بالمولود الجديد
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلك أخبرني إن كانت توجد كتب بالإنجليزية تغطي كيفية العناية بالطفل حديث الولادة، حيث نعتمد حاليا على نصائح الأطباء في الغرب والتي قد تكون غير صحيحة، سيكون لطيفا إذا استطعنا اتباع أسلوب الصحابيات هنا كذلك، على سبيل المثال، هل كن يشاركن أطفالهن نفس الفراش؟ متى يبدأن في إعطاء الطفل الطعام؟ كيف كن يؤدبن الصغار؟ وما إلى ذلك. جزاكم الله خيرًا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
كثير من قضايا التربية ومسائلها، ترجع ـ في واقع الأمر ـ إلى حكم العادة السوية، والخبرة البشرية، مع إمكان ضبطها ببعض التوجيهات العامة من الكتاب والسنة النبوية، وأما التوجيهات الخاصة الملزمة فهي تلك التي تكون بالأمر أو النهي المعيَّنين، وما سوى ذلك فإن خبرة المختصين بالتربية هي المرجع الذي ينبغي على الناس تعلمه والحرص عليه، فقد أصبحت التربية اليوم علما تُقام له الدراسات، وتُرصد له الجهود والأموال والأوقات، وذلك من فضل الله تعالى على الناس، فلا ينبغي على المسلم أن يفرط في تعلم أساليب التربية والتعامل مع الأطفال، مع الاهتمام بتوجيهات الكتاب والسنة.
وفي الأطفال حديثي الولادة جاءت بعض الأحكام الشرعية التعبدية، كاستحباب العقيقة والختان والتحنيك وحلق الرأس مع التصدق بوزنه فضة وغير ذلك مما سبق بيانه في موقعنا، في أجوبة الأسئلة الآتية: (7889) ، (20646)
وأما في كيفية العناية العادية والبدنية بهم فهذه يتبع فيها نصائح الأطباء والتربويين، وبعض الجمل العامة التي جاءت الشريعة بها، والتي سيأتي بيانها.
ثانيا:
من الأطباء المسلمين الأوائل المعروفين، الإمام ابن قيم الجوزية، المتوفى سنة (751هـ) ، صاحب الكتاب المشهور "تحفة المودود بأحكام المولود"، فقد كان من أهم أبواب كتابه "الباب السادس عشر"، بعنوان " في فصول نافعة في تربية الأطفال، تُحمد عواقبها عند الكبر "، يمكنك الاستفادة بما فيه، مع مراعاة أن ما ذكره هي مسائل اجتهادية، بحسب ما وصل إليه نظره العلمي، وخبرته الطبية، في تلك الفترة، وبالإمكان الاستفادة منها بوجه عام، ومتابعة أمثالها في الطب الحديث.
وسوف أنقل منه هنا خلاصة كلامه، فإن فيه فوائد طبية قيمة في التعامل مع الأطفال حديثي الولادة:
" 1- ينبغي أن يكون رضاع المولود من غير أمه بعد وضعه يومين أو ثلاثة، وهو الأجود، لما في لبنها ذلك الوقت من الغلظ والأخلاط، بخلاف لبن من قد استقلت على الرضاع، وكل العرب تعتني بذلك، حتى تسترضع أولادها عند نساء البوادي، كما استُرضع النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد.
2- وينبغي أن يمنع حملهم والطواف بهم حتى يأتي عليهم ثلاثة أشهر فصاعدا، لقرب عهدهم ببطون الأمهات وضعف أبدانهم.
3- وينبغي أن يقتصر بهم على اللبن وحده إلى نبات أسنانهم، لضعف معدتهم وقوتهم الهاضمة عن الطعام، فإذا نبتت أسنانه قويت معدته وتغذى بالطعام، وينبغي تدريجهم في الغذاء.
4- فإذا قربوا من وقت التكلم وأريد تسهيل الكلام عليهم فليدلك ألسنتهم بالعسل والملح الأندراني، لما فيهما من الجلاء للرطوبات الثقيلة المانعة من الكلام، فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله.
5- فإذا حضر وقت نبات الأسنان فينبغي أن يدلك لثاهم كل يوم بالزبد والسمن، ويمرخ حدر العنق تمريخا كثيرا.
6- ولا ينبغي أن يشق على الأبوين بكاء الطفل وصراخه، فإنه ينتفع بذلك البكاء انتفاعا عظيما، فإنه يروض أعضاءه، ويوسع أمعاءه، ويفسح صدره، ويسخن دماغه، ويحمي مزاجه، ويثير حرارته الغريزية، ويحرك الطبيعة لدفع ما فيها من الفضول، ويدفع فضلات الدماغ من المخاط وغيره.
7- وينبغي أن يوقى الطفل كل أمر يفزعه من الأصوات الشديدة الشنيعة والمناظر الفظيعة والحركات المزعجة.
8- وتمام الرضاع حولين وذلك حق للولد إذا احتاج إليه ولم يستغن عنه، وأكَّدَهما بكاملين لئلا يحمل اللفظ على حول وأكثر، وينبغي للمرضع إذا أرادت فطامه أن تفطمه على التدريج، ولا تفاجئه بالفطام وهلة واحدة، بل تُعَوِّده إياه وتمرنه عليه لمضرة الانتقال عن الإلف والعادة مرة واحدة.
9- ومن سوء التدبير للأطفال أن يُمَكَّنوا من الامتلاء من الطعام، وكثرة الأكل والشرب، ومن أنفع التدبير لهم أن يُعطَوا دون شبعهم، ليجود هضمُهم، وتعتدل أخلاطُهم، وتقل الفضول في أبدانهم، وتَصحَّ أجسادهم، وتقلَّ أمراضهم لقلة الفضلات في المواد الغذائية.
10- ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خُلُقِه، فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره، من حرد وغضب ولجاج وعجلة وخفة مع هواه وطيش وحِدَّة وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك، ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم، وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها.
11- وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية التجنب، فإنه متى اعتاد الأخذ صار له طبيعة، ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي، ويعوده البذل والإعطاء، وإذا أراد الولي أن يعطي شيئا أعطاه إياه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء.
12- ويجنبه الكذب والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع، فإنه متى سهل له سبيل الكذب والخيانة أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة، وحرمه كل خير.
13- ويجنبه الكسل والبطالة والدعة والراحة، بل يأخذه بأضدادها، ولا يريحه إلا بما يجم نفسه وبدنه للشغل، فإن الكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة ندم، قال يحيى بن أبي كثير: لا ينال العلم براحة الجسم.
14- ويعوده الانتباه آخر الليل، فإنه وقت قسم الغنائم وتفريق الجوائز، فمستقل ومستكثر ومحروم، فمتى اعتاد ذلك صغيرا سهل عليه كبيرا " انتهى. "تحفة المودود (194-203)
ثالثا:
أما بخصوص ما سألت عنه من نوم الطفل على فراش الوالدين، فلا حرج في ذلك أحيانا، فقد نام ابن عباس رضي الله عنهما وهو صغير عند خالته ميمونة، واضطجع هو في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة في طولها.
رواه البخاري (138) ومسلم (763)
قال في "عمدة القاري" (3/66) :
" فيه جواز الاضطجاع عند المحرم وإن كان زوجها عندها " انتهى.
ولكن ليس ذلك هو غالب الأحوال، بل الغالب التفريق بين المضاجع عموما.
وأما الهدي النبوي في تأديب الأطفال وعقوبتهم، فيرشد إلى أن بدء ضرب التأديب يكون بعد سن العاشرة.
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَوْلَادَكُم بِالصَّلَاةِ وَهُم أَبنَاءُ سَبعِ سِنِينَ، وَاضرِبُوهُمْ عَلَيهَا وَهُم أَبنَاءُ عَشرٍ) رواه أبو داود (495) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن بضرب الطفل على التقصير بركن الدين الأعظم وهو الصلاة قبل سن العاشرة، فمن الأولى في باقي الأمور الحياتية والسلوكية والتربوية.
قال الأثرم: سئل أبو عبد الله عن ضرب المعلم الصبيان، فقال: على قدر ذنوبهم، ويتوقَّى بجهده الضربَ، وإن كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه.
"الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/506)
وأقصى عدد للضربات هو العشر:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ يُجلَدُ فَوقَ عَشرِ جَلدَاتٍ إِلاَّ فِي حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ) رواه البخاري (6850) ومسلم (1708)
بل رأى القاضي شريح ألا يُضرَبَ الصبي على القرآن إلا ثلاثا، وكان عمر بن عبد العزيز يكتب إلى الأمصار: (لا يَقْرِن المعلم فوق ثلاث، فإنها مخافة للغلام) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "العيال" (1/531)
ويجتنب الوجه في جميع الأحوال، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تقبيح الوجه، وأمر باتقاء الضرب عليه. رواه أبو داود (4493) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ويمكن استعمال التهديد بالضرب، فقد يكون أنجع من الضرب نفسه، وقد جاء في تعليق السوط أو العصا في المنزل ليدرك الطفل أن ثمة عقابا على خطئه الذي يستحق العقاب، والذي يكون بسبب تجاوزه حدود الأدب والخلق.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(عَلِّقُوا السَّوطَ حَيثُ يَرَاهُ أَهلُ البَيتِ فَإِنَّهُ لَهُمْ أَدَبٌ) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (11/133) والطبراني في "المعجم الكبير" (10/284) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (4022)
وفي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنهما قال: (وَأَنفِقْ عَلَى أَهلِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلاَ تَرفَعْ عَنهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا) رواه أحمد (5/238) وقال الألباني في "صحيح الترغيب" (1/138) حسن لغيره.
وما ذكرناه لك هو ـ كما ترين، أيتها السائلة الكريمة ـ شيء يسير، يدل على أن الأصل هو التربية بالتعليم والتوجيه والإرشاد، بالكلمة الطيبة والقدوة الحسنة والترغيب والترهيب، وأما اللجوء إلى العقاب فلا يكون إلا أخيرا، وبشكل يحقق المقصود ولا يتجاوز إلى إيذاء الطفل بدنيا أو نفسيا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/57)
حكمُ الرسومِ المتحركة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكمُ الرسومِ المتحركةِ التي تُعرَضُ للأطفالِ؟ وهل هي من التصويرِ المحرمِ شرعاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يخفى أنَّ الشريعةَ جاءت بتحريمِ تصويرِ ورسمِ ونحتِ كل ما فيه روحٌ من خلقِ اللهِ تعالى، بل جاء التشديدُ والوعيدُ الشديد على من فعل ذلك.
كقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ) رواه البخاري (5950) ومسلم (2109) .
وانظر جواب السؤال رقم (7222) (39806) .
وقد استثنت الشريعة من التحريم: الصور التي يلعب بها الأطفال.
فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: (قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ أو خيبر، وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّت رِيحٌ، فَكَشَفَت نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَن بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ، لُعَب. فَقَالَ: مَا هَذا يَا عَائِشَةُ؟ قَالَت: بَنَاتِي. وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَه جَنَاحَانِ مِن رِقَاعٍ. فَقَال: مَا هَذَا الذِي أَرَى وَسطَهن؟ قَالت: فَرَسٌ. قَالَ: وَمَا هَذا الذي عَليه؟ قَالَت: جَنَاحَانِ. قَالَ: فَرَسٌ لَه جَناحانِ؟ ! قَالَت: أَمَا سَمِعتَ أَنَّ لِسُلَيمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ ! قَالَت: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيتُ نَوَاجِذَه) . رواه أبو داود (4932) وصححه العراقي في تخريج الإحياء (2/344) والألباني في "صحيح أبو داود".
قالَ الحافظُ ابنُ حجر في "فتح الباري" (10/527) :
" واستُدلَّ بهذا الحديثِ على جوازِ اتخاذِ صورِ البناتِ واللعب، من أجلِ لَعِبِ البناتِ بهن، وخُصَّ ذلك من عمومِ النهي عن اتخاذِ الصور، وبه جزمَ عياضٌ، ونقله عن الجمهورِ، وأنهم أجازوا بيعَ اللعبِ للبناتِ لتدريبهن من صغرِهن على أمرِ بيوتهِن وأولادهن " انتهى.
وسُئلَ الشيخ ابن عثيمين: ما حكمُ صورِ الكرتونِ التي تخرج في التلفزيون؟
فأجابَ:
" أمَّا صورُ الكرتونِ التي ذكرتم أنها تخرجُ في التلفزيون:
فإن كانت على شكلِ آدميٍّ: فحكمُ النظرِ فيها محلُّ ترددٍ، هل يُلحقُ بالصورِ الحقيقية أو لا؟
والأقربُ أنه لا يُلحَقُ بها.
وإن كانت على شكلِ غيرِ آدمي: فلا بأس بمشاهدتِها، إذا لم يصحبها أمرٌ منكَرٌ، من موسيقى أو نحوِها، ولم تُلهِ عن واجبٍ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (2/سؤال رقم 333) .
ثانياً:
إن موضوعَ الرسومِ المتحركةِ وأفلام الكرتون من أخطرِ المواضيعِ التربويةِ وأعظمِها، وذلك للأثرِ الهائلِ الذي تتركهُ تلك الأفلامُ في نفوسِ الناشئةِ من الأطفال، ولأنها غدت مصدرَ التلقي والتربية الأول في كثير من دولِ العالمِ اليوم.
وفي هذه المرحلةِ يكونُ عقلُ الطفلِ وقلبُهُ كالصفحةِ البيضاء، لا تمر بها عوارضُ إلا انتقشت عليها وثبتت.
يقولُ ابن القيّم رحمه الله في "تحفة المودود" (240) :
" ومما يحتاجُ إليهِ الطفلُ غايةَ الاحتياج الاعتناء بأمرِ خلْقهِ، فإنهُ ينشأ على ما عوّدهُ المربي في صغره، فيصعبُ عليه في كبرهِ تلافي ذلك، وتصيرُ هذهِ الأخلاق صفاتٍ وهيئاتٍ راسخةً له، فلو تحرّزَ منها غايةَ التحرزِ فضحته ولا بد يومًا ما " انتهى.
وهذه بعض الإيجابيات من مشاهدة الطفل لهذه البرامج:
1- تزوّد الطفل بمعلوماتٍ ثقافيةٍ كبيرة وبشكلٍ سهلٍ محبوب: فبعضُ أفلامِ الرسوم المتحركة تُسلِطُ الضوءَ على بيئاتٍ جغرافيةٍ معينة، والبعضُ الآخر يسلطُ الضوءَ على قضايا علمية - كعمل أجهزةِ جسم الإنسان المختلفة -، الأمر الذي يُكسِبُ الطفلَ معارفَ متقدمة في مرحلةٍ مبكرة.
2- تنميةُ خيالِ الطفل، وتغذيةُ قدراتِهِ، وتنميةُ الخيالِ من أكثر ما يساعدُ على نموّ العقل، وتهيئتهِ للإبداع، ويعلّمهُ أساليبَ مبتكرةً ومتعددةً في التفكيرِ والسلوك.
3- تعليم اللغةِ العربيةِ الفصحى والّتي غالباً لا يسمعُها الطفلُ في بيته ولا حتى في مدرسته، ومن المعلومِ أنّ تقويمَ لسانِ الطفلِ على اللغةِ السليمةِ مقصدٌ من مقاصدِ العلمِ والتربية.
يقولُ ابنُ تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/207) :
" واعلم أنّ اعتيادَ اللغةِ يؤثرُ في العقلِ والخلقِ والدّين تأثيرًا قويًا بيّنًا، ويؤثرُ أيضًا في مشابهةِ صدرِ هذه الأمةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتهم تزيدُ العقلَ والدّينَ والخُلُق، وأيضًا فإنّ نفسَ اللغة العربية من الدّين، ومعرفتُها فرضٌ واجبٌ " انتهى.
4- تلبيةُ بعضِ الحاجاتِ والغرائزِ النفسيةِ النافعة: كالرحمة والمودة وبرِّ الوالدين والمنافسة والسعي للنجاح ومواجهة التحديات. . . . وغير ذلك كثير من المعاني الإيجابيةِ التي يُمكنُ غرسُها في ثنايا حلقاتِ أفلامِ الكرتون.
وهناك أيضاً مجموعة من السلبيات المترتبة على مشاهدة هذه البرامج:
1- السلبياتُ المترتبةُ على مشاهدةِ التلفاز بشكلٍ عام، وهي سلبياتٌ كثيرة، منها: الإضرارُ بصحةِ العينين، وتعويد الكسل والخمول، وتعويد التلقي وعدم المشاركة، وبذلك تعيقُ النموَّ المعرفيّ الطبيعيّ، وذلك أنّ العلمَ بالتعلمِ والبحثِ والطلب، والتلفاز ينتقلُ بالمتابع منَ البحثِ إلى التلقي فقط، كما أنّ في متابعةِ التلفازِ إضعافًا لروحِ المودةِ بينَ أفرادِ الأسرة، وذلك حين ينشغلونَ بالمتابعةِ عن تبادلِ الحديثِ مع بعضهم البعض.
يقولُ ابن القيم في معرض الحديث عما يجب على الولي من التربية في "تحفة المودود" (241) :
" ويُجنبهُ الكسلَ والبطالةَ والدعةَ والراحةَ، بلْ يأْخذهُ بأضدادها، ولا يُريحهُ إلا بما يجمُ نفسَهُ وبدنه للشغلِ، فإنّ الكسلَ والبطالةَ عواقبُ سوءٍ، ومغبةُ ندمٍ، وللجدّ والتعبِ عواقبُ حميدةٌ، إمّا في الدنيا، وإما في العُقبى، وإمّا فيهما " انتهى.
2- تقديمُ مفاهيم عقدية وفكرية وعمليّة مخالفة للإسلام: وذلك حين تنغرسُ في بعضِ الأفلام مفاهيمُ الاختلاط والتبرجِ المحرّم، وبعضُ أفلام الكرتون مثل ما يُعرَف بِ (توم وجيري) تحوي مفاهيمَ محرفةً عن الآخرة، والجنة والنار والحساب، كما أنّ بعضَها يحتوي قصصًا مشوَّهةً للأنبياءِ والرسل، وبعضُها الآخر يحتوي على سخريةٍ من الإسلامِ والمسلمين، وأفلامٌ أخرى (مثل ما يعرف بـ البوكيمون) تحوي عقائد لدياناتٍ شرقية وثنية. . . . وغير ذلك كثير , وإن لم تحملْ ما يخالف الإسلام مخالفة ظاهرة، فهي تحملُ في طيّاتها ثقافة غربيةً غريبةً عن مجتمعاتِنا وديننا.
يقول الدكتور وهبة الزحيلي في "قضية الأحداث" (6) :
" أمّا برامجُ الصغارِ وبعضُ برامجِ الكبار، فإنها تَبثّ روحَ التربيةِ الغربية، وتروّجُ التقاليدَ الغربية، وتُرغّبُ بالحفلات والأنديةِ الغربيةِ " انتهى.
ومن التّأثر المقيت بهذه الثقافة، اتخاذ القدوة المثالية الوهمية، بدلاً من أن يكون القدوة هو الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء الربانيين والمجاهدين، فتجدُ الأطفالَ يقلّدون (الرجل الخارق Super man) و (الرجل الوطواط Bat man) و (الرجل العنكبوت SPIDER MAN) ونحو ذلك من الشخصياتِ الوهمية التي لا وجود لها، فتضيعُ القدوة في خضم القوةِ الخيالية المجردة من الإيمان.
انظر: "وسائل الإعلام والأطفال: وجهة نظر إسلامية" أبو الحسن صادق، "مقال: أثر الرسوم المتحركة على الأطفال" نزار محمد عثمان.
بعد تبيّن هذه الإيجابيات والسلبيات، يبدو الموقفُ الشرعيّ بعدَ ذلك واضحًا إن شاءَ الله تعالى، فكلما وجدت السلبياتُ أكثر اقتربَ الحكمُ إلى التحريمِ أكثر، وما أمكنَ فيه تجنبُّ هذه السلبيات اقتربَ إلى الجواز، وهذا يدلنا على ضرورةِ السعي لإيجاد شركاتِ إنتاجٍ لأفلامِ الكرتونِ الإسلاميةِ، بحيث تُغرَسُ فيها جميعُ الفضائل، وتُنفَى عنها جميع المضار والرذائل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/58)
تريد النصيحة للمسلمات اللاتي يعشن في الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مسلمة أعيش في دولة أجنبية مع زوجي لطلب العيش، أرجو أن تذكروا الالتزامات والقواعد والواجبات التي يجب على المرأة المسلمة الالتزام بها وتحافظ عليها؛ وذلك لكثرة عدد المسلمات في الدول الأجنبية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. أول ما يجب عليكم هو ترك تلك الديار الكافرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بَرِئ ممن أقام بين أظهر المشركين، ولذلك فإنه يحرم عليكم البقاء في بلاد الكفر، وخاصة أنكم فيها من أجل العمل، وليس هذا من الأعذار الشرعية التي تجيز لكم البقاء فيها.
انظر السؤال (13363) و (27211) عن تحريم الإقامة في بلاد الكفر، وشروط جواز ذلك في بعض الحالات.
2. وعليكم أن تختاروا من البلاد الإسلامية الأقرب إلى الستر والعفاف والاستقامة على الدين، ومن المعلوم أن البلاد الإسلامية تتفاوت فيما بينها في هذه الأمور، وليست كل البلاد يمكنكم الإقامة فيها – للأسف – بل يتبع هذا لجنسيتكم وقوانين البلد.
3. فإن لم يحصل منكم مغادرة لتلك البلاد: فعليكن بتقوى الله تعالى، والاستقامة على أمره عز وجل في كل شئونكن، وأول ذلك: الحرص على أسركن من التفكك والضياع في تلك البلاد التي تساهم في هذا، فيجب عليكن الاهتمام بأولادكن ذكوراً وإناثاً وتربيتهم تربية إسلامية وربطهم بالتاريخ الإسلامي وتعليمهم الأحكام الشرعية، وتقوية اللغة العربية عندهم.
4. يجب أن يكون مكان سكن الأسر المسلمة بعيداً عن أماكن الفجور والانحلال، ولا بدَّ من اجتماع الأسر المسلمة المحافظة في مكان واحد من أجل أن يقوِّي أحدهم الآخر، ويعين بعضهم بعضاً على طاعة الله تعالى، ويساهمون بالتالي في حسن تربية أنفسهم وأبنائهم.
5. يحرم عليكن ترك الحبل على غاربه في علاقات أولادكم بأولاد الكفار، ولا يجوز لكم تمكينهم من مشاهدة البرامج والأفلام الهابطة التي تدمر الأخلاق، كما يجب الاهتمام بقراءاتهم ومراقبتها حتى لا تضل أفكارهم أو يفقدوا دينهم.
6. ينبغي أن يكون لكم في أسرتكم أوقات محددة ولو كانت قصيرة تلتقي فيها الأسرة جميعها لمتابعة بعضهم بعضا، وللوقوف على مشاكل كل واحد من الأسرة قبل تفاقمها وصعوبة أو استحالة حلها.
7. كما يجب عليكن حسن اختيار الصحبة للأسر التي تختلطون بها؛ خشية أن يكون لبعضهم تأثير سلبي على أفراد أسرتكم فتضيع جهودكم في التربية والتوجيه.
8. عليكن تبغيض هذه الحضارة وأخلاقها في نفوس أولادكم، وإعلامهم بمخالفتها للشرائع والفطَر السليمة، وضرب الأمثلة على ذلك، وربطهم بالحضارة الإسلامية وأخلاقها، وتنبيههم على أن بقاءكم في تلك الديار لن يطول.
9. وعليكن بكثرة زيارة البلد الله الحرام مكة المكرمة، فاحرصوا على الحج كل عام، وعلى العمرة أكثر من مرَّة في العام الواحد إن تيسر تقويةً لإيمانكم وتعليقاً لقلوب أولادكم بالإسلام والمسلمين، وللأسف نرى تقصيراً واضحاً من الجاليات المسلمة في بلاد الكفر في هذا الجانب.
10. تكوين مكتبة إسلامية من كتب وأشرطة وأقراص إسلامية لربط أفراد الأسرة بدينهم، وتسهيل الرجوع إلى معرفة الأحكام الشرعية، وإغلاق طرق التضليل التي تساهم في تجهيلهم وإفسادهم، وحبذا أن يكون لقناة " المجد " حضور في بيوتكم لما تقدمه من علم نافع، ولحرصهم أن لا يكون فيها نساء ولا موسيقى، وكذا ربطهم بالمواقع المفيدة في الإنترنت.
والحقيقة أن النصائح كثيرة، وكثرتها إنما هو بسبب كثرة ما في تلك الديار الكافرة من ضلال وانحلال وتفسخ وتهتك، وتحتاج كل جوانب الحياة لنصح وتوجيه وإرشاد، ولكن ما قلناه أولاً يوفر كثيراً من النصائح وهو الخروج من تلك الديار إلى بلاد الإسلام، ومن بقي في تلك الديار فليعلم أن الله تعالى سائله عن رعيته يوم القيامة، فليعد للسؤال جواباً، ونسأل الله تعالى أن يسهل لكم الخروج من تلك الديار، وأن يثبتكم على الإسلام والهداية والتوفيق والرشاد، وأن يصلح لكم ذريتكم، ويجعلهم دعاة للإسلام.
ونرجو الرجوع إلى السؤال رقم (4237) : ففيه زيادة بيان حول المحافظة على الأبناء وأفكارهم في الغرب.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/59)
الزواج من الكتابية هل تنصحون به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم السلفي أن يتزوج بامرأة نصرانية؟ البعض يقول بأن هناك العديد من الشروط لهذا، فأرجو ذكر هذه الشروط إن وجدت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في جواب السؤال رقم (45645) حكم الزواج من كتابية وأنه حلال بالنص، وذكرنا الشروط الواجب توفرها في المرأة الكتابية، ولم نحبذ الزواج منهن لما في ذلك من الضرر وعدم تحقق بعض الشروط في بعضهن.
وفي أجوبة الأسئلة: (12283) و (20227) و (44695) ذكرنا بعض مفاسد الزواج من الكتابية في هذا العصر، ومنها ما قاله الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن وقد يسبب ذلك تنصر أولاده، فالخطر كبير، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها، ولأنها لا تؤمن في نفسها في الغالب من الوقوع في الفاحشة، وأن تعلّق عليه أولاداً من غيره.
انتهى.
وتجد في جواب السؤال رقم (2527) شروط الزواج من الكتابية، فانظره فهو مهم.
وليعلم أنه من ترك مثل هذه الزيجات ابتغاء الأفضل لدينه ودين أبنائه فإن الله تعالى يعوِّضه خيراً، إذ أن " من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه " كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/60)
التربية بالقصة
[السُّؤَالُ]
ـ[من خلال النظر إلى الواقع المؤلم يتبين لنا مدى أهمية التربية كعامل أساسيٍّ في تنشئة جيل يعمل لخدمة الأمة ويدفعها نحو العزة والرفعة ويسمو بها نحو القمة وعندما نتأمل الواقع جيدا وننظر بشفافية أكثر يتضح لنا أن البذور إذا عُني بها خرج الزرع طيبا فكذلك الطفولة إذا عُني بها خرج لنا جيلاً صالحاً.
وهنا وعند تأمل القرآن الكريم والسنة المطهرة يتبادر لنا سؤال مهم وهو هل من الممكن أن يتربى هؤلاء الأطفال من خلال القرآن والسنة وهل يمكن استثمار قصص القرآن أو السنة في هذا المشروع الضخم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه ومن اهتدى بهداه
أما بعد....في ظل البيئة السيئة التي ولدّها التأثر بالغرب وسيطرت وسائله الإعلامية المختلفة على بيوت المسلمين وانهماك الوالدين في الأعمال المختلفة كاضطرار بعض الأسر لخروج الأم للعمل وقد يعمل الأب عملاً إضافياً أصبح الآباء بعيدون عن تربية أبنائهم وإذا جلسوا معهم إما أن يكونوا معكري المزاج فلا يجد الأولاد سوى الصراخ والعويل دون كلمة حانية أو بسمة رفيقة أو مداعبة رقيقة ويظن الأب أو الأم أن التوبيخ والنهر هو الطريقة المثلى للتربية بل قد يكون أصلاً لا يعرف سوى هذه الطريقة
أضرب ولدك يصبح مؤدباً
[أشخط.. أزعق.. زعّق.. كشر.. برطم..] ستكون النتيجة ولداً مهذباً صالحاً وهذا خطأ كبير في التربية
فالتأديب بتعليق العصا ليراه أهل البيت من السنة ولكن أن يكون الوحيد فهذا أمر مرفوض ويجب أن تكون أساليب التربية مستفادة من الوحي العظيم الكتاب والسنة فهذه الشريعة جاءت بكل ما يصلح به البشر شؤونهم، ومن تلك الأساليب المستقاة منها التربية الأبناء بل المجتمع بالقصة وهكذا فإن التربية بالقصة وتوصيل المعنى بالإحساس وتحقيق الهدف بالمثال من أفضل الأساليب وأكثرها نجاحاً وأنجعها نتيجة إن شاء الله.
وهكذا فإننا نجد بأن الموعظة بالقصة تكون مؤثرة وبليغة في نفس الطفل وكلما كان القاصْ ذا أسلوب متميز جذاب استطاع شد انتباه الطفل والتأثير فيه لما للقصة من أثر في نفس قارئها أو سامعها، ولما تتميز به النفس البشرية من ميل إلى تتبع المواقف والأحداث رغبة في معرفة النهاية التي تختم بها أي قصة، وذلك في شوق ولهفة.
فممّا لا شكّ فيه أنّ القصة المحكمة الدقيقة تطرق السامع بشغف، وتنفذ إلى النفس البشرية بسهولة ويسر ... ولذا كان الأسلوب القصصي أجدى نفعاً وأكثر فائدة؛ فالقصة أمر محبب للناس، وتترك أثرها في النفوس والمعهود حتى في حياة الطفولة أن يميلَ الطفل إلى سماع الحكاية، ويصغي إلى رواية القصة ... هذه الظاهرة الفطرية ينبغي للمربّين أن يفيدوا مِنها في مجالات التعليم خاصة وأن إعلامنا أجرم عندما جعل من العاهرة بطلة ومن العاهر بطلا، وإعلامنا أجرم كثيرا في حق أبنائنا فلم يترك عاهرة إلا وصورها وعقد معها لقاء
لذلك لابد أن يربط الولد بأنبياء الله عز وجل: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) الأنعام/90، وبرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/21
وتربيتهم على ما كان عليه صحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا إن التشبه بالكرام فلاح
والقصة خير وسيلة للوصول إلى ذلك ولهذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً ما يقص على أصحابه قصص السابقين للعظة والاعتبار وقد كان ما يحكيه مقدَّماً بقوله: " كان فيمن قبلكم " ثم يقص صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مسامعهم القصة وما انتهت إليه.
لقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتمثل منهجاً ربانياً (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الأعراف/176 وأن تلك القصص كانت قصصاً تتميز بالواقعية والصدق، لأنها تهدف إلى تربية النفوس وتهذيبها، وليس لمجرد التسلية والإمتاع حيث كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يأخذون من كل قصة العظة والعبرة، كما يخرجون منها بدرس تربوي سلوكي مستفاد ينفعه وينفع من بعدهم في الدارين: في دار الدنيا والآخرة.
ولكن هل الإعلام الموجه للطفل عموماً استفاد من هذا الأسلوب " التربية بالقصة " لتحصيل أسباب تربوية أم أنه إعلام هدّام أو سلبي على أقل وصف؟
للأسف كثيرٌ منه سلبي فالقصص التي تعرض في أفلام الكرتون فيها محاذير ومنكرات عديدة منها:
1- قصص تثير الفزع والرعب والرهبة
القصص التي يغلب عليها طيف الفزع والرهبة، تترك في الذائقة اشتياقاً ممزوجاً بالجزع، وفي النفس جبناً وعقداً، وأمثال ذلك: قصص (أمناً الغولة، وقصص المردة، والعفاريت) هذه القصص تهدم الشخصية، وتقتل الحس الفكري لدى الطفل، ولا تؤسس الطفل الشجاع، ولكنها تؤسس الطفل الجبان المتخاذل، الذي يتملك الخوف من فرائسه.
فالطفل يظل معايش الفكرة حتى بعد الانصراف، من لحظة المعايشة الفكرية للقصة، يتخيل بالفعل أن هناك عفاريت تحاصره بالظلام، وأن هناك (أمنا الغولة عند البئر) إلخ ... ، ولو نظر كل منا لنفسه، لوجد أنه لا يزال يعيش بوجدانه قصصاً قرأها في صباه، فيجب أن نؤسس الطفل على الشجاعة، لكي نبني أمة شجاعة، لا أن نؤسس الطفل على الجبن فنبني أمة ضعيفة.
2- القصص الشعبية التي تحتوي على مواقف منافاة الأخلاق:
وأمثلة ذلك: قصص (طرزان- وسوبر مان- والجاسوسية) ، التي لا تحتوي على قيم إنسانية أو أخلاقية، بقدر ما تمجد العنف كوسيلة لحل المشاكل، وتجعل القوة البدنية، هي العامل الأقوى في حسم المواقف.
مثال: طرح شخصية (طرزان) ، الذي تربى بين الحيوانات، ولا يعرف وسيلة لحل مشاكله إلا بالقوة البدنية، هذه الفكرة تسقط سلوك الطفل العقلاني، إلى السلوك العدواني، دون استخدام العقل، فيجب طرح قصص تدرب الناشئة على حل المشاكل بإحلال العقل محل القوة.
3- قصص تثير العطف على قوى الشر أو تمجيدها:
القصص، التي تثير العطف على قوى الشر، وتمجده مثل انتصار الشر على الخير،.. الظالم على المظلوم ... الشرير على الشرطي ويطرحونها بحجة أنهم يكشفون السلوك الخاطئ للطفل كمن يكذب على أولاده ثم يقول هذا كذب أبيض وفي الحقيقة الولد يتربى على الكذب فليس هناك كذب أبيض ولا أسود، أما عن إثارة العطف على قوى الشر والانتصار له في النهاية قد تجعل الولد يسلك السلوك الخاطئ، ليبقى ضمن طائفة الأقوياء المنتصرين.
مثال ذلك: (قصص الرجل الخارق، وسوبر مان، الرجل الحديدي، جلاندايزر)
4- قصص التي تعيب الآخرين وتسخر منهم:
القصص القائمة على السخرية من الآخرين وتدبير المقالب لهم وإيقاع الأذى بهم، منها السخرية من علة المعاق أو عيب خلقي في نطق البعض وتدبير المقالب للكبير مثلاً وإيقاع الأذى بالأعمى، بإيقاعه في فخ ما أو غيرها، دون تعظيم الأثر الواقع على المخطئ أو مدبر المقلب، ومن الأمثلة الشهيرة لهذا الفكر الخاطئ تربوياً: الأفلام المتحركة في قصة " توم وجيري "، وهذه القصة رغم ما بلغته من شهرة جماهيرية لدى الأجيال إلا أنها فاسدة تربوياً، ترسِّب هذه الأفلام في وعي الطفل نمطاً سلوكياً خاطئاً، يقلده الطفل ويتمثل به ليحقق ذات المتعة والشقاوة الفكرية على من حوله، ويحس بالتفوق على الآخرين، وكذلك تلك الأفلام التي تسخر من الأسود وتؤدي إلى نبذ الجنس الآخر الأسود فهذا يرسب الضغينة والحقد في نفوس الأطفال، ويؤسس التفرقة والتشرذم لا الوحدة والتآلف.
فهذه مقتطفات من واقع القصص المقدمة للأطفال والتي كان يفترض أن تكون تربوية.
ربما يقول البعض إن القصص المناسب طرحها للأطفال قليلة وغير مفيدة بينما نجد في الكتاب والسنة الكثير من ذلك؟
من القصص المناسبة للأطفال والتي ستناول بعضها:
1. قصة يونس في بطن الحوت
2. قصة أبي هريرة مع الشيطان
3. قصة خشبة المقترض
4. قصة الثلاثة أصحاب الغار
5. قصة أصحاب الأخدود
6. قصة أنس مع سر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
7. قصة عبد الله بن عمر مع الراعي.. " قل له أكلها الذئب "
8. قصة أم موسى
9. قصة عمر واللبن
10. قصة يوسف
11. قصة معاذ ومعوذ
12. قصة القُبّرة
13. قصة الجمل
14. قصة صاحبة الوشاح " ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا "
15. قصة ابن عمر والنخل.
كيف نطبق تلك القصص على الواقع؟
كيف نربي أبنائنا على بر الوالدين وطاعتهم بالاستفادة من القصص النبوي الصحيح؟
روى البخاري في صحيحه عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ انْطَلَقَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ فَقَالُوا إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكُنْتُ لا أَغْبِقُ - شُرْب الْعَشِيّ - قَبْلَهُمَا أَهْلا وَلا مَالا فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلا أَوْ مَالا فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا ُ [َ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ - الصِّيَاح بِبُكَاء بسبب الجوع - عِنْدَ رِجْلَيَّ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ] حَتَّى بَرَقَ الْفَجْر فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج.
َ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ [كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ] فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي [فَقَالَتْ لا تَنَاُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا] فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ لا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلا بِحَقِّهِ [قَالَتْ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلا بِحَقِّهِ] فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا [فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا] وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ [فَفَرَجَ عَنْهُمْ الثُّلُثَيْنِ]
غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ (أَيْ: ثَمَنه) غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي فَقُلْتُ لَهُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لا تَسْتَهْزِئُ بِي فَقُلْتُ إِنِّي لا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ.
الفوائد من هذه القصة:
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، قال قتادة: تقربوا إليه بطاعته، والعمل بما يرضيه.
1- الأعمال الصالحة وقت الرخاء يستفيد منها الإنسان وقت الشدة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة) .
2- يجب على المسلم أن يلجأ إلى الله وحده دائماً بالدعاء وخاصة حين نزول الشدائد، ومن الشرك الأكبر دعاء الأموات الغائبين، قال الله تعالى: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ) - الظالمين: المشركين.
3- مشروعية التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة، وهي نافعة ومفيدة، ولا سيما عند الشدة، وعدم مشروعية التوسل بالذوات والجاه.
4- حب الله مقدم على حب ما تهوى النفوس من الشهوات.
5- من ترك الزنى والفجور خوفاً من المولى نجاه الله من البلوى.
6- من حفظ حقوق العمال حفظه الله وقت الشدة، ونجاه من المحنة.
7- الدعاء إلى الله مع التوسل بالعمل الصالح يفتت الصخور.
8- بر الوالدين وإكرامهما على الزوجة والأولاد.
9- حق الأجير يحفظ له، ولا يجوز تأخيره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه) .
10- استحباب تنمية مال الأجير الذي ترك حقه، وهو عمل جليل، وهو من حق الأجير.
11- شرع من قبلنا هو شرع لنا إذا أخبر به الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم على طريق المدح، ولم يثبت نسخه، وهذه القصة قصها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدح هؤلاء النفر الثلاثة لنقتدي بهم في عملهم.
12- طلب الإخلاص في العمل حيث قال كل واحد (اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه) .
13- إثبات الوجه لله سبحانه من غير تشبيه، قال الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) .
وهذه قصة خشبة المقترض الأمين فلننظر كيف يمكن أن نربي أبنائنا على الأمانة ورد الأمانة من خلال سرد القصص؟
روى البخاري رحمه الله في صحيحه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ [في رِوَايَة أَبِي سَلَمَة " أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل كَانَ يُسْلِف النَّاس إِذَا أَتَاهُ الرَّجُل بِكَفِيلٍ " وفي رواية بها مجهول أنه النجاشي]
فَقَالَ ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ فَقَالَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا قَالَ فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ قَالَ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلا قَالَ صَدَقْتَ [فَقَالَ " سُبْحَان اللَّه نَعَمْ "] . رضي بكفالة الله, مما يدل على إيمان صاحب الدين , وثقته بالله عز وجل.
فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ [أَيْ الأَلْف دِينَار] إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى.
فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ [وفِي رِوَايَة: فَرَكِبَ الرَّجُل الْبَحْر بِالْمَالِ يَتَّجِر فِيهِ فَقَدَّرَ اللَّه أَنْ حَلَّ الأَجَل وَارْتَجَّ الْبَحْر بَيْنهمَا]
ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا [زَادَ فِي رِوَايَة أَبِي سَلَمَة " وَغَدَا رَبّ الْمَال إِلَى السَّاحِل يَسْأَل عَنْهُ وَيَقُول: اللَّهُمَّ اُخْلُفْنِي وَإِنَّمَا أَعْطَيْت لَك "]
فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا [أَيْ حَفَرَهَا , وَفِي رِوَايَة " فَنَجَرَ خَشَبَة "] . فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ [وجاء في حديث آخر " فَعَمِلَ تَابُوتًا وَجَعَلَ فِيهِ الأَلْف]
ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا [قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَيْ سَوَّى مَوْضِع النَّقْر وَأَصْلَحَهُ , وَهُوَ مِنْ تَزْجِيج الْحَوَاجِب وَهُوَ حَذْف زَوَائِد الشَّعْر , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَأْخُوذًا مِنْ الزُّجّ وَهُوَ النَّصْل كَأَنْ يَكُون النَّقْر فِي طَرَف الْخَشَبَة فَشَدَّ عَلَيْهِ زُجًّا لِيُمْسِكهُ وَيَحْفَظ مَا فِيهِ , وَقَالَ عِيَاض: مَعْنَاهُ سَمَّرَهَا بِمَسَامِير كَالزُّجِّ , أَوْ حَشَى شُقُوق لِصَاقهَا بِشَيْءٍ وَرَقَعَهُ بِالزُّجِّ , وَقَالَ اِبْن التِّين: مَعْنَاهُ أَصْلَحَ مَوْضِع النَّقْر]
ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلانًا [يعني كما جاء في رواية أخرى " اسْتَسْلَفْت مِنْ فُلَان "] أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلا فَرَضِيَ بِكَ [وفي رواية " فَرَضِيَ بِهِ "]
وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ وَأَنِّي جَهَدْتُ
أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا [وَزَادَ فِي حَدِيث " فَقَالَ اللَّهُمَّ أَدِّ حَمَالَتك "]
فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ [أَيْ دَخَلَتْ فِي الْبَحْر]
رماها وهو واثق بالله , متوكل عليه , مطمئن أنه استودعها من لا تضيع عنده الودائع.
ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا فَلَمَّا نَشَرَهَا [قَطَعَهَا بِالْمِنْشَارِ] وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ (وَجَدَ الْمَال) فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ " فَلَمَّا كَسَرَهَا " وَفِي رِوَايَة أَبِي سَلَمَة " وَغَدَا رَبّ الْمَال يَسْأَل عَنْ صَاحِبه كَمَا كَانَ يَسْأَل فَيَجِد الْخَشَبَة فَيَحْمِلهَا إِلَى أَهْله فَقَالَ: أَوْقِدُوا هَذِهِ , فَكَسَرُوهَا فَانْتَثَرَتْ الدَّنَانِير مِنْهَا وَالصَّحِيفَة , فَقَرَأَهَا وَعَرَفَ ".
قال صلى الله عليه وسلم: ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ قَالَ هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ قَالَ أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا.
قَوْله: (وَانْصَرَفَ بِالأَلْفِ الدِّينَار رَاشِدًا) وفي حديث آخر " قَدْ أَدَّى اللَّه عَنْك , وَقَدْ بَلَغَنَا الأَلْف فِي التَّابُوت , فَأَمْسِكْ عَلَيْك أَلْفك "
يعني لما تيسرت للمدين العودة إلى بلده ,جاء بسرعة إلى صاحب الدين , ومعه ألف دينار أخرى , خوفا منه أن تكون الألف الأولى لم تصل إليه , فبدأ يبين عذره وأسباب تأخره عن الموعد , فأخبره الدائن بأن الله عز وجل الذي جعله الرجل شاهده وكفيله , قد أدى عنه دينه في موعده المحدد.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَلَقَدْ رَأَيْتنَا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْثُر مِرَاؤُنَا وَلَغَطنَا , أَيّهمَا آمَن "؟
وَفِي الحديث فَضْل التَّوَكُّل عَلَى اللَّه وَأَنَّ مَنْ صَحَّ تَوَكُّله تَكَفَّلَ اللَّه بِنَصْرِهِ وَعَوْنه.
فما أحوج الإنسان في زمن طغت فيه المادة , وتعلق الناس فيه بالأسباب إلا من رحم الله , إلى أن يجدد في نفسه قضية الثقة بالله , والاعتماد عليه في قضاء الحوائج , وتفريج الكروب , فقد يتعلق العبد بالأسباب , ويركن إليها , وينسى مسبب الأسباب الذي بيده مقاليد الأمور , وخزائن السماوات والأرض , ولذلك نجد أن الله عز وجل يبين في كثير من المواضع في كتابه هذه القضية , كما في قوله تعالى: (وكفى بالله شهيدا) الفتح/28 , وقوله: (وكفى بالله وكيلا) الأحزاب/3 , وقوله: (أليس الله بكاف عبده) الزمر/36 , كل ذلك من أجل ترسيخ هذا المعنى في النفوس , وعدم نسيانه في زحمة الحياة , وجاءتنا السنة بقصة هذين الرجلين من الأمم السابقة , اللذين ضربا أروع الأمثلة لهذا المعنى.
إن هذه القصة تدل على عظيم لطف الله وحفظه , وكفايته لعبده إذا توكل عليه وفوض الأمر إليه , وأثر التوكل على الله في قضاء الحاجات , فالذي يجب على الإنسان أن يحسن الظن بربه على الدوام , وفي جميع الأحوال , والله عز وجل عند ظن العبد به , فإن ظن به الخير كان الله له بكل خير أسرع , وإن ظن به غير ذلك فقد ظن بربه ظن السوء.
إذا بلغ العبد الغاية من الزهد، أخرجه ذلك إلى التوكل
فإذا اتكلت فكن بربك واثقاً لا ما تحصل عندك الموثوق
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا.
( ... وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/3 وكذلك من القصص التي تربي على الأمانة
قصة جرة الذهب
كما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشترى رجل من رجل عقاراً له (أرضاً) فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب!!
المشتري (للبائع) : خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض، ولم أشتر منك الذهب!!
البائع (ممتنعاً) : إنما بعتك الأرض وما فيها. – يحتكمان إلى رجل -.
الحكم: ألكما ولد؟
أحدهما: لي غلام.
الآخر: لي جارية.
الحكم: أنحكوا (زوجوا) الغلام للجارية وأنفقوا عن أنفسكما منه، وتصدقا.
من فوائد القصة
1- أداء الأمانة مطلوب لقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) .
2- القناعة كنز لا يفنى تعود بالخير والبركة على صاحبها.
3- مشروعية الاحتكام إلى عالم بالكتاب والسنة، دون الذهاب إلى المحاكم المدنية التي تضيع الأموال والأوقات عملاً بقول الله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)
4- من رضي بما أعطاه الله كان من أغنى الناس لقوله صلى الله عليه وسلم:-
أ- (وأرضَ بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس) .
ب- ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس.
5- الرزق مقسوم، لا بد أن يصل إليك في وقته ومقداره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت) قال الشيخ الألباني رحمه الله: رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد حسن.
6- على المسلم أن يقنع بالحلال، ويترك الحرام والطمع فيما ليس له، ويأخذ بالأسباب المشروعة للرزق، وأن العمل الصالح يكفل له السعادة في الدنيا والآخرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله وأحملوا في الطلب) .
7- الحكم العادل يرضي المحتكمين.
8- عدم الطمع فيما ليس للإنسان.
كيف نربي أبنائنا على مراقبة الله وأن الله معنا ويراقبنا؟
قصة ابن عمر والراعي:
ذكر هذه القصة ابن الجوزي رحمه الله في صفة الصفوة (2 / 188)
قال نافع: خرجت مع ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة فمر بهم راع
فقال له عبد الله: هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة.
فقال: إني صائم
فقال له عبد الله: في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم
فقال الراعي: أبادر أيامي الخالية فعجب ابن عمر
وقال: هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ما تقطر عليه وتعطيك ثمنها
قال: إنها ليست لي إنها لمولاي
قال: فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب ... ؟ !
فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول فأين الله؟؟؟
قال: فلم يزل ابن عمر يقول: قال: الراعي فأين الله
فما عدا أن قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم رحمه الله
صفة الصفوة (2 / 188)
فهذه القصة احتوت على كثير من الفوائد والعبر منها:
الحث على الكرم فعبد الله بن عمر لم يستأثر بالسفرة مع أصحابه دون الراعي وقد مر بهم بل دعاه ليأكل معهم وهكذا فإن الولد الكريم إذا أحضر طعاماً إلى المدرسة أو الرحلة فإنه يضيّف أصحابه ويعرض عليهم مشاركته فيه
وكذلك الصيام وأن الراعي على الرغم من أنه يعمل عملاً شاقاً وفي يوم حار لكنه يحتسب ذلك ليوم الحساب والجزاء
وكيف أن ابن عمر رضي الله عنهما أحب أن يختبر أمانة الراعي فأعجبه جوابه وقيل أنه بكى لقول الراعي وهو رافع إصبعيه إلى السماء فأين الله
وهنا درس عظيم الآخر وهو تنمية الصلة بالله وخشيته في الغيب والشهادة وغرس روح المراقبة في النفوس كالشاعر الذي قال:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعةً ولا أن ما تُخفي عليه يغيب
ونفس الغرض الذي أراده ابن السّماك:
يا مدمن الذنب أما تستحي واللهُ في الخلوة ثانيكا
غرك من ربك إمهاله وستره طول مساويكا
وفي القصة العاقبة الحميدة لمن نال هذه الصفات فالراعي الذي سمعنا عنه في هذه القصة كان عاملاً يأكل من تعب يده برعي الغنم وكان مع ذلك عابداً يصوم في النهار حتى في الأيام الحارة وكان أميناً في عمله يراقب الله عز وجل في نفسه وأن مطلع عليه فصلته بالله قوية ولذلك رفض المكسب الحرام مع أنه قادر عليه ومتمكن منه ولم يستغل عمله وأمانته ولم يسرق منها فأعقبه الله الحسنى فعندما رأى عبد الله بن عمر تلك الصفات أعتقه واشترى له الغنم ووهبه له
فمن عبد يرعى غنم صاحبه إلى حر يملك حلالاً كثيراً
وإنه سنة عظمية يجب تربية الأبناء عليها ((من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه))
إنها قاعدة لو شربها أطفالنا منذ الصغر لجنبتهم الكثير من الحرام والمنكرات في الكبر
تربية الأبناء على تجنب الغش وتحريمه؟
لما نهى عمر رضي الله عنه في خلافته عن خلط اللبن بالماء وخرج ذات ليلة في حواشي المدينة وأسند ظهره إلى جدار ليرتاح فإذا بامرأة تقول لابنتها إلا تمذقين اللبن بالماء فقالت الجارية كيف أمذق وقد نهى أمير المؤمنين عن المذق فقالت الأم فما يدري أمير المؤمنين , فقالت الجارية إن كان عمر لا يعلمه فإله عمر يعلم ما كنت لأفعله وقد نهى عنه.
فوقعت مقالتها من عمر فما أصبح دعا عاصماً ابنه فوصفها له ومكانها وقال اذهب يا بني فتزوجها فتزوجها عاصم بن عمر فولدت له بنتاً فتزوجها عبد العزيز بن مروان بن الحكم فأتت بعمر بن عبد العزيز.
ومن فوائد تلك القصة:
1- أن ما أثبته القرآن والسنة من الكتب السابقة نثبته أما خلافه فلا نصدقه ولا نكذبه إذا لم عرض النصوص.
2- اجتهاد السلف في تربية أبنائهم.
3- استشعار مراقبة الله في السر والعلن.
4- عدم التحرج من تقديم النصيحة للوالدين.
5- اختيار الزوج والزوجة الصالحة للبنت والابن.
كيف نربي الأطفال على تجنب الظلم؟
روى البخاري - رحمه الله تعالى- عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: [أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب، وكان لها حفش في المسجد، قالت: فكانت تأتينا فتحدث عندنا، فإذا فرغت من حديثها قالت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا
ألا إنَّه من بلدة الكفر نجاني
فلما أكثرت قالت لها عائشة: وما يوم الوشاح؟! قالت: خرجت جويرية لبعض أهلي وعليها وشاح من أدم، فسقط منها، فانحطت عليه الحديَّا وهي تحسبه لحماً، فأخذته. فاتهموني به، - أي بسرقة الوشاح- فعذبوني حتى بلغ من أمري أنهم طلبوا في قبلي، وبينما هم حولي وأنا في كربي إذ أقبلت الحديَّا حتى وازت برؤوسنا، ثم ألقته فأخذوه، فقلت لهم: هذا الذي اتهمتموني به وأنا منه بريئة. أخرجه البخاري - الفتح - رقم (3835) .
معنى وازت: أي قابلت.
الحفش: هو البيت الصغير الضيق
انظر فتح الباري (7/186) ط: دار الريان للتراث. والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (1/407) ط: دار الفكر.
ما يؤخذ من القصة:
وَفِي الحديث من الفوائد الْخُرُوج مِنْ الْبَلَد الَّذِي يَحْصُل لِلْمَرْءِ فِيهِ الْمِحْنَة , وَلَعَلَّهُ يَتَحَوَّلُ إِلَى مَا هُوَ خَيْر لَهُ كَمَا وَقَعَ لِهَذِهِ الْمَرْأَة. وَفِيهِ إِجَابَة دَعْوَة الْمَظْلُوم وَلَوْ كَانَ كَافِرًا ; لأَنَّ فِي السِّيَاق أَنَّ إِسْلَامهَا كَانَ بَعْد قُدُومهَا الْمَدِينَة.
1. استجابة دعوة المظلوم ولو كان كافراً؛ لأن المرأة ما أسلمت إلا بعد قدومها إلى المدينة.
2. الخروج من البلد الذي يحصل للمرء فيه المحنة؛ فلعله يتحول إلى ما هو خير منه؛ كما وقع لهذه المرأة وكما أخبر الله: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة) النساء/100. إرغاماً لأنوف الذين اضطهدوه، وسعة له في الرزق.
3. الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام.
إباحة المبيت والقيلولة في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلاً كان أو امرأة بشرط أمن الفتنة، وإباحة الاستظلال في المسجد بخيمة ونحوها.
كيف نعلم أولادنا التوقي من الشيطان والتعود على الأذكار؟
قصة أبي هريرة مع الشيطان
قال البخاري رحمه الله (باب الوكالة) :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ قَالَ فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالا فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ سَيَعُودُ فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ لا أَعُودُ فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالا فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهَذَا آخِرُ ثَلاثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ قَالَ دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ مَا هِيَ قُلْتُ قَالَ لِي إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَقَالَ لِي لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لا قَالَ ذَاكَ شَيْطَانٌ.
وفي رواية انه كان على تمر الصدقة أبو هريرة فوجد أثر كف كأنه أخذ منه وقوله من الطعام المراد منه البر ونحوه مما يزكى به.
قوله: (لأرفعنك) أي لأذهبن بك أشكوك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليقطع يدك لأنك سارق.
وقوله: (أني محتاج ولي عيال) يعني فقير في نفسي ولي عيال أظهر حاجة أخرى ثم قال مؤكداً حاجته ولي حاجة شديدة يعني زائدة صعبة كدين أو جوع مهلك ونحو ذلك هذا تأكيد بعد تأكيد.
وقوله: (لا يزال عليك من الله حافظ) يعني لا يزال من عند الله أو أمر الله حافظ من قدرته سبحانه أو من الملائكة لا يقربك شيطان لا إنسي ولا جني لا يقربك شيطان في أمر ديني ولا دنيوي ودليله صلى الله عليه وسلم عندما قال له صدقك أي في تعليمه لك وهو كذوب أي في سائر أقواله لأن هذه عادة الشيطان.
وهكذا وجدنا أيها الأخوة والأخوات حلقة من حلقات الصراع بين المسلم والشيطان وقد حصل لعدد من الصحابة مواقف مثل موقف أبي هريرة رضي الله عنه وهذه الوقائع والقصص لها مدلولات كثيرة منها:
1- أن الشيطان قد يعلم ما ينتفع به المؤمن.
2- أن الحكمة قد يعلمها الفاجر لكنه لا ينتفع بها لأنه لا يعمل بها لكن تؤخذ عنه.
3- أن الشخص قد يعلم شيئا ولا ينتفع به (يعلم بالشيء ولا يعمل به)
4- أن الشيطان قد يَصدق وقد يصدق ببعض ما يصدق به المؤمن ومع ذلك لا يكون مؤمنا.
5- أن الكذاب قد يصدق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (صدقك وهو كذوب)
6- أن عادة الشيطان الكذب الغالب على الشيطان الكذب وأنه نادرا ما يصدق وكذوب صيغه مبالغه
7- للشيطان قد يتصور في صورة يمكن للإنسي أن يراه لان الله يقول في كتابه (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ..) الأعراف/27، فالشيطان ومن هم من شاكلته من الشياطين يمكنهم أن يرونكم وانتم لا ترونهم فقال الله من حيث لا ترونهم فكيف رآهم أبو هريرة والصحابة؟؟ لما تصور بصورة أخرى غير الصورة التي خلق عليها فيمكننا رؤيته فإذا كان بشكله الحقيقي لا يمكن أن نراه
8- والشخص الذي يقام بحفظ الأشياء يسمى وكيلا يوكل بحفظ الصدقة وعليه الاهتمام بها وصيانتها.
9- أن الجن يأكلون من طعام الإنس وقول الله تعالى (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ..) الاسراء/64 فيدخل الطعام في الأموال فإذا أردت أن لا يشارككم الشيطان في الطعام فسم بالله عند الطعام وغط الإناء وقل بسم الله لان الشيطان يأكل من الإناء المفتوح ويشرب من الإناء المفتوح فالفائدة من تغطيته والتسمية هو منع الشيطان منه وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (ولو أن تعرض عليه عودا وتسم بالله) فلو وضعت عودا بدلا من الغطاء وقلت بسم الله لا يستطيع الشيطان أن يأكل أو يشرب منه وكذلك أيضا يفيد في منع نزول الداء من السماء فإن في السنة ليلة ينزل بها الداء كما أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم فهذا شي غيبي فإذا غطيت الإناء لم ينزل الداء إذا الفائدة من تغطية الإناء:
• منع نزول الداء
• منع الشيطان أن يشركك في مطعومك ومشروبك
10- فاسم الله أيضا يمنع الشيطان من النظر إليك فإذا أراد الإنسان أن يخلع ثيابه أو أن يأتي الرجل أهله فما هو الحل أفنبقى نحن نهباً لأعين الجن يرون عوراتنا؟؟ لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الرجل إذا أراد أن يخلع ثيابه فسم الله فان الشيطان لا يستطيع أن ينظر إلى عورته. وكذلك بسم الله تمنع الشيطان من مشاركه في الأولاد فانه ورد في تفسير قوله (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ..) أن الشيطان يشارك الإنسان في وطئ زوجته فإذا قلت بسم الله قبل الجماع منعت الشيطان من المشاركة.
11- أن الجن يسرقون ويتكلمون بكلام الأنس كلام تسمعه وباللغة التي عليها الرجل حدثوا أن أبا علقم النحوي وكان رجلا متقعرا في الكلام أنه كان مرة يمشي في الطريق فأصابه شي فسقط فتجمع عليه أهل السوق واحد يعصر إبهامه وواحد يقرأ في أذنه وواحد يؤذن في الأذن الأخرى فقال: ما لكم تكأكأتم علي كتكأكؤكم على ذو جنة افرنقعوا عني فقالوا: شيطانه يتكلم بالفارسية أو الهندية فقوله تكأكأتم علي كتكأكؤكم أي تجمعتم علي كتجمعكم على ذو جنة أي كمن دخل عليه جني وافرنقعوا عني أي انفضوا من حولي.
12- أن الجن يسرقون ويخدعون كما في قوله لا أعود فعاد
13- فضل آية الكرسي ومن الروايات الأخرى يؤخذ فضل آخر سورة البقرة
14- أن السارق لا يقطع في المجاع
15- قبول العذر والستر على من يظن به الصدق
16- إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على المغيبات
17- جواز جمع زكاة الفطر قبل ليلة الفطر لتفريقها بعد ذلك
18- أن زكاة الفطر تخرج طعاما
19- يقين الصحابة بكلام النبي صلى الله عليه وسلم وتصديقهم به
20- قراءة آية الكرسي قبل النوم
21- أن التشريع على كلام الشيطان أتى من الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال:صدقك وليس التشريع من كلام الشيطان.
22- أن آية الكرسي تمنع شياطين الجن والإنس سواء أكان في الأمور الدينية أو الدنيوية (لا يقربنك شيطان حتى تصبح) والشيطان هنا نكرة
23- كرامة الله لأبي هريرة عندما استطاع أن يلقي القبض على الشيطان أي لم يستطع الشيطان أن يفلت منه ففيه إن المؤمن قوي الإيمان يستطيع أن يمسك الشيطان ولا يمكنه من الهروب وذكر ابن القيم في فوائد الذكر انه ربما من كثرة ذكر المؤمن لله عز وجل ربما أن يقرب منه الشيطان ليمسه بسوء فيصرع الشيطان فتجتمع عليه الشياطين فيقولون ما به فيقولون صرعه الإنسي.
24- أن ذكر الله تعالى هو الذي يحمي المؤمن من الشيطان وعلى رأس الذكر القرآن وأفضل آية في القران هي آية الكرسي
25- أن الإنسان إذا كان صاحب حاجة يجب أن يبين حاجته حتى يعرف عذره ولا يرتاب في أمره
26- رفع الشأن المهم إلى العلماء (وكانوا أبو هريرة رضي الله عنه لأرفعنك إلى رسول الله عليه وسلم
27- حرص أبي هريرة على العلم (وكانوا احرص شي إلى العلم) فأطلق سراحه لأجل الفائدة فهم يحرصون على العلم
28- يمكن أن يثور اعتراض وهو كيف استطاع أبو هريرة أن يمسك الشيطان لان الرسول صلى الله عليه وسلم امتنع عن إمساكه لدعوة سلمان (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي..) صّ/35 (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ) صّ/36، (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) صّ/37 فكيف امسك أبو هريرة بالشيطان الذي رآه وأراد حمله للنبي عليه السلام؟؟
أجاب الحافظ بن حجر على هذا الإشكال بأن النبي صلى الله عليه وسلم هم أن يمسك بالشيطان الأكبر رأس الشياطين فعند ذلك يكون فيه مضاهاه لما حدث لسليمان أما الشيطان الذي في حديث الباب إما أن يكون الشيطان الذي مع الصحابي (لكل إنسان شيطان) أو أن يكون شيطان من الشياطين وليس رأس الشياطين. فإن قال قائل ما هي الميزة التي موجودة في آية الكرسي حتى تمنع الشياطين من إيذائنا؟؟
آية الكرسي هي أعظم آية في القرآن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الصحابي وأن هذه الآية إذا قرأها المؤمن في دبر كل صلاة لم يمنعه من الدخول إلى الجنة إلا أن يموت كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح الذي رواه النسائي رحمه الله وغيره فآية الكرسي تقرأ قبل النوم وفي أدبار الصلوات من أسباب فضلها:
• اشتمالها على الاسم الأعظم (الله لا اله إلا هو الحي القيوم) في البقرة وال عمران وطه وعلت في وجوه الحي القيوم على بعض الأقوال على احتمال أنها الاسم الأعظم
• هذه الآية هي عشر جمل مستقلة (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ) متفرد ا
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/61)
تأديب صاحب المرض المزمن
[السُّؤَالُ]
ـ[لنا بنت مريضة وأحياناً نضربها ضرباً خفيفاً، لكننا نتألم نفسياً من ذلك، فهل علينا في ذلك شيء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليكم مراعاة حالها، وعدم فعل ما يزيد مرضها، وإذا كانت لا تتحمل الضرب لم يجز لكم الضرب، وأما إن كان المرض خفيفاً وهي تخطئ وتعمل بعض الأشياء التي تستحق عليها التأديب الخفيف فلا بأس.
لكن يجب أن تراعوا حالها، فإن كان الضرب يضرها فلا تضربوها، أما إذا كانت لا يضرها هذا الضرب الذي تعملونه معها لأن مرضها خفيف والحاجة ماسة إلى تأديبها حتى ترتدع عما لا ينبغي فلا حرج في ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/342.(10/62)
زوجها لا يهتم بأولادها ويذهب بهم إلى المبتدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[يرسل زوجي ابني إلى مدرسة إسلامية وأعتقد أنها مدرسة متساهلة جدا دينيا. يبلغ ابني من العمر 7 سنوات ولم يسبق له أن تعلم القرآن أو أي سورة منه. كنت أدرسه من الترجمة إلى الإنكليزية لأني لا أتحدث بالعربية. لقد تكلمت معه في هذا الخصوص لكنه كان يصد عني أو كان يجعل لذلك صلة بإرسال ابني إلى مدرسة معروفة ببدعها ومستحدثاتها. أبناؤه من زوجته الأخرى يدرسون في هذه المدرسة وهم يقرؤون القرآن بالعربية بطلاقة.
ماذا أفعل في هذه الحالة؟ أنا أريد أن يتعلم ابني القرآن لكن المدرسة التي يذهب إليها متساهلة , والمدرسة الأخرى التي تولي ذلك الأمر اهتماما كبيرا تتجنبها الجالية الإسلامية عندنا. والمسجد إلى حد ما يقوم بدور لكن وفق لغة بسيطة في التحدث.
وأيضا, فإن زوجي يذهب إلى هذا المسجد ومعه زوجته الأخرى، أنا أذهب إلى مسجد في حي آخر يتبع السنة ولا يتبع المذاهب. وقد بدأ ذلك يسبب لي مشاكل حيث أن زوجي لا يعي المخاوف التي يحذر منها العلماء بخصوص المذاهب وينكر عليّ إذا دعوته إلى عدم اتباع المذهب.
سأقدر لك، إن شاء الله , تقديمك بعض التوجيهات في هذا الخصوص.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر الأخت السائلة على حرصها على تعليم أولادها القرآن الكريم، فإن هذا من حسن التربية، ونسأل الله لها التوفيق والإعانة على ذلك.
ثانياً:
النصيحة لها أن تحرص أشد الحرص على تعلم اللغة العربية فهي خير وسيلة لها لتزداد معرفة وعلما بهذا الدين العظيم، وبالتالي تعلم أولادها ما تشاء من علوم نافعة، ولأن الأم هي أكثر تأثيراً على أولادها من غيرها.
ثالثاً:
النصيحة للزوج أن يتقي الله تعالى وأن يعدل بين أولاده من حيث الاهتمام والحرص على تعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وعلى رأس ذلك كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ففي حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أُشهدك يا رسول الله، قال: أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، قال: فرجع فردَّ عطيتَه.
رواه البخاري (2447) ومسلم (1623) .
والشاهد من الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر على والد النعمان إعطاءه ابنه شيئاً دون إخوته، ويدخل في ذلك أن يخص الرجل أحد أولاده بشيء دون الآخرين كتعليم أو غيره، وكما أن الرجل يحب أن يتساوى أولاده في بره وطاعته فكذلك عليه أن يسوي بينهم في كل شأن، ومن أسباب وقوع الحسد والبغضاء بين الأخوة تفضيل الأب أحد أولاده أو محبته أكثر من إخوته.
وفي قصة يوسف عليه أكبر شاهد على ذلك قال تعالى: {إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين} يوسف / 8، 9.
رابعاً:
على الزوج أن يهتم بتعليم أولاده العلوم الشرعية وخصوصا اللغة العربية والقرآن الكريم وخاصة في حال الصغر لأن التعليم في الصغر يبقى في الذهن أكثر من التعليم في الكبر وكما يقال: " العلم في الصغر كالنقش في الحجر "، ويتأكد ذلك إذا كان المسلم يعيش في تلك البلاد التي يكثر فيها الفتن والإغراآت وخصوصا للأطفال مع كثرة الملهيات.
خامساً:
الواجب على المسلم أن يتبع الكتاب والسنة لأنهما هما مصدر التشريع الإلهي قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) النساء / 59.
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ".
رواه مسلم (1218) .
فأساس الهداية في اتباع الكتاب والسنة لا في اتباع قول أحد من البشر كائنا من كان، على أننا لا نقلل من شأن الأئمة رحمهم الله، فإننا نستعين بكلامهم في فهم الكتاب والسنة فهماً صحيحاً ومعرفة الأحكام الشرعية، وهذه المذاهب لا ينكرها المسلم ولا يقلل من شأنها، بل لا حرج على المسلم أن يتفقه عليها وأن يستفيد منها، ولكن الذي ينكَر على أصحاب المذاهب هو التعصب للمذهب والتقليد الأعمى والإصرار على العمل بالمذهب ولو خالف حديثا صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن أئمة المذاهب لم يتعمدوا مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مما هو معلوم أن الصحابة تفرقوا في الأمصار والبلاد، وأصحاب المذاهب أفتوا وتكلموا في الحلال والحرام بحسب ما وصلهم من الأدلة مع أنه قد يكون فاتهم بعض الأحاديث لن تصل إليهم، قليلة كانت أو كثيرة، فاجتهدوا في تلك المسائل التي لم تصلهم أدلتها فجاءت بعض تلك الاجتهادات مخالفة للسنة، والواجب على المسلم في هذا هو اتباع السنة والاعتذار عن الأئمة، واعتقاد أنهم مأجورون على اجهادهم ومترددون بين أجر واحد أو أجرين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أمرونا رحمهم الله باتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها:
قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
وقال: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه.
وقال: إذا قلت قولا يخالف كتاب الله وخبر رسول الله فاتركوا قولي.
وقال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: إنما أنا بشر أخطىء وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا.
والشاهد: أن الأئمة رفضوا أن يتعصب أحدٌ لأقوالهم من غير دليل، وخصوصا إذا خالف الكتاب والسنة وهم بشر ليسوا بمعصومين، على أننا نعرف قدرهم وفضلهم ومرتبتهم في العلم ونستفيد منهم من غير تعصب لأقوالهم.
سادساً:
وأما المدرسة الأخرى التي وصفتها السائلة بأنها معروفة بالبدع ولكنها تولي القرآن اهتماماً جيداً، فعلى السائلة أن تنظر إلى مصلحة أولادها وتوازن بين المصالح والمفاسد، فإذا أمكن الاستغناء عن هذه المدرسة بإيجاد مدرس خاص للأبناء ونحو ذلك فإن محافظتها على أبنائها تقتضي أنها لا ترسلهم إلى مدرسة يتعلمون فيها البدع، وكذلك إذا كانت هذه البدع من الأمور الكبيرة التي تؤدي إلى انحراف عن منهج أهل السنة والجماعة.
أما إذا كانت البدع يسيرة لا تصل إلى هذا الحد ومن السهل بيانها للأولاد وتحذيرهم منها ولا يوجد البديل لهذه المدرسة فإنه لا حرج إن شاء الله تعالى في إرسال الأولاد إلى هذه المدرسة مع التيقظ الكامل، ثم إذا ظهر أن ذلك سيؤثر على الأولاد يجب منعهم من الذهاب إلى تلك المدرسة فوراً.
سابعاً:
لا شك أن الشيخ الذي يعلِّم الناس من الكتاب والسنة ويتحرى الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى من غيره بل على المسلم أن يحرص على الاستفادة منه لنفسه ولزوجته وأولاده، فالنصيحة للزوج أن يسمع من زوجته الحريصة على اتباع الكتاب والسنة، وأن يعلم زوجته وولده اللغة العربية والقرآن الكريم، وأن يعدل بين أولاده في ذلك، وأن يتمسك بالكتاب والسنة، وأن لا يتعصب لشيء من المذاهب والأقوال المخالفة للسنة، وأن يكون لينا سهلا مع زوجته، وأن يجرب ويعمل بنصيحتها ولعل الله أن يشرح صدره ويوفقه لعمل الخير.
ونسأل الله التوفيق للسائلة وأن يمدها من فضله وعونه وأن يثبتها على الحق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/63)
ابنها يقع في الفاحشة، فهل تحاسب على أفعاله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يبلغ ابني من العمر 15 عاما، وقد ولد في أمريكا ونشأ فيها. ابني له صديقات، وقد اكتشفت مؤخرا أنه يمارس الجنس مع إحداهن. وأنا أشعر بالذنب، لكني لا أعرف كيف أتصرف. هل سيعاقبني الله جراء تصرفاته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس أعظم من المصيبة في الدين؛ فهي المصيبة حقا، نسأل الله السلامة منها، وليس أكرم على الإنسان ـ بعد نفسه ـ من ولده؛ فبهم سرور القلب وقرة العين، قال الله تعالى:
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) الفرقان/74، لكن القلب لا يُسَرُّ، والعين لا تَقَرّ إلا بذرية صالحة، طائعة لله؛ قال الحسن البصري: (هي والله أن يُري الله ُ العبدَ من زوجته، من أخيه، من حميمه طاعة الله، لا والله ما شيء أحب من أن يرى ولدا، أو والدا، أو حميما، أو أخا مطيعا لله عز وجل) تحفة المودود لابن القيم ص 424
ولا شك أن أعظم ما يُسْأَل عنه الوالدان من حفظ أبنائهما ورعايتهم، تربيتهم على طاعة الله تعالى، وطردهم عن معصيته؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) التحريم/6، َقَالَ مُجَاهِد وغيره من السلف: أَوْصُوا أَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَأَدِّبُوهُمْ، وقال قتادة: مُرُوهُمْ بِطَاعَةِ اللَّه وَانْهَوْهُمْ عَنْ مَعْصِيَته.
وفي الصحيحين من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما،ُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) البخاري 2554 ومسلم 1829.
فقد دل هذا الحديث على أَنَّ الْمُكَلَّف يُؤَاخَذ بِالتَّقْصِيرِ فِي أَمْر مَنْ هُوَ فِي حُكْمه، وتحت رعايته.
وقد نص الحديث على دخول الوالدين في هذا الأصل العام: (وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ)
فالوالدان مسئولان عن أبنائهما، لأَنَّهُا أُمِرَا أَنْ يَحْرِصا عَلَى وِقَايَتهمْ مِنْ النَّار , وَامْتِثَال أَوَامِر اللَّه، وَاجْتِنَاب مَنَاهِيه. فإذا قام الوالدان بما يجب عليهما من تربية أولادهما التربية الصحيحة ولم يقصرا في ذلك، فإنه لا إثم عليهما في هذه الحال إذا انحرف أولادهما. قال الله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164
وإذا كان كل أحد يفهم من الشرع، وببديهة عقله، أنه إن فرط في واجب الأدب والتربية نحو أولاده، فإنه مسئول عما وقعوا فيه من انحراف، فإن مسئولية الأسرة التي تعيش في الغرب نحو أبنائها مسئولية من لون آخر، هي أعظم من ذلك كله؛ إنها مسئولية من ألقى ثمرة فؤاده في اليم، مكتوفا!! بل هي والله أعظم؛ إنها نار الله وعذابه، نسأل الله السلامة.
وفي حالة ولدكما، ومثلها كثير، كان ينبغي سد أبواب الفتنة قبل أن تستفحل وتشتعل نارها؛ فليس في الإسلام علاقة صداقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه، لاسيما في هذه المرحلة الخطيرة من عمر ابنكما.
لكن السؤال الأهم، الآن، فعلا هو: كيف نتصرف؟
إن عليكما، أنت وأبوه، أن تتحيلا بكل حيلة سريعة لإبعاد ولدكما عن هذه العلاقات الآثمة، وقطع علاقاته بالنساء الأجنبيات، حتى ولو تحققتما من أن هذه العلاقة لم تصل إلى أوحال الزنا؛ فقد ذكرنا أن أصل هذه العلاقة مرفوض في الشرع.
وقد يكون من أهم الوسائل لإبعاده عن تلك العلاقات المحرّمة التعجيل في تحصينه بالزواج، ولذلك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء ٌ) متفق عليه
الباءة أي: تكاليف الزواج.
ومعنى وجاء أي: وقاية من الوقوع في الإثم.
لكنكما تعلمان أن إبعاد الشاب عن تلك العلاقات المحرمة ليس بالأمر السهل، بل تكاد هذه المهمة تكون مستحيلة في البلاد التي تعيشون فيها؛ فإن المحضن الغربي الذي تنمو فيه قلوب هذه الذرية وعقولها، ملوث بكل لون من فتن الشبهات والشهوات، تلك الفتن التي أحالت، الجيل الثاني والثالث من أبناء المسلمين هناك، إلى أجيال تتفلت يوما بعد يوم من شعائر الإسلام وشرائعه، وتتشرب بدلا منها قِيَم الغرب وأخلاقه، حتى لا يكاد يبقى لها في نهاية الأمر إلا " بركة " النسب!!
فيعود السؤال إليكما مرة ثانية: هل عندكما ن القوة في أمر الله، والخوف من إضاعة الأمانة نحو نفسيكما أولا، ثم نحو ذريتكما ثانيا، والرغبة في إصلاح ما فات، هل عندكما من ذلك كله ما يدفعكما للتضحية بمتاع الدنيا وزينتها في بلاد الغرب، والعودة بأبنائكما إلى بلدكم، أو إلى حيث تكونون أكثر أمنا على دينكم، قبل أن يفوت الأوان، ويأتي الموت على هذه الحال؛ فيقول قائل: (رَبِّ ارْجِعُونِي لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) المؤمنون/99-100، وقبل أن نرى تأويل ما فعلنا؛ أي: عاقبته: (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) الأعراف/99؟
أم إن المسؤولية لا تستحق هذه التضحية؟!
وقد تقولون: إن أكثر بلاد المسلمين اليوم يعج بالفتن والمنكرات، فلن تتوفر لنا البيئة الصالحة لتنشئة الذرية على الشرع النقي، فما الفائدة من هذه النقلة؟ !
فيقال: نعم، وأنتم محقون إلى حد كبير، لكن إذا لم نستطع جلب الخير كله، فلنكسب أقصى ما نستطيع منه، وإذا لم يمكن دفع الشر كله، فلندفع أقصى ما يمكننا منه، وبعض الشر أهون من بعض!!
والأمر فقط يحتاج إلى صدق مع النفس، وصدق الله العظيم: (بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) القيامة/14-15
والله يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/64)
يضرب طفله ويقرصه وعمره سنة ثم يشعر بالندم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله على المال والذرية، فقد وهبني الله طفلاً جميلاً، وأنا ينتابني شعور غريب تجاه هذا الولد، وهو: عندما يبكى أخرج عن شعورى فأضربه وأقرصه وغيرها من الأشياء، وبعدها أجد نفسي مهزوزاً جسديّاً ونفسيّاً، مع العلم أنني أحبه بشدة، وعندما يحمله الناس يضحك ويلعب معهم، وعندما يراني أنا يبكي ويصرخ، ابني لم يتعدَّ عمره السنة، ماذا أفعل مع العلم أنني أصلي وأصوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا التصرف تجاه ولدك في غاية العجب، وهذه بعض الوقفات معك لعلَّ الله أن ينفعك بها:
1. يحتاج الطفل إلى طعام وشراب ونوم وهواء، والعطف والحنان من أطيب الأطعمة التي يقدمها الوالدان لطفلهما، فالحرص على الطعام المادي دون ذلك المعنوي تفريط في حاجة الطفل الفطرية لها جميعاً.
2. ولإعطاء الحنان للطفل نتائجه الإيجابية العالية، ولذلك كانت الوصية بإرضاع الطفل رضاعاً طبيعيّاً حتى يجتمع له طيب الطعام والشراب مع طيب المقام وهو حضن أمه، لذا وُجد في الأبحاث الحديثة عظم تأثير الرضاع من حليب الأم في نمو جسم الطفل وعاطفته.
ووجد – كذلك – العكس، وهو النتائج السلبية لحرمان الطفل من حليب أمه وحجرها، والمجتمعات التي كثر فيها العنف ضد الأطفال أضحت مجتمعات فاسدة انتشرت فيها الجرائم والموبقات.
وقد ذكر بعض المختصين في علم الاجتماع أن ضرب الآباء لأبنائهم وتعنيفهم المستمر لهم يربي عقداً نفسية لدى الأبناء، بل ويزيد من العنف الأسري، إلى أن يتفاقم ويمثل مشكلة من الصعب مواجهتها، إذ تحول العنف من الأسرة إلى المجتمع، ويصبح شكلاً من أشكال السلوكيات الشاذة، وضحاياه مؤهلون نفسيا لممارسة الإرهاب النفسي على الأفراد مما يهدد أمن المجتمع.
3. والذي يقسو مع أطفاله فإنما يخالف الفطرة والشرع، فقد فطر الله تعالى الناس على حب أولادهم لذا لم يوصِ الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم الآباء بأبنائهم فيما يتعلق بهذا الجانب، وعلى العكس فقد أوصى الأبناء بآبائهم وأمهاتهم، وحذَّرهم من العقوق.
وأما مخالفة الشرع: فإن الضرب وعدم الحنان تجاه الأطفال يدل على نزع الرحمة من قلوب من يفعل ذلك، وهو موجب لحرمانه من رحمة الله تعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحداً! فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَم) .
رواه البخاري (5651) ومسلم (2318) .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَان؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ) رواه البخاري (5652) .
وقد بلغت الرحمة من نبينا صلى الله عليه بالأطفال أن خفَّف الصلاة من أجل بكائهم رحمةً بهم وبأمهم.
عن أَنَس بْن مَالِكٍ حَدَّثَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ) . رواه البخاري (677) ومسلم (470) .
وجد: حزن.
4. واعلم أنك مفرِّط في تربية طفلك بفعلك هذا، وأنك قد ترى مساوءه في الدنيا قبل الآخرة،
إذ كيف لهذه المعاملة أن تثمر تربية صالحة وولداً سليماً بارّاً؟!
5. واعلم أن بكاء الطفل لا يكون من فراغ، بل لكل بكاء سبب، فالواجب عليك أن تأخذك الرحمة تجاه هذا البكاء لتعلم سببه، كأن يكون من مرضٍ أو من جوع، لا أن تبادر لضربه وقرصه والقسوة عليه، فتضيف لبكائه سبباً آخر وهو البكاء من الألم!
يقول أحد المختصين في الطب النفسي: " ويرى علماء النفس أن البكاء شأنه شأن سلوكيات أخرى تستخدم للتنفيس الانفعالي أو تفريغ الشحنة الانفعالية الكامنة في الشخصية فالبكاء والصياح والصوت الحاد المرتفع وتخريب الألعاب أو الممتلكات والتململ كلها وسائل تعبيرية عن حالة انفعالية مرتبطة بالغضب أو الحزن، ولما كان الإحباط الذي يتعرض له الطفل يولد شحنة نفسية عدوانية فإن البكاء يعد بمثابة التعبير عن هذه الشحنة والتخلص منها، وكف البكاء أو عدم البكاء قد يكون مؤشراً لكبت هذه الشحنة الانفعالية في النفس، وقد تنتقل إلى اللاشعور حيث ينساها الطفل لكنها لا تختفي تماما وتبقى لتعبر عن نفسها في الكبر بأساليب رمزية أو مرضية كالقلق والعدوان المدمر الظاهر كلما أتيحت الفرصة للطفل ".
6. واعلم – أخيراً – أن هزَّ الطفل قد يسبِّب إعاقات عقلية أو جسديَّة فكيف سيكون الأمر لو أنه تعرَّض للضرب؟
" فقد حذر باحثون أمريكيون مختصون من أن هزّ الأطفال قد يؤدي إلى وفاتهم أو إصابتهم بإعاقات عقلية شديدة، وأوضح الباحون أن تلف الدماغ الذي يميز الحالة التي تعرف طبيّاً بمتلازم هزّ الطفل يحدث عندما يتم هزّ الأطفال بعنف , وقد يسبب وفاتهم أو إصابتهم باعتلالات عصبية وعاهات عقلية: كالتخلف العقلي والشلل الدماغي والعمى ونوبات تشنجية شديدة وعسر القراءة واضطراب الانتباه وغيرها من الإعاقات التعليمية.
وقالت إحدى المختصات: إن بكاء الأطفال مزعج وموتر ولكنها طريقتهم في التعبير عن حاجاتهم، لذلك ينبغي أولا معرفة أسباب بكائهم والسعي لحلها بدلا من هزهم، منوهة إلى أن الأولاد أكثر عرضة للإصابة من البنات حيث يكون 57 % من الضحايا من الذكور.
وأشار الباحثون إلى أن هزّ الطفل بعنف عند بكائه أو رميه في الهواء وإمساكه أو هزه على الركبة بعنف أو الهرولة به كلها عوامل قد تؤدي إلى تلف دماغه نتيجة اندفاعه حول الجمجمة فيسبب تفجر الأوعية الدموية التي تغذيه ويحدث نزيف في المخ، ونوه الخبراء إلى أن الأطفال الرضع والحديثي الولادة يعتبرون أكثر الأطفال عرضة للإعاقات الناتجة عن الهز مقارنة بالأطفال الأكبر سنّاً ".
والخلاصة:
عليك بتقوى الله تعالى، وأن لا تخالف الفطرة، ولا تخالف شرع الله تعالى، وأن تكون حنوناً على طفلك الجميل، وأن لا تتسبب في خسارته أو إعاقته فتعيش عمرك كله بتلك الخطيئة، وانظر في حال النبي صلى الله عليه وأصحابه ليكونوا لك قدوة صالحة.
واحرص على الدعاء والرقية لك ولبيتك ولولدك خشية أن تكونوا مصابين بعينٍ أو سحر، والرقية نافعة بكل حال.
راجين لك التوفيق والعفو والعافية، ولطفلك السلامة من الشر، ونسأله تعالى أن يعينك على تربيته تربية صالحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/65)
حكم ضرب التلاميذ
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مدرساً ولصالح التلاميذ أضربهم ضرباً لا يترك جروحاً بأجسادهم وذلك حتى يرتفع مستواهم، فهل هذا يؤثر على صيامي؟ وهل عليّ إثم في هذا الضرب؟ (علماً بأني عندما أترك الضرب يقل مستواهم بشكل ملحوظ جدّاً) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما حكم ضرب الطالبات لغرض التعليم والحث على أداء الواجبات المطلوبة منهن لتعويدهن على عدم التهاون فيها؟ .
فأجاب:
لا بأس في ذلك؛ فالمعلم والمعلمة والوالد كل منهم عليه أن يلاحظ الأولاد، وأن يؤدب من يستحق التأديب إذا قصَّر في واجبه حتى يعتاد الأخلاق الفاضلة وحتى يستقيم على ما ينبغي من العمل الصالح، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرِّقوا بينهم في المضاجع "، فالذَّكر يُضرب والأنثى كذلك إذا بلغ كل منهم العشر وقصَّر في الصلاة، ويؤدَّب حتى يستقيم على الصلاة، وهكذا الواجبات الأخرى في التعليم وشئون البيت وغير ذلك، فالواجب على أولياء الصغار من الذكور والإناث أن يعتنوا بتوجيههم وتأديبهم لكن يكون الضرب خفيفاً لا خطر فيه ولكن يحصل به المقصود. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 403) .
وينبغي التنبه إلى أنه لا يجوز للمعلم أن يقسوَ في ضربه ولا أن يزيد على عشرة أسواط إلا أن يتعدى الطالب على شرع الله، أما فيما يتعلق بدراسته وتحضيره لها: فلا ينبغي له أن يزيد على ذلك القدر.
عن أبي بردة الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يُجلد أحدٌ فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله ". رواه البخاري (6456) ومسلم (3222) .
وفي رواية للبخاري (6457) :
" لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حدٍّ من حدود الله ".
قال ابن القيم – رحمه الله -:
فقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله " يريد به الجناية التي هي حق لله.
فإن قيل: فأين تكون العشرة فما دونها إذ كان المراد بالحد الجناية؟ .
قيل: في ضرب الرجل امرأته وعبده وولده وأجيره , للتأديب ونحوه , فإنه لا يجوز أن يزيد على عشرة أسواط ; فهذا أحسن ما خُرِّج عليه الحديث. اهـ. " إعلام الموقعين " (2 / 23) .
وليس الضرب هو الطريقة الوحيدة لحث الطالب على المذاكرة، وإنما ينبغي أن يجمع المدرس بين الترغيب والترهيب على حسب ما يراه يؤدي إلى المصلحة المقصودة، فيثني على الطالب الجيد ويشجعه عن طريق الهدايا والجوائز وإعطائه درجات عالية لمشاركته وحرصه، ويخوف الطالب المقصر بالضرب تارة وبالحرمان من بعض الدرجات تارة وبالتعنيف بالكلام تارة أخرى أو باستدعاء ولي أمره ونحو ذلك.
وينبغي أن يكون قصد المدرس مصلحة الطالب لا مجرد العقاب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/66)
رقابة الوالدين لأولادهما
[السُّؤَالُ]
ـ[كأم مسلمة أحاول تربية أولادي تربية إسلامية، ما هي نصيحتك إذا ما قمت بتفتيش الممتلكات الشخصية للأولاد؟
وإذا ما وجدت ما هو حرام أو ممنوع هل لي الحق بأن أخذ هذه الأشياء وأقوم بإتلافها علماً بأن هذه الأشياء تخص الأولاد وهي في حوزتهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ننصح به أن تقوم الأم أو يقوم الأب بين الفينة والأخرى بتفتيش ممتلكات أولاده، وذلك لما قد يزينه الشيطان للأولاد باقتناء شيء محرم لا يحل النظر إليه أو لا يحل استماعه، وهذا من المسئولية التي أوجبها الله على الوالدين تجاه أبنائهم.
وكثير من الأبناء والبنات كان السبب في هدايتهم وتركهم ما هم فيه من المنكرات والآثام: يقظة آبائهم وأمهاتهم، وحسن رعايتهم، والقضاء على المنكر في أولِّه، أو لتحُذِّر من صاحب أو صاحبة سوء من أول الطريق أمر سهل، أما لو طالت المدة فإن فكاك الأبناء والبنات من هؤلاء المفسدين يكون أمراً صعباً.
وفي أكثر الأحيان يعرف ما عند الأبناء والبنات من المنكرات بتفتيش حقائبهم أو قراءة كتبهم أو معرفة أصحابهم.
وكم من شاب أو شابة تمنى أن لو راقب أهلهم تصرفاته وفتشوا متاعهم في أول حياتهم قبل تمكن الفساد من قلوبهم.
لذا فإننا ننصح بهذا، وليكن ذلك بين الفترة والأخرى، ومن غير أن يشعروا هم بذلك، خشية الانتباه وعدم وضع ما يرتاب فيه في متاعهم.
وهذه المراقبة إنما تكون إذا ظهر للوالد أمارة على بداية انحراف ولده، أما إذا كان الولد ظاهر حاله الاستقامة والابتعاد عن المنكرات، فليس للوالدين ولا لغيرهما مراقبته ولا تفتيش ممتلكاته الشخصية، لأن ذلك يدخل في سوء الظن، والتجسس وقد نهى الله تعالى عنهما بقوله: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ... ) الحجرات / 12
وأما إذا وجدت الأم أو الأب شيئاً محرَّماً فإن الواجب عليهما إتلافه، ومن ثَمَّ نصيحة من وُجد معه هذا المنكر.
عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مَن رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ".
رواه مسلم (49) .
قال الإمام النووي:
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " فليغيِّره ": فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين.
.. ثم إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس: سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع: أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف.
ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته، أو ولده، أو غلامه على منكرٍ، أو تقصيرٍ في المعروف.. ..
قال القاضي عياض رحمه الله هذا الحديث أصل في صفة التغيير فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولا كان أو فعلا فيكسر آلات الباطل ويريق المسكر بنفسه أو يأمر من يفعله وينزع الغصوب (يعني الأشياء المغصوبة) ويردها إلى أصحابها بنفسه أو بأمره إذا أمكنه ويرفق في التغيير جهده بالجاهل وبذي العزة الظالم المخوف شره إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله.
" شرح مسلم " (2 / 22 - 25) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/67)
كيف يخبر الصغير عن معنى الشيعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي ابن أخت ويبلغ من العمر 8 سنوات وفاجأني مرة إذ سألني قائلاًًًَ من هم الشيعة؟ لم أدر ما أقول له إلا أني قلت له ستعرف بعد أن تكبر! ولكنه لم يرض بهذه الإجابة , وبعد أن قال له ابن أخي الصغير-عمره 10 سنوات- أنا سنة، بادله قائلا: وأنا شيعة. فما هي الإجابة التي تتماشى مع سنه ويقتنع بها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا سأل الطفل عن الشيعة قيل له هؤلاء أناس غير جيدين، يعملون المعاصي والمخالفات، ويسبون أصحاب نبيّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وزوجاته، الذين هم أفضل الناس بعد الأنبياء ونحن لا نحبهم لأجل ذلك، ولو فرض أنه رآهم في التلفاز يتمسحون بالقبور أو يحتفلون بعاشوراء، قيل له: هذا الذي يعملونه لا يجوز، ونحن لا نعبد إلا الله تعالى، ولا نسجد لقبر ولا لغيره من المخلوقات، ولا نضرب أنفسنا ولا أبناءنا، وهكذا يفهم الطفل أن هؤلاء القوم غير مرضيين، بل مخطئون منحرفون، وعلى قدر انتباه الطفل وإدراكه تكون المعلومة الموجهة له.
ولتصحيح ما جرى، يقال له: نحن سنّة، أي نتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نبتدع في ديننا، ولا نفعل كما يفعل هؤلاء، ولو أمكن أن يشاهد الطفل شيئا من مخالفات الشيعة، ليقترن التحذير منهم بالصورة الموضحة، كان حسنا، وبإمكانك الوقوف على شيء من ذلك من خلال المواقع الموثوقة التي تحذّر من الشيعة وتبيّن ضلالهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/68)
متى نعلم الولد إزالة شعر العانة
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن حلق شعر العانة من سنن الفطرة، ولكن متى نعلم أولادنا هذا الحكم الشرعي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحتاج الولد ذكرا أو أنثى إلى معرفة هذا الحكم إذا قارب البلوغ وقامت مظنة نبات هذا الشّعر الذي جعله الشّارع علامة على البلوغ وأمر بحلقه استكمالا للطّهارة والنّظافة وحفظا للصحّة، ويُمكن أن يُدرج ذكره لمن قارب البلوغ ضمن نقاط أخرى يحتاج إلى معرفتها والتّذكير بها، مثل معنى التّكليف الشّرعي وحقوق الله تعالى والواجبات على الشّخص المكلّف، وتنبيهه إلى تسجيل سيئاته عليه من البلوغ فصاعدا، وأحكام غسل الجنابة ونحو ذلك، وإذا وجد الوالدان حرجا من ذكر هذا الموضوع مباشرة للولد فيُمكن إعطاؤه كتابا أو نشرة حول الأحكام المتعلّقة بالبلوغ، والله الموفّق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(10/69)
يسافر كثيرا ويخشى على أولاده من الانحراف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كثير السفر، أسافر بعيداً عن أولادي سنة أو سنتين ثم أعود لأجلس معه شهرا واحدا، ثم أسافر مرة أخرى وهكذا. كل هذا من أجل اكتساب المال، وتوفيره لأولادي. وقد لاحظت في السنوات الأخيرة أن أخلاقهم بدأت تسوء، وأخاف عليهم من الانحراف.
فماذا أفعل؟ هل أبقى مسافراً لأجمع المال من أجلهم، أو أقطع السفر وأرجع إليهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لتعلم يا أخي أن كل أب قد حمله الله تعالى أمانة في عنقه ومسؤولية سيسأل عنها يوم القيامة. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) رواه البخاري (2409) ومسلم (1829) .
وأولى ما يجب على الأب الاهتمام به نحو أولاده هو الدين والخلق، فبذلك تكون نجاتهم في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم /6.
قال علي ابن أبي طالب: أي: علموهم وأدبوهم.
فقبل مسؤولية المال والنفقة هناك ما هو أعظم من ذلك وهو الحرص على نجاتهم في الآخرة من عذاب الله.
وهناك نماذج مشرفة لرجال حفظوا الأمانة وقاموا بما أوجب الله عليهم تجاه زوجاتهم وأولادهم
فهذا رجل في الثلث الأخير من الليل يوقظ أهله للصلاة، وفي الفجر يوقظ أبناءه ويأخذهم للمسجد ويجلس معهم يذكرون الله ويقرأون القرآن حتى شروق الشمس.
وآخر اعتاد أن يصحب أبناءه معه للمسجد لتأدية الفروض الخمسة، وحينما ينتهي من صلاة العصر يبقى معهم بالمسجد يتدارس وإياهم القرآن تعلماً وحفظاً وتجويداً، وتفسيراً ثم يعودون سوياً للبيت.
وهناك - للأسف - الكثير من الآباء لا يقوم بما أمر الله عليه من مراعاة أهله في أمور دينهم، ويكون كل همه مراعاتهم في أمور الدنيا!!
فمن الآباء من إذا مرض ولده وارتفعت درجة حرارته ارتفاعاً يسيراً هَبَّ مذعوراً ولم يقر له قرار، يهيم على وجه بحثاً عن الطبيب والدواء. وهذا حسنٌ وجيد، ورحمة بالأولاد. ولكن العجب أنه لا يبالي ما ارتكب ولده من المحرمات، ولا الكبائر الموبقات.
وكم حرارة جهنم؟
فكيف خاف عليه من ارتفاع يسير في درجة حرارته، ولا يخاف عليه من نار جهنم!!
ومن الآباء من إذا تأخر ولده في دراسته أو تخلف عن اللحاق بزملائه طار عقل الأب وذهب نومه وأتاه الأرق فلا يهدأ له بال، ولا يقر له قرار، حتى يأتي بمدرس ليدفع بابنه قدما نحو النجاح.
أما إذا تهاون الأولاد في صلاتهم، أو تركوها، أو أتوا محرماً، وركبوا الكبائر، فلا لوم عليهم إذن.
ومن الآباء من يغضب غضباً عارما إذا انتقص ابنه حقاً من حقوقه، أو تهاون في أمر من أوامره.
ولا يبالي إذا انتقص الولد حقا من حقوق الله تعالى، أو ضيع أمراً من أوامره.
فالأب الذي يهمل أولاده ولا يقودهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا ينشئهم على عقائد الإيمان وسلوكيات الإسلام لا شك في انحرافهم وخروجهم للمجتمع بشخصيات ضعيفة منتقمة منحرفة شاذة. وأول من سيصيبه فسادهم وانحرافهم هو ذلك الأب وتلك الأم اللذين قصرا في تربية أولادهم.
ولذلك النصيحة لك –أخي السائل- إن رأيت أن سفرك وبعدك عن الأولاد سيكون سببا في ضعف تربيتهم أو في انحرافهم، فعليك الرجوع إليهم، والسعي في تربيتهم التربية الحسنة.
وماذا تستفيد أنت؟ أو ماذا يستفيد الأولاد إن جمعت لهم الأموال، ولكنهم خرجوا للمجتمع منحرفين؟
ولو قَلَّبت نظرك يميناً وشمالاً لرأيت أمثلة لرجال سافروا عن أولادهم وذاقوا مرارة الغربة والوحدة من أجل جمع المال لأولادهم، ثم رجعوا معهم المال، ولكنهم خسروا ما هو أهم من المال، خسروا أولادهم، فقد انحرف الأولاد نتيجة لغياب الأب، وضعف رقابة الأم.
وتنَكَّر الأولاد لما فعل الآباء من أجلهم، فاستولوا على الأموال التي معهم، وصاروا يسبونهم ويسيئون معاملتهم، بل ويضربونهم أحياناً، فندم الآباء على سفرهم وبُعدهم عن أولادهم أشدَّ الندم.
ولكن. . ماذا ينفع الندم بعد فوات الأوان؟!
وَسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ سَفَرِ صَاحِبِ الْعِيَالِ. فَأَجَابَ:
"أَمَّا سَفَرُ صَاحِبِ الْعِيَالِ فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ يَضُرُّ بِعِيَالِهِ لَمْ يُسَافِرْ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود (1692) . وَسَوَاءٌ كَانَ تَضَرُّرُهُمْ لِقِلَّةِ النَّفَقَةِ أَوْ لِضَعْفِهِمْ، وَسَفَرُ مِثْلِ هَذَا حَرَامٌ. وَإِنْ كَانُوا لا يَتَضَرَّرُونَ بَلْ يَتَأَلَّمُونَ وَتنْقُصُ أَحْوَالُهُمْ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي السَّفَرِ فَائِدَةٌ جَسِيمَةٌ تَرْبُو (أي تزيد) عَلَى ثَوَابِ مُقَامِهِ عِنْدَهُمْ كَعَلَمٍ يَخَافُ فَوْتَهُ وَشَيْخٍ يَتَعَيَّنُ الاجْتِمَاعُ بِهِ ; وَإِلا فَمُقَامُهُ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ كَسَفَرِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ إنَّمَا يُسَافِرُ قَلَقًا وَتَزْجِيَةً لِلْوَقْتِ (أي استنفاذاً للوقت) فَهَذَا مُقَامُهُ يَعْبُدُ اللَّهَ فِي بَيْتِهِ خَيْرٌ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَيَحْتَاجُ صَاحِبُ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَسْتَشِيرَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ رَجُلا عَالِمًا بِحَالِهِ وَبِمَا يُصْلِحُهُ مَأْمُونًا عَلَى ذَلِكَ ; فَإِنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فِي مِثْلِ هَذَا اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ" اهـ
باختصار يسير من "مجموع الفتاوى" (28/28) .
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك، ويوفقك لما فيه الخير لك ولأولادك.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/70)
ولدها يمارس العادة السرية يومياً فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ابني الوحيد يعمل العادة السرية كثيراً ويصارحني بذلك، نبهته أن هذا حرام ثم بدأت بحرمانه حتى الضرب ولكن دون فائدة.
تعبت كثيراً من مراقبته ... فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تتحمل الأسرة في كثير من الأحيان مسئولية وقوع أبنائهم في المعاصي؛ وذلك بسبب قلة التوجيه نحو الطاعة، وتوفير سبل الوقوع في المعصية.
ونحن لا ندري عن حقيقة الأمر هنا، إلا أنه من المتوقع أن تكون الظروف المحيطة بهذا الصبي هي التي جعلته يقع في المعصية؛ فهو وحيد أبويه، مما جعله مدلّلاً في الغالب، وهذا التدليل ييسر سبل الوقوع في المعصية، وعلاج هذه المشكلة يكون بعدة أمور:
1. التخفيف من التدليل الزائد، والذي قد يفقد الولد الشعور بالرجولة، ويحاول إظهارها بمثل هذه العادة أو بشرب الدخان – مثلاً -.
2. عدم توفير سبل الوقوع في المعصية وخاصة تلك التي تساهم في موت القلب مثل توفير أشرطة غنائية ليسمعها، وقنوات فضائية ليراها.
3. الحرص على البعد عن نوم الولد وحده، أو إغلاق الباب عليه عند النوم، فالخلوة تساهم في التفكير في المعصية، وتشجع على فعلها.
4. ربط الولد بالمسجد وبحلقاته العلمية، وبالصحبة الصالحة، وهذه من أعظم ما يعين العبد على صلاح قلبه، وتقوية إيمانه.
5. توفير مكتبة سمعية ومرئية إسلامية نافعة، تنمي فيه حب العبادة، وتعلمه حسن الخلق، وترهبه من الوقوع في المعصية.
6. تشجيعه على القراءة، وخاصة الكتب المتعلقة بتراجم العلماء والأبطال المجاهدين، فلعله أن يكتسب أخلاقهم ويحذو حذوهم، ويفضل أن يشجع على كتابة تلخيص لما يقرأ ويسمع ويشاهد ويُعطى مكافأة تليق بحاله.
7. تشجيعه على حفظ القرآن، والصيام، ولا شك أن فيهما إعماراً للقلوب وإحياءً لها.
8. محاولة تنظيم الوقت بحيث يكون العمل في النهار، والنوم في أول الليل، فالسهر قد يجعله يديم التفكير في المعصية.
9. تبيين حكم الشرع في هذه العادة، وأثرها الصحي على العقل والقلب والجوارح.
10. تجنب إهانته وضربه وإحراجه؛ وليس بالضرب أو الإهانة أو الإحراج يكون ترك تلك المعصية وأخواتها، بل بالتي هي أحسن، وبالموعظة الحسنة.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/71)
خطر الدراسة في مدارس الكفّار
[السُّؤَالُ]
ـ[ابنتي تدرس في مدرسة حكومية وكي تشعر بالراحة كونها مسلمة بين غير المسلمين، اقترحت على المدرسة أن أفعل شيئاً لفصلها في رمضان والعيد، هل لديك أي اقتراح لما يمكن أن أفعله لروضة الأطفال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن الإقامة في بلاد الكفار فيها خطر عظيم على دين المسلم وأخلاقه، ولذلك ينبغي الحذر من ذلك والتحفظ منه، ووضع الشروط التي تمنع من الوقوع في ذلك الخطر المتحتم، فلابدّ لمن يقيم في بلاد الكفر أن يتوفر فيه شرطان هما:
1- أن يأمن على دينه بأن يكون عنده من العلم والإيمان ما يقوى على الثبات على دينه والبعد عن الانحراف والزيغ.
2- أن يتمكن من إظهار دينه المتمثّل في إقامة شعائر الإسلام دون وجود مانع، وإلاّ لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ، قال ابن قدامة رحمه الله في الكلام على أقسام الناس في الهجرة: (أحدها من تجب عليه، وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة لقوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) النساء /97، وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورات الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) . انظر: المغني (8/457) ومجموع فتاوى ابن عثيمين (3/25–30) .
وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وهناك حالات يجوز فيها للمسلم أن يقيم في بلاد الكفار وللأهمية راجع سؤال رقم (13363)
ثانياً:
أن الذي يقيم هناك بين الكفار لحاجة كالدراسة مثلاً فإن الخطر أعظم، لأن المتعلم سيشعر بحاجته إلى معلمه مما يؤدي إلى التودد إليه بل ومداهنته فيما هو عليه، وكذلك فإن المتعلم يشعر بدنو مرتبته وعلو مرتبة مدرسه ومعلمه فيحصل تعظيمه والاقتناع بآرائه، ثم إن المتعلم لابد وأن يكون له في مقر دراسته أصدقاء يتخذهم، ولهذا كله كان وجوب التحفظ أكثر والحذر أشد، فيشترط فيه بالإضافة لما سبق شروط منها:
1- أن يكون المتعلم على مستوى كبير من النضوج العقلي، حتى يميز بين الحق والباطل، ولهذا كان بعث صغار السن فيه خطر عظيم على دينهم وأخلاقهم وتصوراتهم ومعتقداتهم.
2- أن يكون لديه علم بالشريعة يتمكن به من مقارعة الباطل بالحق، لئلا يلتبس عليه وينخدع بهم.
3- أن يكون عنده دين وإيمان يحميانه من الكفر والفسوق، فضعيفهما لا يسلم.
4- أن تكون عنده حاجة إلى العلم الذي أقام من أجله، بأن يكون في تعلمه مصلحة للمسلمين ولا يوجد مثله في مدارس المسلمين، وإلا لم تجز الإقامة عندهم.
ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) رواه أبو داود (2645) والترمذي (1604) وصححه الألباني في الإرواء (1207) .
ولهذا كله وجب التحفظ والحذر في هذا الأمر، خاصة في بعث الأحداث وصغار السن للانضمام في مدارسهم أو حتى ما يسمى بروضة الأطفال، إذ فيه خطر على سلوكهم وتصوراتهم وأخلاقهم
ولا يخفى عليك أن الخطر الذي يلحق أولادك غير مقتصر بمشاركتهم لهم في أعيادهم، بل إنه حاصل بمجرد المخالطة والتعايش معهم، فعليك أيها الأب الكريم أن تكون فطناً في ذلك كله مدركاً لهذه الأخطار قائماً على وقاية أبنائك من أن يتلوثوا بأفكارهم ويتأثروا بهم، والله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) التحريم /6.
وأبناؤك أمانة في عنقك، فإن استطعت ألا يدرسوا إلا بمدرسة إسلامية وألا يتعلموا إلا من معلمين مسلمين فافعل، والسلامة لا يعدلها شيء، فكن حذراً من كل ما يضر دينهم وسلوكهم، وأسأل الله لك الإعانة وأن يسددك وييسر لك الخير أينما كنت.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/72)
معالجة الولد العصبي سريع الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي ولد عصبي جداً وحاد المزاج فكيف أعالج فيه هذه الخصلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق سؤال في علاج الغضب يراجع برقم (658) ومن ذلك:
· الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
· السكوت.
· السكون، فإن كان قائماً فليجلس، وإن كان جالساً فليضطجع.
· أن يتذكر جزاء كف الغضب، كما في الحديث الصحيح: لا تغضب ولك الجنة.
معرفة المنزلة العالية والمرتبة الرفيعة لمن ملك نفسه كما في الحديث الصحيح: " ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه _ ولو شاء أن يمضيه أمضاه _ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة " حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (906) . معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند الغضب. معرفة أن كظم الغيظ من علامات المتقين. كما في الحديث السابق. التذكر عند التذكير، والكف والامتثال للناصح. معرفة مساوئ الغضب. تأمل الغاضب نفسه لحظة الغضب. الدعاء بأن يذهب الله غيظ قلبه.
وفيما يلي قصة جميلة تساعد في علاج الولد المذكورة حالته:
كان هناك ولد عصبي وكان يفقد صوابه بشكل مستمر فأحضر له والده كيساً مملوءاً بالمسامير وقال له:
يا بني أريدك أن تدق مسماراً في سياج حديقتنا الخشبي كلما اجتاحتك موجة غضب وفقدت أعصابك.
وهكذا بدأ الولد بتنفيذ نصيحة والده....
فدق في اليوم الأول 37 مسماراً، ولكن إدخال المسمار في السياج لم يكن سهلاً.
فبدأ يحاول تمالك نفسه عند الغضب، وبعدها وبعد مرور أيام كان يدق مسامير أقل، وفي أسابيع تمكن من ضبط نفسه، وتوقف عن الغضب وعن دق المسامير، فجاء والده وأخبره بإنجازه ففرح الأب بهذا التحول، وقال له: ولكن عليك الآن يا بني استخراج مسمار لكل يوم يمر عليك لم تغضب فيه.
وبدأ الولد من جديد بخلع المسامير في اليوم الذي لا يغضب فيه حتى انتهى من المسامير في السياج.
فجاء إلى والده وأخبره بإنجازه مرة أخرى، فأخذه والده إلى السياج وقال له: يا بني أحسنت صنعاً، ولكن انظر الآن إلى تلك الثقوب في السياج، هذا السياج لن يكون كما كان أبداً، وأضاف:
عندما تقول أشياء في حالة الغضب فإنها تترك آثاراً مثل هذه الثقوب في نفوس الآخرين.
تستطيع أن تطعن الإنسان وتُخرج السكين ولكن لا يهم كم مرة تقول: أنا آسف لأن الجرح سيظل هناك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/73)
مشكلة السرقة عند الأطفال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنزعجت كثيراً بعد أن اكتشفت أن أحد أبنائي قام بسرقة شيء ما وأخاف أن يتحول إلى لص في المستقبل فبماذا تنصحونني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يسرق الطفل الصغير لعدة أسباب:
1- يسرق لأنه لا يفرق بين الاستعارة والسرقة وأن مفهوم الملكية الخاصة غير واضح عنده.
2- البعض يسرق بسبب الحرمان من أشياء تتوفر للآخرين.
3- للانتقام من الوالدين أو لفت انتباههما.
ماذا نصنع؟
1- التزام الهدوء: بدلاً من التوبيخ والتعيير حافظ على الهدوء فالموقف فرصة لأن تعلم ابنك.
2- وعظ الطفل: بيِّن له حكم السرقة في الإسلام، وأن الله قال في كتابه العزيز: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما..) وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ العهد في بيعة النساء أن لا يسرقن كما قال الله تعالى: (ولا يسرقن..) . وذكِّر طفلك بمراقبة الله عز وجل. قال الله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم..) وقال عز وجل: (والله شهيد على ما تعملون) . وقل له إن الله يراك ولو سرقت خفية بعيداً عن نظر الناس لأنه تعالى (يعلم السر وأخفى) .
3- واجه الطفل: ينبغي أن تواجه الطفل بالسبب والباعث له على السرقة كأن تقول له أنا أعرف أنك أخذت الحلوى من السوق المركزي وأنت أخذتها لأنك تشعر بالحاجة إليها ولكن سرْقتها ليست الحل، المرة القادمة إذا رغبت في شيء تحدث معي أولاً، أنا أعرف بأنك تحب أن تكون أميناً، وحاول أن تضع الطفل موضع الآخرين لو كنت مكان الشخص الذي سُرقت منه الحلوى كيف ستشعر؟
4- تشديد الجزاءات: كأن يطلب من الطفل إرجاع الشيء المسروق مع الاعتذار، أو تعويض قيمته في حال إتلافه مع الحرمان من الامتيازات في المنزل.
5- مراقبة الطفل وعدم إغفاله لفترات طويلة.
والله الهادي إلى سواء الصراط.
[الْمَصْدَرُ]
أنظر كتاب تنوير العباد بطرق التعامل مع الأولاد لـ د. حامد نهار المطيري 27(10/74)
حكم ضرب الطالبات لغرض التعليم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ضرب الطالبات لغرض التعليم والحث على أداء الواجبات المطلوبة منهن لتعويدهن على عدم التهاون فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس في ذلك فالمعلم والمعلمة والوالد كل منهم عليه أن يلاحظ الأولاد وأن يؤدب من يستحق التأديب إذا قصر في واجبه حتى يعتاد الأخلاق الفاضلة وحتى يستقيم على ما يتبقى من العمل الصالح، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع) فالذكر يُضرب والأنثى كذلك إذا بلغ كل منهم العشر وقصّر في الصلاة ويؤدب حتى يستقيم على الصلاة، وهكذا في الواجبات الأخرى في التعليم وشئون البيت وغير ذلك فالواجب على أولياء الصغار من الذكور والإناث أن يعتنوا بتوجيههم وتأديبهم لكن يكون الضرب خفيفاً ولا خطر فيه ولكن يحصل به المقصود.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 1079(10/75)
تنمية ثقة الطفلة بنفسها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كان تعامل والدتي معي سيئاً لدرجة أنني فقدت الثقة بنفسي وصرت مترددة ومهزوزة لا أحسن الأمور ولا أعرف أن اتخذ قراراً وقد تزوجت ورزقني الله ببنت وأريد أن أتجنب ما حصل لي حتى لا تتكرر هذه التجربة المؤلمة مع ابنتي، ماذا تنصحونني أن أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطفلة في سن الثانية تبدأ في تكوين اتجاهاتها نحو العالم من حولها، ويعتقد بعض علماء نفس النمو أن الإحساس بالثقة هو أول تلك الاتجاهات، وتتوقف شدة هذا الشعور في السنة الثانية على نوع العناية التي تلقاها الطفلة، وعلى موقف الوالدين من إرضاء حاجاتها الأساسية، وتتضح ملامح نمو الطفلة في هذه المرحلة في نزعتها إلى الاستقلال، فهي في حاجة لحرية الكلام، والمشي واللعب، وكل ذلك مرتبط بالحاجة إلى تأكيد الذات التي لا تتحقق إلا بالاستقلال الذي يتاح لها، وهذا ما تؤكده نظرية النمو عن طريق النضج التي تدعو إلى احترام فردية الطفل، وتركه ينمو بطبيعته. وتنشأ بعض الفتيات غير واثقات في أنفسهن حيت لا تعتمد على أنفسهن في كثير ولا قليل، وقلما تقوم بعمل ابتداء، ودائماً تنظر من يقول لها: اعملي كذا وكذا، فإذا ما واجهتها مشكلة توقفت فلا تستطيع اتخاذ قرار، وقد تتهرب من المواجهة، وقد تبكي، وهذا جانب من جناية الوالدين عليها، ويكون بسبب أمور منها:
- كثرة الأمر والنهي على كل صغير وكبير حتى ولو كان الأمر لا يستحق مما يفقد الطفلة الإبداع، ويجعلها لا تثق بعملها، بل تنتظر دائماً من يصحح لها، ويمنحها اليقين بأن عملها صواب.
- انتقادها ولومها على كل عمل تعمله، وتتبع عثراتها، وتقريعها إذ قد تجتهد الطفلة فتخطيء فتجني اللوم والعتاب أكثر مما تستحق في حين كانت تنتظر الإشادة على اجتهادها مما يقضي على توجه الطفلة نحو العمل والمنافسة في الإنجاز والإجادة.
- عدم إتاحة الفرصة للطفلة بالحديث أمام الآخرين مخافة أن تخطيء أو تتحدث وتخوض في أمور غير مرغوب فيها، أو الإذن لها بالحديث ولكن يتم تلقينها ما تقول.
- كثرة تحذيرها من الخطر، الأمر الذي يجعلها تتوقع الشر دائماً، وتتصور أن الخطر محيط بها من كل جانب.
- إذلالها ومقارنتها بالآخرين بما يقلل من قيمتها.
- التهكم والسخرية.
- عدم الاهتمام بما توجهه من الأسئلة.
- الرعاية الزائدة التي تظهر في الخوف الشديد على صحتها أو مستقبلها.
ويظهر على الطفلة التي فقدت ثقتها بنفسها عدة آثار سيئة، منها:
1- أنها لا تستطيع أن تقوم بعمل استقلالاً، وإذا طُلب منها أن تحضر شيئاً ووجدته مختلفاً عما وصف لها توقفت، وإذا واجهتها مشكلة لا تتخذ قراراً.
2- يصيبها التبلد، وعدم الإبداع.
3- يصيبها التبرم والضيق من كل عمل يسند إليها، لأنها تتصور أن اللوم الحاصل لها على عملها، إذ تتوقع أنها لن تنجزه وفق ما يراد.
4- يصيبها ضعف في الإرادة وخور في العزيمة، واستكانة ومسكنة في غير موضعها وإهمال وسوء نظام.
5- يصيبها القلق والإحباط والنزعات العدوانية أو الميل إلى الإنطواء، والعزلة.
ولتجنيب الطفلة تلك الآثار السيئة كان على الوالدين إتباع عدة طرق في تنمية ثقة الطفلة في نفسها ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- أن يُرسم لها خطوطاً عامة ينبغي عليها إتباعها والسير على نطاقها، فيخبراها بما أحل الله لها فتأخذ به، ويحذراها مما حرم الله عليها فتحذره، ويجعلاها على دراية بالأخلاق الفاضلة، والآداب السامية، ويبثا في نفسها النفور من سيء الأخلاق والأعمال والأقوال والتباعد عن سفاسف الأمور، وتوافهها ثم يتركا لها حرية الإبداع بعد ذلك.
- أن تسند إليها الأم بعض المهام التي في مقدورها القيام بها، وإذا أخطأت شجعتها على مبادرتها، ثم تخبرها كيف ينبغي أن تعمل، وأحياناً تشجعها فقط على عملها، وتكمل عنها العمل بلطف دون أن توجهها توجيهاً مباشراً، وإذا لم تكن المهمة في مقدور الطفلة فإنها تستشيرها فيها، وتطلب منها في بعض الأحيان إبداء رأيها في بعض الأمور، وبيان فسادها من صلاحها، حتى تعلم الطفلة أن الجميع عرضة للخطأ والصواب فتتقوى عزيمتها.
- أن يحرص الوالدان على تشجيعها أمام أقاربها، وعند صديقاتها، ويمنحاها من الجوائز ما يناسب إنجازها، ويشيدا بما تقوم به من عمل تعبُّدي كالمحافظة على الصلاة، وحفظها للقرآن، وتفوقها في دراستها، وعلو أخلاقها ... وهكذا.
- أن يجعلا لها كنية تميزها عن غيرها، ويمنعاها من الألقاب المشينة، وإذا أغضبتهما نادياها باسمها، فتعرف أنها قصرت في حقهما – أو أحدهما – أو أخطأت في حق غيرها فتتنبه.
- تقوية إرادتها، وذلك بتعويدها أمرين اثنين، وهما:
أ - حفظ الأسرار: فهي عندما تتعلم كتم الأسرار ولا تفضحها، فإن إرادتها تنمو وتقوى، ومن ثم تكبر ثقتها بنفسها.
ب - تعويدها الصيام: فهي عندما تصمد أمام الجوع والعطش في الصوم تشعر بنشوة الظفر والانتصار على النفس، وبالتالي فإن إرادتها تقوى على مواجهة الحياة مما يزيد في ثقتها بنفسها.
- تقوية ثقتها الاجتماعية بنفسها: وذلك عن طريق قضائها حاجيات المنزل، وأوامر الوالدين، ومجالستها للكبار، واجتماعها مع الصغار.
- تقوية ثقتها العلمية بنفسها: وذلك بتعليمها القرآن، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيرته العظيمة، فتنشأ وقد حملت علماً غزيراً في صغرها فتنمو ثقتها العلمية بنفسها، لأنها تحمل حقائق العلم بعيداً عن الخرافات والأساطير.
وفي مقابل ذلك كان على الوالدين كذلك أن يتخذا الأسباب الوقائية، والوسائل العلاجية لتحرير الطفلة من ظاهرة الشعور بالنقص، ومن العوامل التي تسبب هذه الظاهرة: التحقير، والإهانة، والاستهزاء، كمنادة الطفلة بكلمات نابية، وعبارات قبيحة أمام الإخوة والأقارب، وفي بعض الأحيان أمام صديقاتها، أو أمام غرباء لم يسبق لها أن رأتهم واجتمعت بهم، مما يجعلها تنظر إلى نفسها على أنها حقيرة مهينة، مما يولد لديها العقد النفسية التي تدفعها إلى أن تنظر إلى الآخرين نظرة حقد، وكراهية وأن تنطوي على نفسها فارة من الحياة.
وإذا كانت الكلمات النابية التي تنزلق من الوالدين للطفلة لم تصدر إلا عن غاية تأديبية إصلاحية لذنب كبير، أو صغير وقعت فيه وبدر منها، إلا أن المعالجة لارتكاب هذا الذنب لا تصلح بهذه الوسيلة التي تترك آثاراً خطيرة في نفسية الطفلة وسلوكها الشخصي، وتجعل منها إنسانة متطبعة على لغة السب والشتائم وتحطمها نفسياً وخلقياً.
وخير علاج لهذه الظاهرة هو: تنبيه الطفلة إلى خطئها إذا أخطأت برفق ولين مع تبيان الحجج التي تقنع بها لاجتناب الخطأ، وألا يزجرها الوالدان، أو يوبخاها أمام الحاضرين، وأن يسلكا معها في بادئ الأمر الأسلوب الحسن في إصلاحها، وتقويمها إقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم في الإصلاح والتربية، وتقويم الاعوجاج، فعالم الأطفال دقيق الحس، سريع التأثر شديد الانفعال، قليل الإدراك، ضئيل الحيلة، وبناء الثقة بالنفس لدى الطفلة يعتبر الركيزة الأولى في بناء شخصيتها في جميع أطوار حياتها.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب تنشئة الفتاة المسلمة لـ حنان عطية الطوري الجهني ص 163(10/76)
التربية الإيمانية للطفل
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي طفل صغير في الثالثة، وأريد أن ينغرس الإيمان في نفسه فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي لطفل الثالثة من العمر أن يرى أمه وأباه وهما يصليان، وينبغي أن يسمعهما يتلوان القرآن، فإن استماع الطفل للقرآن والأذكار اليومية من والديه وإخوانه، وتكرار هذا السماع، يغذي روحه ويحيي قلبه كما يحيي الأرض المجدبة، لأن لسماع الطفل والديه وهما يذكران الله تعالى، ومشاهدته لهما في عبادتهما لذلك أثر في أفعاله وأقواله.
ومن الأمثلة على ذلك قصة هذه الطفلة:
انتهت الأم من الوضوء، وإذا بطفلتها البالغة من العمر ثلاث سنوات تغسل وجهها ويديها مقلدة أمها، وترفع إصبعها السبابة قائلة: لا إله إلا الله، فهذا يدل على أن الطفلة لاحظت والديها أن هناك ذكر مخصصاً يقال بعد الوضوء.
وقصة أخرى: أدت إحدى الأمهات سنة الوضوء في أحد الأيام وقامت لإكمال عملها في المنزل، وقد اعتادت طفلتها أن ترى والدتها بعد الصلاة تجلس في مصلاها حتى تنهي أذكار ما بعد الصلاة، ولكن الطفلة لاحظت على والدتها النهوض من المصلى بعد أداء السنة مباشرة، فقالت لها: لماذا قمت من مصلاك قبل أن تقولي: استغفر الله. وهذا الموقف يدل على شدة مراقبة الأطفال لوالديهم.
الإنسان معرض للأسقام والأمراض وقد يمرض أحد الأبناء، ولذا ينبغي أن يكون مرضه فرصة لتقوية صلته بالله تعالى، وذلك بتذكيره بفضل الصحة والعافية، وأنها من نعم الله تعالى، وأنه يجب شكره عليها، وأن الإنسان ضعيف لا حول له ولا قوة إلا بربه، وعند أخذ الدواء أو الذهاب به إلى المستشفى، نوحي إليه أن الشفاء من الله لكن هذه أسباب أمرنا الله بها، ثم لنربطهم بالرقى الشرعية والعمل بها، ولنضرب له الأمثلة بالأنبياء وأخذهم بالأسباب واتكالهم على الله تعالى، كقصة أيوب عليه السلام ومرضه وقصة يعقوب عليه السلام حين أمر أبناءه بالدخول من أبواب متفرقة وأنه لا يغني ذلك عنهم من الله شيئاً وتفويضه الأمر إلى الله تعالى، قال سبحانه على لسان يعقوب: (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء) يوسف/67
ومن أهم الأمور تذكير الأبناء احتساب الأجر، والصبر على المرض، وعلى الدواء، فهذه طفلة تذكر والدتها أن الله سبحانه وتعالى أراد لها أن تصاب بمرض كما يسمونها طبياً مرض مزمن وذلك حسب تقدير الطب البشري - ولكن الشفاء بيد الله تعالى - تذكر الأم أن هذه الطفلة اضطرت لأخذ الدواء مرتين يومياً، وكانت أمها تذكرها دائماً بالأجر، فما كان من هذه الطفلة إلا أن قالت لأمها يوماً من الأيام: أنا احصل على الأجر لأنني أخذ هذا الدواء.
تقول ذلك وكأنها تفتخر وتتميز بهذا الأجر والثواب على أهلها وأخواتها.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أمهات قرب أبنائهن ص 21.(10/77)
هل تحسب الحسنات للصغير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن الإنسان لا يحاسب على أعماله قبل البلوغ فهل يكافأ على ما يفعله من خير قبل البلوغ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يؤجر الصبي على فعل الحسنات لما رواه مسلم في "الصحيح" رقم (1335) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رفعت امرأة صبياً فقالت يا رسول الله الهذا حج قال: " نعم ولك أجر. "
قال صاحب مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل في مسألة الصبي يؤمر بالصلاة إذا بلغ سبع سنين: قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ فِي الْمَوَاقِيتِ: الصَّبِيَّ.. يَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الْمَنْدُوبَاتِ إذَا فَعَلَهَا لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ ,..
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ..: إنَّ الصَّغِيرَ لا تُكْتَبُ عَلَيْهِ السَّيِّئَاتُ وَتُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الأَقْوَالِ ,
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ أَوَّلِ حَدِيثٍ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ.. عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يُكْتَبُ لِلصَّغِيرِ حَسَنَاتُهُ , وَلا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ وقال صاحب مواهب الجليل تحت مسألة الإحرام بالحج والعمرة من الصبي..:
وَلا خِلافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الطَّاعَاتِ وَيُعْفَى عَمَّا يَجْتَرِحُهُ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَإِنَّ عَمْدَهُ كَالْخَطَأِ , وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَلا تَجِبُ فَرِيضَةُ الْحَجِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ الْحُلُمَ وَالصَّغِيرَةُ الْحَيْضَ وَلَكِنْ لا بَأْسَ أَنْ يُحَجَّ بِهِمَا وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى. ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: كَانَ مِنْ أَخْلاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحُجُّوا بِأَبْنَائِهِمْ وَيَعْرِضُونَهُمْ لِلَّهِ.
(و) عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ الأَمْرُ بِالْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ وَالأَمْرُ بِاسْتِحْسَانِهِ وَاسْتِحْبَابِهِ وَأَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ , وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ يُكْتَبَ لِلصَّبِيِّ دَرَجَةٌ وَحَسَنَةٌ فِي الآخِرَةِ بِصَلاتِهِ وَزَكَاتِهِ وَحَجِّهِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي يَعْمَلُهَا وَيُؤَدِّيهَا عَلَى سُنَّتِهَا تَفَضُّلا مِنْ اللَّهِ كَمَا تَفَضَّلَ عَلَى الْمَيِّتِ بِأَنْ يُؤْجَرَ بِصَدَقَةِ الْحَيِّ عَنْهُ , أَلا تَرَى أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَمْرِ الصَّبِيِّ بِالصَّلاةِ إذَا عَقَلَهَا. وَصَلَّى صلى الله عليه وسلم بِأَنَسٍ وَالْيَتِيمِ , وَأَكْثَرُ السَّلَفِ عَلَى إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيَسْتَحِيلُ أَنْ لا يُؤْجَرَ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ وَصَايَاهُمْ وَلِلَّذِي يَقُومُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ أَجْرٌ لَعَمْرِي كَمَا لِلَّذِي يَحُجُّهُمْ أَجْرٌ فَضْلا مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: يُكْتَبُ لِلصَّغِيرِ حَسَنَاتُهُ وَلا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ وَلا عَلمْت لَهُ مُخَالِفًا مِمَّنْ يَجِبُ اتِّبَاعُ قَوْلِهِ انْتَهَى. وَفِي الإِكْمَالِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ عَلَى طَاعَةٍ وَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتُهُ دُونَ سَيِّئَاتِهِ.. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي أَوَائِلِ الْمُقَدِّمَاتِ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُمَا جَمِيعًا مَنْدُوبَانِ إلَى ذَلِكَ مَأْجُورَانِ عَلَيْهِ (أي الصبي ووليه) . قَالَ صلى الله عليه وسلم لِلْمَرْأَةِ: وَلَكِ أَجْرٌ.. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: وَعِنْدَ الأَرْبَعَةِ أَنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ عَلَى طَاعَتِهِ وَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتُهُ كَانَ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَنَقَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ , وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي رَفَعَتْ صَبِيًّا , انْتَهَى. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(10/78)
حكم الإسلام في تبني جماعة تبشيرية للأيتام المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في تبني جماعة تبشيرية للأيتام المسلمين وهل في الإمكان أن تعطونا دليل على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز تسليم أيتام المسلمين إلى الكفرة من النصارى وغيرهم لما في ذلك من الخطر العظيم على الأيتام، وأن ينشئوهم تنشئة غير إسلامية، وهم أمانة بيد المسلمين فلا يجوز أن يجعلوهم تحت ولاية غيرهم، وقد قال الله سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) التوبة/71، وقال سبحانه: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) الأنفال/73.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/431.(10/79)
تعليم الأولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما وجهة الإسلام في مسؤولية الأباء في التعليم وما نوعية التعليم أهلي أم حكومي أم …الخ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شكّ أنّ تعليم الابن من ضروريات الحياة، وإذا كان من ضروريات الحياة فالنّفقة دفع ضرورة وعلى هذا فيجب أن يعلّمه لكن لا كلّ المراحل لأنّه قد يعيش بمرحلة المتوسطة أو الثانوية.
أمّا عن المدارس الأهلية والمدارس العمومية أيهما أفضل من الناحية الشرعية فلا أظنّ أنّ هناك قاعدة معيّنة فقد يكون التعليم الأهلي أفضل وقد يكون التعليم العمومي أفضل بحسب المناهج وطاقم التدريس والنّظام المتّبع، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤا ل وجواب(10/80)
تأديب اليتيم
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلم تزوج بأرملة ولها طفلان من زواجها الأول فما هي الحقوق الواجبة على هذا الرجل تجاه الأطفال؟ هل له الحق أن يأمر الأولاد أو أن يجبرهم على الصلاة؟ هل يمكن للولد أن يناديه بأبي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يأمرهم بالصّلاة. كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: " مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلاةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ.. " رواه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب متى يُؤمر الصبي بالصلاة.
قال أهل العلم: (ويؤدب الغلام على الطهارة والصلاة إذا تمت له عشر سنين) .
ومعنى التأديب: الضرب والوعيد والتعنيف، ويجب على ولي الصبي أن يعلمه الطهارة والصلاة إذا بلغ سبع سنين ويأمره بها، ويلزمه أن يؤدبه عليها إذا بلغ عشر سنين.
والأصل في ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم «علموا الصبي الصلاة ابن سبع واضربوه عليها ابن عشر» رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وفي رواية: «مروا الصبي بالصلاة لسبع سنين، واضربوه عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» وهذا التأديب المشروع في حق الصبي لتمرينه على الصلاة كي يألفها ويعتادها ولا يتركها عند البلوغ.. ولا فرق بين الذكر والأنثى في مسألة التأديب هذه. يُراجع المغني لابن قدامة: باب صفة الصلاة.
وقد يتحرّج بعض النّاس في تأديب اليتيم ولكنّ الصحيح أن يقوم عليه وليّه بما يُفيده وينفعه ولو قسا عليه أحيانا لمصلحته فلا بأس بذلك كما قال الشّاعر:
فقسا ليزدجروا ومن يك ذا حزم فليقس أحيانا على من يرحم.
قال أهل العلم: وله ضرب اليتيم فيما يضرب ولده. يُنظر الدرّ المختار: باب التعزير.
وأمّا مناداة اليتيم لكافله يا أبي فقد تقدّم الجواب عنه تحت سؤال رقم (1041) . والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(10/81)
المحافظة على الأبناء وأفكارهم في الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[نواجه - نحن المسلمين في الغرب - صعوبات في المحافظة على أبنائنا من الضياع والانخراط في المجتمع الغربي المنحل، ونريد بعض الخطوات العملية التي نستطيع بها الحفاظ على أبنائنا من الانحراف والضياع. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للمحافظة على كيان الأسر المسلمة في بلاد الكفر ينبغي توفير عدد من الشروط والمتطلبات داخل المنزل وخارجه:
أ - داخل المنزل:
1- لابد من محافظة الآباء على الصلاة في المسجد مع أولادهم وإن لم يكن ثَمَ مسجد قريب فالصلاة جماعة في البيت.
2- ولابد لهم من قراءة القرآن والاستماع للتلاوة يوميا.
3- ولابد لهم من الاجتماع على الطعام بعضهم مع بعض.
4- ولابد لهم من التحدث بلغة القرآن بقدر الإمكان.
5- ولابد لهم من المحافظة على الآداب الأسرية والاجتماعية التي نص عليها رب العالمين في كتابه ومنها ما ورد في سورة النور.
6- وعليهم عدم السماح لأنفسهم أو لأولادهم بمشاهدة الأفلام الخليعة والفاجرة والفاسقة.
7- ولابد للأولاد من المبيت داخل المنزل والعيش فيه أطول وقت ممكن حماية لهم من تأثير البيئة الخارجية السيئة، والتشديد على عدم السماح لهم بالبقاء خارج المنزل للنوم.
8- تجنّب إرسال الأولاد إلى الجامعات البعيدة لكي يسكنوا في سكن الجامعة، وإلا سنفقد أولادنا، الذين سينصهرون في المجتمع الكافر.
9- لا بد من الحرص التام على الطعام الحلال وأن يتجنّب الأبوان تماما تعاطي أيّ نوع من المحرّمات كالسجائر والماريوانا وغيرها مما ينتشر في بلاد الكفر.
ب - خارج المنزل:
1- لابد من إرسال الأطفال إلى مدارس إسلامية منذ الطفولة إلى نهاية الثانوية.
2- ولا بد من إرسالهم أيضا إلى المسجد بقدر الإمكان وذلك لصلاة الجمعة والجماعة، وحضور الحلقات العلمية والدعوية والوعظية وغيرها.
3- لا بد من إيجاد النشاطات التربوية والرياضية بين الأطفال والشباب في أماكن يُشرف عليها المسلمون.
4- إقامة مخيمات تربوية يذهب إليها أفراد العائلة بكاملها.
5- أن يسعى الآباء والأمهات إلى الذهاب إلى الأراضي المقدسة لأداء مناسك العمرة وفريضة الحج مصطحبين معهم أولادهم.
6- تدريب الأولاد على التحدث عن الإسلام بلغة مبسطة يفهمها الكبير والصغير، المسلم وغير المسلم.
7- تدريب الأولاد على حفظ القرآن وإرسال بعضهم - إن أمكن - إلى بلد عربي مسلم لكي يتفقهوا في الدين، ثم يعودوا بعد ذلك ليكونوا دعاة مزودين بالعلم والدين ولغة القرآن الكريم.
8- تدريب بعض الأبناء على إلقاء خطب الجمعة، وإمامة المسلمين لكي يصبحوا قادة للجاليات الإسلامية.
9- تشجيع الأبناء على الزواج مبكرا لكي نحفظ لهم دينهم ودنياهم.
01- ولا بد من تشجيعهم على الزواج من المسلمات والعائلات والمعروفة بدينها وخلقها.
11- ترك استعمال رقم (911) ومطالبة الشرطة بالمجيء إلى المنزل لحل الخلاف، فإن حصل خلاف فلا بد من الاتصال بأحد المسؤولين في الجالية الإسلامية أو العقلاء المسلمين للمساعدة على حل الخلاف.
21- عدم حضور حفلات الرقص والموسيقى والغناء ومهرجانات الفسق ومشاهد أعياد الكفر ومنع الأولاد بالحكمة من الذّهاب مع طلاب المدرسة النصارى إلى الكنيسة يوم الأحد.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(10/82)
أطفال النساء المغتصبات في البوسنة وكوسوفا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أطفال النساء المغتصبات في البوسنة وكوسوفا وهل يتركوا للأب أم يجب أخذهم وتربيتهم عند المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما بالنسبة للأطفال فالواجب على المسلمين العناية بهم وتربيتهم تربية إسلامية وعدم تركهم للنصارى وغيرهم، كما قال الله عز وجل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) التوبة/71، وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ، ولأنهم في حكم اليتامى، وقد شرع الله الإحسان إلى اليتيم بصفة خاصة.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 265.(10/83)
أعمال الطفل الذي لم يبلغ لمن تكتب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أعمال الطفل الذي لم يبلغ - من صلاة وحج وتلاوة تُحسب كلها لوالديه أم تحسب له هو؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أعمال الصبي الذي لم يبلغ - والمقصود أعماله الصالحة - أجرها له هو لا لوالده ولا لغيره ولكن يؤجر والده على تعليمه إياه وتوجيهه إلى الخير وإعانته عليه لما في صحيح مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: رَفَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ. رواه مسلم 2378
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج للصبي، وأن أمه مأجورة على حجّها به.
وهكذا غير الوالد له أجر على ما يفعله من الخير كتعليم من لديه من الأيتام والأقارب والخدم وغيرهم من الناس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ. " رواه مسلم في صحيحه 3509.. ولأن ذلك من التعاون على البر والتقوى والله سبحانه يثيب على ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية لابن عثيمين /526(10/84)
كشف كل من الولدين عورته للآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا والد يعاني من الضيق الشديد, فقد أمسكت بطفلي (الابن في السابعة والبنت في الخامسة) وقد كشف كل منها عن عورته للآخر. ومن هول الصدمة, قمت وضربتهما ضربا مبرحا, لكني لا أعلم إن كنت قد تصرفت بشكل صحيح, أم لا. إنهما الآن يشيحان بأنظارهما عني, وهما لا يتحدثان - إن تحدثا - إلا مع والدتهما فقط. أنا وزوجتي في قلق من هذا الوضع. ما هي أفضل الطرق لحل هذه المشكلة؟ أننا بحاجة لمساعدتك ونصحك!.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأولى أن يتعامل الوالد بحكمة واتزان اتجاه أخطاء أولاده، وأن يحذر من أن يؤدي حرصه على علاج خطأ وتلافيه إلى الوقوع في خطأ أكبر منه.
والأطفال في هذه السن قد لا يفقهون مثل هذه التصرفات ولا يدركون مغزاها، والذي يؤدي بهم إلى هذا السلوك هو في الأغلب رؤيتهم لبعض المشاهد في التلفزيون، والواجب السعي لمعرفة مصدر هذا السلوك ومن أين اكتسبه الأطفال وتعلموه، وحمايتهم وإبعادهم عن مصادر هذه السلوكيات وحمايتهم منها.
وهذا الشعور الذي عند أطفالك سيزول في الأغلب بعد فترة، وبخاصة إذا أحسنت إليهم وتعاملت معهم برفق ومودة.
فضيلة الشيخ محمد الدويش.
ولا تنس العناية بتطبيق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " وفرّقوا بينهم في المضاجع " رواه أبو داود وصححه الألباني انظر صحيح سنن أبي داود 1/97.
وقم بتبين شناعة هذا الفعل لهما وأن الشيطان يريده كما قال الله: (ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما)
وعن بهز بن حكيمٍ قال حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ فَقَالَ الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَالَ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ قُلْتُ وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا قَالَ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ. رواه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 3391.
وأن هذا الفعل الشنيع هو ما يقوم به أهل السوء والفحشاء الذين يُغضبون ربهم أصلح الله ذريتك وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(10/85)
ضرب الولد للتأديب والتلويح بالعقوبة للزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: هل من المعصية أن يضرب الرجل ابنه بيده أو بعصى، أنا افعل ذلك فقط عندما اشعر انه قد عصى أوامري وبعد عدة تحذيرات.
وهل رفع اليد على الزوجة معصية؟ بعض الأحيان اشعر انه يجب فعلها ولكنها لم تصل ذلك الحد.
عندما اصفع ولدي اشعر بندم شديد ثم اطلب من الله تعالى المغفرة إذا كان عملي خطأ.
هل هناك دعاء أستطيع قراءته يوميا ليهدي الله أولادي ويبارك فيهم ويقوي عقيدتهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الواجب على الأب أن يحسن تربية أولاده ورعايتهم، والضرب وسيله تربوية حين يقتضي الموقف ذلك، وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام بضرب الأولاد على الصلاة حين يبلغون عشر سنوات، لكنه ينبغي أن يكون الوسيلة الأخيرة، حين لا تنفع سائر الوسائل مع اجتناب القسوة أو ضرب الوجه، ولا يكون الأب في حال هياج غضب ٍ شديد وأن لا يضرب بمحدّد يجرح ولا بشيء يكسر ولا يضرب في مقتل، والتلويح بالعصا قد يكون أجدى من الضّرب نفسه والمقصود أن يطبّق الأب في تأديب الولد قاعدة الأسهل فالأسهل، فلا يلجأ إلى الوسيلة الأصعب والأشدّ إذا كان يمكن تحصيل المقصود بالوسيلة الأسهل والأخفّ.
أما ضرب الزوجة فليس هو الوسيلة الأولى لتقويمها بل لا بدّ أولا أن يعظها وينصحها، فإن لم تنفع النصيحة يهجرها في الفراش، فإن لم ينفع ذلك يضربها ضرباً غير شديد، كما قال الله تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) سورة النساء، وقد أخبر رسول الله أن خيار الناس ليسوا هم الذين يضربون زوجاتهم فقال عليه الصلاة والسلام: (لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم) . رواه أبو داود/2146، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" برقم/5137.
أما هداية الأولاد فالواجب على الوالدين فعل الأسباب المؤدية لذلك، من تعليمهم ونصحهم وإبعادهم عن رفقاء السوء وربطهم بالصحبة الصالحة، وحسن معاملتهم، والمواظبة على الدعاء لهم بالصلاح والهداية، ومما ورد من الدعاء لهم قوله تعالى: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) ، وقوله (وأصلح لي في ذريتي) ، أو أي دعاء آخر طيّب، لكن لا بد مع الدعاء من بذل الأسباب الأخرى الموصلة إلى استقامتهم، والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(10/86)
لعب أولاد العم من الجنسين مع بعضهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لأولاد العم من الجنسين أن يلعبا معاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاد العم إذا كانوا ذكوراً وإناثاً وكانوا صغاراً ولم يبلغوا حد الشهوة وأُمِنت عليهم الفتنة فلا بأس أن يلعب بعضهم مع بعض، وإن كانوا كباراً فإنه يحرم عليهم ذلك لأن أبناء العم ليسوا من المحارم بل هم أجانب عن بنات أعمامهم وكذلك أولاد الأخوال فإنهم أجانب. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(10/87)
هل من المجاهرة أن يفعل المعصية أمام أولاده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من المجاهرة أن يفعل المعصية أمام أولاده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وجهت هذا السؤال لشيخنا محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
أعوذ بالله. هذا أعظم من المجاهرة (لأن فيه بالإضافة إلى المجاهرة) إساءة تربية.
س: هل كونه فعلها داخل بيته وليس أمام الناس لا زال يعتبر مجاهراً؟
ج: نعم، لأنه لو كان يفعلها في حجرته (وحيداً) ما قلنا (عنها) مجاهرة، لكن هذا (يفعلها) أمام عياله (وفي ذلك إساءة تربية أيضاً) . ولهذا يجب على المدخنين أن لا يشربوا الدخان أمام عوائلهم، لأن (في ذلك) تدريباً لهم على التدخين. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(10/88)
نصائح وتوجيهات للشباب المسلم تجاه نفسه ودينه وأمَّته
[السُّؤَالُ]
ـ[ي: ما هو دور الشباب المسلم في بناء المجتمع والأمة الإسلامية؟ يلاحظ أن القرآن الكريم ذكر الشباب في أكثر من موضع، قال تعالى: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) الأنبياء/ 60، وكذلك السنَّة النبوية الصحيحة، وما هي نصيحتكم للشباب المسلم في العالم كله، تجاه دينه، ومجتمعه، وأمَّته؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
" الشباب في أي أمَّة من الأمم هم العمود الفقري الذي يشكل عنصر الحركة، والحيوية؛ إذ لديهم الطاقة المنتجة، والعطاء المتجدد، ولم تنهض أمَّة من الأمم - غالباً - إلا على أكتاف شبابها الواعي، وحماسته المتجددة ".
ولقد علم أعداء الإسلام هذه الحقيقة، فسعوا إلى وضع العراقيل في طريقهم، أو تغيير اتجاههم، إما بفصلهم عن دينهم، أو إيجاد هوة سحيقة بينهم وبين أولي العلم، والرأي الصائب، في أمتهم، أو بإلصاق الألقاب المنفِّرة منهم، أو وصفهم بصفات ونعوت، غير صحيحة، وتشويه سمعة من أنار الله بصائرهم في مجتمعاتهم، أو بتأليب بعض الحكومات عليهم ".
" فتاوى الشبخ ابن باز " (2 / 365) .
ثانياً:
لما سبق بيانه كان على الشباب المسلم دورٌ مهم، وأعمال بالغة الأهمية؛ لينهضوا بأنفسهم تجاه ما يراد بهم، وليكونوا حرَّاساً للدين تجاه ما يكاد به.
ويمكن أن نلخص ذلك الدور، وتلك الأعمال فيما يلي:
1. العلم الشرعي.
قال تعالى: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الزمر/ من الآية 9.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ) – رواه ابن ماجه، وهو حديث حسن -.
فالعلم واجب شرعي على كل مسلم، ولا يمكن للجاهل أن يفهم دينه، ولا أن يدافع عنه في المحافل، والمنتديات، والجاهل لا تستفيد منه أمته، ولا مدينته، ولا قريته، ولا أهله، فلذا كان على الشباب المسلم أن يسارعوا إلى حلقات العلم، في المساجد، والمراكز الإسلامية، وأن يستثمروا نشاطهم وفراغهم في حفظ القرآن، وقراءة الكتب.
2. الدعوة إلى الله، وتعليم الناس.
قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/104.
والدعوة والتعليم: زكاة العلم، وواجب على من تعلَّم العلم الشرعي أن يبلغه لغيره، وأن يساهم في هداية الكفار إلى الإسلام، وهداية العصاة إلى الاستقامة.
3. الصبر على أذى الناس.
قال تعالى – على لسان لقمان وهو يعظ ابنه -: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) لقمان/ 17.
ولا بدَّ – غالباً – للداعية من أن يصاب بأذى قولي، أو فعلي، ولا ينبغي لذلك أن يصده عن الاستمرار في الدعوة إلى الله، وليعلم أن الأنبياء والمرسلين قد أصابهم من ذلك الشيءُ الكثير، وهو يسير على هديهم، وطريقهم، فليصبر، وليحتسب.
4. الطاعة للأوامر، والاجتناب للنواهي.
والشاب المسلم مطيع لربه تعالى، فلا يسمع أمراً من الشرع إلا ويكون أول المستجيبين له، ولا نهياً إلا ويكون أول المبتعدين عنه، وقد استحق مثل هذا الشاب الثواب الجزيل يوم القيامة في أن يكون في ظل عرش ربِّه تعالى، في وقت تدنو الشمس بلهيبها فوق رؤوس الخلائق.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ... ) متفق عليه.
5. تزكية النفس.
ومما يحتاجه الشاب المسلم، ويجب علينا نصحه به: أن يجعل لنفسه نصيباً من التزكية، فيجتهد على نفسه فيربيها على القيام بما يتيسر من العبادات النوافل، كقيام الليل، وصيام الأيام الفاضلة، وقراءة الأوراد والأذكار اليومية؛ فهي زاد الشاب للثبات على طريق الهداية، مع الالتزام بحفظ البصر عن المحرمات، وصيانة السمع عن المنكرات، وهكذا باقي جوارحه يجعلها مصونة عن ارتكاب ما يبغضه ربه، ولا يرضاه منها.
ومما يحرص عليه الشاب المسلم في هذا الباب: إعفاف النفس؛ تنفيذاً للوصية النبوية منه صلى الله عليه وسلم حين خاطب الشباب فقال: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) متفق عليه – و " الباءة ": هي القدرة على تكاليف الزواج، من مهر، ونفقة، و" الوجاء ": الوقاية؛ لأن الصوم يكسر حدّة الشهوة -.
6. الالتفاف حول العلماء الثقات.
قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء/ 83.
والشاب المسلم لا توجهه عاطفته، ولا تقوده حماسته، إنما يسير على طريق الهداية بتوجيه العلماء الثقات، والشيوخ الكبار، ممن لهم علم واسع، وتجارب نافعة، فيهتدي بنصحهم، ويعمل بمشورتهم، ويُرجى أن يكون بعد ذلك أكثر نفعاً لأمته، ودينه، ويكون أكثر حماية ممن يكيد بالشباب لصرفهم عن رسالة الحق، ونشر النور في الأرض.
7. أن يكونوا قدوة حسنة للناس.
وهذا هو حال طلاب العلم، والدعاة إلى الله، فالشباب المسلم الذي يقوم على تعليم الناس ودعوتهم ليس له أن يخالف فعلُه قولَه، بل هو متحلٍّ بالفضائل التي يدعو إليها، وقائم بالطاعات التي يرغب الناسَ بها، وهو قدوة لغيره في الأمانة، والاستقامة، والصدق، والعفاف، وغير ذلك من الأخلاق الواجبة والفاضلة.
8. الاعتزاز بدينهم، وترك تقليد الكفار.
قال تعالى – في هذه النقطة والتي قبلها -: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) إلى قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) الممتحنة/ 4 – 6.
وأكثر من نراه اليوم في عالَم تقليد الكفار في لباسهم، وهيئاتهم، وحركاتهم: هم طائفة الشباب، وللأسف، لذا كان من الدور المهم للشاب المسلم: أن يكون فخوراً معتزّاً بدينه، لا يخجل من إظهار شعائره، ولا يتوارى من الناس حين يقوم بعبادة خالقه، وهو يبغض في قلبه الكافر، وفعله، فلا يتشبه بهيئته، ولا بلباسه، وهو بهذا يكون قدوة لغيره من الشباب الذي انماع في قبائح الحضارة الغربية الكافرة.
9. الجهاد، وبذل النفس في سبيل الله.
والأمة الإسلامية تحتاج لكل طاقة في الشباب المسلم، فلذا يبذل الشاب نفسه رخيصة في سبيل إعزاز دينه، فإذا ما غزا كافرٌ بلاد الإسلام سارع للذب عنها، والدفاع عن حرمات المسلمين، وإذا شُرِّدت العائلات: قام على رعايتها، والعناية بها، وهو في كل ذلك جندي للإسلام، يُرَى حيث تكون الحاجة لنشاطه وقوته فيبذلها رخيصة لربه تعالى، وقدوته في ذلك: الشباب المسلم من الصحابة الأجلاء، كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حين نام في فراش النبي ليلة الهجرة، وكعبد الله بن أبي بكر، حيث كان يستمع أخبار قريش، ويزوِّد بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر رضي الله عنه، وكأسامة بن زيد رضي الله عنهما، حين قاد جيشاً فيه كبار الصحابة رضي الله عنهم.
ونسأل الله تعالى أن يصلح حال المسلمين، وأن يهدي شبابهم للعمل بما يرضي ربهم، وأن يجعلهم هداة مهتدين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/89)
مقيم في أوروبا ولا يستطيع غض بصره
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أدرس في بلد أوروبي , لقد تعرفت على السنَّة، وأهلها في هذه البلاد , ومنَّ الله عليَّ بالاستقامة فيها، فبعدما بدأتُ بداية قوية في أول الالتزام: بدأت الآن أتراجع , وأصبحتُ أقترف ذنوباً لم أقترفها حتى في أيام جهلي بالدين، لكن رغم ذلك ما زلت - والحمد لله - أواظب على الصلوات الخمس في المسجد، وعلى بعض النوافل , وألقي درساً أسبوعيّاً في شرح بعض الأحاديث النبوية المهمة، استناداً على شرح أهل العلم لها , ولا ألقي هذا الدرس لأني عندي علم بالأحاديث , وإنما لعدم وجود من يلقي الدروس، وإصرار الإخوة على ذلك؛ فأنا صراحة لا أستحق هذا الفضل، والله أعلم. المهم: أني أشعر بنفاق في قلبي؛ لأني ألقي الدرس فأحث المستمعين على مجاهدة النفس، والصبر , وأنا أخالف ذلك، لأني - مثلاً - لا أستطيع غض بصري عن النساء، وهذه هي مشكلتي الكبرى، فعند ذهابي إلى المسجد - مثلاً - أمرُّ بمئات النساء عاريات كأنهن في الشاطئ، وخصوصاً في الصيف، فلا أصِلْ إلى المسجد إلا وقد جمعتُ ذنوباً كثيرةً، وأصلي وقلبي مريض، فلا أخشع في الصلاة، وأشعر بأني لم أصلِّ , وهذا هو الذي جعلني في حالة نفسية سيئة , فأتوب إلى الله من هذه الذنوب، فأتحسن، ثم بعد مدة تتفاوت كل مرة أرجع لهذه المعاصي، وأولها: إطلاق البصر إلى النساء، ثم أتوب بعد ذلك، وهكذا فأشعر أن توبتي لم تُتقبل. لقد قرأتُ حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتَناً تواباً نسَّاء، إذا ذُكِّر ذَكَر) . وقرأتُ عليه تعليقاً أعجبني لكن لا أدري صحته، وهو أنّ النّاظر إلى النّصوص يدرك بجلاء أنّ مراد الله تعالى من العبد ليس مجرّد السّلامة من المخالفة، بل المراد: بقاء العلاقة بين العبد وربّه، بمعنى: أن يطيعه العبد فيُؤجر، ويذنب فيستغفر، وينعم عليه فيشكر، ويقتّر عليه فيدعوه ويطلب منه، ويضيّق أكثر فيلجأ ويضطر، وهكذا، ولذلك ورد في بعض الآثار أنّ العبد الصّالح يغفل، أو ينسى فيضيّق الله عليه ببلاء، حتّى يسمع صوته بالدّعاء والالتجاء، وورد أنّ العبد المؤمن يكثر من الذّكر ولا يستغفر، فيقدّر الله عليه الذّنب ليسمع صوته في الاستغفار، فصراحة: ارتحت قليلاً منه، ولكن عندما أقرأ الحديث الآخر يصيبني الإحباط الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً) ، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ: (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) . فهذا الحديث ينطبق عليَّ كاملاً، والله المستعان. الآن أنا أفكر في أن أنتهي عن إلقاء الدرس إلى أن تتحسن نفسي، فما هو الحل يا ترى؟ . أفتوني مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله العظيم بمنِّه وكرمه أن يثبتك على الاستقامة , وأن يصرف عنك الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
أولاً:
عندما ينظر المسلم إلى مثل هذه الأسئلة: يزداد يقيناً وإيماناً بالتسليم للشرع، وأنه جاء بالحكمة والمصلحة، ودفع المفسدة.
فلم يأمر إلا بما فيه مصلحة، ولم ينه إلا عما فيه مفسدة، ومن ذلك: نهيه عن إقامة المسلم في بلاد الكفر، فإنها من أخطر الأشياء على دين المسلم وأخلاقه.
وانظر جواب السؤالين: (47672) و (10175) .
ثانياً:
كلماتك – أخي السائل - تدل على أنك متضايق من نفسك، وأنك تشعر بالخطأ تجاه نفسك، وتجاه ربك , ولا شك أن هذا علامة صدق، ودليل خير , وأن وازع الإيمان في قلبك لا يزال حيّاً , ولتعلم أن طريق الجنَّة محفوف بالشهوات , وهو طريق يحتاج في سلوكه إلى صبر، ومجاهدة، وتحمل، ولذا لزم الاستعانة بالله , واللجوء إليه، والذل بين يديه؛ ليأخذ بيدك إلى برِّ الأمان، فتصل إلى رضاه من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة.
وإن من أعظم ما يضر المسلم في حياته، ومن أكثر ما يكون سبباً لفتنة قلبه، ودينه: هو معصية إطلاق البصر في المحرمات، وقد صحَّ عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "اإثم حَوَازُّ القلوب، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع" رواه البيهقي في "شُعَب الإيمان" (4/367) .
قال الشيخ محمد السفاريني رحمه الله:
ومعنى " حَوَّاز " بفتح الحاء وتشديد الواو، وهو: ما يحوزها، ويغلب عليها حتى ترتكب ما لا يحسن.
وقيل: بتخفيف الواو وتشديد الزاي – أي: " حَوَازّ " - جمع حازَّة، وهي الأمور التي تحزُّ في القلوب، وتحك، وتؤثر، وتتخالج في القلوب، فتكون معاصي، وهذا أشهر.
"غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" (ص 65) .
ولهذا كان لهذه المعصية نصيب وافر من التحذير منها، والكلام عليها.
فانظر جوابيْ السؤالين: (22917) و (20229) للوقوف على السبل، والوسائل المعينة على غض البصر.
وانظر جواب السؤال رقم (22917) للوقوف على فوائد غض البصر.
وجواب السؤال رقم: (23425) للوقوف على آثار هذه المعصية.
ثالثاً:
أما حديث ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلا وَلَهُ ذَنْبٌ يَعْتادُهُ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، أَوْ ذَنْبٌ هُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ لا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُفَارِقَ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ خُلِقَ مُفْتَنًا تَوَّابًا نَسِيًّا إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ) : فقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/304) ، وصححه الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (2276) ، ولكن تعقبه الشيخ محمد عمرو بن عبد اللطيف رحمه الله في جزئه "حديث (ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة) في الميزان"، وبيَّن أن الحديث ضعيف.
ثم ـ إن صح الحديث ـ فليس فيه التشجيع على فعل المعصية، ولا الإقدام عليها، بل هو لتطمين التائبين بأنه من فعل ذنباً فإنه لا ينبغي له أن يقنط من رحمة ربه، أو يعتقد أن ذنبه أعظم من عفو الله ورحمته، فما على المذنب سوى التوبة الصادقة، والعزم على عدم العود إلى ذنبه مرة أخرى.
وقد قال الشيخ محمد عبد الرحمن المباركفوري رحمه الله عند شرحه لحديث: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُم) قال:
"قال الطِّيبي: ليس الحديث تسلية للمنهمكين في الذنوب كما يتوهمه أهل الغرة بالله؛ فإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب، بل بيان لعفو الله تعالى، وتجاوزه عن المذنبين؛ ليرغبوا في التوبة.
والمعنى المراد من الحديث: هو أن الله كما أحب أن يعطي المحسنين أحب أن يتجاوز عن المسيئين , وقد دل على ذلك غير واحد أسمائه: الغفار، الحليم، التواب، العفو , ولم يكن ليجعلَ العباد شأناً واحداً كالملائكة، مجبولين على التنزه من الذنوب، بل يخلق فيهم من يكون بطبعه ميَّالاًَ إلى الهوى، متلبساً بما يقتضيه، ثم يكلفه التوقي عنه، ويحذره من مُدَاناته، ويعرِّفه التوبة بعد الابتلاء، فإن وفَّى: فأجره على الله , وإن أخطأ الطريق: فالتوبة بين يديه، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم به: أنكم لو كنتم مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة: لجاء الله بقوم يتأتى منهم الذنب، فيتجلى عليهم بتلك الصفات، على مقتضى الحكمة؛ فإن الغفَّار يستدعي مغفوراً، كما أن الرزَّاق يستدعي مرزوقاً.
"تحفة الأحوذي" (7/193) .
وأما حديث ثَوْبَانَ رضي الله عنه المذكور في السؤال: فقد رواه ابن ماجه في "سننه" (4245) ، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"، فللعلماء حوله كلام كثير، وأحسن ما قيل فيه: أنه في الذين يتكرر منهم انتهاك محارم الله باستمرار، وأن من صفاتهم الاستخفاف بما حرَّم الله، وأنهم لا تنكسر قلوبهم عند فعلهم لتلك المعاصي، بل يتجرأون على فعلها، بل انتهاكها.
قال الشيخ الألباني - رحمه الله -:
هؤلاء (إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) لا يعني خلوا مرة واحدة، وإنما هذا ديْدُنهم، وشأنُهم، وهِجِّيراهم، دائماً، فلذلك تطغى هذه المحرمات على تلك السيئات.
" سلسلة الهدى والنور " شريط رقم (226) .
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي - حفظه الله -:
أي: أن عندهم استهتاراً، واستخفافاً بالله عز وجل، فهناك فرق بين المعصية التي تأتي مع الانكسار، والمعصية التي تأتي بغير انكسار، بين شخص يعصي الله في ستر، وبين شخص عنده جرأة على الله عز وجل، فصارت حسناته في العلانية أشبه بالرياء، وإن كانت أمثال الجبال، فإذا كان بين الصالحين: أَحْسَنَ أيما إحسانٍ؛ لأنه يرجو الناس ولا يرجو الله، فيأتي بحسنات كأمثال الجبال، فظاهرها حسنات، (لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) فهم في السر لا يرجون لله وقاراً، ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى، بخلاف من يفعل المعصية في السر وقلبه منكسر، ويكره هذه المعصية، ويمقتها، ويرزقه الله الندم، فالشخص الذي يفعل المعصية في السر وعنده الندم، والحرقة، ويتألم: فهذا ليس ممن ينتهك محارم الله عز وجل؛ لأنه - في الأصل - معظم لشعائر الله، لكن غلبته شهوته، فينكسر لها، أما الآخر: فيتسم بالوقاحة، والجرأة على الله؛ لأن الشرع لا يتحدث عن شخص، أو شخصين، ولا يتحدث عن نص محدد، إنما يعطي الأوصاف كاملة.
" شرح زاد المستقنع " (رقم الدرس 332) .
وكل مسلم حي القلب يخشى أن يكون من هؤلاء الذين ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان، وتزداد هذه الخشية إذا اتصف ببعض صفاتهم، فينبغي أن تحذر أشد الحذر أن تكون من أولئك الأقوام، أو قريباً من صفاتهم، فانج بنفسك من مستنقعات الرذيلة، وطهِّر بدنك نفسك بالتوبة، واحذر أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) النساء/108.
قال ابن رجب رحمه الله:
قال بعض العارفين: اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك.
"جامع العلوم والحَِكم" (ص 162) .
فالنصيحة لك:
1. أن تقطع سبل التعرض للفتن، بتعجيل الانتهاء من تلك البلاد.
2. الزواج، فهو الحصن الحصين لك إن شاء الله - , وخصوصاً في مثل تلك البلاد التي يكثر فيها الفتن.
3. الالتجاء إلى الله تعالى , والتضرع إليه، بأن يصرف عنك تلك الذنوب، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/ 186.
4. مجاهدة النفس، ودفع وسوستها، وشرورها، والعناية بتزكيتها بطاعة الله، قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس/ 8 – 11، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69، فاحرص على قراءة القرآن ومداومة الذكر، وقيام الليل، وصيام النوافل ... إلخ، فبها يزداد الإيمان وينير الطريق لك.
ومما يعينك على ذلك: أن تكثر من صحبة الصالحين , وأن لا تتعرض للفتن؛ وذلك بالابتعاد عن أماكنها.
5. وعليك أن تستمر في إعطاء الدروس، واحذر من الشيطان أن يزيد عليك المعاصي بتركها، أو يوهمك أن تركها هو علاج ما أنت فيه من حال.
وقد حذر السلف من مثل ذلك.
قال الحسن البصري رحمه الله لمطرف بن عبد الله: " عِظ أصحابك "، فقال: " إني أخاف أن أقول ما لا أفعل "! قال: " يرحمك الله، وأيُّنا يفعل ما يقول! ودَّ الشيطان أنه قد ظفر بهذا، فلم يأمر أحدٌ بمعروف، ولم ينه عن منكر ".
وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخه: سمعت سعيد بن جبير يقول: " لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء: ما أمر أحدٌ بمعروف، ولا نهى عن منكر ".
قال مالك: " وصدق، مَن ذا الذي ليس فيه شيء "! .
وقد أحسن القائل:
لئن لم يعظ العاصين من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد
فكُن أول المستفيدين من دروسك، وكن أول المستجيبين لوعظك، واستعن بالله تعالى ربك أن يعينك على نفسك، وأن يخلصك من شرورها.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، ويعينك على طاعته ونيل رضاه، ويثبتك على الإسلام والسنَّة، وأن يصرف عنك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/90)
الحكمة من إقامة الصلاة بكيفيتها المعروفة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي تشكك واحد لا أجد له تفسيرا مناسبا ... لماذا نصلي بتلك الكيفية من تكبير وسجود وقيام؟ أفلا يكفي أن نجلس فنقرأ القرآن وندعو الله عوضا عن ذلك؟ فلماذا صيغ الأمر بتلك الكيفية وبهذا الشكل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم – هداك الله – أن مبنى ديننا الحنيف على وجوب السمع والطاعة، وأن لا نقترح على الله، وكما أننا نثق بكلام الطبيب ولا نعارضه، بل نسمع ونطيع، وإذا قال: هذا الدواء بعد العشاء. لم نقل: لم لا يكون قبله؟
أو قال: سبع قطرات. لم نقل: لم لا تكون خمسا؟ وإنما نذعن لما يقول، ولو كان في ذلك ما نكره من مرارة الدواء أو غلاء ثمنه ونحو ذلك، وهو مع ذلك بشر لا يملك الشفاء، ويخطئ ويصيب، وقد يكون خطؤه أكثر من صوابه.
فالواجب علينا أن يكون تسليمنا للشرع أشد، فإنه تنزيل من حكيم حميد، عليم خبير، (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23.
إن الإيمان لا يثبت إلا بالتسليم المطلق لله ولرسوله، قال الله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65.
وقال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51.
وقال الله عز وجل: (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة/285.
قال السعدي:
" هذا التزام من المؤمنين، عام لجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، وأنهم سمعوه سماع قبول وإذعان وانقياد " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 961) .
فمن تأمل هذه الآيات علم أن مبنى الدين على التسليم والخضوع والانقياد لله رب العالمين، وكيف لا يسلم له سبحانه في كل شيء من أمر دينه ودنياه من آمن به ربا خالقا هاديا رازقا مدبرا؟!
وكيف لا يسلم لرسوله صلى الله عليه وسلم من آمن به نبيا مرسلا من عند ربه؟!
ولو أن إنساناً انتهج هذا المنهج في السؤال لم يَبْعُدْ أن ينتهي به الأمر إلى الإلحاد، لأنك تقول: لماذا لم تكن الصلاة مجرد قراءة للقرآن والدعاء، فيأتي ثانٍ ويقول: وما الداعي للدعاء أفلا يكفي القرآن؟
ويأتي ثالث ويقول: لماذا الصلاة أصلاً، أفلا يكفي قول لا إله إلا الله، وقل مثل ذلك في الزكاة والصيام والحج جميع الأحكام الشرعية. فينتهي الأمر إلى إنكار الأحكام الشرعية والإلحاد.
ثالثاً:
فرضت الصلاة على هذه الصفة التي هي أحسن ما يكون وأكمل ما يكون حتى تتحقق العبودية لله والذل له، والتلذذ بمناجاته، فيستقبل الرجل القبلة، ويقف ذليلاً بين يدي الله مطأطأ الرأس، ثم يركع لله تذللاً له، ثم يزيد ذله لله بالسجود.
وانظر وصفاً تفصيلاً لصفة الصلاة من التكبير إلى التسليم مع التدبر في أفعالها وأقوالها بما لا مزيد عليه لابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "الصلاة".
ونسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويجعل الصلاة قرة عيوننا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/91)
الأسباب المعينة على قيام الليل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأمور التي تساعد على قيام الليل (التهجد) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأسباب المعينة على قيام الليل كثيرة منها:
1- الإخلاص لله تعالى: كما أمر الله تعالى بإخلاص العمل له دون ما سواه: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) ، فكلما قوي إخلاص العبد كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات، وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب " رواه أحمد صحيح الجامع 2825. قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: صلاح العمل بصلاح القلب، وصلاح القلب بصلاح النية. قال ابن القيم رحمه الله: وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك. ولذا حرص السلف الكرام أشد الحرص على إخفاء الطاعات كقيام الليل؛ سأل رجل تميم بن أوس الداري رضي الله عنه فقال له: كيف صلاتك بالليل؟ فغضب غضباً شديداً ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف الليل في السر أحب إلي من أن أصلي الليل كله، ثم أقصه على الناس. وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله، فإذا قرب الفجر رجع فاضطجع في فراشه، فإذا طلع الصبح رفع صوته كأنه قد قام تلك الساعة.
2- أن يستشعر مريد قيام الليل أن الله تعالى يدعوه للقيام: فإذا استشعر العبد أن مولاه يدعوه لذلك وهو الغني عن طاعة الناس جميعاً كان ذلك أدعى للاستجابة، قال تعالى: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً) ، قال سعد بن هشام بن عامر لعائشة رضي الله عنها: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ (يا أيها المزمل) قلت: بلى، فقالت: إن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة. رواه مسلم.
2- معرفة فضل قيام الليل: فمن عرف فضل هذه العبادة حرص على مناجاة الله تعالى، والوقوف بين يديه في ذلك الوقت، ومما جاء في فضل هذه العبادة ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم " رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً ويفطر يوماً " متفق عليه. وعن عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن " رواه الترمذي والنسائي. وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاته فيقول الله جل وعلا: أيا ملائكتي انظر إلى عبدي ثار من فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي " رواه أحمد وهو حسن، صحيح الترغيب 258. وقيام الليل يطرد الغفلة عن القلب كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين " رواه أبوداود وابن حبان وهو حسن، صحيح الترغيب 635. قال يحى بن معاذ: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين.
4-النظر في حال السلف والصالحين في قيام الليل ومدى لزومهم له: فقد كان السلف يتلذذون بقيام الليل، ويفرحون به أشد الفرح، قال عبد الله بن وهب: كل ملذوذ إنما له لذة واحدة، إلا العبادة، فإن لها ثلاث لذات: إذا كنت فيها، وإذا تذكّرتها، وإذا أعطيت ثوابها. وقال محمد بن المنكدر: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، والصلاة في جماعة. وقال ثابت البناني: ما شيء أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل وقال يزيد الرقاشي: بطول التهجد تقر عيون العابدين، وبطول الظمأ تفرح قلوبهم عند لقاء الله. قال مخلد بن حسين: ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله ويصلي، فأَغتمُّ لذلك، ثم أتعزى بهذه الآية (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) . وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته. وعن القاسم بن معين قال: قام أبو حنيفة ليلة بهذه الآية (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) يرددها ويبكي، ويتضرع حتى طلع الصبح. وقال إبراهيم بن شماس: كنت أرى أحمد بن حنبل يُحيي الليل وهو غلام. وقال أبو بكر المروذي: كنت مع الإمام أحمد نحواً من أربعة أشهر بالعسكر ولا يدع قيام الليل وقرآن النهار، فما علمت بختمة ختمها، وكان يسرّ ذلك. وكان الإمام البخاري: يقوم فيتهجد من الليل عند السحر فيقرأ ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال. وقال العلامة ابن عبد الهادي يصف قيام شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان في ليله منفرداً عن الناس كلهم خالياً بربه، ضارعاً مواظباً على تلاوة القرآن، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية، وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة. وقال ابن رجب في شيخه الإمام ابن القيم: وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى، ولم أشاهد مثله في عبادته وعلمه بالقرآن والحديث وحقائق الإيمان. وقال الحافظ ابن حجر يصف شيخه الحافظ العراقي: وقد لازمته، فلم أره ترك قيام الليل بل صار له كالمألوف.
3- النوم على الجانب الأيمن: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أمته إلى النوم على الجانب الأيمن، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه، ثم ليضطجع على شقه الأيمن، ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " متفق عليه. وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن " متفق عليه، وعن حفصة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن " رواه الطبراني، صحيح الجامع 4523. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وفي اضطجاعه صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن سر، وهو أن القلب معلّق في الجانب الأيسر، فإذا نام على شقه الأيسر استثقل نوماً، لأنه يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم لقلق القلب وطلبه مستقره وميله إليه.
4- النوم على طهارة: تقدم حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة " متفق عليه، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً فيتعارّ من الليل، فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه " رواه أبو داود وأحمد، صحيح الجامع 5754. وجاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " طهّروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك، لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك، فإنه بات طاهراً " رواه الطبراني، قال المنذري: إسناد جيد، صحيح الجامع 3831.
6- التبكير بالنوم: النوم بعد العشاء مبكراً وصية نبوية، وخصلة حميدة، وعادة صحية ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها " رواه البخاري، نقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض في قوله: "وكان يكره النوم قبلها " قال: لأنه قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقاً، أو عن الوقت المختار، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم قبل الصبح، أو عن وقتها المختار، أو عن قيام الليل. وقال ابن رافع: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينِشّ الناس بدِرّته بعد العتمة ويقول: قوموا لعل الله يرزقكم صلاة. ومما يتعلق بالنوم: اختيار الفراش المناسب، وذلك بعدم المبالغة في حشو الفراش، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم والغفلة، ومجلبة للكسل والدّعة، وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت وسادة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف. رواه أبوداود وأحمد، صحيح الجامع 4714. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قد أثر في جنبه الشريف فقال عمر: يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوْثر من هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها. رواه أحمد والحاكم، صحيح الجامع 5545. وكان علي بن بكار رحمه الله تفرش له جاريته فراشه، فيلمسه بيده ثم يقول: والله إنك لطيب، والله إنك لبارد، والله لا علوتك ليلتي، ثم يقوم يصلي إلى الفجر. ومن ذلك عدم الإفراط في النوم والاستغراق فيه، قال إبراهيم ابن أدهم: إذا كنت بالليل نائماً، وبالنهار هائماً، وفي المعاصي دائماً، فكيف تُرضي من هو بأمورك قائماً.
7- المحافظ على الأذكار الشرعية قبل النوم: فإن هذه الأذكار حصن حصين يقي بإذن الله من الشيطان، ويعين على القيام، ومن هذه الأذكار، ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه، ثم ليضطجع على شقّه الأيمن، ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " متفق عليه. وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما يقرأ (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات " متفق عليه.وعن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " متفق عليه. وعن أنس بن مالك رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي له " رواه مسلم. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقصة الشيطان معه قال له: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) حتى تختمها، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فذكر ذلك أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: صدقك وهو كذوب " متفق عليه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة رضي الله عنها لما جاءت إليه تطلب منه خادماً، فقال لها ولعلي: ألا أدلكما على خير لكما من خادم،إذا أويتما إلى فراشكما، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فإنه خير لكما من خادم " متفق عليه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اقرأ (قل يا أيها الكافرون) عند منامك، فإنها براءة من الشرك " رواه البيهقي، صحيح الجامع 1172. وعن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن وقال: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك " رواه أبو داود، صحيح الجامع 4532. وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتيت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن متّ متّ على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول " متفق عليه. وينبغي كذلك أن يحافظ المسلم على الأذكار الشرعية عند الاستيقاظ، ومنها: ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره " رواه الترمذي والنسائي، صحيح الجامع 326. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تعارّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله سبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ ثم صلى قُبلت صلاته " رواه البخاري. قال الإمام ابن بطال: وعد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن من استيقظ من نومه لَهِجاً بتوحيد ربه، والإذعان له بالملك، والاعتراف بنعمه بحمده عليها، وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه والخضوع له بالتكبير، والتسليم له بالعجز عن القدرة إلا بعونه، أنه إذا دعاه أجابه، وإذا صلى قبلت صلاته، فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به، ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى. وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من نومه قال: " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " رواه مسلم. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم ينظر إلى السماء ويقرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران: (إن في خلق السماوات والأرض …) الآيات. رواه مسلم، قال الإمام النووي: فيه استحباب مسح أثر النوم عن الوجه، واستحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم.
5- الحرص على نومة القيلولة بالنهار: وهي إما قبل الظهر أو بعده، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قيلوا فإن الشياطين لا تقيل " رواه الطبراني، الصحيحة 2647، قال إسحاق بن عبد الله: القائلة من عمل أهل الخير، وهي مجمة للفؤاد مَقْواة على قيام الليل. ومرّ الحسن البصري بقوم في السوق في وسط النهار فرأى صخبهم وضجيجهم فقال: أما يقيل هؤلاء، فقيل له: لا فقال: إني لأرى ليلهم ليل سوء.
6- اجتناب كثرة الأكل والشرب: فإن الإكثار منهما من العوائق العظيمة التي تصرف المرء عن قيام الليل، وتحول بينه وبينه كما جاء في حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما ملأ آدمي وعاءاً شراً من بطنه، حسْب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه " رواه الترمذي وابن ماجه، صحيح الجامع 5674. وعن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تجشأ في مجلسه: أقصر من جشائك، فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم القيامة " رواه الحاكم، صحيح الجامع 1190. قال سفيان الثوري: عليكم بقلة الأكل، تملكوا قيام الليل. ورأى معقل بن حبيب قوماً يأكلون كثيراً فقال: ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا الليلة. وقال وهب بن منبه: ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوام.
7- مجاهدة النفس على القيام: وهذا من أعظم الوسائل المعينة على قيام الليل لأن النفس البشرية بطبيعتها أمارة بالسوء تميل إلى كل شر ومنكر فمن أطاعها فيما تدعو إليه قادته إلى الهلاك والعطب، وقد أمرنا الله تعالى بالمجاهدة فقال: (وجاهدوا في الله حق جهاده) وقال سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) وقال تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً) وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المجاهد من جاهد نفسه في الله " رواه الترمذي وابن حبان، الصحيحة 549. وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عُقَد، فإذا وضأ يديه انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة، فيقول الله عز وجل للذين من وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه، ويسألني، ما سألني عبدي فهو له " رواه أحمد وابن حبان، صحيح الترغيب 627. قال محمد بن المنكدر: كابدت نفسي أربعين عاماً حتى استقامت لي. وقال ثابت البناني: كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة. وقال عمر بن عبد العزيز: أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس. وقال عبد الله بن المبارك: إن الصالحين فيما مضى كانت تواتيهم أنفسهم على الخير، وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي لنا أن نكرهها. وقال قتادة: يا ابن آدم: إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا بنشاط، فإن نفسك إلى السآمة وإلى الفترة وإلى الملل أميل، ولكن المؤمن هو المتحامل.
8- اجتناب الذنوب والمعاصي: فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى، والأنس بذكره في ظلم الليل، فليحذر الذنوب، فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي، قال رجل لإبراهيم بن أدهم: إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟ فقال: لا تعصه بالنهار، وهو يُقيمك بين يديه في الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف. وقال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد: إني أبِيت معافى، وأحب قيام الليل، وأعِدّ طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن: ذنوبك قيدتْك. وقال رحمه الله: إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل، وصيام النهار. وقال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النهار، فأعلم أنك محروم مكبّل، كبلتك خطيئتك.
9- محاسبة النفس وتوبيخها على ترك القيام: فمحاسبة النفس من شعار الصالحين، وسمات الصادقين قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) . قال الإمام ابن القيم: فإذا كان العبد مسئولاً ومحاسباً على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه كما قال تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب.
وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله تعالى، وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية، وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت فيه الأصوات، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش. ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة، وسمات النفوس الكبيرة، وقد مدحهم الله وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى: (أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) .
وقيام الليل سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها بقوله: " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد " رواه الترمذي وأحمد.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل "، وقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل، ولم يتركه سفراً ولا حضراً، وقام صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تفطّرت قدماه، فقيل له في ذلك فقا: " أفلا أكون عبداً شكوراً " متفق عليه.
وهكذا كان حال السلف الكرام عليه رحمة الله تعالى؛ قال أبو الدرداء رضي الله عنه: صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور. وقال أحمد بن حرب: عجبت لمن يعلم أن الجنة تزيّن فوقه، والنار تضرم تحته، كيف نام بينهما. وكان عمر بن ذر إذا نظر إلى الليل قد أقبل قال: جاء الليل، وللّيل مهابة، والله أحق أن يهاب، ولذا قال الفضيل بن عياض: أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال: ليس هذا لكِ، قومي خذي حظك من الآخرة. وقال الحسن: ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل، ونفقة المال، فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
وكان نساء السلف يجتهدن في قيام الليل مشمرات للطاعة، فأين نساء هذه الأيام عن تلك الأعمال العظام. قال عروة بن الزبير أتيت عائشة رضي الله عنها يوماً لأسلم عليها فوجدتها تصلي وتقرأ قوله تعالى: (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) ترددها وتبكي، فانتظرتها فلما مللت من الانتظار ذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت إلى عائشة فإذا هي على حالتها الأولى تردد هذه الآية في صلاتها وتبكي. وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال لي جبريل: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة. رواه الحاكم، صحيح الجامع 4227. وقامت معاذة العدوية من التابعيات الصالحات ليلة زفافها هي وزوجها صلة بن أشيم يصليان إلى الفجر، ولما قتل زوجها وابنها في أرض الجهاد، كانت تحيي الليل كله صلاة وعبادة وتضرعاً، وتنام بالنهار، وكانت إذا نعست في صلاتها بالليل قالت لنفسها: يا نفس النوم أمامك. وكانت حبيبة العدوية إذا صلت العشاء، قامت على سطح دارها وقد شدت عليها درعها وخمارها، ثم تقول: إلهي، غارت النجوم، ونامت العيون، وغلقت الملوك أبوابها، وبابك مفتوح، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك، ثم تقبل على صلاتها ومناجاتها لربها إلى السحر، فإذا جاء السحر قالت: اللهم هذا الليل قد أدبر، وهذا النهار قد أسفر، فليت شعري هل قبلت مني ليلتي فأهني، أم رددتها علي فأعزي. وقامت عمرة زوج حبيب العجمي ذات ليلة تصلي من الليل، وزوجها نائم، فلما دنا السحر، ولم يزل زوجها نائماً، أيقظته وقالت له: قم يا سيدي، فقد ذهب الليل، وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا.
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(10/92)
كيفية تهذيب الغريزة بالصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[يتعلق سؤالي بالصيام في غير شهر رمضان المبارك. أعني الصيام عندما تكون لدى المسلم رغبة في الزواج لكنه لا يستطيعه في الوقت الراهن. أعلم أنه يُنصح بالصيام في مثل هذه الحالة، لكن ما هو الحكم الصحيح في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء هذا الدين الحنيف بتهذيب الغرائز حتى لا يبقى الإنسان المسلم المتميز بشخصيته أسيراً لشهواته كالحيوان، وشرع له من الشرائع الواجبة والمستحبة ما يحتمي بها من الآثار السيئة التي تنتج عن الانسياق وراء الشهوات، ومن هذه التشريعات مشروعية الصيام لمن لم يستطع الوصول إلى التصريف الطبيعي لهذه الشهوة من خلال الزواج، كما قال عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) البخاري 5066 مسلم 1400.والمراد أن الصوم يخفف من تأثير الشهوة على الشاب.
وهذا الحكم وإن كان مشروعاً لعموم الشباب فإن الحاجة إليه تزداد مع زيادة الفتن وتيسُّر أسباب المنكرات وكثرة المغريات، لاسيما لمن يعيش وسط مجتمعات يكثر فيها التبرج والانحلال، فينبغي الحرص على هذه العبادة للمحافظة على العفة والدين، ويستعين الإنسان مع الصيام بدعاء الله تعالى أن يحفظه في دينه وعرضه وأن ييسر له الزواج الذي يحصن به فرجه، ويستعين كذلك بتذكر ما أعدّه الله تعالى في الجنان من الحور العين لمن استقام على أمره تعالى وحفظ نفسه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(10/93)
علاقة الذنوب والمعاصي والأخلاق بالعقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الوقوع في الذنوب دليل على فساد في العقيدة أو شبهة في العقيدة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأخلاق الحسنة – وهي التي تكون في ذاتها طاعة، أو تؤدي إلى طاعة - من الدِّين، بل هي الدِّين، وقد أثنى الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه على خُلُق عظيم، وفسر ابنُ عباس الخلق هنا بالإسلام.
قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم/4.
قال ابن عباس رضي الله عنهما:
أي: " إنك على دين عظيم، وهو الإسلام ". رواه الطبري في " تفسيره " (12 / 179) .
فالصحيح أنه لا انفكاك للخلُق عن الدِّين، قال الفيروزآبادي في كتابه " بصائر ذوي التمييز " (2 / 568) : واعلم أن الدين كلّه خلُق، فمن زاد عليك في الخلُق زاد عليك في الدِّين. انتهى.
ومما لا شك فيه أن للعقيدة ارتباطاً وثيقاً بالسلوك والأخلاق، سلباً وإيجاباً، ويتبين ذلك من خلال أمور، منها:
1. أن المسلم الذي يعتقد أن الله تعالى يسمعه ويبصره ويطلع على سريرته، ويقوى هذا الجانب فيه لا يصدر منه من الأخلاق والأفعال ما يفعله من ضعف اعتقاده في هذه الأمور.
ومما يدل على ذلك:
أ. قوله تعالى (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء/128.
ب. وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء/135.
ج. وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء/58.
2. ومنها: أن المسلم الذي يؤمن بوعد الله تعالى ووعيده يدفعه اعتقاده ذاك للقيام بما هو محبوب لله تعالى، والابتعاد عن كل ما هو مبغوض له عز وجل.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) . رواه الترمذي (1162) وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ وأبو داود (4682) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومن المعلوم أن أحبَّ خلقه إليه المؤمنون، فإذا كان أكملهم إيمانا أحسنهم خلقا: كان أعظمهم محبة له أحسنهم خلقا، والخُلُق الدين كما قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى? خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، قال ابن عباس: على دين عظيم، وبذلك فسره سفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، كما قد بيَّناه في غير هذا الموضع. " الاستقامة " (ص 442) .
وقال المباركفوري – رحمه الله -:
قوله: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً) بضم اللام ويسكن؛ لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان.
" تحفة الأحوذي " (4 / 273) .
3. ومنها: أن قوة الإيمان تدفع للقيام بالأعمال الصالحة، وتمنع من التدنس برجس المعاصي والآثام.
ومما يدل على ذلك:
أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) .
رواه البخاري (2334) ومسلم (57) .
ب. عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ) .
رواه البخاري (5670) .
ج. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الإِيمَانِ) .
رواه البخاري (24) ومسلم (36) .
قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رحمه الله: الإِيمَانُ يَبْدُو فِي الْقَلْبِ ضَعِيفًا ضَئِيلا كَالْبَقْلَةِ ; فَإِنْ صَاحِبُهُ تَعَاهَدَهُ فَسَقَاهُ بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَأَمَاطَ عَنْهُ الدَّغَلَ وَمَا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَنْمُوَ أَوْ يَزْدَادَ وَيَصِيرَ لَهُ أَصْلٌ وَفُرُوعٌ وَثَمَرَةٌ وَظَلَّ إلَى مَا لا يَتَنَاهَى، حَتَّى يَصِيرَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ. وَإِنْ صَاحِبَهُ أَهْمَلَهُ وَلَمْ يَتَعَاهَدْهُ جَاءَهُ عَنْزٌ فَنَتَفَتْهَا، أَوْ صَبِيٌّ فَذَهَبَ بِهَا، وَأَكْثَرَ عَلَيْهَا الدَغَلَ فَأَضْعَفَهَا، أَوْ أَهْلَكَهَا أَوْ أَيْبَسَهَا؛ كَذَلِكَ الإِيمَانُ!!
وَقَالَ خيثمة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الإِيمَانُ يَسْمَنُ فِي الْخِصْبِ وَيَهْزُلُ فِي الْجَدْبِ؛ فَخِصْبُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَجَدْبُهُ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي!! [نقله ابن تيمية في كتاب "الإيمان" ص (213) ]
4. ومنها: أن الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره يمنع من أخلاق سيئة كثيرة، ومعاصي توعد الشرع عليها أشد الوعيد، كالتسخط، وشق الثياب، وتمزيق الشعر، والنياحة، كما أن هذا الإيمان يدعو صاحبه للتحلى بفضائل الأخلاق ومعاليها، كالصبر، والرضا، والاحتساب.
عَنْ صُهَيْبٍ الرومي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) . رواه مسلم (2999) .
وفي سنن أبي داود (4700) : قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ!!
قَالَ: رَبِّ، وَمَاذَا أَكْتُبُ؟!!
قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ!!)
يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي!!) صححه الألباني.
5. ومنها: أن الشرع حث على كثيرٍ من الطاعات مؤكدا عليها بارتباطها بالإيمان بالله واليوم الآخر، وحرَّم معاصٍ وموبقات مذكِّراً بالإيمان بالله واليوم الآخر.
ومما يدل على ذلك:
أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) .
رواه البخاري (5672) ومسلم (47) .
ب. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلاثِ لَيَالٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) .
رواه البخاري (1036) ومسلم (1338) – واللفظ له -.
ج. عَن أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) .
رواه البخاري (1221) ومسلم (1486) .
6. ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن في سنَّته أن فساد الاعتقاد – كالنفاق – يؤدي إلى فساد الأخلاق والأعمال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) .
رواه البخاري (33) ومسلم (59) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (المخالفون لأهل الحديث هم مظنة فساد الأعمال؛ إما عن سوء عقيدة ونفاق، وإما عن مرض في القلب وضعف إيمان؛ ففيهم من ترك الواجبات واعتداء الحدود والاستخفاف بالحقوق وقسوة القلب ما هو ظاهر لكل أحد، وعامة شيوخهم يُرمون بالعظائم، وإن كان فيهم من هو معروف بزهد وعبادة، ففي زهد بعض العامة من أهل السنة وعبادته ما هو أرجح مما هو فيه!!
ومن المعلوم أن العلم أصل العمل، وصحة الأصول توجب صحة الفروع، والرجل لا يصدر عنه فساد العمل إلا لشيئين: إما الحاجة وإما الجهل؛ فأما العالم بقبح الشيء الغني عنه فلا يفعله؛ اللهم إلا من غلب هواه عقله، واستولت عليه المعاصي، فذاك لون آخر وضرب ثان!!) مجموع الفتاوى (4/ 53) .
نسأل الله تعالى أن يصلح شأننا كله، وأن يهدينا لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/94)
ترك الصلاة سبب كل ضيق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 23 سنة، الصراحة أنا لا أصلي، وإن قمت للصلاة لا أصلي كل الفروض، والصراحة أنا أستمع للأغاني، ولكن - والله شاهد - أن هذا الموضوع يسبب لي حالة نفسية، أريد الصلاة، وأريد أن أطيع الله، وأنا أخافه، أنا أعتز بكوني مسلمة، وربي هو الله وحده لا شريك له، وأحب الحبيب المصطفى وسيرته، وأتأثر عند سماع قصصه، الحمد لله، أكرمني الله عز وجل بأن ذهبت إلى العمرة هذه السنة، وكنت فرحة لهذا، ولكني أحس أني جاحدة، أو لا فرق بيني وبين الكافرين لأني لا أصلي، حاولت كثيراً أن أداوم على الصلاة، لكن لا أدري لماذا يحدث معي هذا، مع العلم أني كنت لفترة طويلة جدّاً لا أصلي أبداً، وأحس أيضاً أني أجهل أموراً كثيرة بالدِّين، وأشعر أيضاً أن الله لن يتقبل مني أي عمل كان: صلاة أو زكاة أو عمرة أو غير ذلك من أمور الدين الإسلامي، وأن مثواي لا محالة النار، أحتاج إلى من يأخذ بيدي، ينصحني، ينتشلني من حالة الضياع التي أنا فيها، أكره كوني على هذه الحالة!!
وفوق كل هذا هناك مشكلة أخرى، وهي أني أشعر أني لم أصم أياما من رمضان، وأنا لا أعاني من أي شيء، أي لا يوجد هناك مانع من الصوم!!
والصراحة أني لست متأكدة إن كانت أياما من رمضان أو كانت من أيام شوال الستة، فعندنا عادة في منزلنا أن نصوم هذه الأيام الست كل سنة، فاختلطت الأمور علي، وهذه المشكلة حدثت لي في الفتره التي كنت فيها بعيدة عن الله، وأنا أعلم أنه من أفطر رمضان بدون سبب لا يقبل الله له صوما، وعليه كفارة، فماذا أفعل؟
أرجوك ساعدني وأفدني، أرجوك، أنا يائسة جدّاً، جعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله، وجزاك عن المسلمين جميعاً خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بد – أختي الفاضلة – أن تُحَدِّدِي أولا مكان المشكلة ثم تنطلقي في العلاج، وإن طلبتِ منَّا المساعدة في تحديدها فسنقول لكِ: المشكلة في نفسك أنتِ وليس في شيءٍ آخر! ولن تكون المساعدة التي يقدمها لك الآخرون نافعة حتى تأخذي أنتِ بنفسكِ إلى النجاة.
والمشاعر التي بثثتِيها في سؤالك تدل على أن مقومات الاستقامة والصلاح موجودةٌ فيك، فإن المؤمن هو الذي يحاسب نفسه ويعاتبها، ويبدو أنك تقومين بذلك.
والمؤمن يخاف تقصيره وذنوبه، ويراها كأنها جبل يوشك أن يقع عليه، ويظهر أنك تشعرين بذلك أيضا.
والمؤمن يرتفع بإسلامه وإيمانه، ويعتز بانتسابه إلى هذا الدين العظيم، ويحب نبيه الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم، ورسالتك تنضح بذلك؟!!
إذاً فكيف اجتمعت هذه الصفات مع التقصير في أعظم واجبات الدين، وهي الصلاة؟!
ليس عندنا تفسير لذلك سوى سوء إدارة النفس وضعف التحكم فيها، وإلا فأداء الصلاة لا يستغرق جهدا ولا وقتا، ما هي إلا دقائق يخلو فيها المرء بربه، يناجيه بحاجته، ويبث إليه ثقل الدنيا، ويشكو إليه شوقه إليه وإلى رحمته.
فإذا كانت أنفسنا لا تحتمل الالتزام بهذه الدقائق المعدودة، فلا أظننا ننجح في حياتنا أبدا، فإن قيادة النفس تحتاج إلى شيء من العزم والحزم، ونحن المسلمين لم يكلفنا ربنا فوق طاقتنا، بل لم يكلفنا ما يشق علينا، وهو سبحانه يحب أن يتوب علينا ويخفف عنا.
قال سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185
وقال سبحانه: (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً. يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) النساء/26-28
والصلاة رحمة فرضها الله علينا من جوده وكرمه، من حافظ عليها وقام بحق القيام بها: رأى فضل الله تعالى علينا حين كتبها علينا، وعرف أن الإنسان المحروم هو الذي حرم نفسه لذة الصلة بالله سبحانه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الصَّلَاةُ خَيرٌ مَوضُوعٌ، فَمَنِ استَطَاعَ أَن يَستَكثِرَ فَلْيَستَكثِرْ)
رواه الطبراني (1 / 84) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (390) .
وانظري كيف عقب الله تعالى آيات فرض الطهارة للصلاة بقوله:
(مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6.
والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي تحبينه وتحبين سيرته كان يقول:
(جُعِلَت قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلَاةِ) رواه النسائي (3940) وحسنه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (3 / 116) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
فكيف يرضى المؤمن لنفسه أن تفوته تلك الخيرات والبركات؟.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
فواأسفاه وواحسرتاه كيف ينقضي الزمان وينفذ العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة، وخرج من الدنيا كما دخل إليها، وما ذاق أطيب ما فيها، بل عاش فيها عيش البهائم، وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياته عجزاً، وموته كمداً، ومعاده حسرة وأسفاً، اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
" طريق الهجرتين " (ص 327) .
ولا أذكر لك هذا الكلام لأزيد اليأس الذي تشعرين به، إنما كي تسعي جاهدة للتخلص منه، فهو لم يصبك إلا لعجزك عن أداء أسهل الفرائض، فعرفتِ أنكِ عن سواها أعجز.
ويجب أن لا تجعلي في حياتك مجالاً لليأس في جنب الله؛ ويجب أن تعلمي أنه سبحانه يكره القنطين: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر/56، ويحب عباده المستبشرين برحمته وفضله، ومن سعة كرمه أنه يغفر السيئات، ويصفح عن الزلات، بل قال سبحانه وتعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/70-71، وقد قال بعض الحكماء: " لا يأتي بالأمل إلا العمل "، ولن يخرجك من حالة اليأس التي أوقعك الشيطان فيها إلا البدء بالعمل، ومحاولة الالتزام بالاستقامة،
ولو تخللها في البداية بعض النقص.
قال الله تعالى: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) ؛ فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانه، ورحمته، وروحه.
" إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "؛ فإنهم ـ لكفرهم ـ يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين. ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد، يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه." تفسير ابن سعدي.
وأول ما يجب أن تبدئي به أن توجدي في نفسك همّاً كبيراً وحرصا عظيما للمحافظة على الصلاة، كما هو الهم الذي تستشعرينه لأمور الدنيا الأخرى من طعام وشراب ودراسة وزواج ونحو ذلك، فإن كل عمل يسبقه اهتمام وتفكر، وقد كان بعض السلف يجاهد نفسه على الإكثار من نوافل الصلاة مجاهدة عظيمة، حتى قال ثابت البناني رحمه الله: كَابَدتُ الصلاة [يعني: قيام الليل] عشرين سنة، واستمتعت بها عشرين سنة.
ولا يكفي هذا الفكر والاهتمام حتى يقوم بموازاته فكر واهتمام بوسائل المحافظة على الصلاة، وكيف تحتالين على نفسك حتى تلتزم بما فرض الله تعالى، والإنسان يملك قدرة كبيرة في حسن اختيار الأساليب التي تعينه على ما يريد.
احرصي أن تقومي مباشرة إذا سمعت صوت المؤذن بالتكبير، واستشعري أنه سبحانه أكبر من كل الدنيا التي أنت منشغلة بها، ثم اعمدي إلى محرابك لتصلي ما كتب الله لك، ولا تنسي أن تقولي الدعاء الذي علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم دبر كل صلاة: (اللهم أعِنِّي على ذِكْرِك وشُكْرِك وحُسْنِ عِبادتِك) .
وقد ذكرتِ أنكم أهل بيت حريصون على صيام الست من شوال، وهذه أمارة صلاح وإحسان تعينك على أداء الصلاة في وقتها، حين ترين الوالدة والإخوة يقيمونها في وقتها، واحمدي الله تعالى على ذلك، فكم من شكاوى تأتي من أبناء يضربهم أهلهم على ترك الصلاة وخلع الحجاب، وأنت قد أكرمك الله تعالى بالأهل الذين يعينونك على تقوى الله تعالى.
صاحبي الفتيات المصليات المستقيمات، واطلبي منهن العون على الصلاة، وتذكيرك بها، والتواصي عليها، وقد يكون ذلك خير معين لك.
وأخيرا احذري المعاصي، فهي أساس كل داء، والمعصية تأتي بأختها وهكذا حتى تجتمع على الإنسان فتهلكه، فتثقل العبد عن صلاته، وتحرمه من نورها وبركتها، نسأل الله السلامة.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
المعاصي تزرع أمثالها، وتولد بعضها بعضا، حتى يعِزَّ على العبد مفارقتُها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.
" الجواب الكافي " (ص 36) .
ثانيا:
أما سؤالك عن صيام رمضان، وأنك تشكين في تركك صيام أيام منه من غير عذر، فنقول لك: لا تلتفتي لهذه الشكوك، إذ يبدو أن الغالب على ظنك أنك أديت تلك العبادة في وقتها مع أسرتكِ، وغلبة الظن كافية لبراءة الذمة، ولا عبرة بالشك بعد ذلك.
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 143) :
الشك بعد الانتهاء من الطواف والسعي والصلاة لا يلتفت إليه؛ لأن الظاهر سلامة العبادة.
انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله -:
إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة: فإنه لا يلتفت إليه، ما لم يتيقن الأمر.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (14 / السؤال رقم 746) .
ثم إن ترك الصيام بغير عذر لا يوجب القضاء ولا الكفارة، وإنما يوجب التوبة والاستغفار، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50067) .
أسأل الله تعالى أن يكتب لك أجرك، وأن يثبت قلبك على الحق والدين، وأن يعيذك من الشيطان الرجيم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/95)
هل يجوز لمن فاتته بعض الطاعات أن يلزم نفسه بعبادات معينة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا قيدت لنفسي عدداً ما من الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كعقاب لأي معصية أو تفريط، كل حسب حجمه من قبيل محاسبة النفس، ومن باب (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
مثال ذلك: إذا فاتني ترديد الأذان أو السنة الراتبة أو الضحى مثلاً فالعقاب من الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً إذا فاتني تكبيرة الإحرام مثلاً فخمساً إذا فاتني الخشوع أو جلسة الإشراق أو الذكر (المقيد أو المطلق) فسبعاً إذا فاتني قيام الليل أو ورد القرآن أو درس العلم، فعشراً إذا فاتني الفرض، فمائة، وهكذا هل يعد ذلك بدعة؟ وإذا كان ذلك كذلك فما البديل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد ذكر الله تعالى في كتابه " النفس اللوامة "، وهي النفس التي تلوم صاحبها إن قصَّر في طاعة، وتلومه إن فعل محذوراً.
وقد وقع لكثير من السلف أن فاتهم خير فلاموا أنفسهم، ورأوا أن يهذبوا تلك النفوس بمزيد من الطاعة والعبادة، ومنهم من وقع في محذور ففعل الأمر نفسه.
ومن خلال النظر في فعلهم يتبين لنا أنهم لم يخالفوا الشرع في ذلك، فبعضهم من الصحابة، وفعل ذلك في عهد التنزيل، وبعضهم من أئمة العلم والفتوى وقد رأوا أن ذلك غير مخالف لشرع الله تعالى.
وبالتأمل في تهذيبهم لأنفسهم بطاعة وعبادة نجد أنهم لم يقعوا فيما وقع فيه غيرهم من غير أهل العلم من أهل السنة، فهم لم يُحِّملوا أنفسهم فوق طاقتهم، ولم يتسببوا في أذى أو ضرر أبدانهم بحرق أو كسر، وكان فعلهم أشبه بنذر التبرر، وهو أن يلزم المسلم نفسه بعبادة لم يأمره الله تعالى بها، دون أن يكون ذلك معلَّقاً بشفاء أو نجاح أو غيرهما.
ومن أمثلة ذلك:
1. ما رواه الإمام أحمد (18930) – وحسنه شعيب الأرناؤط (4 / 323) - في قصة صلح الحديبية، ومراجعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في بنود الصلح، وعلمه بأنه لم يكن له أن يفعل ذلك، فقد قال رضي الله عنه: (ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة من كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيراً) .
2. ما رواه البخاري (5725) عن عائشة رضي الله عنها من نذرها أن لا تكلم عبد الله بن الزبير، وقد شفع له المِسوَر بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود، فأدخلاه عليها – وهي خالته – فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي، وما زالا بها حتى كلمته، وأعتقت في نذرها أربعين رقبة.
3. وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا فاتته صلاةٌ في جماعة أحيا تلك الليلة.
4. وفاتت ابنَ أبي ربيعة ركعتا سنة الفجر فأعتق رقبة.
5. وقال حرملة: سمعت عبد الله بن وهب يقول: نذرتُ أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوماً، فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنساناً أن أتصدق بدرهم، فمِن حب الدراهم تركت الغيبة.
قال الذهبي – معلقاً -: هكذا والله كان العلماء، وهذا هو ثمرة العلم النافع.
" سير أعلام النبلاء " (9 / 228) .
6. وعن عبد الله بن عون أن أمه نادته فأجابها فعَلا صوتُه صوتَها، فأعتق رقبتين.
" سير أعلام النبلاء " (6 / 366) .
وقد ذكرنا فوائد أخر في هذه المسألة في جواب السؤال رقم (27082) فلينظر.
ونرى أنه لا ينبغي تحديد عدد معين من الذكر لكل عبادة مما ذكر في السؤال والالتزام بهذا العدد دائما، وأما تحديد ذلك لمرة فلا بأس، وهو يشبه من نذر صوم عدد معين من الأيام أو الصدقة بمبلغ معين، وأما جعل ذلك فعلاً مستمراً: فالظاهر عدم جوازه، وينبغي لك الإكثار من ذكر الله تعالى والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على كل حال، ولا يكون ذلك مقيداً بالتقصير في طاعة من الطاعات.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/96)
تريد النصيحة للمسلمات اللاتي يعشن في الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مسلمة أعيش في دولة أجنبية مع زوجي لطلب العيش، أرجو أن تذكروا الالتزامات والقواعد والواجبات التي يجب على المرأة المسلمة الالتزام بها وتحافظ عليها؛ وذلك لكثرة عدد المسلمات في الدول الأجنبية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. أول ما يجب عليكم هو ترك تلك الديار الكافرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بَرِئ ممن أقام بين أظهر المشركين، ولذلك فإنه يحرم عليكم البقاء في بلاد الكفر، وخاصة أنكم فيها من أجل العمل، وليس هذا من الأعذار الشرعية التي تجيز لكم البقاء فيها.
انظر السؤال (13363) و (27211) عن تحريم الإقامة في بلاد الكفر، وشروط جواز ذلك في بعض الحالات.
2. وعليكم أن تختاروا من البلاد الإسلامية الأقرب إلى الستر والعفاف والاستقامة على الدين، ومن المعلوم أن البلاد الإسلامية تتفاوت فيما بينها في هذه الأمور، وليست كل البلاد يمكنكم الإقامة فيها – للأسف – بل يتبع هذا لجنسيتكم وقوانين البلد.
3. فإن لم يحصل منكم مغادرة لتلك البلاد: فعليكن بتقوى الله تعالى، والاستقامة على أمره عز وجل في كل شئونكن، وأول ذلك: الحرص على أسركن من التفكك والضياع في تلك البلاد التي تساهم في هذا، فيجب عليكن الاهتمام بأولادكن ذكوراً وإناثاً وتربيتهم تربية إسلامية وربطهم بالتاريخ الإسلامي وتعليمهم الأحكام الشرعية، وتقوية اللغة العربية عندهم.
4. يجب أن يكون مكان سكن الأسر المسلمة بعيداً عن أماكن الفجور والانحلال، ولا بدَّ من اجتماع الأسر المسلمة المحافظة في مكان واحد من أجل أن يقوِّي أحدهم الآخر، ويعين بعضهم بعضاً على طاعة الله تعالى، ويساهمون بالتالي في حسن تربية أنفسهم وأبنائهم.
5. يحرم عليكن ترك الحبل على غاربه في علاقات أولادكم بأولاد الكفار، ولا يجوز لكم تمكينهم من مشاهدة البرامج والأفلام الهابطة التي تدمر الأخلاق، كما يجب الاهتمام بقراءاتهم ومراقبتها حتى لا تضل أفكارهم أو يفقدوا دينهم.
6. ينبغي أن يكون لكم في أسرتكم أوقات محددة ولو كانت قصيرة تلتقي فيها الأسرة جميعها لمتابعة بعضهم بعضا، وللوقوف على مشاكل كل واحد من الأسرة قبل تفاقمها وصعوبة أو استحالة حلها.
7. كما يجب عليكن حسن اختيار الصحبة للأسر التي تختلطون بها؛ خشية أن يكون لبعضهم تأثير سلبي على أفراد أسرتكم فتضيع جهودكم في التربية والتوجيه.
8. عليكن تبغيض هذه الحضارة وأخلاقها في نفوس أولادكم، وإعلامهم بمخالفتها للشرائع والفطَر السليمة، وضرب الأمثلة على ذلك، وربطهم بالحضارة الإسلامية وأخلاقها، وتنبيههم على أن بقاءكم في تلك الديار لن يطول.
9. وعليكن بكثرة زيارة البلد الله الحرام مكة المكرمة، فاحرصوا على الحج كل عام، وعلى العمرة أكثر من مرَّة في العام الواحد إن تيسر تقويةً لإيمانكم وتعليقاً لقلوب أولادكم بالإسلام والمسلمين، وللأسف نرى تقصيراً واضحاً من الجاليات المسلمة في بلاد الكفر في هذا الجانب.
10. تكوين مكتبة إسلامية من كتب وأشرطة وأقراص إسلامية لربط أفراد الأسرة بدينهم، وتسهيل الرجوع إلى معرفة الأحكام الشرعية، وإغلاق طرق التضليل التي تساهم في تجهيلهم وإفسادهم، وحبذا أن يكون لقناة " المجد " حضور في بيوتكم لما تقدمه من علم نافع، ولحرصهم أن لا يكون فيها نساء ولا موسيقى، وكذا ربطهم بالمواقع المفيدة في الإنترنت.
والحقيقة أن النصائح كثيرة، وكثرتها إنما هو بسبب كثرة ما في تلك الديار الكافرة من ضلال وانحلال وتفسخ وتهتك، وتحتاج كل جوانب الحياة لنصح وتوجيه وإرشاد، ولكن ما قلناه أولاً يوفر كثيراً من النصائح وهو الخروج من تلك الديار إلى بلاد الإسلام، ومن بقي في تلك الديار فليعلم أن الله تعالى سائله عن رعيته يوم القيامة، فليعد للسؤال جواباً، ونسأل الله تعالى أن يسهل لكم الخروج من تلك الديار، وأن يثبتكم على الإسلام والهداية والتوفيق والرشاد، وأن يصلح لكم ذريتكم، ويجعلهم دعاة للإسلام.
ونرجو الرجوع إلى السؤال رقم (4237) : ففيه زيادة بيان حول المحافظة على الأبناء وأفكارهم في الغرب.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/97)
كيف يوفق المسلمون بين العمل للآخرة والعمل للدنيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في هذا العالم إذا كرس المسلمون جميع أوقاتهم وأفعالهم لما ينفع في اليوم الآخر ولم ينخرطوا في أي من الأعمال الدنيوية، فكيف سيساهمون فيما فيه نفع الحضارة والإنسانية مثل التكنولوجيا والعلم والاختراع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دين الإسلام هو خاتم الأديان، وإن مِن أهم خصائص هذا الدين أنه دين ينظم الحياة كلها , فالإسلام دين الدنيا والآخرة , قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/162، وفي دعاء المسلمين في مواضع متفرقة يقولون: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، فهذا دين الله الكامل والشامل والجامع، جمع بين حق الله وحق العبد، وبين أمر الدنيا وأمر الآخرة.
وإن ادِّعاء أن الإسلام جاء بالرهبانية ادعاء باطل، بل الرهبانية في دين النصارى المحرَّف، وأخذها عنهم بعض مبتدعة المسلمين كالصوفية، أما أهل السنة والجماعة الذي أخذوا الدين من نبعه الصافي، وفهموه على وجهه الصحيح فإنهم يعتقدون أن الدنيا معبر إلى الآخرة، وأن الإنسان لا ينبغي له أن يتعلق بالدنيا على حساب الآخرة، فهم جعلوا الآخرة هي محط أنظارهم لأنها الحياة الأبدية الخالدة، فالعمل ينبغي أن يكون من أجلها لا من أجل حياة قصيرة فانية، وليس معنى هذا أن لا يعملوا في الدنيا ولا يعمروا الأرض، بل إن المسلمين بلغوا في مجالات العلم النظرية والعملية أعلى المنازل، وكانت الحضارات تتبع المسلمين في تقدمهم وعلومهم، ولا تزال بعض الجامعات الغربية العريقة تعترف بهذا وتدرِّس كتاباً للمسلمين في مناهجهم.
قال الفيلسوف الفرنسي " جوستاف لوبون " في كتابه " حضارة العرب ":
هل يتعين أن نذكر أن العرب - والعرب وحدهم - هم الذين هدونا إلى العالم اليوناني والعالم اللاتيني القديم، وأن الجامعات الأوربية ومنها جامعة باريس عاشت مدة ستمئة عام على ترجمات كتبهم وجرت على أساليبهم في البحث، وكانت الحضارة الإسلامية من أعجب ما عرف التاريخ " انتهى.
والمسلمون ليسوا كغيرهم، فإنهم لما كانوا متمسكين بدينهم كانوا سابقين – أيضاً – في الدنيا، ولما تركوا دينهم وتخلوا عنه صاروا تبعاً لغيرهم وعالة عليهم، والنصارى لما كانوا متمسكين بدينهم المحرَّف كانوا متخلفين في دنياهم، ولما قاموا على كنائسهم حرقاً وعلى رهبانهم قتلاً وفصلوا الدين عن الدنيا تقدموا في دنياهم وعلومها، فالمسلمون يدفعهم دينهم إلى التقدم، ويتأخرون بتأخرهم عن دينهم، والنصارى تخلفوا لما تمسكوا بدينهم المحرَّف، لأنه لا يمكن لدين حرفه العباد أن يؤدي إلى التقدم، وتقدموا لما تخلوا عنه، فأي المنهجين يدعو لعمارة الدنيا ويسعى في تقدمه في العلوم وإسعاد الناس في الدنيا والآخرة؟
والآيات والأحاديث التي تحث المسلم على عمارة الأرض بالزراعة والصناعة كثيرة، وقد فهم المسلمون ذلك فسارعوا إلى العمل على هذه العمارة دون أن يؤثر ذلك على عبادتهم وطاعتهم، ودون أن يروا أن بين الدين والدنيا تضادّاً وتنافراً، والمحذور في هذه العمارة هو أن ينشغل المسلم بها عن واجبات دينه وطاعة ربه.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة) رواه البخاري (2195) ومسلم (1553) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وفي الحديث: فضل الغرس والزرع والحض على عمارة الأرض , ويستنبط منه اتخاذ الضيعة والقيام عليها، وفيه فساد قول من أنكر ذلك من المتزهدة، وحُمل ما ورد من التنفير عن ذلك على ما إذا شغل عن أمر الدين , فمنه حديث ابن مسعود مرفوعا: (لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا) الحديث , قال القرطبي: يجمع بينه وبين حديث الباب بحمله على الاستكثار والاشتغال به عن أمر الدين , وحمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها وتحصيل ثوابها.
"فتح الباري" (5/4) .
والحديث الذي ذكره الحافظ ابن حجر: (لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا) رواه الترمذي (2328) وحسَّنه.
قال المباركفوري رحمه الله:
(الضيعة) هي: البستان والقرية والمزرعة.
(فترغبوا في الدنيا) أي: فتميلوا إليها عن الأخرى , والمراد: النهي عن الاشتغال بها وبأمثالها مما يكون مانعاً عن القيام بعبادة المولى وعن التوجه كما ينبغي إلى أمور العقبى. وقال الطيبي: المعنى لا تتوغلوا في اتخاذ الضيعة فتلهوا بها عن ذكر الله قال تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) .
"تحفة الأحوذي" (6/511) .
وقد رأينا إنصاف المسلمين ودينهم من بعض الباحثين الغربيين، فاعترفوا بسبق المسلمين في مجالات العلوم الدنيوية المختلفة، وهاهي بعض أقوالهم ليعلم السائل – وغيره – موقع الإسلام من الحضارات الأخرى، وليعلم منهج الإسلام في حثه أتباعه على النظر والتأمل والعمل والإبداع، وسنحرص على تنويع بلدان القائلين واختلاف ثقافاتهم.
1. يقول المفكر الفرنسي " جوستاف لوبون " في كتابه المعروف " حضارة العرب " - ترجمة " عادل زعيتر " -:
" لو أن العرب استولوا على فرنسا: إذن لصارت باريس مثل قرطبة في إسبانيا، مركزاً للحضارة والعلم؛ حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ، بل ويقرض الشعر أحياناً، في الوقت الذي كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم "! .
2. وقالت المستشرقة الألمانية " زيغريد هونكة " - في كتابها المعروف " شمس الله تشرق على الغرب" - انتشار المكتبات في العالم العربي والإسلامي:
" نمت دور الكتب في كل مكان نمو العشب في الأرض الطيبة، ففي عام 891 م يحصي مسافر عدد دور الكتب العامة في بغداد بأكثر من مئة، وبدأت كل مدينة تبني لها داراً للكتب يستطيع عمرو وزيد من الناس استعارة ما يشاء منها، وأن يجلس في قاعات المطالعة ليقرأ ما يريد، كما يجتمع فيها المترجمون والمؤلفون في قاعات خصصت لهم، يتجادلون ويتناقشون كما يحدث اليوم في أرقى الأندية العلمية ".
وكتاب " شمس الله تشرق على الغرب " في النص الألماني معناه: نور الإسلام يضيء الحضارة الغربية، والكتاب مليء بأسماء مبدعين مسلمين عرب وغير عرب.
3. واقرأ هذا الكلام لحكيم روسي وهو يبين أن هذا الدين فيه ما خدم الإنسانية، وقاد إلى الرقي والمدنية.
وقال تولستوي الحكيم الروسي:
" ومما لا ريب فيه أن النبي محمداً كان من عظام الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح للسكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية، وهو عمل عظيم لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام ".
4. وقال الدكتور النمساوي شبرك:
" إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنّه رغم أُمّيته استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون إذا توصلنا إلى قمّته ".
5. وفي باب الطب والجراحة كان للمسلمين دورٌ لا يُنكر.
يقول الكاتب البريطاني هـ. ج. ويلز في كتابه " معالم تاريخ الإنسانية ":
" وتقدموا في الطب أشواطا بعيدة على الإغريق، ودرسوا علم وظائف الأعضاء، وعلم تدبير الصحة، ... ولا يبرح كثير من طرق العلاج عندهم مستعملا بين ظهرانينا إلى اليوم، وكان لجراحيهم دراية باستعمال التخدير، وكانوا يجرون طائفة من أصعب الجراحات المعروفة، وفي ذات الوقت التي كانت الكنيسة تحرم فيه ممارسة الطب انتظاراً منها لتمام الشفاء بموجب المناسك الدينية التي يتولاها القساوسة: كان لدى العرب علم طبي حق " انتهى.
بل ويقول – أيضاً -:
"كل دين لا يسير مع المدنية فاضرب به عرض الحائط، ولم أجد ديناً يسير مع المدنية أنَّى سارت سوى دين الإسلام " انتهى.
والشهادات أكثر من أن تحصى، وأردنا بذكر بعضها التدليل على ما قلناه من كلام غير المسلمين، وقد اخترنا أناساً لا يمكن تواطؤهم على الكذب، فهم من دول مختلفة، ومن ثقافات مختلفة، بل ومن أديان وحضارات مختلفة، وفي كل ما ذكرناه عنهم بيان لما كان عليه المسلمون – ويجب أن يبقوا عليه – من تقدم وازدهار في العلوم المدنية ومن السعي في الإنسانية للرقي بحياتها في مختلف المجالات، وكان المسلمون مع بروزهم في هذه المجالات متقدمين – كذلك – في العلوم الدينية والعبادات والطاعات لربهم عز وجل، وتاريخ هذا الدين يشهد بالحركة العظيمة في التأليف في المجال الشرعي المتعلق بالقرآن والسنة، ويشهد بنماذج عالية لعبَّاد وزهَّاد لم تمنعهم عبادتهم ولم يمنعهم زهدهم من أن يكونوا علماء في الشرع أو علماء في علوم دنيوية.
وثمة أسماء لامعة لعلماء مسلمين في مجالات متعددة لا يُنكِر علمَهم وتقدمَهم إلا جاهل أو مكابر، ومنهم: ابن النفيس والزهراوي في الطب، وابن الهيثم في الرؤية والضوء، والخوارزمي في الرياضيات، وغيرهم كثير كثير.
وفي نهاية الجواب نتمنى أن تطلع على هذه المحاضرة والتي هي بعنوان " عمل الدنيا لا ينافي عمل الآخرة " وستجد فيها المزيد مما تستفيد منه وتفيد غيرك به، وهي مفرغة تحت هذا الرابط:
http://www.islamdoor.com/k/364.htm
ونسأل الله أن يهدي المسلمين لدينهم، وأن يوفقهم للعمل بما أمروا به، وأن يهدي كل باحث عن الحقيقة ساعٍ في طلبها، راغبٍ في الهداية.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/98)
الامتناع عن عمل الخير خوفاً من الرياء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حدود الامتناع عن عمل الخير خوفا من الرياء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أن يُعلم أن الشيطان حريص على إيقاع المسلم في أحد أمرين: إما أن يجعله يعمل العمل رياءً وسمعة، ولا يخلص فيه لله، وإما أن يجعله يترك العمل بالكلية.
والمسلم الصادق في نيته لا يهمه ما يلقيه الشيطان من وساوس في عمله وأنه لغير الله، ولا يهمه ما يلقيه الشيطان من وساوس ليترك الطاعة تخويفاً له من الرياء، فإن القلب الصادق المطمئن يستوي عند صاحبه العمل في السر والعمل في العلن.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
امرأة تسأل فتقول: إني أخاف من الرياء وأحذره لدرجة أنني لا أستطيع أن أنصح بعض الناس أو أنهاهم عن أمور معينة مثل الغيبة والنميمة ونحو ذلك، فأخشى أن يكون ذلك رياء مني، وأخشى أن يظن الناس فيّ ذلك ويعدوه رياء فلا أنصحهم بشيء، كما أني أقول في نفسي: إنهم أناس متعلمون، وليسوا في حاجة إلى نصح، فما هو توجيهكم؟
فأجاب:
" هذا من مكايد الشيطان، يخذل بها الناس عن الدعوة إلى الله وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك أن يوهمهم أن هذا من الرياء، أو أن هذا يخشى أن يعده الناس رياء فلا ينبغي لك أيتها الأخت في الله أن تلتفتي إلى هذا، بل الواجب عليك أن تنصحي لأخواتك في الله وإخوانك إذا رأيت منهم التقصير في الواجب أو ارتكاب المحرم كالغيبة والنميمة وعدم التستر عند الرجال ولا تخافي الرياء، ولكن أخلصي لله واصدقي معه وأبشري بالخير، واتركي خداع الشيطان ووساوسه، والله يعلم ما في قلبك من القصد والإخلاص لله تعالى والنصح لعباده، ولا شك أن الرياء شرك ولا يجوز فعله، لكن لا يجوز للمؤمن ولا للمؤمنة أن يدع ما أوجب الله عليه من الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفا من الرياء، فعليه الحذر من ذلك، وعليه القيام بالواجب في أوساط الرجال والنساء، والرجل والمرأة في ذلك سواء، وقد بين الله ذلك في كتابه العزيز حيث يقول سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة/71.
"فتاوى ابن باز" (6/403) .
وعن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ قلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة، ولكني لدغت ... .
رواه مسلم (220) .
قال الشيخ ابن عثيمين:
" قال هذا رحمه الله لئلا يظن أنه قائم يصلي فيُحمد بما لم يفعل، وهذا خلاف ما عليه بعضهم، يفرح أن الناس يتوهمون أنه يقوم يصلي، وهذا من نقص التوحيد.
وقول حصين رحمه الله ليس من باب المراءاة، بل هو من باب الحسنات، وليس كمن يترك الطاعات خوفاً من الرياء؛ لأن الشيطان قد يلعب على الإنسان، ويزين له ترك الطاعة خشية الرياء، بل افعل الطاعة، ولكن لا يكن في قلبك أنك ترائي الناس.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (9/85، 86) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/99)
ذبل الإيمان في قلبه فماذا يصنع
[السُّؤَالُ]
ـ[نعيش في بلاد عربية إسلامية لكنّا عندنا لم نذق طعم الإيمان فنشكو قلّة أهل الخير الذين يذكّرونا بالله، فجزاكم الله خيراً انصحونا بوصية ننتفع بها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- عليك بقراءة القرآن كثيراً، والإكثار من الاستماع لتلاوته وتدبر معاني ما تقرأ وما تسمع بقدر استطاعتك، وما أشكل عليك فهمه فاسأل عنه أهل العلم ببلدك أو مكاتبة غيرهم من أهل العلم من علماء السنة.
ويعينك على التدبر قراءة تفسير لما تقرأه من القرآن، وما أخصر التفاسير وأحسنها تفسير السعدي رحمه الله.
2- وعليك بالإكثار من ذكر الله بما ورد من الأذكار في الأحاديث الصحيحة مثل " لا إله إلا الله " ومثل " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ونحو ذلك، وارجع في ذلك إلى كتاب " الأذكار النووية " للنووي وأمثالها.
فإن ذكر الله يزداد به الإيمان وتطمئن به القلوب، قال الله تعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) سورة الرعد/ 28
وحافظ على الصلاة والصيام وسائر أركان الإسلام مع رجاء رحمة الله، والتوكل عليه في كل أمورك، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) سورة الأنفال/2-4
واعلم بأن الإيمان يزيد بطاعة الله، وينقص بمعصيته، فحافظ على ما أوجب الله من أداء الصلوات في وقتها جماعة في المسجد، وأداء الزكاة طيبةً بها نفسك طهرة لك من الذنوب ورحمة بالفقراء والمساكين.
وجالس أهل الخير والصلاح ليكونوا عوناً لك على تطبيق الشريعة، وليرشدوك إلى ما فيه السعادة في الدنيا والآخرة.
وجانب أهل البدع والمعاصي لئلا يفتنوك ويضعفوا عزيمة الخير فيك.
وأكثر من فعل نوافل الخير، والجأ إلى الله واسأله التوفيق.
إنك إن فعلت ذلك: زادك الله إيماناً، وأدركت ما فاتك من المعروف، وزادك الله إحساناً واستقامة على جادة الإسلام.
[الْمَصْدَرُ]
" اللجنة الدائمة " (3/187) .(10/100)
يشكو من الانطوائية والعزلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم والحمد لله، لكن مشكلتي أني أعيش داخل نفسي، فلا أجد من يفهمني من الناس إلا القليل ولذا أفضل العزلة والسرية في كل أموري. فلا أخبر من هم حولي عن نفسي ولا عن صفات شخصيتي، فأنا أحب أن أكون أنا بنفسي.
على سبيل المثال إن أردت فعل شيء ما فلا أخبر به أي أحد مهما كان قريبًا مني ولو كان من إخواني المؤمنين. وهذا لا ينفي أني حقًا أحب من يتّبعون القرآن والسنة. وأحب علماء الإسلام أمثال الإمام البخاري ومسلم والشافعي والألباني ومن على شاكلتهم، وأود أن أكون يومًا مثلهم. فأرجو منكم نصحي ماذا أفعل لعلاج شخصيتي هذه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الحالة التي تعاني منها تتعلق بنمط شخصيتك، وهي لا تعتبر مرضا نفسيا حقيقيا، والأمر الضروري في علاج مثل هذه الحالات هو تطوير المهارات الاجتماعية، وهذا من الممكن جداً، ولكن يتطلب المثابرة والصبر والتدريب الاجتماعي المتواصل.
ويتلخص البرنامج التدريبي في:
أولاً: أن تهيئ نفسك من الناحية العقلية والذهنية والجسدية لمخالطة الناس، والصبر عليهم، والتجانس معهم قدر الاستطاعة.
ثانيًا: مارس أي نوع من الرياضة الجماعية مثل كرة القدم - مثلاً – حيث يحدث فيها نوع من الاحتكاك والتخاطب الشعوري واللاشعوري
ثالثا: انضم للجمعيات والأعمال الخيرية والتطوعية، واحضر حلقات التلاوة ومدارسة القرآن الكريم.
رابعا: حاول أن تعرض نفسك على أحد الأطباء النفسيين الثقات، لكي يرشدك إلى بعض السلوكيات العلاجية المفيدة.
خامسا: تجنب الإحساس بالبعد عن المجتمع، وحاول نسيان كل ما من سببه أن يقوي هذا الإحساس لديك، فقد يكون سبب الانطوائية موقفاً تعرضت له، أو محنة مررت بها، فاستعن بالله على علاجها ونسيانها.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/101)
نصيحة لمن يقدح في إخوانه المسلمين ويتهمهم بلا بيّنة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا إني أحبكم في الله، رجائي أن تجيبني كي ألجم أفواه الطاعنين في أهل العلم، فهناك من يتهمكم بالتكفير والقطبية ـ كما يسمونها ـ ?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أحبك الله الذي أحببتنا فيه، وجمعنا الله في مستقر رحمته، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وبخصوص ما ورد في سؤالك، فننصحك بالابتعاد عن كل من يتكلم في إخوانك المسلمين أو يقدح فيهم أو يتهمهم ويطعن في نياتهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) رواه أبو داود برقم 4880، وصححه الألباني
ثم إن عليك واجب النصيحة لهؤلاء أن يتقوا الله عز وجل، وأن يكفوا عن مثل تلك الألقاب التي تفرق المسلمين، وما كان من واجب النصيحة لبعض الأخطاء فإنها لا تكون بالتشهير والطعن في النيات ونحو ذلك.
أما مسألة التكفير ففيها تفصيل. فتكفير من كفره الله تعالى أو كفره رسوله صلى الله عليه وسلم واجب حتمي، والله عز وجل قد كفر طوائف في كتابه، كما قال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) ، وقال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) ، وتكفير من لم يكفره الله تعالى أو يكفره رسوله صلى الله عليه وسلم محرم.
وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وكما لا يجوز أن نطلق الكفر على شخص معين حتى يتبين شروط التكفير في حقه، يجب أن لا نجبن عن تكفير من كفره الله ورسوله، ولكن يجب أن نفرق بين المعين وغير المعين " شرح كتاب التوحيد 2/271
وانظر سؤال (21576) ، والله أعلم
ثم إن كل من اتهم شخصاً بتهمة فعليه الدليل (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
(فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ)
والمشكلة المنتشرة بين بعض المنتسبين إلى الدين هداهم الله أنهم يرمون الناس بتهم لا تعتبر أصلاً في الشرع من الأمور القادحة والمخلّة بالدين.
ثم لا يأتون على ذلك بدليل ويتابعون هوى أنفسهم، فالنفس تحب أن تنصب نفسها حكماً على العباد تجرح وتعدل وترفع وتخفض وتنبز.
والواجب مخالفة هوى النفس في هذا وميزان الناس بميزان الشرع وتذكر حسناتهم والمناصحة لأخطائهم.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/102)
كيف يعاقب نفسه لحثها على الخير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم ما لمعاقبة النفس وحرمانها من الأثر في الحث على العمل , ولكن كيف أعاقب نفسي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المؤمن الحريص على نجاة نفسه هو الذي يسعى لسلامتها من كل ما يهلكها، ويرفق بها، ومن الرفق بها مراقبة سيرها إلى الله لتنجو من عذاب الآخرة، ومجاهدتها للقيام بما أُمرت به واجتناب ما نهيت عنه ابتغاء رضوان الله، فيبدأ بالتوبة من سائر الذنوب، ويحثها على المسابقة في العمل الصالح، والارتقاء بها إلى المقامات العلى في الإيمان ويسعى إلى ذلك بالأسباب المعينة كمعرفة ثواب الأعمال وآثارالذنوب وأسبابها والابتعاد عن المخذلين وضعيفي الهمم، وسماع أخبار المجتهدين في الطاعات ثم إذا ضعفت عن الصالحات أو بدرت منها المعاصي، وجنحت إليها، فهذا مقام المعاقبة.
فالمعاقبة تكون بعد معرفة الحق ثم الميل عنه، ولا يبدأ بالمعاقبة إذ لا عقاب قبل معرفة؛ وحتى يكون ذلك أقطع للعذر عنها.
وتنبه ـ بارك الله فيك ـ إلى أن المعاقبة غير مقصودة لذاتها، بل هي وسيلة إلى تهذيب النفس وتربيتها،
وهي مثل الكي للمريض تستعمل بقدر الحاجة.
وليس من المعاقبة المحمودة تعذيب النفس وتكليفها بما لا تطيقه، أو بما يؤذي البدن كالحرق بالنار أو القيام في الشمس، أو ما يشبه ذلك بل بزيادة في الأعمال الصالحة بلا مشقة زائدة، أو حرمانها مما ترغب، وأنت طبيب نفسك، وتعلم ما يساعدها على الفتور والعصيان فتتركه.
قال المقدسي رحمه الله:
إعلم أن [المؤمن] إذا حاسب نفسه فرأى منها تقصيراً أو فعلت شيئاً من المعاصي فلا ينبغي أن يهملها، فإنه يسهل عليه حينئذ مقارفة الذنوب ويعسر عليه فطامها بل ينبغي أن يعاقبها عقوبة مباحة كما يعاقب أهله وولده، وكما روي عن عمر أنه خرج إلى حائط له - أي: بستان - ثم رجع وقد صلى الناس العصر، فقال: إنما خرجت إلى حائطي، ورجعت وقد صلى الناس العصر، حائطي صدقة على المساكين.
وروي أن تميماً الداري رضي الله عنه نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى طلع الفجر فقام الليل سنة لم ينم فيها عقوبة لنومه تلك الليلة.
ومرَّ حسان بن سنان بغرفة فقال: متى بنيت هذه؟ ثم أقبل على نفسه فقال: تسألين عما لا يعنيك لأعاقبنك بصوم سنة، فصامها.
أما العقوبات التي فيها إضرار بالبدن أو ارتكاب منهي عنه: فلا تجوز، كما روي أن رجلاً نظر إلى امرأة فقلع عينيه، وآخر عصى الله بيده فوضعها في النار حتى شُلت، فمثل هذا لا يجوز، فإنه ليس للإنسان أن يتصرف في نفسه بمثل هذا. أ. هـ بتصرف من " مختصر منهاج القاصدين ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/103)
لماذا شعرت سارة بالغيرة مع جلالة قدرها من هاجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أحست سارة بالغيرة من " هاجر " عندما ولدت إسماعيل (عليه السلام) ؟ إذا كان الجواب بنعم: فلماذا تشعر امرأة رفيعة المنزلة مثل " سارة " بالغيرة؟ وهل كان شعورها بالغيرة هو السبب الذي من أجله أمِرَ إبراهيم (عليه السلام) بإرسال " هاجر " و " إسماعيل " (عليه السلام) إلى الصحراء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
غيرة المرأة من ضرائرها أمرٌ جُبلت عليه، وهو غير مكتسب، ولذا فإنها لا تؤاخذ عليه إلا أن تتعدى، وتقع بسبب الغيرة فيما حرم الله عليها من ظلم أختها، فتقع في غيبة أو نميمة أو تؤدي بها غيرتها إلى طلب طلاق ضرتها أو الكيد لها وما شابه ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وأصل الغيرة غير مكتسب للنساء، لكن إذا أفرطت في ذلك بقدر زائد عليه تلام، وضابط ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عتيك الأنصاري رفعه: (إِنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ) حسنه الشيخ الألباني في "الإرواء" (7/80) -، فالغيرة منهما – أي: من الزوج والزوجة - إن كانت لما في الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء، فتعذر فيها، ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل، وعلى هذا يحمل ما جاء من السلف الصالح عن النساء في ذلك. " فتح الباري " (9 / 326) .
وقال ابن مفلح رحمه الله:
قال الطبري وغيره من العلماء: الغيرة مسامح للنساء فيها لا عقوبة عليهن فيها لما جُبِلن عليه من ذلك. " الآداب الشرعية " (1 / 248) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله شرحاً لحديث كسر عائشة لإناء إحدى ضرائرها:
وقالوا: أي جميع من شرحوا الحديث: فِيهِ إِشَارَة إِلَى عَدَم مُؤَاخَذَة الْغَيْرَاء بِمَا يَصْدُر مِنْهَا، لأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَة يَكُون عَقْلهَا مَحْجُوبًا بِشِدَّةِ الْغَضَب الَّذِي أَثَارَتْهُ الْغَيْرَة. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ لا بَأْس بِهِ عَنْ عَائِشَة مَرْفُوعًا: (أَنَّ الْغَيْرَاء لا تُبْصِر أَسْفَل الْوَادِي مِنْ أَعْلاهُ) . " فتح الباري " (9 / 325) .
وما وقع من فضليات النساء من الغيرة إنما هو مما لم يسلم منه أحد، وهنَّ غير مؤاخذات عليه لأنه ليس في فعلهن تعدٍّ على شرع الله تعالى.
وما حصل من غيرة " سارة " من هاجر هو من هذا الباب، فطلب الزوجة من زوجها أن لا ترى ضرتها أو أن لا تجاورها أمرٌ غير مستنكر، مع أن الذي ذكره أهل العلم أن إبراهيم عليه السلام هو الذي خرج بهاجر وابنه لا أن سارة زوجه طلبت منه ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
ويقال: إن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة لذلك. " فتح الباري " (6 / 401) .
ويدل عليه قول هاجر: " يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً وجعل لا يلتفت إليها فقالت له: أالله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا " - رواه البخاري (3184) -.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان: خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة فيها ماء ... رواه البخاري (3185) .
قال الحافظ:
قوله – أي: ابن عباس -: " لما كان بين إبراهيم وبين أهله " يعني: سارة " ما كان " يعني: من غيرة سارة لما ولدت هاجر إسماعيل. " فتح الباري " (6 / 407) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/104)
يشعر بنقص إيمانه واستثقال العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص متدين منذ عدة سنوات ومنذ عدة شهور أشعر أن عقلي وقلبي سلب منهما الإيمان والإرادة وهذا الأمر يعذبني فقلت في نفسي لعله مس أو شيء من هذا وسيذهب عندما يأتي شهر رمضان ولكن الأمر لم يذهب حتى إني كنت أتحمل صلاة القيام بصعوبة بالغة وأحاول الإكثار من قراءة القرآن على الرغم من الوساوس والضيق الذي ينتابني وبدأت حالتي تتدهور الاجتماعية والعملية والعائلية والدينية وحتى الآن فإني أعيش في عذاب لهذا السبب وأنى لا أجد إيماني الذي أشعر أنه سُلِب مني وأشعر أن هذه هي سوء خاتمتي وأن إيماني لن يرجع إليَّ وأن قلبي قد طُبع عليه، وعندما أذهب إلى المسجد للصلاة والتي لم أقطعها أشعر أنني لست مثل المصلين وأنى أحسدهم على إيمانهم، وأيضاً أشعر بنفور غير عادى عن الدين وأحياناً كثيرة لا أستطيع سماع القرآن ولا الأحاديث أو الشرائط إلا بصعوبة وضيق، وهذا الأمر يعذبني لأني لا أريد ذلك وأريد أن أكون كما كنت مؤمناً محباً للدين لأنه هو الحق ولكني أشعر أني لا أستطيع أن أتحكم في عقلي أو قلبي وبدأت أسترجع ذنوبي التي أعتقد أنها السبب فبدأت أجد من الذنوب التي كنت أنساها الكثير وكأنها أمامي واحداً تلو الأخر وحتى الآن أعيش في هذا العذاب والحسرة والضيق ولا أعرف ما الذي أصابني وما هو الحل والعلاج وهل سيرجع إلى إيماني أم أنها سوء الخاتمة وعقاب من الله - أخيراً لا تنسوني من الدعاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخي في الله ليكن أملك في الله تعالى عظيماً، ولا تجعل للشيطان عليك سبيلاً بالقنوط من رحمة الله الواسعة التي أوجبها لعباده المؤمنين، وما يراود نفسك من كون هذه هي خاتمتك على غير ما يريد الله عز وجل إنما هي من وساوس الشيطان ونزغاته التي ينزغ بها عباد الله ليفتنهم عن دينهم، فهو يأتي العبد الصالح ويوسوس له بأن عمله حابط أو أنه يعمل لغير الله ويرائي الناس بعمله ليظنوا به خيراً، وكل هذا من أساليب الشيطان المتكررة مع عباد الله خاصة الذين ظهرت منهم آثار الاستقامة والصلاح – أحسبك من هؤلاء ولا أزكي على الله أحداً – ليعيقهم عن ذلك أعاذنا الله منه.
ولكنك أخي محتاج لأن تُعظِمَ الرجاء والأمل في الله الذي يغفر الذنوب جميعاً، ويَقْبَل العبد الذي لاذ بحماه واستجار بجاهه فإنه الرحيم الغفور الودود.
ولعلك أن تكثر من الأعمال الصالحة: من قراءة قرآن , وصدقة , وذكرٍ لله، وصلة أرحام ... الخ، وهذا الضعف الذي ينتابك ينتاب غيرك، وهو أمرٌ طبيعي فكم من الأشخاص كانوا مثالاً يُقتدى بهم في علو الهمة ثم فترت همتهم مدةً طويلة، ثم عادت إليهم همتهم بفضل الله، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فَلا تَعُدُّوهُ " رواه الترمذي 2453 وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1995) .
ومعنى (إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً) أَيْ حِرْصًا عَلَى الشَّيْءِ وَنَشَاطًا وَرَغْبَةً فِي الْخَيْرِ ...
(وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً) أَيْ وَهَنًا وَضَعْفًا وَسُكُونًا.
(فَإِنْ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ) أَيْ جَعَلَ صَاحِبُ الشِّرَّةِ عَمَلَهُ مُتَوَسِّطًا وَتَجَنَّبَ طَرَفَيْ إِفْرَاطِ الشِّرَّةِ وَتَفْرِيطِ الْفَتْرَةِ.
(فَاَرْجُوهُ) أَيْ ارْجُوا الْفَلاحَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ الدَّوَامُ عَلَى الْوَسَطِ , وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدُومُهَا.
(وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ) أَيْ اِجْتَهَدَ وَبَالَغَ فِي الْعَمَلِ لِيَصِيرَ مَشْهُورًا بِالْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ وَسَارَ مَشْهُورًا مُشَارًا إِلَيْهِ (فَلا تَعُدُّوهُ) أَيْ لا تَعْتَدُّوا بِهِ وَلا تَحْسَبُوهُ مِنْ الصَّالِحِينَ لِكَوْنِهِ مُرَائِيًا , وَلَمْ يَقُلْ فَلا تَرْجُوهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ قَدْ سَقَطَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَدَارُكُ مَا فَرَّطَ. انتهى من تحفة الأحوذي.
فتأمل هذا الحديث واربطه بواقعك وواقع كثير من الناس غيرك، وستجد تقارباً واضحاً، ففي هذا الحديث بيانٌ واضح على أن الإنسان يمر بمرحلة حماس منقطع النظير، وإقبالٍ عظيم، وهمةٍ عالية، وفجأة يضعف ويتراجع إقباله وحماسه، وتفتر همته، فإذا وصل إلى هذه المرحلة فعليه أن يحرص غاية الحرص على فعل الواجبات واجتناب المحرمات، فإن فعل فإنه يُرجى له الفلاح والاستمرار، وإن وقع في المحظورات , وترك الواجبات فقد خاب وخسر.
فعليك بكثرة اللجوء إلى الله، واستغفاره وسُؤاله الثبات حتى الممات، كما أُوصيك بالبعد عن المحرمات، غفر الله ذنبك، ويسرَّ أمرك..
وإلى لقاء قريب والسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(10/105)
مفتون بالقنوات ومواقع الإنترنت الإباحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مفتون مع الأسف بالدشوش ومواقع الانترنت لدرجة أصبحت مقصر جدا في أمور ديني، أرجو منكم المساعدة والدعاء لي بالهداية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يهديك، وأن يصرف عنك السوء والفحشاء، وأن يجعلك من عباده المخلَصين.
وخير ما نوصيك به هو تقوى الله تعالى، والحذر من نقمته وغضبه، وأليم عقابه، فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل، وما يؤمنك أن يطلع الله عليك وأنت على معصيته فيقول: وعزتي وجلالي لا غفرت لك.
وانظر إلى هذه الجوارح التي تسعى بها إلى المعصية، ألا ترى الله قادرا على أن يسلبك نعمتها، وأن يذيقك ألم فقدها؟
ثم انظر إلى ستر الله تعالى لك، وحلمه عليك، وأنت تعلم غيرته على عباده، فما يؤمّنك أن يغضب عليك، فينشكف أمرك، ويطلع الناس على سرك، وتبوء بفضيحة الدنيا قبل الآخرة.
وهل ستجني من النظر المحرم إلا الحسرة، والشقاء، وظلمة القلب؟
وهب أنك شعرت بمتعة أو لذة، يوما أو يومين، أو شهرا أو سنة.. فماذا بعد؟
موت.. ثم قبر.. ثم حساب، فعقاب ... ذهبت اللذات وبقيت الحسرات.
وإذا كنت تستحيي من أن يراك أخوك على هذه المعصية، فكيف تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك؟!
أما علمت أن الله يراك، وأن ملائكته تحصي عليك، وأن جوارحك غدا ستنطق بما كان؟
واعتبر بما أصبح عليه حالك بعد المعصية: هم في القلب، وضيق في الصدر، ووحشة بينك وبين الله.
ذهب الخشوع.. ومات قيام الليل.. وهجرك الصوم ... فقل لي بربك ما قيمة هذه الحياة؟
كل نظرة تنظرها إلى هذه النوافذ الشيطانية، تنكت في قلبك نكتة سوداء، حتى يجتمع السواد فوق السواد، ثم الران الذي يعلو القلب، فيحرمك من لذة الطاعة، ويفقدك حلاوة الإيمان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) " رواه الترمذي (3257) وابن ماجة (4234) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه 3422.
صقل: أي نُقي وطُهر.
فكن ممن نزع واستغفر وتاب، وأكثر من التضرع لله تعالى أن يُطهر قلبك وأن يُحصن فرجك، وأن يُعيذك من نزغات الشيطان.
واجتنب كل وسيلة تدعوك أو تذكرك بالحرام، إن كنت صادقا راغبا في التوبة.
فبادر بإخراج هذا الدش من بيتك، واقطع صلتك بمواقع السوء في الانترنت، واعلم أن خير وسيلة تعينك على ترك ما اعتدته من الحرام، أن تقف عند الخاطرة والهم والتفكير، فادفع كل خاطرة تدعوك للمشاهدة، قبل أن تصبح رغبة وهمّا وقصدا ثم فعلا.
قال الغزالي رحمه الله: (الخطوة الأولى في الباطل إن لم تدفع أورثت الرغبة، والرغبة تورث الهم، والهم يورث القصد، والقصد يورث الفعل، والفعل يورث البوار والمقت، فينبغي حسم مادة الشر من منبعه الأول وهو الخاطر، فإن جميع ما وراءه يتبعه) إحياء علوم الدين 6/17
وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) النور/21
وإن أمكنك الاستغناء التام عن الانترنت فافعل، إلى أن تشعر بثبات قلبك، وقوة إيمانك.
واحرص على الرفقة الصالحة، واحرص على أداء الصلوات في أوقاتها، وأكثر من نوافل العبادة، وتجنب الخلوة والتفكير في الحرام ما أمكن.
والخلاصة في العلاج فتح منافذ الخير، وسد منافذ الشر.
نسأل الله أن يوفقنا وإياك للتوبة الخالصة النصو.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(10/106)
كيفية تربية المسلم لنفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يربي الإنسان نفسه تربية إسلامية خصوصاً وأن فيه من قصور الدين ما الله به عليم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اكتشاف الشخص لقصوره من أوائل خطوات تربية النفس.
ومن عرف من نفسه قصوراً فقد سار في سبيل تربية النفس، وهذه المعرفة مما يدعونا إلى تربية أنفسنا وإلى السير في تلكم السبيل سيراًً حثيثاً فليست هذه المعرفة صارفة عن تربية المرء لنفسه، وإن من توفيق الله للعبد سعيَه للتغير والتطوير كما قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فمن غيّر لله غيّر الله له.
والإنسان مسؤول عن نفسه مسوؤلية فردية ذاتية وسيحاسب ويُسأل فرداً كما قال تعالى: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) سورة مريم، والإنسان لا يمكن أن يستفيد مما يقدَّم له من خير ما لم يكن منه مبادرة ذاتية، ألا ترى إلى امرأة نوح وامرأة لوط كانتا في بيت نبيين أحدهما من أولى العزم، وتصور – أخي – ذلك الجهد الذي سيبذله نبي مع زوجته فهي قد تلقت قدرأً كبيراً من التربية لكن لما لم يكن منهما مبادرة ذاتية قيل لهما (ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِين) التحريم/10 بينما امرأة فرعون ـ مع أنها في بيت أحد أكابر المجرمين ـ ضربها الله مثلاً للذين آمنوا لما كان منها من تربية ذاتية.
ومن وسائل تربية المسلم نفسه:
1- التعبد لله والصلة به والاستسلام له. وذلك من خلال العناية بالفرائض وتطهير القلب من التعلق بغير الله.
2- كثرة قراءة القرآن وتدبره والتفكر في أسراره.
3- قراءة الكتب الوعظية النافعة التي تصف دواء القلوب وعلاجها مثل مختصر منهاج القاصدين وتهذيب مدارج السالكين ونحو ذلك، ومطالعة سير السلف وأخلاقهم وينظر في ذلك صفة الصفوة لابن الجوزي وكتاب (أين نحن من أخلاق السلف) لبهاء الدين عقيل وناصر الجليل.
4- التفاعل مع البرامج التربوية: كالدروس والمحاضرات.
5- الحفاظ على الوقت وشغله بما ينفع العبد في دنياه وآخرته.
6- عدم الإكثار من المباحات وإيلائها العناية الكبيرة.
7- الصحبة الصالحة والبحث عن الجلساء الصالحين،الذين يعينون على الخير،أما من يعيش في عزله فإنه يفقد كثيراً من المعاني الأخوية كالإيثار والصبر.
8- العمل والتطبيق وترجمة المعلوم عملياً.
9- المحاسبة الدقيقة للنفس.
10- الثقة بالنفس ـ مع الاعتماد على الله تعالى ـ: لأن فاقد الثقة لا يعمل.
11- مقت النفس في ذات الله وهذا لا ينافي ما قبله فعلى الإنسان أن يعمل مع ظنه أن في نفسه الخلل.
12- العزلة الشرعية: أي لا يكون مخالطاً للناس في جميع أوقاته بل يجعل لنفسه أوقاتا يخصها بالعبادات والخلوات الشرعية.
نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا ويجعلها منقادة لما يحبه الله ويرضاه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(10/107)
ماذا نفعل لمذابح المسلمين في فلسطين والعالم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو موقفنا مما يحدث الآن من المذابح للمسلمين في فلسطين وفي أنحاء أخرى في العالم، من تخريب بيوت وجرف مزارع وقتل أطفال وحبس الجرحى في الشوارع، وقصف البيوت ومنع الناس من شراء ما يحتاجونه من الطعام والشراب من قبل اليهود وغيرهم، ماذا يمكنني كمسلم أن أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- عليكم بالدعاء، ومنه: القنوت في الصلاة. والدعاء من أعظم الأسباب التي ينصر الله بها المؤمنين على عدوهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ) رواه البخاري (2896) ، ولفظ النسائي (3178) : (إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا: بِدَعْوَتِهِمْ، وَصَلَاتِهِمْ، وَإِخْلَاصِهِمْ) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
2- جمع الصدقات وإيصالها عن طريق الثقات.
3- مناصرة المستضعفين بكل الطرق ومنها وسائل الإعلام المتنوعة، بإيضاح الحقائق وإيقاف العالم على صور الظلم والعدوان التي تمارس ضد أهل فلسطين، وغيرهم من المسلمين.
4- استثارة واستنهاض همم العلماء والدعاة والخطباء والكُتَّاب لبيان الظلم الواقع، والتقصير في رفعه، وتجييش الأمة للدفاع عن المقدسات.
5- محاسبة النفس على التقصير في الغزو، وفي نيته عند العجز عنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ) رواه مسلم (3533) .
6- تربية الأبناء على عداوة اليهود وأعداء الدين ووجوب جهادهم عند القدرة.
7- الأخذ بجميع أسباب إعداد القوة المادية والمعنوية استعداداً لملاقاة العدو، قال الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) الأنفال/60.
8- تذكير النفس والناس بفضل الشهادة في سبيل الله والإلمام بأحكام الجهاد، وترك التعلق بالدنيا.
9- الاستفادة من شبكة الإنترنت في مواجهة اليهود إعلامياً وثقافياً بإنشاء المواقع التي تبين جرائمهم وتكشف زيفهم، والمشاركة في المواقع الحوارية التي يبثون فيها أفكارهم لدحضها وبيان باطلها، إلى غير ذلك من صور المواجهة.
10- مراسلة الجمعيات الحقوقية العالمية والمنظمات الدولية بأنواعها، وإيقافهم على الجرائم التي يرتكبها اليهود في فلسطين، والمطالبة بمحاكمة من يقف وراءها.
11- على المسلمين المقيمين في الدول الغربية أن يطالبوا تلك الحكومات أن يكون لها دور إيجابي تجاه هذه الأزمات، والضغط عليها نحو العدالة والإنصاف.
12- المطالبة بتفعيل دور المؤسسات والجمعيات الخيرية في العالم الإسلامي بقوة، لكي تنشط في إغاثة إخواننا، وإيصال المساعدات إليهم.
13- على المسلم أن يعمل على تحريك المجتمع من حوله للتفاعل مع الأحداث، وحث الناس على أن يقدم كل واحد منهم ما يستطيع أن يقدمه.
14- التأكيد على أن القضية قضية إسلامية، يتحمل مسؤوليتها جميع المسلمين، حكومات وشعوباً، ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، ولا العرب، بل هي قضية المسلمين جميعاً.
15- الحديث عن التطبيع وخطورته، وبيان أضرار ذلك على الدول التي بدأت به، لعلهم يتوبون ويرجعون، ويَحْذَرُ غيرُهم.
16- التواصل مع الإعلاميين الشرفاء ـ من العرب وغيرهم ـ وحثهم على الكتابة وتقديم البرامج التي تدفع الرأي العام والحكومات إلى التعامل مع هذه الأزمات بشيء من العدل، والوقوف مع المظلوم.
نسأل الله العلي القدير أن ينصر دينه ويعلي كلمته.
الشيخ محمد صالح المنجد
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(10/108)
كيف أحدد موقفي؟!!
[السُّؤَالُ]
ـ[تمر على المسلم مواقف لا يعرف كيف يحدد موقفه منها سواء كانت سياسية أو دعوية أو اجتماعية أو حتى شخصية.. فكيف أعرف التصرف المناسب في موقف مر علي؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخي الكريم أشكر لك وأسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.. وأن يرينا جميعا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وألا يجعله ملتبسا علينا فنضل.. أما عن استشارتك فتعليقي عليها ما يلي:-
لتعلم يا عزيزي أننا لسنا ملزمين أن نحدد موقفا أو رأيا حول كل أمر أو حادث يمر علينا.. لسبب بسيط وهو أن الكثير مما يمر علينا لا يعنينا بأي حال..!! أما المواقف التي تعنينا وتهمنا ويلزمنا تكوين رأي حولها.. فهي أنواع:
أولا: مواقف تتعدى في عمقها وبعدها حدود علمنا وإدراكنا وهذه نستنير فيها بآراء بعض أهل الاختصاص من علماء شرعيين أو باحثين أو متابعين حسب الاستطاعة.
ثانيا: مواقف تكون من الوضوح والتأثير بحيث أنها أصبحت حديث المجالس ووسائل الإعلام المختلفة.. وهذه نستطيع من خلال التوفيق بين آراء من نثق فيهم وبعض التقارير المختلفة.. أن نكون رؤية حولها.
ثالثا: أمور ومواقف تكون في نطاقنا ودائرتنا الخاصة وهذه نحتاج لكي نكون حولها رؤية إلى وضع جميع بدائلها وإيجابياتها وسلبياتها.. ثم مقارنتها بموضوعية وبالتالي وضع تصور مبدئي حولها قد ندعمه بالاستشارة لمن سبقنا في مجالها.. أو من نثق برأيه حولها فمن شاور الرجال شاركهم في عقولهم. ومع مرور الأيام ووقوع الأخطاء والاستفادة من التجارب يصبح لدى الإنسان رصيد من الخبرة التراكمية ودراية أكبر يقيم من خلالها الأشياء والمواقف ويحدد على ضوء خبراته وتجاربه العملية والنظرية موقفه منها.
وفقك الله وحماك وسدد على طريق الخير والحق خطاك.
[الْمَصْدَرُ]
أحمد المقبل: الإسلام اليوم(10/109)
عداوة الشيطان للإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف بعض المعلومات عن الشيطان. فهل لك أن تساعدني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لما امتنع إبليس من السجود لآدم طرده الله من السماء وحقت عليه لعنة الله إلى يوم القيامة فقال الله له: (فاخرج منها فإنك رجيم، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) ص/77-78.
ثم سأل الله أن ينظره إلى البعث فأنظره الله: (قال أنظرني إلى يوم يبعثون، قال إنك من المنظرين) الأعراف/14-15.
فلما أمِنَ إبليس من الهلاك تمرد وطغى وعاند: (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) الأعراف/16-17.
ولما قال إبليس ذلك قال الله له: (اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاءً موفوراً، واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعِدهم , وما يعدهم الشيطان إلا غروراً، إن عبادي ليس لك عليهم سلطان , وكفى بربك وكيلاً) الإسراء/62-64.
ومن هنا أعلن الشيطان عن خبث عداوته لبني آدم فبدأ يزين لهم المعاصي ويغريهم بالمحرمات والخبائث ويأمرهم بالسوء والفحشاء فانخدع بذلك أكثر الناس , ووقعوا في تلك المعاصي والمحرمات: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين) سبأ/20.
وكل ما يقع بين بني آدم من الكفر والقتل والعداوة والبغضاء وانتشار الفواحش والزنا , وتبرج النساء وشرب الخمور وعبادة الأصنام واقتراف الكبائر فذلك كله من عمل الشيطان ليصد عن سبيل الله ويفسد الناس ويجرهم معه إلى نار جهنم: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) المائدة/90-91.
وقد حذرنا الله من السير خلف الشيطان واتباع خطواته فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) النور/21.
وإذا أعرض الإنسان عن الله تولاه الشيطان وجره إلى الفساد والطغيان: (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً) مريم/83.
وكل من أعرض عن الله وسار خلف الشيطان فإنما يهلك نفسه وخسر ديناه وآخرته: (ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً) النساء/119.
وقد سلك الشيطان طرقاً عجيبة في الإغواء فأفسد كثيراً من الناس وزين لهم سوء أعمالهم فأوردهم جهنم وبئس المصير: (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً، أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصاً) النساء/120 - 121.
وعداوة الشيطان لآدم وذريته قديمة فقد أسكن الله آدم وزوجته في الجنة فجاء الشيطان إلى آدم وزين له المعصية فأطاعه آدم يظنه صادقاً فعصى آدم ربه وأخرج من الجنة ثم تاب الله عليه وقد حذرنا الله من طاعة الشيطان فقال: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) الأعراف/27.
ولما كانت عداوة الشيطان للإنسان ظاهرة بينة أمرنا الله بالحذر منه , وإعلان الحرب عليه ونصب العداوة له فقال: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) فاطر/6.
وقد أرشدنا الله إلى أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم كلما هممنا بمعصية فقال: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير) فصلت/36.
وفي يوم القيامة يوم الصدق والعدل يعترف الشيطان بجريمته فيعلن أمام الخلائق أن الله صادق وأنه كاذب وأنه لا لوم عليه وإنما الملامة على من اتبعه فيندم كل من اتبعه ولكن حينذاك لا ينفع الندم: (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمونِ من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم) إبراهيم/22.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري.(10/110)
كيف يُعالج الإنسان نفسه إذا دعته إلى الرياء
[السُّؤَالُ]
ـ[كلما فعلت شيئاً جيداً أنظر للناس لكي يقدروا عملي، وبعبارة أخرى فأنا أرائي، أعلم بأن الرياء غير مسموح به في الإسلام ولكن كيف أستطيع أن أتخلص من الرياء وهذا الشعور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
على الراغب في التخلص من الرياء أن يسلك هذه السبل في علاج نفسه منه، ومن ذلك:
1. استحضار مراقبة الله تعالى للعبد.
وهي منزلة " الإحسان " التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل، وهي " أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك ". رواه مسلم (97) .
فمن استشعر رقابة الله له في أعماله يهون في نظره كل أحد، ويوجب له ذلك التعظيم والمهابة لله تعالى.
2. الاستعانة بالله تعالى على التخلص من الرياء
قال الله تعالى عن المؤمنين {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة 5] ، ومن الأشياء التي تنفع في هذا الباب الاستعانة بالله في دعائه، قال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل فقال له من شاء الله أن يقول:وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم ". رواه أحمد (4/403) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (3731) .
3. معرفة آثار الرياء وأحكامه الأخروية.
حيث أن الجهل بذلك يؤدي إلى الوقوع أو التمادي فيه، فليعلم أن الرياء مُحبط للأعمال، وموجب لسخط الله، والعاقل لا يتعب نفسه بأعمال لا يكون له أجر عليها، فكيف إذا كانت توجب سخط الله وغضبه.
ومن أعظم الأحاديث في عقوبة المرائين في الآخرة ما أخبرنا به صلى الله عليه وسلم: " أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". رواه الترمذي (2382) وحسّنه، وصححه ابن حبان (408) ، وابن خزيمة (2482) .
4. النظر في عقوبة الرياء الدنيوية.
وكما أن للرياء عقوبة أخروية، فكذلك له عقوبة دنيوية، وهي أن يفضحه الله تعالى، ويظهر للناس قصده السيّئ، وهو أحد الأقوال في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم " من سمَّع: سمَّع الله به، ومَن راءى: راءى الله به " رواه البخاري (6134) ومسلم (2986) . قال ابن حجر: قال الخطابي معناه: من عمل عملا على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه.
وقيل: من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثا سيئا عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة. أ. هـ " فتح الباري " (11 / 336) .
5. إخفاء العبادة وعدم إظهارها.
وكلما ابتعد الإنسان عن مواطن إظهار العبادة: كلما سَلِم عمله من الرياء، ومن قصد مواطن اجتماع الناس: حرص الشيطان عليه أن يظهر العبادة لأجل أن يمدحوه ويُثنوا عليه.
والعبادة التي ينبغي إخفاؤها هنا هي ما لا يجب أو يُسنُّ الجهر به كقيام الليل والصدقة وما أشبههما، وليس المقصود الأذان وصلاة الجماعة وما أشبههما مما لا يُمكن ولا يُشرع إخفاؤه.
نسأل الله الإخلاص في القول والعمل وأن يغفر لنا ما وقعنا فيه من الرّياء والسمعة وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(10/111)
علاج الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن أن يتحكم الإنسان في أعصابه؟ إنني متضايق جداً وحين أغضب أترك المكان وقد تلوت بعض الأذكار وقلت (لا حول ولا قوة إلا بالله) ولكن لا فائدة. فما الحل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغضب نزغة من نزغات الشيطان، يقع بسببه من السيئات والمصائب مالا يعلمه إلا الله، ولذلك جاء في الشريعة ذكرُ واسع لهذا الخلق الذميم، وورد في السنة النبوية علاجات للتخلص من هذا الداء وللحدّ من آثاره، فمن ذلك:
1- الاستعاذة بالله من الشيطان:
عن سليمان بن صرد قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، ورجلان يستبّان، فأحدهما احمرّ وجهه واتفخت أوداجه (عروق من العنق) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد رواه البخاري، الفتح 6/337 ومسلم/2610.
وقال صلى الله عليه وسلم: إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله، سكن غضبه صحيح الجامع الصغير رقم 695.
2- السكوت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم فليسكت) رواه الإمام أحمد المسند 1/329 وفي صحيح الجامع 693، 4027.
وذلك أن الغضبان يخرج عن طوره وشعوره غالباً فيتلفظ بكلمات قد يكون فيها كفر والعياذ بالله أو لعن أو طلاق يهدم بيته، أو سب وشتم - يجلب له عداوة الآخرين. فبالجملة: السكوت هو الحل لتلافي كل ذلك.
3- السكون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع) .
وراوي هذا الحديث أبو ذر رضي الله عنه، حدثت له في ذلك قصة: فقد كان يسقي على حوض له فجاء قوم فقال: أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه؟ فقال رجل أنا فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقّه أي كسره أو حطّمه والمراد أن أبا ذر كان يتوقع من الرجل المساعدة في سقي الإبل من الحوض فإذا بالرجل يسيء ويتسبب في هدم الحوض.
، وكان أبو ذر قائماً فجلس ثم اضطجع فقيل له: يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت؟ قال فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم.... وذكر الحديث بقصته في مسند أحمد 5/152 وانظر صحيح الجامع رقم 694.
وفي رواية كان أبو ذر يسقي على حوضٍ فأغضبه رجل فقعد.... فيض القدير، المناوي 1/408.
ومن فوائد هذا التوجيه النبوي منع الغاضب من التصرفات الهوجاء لأنه قد يضرب أو يؤذي بل قد يقتل - كما سيرد بعد قليل - وربما أتلف مالاً ونحوه، ولأجل ذلك إذا قعد كان أبعد عن الهيجان والثوران، وإذا اضطجع صار أبعد ما يمكن عن التصرفات الطائشة والأفعال المؤذية. قال العلامة الخطابي - رحمه الله - في شرحه على أبي داود: (القائم متهيء للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى، والمضطجع ممنوع منهما، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد. والله أعلم سنن أبي داود، ومعه معالم السنن 5/141.
4- حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال لا تغضب. فردّد ذلك مراراً، قال لا تغضب رواه البخاري فتح الباري 10/456.
وفي رواية قال الرجل: ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم، ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله مسند أحمد 5/373.
5- لا تغضب ولك الجنة حديث صحيح: صحيح الجامع 7374. وعزاه ابن حجر إلى الطبراني، انظر الفتح 4/465.
إن تذكر ما أعد الله للمتقين الذين يتجنبون أسباب الغضب ويجاهدون أنفسهم في كبته ورده لهو من أعظم ما يعين على إطفاء نار الغضب، ومما ورد من الأجر العظيم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة رواه الطبراني 12/453 وهو في صحيح الجامع 176.
وأجر عظيم آخر في قوله عليه الصلاة والسلام: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ماشاء رواه أبو داود 4777 وغيره، وحسنّه في صحيح الجامع 6518.
6- معرفة الرتبة العالية والميزة المتقدمة لمن ملك نفسه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه أحمد 2/236 والحديث متفق عليه.
وكلما انفعلت النفس واشتد الأمر كان كظم الغيظ أعلى في الرتبة. قال عليه الصلاة والسلام: (الصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه، ويقشعر شعره فيصرع غضبه) رواه الإمام أحمد 5/367، وحسنه في صحيح الجامع 3859.
وينتهز عليه الصلاة والسلام الفرصة في حادثة أمام الصحابة ليوضّح هذا الأمر، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقوم يصطرعن، فقال: ماهذا؟ قالوا: فلان الصريع ما يصارع أحداً إلا صرعه قال: أفلا أدلكم على من هو أشد منه، رجلٌ ظلمه رجلٌ فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن. الفتح 10/519.
7- التأسي بهديه صلى الله عليه وسلم في الغضب:
وهذه السمة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وهو أسوتنا وقدوتنا، واضحة في أحاديث كثيرة، ومن أبرزها: عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم (ما بين العنق والكتف) وقد أثرت بها حاشية البرد، ثم قال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك، ثم أمر له بعطاء متفق عليه فتح الباري 10/375.. ومن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم أن نجعل غضبنا لله، وإذا انتهكت محارم الله، وهذا هو الغضب المحمود فقد غضب صلى الله عليه وسلم لما أخبروه عن الإمام الذي يُنفر الناس من الصلاة بطول قراءته، وغضب لما رأى في بيت عائشة ستراً فيه صور ذوات أرواح، وغضب لما كلمه أسامة في شأن المخزومية التي سرقت، وقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ وغضب لما سُئل عن أشياء كرهها، وغير ذلك. فكان غضبه صلى الله عليه وسلم لله وفي الله.
8- معرفة أن رد الغضب من علامات المتقين:
وهؤلاء الذين مدحهم الله في كتابه، وأثنى عليهم رسوله، صلى الله عليه وسلم، وأعدت لهم جنات عرضها السماوات والأرض، ومن صفاتهم أنهم: {ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} وهؤلاء الذين ذكر الله من حسن أخلاقهم وجميل صفاتهم وأفعالهم، ماتشرئبّ الأعناق وتتطلع النفوس للحوق بهم، ومن أخلاقهم أنهم: {إذا ما غضبوا هم يغفرون} .
9- التذكر عند التذكير:
الغضب أمر من طبيعة النفس يتفاوت فيه الناس، وقد يكون من العسير على المرء أن لا يغضب، لكن الصدّيقين إذا غضبوا فذكروا بالله ذكروا الله ووقفوا عند حدوده، وهذا مثالهم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً استأذن على عمر رضي الله عنه فأذن له، فقال له: يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل (العطاء الكثير) ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر رضي الله عنه حتى همّ أن يوقع به، فقال الحر بن قيس، (وكان من جلساء عمر) : يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه، صلى الله عليه وسلم: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل رواه البخاري الفتح 4/304. فهكذا يكون المسلم، وليس مثل ذلك المنافق الخبيث الذي لما غضب أخبروه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أحد الصحابة تعوذ بالله من الشيطان، فقال لمن ذكره: أترى بي بأس أمجنون أنا؟ اذهب رواه البخاري فتح 1/465. نعوذ بالله من الخذلان.
10- معرفة مساوئ الغضب:
وهي كثيرة، مجملها الإضرار بالنفس والآخرين، فينطلق اللسان بالشتم والسب والفحش وتنطلق اليد بالبطش بغير حساب، وقد يصل الأمر إلى القتل، وهذه قصة فيها عبرة: عن علقمة بن وائل أن أباه رضي الله عنه حدّثه قال: إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة (حبل مضفور) فقال: يا رسول الله هذا قتل أخي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقتلته؟ قال: نعم قتلته. قال: كيف قتلته؟ قال: كنت أنا وهو نختبط (نضرب الشجر ليسقط ورقه من أجل العلف) من شجرة، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه (جانب الرأس) فقتلته ... إلى آخر القصة رواه مسلم في صحيحه 1307 ترتيب عبد الباقي.
وقد يحصل أدنى من هذا فيكسر ويجرح، فإذا هرب المغضوب عليه عاد الغاضب على نفسه، فربما مزق ثوبه، أو لطم خده، وربما سقط صريعاً أو أغمي عليه، وكذلك قد يكسر الأواني ويحطم المتاع.
ومن أعظم الأمور السيئة التي تنتج عن الغضب وتسبب الويلات الاجتماعية وانفصام عرى الأسرة وتحطم كيانها، هو الطلاق. واسأل أكثر الذين يطلقون نساءهم كيف طلقوا ومتى، فسينبئونك: لقد كانت لحظة غضب.
فينتج عن ذلك تشريد الأولاد، والندم والخيبة، والعيش المرّ، وكله بسبب الغضب. ولو أنهم ذكروا الله ورجعوا إلى أنفسهم، وكظموا غيظهم واستعاذوا بالله من الشيطان ما وقع الذي وقع ولكن مخالفة الشريعة لا تنتج إلا الخسارة.
وما يحدث من الأضرار الجسدية بسبب الغضب أمر عظيم كما يصف الأطباء كتجلّط الدم، وارتفاع الضغط، وزيادة ضربات القلب، وتسارع معدل التنفس، وهذا قد يؤدي إلى سكته مميتة أو مرض السكري وغيره. نسأل الله العافية.
11- تأمل الغاضب نفسه لحظة الغضب.
لو قدر لغاضب أن ينظر إلى صورته في المرآة حين غضبه لكره نفسه ومنظره، فلو رأى تغير لونه وشدة رعدته، وارتجاف أطرافه، وتغير خلقته، وانقلاب سحنته، واحمرار وجهه، وجحوظ عينيه وخروج حركاته عن الترتيب وأنه يتصرف مثل المجاني لأنف من نفسه، واشمأز من هيئته ومعلوم أن قبح الباطن أعظم من قبح الظاهر، فما أفرح الشيطان بشخص هذا حاله! نعوذ بالله من الشيطان والخذلان.
الدعاء:
هذا سلاح المؤمن دائماً يطلب من ربه أن يخلصه من الشرور والآفات والأخلاق الرديئة، ويتعوذ بالله أن يتردى في هاوية الكفر أو الظلم بسبب الغضب، ولأن من الثلاث المنجيات: العدل في الرضا والغضب صحيح الجامع 3039 وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرّ ة ولا فتنة مضلّة الله زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين.
والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(10/112)
يشعر بنقص الإيمان إذا فارق الإخوة الصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[استقمت بحمد الله على دين الله منذ شهر تقريباً، وأشعر بالثبات إذا كنت مع بعض الإخوة الصالحين، وحين أفارقهم بسبب انشغالي وأعمالي أجد نقصاً في الإيمان، بماذا تنصحونني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نوصيك بالاستقامة على صحبة الأخيار، وإذا فارقتهم لبعض أشغالك فاتق الله وتذكر أنه سبحانه رقيب عليك، وهو أعظم منهم، قال تعالى: (إن الله كان عليكم رقيباً) النساء /1، وقال سبحانه: (الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين) الشعراء/218-219، وقال تعالى: (لا تحزن إن الله معنا) التوبة/40، فالله مراقبك فاتق الله، وتذكر أنك بين يديه، وأنه يراك على الطاعة والمعصية جميعاً، فاحذر عقاب الله، واحذر أن تعمل ما يغضبه سبحانه، قال جل وعلا: (ويحذركم الله نفسه) آل عمران/30، وقال سبحانه: (وإياي فارهبون) البقرة/40.
فعليك بالصدق مع الله والاستقامة على دين الله سبحانه في خلوتك ومع أصحابك وفي كل مكان فأنت في مسمع من الله ومرأى، يسمع كلامك ويرى أفعالك، فعليك أن تستحي من الله جل وعلا أعظم من حيائك من أهلك ومن غير أهلك.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص / 39.(10/113)
يحسّ بالتقصير والشيطان يثبّطه عن تحسين حاله
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله أنا مسلم ولكنني لا أشعر بأنني مؤمن، لا أشعر بالراحة للطريقة التي أعيش بها وأشعر بهذا من وقت لآخر، وأسأل نفسي (أين مكاني يوم القيامة؟) لا أشعر بالسعادة في حياتي بسبب هذا الإحساس..
أشعر بالندم إذا ضيعت الصلاة، أشعر بالرغبة في أن أفعل الكثير من الأشياء التي يريد مني الله أن أفعلها وبهذا أدخل الجنة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن ينتهي الأمر بأنني لا أفعل شيئا. والذي أريده منك أن تخبرني ما هي طريقة البداية.. شكرا وجزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المشاعر التي ذكرتها في سؤالك يا أخي دوافعها طيبة إن شاء الله وناتجة عن شعورك بالتقصير والرغبة في تزكية نفسك ورفع مستواها الإيماني ولكن المهمّ أن لا تقودك إلى الإحباط بل تكون دافعا عمليا للتحسين فاستثمر الشعور بالتقصير في الاندفاع للعمل وليس الاستسلام للمستوى المتدني والانكفاء على الحال وعدم التغيير.
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في دعائه من العجز والكسل وهو الذي علمنا السعي لعمل ما ينفعنا في دنيانا وأخرانا فقال: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم برقم 4816 فاجعل أيها الأخ الكريم تقوى الله نصب عينيك لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} وأن تتذكر وعده ووعيده، وعده لأوليائه الصالحين بالمغفرة والأجر الكريم {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كريم} المائدة 9، ووعيده لمن حادوا عن الصراط المستقيم وخالفوا أمره وضيعوه {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم} التوبة 68 لكي تكون دائما بين الخوف والرجاء ولتعلم أن وعد الله حق فلا تغتر بهذه الحياة ولتعد العدة ليوم تلقاه {يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} فاطر: 5 ولتكثر من ذكر الله فإن فيه طمأنينة للقب وراحة للنفس {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} الرعد: 28، وعليك بالاستغفار مما ضيعت من أوامر الله فقد جعل الله سبحانه باب التوبة مشرعاً أمام سائر المذنبين: روى مسلم في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. صحيح مسلم 4954
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال، قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة رواه الترمذي بإسناد حسن سنن الترمذي برقم 3463. فإذا عمل المسلم بطاعة الله تعالى جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا، قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} الطلاق: 3
وابدأ بالفرائض وألزم نفسك بها وبالامتناع عن المحرمات ثم التفت إلى المستحبّات وتدرّج في القيام بها والزيادة في عملها شيئا فشيئا حتى لا تنفر نفسك ولا تملّ.
وأخيراً إياك والتسويف فإنه محبط للقيام بالعمل فإذا شرعت بطاعة فسارع بها ولا تتوانى فيها والمسارعة في مثل هذا الباب أمر محمود {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} وداوم على العمل وإن قلّ فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلّ، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(10/114)
حماية النفس من الاغراءات في بلاد الإباحية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الوسائل - غير الزواج - التي تمكن الشباب المسلمين الذين تركوا بلادهم المسلمة للدراسة في أمريكا من حماية أنفسهم من الاغراءات الموجودة هناك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن نعلم أن الزواج هو الحل الطبيعي، وحين نفكر في البديل نفكر به على أنه مؤقت، والذي يعين على مواجهة أثر الشهوة أمران:
الأول:
تقوية المانع في النفس، ويشمل ذلك: تقوية الإيمان، والخوف من الله ومراقبته، وتقوية الإرادة والعزيمة في النفس، وإدراك المرء لعواقب اتباع الشهوة في الدنيا والآخرة.
الثاني:
إضعاف الدافع، ويتمثل ذلك في الصيام، وفي البعد عن كل ما يثير الشهوة وعلى رأسه النظر الحرام، والصحبة السيئة.
الشيخ محمد الدويش
وإن ممارسة العبادات المشروعة بكافة أنواعها وانشغال النفس بها من أعظم ما يعين على حماية النفس من الاغراءات المحرمة فإذا انشغل هؤلاء الشباب بالتلاوة والذكر والدعاء والصيام والدعوة إلى الله وأقاموا لأنفسهم مجتمعاً خاصاً يعبدون الله فيه ويلتقون على الخير والبر وعكف كل منهم على عبادة ربه في وقت فراغه واستمر يذكر ربه في وقت شغله حتى في المكاتب وفصول الدراسة حتى يصير قلبه مع ربه ولو كان جسده مع الكفار فإن ذلك من أعظم أسباب سلامته، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(10/115)
أسماء كتب إسلامية في علم النّفس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك كتب في علم النفس تنصح بها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كنت تسأل عن أسماء مؤلفات في علم النفس الإسلامي فالجواب أنّ الكتابات الحديثة في الموضوع لا تزال قليلة مع الأسف وهذا المجال بحاجة إلى من درس الكتاب والسنّة وله بصيرة بالنّفس البشرية وتجارب واقعية وخبرة بما لدى غير المسلمين من تجارب وكتابات في الموضوع حتى يستطيع الكتابة النّقية المفيدة في الموضوع، وعلى أية حال فلا يخلو الأمر من وجود بعض الكتابات الجيّدة في هذا الموضوع ومن ذلك:
1- علم النفس الدعوي عبد العزيز محمد النغميشي
2- مدخل إلى التربية الإسلامية عبد الرحمن اليامي
3- أسس الصحة النفسية للطفل المسلم مالك بدري
4- التفكر من المشاهدة إلى الشهود: دراسة نفسية إسلامية مالك بدري
5- علم النفس التعليمي محمد خليفة بركات
6- آراء ابن القيم التربوية حسن علي حسن الحجاجي
7- دراسات في النفس الإنسانية محمد قطب
8- منهج التربية الإسلامية 1-2 محمد قطب
9- علم النفس في حياتنا اليومية محمد عثمان نجاتي
10- علم النفس التكويني عبد الحميد محمد الهاشمي
11- المراهقون عبد العزيز محمد النغميشي
12- أصول علم النفس العام عبد الحميد محمد الهاشمي
ولعلك تجد في المرجع الأول بعض التفاصيل عن هذه المراجع، نسأل الله لك التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(10/116)
ماذا يفعل من رأى في نفسه الشر وأن الشر يغلب الخير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل من رأى في نفسه الشر وأن الشر يغلب الخير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإنسان كائن ضعيف، يتعرض لنوازع الخير والشر، وقد يضعف وينساق إلى طريق الرذيلة والانحراف، ويدفعه الشر إلى طريق الظلم والتعدي، ويزين له الشيطان فعل المنكرات، ويبرر له كل تصرف منحرف.
لكن عنصر الخير يحرك فيه ضميره، ويُشعره بالندم، ويحثه على الرجوع إلى الحق، والاستجابة لنداء العقل.
وتختلف قدرات الناس، وقوة إرادتهم، وصفاء نفوسهم، وشفافية أرواحهم، فمنهم من يروض نفسه على السير على طريق الفضائل والمكرمات، ويربيها على المبادئ والأخلاق، ويقاوم الشهوات، والميول المنحرفة، ويلزم نفسه بالاستقامة والإنصاف، فهذا يستطيع أن يواجه الشر، ويحتمل في سبيل ذلك كل أمر عسير، ولا يفقد الأمل بتغلب الخير، واندحار الشر، وزواله.
ومنهم من ينساق وراء الشهوات، ويعجز عن إلزام نفسه بالفضائل، ويتخلى عن كثير من أوامر الله ورسوله، ويضعف أمام المواجهة، ويفقد الأمل في تغلب الخير.
فالسرّ في المسألة كلها أن يُجاهد العبد هواه ونفسه الأمّارة بالسوء لينال الهداية من الله قال الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا) .
وفيما يلي عبارات جميلة في المجاهدة لابن القيم رحمه الله
" يا أقدام الصبر احملي بقي القليل تذكّر حلاوة (العبادة) يَهُن عليك مُرّ المجاهدة " الفوائد
" اخرج إلى مزرعة المجاهدة واجتهد في البذر واسق شجرة الندم بساقية الدمع فإذا عاد العود أخضر فَعُد لما كان. " بدائع الفوائد 3/742
" وقيل: المحبة صدق المجاهدة في أوامر الله وتجريد المتابعة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " طريق الهجرتين 1/460
" من ترك المجاهدة بالكلية ضعف فيه باعث الدين وقويَ فيه باعث الشهوة ومتى عود نفسه مخالفة الهوى غلبه متى أراد " عدة الصابرين ص/46
والمؤمن المجاهد يعلم أن الخير باقٍ، وأن الغلبة له، مهما اشتدت الظلمة، وعظمت المصيبة وتحكم الشر واستبد، وتجاوز كل حد، والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(10/117)
مواجهة التفكير بالزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يمكن للمسلمة أن تفعل إذا وجدت نفسها تفكر في الزنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
التفكير بالزنا له صورتان:
أولا: أن يكون مجرد خواطر غير مستقرة في النفس، فهذا لا يؤاخذ الإنسان عليه، لكن الأولى أن يتخلص منه لئلا يقود إلى ما بعده.
ثانيا: أن يكون تفكيرا مقرونا بالعزيمة والنية، فهذا ينبغي أن يبادر الشخص إلى علاجه من خلال عدة أمور منها:
1- التفكير الجاد بالزواج فهو التحصين الشرعي والفطري للمسلم والمسلمة.
2- الصيام إذا لم يستطع الزواج.
3- حرص المسلم والمسلمة على تقوية إيمانهما من خلال تلاوة القرآن، وصلاة النفل، والعبادات بينه وبين الله.
4- الاعتناء باختيار الرفقة الصالحة.
5- البعد عن كل ما يثير الشهوة، ومن أبرز ذلك النظر الحرام.
6- تذكر عواقب الزنا في الدنيا والآخرة، وأن آثاره السيئة لا توازي أبدا اللذة العاجلة التي يجدها صاحبها.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد الدويش.(10/118)
اكتشفت أن زوجها يمارس اللواط وتريد الطلاق ولا تريد فضحه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت من رجل، ولقد اتضح أنه ليس من أهل الصلاح وأنه يأتي ما حرمه الله ويتعدى حدوده، أولا اكتشفت أنه يشاهد القنوات الإباحية، وعند مناصحته ينكر وجودها في المنزل ويقوم بسحب كرت التشفير من الريسيفر، وبعد عدة أيام كنت خارج المنزل عند جارات لي وأخبرني أن لا نزل إلى المنزل إلا أن يتصل علي!! ولما تأخر عن الاتصال نزلت ودخلت المنزل وفوجئت به يخرج من غرفة اسقبال الضيوف وهو في حال لا يعلم به إلا الله، ولما رأيت حالتة أسرعت إلى غرفة استقبال الضيوف، قلت: إذن سأجد امرأة في الغرفة، فوجدت إنه والعياذ بالله كان يمارس اللواط مع أحد أصدقائه وعندما واجهته بأني أريد الطلاق، قال إن شاء الله بكره راح أوصلك عند أمك. وخرج وعندما أتى في الصباح قام يصرخ في وجهي ويقذفني بالسوء ويقول إني أنا فضحته وأدخلت رجال في منزله أثناء غيابه ((لما كان في العمل)) . وأنا والدي متوفى، وكنت أعتبر أباه في مقام والدي، وعندما أخبرت والده بما رأيت من ولده. صرخ في وجهي، وقال لا تتدخلي أبداً حتى لو رأيتيه يفعل بأحد أو يفعل به فقلت له قل لولدك يطلقني، فقال: خليك كذا معلقة لغاية ما ولدي يموت وأنت على ذمته. ويقول لي: حتى لو رحتي المحكمة عندك إثبات ملموس على أفعال ولدي!! وأنا الآن أريد أطلب الطلاق، ولا أريد الموضوع يوصل المحكمة، ولا أريد أفضحه، بحكم العشره اللي كانت بيننا، وأنا أخاف الله فيه!! هل يجوز أن أذهب للمحكمة وأقول ما يفعله، وآخذ حقي في الطلاق؟ ولا أريد أن يتعلق برقبتي دم أحد ولا روح أحد؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله جل جلاله أن يثبتك على الهدى والصلاح، وأن يجبر كسرك، ويعظم أجرك في مصابك.
ولا شك أن ما حدث هو مصيبة بكل المقاييس، مصيبة في هذا الزوج الذي أعرض عن الطيب الطهور الذي أحله الله له من أهله، وراح يتلوث بالنجس والقاذورات، وانتكست فطرته حتى راح يفعل ما يفعل مع الرجال.
ثم كانت المصيبة مضاعفة بالعصبية الجاهلية من والده؛ وبدلا من أن يأنف أن يكون ولده بهذه الحال، تعصب له، وقال ما قال؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
ولو كانت هذه الفعلة زلت عارضة لرجل سيرته تدل على الصلاح، لقلنا: لعله أن يتوب وينيب، لكن الرجل مغموس في الخنا والقاذورات، كما يبدو من حاله. هذا مع أن من ابتلي بهذه الفعلة الشنعاء، فعلة قوم لوط، قلما يوفق لخير أو صلاح بعدها.
قال ابن القيم رحمه الله، في ذكره لمفاسد تلك الفعل الشنعاء:
" فَإِنّهُ يُحْدِثُ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالنّفْرَةَ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُسَوّدُ الْوَجْهَ وَيَظْلِمُ الصّدْرَ وَيَطْمِسُ نُورَ الْقَلْبِ وَيَكْسُو الْوَجْهَ وَحْشَةً تَصِيرُ عَلَيْهِ كَالسّيمَاءِ يَعْرِفُهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى فِرَاسَةٍ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُوجِبُ النّفْرَةَ وَالتّبَاغُضَ الشّدِيدَ وَالتّقَاطُعَ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَلَا بُدّ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُفْسِدُ حَالَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَسَادًا لَا يَكَادُ يُرْجَى بَعْدَهُ صَلَاحٌ، إلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ بِالتّوْبَةِ النّصُوحِ " انتهى.
"زاد المعاد" (4/235) .
وأما عن طلبك للطلاق منه: فلا حرج عليك فيه؛ وإنما الممنوع للمرأة أن تطلب الطلاق من غير بأس بزوجها، أما وقد منه، ووجد فيه البأس، كل البأس، فلا حرج عليك في سعيك للطلاق منه؛ فمثل هذا غير أمين عليك وعلى دينك وعرضك، ويخشى أن يجلب لك السوء والأمراض من أفعاله الخبيثة.
فإن قبل طلاقك هكذا، من غير محكمة ولا مشكلات: فبها ونعمت، وإلا فارفعي أمرك للقاضي الشرعي، وإن استدعى طلب طلاقك أن تقصي ما حدث: فلا حرج عليك فيه إن شاء الله؛ فإن الشكاية إلى القاضي، والتظلم، ممن المواضع التي نص أهل العلم على جواز ذكر الخصم بما فعل، وإباحة غيبته، فيما يتعلق بأمر الخصومة.
قال الإمام النووي رحمه الله:
"اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو ستة أسباب:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم للسلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: فلان ظلمني بكذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب؛ فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما. " انتهى.
"رياض الصالحين" (432) .
وأما تنفيذ الحكم فيه، وإقامة الحد عليه، فهذا يرجع إلى رأي المحكمة، وما يقوم عندها من البينة بذلك، وإذا كنت قد شهدت بما علمت، فلا تعلق لدمه برقبتك، إن شاء الله، هذا إذا ثبت ذلك لدى القاضي، وأقام حكم الله فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/1)
هل البقاء مع الزوجة الزانية حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 33 سنة متزوج ولدي أربعة بنات، ومشكلتي هي عندما تزوجت وجدت زوجتي غير بكر، واعترفت بخيانتها فسامحتها وتابت، ومع مرور السنين وجدتها على غفلة تحادث في الانترنت مع عدة رجال، وبكت كثيرا واعترفت أنها لم تلتق بأي أحد منهم، فسامحتها مرة أخرى، لأن قلبي كبير وأسامح كل من يأخذ حقي، وكل من يظلمني أسامح الكل، ومع مرور بعض من الوقت بدأ حلم يراودني في المنام على أن زوجتي تخونني، فقلت لها ماذا تفعلي؟ فقالت على أنه حلم فقط، لكن أنا متأكد من هذا الحلم على أنه حقيقة، وبدأ نفس الحلم يراودني كل يوم، حتى بين لي الله حقي، فوجدت في هاتفها شخص باسم فتاة فلما واجهتها اعترفت على أنها على علاقة مع شخص آخر. والله حسيت كأن الموت جاءني، فبدأت تبكي وندمت ندما شديدا فسامحتها من أجل بناتي، ولكن الآن لا أحبها ولا أثق بها لقد حطمت حياتي. علما أن القانون عندنا أنها هي التي تأخذ البنات إن طلقتها. فمن أجل بناتي ضحيت بحياتي، من أجل أن لا يمسهم شر. وسؤالي هل علي إثم على هذه المسامحة؟ هل لا تزال هذه المرأة تصلح للزواج؟ هل لي أمل في الحياة مرة اخرى؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن من أعظم ما تجنيه المرأة على زوجها، وترتكبه في حقه أن تفسد فراشه بزناها، فتخلط ماءه بماء نجس خبيث من الزنا، ولهذا كان زنا الزوجة عارا على الزوج وشينا له، وسوءا في حقه.
قال ابن القيم رحمه الله:
" الزِنى من المرأة أقبحُ منه بالرجل، لأنها تزيد على هتكِ حقِّ الله: إفسادَ فراشِ بعلها، وتعليقَ نسبٍ من غيره عليه، وفضيحةَ أهلها وأقاربها، والجناية على محض حق الزوج، وخيانته فيه، وإسقاط حرمته عند الناس، وتعييره بإمساك البغى، وغير ذلك من مفاسد زناها". انتهى. زاد المعاد (5/377) .
ثانيا:
قد استقر في الفطر أنفة الرجل من أن يتزوج زانية، ولأجل ذلك حرم نكاح الزانية حتى تتوب من زناها. جاء في الإقناع وشرحه:
" وَتَحْرُمُ الزَّانِيَةُ إذَا عُلِمَ زِنَاهَا عَلَى الزَّانِي وَغَيْرِهِ حَتَّى تَتُوبَ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} .. " انتهى. " كشاف القناع" (5/82) .
فإذا تبين الزوج زنا زوجته، بعد أن تزوجها، وتبين له أنها لم تتب من ذلك؛ حرم عليه إمساكها، بل كان إمساكها ـ حينئذ ـ دياثة، يأنف منها كل ذي مروءة.
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ طَلَعَ إلَى بَيْتِهِ، وَوَجَدَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا فَوَفَّاهَا حَقَّهَا وَطَلَّقَهَا؛ ثُمَّ رَجَعَ وَصَالَحَهَا وَسَمِعَ أَنَّهَا وُجِدَتْ بِجَنْبِ أَجْنَبِيٍّ؟
فَأَجَابَ:
" فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْجَنَّةَ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يَدْخُلُك بَخِيلٌ وَلَا كَذَّابٌ وَلَا دَيُّوثٌ} " وَالدَّيُّوثُ " الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وَإِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْعَبْدُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ} وَقَدّ قَالَ تَعَالَى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} . وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الزَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُهَا إلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَزْنِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ بَلْ يُفَارِقُهَا وَإِلَّا كَانَ دَيُّوثًا ". انتهى. " مجموع الفتاوى (32/141) .
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ أيضا عَمَّنْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ يَطَؤُهَا وَلَا يُحْصِنُهَا؟ فَأَجَابَ:
" هُوَ دَيُّوثٌ " وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ دَيُّوثٌ ". وَاَللَّهُ أَعْلَم. انتهى.
"مجموع الفتاوى" (32/143) .
ثالثا:
ما ذكرته من مسامحتك في حقك، وعفوك عمن ظلمك: هو صفة طيبة حسنة، لكن ذلك إنما يحمد حيث لا يكون هناك هناك انتهاك لحرمات الله، ولا قبول بالخنا والفساد في نفسك وأهل بيتك، فإن هذا مما استقر في الفطر النفور منه، وذم فاعله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} الْآيَةُ: نَهَى تَعَالَى عَمَّا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيْطَانُ فِي الْعُقُوبَاتِ عُمُومًا، وَفِي أَمْرِ الْفَوَاحِشِ خُصُوصًا؛ فَإِنَّ هَذَا الْبَابَ مَبْنَاهُ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَالرَّأْفَةِ الَّتِي يُزَيِّنُهَا الشَّيْطَانُ، بِانْعِطَافِ الْقُلُوبِ عَلَى أَهْلِ الْفَوَاحِشِ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ، حَتَّى يَدْخُلَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْآفَةِ فِي الدِّيَاثَةِ وَقِلَّةِ الْغَيْرَةِ، إذَا رَأَى مَنْ يَهْوَى بَعْضَ الْمُتَّصِلِينَ بِهِ، أَوْ يُعَاشِرُهُ عِشْرَةً مُنْكَرَةً، أَوْ رَأَى لَهُ مَحَبَّةً أَوْ مَيْلًا وَصَبَابَةً وَعِشْقًا، وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ رَأَفَ بِهِ، وَظَنَّ أَنَّ هَذَا مِنْ رَحْمَةِ الْخَلْقِ، وَلِينِ الْجَانِبِ بِهِمْ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ دياثة وَمَهَانَةٌ، وَعَدَمُ دِينٍ وَضَعْفُ إيمَانٍ، وَإِعَانَةٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَتَرْكٌ لِلتَّنَاهِي عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَتَدْخُلُ النَّفْسُ بِهِ فِي الْقِيَادَةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الدياثة " انتهى.
"مجموع الفتاوى (15/287-288) .
ولتعلم يا عبد الله أنه ليس كل عفو عن الناس يكون خيرا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس حلما وعفوا، لكن كان ذلك ينتهي عند حدود الله، فلا عفو فيها، ولا عدوان عليها.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) .
رواه البخاري (6853) ومسلم (2328) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" العفو المندوب إليه ما كان فيه إصلاح؛ لقوله تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40] ؛ فإذا كان في العفو إصلاح، مثل أن يكون القاتل معروفاً بالصلاح؛ ولكن بدرت منه هذه البادرة النادرة؛ ونعلم، أو يغلب على ظننا، أنا إذا عفونا عنه استقام، وصلحت حاله، فالعفو أفضل، لا سيما إن كان له ذرية ضعفاء، ونحو ذلك؛ وإذا علمنا أن القاتل معروف بالشر والفساد، وإن عفونا عنه لا يزيده إلا فساداً وإفساداً: فترك العفو عنه أولى؛ بل قد يجب ترك العفو عنه ". انتهى. " تفسير القرآن " (4/247) .
ولا شك أن التجارب السابقة لهذه المرأة تدل على أنها فاسدة، غير مأمونة على بيتك وعرضك، وعلى تربية أولادك، فلا يحل لك أن تمسكها، وهي على هذه الحال؛ وإذا كانت قد أظهرت الندم والتوبة، فلا نرى لك أن تأمنها بعدما أظهرت، ثم عادت وخانت، وأمرها ـ في صدق توبتها ـ بينها وبين ربها.
وأما بناتك: فاجتهد أن تأخذهم منها بأي طريقة، ولو بتهديدها، ورفع الأمر إلى أهلها، أو بالصلح معها على مقابل، أو ما يتيسر لك. المهم أن تسعى في الخلاص منها، واستبقاء بناتك معك أنت. ونسأل الله أن يخلف لك خيرا منها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/2)
وافقتْ على شرطِه بسكنى قريبته معها وحصل منها إيذاء فهل يسقط شرطُه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة منذ سنَة، وقد اشترط زوجي عليَّ قبل الزواج أن ابنة خالة أمه سوف تقيم معنا، وهي امرأة كبيرة في السن، ووافقتُ، وبعد الزواج اكتشفتُ أن أثاث البيت نصفه يعود لها، لا أستطيع أن أحرك شيئاً من مكانه، بالإضافة إلى أنها توجه إليَّ كافة أنواع الشتائم، تسبني، وتسب أهلي، وزوجي لا يرد عليها، وبعد ذلك قالت لي: إن أبي حرامي! وإني أنا قليلة أدب! لأني أوصل زوجي للباب وهو خارج، فاتصلت على أهلي، وأخذوني. هل يحق لي أن أطلب منه سكناً مستقلاًّ؟ وما حكم إقامة هذه المرأة معنا؟ . وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله تعالى على الزوج توفير إسكان زوجته بمسكن شرعي، تتوفر فيه المرافق الضرورية لقيام حياتها فيه، ومن أهم شروط هذا السكن: عدم إسكان أحدٍ من أهله معها.
وانظري تفصيل هذه المسائل في جواب السؤال رقم (7653) .
ثانياً:
يسقط حق الزوجة في سكن تنفرد به وحدها، وعدم سكن أحدٍ من أهل زوجها معها: بالشرط، فإن اشترط عليها سكنى أحدٍ من أهله معها، ورضيت به: لزمها الشرط، وسقط حقها في الانفراد، ووجب عليها الوفاء بالشرط.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
الأصل في الشروط: الحل، والصحة، سواءً في النكاح، أو في البيع، أو في الإجارة، أو في الرهن، أو في الوقف، وحكم الشروط المشروطة في العقود إذا كانت صحيحة: أنه يجب الوفاء بها، في النكاح، وغيره؛ لعموم قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/ 1، فإن الوفاء بالعقد يتضمن: الوفاء به، وبما تضمنه من شروط، وصفات؛ لأنه كله داخل في العقد.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (12 / 164) .
وعليه:
فالواجب عليكِ – أيتها السائلة – تحقيق الشرط، والرضى بسكنى ابنة خالة أم زوجك؛ لأنك رضيتِ بالشرط قبل العقد.
ثالثا:
يسقط اعتبار هذا الشرط، ولا يلزم الوفاء به في حال:
1. أن يُسقطه المشترط، وهو زوجك، فإذا أسقطه: صار كعدمه.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
شروط الشيء موضوعة من قبل الشرع، فلا يمكن لأحد إسقاطها، والشروط في الشيء موضوعة من قبل العبد فيجوز لمن هي له أن يسقطها.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (5 / 25) .
2. أن يتحقق ضرر عليكِ من سكنى من رضيت به، كقريب له يصير بالغاً، أو كسيء الأخلاق يطلع على عورتك، أو كمن يؤذيك بالسب، والشتم، والتحقير، أو يضرك بالضرب، وغيره.
وبما أن زوجك لم يُسقط شرطه: فليس أمامك إلا الأمر الآخر، ولكن يحتاج إثباته لبيِّنة، فإن ثبت: فلك الحق في إخراجها من بيتكم، أو إخراجك لبيت آخر تنفردين به عنها.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (25 / 109) :
الجمع بين الأبوين والزوجة في مسكن واحد: لا يجوز (وكذا غيرهما من الأقارب) ولذلك يكون للزوجة الامتناع عن السكنى مع واحد منهما؛ لأن الانفراد بمسكن تأمن فيه على نفسها ومالها حقها، وليس لأحد جبرها على ذلك.
وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة.
وإذا اشترط الزوج على زوجته السكنى مع الأبوين فسكنت، ثم طلبت الانفراد بمسكن: فليس لها ذلك عند المالكية، إلا إذا أثبتت الضرر من السكن مع الوالدين.
انتهى
وهذا الذي سبق إنما هو بيان لأصل المسألة، وما العمل في مثل حالكم، غير أن حل المشكلة التي بينكما لا يكون بمجرد الكلام النظري، وإنما يحتاج إلى سعي جاد من الطرفين للخروج منها، ومتى عجز الزوج عن الإصلاح بينكما، وتوفير السكن اللازم للحياة الطبيعية بين الزوجين، وجب عليه أن يفرق بينكما في المسكن، فإن لم يفعل فحاولي أن توسطي من يصلح بينكما، ويقنعه بالحفاظ على بيته، وأن بإمكانه أن يستأجر لك، أو لقريبته مسكنا ميسرا، يكون قريبا من المسكن الآخر، حتى يتمكن من مراعاة قريبته العجوز، ويتمكن أيضا من القيام بحق بيته وأهله. فإن لم يفعل، ولم تتمكني من تحمل الوضع القائم: فلك أن ترفعي أمرك للقضاء الشرعي، كحل أخير للمشكلة بينكما.
نسأل الله أن يصلح ذات بينكما، وأن يلهمكما رشدكما.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/3)
مصابة بالوسواس، وتشك في صيامها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري24 عندما كان عمري 17 كنت مصابة بمرض الوسواس القهري وتعالجت منه بعد فترة من الزمن ولكن مازال موجودا في ومتعبني كثيرا..حيث طرأ علي هذه الأيام أفكار تقول: لما كنت في الصف الثاني الثانوي كنت مفطرة عمداً، وأنني الآن مفطرة عمداً أيضاً. مع أنني لا أذكر أنني أفطرت، وبسبب هذا المرض صرت أنسى أشياء كثيرة ولا أتذكرها، فهل صحيح أني ربما أكون مفطرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دمت لا تذكرين أنك أفطرت في رمضان، فهذا الشك الذي حصل عندك هو وسوسة من الشيطان، ولا يلزمك شيء، وقد ذكر العلماء قاعدة وهي: أن المسلم إذا فعل عبادة ثم شك بعد الانتهاء منها هل فعلها صحيحة أم لا؟ فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك، ويكون فعلها صحيحة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"هذه قاعدة مهمة جداً، الشك بعد فراغ العبادة لا يؤثر في العبادة، بعض الناس إذا انتهى من الصلاة وسلم جاءه الشيطان: ما قرأت الفاتحة، ما سجدت إلا مرة. يُطرح الشكُ هنا؛ لأن الشك بعد فراغ العبادة لا أثر له.
وكثير من الناس كثير الشكوك، لا يكاد يفعل عبادة إلا شك، هذا أيضاً يطرح الشك، ولا يلتفت إليه لأن هذا هو وسواس" انتهى.
"دروس وفتاوى الحرم المدني" (ص / 153) .
وعلى هذا، فإذا جاءك الشيطان يوسوس لك أنك كنت أفطرت، فلا تلفتي إلى هذا الشك، ولا تشغلي نفسك به.
ومن طرائف ما يذكر في ذلك ما ذكره ابن الجوزي رحمه الله، قال:
"وبلغنا أن رجلاً جاء إلى أبي حازم فقال له: إن الشيطان يأتيني فيقول: إنك قد طلقت زوجتك، فيشككني. فقال له: أو ليس قد طلقتها؟ قال: لا، قال: ألم تأتني أمس فطلقتها عندي؟ فقال: والله ما جئتك إلا اليوم ولا طلقتها بوجه من الوجوه؟ قال: فاحلف للشيطان إذا جاءك كما حلفت لي، وأنت في عافية" انتهى.
"الأذكياء" (ص31) .
وخير علاج لهذا الوسواس هو كثرة ذكر الله تعالى ودعائه والاستعاذة به من الشيطان، ثم بعد ذلك: الإعراض عن هذه الوساوس وعدم الالتفات إليها، فلابد من قطع هذه الأفكار، وعدم الاسترسال والتمادي معها، وهذا وإن كان صعباً على النفس إلا أن هذا هو العلاج.
وللأهمية يراجع جواب السؤال رقم: (62839) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/4)
طالب علم يعلم النساء، وتربطه بإحداهن علاقة خاصة!!
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلدنا طالب علم له قدم في العلم وهو يحثنا على العلم والتقوى واتباع السنة والتأدب مع أهل العلم ونحسبه على منهج سلفي حق، وما يعلمنا في الدين شيئا إلى وله سند من كتاب أو سنة ويذم التقليد وإن كان تقليدنا له، ونحسبه يتقي الله في التعامل معنا كنساء سواء في الفتاوى أو غيرها، ويمكننا أن نخدم دعوتها بعض الخدمات من نشر علمه وكذا، لكن وللأسف علمت من امرأة أحسبها صادقة أنه كان على علاقة غير صحيحة بها وذلك في السر، أؤكد ذلك في السر، وحكت أنه يحاول أن يجعل الأمر يأخذ شكلا شرعيا من الزواج لكن ظروفه تمنعه لكنه وللأسف على الرغم من ذلك لم يقطع كلامه معها ويقول انه يحاول أن يهيء الظروف فهل نمتنع عن طلب العلم عنه وعن التعامل معه خاصة وقد أخذ الشيطان يوسوس لي ويقول لي أنه يقول ما لا يعمل ويشككني في كل شيء يقوله، أم نقول أن لكل إنسان خطأ وقد يكون مغلوب على هذا الذنب خاصة وقد علمناه يتقي الله في تعامله معنا، وخاصة أن هذا سر لا يعلمه إلا أشخاصا معدودين وأظن أنه لا يعلم بعلمي بهذا أصلا وليس معصوم إلا الأنبياء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الحق أن نقول إنه لا أحد من معصوم من المعاصي جميعها، بل لكل أحد خطؤه وذنبه فيما بينه وبين ربه، وهكذا حال بني آدم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ) رواه مسلم (2749) .
لكن من الحق أيضا أن نقول: إن شأن عباد الله ليس كالذي يعمله هذا الطالب الذي يعلم النساء دينهن!!
إن الله تعالى قال عن عباده المتقين: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) الأعراف /200-202.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب، تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب الله عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر الله تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.
وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم، فإنهم إذا وقعوا في الذنوب، لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب، ولا يقصرون عن ذلك، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغواء، لأنها طمعت فيهم حين رأتهم سلسي القياد لها، وهم لا يقصرون عن فعل الشر " انتهى.
"تفسير السعدي" (313) .
فأي الصنيعين فعل هذا الطالب يا ترى؛ هل فعل ما يفعله المتقون إذا أذنبوا؛ لقد كان عليه أن يتذكر، ويبصر نفسه وما جنت يداه، أن يكون هو معلم الناس الخير، ويعطيه الناس الأمان على بناتهم، ويستأمنه النساء على أديانهن، ثم هو يفعل ما يفعل:
وراعي الشاةِ يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئابُ؟!!
لقد كان عليه أن يعلم من أين أتي، وبأي شيء افتتن، فيغلق عن نفسه باب الفتنة، ويسد على الشيطان مسالكه إليه؛ لقد كان عليه أن يشتغل بدعوة الرجال وتعليمهم، ويدع ذلك لغيره، لكنه مع ذلك استمر، واستمر في علاقته واتصالاته، وكل هذه منكرات، كان عليه أن يدعها، وأن يدع ذلك الباب كله: باب تعليم النساء، والاتصال بهن ما دام قد أصابته الفتنة:
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) رواه البخاري (4808) ومسلم (6881)
لقد كان على هذا الطالب أن يبصر مواقع الفتن، وأن يعلم من أين أتي، وأن استمراره في التعرض لذلك تغرير بنفسه، ومخاطرة بدينه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لما قدم المهاجرون المدينة كان العزاب ينزلون دارا معروفة لهم متميزة عن دور المتأهلين، فلا ينزل العزب بين المتأهلين، وهذا كله لأن اختلاط أحد المصنفين بالآخر سبب الفتنة، فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب " انتهى.
"الاستقامة" (1/361) .
وأما أن ذلك كان سرا؛ فهل كان يسعه غير ذلك؛ أم تريدينه أن يتمشى في الشوارع مع فتاته التي تعلق بها؟!!
فاسمعي هذا الحديث، فما أخوفنا عليه من أن يصيبه ما فيه:
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
(لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) . رواه ابن ماجة (4245) وصححه الألباني.
وليس من شك في أن النصيحة لك الآن، وقد علمت بذلك الأمر، أن تقطعي علاقتك بدرسه، وتدعي الحضور له، وبأمكانك أن تعوضي ما فاتك منه بدروس أهل العلم الثقات، ولو كان ذلك عن طريق المواقع الإلكترونية الموثوقة، والأشرطة، والكتب النافعة..، وسبل العلم كثيرة وميسرة والحمد لله.
بل يجب عليك أن تنصحي صديقتك بقطع علاقته بهذا الطالب، والتوبة إلى الله تعالى مما يفعلان؛ فإن أراد بعد ذلك زواجا شرعيا، فليقدم عليه في وضح النهار، كما يفعل أهل الدين والمروءات، من غير أن يتلصص على الحرمات، وأن يفعل ما يفعله أهل الهوى والغواية.
ولو أمكن أن تصله رسالة بأن يتوقف عن درسه للنساء بالمرة، ولو بالإشارة إلى أن بعض الناس قد عرف أمره، من أجل أن يكف عما يفعل، وأن ينتبه إلى خطورة ما يأتيه فهو أمر طيب؛ لكن شريطة ألا يكون في ذلك نشر للخبر عند من لا يعرفه، ولا إشاعة للقيل والقال، بل ستر المؤمن على أخيه واجب شرعي، لا سيما إذا كان يترتب على ظهور ذلك وانتشاره مفاسد عديدة، وإساءة لأهل الدين والالتزام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/5)
زوجها يسيء عشرتها، ولا ينفق عليها، وتريد أن تختلع منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من شاب لا يحبني، ولا ينفق علي، ويسيء معاملتي، ويكره التزامي بالسنة، ويجبرني على العمل، وأريد أن أخالعه، ولكن والداي يرفضان ذلك، فما رأي الشرع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن حصول المودة والسكن بين الزوجين مقصد شرعي من أهم مقاصد الزواج، ومتى استقامت العشرة بينهما، وأمكن أبقاء ما بينهما من العقد الشرعي، والالتئام الطبيعي: لم يكن للمرأة أن تطلب فك ذلك الرباط الوثيق، ولا أن تتحلل مما ألزمها الشرع به من ذلك الميثاق. عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه أبو داود (2226) وغيره، وصححه الألباني.
وقوله في الحديث: (من غير بأس) أي: لغير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" الطلاق منهي عنه مع استقامة حال الزوجين باتفاق العلماء " انتهى.
"القواعد النورانية" (265) .
ثانيا:
دل قوله صلى الله عليه وسلم: (من غير بأس) على أنه إذا كان في بقاء المرأة مع زوجها بأس وشدة تلحقها، فإن لها أن تختلع منه، أو تطلب منه أن يطلقها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" إذَا تَعَذَّرَ أَنْ يُعَاشِرَهَا بِالْمَعْرُوفِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ". انتهى. " الفتاوى الكبرى " (3/150) .
وما ذكر في السؤال من امتناع الزوج عن النفقة على زوجته، وإساءة معاملتها ... ، إلى آخر ما ذكر، كل واحد منها يبيح لها أن تطلب الطلاق، أو تختلع منه؛ فكيف إذا اجتمعت جميعا؟!
وينظر جواب السؤال رقم (12465) ، ورقم (1859) .
وليُعلم أنه ليس للوالدين ولاية على المرأة في الخلع؛ لا سيما إذا كانت بالغة راشدة، فليس لهما أن يجبراها على أن تختلع، وليس لهما أن يمنعاها منه، إذا احتاجت إليه، بخلاف ولاية الأب على ابنته في النكاح.
ينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" (19/248-250) .
على أننا ننصحك ـ قبل الإقدام على هذه الخطوة ـ أن توسطي من ينصح الزوج، ويحاول أن يصلح بينكما، ولو إلى القدر الذي يمكن معه استمرار العشرة، مع التأكيد على أنه ليس من حقه أن يأمرك بما فيه معصية، كعمل مختلط، أو يتوقف عما يجب عليه من النفقة وحسن العشرة.
فإن لم ينفع ذلك معه: فحاولي أن تقنعي والديك بذلك، ولو أن توسطي من يشرح لهم حالك معه، وكيف أن استمرارك معه مشقة زائدة عليك، ومضرة في دينك ونفسك؛ فمن المهم قبل أن تتركي بيتك الذي أنت فيه مع هذا الزوج، أن تفكري في تهيئة بيتك الذي تنتقلين إليه، لهذه الخطوة.
نسأل الله أن يلهمك رشدك، ويصلح زوجك، وييسرك لليسرى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/6)
شكوى مدرِّسة من عدم استجابة الطلاب لدعوتها ونصحها لهم
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أتأسف لطول سؤالي ولكن الأمر جد خطير، أرجو أن تصبروا عليَّ، إنني أعمل مدرِّسة في مَدرَسة ابتدائية إسلامية , وهي مقامة داخل مسجد , وأقوم بتعليم أطفال ما بين 10 - 12 عاماً، وسؤالي هو: أنهم عندما أقوم بتعليمهم الأحاديث، والتربية، ودروس السيرة: فإنهم يكونون سعداء جدّاً بالاستماع إليها , ولكنني لا أجد النتيجة المأمولة منهم، على سبيل المثال: لا أجدهم يطبقونها، مع العلم أنهم يعرفون أنه لا يجب عليهم أن يشربوا واقفين، ويعرفون الحديث الذي يتحدث عن الشرب واقفاً ومع ذلك مصرين على ما يفعلون، إلا إذا أخبرتهم وذكرتهم بالحديث. إنني أريد أن أقوِّي من إيمانهم , وأن يطبقوا ما أعلِّمهم إياه , ولكنني لا أعرف ما أفعل أكثر من ذلك , وأظن أنني قد أهملت بعض المواضيع الحيوية، لذلك فإنهم يجدون صعوبة في التطبيق، وفي بعض الأحيان أرى أنه تقصير مني , وإنني أريد منهم أن يحبون الدين كما أحبه، كما أنني آخذ في الاعتبار أن بعض الأطفال من مدارس عامة، والبيئة الإسلامية جديدة عليهم. فما هي أفضل المواضيع التي أبدأ بتعليمها للأطفال خطوة بخطوة في هذا العمر، فيخافون الله، ويحبون العمل لأجله؟ وكيف يمكنني أن أجمِّل الدين لهم وأن أشرح جماله لهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سؤالكِ هذا دليل على حسن قيامك بواجب المسؤولية في عملك كمدرِّسة، وموجهة، وداعية , فنسأل الله سبحانه أن يبارك فيك، وفي همتك، وجهدك.
فالمدرِّس في مدرسته مؤتمن، ومسؤول على ما اؤتمن عليه , من نصح الطلاب، وتوجيههم , والأخذ بأيديهم لما فيه خيرهم، ونفعهم , وفي الحديث عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
ولو أن المدرِّسين والمدرِّسات حملوا همكِ وهمتكِ , وهذه الرغبة الصالحة: لنشأ - بإذن الله - جيل صالح , وبذرة طيبة.
ثانياً:
على المسلم أن يقوم بالتعليم والنصح والإرشاد وهو غير مسؤول عن النتيجة، وعن عدم استجابة الناس له، قال الله تعالى: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ) المائدة/ 99.
ونجاح الدعوة ليس بالكثرة، والعدد , ففي الحديث عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ النَّبِيُ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِي لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ) رواه البخاري (5378) ومسلم (220) .
ولا يعني عدم التطبيق المباشر للمدعوِّين فشل الدعوة، أو انتكاسها , فربَّ كلمة، أو نصيحة، أو موعظة أثَّرت بعد حين.
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ) رواه أحمد (28/155) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3) .
وهو صلى الله عليه وسلم لم يشهد ذلك في حياته.
فليس من لازم نجاح الدعوة أن يلمس الإنسان آثارها مباشرة.
أما السبيل الذي ننصح أن يسلكه المعلِّم في نصحه وتوجيهه لطلابه: فكما يلي:
أ. لا بد من التواصل البيتي المدْرسي، فإذا كانت المدرسة تبني والبيت يهدم أو العكس: فلن نحصل على الثمرة المرجوة , فلا بد من التواصل مع أولياء أمور الطلاب , فمثلاً إذا حثَّ المعلم على المحافظة على الصلاة: فلا بد من متابعة الأهل للأولاد، وتذكيرهم بموعد الصلاة.
ولو حث المعلمُ الطفلَ - مثلاً - على آداب الطعام من التسمية، والأكل باليمين: فلا بد من متابعة الأهل لهذا الأمر، وهكذا في باقي الآداب، والأحكام.
ب. التركيز على التربية الإيمانية , وتقوية الوازع الإيماني في نفس الطف.
وانظري جواب السؤال رقم: (22950) .
ج. التربية بالقصة , وتربية الأولاد على حب الأنبياء، والصالحين من الصحابة، والتابعين، والاقتداء بهم فهذا الأسلوب من أعظم مواطن التأثير في الطلاب.
وانظري جواب السؤال رقم: (22496) .
د. التربية بالقدوة , فظهور المعلم – والمعلمة - أمام الطلبة – والطالبات - بمظهر الصدق، والأمانة، وحسن المنطق , وحسن الخُلق: له أكبر الأثر الإيجابي في نفوسهم , فكيف يقبل طالب من معلِّم حثه له على الصدق , والوفاء بالوعد: وهو يكذب في حديثه، أو يعدهم، ولا يوفي؟!.
هـ. التربية بالتطبيق العملي، فأداء الصلاة أمامهم , والتوضؤ أمامهم: من شأن ذلك أن يطبع في أذهانهم تلك العبادة بهيئاتها.
وأما أول ما يبدأ به المعلم في غرسه في نفوس الطلبة:
أ. أركان الإيمان: من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدَر، خيره وشرِّه؛ وتسهيل الأمر إلى مستواهم، مع ضرب المثال، والتكرار.
ب. الأحكام المتعلقة بأهم العبادات، كالصلاة، ومعها الوضوء، وكذا آداب الطهارة، والحث على النظافة.
ج. الآداب العامة: من الكلمة الطيبة واجتناب الألفاظ السيئة، وحب الوالدين , واحترام الكبير، والإحسان إلى الصديق، إلى غير ذلك.
د. التحذير من الأمور السيئة، كالسب والشتم والكذب؛ والاعتداء على الآخرين ... إلخ.
وأهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المربي: الصبر، والمتابعة، وعدم اليأس.
ونسأل الله أن يعينك ويوفقك وأن يجزيك على همتك وجهدك خير الجزاء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/7)
حلف بالطلاق من أمها إن هي لم تخلع نقابها فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقتي فتاة منتقبة , وحدث لها بعض التعثر في دراستها , فاتهم والدها أن سبب ذلك هو ارتداء النقاب , وحلف على والدتها بالطلاق إن لم تخلعه , فما تفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبت صديقتك على الحق، وأن يهدي والدها ويلهمه رشده.
أولاً:
يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الأجانب؛ لأدلة كثيرة، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (11774) فلينظر.
ثانياً:
يجب على ذلك الأب أن يتقي الله سبحانه وتعالى , وأن لا يمنع ابنته من لبس النقاب , وقد فعلت ابنته ما أوجبه الشرع عليها، وهو علامة الاستقامة، والعفاف.
ولبس النقاب ليس سبباً للتعثر في دراسة، أو غيرها، وإلقاء اللوم على لبس النقاب دليل على ضعف إيمان الأب , وتهديد ابنته بتطليق أمها لا شك في خطئه؛ فإنه لا علاقة للأم بهذا، ولم يوجد منها ما يقتضي طلاقها، فتعليق طلاق الأم على استمرار ابنتها في لبس النقاب دليل على العجز والضعف، فأي عاقل يمكن أن يهدم بيته وأسرته من أجل التزام ابنته بلباسها الشرعي، ومنع الرجال الأجانب من النظر إليها؟! .
ثالثاً:
تعليق الطلاق على شيء ما ـ كما فعل والد هذه الفتاة ـ: قد اختلف أهل العلم في حكمه، فذهب أكثرهم إلى أنه يقع به الطلاق متى حصل الشرط المعلق عليه الطلاق.
ورأى آخرون أن فيه تفصيلاً، فإن أراد الطلاق وقع الطلاق، وإن أراد التهديد والتخويف فهو يمين وليس طلاقاً.
وينظر جواب السؤال رقم: (82400) .
وأما هل تطيع هذه الفتاة أباها وتخلع نقابها وتكون مضطرة لهذا، أو تستمر على ما هي عليه ولو وقع الطلاق على أمها؟
فهذا فيه تفصيل:
فإن كانت هذه هي الطلقة الأولى، أو الثانية، للأب: فنرى أنها لا تطيعه، وإن كانت طلقته هي الثالثة: فهي في حكم المضطرة لفعل تلك المعصية، فتكشف عن وجهها، وتحاول الستر قدر الاستطاعة، وأن لا تخرج من بيتها لغير ضرورة، إلى أن ييسر الله لها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجه (1662) ، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
ولينظر جواب السؤالين: (117169) و (136070) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
لو قال الأب لابنه: خذ يا بني هذه العشر ريالات اشتر لي بها " علبة " دخان! فهل يلزمه طاعته؟
الجواب: لا، لا يلزمه طاعته، بل يحرم عليه؛ لأن الله تعالى قال: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا) لقمان/15.
إذا قال له: اشتر لي وإلا طلقت أمك! - والمسألة هذه تقع من بعض السفهاء! يلجئ الولد إلى هذا - فهل هذا ضرورة؟ .
الظاهر: أن هذا ضرورة؛ لأنه ربما يتجرأ هذا الغشيم (الأب) ويطلِّق الأم، وتكون هذه آخر ثلاث تطليقات، فتنفصم عرى الأسرة.
فالمهم إذاً: إذا دعت الضرورة إلى ذلك: فهو كغيره من المحرمات التي تبيحها الضرروة، أما إذا لم تكن ضرورة فيجب عليه أن يعصي والده في ذلك.
" شرح بلوغ المرام " (كتاب البيوع، شريط رقم 2) ، " فتح ذي الجلال شرح بلوغ المرام " (3 / 472) المكتبة الإسلامية.
ولينظر جواب السؤال رقم (12094) ففيه فتوى للشيخ العثيمين رحمه الله في التفصيل السابق بين كون الطلاق رجعيّاً، أو أنه آخر ثلاث طلقات، وفي المسألة عينها.
والنصيحة لأختنا أن تلجأ إلى الله تعالى بالدعاء أن يهدي والدها، ويصلحه، ويلهمه رشده.
ثم إن عليها أن تترفق في إقناعه أن النقاب ليس له دخل في تعثر الدراسة , وأن لبسه إنما هو سبب لحصولها على مرضاة الله , وتحاول إقناعه أنها ستبذل جهدها في تحسين أدائها الدراسي , ولو استعانت في إقناعه بأولي الأحلام والنهى من أهلها، أو أقاربها، أو من بطانته: لكان أفضل.
ثم عليها بعد ذلك أن تبحث عن أسباب تعثرها في الدراسة , وأن تعمل على حلها، وتجاوزها , وتستعين بالله في ذلك، مع بذل الأسباب من الجد، والاجتهاد.
ونسأل الله أن يهدي والدها ويصلحه، وأن يثبت أختنا على طاعته، والعمل بمرضاته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/8)
هل زواج الأقارب سبب لإنجاب أولاد غير طبيعيين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا خاطب ابنة خالتي ونحن سنتزوج عن قريب وأنا أحبها كثيرا وسيادتكم تعلمون أن زواج الأقارب ممكن أن ينتج عنه أولاد غير طبيعيين وهذا كله بيد الله وحده. ولا أستطيع أن أطلب منها أن نقوم بالتحاليل اللازمة الآن قبل الزواج، فهل ممكن أن نتزوج ونؤجل الخلفة إلى ما بعد أن نقوم بالتحاليل اللازمة؟ وماذا أفعل إن كانت التحاليل نتيجتها غير إيجابية وأننا سنجب أطفال غير طبيعيين. فهل يجوز لي أن أمتنع عن الخلفة. وأكرر ثانية لا ينفع أن أقوم بفسخ خطبتي عليها بأي حال من الأحوال لأمور كثيرة ومن ضمنها أني أحبها فماذا افعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شرع الله تعالى النكاح، وجعله من سنن المرسلين، وذلك لما يترتب عليه من المصالح العظيمة، كتكثير الأمة، وخروج العلماء والمجاهدين والصالحين والمتصدقين ... إلخ، وتقوية أواصر الروابط والمحبة بين المسلمين بالنسب والمصاهرة، مع ما فيه من السكن والمودة والرحمة التي تكون بين الزوجين.
ولم تأت آية أو حديث صحيح في المنع من زواج الأقارب.
بل قد جاءت الأدلة الشرعية بخلاف هذا، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) الآية ... الأحزاب /50
وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضي الله عنها، وهي ابنة عمته، وزَوَّج ابنته فاطمة من ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، مما يدل على أنه لا حرج من زواج الأقارب.
وعلى هذا، فمنع زواج الأقارب، أو القول بأنه سبب لانتشار الأمراض أو وجود جيل مشوه أو مريض، كلام غير صحيح.
نعم، قد يوجد في زواج الأقارب ـ أو غيرهم ـ ما يسبب شيئاً من ذلك، ولكنه ليس أمراً غالباً، بل يبقى في حدود القليل أو النادر.
وفي هذا يقول د. أحمد شوقي إبراهيم استشاري الأمراض الباطنية والقلب، ورئيس لجنة الإعجاز العلمي بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
" إذا نظر أي عالم نظرة متأنية في أبعاد هذا الموضوع لوجد أن القول " بأن زواج الأقارب يعطي الفرصة لزيادة الأمراض الوراثية في الذرية " ليس قولا صحيحا في كل الأحوال. قد يكون صحيحا في حالات معينة، ولكنه ليس صحيحا في كل الحالات، وبالتالي لا ينبغي أن يكون قانونا عاما أو قاعدة عامة ".
إلى أن قال:
" وهكذا نجد في النهاية حتى في الأمراض المحكومة بجينات متنحية لا تفضيل لزواج الأقارب على زواج الأباعد، ولا لزواج الأباعد على زواج الأقارب.
ولو كان في زواج الأقارب ضرر أكيد ما أحله الله تعالى لرسوله، وأشار إليه صراحة في الزواج من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته " انتهى.
ولكن إذا ثبت شيء من ذلك بالتحاليل الطبية أو الكشوفات والأشعات، أو بمعرفة الجينات الوراثية وطبيعة المرض ونحو ذلك، وأوصى الأطباء بالمنع من الزواج من القريبة في صورة مخصوصة، وليست قاعدة عامة – فلا حرج في ترك نكاح هذه المرأة القريبة بعينها.
أما أن يتخذ ذلك قاعدة عامة، ينهى بها عن كل نكاح الأقارب، خشية الأمراض الوراثية المتوهمة، فهذا تصرف غير صحيح.
وقد سئل الشيخ صالح بن حميد حفظه الله:
ما رأيكم فيمن يرى منع زواج الأقارب، ويرى أن الزواج بالأقارب يسبب أمراضاً عديدة تصيب الجيل الجديد، منها التخلف العقلي، وهل يعرض الرجل والمرأة اللذان يريدان الزواج نفسيهما على الطبيب ليحدد ما إذا كان يمكن الزواج أو لا؟
فأجاب:
" لا شك أن الأصل هو الجواز والإباحة، بل في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أسوة وأعظم بها من أسوة! حينما زوج ابنته علياً رضي الله عنهما وعن نسلهما، فهي بنت ابن عمه وهم أقارب، ولا شك طبعاً في الجواز ولا أحد يقول إنه غير جائز، لكن القضايا الطبية أو المعينة وهذه تبدو لي قضايا عينية، أما أن القاعدة كلها: منع زواج الأقارب فهذا ليس جائزاً، والفقهاء لهم كلمة قريبة من هذه، فهم يقولون: الزواج من القريبة أصبر، ومن البعيدة أنجب. هكذا يقولون: الزواج من القريبة أصبر؛ لأنها تصبر عادة وتتحمل كثيراً، والمحافظة على الرحم والمحافظة على القرابة تجعلها تتحمل كثيراً، ومن الغريبة أنجب، بمعنى أن الولد يكون أكثر نجابة.
وأيضاً: ابن عمر أمر بالإغراب، أن يُغرب بمعنى يتزوج من البعيدة.
فعلى كل حال، لا شك أن الأصل هو الجواز، وأما إذا كانت هناك قضية خاصة، على معنى أنه إذا كان هناك فعلاً مرض معين أو حالة معينة يُخشى منها، كما لو كان في الأسرة مرض معين، مثلاً مرض وراثي: فهذا شيء آخر.
ولا شك أن العلم الحديث توصل إلى ما لم يتوصل إليه الأقدمون، والأشياء المدركة بحس أو المدركة بشيء بشرط أن تكون فعلاً مقاييس معينة ليست تخمينية، فهذه لا مانع من الأخذ بها " انتهى.
audio.islamweb.net/audio/index.php?page ... –
فالذي ننصحك به أن تستخير الله تعالى وتعزم على ما يوفقك الله إليه، وإذا لم يكن هناك سبب ظاهر لمخاوفك هذه، فهي وساوس من الشيطان، فإذا لم تكن عائلتكم قد ظهرت فيها الأمراض بسبب زواج الأقارب؛ فليس هناك ما يدعو إلى الاحتمالات التي تذكرها، ماذا أفعل.... وماذا أفعل....؟ فعليك أن تتوكل على الله، وتحسن الظن به، وتعرض عن هذه الوساوس، فإن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، إن كان خيرا فخير، وإن كان شرا فشر) رواه الطبراني في "الأوسط" (7951) ، صححه الألباني في "الصحيحة" (1663) .
وأخيراً ... ننقل لك هذه الفتوى:
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"ليس هناك أحاديث صحيحة تمنع من الزواج بين الأقارب، وحصول الإعاقة إنما يكون بقضاء الله وقدره، وليس من أسبابه الزواج بالقريبات كما يشاع، ولا يجوز منع الإنجاب خوفا من الإعاقة، بل يجب التوكل على الله سبحانه وإحسان الظن به" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (18/14) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/9)
مقيم في أوروبا ولا يستطيع غض بصره
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أدرس في بلد أوروبي , لقد تعرفت على السنَّة، وأهلها في هذه البلاد , ومنَّ الله عليَّ بالاستقامة فيها، فبعدما بدأتُ بداية قوية في أول الالتزام: بدأت الآن أتراجع , وأصبحتُ أقترف ذنوباً لم أقترفها حتى في أيام جهلي بالدين، لكن رغم ذلك ما زلت - والحمد لله - أواظب على الصلوات الخمس في المسجد، وعلى بعض النوافل , وألقي درساً أسبوعيّاً في شرح بعض الأحاديث النبوية المهمة، استناداً على شرح أهل العلم لها , ولا ألقي هذا الدرس لأني عندي علم بالأحاديث , وإنما لعدم وجود من يلقي الدروس، وإصرار الإخوة على ذلك؛ فأنا صراحة لا أستحق هذا الفضل، والله أعلم. المهم: أني أشعر بنفاق في قلبي؛ لأني ألقي الدرس فأحث المستمعين على مجاهدة النفس، والصبر , وأنا أخالف ذلك، لأني - مثلاً - لا أستطيع غض بصري عن النساء، وهذه هي مشكلتي الكبرى، فعند ذهابي إلى المسجد - مثلاً - أمرُّ بمئات النساء عاريات كأنهن في الشاطئ، وخصوصاً في الصيف، فلا أصِلْ إلى المسجد إلا وقد جمعتُ ذنوباً كثيرةً، وأصلي وقلبي مريض، فلا أخشع في الصلاة، وأشعر بأني لم أصلِّ , وهذا هو الذي جعلني في حالة نفسية سيئة , فأتوب إلى الله من هذه الذنوب، فأتحسن، ثم بعد مدة تتفاوت كل مرة أرجع لهذه المعاصي، وأولها: إطلاق البصر إلى النساء، ثم أتوب بعد ذلك، وهكذا فأشعر أن توبتي لم تُتقبل. لقد قرأتُ حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتَناً تواباً نسَّاء، إذا ذُكِّر ذَكَر) . وقرأتُ عليه تعليقاً أعجبني لكن لا أدري صحته، وهو أنّ النّاظر إلى النّصوص يدرك بجلاء أنّ مراد الله تعالى من العبد ليس مجرّد السّلامة من المخالفة، بل المراد: بقاء العلاقة بين العبد وربّه، بمعنى: أن يطيعه العبد فيُؤجر، ويذنب فيستغفر، وينعم عليه فيشكر، ويقتّر عليه فيدعوه ويطلب منه، ويضيّق أكثر فيلجأ ويضطر، وهكذا، ولذلك ورد في بعض الآثار أنّ العبد الصّالح يغفل، أو ينسى فيضيّق الله عليه ببلاء، حتّى يسمع صوته بالدّعاء والالتجاء، وورد أنّ العبد المؤمن يكثر من الذّكر ولا يستغفر، فيقدّر الله عليه الذّنب ليسمع صوته في الاستغفار، فصراحة: ارتحت قليلاً منه، ولكن عندما أقرأ الحديث الآخر يصيبني الإحباط الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً) ، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ: (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) . فهذا الحديث ينطبق عليَّ كاملاً، والله المستعان. الآن أنا أفكر في أن أنتهي عن إلقاء الدرس إلى أن تتحسن نفسي، فما هو الحل يا ترى؟ . أفتوني مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله العظيم بمنِّه وكرمه أن يثبتك على الاستقامة , وأن يصرف عنك الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
أولاً:
عندما ينظر المسلم إلى مثل هذه الأسئلة: يزداد يقيناً وإيماناً بالتسليم للشرع، وأنه جاء بالحكمة والمصلحة، ودفع المفسدة.
فلم يأمر إلا بما فيه مصلحة، ولم ينه إلا عما فيه مفسدة، ومن ذلك: نهيه عن إقامة المسلم في بلاد الكفر، فإنها من أخطر الأشياء على دين المسلم وأخلاقه.
وانظر جواب السؤالين: (47672) و (10175) .
ثانياً:
كلماتك – أخي السائل - تدل على أنك متضايق من نفسك، وأنك تشعر بالخطأ تجاه نفسك، وتجاه ربك , ولا شك أن هذا علامة صدق، ودليل خير , وأن وازع الإيمان في قلبك لا يزال حيّاً , ولتعلم أن طريق الجنَّة محفوف بالشهوات , وهو طريق يحتاج في سلوكه إلى صبر، ومجاهدة، وتحمل، ولذا لزم الاستعانة بالله , واللجوء إليه، والذل بين يديه؛ ليأخذ بيدك إلى برِّ الأمان، فتصل إلى رضاه من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة.
وإن من أعظم ما يضر المسلم في حياته، ومن أكثر ما يكون سبباً لفتنة قلبه، ودينه: هو معصية إطلاق البصر في المحرمات، وقد صحَّ عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "اإثم حَوَازُّ القلوب، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع" رواه البيهقي في "شُعَب الإيمان" (4/367) .
قال الشيخ محمد السفاريني رحمه الله:
ومعنى " حَوَّاز " بفتح الحاء وتشديد الواو، وهو: ما يحوزها، ويغلب عليها حتى ترتكب ما لا يحسن.
وقيل: بتخفيف الواو وتشديد الزاي – أي: " حَوَازّ " - جمع حازَّة، وهي الأمور التي تحزُّ في القلوب، وتحك، وتؤثر، وتتخالج في القلوب، فتكون معاصي، وهذا أشهر.
"غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" (ص 65) .
ولهذا كان لهذه المعصية نصيب وافر من التحذير منها، والكلام عليها.
فانظر جوابيْ السؤالين: (22917) و (20229) للوقوف على السبل، والوسائل المعينة على غض البصر.
وانظر جواب السؤال رقم (22917) للوقوف على فوائد غض البصر.
وجواب السؤال رقم: (23425) للوقوف على آثار هذه المعصية.
ثالثاً:
أما حديث ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلا وَلَهُ ذَنْبٌ يَعْتادُهُ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، أَوْ ذَنْبٌ هُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ لا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُفَارِقَ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ خُلِقَ مُفْتَنًا تَوَّابًا نَسِيًّا إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ) : فقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/304) ، وصححه الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (2276) ، ولكن تعقبه الشيخ محمد عمرو بن عبد اللطيف رحمه الله في جزئه "حديث (ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة) في الميزان"، وبيَّن أن الحديث ضعيف.
ثم ـ إن صح الحديث ـ فليس فيه التشجيع على فعل المعصية، ولا الإقدام عليها، بل هو لتطمين التائبين بأنه من فعل ذنباً فإنه لا ينبغي له أن يقنط من رحمة ربه، أو يعتقد أن ذنبه أعظم من عفو الله ورحمته، فما على المذنب سوى التوبة الصادقة، والعزم على عدم العود إلى ذنبه مرة أخرى.
وقد قال الشيخ محمد عبد الرحمن المباركفوري رحمه الله عند شرحه لحديث: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُم) قال:
"قال الطِّيبي: ليس الحديث تسلية للمنهمكين في الذنوب كما يتوهمه أهل الغرة بالله؛ فإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب، بل بيان لعفو الله تعالى، وتجاوزه عن المذنبين؛ ليرغبوا في التوبة.
والمعنى المراد من الحديث: هو أن الله كما أحب أن يعطي المحسنين أحب أن يتجاوز عن المسيئين , وقد دل على ذلك غير واحد أسمائه: الغفار، الحليم، التواب، العفو , ولم يكن ليجعلَ العباد شأناً واحداً كالملائكة، مجبولين على التنزه من الذنوب، بل يخلق فيهم من يكون بطبعه ميَّالاًَ إلى الهوى، متلبساً بما يقتضيه، ثم يكلفه التوقي عنه، ويحذره من مُدَاناته، ويعرِّفه التوبة بعد الابتلاء، فإن وفَّى: فأجره على الله , وإن أخطأ الطريق: فالتوبة بين يديه، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم به: أنكم لو كنتم مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة: لجاء الله بقوم يتأتى منهم الذنب، فيتجلى عليهم بتلك الصفات، على مقتضى الحكمة؛ فإن الغفَّار يستدعي مغفوراً، كما أن الرزَّاق يستدعي مرزوقاً.
"تحفة الأحوذي" (7/193) .
وأما حديث ثَوْبَانَ رضي الله عنه المذكور في السؤال: فقد رواه ابن ماجه في "سننه" (4245) ، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"، فللعلماء حوله كلام كثير، وأحسن ما قيل فيه: أنه في الذين يتكرر منهم انتهاك محارم الله باستمرار، وأن من صفاتهم الاستخفاف بما حرَّم الله، وأنهم لا تنكسر قلوبهم عند فعلهم لتلك المعاصي، بل يتجرأون على فعلها، بل انتهاكها.
قال الشيخ الألباني - رحمه الله -:
هؤلاء (إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) لا يعني خلوا مرة واحدة، وإنما هذا ديْدُنهم، وشأنُهم، وهِجِّيراهم، دائماً، فلذلك تطغى هذه المحرمات على تلك السيئات.
" سلسلة الهدى والنور " شريط رقم (226) .
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي - حفظه الله -:
أي: أن عندهم استهتاراً، واستخفافاً بالله عز وجل، فهناك فرق بين المعصية التي تأتي مع الانكسار، والمعصية التي تأتي بغير انكسار، بين شخص يعصي الله في ستر، وبين شخص عنده جرأة على الله عز وجل، فصارت حسناته في العلانية أشبه بالرياء، وإن كانت أمثال الجبال، فإذا كان بين الصالحين: أَحْسَنَ أيما إحسانٍ؛ لأنه يرجو الناس ولا يرجو الله، فيأتي بحسنات كأمثال الجبال، فظاهرها حسنات، (لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) فهم في السر لا يرجون لله وقاراً، ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى، بخلاف من يفعل المعصية في السر وقلبه منكسر، ويكره هذه المعصية، ويمقتها، ويرزقه الله الندم، فالشخص الذي يفعل المعصية في السر وعنده الندم، والحرقة، ويتألم: فهذا ليس ممن ينتهك محارم الله عز وجل؛ لأنه - في الأصل - معظم لشعائر الله، لكن غلبته شهوته، فينكسر لها، أما الآخر: فيتسم بالوقاحة، والجرأة على الله؛ لأن الشرع لا يتحدث عن شخص، أو شخصين، ولا يتحدث عن نص محدد، إنما يعطي الأوصاف كاملة.
" شرح زاد المستقنع " (رقم الدرس 332) .
وكل مسلم حي القلب يخشى أن يكون من هؤلاء الذين ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان، وتزداد هذه الخشية إذا اتصف ببعض صفاتهم، فينبغي أن تحذر أشد الحذر أن تكون من أولئك الأقوام، أو قريباً من صفاتهم، فانج بنفسك من مستنقعات الرذيلة، وطهِّر بدنك نفسك بالتوبة، واحذر أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) النساء/108.
قال ابن رجب رحمه الله:
قال بعض العارفين: اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك.
"جامع العلوم والحَِكم" (ص 162) .
فالنصيحة لك:
1. أن تقطع سبل التعرض للفتن، بتعجيل الانتهاء من تلك البلاد.
2. الزواج، فهو الحصن الحصين لك إن شاء الله - , وخصوصاً في مثل تلك البلاد التي يكثر فيها الفتن.
3. الالتجاء إلى الله تعالى , والتضرع إليه، بأن يصرف عنك تلك الذنوب، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/ 186.
4. مجاهدة النفس، ودفع وسوستها، وشرورها، والعناية بتزكيتها بطاعة الله، قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس/ 8 – 11، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69، فاحرص على قراءة القرآن ومداومة الذكر، وقيام الليل، وصيام النوافل ... إلخ، فبها يزداد الإيمان وينير الطريق لك.
ومما يعينك على ذلك: أن تكثر من صحبة الصالحين , وأن لا تتعرض للفتن؛ وذلك بالابتعاد عن أماكنها.
5. وعليك أن تستمر في إعطاء الدروس، واحذر من الشيطان أن يزيد عليك المعاصي بتركها، أو يوهمك أن تركها هو علاج ما أنت فيه من حال.
وقد حذر السلف من مثل ذلك.
قال الحسن البصري رحمه الله لمطرف بن عبد الله: " عِظ أصحابك "، فقال: " إني أخاف أن أقول ما لا أفعل "! قال: " يرحمك الله، وأيُّنا يفعل ما يقول! ودَّ الشيطان أنه قد ظفر بهذا، فلم يأمر أحدٌ بمعروف، ولم ينه عن منكر ".
وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخه: سمعت سعيد بن جبير يقول: " لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء: ما أمر أحدٌ بمعروف، ولا نهى عن منكر ".
قال مالك: " وصدق، مَن ذا الذي ليس فيه شيء "! .
وقد أحسن القائل:
لئن لم يعظ العاصين من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد
فكُن أول المستفيدين من دروسك، وكن أول المستجيبين لوعظك، واستعن بالله تعالى ربك أن يعينك على نفسك، وأن يخلصك من شرورها.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، ويعينك على طاعته ونيل رضاه، ويثبتك على الإسلام والسنَّة، وأن يصرف عنك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/10)
ترفض السفر مع زوجها؛ لأنها تتضايق بالعيش في بلاد الغربة، بعيدا عن أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصري أعمل في السعودية وتزوجت واتفقت مع أهل زوجتي على أنها سوف تقيم معي بالسعودية ووافقوا ومضى على ذلك الأمر ثلاث سنوات ولكن مع الوقت بدأت زوجتي بالضيق من حياة الغربة وطلبت مني العودة إلى مصر بحجة أنها لا تحتمل المعيشة بمفردها بعيداً عن أهلها وبلدها، ولا تستطيع التأقلم رغم محاولاتها على المعيشة بالسعودية، وكررت في طلبها للعودة إلى مصر. فما هو حكم الدين إذا أصرت زوجتي على طلبها إذا نزلت أجازة ولم تعد مرة أخرى للإقامة معي بالسعودية رغم رفضي؟ وماذا أفعل حتى لا أظلمها ملحوظة: زوجتي تقضي أجازة سنوية بمصر لا تقل عن ثلاث أشهر متصلة ولي منها بنت عمرها ستة أشهر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا سافر الزوج وأراد اصطحاب زوجته وجب عليها مرافقته والانتقال معه، ما دام سيوفر لها الحياة المناسبة، ولا ضرر عليها في هذا السفر.
قال الإمام مالك رحمه الله:
" وللزوج أن يظعن [أي: يسافر] بزوجته من بلد إلى بلد وإن كرهت، وينفق عليها " انتهى.
"تهذيب المدونة" (1/421) .
وقال ابن قدامة في "المغني" (8/181) :
"تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَة النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا بِشَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً يُمْكِنُ وَطْؤُهَا
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَبْذُلَ التَّمْكِينَ التَّامَّ مِنْ نَفْسِهَا لِزَوْجِهَا , فَأَمَّا إنْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا أَوْ مَنَعَهَا أَوْلِيَاؤُهَا , فَلَا نَفَقَةَ لَهَا , وَإِنْ أَقَامَا زَمَنًا , فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ عَائِشَةَ وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ , وَلَمْ يُنْفِقْ إلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ , وَلَمْ يَلْتَزِمْ نَفَقَتَهَا لِمَا مَضَى. وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ , فَإِذَا وُجِدَ اسْتَحَقَّتْ , وَإِذَا فُقِدَ لَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا.
وَلَوْ بَذَلَتْ تَسْلِيمًا غَيْرَ تَامٍّ , بِأَنْ تَقُولَ: أُسَلِّمُ إلَيْك نَفْسِي فِي مَنْزِلِي دُونَ غَيْرِهِ. أَوْ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ دُونَ غَيْرِهِ. لَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا , إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ اشْتَرَطَتْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَبْذُلْ التَّسْلِيمَ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ , فَلَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ" انتهى باختصار.
ويتأكد هذا الحق لك بأنك قد أخبرتهم بذلك ووافقوا.
فيجب على المرأة طاعة زوجها بالسفر معه، والاستقرار معه في البلد التي فيها معاشه، مادام أنها تعيش بها حياة كريمة.
وعليها أن تتحلى بالصبر، وتحاول التأقلم مع البيئة الجديدة التي تعيش فيها، فتكوّن صداقات مع أخواتها المسلمات، وتشاركهن في الطاعات وصنائع المعروف، من حفظ القرآن والتزاور ونحو ذلك.
وعليها أن تتذكر دائما عظيم حق زوجها عليها، وأن عليها طاعته، والقيام على أمره، ومحبة صحبته، والرضا بالعيش معه على كل حال، فبذلك تقوم البيوت المسلمة على أواصر المحبة والوئام، وبه تتم المعاشرة بالمعروف، والتي بها تتم مقاصد النكاح.
ولتعلم أن هذا الإحساس الذي تشعر به هو مؤقت وسيزول بإذن الله تعالى مع الصبر والتحمل والاستعانة بالله تعالى، كما وقع ذلك لكثيرات غيرها.
وعلى الزوج أن يعلم أن هذه الشكوى ليست شكوى زوجته وحدها، بل كثيرات يشتكين الشكوى نفسها، بسبب الشعور بالغربة والوحدة، فعلى الزوج معالجة الأمر بالحكمة والتروي، وبذل كل ما يمكنه في سبيل إعانتها على تجاوز هذه المشكلة، فيعطيها جزءاً من وقته على قدر استطاعته، فلا يتأخر في رجوعه إلى البيت بعد انتهاء العمل، ولا يخرج من البيت بعد انتهاء عمله، إلا لحاجة ملحة، وإذا أمكن أن يصطحب زوجته معه فليفعل، ويساعدها في إيجاد صديقات لها يساعدنها على ألم الوحدة والغربة، وليستعن بالعقلاء من أهلها لنصحها وترشيدها، وإغرائها بالعيش في السعودية، حيث تتمكن من الحج والعمرة والصلاة في الحرم ونحو ذلك.
ونسأل الله تعالى أن يجمع بينكما في خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/11)
عمل عند والده سنوات كثيرة بأجرة زهيدة ويرغب بالاستقلال بعملٍ فهل هو عقوق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تكمن باعتمادي على والدي منذ الصغر؛ فكان هو من يصرف عليَّ، وهو من كان يتكفل بكل شيء – ولم أوفق في إكمال تعليمي فقد توقفت عن التعليم بالصف الثاني متوسط، وبعد هذا كله أصر عليَّ والدي بالعمل معه بالتجارة، فوافقت، رغم عدم رغبتي بالعمل معه، إلا أني مع الوقت اعتدت على العمل، وأحببته بنسبة 60 %، وعملت معه بما يقارب (16) سنة متواصلة، دون انقطاع، وأيضاً: دون تطور واضح، أو أني أشعر أني أبليت بلاء حسناً، فكان والدي - جزاه الله خيراً - يصرف عليَّ كما يقال " بالقطارة "، وكنت أعمل في السنوات الأولى بلا راتب محدد، فقد كان يعطيني ما يكفي لمدة أسبوع، أو كي أكون منصفاً وصادقاً: ما يكفي (لشهر) ، ولكن هذا العطية لا تمكنِّي من التوفير أبداً. مرَّت الأيام، وقررت الزواج، وجزاه الله خيراً - والدي - تكفل بالزواج، وأسكنني في شقة في منزله، وهذا لا أنكره أبداً، ثم حدد لي مرتباً شهريّاً مقداره (2000) ريال , وبعد سنوات رفعه لي إلى 3000 ريال، ولكن كنت أشعر بعدم الرضا بعملي؛ وذلك بأن المرتب لا يفي بمتطلباتي الشخصية، والعائلية، وبعد مرور 3 سنوات بدأت أشعر بالإحباط؛ وذلك جرَّاء الإهانات من والدي، تصل في بعض الأحيان إلى الشتم، وتفضيل الغير عليَّ، وأن فلاناً أفضل منِّي، و: انظر إلى فلان أفضل منك ... الخ، أيضاً: الشعور بالإحباط بأن أرى أبي يهتم بالآخرين، ويحرص على إرضائهم، أما أنا: فلا تغيير واضح بالتعامل، غير ذلك يقوم والدي بتكليفي بمهمة في العمل، ويعدني بمكافأة إلا أنه يتراجع بقراره، ولا يفي لي بوعد، ويتحجج بعدم تذكره بهذا الوعد، أو يقول: إني كنت مقصراً بعملي، ويختلق الحجج ... الخ، وبعد هذا كله: قام بتخفيض مرتبي الشهري من 3000 إلى 2000 ريال، رغم أني رجل أبلغ من العمر الآن 37 سنة، ومتزوج، ولدي أبناء، ولدي مسؤوليات، وأنتم - بلا شك - تعلمون جيِّداً غلاء المعيشة في هذا الوقت، وكيف أن 2000 ريال شهريّاً لا تؤمِّن متطلبات شهر واحد، فكيف ستؤمِّن مستقبلاً واعداً؟ وكيف ستؤمن مستقبل الأبناء بالحاضر والمستقبل؟ . تراودني أفكار بالبحث عن عمل آخر، ولكن كلما أتذكر والدي أحزن عليه، وأخاف عليه أن يبقى وحده، حتى هو أشعر بتأثره، وأيضاً أشعر بغضبه حينما يعلم أني سوف أبحث عن عمل، فهو معتمد عليَّ بكل شيء، سواء بالعمل، أو بالمنزل، أو بما يتعلق بالعائلة، فأنا - كما يقول كل من يعرفنا - المحور الرئيسي بهذه العائلة، ويعتقدون أني أجني من وراء عملي هذا الخير الوفير، إلا أن الواقع غير ذلك، بل أشعر أن الخير الوفير فيه أني أُحسن - بإذن الله - لوالدي بما أستطيع، وأبره، ورغم كل ذلك لا أجني ما يجني إخوتي، فجميع إخوتي الذكور - وهم أصغر مني، وأنا الأكبر - بوظائف طيبة، وأقل مرتب فيهم 5000 ريال شهريّاً، وغير متزوجين، أما أنا فراتبي: 2000 ريال. أعلم أن هذا مقدر لي، وأن الله سبحانه وتعالى قدر أرزاق العباد، وأن لكل إنسان رزقه، وقدره، وأجله ... الخ، والله يشهد عليَّ أني مؤمن بذلك، وقابل، وراض بما كتب الله لي، ولا يكتب الله للإنسان إلا كل خير، والحمد الله على كل حال، ولكن الإنسان بطبعه ضعيف، وينحني، أو يميل في بعض الأحيان إلى أمور الدنيا، بحيث ينظر إلى الصديق، أو القريب، أو جميع من حوله، ويقول: لماذا لا أكون بمثل صفاتهم: يلبسون أحسن الثياب، ويركبون أفضل السيارات، ويجلبون لأبنائهم كل ما يرغبون ... الخ إلا أنا؟! فأنا اشعر في بعض اللحظات أني استسلمت للأمر الواقع، فليس لديَّ وظيفة مرموقة، وليس لدي شهادة دراسية تؤهلني للعمل بمرتب طيب أعيل به أسرتي على أكمل وجه، ولا مال - أو سيولة = أبدأ به مشروعاً طيِّباً. الخلاصة: الآن وقد زاد الأمر سوءً، ومتطلبات عائلتي زادت، وأشعر بأن الدنيا فوق رأسي، لا أكاد أتحمل وزنها، وأصبح الهمُّ رفيقي، والقلق، والاكتئاب، والإحباط يتناوبون عليَّ، ويتناوبون على زيادة همي، ومع هذا كله قررت أن أعمل بعمل آخر، وأن أبحث عن عمل يغيِّر واقع هذا الزمان: فإني أشعر بأي لحظة قد أفقد زوجتي فهيَ دائماً تحثني على العمل، والبحث عن العمل وهي موظفة، وتجني راتباً طيباً يعادل مرتبي 3 مرات، وتساعدني بأمور المنزل، بل تصرف على المنزل أكثر مما أصرف أنا فيه، ولكن لا بد أن يكون للرجل كرامته، وعزته بنفسه، أعلم بأنه لا مانع من مساعدة الزوجة زوجها بأمور هذه الدنيا، ولكن الأمر يختلف إن كنت أنا مَن يعيل الأسرة، ويلبي حاجاتها، وبعد فترة من الزمن ذهبتْ زوجتي إلى بيت أسرتها هرباً من فقر زوجها، ولعدم رضاها بهذا الواقع، وأشعر بداخلي أنها على حق، وهي كذلك، وكيف لا تذهب لبيت أسرتها؟ وهي ترى جميع أخواتها الفتيات المتزوجات، ويسكنون بمنزل ملك، ويركبون أفضل السيارات، ويقتنون أفضل الوسائل للراحة، وهي لا تملك ذلك. المهم في الاستشارة: كلما أردت - أو عزمت - على البحث عن عمل أشعر بخوف، ورهبة، من المستقبل، وخوف من الإخفاق، وعدم التوفيق، وذلك - كما ذكرت سابقاً - أني أعتمد منذ السابق على والدي، ولم يسبق لي العمل باستقلالية، بل إن والدي جعلني أعتمد عليه بكل شي، واستخدم هذه النقطة - والله أعلم - لصالحه، والآن وجدت مشروعاً طيِّباً، وبعد السؤال عن هذا المشروع وجدت فيه خيراً كثيراً، ولله الحمد، ولكن أشعر برهبة قوية بداخل أعماقي، وقمت بالاستخارة، واستخرت الله سبحانه علام الغيوب بأمري، وشعرت بالراحة له بنسبة 50 %، والباقي أجد الهم، والحيرة، والخوف، والرهبة من الإخفاق، وكي أوضح لكم الصورة هي أن العمل هو: سيارة نقل، بأن أنقل البضائع، أو السيارات، وكل ما يُحمل، وأوصله إلى المناطق المجاورة، أو لمناطق بعيدة، فالبعض - حتى إخوتي - يعايروني بهذا المهنة، حتى والدي كان من أوائل قائمة المستهزئين بي لهذا العمل، ويقولون: كيف تعمل بمهنة لا يعمل بها إلا العمالة الوافدة؟ إلا أني أجدها مهنه شريفة، أكسب منها رزقي، وأعيل بها أسرتي، وأسأل الله بها التوفيق والسداد، فما رأيكم بها كمهنة؟ وما هو الحل من وجهة نظركم بحالي ووضعي؟ وماذا أفعل وكيف أتصرف؟ وهل أكون عاقّاً لوالدي إذا عملت بعمل آخر بعيداً عنه؟ فإني أخاف الله من ذلك بان أكون عاقّاً له، وأسأل الله أن أكون خير من يبر بوالديه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مِن كمال الإيمان: أن يرضى المسلم بما قسم الله له من أمر دنيوي، كرزق، وعمل، ووظيفة ,، ومن تمام شكر النعمة: أن لا ينظر المسلم إلى من فوقه، ومن فضِّل عليه في أمر الدنيا، حتى لا يزدري نعمة الله عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِى الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ) .
رواه البخاري (6125) ومسلم (2963) .
وفي لفظ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) .
رواه البخاري (6490) ومسلم (2963)
ولا يعني ذلك أن يستسلم لأمره الواقع إن كان لا يرضاه، أو يمكنه تحصيل ما هو خير منه لدينه ودنياه، بل عليه أن يدفع قدر الله بقدر الله، فيبحث عن وسائل سعة الرزق، ويدفع الفقر بأسباب الغنى، من عمل، وتجارة، ووظيفة.
ثانياً:
برُّ الوالدين حسنة عظيمة , وقربة جليلة، ينال بها العبد رضى الله، وتوفيقه في الدنيا والآخرة , ويصرف الله بها عن العبد من البلاء، والشرور، والرزايا، والبلايا، ما الله به عليم , ولذلك عظم الله حق الوالد، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) .
رواه مسلم (1510) .
قال النووي – رحمه الله -:
أي: لا يكافئه، بإحسانه، وقضاء حقه، إلا أن يعتقه.
" شرح مسلم " (10 / 153) .
وليس من العقوق أن تخرج من العمل من عند والدك لتبحث عن عمل أفضل، ووظيفة أحسن؛ ما دمت تحسن إلى والدك، ولا تقصر تجاهه , خاصة إذا كانت أسرتك بحاجة إلى ذلك، وكان العمل الآخر أصلح لك وأنفع. ولعل بحثك عن وظيفة يغير من اتجاه الوالد نحوك؛ فيشعر بحاجته إليك، فيزيد في راتبك، ويحسِّن من وضعك المعيشي.
ثالثاً:
الخوف من المستقبل: من علامة ضعف التوكل على الله تعالى , والمؤمن قوي الإيمان لا يعطي من عمره وقتاً ليحمل هموم ما يأتي في غد، وليس يعني هذا عدم الأخذ بالأسباب لبناء مستقبل مريح، فقد كان النبي صلى الله عليه يدَّخر أحياناً قوت سنَة لأهله، وإنما أردنا أن يتحلى المؤمن بقوى الإيمان ليدفع عن نفسه وقلبه الخوف، والقلق، مما يأتيه في المستقبل.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) .
رواه مسلم (2664) .
فالمؤمن قي بتوكله، وقوي باستعانته بالله تعالى خالقه , وما يشعر به المسلم من ضعف، أو خوف: إنما هو من وسوسة الشيطان، وتثبيطه له , والواجب على المؤمن دفع هذه الوسوسة بدعائه، واستعانته بالله، وحسن توكله عليه.
فاستخر الله تعالى في العمل الذي ترغب بالالتحاق به , فإن انشرح صدرك، وتيسر أمر ذلك العمل: فأقدم، ولا تتردد، واستعن بالله تعالى.
وانظر جواب السؤال رقم: (20088) .
رابعاً:
العمل كسائق في نقل البضائع ليس من المهن الدنيئة , وليس عيباً على الرجل العمل بها , وإن اختص بها الوافدون في بلدكم؛ فالرعي يستنكف عنها كثير من الناس , وقد عمل بها الأنبياء والمرسلون، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ) ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ) .
رواه البخاري (2143) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – أيضاً - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّاراً) .
رواه مسلم (2379) .
وقد أخبر الله تعالى عن داود عليه السلام أنه كان يعمل في صنع الدروع للمحاربين، وأن هذا من تعليم الله له، قال تعالى: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) الأنبياء/ 80.
بل لعل ما تنوي العمل به أن يكون من أفضل المكاسب؛ لأنها كسب من عمل يدك , وفي الحديث عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) .
رواه البخاري (1966) .
فالنصيحة لك أخي الفاضل:
أ. أن تحاول أن تكلِّم والدك بالحسنى، والكلمة الطيبة، أن يرفع راتبك , وأن يحسن وضعك، ما دمت تؤدي الذي عليك، ولا تقصر فيه , وأن تلجأ إلى الله تعالى أن يشرح صدره ويهديه لذلك،
فإن لم يستجب لذلك، ووجدت أن ما تتقاضاه لا يكفيك: فلا بأس أن تعمل بأي عمل آخر، كسائق، أو غير ذلك؛ لتحسين وضعك المعيشي، وليس هذا من العقوق , ولا تستنكف عن العمل كسائق ما دام العمل لا يدخل فيه حرام، أو شبهة , فأكل المرء من عمل يده من أطيب الكسب، وأفضله، وإن وجدت عملاً أنسب لك، ويوافق عليه والدك وإخوتك: فنرى أن تلتحق به، وأن يكون هو اختيارك؛ لتجمع بين العمل، ورضى أهلك عنك، فمن الممكن أن يسبب لك العمل سائقاً إحراجاً بين أولادك، وأقربائك، وقد لا تستطيع دفعه، فتتعقد أمورك النفسية، أما من حيث الجواز الشرعي: فهو جائز، وهو ليس معيباً بحد ذاته، ولا هو بمهنة دنيئة، لكن نرى أن مراعاة رضى أهلك، وعرف المكان الذي تعيش فيه أمرا مهما، وأنت لا تريد مخالفتهم، بل تريد عملاً تقتات منه، ويحسِّن من وضعك، فابحث عن عمل يتناسب مع بيئتك، ولك أن تتملك سيارات نقل – لا سيارة واحدة – وتستأجر أجراء ليقوموا عليها، ويكون دخلها محسِّناً لوضعك، دون الحاجة لأن تباشر سياقتها بنفسك.
وإن أمكنك أن تستفيد من خبرتك في العمل مع والدك، وأن تعمل بالتجارة: فلعل هذا أن يكون أنسب لك.
ب. ادفع خوفك من المستقبل بحسن توكلك، وإقبالك على الله تعالى، وأكثر من التضرع، والالتجاء إليه، فهو حسبك، وكافيك.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافيك وأن يوسع لك في الرزق , ويصرف عنك الخوف , وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه , وأن يشرح صدر والدك لتحسين وضعك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/12)
لديه الرغبة في دراسة الشريعة، ومتخوف من مستقبلها الوظيفي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن على مشارف اختبارات الثانوية العامة، وحقيقة: أني محتار جدّاً في تخصص دراستي الجامعية، أنا لديَّ الرغبة جدّاً في دراسة العلوم الشرعية، وأحبها، وأستمتع بها، وأطمح أن أكون عالماً، مفتياً، خطيباً، حصولي على شهادة الدكتوراة، لكني أواجه ردود أفعال كثيرة، منهم: من يقول إذا تخرجت أين تعمل؟ مدرس مثلاً؟ مرتبها قليل، اذهب إلى كلية الإدارة، أو الهندسة للحصول على مقعد ممتاز في العمل، ومِن ثمَّ خذ شهادة الشريعة انتساباً، مثل عدة مشايخ ... وإلخ من هذا الكلام، وبعضهم يقول: اذهب إلى الشريعة، الأمة محتاجة إلى علماء، ومفتين، علماً أن أبي مهندس، وأمي مدرِّسة رياضيات، واثنين من إخواني مهندسين، واثنين من أخواني - أيضاً - من كلية الإدارة الصناعية، ووضعنا المادي ممتاز - ولله الحمد -، لكن أخاف مستقبلاً إذا تخرجت من الشريعة أكون أقلَّ منهم ماديّاً، فلذلك أود أن تنصحني؛ لأنني بين أمرين مهمين في حياتي، وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يكتب لك النجاح والتوفيق في دراستك، واختباراتك وأمورك كلها.
أولاً:
لاشك أن أعظم ما صرفت فيه الأوقات , وبذلت فيه الأموال: طلب العلم الشرعي؛ فإن الله تبارك وتعالى لم يثن في شيء من كتابه كما أثنى على العلم، وأهله، قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ) الزمر/ 9، وقال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فاطر/ 28.
قال ابن كثير رحمه الله:
أي: إنما يخشاه حق خشيته: العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم، القدير، العليم، الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى , كلما كانت المعرفة به أتمّ، والعلم به أكمل: كانت الخشية له أعظم، وأكثر.
" تفسير ابن كثير " (6 / 544) .
وعن معاوية رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ) رواه البخاري (71) ومسلم (1037) .
وعَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ أَتَيْتُكَ مِنَ الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: وَلاَ جَاءَ بِكَ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) رواه الترمذي (2682) وأبو داود (3641) وابن ماجه (223) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1/17) .
قال ابن القيم رحمه الله في وصف العلم الشرعي -:
وهو الحاكم، المفرق بين الشك واليقين , والغي والرشاد , والهدى والضلال , وبه يُعرف الله، ويُعبد، ويُذكر، ويُوحد، ويُحمد، ويُمجد , وبه اهتدى إليه السالكون , ومن طريقه وصل إليه الواصلون , ومن بابه دخل عليه القاصدون، به تُعرف الشرائع والأحكام، ويتميز الحلال من الحرام , وبه توصل الأرحام , وبه تعرف مراضي الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب , وهو إمام، والعمل مأموم , وهو قائد، والعمل تابع , وهو الصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة، والأنيس في الوحشة , والكاشف عن الشبهة , والغني الذي لا فقر على من ظفر بكنزه , والكنف الذي لا ضيعة على من آوى إلى حرزه؛ مذاكرته تسبيح , والبحث عنه جهاد , وطلبه قُربة , وبذله صدة , ومدارسته تعدل بالصيام والقيام , والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام، قال الإمام أحمد رضي الله عنه: " الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين , وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه " , وروِّينا عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال: " طلب العلم أفضل من صلاة النافلة ".
" مدارج السالكين " (2 / 469، 470) .
فلا ريب أن العلم الشرعي هو أفضل العلوم وأوْلاها , وبه يتحصل الإنسان خير الدنيا والآخرة , وهو مقدَّم على سائر العلوم، لا سيما إذا خلصت فيه نية الإنسان , وكان له رغبة وهمَّة في تحصيله وطلبه.
وانظر جواب السؤال رقم: (10471) .
ثانياً:
حثَّ الإسلام على طلب الكفاية في العلوم الدنيوية , وجعل طلبها واجباً كفائيّاً , وخصوصاً إذا احتاجت الأمة لتلك العلوم , كالعلوم العصرية المتقدمة.
فمَن تعلم العلوم الدنيوية ونيته أن يُصلح للمسلمين أمورَهم في معاشهم , ورفع مكانتهم، والاكتفاء عن الأمم الكافرة: فلا شك أن أجره عظيم، ويثاب على هذا العلم الذي يتعلمه , مع بيان أن الجمع بين العلوم الدينية والدنيوية أمر مقدور عليه , ولا يتنافيان , وقد كان كثير من العلماء السابقين يجمعون بين تخصصات مختلفة، فابن قيم الجوزية رحمه الله كان مبرزاً في العلوم الشرعية، ولا تخفى مكانته فيه , وكذلك كان مبرزاً في علوم الطب , ولا أدل على ذلك من كتابه " الطب النبوي " – وهو الجزء الرابع من كتابه " زاد المعاد " -، وهكذا الحال مع علماء آخرين.
وانظر جواب السؤال رقم: (2999) .
ثالثاً:
يجب أن يُعلم أنه لا بد للمسلم من أن يجرد نيته عن الحظوظ الدنيوية في طلبه للعلم الشرعي , وأن يكون هدفه الأجر والثواب من الله , فهذا أدعى لبقاء العلم، وانتفاع صاحبه به , وقبول الناس له، ولعلمه , فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوا الْعِلْمَ وَوَضَعُوهُ عِنْدَ أَهْلِهِ لَسَادُوا بِهِ أَهْلَ زَمَانِهِمْ , وَلَكِنَّهُمْ بَذَلُوهُ لأَهْلِ الدُّنْيَا لِيَنَالُوا بِهِ مِنْ دُنْيَاهُمْ، فَهَانُوا عَلَيْهِمْ، سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ) رواه ابن ماجه (257) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح ابن ماجه ".
وعن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود (3664) وابن ماجه (252) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
عَرفها: يَعْنِي: رِيحَهَا.
وطلب العلم الشرعي لا يتوقف على الدراسة النظامية في الكليات الشرعية، غير أن الحصول على تلك الشهادة صار مهماً حتى يتمكن طالب العلم من التدريس والإمامة والخطابة ... ونفع الناس.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في بيان آداب طلب العلم -:
"الأمر الأول: إخلاص النية لله عز وجل: بأن يكون قصده بطلب العلم وجه الله، والدار الآخرة ...
وإذا نوى الإنسان بطلب العلم الشرعي أن ينال شهادة ليتوصل بها إلى مرتبة، أو رتبة: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عَرَضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) - يعني: ريحها -، وهذا وعيد شديد.
لكن لو قال طالب العلم: أنا أريد أن أنال الشهادة لا من أجل حظ من الدنيا، ولكن لأن النظُم أصبح مقياس العالم فيها شهادته، فنقول: إذا كانت نية الإنسان نيل الشهادة من أجل نفع الخلق تعليماً، أو إدارة، أو نحوها: فهذه نية سليمة، لا تضره شيئاً؛ لأنها نية حق" انتهى باختصار.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (26 / 65، 66) ، و " كتاب العلم " (ص 21) .
رابعاً:
من المقرر في كتاب الله تعالى , وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم: أن من اتقى الله تعالى: كفاه الله ما أهمه، وأشغله , قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب) الطلاق/ 2، 3.
وقد تكفل الله تعالى برزق البلاد التي يتقي أهلها ربهم تعالى، فكيف بآحادهم، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) الأعراف/ 96، وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) المائدة/ 66.
فالشاهد: أن أهل الخير والتقوى والصلاح: يكفيهم الله سبحانه وتعالى أمر دنياهم، فلا تخش - أخي السائل - من المستقبل , وتأكد أن الله سيكفيك أمر دنياك، وآخرتك، إن كانت نيتك في طلب العلم لله.
ولو ابتلي المؤمن بنقص في ماله، أو دنياه: فهو يحتسب ذلك لجنَّة عرضها السموات والأرض، أعدها الله للمتقين , ولتعلم أن المقياس في السعادة، والطمأنينة، والراحة، ليس في كثرة الأموال، أو الجاه، وإنما في طاعة الله تعالى , فخير الأعمال التي يندب الاشتغال لها: تعليم الناس الخير , فمعلِّم الناس الخير يستغفر له مَن في السموات، ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء , وهم أهل الخشية والتقوى , ولهم المنزلة والجاه العظيم في الدنيا والآخرة.
فالنصيحة لك ما دامت همتك، ومحبتك، ورغبتك أن تطلب العلم الشرعي: أن تسعى في تحصيل ذلك , ولا بأس أن تطلب الشهادة مع ذلك , ولكن مع تجريد النية والإخلاص لله تعالى في طلب العلم نفسه , وأن تكون هذه الشهادة عندك وسيلة لنيل العلم، وتعليم الناس، والدعوة إلى الله تعالى , ووسيلة للعمل الذي تفرضه كثير من القوانين لكثير من الوظائف، ولا تخف من المستقبل من قلة مال، أو دنيا، أو عدم إيجاد وظيفة؛ فالله سبحانه سيكفيك هموم ذلك كله , فمن صدق الله صدق الله معه.
وبما أن أهلك من المثقفين، والعقلاء: فيمكنك إقناعهم بدراسة الشريعة بسهولة، وذلك بإخبارهم
أن هذه رغبتك، وهم يعلمون أن دراسة ما لا رغبة فيه: فاشلة، ولا تؤتي ثمارها، وأن دراسة ما فيه رغبة: فيها النجاح، والإبداع، والراحة.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعطيك ما تتمنى، وأن يجعلك من أهل العلم، وطلبته.
وانظر – للأهمية – جواب السؤال رقم: (110419) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/13)
هل يجوز الاستعانة بمن يستعين بالجن في استرجاع المفقود؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مؤمن بالله وملتزم بما مكنني الله به من الالتزام وقعت بمشكلة مالية خطيرة جدا وعويصة وسدت بوجهي جميع أبواب السماء والأرض فأصبحت أمام خيارين كلاهما سيء الأول: استرجاع النقود بمساعدة شخص يتعامل مع الجن والثاني: الانتحار فأي الطريقين أسلك؟؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هون عليك أيها المسلم، فما بعد الضيق إلا الفرج، وإن مع العسر يسرا، وكلما أغرق الليل في ظلامه اقتربت تباشير الصباح، وسيأتي الفجر حتما ليمحو كل آثار الظلام الدامس، وستشرق الشمس فعلا، لينتشر النور في أرجاء الأرض، وتظهر الحياة، وجثوم الهم على قلب المسلم لا ينبغي أبدا أن يحيد به عن حسن الظن بالله، وضرورة اللجوء إليه، فما خاف غيره إلا ليأمن به، وما اضطرته البلايا إلا إلى اللجوء إليه.
ولا تقل: سدت في وجهي أبواب السماء.
من ذا الذي سدها في وجهك؟
ومن أين لك خبر السماء؟
وكيف تسيء الظن بربك؟ وهو الجواد الكريم سبحانه القائل – كما في الحديث القدسي الصحيح -:
(يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ) .
رواه مسلم (2577) .
كيف تسيء الظن بمن بيده ملكوت السموات والأرض؟ يدبر الأمر، يصرف الآيات، كل يوم هو في شأن، يجيب داعيا، ويعطي سائلا، ويفك عانيا، ويشفي سقيما، ويكشف كربا، ويجيب مضطرا، ويغفر ذنبا، ويحيي حيا، ويميت ميتا، ويربي صغيرا، ويعتق رقابا، ويعطي رغابا، ويقحم عقابا.
وهو أجود الأجودين وأكرم الأكرمين، يعطي عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله، يشكر على القليل من العمل وينميه، ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، يستحي من عبده حيث لا يستحي العبد منه ويستره حيث لا يستر نفسه، ويرحمه حيث لا يرحم نفسه، دعاه بنعمته وإحسانه، وناداه إلى كرامته ورضوانه، فأبي، فأرسل في طلبه وبعث معهم إليه عهده، ثم نزل سبحانه بنفسه وقال: من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟
وكيف لا تحب القلوب من لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو، ولا يجيب الدعوات ويقيل العثرات ويغفر الخطيئات ويستر العورات ويكشف الكربات ويغيث اللهفات وينيل الطلبات سواه؟
فهو أحق من ذكر، وأحق من شكر، وأحق من حمد، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغى، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطي، وأرحم من استرحم، وأكرم من قصد، وأعز من التجيء اليه، وأكفي من توكل عليه.
أرحم بعبده من الوالدة بولدها، وأشد فرحا بتوبة عبده التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامها وشرابه في الأرض المهلكة إذا يئس من الحياة فوجدها، وهو الملك فلا شريك له، والفرد فلا ند له، كل شيء هالك إلا وجهه، لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصي إلا بعلمه.
يطاع فيشكر، ويعصي فيغفر، أقرب شهيد وأدنى حفيظ، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي وكتب الآثار ونسخ الآجال، فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، عنت الوجوه لنور وجهه، وعجزت القلوب عن إدراك كنهه.
أكف جميع العالم ممتدة إليه بالطلب والسؤال، ويده مبسوطة لهم بالعطاء والنوال، يمينه ملأى، لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، وعطاؤه وخيره مبذول للأبرار والفجار، له كل كمال، ومنه كل خير، له الحمد كله، وله الثناء كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فتبارك اسمه، وتباركت أوصافه، وتباركت أفعاله، وتباركت ذاته، فالبركة كلها له ومنه، لا يتعاظمه خير سئله، ولا تنقص خزائنه على كثرة عطائه وبذله.
"تفسير ابن كثير" (7/495) ، "الجواب الكافي" (ص 166) ، "شفاء لعليل" (ص 184) .
فلا تقنط من رحمة الله، ولا تيأس من روح الله، وأحسن الظن به، وتوكل حق التوكل عليه، والجأ إليه في كل ما أهمك وألمّ بك، واستعن به ولا تعجز، واعلم أنه عند ظن عبده به: إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
واعلم أن البلاء رحمة، والمؤمن بين خيري مقدورين: نعماء يشكرها، أو ضراء يصبر عليها.
وقد روى الترمذي (2398) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: (الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ: فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) .
صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
ثانيا:
الانتحار باب من أبواب العذاب، وكبيرة من كبائر الذنوب، ومسلك القانطين اليائسين من رحمة رب العالمين، وهو القائل سبحانه على لسان خليله إبراهيم عليه السلام: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر/56]
روى البخاري (5778) ومسلم (109) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا.
وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا.
وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) .
وروى البخاري (3463) ومسلم (113) عن جُنْدَب بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) .
فاحذر يا عبد الله من تلك الجريمة، والفعلة البائسة الضالة، فإنك مهما أصابك من ألم وضر في الدنيا، ومهما بلغت بك شدتك، فهي أهون مرات ومرات من ذلك الجرم العظيم، بل لا مقارنة بينهما أصلا؛ أين تعب الدنيا ونصبها، من جهنم وجحيمها؟!
نسأل الله أن يفرج كربك، ويهدي قلبك، ويشرح صدرك.
ثالثا:
قد ذكرت طريقين، وتسأل عن أيهما تسلك؟ ونسيت طريقا ثالثة هي أهدى سبيلا، وأرشد دليلا: صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض.
إنها طريق الأمن في أرض المخاوف، وسبيل الرشد المنقذ من الضلال، ونهج الراغبين الذين لا يزيدهم البلاء إلا رغبة فيما عند الله من الخير، ورهبة مما عنده من العذاب.
يقول الله عز وجل: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأعراف/168
أي: اختبرناهم بالخير والشدة، والرغبة والرهبة، والعافية والبلاء، ليرجعوا إلى طاعة ربهم وينيبوا إليها، ويتوبوا من معاصيه.
فكثيرا ما يكون البلاء أرحب أبواب التوبة والإنابة، وأوضح طريق للرجوع إلى الله.
رابعا:
أكثر أهل العلم على أنه لا يجوز الاستعانة بالجن في الوصول إلى المفقود، أو غير ذلك من المباحات؛ لأنهم غالبا لا يعينون شخصا إلا إذا وصلوا لمأربهم منه، من الخضوع لهم، والوقوع في أنواع من الشرك والضلالات. نسأل الله العافية. قال الله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الِْنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" أي: كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع، فزاد الإنس الجن رهقا أي: طغيانا وتكبرا لما رأوا الإنس يعبدونهم، ويستعيذون بهم، ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن ضمير الواو؛ أي: زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف قال: " أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ". انتهى. "تفسير السعدي" (890) .
قال علماء اللجنة الدائمة:
" الاستعانة بالجن أو الملائكة والاستغاثة بهم لدفع ضر أو جلب نفع أو للتحصن من شر الجن شرك أكبر يخرج عن ملة الإسلام والعياذ بالله - سواء كان ذلك بطريق ندائهم أو كتابة أسمائهم وتعليقها تميمة أو غسلها وشرب الغسول أو نحو ذلك، إذا كان يعتقد أن التميمة أو الغسل تجلب له النفع أو تدفع عنه الضر دون الله " انتهى.
"فتاوى اللجنة" (1/134-135) .
وسئل علماء اللجنة:
ما حكم الإسلام في الذي يستعين بالجن في معرفة المغيبات كضرب المندل؟
فأجاب علماء اللجنة:
" لا يجوز الاستعانة بالجن وغيرهم من المخلوقات في معرفة المغيبات لا بدعائهم والتزلف إليهم ولا بضرب مندل أو غيره، بل ذلك شرك؛ لأنه نوع من العبادة، وقد أعلم الله عباده أن يخصوه بها فيقولوا: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن عباس: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله … الحديث) انتهى.
"فتاوى اللجنة" (1/345-348)
وسئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله:
ترك جدنا تركة مخفية في بيت لنا قديم بحثنا عنها ولم نجدها، وتعرفت على شخص أكد وجودها وأنه يستطيع إخراجها، علماً أنه يستخدم الجن، لكنه أقسم بالله أنه لا يشرك بالله عندما يستخدمهم وأنه لم يشرك بالله، هل يجوز لي أن أستخدمه في إخراجها؟ علماً أنه قال لي: أنا وأنت نذهب لأحد المشايخ ونسأله عن جواز ذلك من عدمه، ولكنني لم أفعل، علماً أنني سمعت أنه يجوز ذلك إذا لم يكن فيه إضرار بالآخرين، وهو كذلك إذ التركة خاصة بنا وهي كبيرة جداً.
فأجاب الشيخ:
" ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة أن من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والمعروف أن الكهان إنما يتلقون ما يخبرون به عن الشيطان مما يسترقه الشيطان من السماء ومما يطلعون عليه من أحوال الناس، وعلى ذلك فهذا الذي يدعي أنه يعرف مكان ذلك المال، وأنه يستعين بالجن في معرفة مكان هذا المال أو غيره من الأمور المخفية الظاهر من حاله أنه كاهن، بل هو كاهن ولو زعم أنه لا يشرك، ولو أقسم على ذلك، فلا يجوز إذاً الاستعانة به على معرفة مكان هذا المال، ولكن ابحثوا عن أسباب أخرى وتحروا لعلكم تعثرون على هذه التركة دون أن تتوسلوا بما حرم الله، ولهذا نص بعض أهل العلم في تعريف الكاهن أنه الذي يخبر بالمغيبات في المستقبل ويدل على مكان المسروق وعلى الضالة، فهذا مما يحترفه الكهان ويسألهم الناس فيه، فالواجب على المسلم أن يحرص على سلامة دينه ولو فاته ما فاته من أمر الدنيا، والله أعلم " انتهى.
وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله:
" الاستعانة بالجن سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين وسيلة من وسائل الشرك، والاستعانة معناها: طلب الإعانة؛ ولهذا فمن المتقرر عند أهل العلم أنه لا يجوز طلب الإعانة من مسلمي الجن؛ لأن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم يطلبوا ذلك منهم، وهم أولى أن تخدمهم الجن، وأن تعينهم.
وأصل الاستعانة بالجن: من أسباب إغراء الإنسي بالتوسل إلى الجني، وبرفعة مقامه، وبالاستمتاع به، وقد قال - جل وعلا -: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا) الأنعام / 128، فحصل الاستمتاع - كما قال المفسرون - من الجني بالإنسي: بأن الإنسي يتقرب إليه، ويخضع له، ويذل، ويكون في حاجته، ويحصل الاستمتاع من الإنسي بالجني بأن يخدمه الجني، وقد يكن مع ذلك الاستمتاع ذبح من الإنسي للجني، وتقرب بأنواع العبادات، أو بالكفر بالله - جل وعلا - والعياذ بالله، بإهانة المصحف، أو بامتهانه أو نحو ذلك؛ ولهذا نقول: إن تلك الاستعانة بجميع أنواعها لا تجوز، فمنها ما هو شرك -كالاستعانة بشياطين الجن- يعني: الكفار - ومنها ما هو وسيلة إلى الشرك، كالاستعانة بمسلمي الجن " انتهى.
"التمهيد لشرح كتاب التوحيد" (2/ 373-374) - ترقيم الشاملة.
والله أعلم.
راجع إجابة السؤال رقم: (111938) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/14)
متزوجة حديثا، وتشتكي من عدم محبتها لزوجها، وتريد الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي متزوجة من 8 أشهر وتشتكي من عدم محبتها لزوجها وتريد الطلاق منه علماً بأنه من أفضل الشباب خلقاً وعلماً، فسؤالي هنا: ماذا تنصحني في الإصلاح مثلاً أو إن كان لا يناسبهم إلا الطلاق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دمت تذكر أن زوجها من أفضل الشباب خلقاً وعلماً، فالنصيحة لها أن تصبر، ولا تتعجل في طلب الطلاق، فقد تتغير الأحوال إلى ما تحب.
وعليها أن تبحث في أسباب ذلك وتحاول علاجها، فقد يكون ذلك بسبب بعض تصرفات زوجها، أو انشغاله عنها..
فتحاول معه شيئاً فشيئاً، فقد يكون لا ينتبه إلى خطأ ما يفعله، فيحتاج من ينبهه عليه.
وإذا كان في زوجها بعض الصفات أو التصرفات التي لا تحبها فينبغي أن تتحمل ذلك في مقابلة ما فيه من الخير الكثير، فإنه لا يوجد شخص كامل في كل شيء.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَفْرَكْ [أي: لا يبغض] مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) . رواه مسلم (1469) .
قال النووي رحمه الله:
" أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضهَا , لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَه وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُون شَرِسَة الْخُلُق لَكِنَّهَا دَيِّنَة أَوْ جَمِيلَة أَوْ عَفِيفَة أَوْ رَفِيقَة بِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ " انتهى.
وقال ابن الجوزي رحمه الله:
" المراد من الحديث أن المؤمنة يحملها الإيمان على استعمال خصال محمودة يحبها المؤمن فيحتمل ما لا يحبه لما يحبه " انتهى.
"كشف المشكل" (ص 1044) .
وهذا الحديث ينطبق أيضا على الزوجة مع زوجها، والصاحب مع صاحبه.
قال القاري رحمه الله في "مرقاة المفاتيح" (10 / 181) :
"فيه إشارة إلى أن الصاحب لا يوجد بدون عيب، فإن أراد الشخص بريئا من العيب يبقى بلا صاحب، ولا يخلو الإنسان سيما المؤمن عن بعض خصال حميدة فينبغي أن يراعيها" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وهذا من الموازنة بين الحسنات والسيئات، بعض الناس ينظر إلى السيئات والعياذ بالله فيحكم بها وينسى الحسنات، وبعض الناس ينظر للحسنات وينسى السيئات، والعدل: أن يقارن الإنسان بين هذا وهذا، وأن يميل إلى الصفح والعفو والتجاوز؛ فإن الله تعالى يحب العافين عن الناس، فإذا وجدت في قلبك بغضاء لشخص فحاول أن تزيل هذه البغضاء وذكر نفسك بمحاسنه، ربما يكون بينك وبينه سوء عشرة أو سوء معاملة لكنه رجل فاضل طيب محسن إلى الناس يحب الخير، تذكر هذه المحاسن حتى تكون المعاملة السيئة التي يعاملك بها مضمحلة منغمرة في جانب الحسنات" انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (ص 1827) .
وقال أيضا: "الحاصل: أن الإنسان ينبغي له أن يعامل من بينه وبينه صلة من زوجية أو صداقة أو معاملة في بيع أو شراء أو غيره أن يعامله بالعدل، إذا كره منه خلقا أو أساء إليه في معاملة أن ينظر للجوانب الأخرى الحسنة حتى يقارن بين هذا وهذا؛ فإن هذا هو العدل الذي أمر الله به ورسوله" انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (ص 324) .
هذا.. وقد قال الله تعالى:
(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة / 216. وقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/ 19.
فالإنسان لا يدري أين الخير له؟ وكثيراً ما يأتي الخير من حيث يظن الإنسان أنه شر.
قال ابن القيم رحمه الله: "العبد لا يريد مصلحة نفسه من كل وجه ولو عرف أسبابها، فهو جاهل ظالم، وربه تعالى يريد مصلحته ويسوق إليه أسبابها، ومن أعظم أسبابها: ما يكرهه العبد؛ فإن مصلحته فيما يكره أضعاف أضعاف مصلحته فيما يحب" انتهى.
"مدارج السالكين" (2/ 205) .
فعليها أن تصبر وتدعو الله تعالى أن يوفق بينها وبين زوجها ويجمع بينهما في خير، ولتستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد يكون ما تجده من نفسها وسوسة منه، وليس له سبب صحيح، فإن الشيطان حريص على التفريق بين الزوجين.
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرها وأن يجمع بينها وبين زوجها في خير.
ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم: (102637) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/15)
كيف يتصرف من يعلم بعلاقة محرمة لامرأة متزوجة مع أجنبي عنها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة متزوجة، وهي على علاقة برجل آخر غير زوجها، تكلمه وتخرج معه، وهناك امرأة أخرى تعرف بهذا، وهي تعرف أقارب زوج تلك المرأة، فماذا تفعل؟ هل تخبر والدة الزوج؟ أو الزوج نفسه بما تعرف عن زوجته؟ أم ماذا تفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
في مثل هذه المسائل نشدد على وجوب الجزم قبل الحكم، ونعني به: الجزم بوجود علاقة محرَّمة قبل الحكم على المرأة بالخيانة، فكثيراً ما يحدث إساءة للظن بوجود علاقات محرمة، ولا يكون الأمر كذلك، فالأصل في المسلم: البراءة، ولا يحل وصفه بما لا يليق، ولا الحكم عليه بالفجور والخيانة إلا أن يثبت ذلك ببينة شرعية، أو يعترف الشخص بفعل تلك المحرَّمات.
فإذا ثبت على تلك المرأة ما ورد في السؤال فالذي ينبغي فعله معها هو:
1- تذكيرها بالله، ونصحها بترك الحرام، وتخويفها بالفضيحة في الدنيا والآخرة – إن أمكن ذلك - فإن تركتْ ما هي عليه من حال سيء، وانقلبت إلى حال الهداية والعفاف فقد حصل المقصود.
2- فإن أصرَّت على ما هي عليه، فلابد من إخبار زوجها بذلك، ولكننا نختار أن يُخبَر أهلُها أولاً، فلعلَّ ذلك يردعها عن معصيتها، وتحافظ به على بيتها، وأولادها.
3- فإن لم ينفع ذلك، أو لم يكن لها أهل يستطيعون التأثير عليها فينبغي إخبار زوجها، ودون تردد، ثم ينظر هو في الأصلح له ولها ويفعله.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أنا سائق مصري، محتار في تصرف زوجة كفيلي؛ حيث إنها تأخذ حاجات من المنزل، وتأمرني - أنا السائق - أن أنزل بها إلى السوق، ثم تدخل بعض الدكاكين، ثم تدخل إلى المكاتب الداخلية، وتتصل بالتلفونات ساعة ونصف، أو أكثر، أو تستخدم تلفون الشارع، ويقول: إنها تهدده بالطرد، وبإلصاق التهم به، فهل يخبِر زوجَها بذلك؛ لأنه لا يرضى هذا التصرف منها، وهو رجلٌ مسلم؟ .
فأجاب:
"حقيقة الأمر: أن هذا التصرف الذي أشرتَ إليه إذا كان حقّاً: فإنه تصرفٌ سيء، ولا يرضاه أحدٌ من المسلمين، ونحن نشكرك على هذه الغيرة على صاحبك الذي أنت عنده، بل وعلى هذه الغيرة على زوجته أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (انصُر أخاكَ ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله، هذا الظالم فكيف نصْرُ المظلوم؟ فقال: أن تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه) فأنت ناصحٌ لكفيلك، ولزوجته أيضاً، وعليك في هذه الحال - إذا لم يُفِد معها النصح -: أن تخبر زوجها بذلك؛ لتخرج من المسئولية، وأنت إذا أخبرته بذلك: فلن يضيرك شيءٌ إن شاء الله؛ لأن الله تكفل بأنَّ مَن اتقى الله تعالى جعل له مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (شريط رقم 43) .
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله:
تقبض " الهيئة " أحياناً على رجل وامرأة في خلوة محرمة، وتقوم " الهيئة " بالستر على المرأة، وإحالة الرجل إلى الجهات المختصة , فهل الستر على المرأة هذا أمرا جائز أم لا؟ مع ذكر ما يدل على ذلك , جزاكم الله خيراً.
فأجاب:
"إذا كان هذه المرأة لأول مرة عثر عليها، ولم يُسمع عنها إلا سمعة حسنة , قد خدعها هذا الرجل – مثلاً -، أو احتاجت إلى من يُركبها، فأركبها ليوصلها إلى بيتها، ولكنه تجاوز ذلك، وذهب بها، ولم ترض: عُرف بذلك أنها ليست من أهل هذه المنكرات: يعفى عنها.
وكذلك إذا كان عُرف أنها صاحبة منكر، وأنها تريد الفاحشة، ولكن هذا لأول مرة: ترتب على الرفع بأمرها وإخبار زوجها طلاق، أو مفاسد: فيؤخذ عليها التعهد، ويُستر عليها، ويبيَّن لها أنها إذا عادت مرة ثانية: يحصل فضيحتها، ونحو ذلك.
وأما إذا كانت ذات عادة متكررة: فنرى أن إبلاغ زوجها، أو إبلاغ أبيها بذلك هو الأولى؛ حتى لا تفسد زوجها، ولا تفسد نفسها، ولا تفسد سمعة أهلها" انتهى.
http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=9&book=162&toc=7894&page=6914
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/16)
أب يجاهر بفجوره أمام أسرته ولا ينفق عليهم، فكيف يتصرفون معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في أب له من الأولاد اثنان من سن 15 - 18، ولا يصرف عليهم، ولا على منزله منذ أكثر من عشر سنوات؛ حيث إن الأم هي المتكفلة بهم، رغم أنه يعمل، ويعيش معهم في نفس المنزل، وقد أفسد في ابنه الصغير 15 سنة ما لا يمكن إصلاحه، ويقيم علاقات غير شرعية مع سيدات، ووصل به الأمر إلى إرسال ابنه الصغير لهم بالنقود، ومحادثتهن أمام أبنائه على الهاتف، وحيث إنه حاولت أخواته، والكثير من الأقارب محادثته، لكنه لا يرضي أن يسمع لأي شخص، كبير، أو صغير، فما حكم المعاملة بينه وبين أبنائه، وزوجته؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أساء هذا الأب لنفسه حين فرَّط في الأمانة التي أوكل الله تعالى له حفظها، ورعايتها، والعناية بها، فزوجته وأولاده من رعيته التي سيسأله الله تعالى عنها، حفظها، أم أضاعها، والويل له – ولغيره ممن هو مثله – إن لم يتدارك نفسه، ويرجع إلى دينه، ويعتني بهذه الأمانة لينجو يوم القيامة من إثم التضييع، والتفريط.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ... ) رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
وعن مَعْقِلِ بْنِ يسار المُزنيِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّةَ) وفي رواية: (فَلَمْ يَحُطْها بِنَصِيحَةٍ إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) رواه البخاري (6731) ومسلم (142) .
ثم إن ذلك الأب لم يكتف بالإهمال في الإنفاق على أسرته – وهو أمر أوجبه الله عليه – بل إنه جعل نفقته تلك على المحرمات من شهواته الدنيَّة، فبدلاً من إنفاقها على زوجته التي أحلها الله له، وأوجب نفقتها عليه: جعل تلك النفقة في النساء الساقطات، وبدلاً من أن يضع المال في نفقة أبنائه: جعله في الفواحش، والمحرمات.
ثانياً:
الواجب على أسرة ذلك الأب بذل الوسع في نصحه، ووعظه، وعدم تركه فريسة للشيطان، وأن يصحب ذلك تلطف في الأسلوب، ولين في الكلام، وها هو إبراهيم عليه السلام يضرب لنا أروع الأمثلة في خطاب الابن الصالح مع الأب الكافر الفظ الغليظ، فاستمع لإبراهيم عليه السلام يقول لأبيه: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيّاً. يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً) مريم/ 43 - 45، واستمع لرد ذلك الوالد الفظ كيف كان، (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) مريم/ 46، فماذا كان رد الابن الصالح على هذه الغلظة، وذلك التهديد؟ (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) مريم/ 47.
وإننا لنرجو أن يكون استعمال الأسلوب الحسن نافعاً مع ذلك الأب، مع كثرة الوعظ، والتذكير له؛ لأنه يعيش في غفلة مهلكة، ولا يمكن لمثله أن يكون سعيداً في قلبه، فلعله يأتيه وقت يجد لكلامكم أثراً طيِّباً في تغيير حاله للأحسن.
ولا يجوز لأبنائه وزوجته أن يطيعوه فيما حرَّم الله تعالى، وعليهم بذل الوسع في القضاء على كل طريق يصل من خلالها لارتكاب المحرمات، وما لا يستطيعونه من ذلك: فلا إثم عليهم فيه وهم غير مكلفين إلا بما في وسعهم.
وإذا لم يُجْدِ النصح معه نفعاً، وكان له تأثير سيء على أبنائه، ويُخشى من تعدي السوء إلى أفراد أسرته: فالذي ننصح به هو الانفصال عنه بالكلية ـ إن أمكن ـ، وخاصة أنه لا ينفق على أسرته، فليس هناك حاجة للبقاء معه إذا انغلقت طرق إصلاحه، وأوصدت أبواب هدايته، بل لا يصدر منه إلا الشر المتعدي لتلك الأسرة.
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله:
قال الإمام أحمد: يأمر أبويه بالمعروف، وينهاهما عن المنكر.
وقال أيضاً: إذا رأى أباه على أمر يكرهه: يعلِّمه بغير عنف، ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي.
وقال أيضاً: إذا كان أبواه يبيعان الخمر: لم يأكل من طعامهم، وخرج عنهم.
وقال أيضاً: إذا كان له أبوان لهما كرم يعصران عنبه ويجعلانه خمراً يسقونه: يأمرهم، وينهاهم، فإن لم يقبلوا: خرج من عندهم، ولا يأوي معهم.
"الآداب الشرعية" (1/476) .
نسأل الله أن يهدي والدهم للحق، وأن يجمع بينه وبين أسرته على خير.
وانظر – لمزيد فائدة – أجوبة الأسئلة: (120070) و (104976) و (95588) و (27281) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/17)
مسلمة عمرها 12 عاماً والدها ملحد وأمها نصرانية يسبَّان ربها ونبيَّها فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبلغ من العمر اثني عشر عاماً، وأعيش مع أب ملحد، وأم مسيحية، وقد اعتنقتُ الإسلام مؤخراً، إن والداي لم يرحبا باعتناقي الإسلام، والأسوأ من ذلك: أنهما منعاني من قراءة القرآن، ودخول المواقع الإسلامية، وإخبار الناس بإسلامي، ومقابلة المسلمين - سواء على النت، أو في الواقع -، ومنعوني ارتداء ثياب متواضعة، وأشياء أخرى كثيرة، والسبب: " فوبيا الإسلام " الغبية، وغير العقلانية، لقد حاولت أن أريهم كيف هو الإسلام في الحقيقة، ولكن ما من شيء أقوله، أو أفعله يغيِّر من رأيهم. في الواقع: إنهما يحاولان الآن أن يرياني كيف يحتقران الإسلام في كل كلمة، وكل فعل، من إلقاء النكات الغبية عن الإرهاب، وحتى سب الله والرسول صلى الله عليه وسلم بأقذع الألفاظ. إن المشكلة تزداد سوءاً؛ لأنه نظراً لأنني ما زلت صغيرة: فأنا لا استطيع القيام بأي شيء دون مساعدة والديَّ، فعلى سبيل المثال: لا تباع هنا الملابس الإسلامية؛ نظراً لوجود قلة من المسلمين، ومن ثم أضطر إلى شراء الحجاب من الإنترنت، وأحتاج إلى بطاقات الائتمان الخاصة بهما من أجل إتمام عملية الشراء، كما أنني أدرس في مدرسة مسيحية! وأحتاج إليهما لتغييرها، حيث إنني لا أستطيع القيام بذلك بنفسي، كما أنهما لا يتركاني أغادر البيت بمفردي، لذا فأنا أحتاج إليهما لكي يقوما بتوصيلي إلى المسجد، وهكذا، لذا فإن عدم موافقتهما تعني أيضاً عدم قدرتي على إتباع الدين بالكامل. كما أنهما يجبرانني على القيام بأشياء تخالف الإسلام، مثل: الذهاب إلى الكنيسة، والرقص، وارتداء ملابس تجعل ذراعي، وساقي، وشعري: عاريا جزئيّاً، أو تماماً. إنني قلقة بهذا الشأن، فالقرآن يأمرنا بطاعة الوالدين، واحترامهما، والإحسان إليهما، ولكنه لا يبدي أي تهاون عندما يتعلق الأمر بمن يكرهون الإسلام، وأنا لا أعلم ماذا أفعل، فإذا أطعت والديَّ: فسأقوم بالكثير من الأشياء التي تخالف الإسلام، وإذا قمت باحترامهما: فإنني بذلك أحترم من لا يحترمونني كمسلمة، وسأدعهما يقولان تلك الأشياء الرهيبة عن الإسلام، ولكني إذا لم أطعهما وأحترمهما فإنني بذلك أسلك مسلكا رهيباً من وجهة نظر الإسلام، وأنا أعتقد أن كِلا الفعلين خطأ، فما الذي يجب عليَّ فعله؟ . وبارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. نحن في غاية الفرح أن وصلتنا رسالتك، وفيها البشارة بدخولك في الإسلام، ونعتقد أن فرحتك بالانتساب لهذا الإسلام هي فرحة العمر؛ فإن أجل نعم الله على عبد من عبيده: أن يهديه ويشرح صدره للإسلام، فنسأل الله أن يتم عليك نعمة الإيمان والعافية، وأن يثبتك على ذلك إلى يوم لقاء رب العالمين.
2. وأفرحنا جدّاً حبُّكِ للإسلام، ورغبتك بالتمسك بشرائعه، ونرى أن هذا من فضل الله تعالى عليكِ، حيث إننا نشعر أنك قد تذوقت حلاوة الإيمان، في الوقت الذي حرم منها كثيرون ممن ينتسب إلى الإسلام في الاسم والصورة.
3. وآلمنا جدّاً ما عليه والداك من الكفر بالله تعالى، وآلمنا أكثر: سبُّهم لله تعالى، ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، مع أن الرب تعالى هو ربُّهم، وخالقهم، ورازقهم، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، الذي أخذ الله ميثاقه على كل نبي ـ وعلى أتباعه من باب أولى ـ أن يكون تابعا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إذا بعث محمد وهو حي. قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) سورة آل عمران/81-83.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من سمع به، ولم يتبعه، ولم يؤمن به: فقد حرم الله عليه الجنة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ: إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) . رواه مسلم (153) .
قال الإمام النووي رحمه الله:
" وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ) : أَيْ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا، فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى. "شرح مسلم". 4. إننا نقدر جدا صعوبة الظرف الذي أنت فيه، ونسأل الله جل جلاله، أن ييسر لك أمرك، وأن يجعل لك فرجا ومخرجا مما أنت فيه؛ لكن الأمر ـ رغم صعوبته ـ ليس لغزا محيرا؛ فأنت ـ أولا، وقبل كل شيء ـ مأمورة بطاعة الله جل جلاله فيما فرض عليك؛ فتفعلي ما أمرك به من العبادات، وتتركي ما نهاك عنه من المحرمات، وهذا فقط هو سبيل الهداية، قال الله تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) سورة النور/54.
وإذا كنت مأمورة بالإحسان إلى والديك وحسن صحبتهما، وإن كانا كافرين، فليس معنى ذلك أن تعصي ربك إرضاء لهما، أو أن تقدمي طاعتهما على طاعة الله تعالى، بل طاعة الله وطاعة رسوله مقدمة على كل شيء، وعلى طاعة كل أحد. قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) العنكبوت /8.
قال ابن كثير رحمه الله:
" يقول تعالى آمرا عباده بالإحسان إلى الوالدين، بعد الحث على التمسك بتوحيده، فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان ... ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما في مقابلة إحسانهما المتقدم، قال: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} أي: وإن حَرَصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين، فإياك وإياهما، لا تطعهما في ذلك، فإن مرجعكم إليَّ يوم القيامة، فأجزيك بإحسانك إليهما، وصبرك على دينك، وأحشرك مع الصالحين، لا في زمرة والديك، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا؛ فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع مَنْ أحب، أي: حبا دينيا؛ ولهذا قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (6/264-265) .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه أحمد (1089) وصححه الألباني.
وبناء على ذلك: فحين يتعارض أمر والديك لك بأي شيء، مع أمر الله ورسوله لك: فلا تطيعي أبويك، بل قدمي طاعة الله ورسوله، وليس ها هنا شيء من الخطأ.
لكن ذلك لا يعني سقوط كل حق لوالديك عليك، بل أمر الله تعالى بالإحسان إليهما، ومعاملتهما معاملة طيبة، رغم ذلك، قال الله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15.
ونعتقد أن ما قدمناه لك من بيان الموقف الشرعي من هذه المشكلة، هو حل كاف لها، من الناحية النظرية على الأقل.
5. لكن تبقى بعد ذلك الناحية العملية، وهي الجانب الأصعب في مشكلتك، نظرا لظروفك المحيطة بك، وصغر سنك الذي لا يمكنك من الاستقلال بنفسك، وتطبيق ما ترينه صحيحا؛ فاعلمي – أختنا – أن الله تعالى لا يكلفك فوق ما تستطيعين وتقدرين، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/ من الآية 286، وقال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) الطلاق/ من الآية 7، وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/ من الآية 16، وقال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) .
رواه البخاري (6858) ومسلم (1337) ، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجه (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
6. وحينئذ؛ فالواجب عليك أن تجتهدي في عمل كل ما تسطيعينه من الواجبات الشرعية، وترك كل ما تقدرين على تركه من المحرمات، وأن تبادري إلى ذلك بقدر إمكانك؛ فإن منعوك من الصلاة أمامهم: فصلي من ورائهم، وإن منعوك من ارتداء الحجاب الكامل، أو لم تتمكني من الحصول على الملابس الإسلامية: فاجعلي ملابسك أقرب ما يمكنك إلى الملابس الإسلامي، ولو أن تتعلمي أنت أن تصنعي لنفسك شيئا من ذلك، أو قريبا منه. وإذا طلبوا منك أن تذهبي للكنيسة: فتعللي بأي شيء، وتهربي من ذلك قدر الإمكان، واخترعي الأعذار التي تعفيك من ذلك، وليس كل النصارى في الغرب، ولا في الشرق، يذهبون إلى الكنيسة، بل الأقل منهم من يفعلون ذلك.
وهكذا: حاولي أن تتهربي من حفلات الرقص والغناء، وما يأمرانك به مما فيه معصية، بأي عذر تخترعينه لذلك، فإن أجبرت على حضور الحفل، فاهربي من ممارسة الرقص، خاصة إذا كان مع الرجال، أو في حضورهم، وأظهري المرض، أو نحو ذلك مما يعفيك منه.
وما يجبرانك عليه من محرمات فافعلي منها الحد الأدنى، فاجعلي اللباس أستر ما يكون، ولا تسهري في مناسبتهم الحفلة كاملة، وهكذا في سائر المحرمات.
وبصفة عامة: اجتهدي في أن تفعلي ما تستطيعينه من شعائر الإسلام، وأن تتركي ما تقدرين على تركه، فإن أكرهوك على شيء من ذلك، فاجعلي تصرفاتك من الخارج فقط، واجعلي قلبك دائم الصلة بالله، والذكر له، إلى أن ييسر الله لك فرجا مما أنت فيه، وأبشري فإن الفرج قريب، وإن مع العسر يسرا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) سورة الطلاق/2-3.
7. وننصحك بالتواصل مع الأخوات المسلمات، سواء بالمواجهة، أو عن طريق الإنترنت، وكما ننصحك بالتواصل مع المواقع الإسلامية النافعة لك في دينك، والتي تستفيدين منها لتقوية إيمانك، وتزدادين بها علماً، وإذا أمكنك التواصل مع أحد المراكز الإسلامية القريبة منك: فسوف يكون في ذلك خير كثير، إن شاء الله، ولعلهم ـ بحكم خبرتهم بالمكان، وتعرضهم لكثير من هذه المشكلات ـ أن يكون عندهم من الحلول والمساعدات العملية أكثر مما اقترحناه عليك.
8. واعلمي – أختنا – أن من سبقك بالإسلام قد عاش طائفة منهم في ظروف قاسية، حيث تعذيب الأبوين، وضربهم، ومنعهم من حقوقهم الإنسانية، وقد صبروا على ما أوذوا، واحتملوا ما أصابهم في سبيل الله، حتى جاءهم نصر الله، فنجاهم الله مما كانوا فيه، وانقلبوا بنعمة من الله وفضل، وكانوا من الفائزين، فلا تيأسي مما أصابك، ولا تحزني على حالك، فأنت في رعاية الله، وتحت سمعه وبصره، واثبتي على ما أنتِ عليه من الهدى والحق، كما صبر من قبلك، واعلمي أن هذا اختبار من الله تعالى ليرى صدق إيمانك، فيجازيك عليه خير الجزاء، في الدنيا، والآخرة، وعسى الله أن يجعل نصره وتأييده لك عاجلاً غير آجل.
9. والداك بحاجة لك لإنقاذهما من نار جهنم، ومن سخط الله، فنوصيك بإظهار خير صورة للمسلمة المستقيمة، بحسن التصرف معهما، وبرهما، والتلطف في مخاطبتهما، والعناية بطعامهما وشرابهما، والقيام على خدمتهما، فلعلهما أن يراجعا نفسيهما، ويخففا عنك الضغط، أو يتركانه، كما نوصيك بصدق الدعاء والطلب من الله أن يهديهما للإسلام، وأن يميتهما على الإيمان، وما ذلك على الله بعزيز، واسمعي لهذه القصة:
روى مسلم (2491) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ) فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتْ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْشِرْ، قَدْ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْراً.
10. ولا ننصحك بالهرب من البيت، والخروج منه؛ فإن مفاسد ذلك أكثر من بقائك فيه، وإن من قد يؤويك فإنه يعرِّض نفسك لأقسى العقوبات في قوانين بلادكم الجائرة، فليس أمامنا من نصح لك إلا الصبر، وقطع التفكير في الهروب من البيت.
ونسأل الله العلي القدير أن يثبتك على الهدى والرشاد، وأن يعافيك في دينك وبدنك، وأن يهدي أبويك للإسلام، وأن يقر عينيك بهما مؤمنين صالحين، في الدنيا، والآخرة.
ونرجو منك أن تبقي على تواصل معنا، ونحن أهلك، وإخوانك، ولعل الله أن يرزقك من دعوات إخوانك الذي يطالعون قصتك: ما ينفعك الله به، ويفرج عنك كربك ببركته.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/18)
انتكاسة شاب ملتزم بعد خطبته، الأسباب، والعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مقبل على الزواج من إحدى قريباتي التي التقيت بها لأول مرة عندما ذهبت لخطبتها، برغبة شديدة، ومباركة من أهلي , وقد كنت - تقريباً - موافقاً عليها قبل أن أراها , وقد زادت رغبتي في الزواج منها عندما شاهدتها لأول مرة، حيث شعرت بقبول قلبي الشديد لها؛ حيث كان أحد أصحابي الملتزمين قد أوعز لي بأهمية النظرة الأولى , وقد برزتْ أمامي بملابس بيتها، كاشفة شعرها، ويديها، وشيئاً من صدرها , وكانت تلبس البنطال , وكان ذلك بوجود أهلها , وكان من أبرز ما بهرني بها: جمالها - ما شاء الله - , وأدبها الكبير , وحياؤها , وسمعتها الطيبة بكل ما سبق، عند كل من سألته من أهلي عنها , ومما شجعني على الزواج منها: اشتهار والدها برجولته , وقراره الحازم , وكذلك أخلاق أمها التي لم أجد أحسن منها فيما أعلم من النساء. حالي قبل الزواج: أنا شاب ملتزم، وألقَّب بين غالب الناس بـ " الشيخ " خاصة في عملي كمهندس. صاحب لحية على السنَّة، حوالي أكثر من قبضة بقليل، أكره مساسها، إلا شيئاً بسيطاً. لا ألبس البنطال إلا في عملي فقط، دائما بالثوب. ثوبي كله على السنَّة فوق الكعب. أحفظ القرآن، وملتزم بحلقات لذلك. أكره سماع الأغاني، والمسلسلات، والأفلام , وأكره كل ذلك، في الأعراس، وغيرها، وحتى في نغمات الجوال. لا أحب ما يسمَّى بـ " الأناشيد الإسلامية " , ولا أعترف بجوازها , وأكره محترفها. أحارب البدع القولية، والفعلية، ما استطعت. أكره التصوير كله، سواء كان فيديو، أو فوتوغرافيا , وأكره تخليد الذكرى به. أحترم المنقبات , ولا أوافق أبداً وأبداً على أن تكون زوجتي غير ذلك , وبالنقاب الكامل الذي لا يظهر أي شيء منها أبداً. أحاول بكل وسيلة أن أَظهر بكل مظاهر الالتزام. حالي الآن بعد الخطبة، وقبل الزواج: أكره أن ألقب بـ " الشيخ " , وقد أوعزتُ إلى أكثر من يعملون معي بهذا , ولكن دون ذكر سبب صريح لذلك , وتضايقت من أمي لأنها وصفتني بذلك عند أهل زوجتي قصرت لحيتي شيئا فشيئا , وأرغب في تقصيرها أكثر من ذلك , ولكن أخشى الناس وكلامهم. أصبحت أحاول لبس البنطال أكثر , وخاصة الرياضي , وأحاول اعتماد ذلك حيث أظن زوجتي تحب ذلك. طولت ثوبي – الدشداشة - ولكنها باقية فوق الكعب، أما البنطال: فصار طويلاً، لا يراعي كعباً، ولا غيره , وأرى ذلك يوافق عادات الناس التي لا تؤثر كثيراً على الالتزام. أحب لو أني أسمع الأغاني , ولا أمنع أحداً من أهلي، أو غيرهم من سماعها، وأعطيت زوجتي الإذن بذلك , ولكن طلبت منها عدم المبالغة , وتركت تقدير ذلك لها , وفي حفلة خطوبتي: سمحتًُ بكثير من الأغاني، بخلاف ما كنت أدندن عليه ولفترة طويلة من تشددي في ذلك. وزد على هذا: دخلتُ عند النساء في خطبتي، حتى مجرد الاعتراض على ذلك لم أبده، بل فرحت كثيراً عندما أبدت زوجتي فخرها بذلك أمام زميلاتها اللواتي لم يتوقعن ذلك مني. أصبحت أحضر أي عرس أدعى إليه , ولا أنكر المنكر حتى بقلبي! وأحب بعض النغمات في الجوال. أرى أن بعض البدع القولية والفعلية مبالغة فيما لا داعي له , وقدر المستطاع لا أنكر حتى إن رأيت زوجتي تشرب باليسرى، فاستحسنت ذلك بنفسي. أحب التصوير، وأحاول إشاعة عدم إنكاري لهذا بين الناس , وأكرر على زوجتي كثيراً رغبتي في كثرة التصوير في عرسنا، وهي سعيدة بهذا. لا أحب أن تكون زوجتي منقبة , ولكني لم أصرح بهذا لها , ولكني أظنها فهمت ذلك مني حيث كانت قد وافقت على النقاب على مضض؛ فمنحتها فرصة أخرى للتفكير، مع أني اشترطت عليها ذلك وقت الخطبة، فوافقت هي وأمها، ثم أحسستُ منها كره ذلك، فكرهته. في أحد مكالماتي لها قالت: أحب أن أكون مثل الناس الذين أعايشهم، فأحسست بنقص شديد؛ لأني كنت ضد الناس في كثير من المواقف. كل هذا الانقلاب حدث في حوالي شهرين! ماذا حدث لي؟ ما الحل؟ أين الحق؟ لا أعرف، أو لا أكترث كثيراً إن عرفت! لماذا لا أعرف؟ أنا في حيرة عظيمة، حيث يأتيني أحيانا قليلة هاجس الفشل والضعف أمام كل الناس , وأرغب في الرجوع لسابق عهدي. هل لزواجي العامل الأكبر في ذلك، أم ماذا؟ أفيدوني، أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. أخي الكريم والله إنا لنستشعر منك محبة الدين، والاستقامة , وقد أثلجت صدورنا في بداية السطور من حبك للطاعات، والقربات، ثم - والله - أحسسنا بحزن، ومرارة، لما صار بك الحال بعد خِطبتك، فنسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك , وأن ينير لك دربك , وأن يصرف عنك استدراج الشيطان.
2. وكل من يقرأ سردك للأحداث التي جرت معك، وما صرت إليه من حال بعد حالك الأول: يجزم أنك وقعت في " فتنة "، ولعلك لا تخالفنا في ذلك، وما حصل معك من تغيير في الحال، والأحكام: هو دليل على حصول الفتنة في حياتك، وقد تنبه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان لمثل هذا، وهو الخبير بالفتن، وأهلها؛ لعلو مكانته من النبي صلى الله عليه وسلم، حتى صار أميناً على سرِّه، مع اهتمامه بأحاديث الفتن أن يعيها، ويحفظها، فماذا قال ذلك الصحابي الجليل عن مثل حالك أيها السائل؟ .
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: مَن أحب أن يعلَم أصابتْه الفتنة أوْ لا: فلينظر، فإن رأى حلالاً كان يراه حراماً، أو يرى حراماً كان يراه حلالاً: فليعلم أن قد أصابته.
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 88) والحاكم في " المستدرك " (4 / 514) .
وهذا هو عين ما حصل معك من تقلب حالك في أحكام: قصر الثوب، واللحية، والموسيقى، والنقاب للمرأة، والاختلاط، وإنكار المنكر، وغير ذلك مما تعلمه، ولا نعلمه.
بل لا نظن أنك تحتاجنا أن نقيم لك الأدلة على أن ما صار إليه حالك، والعياذ بالله، هو ضلالة بعد هدى، وانتكاسة بعد صلاح حال، نسأل الله أن يردك إلى ما يحب، وأن يصلح لك شأنك:
دَخَلَ أَبُو مَسْعُودٍ البدري رضي الله عنه عَلَى حُذَيْفَةَ، فَقَالَ: اعْهَدْ إِلَىَّ!!
فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ يَأْتِكَ الْيَقِينُ؟
قَالَ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّى!!
قَالَ: فَاعْلَمْ أَنَّ الضَّلاَلَةَ حَقَّ الضَّلاَلَةِ، أَنْ تَعْرِفَ مَا كُنْتَ تُنْكِرُ، وَأَنْ تُنْكِرَ مَا كُنْتَ تَعْرِفُ، وَإِيَّاكَ وَالتَّلَوُّنِ فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ وَاحِدٌ!!
رواه عبد الرزاق في مصنفه (11/249) والبيهقي في السنن الكبرى (10/42) .
لذا: فالواجب عليك أن تعلم الداء الذي أصابك، ثم تنقذ نفسك من آثاره السيئة، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم، ونحن على ثقة بأنك إن صدقتَ مع ربك تعالى في حب النجاة مما أنت فيه من فتنة، أنه تعالى سينجيك من تلك الفتن، ويأخذ بيدك إلى برِّ الأمان.
3. وإذا أردت النجاة من تلك الفتن: فاعلم أنك بحاجة لدوافع قوية تدفع بها تلك الشرور التي دخلت في قلبك، وعقلك، ونحن نوصيك بأشياء نرجو أن يكون لها حظ عندك في العمل، لا بمجرد العلم بها، ومن ذلك:
أ. الدعاء، فاختر آخر الليل لتقوم بين يدي ربك تعالى تناجيه بالعبادة، وتدعوه بأن ينجيك من الفتن، ما ظهر منها، وما بطن، وأن يحبب إليك الإيمان، ويزينه في قلبك، وعلى جوارحك، وأن يكرِّه إليك الكفر، والفسوق، والعصيان.
ب. العلم، وفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، كما يروى عن ابن عباس، فاحرص على تعلم دينك؛ فإن من شأن العلم الشرعي النافع أن يحفظ أهله من الزلل؛ لما يعلمونه من قصَر هذه الحياة، وعدم بقائها، وأن الموت حق لا ريب فيه.
ج. الطاعات، والأعمال الصالحة، وإنك لو تأملت نفسك لرأيت أن بداية التقصير والفتنة عندك في حياتك قد سبقها تقصير في طاعة الله، والقيام بالأعمال الصالحة، فارجع لأحسن من سابق عهدك، واجعل لنفسك ورد قراءة للقرآن والأذكار، وورد أعمال صالحة تقوم بها في ليلك، ونهارك.
د0 الصحبة الصالحة، فللصحبة الصالحة التقية الطيبة أثرها البالغ في حياة الشخص واستقامته، وقد قال الله تعالى في كتابه: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) الكهف/28.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ) . رواه الإمام أحمد في مسنده (21524) ، وقال محققوه: حسن لغيره.
هـ. الخوف من سوء الخاتمة، وأنت تعلم بأنه ليس كل مسلم يوفق لحسن الخاتمة، بل المسلم يموت على ما يعيش عليه، فاحذر من فوات وقت التوبة عليك، فلا تدري متى كتب الله عليك الموت، والدنيا دار عمل، لا جزاء، وغدا تقبل على دار جزاء، لا عمل.
4. اعلم أيها الأخ السائل: أنه لا سعادة تعدل سعادة الإيمان، والقرب، من الرحمن , ولذة الطاعة والعبادة؛ فالتقي هو السعيد , والمستقيم هو المطمئن المستريح؛ وكل سعادة خلت من إيمان وتقوى: فوالله إنها بهرج، وزخرف، وغرور، عن قريب تزول.
5. الأصل أن الزواج مكمل لدين المرء لا منقص له , كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن رَزَقهُ الله امْرَأَةً صَالِحةً فَقدْ أَعَانَه الله على شَطْرَ دِينِهِ فَلْيتقِّ الله فِي الشَّطْر الثاني) .
(مَن رَزَقَهُ اللَّهُ امرَأَةً صَالِحَةً فَقَد أَعَانَهُ عَلَى شَطرِ دِينِهِ، فَليَتَّقِ اللَّهَ فِي الشَّطرِ الثَّانِي)
رواه الحاكم في "المستدرك" (2 / 175) والطبراني في " الأوسط " (1 / 294) ، وحسَنه الألباني في " صحيح الترغيب " (2 / 192) .
ومما يعين على ذلك: اختيار الزوجة الصالحة لتكون شريكة لك في بناء أسرة طيبة، مع إعانتها لك على طاعة ربك، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) رواه مسلم (1467) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
قال النووي - رحمه الله -:
وفي هذا الحديث: الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم.
" شرح مسلم " (10 / 52) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
وقال صلّى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، وجمالها، وحسبها، ودينها، فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يمينك) لما فيها من صلاح الأحوال، والبيت، والأولاد، وسكون قلب الزوج، وطمأنينته، فإن حصل مع الدين غيرُه: فذاك، وإلاَّ فالدِّين أعظم الصفات المقصودة، قال تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ) النساء/ 34.
" بهجة قلوب الأبرار " (ص 91) .
ولمعرفة صفات المرأة ذات الدين: انظر جواب السؤال رقم: (96584) .
والزوج المتزوج من امرأة صالحة فإنه يجد منها تشجيعاً إن فعل طاعة، ويجد منها نصحاً وتذكيراً إن هو انحرف عن طريق الهداية، ولعل الضعف الذي أصابك بعد الخطبة إن لم تكن خطيبتك هي سببه: فإنها لم تدلك على الخير، ولم تنصحك بما هو صواب من أفعالك، بل كان منها مباركة لما وقعت فيه من مخالفات، وكان منها تشجيع على التخلي عن صفات الخير، وأنت بذلك تدفع ثمن اختيارك، ولا ندري عن ميزانك في الاختيار، وأنت ادعيت أنك كنت ملتزماً، فكيف قبلتَ أنها تلبس البنطال أمامك، وأمام أبيها، أو أشقائها، وغير خافٍ أن البنطال مفصِّل للعورة، ولا يجوز إظهاره أمام محارم المرأة، فضلاً عن إظهاره أمام من جاء يخطبها! .
6. حقيقة الجمال هي جمال الأخلاق الظاهرة والباطنة، والجمال الظاهر يزول مع الأيام , ولكن الذي يبقى هو جمال الروح، والأخلاق، والدين، والاستقامة، فليست الحياة الزوجية قائمة - فقط - على الجمال، والإعجاب، بل لا بدَّ للمسلم العاقل أن ينظر بعين بصيرته إلى ما هو أبعد من ذلك، من إعانة على طاعة الله , وإلى حفظ بيته في غيابه، وإلى تربية أولاده تربية إسلامية، وإلى غير ذلك.
7. وعلى ذلك أخي السائل: إذا كان سبب انتكاستك وتحول حالك , هو قلة التزام خطيبتك , وأن تغير حالك بعد الخطبة بسبب محاولة إرضائها والحصول على حبها وقربها: فاعلم أنك موهوم، ولن تشعر براحة البتة، بل سوف يزداد الأمر عندك ألماً، وحسرةً، وكدراً بعد الزواج , وخاصة بعد أن تنال مطلوبك منها , والذي رغبك في زواجك منها، ثم سوف تتحول هذه الرغبة إلى كره , ومقت , وألم , ومحاولة الخلاص منها؛ إذا بقي في قلبك داع يطلب أن تكون ما كنت عليه قبل الزواج.
وأما إذا زال من قلبك استحسان ما كنت عليه من الطاعة، ولم تبق نفسك تنازعك إلى العودة إلى ربها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأحسن الله عزاء المسلمين فيك!!
8. فالنصيحة لك - أخي السائل - أن تصلح نفسك أولاً، لتعود إلى سابق عهدك، بل أفضل، ولا تظنن نفسك أنك على هدى، وطريق مستقيم، بل ما ذكرتَه لنا كافٍ للحكم عليك بوقوعك في فتنة عظيمة، وما ذكرتَه لنا يدل أن الأمر عندك لم يقف عند حدٍّ، بل هو مستمر، وهذا خطير جدّاً عليك، فيُخشى أن يكون انتقالك من فتنة إلى أختها، ومن معصية إلى مثلها: أن تقع في فتنة الدين – لا قدَّر الله -، ولا تظنن هذا بعيداً عنك، ولا عن غيرك، فالشيطان أحرص ما يكون على هذه الفتنة، وهو لا يترك المسلم لينجح معه في هذه الفتنة حتى النزع الأخير.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لِرَبِّهِ بِعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي بَنِي آدَمَ مَا دَامَتْ الْأَرْوَاحُ فِيهِمْ فَقَالَ اللَّهُ فَبِعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَبْرَحُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي) .
رواه أحمد (17 / 344) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب " (1617) .
وانظر جواب السؤال رقم: (23425) ففيه بيان خطر المعصية، وأثرها على صاحبها.
9. ثم بعد أن تصلح حالك: حاول تقريب خطيبتك إلى حياة الالتزام، والطاعة، فإن لمست منها استجابة: وإلا ففي خلاصك منها راحة، إن شاء الله , وسلامة لدينك، واستقامتك. ولا يلزم من ذلك طعن بها، أو في أهلها , ولكن الرجل العاقل الملتزم يبحث عما يعينه على طاعة الله , ويقربه من رضى الرحمن، فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: " أُنْزِلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا أُنْزِلَ، لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ، فَقَالَ: (أَفْضَلُهُ: لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ) رواه الترمذي (3094) وحسَّنه، وابن ماجه (1856) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال المباركفوري - رحمه الله -:
(وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه) أي: على دينه، بأن تذكره الصلاة، والصوم، وغيرهما من العبادات، وتمنعه من الزنا، وسائر المحرمات.
" تحفة الأحوذي " (8 / 390) .
وعن سعد بن أبي وقاص قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاَثَةٌ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاَثَةٌ، مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ السُّوءُ وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ) . رواه أحمد في مسنده (1 / 168) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1914) .
نسأل الله أن يوفقك لطاعته , وأن يعينك على الالتزام بأوامره , وأن يرزقك الزوجة الصالحة التي تعينك على أمر دينك ودنياك , وأن يصرف عنك كيد الشيطان واستدراجه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/19)
كاثوليكية تكره زوجها وتريد طلاقه والزواج من مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الأعزاء أنا امرأة كاثوليكية متزوجة منذ سنوات عديدة ولدى فتاتان يافعتان ولم أعد أحب زوجي منذ 5 سنوات لكني لم أفكر مطلقاً في الطلاق لأن ديني لا يجيزه. وفي العام الماضي فقدت السيطرة على نفسي وأنشأت علاقة حرام مع فتى مسلم صغير وقد جعلني أوقع على ورقة زواج عرفي لكي يقوم فقط باستئجار شقة لنا ثم أتلفها عندما علمت أسرته بأمرنا وقد استمرت علاقتنا لأسبوع واحد وقد تبت مما حدث، وهو أيضا، وهو الآن قام بخطبة فتاة مسلمة. وقد التقيت الشهر الماضي برجل مسلم فاضل وهو متزوج ولديه طفلان ونحن نعمل أحياناً معاً وعلى علاقة صداقة طيبة ومقربين بشدة من بعضنا لكننا لم نقترف أية محرمات, ولدى بعض الأسئلة: 1- هل ما يزال زواجي العرفي الأول سارياً؟ وقد عقدناه بشاهدين ومحامي، لكنى لم أكن أعرف أنه زواج حقيقي وكنت ما زلت متزوجة. 2- أريد الآن أن أتطلق من زوجي فأنا لم أعد أحبه ولم أعد أستطيع الاستمرار في الكذب عليه وعلى بناتي. 3- إذا تم طلاقي فهل يجوز لي أن أتزوج صديقي المسلم الفاضل زواجاً إسلامياً وأكون زوجته الثانية؟ وكم هي مدة العدة؟ 4- وقد أخبرني أنه لا يستطيع أن يتزوجني لأن زوجته الأولى توعدته بالطلاق وبأن تأخذ أطفاله بعيداً عنه إذا تزوج ثانية، فهل يجوز لها القيام بذلك؟ وأنا لا أريد أن أتسبب في إيذاء أحد فهو يعيش الآن بعيداً عن أسرته ولا يذهب لزيارتهم إلا لبعض الوقت وأنا لا أريد منه مالاً ولا أريده أن يخسر أسرته، ولن أسيء في حق زوجته الأولى، ولا أغار منها وسأعيش ببلده كزوجة ثانية وآتي أحيانا إلى بلدي لرؤية بناتي. وسأكون شاكرة للغاية إذا ساعدتموني في إيجاد حل لهذا الموقف المعقد، وبارك الله فيكم، وفى جميع أصحاب النوايا الحسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك ثقتك بالإسلام والاستفتاء عن أحكامه , ونتمنى أن تتوج هذه الثقة باختيارك للإسلام ديناً تعبدين الله وفق ما فيه , وقد لمسنا في كلامك أنك على جانب كبير من حسن الخلق، ونرجو أن تتوجي ذلك أيضاً بإحسان الخلق مع الله، وذلك بعبادته وحده لا شريك له، بالدين الذي ارتضاه، وأكمله، وحفظه من الزيادة والنقصان والتغيير والتبديل.
ثانياً:
الزواج العرفي الذي ربطك بهذا الشاب زواج باطل، لأنك متزوجة , والمتزوجة لا يصح نكاحها.
وقد ذكر الله تعالى المحرمات من النساء فقال: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ... وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ) يعني: المتزوجات.
ونعجب من هذا المسلم الجاهل بدينه إلى هذا الحد، فهذا الزواج لا قيمة له، ووجوده كعدمه، وهو باطل من يوم ما عقد.
وعلى هذا، فلست زوجة لهذا الشاب.
ثالثاً:
يجوز للمرأة في ديننا أن تطلب الطلاق من زوجها الذي تكرهه، ولا يمكنها الاستمرار في الحياة معه، وسيؤدي استمرارها معه إلى تقصيرها في أداء حقه، وكثرة المنازعات والخصومات. فإن لم يطلق فلها مخرج آخر وهو ما يسمى في ديننا بـ "الخلع"، فترد إليه المهر الذي كان دفعه لها ثم يؤمر بطلاقها، وذلك دفعاً للضرر الواقع عليها بسبب الحياة مع من تكره.
وهذا الحكم هو من محاسن شريعتنا، وكثيراً ما تعرضت شريعتنا للطعن فيها بسبب مشروعية الطلاق، مع أن العقل والواقع يثبتان أن ذلك من محاسنها.
ففي بعض الأحيان يكون الطلاق هو الحل الأمثل لقطع خصومات وعداوات لم تفلح معها محاولات الصلح المتكررة.
وكما جعل شرعنا للرجل المخرج من ذلك وهو "الطلاق" جعل للمرأة مخرجاً أيضاً، وهو "الخلع".
فنأمل أن تتأملي في محاسن ذلك، وتأملي في وضعك أنت الآن وأنت مجبرة على العيش مع من تكرهين، أي الحكمين أقرب إلى الحكمة وإلى العقل؟
ونأمل أن يقودك ذلك إلى مزيد من البحث عن الإسلام، حتى تقفي على مزاياه، وعلى أنه هو الدين الحق، فينشرح صدرك للدخول فيه.
رابعاً:
إذا تم طلاقك من زوجك فلا مانع من أن تتزوجي ذلك المسلم أو غيره، ولكن بشرط أن يكون ذلك بعد انقضاء العدة.
وعدتك هي ثلاث حيضات من أول وقوع الطلاق، إن كنت تحيضين، أو وضع الحمل إن كنت حاملاً.
وننبه إلى أن الزواج في فترة العدة زواج باطل في شرعنا، ولا يصح.
خامساً:
لا يجوز للزوجة أن تمنع زوجها من الزواج بثانية أو ثالثة أو رابعة، فقد أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج بأربعة نساء، وقد (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا) رواه البخاري (2727) ومسلم (1413) .
أي: إذا أراد الزواج بثانية، فلا يجوز لهذه الثانية أن تشترط عليه أن يطلق الأولى، لما في ذلك من الاعتداء على أختها.
وكذلك أيضاً لا يجوز للزوجة الأولى أن تطلب طلاق الثانية، أو تمنع زواجها من الأصل.
هذا هو حكم شرعنا في هذه المسألة، غير أن كثيراً من الناس لجهلهم، أو لقلة تعظيمهم لأحكام دينهم يخالفون هذا الحكم، نسأل الله لهم الهداية.
ونسأل الله تعالى أن يفرج عنك همك، وأن يهديك ويوفقك إلى ما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/20)
زوجها غيور جدّاً يمنعها من الخروج من المنزل، ومن زيارة أهلها، فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من سنة ونصف تقريباً، وعندي بنت عمرها 6 شهور، مشكلتي مع زوجي هو أنه غيور جدّا جدّا , في أول زواجنا ألبسني النقاب , والحمد لله التزمت به , ومع ذلك يغار عليَّ لدرجة أني لم أعد قادرة على الاحتمال؛ فمثلاً: لا يوافق أبداً أن أخرج خارج البيت حتى عند أمي، إلا نادراً , وكنت قبل الولادة أخرج أشترى طلبات البيت، والآن لا يسمح لي أبداً أن أخرج أشتري أي حاجة للبيت، حتى ولو كانت ضرورية , وقد سبب لي مشاكل كثيرة جدّا بسبب غيرته هذه , وأحياناً لسبب تافه جدّا , يعمل عليه مشكلة كبيرة جدّا، فأتمنى من حضرتك أن تخبرني ما العمل؟ فأنا متعبة جدّا , وقد حاولت مناقشته، لكن بدون أي فائدة , وإضافة لذلك هو عصبي جدّاً , ولم أستطع إقناعه بأي حاجة؛ فهل أطلب الطلاق منه، أم ماذا أصنع؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
طاعة الزوج حسنة تثاب عليها الزوجة , وطاعته في المباح هو استجابة لأمر الله، ومن سؤالك - أختنا السائلة - يظهر أنك مطيعة لزوجك، ويظهر ذلك في طاعتك له في لبس النقاب، وغيره؛ فنسأل الله أن يثيبك , وأن يجزيك خير الجزاء.
ثانياً:
لا شك أن للزوجة على زوجها حقوقا وواجبات , ومنها: حسن العشرة، والمعاملة الحسَنة، كما قال تعالى: (وَعَاشرُوهُنَّ بالمَعْرُوف) النساء/ 19.
قال ابن كثير رحمه الله:
أي: طيِّبوا أقوالَكم لهنَّ، وحسِّنوا أفعالَكم وهيئاتكم حسب قدرتكم، كما تحبُّ ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/228، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى) – رواه الترمذي وصححه -.
"تفسير ابن كثير" (1/477) .
وكذلك للزوج على زوجته حقوق وواجبات , وللوقوف على بعض من هذه الحقوق المتبادلة ينظر جواب السؤال رقم: (10680) .
ثالثاً:
غيْرة الرجل على أهله، ومحارمه: من الصفات التي يمدح عليها الإنسان، وقد أكدها الإسلام، وحث عليها , وقد تعجب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من شدة غيْرة سعد بن عبادة رضي الله عنه، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟! لَأَنَا َغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي) رواه البخاري (6846) مسلم (1499) .
والمطلوب من الزوج: أن يعتدل في هذه الغيرة، فلا يبالغ بها حتى يصل إلى إساءة الظن بزوجه , أو يسرف في تقصي كل حركاتها، وسكناتها، وتتبع أقوالها، ويغوص في معانيها؛ فإن ذلك يفسد العلاقة الزوجية، ويكون مدخلاً للشيطان لإفساد الود، والمحبة بينهما.
فعن جابر بن عتيك الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنّ َمِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ) .
رواه أبو داود (2659) والنسائي (2558) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وعن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام لابنه: يا بُني! لا تكثر الغيرة على أهلك ولم تر منها سوءً، فترمي بالشر من أهلك، وإن كانت بريئة.
"شُعَب الإيمان" للبيهقي (1/499) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
وغيرة العبد على محبوبه نوعان: غيرة ممدوحة يحبها الله , وغيرة مذمومة يكرهها الله، فالتي يحبها الله: أن يغار عند قيام الرِّيبة , والتي يكرهها: أن يغار من غيْرِ رِيبة، بل من مجرد سوء الظن، وهذه الغيْرة تفسد المحبة، وتوقع العداوة بين المحب ومحبوبه.
"روضة المحبين" (ص 296) .
ومن الغيرة المحمودة: غيرة الزوج على امرأته من اختلاطها بالرجال الأجانب، أو من رؤيتهم لها.
قال الشيخ محمد بن أحمد السفاريني رحمه الله:
"والمحمود من الغيْرة: صون المرأة عن اختلاطها بالرجال" انتهى.
" غذاء الألباب شرح منظومة الآداب " (2 / 313، 314) .
رابعاً:
الأفضل للمرأة أن تلزم بيتها؛ لقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الأحزاب/33.
قال ابن كثير رحمه الله:
أي: الزمنَ بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة.
"تفسير ابن كثير" (6/409) .
وليس للمرأة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، فإذا لم يأذن لم تخرج، حتى لو أمرها أهلها بزيارتهم، فحق الزوج مقدَّم على حقِّ أهلها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه، سواء أمرها أبوها، أو أمها، أو غير أبويها، باتفاق الأئمة" انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (3/148) .
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
"لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه، لا لوالديها، ولا لغيرهم؛ لأن ذلك من حقوقه عليها، إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي يضطرها للخروج" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/165) .
وانظري جواب السؤال رقم: (83360) .
ولكن ينبغي على الزوج أن لا يمنعها من زيارة أهلها، بل يعينها على صلة الرحم، وهذا من حسن عشرتها.
فالأولى للزوج أن يسمح لزوجته من وقت لآخر بالزيارة، والتواصل بين زوجته وأهلها؛ لما في زيارة والديها من تطييبٍ لخاطرها، وإدخالٍ السرور عليها، وعلى أولادها، وهذا مطلب شرعي.
وإن كان للمرأة من يكفيها شراء ما تحتاج إليه، فالأفضل لها أن لا تخرج هي للشراء بل تبقى في بيتها.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"تمنع النساء من الخروج من البيوت؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما نهى عن منعهن من الذهاب إلى المساجد، وأما إلى الأسواق: فالرجل حرٌّ، له أن يمنعها، تُمنع من الخروج من البيت إلا لحاجة لا يمكن أن يقضيها أحد سواها، وهذا الاستثناء أقوله من باب الاحتراز، وإلا فلا أظن أن حاجة لا يمكن أن يقضيها إلا النساء، لأن بإمكان كل امرأة أن تقول لأخيها: "يا أخي اشتر لي الحاجة الفلانية"، لكننا ذكرنا هذا الاستثناء احتياطاً، وأن يكون الرجل كما جعله الله عز وجل قوَّاماً على المرأة، لا أن تكون المرأة هي التي تديره؛ لأن الله يقول: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34، فليكن قائماً حقيقة، وليمنعها، ولكن لا بعنف، بل بهدوء، وشرح للمفاسد، وبيان للثواب والأجر إذا لزمن البيوت؛ لأن الله تعالى قال: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب/ 33، أي: نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهنَّ أكمل النساء عفة، وأقومهن في دين الله، ومع ذلك: قال الله لهن: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الأحزاب/ 33" انتهى.
"اللقاء الشهري" (24/السؤال رقم 10) .
فالنصيحة للأخت السائلة: أن تصبر على طاعة زوجها، وأن تكون لبيبة حكيمة في تعاملها معه، فالإنسان تأسره الكلمة الطيبة، وتقيِّده المعاملة الحسنة، وخصوصا ممن يحب ويود، فكل شخص لا بد أن يكون له مفتاح يلج الإنسان من خلاله إلى قلبه , ويكون ذك من الأمر الذي يحب ويرغب، مع بيان أن الزوج الصالح والمستقيم نعمة عظيمة، تُغبط عليه المرأة.
والنصيحة للزوج: أن يتقي الله في أهله , وأن يحسن صحبتهم ومعاملتهم؛ وأن يرفق بها، ويطيب خاطرها , ولا يؤذها، وأن يهذِّب غيرته بما يتوافق مع الشرع، وأن لا يمنعها من الخروج إن كانت ستخرج لحاجة وهي ملتزمة بالحجاب الشرعي، والبعد عن مخالطة الرجال.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/21)
زوجها يهجرها لأدنى مشكلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة ولم أكمل السنة بعد، ومشكلتي أنه تحصل بعض المشاكل المتفاوتة منها الكبيرة ومنها الصغيرة والتافهة، وتكون دائماً منّي، ولكنّها ردّة فعل لما يكون من زوجي من تقصير، أو تجاهل، أو رفض طلب، أو عدم تحمل مسؤولية. فإذا حصلت أدنى مشكلة يبدأ زوجي بعدها مباشرة في السكوت، ولا يردّ بكلمة، ويهجرني حتى في إلقاء السلام، ويستمر ليومين أو ثلاثة.. وأنا أحاول محادثته، ترضيته، رجائه أن يسامحني، لأنه عندما يهجرني أكاد أموت. في نظره أنه يؤدبني بهذا الهجر والسكوت، ولكن في الحقيقة أنا أمتثل له حتى لا أموت من الهجر، لأن هذا جداً يتعبني. أخشى أن يستمر ويأخذها عادة وأنا والله لا أتحمل، حتى أنني صرت أتخلى عن كثير من حقوقي حتى لا تُفتعل مشكلة يهجرني بعدها، فكيف أعامله؟. أحاول دوماً البحث في الكتب وفي المواقع عن كيفية التعامل معه.. لكن أجد من ناحيته عدم الاهتمام لإنجاح هذا الزواج، بل يلقي بكل أخطائه عليّ. اضطر زوجي للسفر وأخبرته إن كان يرغب باستمرار الزواج ذهبت معه أو أذهب لأهلي، فقال لي: اذهبي لأهلك. ولكن قبل رجوعه ذهبت لتنظيف البيت، وترتيبه بأحسن حال، وأرسلت له رسالة شوق تُعبّر عن أنني رغم كل الجفا أرغب في الاستمرار، لكنه لم يتصل بي، أو يرسل لي رسالة، ولم يأت ليأخذني بعد عودته من السفر، ماذا أفعل الآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحياة الزوجية لا تخلو من منغصات تحدث بين الحين والآخر، والزوجان الناجحان من يمكنهما التغلب على هذه المشاكل ومعرفة أسبابها، وعلاجها قبل أن تتفاقم.
وما ذكرت من بحثك عن العلاج في الكتب والمواقع وكراهتك للهجر وحرصك على إصلاح العلاقة مع زوجك كل ذلك دليل على ما لديك من صفات الخير والبر، وتمام ذلك بأمور:
الأول: أن تجتهدي في منع حدوث المشاكل ابتداء، وأن تغيري انطباع زوجك عنك، وهذا يحتاج إلى صبر ومصابرة.
الثاني: أن تحرصي على معرفة الأسباب الحقيقية التي تدعو زوجك للنفور عنك، أو قلة الاهتمام بك، فقد يقع من المرأة تقصير في الاهتمام بزينتها أو بيتها ونحو ذلك تكون سبباً في حصول النفرة بينها وبين زوجها.
الثالث: ينبغي أن يتم التفاهم بينك وبين زوجك على المصارحة، والاعتذار عند الخطأ، وسرعة الأوبة والرجوع، حتى لا تدعا للشيطان سبيلاً عليكما، وأن يعلم الزوج أن الهجر إنما يشرع إذا لم تُجْد النصيحة والوعظ، وأن للهجر آداباً، كما قال تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34.
قال السعدي رحمه الله:
"فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا) أي: فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر" انتهى.
فإذا أخطأت الزوجة ثم اعتذرت وأقرت بخطئها، فليس للزوج أن يعاقبها، بل الواجب عليه أن يعفو ويصفح، وكثرة العتاب والعقاب من أسباب فساد العلاقة وليس من أسباب إصلاحها.
الرابع: أن تصلحي علاقتك مع الله تعالى، فإن هذا من أعظم أسباب صلاح العلاقة مع زوجك، فإن الله تعالى وعد أهل الإيمان والصلاح بالحياة الطيبة، والسعادة الدنيوية والأخروية، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3.
فأكثري من لذكر والصلاة والدعاء، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
واعلمي أن الصبر عاقبته الفرج، والزوج العاقل إذا رأى من زوجته الصبر والتحمل والرغبة في الحياة معه أحبها وأكرمها وحفظ لها هذا الخلق.
نسأل الله تعالى أن يصلح حالكما، وأن يديم المحبة والألفة بينكما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/22)
إذا رأوه يفعل معصية طالبوه بترك الدين بالكلية!!
[السُّؤَالُ]
ـ[بادئ ذي بدئ أشكر لكم جهدكم المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل ما تقدمونه في موازين حسناتكم يوم القيامة. هناك شبهة من تلبيس إبليس على بعض الناس، وهي أنهم يرددون مقولة: " إما أن تأخذ الدين بأكمله، أو تتركه، ولا تتزين به "! ، والسبب في ذلك: مخالطتهم، ومعرفتهم لأشخاص حولهم سَمْتهم الالتزام بأحكام الشرع، وواجباته، لكن لديهم تقصير، ومخالفة، ونقص في أمور أخرى! فهلاَّ حررتم لنا جواباً شافياً في رد هذه الشبهة، ودحض هذه الحجة؛ لأنها منتشرة، وأثرها خطير، وهي من تلبيس إبليس! . شكر الله لكم، وزادكم من معين رحمته، وجود فضله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جزاك الله خيراً - أخي السائل -، وجعلنا وإياك مفاتيح للخير، مغاليق للشر.
لا شك أن هذه القضية تجول في خاطر كثيرٍ من الناس , ولعل كثيراً منهم يرغب عن طريق الاستقامة، أو يتأخر التحاقه بالطريق لهذه الشبهة التي ذكرتها.
ثانياً:
إن الصراع بين الخير والشر مستمر منذ خلق الله آدم , فقد استكبر إبليس عن الانقياد لأمر الله، فلم يسجد لأدم، وأقسم أنه سيسعى في إضلال بني آدم: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) الأعراف/ 17، فلا يزال إبليس يلقي للناس الشبهة بعد الشبهة، ليصدهم بذلك عن الهدى.
ثالثاً:
عدم الكمال من طبيعة البشر؛ ومهما بلغ الإنسان من العلم، والتقوى، والإيمان: فوقوع الذنب منه، والمعصية، والتقصير: غير مستبعد , ولذلك لما ذكر الله ما أعده للمتقين بيَّن شيئاً من صفاتهم، ومنها: المسارعة إلى التوبة، والاستغفار، وهذا دليل أن التقي قد تقع منه الهفوة، والزلة، أو يقع منه التقصير، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) آل عمران/ 133 – 135. فهؤلاء أهل الجنة المتقون، ولكن ... قد يزل أحدهم فيقع في فاحشة، ولكنه سرعان ما يتوب ويرجع إلى الله.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ) رواه مسلم (2749) .
رابعاً:
هذا، وإن طريق الاستقامة طريق شاق، ويحتاج إلى مجاهدة، وصبر؛ فالإنسان في هذا الطريق يصارع هوى النفس، والشيطان، والشهوات، والشبهات، ويبقى بين صدٍّ وردٍّ، وقُرب وبُعد، ولكن بالصبر، والعلم، والجهاد، يبلغ غايته، كما قال تعالى: (والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنَا) العنكبوت/ 69.
وعَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ، فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعََ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ، فَعَصَاهُ، فَجَاهَدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ) رواه النسائي (3134) وصححه الألباني في "صحيح النسائي".
وإذا كانت تلك هي حال المسلم مع الشيطان في صراعه معه، وإذا عُلم أن المسلم لن تخلو حياته من زلة، أو تقصير: تبين بطلان ذلك القول الجريء في أنه إما أن يستقيم المسلم على أمر الله بالكلية، أو يدع الاستقامة بالكلية! ففيه من الافتراء على الشرع ما يستوجب الإثم على قائله، وعلى من تفوه به التوبة، والاستغفار، والندم عليه؛ لأن صاحب ذلك القول يدعو للفجور، وارتكاب المحرمات؛ لأنه لن يكون في استطاعة أحد أن يستقيم على أمر الله تعالى بكليته، فصار المطلوب – على حسب ذلك القائل – أن يترك الاستقامة المستطاعة ليفعل كل محرَّم نهى الله عنه، ويترك كل واجب يستطيع المسلم فعله! وهذا بلا شك زندقة ظاهرة، ودعوة للفجور، وقطع لكل فضيلة.
خامساً:
نعم، يُطلب من المسلم أن يدخل في الإسلام كافة، وينهى عن ارتكاب ما نهى الله عنه، لكن ماذا طلب الله ممن خالف ذلك؟! طلب منهم التوبة، والاستغفار، فعل الأوامر، وعدم الاستمرار في تركها، وترك النواهي، وعدم الاستمرار في فعلها، والآيات في ذلك أشهر من أن تُذكر.
ومن طلب من فاعل المعصية الواحدة أن يزيد عليها بفعل كل معصية، وأن يترك كل واجب أوجبه الله عليه: فهو فاعل لما يضاد أمر الله تعالى، وهو غير داخل في سلك المؤمنين؛ لأن من صفات المؤمنين: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومثل هذا آمر بالمنكر، ناهٍ عن المعروف! .
فالذي يفعل معصية ينصح بالتوبة منها، والاستقامة على أمر الله، لا أن يؤمر بارتكاب غيرها من المعاصي.
سادساًً:
إن ما يقع فيه بعض أهل الاستقامة من مخالفة الشرع، في فعل محرَّم، أو ترك واجب: لا يجعل غيره يحذو حذوه، بل يجعله يعتبر به لئلا يقع منه مثل فعله، ويجعله يحمد ربه على العافية في دينه أن سلَّمه ربه تعالى من الفتنة، ولا ينبغي أن يدعوه ذلك إلى اليأس، وترك الاستقامة على أمر الله؛ فإنه إن فعل ذلك صار أشدَّ إثماً، وأكثر بُعداً عن الله تعالى، وصار ما أنكره على غيره من الوقوع في المعصية لا شيء بالنسبة لما وقع هو فيه.
والإنسان رهين عمله، كما قال تعالى: (كلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) المدثر/ 38، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، أَوْ مُوبِقُها) رواه مسلم (223) .
والقدوة والأسوة للمسلمين ليس هو فلان، أو فلان، إنما هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يكون للمسلم أسوة حسنة، يقتدي بفعله، ويهتدي بهديه، ولا يغتر المسلم بما يكون عليه حال غيره من الصلاح فقد يُختم له بسوء، كما لا يتسرع بالحكم على صاحب المعاصي بالهلاك، فقد يُختم له بخير، وإنما الأعمال بالخواتيم.
قال أنس رضي الله عنه: (لا تعجبوا لعمل رجلٍ حتى تعلموا بما يختم له به؛ فقد يعمل الرجل برهة من دهره، أو زماناً من عمره عملاً سيئاً، لو مات عليه: مات على شر، فيتحول إلى عمل صالح فيُختم له به , وقد يعمل العبد برهة من دهره، أو زماناً من عمره عملاً صالحاً، لو مات عليه: مات على خير، فيتحول إلى عملٍ سيءٍ فيختم له به) رواه أحمد في "مسنده" (3/223) ، وصححه محققوه.
وعلى الإنسان في سيره إلى الله أن يحاول أن يبلغ الغاية، والكمال، وأن يجاهد نفسه في سبيل تحقيق ذلك، وأن يجعل الغاية مرضاة الله، وليغض نظره عن أفعال الناس، وأعمالهم، إلا أن يستفيد فيعتبر، أو يتعظ، إن فعل غيرُه معصية، أو يستفيد بالحث على أن يفعل كفعله إن رآه على طاعة، وخير، وكل إنسان مسؤول عن عمله لا عن عمل غيره.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/23)
أمها وأخواتها يسيؤون معاملتها ووالدها يتحرش بها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أب يعاكسني! كما لو كنت بنت عاهرة من الشارع! علماً بأنه مريض , وتكفلت بمصاريف علاجه الباهظ عسى أن تتغير تصرفاته معي، لكن الحال بقي كما هو، ويقول لي: "أنت ومالك لأبيك"! فكرتُ أن أهجر البيت خوفاً على عرضي، لكن إلى أين أذهب؟! وأمِّي لا تحس بي , وتميز إخوتي عليَّ، وهم بدورهم يغارون مني , ويؤثَِّرون عليها؛ لا أحد منهم يكلمني، أثَّر هذا على نفسيتي , وأنا مريضة , وعصبيَّة جدّاً , أقرأ في القرآن (وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَاناَ) ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم بر الوالدين واجب حتى ولو ظلما , أحاول برَّهم، وأجد لهم أعذاراً. ما يحصل لأبي هو مرض نفسي، وأمي لم تتعلم، ولا تعرف كيف تتصرف في هذه الحالات، أحضر الهدايا، والأكل , لكن كل ما فعلت شيئاً صالحاً يقلبوه، ويسبوني به، أنا إنسانة ضعيفة الإيمان , أحاول التهرب من ظلمهم، حين أعود من العمل: ألزم الفراش، حتى إذا أردت الذهاب إلى المطبخ أتأكد من أن أبي ليس هناك كي أتجنب نظراته لي! علماً أنه يصلي، هو مَن علمني الصلاة، أنا لست جميلة، حتى جسمي ضعيف ليس فاتناً، أعرف أنه ابتلاء , أريد مرضاة ربي، أنا لست صبورة؛ أبكي، وأصيح، أحس في داخلي بركاناً. علِّموني الصبر؛ كي لا أخسر الدنيا، والآخرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي لك أولاً:
أن تلجئي إلى الله بالدعاء أن يهدي والدك، وأن يشفيه، ثم بعد ذلك لا بد من إخبار أهلك عن صنيع والدك، ويجب عدم السكوت عن فعله؛ حتى لا يتكرر فعله معك، أو مع غيرك من إخوتك , ويجب عليك خلال ذلك: المحافظة على الحجاب الشرعي الكامل، أو الستر قدر الإمكان؛ فإنَّ كثيراً من حالات التحرش بين المحارم يكون سببها التساهل في كشف العورات أمامهم، فتجد الفتاة تلبس اللباس الضيق جدّاً، وتكشف ساقيها، وذراعيها، وأكثر من ذلك، بدعوى أنها تجلس مع محارمها، أو أهلها، وهي لا تدري أن الشيطان يسول للنفس كل مُحَرَّم، وأن المَحْرَم قد يفتن بما يراه من محاسن محارمه، وخاصة كما ذكرتِ أنه مصاب بمرض نفسي.
وكذلك يجب عليك الحرص على عدم الخلوة معه.
ثانياً:
من أعظم الأعمال الصالحة، وأحبها إلى الله: برُّ الوالدين , ولا يمكن لأحد ـ في الغالب ـ أن يجزي والديه على ما قدموه من رعاية، وتربية.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَجْزِى وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) رواه مسلم (1510) .
قال النووي رحمه الله:
أي: لا يكافئه، بإحسانه، وقضاء حقه، إلا أن يعتقه.
"شرح مسلم" (10/153) .
ولا شك أن من أعظم النفقة أجوراً وثواباً: نفقة الإنسان على أهله، من الوالدين، والإخوة، والأخوات، وإذا احتسبها المسلم: فله أجر عظيم.
فعن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْراً: الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ) رواه مسلم (995) .
وإذا تصدق المسلم أو وصل رحمه فإنه لا ينتظر أجراً ولا ثواباً إلا من الله، ولعل الله أن يرزقه، ويوسع عليه بسبب هذه النفقة إذا احتسبها , وأن يفرِّج كربه، وهمَّه بما يقدِّم.
فعليك أن تستمري فيما تقدمينه إلى أهلك من معروف، من هدايا وغيرها، ولك جزاء ذلك إن شاء الله تعالى في الدنيا والآخرة.
وأما حديث (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ) فالمقصود به: الخدمة والطاعة والرعاية، وليس المقصود منه المعنى الباطل الذي يذهب إليه والدك.
ثالثاً:
ربما تكون بعض الظروف التي يعيشها الإنسان، وما يصاحبها من غمٍّ، وهمٍّ: تُشعر الإنسان أن مَن حوله لا يكنُّون له المودة، والمحبة، أو لا يهتمون به , والحقيقة قد تكون غير ذلك، فلا يُتصور أن أمّاً لا تكنُّ محبةً لابنتها , وهي تراها ليل نهار تقوم بخدمتهم، وتلبي حاجاتهم، نعم، ربما يكون الحظ الأوفر من الحبِّ، والحنان، للصغار – مثلاً - , ولكن لا يعني ذلك بغضاً للأكبر، أو تخلٍّ عنه؛ وربما يكون السبب في ذلك: انطواءٌ من الإنسان على نفسه , وصاحَبَ ذلك عدم رفق , وسرعة غضب، كما ذكرت السائلة عن نفسها، وهو لعله ما جعل الآخرين يتجنبون الحديث معك؛ خوفاً من غضبك، أو من الاصطدام معك، وهذا معلوم بالتجربة.
والنصيحة لك: أن تغيِّري من نمط حياتك , وأن تتخلي عن انطوائك، وعصبيتك , وأن تبادري الحديث مع إخوتك , وأن تجربي أسلوب الملاطفة، والود؛ وسوف تري ما يكنُّه لك الأهل، من الأم، والإخوة، من حبٍّ، وحنان , وليس العلاج من ذلك: بالهرب، والانطواء، بل بالصبر، والإحسان؛ والود، والملاطفة.
وعليكِ الاستعانة قبل ذلك كله بالله تعالى، بالدعاء، والإنابة، والعمل الصالح، وخاصة: الصلاة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) البقرة/ 156.
رابعاً:
أما الصبر وما يعين عليه: فقد أمرك الله تعالى – كما سبق في الآية – بالاستعانة به؛ لما فيه من الأجور العظيمة، ولما فيه من منع المسلم من التعدي على شرع الله، ومن القيام بما أوجبه الله عليه.
كما نوصيك أن تتفكري في حقيقة هذه الدنيا , وأنها دار ابتلاء، واختبار، قال الله تعالى: (الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/ 1 - 3.
واعلمي أن الصبر يمكن تحصيله بتعويد النفس عليه، ولو علم المسلم ما في الصبر من أجور: لجاهد نفسه حتى يكون من الصابرين.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ) رواه البخاري (1469) ومسلم (1053) .
وعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
ونوصيك بالتأمل في قصص الصابرين من الأنبياء، والصالحين؛ ففيها إعانة على الصبر.
خامساً:
اعلمي أن حقيقة الجمال هو جمال الروح، وليس جمال الجسد , والله تعالى لا ينظر إلى صور الخلق، ولا لأجسادهم، بل لقلوبهم، وأعمالهم.
فعَنْ أَبي هُرَيرَة رَضِي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأَعْمَالِكُم) رواه مسلم (2564) .
فالجمال الحقيقي: في كرم الأخلاق، والأفعال الحسان، وفي طاعة الرحمن.
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك، وأن يهدي أهلك
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/24)
ذكرى وبشرى لمن ابتلاهم الله تعالى بشيء من الإعاقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة معاقة، وعلاقتي الاجتماعية ضعيفة، ودائماً ما تدور في ذهني أفكار الانتحار، حتى إني أشك أن أحداً ما فعل لي سحراً، كما أني أخاف من المستقبل، وماذا سيحصل لي إذا مات والدي لأنه هو الشخص الوحيد الذي يعولني، ويهتم بي، هو، ووالدتي، لا أدري ما العمل على الرغم من أني أصلي الصلوات الخمس، وأقرأ القرآن، ما هي نصيحتكم؟ وهل سيعاقبني الله على هذه الوساوس والأفكار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أختي الفاضلة
نستثير فيك الإيمان، ومحبة الرحمن، أيكون المؤمن ضعيفاً إلى درجة تمني الانتحار، والهلاك، الموجب لغضب الرحمن؟! أمِن أجل فقدان لذة من لذات الدنيا يجرُّ الإنسان على نفسه خسران الدنيا، والآخرة؟! ألا يعلم المسلم أن هذه الدنيا دار ابتلاء واختبار؟! وكل ما في هذه الدنيا من نعَم، ومتاع، وزخارف، وشهوات: لا شيء بالنسبة لنعيم الآخرة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ) . رواه مسلم (2807) .
ثم إن عِظَم الجزاء والثواب مع عِظَم البلاء , ولو يعلم الإنسان ما له من ثواب وجزاء في حال صبره على البلاء: لم يجزع.
عن جابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَوَدُّ أَهلُ العَافِيَةِ يَومَ القِيَامَةِ حِينَ يُعطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِّضَت فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ) رواه الترمذي (2402) ، وحسَّنه الألباني في"صحيح الترمذي".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) رواه الترمذي (2396) ، وابن ماجه (4031) وحسنه الألباني في "سنن الترمذي".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي (2399) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
والله تعالى يقدر الابتلاءات على المسلم لحكمٍ كثيرة، ومصالح عظيمة، ذكرنا بعضها في جواب السؤال رقم (21631) فراجعيه فإنه مهم.
والمسلم جنته في صدره، بإيمانه، وتقواه، ويقينه بالله، ويستطيع الإنسان أن يجد السعادة ولو كان مكبَّلاً بأمراض الدنيا كلها، فلا نعيم يعدل نعيم الإيمان بالله، والرضا بقضائه.
قال ابن القيم رحمه الله:
سمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "إنَّ في الدنيا جنَّة مَن لم يدخلها: لا يدخل جنة الآخرة "، وقال لي مرة: " ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنَّتي وبستاني في صدري، إن رحتُ فهي معي لا تفارقني، إنَّ حبْسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة".
"الوابل الصيِّب" (ص 67) .
ويَقصد رحمه الله بجنة الدنيا: حلاوة الإيمان، والتقوى، ولذة الأعمال الصالحة.
ثانياً:
قال الله تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم/ 34، فنِعَمُ الله على الإنسان كثيرة، فيتخيل المسلم أن لو كان سليماً معافى , وقد سلبه الله الإيمان بالله: فأي سعادة، وأي لذة تكون في هذا الدنيا بغير الإيمان، وطاعة الرحمن؟! ، وليتخيل المسلم لو أن الدنيا بما عليها كانت في ملكه، وتحت تصرفه , وقد منعه الله التوفيق للهداية: فأي حياة هذه التي سيعيشها؟! ؛ فنِعمة الإيمان، ونعمة الاستقامة: لا يعدلها نِعم الدنيا أجمع.
ولذلك فالمعوق على الحقيقة هو من لم ينتفع بنعم الله عليه في استعمالها بما أوجب الله عليه، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف/179.
وقال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الحج/46.
والمؤمن الحق صاحب عزيمة , ولا يستسلم للأمر الواقع الذي يُضعفه، بل يسعى، ويجد، ويبذل، ويقدم ما استطاع , حتى لو كان معاقاً.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَِزْ) رواه مسلم (2664) .
فأنت معك العقل لتفكري، واللسان لتنطقي , واليد لتكتبي؛ هذه الأدوات يستطيع بها المسلم - بعد عون الله وتوفيقه - أن يتحصل على المجد، والرفعة، والفضائل التي لا تحصى.
فهذا عطاء بن أبي رباح كانت فيه مجموعة من الإعاقات , ومع ذلك ساد أهل زمانه بالعلم , وكان ينادى في موسم الحج: " لا يُفتي الناسَ إلا عطاء بن أبي رباح ".
جاء في ترجمته في " سير أعلام النبلاء " (5 / 80) : أنه – رحمه الله - كان أعور، أشل، أفطس، أعرج، أسود، وقطعت يده مع ابن الزبير، وأصابه العمى بعد ذلك.
ومع ذلك ساد أهل العافية والسلامة في زمانه، فكم من معاق في بدنه تحصَّل على ما لم يتحصل عليه الأصحاء الأقوياء، وفي تاريخنا المعاصر أمثلة كثيرة لذلك، فهذا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فقد بصره في صغره , ولكنه ملأ الدنيا بعلمه، وأخلاقه، وبذله.
وهذا مثال آخر:
تمت مقابلةٌ من إحدى الصحف مع كفيف يُدعى: محمود بن محمدٍ المدنيّ، درس كتب الأدبِ بعيونِ الآخرين، وسمع كتب التاريخِ، والمجلاتِ، والدورياتِ، والصحف، وربما قرأ بالسماعِ على أحدِ أصدقائِه حتى الثالثةِ صباحاً، حتى صار مرجعاً في الأدب، والطُّرفِ، والأخبار.
"لا تحزن" (ص 395) ترقيم الشاملة.
وهذا الشيخ أحمد ديدات رحمه الله، لم تبلغ إعاقتك ما بلغت إعاقته، فقد أصيب بجلطة في الدماغ، فشُلَّ بدنه بالكامل، لم يكن يتحرك منه إلا أجفان عينه! واستمر ذلك معه قريباً من عشر سنوات، ومع هذا فهل ترك الدعوة؟ وهل قنط من رحمة الله؟ وهل رغب بالانتحار؟ كل ذلك لم يكن، بل استمر في الدعوة إلى الله أجفان عينه، حتى آخر رمق من حياته، فكان يرد على الأسئلة، ويكلم الزوار، ويدعو إلى الله بجفني عينيه! في لغة خاصة يحادث بها الناس، حتى إنه أوصى بعض زواره بحركة جفونه بما ترجمته: "إحذروا أن تزهدوا في الدعوة، أو تدَعوها، مهما كانت الظروف صعبة، فانظروا إليَّ، انقطع عنِّي كل شيء، حتى حركة اللسان، ولم يبق إلا حركة العين، وأنا أبلغ الدعوة، وأكملها، بحركة العين".
فلا ييأس إلا ضعيف القلب والإيمان؛ فالمؤمن قوته في إيمانه ويقينه، وفي قلبه ورجاحة عقله.
فالنصيحة للأخت أن تستعين بالله , وأن تشمر عن ساعد الجد , وأن تبني مجداً وعزّاً؛ وأن تقهر وساوس الشيطان، وذلك بأن تجتهد على نفسها بتحصيل علم ديني، أو دنيوي – مع ما يجب عليها من علوم الشرع -، وأن تنظم وقتها لتحصيل ذلك؛ وسترى النتيجة بنفسها بعد صبر، وجد، واجتهاد , إن شاء الله، فالعزيمة الصادقة، والرغبة المؤكدة، يحقق بها الإنسان ما لا يحققه جماعة من الناس، مع احتساب الأجر والثواب من الله على البلاء.
سادساً:
واحرصي أيتها الأخت السائلة على انتقاء صحبة صالحة من بنات جنسك، وعلى انتقاء بعض قريبات لك؛ لفك وحشتك، والقضاء على وحدتك، وإن للصحبة الصالحة أثرها الطيب عليك، تعينك على طاعة الله، وتقضي معها أوقاتًا في المفيد لك دنيا وأخرى، تطالعون كتاباً، وتسمعون شريطاً، وتتحدثون في المباح من الأحاديث، وبذا تتخلصين من ضعف علاقتك الاجتماعية التي تشكين منها.
وأما بخصوص العناية، والنفقة، من والديك، وأنك تخشين فقدانها بموتهما: فلا تجعلي ذلك همّاً تعيشين معه؛ فإن من شأن ذلك أن يصيبكِ بالإحباط، وتذكري دوماً رحمة الله بعباده، وعظيم فضله على خلقه، وأنه تعالى يرزق الطير في السماء، والسمك في البحار، وأنه ما من دابة في الأرض ولا في السماء إلا على الله رزقها، فهو الكفيل سبحانه بكل جميل، فوكلي أمرك لربك تعالى، وسليه المزيد من فضله، وسليه أن يرزقك الصبر على البلاء، والأجر يوم اللقاء، ولا يخيب الله دعوة عباده الصادقين، وفي تقوية قلبك بهذا اليقين تقضين على وساوس الشيطان، وتنطلقين في العمل المثمر الجاد.
نسأل الله تعالى أن يوفقك إلى ما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/25)
تزوج عليها وهي تعيش في كندا وتريد طلب الطلاق من المحكمة وأخذ نصف ماله!
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقتي متزوجة منذ 26 عاماً، وكانت تعيش هي وزوجها وأولادها في " كندا "، وبعد 12 سنة قرر زوجها إرجاعهم إلى بلدهم، وقرَّر أن يسافر إلى " كندا " للعمل، ويترك أولاده وزوجته في " سورية "، وكان يأتيهم بالإجازات، وبعد 13 سنة أعادهم إلى " كندا "، وعاد هو إلى " سورية " بحجة العمل، وزوجته طوال الفترة تصبر، وتقول: لأجل أطفالي، وبعد غيابه بـ 5 أشهر عرفوا أنه متزوج من أخرى، وهي الآن تريد الطلاق لأنه لم يعدل، ولم يعمل بما أمره الله، والرسول صلى الله عليه وسلم، تريد الطلاق وفقاً للأحكام الكندية، والتي تقضي بأخذ نصف ماله. أرجوكم أفيدونا، ما الحل؟ وما حكم الإسلام في تصرف الزوج، والزوجة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد أساء الزوج إساءة بالغة بترك زوجته وأولاده في تلك الدولة الغربية وحدهم ورجع إلى بلده.
وقد ذكرنا في أجوبة كثيرة تحريم الإقامة في بلاد الكفر، والمفاسد المترتبة على ذلك، والشروط الواجب توفرها في المقيم إن أقام لعذر شرعي يبيح له تلك الإقامة، فتُنظر أجوبة الأسئلة: (14235) و (27211) .
ثانياً:
وقد أخطأت الزوجة بطلبها الطلاق بسبب أن زوجها قد تزوج عليها، ونعجب منها عندما صبرت على فراق زوجها عدة سنوات، وهي تصبِّر نفسها من أجل أولادها، ثم لا تصبر على زواجه بأخرى، وتطلب الطلاق بسبب ذلك!
وليس زواج الرجل بثانية مما يبيح للزوجة طلب الطلاق، ولكن يجب على الزوج أن يعدل بين زوجتيه وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (133049) فلينظر فإنه مهم.
وإنما يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إذا أساء الرجل عشرتها ولم يعدل بينها وبين زوجته الأخرى، أما إذا كان قائماً بالعدل بينهما فلا يجوز لها طلب الطلاق.
ثالثاً:
لا يجوز للزوجة ولا لغيرها استغلال القوانين الجائرة والتي تحكم بخلاف شرع الله تعالى فتأخذ أكثر من حقها الشرعي، وإذا اضطر إلى التحاكم إلى هذه القوانين، فلا يجوز له أن يأخذ أكثر من حقه.
ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم: (114850) .
وها هنا أمران يتعلقان بالزوجة:
1. أنه إن طلقَتْها المحاكم الكندية بسبب تزوج زوجها عليها، ولم يطلقها زوجها: فإن طلاق تلك المحاكم لا يقع، وإنما الطلاق للزوج دون غيره.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إِنَّمَا الطَّلاقُ لِمَن أَخَذَ بِالسَّاقِ) – رواه ابن ماجه وحسَّنه الألباني -، وقد أضاف الله تعالى النكاح، والطلاق، للزوج نفسه، فقال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الأحزاب/ 49، فأضاف الله الطلاق للناكح، فيكون الطلاق بيده" انتهى.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (12 / 490) .
وتزوج الرجل بأخرى لا يبيح للقاضي أنه يلزم الزوج بالطلاق، ولا أن يطلق بدلاً عنه.
2. ما تحصِّله المرأة من مالٍ يؤخذ من زوجها، خلافاً لما شرعه الله تعالى لها: فهو سحت، وحرام، لا يكون ملكاً لها، ولا يحل لها الانتفاع به، والقوانين الغربية الجائرة التي تجعل الزوجة تأخذ نصف مال زوجها: لا يجوز للمسلمة الأخذ بها.
وإذا طلقت من زوجها طلاقاً صحيحاً فلها عليه: ما تبقى من المهر. والمتعة، والنفقة في فترة العدة إذا كان الطلاق رجعياً، أو كانت حاملاً.
وإننا ننصح هذه الزوجة: بأن ترضى بزواج زوجها، وأن ترجع لبلدها، وأن تذكِّره بالله تعالى أن يعدل بينها وبين زوجته الأخرى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/26)
زوجته تريد الخلع لأنه يتعامل بالمخدرات ويقبل النساء وهو عازم الآن على التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي مع زوجتي التي تركتني وغادرت إلى بيت أبيها وتريد أن تخلعني: السبب في ذلك أنني اعتدت أن أتعامل مع المخدرات واقّبّل بعض الفتيات، أنا أعلم أن لها الحق أن تغضب وأن تتخذ مثل هذا التصرف ولكني قد وعدتها أن أقلع عن كل ذلك وأن أحاول أن أكون مسلماً جيداً ولا يعلم بنيتي إلا الله، ولكن مع هذا كله ما زالت تصر على الفراق وتقول إنها لم تعد تثق بي لأنني قد وعدتها كثيراً ولم أف بوعدي، وهي محقة في ذلك أيضاً لكنني في هذه المرة جاد في توبتي ولا أريد أن أفارقها فأنا أحبها كما لا أريد لطفلتنا أن تتربى في ظل أسرة متفرقة. فما نصيحتكم لي ولزوجتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، ويصلح حالك، ويغفر ذنبك، ويصرف عنك حب المخدرات والتعامل بها، ويقيك فتنة النساء، ويجعلك من عباده الصالحين.
واعلم أن زوجتك التي ترفض عملك المحرم، زوجة صالحة ينبغي أن تحرص عليها، وتفخر بها، وتسعى لإسعادها، وتشكر الله عليها.
ثانياً:
لا شك أن زوجتك معذورة في عدم تصديقك؛ لما تكرر من إخلافك الوعد، ولها الحق أن تخاف على دينها وعلى صحتها إن بقيت مع من له علاقات بالنساء ويتعامل بالمخدرات، ولكن عليك الاجتهاد في إقناعها بأنك قد تبت من ذلك، وعزمت على عدم العودة إليه، ولعلك تجد من أهل الخير من يتوسط للصلح بينكما.
وننصحك بالمبادرة بالتوبة الآن، ولا تنتظر عودة زوجتك إليك، ثم تتوب، بل تب من الآن واحرص على الصلاة جماعة في المسجد، وأحسن العمل، ولعل زوجتك إن رأتك جاداً في توبتك أن تعود إليك.
ونقول لزوجتك: إن استمر الزوج على حاله السابق، فلك الحق في طلب الطلاق أو الخلع، وإن غلب على ظنك أنه صادق هذه المرة، فأعينيه على ذلك، وعودي إليه، لعل الله أن يثبته وأن يجمع بينكما على طاعته، وأن ييسر لابنتك تربية صالحة سوية بين والديها.
ونسأل الله تعالى أن يلهمكما رشدكما وأن يجمع بينكما في خير
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/27)
إذا طلق زوجته فسيغضب والداه ولن يعيناه في زواجه
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي مع زوجتي تزوجتها من 5 سنوات في بداية الزواج كان الأمر طبيعيا ورائعا ولكن الذي حدث بعد ذلك أن زوجتي بدأت تهمل بمظهرها بشكل لا يوصف وبشكل ملحوظ بدأت أعطيها ملاحظاتي بشكل لطيف بأنني شاب ولي الحق التمتع بزوجتي وهندام زوجتي علما أنه لم يكن لدينا أطفال استمر الحال إلى أن رزقت بولد والحمد لله واستمر حالها أيضا من إهمال وتقاعس عن الاعتناء بحقوقي الزوجية من حيث المظهر فجربت معها السبيل الهادئ ومن ثم انتقلت إلى أنني أغضب من وضعها السيئ ومن مظهرها الغير معتنى به ثم بعد ذلك لجأت لوالدتي ونصحتها دون جدوى بعد ذلك أمها نصحتها دون فائدة وخالتي أيضا دون فائدة وأيضا حاولت تهديدها بزواج مره أخرى ولم تكترث إلى أن رزقت بطفل آخر والحمد لله رب العالمين واستمر وضعها على هذا الحال اكثر من 3 سنوات وأنا أحاول إخفاء الأمر عن الجميع بأنني غير سعيد بحياتي لأنها أسرار بيتي لا أرغب بإخراجها بعد ذلك أصبحت تهمل في تربيه أولادي من حيث التعليم أي أنني أُعلم ابني معاني الأسماء وسور قصيرة من القران الكريم فتفاجأ به إذ هو يحفظ أسامي أبطال المسلسلات والكليبات الهابطة فحاولت نصيحتها وأيضا غضبت منها كثيرا ولكن دون جدوى، ولكن أريحها من الطبخ وغسل الثياب وتنظيف المنزل وذلك لإعطائها فرصه لكي تحسن من مظهرها وتعتني بشكل أكبر بالأولاد وأيضا أعطيها النقود لكي تذهب مع والدتها وتشتري الملابس ولكن كل سبل الراحة هذه لم تجب معها أي نتيجة إيجابية نهائيا قررت بعد ذلك بزواج أخر من فتاه أخرى وفعلا بدأت بالموضوع عندما عرضت الموضوع على والدي رفض رفضا قاطعا وحدثت مشاكل وتدخلت خالتي عن طريق زوجتي فأثارت المشاكل أكثر مما اكتشفته بعد ذلك بأن جميع أسرار بيتي تخرج إلى خالتي والى والدتها والى صديقتها وقف أمامي جميع الناس لكي لا أتزوج من أخرى ولا أدري لماذا فأنا أطرق باب الحلال محاولا الابتعاد عن الحرام فصممت على زواجي من أخرى دون جدوى ولا أحد يريد أن يقبل بموضوع زواجي منبهرا ما هو السبب بعد هذا الأمر شيخي الفاضل بدأت معاشرتي لزوجتي تختفي شيئا فشيئا لأني لا أتقبلها أبدا أصبحت فعلا ابدأ بكرهها بعد شهور شيخي الفاضل تبين أنها على علاقة مع شاب أخر كانت تعرفه قبل الخطبة من خلال عملها وأن أيضا أسرار بيتي بين يدي هذا الشاب المتزوج وباعترافها عندما كشفت من هنا بدأت المشاكل الكبيرة وأرسلتها إلى أهلها وقال لي أهلي تزوج من أخرى، عرف والدها الموضوع ورفع سكينا عليها لكي يقتلها فاتصل بي أبي وعرض علي الموضوع فقلت له أرجعها لعلي اكسب بها الأجر وامنع جريمة ولكني يا أبي لا استطيع معاشرتها نهائيا مهما كان الأمر إن أحبت تجلس مع أولادها معززه مكرمه ولكني سوف استقل ببيت أخر لوحدي وآتي كل حين وأخر لزيارة أولادي وقضاء أي احتياجات خاصة للبيت، فوجئت بعد ذلك بأن أبي وأمي رافضين موضوع زواجي مره أخرى وسبب ذلك الأطفال، قالوا لي أنك الآن مستأجر بيت ولا تزور أولادك كثيرا ولا تعاشر زوجتك فما بالك إن تزوجت فحاولت أن أقنعهم أنني أكره زوجتي ولكن أعاملها باحترام بحق الإنسانية ولكني غير سعيد بتاتا ولا أستطيع معاشرتها استمر الوضع هذا لمده 4 شهور وبعد ذلك فهمت من بعض الأصدقاء أن الهجر حرام وأن الطلاق أرحم فجلست مع نفسي أيام لأفكر بالأمور بشكل كامل فوجدت نفسي غير متقبلها نهائيا فقلت الطلاق الحل الأمثل لهذا الوضع فسوف استأجر بيت لها ولأولادي لحين أن يأتي لها ابن حلال يقدرها فكان قرار أهلي كالتالي لو طلقتها سوف نغضب عليك وإن طلقتها أو لما تطلقها لن نمشي لك بأي زواج أخر اذهب تزوج لوحدك وسوف نبتعد عنك إن تزوجت بأخرى فيا شيخي أحيطك علما أنه لا مجال لتقبل زوجتي نهائيا فما أريد أن أعرفه لو طلقت زوجتي وغضب والدي علي فهل تستجاب الدعوة؟ هل زواجي بأخرى مهما كانت الأسباب حرام؟ هل طلاقي لزوجتي حرام؟ أنا في حيره شيخي الكريم وحياتي محطمه محتاج لحياه أسريه أخرى مع أولادي إن لم ترغب زوجتي بالاعتناء بهم برجاء شيخي الكريم الإجابة عن سؤالي أنار الله لك طريقك بالتقوى والإيمان]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان الأمر كما ذكرت، وتعذر البقاء مع زوجتك، فلا حرج في طلاقها، ولعل في ذلك سعة لك ولها، كما قال تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء/130، والطلاق خير من إمساك الزوجة مع عدم إعطائها حقها.
ولا يلزم طاعة الوالدين إذا أمرا بعدم الطلاق، وليس لهما أن يدعوا على ابنهما إذا لم يطعهما في ذلك، والدعاء إذا كان بغير حق لا يقبل؛ لما روى مسلم (2735) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَهُ قَالَ: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ) .
فالدعاء إذا كان متضمناً للإثم فإنه لا يستجاب، ولا شك أن الاعتداء بالدعاء على الولد بغير حق من الإثم.
ثانياً:
يجوز للرجل أن يتزوج من ثانية وثالثة ورابعة، ولو كانت الأولى سيدة النساء خلقا ودينا؛ لأن الله تعالى أباح ذلك بشرط واحد فقط، وهو العدل بين الزوجات، قال الله تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء/3، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وهي أحب النساء إليه وأكملهن علماً وفضلاً.
ولا ريب أن هذا الزواج خير من تعريض الرجل للفتنة والوقوع في الحرام، بل لا مقارنة بين الأمرين.
والمقصود: أنه يجوز لك الزواج من ثانية ولو استقامت حياتك مع الأولى، فكيف إذا كان الأمر على ما وصفت.
وينبغي أن تسترضي والديك وتقنعهما بحاجتك للزواج، وقدرتك على التغلب على مشكلة الأولاد ورعايتهم.
ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/28)
عقد عليها ويشعر بعدم الارتياح فهل يطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد سألتكم يوم الجمعة الماضي عن كيفية التصرف مع خطيبتي، والتي قد كتبت عقد نكاحي عليها، ولكنني لم أبن بها بعد. نحن خاطبين منذ ثلاثة أشهر تقريبا. هي عمرها عشرون عاما ولازالت طالبة في الثانوية العامة. أنا عمري 25 وفي مرحلة التخرج الآن. كنت حين تعرفت على الفتاة ورأيتها الرؤية الشرعية وجلست معها 3 مرات فقط، بحضرة والديها وتحدثنا في أمور كثيرة تخص المستقبل. وقد وافقت عليها، من بينها تعلم اللغة العربية، وأمور الدين … وحين تقدمت لها كنت على دراية بضعف لغتها العربية حيث أنها عاشت وتربت هنا في الغرب، ولم يكن لديهم أي إمكان أن يتعلموا اللغة مثلنا … هي تجيد قراءة القرآن بدون لحن جلي أو خفي وتحفظ الشيء اليسير من القرآن. حدثتها أنني سأعلمها وأخذت على عاتقي التغيير وهي أبدت استعدادا وحماسا منقطع النظير. لكن يا شيخ بعد كتابة الكتاب تغيرت الأمور ووهنت العزائم … يا شيخنا الفاضل أنا أعلم بطبيعة النفس البشرية وأعلم أن من عقيدتنا عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يقوى ويضعف وأعلم أن القلوب لها مواسم ... لكن الفتاة كلما بعثت لها محاضرات لا تستمع لها ... إلا للقليل منها ... حدثتها وطلبت منها أن نتعاون على قراءة كل يوم نصف جزء من القرآن ... تتحمس يومين أو ثلاثة وبعد ذلك تهون عزيمتها وتضعف ... إذا سألتها لماذا؟ تقول لي ... شغلت بالدراسة وبالواجبات وكذا وكذا وكذا ... ! في الحقيقة الموضوع أرهقني، وأصبحت أشعر بالخوف تجاهها وعدم الميول لها ... وخصوصا أنه يحدث كثيرا مشادّات بيني وبينها لأمور عادية جدا ... أشعر بفارق كبير بالتفكير بيني وبينها ... يعني لم نتناقش يوما بموضوع يخص مستقبلنا إلا وانتهى النقاش بيننا بزعل. هي سريعة البكاء وإذا قسوت عليها يوما ببعض الكلمات، إن هي قصرت في سماع محاضرات أو قراءة قرآن تبكي ... حينها ألتزم الصمت ولا أدري ما أقول دار نقاش يوما بيني وبينها إلا أنها لم تفهم كل الكلام، وذهبت لتسأل أمها عن بعض النقاش الذي دار بيني وبينها ... فاستغربت أمها من كلامي واتصلت بي وأخذت تهينني على التلفون بحجة أنها أخطأت أنها زوجتني ابنتها وأنها باعت ابنتها لي بالرخيص (والحق يقال: إن أهل الفتاة لم يأخذوا مني مهرا ... وحتى مؤخر الصداق قالوا لي إنهم سامحوني به، ولولا عاداتهم وتقاليدهم ما كتبوه أصلا في العقد) لكن كانت كلمات الأم جارحة ... هي اتصلت بعد ذلك واعتذرت، وأنا قد سامحتها لكنها كانت جارحة بإهانتي، وأنا لم أخبر أهلي بهذا الموضوع لتجنب زيادة المشاكل. لقد بدأت أخاف جدا من هذا الارتباط، والمشكلة أنني خائف أن أخبر أهلي بما يدور في خاطري لأنهم سيقولون لي: افسخ عقدك عليها، ناهيك عن شماتتهم بي؛ لأن الفتاة كانت من اختياري ولم تخترها أمي لي ... (المشكلة أيضا أن الفتاة تعلقت بي جدا، وأهلها سهلوا لي أمور المهر وغيرها، وإذا تركت الفتاة فسأجرحها وأهلها) لكن على النقيض، إن الفتاة لم تكن بالمستوى الذي أطلب من العلم والفقه في الدين.أشعر لديها رغبة في التعلم، لكني لا أرى منها أي مجهود مقنع ... أخاف إن فسخت عقد الكتاب، أن أكون قد استعجلت التغيير، وأكون قد ظلمت الفتاة وأهلها....لا أخفيكم سرا أنني لم أعد أشعر بأي ميول نحوها لكثرة مشادّاتنا ... لا أدري هل هو بسبب الضغط النفسي الذي أعانيه الآن بسبب مرحلة التخرج، وكثرة الدراسة أم ماذا ... أنا في حيرة من أمري ... أفيدوني بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من الأمور المعلومة ما يلقيه الشيطان من الخواطر والوساوس والشكوك حتى يفرق بين المرء وزوجه كما جاء في صحيح مسلم (2813) عن جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ قَالَ الْأَعْمَشُ أُرَاهُ قَالَ فَيَلْتَزِمُهُ "
وأنت بمجرد عقدك على هذه المرأة، صرت زوجاً لها، ولا ينبغي للإنسان أن يحل عقد الزوجية لمجرد الشكوك، بل لا يكون ذلك إلا لأمر يقيني، متأكد.
ولا تعجب من عدم الوئام التام المطلوب، فهذا أمر طبيعي، لا سيما وأنك بعدُ لم تدخل بها، ولا تدري لعلك إن تركتها أن لا تجد مثلها، ولعلك إن كرهت منها اليوم خلقاً، أن ترضى منها أخلاقاً أخر.
فأخشى ما نخشاه عليك أن تكون في حال رهبة وخوف من الارتباط المقبل مما يجعلك تستحضر في ذهنك الجوانب السلبية وتنسى الجوانب الحسنة الإيجابية، فلذلك جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" رواه مسلم (1469) .
ونذكرك أن تمام الوئام المطلوب إنما يكون بعد الزواج فتجد أن المرأة إن سكنت بيت زوجها ووصلها خيره، فإنها تنقاد معه أيسر مما كانت قبلُ، وهذا أمر مجرب محسوس. فلذلك لا ينصح بتطويل مدة العقد، وينصح بالإسراع والتعجيل بالزواج، حتى لا تزيد المشاكل وتتكاثر.
والمرء تشتد همته لما منع منه، ويشرئب قلبه له، حتى يسيطر عليه الهم والغم، فإن هو ظفر بما أراد، ندّمته نفسه، وضعفت همته، وبدأ ينظر بالعين الأخرى، حتى إن كثيرا منهم - بعد نيل المراد - يشتكي من ذلك، حتى يبدأ بالوسواس: لعله سحر، أو عين، أو مس، وقد رأينا من مثل هذا ما لا حصر له.
قال الإمام ابن القيم في "الجواب الكافي" (ص320) : " فإن كثيرا من الناس يزيد رغبته في المرأة إباؤها وامتناعها لما يجد في نفسه من ذل الخضوع والسؤال لها، وكثير من الناس يزيده الإباء والامتناع زيادة حب كما قال الشاعر:
وزادني كلفاً في الحب أن منعت ... أحب شيء إلى الإنسان ما منعَ " انتهى.
وأما ما ذكرت من عدم قراءتها للقرآن بالقدر الذي تطلبه، وعدم استماعها لأشرطة المحاضرات بالشكل المطلوب، ثم محاسبتك لها على التفريط في ذلك، بل وقسوتك عليها من أجل هذا!! فهذا أمر عجيب جدا، لا سيما وأنها ما زالت في بيت أبيها، وما زالت في طور الدراسة الثانوية، صغيرة السن، لا تتقن اللغة العربية جيدا … إلى آخره من المبررات الواضحة العذر.
فأنت تطالبها بالفضل وتعتب عليها فيه! وقد كان الأولى بك في هذه المرحلة، المطالبة بالعدل، من غير عتب.
فالذي ننصحك به أن تبقي على زوجك، ولا تتعجل في حل ما بينكما، بل على العكس، أغلق أبواب الوساوس والفرقة، وعجل بإتمام زواجك، ولعل الله أن يقر عينك بها، لا سيما وهي لك محبة، وفيك راغبة.
ولعلك أخي الكريم أن تستشير – من أهل التقى والعلم والحكمة – من يدرك بيئتك التي أنت فيها ومالها من تداخلات وتشعبات، وعليك بالتوكل على الله والدعاء والإلحاح على الله، والاستغفار في الأسحار.
نسأل الله أن يفرج همك، وينفس كربك.
وأما بالنسبة لما قلت: من أنهم زوجوك من غير مهر، فإن كنت تقصد أنهم زوجوك بمهر قليل فهذا خير والحمد لله، وأما إن قصدت أنهم لم يأخذوا منك أي مهر قط، فهذا أمر لا يجوز؛ لأن الزواج بدون مهر من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) .
فيجب عليك أن تبذل لها مهراً وإن قل، وللاستزادة يرجى مراجعة جواب السؤال رقم (112153) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/29)
نصيحة لمن ابتلوا بمريض في عائلتهم أن يتحملوه ويحسنوا إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لدي خالتي كبيرة 69 سنة [وكنت قد استشرت العديد من مواقع الفتوى والنفسية والكل أكد لي أنه يتوجب علاجها نفسيا ولكن إخوتها رفضوا ذلك وقرروا أن يتقاسموا تحمل الكم الهائل من تصرفاتها المعوجة إلى أن يحدث الله أمرا كان مفعولا وهم 2ذكور وأمي] الوضع الآن كالآتي عندما جاءت للإقامة معنا واستمر ذلك لمدة 7 أشهر مقسمة على 3فترات وبكل صدق لم يستطع أحد منا تحمل تصرفاتها ولاحتى إيجاد حل للتعامل معها وباختصار هذه التصرفات هي: الكذب بسبب وبدون سبب * تفضيل الوسخ على النظافة * تفضيل المرض على تناول الدواء * كل يوم نوع جديد من أساليب الإستفزاز للعائلة......إلخ إلخ كل هذه الأشياء تفعلها معنا ومع عائلة خالي ولكن أمي تفضل وجودها معنا أكثر الوقت رغم رفض الأغلبية. الأكثر من ذلك عندما تأتي خالتي تترك أمي كل مسؤولياتها تقريبا وتصبح خالتي شغلها الشاغل فهي تجهز لها فطور الصباح بنفسها والغداء والعشاء وتضيع معها أغلب أوقات اليوم في الحديث لمحاولة تغييرها ورغم أني أخبرتها بنتيجة استشاراتي وأنه يلزمها علاج نفسي مكثف وأنها [أمي] ليست مأهلة لإصلاحها وعلاجها وبالأخص أنها تسببت لها [لأمي] في ارتفاع ضغط الدم والسكري إلا أنها ترفض ذلك بعناد وهذا أثر على واجباتها كربة بيت وخصوصا مع والدي وهي لاتعير إهتماما لذلك وبالتالي قررنا جميعا دون التركيز على تقصيرها تجاه والدي أن لا نحضر خالتي هذه إلا في مرات متباعدة ولمدة أسبوع أو 10 أيام على الأكثر ويتقاسم أخواها الأخران مسؤوليتها خصوصا وأنهم رفضوا علاجها نفسيا الذي حدث الآن أن أمي تريد إعادة إحضارها مرة أخرى ولمدة شهر فما فوق خصوصا وأنها تحلم دائما بأن جدتي رحمها الله قد أحضرتها لنا وعندما تسرع أمي لتسلم على جدتي تقوم بالإلتفات عنها أمي الآن غاضبة وتريد إما أن تحضرها وتبقى مثلما تريد أو أن لاتحضرها مطلقا وحل الأسبو أو 10 أيام لا يرضيها ونحن احترنا خاصة وأن أمي مريضة وهي الآن بصصد التحضير لإجراء عملية جراحية لإزالة المرارة وترقيع فتق عل مستوى البطن وأنا الفتاة الوحيدة في المنزل مع أبي و3 إخوة ذكور والبيت كبير والمسؤوليات كثيرة وخالتي هذه يلزمها من يتفرغ لها تماما كما قلت آنفا أنا لا أعرف مالذي يتوجب علي فعله أرجوكم بصدق أفيدوني بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب عليكم مراعاة خالتكم ولا يجوز أبداً تضييعها أو الإهمال في حقها.
هي مريضة، وكبر سنها له دخل بما هي فيه بلا شك، فلا مفر لكم من تحملها، فإن (الخالة بمنزلة الأم) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحقها عليكم عظيم.
ووالدتكم معذورة في رغبتها إحضار أختها معها، وذلك مما تشكر عليه الأم، وعليكم أن تساعدوها في ذلك، وليقم الجميع بالمشاركة في تحمل المسؤولية، حتى والدك، فعليه أن يتغاضى عن بعض حقوقه وتقصير والدتك في أمور البيت بسبب انشغالها بأختها.
وأنت أيضاً: عليك خدمة خالتك، والقيام بأمور البيت مع أمك ومساعدتها في ذلك.
المهم ... عليكم جميعاً (جميع أفراد العائلة) تحمل هذه المسؤولية معاً، فإن أمكن ذلك بأن تبقى خالتك عند والدتك أسبوعاً ثم تذهب إلى أحد إخوانها أسبوعاً آخر ... وهكذا، فهو طيب، وعليكم إقناع والدتكم بهذا، فهذا فيه مراعاة خالتكم، وفيه التخفيف عنكم أيضاً، وهو الحل الأحسن في مثل هذه الحالة.
وقد يكون من المناسب إدخالها إحدى دور المسنين، ورعايتها ومواصلة زيارتها بعد دخولها.
وليضع كل واحد منكم نفسه مكانها، فتلك أمراض لا يُدرى تصيب مَنْ ولا تصيب مَنْ؟ وكل إنسان معرض لمثل هذا. ولينظر كيف يريد من الناس أن يعاملوه في هذه الحالة.
نسأل الله تعالى لكم التوفيق، ولخالتكم الشفاء والسلامة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/30)
شاب يعاني من الاضطراب والقلق وتأخر الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من قلق واضطراب في حياتي على الرغم من أني أصلي الصلوات الخمس. ومما زاد الأمر سوءً إنني كلما طرقت باباً للزواج قوبلت بالرفض بسبب حالتي الصحية. ما أعانيه هو أنني لا أستطيع تذكر الأشياء وكثيراً ما أفشل في فهم الأشياء الأكثر بساطة التي يفهمها الجميع كما أني لا أستطيع التعبير عن شخصيتي ولا أستطيع التفريق بين الصح والخطأ. أنا أعلم أن هذه الحياة هي دار ابتلاء وأن الآخرة هي دار القرار ولكني أريد أن أتزوج وأن يكون لي أولاد ولكني محروم من هذا كله. فلا أفهم ما هذا أهو ابتلاء؟ وما نصيحتكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
نسأل الله أن يرزقك الزوجة الصالحة التي تعينك على أمر دينك ودنياك.
ولا شك أن ما يصيب المسلم في هذه الدنيا من آفات ومحن ما هو إلا محض ابتلاء من الله، فمن صبر واحتسب فله الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً) . رواه البخاري (5641) ، ومسلم (2573 (.
ومما ننصحك به:
أولاً: حسن الظن بالله والثقة به، واللجوء إليه والتوكل عليه؛ فإنه يبعد القلق ويزيل الاضطراب، كما قال تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) .
قال ابن القيم: " من وَطَّنَ قلبَه عند ربه سكن واستراح، ومن أرسله في الناس اضطرب واشتد به القلق ". الفوائد (1/98) .
وعليك بالدعاء فهو سلاح المؤمن، وهو " من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل ". كما قال ابن القيم في " الجواب الكافي" صـ 4.
ومَن أقبل على الله بصدقٍ، وألَحَّ عليه بالدعاء، وأَكثَرَ من سؤالِه أجاب الله دعاءَه، وحقَّق رجاءَه، وأعطاه سُؤْلَه، وفتح له أبوابَ الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.
وتحرى في دعائك أوقات الإجابة: كالثلث الأخير من الليل، وبعد العصر من يوم الجمعة، وبين الأذان والإقامة، وحال السجود.
ثانياًً: الرضا بما قسم الله لك وقَدَّر.
فإذا رضي الإنسان بما قسم الله تعالى له، اطمأنت نفسه، واستراح قلبه، وذهب خوفه وحزنه، وعاد عليه بالعافية في كثير من الأمور التي تؤرقه كعدم التركيز، والخجل من الناس، ونحو ذلك.
ثانيا: كن على ثقة من أن هذه الأمور التي ذكرتها قابلة للعلاج والتحسين والتغيير، لكن ذلك يتوقف على رغبتك الحقيقية في التغيير، واتخاذك الأسباب المعينة على ذلك.
ثالثا: لا حرج عليك في الاستعانة ببعض الكتب التربوية والإدارية التي تُعنى بتعليم مهارات التنظيم والترتيب، وفن اتخاذ القرار والسيطرة على مشاعر القلق والخجل، وفن التعامل مع الناس بصفة عامة.
رابعاً: لا لليأس والقنوط، فالمؤمن متفائل دائماً، لا يتطرق اليأس إلى نفسه، كما قال تعالى: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون) .
وتأخر الزواج لا ينبغي أن يحملك على اليأس، وترك طرق الأبواب والأخذ بالأسباب.
وما يدريك فلعلَّ ما صُرف عنك في السابق كان هو الخير لك (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/216.
فكم مرة ضاقت بنا السبل، وتقطعت بنا الحبال، وأظلمت في وجوهنا الآفاق، فإذا هو الخير والفتح والبشارة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/31)
أخوهم يصر على التزوج بأجنبية كتابية، ويرفض التزوج بغيرها، فماذا يصنعون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من مشكلات في إيجاد عروسة لأخي الأكبر، فكل فتاة يتقدم لخطبتها: ترفضه، دون إبداء للأسباب، وأمي قلقة عليه، فمؤخراً أخبرنا أنه يريد الارتباط بفتاة أمريكية، وقال: إنها تريد أن تسلم، لكنها لا تؤدي شعائر الإسلام كما ينبغي، ويرى أخي أنه طالما أنها تذهب للمسجد: فإنها ستعتنق الإسلام لاحقاً، أم عاجلاً، كما أن هذا يدل على أنها فتاة صالحة، وأهلي على خلاف كبير مع أخي، فنحن لا نريد فقط فتاة مسلمة، بل نريدها أن تكون موافقة لتقاليدنا، وهو يرى أن هذه عقلية منغلقة، ويرفض ذلك، ويصر على الزواج من هذه الفتاة لأنها تريد أن تسلم، فهل يمكن أن تنصحونا وتذكروا لنا أحاديث وآيات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان واقع أخيك كما تنقله عنه من أنه كلما تقدَّم لفتاة رفضته، ودون إبداء الأسباب فالنصيحة له أن يصلح ما بينه وبين الله تعالى.
ومن أصلح ما بينه وبين الله: أصلح الله ما بينه وبين الناس.
ثانياً:
من حيث إصراره على التزوج بتلك المرأة القريبة من الإسلام على حد زعمه: فإن هناك أموراً يجدر التنبيه عليها:
1. أن التزوج بالنصرانية جائز من حيث الأصل، إن كانت عفيفة.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية - يهودية أو نصرانية - إذا كانت محصنة، وهي الحرة العفيفة؛ لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ... ) .
وترك الزواج بها أولى وأحوط للمؤمن؛ لئلا تجره وذريته إلى دينها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 314 , 315) .
وانظر الشروط الواجب توفرها في الكتابية حتى يحل نكاحها في جواب السؤال رقم: (95572) .
وأما عواقب الزواج من كتابيات: فكثيرة، وقد ذكرنا طرفاً منها في أجوبة الأسئلة: (12283) و (20227) و (44695) .
2. قد يكون تزوج أخيك بتلك المرأة خيراً له، ولها، ولكم.
أما له: فلأن إصراره على التزوج بها قد يجعله يقع معها في الفاحشة إن لم يتزوجها.
وأما لها: فقد يكون الأمر كما يقول، ويكون ذلك سببا لدخولها في الإسلام.
وأما لكم: فحتى لا تفقدوا أخاكم بإجباره على الزواج ممن يكره، أو تعارضوه في الزواج ممن يرغب، فتحصل بينكم القطيعة.
3. أنتم تبحثون له عن زوجة بمواصفات لا يرغب هو فيها، وهو يرى أن هذا "عقلية منغلقة"، فلا تتعبوا أنفسكم بالبحث عن شيء هو غير مقتنع به، والمهم الآن هو أن يعف نفسه من الوقوع في الحرام، وقد يكون سبباً في إسلامها، فلم لا تجعلونه يجرب حظه من الزواج بها وأنتم قريبون منه، فقد يحتاج إليكم عندما يرى الأمر بخلاف ما تصور، ويحصل منه الاقتناع برأيكم واختياركم، وقد يكون زواجه منها موفقاً، ويبارك الله لهم فيه، ويكون سبباً لهدايتها إلى الإسلام، واستقامتهما معاً، وهذا ما نرجوه، ونسأل الله تعالى أن يهديهما لما فيه خيرهما وسعادتهما في الدنيا والآخرة.
4. نحن نفرِّق في أجوبتنا بين السؤال الذي يرد من الشخص الراغب بالزواج، وبين كونه من أهله، فإذا كان هو المرسل والسائل لنا: فإننا نحذره أشد التحذير من الزواج بكتابية تحمل جنسية دولة كافرة؛ لما في ذلك من مفاسد كثيرة، ونبذل جهدنا في تنفيره من ذلك الزواج، بخلاف ما إذا كان السؤال من أهله – كحالتكم هذه – ويكون هو مقتنعاً برأيه واختياره، فنحن نبين لكم ما نراه صواباً، وفي الوقت نفسه قد نحثكم على تزويجه بتلك المرأة؛ خشية من حصول علاقة محرمة، أو من وقوعهم في الفاحشة المنكرة، فلا شك أن الزواج بها هنا يكون هو الحل الأمثل.
فالنصيحة لكم: التلطف في منعه من التزوج بتلك المرأة، مع تبيين المفاسد من ذلك، ومحاولة إقناعه من غير طريقكم، واجعلوا ذلك من طريق من يثق هو به، وإن أصرَّ على الزواج بها: فقفوا معه، وآزروه، ولا تخسروه، فهو أحوج ما يكون للنصح، والتذكير حينئذ.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/32)
والدتها تسرق من مراكز التسويق، ولا تدري ماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أدري ماذا أقول لكن أمي زارتني هذا الصيف وأثناء التسوق معها في مراكز التسوق فوجئت بأنها تسرق أشياء صغيرة ونحن من أسرة متدينة ولا أدري ماذا أفعل وأريد أن أمنعها لكبر سنها وخشيتي عليها أن تموت وهي في هذه الحالة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه محنة، ليس لها إلا الاستعانة بالله تعالى، ثم الرشد في التصرف، والحكمة في النصح.
وقد يبتلى بعض الناس بمثل ذلك، بسبب ضعف الإيمان.
وانظري: لعل الوالدة غفلت، أو نسيت، أو غلبها غالب لكبر السن.
فإن لم يكن شيء من ذلك وتأكدت أنها ـ فعلاً ـ تسرق من مراكز التسوق، فننصحك باتباع ما يلي:
- العمل على تقوية إيمانها، بالحرص على الصلاة، وقراءة القرآن واستماعه، وذكر الله تعالى ... وغير ذلك من الطاعات.
- تذكيرها بالله بالتخويف والترهيب، ثم بالترغيب فيما عند الله من المثوبة لمن اتقاه.
- تذكيرها دائما بأن الدنيا دار زوال وهوان، ولا تغني من عذاب الله من شيء.
ويكون ذلك بصورة غير مرتبطة بفعلها هذا؛ حتى تتمكن خشية الله منها، فتنتهي عن ذلك.
فيكون التخويف بالله تارة عاما، وتارة خاصا بالواقعة.
- بيان خطورة أكل حقوق العباد، وأن المظلوم يأخذ من حسنات مَنْ ظَلَمه يوم القيامة، حتى قد تفنى حسنات الظالم.
- تنبيهها إلى ضرورة مراعاة سمعة أولادها وأحفادها ومن يهمها أمرهم، وكيف أن هذا العمل المشين يعود بالبلاء ليس عليها فقط، بل على من تحب.
- تخويفها بما قد يعود به هذا الفعل عليها عند انكشاف أمرها من والفضيحة والسمعة السيئة.
- العمل على التقلل من خروجها لتلك الأسواق والمحلات.
- السعي لتحقيق كافة ما تريده وتطلبه قدر المستطاع، حتى لا تحتاج إلى شيء قد لا يتيسر لها تحصيله إلا بهذه الفعلة المذمومة.
- انتهاز الفرصة إذا ما تم القبض على أحد اللصوص وانكشاف أمره وإطلاعها على هذا الخبر، لعل ذلك يكون رادعاً لها عن هذه المعصية.
ونسأل الله تعالى لها الهداية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/33)
كان له ماضٍ سيء تاب منه وهي تشك بأنه باق على حاله فهل تفسخ الزواج منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 27 سنة، مخطوبة من 7 شهور للمرة الثانية - الأولى كانت سنتين -، قبلتُ بالشخص الثاني، وكان صريحاً من البداية اعترف لي بماضيه السيئ، وأنه تاب عنه، وصدَّقته، وبعد فترة: اكتشفت أنه يكلم صديقته التي كان يزنى معها، وحلف لي أنه لم يتم بينهم شيء، وأنه فعلاً تاب، وأن الشيطان وجدها أمامه لكي يرجع عن توبته، لكنه ما زال لا يريد فعل هذه الفحشاء، لكن المشكلة أني لا أصدقه، وطلبت فسخ الخطبة، ولكنه تأثر كثيراً، وهو للعلم يتيم الأبوين، ويعيش بمفرده، وهذا هو ما يجعلني أشك به أكثر – أي: عيشته وحده -، والمشكلة الأكبر أني غير قادرة على فسخ الخطبة نهائيّاً؛ بسبب أن هذه المرة الثانية، والمكان الذي أسكن به شعبي، سكانه لا ترحم، بعد فسخ الخطبة الأولى تعالجتُ نفسيّاً بسبب ما حدث من كل مما حولي، لذلك لا أريد ذلك ثانياً، أستخير ربنا، ولا أعرف، أمور تسير وأمور تقف، يوم أثق ويوم لا أثق، يوم أريده ويوم لا أريده، أخاف الله، وأتمنى زوجاً صالحاً، وأباً يراعي الله في أولاده، وفي زوجته، أخاف من ماضيه، وأخاف من تركه، الموضوع معلق، لا أستطيع حسم أمري، وفي حيرة شديدة، فماذا أفعل بالله عليكم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم يكن لخطيبك أن يعترف لك بماضيه السيئ، وكان الواجب عليه أن يستتر بستر الله، ولا يفضح نفسه، لا أمامك، ولا أمام غيرك، وإخبار أحد الزوجين للآخر بماضيه السيئ من شأنه أن يفسد ما بينهما مستقبلاً، كما في حالات كثيرة جدّاً، وكما نبهنا عليه مراراً.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (24 / 170، 171) :
يندب للمسلم إذا وقعت منه هفوة أو زلّة أن يستر على نفسه، ويتوب بينه وبين الله عزّ وجلّ وأن لا يرفع أمره إلى السّلطان، ولا يكشفه لأحد كائناً ما كان؛ لأنّ هذا من إشاعة الفاحشة الّتي توعّد على فاعلها بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) ؛ ولأنّه هتك لستر الله سبحانه وتعالى، ومجاهرة بالمعصية. قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورة، فمن ألمّ فليستتر بستر الله وليتب إلى الله، فإنّ من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله) - رواه البيهقي (8 / 330) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 663 -.
وقال صلى الله عليه وسلم: (كلّ أمّتي معافىً إلاّ المجاهرين، وإنّ من المجاهرة أن يعمل الرّجل باللّيل عملاً ثمّ يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه ويصبح يكشف ستر الله عليه) - رواه البخاري (5721) ومسلم (2990) – انتهى.
ثانياً:
أما بخصوص مسألتك: فالذي شعرنا به هو صدق خطيبك في إرادته التوبة، وأنه لو لم يكن كذلك لما أخبرك بماضيه، ولا أقسم لك على توبته؛ إذ ليس هناك ما يلزمه بهذا الاعتراف، واعترافه لك بحقيقة تكلمه مع تلك المرأة يدل – أيضاً – على صدقه، هذا ما ظهر لنا، وحسابه على الله، وإن كان استمرار كلامه معها يوقع في النفوس شيئاً من الشك، كما وقع في نفسك.
فمن أجل ذلك، ومن أجل ما عانيتِ منه في تجربتك الأولى: نرى أن تعيدي النظر في فسخ العلاقة بينكما، بل ننصح بتعجيل الزواج؛ حتى تقطعي الطريق على تلك المرأة أن تزين له إعادة العلاقة بينها وبينه.
ولو أننا شعرنا بأنه عابث، وكاذب، أو علمنا منه ترك الصلاة، أو فعل الفواحش: لما ترددنا بنصحك بتركه، ولو أدى ذلك إلى مرضك نفسيّاً، وبدنيّاً، فهو بكل حال خير من الاقتران بمثل ذلك الرجل، لكن مثل هذا لم يظهر لنا فنصحناك بالبقاء على العلاقة بينكما، والتعجيل في إتمام الدخول.
ولكن ... لابد من قطعه العلاقة نهائياً بتلك المرأة، ويتجنب مقابلتها أو الكلام معها، فإذا لم يفعل ذلك فالشك في توبته حينئذٍ له ما يبرره، ويكون زواجك به فيه شيء من المخاطرة.
هذا الذي ننصحك به، ونسأل الله أن لا يخيب زوجك ظننا به، كما نسأله تعالى أن يجمع بينكما على خير، وأن يؤلف بين قلبيكما، وأن يرزقكما الذرية الصالحة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/34)
وعدها أن يسلم ويتزوجها ثم وقع معها في الفاحشة وحملت منه، ولا يريد أن يُسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مطلقة ولدي صبي عمره 10 سنوات. تعرفت على رجل مسيحي وعرّفته لاسرتي وكلنا موافقين عليه ولكنا وضعنا شرطنا وهو: أنه يجب أن يسلم. الرجل أبدى استعداده وما زلت أمده بالكتب وكل ما يحتاج اليه ليتعرف على الإسلام أكثر وما زال يبدي استعداده، وخلال هذه المدة كاملة الحمد لله لم يكن بيني وبينه أي علاقة جنسية الأمر الذي اعتز به كوني من أسرة محافظة جداً وأحمد لله على ذلك. ولكن في لحظة تغلب علي الشيطان فيها في حفلة رٍأس السنة وقعنا في المحظور. بعد مرور الوقت وجدت أني حامل في الأسبوع الثامن. أعلمت هذا الرجل وطلبت منه سرعة أن يسلم ونتزوج ولكنه لم يعد الآن يأبه وإنما زاد تمسكه بدينه. وأخبرت أختي بالخبر فأشارت علي أن أسارع في إسقاطه فوراً لان والديّ لو علموا بذلك سيجن جنونهم وسينابذونني ويناصبوني العداء كما أني لا أريد لولدي الموجود حالياً أن يدخل في معمعة هذا الأمر لأن أسرتي هي من تساعدنا مادياً. كما أني لا أريد أن أضاعف الخطأ وأسقط الجنين. أما بالنسبة للرجل فانه يرفض فكرة الإسقاط وأشار علي أن أنتقل معه إلى ولاية أخرى ونعيش فيها معاً. ما رأيكم ما الحل وما النصيحة التي يمكن ان تسدوها إلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ننصحك به أولا وأخيرا هو أن توبي إلى الله.
كيف تقيمين علاقة مع رجل أجنبي عنك، ويكون نصرانيا، وتقعين معه في الفاحشة، ثم تريدين أن تختمي هذه الموبقات بالإجهاض؟
والشرع لا يقر علاقة بين رجل وامرأة إلا في نطاق الزواج الشرعي، وإذا كان الزنا من كبائر الذنوب، ومن أسباب عذاب القبر، ودخول النار، فالزنا بغير المسلم أكبر، وأشد قبحا، ويدل على خلل عظيم في عقيدة المسلم التي تحرم عليه موالاة الكفار ومصادقتهم، قال الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة/22، وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) الممتحنة/1.
وشروط التوبة:
1- الندم.
2- والإقلاع عن الذنب، فيجب عليك قطع علاقتك بهذا الرجل وبغيره من الرجال الأجانب عنك.
3- العزم على عدم العودة إلى المعصية مرة أخرى.
فتوبة من غير استقامة وترك للمعصية، لا معنى لها.
ومن كمال التوبة: أن يستقيم التائب، ويجتهد في الطاعات، ويكثر من الصدقة، لعل الله تعالى يغفر له. قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وإننا لنجزم بأنك لو تبت فإن الله تعالى سيجعل لك مخرجا من كل هم نزل بك، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الطلاق/2.
أما مع عدم التوبة، فلا ينتظر العبد من الله تعالى أن ييسر له أموره، ويفرج عنه كروبه، بل ينتظر التضييق والهم والكرب، قال الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) طه/82.
نسأل الله تعالى أن يوفقك للتوبة ويغفر لك
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/35)
ينتابه ضيق وحزن على عدم التركيز في الصلاة، فهل يعيدها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد الصلاة ينتابني ضيق وحزن شديد على عدم تركيزي التام أو إتمام الخشوع في الصلاة.. فهل علي إعادة هذه الصلاة؟ وإن كان ذلك الأمر متكرراً فبماذا تنصحوني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قصر المسلم في طاعة الله تعالى ولم يؤدها كما ينبغي وحزن لذلك فهو علامة على إيمانه وصدقه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ونفس المؤمن تلومه على تقصيره في طاعة الله تعالى.
قال الله عز وجل: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) القيامة/1-2.
قال ابن القيم رحمه الله:
"النفس اللوامة نوعان:
لوامة ملومة، وهي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله وملائكته.
ولوامة غير ملومة، وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده، فهذه غير ملومة" انتهى.
"الروح" (ص226) .
ثم ينبني على ذلك: أنه يجتهد في إكمال العبادة وإتمامها.
وليحذر المسلم من الوقوع في أحد أمرين كليهما مذموم: التشدد في لوم نفسه حتى يصل إلى حد الضجر والضيق من غير عمل صالح، أو التساهل وعدم إصلاح العمل، وخير الأمور الوسط.
فأول العلاج التنبه إلى أصل الداء.
يتلو ذلك انبعاث الهمة من نفس العبد على مقارعة العدو، والإصرار على مخالفته، والحرص على كل ما يقوي جانب الطاعة، ويضعف جانب المعصية.
ثم حسن الإقبال على الله تعالى بالعمل الصالح، والانشغال بالذكر الذي يخنس به الشيطان
، وعدم الملل والتضجر من كثرة المحاولات.
ثم التركيز في الصلاة، في القراءة، والأذكار، والأدعية، والدخول فيها كأنها آخر صلاة له مما يساعد بقوة على الخشوع والاطمئنان، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه فقال: (إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّع) رواه ابن ماجه (4171) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وقال ابن القيم رحمه الله:
"وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه عز وجل إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلب قد قهرته الشهوة وأسره الهوى ووجد الشيطان فيه مقعدا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟
والقلوب ثلاثة: قلب خال من الإيمان وجميع الخير فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه؛ لأنه قد اتخذه بيتا ووطنا وتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن.
القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه، لكن عليه ظلمة الشهوات فللشيطان هنالك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع، فالحرب دول وسجال.
القلب الثالث: قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان وانقشعت عنه حجب الشهوات وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدره إشراق، ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق، وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن، وحراسة الله تعالى له أتم من حراسة السماء. والسماء متعبد الملائكة ومستقر الوحي وفيها أنوار الطاعات، وقلب المؤمن مسْتَقَر التوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان وفيه أنوارها، فهو حقيق أن يحرس ويحفظ من كيد العدو فلا ينال منه شيئا إلا خطفه.
فقلب خلا من الخير كله وهو قلب الكافر والمنافق فذلك بيت الشيطان قد أحرزه لنفسه واستوطنه.
وقلب قد امتلأ من جلال الله عز وجل وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه فأي شيطان يجترئ على هذا القلب؟
وقلب فيه توحيد الله تعالى ومعرفته ومحبته والإيمان به والتصديق بوعده ووعيده وفيه شهوات النفس وأخلاقها ودواعي الهوى والطبع.
وقلب بين هذين الداعيين: فمرة يميل بقلبه داعي الإيمان والمعرفة والمحبة لله تعالى وإراداته وحده، ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان والهوى والطباع، فهذا القلب للشيطان فيه مطمع وله منه منازلات ووقائع، ويعطي الله النصر من يشاء (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) وهذا لا يتمكن الشيطان منه إلا بما عنده من سلاحه، فيدخل إليه الشيطان فيجد سلاحه عنده فيأخذه ويقاتله، فإن أسلحته هي الشهوات والشبهات والخيالات والأماني الكاذبة وهي في القلب فيدخل الشيطان فيجدها عتيدة، فيأخذها ويصول بها على القلب، فإن كان عند العبد عدة عتيدة من الإيمان تقاوم تلك العدة وتزيد عليها انتصف من الشيطان، وإلا فالدولة لعدوه عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فإذا أذن العبد لعدوه وفتح له باب بيته وأدخله عليه ومكنه من السلاح يقاتله به فهو الملوم "
انتهى مختصرا.
"الوابل الصيب" (ص40) .
أما إعادة الصلاة، فلا إعادة عليك، والإعادة في مثل تلك الحال قد تفتح باب الوسوسة على الإنسان فلا يصلي صلاة إلا ويعيدها عدة مرات.
والمطلوب من المسلم أن يجتهد في الخشوع في صلاته وإتقانها وإحسانها، والأمر يحتاج إلى شدة مجاهدة وصبر.
قال ثابت البناني رحمه الله: "كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة" انتهى.
"سير أعلام النبلاء" (5/224) .
وانظر للاستزادة: جواب السؤال: (114539) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/36)
ابتليت بمعصية وتريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة وزوجي يعاملني جيداً تعرفت على فتاة في العمل ولم يكن لدي صديقة غيرها لأنني أعيش في الغرب تعلقت بها كثيراً إلى أن قادتني إلى ممارسة السحاق وقد ندمت وفي كل صلاة أدعو الله أن يتوب علي، مع أن زوجي يشبع رغبتي الجنسية، لكني أضعف كل مرة وألجأ إليها. زوجي لا يعلم بهذا، ولكي أعاقب نفسي أردت أن أقول له، لكن أنظر إليه ولا أستطيع، أنا لم أترك الصلاة عسى ربي يهدني، أشعر بذنبي كثيراً، أبكي كثيراً لكي يغفر لي ربي لكنى أعود للذنب، أنا كنت حاملاً وسقط جنيني، وأعرف أنه من غضب الله علي. ساعدني أرجوك، أريد العزم على عدم العودة. هل لي مغفرة؟ هل علي حد؟ هل صلاتي مقبولة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يهديك ويتوب عليك.
ننصحك بعدم إخبار زوجك بهذا الأمر، واجتهدي في التوبة منه والإقلاع عنه.
استحضري مراقبة الله لك واطلاعه عليك ونظره إليك في كل وقت، فذلك أقرب لأن تستحي منه، وتعظميه.
عليك بكثرة ذكر الموت والآخرة والحساب، فمن أكثر من ذكر الموت فلابد أن يستعد له بصالح الأعمال والتوبة من المعاصي.
اقطعي علاقتك كلياً بهذه الفتاة فوراً، وإن استطعت أن تنقلي من العمل فلابد من ذلك، فاستمرار العلاقة بينكما يعني عدم التوبة، ويعني استمرار المعصية.
بل نقول لك: إن استطعت أن تنقلي من المدينة كلها فافعلي ولا تتردي.
فلا علاج لمثل هذا الداء إلا بالبعد عن تلك الفتاة تماماً.
أما قبول الصلاة فذلك أمره إلى الله، ولكن إياك أن تتركي الصلاة، بل اجتهدي في الإكثار منها، ومن قراءة القرآن، فلعل ذلك يكون سبباً لتوبة الله عليك وهدايتك.
استمعي إلى المحاضرات الوعظية للعلماء والدعاة المعروفين بالثقة والدين والأمانة والعلم.
تفكري في حلم الله عليك كيف يحلم عنك وأنت تستمرين في معصيته، ولو شاء لأخذك على تلك المعصية، فكانت خاتمة سيئة، وتفكري في ستر الله لك، ماذا تفعلين لو علم زوجك وعلم الناس بما تفعلينه، ستكون فضيحة كبرى، كيف ستكون حياتك بعدها؟ فبادري بالتوبة قبل أن يبادرك الله بالموت أو العقاب، وحينئذٍ لا ينفع الندم.
وباب التوبة مفتوح، والله تعالى يقبل عبده التائب ويفرح بذلك، ويغفر له ويتوب عليه، مهما كان ذنبه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
نسأل الله تعالى لك الهداية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/37)
أسلما حديثاً وتهدده إن أتلف صورها أن تغادر البيت مع أولادها، فكيف يتصرف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من ملحدة بينما كنت أنا في ضلال، وهداني الله أنا وزوجتي للإسلام منذ أعوام، لكن حين تزوجنا: التقطنا صوراً كثيرة، وزوجتي كانت لا ترتدي حجاباً، ثم احتفظنا بهذه الصور في " المستودع "، وحاولت أن أتخلص من هذه الصور، وقامت بيني وبين زوجتي مشادات عنيفة، كادت تصل للطلاق، وهددتني بأخذ الأولاد، وأنا أخشى أن يشبوا على الكفر - لا قدر الله - فهل وجود صورة كبيرة، أو صغيرة في المنزل يمنع دخول الملائكة؟ وهل إذا نسختها على الجهاز بدلاً من تعليقها جائز؟ وهل أنا آثم؟ وماذا لو احتفظنا بهذه الصور في بيت أسرتها الكفار؟ أرجو بيان الحكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله – بدايةً – أن هداك وزوجتك للإسلام، وتلك نعمة عظيمة منَّ بها رب العالمين عليكما، ومن حقه عليكما شكره، وذِكره، وحسن عبادته، فنسأل الله أن يوفقكما لذلك.
ثانياً:
من الخطأ البيِّن أن تتسبب في فراق زوجتك لك من أجل صوركما، وخاصة أنها هددتك بأخذ الأولاد، وهي بذلك ستذهب لأهلها الكفار، وفي ذلك خوف عظيم على الأولاد، بل وعليها هي أيضاً.
لذا عليك لزوم الحكمة في تصرفك معها، وعدم التعجل في أمر لك فيه سعة، ولن تندم إن شاء الله على الحكمة والتمهل، بل الندم – غالباً – على التعجل، والتهور.
مما لا شك فيه أن تلك الصور منكر، ويجب إتلافها، ولكن إذا كان إتلافها يتسبب في منكر أشد، وخوف على الأولاد فلا يجوز دفع مفسدة وجلب مفسدة أعظم منها، وحينئذ يسعك السكوت عن هذا المنكر حتى ييسر الله لك إزالته في المستقبل.
والذي ننصحك به لتسلكه مع زوجته أن تتبع الخطوات التالية:
1. أن تحرص على عدم تعليق صوركما على جدر المنزل، وتحرص على عدم وصول الأيدي لها، من أهلها، وأقربائكما، أو صديقاتها؛ خشية من أخذ بعضها، ونشره.
2. أن تقوِّي جانب الإيمان فيها، فتخوفها بالله تعالى، وتصبغ على حياتكما معالم الاتباع للكتاب والسنَّة، وأن تحرص لها على الصحبة الصالحة من الأخوات المستقيمات على الدين، وأن توقفها بين الحين والآخر على حكم الصوَر، والتصوير، وبالأخص حكم صور المرأة وهي كاشفة عن زينتها، وأن بقاء الصور يمنع دخول الملائكة البيت.
وينبغي أن تولي ذلك اهتماماً بالغاً، وعناية كبيرة؛ لأن من شأن ذلك كله أن يجعلها هي التي تبادر بتمزيق تلك الصور، بل ستطلب من كل من يحتفظ بصورة لها أن يأتي بها لها لتفعل بها كما فعلت بصورها التي تملكها، والمهم في ذلك أن يقوى جانب الإيمان، والخوف من المعصية، والرجاء للثواب، ويكون ذلك بالقراءة في كتاب الله، وفهم مراد الله من الآيات، وبالاطلاع على أمور الحياة الأخروية، والنهايات الحسنة والسيئة للناس، كما أن قناعتها – دون ضغط – بحكم تلك الصور، وأنه لا يحل لها الاحتفاظ بها: من شأنه أيضاً أن يتسبب في مبادرتها بتمزيق الصور.
3. ولو فرضنا عدم نجاحك في الأمر السابق، أو تأخر ذلك: فإنه يمكنك إقناعها بنسخ تلك الصور على جهاز "الحاسوب" الخاص بكم، والتخلص من الصور الأصلية، ولا شك أن هذا أفضل؛ لأن فيه تقليلاً للشر إلى درجة كبيرة.
وبقاء تلك الصور في جهازكم الخاص يجعل الأمر محصوراً بينكما.
4. ولو فرضنا عدم نجاح أيٍّ مما سبق ذِكره: فالذي نرى فعله: هو أن تتفق معها على التخلص من الصور الأكثر سوءً، ففي هذا أيضاً تقليل للشر بقدر الإمكان.
فإن تعذر كل ذلك، فيمكنك تأجيل ذلك حتى يأتي الوقت المناسب، أو يزداد إيمانها فتقوم هي بالتخلص منها، وليس في هذا إقرار للمنكر، بل هو تحين الفرصة المناسبة لإزالته.
فإن لم يمكن ذلك إلا بضرر أعظم وهو ما تهددك به زوجتك، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وتكتفي حينئذٍ بإنكار المنكر بقلبك، امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، َإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم (49) .
نسأل الله تعالى التوفيق والصلاح لك ولأسرتك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/38)
والده يرغب بالزواج بعد وفاة أمه فهل يؤيده مع أنه شاب يريد الزواج أيضا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت أمي منذ شهر، ولقد جاء إلى مسامعي أخبار - وهو ما لم يكن جيِّداً من ناحيتي، لكنه حدث - عن عزم والدي على الزواج، رغم أنه تجاوز الستين عاماً، رغم أنني ما زلت أنا - ولده – عزباً، في بادئ الأمر تأثرت من داخلي جدّاً بتلك الأخبار، لكني قرأت مؤخراً عدة مقالات، وتوصلت إلى أنه ليس هناك خطأ في فعل ذلك؛ حيث إن في الإسلام سعة لزواجه لأسباب عديدة، ومشكلتي هي أن والدي يريد رأيي في ذلك الأمر، فكيف يكون ردة فعلي وإخباري له برأيي الحقيقي؟ وهل يمكن أن لا أشارك في هذا الأمر؟ حيث أفهم أن التعدد مباح في الإسلام إلا أني أشعر بالحزن نحو أمي، وفضلاً على ذلك أجد من الصعوبة المشاركة في قرار زواجه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على الآباء الالتفات لحاجة أولادهم – ذكوراً وإناثاً – للزواج، وعدم التفريط في تمكينهم منه، والإعانة عليه، وإنه لمن المؤسف أن نرى اهتمام الآباء منصبّاً على توفير الطعام، والشراب، واللباس، والتعليم، ويغفلون عن حاجتهم للزواج.
لذا نوصي الآباء بأن يتنبهوا لهذا الأمر، وأن يولوه عنايتهم، ولا يستهينوا بحاجة أولادهم للزواج.
ولا ينبغي للآباء انتظار طلب الزواج من أولادهم؛ فإن هذا قد يكون محرجاً لهم، وخاصة الإناث، بل عليهم أن يبادروا هم بعرض الأمر عليهم، بل وحثهم عليه، على أن تتولى الأم ذلك مع بناتها.
وقد بينا في جواب السؤال رقم (83191) أنه يجب على الآباء أن يزوجوا أولادهم، فلينظر.
ثانياً:
كما أن الحاجة للزواج تكون من الشباب: فإنها تكون كذلك من الكبار، فليس هناك ما يمنع الآباء ولو كانوا كباراً في السن من التزوج، ولا يشترط أن تكون الحاجة للزواج من أجل الشهوة فقط، بل قد يحتاج الكبير للرعاية، والعناية، والخدمة، ما لا يقوم به إلا زوجته.
فتنبه لذلك أخي السائل، واعلم أنه ليس هناك ما يعيب والدك إن طلب التزوج، بل إن هذا مما يُمدح عليه، ولولا حاجته للتزوج لم يطلبه، وغالب الآباء يتفرق عنهم أولادهم بعد حين، وكل واحد منهم يعيش حياته مع أسرته، ويبقى ذلك الأب المسكين وحده يتجرع مرارة الوحدة، ويذوق مرَّ العزلة، مع كبر سنه، وعجزه عن خدمة نفسه بنفسه، فيحتاج في هذه السن المتقدمة إلى من يخدمه ويؤنسه، وقد أباح الله ما يرفع ذلك عنه، ويُبقي له كرامته التي تضيع في كثير من الأحيان، بتركه من غير طعام، ولا عناية، ولا أنس.
وكما يجب على الآباء تزويج أولادهم، وعدم انتظار طلبهم ذلك: فكذلك على الأولاد تزويج والديهم، وعدم انتظار طلب ذلك، وقد يكون الإحراج من الوالدين أعظم منه من الأبناء، فليكن الأبناء على دراية بهذا، وليحسبوا حسابه، وموت أحد الوالدين من مدة قريبة لا ينبغي أن يكون سبباً للمنع من التزوج، أو التهوين من شأنه، فعجلة الحياة دائرة، ولن يوقفها موت أحد.
وفي الإحالة السابقة على جواب السؤال (83191) تجد بيان وجوب تزويج الأبناء لآبائهم إن احتاجوا ذلك، فلينظر.
والذي عليك فعله مع والدك:
1. الثناء عليه وتصويب فعله في عزمه على الزواج، لأن كثيرا من الآباء يتخوفون من رفض أولادهم هذا الزواج مما يتسبب في فساد العلاقة بينهم. ولهذا السبب طلب والدك رأيك في هذا الأمر، فلابد أن تظهر له الموافقة حتى يتشجع على هذا.
2. الوصية له باختيار ذات الدين، والعقل؛ لتتناسب مع سنِّه، وحاله.
3. أن تعينَه بما تستطيع ماديّاً، ومعنويّاً.
4. أن تُخبره حاجتك للزواج دون تردد، ولا خوف، وتختار الوقت المناسب، وقد يكون من المناسب تأخير ذلك حتى يتزوج هو.
وانظر – للأهمية – جواب السؤال رقم: (102030) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/39)
حاول أخوه أن يعتدي على زوجته في غيابه فهجره وقاطعه
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أن تزوجت تركت زوجتي في بيت الأسرة وذهبت للعمل في دولة أخرى. ولدي أخ أصغر مني تعتبره هي أيضاً كأخيها ولكنها أخبرتني منذ مدة أنه حاول أن يعتدي عليها، ولكنها نجت بحمد الله. بعد هذه الحادثة لم أعد أتكلم إليه وقطعت علاقتي معه نهائياً، ولكن بقية الأسرة يلومونني على ذلك، ويقولون إنه ما زال أخي ولا يجوز لي أن أهجره كما أنه يقول: إنها تكذب وأنه لم يعتد عليها. فما رأي الشرع في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على المرأة أن تستر جميع بدنها عن الرجال الأجانب، وأن تحذر وتتجنب الخلوة بأحد منهم ولو كان أخا لزوجها، أو ابنا لعمها أو خالها؛ بل ينبغي أن يكون الحذر من التساهل مع هؤلاء أكثر وأشد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ الله، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ) رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) . قال الليث بن سعد: الحمو: أخ الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَمو الْمَوْت) فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْف مِنْهُ أَكْثَر مِنْ غَيْره , وَالشَّرّ يُتَوَقَّع مِنْهُ , وَالْفِتْنَة أَكْثَر لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُول إِلَى الْمَرْأَة وَالْخَلْوَة مِنْ غَيْر أَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ , بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيّ. وَالْمُرَاد بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ. فَأَمَّا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء فَمَحَارِم لِزَوْجَتِهِ تَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا , وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ , وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْأَخ , وَابْن الْأَخ , وَالْعَمّ , وَابْنه , وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ. وَعَادَة النَّاس الْمُسَاهَلَة فِيهِ , وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ , فَهَذَا هُوَ الْمَوْت , وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (13261) ورقم (47764) .
والتساهل في معاملة أقارب الزوج سبب لكل شر وبلية في هذا الباب.
وما يقوله كثير من الناس من أن أخا الزوج بمنزلة الأخ للزوجة، وتعاملهم بناء على ذلك، خطأ فادح، ولا نظن أن ما حدث مع زوجتك إلا أثراً من آثار هذا التصور الخاطئ والتساهل الممنوع.
ولهذا؛ فالواجب الالتزام بما أوجب الله من الحجاب وعدم الخلوة والتبرج والخضوع بالقول أمام جميع الأجانب مهما كان قربهم من الزوج.
ثانياً:
لاشك أن ما قام به أخوك – إن ثبت - عمل منكر قبيح، ولشناعته تأنف منه أصحاب النفوس السوية، بل تجري الفطرة على صيانة حريم الأخ والذود عن عرضه والتضحية في سبيل ذلك، ولكن مع انتشار الفساد، وكثرة المنكرات والفتن التي يتعرض لها الشباب قل هذا الوازع الفطري.
وأما هجر الأخ: فلا يظهر أن الاستمرار فيه يؤدي إلى مصلحة، لا سيما وهو ينكر ما ادعته زوجتك عليه، ولا يخفى ما له من حق الصلة، ولهذا نرى أن تدع هجره وأن تعود لصلته مع الاحتياط التام في تعامل زوجتك معه، والتشديد في ذلك.
نسأل الله أن يحفظك وأهلك من كل سوء وشر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/40)
تعمل بعيداً عن أهلها وتعاني من الوحدة والعزلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبت بعاهة خَلقية منذ الولادة، وأمضيت سنوات عديدة من العلاج خلال طفولتي، لم أتعالج تماماً، وتأخرت في دراستي، ورغم ذلك: استطعت الحصول على أعلى الشهادات - ولله الحمد -، والحصول على عمل حكومي، بعيداً عن عائلتي، الحمد لله، رغم الآلام أستطيع المشي، والاعتماد على نفسي، عائلتي تركتني أعيش وحدي، ولم تشأ الانتقال للعيش معي، لم يتقدم لي أحد للزواج، السؤال: كيف أصبر على وحدتي وعزلتي؟ أنا أحتاج لهذا العمل كي أعيل نفسي، فوالدي كبير السن، وإخوتي كلهم منشغلون مع عائلاتهم، أحياناً أحس بأنني لا أستحق السعادة، وأستغفر الله، وأحاول الصبر، أضع الحجاب - ولله الحمد -، وأحاول التصبر، وأحمد الله، وأحلم بالجنة، كيف أستطيع التغلب على هواجسي، وضعف نفسي؟ أفيدوني بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يُعظم لك الأجر على ما ابتلاكِ به، ولا شك أن لله تعالى الحكمة البالغة في ذلك، فالوصية لك: الاستمرار على احتساب مصيبتك عند ربك تعالى، والصبر على ذلك، وعدم التضجر والتسخط، وهذا هو حال المؤمن، فهو شاكر في السرَّاء، صابر في الضراء، وخير خلق الله تعالى هم الرسل الكرام، وقد كانت حياتهم مليئة بالابتلاءات، فهذا أيوب عليهم السلام صبر على ما ابتلاه الله به من بلاء في بدنه، حتى صار مضرب الأمثال في الصبر، وهذا يعقوب عليه السلام ابتلاه ربه تعالى بغياب ابنيْه، حتى فرَّج الله عنهم، ورفع قدرهم، وأجزل لهم المثوبة.
ثانياً:
وأما بخصوص عملك – أختنا السائلة -: فإنه وإن كان الأصل هو أن تقر المرأة في بيتها، لكن لا يحرم عملها إن كان منضبطاً بضوابط الشرع، وخاصة مع الحاجة الماسة له من قِبَلها، كأن تفقد المعيل الذي يُنفق عليها.
وقد ذكرنا ضوابط عمل المرأة في جواب السؤال رقم: (22397) ، وفي جواب السؤال رقم (6666) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط.
ثالثاً:
من المهم – أختنا السائلة – أن تقضي على وحدتك، وعزلتك عن الناس؛ لما في الوحدة والعزلة من مساوئ، ومضار، فالوحدة والعزلة طريق الهم، والغم، والقلق، والاكتئاب. وانظري أجوبة الأسئلة: (106441) و (47026) و (65922) .
فعليك المبادرة للقضاء على وحدتك وعزلتك عن الناس، وفي ذلك نوصيك بفعل أحد الأمور التالية:
1. أن تبحثي عن عمل مباح بقرب أهلك وأسرتك، فبذا تقضين على العزلة، وتشعرين بالأمان بينهم، وتقومين على رعاية والدك الكبير في السن، فإن عجزت عن ذلك ببدنك: فلا أقل من وجودك معه، والاستئناس بالقرب منه، واستئناسه بقربه منك.
2. فإن كان الأمر الأول يصعب تحقيقه: فابحثي عن أخت فاضلة، أو اثنتين؛ لتسكنوا سوية في بيت واحد؛ فإن من شأن هذا أن يقضي على عزلتك ووحدتك، وأن يعينك على الطاعة والعبادة، فالمجموعة يذكر بعضهم بعضاً، ويشجع بعضهم بعضاً.
3. فإن لم يتيسر شيء مما سبق: فيمكنك البحث – في مكان عملك – عن أسرة لا يوجد فيها رجال أجانب، وأن تعرضي عليهم السكنى معهم، مقابل مشاركتهم بمصاريف البيت، ولا تخلو المجتمعات – عادة – من وجود أُسَر لمطلقة أو أرملة معهن بناتهن، ولا وجود لرجال في بيوتهن.
4. ابحثي عن إحدى الجمعيات الخيرية النسائية، وشاركي في العمل الخيري معهن، فبذلك تنفعين نفسك وغيرك وتقضين على هذه الوحدة، وتقومين بعمل نافع ينفعك في آخرتك.
وابحثي أيضاً: عن أخوات لك مستقيمات لهن جلسات في تعليم القرآن أو تعليم العلم النافع ... واشتركي معهن في تلك الجلسات المفيدة.
5. فإن لم يتيسر شيء مما سبق: فالذي نوصيك به: عمل برنامج يومي منوع منضبط، يجمع بين قراءة القرآن، وقراءة ما يتيسر من كتب العلم، والاستماع لبرامج نافعة هادفة من المذياع أو من القنوات الإسلامية الموثوقة، وبذا تقضين على وقت الفراغ الذي يجلب الأمراض، ويقضي على العمر الذي يمضي منك من غير نفع، ولا فائدة.
وحتى يكتمل الجواب، ومنعاً من التكرار:
انظري جواب السؤال رقم (22090) ففيه بيان كيفية تربية المسلم لنفسه.
وانظري جواب السؤال رقم (22704) ففيه تفصيل طرق النجاح في الحياة.
وفي علاج القلق: انظري جوابي السؤالين (21677) و (21515) .
واللهَ نسأل أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يملأ قلبك يقيناً، وحياتك سعادة، ووقتك طاعة ونفعاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/41)
هل تتزوج برجل من غير توثيق العقد رسميّاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة مغربية، أرملة، وأم لطفلين، أستفتي حضرتكم في مسألة الزواج، حيث استعسر عليَّ الزواج بشخص متزوج عن طريق القانون المغربي؛ حيث يستوجب موافقة الزوجة، التي اشترطت الطلاق في حالة إذا ما فكَّر الزوج في التعدد، فلتفادي زعزعة البيت الأول، ولتفادي تعريض الأبناء لأي انعكاس سلبي بسبب الطلاق، ولأننا حريصون على إنشاء علاقة أساسها العفة، والتكافل: فكَّرنا في الزواج بالطريقة الشرعية، بعقد عرفي، يستوفي شروط صحة الزواج في الإسلام، وهي الشهود، والولي، والمهر، والإيجاب والقبول – طبعاً -، لكن أبي لن يقبل بهذه الصيغة، مع أنها شرعية، والصيغة القانونية مستحيلة. فكرت أن أقيم وليمة، بحضور الأب والأهل، وأُشهر الزواج، دون أن أخبر أبي بالصيغة التي سيتم بها الزواج؛ وذلك بأن أدَّعي أن الإجراءات تمت في المحكمة، مع أنها عكس ذلك، ستتم عند عدول، وشهود؛ وذلك تفادياً لأي رفض يمكن أن يأتي من قبَله، فهل يكون الزواج صحيحاً؟ علماً أن العريس خطبني من أبي، وأبي وافق على الزواج، وبقي الاختلاف فقط في الصيغة. أرجو أن تفتوني بما ييسر زواجي من هذا الشخص؛ لأني أراه نعم المعين لي على تربية أبنائي، فكل المشاكل التي واجهتنا كانت نتيجة حرصه على رعايتي أنا وأبنائي، دون أن يؤثر ذلك على استقرار أسرته، خصوصاً أن زوجته لا تناقش فكرة التعدد، وتهدد بطلب الطلاق، وأي مبادرة للزواج القانوني سيتم إخبارها قانونيّاً، وينهار استقرار الأسرة، وأي إخبار لأبي بأن الزواج ليس قانونيّاً بل فقط شرعي: سيحرمني من إنسان لمست فيه الأخلاق الحسنة، وتوسمت فيه الخير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: سبق في جواب السؤال رقم (133144) و (98354) الكلام على هذه القوانين التي تمنع تعدد الزوجات أو تضيقه، وتشترط شروطاً مخالفة لكتاب الله تعالى.
وتوجهنا بالنصيحة للحكام الذين غيَّروا أحكام الله وبدَّلوها.
وكذلك للزوجة التي يريد زوجها أن يتزوج عليها، والزوج الذي يريد أن يعدد.
فراجعيه فهو مهم.
ثانياً:
الزواج الشرعي هو ما كان متحققاً فيه أركانه وشروطه الشرعية، مع خلوه من الموانع التي تمنع انعقاده، فإذا كان هناك إيجاب من ولي المرأة، وقبول من الرجل، وكان ذلك بحضور شهود يشهدون العقد، أو كان العقد معلَناً عنه: كان زواجاً شرعيَّاً، إذا خلا من الموانع، ولا يٌشترط في العقد الشرعي حتى يكون صحيحاً أن يوثق في المحاكم الشرعية، أو الأوراق الرسمية.
وليس الأمر بهذه السهولة في واقعنا المعاصر حتى نقول إنه يكفي أن يُجرى العقد من غير توثيق، بل حصل من التعقيدات في الحياة، ووُجد من فساد الذمم: ما احتيج معه إلى إيجاب توثيق العقود الزوجية؛ لما يترتب على ذلك من مصالح عظيمة، من إثبات النسب، والمهر، والميراث، ودفع التهمة عن الزوجة بعلاقتها مع رجل، وحملها منه، وهذا ما يدفعنا للتوكيد على ضرورة توثيق العقود الزوجية.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"إذا تمَّ القبول والإيجاب، مع بقية شروط النكاح، وانتفاء موانعه: صح، وإذا كان تقييده قانوناً يتوقف عليه ما للطرفين من المصالح الشرعية الحاضرة، والمستقبلة، للنكاح: وجب ذلك" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18/87) .
وعليه، فإتمام العقد بالصورة التي تذكرينها ـ وإن كان العقد صحيحاً شرعاً ـ إلا أن فيه مجازفة، لأنه إذا حصل ورزقك الله بولد من هذا الزوج، فكيف سيتم تسجيله وإثبات نسبه؟ ثم اعلمي أن المحذور الذي تخافين منه بإثبات النكاح في الأوراق الرسمية، وهو طلب الزوجة الأولى الطلاق، لن يتم تفاديه، لأنه لا يمكن للرجل أن يخفي زواجه الثاني ويجعله سراً مدى الحياة.
فإذا علمت الزوجة الأولى بذلك ـ ولم تستطع طلب الطلاق رسمياً، لعدم إثبات الزواج الثاني ـ فإنها ستطلب الطلاق من زوجها، وتقع بينهما مشاكل، وتفسد العلاقة بينهما، حتى وإن لم يحصل طلاق.
فماذا سيفعل الزوج في هذه الحالة؟
نخشى أن يكون الحل هو طلاقك.
ولهذا نرى أن تصبري حتى يجعل الله لك مخرجا (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2، 3.
وليحاول هذا الزوج إقناع زوجته الأولى بالموافقة، وأنه ليس من حقها شرعاً أن تطلب الطلاق من أجل أنه قد تزوج عليها.
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/42)
والدها يتدخل في حياتها ويحذرها من زوجها فلم تستجب له فقاطعها!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أنا عاقَّة لوالدي؟ الحقيقة: مؤخراً قد زادت المشاكل بين أبي وزوجي، لدرجة أن كليهما لا يريد رؤية الآخر، والدي يكره زوجي، ويظن أنه يحميني منه عندما يتدخل في حياتي، والدي يظن أن زوجي يستغلني ماديّاً، ويجاهد محاولاً إقناعي بذلك، ولكنني سعيدة جدّاً مع زوجي، ويؤلمني أن أسمع هذا الكلام من والدي، حاولت الصبر على سماع هذا الكلام، وتحمل قطع علاقته بزوجي، حاولت أن أطلب من والدي أن يعيد التفكير في الموضوع، ولكنه غضب، وأصبح لا يريد أن يراني، أو يكلمني أنا أيضاً. أنا محتارة، صرت أشعر أن وجود والدي في حياتي سيخرب بيتي، وينغص حياتي، خصوصاً أنه نجح في التأثير بي مرة، وكادت تتسبب لي بالطلاق، الآن أريد المحافظة على بيتي، وتربية ابني، بينما والدي يخاصمني، ولا أعرف ماذا أفعل، كيف أواصل والدي وهو يعذبني هكذا؟ هل أنا معذورة في مقاطعته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. لا يجوز للأب أن يتدخل في حياة ابنته بما يفسدها، بل يجب عليه أن يكون له دور فعَّال في بناء بيت الزوجية لابنته بما يقوِّي أساسه، ويُحكم بنيانه، ومثله تفعل أم الزوجة، ومن سعادة الأهل: رؤية ابنتهم تعيش في حياة هادئة، هانئة.
2. لا مانع من تدخل الأب والأم في حياة ابنتهم إن كان عندهما ما ينصحان به ابنتهما لتكميل حياتها الزوجية، وذلك بدلالتها على ما يسعد زوجها، ويعينها على إصلاح أولادها.
3. على الوالدين أن يتدخلا في حياة ابنتهم للإصلاح إن رأوا ظلماً، أو تقصيراً منها تجاه زوجها وأولادها، أو في حال وقوع ظلم عليها من قبَل زوجها.
فالأحكام مختلفة تبعاً لاختلاف الأحوال، ولو ثبت ما يقوله والدك على زوجك، فإن هذا لا يعني أن يتدخل في حياتك الزوجية بما يفسدها، فإن المرأة البالغة العقلة الرشيدة لها أن تعطي من أموالها ما شاءت لزوجها ما دامت راضية بهذا.
4. إذا أصرَّ والدك على كلامه، وعلى إفساد ما بينك وبين زوجك، فلا تلتفتي لكلامه، وليس عليك حرج من عدم استجابتك له بل ولا تكونين بعدم طاعته فيما يريد عاقَّة، بل أنت مأجورة على صبرك عليه، وتحملك له، والمهم في ذلك: القول بالحسنى، وعدم رفع الصوت عليه.
5. كما ننصحك بإشراك أحدٍ من أقاربك العقلاء؛ للصلح بينك وبين والدك، ولأجل إقناع والدك بضرورة الكف عن إفسادك على زوجكِ، وإيقاع العداوة والبغضاء بينك وبينه.
6. ولا تتوقفي عند مقاطعة والدكِ لك، بل داومي على الاتصال به، وزيارته، وتجنبي وقت غضبه، وتلطفي في الإنكار عليه، وقد تكون الحكمة أحياناً في عدم الإنكار عليه وعدم إظهار مخالفته حتى لا يؤدي ذلك إلى خصومات ومنازعات معه لا داعي لها.
7. استعيني بالله تعالى، وعليك بالدعاء، أن يصلح حال والدك، ويهديه لما فيه رضاه، وانظري في نفسك إن كان هناك تقصير في حق الله فعليك بإصلاح حالك، والرقي بنفسك لتكوني من السابقين في الطاعة والعبادة، فقد يكون ما يحث لك هو عقوبة على تقصيرك في حق الله.
ونسأل الله أن يهدي والدك، وأن يوفقه لكل خير، ونسأله تعالى أن يجمع بينك وبين زوجك على طاعة، وحسن عبادة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/43)
خاطبها لا يريد أن يخبر أهله بزواجه حتى لا ترفض والدته فماذا عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم لخطبتي رجل أحسبه صالحا وعلى نهج السلف الصالح والله حسيبه، وهو أصغر مني سنا، وقد اشترط ألا يحضر الزواجَ أهله، لأنه لا يريد أخبارهم بأمر زواجه، وذلك خوفا من رفض أمه، بسبب أني أكبر منه؛ فأراد أن يضعها أمام الأمر الواقع. فهل هذا الرجل على صواب فيما أراد فعله بأهله ? ومادا علي أن أفعل ? أرجو إفادتي ونصحي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في زواج المرأة ممن يصغرها سنا، ولا يلزم الرجل استئذان والديه في النكاح لكنه من البر والإحسان والصلة.
وإذا كان الخاطب يعلم طبيعة أمه وأنها إن علمت بالزواج فيما بعد سترضى ولن يحملها ذلك على القطيعة أو يسبب لها ضيقا أو أذى من مرض ونحوه فلا حرج عليه فيما فعل.
وأنت إن تبيّن لك صلاح الرجل واستقامته، وغلب على ظنك بعد السؤال والتحري أن أهله لن يقاطعوه بعد الزواج فلا حرج عليك في قبول الزواج منه.
وأما إن وجد احتمال حصول الشقاق والقطيعة بعد الزواج، فلا ننصحك حينئذ بإتمام الأمر لما في ذلك من الأثر السيئ عليك وعلى أولادك، ولما فيه من إعانة الزوج على عقوق أمه.
ومعلوم أن الأم إذا أمرت ولدها بعدم الزواج من امرأة معينة أنه يلزمه طاعتها، ما لم يخش الوقوع في الحرام إن لم يتزوج من هذه المرأة المعينة، وذلك لأن طاعة الوالدين واجبة، والزواج من امرأة بعينها ليس واجبا، فالنساء كثيرات، ولهذا صرح ابن الصلاح والنووي وابن هلال -كما ذكر العلامة محمد مولود الموريتاني في نظم البرور - بوجوب طاعة الوالد إذا منع ابنه من الزواج بامرأة معينة.
لكن إن خشي الوقوع في الحرام مع هذه المرأة، كان درء هذه المفسدة مقدما على طاعة الأبوين.
قال الشيخ المرابط أباه ولد محمد الأمين الشنقيطي في نظم الفردوس:
إن يمنع الوالد الابن من نكاحْ امرأةٍ امنعن على ابنه النكاحْْ
ما لم يكن خشي من معصيةِ تقع بينه وبين المرأةِ
كما عزاه للهلالي السيدُ عبد الإله العلوي الأمجدُ
فإذا احتال على ذلك ولم يخبرها، وعلم أنها سترضى بعد زواجه، فلا حرج.
وعليك بالاستخارة واستشارة من يعرف الخاطب.
على أن إتمام الزواج دون علم أهله، لا يعني أن يكون هذا الزواج سرا، ولو كان أهلك على علم به، بل الواجب أن يتم الإشهاد عليه، وإعلانه في المكان الذي تعيشون فيه، ليعلم أهل ذلك المكان، أو من يعرفونكم، بأمر الزواج، وحقيقة العلاقة بينكما.
وينظر للفائدة: سؤال رقم (105728) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/44)
ادعاء بإكراه والد زوجها لها على الزنا ربع قرن! وما يترتب على ذلك من أحكام
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أن زوجة الابن كانت تُجبر على أن تضاجع أبا زوجها لمدة خمسة وعشرين سنَة! فهل هذا يفسد الزواج بزوجها الأصلي الذي هو الابن؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما في السؤال هو محض خيال، وتدليس على النفس، وتلبيس من إبليس! فكيف لإجبارٍ على الزنا أن يستمرَّ ربع قرن من الزمان؟! يمكن أن يحدث أن تُجبرالمرأة على الزنا من والد زوجها، أو من غيره، مرة أو مرتين؛ يوما أو يومين؛ لكن استمرار ذلك الإجبار خمساً وعشرين سنة هو أمر غير متخيَّل، وهل عجزت عن إخبار زوجها طيلة هذه المدة؟ وكيف لم تخبر أهلها؟ وكيف لم تهرب منه ومن إجباره المزعوم؟!! وكيف، وكيف..؟
أسئلة كثيرة ترد في الذهن على مثل ذلك الادعاء الغريب تجعلنا نرفض حتى مجرد التفكير فيه.
ثانياً:
من المعلوم في الشرع المطهَّر: أن زوجة الابن محرَّمة على والد زوجها إلى يوم القيامة، قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ... وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) النساء/ 23، ومن كانت من النساء محرَّمة النكاح: كان الزنا بها أشد إثماً، وأعظم جرماً من الزنا بغيرها ممن يجوز له نكاحها، ولذا كانت عقوبة الزنا بالمحارم: القتل على كل حال، محصناً كان الزناة أو غير محصنِين، على الصحيح من أقوال العلماء.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الصحيح: أن الزنا بذوات المحارم فيه القتل بكل حال؛ لحديث صحيح ورد في ذلك – وهو حديث (مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ) رواه الترمذي وغيره، واختلف في رفعه ووقفه -، وهو رواية عن أحمد، وهي الصحيحة، واختار ذلك ابن القيم في كتاب " الجواب الكافي " أن الذي يزني بذات محرم منه: فإنه يُقتل بكل حال، مثل: ما لو زنا بأخته - والعياذ بالله -، أو بعمته، أو خالته، أو أم زوجته، أو بنت زوجته التي دخل بها، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا الفرج لا يحل بأي حال من الأحوال، لا بعقد، ولا بغيره؛ ولأن هذه فاحشة عظيمة.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (14 / 246، 247) .
وقال ابن قيم الجوزية - رحمه الله - في التعليق على عقوبة قتل من وقع على ذات محرَم -:
وهذا الحكم على وِفق حكم الشارع؛ فإن المحرَّمات كلما تغلظت: تغلظت عقوباتها، ووطء من لا يباح بحال: أعظم جُرماً مِن وطء مَن يباح في بعض الأحوال، فيكون حدُّه أغلظ.
" زاد المعاد " (5 / 36) .
ومن نازع في الحديث فضعفه، ونازع في الحكم فقال: إنه لا يُقتل: فيقال له: لكن هذا لا ينطبق على حالتنا هذه؛ لأن والد الزوج محصن! فإن ثبت أنه زنا بزوجة ابنه: قتل رجماً؛ لأنه زانٍ محصن، وحد الزاني المحصن: الرجم بالحجارة حتى الموت، وهو الذي ينبغي أن يقال في مثل هذه المسألة وشبيهاتها، وهو أن من وقع على ذات محرم وهو محصن: فإنه يطبَّق عليه الحكم المتفق عليه في حالته، وهو الرجم بالحجارة حتى الموت، وأما إن كان غير محصن: ففيه خلاف هل هو كالزنا أم يقتل على كل حال، والراجح: أنه يُقتل.
ولا يختلف حكم الزوجة عن حكم والد زوجها إن ثبت أنها مطاوعة له في الزنا؛ لأنها محصنة، فحدها: الرجم بالحجارة حتى الموت، ولا يمكن لقاضٍ أن يصدِّق أنه ثمة من تُكره على الزنا ربع قرن، ولا تستطيع فع ذلك عن نفسها.
وانظر في مسألة الزنا بالمحارم: جوابي السؤالين: (84982) و (104486) ففيهما تفصيل مفيد.
وبكل حال: فما ذكرناه هو حكم الله تعالى، والواجب على من تلبس بتلك القاذورة أن يتوب إلى الله قبل أن يلقاه على هذه الكبيرة، وأن يصلح حاله وشأنه، وأن يبتعد عن مكان تلك المعصية دون تأخير، أو تردد.
وينظر في حكم الرجم للمحصن: أجوبة الأسئلة: (83034) و (20824) و (8981) .
ثالثاً:
لو ثبت زنا الأب بزوجة ابنه: لم يكن ذلك مفسداً للنكاح على الراجح من أقوال العلماء، وقد وقع في المسألة خلاف، فالحنفية والحنابلة يرون أن الزنا موجب لفسخ النكاح، وهو قول عند المالكية، وذهب الشافعية إلى أن زنا الأب بزوجة ابنه: لا يحرم الزوجة على الابن، ولا يوجب فسخ النكاح، وهو القول الآخر عند المالكية، وهو الأشهر والمعتمد عندهم.
قال الشافعي – رحمه الله -:
فإن زنى بامرأة أبيه، أو ابنه، أو أم امرأته: فقد عصى الله تعالى، ولا تحرم عليه امرأته، ولا على أبيه، ولا على ابنه، امرأته، لو زنى بواحدة منهما.
" الأم " (5 / 153) .
والراجح: هو مذهب الشافعي رحمه الله، أن النكاح في الآية ليس هو الوطء، بل العقد، وأن الحرام لا يحرِّم الحلال؛ للفروقات الكثيرة بين العقد، والوطء الحرام، من جهة النسب، والعدة، والميراث، وغيرها.
وهو الذي رجحه طائفة من المحققين المعاصرين.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
لو أن رجلاً زنى بامرأة فهل يحرم عليه أصلها وفرعها؟ وهل يحرم عليها أصله وفرعه؟ لا يحرم؛ لأنه لا يدخل في قول: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ) ، وقوله: (وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ) ، وقوله: (وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ) ، والزانية لا تدخل في هذا، فالمزني بها ليست من حلائل الأبناء، وكذلك أمُّ المزني بها ليست من أمهات نسائك، إذاً: فتكون حلالاً؛ لدخولها في قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) ، وفي قراءة و " أَحلَّ لكم ما وراء ذلك ".
والمذهب: أن الزنا كالنكاح، فإذا زنا بامرأةٍ: حرُم عليه أصولها، وفروعها، وحرم عليها أصوله، وفروعه، تحريماً مؤبَّداً، وهذا من غرائب العلم، أن يُجْعل السفاح كالنكاح، وهو من أضعف الأقوال.
" الشرح الممتع " (12 / 119، 120) .
وقال – رحمه الله -:
هذا الواطئ وطئ مَن ليست زوجةً له، لا شرعاً، ولا اعتقاداً، ولا يمكن أن يلحق السفاح بالنكاح، فإلحاق هذا بهذا: من أضعف ما يكون.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (13 / 332) .
وينظر جواب السؤال رقم: (78597) .
وبخصوص العدة على المغتصبة: ينظر تفصيلها في جواب السؤال رقم: (121438) .
ولعل مثل هذه الحوادث أن تبين للناس مدى الظُّلْمة التي يعيش فيها من ابتعد عن دين الله تعالى، وسواء ثبتت تلك الواقعة أو لم تثبت: فقد ثبت غيرها كثير، فالواجب على المسلمين أن ينتبهوا قبل أن يصبحوا عبرة لغيرهم، وليراعوا فروقات الأعمار بين آبائهم وزوجاتهم، وبين الرجال وأمهات نسائهم، فالأب الفتي الشاب ليس كالشيخ الكبير، وأم الزوجة الكبيرة ليست كالشابة الفتية، ومن لم يراعِ مثل هذا، وسمح لنفسه بالتساهل في اللمس، والتقبيل، والخلوة: فقد يسقط على أم رأسه، وفي الحوادث الكثيرة عبر لمن اعتبر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/45)
كيف يتصرف مع أخته التي اكتشف أن لها علاقة محرَّمة مع أجنبي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت علاقة محرَّمة لأختي الكبيرة بشاب أجنبي عنها عن طريق الإنترنت، وأظن أن السبب الأول هو: الفراغ العاطفي الذي تعاني منه أختي من جهة أمي وأبي، ومن جهتي أنا، والثاني: هو أنها خائفة من تأخر زواجها، أو عدمه - حسب ظني -. كما أني قد اكتشفت لها علاقة محرمة من قبلُ، وحذرتها من الوقوع في هذا مرة ثانية، وعاهدتني على أن لا تعود لهذا، علماً أن أختي تعمل في مكان مختلط، وتكلم الأجانب كأنهم إخوة لها. الرجاء منكم نصحنا لما هو خير، وما الواجب عليَّ فعله لمواجهة هذا البلاء العظيم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن هذا أمر محزن ومؤلم، والمسلم لا يرضى الفحش في أهل بيته، ولا يقبل به، وإذا كان هذا الفحش صادراً من أنثى في الأسرة: كان أشد إيلاماً على النفوس الشريفة من أهل بيتها.
وكثيراً ما نسمع ونرى من تصرفات حمقاء خرقاء، من بعض من يظن نفسه مصيباً في فعله، فيسارع إلى قتل أخته، أو ابنته، إن علم بوجود علاقة بينها وبين رجل أجنبي، وقد لا تكون تتعدى المراسلات والمكالمات، نعم فعلها محرَّم، ونعم غيرته حسنة طيبة في أصلها، لكن تصرفه كان مخالفاً للشرع، وليس حكم من كلمت أجنبيّاً، أو راسلته أنها تُقتل.
وقد بينَّا هذه المسألة بتفصيلٍ وافٍ في جواب السؤال: (8980) .
ولذا فنحن نشكر لك غيرتك المحمودة، ونشكر لك توجهك بالسؤال لنا، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لأن تصيب الحق والصواب في تصرفك معها، ونسأله تعالى أن يهديها، وأن يصلح حالها.
وملخص ما نذكره هنا هو قطع الأسباب التي أدَّت بها في أن تقع بذلك المنكر، فلا تمكنوها من الاتصال بالآخرين، لا عن طريق الإنترنت، ولا عن طريق الهاتف، بل يجب أن تحمى عن افتراس الرجال لها، وافتتانهم بها، وافتتانها بهم.
ثم ينبغي أن تكون هذه الاحتياطات الإضافية مصحوبة بتقوية الوازع الإيماني عندها، وتعريفها بحكم مثل هذه العلاقات في الشرع، وخطرها على دين المسلم، وتقوية مراقبتها لربها، وتعظيمها لشرعه وحرماته.
ولتفصيل الموقف الشرعي من هذه الأخت، ولمعرفة الأسباب التي تؤدي بالنساء للوقوع في هذا المنكر، ولمعرفة العلاج الناجع معها: انظر جواب السؤال رقم: (111665) .
ونضيف هنا مما لم نذكره هناك: أن تحاول أنت وأهلك بكل ما أوتيتم من قوة وحكمة أن توقفوا أختك عن العمل والخروج من المنزل بمفردها.
فإن لم يمكن منعها من العمل بالكلية، فامنعوها من العمل في بيئة مختلطة تتمكن فيها من الاتصال بالرجال؛ لما يترتب على الاختلاط من مفاسد، ومحاذير، وقد رأيتم أنتم في أختم هذه الآثار المدمرة.
وقد سبق بيان ذلك في أجوبة الأسئلة: (1200) و (60221) و (39178)
و (22397) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/46)
نصائح وتوجيهات مهمة لأخت تحب شيختها أكثر من والديها!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شعور طالبة العلم تجاه شيختها بالحب، والاحترام، أكثر من حب الوالدين هو من العقوق؟ وماذا تنصحون بخصوص هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن شعور الطالبة بالحب والتقدير لشيختها أمر طيب، وإن بذل الاحترام لها من الأخلاق الجليلة في شرع الله تعالى، ولكن لا نرى مجالاً للمقارنة بين حبِّ الطالبة لشيختها مع حبها لوالديها؛ ذلك أن حب الوالدين فطري، ومنبعه ليس كمنبع حب الشيخة المتولد من سبب دفعها لذلك الحب.
ولكننا نلمح في السؤال أمراًً خطيراً، ويتمثل ذلك في أمرين:
الأول: أننا نخشى على ذلك " الحب " بين الطالبة وشيختها أن يتطور إلى " إعجاب "، وهو داء عظيم ابتليت به فئام من الناس، فتعلق الطالب بأستاذه، والعكس، وتعلقت الفتاة بمدرستها، والعكس، ونتج عن ذلك مفاسد لا حصر لها، وكنا قد نبهنا على هذا الداء، وذكرنا مفاسده، وآثاره السيئة، وكيفية علاجه في جواب السؤال رقم (104078) فلينظر؛ ليحذر من الوقوع في هذا الداء.
والثاني: أننا نخشى أن يتطور ذلك " الحب " بين الطالبة وشيختها إلى " التعظيم "، و " التقديس "، وهو ما يحصل في الجماعات الصوفية، وخاصة ما يطلق عليه جماعة " القبيسيات " في دمشق، أو " الطبَّاعيات " في الأردن، أو " السَّحَريات " في لبنان، أو " بيادر السلام " في الكويت، وكلها أسماء لمسمى واحد، وهي جماعة صوفية نسائية، تتبنى الطريقة النقشبندية، وتجتمع على تعظيم الشيخة! وتقديسها، وتتربى الفتيات والنساء المنتسبات لهذه الجماعة على تقديم شيختهن على الوالدين، وعلى الأزواج، وهو ما سبَّب فتناً كثيرة في بيوت تلك المنتسبات، وأدى لطلاقهن.
وقد صدرت فتوى مطولة بخصوص تلك الجماعة من علماء اللجنة الدائمة، نقتطف منها:
1. الطرق الصوفية، ومنها النقشبندية: كلها طرق مبتدعة مخالفة للكتاب والسنة.
2. الطرق الصوفية لم تقتصر على كونها بدعة - مع ما في البدعة من الضلال -، ولكن داخلها كثير من الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في مشائخ الطرق والاستغاثة بهم من دون الله.
3. ومن ذلك ما ورد في السؤال من قولهم: " مَن لا شيخ له: فشيخه الشيطان "، و " مَن لم ينفعه أدب المربي: لم ينفعه كتاب ولا سنَّة "، و " مَن قال لشيخه: لمَ؟ : لمْ يفلح أبداً "، وهذه كلها أقوال باطلة، مخالفة للكتاب والسنَّة؛ لأن الذي يقبل قوله مطلقاً بدون مناقشة، ولا معارضة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4. فالواجب: الحذر من الصوفية، ومَن يتبعها، رجالاً، ونساءً، ومِن توليهم التدريس، والتربية، ودخولهم في الجمعيات النسائية وغيرها؛ لئلا يفسدوا عقائد الناس، والواجب على الرجل: منع موليته من الدخول في تلك الجمعيات، أو المدارس التي يتولاها الصوفية، أو يدرسون فيها؛ حفاظاً على عقائدهن، وحفاظاً على الأسَر من التفكك، وإفساد الزوجات على أزواجهن.
5. والذي ننصح به للنسوة المذكورات هو التوبة إلى الله، والرجوع إلى الحق، وترك هذا المذهب الباطل، والحذر من دعاة السوء، والتمسك بمذهب أهل السنَّة والجماعة، وقراءة الكتب النافعة المشتملة على العقيدة الصحيحة، والاستماع للدروس والمحاضرات والبرامج المفيدة التي يقوم بإعدادها العلماء المستقيمون على المنهج الصحيح، كما ننصح لهن بطاعة أزواجهن وأولياء أمورهن في المعروف.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة لدائمة " المجموعة الثانية (2 / 74 – 79) .
فننصح الأخت السائلة أن تقتصد بحب شيختها، وأن تكون محبتها لها مبنية على الشرع، فتحبها لاستقامتها، ويكون ذلك بقدَر، من غير غلو ولا إفراط، وإذا رأت أن محبتها بدأت تنحرف عن مسارها الشرعي الصحيح إلى ما ذكرناه من " إعجاب "، أو " تعظيم ": فلتسارع لعلاج نفسها، ولتقوِّم تلك المحبة، فإن لم تستطع: فلتتركها، ولن تكون آثمة، بل الإثم – حينئذٍ – في الاستمرار بتلك العلاقة.
ولتعلمي أيتها السائلة، أن لأبويك عليك حقاً، وأي حق، وأن لزوجك عليك حقاً، وأي حق، وأن لأبنائك عليك حقاً، وأن لمعلمتك عليك حقاً، فأعطي كل ذي حق حقه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/47)
زوجته تطيل لسانها وتسيء عشرتها ويعالج ذلك بترك الصلاة! معتقداً أنها قدر محتوم!
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أخلص نفسي من مصائد الشيطان، فلديَّ زوجة ذات لسانٍ حادٍّ، وسيء، وقد فكرت عدة مرات أن أطلقها، وأتركها، ثم آتي، وأفكر في قدَري، فأقول: لماذا يختارُ الله لي هذا الوضع؟! وكنتيجة لذلك: أترك الصلاة، ثم أعود فاستغفر الله، وأتوب، فما هي نصيحتكم لي؟ وهل من الممكن شرح مسألة القدر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا المنطق – أخي السائل – الذي تتحدث به ليس مقبولاً منك، لا شرعاً، ولا عقلاً، وأنت لو كنتَ تعمل في بيئة سيئة، وفوقك مدير يهينك، ويحقرك، أو يبخس حقك، أو يحملك فوق طاقتك: لا نظن أنك تبقى في وظيفتك بحجة " أن الله اختار لك هذا الوضع "! بل الظن أنك تغادر عملك غير متأسف عليه، وتبحث عن عمل آخر، تحفظ به كرامتك، أليس كذلك؟ .
وظننا – أيضاً – أنه لو كان عندك جيران يسيئون في جيرتهم، ويطلعون على عوراتكم، ويؤذنوكم الليل والنهار: لكنتَ غادرت ذلك المنزل غير مأسوف عليه، ولن ترضى لنفسك أن تبقى في العذاب بحجة " أن الله اختار لك هذا الوضع "! أليس كذلك؟ .
وما الفرق بين هذين الأمرين، وبين وجود زوجة قبيحة الأخلاق، طويلة اللسان، وسيئة العشرة، في ذمتك، تراها طيلة الوقت وتراك، وتنام معها وتنام معك؟! إن الذي يدفعك لتغيير وظيفتك السيئة بمديرها، وتغيير منزلك السيء بجيرانه: هو الذي ينبغي أن يدفعك لتغيير زوجتك سيئة العشرة، ولا فرق.
فهل من المقبول، عند أهل العقول، أن يحتج المرء بالقدر في أمر الزوجية، ولا يفعل الأمر نفسه في سائر أموره! وأنت في كل ما سبق: لك الخيار أن تبقى في وظيفتك أو تغادرها، وأن تبقى في منزلك أو تغادره، وكذلك لك الخيار في أن تبقى مع زوجتك أو تفارقها، فما اخترته لنفسك: لم يجبرك الله تعالى عليه، بل أنت من اختاره لنفسه، وعليك تحمل أثر ذلك وحدك.
لقد كان من الممكن أن نناقش هذا الذي تتحدث عنه في أمر القدر، لو كان صاحب الشكوى هو الزوجة التي لا تملك أمر نفسها، ولا تستطيع الفكاك من زوجها بتطليقه، وربما لو استطاعت ذلك، لأحجمت عنه لما تعلم من عواقب ذلك عليها، أو لفقدها المأوى والعائل؛ أما والشاكي هو الزوج، فما أجدره بقول القائل:
أيهذا الشاكي، وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا!!
ثم ما دخل الصلاة ـ يا رجل ـ بسوء عشرة زوجتك، حتى تتركها، ولماذا لم تبق على صلاتك على الأقل بحجة " أن الله اختار لك هذا الوضع "! وسبحان الله كيف تمكَّن منك إبليس فجعلك تترك صلاتك التي علَّق الشرع الكفر على تركها! وليس لك خيار في تركها، وجعلك تتمسك بزوجتك التي استحب لك الشرع تطليقها، وهي بالحال التي وصفت؟! فما كان لك الخيار في تركه: تمسكت عنه بحجة القدر! وما ليس لك الخيار في تركه: تركته، ولم تحتج لا بالقدر، ولا بالشرع! فأي غفلة هذه عن شرع الله تعالى، وأي تلبيس لبّسه الشيطان عليك؟! .
ثانياً:
الواجب عليك – أخي السائل – الآن ألا تترك صلاة واحدة، وأن تتوب إلى الله عز وجل من تلك الكبيرة، والمعصية العظيمة، وأن تربي نفسك على تعظيمها وإجلال شأنها، فهي من أعظم شعائر الله؛ بل هي أعظم شعيرة فرضها الله على عباده، بعد توحيده؛ وقد قال الله تعالى:
(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج /32.
أوما علمت ـ يا عبد الله ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يدفع عنه الحزن، بإقام الصلاة:
روى الإمام أحمد (22788) وأبو داود (1319) ـ وحسنه الألباني في صحيح الجامع ـ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى) .
قال ابن الأثير: أَيْ نَزَلَ بِهِ أَمْر مُهِمّ، أَوْ أَصَابَهُ غَمّ. انتهى.
فانظر، كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم، يفر إلى الصلاة، ويلجأ إليها، إذا أصابه هم أو حزن، وأما أنت فتفر منها؛ فيا عجبا كل العجب!!
وفي حكم تارك الصلاة: انظر جواب السؤال رقم: (5208) .
ثالثاً:
اعلم أن الشرع المطهَّر قد رغَّبك بنكاح ذات الدين ابتداء، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن مقاصد الرجال في اختيار زوجاتهم مختلفة، فمنهم من يبحث عن الجمال، ومنهم من يبحث عن النسب، ومنهم من يبحث عن صاحبة المال، والوصية من النبي صلى الله عليه وسلم هي نكاح ذات الدِّين، فأين احتجاجك القدر من ذلك وهو يوصيك بالبحث، والتحري، ونكاح من يسعدك في دنياك، ويحفظ عليك عرضك، ومالك، وأولادك؟! .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) . رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
وانظر في بيان مواصفات الزوجة الصالحة جواب السؤال رقم: (71225) .
والأمر كذلك بالنسبة لأولياء المرأة، فليس أول من يطرق بابهم ليخطب ابنتهم يزوجونه إياها، بل يسألون عن دينه، ويتحرون عن خُلُقه، ولو كان قدراً مجرّداً ليس لهم فيه خيار: لما كانت الوصية للأولياء بتزويج بناتهم بأصحاب الخلق والدِّين، فتنبه لهذا.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) .
رواه الترمذي (1084) ، وابن ماجه (1967) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
فلو كان الأمر مجرد قدَر: لما شُرع الطلاق، بل لأصبحت الزوجة قدر زوجها، والزوج قدر زوجته، يلتقيان، ولا يفترقان حتى الموت! وهذا ليس شرع الله تعالى، بل قد شرع ربنا تعالى للزوج الطلاق، واستحبه له أحياناً، وأوجبه أحياناً أخرى، بل إن الزوج ليكون " ديوثاً " لو أنه أبقى امرأته عنده وهي تصاحب الرجال الأجانب، وقد شرع الله تعالى للمرأة " الخلع "، فلها أن تخالع زوجها إن رأت عدم استقامته على شرع الله تعالى، أو أنه لا يؤدي حقوقها، وهو يرفض تطليقها، فأين القدر في الحياة الزوجية وفيه مثل هذه التشريعات؟! .
وانظر جواب السؤال رقم: (1804) ففيه الرد على مسألة " هل شريكة الحياة اختيار من العبد أو قضاء من الله؟ ".
وقد بينَّا في جواب السؤال رقم (49004) مراتب القدَر، وأدلتها بالتفصيل، فانظره.
رابعاً:
وأخيراً:
1. تب إلى الله تعالى مما فعلتَ من تركك للصلاة.
2. لا تعد لمثل ذلك الفعل.
3. لا تنسب للقدر عجزك، وسوء تصرفك، بل انسب ذلك لنفسك التي اختارت ذلك.
4. عظ زوجتك بالتي هي أحسن أن تتقي الله تعالى ربَّها، وأن تؤدي الواجبات الزوجية المنوطة بها، وأن تكف عن الإساءة إليك بالقول والفعل.
5. وسِّط العقلاء من أهلها لنصحها، وتوجيهها.
6. إن لم ينفع ذلك معها: فلا تتردد في تطليقها.
7. اسأل ربَّك تعالى أن يبدلك خيراً منها، واستعن به عز وجل على تحقيق ذلك، وابذل من أسباب البحث عن ذات الدِّين ما تحمِّل نفسك مسئولية ذلك الاختيار.
8. حافظ على صلاة الاستخارة قبل البت في اختيار الزوجة.
وتجد تفصيل صلاة الاستخارة في جوابي السؤاليْن (2217) و (11981) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/48)
تزوجها دون علم زوجته الأولى واكتشف سرُّه ولا يزال لا يعطيها حقها في المبيت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من 4 سنوات من رجل متزوج ولديه بنت، وقال لي أن يبقى سرّاً على زوجته ووالده، إلى أن يعرفوا من الناس، وليس منه، فوافقته، ومن يوم أن تزوجنا: لم ينم عندي سوى أسبوع، على أنه مسافر، وبعد ذلك: لم ينم عندي في البيت، وكنت أعيش وحدي، وكان يأتي كل يوم، وحملتُ منه، وأنجبت طفلة، وعمرها الآن سنتان، وحتى هذا اليوم لم يسجلها باسمه! خوفاً من أن تعرف زوجته، وأنا طول الوقت صابرة، وأقول: " لا بأس "؛ لأنه بصراحة: زوجي إنسان لا مثيل له، ويحبني، ولكن بعد مرور 3 سنين ونصف: عرفت زوجته، ووالده، فطلبتْ منه أن يطلقني، وهو رفض أن يطلقني، أو يطلقها، ولكن إلى هذا الوقت لم يعدل بيننا، ولم ينم معي، ومع ابنتي أبداً، ولم يسجِّل ابنته باسمه، لا أعرف لماذا، وحتى يوم الجمعة صار صعباً أن يأتي ويزورنا؛ حتى ولو مرضتْ ابنتي بالليل لا أستطيع أن أخبره وكنت دائما أنا آخذها إلى المستشفى. ولا أعرف ماذا أفعل، والله دائماً أدعو الله أن يصبرني؛ لأنني تعبت طوال هذه السنوات، ولا أعرف إلى متى، مع العلم أن زوجي يخاف الله، ولا يقطع صلاة، ويعمل الخير دائماً، وكل ما أتناقش معه يقول لي: " كل شيء بوقته حلو، وأنتِ صبرتِ كثيراً، لستِ قادرة تصبري زيادة؟ ". أرجو منكم مساعدتي؛ لأنني حقّاً غير قادرة على الظلم أكثر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كتمان الرجل زواجه الثاني يوقعه – في الغالب – في شيء من الظلم لزوجته الجديدة، ويكون مضطرباً في حياته وتصرفاته، يخشى إن تَصرف تصرفاً ما أن تعرف زوجته الأولى بأنه تزوج عليها، وهذا قد يجره إلى سلسلة من الأخطاء.
وبما أنك قد رضيت بذلك من أول الأمر، فعليك أن تتحملي ما جرى لك من جهة، وعليك السعي لإصلاحه من جهة أخرى.
وإذا كان زوجك له عذر – عندك – قبل اكتشاف أمر زواجه بكِ: فإنه لا عذر له الآن، فالواجب عليه العدل بينك وبين زوجته الأولى في المبيت، فما يمكثه هناك من الليالي فعليه أن يمكث قدرها عندك، ولك مطالبته بهذا الحق الذي أوجبه الله عليه، وجعله لك، فإن أصرَّ على الرفض: فأنتِ بالخيار، إما أن ترضين بحياتك معه وتصبري حتى يجعل الله لك فرجا - وهو ما ننصحك به -، وإما أن تختاري فراقه.
وننصح – وقد انكشف الأمر – أن توسطي من يتصف بالعلم، والعقل، بينكما، لحلِّ قضيتك معه، وإلزامه بما ألزمه الله به: من العدل بينك وبين زوجته الأولى، ومن تسجيل ابنتكما في الأوراق الرسمية، وهذا أمر لابد منه، وكيف يرضى لابنته أن تبقى هكذا، بلا نسب، ويعرض حقوقها للضياع؟
فالأمر الآن عندك: تنصحينه، وتذكرينه بالله تعالى، فإن لم يُجْدِ ذلك: فتوسطين عقلاء من أهلك، أو من أهلك وأهله، ليتم نصحه وإلزامه بما أوجب الله عليه، من العدل بين الزوجتين، ومن تسجيل ابنته في القيود الرسمية.
واسألي الله تعالى التوفيق، والهداية، لك، وله، ونسأل الله تعالى أن يجمع بينكم على خير، وييسر أمركم لما فيه رضاه تعالى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/49)
اعترفت لزوجها بماضيها، فصار يعيِّرها، ويشتمها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بحتُ لزوجي بأسرار من الماضي بعد إلحاح، وإصرار منه، أنا تبت، والتزمت 3 سنوات قبل الزواج منه، ولازلت الآن - بفضل من الله تعالى -، لكن يؤرقني تأنيبه، وتشبيهي بأمثال الفاسقات، وأنني قليلة التربية، أنا راضية بقدري، وأحب زوجي، وأدعو الله أن يهدينا، ويصلح بالنا، ويبعد عنَّا شياطين الجن والإنس. وسؤالي: هل بأغلاطي، وذنوبي التي ارتكبتها في الماضي لا يجب أن يقال عنِّي طاهرة، وعفيفة، وأخت فاضلة، ومحصنة؟ وهل زوجي يأثم لسوء ظنه بي، وشتمه لي؟ وهل يعتبر ممن يقذف محصنة؟ أم لا يجوز أن يقال لأمثالي محصنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
طلب الزوج من زوجته أن تبوح له بماضيها يدل على ضعف فهمه وسوء تقديره، فلا العقل يطلب ذلك البحث والتنقير، ولا الشرع يقبله. وقد أخطأت الزوجة في استجابتها لطلبه خطأ كبيرا، كثيرا ما يتكرر بين الأزواج.
هذا ما يجب أن يعرفه كل زوج وزوجة، فالحذر الحذر أيها الأزواج من هذا الفعل السيء فإنكم تفعلون ما لا يحل لكم شرعاً، وليس هذا من فعل العقلاء الشرفاء، واحذرن أيتها الزوجات، واستترن بستر الله تعالى، ولا تفضحن أنفسكن في لحظة حمق يعيشها الزوج معكن، يطلب منكن أن تبحن بأسرار الماضي إرضاء لغيرة عمياء عنده، أو تسلية بأخبار الزمان!!
وليس من شك في أن هذا الجهر بتلك المعاصي التي سترها الله تعالى على الزوجة من شأنه أن يشكك الزوج في تصرفات زوجته اللاحقة، ويُدخل الشيطان عليه أشكالاً من الريبة في حديثها، وهيئتها، ومن هنا نرى كثيراً ممن فقدوا معنى الرجولة، وقلَّ دينهم، يعيِّر زوجته بماضيها، بل ويقذفها، ويشتمها، بعد أن أعطاها الأمان لتقول له صفحات ماضيها السيئة.
وليس هذا في حقيقته سوى فتح لخرائب من الماضي تأوي إليها الشياطين، وفك لأغلال المردة يوشك أن يطيح بالبيت والأسرة.
ولا نملك إلا تذكير النساء بتحريم فعل ذلك، ولو ألح الزوج وأصر، بل لا يكون منكن إلا نفي أي ماضٍ سيء، بل الإصرار على العفة، والطهر، ولا تفضحن ما ستر الله عليكن إن كان لكن ماضٍ سيء، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وأنتم أيها الأزواج اتقوا الله في أسرتكم، واعلموا أنه لا يحل لكم طلب ذلك من نسائكم، ولا تغتروا بأنفسكم: أن ذلك لن يؤثر على حياتكم الزوجية؛، بل سيؤثر، ولا بدَّ أن ترى أثره السيء على نفسك، وفي حياتك الزوجية، عاجلاً، وقد أُمرت بالستر على من تراه يفعل المعصية، فكيف أن تنبش ماضٍ لم تشهده لتشهد عليه سماعاً، ومن امرأة تأتمنها على فراشك، وبيتك؟! فاتقوا الله في أنفسكم، وأزواجكم.
روى البخاري (7294) ومسلم (2359) واللفظ له، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى لَهُمْ صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ وَذَكَرَ أَنَّ قَبْلَهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَنِي عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْنِي عَنْهُ، فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونَنِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا!!
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ سَلُونِي، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَبُوكَ حُذَافَةُ!! ...
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ [الزهري، راوي الحديث عن أنس] : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: مَا سَمِعْتُ بِابْنٍ قَطُّ أَعَقَّ مِنْكَ؛ أَأَمِنْتَ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قَارَفَتْ بَعْضَ مَا تُقَارِفُ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَتَفْضَحَهَا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ؟!!
فانظر إلى عقل تلك المرأة، كيف رأت ما في هذا السؤال من المفسدة العظيمة بالنسبة للسائل، وأن ما يترتب عليه من المشقة والضيق أضعاف ما ظنه من الفائدة والمصلحة، رغم أنها على يقين من نفسها، وأنها مبرأة من أن يكون هذا الولد (عبد الله) لغير أبيه!!
وفي ذلك نزل قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) الآية، المائدة /101، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما.
قال ابن كثير رحمه الله:
"هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين، ونهي لهم عن أن يسألوا {عَنْ أَشْيَاءَ} مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها؛ لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها " انتهى. تفسير ابن كثير (3/203) .
وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" ينهى عباده المؤمنين عن سؤال الأشياء التي إذا بينت لهم ساءتهم وأحزنتهم، وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم، وعن حالهم في الجنة أو النار، فهذا ربما أنه لو بين للسائل لم يكن له فيه خير، وكسؤالهم للأمور غير الواقعة، وكالسؤال الذي يترتب عليه تشديدات في الشرع ربما أحرجت الأمة، وكالسؤال عما لا يعني ". انتهى. تفسير السعدي (245) .
ثالثاً:
أنتِ أيتها الأخت السائلة: توبي إلى الله مما قلتيه لزوجك؛ فهو معصية، ما كان لك أن تفعليها، واعلمي أنه بتوبتك عن ماضيك النصوح عما كان منك تبدئين صفحة جديدة مع الله؛ فإن (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ) كما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم [رواه ابن ماجه (4250) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح ابن ماجه "] . لا، بل نرجو الله تعالى أن يكون بدَّل سيئاتك حسنات؛ لقوله تعالى – بعد أن ذكر الوعيد على فعل كبائر الذنوب -: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان/ 70، 71، فأنتِ ـ إن شاء الله ـ بتوبتك من الذنب تعودين عفيفة طاهرة، ولستِ فاسقة، ولا أمثال الفاسقات.
رابعاً:
لا يحل للزوج أن يعيرك بماضيك، ولا أن يشتمك، فإن فعل: أثم؛ لأذيته للك، ووقوعه في إثم السب والشتم، وكل ذلك محرَّم على المسلم تجاه أخيه المسلم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) .
رواه البخاري (5697) ومسلم (64) .
قال النووي – رحمه الله -:
السبُّ فى اللغة: الشتم، والتكلم فى عرض الإنسان بما يعيبه، والفسق فى اللغة: الخروج، والمراد به فى الشرع: الخروج عن الطاعة.
وأما معنى الحديث: فسبُّ المسلم بغير حق: حرامٌ بإجماع الأمَّة، وفاعله: فاسق، كما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم.
" شرح مسلم " (2 / 53، 54) .
وقد جاء النهي عن " الأذية " و " التعيير " بالذنب، و " طلب العورة " في سياق حديث واحد، وفيه وعيد شديد لمن فعل ذلك.
عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللَّهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ) .
رواه أحمد (37 / 88) وصححه محققو المسند.
وأما إن كان سبُّه وشتمه يحوي قذفاً – أي: اتهاماً بفعل الزنى -: ففيه تفصيل، تبعاً لما فعلتيه في ماضيكِ، وأظهرتيه له:
1. فإن كان – ونرجو المعذرة – قد وقع منك " زنى "، وأقررتِ له به: فلا يكون قاذفاً إن تكلم من العبارات ما فيه " قذف "؛ لسقوط الإحصان بإقراركِ.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُمَا قَالاَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ - وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ -: نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قُلْ) قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا ...
رواه البخاري (6440) ومسلم (1697) .
قال ابن عبد البر – رحمه الله -:
وهذا قذف منه للمرأة، إلا أنها لمَّا اعترفت بالزنى: سقط حكم قذفها.
" الاستذكار " (7 / 482) .
ولا يعني أنه لا يكون قاذفاً أنه لا يأثم، ولا يُعزَّر، بل يأثم؛ للأذية، وللفحش في قوله، وعليه التعزير بما يراه الحاكم مناسباً، ولا يحل له تكرار القول، والقاعدة في هذا: " مَن لا يجِب عليه الحد لعدم إحصان المقذوف: يُعزَّر؛ لأنه آذى من لا يجوز أذاه ".
انظر" الموسوعة الفقهية " (33 / 19) .
هذا من حيث الأصل، وهنا مسألتان:
أ. هل يكون قاذفاً إذا قذفكِ بالزنى المعتَرف به منكِ، وبغيره؟
الراجح: أنه يكون قاذفاً إن قذفك بزنى مبهم، أو بزنى غير معترف به منك.
وفي " الموسوعة الفقهية " (33 / 19) – فيمن ثبت زناه ببينة، أو إقرار -:
وحكي عن إبراهيم – أي: النخَعي - وابن أبي ليلى: أنه إن قذفه بغير ذلك الزنا، أو بالزنا مبهماً: فعليه الحد؛ لأن الرمي موجب للحد، إلا أن يكون الرامي صادقاً، وإنما يكون صادقاً إذا نسبه إلى ذلك الزنا بعينه، ففيما سوى ذلك: فهو كاذب، مُلحق للشيْن به.
انتهى
ب. وهل لا يكون قاذفاً حتى لو كان بعد الزنى توبة؟
الراجح: أن من تاب من زناه: فكمن لم يزنِ، في الدنيا والآخرة؛ لحديث (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ) ، خلافاً لمن قال من الشافعية إنه كذلك فقط في الآخرة.
وعليه: فإن تكلم بما فيه قذفك بعد توبتك: فهو قاذف، ولو أقررتِ له بتلك الفعلة منك.
قال المرداوي الحنبلي – رحمه الله -:
من تاب من الزنى، ثم قُذف: حُدَّ قاذفه، على الصحيح من المذهب.
" الإنصاف " (10 / 171) .
2. وإن لم يكن قد وقع منك تلك الفاحشة، لكنها علاقات محرمة، لم تصل لدرجة ارتكاب الزنى: فإن تكلم بما فيه قذفك: كان قاذفاً، وهو قد أثم إثماً زائداً على السب والشتم، وفعله كبيرة من كبائر الذنوب، وهو يوجب عليه حدَّ القذف، وهو الجلد ثمانين جلدة، ويُحكم عليه بأنه من الفاسقين، وترد شهادته؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور/ 4، وقال تعالى متوعداً القذفة في الدنيا والآخرة: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور/ 23.
والخلاصة:
أنه لا يحل له تعييرك بماضيك، وأنه قاذف بالطعن في عرضك فيما فيه اتهام بفعل الفاحشة إن لم يكن صدر منك فعل الفاحشة، وحتى لو صدر، فبما أنك تبتِ إلى الله: فهو قاذ، ومستحق للوعيد، والحد.
ونرجو الاطلاع على جوابي السؤالين: (7650) و (91961) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/50)
قال لمخطوبته إن أخفيت عني شيئا فتحرمين علي بعد الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[خطيبي يعلم أني كنت على علاقة مع شخص آخر قبل معرفته والشخص الآخر هو صديقه وقد حدث بيني وبين هذا الشخص أشياء لم تصل إلى فاحشة كبيرة لكنها محرمة أنا الآن تائبة وأتوسل إلى الله أن يغفر لي. المشكلة أن خطيبي شك في أن أمورا حصلت في الماضي مع صديقه وسمع كلاما من بعض زملائه يسيؤون لي وان هذا الصديق أفشى لهم عما جرى بيننا. فحلفني خطيبي أن أقول له كل شيء حصل وحلف هو أن أكون حرام عليه بعد الزواج إن أخفيت عنه شيئا أو كذبت. حلفت وبيدي المصحف وبداخل المسجد وبالقران واني حرام عليه باني لم اخفي عنه شئ وفي الحقيقة أنا أخفيت ما حدث لي في الماضي. علما وان زواجي قرب بمشيئة الله. أنا خائفة هل أنا مذنبة في حقه علما وانه دائما يقول لي أنه لن يسامحني وليس راضا عني أمام الله إن أخفيت عنه شيئا.ماذا افعل جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا ينبغي للخاطب ولا للزوج السؤال عن ماضي زوجته، فيكفيه أن تكون مستقيمة معروفة بالخير عند الزواج منها، غير مطعون في دينها وعفّتها، وأما كونها ألمّت بشيء من الحرام في الماضي، ثم تابت منه وصلحت، فإن من الخطأ سؤالها عنه، وتعريضها للكذب أو الطلاق، أو إلجاؤها لفضح نفسها وكشف ستر الله عليها، ثم إنها إن صدقت معه، فتح ذلك مجالاً للشك والريبة.
ومن الخطأ والجهل ما يدعو إليه البعض من مصارحة كل واحد من الزوجين للآخر بما كان في سابق أمرهما، مما ستره الله تعالى، بل عليهما أن يرضيا بستره ويحمدا الله على ذلك.
ثانيا:
لا يلزم الزوجة أو المخطوبة الإخبار بما وقع منها في الماضي وستره الله عز وجل، بل يجب عليها أن تستر نفسها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل) رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 663.
وروى مسلم (2590) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
فإن ألح زوجها أو خاطبها في السؤال فلها أن تستعمل التورية، كأن تقول: لم يحصل شيء بيني وبين ذلك الرجل، وتقصد: لم يحصل اليوم أو بالأمس، لأنها مأمورة بالستر، وليس هناك مصلحة من إخباره، فشُرع لها التورية، بل جَوَّز بعض أهل العلم أن تكذب حينئذ.
وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال (83093) .
وعليه؛ فنرجو ألا يلحقك إثم بما اقترفت من الكذب، وكان الأولى أن تستعملي التورية.
ثالثا:
إذا قال الخاطب لمخطوبته: تحرمين علي بعد الزواج إن كنت أخفيت عني شيئا، ثم أخفت عنه شيئا فإنها لا تطلق، ولا يقع ظهار؛ لأن الطلاق والظهار لا يكونان إلا بعد النكاح، والخاطب تكلم بهذا قبل عقد النكاح فلا يقع طلاقه ولا ظهاره.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " واعلم أن الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح؛ لأنه حل قيد النكاح، فقبل النكاح لا طلاق، فلو قال رجل لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها، ما تطلق، أو رجل قالت له زوجته: سمعت أنك تريد أن تتزوج وهذا لا يرضيني، وضيقت عليه، فقال لها: ترضين أن أقول: إن تزوجت امرأة فهي طالق؟ قالت: يكفي ورضيت، فقالها، وما تزوج، فلو تزوج لم تطلق؛ لأنه قبل النكاح " انتهى من "الشرح الممتع" (13/7) .
ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، وأن يصلح حالك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/51)
مرضت ورفضت زوجة ابنها أن تخدمها وطلبت أن تسكن بعيداً عن أهله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أم لولدين، تزوَّج الأول، وسكن في شقة، وبقيتُ مع زوجي وولدي الثاني في الشقة المجاورة، وتزوج ولدي الثاني في نفس الشقة التي نسكن فيها، بابنة عمته - شقيقة زوجي -، وكانت علاقتي بالبنت، وبأمها، علاقة قويَّة جدّاً، وبعد الزواج بفترة قصيرة: أُصبت بانزلاق غضروفي في العمود الفقري، الأمر الذي منعني من القيام بأي عمل مهما كان بسيطاً، وبعد مكوثنا مع ولدي وزوجته بسنتين تقريباً: فوجئت بأن زوجة ولدي تركت البيت، وذهبت إلى بيت أهلها، وتطالب ببيت مستقل لها ولزوجها، بدون أي سبب يستدعي ذلك، خاصة وأنه لا يوجد لدي سوى ولديّ المذكوريْن، وليس لديَّ بنات، وأنا غير قادرة على رعاية نفسي وزوجي، ولم يصدر منِّي تجاهها أي شيْ يستدعي غضبها، بل كنت أعاملها كابنتي، كما أني غير قادرة على فراق أولادي، ولا أتحمل غيابهم عني ولو ليوم واحد، وحاولنا معها ومع أهلها لإصلاح الأمر والعودة إلى ما كنَّا عليه، لكننا قوبلنا بالإصرار الشديد من الجميع على أن تخرج هي وولدي في بيت آخر، وأنها لا تستطيع البقاء معنا، ورعايتنا، وبالإمكان - كوضع مؤقت - أن نظل معها شهراً أنا وزوجي، ثم نعيش مع ولدي الأكبر شهراً، وهكذا بالتناوب، مع العلم أن زوجة ولدي الأكبر موظفة، وعندها ثلاثة أبناء، بينما الأخرى ليست موظفة، وليس لديها أبناء، وكانت تقضي معظم وقتها - صباحاً مساءً - في بيت أهلها؛ لقربه من منزلنا، وكنا نتحمل تقصيرها في رعايتها لنا، وإهمالها لنا، ولم نُظهر شيئاً سوى الرضى، والحب، وكنَّا نُخفي ذلك عن ولدي؛ خشية المشاكل، وقد شكّل هذا التصرف منها ومن أهلها صدمة عنيفة لنا؛ لأنه غير مبرر، ولأن العلاقة بيننا كانت قويَّة جدّاً، ولأنني غير قادرة على فراق ابني: تركتُ لها البيت أنا وزوجي، وسكنَّا مع ولدي الأكبر في الشقة الأخرى، وخرجتُ من بيتي وأنا منهارة، وأبكي بكاءً شديداً، وبأعلى صوتي؛ لأني لم أكن متوقعة أنني سأتعرض في حياتي لمثل هذا الموقف، وبعدها وافق أبوها على إعادتها إلى البيت بعد خروجنا منه، بشرط: أن لا يدخل منَّا أحدٌ عند ابنته، وبعد فترة: أظهرت هي وأهلها استياءهم لعدم دخولنا عندهم - وذلك حرجاً من الناس فقط - ولكنني بعد ما حدث لم أستطع الدخول، لا عندها، ولا عند أهلها، وتحوَّل حبِّي لها ولأمها إلى كرهٍ، وأدعو عليهما، ولي على هذا الحال حوالي عشرة أشهر، وفي المقابل: هناك قطيعة من قبَلهم، والتواصل بيننا عدمٌ، وأنا في حالة قلق، وخوف من الحرام؛ بسبب هذه القطيعة، ومما أجده في نفسي، من كرهٍ لم أستطع التغلب عليه. لذا أفيدونا - جزاكم الله عنا خير الجزاء - بما يتوجب علينا عمله؛ وقاية من الوقوع في الحرام، واتقاءً لغضب الله تعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلمي – أختنا السائلة – أنه من حق زوجة ابنك أن يكون لها مسكن مستقل، يحتوي على ضرورات المسكن، ويختلف الأمر سعة وضيقاً باختلاف قدرة الزوج، وحال الزوجة، وهذا من حقوق الزوجة التي يصح لها التنازل عنه لتسكن مع أهله؛ فإن تنازلت عن ذلك، أو شرط لها أن يسكنها مع أبويه، أو علمت ذلك من حال زوجها، وقبلته: لم يكن لها أن تعود فتكلفه أن يستقل لها بسكناها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ومَنْ شرط لها: أن يسكنها منزل أبيه، فسكنت، ثم طلبت سكنى منفردة، وهو عاجز: لم يلزمه ما عجز عنه، بل لو كان قادراً فليس لها عند مالك، وهو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وغيره، غير ما شرط لها ". "الاختيارات الفقهية" (541) .
ثانياً:
مما يجب عليك علمه – أختنا السائلة – أن زوجات أبنائك لا يجب عليهن خدمتكِ أنتِ وزوجكِ، إلا أن يكون ذلك بطيب نفسٍ منهنَّ، وليس من حق الزوج على زوجته خدمة أمِّه وأبيه، ولا على مثل هذا تمَّ العقد الشرعي بينهما، بل الواجب عليها خدمة زوجها، والعناية بأولادها، وأما تكليف الزوجات بالعناية بأهل الزوج، والرعاية لهم: فهذا مما لا توجبه الشريعة على إحداهنَّ، إلا أن تتبرع واحدة منهنَّ عن طيب نفسٍ منها؛ احتساباً للأجر الأخروي، وإرضاء لزوجها، فالبحث عما يُرضي الزوج من الأعمال المباحة وفعله من قبَل الزوجة: مما يدل على رجاحة عقلها، ومتانة دينها، ومن لا تفعل: فلا حرج عليها.
وانظري في ذلك: جواب السؤال رقم: (120282) .
ثالثاً:
إذا كانت خدمتك ليست واجبة على زوجات أبنائك بأصل الشرع، فقد قال الله تعالى: (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة/237، وقال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة /195. وقد جرت عادة أهل المروءات بمثل ذلك، لا سيما مع وجود القرابة والرحم بينكم، وفراغها من الشغل بأولادها، أو العمل خارج البيت.
لكن يجب على ولديك أن يساعدا زوجتيهما على ذلك، فإن تثاقلت إحداهما ساعدتها الأخرى، وليحاول الأبناء المساعدة في ذلك من قبلهن، فإن كان عندهما قدرة على استئجار خادمة لكما، وكان ذلك متاحا عندكم: فعليهما أن يعيناكم بتلك الخادمة، وإلا فبإمكانهما أن يعينا زوجتيهما على تلك الخدمة بما يقدران عليه، والكلمة الطيبة صدقة!! .
رابعاً:
ما حصل منك من تغير ناحية هذه المرأة وأهلها أمر طبيعي؛ فقد جبلت القلوب على محبة من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها. لكن أهل الفضل لا يسترسلون وراء ذلك، بل يجاهدون أنفسهم على التخلص من تلك الآثار، والعفو والصفح عمن أساء. قال الله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الشورى/40. فإن ارتقى المرء إلى منزلة الإحسان إلى من أساء إليه، فذلك الفضل العظيم من الله جل جلاله. قال تعالى:
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت /34-36.
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصِلْهُ، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلم فيك، غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين. وإن هجرك وترك خطابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان حصل فائدة عظيمة.
{فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} أي: كأنه قريب شفيق.
{وَمَا يُلَقَّاهَا} أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا} نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته، وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟!
فإذا صبر الإنسان نفسَه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه ليس بواضع قدره، بل من تواضع لله رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك متلذذًا مستحليًا له.
{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق. " انتهى.
"تفسير السعدي" (749) .
وفي صحيح مسلم (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) .
نسأل الله أن يصلح ذات بينكم، وأن يهدينا سواء السبيل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/52)
خطبها شاب يدرس ويقيم في أستراليا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لفتاةٍ مسلمة التزوج من شخص مقيم في استراليا، وهو مولود هناك، وقد أنهى دراسته هناك، ويقوم الآن بتحضير الدكتوراه، وقد تمت خطبته لتلك الفتاة، وسيتزوجان بعد عامٍ من الآن؛ فهل يجوزُ لها السفر والإقامة معه في هذا البلد - ولا يخفى على سماحتكم ما في هذه البلاد من قبحِ -! مع العلم بأنها ليست ملتزمة بتعاليمِ الدينِ كاملةً، ومثلها هذا الرجل - أو أقل - فلو تكرمتم علينا بالإفادة، وبماذا تنصحون أهلها الملتزمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا بشروط: أهمها كون المقيم ذا دين يحجزه عن الشهوات، وذا علم يعصمه من الشبهات، وأن يتمكن من إظهار شعائره، وأن يأمن على أهله وأولاده، وينظر تفصيل ذلك في الجواب رقم (95056) ورقم (89709) .
ثانيا:
لا يخفى أن الفتاة أمانة في يد أوليائها، وعليهم أن يزوجوها ممن يحفظ دينها وكرامتها، وأن يكون ذلك مقدما على المال والجاه وغيره، فإن الدين إذا فقد لم يعوضه شيء. ولا ينبغي لهم الموافقة على هذا الشاب، أو غيره، حتى يتأكدوا من استقامته وبعده عن أسباب الفسق والانحراف، وأن يشترطوا عليه إلزام زوجته بالحجاب، وتمكينها من تعلم دينها وتطبيقه، والاحتكام إليه عند حدوث الخلاف، والارتباط بجالية والجماعة المسلمة في ذلك البلد، فإن يد الله مع الجماعة، ولا يأكل الذئب من الغنم إلا القاصية.
فإن خشي أولياؤها عليها من سفرها أن تضيع دينها، وغلب على ظنهم ذلك من خلال معرفتهم بها، لم يجز لهم تزويجها لمن يسافر بها إلى تلك البلاد، لأنهم مسئولون عما تحت أيديهم من الرعية. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا) رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
ثالثا:
الذي نراه وننصح به الأهل، في خصوص هذه الزيجة المسؤول عنها: أنه إذا كان من نية هذا الشاب أن ينتقل إلى العيش في بلده الأصلي، أو غيره من البلاد الإسلامية، فلا بأس أن يزوجوه، بعد الانتباه إلى ما ذكرناه سابقا من النصائح، والاطمئنان إلى أن الرجل محافظ على صلاته، متمسك بدينه، يغلب على الظن أنه سيحافظ على أهله ويمنعهم من اقتراف المنكرات والانغماس في باطل تلك المجتمعات، مدة مقامهم فيها.
وإن لم يكن من نيته أن يعود إلى بلاد المسلمين، بل حاله كحال أغلب من يعيش في هذه البلاد، ويطلب الدنيا فيها: فلا نرى لهم أن يغرروا بابنتهم، وينقلوها إلى العيش في هذه البلاد، خاصة مع ما ورد في السؤال من قلة حصانتها، وحصانته هو أيضا، فكيف سنأمن عليها من فتن هذه البلاد؛ بل كيف سنأمنها هي على ذريتها المنتظرة، أن تساعد في المحافظة عليهم من التحلل في هذه المجتمعات، والانسلاخ العملي من الدين وأحكامه وأخلاقه؟
وبإمكان هذا الطالب، ما دام يريد العيش والاستقرار في هذه البلاد: أن يختار من أبناء الجالية المسلمة عنده، والذين قد لا يتاح لهم الانتقال إلى العيش في بلاد إسلامية: أن يختار من هذه الجالية من تصلح له زوجة، وتألف معه المجتمع الذي يعيشون فيه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/53)
تزوجها بعقد غير موثق بمحكمة وأفشت سرَّ زواجها لنسائه فطلقها وطلب إجهاض الجنين!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من إنسان متدين، ملتزم، تزوجني سرّاً عن أهله لأنه متعدد الزوجات، تنازلت عن حقوق كثيرة احتراماً لرغبته بالحفاظ على السر، فصرت أجد صعوبة في الاتصال به، وأنا في مدة سنة زواج لم أره إلا 24 يوماً، وأخيراً قررت إخبار زوجاته، وأهله؛ لعلهم يتعاطفون، ويتعاونون، فحدثت الفاجعة، وأنا حامل في الشهر السادس إذ طلقني زوجي في رسالة عبر الهاتف، ولم أجد آذاناً صاغيةً للحق، بل أكثر من هذا: طلب مني زوجي إسقاط ما في بطني! . فما قول الشرع في هذا؟ أنا ضائعة خصوصا أن عقد الزواج لم يكن مسجلاًّ رسميّاً، فقط كان شرعيّاً على يد والدي، وشاهدين، أقول حسبي الله أنا لم أفعل شيئاً سيئاً بإخبار أهله لأني ظننتم يتفهمون، لكن صار العكس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أخطأ والدك خطأً كبيراً بموافقته على إجراء العقد عرفيّاً من غير تسجيل رسمي، وقد بينَّا مراراً أن مثل هذا العقد وإن كان شرعيّاً من الناحية النظرية: إلا أنه يترتب على عدم توثيقه بالمحاكم الشرعية أضراراً عظيمة، ومفاسد جمَّة، ومن أهمها: عدم نسبة الأولاد إلى أبيهم بوثاق رسمية، ومنها عدم حفظ حقوق المرأة المالية، من المهر، والميراث، وغير ذلك مما لا يخفى على عاقل.
وانظري جوابي السؤالين: (45513) و (45663) .
ثانياً:
الطلاق يقع بكل ما يعبِّر عنه المطلق، نطقاً، أو كتابة، أو إشارة إن كان أخرس، والرسالة المبعوثة من الزوج بالجوال وفيها طلاقه لزوجته: يقع بها الطلاق، بشرط ثبوت أنه هو صاحب هذه الرسالة، وأنه أرسلها باختياره دون إكراه.
وانظري أجوبة الأسئلة: (70460) و (36761) و (20660) .
ثالثاً:
يعتقد كثير من العامة أن طلاق الحامل لا يقع، وهذا ظن فاسد، واعتقاد باطل، بل طلاق الحامل شرعي، وموافق للسنَّة.
وانظري أدلة ذلك، وأقوال العلماء في جواب السؤال رقم: (12287) .
وعليه: فبما أن زوجك قد أقرَّ أنه أرسل تلك الرسالة، وأنه يعلم ما فيها، وأنه يقصد معناها: فقد وقع عليكِ طلاقه، وتُحسب عليكِ طلقة، وأنتِ ـ الآن ـ في عدة الطلاق حتى تضعي ما في بطنك؛ لقوله تعالى: (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/ من الآية 4، وهذه العدة تشمل المطلقة، والمتوفى عنها زوجها.
ويترتب على الطلاق هذا: أن تبقيْ في بيت الزوجية، وأن لا تخرجي منه باختيارك، كما لا يحل له إخراجكِ منه؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/ 1.
وهو أحق بردك إلى عصمته أثناء حملكِ، كما في قوله تعالى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) البقرة/ من الآية 228.
رابعاً:
أما طلب زوجكِ منكِ إسقاط الجنين وأنت في الشهر السادس من الحمل: فهو طلبٌ منكر، ولا يحل لكِ مطاوعته على ما أراد، وهو قتل نفسٍ بغير حق، وفيه الإثم، والدية، وهي هنا دية جنين، قيمة عبدٍ أو أمَة، ويقدِّرها العلماء بعُشر ديَة أمِّه، والكفارة وهي صوم شهرين متتابعين، وتشتركان ـ أنتِ وزوجكِ ـ في الإثم، والدية، وعلى كل واحدٍ منكما صوم شهرين متتابعين، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (40269) ، فلينظر.
فاحذري من إجهاض جنينك، واتقي الله في فعل ما لا يحل لكِ شرعاً، وخوفيه بالله تعالى، واعلمي أنه ليس له طاعة عليك هنا؛ لأن ما يرغب به معصية، ولا طاعة لأحدٍ في معصية الله تعالى.
واحرصي على توسيط والدك، أو من ترينه من أهل العقل والحكمة، بينك وبينه، ليرجعك إلى عصمته قبل فوات الأوان، وإذا حصل هذا: فاحرصي ـ أنت ووالدك ـ أشد الحرص على توثيق عقد الزواج في محكمة شرعية، ولو ترتب عليه مشاق، وصعاب.
فإن أبى إلا الطلاق: فاصبري على هذا الابتلاء، وفوضي أمرك إلى الله، ولا تبتئسي، فلعلَّ الله تعالى لك في ولدك الذي في بطنك، وأن يرزقك زوجاً خيراً منه. وقد قال الله تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) النساء /130.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/54)
كيف يتصرف مع أهل زوجته الذين يفعلون المعاصي الظاهرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي هو أن لزوجتي أختين متبرجتين ومبتعدتين تماماً عن الدين، باستثناء الصيام - على حد معرفتي في رمضان الماضي - لكنهن كثيرات السهر، ويتصرفن برعونة تامة، ويتعارفن مع الشباب عن طريق الإنترنت، والهواتف النقالة، وعن طريق الخروج الكثير، وغير المسئول من المنزل، وأنا أكرههما، لكني أعاملهما بالمعروف، وبدأت أتقصد في معاملتي معهما بشكل رسمي وفظ مؤخراً، من خلال عدم السلام باليد؛ لأنه ينقض الوضوء، وعدم النظر إليهنَّ لأنهنَّ غير مستورات بالكامل، وهذا منافٍ لقواعد الدين وشرعه، الذي يأمر بغض البصر، وأنا الآن في حيرة، هل أقطع علاقتي بهنَّ نهائيّاً وأمنع زوجتي من مكالمتهن، علماً بأن زوجتي هي أختهم الكبيرة، وهنَّ يعشنَ مع والدتهن بالقرب منَّا، وأبوهنَّ خارج البلاد، وأخوهن الوحيد خارج البلاد أيضاً؟ وهذا سبب حيرتي لأنهن نساء يعشن وحدهن دون رجل، ويعاملنني بلطف، ويخفن من زعلي، لكن عندما أنصحهن بالخير لا يستجبن، وأمهن التي هي حماتي لا تساعد على تربيتهن، وتقول لي إنهن بحاجة للخروج ليراهن الناس ويتزوجن! ، وأنا أخاف الله من قطعهن، لكني عاجز عن التحمل؛ نظراً لأن سمعتهن ساءت كثيراً، وهذا يؤثر على زوجتي المحافظة، وعليَّ أيضاً، وأكره المجاهرة بالمعاصي، وعدم الالتزام بشرع الله، فما العمل جزاكم الله خيراً؟ وهل يجوز أن نقاطعهن ـ تأديباً ـ لفترة شهر أو شهرين؛ علماً أنني قلت لحماتي بأنني غير راضٍ فغضبت وقالت: إذا قاطعتهن سوف أقطع علاقتي بابنتي - التي هي زوجتي -، وهذا سبب آخر يمنعني، لكن - والله شاهد على ما أقول - فهم توسعوا في المعاصي، والخطأ، دون أن يصلوا لحدِّ الكبائر، وأيضاً: حماتي غير ملتزمة دينيّاً، لكنها تصوم، وتتكاسل في أغلب الأحيان عن الصلاة، وعندما ننصحها تغضب وتقول: لا أحد يتدخل بيني وبين بناتي، الله وحده يحاسبنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأصهاره خيراً، وهذا من عظيم أخلاق الإسلام، ومع كون أصهار المسلم ليسوا من أرحامه، إلا أنه بسبب عقد الزوجية جُعل لأهل زوجته حق عليه بالعناية بهم ورعايتهم.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً - أَوْ قَالَ: ذِمَّةً وَصِهْراً -) .
رواه مسلم (2543) .
قال النووي – رحمه الله -:
وأما الذمَّة: فهي الحرمة، والحق، وهي هنا بمعنى الذمام، وأما الرحم: فلكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصهر: فلكون مارية أم إبراهيم منهم.
" شرح مسلم " (16 / 97) .
وكما نلحظ فإن الحديث ليس فيه الوصية بأهل الزوجة مباشرة، بل بأهل بلدها، بل لم تكن مارية رضي الله عنها زوجة للنبي صلى الله عليه، بل كانت أمَته، وأم ولده إبراهيم، فالوصية بأهل الزوجة مباشرة أولى بالاهتمام والعناية.
ثانياً:
مع هذا فإن على المسلم أن يراعي حرمة الشرع، وأحكامه، وأنه إن كانت صلته بأهل زوجته مما يسبب له فتنة لنفسه، أو فساداً لزوجته وأولاده، أو طعناً في دينه وعرضه: فإن عليه أن يحتاط لذلك، ويجب عليه السعي نحو الحفاظ على ما أولاه الله تعالى من مسئوليات، ولو كان في ذلك قطع للعلاقة مع أهل زوجته المفسدين، أو هجر لهم بسبب خوفه على نفسه أو على زوجته وأولاده.
والذي يظهر لنا من خلال سؤالك أخي السائل أن بيت أصهارك ليس مما ينبغي لك الأسف عليه إن استمر حالهم على ما وصفتَ بعد النصح والتذكير، وأن بقاء الأمر على ما هو عليه قد ينعكس أثره السلبي على بيتك وأسرتك، فالرائحة المنتنة، حين تفوح، تشمل المكان كله، وسوء السمعة الذي تحدثت عنه: لن يقتصر أثره علي الفتاتين فقط؛ بل أنت وزوجتك وأولادك في الواجهة أيضا.
فاحذر أشد الحذر من التهاون في النصح، والوعظ، وإن رأيتَ ذلك غير مجدٍ، ورأيت أحوال الأختين على ما هي من السوء الذي وصفتَ: فننصحك بشدة أن تتخذ موقف الهجر من ذلك البيت، ولو أدى لقطع علاقة حماتك بابنتها، مع أننا نجزم أن كلامها فارغ، وأنها لن تصبر على ابنتها وأحفادها، بل يمكنك جعل ذلك ورقة " ضغط " عليها؛ لتصلح من حالها، وحال ابنتيها.
على أننا ننصحك، قبل أمر الهجر، وقطع العلاقة بهاتين الفتاتين وحماتك: أن تقوم بإعلام والدهما وأخيهما، المسافرين إلى الخارج، بحقيقة الحال، وأن تقنع الوالد بضرورة عودته، وبقائه في وسط أسرته، ونهوضه بمسؤوليته الواجبة نحوهما. فإن أبى فلتكن المحاولة مع أخيهما، فهما المسئولان ـ حقيقة ـ عن تلك الرعاية والقوامة على البنتين.
وقد يكون من الأنسب في هذه الظروف: أن تكون زوجتك هي التي تقوم بإيصال هذه الرسالة إلى والدها وأخيها. فإن لم تستطع، فمن الممكن أن يقوم بذلك ناصح أمين، ممن تعلم ـ يقينا ـ أنه على معرفة بحقيقة الحال.
ثالثاً:
ليس ما ننصحك به هو من الهجر المحرَّم، فنحن أولاً قلنا بوجوب النصح والوعظ، ثم قلنا إن مثل تلك المعاصي التي تفعلها شقيقات زوجتك من شأنها أن يكون لها أثر سيء عليك وعلى أهل بيتك، وهذا موجب للهجر بالإجماع.
قال ابن عبد البر – رحمه الله -:
وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته، وصلته: ما يفسد عليه دِينه، أو يولِّد به على نفسه مضرة في دينه، أو دنياه، فإن كان ذلك: فقد رُخِّص له في مجانبته، وبُعده، وربَّ صرْمٍ جميلٍ خيرٌ من مخالطةٍ مؤذيةٍ.
قال الشاعر:
إذا ما تقضي الودُّ إلا تكاشرا ... فهجر جميل للفريقين صالح
" التمهيد " (6 / 127) .
رابعاً:
ننبهك إلى ما لحظناه من خلال سؤالك أن علاقتك بشقيقات زوجتك فيها مخالفات شرعية، من حيث النظر، والخلطة، والمصافحة، وما ذكرته عن المصافحة من أنك امتنعت عنها من أجل نقض الوضوء: غير صحيح، بل هي محرَّمة لذاتها، وهي لا تنقض الوضوء بمجردها، وانظر جواب السؤال رقم (8531) .
وخطأ آخر: وهو ظنك أن شقيقات زوجتك لم يفعلن شيئاً من الكبائر! ويبدو أن الكبيرة عندك هي " الزنا "! فحسب، وهذا خطأ، ووجه ذلك: أن تبرجهن، وعلاقتهن برجال أجانب من الكبائر، وتركهن الصلاة ليس من الكبائر فحسب، بل هو من الكفر المخرج من الملة.
خامساً:
والخلاصة:
1. انصح لأم زوجتك وأخواتها بتقوى الله والالتزام بطاعته، في الصلاة، والحجاب، وترك المحرمات، من التبرج، ومصاحبة الأجانب.
2. خفف من زيارتك لبيت حماتك، وعلل ذلك بما هم عليه من حال لا يُرضي.
3. إن لم يُجد ذلك، وتسبب لك علاقتك بهم وزيارتك لهم بالطعن في دينك وعرضك، أو بخوفك على زوجتك وأولادك أن يُفتنوا بهم: وجب عليهم هجرهم، حتى ينصلح حالهم.
4. داوم أنت وزوجتك على الدعاء لأصهارك بالهداية، والتوفيق لما يحب ربنا ويرضاه.
6. وعليك الالتزام بالضوابط الشرعية في العلاقة مع الأجنبيات، حتى لو كن من أقربائك، أو أصهارك، وانظر جواب السؤال رقم: (1121) ففيه تفصيل مفيد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/55)
نصائح وتوجيهات لمن لا يطيق الاختلاط بالناس ويفضِّل المكوث في البيت وحده
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أطيق الاختلاط بالناس، وأفضِّل الوحدة، وأشعر بحالة نفسيَّة سيئة عندما أختلط بالآخرين، الرسول عليه الصلاة والسلام يأمر بالصلاة في المسجد، ماذا أفعل؟ أفضل عدم الصلاة على الصلاة في المسجد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس الأمر الذي أنت فيه أخي السائل متعلقّاً بالصلاة في المسجد فحسب، بل يتعلق بواجبات محتمات عليك، توجب عليك الخروج من البيت، كصلة الرحم، والتكسب من أجل لقمة العيش، وطلب العلم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فحقيقة الأمر: أن الخلطة تارة تكون واجبة، أو مستحبة، والشخص الواحد قد يكون مأموراً بالمخالطة تارة، وبالانفراد تارة. وجماع ذلك: أن المخالطة إن كان فيها تعاون على البر والتقوى: فهي مأمور بها، وإن كان فيها تعاون على الإثم والعدوان: فهي منهي عنها، فالاختلاط بالمسلمين في جنس العبادات كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين وصلاة الكسوف والاستسقاء ونحو ذلك: هو مما أمر الله تعالى به، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الاختلاط بهم في الحج، وفي غزو الكفار، والخوارج المارقين، وإن كان أئمَّةُ ذلك فجاراً، وإن كان في تلك الجماعات فجَّارٌ.
وكذلك الاجتماع الذي يزداد العبد به إيمانا: إما لانتفاعه به، وإما لنفعه له، ونحو ذلك.
" مجموع الفتاوى " (10 / 425) .
وبه تعلَم أن ما أنت عليه من حال فهو غير مرضي عنه عند رب العالَمين، واوجب عليك إعادة النظر في حالك، وأن تعلم أن ما أنت فيه إنما هو تلبيس من الشيطان، يحسِّن لك حالك، ويزين سوء عملك، فاحذره، وانتبه لمكائده، وأعدَّ العدَّة لمحاربته، وثق بربك في الانتصار عليه.
ثانياً:
إذا كنتَ تشعر بنفسية سيئة في اختلاطك بالناس؛ فإننا نجزم أن أنك لن تكون أحسن حالا في وحدتك، وعزلتك، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وإنما يتسلط الشيطان على أصحاب الوحدة الذين لا يجدون أعواناً يعينونهم على طاعة ربهم، ولا أنصاراً ينصرونهم على الشيطان وجنوده، وحتى لو كنتَ تجد في مخالطتك للناس أذى: فإن تلك المخالطة إن كان معها صبرٌ: فإنها خير من عدمها، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على من يختلط بالناس ويصبر على أذاهم.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ) .
رواه الترمذي (5207) وابن ماجه (4032) .
ثم إن العزلة التي أنت فيها ليس عندك من أسبابها شيء، ولا لديك – فيما يظهر لنا – من مقوماتها ما نشجعك به عليها، مع اعتبار أننا أية عزلة يترتب عليها ترك الجمع والجماعات: فهي غير مقبولة، ولا نشجع عليها.
فمن أسباب العزلة: فساد الناس بالكلية، وعدم وجود أنصار على الحق، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وعدم نفع النصح في الناس، وكل هذا غير موجود – بفضل الله – في المجتمعات المسلمة، بل الكافرة، فها نحن نسمع عن آلاف يدخلون دين الله من الكفار كل حين، ونسمع عن مثلهم من العصاة السالكين درب الهداية، بل إننا لنجد الناس عطشى لمن يروي ظمأهم، وجوعى لمن يطعمهم، من الخير والهداية.
وأما مقومات العزلة التي نجدها مفقودة عندك: فهي العلم الشرعي، فها أنت تقدِّم العزلة على الخلطة الواجبة، وها أنت تفرط في واجبات شرعية بسبب عزلتك تلك، فأين العلم الشرعي الذي تحمله حتى نقول لك اعتزل الناس وتفرغ لطاعة ربك، والحفاظ على دينك؟! ومن هنا قال قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: " فالعزلة إنما تنفع العلماء، العقلاء، وهي من أضر شيء على الجهَّال، وقد روِّينا عن إبراهيم أنه قال لمغيرة: " تفقَّه؛ ثم اعتزل ".
انظر كتاب " العزلة " للخطابي (ص 225) .
ثالثاً:
وبما أنك راسلتنا – ونحن نشكرك على هذا – فهذا يعني أنك ـ إن شاء الله ـ ما زلت تمسك بطرف الخيط، ومبدأ الطريق الصحيح لخروجك من الوحدة القاتلة، وأنت قد دخلت في عالم " الإنترنت " وهو أوسع بملايين المرات من عالَمك الصغير الذي هجرتَه، وفي هذا العالَم الفسيح من الشر والسوء أضعاف أضعاف ما في عالَمك المهجور، فكن على حذرٍ منه، فكم تسبب في فتنة صالح، وكم تسبب في السوء لامرأة فاضلة عفيفة.
فاحرص على القيام بما أوجب الله عليك من الطاعات، وعلى رأس ذلك: صلاة الجماعة في المسجد، وتجد في جواب السؤال رقم (120) الأدلة على ذلك الوجوب، كما عليك أن تقوم بالكسب المباح المشروع لتحفظ كرامتك من سؤال الناس، وتنجو من منَّتهم، وتقوم ببر والديك والعناية بهما، وإعانتهما بشراء ما يحتاجانه، أو توصيلهما لمكان يرغبان الذهاب إليه، وتقوم بصلة أرحامك.
واعلم أنه لن تخلو الدنيا من كدَر، وهمٍّ، وغمٍّ، وإذا أردت مكاناً ليس فيه شيء من هذا، مع سعادة تامة، وهناء بالغ، ورغد عيش، ورضوان من الله: فذلك تجده في جنة الله في الدار الآخرة، فاعمل لذلك اليوم، وتخلص مما يكدرك في الدنيا بالتخفيف منه، وسؤال الله الإعانة عليه، واعلم أن الوحدة ليست إلا خلوة بالشيطان، وليس يستكثر الإنسان فيها إلا الهموم والغموم، ألا ترى أن عقوبة الحبس هي أليمة على الحر؟! وآلم منها " الحبس الانفرادي " فكيف ترضى لنفسك ما يبذل المساجينُ من أجل الفكاك منه الغالي والنفيس؟! .
نسأل الله تعالى أن يهدي قلبك للحق، وأن يأخذ بيدك لسلوك طريق الصالحين من عباده، والذين لولا أن قيضهم الله تعالى للاختلاط بالناس وإقامة الطاعات لما عرفنا نحن وأنت الإسلام، ولا تشرفنا بالانتماء إليه، فكن جنديّاً من جنود الإسلام، وارفع سلاحك في وجه شيطانك، وعوِّض ما فاتك من أيام بالعمل الدؤوب، والطاعة المتينة.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/56)
فعل اللواط مع شاب وتاب فهل يجوز له أن يتزوج أخت هذا الشاب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعرف كيف أبدأ بسؤالي، ولكن أتمنى بأن تقبل سؤالي بكل صدر رحب، أنا شاب أبلغ من العمر 25 سنه، وعملت اللواط مع أحد أقربائي قبل 10 أو 11 سنة تقريباً، والحمد لله تبت من هذا الفعل. سؤالي: هل يجوز بأن أتزوج شقيقة الملوط فيه؟ علماً بأنه تقدم والدي لخطبة البنت لي، ولكن خطبة غير رسمية، ووالدي ووالدتي يرغبون بأن أتزوجها، وأنا رافض لهذا السبب. وأرجوا من فضيلتكم بالرد على سؤالي، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن تكون توبتك صادقة، وأن يكون عندك من الندم ما تمتنع معه من معاودة تلك الفاحشة القبيحة، ومن العزم الأكيد ما تجزم به أنه لن يتكرر ذلك الفعل الشنيع، وفاحشة اللواط جريمة كبرى، وعقوبتها القتل، وقد عذَّب الله تعالى قوم لوط بما لم يعذِّب به أحداً من العالَمين، فقد قلب ديارهم عليهم، وخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم.
وانظر أجوبة الأسئلة: (5177) و (27176) و (38622) .
ثانياً:
وأما بخصوص نيتك التزوج بأخت قريبك ذاك الذي فعلتَ معه الفاحشة: فإن فعلك المحرَّم لا يحرِّم عليك الزواج بها، ولا نعلم خلافاً في ذلك بين أهل العلم، وإنما الخلاف بين العلماء هو هل تحل لك أمه وابنته أم لا.
وانظر جواب السؤال رقم: (78597) .
وأما مسألتك هذه فتختلف عما ذكرناه مما وقع فيه اختلاف بين العلماء؛ ولا نعلم أحدا من أهل العلم قال بتحريم النكاح في الصورة التي ذكرتها.
على أننا ـ في واقع الأمر ـ لا ننصحك بذلك، ولا نحبه لك؛ بل من تمام توبتك: أن تقطع كل حبال هذه القاذورة القديمة، وأن تبتعد عن كل شيء يذكرك بها، أو يحتمل أن يردك إليها، ولو يوما ما.
ثم إن علاقة المصاهرة أمرها عظيم، وقد امتن الله تعالى بها على عباده، فقال: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً) الفرقان /54.
وهذا الشخص الذي ذكرته سوف يكون من أصهارك، وخالا لأولادك إن شاء الله، ومثل هذه الروابط تحتاج إلى قدر كبير من الاحترام المتبادل بين الطرفين، وهو أمر نشك في وجوده مع هذا الماضي بينكما، وهو أمر لا يمكن نسيانه.
فالخلاصة أنه: من ناحية الحكم الشرعي: فيجوز لك الزواج بهذه الفتاة، غير أننا لا ننصحك به، ولا نحبذه لك، والنساء سواها كثير، وبإمكانك رفض هذا الزواج بألف طريق وطريق، من غير أن تهتك ستر نفسك، أو ستر الطرف المشارك لك.
نسأل الله أن يمن علينا جميعا بالتوبة النصوح، وأن يسترنا في الدنيا والآخرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/57)
زوجته تعذب ابنته من غيرها، وله منها ولد، ومحتار في التصرف معها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت بعد طلاقي بسنتين، وأخبرت زوجتي الثانية أن عندي بنتاً، أرجو أن تحتسب الأجر بتربيتها، ولكنني فوجئت بمعاملتها الأكثر من سيئة لابنتي، وكانت تعذبها، ومرة أوقعتها أرضاً، وجرحت وجهها - كان عمرها سنتين - وتهددها دائماً بحجة أن البنت لا تستطيع إمساك نفسها عن قضاء حاجتها، نتيجة لهذا تولد لديَّ كره، وحقد، عليها، وطلقتها مرتين، ولي منها ولد عمره سنة ونصف، لم أعد احتمل لؤمها مع ابنتي، خاصة أنني في غربة بعيد عن أهلي، وأمي كبيرة في السن، لا تقوى على تربية ابنتي، وأمها تركتها لي وعمرها ثلاثة أشهر، واليوم رجعت للبيت ووجدتها تقول لي: قد أحرقت رجل ابنتك وبطنها بملعقة سخنتها على النار لكي تتعلم أن تدخل الحمام لوحدها ولا تقضي حاجتها - أكرمكم الله - في الغرف، لقد تعبتُ، وحياتي كلها قلق، وخوف، على ابنتي - التي بلغت الآن أربع سنين ونصف - حيث لم أعد أثق بهذه المرأة، ولكنني أفكر بهذا الطفل المسكين. دلوني إلى هدي الشرع، وانصحوني، حفظكم الله، فقد عييت، ومرضت نفسيّاً، وجسديّاً جراء ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن مسلسل معاناتك مع تلك المرأة سيستمر فيما يبدو، والقائمة التي ستسوِّدها بسوء أفعالها ستطول، ولن يقف الأمر عند حدٍّ معيَّن تنتهي عنده من تلك الأفعال القبيحة بابنتك الصغيرة، والتي لو كانت بهيمة ما حلَّ لها أن تفعل ما فعلته بها.
وإننا لنجزم أنه لو كان ابنك منها يعاني مثل ما تعاني ابنتك من عدم قدرته على قضاء حاجته وحده: ما رأيتَ تلك المعاملة السيئة له كما هو الحال في معاملتها لابنتك، وهذا – للأسف – يكثر في زوجات الآباء، ويعاني منه كثيرون وكثيرات.
والذي ننصحك به هو:
أنك تقف مع الأمر وقفة جادة وسريعة، وتحاول غرس معاني الحب، والرحمة، والعطف، في قلبها، لعلها أن تنتهي عما هي فيه؛ فإن أفلحتَ في هذا ونجحت: فقد تم لك ما تريد، وأبقها في عصمتك.
وإن لم ينجح معك هذا الأمر: فليس أمامك إلا الطلاق، ولم ننصحك بالقسوة، والشدة؛ لأن من شأن ذلك أن يزيد من غيظها على ابنتك، فتتفنن في إيذائها، مع إخفاء معالم جرائمها، ولذا فإن لم تستجب لك وتغيِّر من سلوكها، وتحسِّن من أفعالها باللين، والإقناع: فليس من حلٍّ توقف معاناتك به إلا الطلاق، والآن خير من غدٍ، وها أنت تشعر بعذاب ابنتك، وتسمع أناتها، وترى جرح وجهها وحرق رجلها وبطنها، ومع ذلك تقف حائراً؛ لوجود ابنٍ لك منها: فكيف لو كثر الأولاد إذن؟! .
على أننا ـ لا نخفيك سرا ـ ونصارحك أن مثل هذه المرأة التي طلقتها مرتين، ولم تنته عن ظلمها وعدوانها، لا يرجى منها كثير صلاح، ولا ينتظر منها أن تحسن إلى ابنتك؛ إن الرحمة لا تزرع بالتهديد، أو الوعيد، في قلب من حرمه الله منها.
فإذا فكرت في طلاقها الثالثة، أو بدت منك علامات لذلك، فلا تترك ابنتك معها، بل اجعلها عند أحد من أقربائك، أو الثقات من جيرانك وأصدقائك؛ فلعلها أن تنتقم منها بسبب طلاقك لها، ونحن لا ندري كيف ستواجه هي الأمر؛ فالنساء يختلفن، ولذا نخشى على ابنتك منها؛ ومثل هذه المرأة فراقها لا يؤسف عليه.
نسأل الله أن يفرج كربك، ويكشف همك، ويأجرك في مصابك، ويبدلك خيرا منه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/58)
تزوجت بأمريكي أعلن إسلامه ثم ترك الصلاة وأنكر خلق الله للسماوات، فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة من دولة خليجية، ومتزوجة من أمريكي، أعلن إسلامه حينما تزوجنا، والآن لا يصلي، ولا يريد الكلام عن أي شي يخص الإسلام، ولي أربعة أطفال، وأنا أعلمهم شيئاً، وهو لا يهمه ولا شيء، لقد زنا! وقال لي: بأني لا أعني له أي شيء، وأصبح لا يقترب مني، أنا أعلِّم أبنائي القرآن والصلاة، ولكنهم يسألوني: لماذا نحن نصلي وأبونا لا يصلي؟! وفي يوم من الأيام جلسنا مع زوج ابنتي وزوجي، ووجدت بأن زوجي لا يؤمن بأنه الله هو الذي خلق السماوات والأرض، خائف كثيراً من اتخاذ قرار الطلاق لأني لا أعمل! وأهلي قالوا لي: أنتِ التي اخترت فعيشي حياتك، وقرري ما هو صالح لك، حاولت الكثير مع زوجي، ونصحه، ويرفض الاستجابة، لي سنة وأنا أحاول، وأعلم بأنك سوف تقول لي: لماذا الآن قررت؟ لأني تعبت كثيراً من غضب ربي، وأن أعمل شيئاً لربي. أرجوك، ثم أرجوك، أريد منك المساعدة، أبكي ليلاً، ونهاراً، أريد الهداية، ورضى ربي، أسعفني، أرجوك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك، ويجعل لك من ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً.
ثانياً:
لا يجوز للمسلمة أن تبقى في عصمة كافر، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الممتحنة/10.
وإذا كان العلماء اختلفوا في تارك الصلاة، هل يكفر أم لا؟ ، فلم يختلفوا في أن من أنكر أن الله خلق السماوات والأرض أنه كافر.
وإذا ارتد المسلم انفسخ نكاحه من امرأته المسلمة، فإن رجع إلى الإسلام فهما على نكاحهما، وإن انتهت عدتها وهو مصر على الردة، ملكت أمر نفسها، ولها أن تتزوج بغيره إن شاءت.
وعلى هذا؛ فإن أصر زوجك على ما هو عليه فقد انفسخ النكاح بينكما شرعاً، ولم تعودي زوجة له.
وعليك أن تسعي للتخلص من هذا الزواج بكل طريقة.
إما بالطلاق أو الخلع وإما بغير ذلك.
واحذري من جعل الأولاد عائقاً بينك وبين فراق هذا الرجل.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"وكثير من النساء - والعياذ بالله - يمنعهن وجود الأولاد عن طلب الفسخ، وهذه مسألة عظيمة، فيقال: افسخي النكاح، ولا يجوز أن تبقي مع هذا الكافر الذي لا يصلي، وأولادك لن يفارقوك ما دام أبوهم على هذه الحال، فلا ولاية له عليهم، فالكافر لا ولاية له على مؤمن: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) النساء/141، فلن يفرق بينك وبين أولادكِ، وأما هذا الزوج: فلا خير فيه، زوج كافر تتركيه يستحل منك ما يحرم! هذا منكر عظيم" انتهى.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (12 / 250) .
وننصحك بعرض قضيتك على المراكز الإسلامية عندكم، وعلى المسلمين، واطلبي منهم المساعدة، فهم أعلم منا بكيفية مواجهة مثل هذه المشكلة، بحكم وجودهم في تلك البلاد.
ونحن نعتب على أهلك موقفهم منك، ونفهم من سؤالك أنك اخترت هذا الزوج والعيش مع معه دون رغبة أهلك، وهذا خطأ عظيم منك، وقد دفعت ثمن ذلك، ولكن لا يعني هذا أن يتخلى أهلك عنك، فكرري الاتصال بهم، ووسطي بينك وبينهم أهل الخير والعقل من أقاربك ليساعدوك ويقفوا بجانبك في محنتك.
فينبغي أن تعلمي أن ما تمرين به الآن هو نتيجة أخطاء سابقة، ومن أعظمها: الزواج والسفر بدون رغبة أهلك، ثم اختيار الإقامة في دولة كافرة على الإقامة في بلاد الإسلام.
فهذه ضريبة العيش في مثل تلك الديار الخربة.
فعليك أن تسعي لمغادرة تلك البلاد دون تأخير، وترجعي إلى أهلك وبلدك، وتصطحبي معك أولادك، تربيهم على الإسلام، وتحفظيهم كتاب الله تعالى، دون أن يروا قدوة سيئة تصدهم عن الاستمرار، ودون أن توجد موانع تمنعهم من المتابعة فيما هو خير لهم.
ولذا فحقَّ لك أن تبكي ليل نهار على ما وصل إليه حالك، ولكن البكاء لا يجدي نفعاً، فبادري بالعمل، واسعي لتغيير ذلك الحال، بنقض عقد الزوجية، وعدم تمكينه منك، وبالرجوع إلى أهلك وبلدك.
ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، وأن يحفظ عليك دينك، وأن يرزقك برَّ أولادك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/59)
يدعي أنه طلقها في إغلاق ويرفض سؤال غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[أخت سألتني"هو أني تخاصمت مع زوجي وبدء يصرخ وقال لي أنت طالق طالق طالق وبعد حوالي ساعة عندما هدأ قال لي إنه كان في إغلاق ولم يقصد ما قال ولم يفكر في الطلاق أبدا وبعدها جامعني. الآن أنا موسوسة وفي اكتئاب وحيرى وقلق لا يعلمه إلا الله علما انه تلفظ بهذا في طهر جامعني فيه، واستدل بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام لا طلاق في إغلاق، علما أنه إذا كان طلاق فانه الأخير وعندي معه ثلاثة أولاد وليس لي أحد. سؤالي هو ماذا افعل أنا؟ هل أصدقه أم لا؟ وزوجي يرفض الاستفتاء ويقول بأن الإنسان يستفتي نفسه ويقول بأنه عندما تلفظ بالطلاق بأنه لم ينويه ولم يقصده وأنا مازلت موسوسة ماذا افعل وهل علي إثم إذا استمريت معه علما أن سبب المشكل الانترنت كنت دائما اشك فيه ويغضب لهذا وآخر مرة، زاد شكي أكثر عندما جئته فلم يتركني أرى وأغلق الكمبيوتر عندها صار المشكل وبعد ثلاث أيام زاد مشكل أكبر عندما ذهب في الليل إلى غرفة الكمبيوتر وأطفأ المصباح وتركني غضبت كثيرا وبعثت له ولدي ليناديه وعندما أتى تناقشت معه وصار المشكل والطلاق هذا وأنا الآن في حيرة وقلق. وإذا ناقشته غضب وقال لي أنت لا تثقين في وإذا طلبت الطلاق رسمي لن أعطيك شيئا مثل نفقة الأولاد وسكن يعيشون فيه علما أني ليس لي وظيفة ولا شيء لأنفق علي الأولاد فهم صغار. جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطلاق حال الغضب يختلف حكمه حسب نوع الغضب ودرجته، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم 45174، وحاصله: أنه إذا كان الغضب شديدا لم يدر معه الزوج ما يقول، أو كان غضبا متوسطا حمل الزوج على الطلاق، ولولاه ما طلق، فإن الطلاق لا يقع حينئذ.
وإذا ادعى الزوج وجود هذا الغضب، فأمره إلى الله تعالى، وهو أعلم بحاله.
ثانيا:
اختلف الفقهاء فيما لو طلق الرجل زوجته في طهر جامعها فيه، فذهب جمهورهم إلى وقوع الطلاق، وذهب بعضهم إلى عدم الوقوع لكونه طلاقا خلافا للسنة، وهذا هو الراجح، وينظر جواب السؤال رقم 72417 ورقم 106328.
ثالثا:
ليس لأحد أن يرفض الاستفتاء بحجة أن الإنسان يستفتي نفسه، فإن الله تعالى أمر بسؤال أهل العلم والذكر، كما قال سبحانه: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43.
والإنسان قد يحابي نفسه، ويتبع هواه، ويجري خلف الرخص لأجل ذلك، وقد يعلم شيئا وتغيب عنه أشياء، فالمخرج له أن يسأل أهل العلم.
رابعا:
ينبغي للزوجة أن تستعمل الحكمة في نصحها لزوجها، وأن تغلب حسن الظن، وتدع الوساوس، وتحمل كلام زوجها على الصدق ما أمكن، وتسعى لمصارحة زوجها وتذكيره وإعانته على الخير، والبحث عن أسباب انحرافه إن كان هناك انحراف أو أخطاء، وإشعاره بأنها الزوجة الحريصة على زوجها، لا المتصيدة لأخطائه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/60)
قطعت علاقتها معه وتفكر في الرجوع لأنه بحاجة إليها!
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن اطرح مشكلة صديقة لي، فهي لا تعرف ماذا تفعل فاختارت مشورتكم. صديقتي نشأت لها علاقة مع أحد الشباب من خلال مكالمة تلفونيه استمرت معه لأنها شعرت بحاجته إليها ولكن بعد فتره شعرت بأنها لا تبادله أي شعور وكما تقول "ما بني على باطل فهو باطل" ولكن الشاب تعلق قلبه بها وهي استشعرت خوف الله فيها ولا تريد الرجوع ولكن الكثير من صديقاتها أوقعوا اللوم عليها لأنها جعلته يتعلق بها ولكنها في تلك الفترة كانت ضعيفة ولعب الشيطان بأفكارها والآن هي تريد مشورتكم بخصوص هل ترجع له مع أنها لا تريده لا زوجا ولا حبيبا مجرد لأنه بحاجه لها ومتعلق بها وهي تشعر بالذنب لان صديقاتها قلن لها إن الله سيعاقبك لأنك لعبتي به مع أنها تابت إلى الله. أفيدونا رحمكم الله]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لامرأة أن تقيم علاقة مع رجل ولو كان ذلك عبر الهاتف؛ لما في ذلك من الفساد والفتنة ومرض القلب، وما تشتمل عليه هذه الاتصالات من الخضوع بالقول، والكلام المحرم المثير للشهوات، والمهيج على الباطل.
ونحمد الله تعالى أن بصر هذه الأخت بعيبها، وألهمها رشدها، فأدركت خطورة الأمر وشناعته، ووالله إنه لشنيع، وإنه لخزي في الدنيا والآخرة إلا أن يتغمد الله الإنسان برحمته.
فالواجب عليها قطع جميع صور العلاقة مع هذا الشاب، اتصالا أو رؤية أو غيرها، فهذا شرط لصحة توبتها، ولا عليها من كلام صديقاتها، فإنه كلام من لا يعرف حدود الله تعالى وحلاله من حرامه. إنهن يردن منها البقاء في الحرام، والاستمرار في الغواية، وليس لهن حجة في ذلك إلا ما ألقاه الشيطان في قلوبهن من كون ذلك مروءة ووفاء للفاسق المتعدي على الحرمات!
قال الله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) النساء/27.
فلتستمر في توبتها، ولتعرض إعراضا تاما عن هذا الشاب ولو هددها بالانتحار – كما يفعله كثير من الفساق اليوم – فإنها ليست مسؤولة عنه، عاش أم انتحر، وصحّ أم مرض، وإنما هي مسؤولة عن نفسها، فلتحمد الله أن صرفها عنه قبل حلول الأجل، وقبل الوقوع فيما هو أعظم مما اقترفت.
وعليها أن تختار الصحبة الصالحة، والرفقة النافعة، لا من ترضى بالعلاقات الآثمة، ولا من تحرض على العلاقات الفاجرة.
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتها، وأن يحفظها بحفظه، وأن يصرف عنها كيد صديقاتها، وأن يردها إليه ردا جميلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/61)
هددها بالانتحار إن لم تتزوجه، ثم يهددها الآن بإيذائها إن تزوجت غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أطرح لكم مشكلة وأرجو من الله أن يوفقكم لحلها: فتاة كغيرها ممن في مثل سنها غاصت فيما يسمونه الحب الشريف، وبدأت تتحدث مع الشباب وما إلى ذلك..، المهم أن الشاب الذي تتحدث هي معه حاليا أحبها لدرجة العشق وأتى لخطبتها، ولكن أهلها رفضوا لأنه يشرب المسكرات ويتعاطى المخدرات، ولكنه يقول: إنه سيتوقف بمجرد زواجه منها. وبعد أن رفضه أهلها عدة مرات حاول الانتحار أكثر من مرة، لدرجة أن اتصلت أم هذا الشاب وأخبرتها بأنها ستتسبب في مقتل ابنها. والفتاة حاليا لا تحبه..لأنها تصفه بالجنون، وتقدم لها شاب آخر ووافقت عليه، ولكن عندما سمع الأول أتاها، وقال لها: إنه سيكف عن إيذاء نفسه ويؤذيها هي، وهي تقول إنه يفعل أي شيء حتى لا تذهب لغيره. سؤالي هو: ماذا عساها أن تفعل الآن؟ هل تقبل بغيره، أم ماذا؟ وجزاكم الله عنا كل خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الجواب على هذه الفتاة أن تتوب إلى الله تعالى من تلك العلاقة المحرمة، وأن تقطع كل صلة بذلك الشاب، ولا ينبغي لها ولا لأهلها أن يقبلوه زوجا لما ذكرت من شربه المسكرات وتعاطيه المخدرات وإقدامه على الانتحار، فهذا كله يدل على الفسق والفجور وضعف الديانة، ولو كان صادقا في عزمه على الترك، لتركها من الآن.
كما لا ينبغي للفتاة أن تلتفت لقضية انتحاره أو إيذاء نفسه، فهذا أمر لا يعنيها، ولا تحاسب عليه.
ثانيا:
إذا خطبها من يُرضى دينه وخلقه فلتقبل به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فزوِّجُوه إِلَّا تَفْعلُوا تكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي (1084) من حديث أبي هريرة، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وعليها أن تخبر أهلها بتهديد ذلك الشاب ليقفوا في وجهه ويحولوا بينه وبين إلحاق الأذى بها، وننصحها أن تختار من أهلها وأقربائها ذوي الشكيمة، أو من يظهر منهم البأس والشدة، وتدعهم يتعرضون له، ويعلمونه أنهم يترصدونه، وأن يهددوه إذا فكر في التعرض لها؛ فمثل هذا يحتاج إلى من يؤدبه ويردعه. وبإمكانها أن تبلغ عنه السلطات إن كان ذلك ممكنا في بلدكم؛ فإما أن يتخذوا معه إجراء ملائما، أو على الأقل أن يأخذوا عليه تعهدا بعدم التعرض لها.
نسأل الله أن يصرف عنا وعن سائر المسلمين المحن والفتن، ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/62)
منعها أهلها من الكلام مع صديقتها لعلاقتها بأخيها ثم تزوجت فهل تكلمها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت في أيام المدرسة اقترفت ذنبا وصحبت شابا وكان اخو رفيقتي وهي ليس لها علاقة وكانت بريئة من ذنبي المهم عندما علم أهلي بالموضوع منعوني من التحدث معها والآن أنا قد تزوجت فهل يجوز لي أن أتكلم معها علما بأنني عندما اكلمها نتحدث حديثا عاديا بعيدا عن موضوع ذلك الشاب جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان كلامك مع صديقتك لا يترتب عليه مفسدة كمحاولة أخيها الكلام معك أو الاتصال بك ونحو هذا، فلا حرج في الكلام معها؛ لأن المنع إنما كان لأجل المفسدة المترتبة، وينبغي أن يقتصر الأمر على الكلام دون زيارتها، والأولى أن يكون ذلك بعلم أهلك، فربما علموا شيئا تجهلينه، وصحبة بعض الناس قد يترتب عليها تشويه السمعة أو إساءة الظن أو وصول خبر تلك العلاقة إلى الزوج.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى، وصرف عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/63)
ملتزمة وحافظة لكتاب الله وشيء من معاناتها مع أهله غير الملتزمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حافظة لكتاب الله، وطالبة من طالبات العلم الشرعي، وأهلي نقيض لما أنا فيه، سؤالي هو: أني أشعر بالأمانة، والمسؤولية؛ لأن كل تصرفاتي تؤخذ بعين الاعتبار بالنسبة لهم، إني لا أحب التزين كثيراً، وأحاول أن تكون زينتي بسيطة قدر الإمكان، وهم العكس، ودائماً ما يرون ذلك تشدداً، وغلظة، وأخشى أني قد أعطيتهم صورة سيئة عن قرآني الذي أحمل، ولا أعلم أيحق لي التزين والتجمل لأجذبهم ولأخبرهم بأنه لا نقيض بين الإسلام والجمال؟ هذا من جانب، ومن جانب آخر: كثيراً ما ينقمون عليَّ قلة جلوسي معهم، وعدم رغبتي في الخروج دائماً، وعدم مشاركتي لهم في الأندية الرياضية، مع العلم أني أجلس معهم وقتاً لا بأس به، ولكن سبحان الله وكأن الشيطان يؤزهم عليَّ ليفسدوا عليَّ، فما رأيكم؟ أيعقل أن أكون معهم متى ما أرادوني؛ لأكسبهم، وأدعوهم، أم أن الأولى هو استغلال وقتي فيما يعود عليَّ بالنفع الأكثر؟ العيش في بيئة مناقضة للشخص صعب جدّاً، ويتطلب ثباتاً، وصبراً، فأجزلوا لنا النصح، جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن يثبتك على الحق.
المسلم المستقيم على أمر الله تعالى بين أهلٍ يخالفونه في توجهه، ومنهجه: لا شك أنه يعاني من ذلك، وهو يعيش متقلبا بين مواجع كثيرة، فهو يحزن لما يراه من بُعدهم عن الاستقامة على شرع الله، وهو يعاني من ضغطهم عليه لينصهر في بيئتهم، ويسلك طرقهم في حياتهم، وهو يحرص على سلوك طريقة في دعوتهم تجمع بين عدم التنازل عن شيء من دينه، وبين تحبيبهم في الاستقامة، وهذه الصعوبات والمواجع يعانيها المستقيم على أمر الله تعالى إن كان رجلاً، أما إن كانت أنثى فلعل الأمر يكون أصعب، لذا نوصيك بالثبات على الطاعة، وكثرة الدعاء لك، ولأهلك، وليكن فيما تجدينه في كتاب الله الذي تحفظينه من قصص الأنبياء والمرسلين في قومهم، والدعاة والمصلحين مع الناس: أسوة، وسلوة، أسوة تقتدين بهم في صبرهم، وجلدهم، وثباتهم على الحق، وسلوة لأحزانك فيما ترينه من مخالفة أهلك للحق، وعسى الله أن يهديهم، ويوفقهم.
ثانياً:
الحكم على المستقيم على أمر الله أنه متشدد: لا ينبغي أن يكون عائقاً أمامه، بل ولا ينبغي أن يعطيه وقتاً من يومه ليتأمله، فالأوقات أثمن من أن تُصرف في تتبع الطعونات والأوصاف القبيحة التي تُلصق بمن استقام على طاعة الله، فخروج المرأة من البيت، واختلاطها بالرجال في الأسواق، والأماكن العامة، والنوادي الرياضية، والمطاعم العائلية: كل ذلك فيه من المنكرات، والموبقات، والفتن والانحرافات، وتضييع الأوقات، ما لا يخفى على أحد، فموافقة الأهل على رغبتهم، والمشي وفق هواهم في هذه الأمور هو هدم لما تبنينه، ونقض لما تعمرينه، فاحذري من موافقتهم في ذلك، ولو أدى ذلك لغضب مَنْ غضب، ولو أدى ذلك لوصفك بما تكرهين، وغالباً ما يستيقظ مثل هؤلاء عند صدمة، أو مشكلة، أو فتنة، أو قصة وقعت يعلمون معها صحة الطريق الذي تسلكين، وصواب المنهج الذي عليه تسيرين.
وانظري لمزيد بيان حول هذا: أجوبة الأسئلة: (6742) و (9460) و (9937) .
ثالثاً:
في الوقت نفسه ندعوكِ – وندعو المستقيمين على طاعة الله ممن حالهم كحالك – أن يحاولوا قدر استطاعتهم التقرب من أهليهم، ولو بفعل ما تكرهه نفوسهم، بشرط أن يكون من المباحات، فالتزين – مثلاً – مباح إذا لم يكن من أجل رجل أجنبي يراه، والأكل مع الأهل، أو صلة الرحم معهم إذا لم يكن هناك محذور في الزيارة، وغير ذلك مما أباحته الشريعة، أو استحبته: لا مانع من أن يشارك الإخوة والأخوات الملتزمون أهليهم بها، ولو كرهت نفوسهم مثل هذا؛ لأن في فعل ذلك تقرباً محموداً لقلوب أولئك الأهل، وفيه رفع التهمة عنهم بالتشدد، ورفع التهمة عن دينهم واستقامتهم، ومراعاة الأهل والناس فيما ليس فيه ترك واجب، ولا فعل محرَّم: هدي نبوي، وسنة شريفة، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: (يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ) رواه البخاري (1509) ومسلم (1333) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
فتَرَك صلى الله عليه وسلم نقضَ الكعبة، وإدخال حِجر إسماعيل فيها: خشية الفتنة، وهذا يدل على وجوب مراعاة المصالح العامة، وتقديم المصلحة العليا، وهي تأليف القلوب، وتثبيتها على الإسلام على المصلحة التي هي أدنى منها، وهي إعادة الكعبة على قواعد إبراهيم.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 345) .
وعليه: فما تجدينه في شرع الله حلالاً فعله، وترين أنه مرغوب عند أهلك أن تفعليه: فافعليه، واحتسبي فعله عنه الله إن كنت تكرهينه، واقصدي بذلك أن تؤلفي قلوبهم، وأن تقربيهم منك؛ حتى يكون ذلك أدعى أن يقبلوا منك ويكفوا ألسنتهم عنك.
واحذري من فعل الحرام، أو ترك الواجب، فاحرصي على رضا ربك ولو أسخط ذلك أهلك وأقرباءك، ولا تسخطي ربك حرصاً على رضاهم، فعن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ) رواه الترمذي (2414) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ومما يجب أن يُعلم: أنه لا يسوغ في العقل، ولا الدِّين: طلب رضا المخلوقين، لوجهين: أحدهما: أن هذا غير ممكن، كما قال الشافعي رضي الله عنه: " رضا الناس: غاية لا تُدرك، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه، ودع ما سواه، ولا تعانه ".
والثاني: أنا مأمورون بأن نتحرى رضا الله ورسوله، كما قال تعالى: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ، وعلينا أن نخاف الله، فلا نخاف أحداً إلا الله، كما قال تعالى: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، وقال: (فَلَا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) ، وقال: (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) ، (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) ، فعلينا أن نخاف الله، ونتقيه، في الناس، فلا نظلمهم بقلوبنا، ولا جوارحنا، ونؤدي إليهم حقوقهم بقلوبنا وجوارحنا، ولا نخافهم في الله فنترك ما أمر الله به ورسوله خيفة منهم، ومن لزم هذه الطريقة كانت العاقبة له كما، كتبت عائشة إلى معاوية: (أما بعد: فإنه من التمس رضا الناس بسخط الله: سخِط الله عليه، وأسخط عليه الناس، وعاد حامده من الناس ذامّاً، ومَن التمس رضا الله بسخط الناس: رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس) ، فالمؤمن لا تكون فكرته وقصده إلا رضا ربه، واجتناب سخطه، والعاقبة له، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
" مجموع الفتاوى " (3 / 232، 233) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/64)
رأت جدَّها القدوة الحسنة لها في موقف مشين مع الخادمة، فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 16 عاماً، ورأيت موقفاً من شخص كان لا يماثله أحد في نصحه، وفي توجيهه، كان قمة في الأخلاق، يغبطه الجميع بعلمه، وحكمته، هذا الشخص هو جدي، والذي يبلغ من العمر70 عاماً، رأيته في وضع مزرٍ مع خادمته، بحيث لا أعلم كيف أصف لك ما رأيت، بل أصابني الذهول، وانصدمت، ولم أتمالك أعصابي، تمنيت أن أموت ولم أر هذا الموقف، وكان الموقف الذي رأيته قد حصل تكراراً بينهم، والسؤال: ماذا أعمل؟ وماذا أفعل؟ فأنا أرحم جدتي التي هي زوجته، فهي إنسانة رائعة، وزوجة مخلصة، وأخاف عليها، فهي مريضة، فأنا في تفكير مستمر، وهم دائم لا أهنأ بأكل، ولا شرب، ولا نوم، هل ما رأيته حلال أم حرام أم سحر؟ ولمن أبوح لهذا السر الخطير؟ مع العلم أن معاملته مع الخدم رائعة، فهو يلبي لهم جميع طلباتهم، لا يقصر أبداً. أريد حلاًّ عاجلاً، أرجوك، فأنا لم أذق من يومها طعماً للراحة أبداً. وجزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليُعلم أن ما فعله جدُّك هو من قبائح الذنوب، وأيّاً ما وصل إليه من درجات في علاقته الجنسية مع تلك الخادمة: فإنه يعدُّ منكراً مغلَّظاً، ويستوجب إثماً أشد من إثم غيره؛ وذلك لكونه شيخاً كبيراً، بل وله زوجة! وقد جاء في الشرع المطهَّر ما يؤكد هذا المعنى ويوضحه، وهو أنه حيث تقل دواعي المعصية من فاعلها: فإنه يزداد إثماً إذا تجرأ عليها وفعلها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ) .
رواه مسلم (107) .
قال النووي – رحمه الله -:
وأما تخصيصه صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى " الشيخ الزاني، والملِك الكذاب، والعائل المستكبر " بالوعيد المذكور: فقال القاضي عياض: سببه: أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بُعدها منه، وعدم ضرورته إليها، وضعف دواعيها عنده، وإن كان لا يُعذر أحدٌ بذنب، لكن لما لم يكن إلى هذه المعاصي ضرورة مزعجة، ولا دواعي معتادة: أشبه أقدامهم عليها المعاندة، والاستخفاف بحق الله تعالى، وقصد معصيته، لا لحاجة غيرها؛ فان الشيخ لكمال عقله، وتمام معرفته بطول ما مرَّ عليه من الزمان، وضعف أسباب الجماع، والشهوة للنساء، واختلال دواعيه لذلك عنده ما يريحه من دواعي الحلال في هذا، ويخلي سرَّه منه، فكيف بالزنى الحرام؟! وإنما دواعي ذلك: الشباب، والحرارة الغريزية، وقلة المعرفة، وغلبة الشهوة؛ لضعف العقل، وصغر السن ... .
" شرح مسلم " (2 / 117) .
وقال المناوي – رحمه الله -:
ولهذا قيل: مَن لم يرعوِ عند الشيب، ولم يستح من العيب، ولم يخش الله في الغيب: فليس لله فيه حاجة، شيبٌ، وعيبٌ.
" فيض القدير " (3 / 437) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فهؤلاء الثلاثة اشتركوا في هذا الوعيد، واشتركوا في فعل هذه الذنوب مع ضعف دواعيهم؛ فإن داعية الزنا في الشيخ ضعيفة، وكذلك داعية الكذب في الملك ضعيفة؛ لاستغنائه عنه، وكذلك داعية الكبر في الفقير، فإذا أتوا بهذه الذنوب مع ضعف الداعي: دلَّ على أن في نفوسهم من الشر الذي يستحقون به من الوعيد ما لا يستحقه غيرهم.
وقلَّ أن يشتمل الحديث الواحد على جُمَل إلا لتناسب بينهما، وإن كان قد يخفى التناسب في بعضها على بعض الناس، فالكلام المتصل بعضه ببعض يسمَّى حديثاً واحداً.
" مجموع الفتاوى " (18 / 14) .
ثانياً:
من الواجب عليكِ الآن وقد رأيتِ من جدك معصية منكرة:
1. أن تنصحي جدكِ، وتعِظيه، وتخوفيه بالله رب العالمين، وتذكريه بوجوب حفظ نفسه، وخشية العار في الدنيا والآخرة، وهذا هو واجب شرعي عليكِ، لا يسعك تركه والتخلي عنه، ولتدَعي الذهول، والصدمة، وتمني الموت، فهذا لا تنتفعين به أنتِ، ولا يستفيد منه جدُّك، بل عليك المبادرة بفعل ما ذكرناه لك تجاهه، بل عليك السعي في إقناعه بإخراج هذه الخادمة من البيت، ونقلها لعمل آخر، أو ردها إلى أهلها، لينقطع عنه دابر الفتنة والفساد.
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ) . رواه مسلم (55) .
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. رواه البخاري (501) ومسلم (56) .
2. والأمر نفسه تفعلينه مع الخادمة، مع تهديدها بإخبار أهلك عنها، وطردها من البيت، فلعلها هي من تغوي ذلك الشيخ الكبير.
3. ومن مهماتك أيضاً: الانتباه لعدم وقوع خلوة في البيت بينه وبينها، والحيلولة دون حصوله بما تملكينه من قدرة.
4. ويجب عليك الستر على جدك والخادمة، وإعطاؤهما فرصة للتوبة، والإنابة؛ فإن الله تعالى يحب الستر.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( ... ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه البخاري (2310) ومسلم (2580) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه مسلم (2590) .
قال النووي – رحمه الله -:
قال القاضي: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يستر معاصيه، وعيوبه عن اذاعتها في أهل الموقف، والثاني: ترك محاسبته عليها، وترك ذِكرها.
قال: والأول أظهر؛ لما جاء في الحديث الآخر (يقرره بذنوبه يقول: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم) .
" شرح مسلم " (16 / 143) .
فإن أصرَّ على فعل المعصية، ولم يرعو بالنصح والتذكير: فبإمكانك أن تخبري جدتك فقط بفعله؛ أو إن كان له أحد من أبنائه، بإمكانه أن يؤثر عليه، ويمنع ذلك المنكر، والدك ـ مثلا ـ أو أحد أعمامك؛ فهو أفضل، حرصا على عدم صدمة جدتك. والمهم ـ على كل حال ـ هو ردعه عن اكتساب الإثم.
5. ويجب عليكم إن كان جدك صاحب شهوة ويرغب بالزواج: أن تعينوه على ذلك، ففي الزواج ستر له، وقضاء لشهوته، ونقترح عليك أن تخبري بذلك والدك، ليعرض عليه الزواج قبل إخباره بأنهم يعلمون منه فعل تلك المعصية، فلعله بالزواج أن يستغني عن مواجهته، وإحراجه.
ثالثاً:
ونحن نشكر لك غيرتك على حرمات الله أن تنتهك، ونشكر لك حب الخير لأهلك أن لا يأتي واحد منهم ما يُغضب ربه تعالى، ولعل هذه الحادثة أن تكون خيراً لجدك؛ وذلك بأن يُحدث توبة صادقة، وأن ينتبه لنفسه، وسنِّه، فيزداد من فعل الخيرات، وأداء الطاعات، وليس الأمر سحراً، ولا تخييلاً، إنما هي شهوة يؤججها فيه الشيطان، ولعل مرض زوجته مما أثَّر في إقباله على ذلك المنكر، وفي مثل هذا السن نرجو أن يكون للنصيحة والموعظة أثرهما البالغيْن عليه، ولعله يستحيي منكِ وهو القدوة الحسنة.
وانظري جواب السؤال رقم: (111911) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/65)
طلَّقها زوجها فهل تطلب من إمام المسجد المتزوج الذي سعى في الإصلاح التزوج بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كننت مسيحية، والحمد أسملت، وتزوجت برجل مسلم، وظلت العلاقة بيننا لمدة سبع سنوات، وخلال هذه السنوات كنت على علم تام بأنه كان يقيم علاقات غير شرعية مع نساء أخريات، كما أنه كان يمارس الكذب ليل نهار، طبعاً لم أستطع أن أصبر على هذا الوضع، فطلبت منه الطلاق، وفعلاً فعل، ولكن أتى بعد ذلك، وقال: إنه يحبني، وأنه لن يعود لمثل ذلك، وعادت العلاقة، ليس لأنه راجعني فحسب، ولكن أيضاً من أجل الطفل الذي بيننا، ومرت الأيام، واكتشفت أنه لم يتغير أبداً، بل يكذب عليّ، ويقول: إنه سيذهب لينام في المسجد، وأنا أعلم تمام العلم أن لا أحد ينام في المسجد إلا خلال شهر رمضان، أما ما سوى ذلك فهو مغلق، ولكن في حقيقة الأمر كان يذهب إلى بيت صديقته، ساءت العلاقة، وذهبنا إلى إمام المسجد ليفصل بيننا، وقد أصبح الآن لدينا ولد آخر، وفعلاً بعد أخذ ورد: طلقني، ولكن خلال فترة العدة كان يسيء معاملتي مما اضطرني إلى الذهاب إلى بيت إحدى صديقاتي والمكوث عندها، حتى توسط إمام المسجد الذي كان يتعاهدني بالرعاية، والإحسان، فعدت إلى بيتي، وما أثقل ما مرت تلك الأيام؛ لِما كنت ألقاه من ضيق منه، رغم الوعود التي قطعها أنه لن يؤذيني. على كل حال: انتهى الأمر مع زوجي، وأصبحت أفكر في رجل أتزوجه، وأعيش معه، فجاء على ذهني إمام المسجد؛ لما رأيتُ منه، من إحسان، وعطف، أن أطلب منه أن يتزوجني، ولكن لا أدري كيف سيكون الوضع لأنه متزوج أصلاً، والزواج بثانية يعدُّ جرماً، وخرقاً للقانون هنا في كندا، إلا أن هذه المشكلة يمكن أن تحل بأن يظل زواجنا طي الكتمان دون أن تعلم السلطات، لكن المشكلة العويصة: أن زوجي قد نشر في المسجد، وفي أوساط الجالية: أن الإمام فرَّق بيني وبينه لكي يتزوجني، مع أنه يعلم الله أن هذا الرجل لم تظهر منه أي علامة تدل على هذا، ولكنني شعرت أنه سيكون زوجاً مناسباً لي؛ لما فيه من تقى، وإيمان، ولأنني أظن أنه سيعينني على التمسك بديني أكثر، مع أنني إلى الآن لا أعلم ما إذا كان سيقبلني زوجة أم لا. فما هي نصيحتكم، هل أطلب منه الزواج والحالة هذه؟ ومن سيكون وليي في هذه الحالة؛ لأن كل أسرتي مسيحيون، ليس هذا فحسب، بل إنهم يسخرون مني أنني اعتنقت الإسلام، فكيف سيكون الأمر ما لو إذا علموا أنني سأتزوج رجلاً متزوجاً أصلاً، وإن كان لديكم مقترح بزواج آخر: فانصحوني، ولا تنسوني من صالح دعائكم، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يثبت قلبكِ على الإسلام، وأن يهديك لأحسن الأعمال، والأقوال، وأن ييسر لك الخير، وأن يرزقك زوجاً صالحاً يعينك على الثبات على دينه.
ثانياً:
لا حرج على المرأة أن تطلب الزواج من رجل صالح يعينها على أمور دينها، وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (20916) .
إلا أننا ننصحك بعدم طلب ذلك من هذا الإمام، وذلك لسببين:
1. حفظاً لكرامة هذا الإمام بين الناس، وكرامتك؛ لأن زوجك الأول قد أشاع أنه السبب في الفرقة بينه وبينك، وزواجك به سيؤكد هذه الإشاعة، ويثبتها، مما يُلحق بكما الأذى.
2. ما قد يلحق بزواجك من فشل أو مشكلات، في حال وصول خبر زواجكما للسلطات في بلدكم، وقد يكون المخبر لها هو زوجك الأول انتقاماً منك، وينبغي للمسلم أن لا يتسبب في حصول الضرر لا لنفسه، ولا لغيره.
لذا فإننا ننصحك بالابتعاد عن التفكير في هذا الإمام زوجاً لك، وما تعرفينه عنه من صفات حسنة فإنها قد توجد في غيره، وقد تكون أكثر، ولعل الله أن ييسر لك زوجاً صالحاً خيراً منه عاجلاً غير آجل.
ويمكنك أن تطلبي منه مساعدتك في البحث عن زوج مناسب لكِ.
وإذا يسَّر الله لك زوجاً صالحاً: فإنه لا بدَّ في النكاح من ولي لك، وبما أنه ليس من أهلك من هو مسلم: فإن الولاية لا تكون في أحدٍ منهم، بل يكون وليُّك هو إمام المركز الإسلامي، أو غيره من المسلمين الذين لهم وجاهة في المجتمع، ومعروفون بالدين والأمانة والعقل،
ولا حرج أن يتولى هذا الإمام إجراء العقد لك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وإذا تعذر مَن له ولاية النكاح: انتقلت الولاية إلى أصلح من يوجد، ممن له نوع ولاية في غير النكاح، كرئيس القرية وأمير القافلة، ونحوه" انتهى.
" الاختيارات الفقهية " (ص 530) .
وانظري جواب السؤال رقم: (389) .
ونوصيك بالصبر على سخرية أهلك منك بسبب إسلامك، ولا تيأسي من دعوتهم للخير الذي يسَّره الله لك، وداومي على الدعاء لهم بالهداية، فلعل الله أن يستجيب دعاءك، ويهديهم إلى الحق الذي هداك إليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(11/66)
اكتشفت بعد وفاة زوجها أنه كان رافضيّاً، وأخلاقه سيئة!
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخي، بعدما توفي زوجي اكتشفتُ خيانتَه، والدليل: أفلام له، وصور، واكتشفت أنه كان شيعيّاً، وأنا سنيَّة، وأنه كان يمارس السحر، واللواط، والزنا، وأكل أموال الناس، وكان حريصاً أن لا يظهر عليه شيء أبداً، مع إحساسي أنه شخص مختلف عنَّا تماما، ووالله كنت إذا نظرت إليه وهو نائم أحس أنه مجرم، وكنت أقول: لماذا هذا الإحساس يأتيني؟ وكنت أخاف من شيء مجهول، وكنت على قلق دائم، وكنت أشتاق إليه وهو بعيد، لكن عندما يأتي وأنظر إليه: أحس بهذا الشعور. أنا أعلم يا شيخ أن عليَّ ستره، وأنا لم أذكر هذا الشيء لإنسان، حتى أولاده، ولكن نفسيتي تعبت، وأصبح هذا أمام عيني ليلاً، ونهاراً، لا أستطيع نسيانه، حتى في المنام، وعندما أستيقظ، ماذا أفعل - بالله عليكم -؟ أصبحتُ أكره كل شيء، حتى أولادي، والأكل، والشرب، ومشغولة الذهن، ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمَا وقد وقع ما وقع، وحصل ما حصل، وانتهى الأمر على ما تذكرينه: فليس أمامك إلا الاعتبار والاتعاظ لقادم الأيام في اختيار الزوج المناسب لبناتك، والزوجة المناسبة لأبنائك، وإن أمامك الحياة تعيشين فيها عمرك الذي كتبه الله لك، فلا تنشغلي بالحزن، والأسى، والقهر؛ فإن هذا لا يأتيك بخير، فاحرصي على ما ينفعك وأعرضي عما يضرك، ويكدر عليك حياتك بلا فائدة.
ومن الضروري أن تُخفي ذلك عن أولادك، لأنه لا تترتب مصلحة على تعريفهم ذلك.
واجتهدي في تعليم أولادك عقيدة أهل السنة والجماعة، وتنشئتهم تنشئة صحيحة.
واحتسبي أمر مصيبتك عند خالقك، واسعي في العمل الصالح النافع المفيد لك، ولأولادك، ولا تلتفتي للوراء؛ فقد فات الأمر، وليس يجدي غير نسيان أمره، والقيام بما يرجع عليك بالفائدة والنفع، في دينك ودنياك.
ونسأل الله تعالى أن يعوضك خيرا ويذهب عنك الهم والحزن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/67)
اتصلت على مدرسها لتهنئة فجاء بيتها يراودها عن نفسها
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقة لي، قصتها بدأت وهي في الثانوية وكانت تحب مدرسا ولم تبح له وأنا نصحتها كثيرا جدا وقلت لها بأن هذه مشاعر مراهقة لا أكثر المهم خلصنا دراسة والمدرس تزوج وهى أيضا تزوجت منذ أشهر وفى العيد الماضي اتصلت بالمدرس كي تعيد عليه هو وعائلته وفوجئت بأنه اعترف لها بأنه كان يحبها ولكن كبريائه منعه من البوح لها وقال لها إنه لو كان عرف لها تليفون كان اتصل بها وعرف منها عنوان بيتها بعد إلحاح شديد وقال لها إنه مسافر ولازم يشوفها لآخر مرة وهي رفضت وبعد ما قفلت التليفون معاه بقليل رن جرس الباب فتحت فوجدته ولم تتمالك أعصابها فدخل وحاول أكثر من مرة أنه يفعل معها المعصية فرفضت وطردته، وهو قد سافر، المهم أنها من وقت هذا الموقف تشعر بالندم وغير قادرة تنظر في وجه زوجها وخائفة إن لا يغفر الله لها، ولا تدري هل تقول لزوجها أولا، انصحوني بماذا أقول لها كي أساعدها في حل مشكلاتها؟ وهل هي تعتبر خائنة لزوجها ولا تستحق العيش معه أم أن الله حليم غفار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا شك أن صديقتك أخطأت في حق ربها وحق زوجها مرات، وذلك أولا: باتصالها بهذا المدرس ثم بعدم قطع الاتصال الهاتفي مع مدرسها حين بدأ يذكر لها حبه القديم، فإن هذا من الكلام المحرم الذي لا يجوز أن يكون بين رجل وامرأة لا تحل له، وثانيا: بإعطائه عنوان منزلها، فإن هذا خطأ في جميع الأحوال، إذ أقل ما يتوقع هو أن يزورها ولو في حضور زوجها، ومثل هذه الزيارات التي تقابل فيه المرأة الرجل، زيارات محرمة وإن استهان بها كثير من الناس، وثالثا: لأنها فتحت بابها ومكنت رجلا أجنبيا من دخول بيتها، وهي مؤتمنة على عرضها وبيتها، ومن حق زوجها عليها ألا تخونه في ذلك، وألا تُدخل بيته من لا يحل له الدخول، كما في الحديث: (وَلَكُم عَلَيْهنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَداً تَكْرَهونَهُ) رواه مسلم (1218) .
ثانيا:
نحمد الله تعالى أن انتهى الأمر إلى ما ذكرت، وصرف الله عنها كيد الفاجر، وإلا فإن من يتبع خطوات الشيطان يوصله إلى ما هو أسوأ من ذلك مما يهلك دينه ودنياه، نسأل الله العافية.
وما جرى لصديقتك هو أثر من آثار الدراسة المختلطة، التي لم يفتأ الصالحون ينادون بمنعها؛ لما يترتب عليها من الفساد والشر.
ثالثا:
الواجب على صديقتك أن تتوب إلى الله تعالى من هذه الأخطاء والذنوب، وذلك بالندم على فعلها، والعزم على عدم العودة إليها، ومقاطعة ذلك الفاجر مقاطعة تامة.
وعليها أن تستر نفسها، ولا تخبر زوجها ولا غيره بذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل) والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 663.
وروى مسلم (2590) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
وهذا من البشارة للتائب الذي ستره الله تعالى في الدنيا، أن الله سيستره في الآخرة.
نسأل الله أن يتقبل توبتها، ويصلح حالها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/68)
تدرس في جامعة مختلطة وتريد تركها ولبس النقاب مع رفض والديها
[السُّؤَالُ]
ـ[خطبت فتاة تدرس معي في الكلية , أكملت أنا دراستي، وأنا بصدد أن أجمع من فضل الله كي نتزوج، لكن هي لا تزال تدرس. وكنا قد نوينا أن تنتقب بعد زواجنا، لكن مع المضايقات الشديدة لمظاهر الالتزام، والله يا شيخنا الجليل يعاكسونها في طريق الدراسة، ومع شدة توقنا للمرور إلى انتقابها: أصبحنا في حيرة كبيرة، خاصة في ظل الفتنة , ... والأمر كما تعلم ... وبما أنها في صدد ختم دراستها، فقد قوبل عزمها على الانقطاع عن الدراسة وانتقابها، بالرفض الشديد من والديها. أرجو منك أن تفتينا؛ فنحن نثق فيك جدا، خاصة أن دراستها تستلزم الذهاب إلى الكلية، بشكل منتظم. 2ـ الأمر الثاني: أنا اعمل الآن في شركة خاصة لتصميم مواقع الويب، والحمد لله، لم تصادفني مشاكل سوى أننا نستخدم ـ غالب الأحيان ـ برامج للكمبيوتر، وكل ما أخشاه: أن يكون كسبي فيه من الحرام، والعياذ بالله، مع عدم قدرة الشركة على شراء حقوق تنصيب هذه البرامج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يحفظكم ويرعاكم ويزيدكم إيمانا وهدى، ونقول: أحبك الله الذي أحببتنا له.
ثانيا:
الواجب على المرأة أن تستر جميع بدنها عن الرجال الأجانب لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (11774)
ثالثا:
يحرم الاختلاط بين الرجال والنساء في التعليم وغيره؛ لما يقتضيه من الوقوع في كثير من المحظورات، ولما يترتب عليه من المفاسد، وانظر: السؤال رقم (1200) ورقم (103044) .
رابعا:
نظرا للأوضاع التي يعيشها المسلمون في بلدك، والحرب المعلنة على النقاب والحجاب، ونظرا لما ذكرت من رفض الوالدين لترك ابنتهما للدراسة، وكونها في ختام دراستها، فنرجو ألا يكون عليها بأس في مواصلة دراستها، مع اجتهادها في تقليل الشر ما أمكن؛ فلا تتحاور مع الرجال، ولا تعطي أحدا مجالا للحديث معها، أو التعرف عليها، ولا تخرج للجامعة إلا فيما يلزم الخروج إليه.
وينظر: سؤال رقم (113431)
خامسا:
لا يجوز نسخ الأقراص التي لم يأذن أصحابها في نسخها، وذلك مراعاةً لحق الاختراع، وهو حق معتبر لا يجوز الاعتداء عليه، والتزاما بالشرط الذي تعاقد عليه المتعاقدان، إلا أن تكون الأقراص لشركة من دولة تحارب المسلمين، فلا حرج حينئذ، أو أن يكون النسخ للاستعمال الشخصي، لا سيما عند عدم توفر الأصل أو عدم القدرة على دفع ثمنه.
وينظر: سؤال رقم (72848)
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/69)
هل يُنكر على والده إساءته معاملة زوجته؟ وأيهما يقدَّم الأم الكافرة أم الأب المسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا رأيتُ أبي يعامل زوجته – وهي لست أمي - بصورة جارحة , فهل يجب عليَّ أن أنكر عليه هذا الفعل؟ فهو يضربها، ويؤذيها، ودائماً ما يقوم بالصراخ في وجهها , فتفكر بالطلاق لما تلاقيه من الأذى. ثم إنها – أيضاً – ليست مواطنة أمريكية، ذلك لأن أبي لم يقدم لها طلب الجنسية حتى الآن ويقول إنه لا ينوي أن يقوم بهذا , وإذا أصرَّ أبي على هذا الفعل فسوف يعرض نفسه، وزوجته، وأطفالهما للخطر؛ لأن الحكومة سوف تسأل كلاًّ منهما: " لماذا زوجتك هنا في هذه الدولة ما دامت تقيم إقامة غير قانونية وذلك لمدة أربع سنوات؟ " فهل يجوز لي أن أتكلم مع أبي، وأن أعارضة فيما يفعل، لأن لي تجربة سابقة معه، لكنه لم يستمع لي؟ . سؤال آخر: من أحق بالصحبة، أو الطاعة: أمي الكافرة، أم أبي المسلم؟ لأنهما مطلَّقان، وهناك الكثير من الخلافات، والنزاعات فيما بينهما، فهل أبقى مع أمي الكافرة التي تعيش وحدها , أم أعيش مع والدي المسلم الذي هو الآن يعيش مع أسرته الجديدة؟ وهل علي أن أطيع أمي في الأمور الدنيوية، فقط لأنها أمي أو عليَّ أن أطيع أبي؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما يفعله والدك مع زوجته لا شك أنه منكر في الأفعال، وقبح في الأقوال، وإنكارك عليه واجب شرعي، ليس لك أن ترى الظلم فلا تنكره، ولا الخطأ فلا تصوبه، وكل ذلك – كما يظهر لنا – في استطاعتك فعله، فلا تتردد في الإنكار على والدك ظلمه لزوجته، وإهانته لها حتى ولو لم تكن هي أمك، فالواجب عليه أن يتقي الله تعالى فيما جعله الله تحت يده من زوجة، وأولاد.
وانظر جواب السؤال رقم (41199) لتقف على تفاصيل حكم ضرب الزوجة.
ثانياً:
نحن لا نرى للمسلم أن يقيم في ديار الكفر، فضلاً أن يتجنس بجنسيتها، والذي يفتي به علماؤنا الثقات هو عدم جواز التجنس لتحقيق مصالح دنيوية من هذه الجنسية؛ لما في استخراجها من تولِّي الكفار ظاهراً، وما يلزم بسببها من النطق ظاهراً بما لا يجوز اعتقاده ولا التزامه، كالرضا بالكفر أو بالقانون؛ ولأن استخراجها ذريعة إلى الإقامة الدائمة في بلاد الكفار، وهو أمر غير جائز.
وانظر أجوبة الأسئلة: (14235) و (6247) و (67782) و (72955) .
ثالثاً:
أوجب الله تعالى على الأولاد برَّ والديهم، والإحسان إليهم، بالقول، والعمل، ولم يجعل الله تعالى للمسلم منهما الحق في ذلك دون الكافر، بل لكليهما ذلك الحق حتى لو كانا يدعوان ولدهما للكفر، وليس فقط يعتقدانه، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) العنكبوت / 8، وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان/ 14، 15.
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: (نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ) .
رواه البخاري (2620) ومسلم (1003) .
ومعنى راغبة: أي: تطلب بر ابنتها لها.
قال الخطابي رحمه الله: " فيه أن الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه، كما توصل المسلمة.
ويستنبط منه: وجوب نفقة الأب الكافر، والأم الكافرة، وإن كان الولد مسلماً " انتهى.
فالأم تقدم على الأب، ولو كانت كافرة، وهو مسلم، لا من حيث تقديم الكفر على الإسلام، بل من حيث تقديم الأم على الأب، في البر والطاعة، وقد جعل الله تعالى للأم ثلاثة حقوق مقابل الأب، وهذا كله إذا كانت الطاعة في غير معصية.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: (أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ) .
رواه مسلم (2548) .
وهذا الأمر الذي ذكرناه لك من تقديم الأم في البر والطاعة على الأب: لا يعني أنك تختار العيش معها ضرورة، بل الواجب عليك أن تختار المكان الذي تستطيع إظهار شعائر دينك، وما تأمن فيه على دينك، ودين زوجتك وأولادك، مع ضرورة عدم اختيار بلاد الكفر؛ لما فيها من تضييع للأمانة التي استرعاك الله عليها.
فإن استوى المكانان في ذلك، فاختر العيش مع أحوجهما إلى قربك.
وانظر جواب السؤال رقم: (27105) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(11/70)
طلَّق زوجته وأساءت في تربية ابنه فكيف يتصرف وهو يعيش في دولة غير مسلمة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في الولايات المتحدة منذ خمس سنوات، حيث تزوجت بامرأة أمريكية مسلمة - لكن تصرفاتها لا تدل على ذلك -، منذ عشر سنوات، ولديَّ منها ولد، بالإضافة إلى ولدها من الزوج الأول، وقد طلقتها منذ سنتين بعد إصرار منها، رغم عدة محاولات من جهتي أن أبقي على رباط الزوجية بيننا إلا أنها لم ترغب في ذلك، بعد الطلاق تدهورت حالتها المعيشية، ولم يعد لديها عمل، وبالتالي: أثَّر ذلك على ولدي الذي لم يعد يتغذى الغذاء الصحيح، كما أنه بدء يتأثر بأخيه لأمه تأثراً سلبيّاً، فأصبح يتلفظ بألفاظ بذيئة، كما أنها أيضا لم تهتم بتربيته وتنشئته تنشئة دينية، فطلبتُ منها أن تأخذ أي شيء، وأن تسمح للولد أن يبقى معي يومين في الأسبوع، ولكنها رفضت ذلك، وقالت: يومان كل أسبوعين كافٍ لرؤيته، فاضطررنا إلى أن نذهب إلى المحكمة، هناك في المحكمة صدر الحكم بأنه يتوجب عليها أن تغادر البيت الذي كنا نعيش فيه، والذي هو من ممتلكاتي، كما أنهم حكموا بأن لي الحق أن يمكث الولد معي يومين في الأسبوع، بالإضافة إلى غرامة مالية فُرضت عليها، ولكنها لم تلتزم بأي شيء من هذا، فما رأي الإسلام في ذلك؟ وما هي نوع العلاقة التي تظل بين الرجل والمرأة بعد الطلاق؟ وما مصير الولد من وجهة نظر شرعية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ذكرنا في أجوبة كثيرة مسألة الإقامة في بلاد الكفر، والمفاسد المترتبة على ذلك، والشروط الواجب توفرها في المقيم إن أقام لعذر شرعي يبيح له تلك الإقامة، فانظر أجوبة الأسئلة: (11793) و (14235) و (27211) .
وهذه القضية شرعية بحتة – ومثلها الطلاق والزواج والعدة – ومع ذلك فها أنتم تتحاكمون إلى المحاكم الكافرة، وفق قوانين وضعية، وهذا من أعظم مفاسد إقامتكم في تلك البلاد.
ثانياً:
الزوج الذي يطلِّق زوجته إما أن يكون الطلاق رجعيّاً، أو بائناً، فإن كان رجعيّاً – وهو ما يملك الزوج فيه إرجاع زوجته لعصمته -: فالعلاقة بينهما علاقة زواج كاملة، إلا أنه يُمنع من جماعها إلا أن يقصد به إرجاعها لعصمته، وفي حال الطلاق الرجعي فإنه لا يجوز للزوج أن يُخرج زوجته من بيت الزوجية، ولا يجوز لها أن تخرج، ويجوز له أن يراها، وتراه، ولو متزينة، بل من مقصود عدم خروجها وإخراجها هو أن يحدث رغبة في الرجعة، وإصلاح الأمر بينهما.
قال الله تعالى في بيان الطلاق الذي تُرجع فيه الزوجة: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/229، وقال تعالى في بيان حق الزوج في إرجاعها في العدة: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) البقرة/228، وقال تعالى في بيان المنع من إخراج الزوجة وخروجها في الطلاق الرجعي: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/ 1.
وأما إن كان الطلاق بائناً – وهو ما لا يملك فيه الزوج إرجاع زوجته، وهي حالتك هنا -: فإنها تكون أجنبية عنه بمجرد تطليقها، ولا يحل له أن يراها، ولا أن يختلي بها، وتُعامل معاملة الأجنبيات، وإن كان بينهما ولد، أو أمر يحتاجان معه للكلام: فيُلتزم بالضوابط الشرعية لذلك، من عدم الخضوع في الكلام، وعدم الخلوة، وغير ذلك مما فيه إغلاق الباب على الشيطان أن يوقعهما فيما حرَّم الله.
وانظر جواب السؤال رقم: (36548) .
ثالثاً:
إذا حصل الطلاق بين الزوجين، فحضانة الأولاد الصغار من حق الأم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأم وقد تنازعت مع زوجها السابق في حضانة ابنهما الصغير: (أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي) رواه أبو دود (2276) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (2187) .
لكن هذا مشروط بما إذا لم يكن وجود الولد عندها فيه تضييع له، لكونها لا تحسن تربيته ولا خدمته، فالواجب على القاضي الشرعي في هذه الحالة أن يُسقط حقها في الحضانة، ويجعل الولد عند من يحسن القيام على شؤونه.
وحيث لا قضاء شرعي عندكم، فحاول الاتفاق معها على ما فيه مصلحة الولد، فإن لم يمكن هذا فعليك استثمار اليومين اللذين تلتقي فيهما بابنك لتعلمه الصلاة، وتربيه على حسن الخلق.
وعليك متابعة الأمر مع الجهات المسئولة عن التنفيذ القضائي، ولعلك تثبت لهم تفريطها في رعاية ابنك، وعدم قدرتها على تربيته، والعناية به؛ ليؤول إليك، وإلى حضانتك.
وانظر جواب السؤال رقم: (20473) ففيه مزيد بيان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/71)
زوجته كندية من أصل عربي أخذت منه ابنته وطلبت منه الطلاق، فما النصيحة له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصري، كنت متزوجاً من مصرية، كندية، ثم سافرت معها إلى كندا - مع العلم أني أحمل الجنسية الأمريكية - عندما ذهبت إلى كندا اكتشفت أشياء غير إسلامية كثيرة في عائلتها، رغم أني سألت على هذه الأشياء قبل الزواج، مثل الصلاة، وكان الاتفاق بيني وبين زوجتي أنه في حالة عدم توفيقي في كندا، أو عدم رغبتي في المكث هناك: سأرحل إلى الخليج مرة أخرى، وهي كانت موافقة على ذلك، عندما ذهبت إلى هناك مع أسرتها، ووجدت الأوضاع غير مطمئنة، وهناك خطر علينا في الحياة هناك، وتدخل أهلها ضد أي شيء إسلامي، أو مظهر إسلامي، ومحاولتهم أجدها في تغييري، لكن المسلم المعاصر - مودرن إسلام - يعني: حجاب على الموضة، والجلوس في مجلس به خمور، وقد أقنعتني أن أشتري بيت بالتقسيط - mortgage - بعد فترة عرفت أنه حرام، وبعض العلماء أجاز ذلك للمضطر، فعزمت على بيع البيت، ولكن لم أقل لأنه حرام؛ لأنهم لم يقتنعوا، وفي تلك الأثناء حملت زوجتي، فصبرت حتى تضع، وقلت لها: هيا بنا نسافر إلى الخليج، فوافقت على مضض، ولكن أهلها رفضوا، وهي لا تستطيع أن تفعل شيئاً بدون موافقة أمها؛ لأن الأم هي الحاكمة الآمرة في بيت أبيها - بعد عدة مشاكل قلت: أنا سأسافر، وسآتي لزيارة زوجتي - بناء على اقتراحهم - وعندما قلت أني سأبيع المنزل: جن جنونهم، ورفضوا بيع المنزل إلا في حالة الطلاق، وألَّبوا عليَّ زوجتي، وأخرجوها من منزلي، وفي مساء يومها كلمني أخوها، وطلب الطلاق - لكي يردعني عن السفر -، وطلبني بمحامي للطلاق، ثم عصفت بي الظروف الاقتصادية، حتى تنازلت عن منزلي، وأجبرت على التنازل عن حضانة ابنتي ... إلخ أنا الآن أريد السفر لبلد عربي مسلم، وأتزوج لأعف نفسي، ولكني سأترك ابنتي في كندا - هي عمرها سنة ونصف - أنا الآن مدين، قادر على أوقف أمام زوجتي السابقة ماديّاً إلى حد ما أستعيد حضانة ابنتي، ولكن يجب عليَّ أن أبقى هنا، ولكني لا أريد أن أربي أولادي الجدد - إن شاء الله - في مجتمع غير إسلامي، الرجاء النصيحة، وهل إذا تركت كندا بلا عودة إلا لزيارات ابنتي هل يحسبني الله مضيِّعاً؟ هل أكون ممن ينطبق عليهم (وكفى بالمرء أن يضيع من يعول) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التجنس بجنسية دولة كافرة، والإقامة فيها، والتزوج ممن تحمل جنسيتها: يعني الاحتمال الكبير في الفشل في الزواج، والفشل – غالباً - في تربية الأولاد، إذا كان الزوج عاقلاً متديناً، فلا يُنكر أحد ما للبيئة من أثر على تربية الزوج لزوجته وأولاده، ولا ينكر أحد ما لقوانينهم من سلطة وجبروت على ذرية من يتزوج ممن يحمل جنسية ذلك البلد.
لذا فإن الأمر الذي أصابك – أخي السائل – عظيم، ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويهديك لفعل الصواب.
والذي نشير به عليك:
هو أن تبقى في تلك البلاد محاولاً إقناع زوجتك بالاستجابة لطلبك، والرجوع معك لبلدٍ مسلم تقيمان فيه شعائر الله تعالى، وتتخلصون من تلك البيئة الموبوءة، وهذا أعلى ما يمكنك تحقيقه، وفيه الحفاظ على أسرتك بكاملها.
فإن عجزت عن إصلاح حال زوجتك، وأبت إلا المضي في غيها، واختيار أهلها عليك: فاسع للحصول على ابنتك من براثن أهلها بما تستطيعه من أسباب، وهذا الأمر واجب عليك فعله؛ لأنك مسؤول عنها، فإن قصرت فيه: فأنت مسؤول ـ ولا شك ـ عن تضييعها.
وإذا لم يحصل منك طلاق: ابق على اتصال بزوجتك؛ فلعلَّ أن يكون غيابك عنها دافعاً لها لتغيير رأيها، واللحاق بك.
فإن حصل الطلاق: فابق على اتصال بابنتك، ولا تيأس من الحصول عليها، ويمكنك توكيل محامٍ وأنت خارج تلك الديار؛ ليتابع قضية استرجاع حضانتك لها، ودوام اتصالك بابنتك لعله أن يسهم في تعلقها بك إذا كبرت، ولعلها أن تختارك لتكون معك، ولا يدري الإنسان ماذا كتب له، وما عليه إلا بذل الأسباب.
والذي نعود ونؤكد عليه: أنك لا يجوز لك أن تترك ابنتك مع أمها، والحالة ما ذكرت، بأي سبيل تستطيعه إلى ذلك؛ بالحيلة مع أمها حتى تأتي معك إلى الخليج، أو البقاء إن كانت هناك لفترة محددة، ريثما تتمكن من ضم ابنتك إليك، إن كانت هناك فرصة ذلك، ولو بالحيلة، ونحو ذلك.
وبإمكانك أن تبحث عن الزوجة المناسبة، والتي تتفهم ظروفك، وتتوافق مع قناعاتك، وإيمانك بدينك.
وفي خلال الفترة الأولى، والتي نأمل أن تحصل فيها على ابنتك، وتطمئن عليها: لن يكون هناك خطر، إن شاء الله، على أبنائك الجدد.
ومتى أحسست بأن الواجب عليك أن تنقلهم ـ كلية ـ إلى بيئة إسلامية: فارحل بهم بلد مسلم، تأمن فيه على أبنائك وذريتك، ولعل الله أن يجمع شملك بابنتك الأولى معهم.
واسأل ربك الإعانة، والتوفيق، والتيسر لما فيه خير ابنتك وخيرك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/72)
كانت تجلس معه ومع زوجته فاختار أن يتزوجها ويطلق امرأته!
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي أني مقبلة على الزواج من زوج صديقة أختي كنت أذهب إلى بيتها وأجلس معها وزوجها وكنا نتحدث دائما مع بعض ولما كانت تنصحها أختي هذا حرام أي الاختلاط استهزأت من أختي وقالت لها أنتم متخلفون , إلى أن تقدم زوجها وخطبني وهو يقول إنه معجب بي من أول نظرة ويريد أن يرزق بأولاد لأنها لا تستطيع الإنجاب. وعندما سمعت بالأمر تقول إنني خنتها. هل أقبل أن أكون زوجته أم لا؟ وهو يريد أن يطلقها لأنهما على اختلاف. مع علم هو يشتغل بالبنك ويريد أن يغير عمله لأنه يعلم أنه حرام وهو يصلي دائما في المسجد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الاختلاط بين الرجال والنساء محرم؛ وينظر جواب السؤال رقم 1200.
والواجب عليك أن تتوبي إلى الله تعالى مما وقع من ذلك، مع العزم على ألا تعودي إليه مستقبلا.
ثانيا:
يحرم على المرأة أن تسعى في طلاق أختها المسلمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وَلاَ تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِى إِنَائِهَا) رواه البخاري (2140) ومسلم (1413) .
فلا يجوز تحريض الزوج أو إغراؤه بتطليق زوجته.
ثالثا:
إذا جاءت الرغبة في الزواج من قِبَل الزوج، ولم يكن لك سعي في مفارقته لامرأته، جاز لك قبوله، لكننا لا ننصحك بذلك لأمور:
الأول: أن هذا الزوج لا يؤمن أن يعجب بغيرك، ويختارها عليك كما فعل مع زوجته.
الثاني: أن قبولك الزواج منه سيثير العداوة والبغضاء والحقد في نفس زوجته، فلا تأمنين شرها وأذاها.
الثالث: ما ذكرت من عمله في البنك، وقد يتركه كما يزعم وقد لا يتركه.
هذا ما نراه، فإن رأيت بعد التفكير والتأني قبول الزواج منه، فاستخيري الله تعالى، وانتظري حتى يتحول إلى عمل آخر مباح.
نسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير والفلاح والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/73)
اتفقت مع طليقها على العودة إليه بعد طلاقها من زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقوق الزوجة التي ثبت اتصالها بطليقها القديم والاتفاق معه على العودة بعد الخلاص بالطلاق من زوجها الجديد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ثبت ذلك ولم يكن مجرد سوء ظن، فلا حرج على زوجها أن يضيق عليها، حتى تفتدي نفسها منه، فتدفع له المهر الذي كان أعطاها، والمصروفات التي تكلفها من أجل الزواج بها، وتتنازل عما بقي من حقوقها كمؤخر الصداق إن كان هناك مؤخر، ثم يطلقها.
قال الله تعالى: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) النساء/19.
قال السعدي رحمه الله (ص 72) :
"وإذا أتين بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش وأذيتها لزوجها، فإنه في هذه الحال يجوز له أن يعضلها، عقوبةً لها على فعلها لتفتدي منه إذا كان عضلا بالعدل" انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله:
"وقوله: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) أي: لا تُضارّوهن في العِشرة لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه أو حقًا من حقوقها عليك، أو شيئًا من ذلك على وجه القهر لها والاضطهاد.
وقوله: (إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما: يعني بذلك الزنا، يعني: إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها وتُضَاجرهَا حتى تتركه لك وتخالعها.
وقال ابن عباس أيضاً: الفاحشة المبينة: النُّشوز والعِصْيان.
واختار ابن جرير أنَّه يَعُم ذلك كلَّه: الزنا، والعصيان، والنشوز، وبَذاء اللسان، وغير ذلك.
يعني: أن هذا كله يُبيح مضاجرتها حتى تُبْرئه من حقها أو بعضه ويفارقها، وهذا جيد، والله أعلم" انتهى باختصار.
"تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (1/608) .
ولا حرج عليك أن تأخذ المهر أو أكثر منه أو أقل، لعموم قول الله تعالى: (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة/229.
فقوله تعالى: (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) يدل على صحة الخلع بالقليل والكثير.
وهذا ما قال به أئمة الفقه الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) .
وانظر: "المغني" (10/269) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/74)
زوجته تعصيه وتغضبه وترفع صوتها عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متزوج وزوجتي لا تطيعني ولا تحترمني وترفع صوتها علي. وعندما أمنعها من زيارة أهلها بحجة انشغالي بصلاة التراويح أو بالعمل تقيم الدنيا وتغضب لأتفه الأسباب وأهلها يشجعونها على ذلك بحجة أنني معقد لسبب بسيط هو أنني ألزمتها ارتداء الحجاب وأمنعها من التبرج والتعطر عند الخروج ... إلخ من المحرمات وعندما أهجرها أو أغضب تشتكي لأهلها الذين يزيدون الطين بلة وتذهب إليهم مرارا وتكرارا وتبيت دون إذني بحجة أنها غاضبة.. فهل أطلقها أم أمسكها واصبر وهل أنا مأجور على صبري أم أنه انتقل من الصبر إلى الذل والمساس بالكرامة؟ وهل الطلاق في هذه الحالة مستحب أم واجب؟ أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الواجب على كل من الزوجين معاملة الآخر بالمعروف، كما قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19
، وقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ) البقرة/228،
ويجب على الزوجة خاصة أن تطيع زوجها وأن تمتثل أمره، وألا تخرج من بيته إلا بإذنه، وأن تعلم أن حق الزوج عليها عظيم، وأن طاعته مقدمة على طاعة أبيها وأمها.
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ , لأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ ; لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَم حقِّه، ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على ظهر قَتَب) .
قال الهيثمي: رواه بتمامه البزار وأحمد باختصار ورجاله رجال الصحيح. "مجمع الزوائد" (4/309) .
و (القَتَب) هو ما يوضع على البعير تحت الراكب.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) رواه ابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 660.
فقرن صلى الله عليه وسلم بين طاعة الزوج وأداء الصلاة والصوم وحفظ الفرج، وهذا دليل على عظم شأن طاعة المرأة زوجها.
ومما يدل على اشتراط إذن الزوج في الخروج حتى لزيارة الأهل: ما جاء في الصحيحين في قصة الإفك، وقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتأذن لي أن آتي أبوي) رواه البخاري (4141) ومسلم (2770) .
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58) : " وقولها: (أتأذن لي أن آتي أبوي) فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها " انتهى.
ثانيا:
إذا كانت الزوجة تعصي زوجها، ولا تحترمه، وترفع صوتها عليه، فهي عاصية لربها، ناشزة عن حق زوجها، وقد أرشد الله تعالى إلى علاج النشوز بقوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا. وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء/34، 35.
فعليك أن تبدأ بوعظها ونصحها، وبيان خطئها، وإن استعنت بمن يبين ذلك من امرأة صالحة، أو بواسطة شريط ونحوه، فحسن.
فإن لم يُجد الوعظ، كان الهجر، ثم الضرب غير المبرح، ثم الاستعانة بصالحي أهلك وأهلها، ليحكموا بينكما.
ثالثا:
إذا أصرت الزوجة على النشوز، فإن القول في طلاقها أو إمساكها، يتوقف على المصالح والمفاسد التي تنتج عن ذلك، ويختلف باختلاف حال الزوج وحال أولاده إن وجدوا، وعلى الزوج أن يفكر في ذلك مليا، وأن يستشير من أهل الصلاح والرشد من يعرف حاله معرفة جيدة ليشير عليه بما ينفعه.
رابعا:
إذا اخترت إمساك زوجتك، وصبرت عليها فأنت مأجور إن شاء الله، قال الله تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/ 19، ولن تجني من الصبر إلا خيرا، فإن الله تعالى مع الصابرين، وقد وعدهم بأحسن الجزاء، مع حسن العاقبة.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة/153، وقال سبحانه: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10، وقال: (فَاصْبِْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) هود/49، وقال: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف/90
ولكن ينبغي أن تعلم أن الصبر وكظم الغيظ والعفو عن المسيء، لا يعني الذل والضعف، والفرق بين المقامين لا يخفى على كثير من الناس، فينبغي أن ترى الزوجة من زوجها قدرته على فراقها والاستغناء عنها، وعلى مقابلة السيئة بالسيئة، إلا أنه يدع ذلك لله تعالى رغبة فيما عنده من الأجر. فسكوته ليس سكوت العاجز، وتمسكه بها ليس تمسك الضعيف، وهذا ينبغي أن يصحبه الوصية بتقوى الله تعالى، والحذر من اتباع خطوات الشيطان الحريص على التفريق والإفساد، فيقول الزوج لزوجته: اتقي الله تعالى، ولا تكوني عونا للشيطان علي، فربما فارقتُ حلمي فرددت إساءتك بمثلها، وربما خرجتِ دون إذني فدعاني ذلك إلى تركك بالكلية، ونحو هذا الكلام الذي تعلم منه الزوجة أن الزوج قادر على تنفيذ ما يتكلم به، لولا حرصه على زوجته وعلى بيته وأسرته.
ونوصيك بالدعاء أن يهدي الله زوجتك ويصلح حالها.
نسأل الله تعالى لكما التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/75)
شكوى على والدها الملتزم أنه يسيء إلى أهل بيته ويحسن للزوجة الثانية!
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن الأب الذي يهمل أولاده وبيته، ويبخل عليهم بكل شيء، وكلما طلبنا منه شيئاً قال: " ليس لديَّ مال، ما عندي شيء "، وبيته متهالك، وقديم، ويحتاج إلى تجديد، بالإضافة إلى سوء حالة الأثاث، وحتى ثياب أبنائه رثة، ورخيصة، وكلما طلبوا منه شيئاً يقول: " ثوب واحد يكفي، الإسراف حرام، وأنا مش جالس على بنك "، والأكل يتركهم يطبخون الأرز بدون إيدام، وإذا جاءه الضيوف ذبح، ووضع كل أنواع الأكل للضيوف! وأولاده وبيته يحرِّم عليهم الأكل الطيب، ويشك في بناته مع أنهن عفيفات، وشريفات، ويفتش في أغراضهن، وجوالاتهن، وحتى أم عياله لا يحترمها، ولا يقدرها، وحارمها من أهلها، حتى إن أمها، وأباها توفوا ولم ترهم! والمصيبة أن الأب مطوَّع (ملتزم) ! ويعتكف في المساجد، ويقيم حلقات الذِّكر في المساجد، لكن خارج البيت يضحك، ويسولف، ودمه خفيف، وعندما يدخل البيت ينكِّد على أهل بيته، ويغثهم بكلامه الجارح، ومعاملته السيئة، وفوق هذا كله تزوج الثانية، وبنى لها بيتاً كبيراً جدّاً - 3 طوابق -، وديكور، وأثاث، ولو ترى بيت زوجته الأولى تقول: بيت فقراء، أنا الذي يقهرني أنه مقتدر، وعنده المال، ويبخل علينا، أنا مقهورة على كل السنين التي راحت، وهو يلبسنا أرخص ملابس، ونعيش في بيت حالته سيئة جدّاً، وكأنه بيت إنسان فقير ومحتاج، ولما تزوج الثانية عمل لها كل شيء راقي، لماذا خرجت أمواله الآن عندما تزوج، ونحن عياله، وبناته يوم كنَّا نطلب يقول: " ما عندي، أنتم طلباتكم ما تخلص، أزعجتوني، لا تطلبون مني شيئاً، أنا مش جالس على بنك "، والله - يا شيخ - أني كرهت أهل المساجد! والملتزمين! بسببه، وأحس أنهم كلهم ظالمون، ومنافقون مثله، وحتى إنني في بعض المرات لا أصلي، وأقول: " يا رب نحن عمرنا ما عملنا شيئاً يغضبك، ونعيش صح، ونخاف الله، وهذا حالنا؟ والناس العاصون والذين ما يخافون الله مرتاحون في حياتهم؟ " حتى أبي كرهته، وعرفت أنه ما يحبنا، ومعيِّشنا طول عمرنا في حاجه للناس حتى أيام المدرسة كانت أمي تطلب ملابس وقمصان بنت الجيران القديمة لنلبسها؛ لأن أبي ما يشتري لنا، الآن ما أسلم عليه، ولا أقبِّل رأسه مثل الأول، وأكلمه بجفاء، ولا أجلس معه لأني أحس أنه ما يحبنا، ويكرهنا. أرجوك تقرأ موضوعي كله، وتقول لي كيف أتصرف لأن نفسيتي تعبت، وما أعرف كيف أتصرف، وجزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن ما يراه المسلم من تصرفات بعض الملتزمين لا ينبغي أن ينعكس عليه هو، ويؤثر في دينه واستقامته؛ لأن كل بني آدم خطَّاء، وعلى المسلم أن يساهم في تكثير النماذج الطيبة الصالحة في هذه الطائفة من الناس، لا أن يتخلى عنهم، ويتتبع عوراتهم، وينشر نقائصهم، وهذا غاية ما يحرص عليه أبالسة الإنس والجن، عندما يشيعون تصرفات بعض الملتزمين السيئة، سواء كانت صحيحة في أصلها، أو هي عليهم مفتراة: أن يصدوا الناس بذلك عن دين الله عز وجل، وأن يجعلوهم فتنة لغيرهم.
ثانيا:
كما نحذر السائلة – وغيرها – من التسخط على قدر الله، والطعن في حكمته تعالى، ففي سؤالها جملة يُفهم من ظاهرها الاعتراض على الله في تقديره، والطعن في حكمته عز وجل، فهي تظن أن المسلم إن كان يخشى ربه، ويتقيه أنه سيعيش أبد عمره في سعادة، وهناء، وأن حال الشقاء والهموم والغموم إنما هي من نصيب العصاة! وهذا ليس بصحيح شرعاً، ولا هو واقع فعلاً، قال تعالى: (فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ. كلَاَّ) الفجر/ 15 – 17.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
بيَّن سبحانه أنه ليس كل مَن ابتلاه في الدنيا يكون قد أهانه، بل هو يبتلي عبده بالسراء والضراء، فالمؤمن يكون صبَّاراً شكوراً، فيكون هذا، وهذا: خيراً له، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) .
" مجموع الفتاوى " (8 / 75) . فالابتلاء للطائعين يحصل كثيراً، وكثيراً ما يُعاقب العصاة بضيق صدر، وبهموم وغموم، فضلاً عن العقوبات في أبدانهم.
والمسلم يعلم أنه قد يفتن في دنياه، قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ.وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/ 2،3.
والمسلم يعلم أنه يتقلب بين السراء والضرَّاء، فعَنْ صُهَيْبٍ الرُّومي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْه ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
فلا عجب بعد أن يعلم المسلم هذا أن يصيبه الله بضرٍّ، أو يعرضه لفتنة، وفي كل ذلك حكَم لله جليلة، ومصالح للمسلم عظيمة.
ثم كيف تغير السائلة معاملتها مع والدها إلى السيء، وتكره المصلين في المساجد، وتترك الصلاة أحياناً: ثم ترى أنها تستحق النعيم، والسعادة في حياتها؟ بل وتقول ": " يا رب نحن عمرنا ما عملنا شيئاً يغضبك، ونعيش صح، ونخاف الله، وهذا حالنا؟ والناس العاصون والذين ما يخافون الله مرتاحون في حياتهم؟ " فأين الصح مع هذه المعاصي، وهي تدور بين كونها كبائر، وكفر مخرج من الملة؟! .
فإنك إن كنتِ محسنة في فعالك: كان ما يصيبكم ابتلاء من الله، فعليكم الصبر، وإن كنتِ مسيئة مع الناس ومع الله: كان ما أصابك عقوبة من الله على ذلك، فاتركي تلك المعاصي، وأقبلي على الطاعات، واعلمي أن الله تعالى لا يقدِّر شيئاً إلا لحكمة بالغة.
ثالثا:
ما ذكرته السائلة عن والدها إن صحَّ عنه: فهو في غاية السوء، وإن عليه أن يتوب منه، وأن يصلح ما بينه وبين ربِّه، وإن عليه أن يعطي كل ذي حقٍّ حقَّه، فيعدل بين زوجتيه – وينظر في العدل الواجب عليه جواب السؤال رقم: (10091) -، وينفق على أهل بيته بالمعروف، فلا يسرف، ولا يقتِّر، وعليه أن يتقي الله في اتهامه بناته بما ليس فيهن، وما يفعله من مخالفات ليس بين أحدٍ من أهل الإسلام فيها اختلاف، بل كلها معاصٍ متفق على قبحها، وسوئها، وتعريض صاحبها لوعيد الله تعالى.
وعليكِ أنتِ أن تصبري على بخل والدك، وأذيته، وسوء فعاله، وعليك مداومة تذكيره بما أوجب الله عليه من تحمل الأمانة، ومن العناية والرعاية بأهل بيته، وعليكم نصحه بأن لا يكون ذا وجهين، وأن أهله أولى من غيرهم أن يتبسط معهم، ويُسعدهم، وإن استمر على عدم تغيير حاله للأفضل: فيمكنكم تكليم شيوخه، وعقلاء أصدقائه في الدعوة، لينصحوه، ويوجهوه نحو الأفضل في التعامل مع أهل بيته، ومثل هؤلاء قد عُرف عنهم حسن التعامل مع الناس، والصبر على أذيتهم، بل وضررهم، فالطريق إلى قلوبهم، وعقولهم: سهل، ويسير، ويُرجى أن يكون نافعاً فيهم أكثر من غيرهم.
واعلمي أن لأبيك عليك حقّاً في الاحترام، والتقدير، وإن أساء إليكم ما أساء؛ فمن عصى الله فيك، وأساء إليك، فأطيعي الله ـ أنت ـ فيه، وأحسني إليه، كما قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت /34؛ فكيف إذا كان هذا المسيء بينك وبينه رحم؟ فكيف إذا كان أباك؟ واستعيني بالله تعالى ربكم، بطاعته، ودعائه، أن يهديه، ويصلح باله، ويوفقه، وأن يجمع بينكم جميعاً على طاعة، وخير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/76)
اختلافات شديدة بين زوجين، فهل ننصحه بالطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متأهل، ولديَّ أولاد وزوجة، ولكن دائم الاختلاف مع زوجتي، وقد حاولت مراراً أن أحل مشكلتي معها ولكن دون فائدة، وهي ليست راضية بالطلاق، ولا ترضيني من الناحية الجنسية، وعرفاً ليس مسموحاً عندنا أن نتزوج بالزوجة الثانية، أو لا يزوجون بناتهم بالرجل المتأهل، وأنا خائف إن استمر الوضع هكذا أن أرتكب المحذور، فأفيدوني، وأرشدوني، وأرجو منكم النصيحة، وكيفية الخلاص من مشكلتي هذه، وماذا هو الحل الأمثل؟ . جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تخلو بيوت الناس من مشكلات، وبعضها يسهل حلها، وبعضها يصعب، ولا بدَّ لمن أراد حل مشكلاته، أو مشكلات غيره أن يكون على علم بالأسباب التي أدت إلى ذلك الاختلاف، والتخاصم، والتنافر، سواء بين الزوجين، أو بين الصديقين، أو بين الأب وابنه، وعموم أطراف النزاع.
ونحن لا ندري عن سبب الاختلاف بينك وبين زوجتك، لذا فلن يكون منَّا إلا الإرشاد العام الذي يصلح لك ولغيرك.
ابحث – أخي السائل – عن سبب تلك الاختلافات بينك وبين زوجتك، فقد تكون أنت سبباً رئيساً وكبيراً فيها، بطبعٍ لك لا تستطيع تغييره، أو بسبب سوء معاملة منك لزوجتك، أو لقلة اهتمامك بها وبأولادك، أو لغير ذلك مما لا يحصى كثرة، فعليك معالجة أخطائك، وعليك أن تقضي على تلك الاختلافات بالقضاء على أسبابها إن كانت من طرفك، ولا يخفى عليك أن حسن العشرة للزوجة، وجميل الاهتمام بها، والثناء عليها بأعمالها، وحسن الرعاية للأولاد، مع الحرص على الإتيان بلوازم البيت: كل ذلك يجعل في قلب الزوجة رضا عن زوجها، وهو مما يجلب المودة بينهما، وينشر الرحمة في أرجاء البيت.
وأما إن كانت أسباب المشكلات والاختلافات بينكما هو: الزوجة، فعليك أيضاً معالجة ذلك عندها بالحكمة والموعظة الحسنة، وأسهل شيء على الزوج – في الأصل والغالب – أن يطوِّع زوجته لطرفه، وأن يجعلها تحب ما تبغض، وتبغض ما تحب؛ لأن الزوجة عندما ترضى برجل لها زوجاً فهي ترضى بأن تعيش وفق رغباته، واهتماماته، وليس شرطاً أن تكون محبة لذلك راضية عنه، وهذا طبع الزوجات في الأصل، لذا فإن المرأة تكون تابعةً لزوجها، ومن هنا كان تحريم تزويج المرأة المسلمة لكافر، ومن هنا أيضاً كانت الوصية بحسن اختيار الزوج، وأنه يكون صاحب خلُق ودِين؛ لئلاَّ تتأثر المرأة سلباً بدينه، وخلقه.
ثانياً:
وقد لا يتوافق زوجة مع زوجته في طبعهما، فلا هو بالقادر على تحسين تعامله مع زوجته، ولا هي بالراضخة لرغبات زوجها المباحة، وهنا تكون محطة الفراق بينهما، ويكون بقاؤهما زوجين تضييعاً للوقت، وتكثيراً للمشكلات، والآثام، وليعلم كلا الطرفين أنه لن يكون ناجحاً في زواجه الثاني إن كان الأول فاشلاً بسببه، ولعدم تغيير طباعه وسلوكه.
وبحسب ما جاء في السؤال: فإننا نقول: إذا لم ير الزوج إصلاحاً من الزوجة لنفسها تجاهه، وليس هو السبب في تلك المشكلات: فليس أمامه إلا الطلاق، وآخر الدواء الكي! ، وليس شرطاً أن ترضى الزوجة به حلاًّ، فرضاها ليس معتبراً لوقوع الطلاق، وإنما قلنا إن حل تلك المشكلات هو الطلاق لأسباب – من خلال سؤالك -:
الأول: تعذر صلاح حال زوجتك، وطول المدة التي استمرت بها تلك الاختلافات بينكما.
الثاني: عدم قدرتك على التزوج من أخرى، بسبب بيئتك.
الثالث: خشية وقوعك في الحرام بسبب عدم تلبيتها رغبتك الجنسية.
فأعطها فرصة أخيرة، وحدد لها وقتاً لتصلح نفسها، وحالها، فإن لم يحدث تغيير من طرفها: فلا تتردد في إيقاع الطلاق، واحذر من الوقوع في الحرام، فأنت الآن في شرع الله محصن، وحدُّك الرجم إن وقعت – لا قدر الله – في الحرام، وقد كثر الوعيد في الإسلام للمتعدي على حرمات غيره، وللواقع فيما حرَّم الله عليه من الفواحش، فاحذر أشد الحذر.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/77)
يسافر للسياحة ويمتنع عن أخذ زوجته معه وعلَّق طلاقها على سفرها! أحكام ونصائح
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي طلق عليَّ بالثلاث إن سافرتِ خارج البلاد فأنتِ طالق، ونيته الطلاق، وهو يسافر سنويّاً للسياحة مع الأصدقاء، ويقول: إن الفساد كثير هناك، وإني رجل غيور، أما هو فهو رجل، وليس هناك مانع من سفره، مع أنه لا يذهب إلا إلى أماكن الطبيعة، ويمنعنا أنا وأولاده من النزهة، حتى في بعض الأحيان هنا في السعودية، ويقول: لا أذهب بكم إلى مواقع الاختلاط، وتعبت من المناقشة معه، ويقول: كل سنة أذهب للسياحة، ولمدة شهر، هل يجوز أن يحرِّم عليَّ ما أحله الله لي من السياحة بالحلال، فهو يذهب متى ما أراد، مع أنه محافظ على الصلاة، وليس في بيتنا " دش "، ولا يسمع الأغاني، هل له أن يتركنا عند أهلي بدون رضاي؟ ماذا أفعل معه؟ ادع لي أن يكشف الله عني وعنه الغفلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله أولاً: قد بينا في جوابي السؤالين (111934) و (13342) أن الذهاب إلى دول الكفر، ودول الفسق والفجور، بقصد السياحة، والنزهة المجردة: أنه محرَّم، فالرجاء التكرم بمراجعتهما. ولا فرق في هذا الحكم بين الرجال والنساء، وذهاب زوجك وحده دونك: لا يعني أنه ينجيك من الفتن، بل إن ذهاب الرجل وحده من غير زوجته يعرضه هو للفتنة، فإن الزوجة تطفئ نار شهوته إن تأججت بما يراه من تبرج وعري في تلك البلاد، فما يعتقده زوجك – وغيره – أن عدم اصطحاب الزوجة إلى تلك البلاد أفضل: غير صحيح. وبكل حال: فإن الحكم عام، يشمل الرجال، والنساء، فلا يجوز لزوجك الذهاب لمثل تلك البلاد، ولا يجوز لك طلب ذلك منه لنفسك، ولا لأولادك؛ لما في ذلك من الحرمة، والتعرض للفتن، ورؤية المنكرات. والذي نوصي به الزوج إن كان يريد الجمع بين السياحة وإرضاء رغبتك بالذهاب معه: أن يختار السياحة الداخلية في بلادكم السعودية، حيث يتوفر الأماكن الملائمة للأسر الملتزمة، والتي لا يوجد فيها من المنكرات ما يوجد في البلاد الأخرى، ولا يحتاج الزوج معه لتصوير زوجته، أو تعريضها لأن يراها الأجانب، إذا كان السفر خارج المملكة. قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: كما أنصح أولياء أمور الطلبة خاصة بالمحافظة على أبنائهم، وعدم الاستجابة لطلبهم السفر إلى الخارج؛ لما في ذلك من الأضرار، والمفاسد، على دينهم، وأخلاقهم، وبلادهم - كما أسلفنا - , وفي بلادنا - بحمد الله - من التعليم لسائر أنواع العلوم ما يغني عن ذلك , وإن إرشادهم إلى أماكن النزهة، والاصطياف، في بلادنا - وهي كثيرة بحمد الله - والاستغناء بها عن غيرها: مما يتحقق بذلك المطلوب، وتحصل السلامة لشبابنا من الأخطار، والمتاعب، والعواقب الوخيمة، والصعوبات التي يتعرضون لها في البلاد الأجنبية. " فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 194) . وثمة أمر آخر: وهو أن يكون قضاء تلك الإجازة للتنقل برّاً بين المحافظات، والمناطق، لزيارة الأرحام، والأقارب، فتجمعون بين المتعة، وصلة الأرحام، وزيارة الأصدقاء. وكنَّا سنوصيكم بما هو خير من ذلك كله، وهو الذهاب للعمرة، مع الزوجة، والأولاد، ولكننا قرأنا في تعريفكم أنكم من " مكة المكرمة " فأغنانا ذلك عن الوصية بهذا، فلعلها تكون وصية لغيركم، ممن يرغب بسياحة مباحة، يكسب فيها الأجور، ويبتعد عن سخط ربه. ونرجو من الزوجة والزوج النظر في جواب السؤال رقم (87846) ففيه تفصيل مهم واف في مفهوم السياحة، وأنواعها، وأحكامها. على أننا ننبه أختنا السائلة إلى أنه في حال لم يستجب الزوج لنصيحتنا، وبقي مصرا على سفره، فليس ذلك مما يبيح لكم طلب السفر؛ لأن معصية الزوج ليست عذرا للزوجة في أن تقع في نفس المعصية، والمسألة ليست ديونا تقضى، أو قصاصا بينكما، وإنما هي حرمات الله جل جلاله، ودينه وشرعه؛ فإن أحسن زوجك: فأحسني معه، وإن أساء: فاجتنبي إساءته. ولا تنسي أن زوجك قد علَّق طلاقك على سفرك خارج البلاد، فلعلَّ هذا أن ينفع في عدم الإلحاح عليه بالسفر، والاكتفاء بالسياحة الداخلية؛ خشية وقوع الطلاق، وهي مفسدة تضاف لقائمة المفاسد السابقة في السفر خارج البلاد. ثانياً: وبخصوص تعليق طلاقكِ على سفركِ: فإن الطلاق يقع إن سافرتِ خارج البلاد كما ذكر لك زوجكِ، ولا خلاف بين العلماء في هذه المسألة؛ لأن زوجك نوى الطلاق كما تذكرين. وينظر في بيان هذا: أجوبة الأسئلة: (104614) و (39941) و (82400) . وطلاق الثلاث يقع طلقة واحدة. وانظر في ذلك جواب السؤال رقم: (96194) وليس بمقدوره التراجع عن هذا الطلاق المعلَّق إذا غيَّر رأيه، وأذن لك بالسفر. وينظر في ذلك فتوى اللجنة الدائمة في جواب السؤال رقم: (43481) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/78)
متزوجة وترغب التزوج بآخر زواج متعة!
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على مريضة بأمريكا مع زوجها، ومن شدة إعجابي به أطلب منه أن يؤمني بالصلاة، ويصطحبني إلى المسجد، ولكي لا يفارقني طلبت منه أن يصوم معي الأيام البيض، ورفض أمام زوجته، أُصرّ، وأتصل، ويصدني، هل يجوز أن أطلب منه أن يتزوجني متعة، علماً بأني مرافقة لزوجي المريض في أمريكا أيضاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
والله لا ندري هل هذا السؤال له واقع في الوجود أم هو محض خيال من باعثه، ولا ندري هل هو من عبث مرسله أم هو حقيقة فعلاً، وإن كان حقيقة ليس من نسج الخيال: فنحن أمام جهل وانحراف عن الجادة غير عاديين، امرأة متزوجة وتطلب من رجل يتزوجها متعة! هل هذا يمكن أن يصدر من مسلمة؟
وتبدأ المشكلة من خيانة المرأة لدينها، وزوجها، فقد زين لها الشيطان ذلك الأجنبي عنها، فوقع في قلبها الإعجاب به، ثم سوَّل لها لتجعل من العبادة طريقاً للوصول إليه، والتقرب منه! فأرادته إماماً لها! وصائماً معها! لتتوصل بذلك إلى فعل الفاحشة تحت مسمى "نكاح المتعة"!!
وكل هذا والزوج الغافل يظن أن امرأته العفيفة جاءت ترافقه في علاجه، وتسهر على راحته، وتؤدي بعض ما أوجب الله عليها من العشرة بالمعروف له.
ياهذه! نكاح المتعة ليس نكاحا صحيحا، بل هو زنى، وقد حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وانظري جواب السؤال رقم (1373) .
فالواجب على هذا المرأة الآن:
1. قطع علاقتها بذلك الرجل الأجنبي عنها فوراً، ودون تردد، أو تلكؤ، ولتحذر من تغليف علاقتها المحرمة بغلاف العبادة والطاعة؛ فإن هذا يزيدها إثماً.
2. زواج المتزوجة من غيرها لا يجيزه دين، ولا عرف، ولا قانون، ولا عقل، فمجرد تفكير المتزوجة به يدل على خلل يجب عليها تداركه، إما في دينها، أو عقلها.
3. الالتفات للعناية بزوجها، وعدم إطلاق بصرها فيما حرَّم عليها، ولتعلم أنها في قيامها على خدمة زوجها والعناية به تحصِّل أجوراً عظيمة من ربها تعالى، فلتحرص على هذا الباب من الخير، ولتتق الله ربها فيما تفعل، وتترك.
4. الرجوع بزوجها حال الانتهاء من العلاج فورا.
ونسأل الله تعالى لها الهداية والوقاية من الفتن.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/79)
أخوهنَّ له سوابق سيئة فهل يأثمون بأخذ الحيطة منه؟ وهل لوالدتهم طاعة عليهن هنا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في موقفي أنا وأخواتي اتجاه أخي الذي يكبرنا بـ (عشرة أعوام تقريباً) الذي علِمنا عنه من خلال كثرة ارتداده للسجن بسبب إما تعاطيه للمخدرات، أو الاتجار فيه , ومشاكل المشاجرات مع الجيران، هذا كله عبر السنوات الماضية منذ صغرنا إلى الآن، هذا كله ويدَّعي ببراءته أنها مكائد من الآخرين، وللأسف يصدقه والداي , وبعد وفاة والدي زادت مشاكله حيث يسكن الآن مع والدتي , وهو غير متزوج، وعاطل عن العمل، ويسكن في بيت الورثة، ويستفيد من إيجار محل الورثة , إلا أننا لم نخلص من مشاكله، وآخرها محاولة استدراج الأطفال الذكور من جيران أمي؛ لإعطائهم الخمر، والفعل الفاحش بهم، حيث رفع أحد آباء هؤلاء قضية عليه لمحاولة التحرش بابنه، ولا نعلم تفاصيل القضية، ولكن الذي نراه الآن أنه طليق حر , ويمثل دور البريء أمام أمي , ولكن أنا وأخواتي لدينا أطفال أكبرهم عمر العشر سنوات، وهو دائماً يحاول أن يجذب حبَّهم وودهم له عند زيارتنا للوالدة، وهذا ما يضايقنا، وأمي تلزمنا بأن نسلم عليه، ونؤمنه على أبنائنا , وبعد الحادث الأخير قررنا أن لا نزور أمي في المنزل الذي تقطن فيه، بل نجتمع في منزل إحدى أخواتي، حيث طلبنا من أمي أن تزورنا فيه لمواصلتها , ولكن أقامت أمي الدنيا ولم تقعدها، حيث دعت على أختي المسكينة بأسوأ أنواع الدعوات، وعلى أبنائها أن يصيبهم ما ابتلي به أخي , وهي غاضبة علينا الآن، فهل موقفنا في عدم الذهاب لمنزل أمي صائب أم خاطئ؟ فأنا أخاف أن يكون هذا عقوقاً لها , ولا نعلم كيف سيكون الأمر حيث اعتدنا التجمع في رمضان معها والعيد، فأمي الآن وحيدة كل هذه الأفكار تتعبني، أين الصواب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الوالدان مأموران بالنظر فيما يصلح أولادهم فيفعلونه، وفيما يفسدهم فيُبعدونهم عنه، ويحمونهم منه، وهي الوقاية التي أمرهما الله تعالى بها في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/ 6.
وإن الله سائل كل راعٍ عن رعيته، والوالدان مسئولان عن أودهم، فرَّطوا، أو نصحوا لهم.
عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) .
رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
ثانيا:
إذا رأيتم أن من مصلحة أولادكم البُعد عن خالهم، وعدم تمكينه من رؤيتهم، فضلاً عن ملامستهم، والاختلاء بهم، لا سيما وهو محل تهمة ـ على أقل تقدير ـ: فلا تترددوا في فعل ذلك، بل احرصوا عليه، وابذلوا من أجله جهدكم.
ولا عبرة برأي والدتكِ في هذا الباب، أو غضبها ودعائها عليكن، ولا طاعة لها عليك إن كنتِ ترين خطر تلك العلاقة التي تريد والدتك أن تكون بين أولادك وخالهم، فأنتِ ووالدهم هما المسئولان عن أولادكم، لا جدتهم، ورأيكم له ما يؤيده ويقويه، وذلك لما لخالهم من أحوال، وصفات، فالأمر ليس افتراء عليه، وليست المسألة خلافات شخصية، بل هو موقف مسؤول، له ما يبرره.
ثالثا:
وننصحكم بأمرٍ وسط، وهو زيارة والدتكِ في وقت تجزمون به بعدم وجود خالهم في البيت، أو أن تزوريها أنت وأخواتك بدون الأولاد، وإن أحبت أن ترى هي الأولاد، فليكن في بيت واحدة منكن. وإذا اضطررتم لتلك الزيارة، أو حضر في غير موعده: فلا تفارقي أولادك، ولا تمكنيه من الاختلاء بهم، ولو غضبت أمك من هذا الموقف، ودعت عليك وعلى أخواتك، واعلموا أنه لا قيمة لغضبها، ولا وزن لدعائها، فإنها تدعو بإثم، ولا يستجيب الله لها، بل يؤجركم على صبركم، وتحملكم، ونرى أن قطع زيارتها بالكلية قد يسيء إليها كثيراً، فاحرصوا على تحقيق الزيارة، مع الأمن من مكر أخيكم أن يسول له الشيطان فعل ما تندمون على تساهلكم معه طيلة العمر – لا قدَّر الله ذلك عليكم -.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
عن رجل سُرق له مبلغ، فظنَّ في أحد أولاده أنه هو أخذه، ثم صار يدعو عليه، وهجره، وهو بريء، ولم يكن أخذ شيئاً، فهل يؤجر الولد بدعاء والده عليه؟ .
فأجاب:
نعم، إذا كان الولد مظلوماً: فإن الله يكفِّر عنه بما يظلمه، ويؤجره على صبره، ويأثم مَن يدعو على غيره عدواناً.
" مجموع الفتاوى " (31 / 303) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(11/80)
يعاني من الوسوسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت أعانى من الوسوسة في ألفاظ الطلاق وكناياته، ولكن بعد سؤالي لأهل العلم بدأت حالتي تتحسن كثيرا بحمد الله وفضله وبدأت تتردد علي وساوس أخرى، وذلك ما يخص الدين نفسه، فمثلا كنت أحدث نفسي بحديث أن الوسوسة سوف تفسد علي ديني وحياتي، وقلت في نفسي ما معناه أن الوسوسة سوف تفقدني لذة العبادة، ولذة قراءة القرآن، فإذا بهاجس يأتيني لأستبدل كلمة القرآن بكلمة أخرى وهى إنجيل، وأنا والله أتألم لكتابة هذه الكلمة، الآن وسؤالي هو: أنا لا أستطيع أن أجزم هل تلفظت بهذه الكلمة أم لا؟ فما الحكم الشرعي في ذلك وما مدى تأثير ذلك على عصمة الزوجية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قلته في نفسك من أن الوسوسة سوف تفقدك لذة العبادة ولذة قراءة القرآن أو لذة الإنجيل، لا يضرك، ولا يترتب عليه شيء، فإن حديث النفس معفوٌّ عنه، بل لا يضرك لو تلفظت به؛ لأن ألفاظ الموسوس تصدر عنه دون قصد.
ومهما فكرت أو خطر ببالك من الأمور العظيمة التي قد يصعب على المرء حكايتها، فلا يضرك ذلك، ولك الأجر على كراهتها والنفور منها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره. كما قالت الصحابة: يا رسول الله، إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به. فقال: (ذاك صريح الإيمان) وفي رواية: (ما يتعاظم أن يتكلم به. قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان؛ كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه؛ فهذا أعظم الجهاد و " الصريح " الخالص كاللبن الصريح. وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية، ودفعوها، فخلص الإيمان فصار صريحا.
ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس؛ فمن الناس من يجيبها فيصير كافرا أو منافقا؛ ومنهم من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين، فإما أن يصير مؤمنا، وإما أن يصير منافقا؛ ولهذا يعرض للناس من الوساوس في الصلاة ما لا يعرض لهم إذا لم يصلوا، لأن الشيطان يكثر تعرضه للعبد إذا أراد الإنابة إلى ربه والتقرب إليه والاتصال به؛ فلهذا يعرض للمصلين ما لا يعرض لغيرهم، ويعرض لخاصة أهل العلم والدين أكثر مما يعرض للعامة، ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعبادة من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم، لأنه لم يسلك شرع الله ومنهاجه؛ بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه، وهذا مطلوب الشيطان، بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة، إنه عدوهم يطلب صدهم عن الله " انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/283) .
فلا تحزن ولا تيأس، وأعرض عن الوسوسة، وأكثر من الذكر والطاعة، وأبشر بالفرج القريب بإذن الله.
وانظر جواب السؤال رقم 39684 ورقم 62839
نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/81)
اكتشف زوجها علاقة لها سابقة مع عشيق صورها وهي عارية، فماذا يصنعون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أكملت الدراسة الجامعية، عندما كنت في الدراسة: كان معنا شاب بالفصل، تقرَّب إليَّ إلى أن جعلني أحبه في السنة الأخيرة من الدراسة، وكان يريد الزواج، وفعلاً تقدم لخطبتي، لكن أهلي رفضوا، وحاول عدة مرات، ولكن دون جدوى، فازداد تمسكي به، وكنا نتكلم بالهاتف ساعات، وبدأنا نمارس الجنس بالهاتف! وبعدها اتفقنا على لقاء في بيتنا، بعد خروج الأهل إلى الدوام، ونحن نتغيب، ونبقى وحدنا بالبيت، فمكَّنته من نفسي، لكن من الخلف! وصوَّرني وأنا عارية بموافقتي! لكي يحتفظ بها للذكرى؛ لأنه لم يقطع الأمل مني، كنت غائبة عن وعيي، وبعد فترة سافر، وتقدم رجل متدين، وطيب، فقبلتُ به؛ لأني ندمت على ما فعلت، فتزوجت منه، ولكن الفاجعة هو أني لم أكن بكراً، ففي البداية قلنا - أنا وزوجي - يمكن الغشاء مطاطي، والغشاء ليس دليل للعذرية، فتقبل الأمر زوجي، ولكن اتضح أنه يبحث، وأخذ إيميلي، وفتحه، كنت نسيت مسح الرسائل المرسلة مني للعاشق، فعرف أن لي علاقة غير شرعية، فجنَّ جنونه، فقرر أن يطلقني، ولكن لأنه متدين قرر ذلك بعد كم شهر؛ لكي يسترني، ولكن هو يحبني، واعترفت له بكل شيء، وأخبرته أنه لم يأتني من الأمام، وأني تبت، فبقيت معه، وأصبح لنا طفل، والآن يريد أن يطلقني، وهو حائر؛ لأن أهله يحبونني، وهو يحبني، ولكنه يخاف من عشيقي الأول، لربما يفضحني بالتصوير الذي عنده، بالرغم أن عشيقي الأول يحبني، وهو متفهم لوضعي، ويتصور أن أهلي أجبروني. وبارك لي، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المأساة متكررة، ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة؛ لأن هؤلاء لم يلتفتوا لشرع الله تعالى فيعظموه، ولم يأبهوا بالنواهي فيتركوها، فأبوا إلا أن يكونوا ألعوبة بيد إبليس يحركها كيف يشاء.
هذه السائلة وقعت في معاصٍ متعددة، أولها: دخول الجامعة المختلطة، ولطالما حذر العلماء الربانيون من هذه الفتنة، وبينوا ما فيها من مفاسد، وما تسببه من آثام، وقليل من يستجيب لهذا الحكم، وكثير لم يخرج منها إلا بمرض قلب، أو موت حياء، أو فاحشة يحمل همها إلى قبره، أو تلويث عرض له، ولأهله، لا يزول مع تعاقب الليل والنهار.
وثاني هذه المعاصي: العلاقة المحرمة مع ذلك الذئب البشري، ثم الخلوة المحرمة في بيتها، ونعجب كيف تصل الأمور بفتاة أن يكون عرضها أهون شيء عندها، فتكون هي الداعية لذلك الذئب ليفترسها في بيتها، فتخون دينها، وأهلها الذين ائتمنوها.
وثالث هذه المعاصي: اللواط، وهو كبيرة من كبائر الذنوب.
ورابعها: التصوير، وليت الأمر اقتصر على صورة لوجهها، بل رضيت أن تظهر عارية بالكامل! فإنا لله وإنا إليه راجعون!
وهذه الآثام والمعاصي ليست بالهينة، وأضرارها متعدية، وآلامها مبرحة، ولذا لا نعجب أن يعاقب الله تعالى هذه الفتاة؛ لتعديها على شرع الله تعالى، وإن تابت وصدقت في توبتها فإنما يكون ذلك من الابتلاء، فلعل غيرها ممن يقرأ قصتها هنا أن يرعوي، وأن يكف عن معصية ربه تعالى، وأن يجعل بينه وبين نار جهنم وقاية يقي نفسه بها، ذكوراً وإناثاً.
ونصيحتنا لهذه السائلة:
1. الاستمرار بالتوبة الصادقة، والإكثار من الأعمال الصالحة.
2. مداومة الإحسان لزوجها، والعشرة له بالمعروف.
3. دعاء الله بصدق وإخلاص أن يكشف عنها الغمة، وأن يهديها لما يحب ويرضى.
ونصيحتنا للزوج:
1. أن يقبل توبة زوجته، فالمعصية قديمة، والتوبة تجب ما قبلها، وما من أحد إلا وله ذنب يحب أن يُستر، ويُغفر، فليكن منه قبول لتوبتها، يستر ذنبها، ويتجاوز عنه، كما يحب أن يستر الله ذنبه، ويتجاوز عنه، وهي ليست خائنة له، ولو أنها فعلت ما فعلت أثناء الحياة الزوجية لحقَّ له أن يتشدد في أمرها، أما وقد كان ذلك أيام مراهقتها، ورضي هو بالتزوج من فتاة جامعية وهو يعلم حال الجامعات المختلطة، وأصبحت الآن تائبة، وصارت أم طفل له: فالمرجو أن يكون ذلك كله شافعاً عنده ليبقيها في ذمته، وينسى ما كان منها، ويكفيها حسرة ذنبها، وألم معصيتها، فلا يزيد عليها عذاب الطلاق والفراق.
2. أن يقدِّر المفاسد والمصالح في ذلك الطلاق والفراق، فهو سيخسر تائبة من ذنبها، وسيفرق بينه وبين ابنه، وهو يحبها، وأهله يحبونها، ففي اعتقادنا أن المفاسد كثيرة، وسيبقى متندماً على ذلك الطلاق لو حصل منه، ولا يدري الإنسان فقد يبتلى ويُمتحن بمثل ما يعامل الناس، فليحذر.
3. وهمسة في أذن الزوج: لم يكن لك التجسس على بريد زوجتك، ولا تقليب صفحات رسائلها، وكونك زوجاً لها لا يبيح لك ذلك، فهي خصوصيات لها، وليس لها تعلق بحياتك الزوجية، وليس من هدي الإسلام تتبع الناس في خصوصياتهم، وفضحهم، ومن هدي الإسلام الستر على أصحاب الذنوب المخفية، وعدم فضحهم والتشهير بهم، ولو أنك لم تعص الله في هذا، ما كنت علمتَ الذي علمتَ مما لا يؤثر على حياتك الزوجية.
ونرجو الله أن يكون ذلك الخبيث قد أتلف تلك الصور المشينة، وأن يهديه، ويصلح باله، ونرجو إن استمر الجمع بينكما أن لا تفكرا في موضوع الصور، ودعوا ذلك لرب العالَمين، فهو يتولى التائبين، والصالحين، وهو يكفيكم شرَّ تلك المعصية والمصيبة.
وهذه رسالة للآباء والأمهات:
اتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في أولادكم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/ 6، فهلاَّ استجبتم لربكم عز وجل، وتركتم ما أنتم عليه من غفلة عما يجري مع أولادكم، وتركتم حثهم على الدراسة أو العمل في أماكن الفتنة، والفساد، وهلاَّ أخلصتم له النصيحة، وأحسنتم لهم التربية؟! إن تقصيراً منكم في جانب من جوانب التربية سيجعلكم تعيشون في ندم، وهم، وغم، طيلة عمركم، وإن تفريطاً منكم في تربية أولادكم سيجعلكم تعيشون خزياً، وعاراً، لا ينمحي مع الأيام والليالي.
إن القصص المؤلمة كثيرة، وإن كلامنا نابع من حبنا للناس أن يطهروا أنفسهم، وأولادهم، وقد سمعنا، وقرأنا ما تشيب له رؤوس الولدان، فنرجو أن تكون مثل هذه القصص موعظة لنا لننتبه لأولادنا، واللَّهُ (خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) يوسف/ من الآية64.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/82)
اكتشف أن زوجته ليست بكراً وأنها كانت على علاقة مع رافضي فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجتُ من امرأة من عائلة محترمة، ولكن عند سؤالي عنها قبل الزواج أخبروني أنها كانت على علاقة حب مع شاب رافضي، وأهلها لم يقبلوا لأنه رافضي، وسألت زملاءهم من الثقات، وقالوا: لا يوجد علاقة، فقط يجلسون معا أمام الناس، فقررت أن أتزوجها لكي أخلصها من الخطأ، ولكن عند دخولي بها لم أجدها بكراً، فاعترفت لي بأنه مارس معها الجنس، ولكن دون ولوج، فربما وهي لا تعلم دخل بها، وهي كانت تائبة، ونادمة، فقررتُ أن أستر عليها لفترة، وبعدها أطلقها، ولكن حصل حمل، فماذا أفعل، والعشيق أعرفه، ويعرفني، أنا أموت من الغيظ، علماً أني ملتزم، وحججت البيت، ومن عائلة صوَّامة، قوَّامة، على السنَّة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي فهمناه من السؤال أن الحمل منكَ أنت، والظاهر أن علاقتها بذلك الرافضي وممارسته للجنس معها قد أعقبها فترة، حاضت بها، وزيادة، فإن كان الواقع غير ما فهمنا: فأعد مراسلتنا بتوضيح الصورة، وإن كان ما فهمناه صحيحاً مطابقاً للواقع: فالعقد الذي تم على زوجتك شرعي، والحمل في بطنها منك أنتَ، لا من ذلك الخبيث.
وجوابنا على سؤالك:
أن عليك أن تنظر في توبة زوجتك، وندمها، وصلاح حالها، فإن رأيتها على حال طيبة من ذلك كله: فافتح معها صفحة جديدة، بيضاء نقية، وأبقها في عصمتك، واجعل ما حصل معها درساً لها، حتى تعرف فضل الله عليها بأن سخر لها رجلاً شهماً مثلك ليستر عليها، ودرساً لها لتجنب بناتها أن يقعن فيما وقعتْ هي فيه من درن تلك المعصية، وتربيهم على ما تحب من الطهر والعفاف، وتصون فيهن ما خسرته من نفسها، بكيد الشيطان.
وإن لم ترَ منها توبة صادقة، وندماً أكيداً على ما فعلت، ولم تر نفسك قابلة للصفح عنها، وأنت غير مستعد لفتح صفحة جديدة معها بالكلية: فطلِّقها، ولو كانت حاملاً منك، وهو خير من تعذيب نفسك برؤيتها، ورؤية عشيقها السابق، وخير لها من سوء معاملتك، ودوام نظراتك المريبة لها.
مع تنبيهك بأنه إذا اخترت الخيار الأول: أنك تؤجر أجراً كريماً، إن شاء الله، فأنت تكون أعنتها على توبتها، وصلاح حالها، وتكون سترت عليها ستراً كاملاً، وفرَّجتَ عنها كربة عظيمة، ويسَّرت عليها عسيراً شديداً، وأنت موعود بوعد عظيم على فعلك هذا من رب العالَمين، في وقت أحوج ما تكون لهذه الإعانة، وذلك الأجر.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ) . رواه مسلم (2699) .
قال النووي – رحمه الله -:
في هذا فضل إعانة المسلم، وتفريج الكُرَب عنه، وستر زلاته، ويدخل في كشف الكربة، وتفريجها: مَن أزالها بماله، أو جاهه، أو مساعدته، والظاهر: أنه يدخل فيه من أزالها بإشارته، ورأيه، ودلالته.
وأما الستر المندوب إليه هنا: فالمراد به الستر على ذوي الهيئات، ونحوهم، ممن ليس هو معروفاً بالأذى، والفساد، فأما المعروف بذلك: فيستحب أن لا يستر عليه، بل تُرفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء، والفساد، وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله، هذا كله في ستر معصية وقعت، وانقضت. " شرح مسلم " (16 / 135) .
ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن يمن على زوجتك بالتوبة الصادقة، وأن يرزقكما ذرية طالحة طيبة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/83)
كيف يتعامل مع أبيه القاسي في معاملته له ولأمه ولأشقائه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم، ومتدين، والحمد الله، ولي أب ظالم , منذ أن ولدت على هذه الدنيا ووالدي يظلمني، أنا، وأمي، وإخوتي , مستحيل أن يمر يوم واحد دون أن يختلق المشاكل لنا، ويضرب أمي فيه , حتى في العيدين , والله لا أذكر عيداً واحداً دون أن يختلق مشاكل، ومصادمات فيه , مع العلم أنه كان يتقصد فعل ذلك من دون أن نفهم السبب , كل الناس تسمع ذكر الله، وتصلي في العيد , ونحن في البيت نسمع سخطه، وسبه، وإهاناته , والله أصبح الناس يكرهون مخالطتنا منه، ومن سوء معاملته معهم , لقد تدين أموالاً كثيرة من الناس، دون أن يسددها , وما زالت الديون تتكاثر حتى الآن , وظلمه يزداد يوماً بعد يوم , تارة يتهمني بأشياء لا صلة لي بها , وتارة يغضب عليَّ بعدد الشجر، والحجر، دون أن أعرف السبب، حتى غضبه نكون جالسين في الصالة، وكل شيء عادي , وبعدها لا تراه إلا يسب، ويشتم، ويضرب، من دون سبب، عندما كنت صغيراً: كان أقاربي يعطوني العيدية , كنت أفرح بها كثيراً , لكن عندما ينتهي العيد يأتي ويأخذها مني ليفعل بها ما يريد , كرهت هذا الأب، ولطالما فكرتُ أن أخرج من البيت، وأن لا أعود إليه أبداً , لكن ما يحز بخاطري هي أمي , لا أريد أن أتركها وحيدة معه , أنا أحب أمي كثيراً، وأحاول أن أفعل أي شيء حتى ترضى , لكن هو لا أطيق حتى أن أنظر إليه , لذلك أريد أن أسأل: كيف تكون المعاملة مع هذا الوالد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
خلق الله الخلق وجعل فيهم الرحمة والعطف، وهذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، وأقوى ما تكون هذه الرحمة، وأعظم ما يكون هذا العطف: هو ما يكون من الوالدين تجاه أولادهم، فإذا رأيت من لا يتصف بهذا من عموم الخلق، أو من خصوص الآباء والأمهات: فهو منتكس الفطرة، نُزعت الرحمة من قلبه، فصارت الحجارة خيراً منه، قال تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة/ 74.
وإن أعظم ما يسبب هذه القسوة – وبخاصة من الآباء – هو: الدين، والبيئة، ولذا رأينا المشركين يقتلون أولادهم بسبب الرزق! وخشية العار! وتقرباً لآلهتهم! فأي قسوة أعظم من هذه، أن يقدم الأب ويحفر لابنته حفرة، ثم يدفنها حيَّة؟! ، قال تعالى:
(وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) الأنعام/ 137.
وللبيئة البيتية، أو المكانية تأثيرها على القلوب في قسوتها، حتى إن بعض ساكني البيئات الجافة، والمنتكسة ليحن على حيوانه الأليف، أو على دابته أكثر من حنوه على أولاده.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ) .
رواه البخاري (5652) ومسلم (2317) .
ثانياً:
مع قسوة الأب، وغلظته، بل ولو كان معهما كفر بالله تعالى: فإن الله تعالى قد أمر ببرِّه، والتلطف في معاملته، ولا يستثنى من ذلك إلا الطاعة في المعصية؛ فإنها تحرم على الأولاد أن يفعلوها.
قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/ 23.
وقال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/ 15.
ثالثاً:
كيف يقابل الأولاد قسوة والدهم؟ إن أسهل الطرق للتخلص من هذه القسوة، وسوء المعاملة – أخي السائل – هي الخروج من البيت! لكنه ليس حلاًّ؛ لأن مقتضى الرحمة بالوالد تقتضي البقاء لدعوته، والإحسان إليه، ولسبب آخر: أن أمك، وأشقاءك أحوج ما يكونون إليه مع تلك المعاملة القاسية من والدك للجميع، لذا فإننا ننصحك بما يلي:
1. الصبر.
2. الإحسان إليه، وعدم رد الإساءة بمثلها.
3. الابتعاد بالكلية عن كل ما يغضبه، ويسبب له الاحتقان، من أفعال، وأقوال منكم.
4. الحرص على هدايته، وتعليمه، ووعظه، ونصحه، بالطرق المناسبة له، كإسماعه شريطاً، أو إهدائه كتاباً، أو التنسيق مع دعاة لزيارتكم، والتعرف عليه، أو غير ذلك مما يناب حاله، وبيئتكم.
4. الدعاء له بالهداية، والتوفيق.
سئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
نحن عشرة إخوة، تتدرج أعمارنا إلى تسع عشرة سنة، ونعيش مع والدنا، ووالدتنا في مسكن واحد، ونحن - والحمد لله - متمسكون بالدين الحنيف، فنصلي فروضاً، ونوافل، ونصوم فرضاً، وتطوعاً، ولكن مشكلتنا: والدنا، الذي يسيء معاملتنا في البيت، فهي أشبه بمعاملة البهائم، إن لم تكن أسوأ! بالرغم من أننا نوقره كل التوقير، ونحترمه جل الاحترام، ونهيئ له كل وسائل الراحة والهدوء، ولكنه مع ذلك يعاملنا ووالدتنا أسوأ معاملة، فلا ينادينا إلا بأسوأ الحيوانات، ودائما يدعو علينا وينتقدنا في كثرة تمسكنا بالدين، وإلى جانب ذلك كثيراً ما يغتاب الناس، ويسعى بالنميمة بينهم، ويفعل هذه الأفعال مع صلاته وصيامه، فهو محافظ على الصلوات المفروضة في المساجد، ولكنه لم يقلع عن هذه العادة السيئة، حتى سبَّب لنا ولوالدتنا الضجر، والضيق، فقد سئمنا صبراً، وأصبحنا لا نطيق العيش معه على هذه الحالة، فما هي نصيحتكم له؟ ونحن ماذا يجب علينا نحوه؟ جزاكم الله خيراً.
أولاً:
يجب على الوالد أن يحسن إلى أولاده، ويستعمل معهم اللين في وقته، والشدة في وقتها، فلا يكون شديداً دائماً، ولا يكون ليِّناً دائماً، بل يستعمل لكل وقت ما يناسبه؛ لأنه مربٍّ، ووالد، فيجب عليه أن يستعمل مع أولاده الأصلح، دائماً، وأبداً، إذا رأى منهم الإحسان: لا يشتد عليهم، وإذا رأى منهم الإساءة: يشتد عليهم، بنسبة تردعهم عن هذه الإساءة، ويكون حكيماً مع أولاده.
هذا هو الواجب عليه، فلا يقسو عليهم بما ينفرهم، ولا يشتد عليهم من غير موجب، ومن غير مبرر، بل يحسن أخلاقه معهم؛ لأنهم أولى الناس بإحسانه، وعطفه، وحتى ينشئوا على الدين، والخلق، والعادات السليمة.
أما إذا نفرهم بقسوته، وغلظته المستمرة: فإن ذلك مدعاة لأن ينفروا منه، وأن ينشئوا نشأة سيئة، فالواجب على الأب أن يلاحظ هذا مع أولاده؛ لأنهم أمانة عنده، وهو مسئول عنهم، وكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته.
أما واجبكم نحوه: الإحسان، والصبر على ما يصدر عنه، هو والدكم، وله الحق الكبير عليكم، وأنتم أولاده، الواجب: أن تحسنوا إليه، وأن تصبروا على ما يصدر منه من قسوة؛ فإن ذلك مدعاة لأن يتراجع، وأن يعرف خطأه، والله تعالى أعلم.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 382، 383، السؤال 504) .
وانظر جوابي السؤالين: (7722) و (87802) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/84)
كيف يتصرف مع والدته التي يعلم أن لها علاقات محرمة مع أجانب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أم، منذ صغري وأنا أراها تخون والدي، ونجد أعمالاً سحرية في غرفة نومهم، الخيانة مع أشخاص متعددين، والله إني أخاف عقاب الله وأنا أكتب، ولكن طفح الكيل؛ لأنه تبقى واحد من الأنجاس لا يزال على علاقة ببيتنا، وأبي قد توفي، الله يرحمه، الآن أصغر إخواني يذهب يتنزه مع هذا الرجل وأولاده، ربما يحاول يكفر عن خطيئته، ولكني لا أحتمل وجوده، ورؤيته، ولا أستطيع أن أواجه أمي بحقيقته. المهم: نشب نزاع بيني وبين أمي حول أخي الصغير، وخروجه معهم، والآن أنا مقاطع بيت أهلي؛ من أمي، وتصرفاتها المخزية، وتعلقها بالدنيا، فهي شخصية متسلطة جدّاً، والكذب، والخداع، والمراوغة لا تكلفها أي مجهود، أو تفكير، أنا تعبت من التفكير، كما أن لدي أختا سألت أحد المشايخ، فأجابها: بأنه ليس لها ما لباقي الأمهات، ومخالفتها لا يعد عقوقاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن صحَّ ما تقول عن والدتك من إقامتها علاقات غير شرعية مع رجال أجانب: فإنها تكون قد عرَّضت نفسها لسخط الله، وعذابه، فإن كانت وقعت في الزنا: فإن وعيدها أعظم، وخاصة وأنها محصنة، وحدُّ الزانية المحصنة: الرجم بالحجارة حتى الموت، والإحصان يحصل بالدخول الشرعي على متزوجة، ولو مرة واحدة، ولذا فإن هذا حكمها سواء كان والدك على قيد الحياة، أم فعلت ذلك بعد وفاته.
وانظر جواب السؤال رقم: (8981) .
والسحر الذي رأيتَه في غرفة نومها: إن كان بفعلها، أو عن طريقها: فهي على خطر عظيم؛ لما للسحر من شر في ذاته، ومن شدةٍ في حكمه، سواء فعله الساحر بنفسه، أم قصد مسلمٌ ساحراً ليسحر له أحداً من الناس.
وانظر جواب السؤال رقم: (13654) .
لذا يجب على أمك أن تتوب توبة صادقة، وعليك أن تعينها على هذه التوبة، وتحثها عليه، وترغِّبها إن هي تابت، وترهِّبها إن هي أصرت على فعلها، ومنكراتها.
ثانياً:
فد أخطأتَ بخروجك من البيت خطأً كبيراً، بل كان الواجب عليك: البقاء في البيت لتحمي أمك، وأخاك الصغير، وأختك، من ذلك الذئب الجائع، ونعجب منك كيف فهمت أن علاقة ذلك الرجل بأخيك إنما هي لتكفير خطيئته بعلاقته المحرمة مع والدتك! فمثل هذا لا يُحسَّن به الظن، بل ينبغي أن يحترس منه بسوء الظن، ولعل الأقرب أنه يتخذه قنطرة لقضاء مأربه، وتسهيل دخوله إلى المنزل.
فنرى أنك أخطأتَ خطأً عظيماً بهجرك للبيت، وأن الواجب عليك الآن الرجوع إليه، وأن تكون حامياً له، ولأفراد أسرتك، من طمع الطامعين، وكيد الكائدين، وبقاؤك مع تحملك لتصرفات أمك خير بكثير من هجرك للبيت لتنفس عن نفسك، فاتق الله تعالى ربك، وأنت الآن صاحب مسئولية، فلا تقدِّم هوى نفسك بتخليك عن تلك المسئوليات، وكن خير حامٍ لأسرتك، فهم أحوج ما يكونون لك.
فإن أمكنك الانتقال بأسرتك عن البلد التي يعيش فيها هذا الخبيث، ويتيسر اتصاله ببيتكم فيها، فافعل، حتى وإن كان فيه قدر من التعب، أو نوع من الخسارة المادية، فهو أيسر مما أنتم فيه، وأبعد لكم عن السوء والعار، عافانا الله وإياكم.
وبخصوص ذلك الخبيث: فليس لك إلا مواجهته، وطرده من بيتكم، والطلب منه عدم زيارتكم، والقدوم إليكم، وليكن منك إقناع بذلك لأخيك، حتى يعلم أنه غير مرغوب فيه، فتُقطع رجله عن القدم إليكم، ولا ينبغي لك التهاون في هذا، وبحسب ما جاء في بياناتك أن عمرك (31) وهو عمر رجل يستطيع فرض سيطرته على بيته، فافعل ذلك ولا تتردد.
ثالثاً:
مع ما تقوله من تصرفات والدتك: فإن حقها يبقى عليك في البرِّ، والتلطف في الكلام، وهذا هو الطريق المناسب لقلبها، وهدايتها، دون القسوة، والغلظة، ونرى أن من قال لك بسقوط حقها في البر والصلة أنه أخطأ، نعم، لا تعان على معصية، لكن يبقى برُّها على أولادها.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن امرأة مزوَّجة، ولها أولاد فتعلقت بشخصٍ أقامت معه على الفجور، فلما ظهر أمرها: سعَت في مفارقة الزوج، فهل بقيَ لها حق على أولادها بعد هذا الفعل؟ وهل عليهم إثم في قطعها؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرّاً؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم؟ .
فأجاب:
الواجب على أولادها وعصبتها: أن يمنعوها من المحرمات، فإن لم تمتنع إلا بالحبس: حبسوها، وإن احتاجت إلى القيد: قيَّدوها، وما ينبغي للولد أن يضرب أمََّه، وأمَّا برُّها: فليس لهم أن يمنعوها برَّها، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء، بل يمنعوها بحسب قدرتهم، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتلٍ ولا غيره، وعليهم الإثم في ذلك.
" مجموع الفتاوى " (34 / 177، 178) .
فالمطلوب منك أخي السائل:
1. الرجوع دون تردد إلى بيت أهلك.
2. القيام على أمك وأختك وأخيك بالعناية، والرعاية، والدعوة بالحسنى.
3. طرد ذلك الرجل الخبيث من بيتكم، ومن حياتكم.
4. منع أمك من لقاء أحد من الأجانب، أو استضافتهم في بيتها، ولو أدى ذلك إلى تقييدها، وحبسها في البيت، على أن تدرس عواقب ذلك، واحتمال وقوع ضرر عليك جراء فعله.
5. لا تمتنع من برها، ويحرم عليك عقوقها، فأحسن إليها، وتلطف معها، وأخرجها من بيئتها التي تعيش بها، وعرِّفها على أهل الفضل والعفاف، واذهب بها للعمرة، لعلها تغسل ذنبها، وتستغفر ربها، وتغيِّر حياتها للأفضل.
6. داوم على دعاء الله تعالى لأسرته بالهداية، ولك بالتوفيق والإعانة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/85)
معاناة داعية في بيت أهلها في دعوة والدها وأشقائها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتصرف مع أخي الصغير عمره 14 سنة، عندما ينام عن الصلاة؟ إذا أيقظناه يرد علينا بأسلوب سيء، يعمل مثل تصرفات أخيه الكبير، ويقلده في الرد الوقح عليَّ، وعلى أمي، وعندما أوقظه يقول لي أبي: " اتركيه ينام، وإذا استيقظ يصليها "، المشكلة: إذا كان أبي لا يأمره بالصلاة، ويقلد أخي في نومه عن الصلاة، ويسمع الأغاني، وحياته عبارة عن لعب في لعب، الألعاب الإليكترونية، كيف أغرس فيه القيم الفاضلة وهذا أبي وأخي يشكلون له القدوة؟ ومرة من المرات اكتشفت أنه يشاهد مشاهد وصور إباحية، ولم أعرف كيف أتصرف سوى أننا منعناه من دخول الإنترنت، وقد سألني في بعض المرات عن: ما هو الزنا؟ كيف أشرح له الإنجاب وهو في هذه السن الصغيرة؟ وأنا لا أريد أن يبحث عن الإجابة من مصادر أخرى، والشيء الثاني: كيف أتعامل مع أبي؟ أبي شخص لا يحب المشايخ، وكان يخاصم أمي لأنها تحث أخي الصغير على حفظ القرآن، ولا يذهب للمسجد، ويشكك في صحة أحاديث " البخاري "، ويقول: إننا يجب أن نعرض الأحاديث على العقل أولا، والنقاش معه لا يأتي بفائدة؛ لأنه مقتنع برأيه، وهو دائماً على صح، علماً بأنه الآن في الستين من عمره، ويتهمني بالتشدد إذا قلت له الأغاني حرام. أرجو أن ترشدوني إلى التعامل معهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يصلح شأنك، وأن يجعل عاقبتك إلى هدى وصلاح، وأن يجزيك خير الجزاء على حرصك على أهلك، وشفقتك عليهم من الوقوع فيما لا يرضي ربهم، وهكذا نريد الأخوات المستقيمات على طاعة الله تعالى، أن لا تكتفي الواحدة منهن بالهداية لنفسها، بل تحرص على إيصالها إلى من استطاعت، وإن أولى الناس بدعوتها، وجهدها، هم أهلها، فاستمري ـ بارك الله فيك ـ في دعوتهم، ونصحهم، وتذكيرهم، فأنتِ على خير إن شاء الله.
ثانياً:
المشكلة عندكم ليست في أخيك الذي يرفض الاستيقاظ للفجر، ويتصرف كأخيه الأكبر، إنما المشكلة في رب البيت، ومسئوله الأول، وهو والدك، فلو أنه كان على هدى واستقامة لأثمر ذلك نتائج طيبة – إن شاء الله – على البيت وأهله، وليته كان في موقف محايد من دعوتك لإخوتك للخير، بل رأيناه من الصادِّين لك عن دعوتهم، ونصحهم، لكن لا ينبغي لهذه العقبة أن تقف في طريقك وتردك للخلف، نعم، يمكنها أن تضيق عليك الطريق، وأن تجعل سلوكه صعباً، لكن إياك واليأس والقنوط، واحذري من التراجع، فليس هذا من صفات الدعاة إلى الله، الحريصين على إيصال الخير للناس، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد بذل من جهده ووقته ما بذل في سبيل إصلاح الناس، وابتدأ بأهله الأقربين، وقد أثمرت دعوته لهم خيراً عظيماً، ولم يكن ذلك إلا من صدقه، وإخلاصه، وصبره، واحتسابه، وهكذا هو عمل الأنبياء، وكذا هو عمل من يقوم بعملهم من الدعاة أمثالك، حتى وصل الأمر أن قال له ربه تعالى: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) فاطر/ من الآية 8، وقال: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) الكهف/ 6.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
يقول تعالى مسليّاً رسوله صلى الله عليه وسلم في حزنه على المشركين، لتركهم الإيمان وبُعدهم عنه، كما قال تعالى: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) فاطر/ 8، وقال: (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) النحل/ 127، وقال: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) الشعراء/ 3.
باخع: أي: مهلك نفسك بحزنك عليهم؛ ولهذا قال: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ) يعني: القرآن، (أَسَفًا) يقول: لا تهلك نفسك أسفًا.
قال قتادة: قَاتِل نَفْسَكَ غضبًا، وحزنًا عليهم، وقال مجاهد: جزعًا، والمعنى متقارب، أي: لا تأسف عليهم، بل أبلغهم رسالة الله، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.
" تفسير ابن كثير " (5 / 137) .
ثالثاً:
نحن وإن قلنا بأن علاج رأس البيت ضرورة لإصلاح من بعده، إلا أن هذا لا يعني التوقف عن إصلاح الآخرين، ونصحهم، سواء استجاب الأب، أو امتنع عن الاستجابة، وعدم استجابة الأب لا يمنع أن يستجيب أحد أبنائه، أو بناته، وها هو الدليل أمامنا، وهو أنتِ! فوالدك حاله ما ذكرتِ، وأنت حالك من الحرص على الخير ومحبته ظاهر من رسالتك، ويمكن أن يزيد العدد، فتصبحون اثنين، وثلاثة، وأكثر، فمع دعوة والدك للخير: لا تقصري البتة في دعوة أشقائك، وشقيقاتك، وما عليك إلا بذل الجهد، والله يتولاكِ، وييسر أمرك، واسأليه الإعانة، واحرصي على الدعاء لهم بالهداية، وكل ذلك من الدعوة، والدعاء: هو من هدي الأنبياء والمرسلين.
رابعاً:
لدعوة إخوتك: احرصي على التلطف في الأسلوب عند النصح والتوجيه، ووثقي علاقتك بهم، وانظري ماذا يحبون من الأشياء المباحة فقدميه لهم هدية؛ فإن هذا مما يحببهم لشخصك، وانظري البرامج النافعة في القنوات الإسلامية ليشاهها، فبعض تلك البرامج مؤثر للغاية، ومن المهم تجنب القسوة والعنف في التعامل؛ فسنُّهم لا يجعل مثل هذا مجدياً، وإذا جعلوك قدوة لهم تكونين نجحتِ في دعوتك؛ لأنهم يفتقدون القدوة الصالحة، وكم سمعنا وقرأنا عن عظيم تأثير بعض الأخوات الفاضلات على بيوت أهاليهن، حتى أصبحن هن الموجهات لدفة قيادته، وصرن مرجعاً لأهل البيت، ومحط ثقة الجميع، فاحرصي على هذا، فلعلَّ الله أن يهدي أفراد الأسرة جميعها على يديك، وتنالين الأجر الوافر من رب العالمين.
وبخصوص ما ترينه على إخوتك من فعل منكرات: فلا تعنفي عليهم، وتلطفي في الإنكار عليهم، وحاولي تقوية إيمانه ودينه؛ فإن من شأن ذلك أن يتخلص هو بنفسه من أفعال السوء والمنكر.
وأما بخصوص التعامل مع والدك: ففي جواب السؤال رقم: (95588) ما ينفعك، فنرجو الاطلاع عليه.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن يهدي أهلك جميعاً للبر والتقوى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/86)
طلبت الطلاق لهجر زوجها لها وأكله الحرام بشهادته المزورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مطلقة وطلبت الطلاق لأسباب: الهجر، ولأنه يرشي ليأخذ شهادةً عاليةً، مع العلم أنني نصحته بأن المال من وراء هذه الشهادة حرام، وأيضا هو غير غافل عن ذلك، ويعلم ذلك واستمر في الرشوة عدة مرات وحصل على ما يريد. وأيضا: أنه أسكن ابن أخيه البالغ من العمر 18 عاماً معي بالشقة، وسلمه المفتاح له يدخل ويخرج حيث شاء، وحدث خلاف بيني وبينه على هذا الموضوع وبنفس الوقت: أهان أهلي الذين لم يقصروه بشيء مع العلم كنا أنا وهو متواجدين خارج البلد لظروف عمله وبعدها أخذ التلفون مني وأرسلني إلى بلدي بدون محرم وحدي أنا مع أولادي الذي لا يتعدى عمرهم 5سنوات مع الخادمة وهنا بدأ الهجر وحصلت مشاكل كثيرة بعدها غير أخلاقية وطلبت الطلاق، فهل علي إثم في طلبي الطلاق؟ وأغلب معاملته لي كخادمة مع عدم الاحترام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج آية من آيات الله، ونعمة من نعمه، يجد فيها الزوجان السكن والأنس، والمودة والرحمة، مع العفة والإحصان، وإنجاب الذرية الصالحة التي تعمر الأرض وفق منهج الله. كما قال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.
وهذه مقاصد الزواج التي شرع من أجلها، فإذا لم تتحقق هذه المقاصد، كان الطلاق سبيلا مشروعا، يمهّد للانتقال لحياة زوجية أخرى، تتحقق فيها أهداف النكاح ومقاصده.
وما ذكرتِه من الهجر وسوء المعاملة وأكله الحرام بشهادته المزورة، يبيح لك سؤال الطلاق؛ لما روى الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله: "من غير بأس" أي: من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة.
ونسأل الله أن يوفقك ويعينك وييسر أمرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/87)
تزوج أخوه دون علم أهله، والآن أهله يريدونه أن يتزوج؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد مشورتكم بمشكلة بدأت منذ 10 سنوات تقريباً: في يوم من الأيام وقعت في يدي صورة لأخي وامرأة، وعندما واجهته: اعترف لي أنه تزوج، وأنه لم يعد قادراً على التحمل بدون زواج، زوجته أكبر منه بسبع سنوات، مطلقة، من دولة عربية، لم تحصل حتى على الشهادة الابتدائية، من عائلة مستورة، تزوجها بمهر زهيد، في تلك الأيام كان أخي طالباً جامعيّاً، يدرس صباحاً، وفي المساء يكدح على السيارة التي اشتراها له أبي، وانتقل للعيش مع زوجته (أمام أهلي ادعى أنه ينام مع أصحابه في عزوبية) ، حاولت أن يعترف لأهلي بموضوع زواجه، لكنه أقنعني بأنه سيؤجل الموضوع لحين تخرجه، ووظيفته، الآن تخرَّج أخي، وتوظَّف وظيفة في قطاع خاص، وبدأ أهلي يلحون عليه بالزواج، وبدأ يتهرب، وأخيراً: طلب من أمي أن تخطب له فتاة معينة (زوجته!) يحاول أن يصلح الموضوع دون أن يُشعر أمي وأبي بأنه متزوج، وتعرفنا على عائلة زوجة أخي، ولم يُعجبوا أهلي لأنهم من بلد آخر، ومستواهم الاجتماعي لا يناسب مستوانا، والفتاة مطلقة، غير متعلمة، غير جميلة، أخبر أخي أهلي بأنه يحبها، ويرغب بها، ولا يريد أي امرأة أخرى، كما أخبرني بأن زواجه عن طريق مأذون شرعي، ولكنه غير مسجل لأنه يتطلب إجراءات كثيرة ولا بد من موافقة جهات حكومية عليه، ويحتاج أن يبلغ الثلاثين عاماً ليكون مسموحاً له الزواج من أجنبية، وأن زوجته على كفالة أحد أقربائها، وأنها لا تستطيع أن تنجب له، وأنه خلال السنوات الماضية حملت أربع مرات، ولكن لم تتم الحمل، كما أنها تعاني من عدة أمراض تمنع إنجابها. لذلك هو يفكر جديّاً بالزواج من أخرى، ويستخرج بطاقة عائلة، ويمضي في حياته بصورة طبيعية ثم يصحح وضعه مع الأولى ويقوم بإجراءات الزواج من أجنبية، وأن إخبار أهلي بالموضوع، أو حتى العروس التي يخطبها، حاليّاً لن يجلب غير المشاكل التي لا جدوى منها. في الفترة الأخيرة: أمي كثفت جهودها، ووجدت فتاة مناسبة، وحصلت الرؤية الشرعية، لا أخفيكم كم مرة أخي حاول تأجيل الموضوع، والتزويغ، وإيجاد حجج لتعطيل الخطبة، لا أستطيع أن أصف شعوري بالذنب في حق العروس (أشعر بأننا خدعناها) ، وفي حق زوجة أخي (ما هو ذنبها يتخلى عنها أخي بعد هذه السنوات الطويلة) ، وأشعر بالذنب لأني كنت أعرف موضوع زواج أخي ولم أفعل شيئاً، وخبأت الموضوع عن أمي وأبي، لقد تحدثت مع أخي، فقال لي: " عادي أتزوج! أنا لست أول رجل يتزوج امرأتين، سأبذل كل ما في وسعي، أبي سيساعدني في المصاريف، سأسكن العروس بجوار أهلها، أو استأجر في بيتهم، حتى لا تشعر بالوحدة عندما أكون مع الأولى، التي هي أيضا تسكن مع أهلها، ولديها وظيفتها، ولن تتضايق من زواجي ". كما أتمنى أن أجد تفسيراً لتصرف أمي، وأبي، معقول؟ ألم يفهموا أنه متزوج؟ برغم من وجود دلائل كثيرة؟ أم إنهما يكابران ولا يريدان الاعتراف بزواجه الأول؟ أم إنهما يحاولان فرض ما يريدان؟ . هل يجب عليَّ إخبار أهلي، والعروس عن موضوع زواجه الأول؟ أم أسكت؟ هل عليَّ ذنب لو سكتُّ؟ خصوصاً أن أخي يقول الإخبار لن يجلب سوى المشاكل، وفي نفس الوقت أشعر أن السكوت فيه غش وخداع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أحسن أخوك بالزواج حفظاً لنفسه من الوقوع في المعصية، حتى وإن كان لا يزال يدرس؛ وقد رأينا كثيراً من الشباب يعزف عن التفكير في الزواج أثناء دراسته؛ ليطلق العنان لبصره أن يجول في النساء، والشهوات، وأما المستقيمون على طاعة الله تعالى فإنه يزعجهم تأخر زواجهم، وهم لا يجدون أباً ينتبه لشهوتهم وفتنتهم، وتجد هذا الأب مستعدّاً لبذل الغالي والنفيس، بل والوقوع في المحرمات والكبائر – كأخذ القروض الربوية – من أجل تدريس ابنه، ولا يجعل من تفكيره نصيباً لتزويج ابنه، وإنقاذه من فتن الشهوات.
وفي الوقت نفسه: نرى أنه أخطأ في ناحيتين:
الأولى: أنه لم يحاول إخبار والديه وإقناعهما بفكرة الزواج قبل الإقدام على إتمامه، مع تطمين أسرته بأنه سوف يحاول أن يعمل أثناء دراسته، للوفاء بمتطلبات زواجه، إذا لم تكن الأسرة قادرة على ذلك.
والثانية: أنه في حال تحتم تزوجه من غير رضا أهله: نرى لو كان زواجه قانونيّاً بالإضافة لكونه شرعيّاً، فنحن لا نشك أن الزواج الشرعي هو الذي تترتب عليه الأحكام الشرعية، ولكن لا غنى لنا عن موافقة الدولة على هذا الزواج لترتب مصالح عظيمة على ذلك، كمثل تسجيل الأبناء في " دفتر العائلة "، ونسبتهم إلى الأبوين، وكمثل رفع التهمة عن طرفي الزواج، وسلامتهما من الإيذاء والضرر، وكمثل ترتب أحكام الميراث على إثبات ذلك الزواج، وغير ذلك كثير مما فيه جلب مصالح، ودفع مفاسد ومضار.
وانظروا جواب السؤال رقم: (22728) .
ثانياً:
الذي نراه في حل مشكلة أخيكِ هو الصدع بالحق، والصدق بالقول، مع أهله، وأن لا يتردد في إخبارهم بحقيقة أنه متزوج من تلك المرأة، وأنها زوجته على شرع الله تعالى، ومن حق تلك المرأة أن يكون لها كيانٌ محترم عند أهله، وما فعله من إحضار أهله ليروها مخطوبة لم يكن مرضياً، وخاصة أنه فشل، ولم يحصل منهم موافقة عليها زوجة له، ويمكن أن يظهروا للناس أنه قد تزوجها حديثاً، وذلك بعمل احتفال شرعي، وإعلان النكاح أمامهم؛ خشية من الحرج، أما أمام أهله: فنرى أن يكون منه مواجهة للواقع، وإثبات ما حصل منه لهم، والعقلاء يجدون فعله مسوغاً، لا حرج فيه، فهو أراد تحصين فرجه، وهو أمرٌ يُشكر عليه، ولا يلام.
ونرى أن سكوته عن خبر زواجه سيُضَيع على زوجته حقوقها، وقد يسبب لها ضرراً في المستقبل باتهامها بما ليس فيها، وجمعه بين زوجتين وإن كان مباحاً: إلا أنه سيضطر لأن يعيش عيشاً سريّاً في نصفه! وسيجلب عليه من المشكلات ما ليس في حسبانه، وقد يتسبب في ظلمها عندما يتزوج بأخرى، ولا يستطيع العدل في زواجه، ولن يميل – في الغالب – إلا على الطرف الضعيف.
لذا فإننا نرى أن يبادر هو بإخبار أهله بما فعل، ويضعهم في صورة الأمر، ويعالج معهم موضوع تسجيل الزواج، وإثباته وفق قوانين الدولة، ولا يتهاون في هذا، ولا يتردد فيه، ويمكنك تهديده بأنه إن لم يُصلح الوضع ويخبر أهله أنك ستفعل أنت ذلك، وللعلم فإن لوماً كبيراً سيقع عليك أنت لو علم أهلك من غير أخيك أنه متزوج، وأنك كنت تعلم، فنرى لك إقناعه بالحسنى بإخبارهم، وأنك ستفعل هذا لو أنه لم يفعل، والصدق منجاة، وكتمان مثل هذا من المحال إلا مع الظلم والجور والمفاسد المتعددة.
والله نسأل أن يهديه، ويوفقه لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/88)
مترددة في لبس غطاء الوجه وتحتاج من يشجعها على فعل ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أرسل إليك بخصوص الحجاب، ومصارعتي مع الشيطان من أجل أن أرتديه، أنا منذ سنتين أريد أن أرتدي الحجاب، ولكنني لم أستطع اتخاذ هذه الخطوة، وأنا والحمد لله من عائلة ملتزمة، ولكن المشكلة أن لبس الخمار عندنا ليس منتشراً كما عندكم، وليس الجميع يتقبل هذا الشيء، فلا بد من معين لذلك بعد الله. والمشكلة الثانية - وربما أنها ليست مشكلة في نظرك، ولكن أريد أن أتخلص من هذه الوساوس - والمشكلة أني قصيرة القامة، وأنا - والله شهيد على ما أقول - أريد أن أعمل ما يرضي الله، وأرتاح من هذا الصراع المؤلم الذي لا يشعر أحد به إلا الله، فأريد أن تكون معيني بعد الله، وترشدني على طريق الهداية، وهل لي أن أنال رضا الله من دون ارتداء الحجاب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مما يميز المسلم المستقيم على طاعة الله أنه لا يتردد في تنفيذ أوامر ربه تعالى، ولا يتلكأ، بل يبادر إليه، ويُري ربَّه أنه قد حقَّق الإيمان الذي أمره به، وأنه يتشرف بكونه من المستسلمين لأمره عز وجلَّ ودينه، ولو خالف ذلك عاداتٍ اعتادها، أو هوى في نفسه يحثه على مخالفة أمر ربه، وقد ضرب الصحابة في ذلك أروع الأمثلة، ومن ذلك:
1. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي، فَقَالَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا، فَهَرَقْتُهَا. رواه البخاري (2332) ومسلم (1980) .
ولم تكن المسارعة في الاستجابة لأمر الله تعالى خاصة بالرجال من الصحابة وحدهم، بل قد شاركهم النساء في ذلك، ومن أمثلته مما له تعلق بالسؤال:
2. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) : شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا. رواه البخاري (4480) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قوله " مروطهن ": جمع مرط، وهو الإزار.
" فاختمرن " أي: غطين وجوههن.
" فتح الباري " (8 / 490) .
واعلمي أيتها الأخت السائلة أن الاستجابة لأوامر الله تعالى لا اختيار للمسلم فيها، فعليه أن يمتثل أمر الله تعالى، مهما كان الأمر مخالفاً لهواه، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/ 36.
ثانياً:
اعلمي أيتها الأخت السائلة أن للشيطان طرقاً كثيرة في صد العبد عن دين الله تعالى، وعن الالتزام بأحكامه، وشرائعه، فعليك التفطن لهذه الطرق، وقطعها عليه، فقولك: إن الخمار ليس منتشراً عندكم، وليس الجميع يتقبله: ليس عذراً مقبولاً، ويمكنك قطع تلك الطرق على الشيطان بأن تبادري لأن تكوني سبباً لانتشار غطاء الوجه، ولتحوزي شرف المبادرة، ولتحصلي أجور من يأتي بعدك ويفعل فعلك، فبدلاً من أن يكون ما ذكرتِ عائقاً أمامك عن تنفيذ أمر الله تعالى، فليكن سبباً لتنفيذه، والمبادرة بفعله.
واعلمي أنه قد يوجد في بيئتك ممن حولك من أخواتك من ينتظر مثل هذا الأمر من مثلك، لتبادر هي الأخرى بفعل الأمر نفسه، وقد يكون هناك ثالثة، ورابعة، وأكثر، فلتكن منك البداية، وبفعلك يكون التشجيع لغيرك على إظهار ذلك الستر المأمور به.
ثم أيتها الأخت السائلة: لماذا تجهر النساء حولك بلبس القصير والضيق والشفاف وغيرها من الألبسة المحرمة، ولا تجد حرجاً من ذلك، مع كونه محرَّماً؟ ولماذا تجرؤ النساء العاصيات على المجاهرة بمعاصيهن.
فإذا كان هؤلاء لا يستحين وهم يعصين الله، فكيف نستحي نحن أو نضعف ونحن نطيع الله، وننشر الفضيلة والعفاف والطهر في المجتمع.
فبادري بتنفيذ أمر الله، واحرصي على الخير لنفسك، واعلمي أنه لن ينفعك أحد ممن تحرصين على رضاهم الآن عندما تلقين ربك بأعمالك، ولا تتذرعي بحجج ضعيفة لترك ما يأمرك الله تعالى به، فليس قصر قامتك بعذر لك أيضاً لتتركي غطاء الوجه، فكشفك لوجهك لن يزيد من طول قامتك، وإياك أن تجعلي ثغرة في نفسك ليلج منها الشيطان فيقنعك بمثل هذه الأعذار الواهية، وها هنَّ النساء المستقيمات على أمر الله تعالى في العالَم كله يلتزمن النقاب، والخمار، ولا يلتفتن لمثل هذه الأعذار.
واستعيني بالله تعالى ربك على تثبيتك على الحق، وإعانته لك على فعل الطاعات، وترك المنكرات، فهو نعم المولى، ونعم النصير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/89)
تعرف صديقه على امرأة، فهل يتصل بها ليطلب منها الابتعاد عنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أصدقاء زوجي تعرف على امرأة، وزوجي يريد أن يكلمها في التليفون لتبعد عن صديقه لأنه متزوج ومعه أولاد فهل يجوز له ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
كلام الرجل مع المرأة الأجنبية جائز إذا دعت إليه الحاجة، ولم يكن فيه خضوع بالقول من المرأة، ولا تلذذ من الرجل، وكان الكلام مباحا.
وإنما قَيَّدْناه بالحاجة، سدا للذريعة؛ لأن الاسترسال في الكلام دون حاجة قد يفضي إلى المحظور.
وعليه؛ فلا حرج في كلام الرجل مع المرأة في بيع أو شراء أو استفتاء أو تطبيب، ونحو ذلك إذا روعيت تلك الضوابط.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم 1121
وأما كلام زوجك مع تلك المرأة ونصحها لتبتعد عن صديقه، فهذا تراعى فيه – إضافة إلى ما سبق - المصالح والمفاسد، فقد يكون في اتصاله عليها مصلحة، وقد تكون هناك مفسدة ومضرة، وقد لا تدعو الحاجة لذلك، ويستغني عن ذلك برسالة مجهولة فيها نصح وتذكير وتخويف وتهديد، وهذا يختلف باختلاف حال زوجك، وحال المرأة المذكورة.
والأسلم ألا يقحم نفسه في اتصال مباشر معها قد يجره إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة إذا كانت المرأة لا تبالي بإقامة العلاقات مع الرجال، ولا يردعها عن ذلك رادع.
وعلى زوجك أن ينصح صديقه بالابتعاد عن تلك المرأة، ويذكره ويخوفه بالله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/90)
يعاني من الاحتقان والألم وأرشده الطبيب إلى الاستمناء
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تعذرني فإن الله لا يستحيي من الحق.. أنا شاب عمري 19 سنة.. من الله علي بالالتزام وطلب العلم وحفظ كتابه الكريم.. لكن مشكلتي أنني أعاني من ضغط الرغبة.. وأدى ذلك إلى ظهور ألم متقطع في الخصية (أحيانا يكون شديد جداً) ، وصعوبة في التبول.. فسألت طبيباً مسلماً عن طريق الإنترنت ووصفت له الأعراض بدقة.. فقال لي إني أعاني من احتقان بسبب الاستثارة المستمرة وعدم التفريغ.. ثم أخبرني أنه في حال زيادة الاستثارة فعلي أن أستمني لكي يزول ذلك الاحتقان.. علماً بأني لا زلت طالباً ولست قادراً على الزواج.. والصيام يضعفني جداً (ذهنياً وجسدياً) .. وأنا أحاول قدر استطاعتي الابتعاد عن المثيرات ولكن لا مخرج من كثير منها كما تعلمون.. خاصة في هذا الزمن.. أنا مستحي جداً من نفسي.. خاصة أن الناس ينظرون إلي نظر القدوة والاحترام.. وبت أعيش صراعاً نفسياً مريراً بسبب هذا الأمر.. لأني أحس أحياناً أن نيتي لا تكون نقية عندما أفعل هذه العادة.. أي أن الأمر يختلط عندي بين إزالة الضرر والحصول على اللذة.. فهل علي إثم إذا حبست هذا الماء في جسمي ولم أخرجه؟ .. مع علمي أن ذلك قد يضر بي.. وقد يؤدي إلى حدوث التهابات أو مضاعفات أخرى؟ سؤالي الثاني: عرض علي أحد الإخوة أن أتزوج ابنته (من غير أن أحدثه بشيء من قبل) ، وقال لي إنه سيتكفل بالنفقة علينا بل وعلى دراستي، ولكني رفضت ذلك، لأني لا أقبل على نفسي أن ينفق علي وعلى زوجتي أحد أو أن يكون له الفضل بحيث يكون موقفي ضعيفاً، أن عمي لديه منة علي، فهل ما فعلته صحيح؟ أم كان واجباً علي أن أقبل لأعف نفسي؟ وإذا تكرر هذا الموقف فماذا أفعل؟ وهل يجوز في مثل حالتي الزواج بنية الطلاق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الاستمناء محرم لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (329) .
وإذا كان محرماً فلا مطمع لأن يكون دواء وعلاجاً؛ لأن الله لم يجعل الشفاء في ما حرم على عباده.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. رواه البخاري تعليقا في كتاب الأشربة، باب شراب الحلوى والعسل.
والإنسان قد يتوهم في شيء ما أنه علاج ودواء، وهو في الحقيقة داء وبلاء، كمن توهم أن في الخمر شفاء، كما في الحديث الذي رواه مسلم (3670) عن طارق بن سويد الجعفي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها فقال: إنما أصنعها للدواء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس بدواء، ولكنه داء) .
فالاستمناء كذلك، قد تظنه دواء وعلاجا، وهو داء، لا يكاد من ابتلي به أن يقلع عنه، وليس لصاحبه منتهى يقف عنده، وأما الصوم فإنه علاج نبوي نافع، لكنه يحتاج إلى مواظبة واستمرار، مع الأخذ بالأسباب المعينة، من غض البصر، وترك الفراغ، والانشغال بالطاعة، واختيار الرفقة الصالحة.
وأجاز بعض الفقهاء الاستمناء عند خوف الإنسان على دينه أو بدنه، من باب ارتكاب أخف المفسدتين.
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عَنْ رَجُلٍ يَهِيجُ عَلَيْهِ بَدَنُهُ فَيَسْتَمْنِيَ بِيَدِهِ ... وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ إزَالَةَ هَذَا بِالصَّوْمِ، لَكِنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ؟
فأجاب: "أَمَّا مَا نَزَلَ مِنْ الْمَاءِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيهِ، لَكِنْ عَلَيْهِ الْغُسْلُ إذَا أَنْزَلَ الْمَاءَ الدَّافِقَ. وَأَمَّا إنْزَالُهُ بِاخْتِيَارِهِ بِأَنْ يَسْتَمْنِيَ بِيَدِهِ: فَهَذَا حَرَامٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، بَلْ أَظْهَرُهُمَا. وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، لَكِنْ إنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ مِثْلُ أَنْ يَخَافَ الزِّنَا إنْ لَمْ يَسْتَمْنِ أَوْ يَخَافَ الْمَرَضَ، فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَقَدْ رَخَّصَ فِي هَذِهِ الْحَالِ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَنَهَى عَنْهُ آخَرُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/439) . وينظر: "مطالب أولي النهى" (6/225) ، "كشاف القناع" (6/125) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قال: (ومن استمنى بيده بغير حاجة عُزِّر) ... وقوله (بغير حاجة) أي من غير حاجة إلى ذلك، والحاجة نوعان: حاجة دينية، وحاجة بدنية.
أما الحاجة الدينية: فهو أن يخشى الإنسان على نفسه من الزنا بأن يكون في بلد يتمكن من الزنا فإنه يقول: إذا اشتدت به الشهوة فإما أنه يطفئها بهذا الفعل، وإما أن يذهب إلى أي مكان من هذه البغايا ويزني، فنقول له هنا: هذه حاجة شرعية؛ لأن القاعدة المقررة في الشرع أنه يجب أن ندفع أعلى المفسدتين بأدناهما، وهذا ما يوافق العقل، فإذا كان هذا الإنسان لابد أن يأتي شهوته، فإما هذا وإما هذا، فإنا نقول حينئذ: يباح له هذا الفعل للضرورة.
أما الحاجة البدنية: فأن يخشى الإنسان على بدنه من الضرر إذا لم يخرج هذا الفائض الذي عنده، لأن بعض الناس قد يكون قوي الشهوة فإذا لم يخرج هذا الفائض الذي عنده فإنه يحصل به تعقد، يكره أن يعاشر الناس ويجلس معهم.
فإذا كان يخشى على نفسه من الضرر فإنه يجوز له أن يفعل هذا الفعل لأنها حاجة بدنية، فإن لم يكن بحاجة، وفعل ذلك فإنه يُعَزَّر، أي: يؤدب بما يردعه. " انتهى من "الشرح الممتع" (14/318) .
ثانياً:
ينبغي أن تتجنب كل ما يثير الشهوة من النظر أو السماع أو قراءة الروايات ونحوها، أو مصاحبة من تجلب مصاحبته ذلك، ليسلم لك دينك وبدنك، وراجع جواب السؤال رقم (20161) ففيه بعض النصائح لمقاومة خطر الغريزة الجنسية.
ثالثاً:
إذا عرض عليك أحدهم الزواج من ابنته وتحمل نفقتكما معا، وكان هذا الرجل دَيِّناً صالحاً، تأمن إخلافه الوعد أو أذيته بالمنِّ فيما بعد، فلا حرج أن تقبل ذلك منه، ولعله رزق ساقه الله إليك، ومخرج تسلم معه من الوقوع في الحرام.
وأما الزواج بنية الطلاق فهو حرام؛ لما فيه من غش الزوجة وخداعها، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (111841) .
وإن كان ذلك في حق من أحسن أبوها إليك، كان ذلك أعظم وأشد، لما فيه من مقابلة الإحسان بالإساءة.
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويطهر قلبك، ويحصن فرجك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(11/91)
سكن زوجته الأولى مِلك لها وهو واسع فهل يجب على الزوج توفير مثله للثانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والد ضرتي منحها منزلاً كبيراً، وعندما تزوجني زوجي كانوا يسكنون بهذا المنزل الواسع، ومن التجربة سنتان: وجدتُ أن زوجي يميل للبيت الأول؛ بحكم العشرة بالطبع، ولتعوده على المنزل الواسع الكبير، وحديقة المنزل الغنَّاء، وأنا أسكنني بشقة صغيرة مقفلة لا يوجد بها منفس لي، ولم يتحرج أن يبقى عندها في يومي إلى بعد العشاء بحجة أنه غير مستعد ليحبس نفسه بشقة معي، الأمر الذي أثَّر كثيراً على نفسيتي، وطبعاً ما تحتاجه الفيلا أكثر بكثير من الشقة، وإن طلبت شيئاً: قال: معنى هذا لابد أحضر للاثنتين، فتلغى أشياء كثيرة أحتاجها، وهي لها كماليات، وحاليّاً أنا ببلد بعيدة عنه لظرف، فطلبت منه استئجار دور لي، خصوصاً أنه مدير بمكان كبير، ووظيفته مرموقة، وجميع أهله بفلل، وأجد أطفالي يندهشون عندما يدخلون الفلل من حولهم، وخفت أن تصبح الشقة لهم كحبس فيكرهون بيتنا أكثر، ويتعلقون بمنزل ضرتي، وطلبت منه دوراً، وهو عبارة عن 4 أو 5 غرف، وله حديقة، مع أن راتب زوجي أكثر من 20000 ريال، ولكنه يقول: هذا تصعيب عليَّ، وأنا ملتزم بأقساط لسيارات أولاده من الأولى، ما الحكم؟ هل يحق لي سكن أراه مريحاً وهو بطاقته ومستوى من حولنا، أم شقة؟ مع العلم عندي بالبيت طفلان منه، وصغر الشقة يمنعه من استقبال أحد بها، فأراني أبتعد أكثر عن الحياة الاجتماعية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله تعالى على الزوج المعدد العدل بين نسائه في النفقة، والمبيت، والكسوة، وقد بينا هذا بتفصيل في جواب السؤال رقم: (10091) فلينظر.
ثانياً:
اتساع بيت الزوجة الأولى ليس بعذر للزوج لقضاء وقت الزوجة الأخرى فيه، بل يحرم عليه فعل ذلك، ولا يحل له الدخول في نهار الزوجة الثانية على الأولى إلا لحاجة، ولا يحل له الدخول في ليلتها على ضرتها إلا لضرورة، وقد ذكرنا هذا الحكم في جواب السؤال رقم: (106513) فلينظر.
ثالثاً:
من العدل الواجب على الزوج العدل في السكنى، فلا يحل له إسكان زوجة في فيلا، والأخرى في شقة صغيرة، وهذا التفاوت بين السكنين مما يُدخله في الظلم المحرَّم.
أما إذا كان الزوج يسكن في بيت إحدى زوجتيه، وكان واسعاً فسيحاً: فلا يلزمه أن يجعل مثله لزوجته الأخرى؛ لأن السكن ليس له، وهذا ليس من الظلم، وليس واجباً عليه إسكان الأخرى بمثل سكن الأولى.
وإن كان الزوج قادراً، وقد أنعم الله عليه بالمال: فلا ينبغي له أن يضيِّق على الأخرى بإسكانها في شقة صغيرة، هو نفسه لا يطيق البقاء فيها، وليعلم أنها زوجته، وأولادها هم أولاده، وهو سكنه الذي يأوي إليه، ومن السعادة في حياة المرء اتساع البيت، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد (15409) عَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ: الْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ) وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (3029) .
والواجب عليه في تقدير النفقة والكسوة والمسكن: أن يكون لائقا بمثل حاله؛ قال الله تعالى:
(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) الطلاق/7
فعلى الزوج أن يسعى في إسعاد نفسه، وزوجته، وأولاده بتوفير مسكن ملائم، وفسيح، لزوجته الأخرى، وقد أنعم الله تعالى عليه بالمال، وإن الله يُحب أن يرى أثر نعمته على عبده، كما صحَّ بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً: ينبغي عليه أن يراعي حال أولاده، فلا يشعر أولاد الزوجتين بذلك التفاوت الكبير بنيهم، وهم إخوة لأب واحد.
فلينتبه هذا الزوج الكريم إلى أن يبقى أبناؤه ـ دائما ـ إخوة لأب واحد، متحابين، وإن كانت أمهاتهم شتى، وليحذر أن يغرس العداوة والتحاسد والتدابر في قلوبهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/92)
زوجته تسيء في تصرفاتها معه، وعنده منها أولاد فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتلخص في مشكلة مع زوجتي منذ سبع سنوات، وذلك أن زوجتي هي زوجة أخي -رحمه الله -، وله منها أربع بنات وولد، وأنا كان هدفي من الزواج منها هو رعاية الأيتام لا غير، مع أنها تكبرني بعشر سنين، أو تزيد , والمشكلة المستديمة في أمرين هما: أولاً: كثرة، ودوام الغيرة العمياء، التي لا تمت إلى الحقيقة بشيء، بل تصل إلى حد الشك بي عندما أكلم أقربائي وغيرهم! . والثاني: أنه إذا حدثت مشكلة أنّا نمكث متقاطعين لمدة لا تقل عن أسبوع، أو أسبوعين، وقد تمتد إلى الشهر تقريباً , وللأسف أدخلنا من نريده أن يصلح بيننا ولكن لا فائدة، وهذه المشاكل التي تحصل - والله يا شيخ - تكون في كل شهر تقريباً، وأنا يا شيخ - والله - إني قد حاولت أن أطلقها ثلاث مرات لأرتاح لكن الذي يحول بيني وبين ذلك هو حبي الشديد لأبنائي الثلاثة، وأبناء أخي , يا شيخ ما الحل مع هذه الزوجة العجيبة؟ فأنا - والله يا شيخ - أصبحت أبغضها بغضاً شديداً، ولولا أولادي: لكنت قد طلقتها منذ فترة طويلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يعقل كثير من النساء الفرق بين الغيرة والشك والريبة، ولا يعقلن أن هذه الغيرة هي من هوادم زواجها، وتفكك أواصر أسرتها، فمتى تعقل النساء هذا؟ .
وتلك الغيرة من زوج الأخ السائل هي سبيل تسلكه تلك الزوجة لتعدم الثقة بينها وبين زوجها، ولتخرب بيتها بيديها؛ فهذه الطريقة في التعامل مع الزوج تقضي على حبه لها، وتحل محلها البغض، وتقضي على رغبته في استمرار زواجها، وتعجل بانقضاء أجله.
والزوجة العاقلة هي التي تزن الأمور بموازين دقيقة، فلا تنكد على زوجها حياته، ولا تدخل في حياتها الشك والريبة تجاه تصرفاته الطبيعية، بل تسعى جاهدة لإحلال الثقة بينها وبينه، وإرساء قواعد المحبة والسعادة بينها وبينه؛ لتستقيم لها، وإلا فإنها يوشك أن تكون في سلك " المطلقات ".
ثانياً:
وصيتنا للزوج أن يتمهل ولا يتعجل، فطبع النساء يختلف عن طبع الرجال، وليس يوجد مستمتع مع زوجته إلا مع عِوَج في أفعالها وتصرفاتها، يقل ويكثر بحسب دينها، وعقلها، وحسن تصرفها.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاَقُهَا) .
رواه البخاري (3153) ومسلم (1468) .
قال النووي – رحمه الله -:
وفي هذا الحديث: ملاطفة النساء، والإحسان إليهن، والصبر على عوج أخلاقهن، واحتمال ضعف عقولهن، وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها.
" شرح مسلم " (10 / 57) .
فالذي نراه لك: أن تصبر على خلقها، وأن تسعى في إصلاحها، وزيادة علمها، وإيمانها، بتوفير ما يلزم لذلك من كتب نافعة ميسرة، وأشرطة، وصحبة صالحة، وأن تجعل من حسن تعاملك معها سبباً لذلك أيضاً، مع كثرة الدعاء.
واعلم أن الطلاق سبيل تفرق وتشتت للأسرة، وفيه ضياع للزوجة، وضياع للأولاد، غالباً، وإن كثيراً من الناس ليصبرون على سوء تصرفات نسائهم لأجل أولادهم، وفي صلاح أولئك الأولاد، وتنشئتهم على خير إعانة لوالدتهم على الطاعة، وضبط تصرفاتها، وهذا مشاهَد مجرَّب، فهذا ما نراه لك.
وأما إن كنت لا تستطيع الصبر على تصرفاتها، وأنك ستظلمها، وتهضمها حقوقها: فطلقها، ولعلها ترعوي بعد الطلقة الأولى، أو الثانية، فإن استمرت على ما هي عليه، ولم تستطع أنت احتمالها: فالنساء سواها كثير، وقد الله تعالى: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء /130.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(11/93)
زوجته ترفض السكن معه في بلد معين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في السكن ببلدة، وزوجتي ترفض دائمًا، ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك باستمرار التفاهم والحوار معها لإقناعها بالخيار الذي ترغب به، واستعن على ذلك بإقناع المقربين منها كوالدتها ووالدها كي تستجيب لرغبتك، وأنت إذا قدمت لها حبك وعطفك وودك البالغين تنازلت عن خيارها لتستجيب لما يرضيك، فالسعادة الزوجية مبنية على تبادل المودة والرحمة، ومحاولة كل طرف التضحية في سبيل راحة الطرف الآخر.
ونصيحتنا هنا للزوجة بطاعة الزوج، والاستجابة لرغبته، وتقديمها على رغبتها، فمكان الإقامة والسكن يرجع الرأي فيه للزوج، إلا إذا كانت الزوجة قد اشترطت عليه في العقد مكانا معينا تعيش فيه، أما إذا لم يكن هناك شرط، فالأمر يرجع فيه للزوج، وقد قضى بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: (المرأة مع زوجها) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/249) ، قال الحافظ ابن حجر: " بإسناد جيد " انتهى. "فتح الباري" (9/218) ، وقال الشيخ الألباني: " إسناده صحيح " انتهى. "إرواء الغليل" (6/304)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/94)
أم قاسية تطلب من أبنائها العمل ثمن طعامهم! وتطلب من ابنتها العمياء أن تقتل نفسها!
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد أم قاسية جدّاً، لديها أولاد، لكنها تعاملهم معاملة قاسية، فهي تقول لهم: إن عليهم أن يعملوا لثمن طعامهم من بيتهم، وتخبر أباهم عنهم، فيقوم بضربهم، ولديها ابنة عمياء، تعاملها بقسوة أكثر من كل أولادها، وتقول لها: اهربي من البيت لتخلصي من هذه العيشة، فتقول الفتاة: أين سوف تذهب؟ وهي لا ترى، فتقول: سمِّمي نفسك! وتدلها لمكان السم، لكن الفتاة لا تريد أن تخسر ثوابها عند الله، مع العلم أن الأم ليست مصابة بمرض نفسي، ومن يحدثها يُعجب بشخصيتها وبكلامها، كأنها امرأة مثقفة، وإن هؤلاء الأولاد أولادها، وليسوا أولاد زوجها. السؤال: ماذا تفعل الفتاة وهي لا تستطيع أن تتخلص من قسوة أمها بشتَّى الوسائل، وهي لن يقبل بها أحد كزوجة لأنها عمياء؟ . هل تستعمل دواء قد يؤدي إلى موتها، ليخفف الألم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ندري هل ما نقرؤه هو قصة من نسج الخيال، أم هو حقيقة واقعة! إننا لا نعلم عن الأمهات مثل هذا، ولا أقل من هذا! إننا نرى الأم من القطط، والكلاب، والصقور، والضباع، تحن على أولادها، وتعطف عليهم، وهي الأم البهيمية هي التي تفترس، أو تطير عاليا في السماء، أو تبحث في القمامات من أجل إطعام أولادها، وهذه الأم البهيمية هي التي تقاتل عدوها الذي يتربص لأولادها ليأكلهم، وهي التي تجوع من أجلهم، وتموت من أجلهم، ثم نُفجع بمثل هذه الحكاية عن أم تقسو على أبنائها، وتطلب منهم العمل، بل وتطلب من ابنتها المصابة بالعمى أن تخرج من البيت لتتلقفها الذئاب البشرية؟! وتطلب منها أن تسمم نفسها لتموت؟!
الله أكبر، سبحان الله، ما أقسى هذه القلوب، وصدق الله حين أخبرنا أن مثل هذه القلوب أشد قسوة من الحجارة الصمَّاء، قال تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة/ 74، وما ألين الجبل الأصم الذي لو نزل عليه القرآن رأيناه خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وهذه القلوب الرقيقة في خلقتها قست حتى صارت أعظم قسوة من الجبال، (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الحشر/ 21.
ألم تقرأ هذه الأم في القرآن الثناء على الأمهات، والوصية بهن، وتحريم عقوقهم، ووجوب برهنَّ؟ فكيف ستكون في هذه الزمرة من الأمهات وهي على مثل هذه الحال المذكورة؟! ألم تعلم أنه لا يوجد في الشرع دليل يوصي الأم بالعطف على أولادها، والحنو عليهم؟! والسبب أن ذلك من الفطرة التي فطر الأمهات عليها، ومثل هذه الفطرة أوجدها الله حتى عند البهائم، ولا تنخرم إلا عند من فقدت عقلها، ولم تدر ما تفعل، ولأن القسوة، والغلظة متوقعة من الأولاد: أوصاهم الله تعالى في كتابه كثيراً بوالديهم، وجاءت الأحكام صارمة في حكم عقوق الوالدين، والإساءة إليهم.
ثانياً:
لا ندري ما نقول في حل هذه المصيبة إلا أن ننصح بما يلي:
1. إيقاف الأب على واقع زوجته المجرمة، وتبيين الحقيقة كاملة له، وتوثيق ذلك بتسجيل، أو غيره، ويُرجى إن كان له قلب، أو شخصية مستقلة أن يكون حل ذلك الأمر على يديه.
2. وإن لم ينفع الحل السابق: فنرى أن يُخبر الأخوال، والأعمام، بحقيقة حال هذه الأم، وأن يوضع حدٌّ لمعاناة أولادها منها، وخاصة ابنتها المصابة بالعمى.
03ننصح هذه البنت المبتلاة أن تنتقل إلى بيت أحد محارمها، من أعمامها أو أخوالها، وتنظر أرفقهم بها، وأوثقهم دينا، وأكثرهم صلاحا، لتبعد عن أذى أمها، وتسلم من شرها.
4. أن يُسعى عند أهل المروءة والنخوة ليتزوج أحدهم تلك الفتاة المصابة بالعمى، ولا تخلو الدنيا من مثل هؤلاء، ولعلَّ الله أن يرزق من يفعل ذلك أجراً عظيماً في الآخرة، إن هو احتسب فعله عند ربه تعالى، وأن يبارك له في دنياه بذرية صالحة، وجاه، ومال يستعين به على طاعة الله تعالى، وليس ذلك على الله بعزيز.
5. ونوصي الابنة خاصة، والأولاد عامة: بالدعاء، دعاء الله أن يصلح حال أمهم، ويرقق قلبها عليهم، ودعاء الله أن يبصِّر أباهم بواقع حالهم، ويحننه عليهم، ودعاء الله تعالى أن يثبتهم على الدين، ويوفقهم لما فيه رضاه.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/95)
أسباب المشكلات بين الزوجة وأهل زوجها، وطرق حلها
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية: جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه لخدمة الإسلام وأهله، وسؤالي هو: كيف أتعامل مع تدخلات أهل زوجي في شؤوني الخاصة؟ وهل يكون من سوء الخلق عندما أرد عليهم؛ لأنهم من النوع الذي يتمادى عند السكوت، ويعلم الله وحده أني تجاهلت كثيراً من تدخلاتهم وأساليبهم المستفزة، ولكن يبدو أنهم لا يأتون بالتجاهل؛ لأن أسئلتهم تمادت، والله – يا شيخ - إن إحدى أخوات زوجي كانت تتحدث عن التعدد، وكان زوجى جالساً بجواري، وتقول: " وماذا في لو تزوج الثانية "؟ ، وأنا جالسة لم تراع مشاعري، وكنت وقتها في بداية زواجي في زيارة عندهم، والله ما عرفوا خيري من شري، حتى تقول هذا الكلام، وعندما يمتدح شيئاً أفعله - وهو في أندر النادر أمامهم - تقول: هذا من واجبها، وهذا كله أمامي، ووالله ما فتحت فمي بكلمة واحدة؛ لأننا تربينا على عدم الرد على من يسيء لنا، أنا وأخواتي، حتى الرد المؤدب لا أجيده إلا في النادر جدّاً، وبعدها أحس بتأنيب الضمير، ولو أسهب في طرح تدخلاتهم وأسئلتهم، حتى في رضعات طفلي، ومكان استحمامه، ونظافته الشخصية، وأنا - بشهادة زوجي - لم أهمله، أو أقصر معه، حتى أطفالهم يرددون نفس أسئلتهم، حتى كرهت الذهاب إليهم، وإنني عندما أذهب إليهم لا أبين أني منزعجة، أو تجرحني، وتحرجني، وأكون عادية، ولكن مشحونة من الداخل، وبالذات أن زوجي قال: لو تحدثتِ مع أحد عن تعامل أهلي معك: أسألك عنها أمام الله. الأسئلة: سبق أن فضفضتُ لأختي، وزوجة أخي عن بعض تصرفاتهم، وتعاملهم معي، وهن - يعلم الله - عاقلات، ويقلن لي: ردي بأدب على الشيء الذي لا يُسكت عنه، وما تستطيعين تجاهله: تجاهليه؟ هل آثم على ذلك؟ . هل لزوجي الحق في تحذيري من الحديث عن تعاملهم معي لأي مخلوق، مع أن الإنسان يحتاج أن يفضفض عن مشاكله وهمومه لأحد؟ والله إني أشعر بالكبت لدرجة أني أصبحت لا أحب أن أراهم، أو أسمع أصواتهم؛ لأني أصبحت مشحونة جدّاً، حتى من زوجي، وأصبحت عصبية، وأنا أكره أن أعامله بجفاء، وأعذره في أنه لا يريد أن تشوَّه صورة أهله عند أحدٍ، ولكن مِن حقي أن أستشير مَن هم أكبر منِّي، وأعمق تجربة، هل يجوز لي أن أستشير، وأبث همومي لمن هو ثقة، أو أبقى في دائرة الكبت، والشحن النفسي؟ . كيف أتعامل مع زوجي وأهله بما يرضي الله، وبما لا يهدر حقوقي، أو يكسر الحدود في علاقتي معهم؟ لأن خراب كثير من البيوت عندما يتخطى أحدهم الحدود في التعامل مع الطرف الآخر ولا يوضع لها حدود. هل يجوز لي أن أرفض السكن بجوار أهله لتجنب المشاكل؟ . وجزاكم الله الجنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كثيرة هي المشكلات القائمة بين الزوجة وأهل زوجها، ولحل أي مشكلة ينبغي النظر في أسبابها قبل كل شيء:
1. فقد تكون هذه الأسباب راجعة لطبيعة أهل الزوج، فبعض الناس صار الشر طبعاً لهم، يكبِّرون الصغير، ويعظمون التافه الحقير، وهؤلاء ليس المشكلات فقط بينهم وبين زوجة ابنهم، بل هي عامة تشمل الناس جميعاً، وحل هذه المعضلة يحتاج لجهود مضنية، بتعليمهم الخطأ من الصواب، والخير من الشر، وتربيتهم على الإيمان والطاعة، وفي هذه الحال يجب على الزوج الذي يعلم هذا من طبيعة أهله أن لا يلتفت لكلامهم في زوجته، ولا يقيم له وزناً، وأن يساهم في إصلاح حال أهله، ودعوتهم للخير، وأن يخفف على زوجته إذا وقع عليها ظلم من أهله.
2. وقد يكون سبب المشكلات بين الطرفين: الغيرة التي تدب في قلوب أهل الزوج، وذلك عندما يرون تعلق ابنهم بزوجته، وتدليلها لها، وحلُّ هذه المشكلة يكون بتعويضهم بدلال زائد، ورعاية خاصة، وكثرة هدايا، مع عدم إظهار تعلق الزوج بزوجته أمامهم، ومع إعطاء الزوج اهتماماً لهم، وكثرة الدعاء بأن يزيل الله الغيرة من قلوبهم.
3. وقد يكون سبب تلك المشكلات: ما يراه أهل الزوج على الزوجة من تقصير مع ابنهم، أو مع أولادها، أو في بيتها، أو ما تبديه لهم من تصرفات شائنة، وعدم احترام لوالدتهم، وغير ذلك مما هو موجود فعلاً – وليس افتراء – عند كثير من الزوجات، وهذا هو الجانب الإيجابي من تلك المشكلات! لأن به تعرف الزوجة ما عندها من تقصير، وتفريط، فتصلح الخطأ، وتجبر الخلل، وتكمل النقص، ولا يمكن لزوجة أن تدعي الكمال في تصرفاتها، وأخلاقها، وهذا أيسر الأسباب لتلك المشكلات؛ لأن الحل سهل ويسير على الزوجة، وهو إصلاح نفسها، وإصلاح ما بينها وبين أهل زوجها، بحسن التصرف، وإعطاء كل ذي حق حقَّه من التقدير، وبذلك تصلح ما فسد من الأمور، وتكسب قلب زوجها لجانبها.
ثانياً:
الذي نراه أنه على الزوجة أن تطيع زوجها إن أمرها أن لا تخبر أحداً بما يجري بينها وبين أهله، وهذا القرار من الزوج فيه مصلحة عظيمة تفوق مصلحة تنفيس الزوجة عن نفسها، فمثل هذه الأمور إذا ظهرت وانتشرت: شارك كل واحد برأي، أو اخترع مكيدة، أو ساهم برأي منكوس لحل تلك المشكلات، وهنا يتسع الخرق على الراقع، وتكثر تلك المشكلات، وتتعدد أسبابها، وقد يشق، أو يصعب بعده حلها.
وشكوى الزوجة لأحد من العقلاء جائز، ولا يدخل في الغيبة المحرمة – وانظري جواب السؤال رقم: (7660) -، وفي الوقت نفسه للزوج أن يمنعها من هذا المباح إن كان يرى مصلحة شرعية من المنع.
فالذي نراه أنكِ قد أخطأتِ بمخالفة كلامه، وبكلامك مع أختك، وزجة أخيك، بما جرى بينك وبين أهل زوجك، ولإصلاح ذلك: عليك التوبة والاستغفار، وعدم الاستمرار في الكلام معهما في هذا الشأن، وتوصيتهما بعدم ذِكر شيء مما قلتيه لهما لأحدٍ من الناس، ولا داعي للاعتراف لزوجك بما فعلتيه؛ لعدم ترتب مصلحة على ذلك، بل إن الظاهر أنه سيترتب عليه مفاسد، منها: كراهيته لك، ولفعلك، ومنها: منعك من الحديث نهائيّاً مع أختك، وزوجة أخيك، وكل ذلك متوقع، والشيطان له حضور بالغ في مثل هذه الأوقات، وهو ينفخ فيها، ويعظم شأنها، ويوقع بينكم العداوة والبغضاء.
ثالثاً:
يحتاج التعامل مع زوجك وأهله لحكمة بالغة منكِ، وأنتِ – إن شاء الله – تستطيعين التعامل مع ذلك، وقد بان لنا ذلك من خلال قولك " لأننا تربينا على عدم الرد على من يسيء لنا، أنا وأخواتي، حتى الرد المؤدب لا أجيده إلا في النادر جدّاً، وبعدها أحس بتأنيب الضمير "، ومن خلال قولك الآخر: " وإنني عندما أذهب إليهم لا أبيِّن أني منزعجة، أو تجرحني، وتحرجني، وأكون عادية، ولكن مشحونة من الداخل "، وهذا الأمر لا يفعله إلا من يتحكم في نفسه، ولا يفعله إلا العقلاء من الناس.
والمطلوب منك:
1. تجاهل ما تسمعينه من أهل زوجك مما تعرفين أنه بقصد الاستفزاز، وأنه محض افتراء.
2. أن تصلحي شأنك، وبيتك، وأولادك، وما تسمعينه منهم مما هو عندك فعلاً: فلا بدَّ من إصلاحه، والقيام عليه حق القيام.
3. حاولي التودد لأهله بحسن الأسلوب، ورقة الكلمات، وجميل التصرفات، وتفقديهم بين الحين والآخر بهدية تليق بهم، أو بطعام تصنعينه لهم، أو بحلويات تخصينهم بها، ومعروف أن للهدايا شأناً بالغاً في تقريب القلوب، وإشاعة المحبة والمودة بين طرفيها.
4. أحسني لزوجك بعدم ذِكر ما يجري من أهله لأحدٍ من الناس، واجعلي ثقته فيك عالية، ولا تجعلي يسمع منك أو يرى ما يكره.
5. ومع كل ذلك: فإن هذا لا يعني السكوت الكلِّي عن الطعون والافتراءات، منهم عليكِ، لكننا ننصحك برد ذلك إلى زوجك، وتحميله مسئولية إصلاح الأمور، وإعطاء كل ذي حقَّه، وأظهري له حسن تربية أهلك لك.
6. وأخيراً: لا بأس أن تقترحي على زوجك الانتقال من السكن من قرب أهله، وليس واجباً عليه أن يستجيب، فحقك إنما هو في سكن مستقل، وأنت تتمتعين به، لكن من الحكمة والمصلحة أن يبتعد الزوج عن سكن أهله إن كان يعلم عدم توافق بينهم وبين زوجته، ولعلَّ ذلك البُعد أن يساهم في تقوية الروابط بين الأطراف جميعها، وأن يزيل من القلوب تلك الإحن، وذلك الحقد.
واستعيني بالله ربك بالدعاء، مع القيام بما أوجب عليك من الطاعات، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه رضاه، وأن يجمع بينكم جميعاً على خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/96)
يؤذيها زوجها، ويضيق عليها في النفقة، فهل تطلب الطلاق منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الزوج الذي لا يصرف على زوجته، وابنه الرضيع إلا القليل جدّاً، حتى لا يكفي أسبوعاً، ويدَّعي الديون، وأعطال السيارة، وكل مرة يأخذ إضافة على قروضه التي عنده، ويقول لزوجته: خذي من أهلك، أو اصرفي من معاشك، وهو دائم الشتم، ومن جهة ثانية يصرف، ويخدم أهله غير المحتاجين، الذين يستغلونه في خدمتهم، ويشوشون، ويعطونه أفلاماً خليعة، ليترك زوجته، ويغيظها، مِن أمامها يعاتبونه، ويضحكون، ودائماً يهددها " سوف آخذ ولدي منك إذا طلبتِ الطلاق، وأعطيه لأهلي وما تشوفينه إلا مرة في الأسبوع بحكم القانون، وسوف أماطل بإعطائك الطفل كذالك ". أفتوني يا أهل العلم ما حكم الشرع في هذه الحالة، وطلب الزوجة الطلاق؟ . وجزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في الموقع بتفصيل حقوق الزوجين بعضهم على بعض في جواب السؤال رقم: (10680) فالاطلاع عليه يغني عن تكرار الكلام.
والحياة الزوجية لا تقوم على القهر، والهموم، والغموم، بل على المحبة، والمودة، ومن أجل ذلك كان الزواج من آيات الله تعالى، ولن تكتب السعادة لبيت زوجية لا يقوم الزوجان فيه بالعشرة بالمعروف، ويؤدي الذي أوجبه الله عليه، قبل أن يطلب الذي له.
وهذا الزوج الوارد السؤال من أجله واضح أنه مقصر في حق نفسه، وفي حق ربه تعالى، وفي حق زوجته وابنه، ولسنا نقضي بين الطرفين؛ إذ لسنا دار قضاء، بل نحن نجيب بحسب ما يأتينا من مسائل، وما يذكره السائل عن ذلك الزوج لا يشك عاقل أنه مخطئ، وأنه يحتاج من ينصحه، ويذكره بربه تعالى، وبما أوجب عليه من العناية والرعاية بأسرته جميعها، وبأنه يحرم عليه الشتم والسب، ويحرم عليه قبول الأفلام الخليعة من أحد، فضلاً عن حرمة مشاهدتها، وأنه يحرم عليه أخذ القروض الربوية، وأنه لا يحل له التضييق على زوجته، وحرمانها من حقوقها، ومن ذلك: حقها في نفقته عليها، فالإسلام أوجب النفقة على الزوج، ولو كانت الزوجة غنية.
وينظر حول عمل الزوجة وما يتعلق به: جواب السؤال رقم: (103422) والأرقام المحال عليها فيه.
ثانياً:
بخصوص طلب الطلاق منه: فإنه يجوز للزوجة التي تتضرر من زوجها، جراء سوء أخلاقه، أو بسبب امتناعه عن النفقة عليها، أو التقصير في حق الزوجية: أن تطلب الطلاق منه، ولها أن تستوفي كامل حقوقها منه، ومن طلبت الطلاق من بأس، وشدة، وأسباب تبيح لها طلب الطلاق: لم تدخل في الوعيد الوارد في هذه المسألة.
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) .
رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الحافظُ ابنُ حجر - رحمه الله -:
الأخبارُ الواردةُ في ترهيبِ المرأةِ من طلبِ طلاقِ زوجِها: محمولةٌ على ما إذا لم يكن بسببٍ يقتضي ذلك.
" فتح الباري " (9 / 402) .
وينظر في الأسباب المبيحة للزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها: (20002) و (101912) و (13243) و (13803) .
ثالثاً:
بخصوص حضانة ابنها: فالشرع يحكم به لها، ما لم تتزوج.
وانظر جوابي السؤالين: (8189) و (9463) .
والخلاصة:
إما أن تصبر الزوجة على أذى زوجها، مع السعي في إصلاحه، وكفه عن غيِّه، بالحديث المباشر معه، أو بتوسيط أهل العقل، والعلم، والحكمة، بينها وبينه، أو أن تطلب الطلاق منه إذا لم ينتفع بشيء من هذا، ولم يغيِّر من سلوكه معها، ولها ـ حينئذ ـ حقوقها كاملة، ويكون ابنها في حضانتها، فإن رفض التطليق، ولم تحتمل معاملته لها: فلها أن تخالعه، بأن تتنازل عن مهرها، فداء لنفسها.
وينظر في ذلك جواب السؤال رقم: (101423) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/97)
أخفى على والده رسوبه فترتب عليه تكاليف زائدة فهل هي في ذمته لوالده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 34 عاماً، متزوج، ولدي من فضل الله طفلان، وأعمل بوظيفة محترمة، ولكن دخلي لا يكفي للإنفاق على أسرتي، وأعتمد بصفة مستمرة على مساعدات أبي المالية لي، وهو لا يتأخر في ذلك - ولله الحمد -. مشكلتي التي تؤرقني يرجع تاريخها إلى سبعة عشر سنة مضت عندما كنت طالباً في أحد المعاهد الخاصة بمصروفات في إحدى المدن الجديدة بمصر، وقد رسبت في إحدى سنوات الدراسة بهذا المعهد، ولكني أيامها لم أصارح أهلي بهذه الواقعة، وأخفيت عليهم خبر رسوبي؛ جبناً، وخوفاً من أبي، وخدعتهم بقولي لهم إن المعهد هو الذي قرر أن يضيف سنة دراسية من أجل معادلة الشهادة الدراسية بالشهادة التي يتم الحصول عليها من الكلية المناظرة للمعهد بالجامعات المصرية، قلت ذلك لأبي، وتظاهر أيامها بأنه اقتنع، ولكني أحسست أنه غير مصدق، والسنة الإضافية تكلفت مصاريف سنة كاملة تقدر ببضع آلاف من الجنيهات، واعتبرت نفسي أيامها وحتى الآن بأني أنا الذي أهدرت هذه الأموال، برسوبي، وإهمالي في الدراسة. تخرجت بعد ذلك - ولله الحمد -، وعملت بوظيفتي الحالية مباشرةً، وتزوجت، وأنجبت، وكل ذلك وأبي لا يبخل عليَّ بأي شيء، وكل شيء بدءاً من الشبكة، مروراً بالشقة، وتجهيزاتها، وأيضاً كمالياتها، وسيارة، وفوق ذلك مساعدات مالية شهرية - ولله الحمد -، وكل ذلك عن طيب خاطر منه، وكان ينصحني دائماً قبل الزواج بأن أنظم نفسي، وحياتي، وأتعلم الادخار، وكان يعنفني في بعض الأحيان، ورغم ذلك لا يبخل علي بأي شيء، أما بعد الزواج والإنجاب: أصبح يغدق عليّ، وعلى أسرتي الصغيرة بالأموال، من غير أن أطلب، وفوق ذلك قام بالحج، واصطحبني معه، على نفقته أيضاً - ولله الحمد والمنة -. هل أنا ملزم الآن برد الأموال التي أهدرتها خلال السنة الإضافية التي أمضيتها بالمعهد بسبب إهمالي؟ والأهم من ذلك: كيف أصارح أبي بهذا الموضوع القديم؟ وأنا من داخلي أتمنى أن أرد الأموال لأبي رغم إحساسي بأنه سيرفض ذلك، ولكن المشكلة - كما ذكرت - هي مصارحته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي نراه في قضيتك: أنك تتوب من كذبك على أبيك؛ فالكذب محرَّم، ومن كبائر الذنوب، ونرى أنه لا يلزمك رد أموال تلك الدراسة له، وذلك لأسباب:
1. أنك لو أخبرته بأنك رسبت في تلك السنة: فإن أغلب الظن – وقد يكون يقيناً – أنه سيكمل معك مشوار الدراسة، وسيدفع لك رسوم السنة المعادة.
2. ظاهر الأمر أنك لم تتعمد الرسوب والتخلف لسنة دراسية أخرى.
3. قد يكون والدك يعلم بحقيقة الأمر – كما ذكرت في سؤالك -، ويبدو أنه ترك مصارحتك خشية من إحراجك، ولعله اكتفى برجوعك لدراستك عن مواجهتك، أو لعله رأى صدق التوجه عندك في أن تستدرك ما فات، فلم يعتب، ولم يُنكر عليك.
4. أنه لم يقصِّر معك فيما هو أعظم من رسوم تلك السنة، فقد دفع تكاليف الزواج، والشقة، واشترى لك سيارة، ومثل هذا الأب لا يرى أنه له ديْنٌ عليك في تلك الدراسة.
وعليه: فنرى أيضاً أنك لا تصارحه بما حصل منك من زيادة عبء سنة دراسية كاملة بسبب رسوبك؛ لما فيه من إحراج لك، وعدم ترتب أي مصلحة على مصارحتك له الآن.
فنرى أن توبتك من هذا الكذب، وندمك عليه كافٍ إن شاء الله تعالى، وعليك أن تحسن إلى والدك وتبره بقدر استطاعتك.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يجب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/98)
هل يجب على الزوجة خدمة أهل زوجها؟ وبماذا ننصح الزوجين في هذا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي بأني مهما حاولت جاهدة أن أخدم أهل زوجي، وخاصة: والدته، والتفانى في خدمتها: فهو لا يعجب زوجي، تعبت، وأنهكت طاقاتي، علما بأني أسكن في مسكن مستقل، ووالدته تأتي لزيارتنا من بلد مختلف، المشاكل زادت بيننا إلى حد أنه هجرني في الفراش، للأسف بدأت أكره والدته؛ لأنه بقدومها تأتي مشكلة أخرى، رغم أنه ما عمري قط رفعت صوتي عليها، أو عصيت لها أمراً، أو حتى ألَّبت زوجي عليها، بل إني دائمة الحث لزوجي ببرِّها، ولكن زوجي هداه الله يفضلها عليَّ تفضيلاً جارحاً، ولا أنكر بأن هذه والدته ولا يجب أصلا مقارنتها بي، ولكن على الأقل يكون كيِّساً، ويحاول أن لا يثير غيرتي، وعندما أتفق معه على أمر لا يقلب عليَّ إذا لم يعجب والدته. إني أعاني من قسوة زوجي في وجود أهله، فهو لا يريدني أن أخطئ أبدا أبدا، وأن أخدم والدته، وأخواته بتفانٍ! بدأت أشعر بالكراهية نحو أهله بسببه، رغم أني كنت أحبهم، هل يجب عليَّ أن أخدم والدته بهذا التفاني؟ وهل هو في الشرع واجب عليَّ خدمة أم الزوج بهذا الشكل؟ كما أني أريد توجيهاً لزوجي بأن علاقتي بأخواته وأهله لا يجب أن تكون سبباً في حدوث مشاكل بيننا. جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن من أهم آثار عقد الزوجية بين الزوجين أن تسلِّم الزوجة نفسها لزوجها، ليتم الاستمتاع بينهما، ويكون على الزوج أن ينفق عليها، ولو كانت غنية، وليس من لوازم عقد الزوجية خدمة الزوجة لأهل زوجها، لا أمه، ولا أخواته، ولا غيرهن، وهذا مما لا ينبغي أن يُختلف فيه، إلا أن تتبرع الزوجة بتلك الخدمة؛ احتساباً للأجر، وبرّاً بزوجها.
قال علماء اللجنة الدائمة:
ليس في الشرع ما يدل على إلزام الزوجة أن تساعد أم الزوج، إلا في حدود المعروف، وقدر الطاقة؛ إحساناً لعشرة زوجها، وبرّاً بما يجب عليه بره.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (19 / 264، 265) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
هل لأم الزوج حق على الزوجة؟ .
فأجاب:
لا، أم الزوج ليس لها حق واجب على الزوجة بالنسبة للخدمة؛ لكن لها حق مِن المعروف، والإحسان، وهذا مما يجلب مودة الزوج لزوجته، أن تراعي أمه في مصالحها، وتخدمها في الأمر اليسير، وأن تزورها من حين لآخر، وأن تستشيرها في بعض الأمور، وأما وجوب الخدمة: فلا تجب؛ لأن المعاشرة بالمعروف تكون بين الزوج والزوجة.
" لقاءات الباب المفتوح " (68 / السؤال 14) .
فيجب على الزوج أن يقف عند هذا الحكم الشرعي، ولا يطلب من الزوجة ما لا يلزمها شرعاً، وعليه أن يعلم أنه لا طاعة له عليها لو أنه أمر زوجته بخدمة أهله؛ لأن أمره ذاك ليس من شرع الله تعالى.
وفي الوقت نفسه: نوصي الزوجة أن تسعى جاهدة لإنهاء النزاع بينها وبين والدة زوجها، وأن تعلم أن هذا مما يجلب السعادة لها، ولجميع أفراد الأسرة، ولتعلم أنه قد يأتي عليها زمان تحتاج فيه لخدمة زوجات أبنائها، فلعلها إذا احتسبت خدمة أم زوجها أن ييسر الله تعالى من زوجات أبنائها من تقوم على خدمتها، والعناية بها.
وننصح الزوجة النظر في جواب السؤال رقم: (21598) فهم مهم للغاية.
ثانياً:
على الزوج أن يتقي الله تعالى في زوجته، وليس له أن يربط علاقته بزوجته بعلاقتها بهم، وأن عليه هو مسئولية جسيمة في التوافق والترابط بين زوجته وأهله، وأن مثل هذه العلاقات الودية لا تأتي بالأوامر للزوجة بخدمة أهله، بل يكون ذلك بالتودد، والتلطف معها، مع وجود جو من المحبة، والمودة بين كافة الأطراف، وهو ما نحمله هو المسؤولية الكاملة عنه، فيستطيع استثمار علاقته بالأطراف جميعها ليجمع بينهم على المحبة والمودة، وبما أنهم لا يسكنون معاً، بل تباعدت بينهم الديار: فإن هذا مما يسهِّل الأمر ولا يصعِّبه؛ لأن من عادة الاختلاط في بيت واحد، أو السكن المتقارب أن يؤدي لمثل هذه النزاعات، أما والحال أن كل واحد من الطرفين يسكن في بلد غير بلد الآخر: فهذا يجعل الأمر عليه يسيراً إن شاء الله، ويمكن لكلا الطرفين أن يتحمَّل الفترة التي يلتقون فيها، ويجاهد كل واحد منهما نفسه، إلى أن يكتب الله لهما الاجتماع بمحبة وصفاء، وإذا لم يحصل مثل هذا: فليرض الزوج بالحد الأدنى، وهو عدم حدوث ما يعكر صفو اللقاء بين الطرفين بمشاحنات ومشادات.
أيها الزوج الكريم، الله الله في زوجتك، فهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لك:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ) رواه مسلم (2137) .
إن من أهم أسباب استقامة الحياة، ودوام المعروف، وحسن العشرة بينكما: أن تشعر زوجتك أنها شريكة لك، أنها زوجة، كما أنك زوج، وليست أمة عند سيد!!
وتذكر ـ أخيرا ـ قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ؛ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) .
رواه الترمذي (3830) وابن ماجة (1967) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
نسأل الله أن يصلح شأنك وشأن زوجك، وأن يصرف عنكما كيد الشيطان ونزغه ووسواسه، وأن يجمع بينكما في خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/99)
غاب عن زوجته سنة ونصفا وتدعي أنها حامل من سبعة أشهر
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل تزوج من قبل 7 سنوات فلم ينجب منها طفلا يعني من زوجته، وبعد 7 سنين سافر إلى بلد ثاني، وما رجع إلى زوجته مرة ثانية بعدما سافر، وبعد سنة ونصف اتصل عليه والده وقال له: إن زوجتك تقول: إنها حامل بجنين عمره 7 شهور، وقال الزوج: إن الجنين ليس ابني، وقالت الزوجة إنه ابنه، ما حكم الشريعة في هذه المسألة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا وطئ الرجل امرأته، ثم أتت بولد، نسب إليه، ولو غاب عنها عشرين سنة؛ لأن فراش الزوجية قائم، والولد ينسب للفراش.
قال في "مطالب أولي النهى" (5/551) : "ومن ثبت أنه وطئ امرأته فولدت لنصف سنة فأكثر ولو بعد أربع سنين , لحقه نسب ما ولدته ; لأنها صارت فراشا له بوطئه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش) متفق عليه" انتهى بتصرف واختصار.
وقال في "كشاف القناع" (5/405) : " فصل فيما يلحق من النسب: من ولدت امرأته ولداً أمكن كونه من الزوج، ولو مع غيبته، قال في الفروع: ولو مع غيبته عشرين سنة , قاله في "المغني", وعليه نصوص أحمد , ولا ينقطع الإمكان عنه بالحيض، قاله في الترغيب [يعني: حتى لو حاضت المرأة لم يكن هذا الحيض مانعاً من لحوق الولد بالزوج] " انتهى.
ولا يمكن للزوج أن ينفي هذا الولد إلا باللعان.
قال الدكتور عبد الرشيد بن محمد أمين بن قاسم في بحثه: " أقل وأكثر مدة الحمل دراسة فقهية طبية ": " حدثني الشيخ الدكتور بكر أبو زيد أنه ثبت لديه حين كان قاضياً بالمدينة حمل دام أربع سنين، وأن الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي عام السعودية رحمه الله ثبت لديه حمل دام سبع سنين حين كان يشغل منصب القضاء " انتهى من "موقع الإسلام اليوم".
هذا الذي ذكرناه هو في حال قيام الزوجية وبقائها.
وأما عند وقوع الطلاق، ومجيء المطلقة بولد، فالجمهور على أن أكثر مدة الحمل أربع سنوات، فإن أتت به لأقل من هذه المدة نسب الولد إلى الزوج، وعن مالك: خمس سنوات، ومذهب أبي حنيفة أن أكثر الحمل ثلاث سنوات.
وينظر: "المغني" (8/98) ، "الموسوعة الفقهية" (40/240) ، "الشرح الممتع" (13/307، 340) .
وقد اعتبر جماعة من أهل العلم أن هذه المسائل من باب تقديم النادر على الغالب، رحمةً بالناس، وحفظاً للنسب.
قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "إذا أتت الزوجة بالولد لدون أربع سنين من حين طلقها الزوج بعد انقضاء عدتها بالأقراء، فإنه يلحقه، مع أن الغالب الظاهر أن الولد لا يتأخر إلى هذه المدة" انتهى من "قواعد الأحكام" (2/122) .
وقال القرافي رحمه الله: "اعلم أن الأصل اعتبار الغالب , وتقديمه على النادر , وهو شأن الشريعة ... وقد يلغي الشرعُ الغالبَ رحمةً بالعباد , ويقدم عليه النادر، مثال ذلك:
غالب الولد أن يوضع لتسعة أشهر، فإذا جاء بعد خمس سنين من امرأة طلقها زوجها دار بين أن يكون زنى، وهو الغالب، وبين أن يكون تأخر في بطن أمه، وهو نادر، ألغى الشارع الغالب , وأثبت حكم النادر , وهو تأخر الحمل، رحمةً بالعباد لحصول الستر عليهم , وصون أعراضهم عن الهتك" انتهى من "الفروق" (4/104) بتصرف واختصار.
ثانيا:
لا يعتمد في هذه المسألة على البصمة الوراثية، كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من 21 – 26 / 10 / 1422 هـ الذي يوافقه 5 – 10 / 1 / 2002 م
ونصه:
" ثالثاً: لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان.
رابعاً: لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً، ويجب على الجهات المختصة منعه، وفرض العقوبات الزاجرة؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم " انتهى.
وينظر نص القرار كاملا في جواب السؤال رقم 103410.
ثالثا:
إذا كثرت القرائن الدالة على كذب الزوجة، وارتاب الزوج في حصول الولد منه، فله أنه ينفيه – بعد ولادته – باللعان.
وينظر جواب السؤال رقم 33615.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/100)
كيف يتصرف مع والده الذي يترك الصلاة ويشرب الخمر ويتناول المخدرات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم هجري لأبي لأنه لا يصلي، وإذا صلى يصلي بالبيت، ويتعاطى الحبوب، والمسكر، بالرغم من نصحي له باستمرار، ولا يقدِّر أني شاب ملتزم؟ وهل عليَّ إثم في عدم إعطائه فلوساً عندما يطلبني، لأني أعلم أنه سوف يصرفها فيما يغضب الله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يهدي والدك للحق، وفعل الصواب، وأن يخلصه من المنكرات والآثام، ونسأله تعالى أن يُعظم لك الأجر على صبرك، وتحملك، وعلى غيرتك على الشرع.
واعلم – أخي السائل – أن ما تحكيه عن والدك أمر جلل، وتركه للصلاة كفر يخرج به من الملة، وليس الأمر كذلك لو أنه صلى في البيت؛ فإن ترك صلاة الجماعة في المسجد أمر يترتب عليه الإثم العظيم، ويجعل صاحبه تحت الوعيد.
ولا يشك مسلم في حرمة الخمر، وسوء أثرها على البدن، والعقل، وخطر آثارها على البيت والمجتمع، والأمر أشد – حكماً، وأثراً – إذا كان يتناول معها الحبوب المخدرة، كما ذكرت عن والدك، فقد جمع أنواع الخبائث في المسكر، هداه الله، ورده إلى طاعته.
وبسبب هذه الحال التي وصل لها والدك: فإن عليك أن تفكر مليّاً بدعوته، وهدايته، وأن تعوِّد نفسك على الصبر على ذلك، ومزيد من التحمل؛ وذلك لأسباب:
1. أنه من حق والدك عليك: أن تدعوه للاستقامة، وأن تبذل ما في وسعك لئلا يموت على تلك الحال السيئة.
2. كما أن من حق أهلك عليك: أن تنقذهم من خطر والدك، وأن تنتشلهم من براثن معاصيه ومنكراته، ولا يمكن أن يكون – غالباً – مثل هذا في بيت فيه زوجة وأولاد: إلا وينتقل من شره وسوء تصرفاته وقبح أفعاله لهم، وقد يفتن بمنكراته تلك بعض من في البيت من أهلك، فلهذا صار من حقهم عليك أن تجعل بينهم وبين الفتنة بوالدهم حاجزاً منيعاً.
واعلم – أخي السائل – أنه ليس بالهجر تُحل مثل تلك المشكلات؛ لأن مثل ذلك الهجر الذي تذكره في سؤالك هو إراحة لك، وتخلصٌ من حملٍ ثقيل، وهمٍّ وغمٍّ عظيمين عليك، وليس في الهجر مصلحة للمهجور ليرتدع، ويرعوي عن أفعاله، ومنكراته، فكن على علم بهذا، وإياك أن تفعل ما ترتاح به ليشقى أهلك بسببه.
ولو كنَّا نرى خطراً عليك بمنكرات والدك، وأنك قد تفتن بتلك المعاصي لكان للهجر لتلك البيئة التي يعيش فيها وجه من الصواب، لكن يظهر لنا من التأمل في سؤالك أنه ليس ثمة خطر عليك من منكرات والدك وأفعاله السيئة.
نعم، يمكنك ترك الإنفاق عليه، والامتناع عن إعطائه المال؛ لئلا يستعمله في شراء المحرَّمات، بل يحرم عليك بذل شيء من المال وأنت تعلم أنه يستعمله في المحرَّمات، والله تعالى أمرنا بالتعاون على البر والتقوى، ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان فقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/من الآية2، ولا شك أن إعطاء والدك من المال ما يشتري به تلك المحرمات يعد من التعاون على الإثم والعدوان، وفي الوقت نفسه لا تعاقب أهلك بترك الإنفاق عليهم، بل تعاهدهم بالنفقة، كما تتعاهدهم بالنصح، والتوجيه، والإرشاد.
وابذل ما تستطيعه من وسائل شرعية مباحة في دعوة والدك وهدايته، ومن ذلك:
1. انظر من يمكنه التأثير عليه من أقربائه، أو جيرانه، أو أصدقائه، العقلاء، الأمناء، واجعلهم يسعون معك في ثنيه عن تصرفاته المنكرة، وكف نفسه عن ارتكاب الموبقات.
2. ولك أن تفصل أهلك – والدتك وأشقاءك – عنه، فتجعلهم في بيت خاص مستقل، فلعلَّ ذلك أن يؤثر فيه، فيترك ما يغضب ربه، ويوجب له الوعيد.
3. وعليك أن تقف موقفاً شديداً من قرناء السوء الذين يحثون والدك ويشجعونه على ارتكاب تلك المنكرات، ولو كان بالشكوى عليهم، أو تهديدهم بها، مع الغلظة بالقول والفعل.
4. كما ننصحك بالتعاون مع الإخوة في " هيئة الأمر بالمعروف " في منطقتك؛ فإن لهم خبرات واسعة في هذا الباب، ولديهم طرق شتى في تخليص أصحاب المعاصي والمنكرات من أفعالهم ومعاصيهم.
5. واحرص – أنت ووالدتك وأشقاؤك – على الدعاء له بالهداية، والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى، وأن يعجل في تركه للحرام، ولا تغفلوا عن هذا السلاح العظيم؛ فإن القلوب بين يدي الله تعالى يقلبها كيف يشاء، وقد يرى الله تعالى منكم صدقاً، وإخلاصاً، في الدعاء، فيعجل بهداية والدكم، ويقر أعينكم برؤيته على أحسن حال.
والنظر إلى والدك يكون بعينين: بعين القدَر فترحمه، وتشفق عليه؛ لارتكابه للمنكرات، وبعين الشرع فتبغض أفعاله وموبقاته.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
وَاجْعَلْ لِقَلْبِكَ مُقْلَتينِ كِلاَهُمَا ... للحَقِّ في ذَا الخَلْقِ نَاظِرَتَانِ
فانظُرْ بِعينِ الحُكمِ وَارحَمهُم بِهَا ... إذْ لا تُرَدُّ مَشِيئةُ الدَّيَّانِ
وانظُرْ بِعَيْنِ الأمرِ واحْمِلْهُمْ عَلَى ... أحْكَامِهِ فَهُمَا إذاً نَظَرانِ
وَاجْعَلْ لِوجْهكَ مُقْلَتَينِ كِلاَهُما ... مِنْ خَشْيِةِ الرَّحمنِ بَاكيَتَانِ
لَوْ شَاءَ رَبُّك كُنْتَ أيضاً مِثْلَهُمْ ... فَالقَلْبُ بَيْنَ أصَابِعِ الرَّحْمَنِ
" الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية " (ص 19، 20) .
وقد سبق في موقعنا الجواب عن مشكلات تشبه مشكلة والدك، وكتبنا فيها ما يمكن أن تستفيد منه، بالإضافة لما سبق من الجواب أعلاه، فانظر أجوبة الأسئلة: (95588) و (104976) و (27281) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/101)
نصائح، وتوجيهات لمعدِّد يشتكي حال زوجتيه
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: سؤالي يا شيخ هو في كيفية التعامل مع الزوجات: حيث أني متزوج بزوجتين: الأولى عندي منها ثلاثة أطفال، وهي الآن حامل، والثانية متزوج منها قبل ما يقارب السبعة أشهر تقريباً، السؤال هو: في يوم - يا شيخ - قالت لي الثانية: إن زوجتك الأولى تقول لي - يعني كنصيحة أخوية فيما تزعم – " إنكِ سوف تندمين لزواجك من " ... " - أنا يعني -، وأنا صابرة عليه منذ زمن؛ وذلك لأجل أولادي "، وقالت الثانية: " إن هناك كلام كثير قالته لي عنك، ولكني أسكتها "، وقلت لها: هل تعلمين أن هذا يعد غيبة؟ ونصحتها وخوفتها بالله. ما العمل في مثل هذه المواقف؟ علماً بأني لم أقصر مع أي منهما، وأحب أن يكونا أختين، وأتعامل معهما على هذا الأساس، وأحاول قدر المستطاع أن أستر على أي كلام يصدر منهما على أي واحدة منهما، وأحاول قدر المستطاع أن أعدل بينهما في المصروف الشخصي، والمبيت، وأي شيء يتعلق بالحياة الزوجية معهما، وأحب أن نذهب ونجيء مع بعضنا البعض كأسرة واحدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما يحدث مع الزوج المعدد في بيوت الزوجية بين نسائه أمرٌ طبيعي، وقد جبل الله النساء على الغيرة من الضرائر، ولم يسلم من هذا حتى النساء العظيمات، وهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ولنذكر في ذلك قصتين من قصصهنَّ – رضي الله عنهن -:
1. عَنْ أَنَسِ بن مالك قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ: (غَارَتْ أُمُّكُمْ) ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ. رواه البخاري (4927) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وقالوا - أي: جميع من شرح الحديث -: فيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيراء بما يصدر منها؛ لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوباً بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة، وقد أخرج أبو يعلى بسند لا بأس به عن عائشة مرفوعاً (أن الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه) .
" فتح الباري " (9 / 325) .
2. عَنْ أَنَسِ بن مالك قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَجَاءَتْ زَيْنَبُ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: " هَذِهِ زَيْنَبُ "! فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخَبَتَا، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا فَقَالَ: " اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ "، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: الْآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعَلُ بِي وَيَفْعَلُ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا، وَقَالَ: " أَتَصْنَعِينَ هَذَا؟ ". رواه مسلم (1462) .
(اسْتَخَبَتا) : من السَّخَب، وهو اختلاط الأصوات، وارتفاعها.
قال النووي - رحمه الله -:
وأما مدُّ يده إلى زينب، وقول عائشة " هذه زينب " فقيل: إنه لم يكن عمداً، بل ظنها عائشة صاحبة النوبة؛ لأنه كان في الليل، وليس في البيوت مصابيح، وقيل: كان مثل هذا برضاهن ….
وفي هذا الحديث: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حُسن الخلق، وملاطفة الجميع.
" شرح مسلم " (10 / 47، 48) .
فهذه بعض أحوال الضرائر، وهؤلاء هن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، والزوج هو النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أراد التعدد فليكن على باله أنه سيحصل بين نسائه من الغيرة والتنافس الشيء الكثير، وليكن قدوته في معالجة تلك المواقف: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإلا فلن تستقيم حياته معهن.
فيحتاج الأمر – أخي السائل – إلى حكمة، وصبر، وتقدير لحال الضرائر، وما جبلهن الله تعالى عليه من الغيرة.
وقد نقل الإمام الذهبي رحمه الله عن المغيرة بن شعبة قوله: " صاحب الواحدة: إن مرضت مرض، وإن حاضت حاض، وصاحب المرأتين بين نارين تشعلان ".
" سير أعلام النبلاء " (3 / 31) .
ثانياً:
مما هو متوقع أن يصدر من النساء: التقرب إلى الزوج بطعن إحداهن بالأخرى، وبتأليب الزوج عليها، ومما هو متوقع منهن: كذب إحداهن على الأخرى؛ لتظهر أن زوجها يحبها أكثر، أو يسعد في ليلتها أكثر من الأخرى.
عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) . رواه البخاري (4921) ومسلم (2130) .
وبوَّب البخاري على الحديث بقوله: " المتشبِّع بما لم ينل، وما يُنهى من افتخار الضَّرَّة ".
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قوله (المتشبِّع) أي: المتزين بما ليس عنده، يتكثر بذلك، ويتزين بالباطل، كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة، فتدَّعي من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده؛ تريد بذلك غيظ ضرتها ... .
وأما حكم التثنية في قوله (ثوبي زور) : فللإشارة إلى أن كذب المتحلِّي مثنَّى؛ لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ، وعلى غيره بما لم يُعطَ، وكذلك شاهد الزور، يظلم نفسه، ويظلم المشهود عليه ...
وأراد بذلك: تنفير المرأة عمَّا ذكرت؛ خوفاً من الفساد بين زوجها وضرتها، ويورث بينهما البغضاء، فيصير كالسحر الذي يفرِّق بين المرء وزوجه.
" فتح الباري " (9 / 317، 318) .
ثالثاً:
ما تنشده – أخي السائل – من رغبتك في الجمع بين زوجتيك، وجعلهما بمثابة الأختين: أمر طيب، وهي لعلها رغبة كل من يتزوج أكثر من واحدة، لكنَّ واقع الضرائر يفرض عليك التعامل معهن على أن بينهما من الغيرة والتنافس عليك ما يجعلك تعالج الأمر وفق هذا الواقع.
ويمكننا نصحك بنصائح نافعة لعلها تساهم في حل مشكلاتك الزوجية، ومن ذلك:
1. لا تصغي لكلام واحدة منهن في الأخرى، واقطع أصل هذا بعدم السماح أصلاً بأن تنقل لك إحداهما ما جرى بينها وبين ضرتها.
2. إذا حصل بين الزوجتين مشكلة: فالنصيحة لك أن تجمع بينهما في مجلس واحد، وتسمع من الطرفين، وتدلي كل واحدة بحجتها، ومن شأن هذا أن يخفف كثيراً من الكذب، والافتراء، والمبالغة، في حديث كل واحدة عن الأخرى.
3. لا تظهر لواحدة من الزوجتين سوء الأخرى، ولا تنقل لها ما يجري بينك وبين ضرتها، لا كلام خير؛ لئلا تحسدها، وتغار منها، ولا كلام شرٍّ وسوء؛ لئلا تشمت بها.
4. احرص على العدل بين الزوجتين في كل ما تستطيع، ولا تقصِّر في هذا الباب، حتى فيما لا تراه واجباً عليك.
قال جابر بن زيد: " كانت لي امرأتان، فكنت أعدل بينهما حتى في القُبَل ".
وقال مجاهد: " كانوا يستحبون أن يعدلوا بين النساء حتى في الطيب: يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه ".
وقال محمد بن سيرين: " إنه يكره للزوج أن يتوضأ في بيت إحدى زوجتيه دون الأخرى ".
واعلم أن من شأن هذا العدل التام أن يقطع كثيراً من المشكلات بين الضرائر.
5. لا بأس باستعمال الشدَّة في بعض الأمور التي ترى أنه من المناسب وضع حدٍّ لها، فنحن نعترف أن الكمال هو في الرفق، واللين، ولكن قد لا يصادف هذا الرفق واللين من يقدِّره، ومن يؤثر فيه إيجاباً، لذا يجوز للزوج أن يستعمل الشدة – أحياناً – مع نسائه إذا رأى أن ذلك يصلحهن، وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل الرفق واللين في تعامله مع نسائه: فقد استعمل الشدة أحياناً، كما صحَّ عنه أنه هجر نساءه شهراً كاملاً خارج بيوتهن، ولا شك أن هذا كان شديداً عليهنَّ، وهذه هي " الحكمة " التي ذكرناها في أول الجواب، فليست الحكمة هي اللين والرفق مطلقاً، بل وضع الشيء في مكانه المناسب، وهي استعمال الدواء النافع لكل موقف بما يناسبه، شدةً، أو ليناً.
6. من الضروري أن تتعاهد نساءك بالوعظ، والتوجيه، والنصح؛ فإنهن أحوج ما يكنَّ لمثل هذا، وما أكثر غفلتهن عن فعل ما يقربهن إلى الله، وترك التنافس على الدنيا وزينتها، وما يحدث منهن من أجل ذلك من الكذب، والغيبة، والنميمة، وإفساد ذات البيْن، فكن على علم بهذا وإدراك، ولا تقصِّر في هذا الباب، وسترى أثر ذلك إن شاء الله سعادة وهناءة في حياتك الزوجية معهما.
ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه رضاه، وأن يتولاك بعنايته، ورعايته.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/102)
حكم من يقول: إن فقر المسلمين بسبب كثرة النسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في رأيكم فيمن يقول: إن فقر المسلمين وضعفهم وتخلفهم في هذا العصر نتيجة للانفجار السكاني وكثرة النسل بنسبة تفوق التقدم الاقتصاد؟ وما نصيحتكم لمن يعتقد ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"رأينا أن رأيه خطأ، وذلك لأن الله تعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وليست العلة كثرة السكان، لأنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ولكن الله عز وجل يعطي لحكمة، ويمنع لحكمة.
ونصيحتي لمن يعتقد هذه العقيدة أن يتقي الله عز وجل، وأن يدع هذا الاعتقاد الباطل، وأن يعلم أن العالم مهما كثروا فإن الله تعالى لو شاء لبسط لهم الرزق، ولكن الله قال في كتابه: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) الشورى/27.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" ص 1084.
ولا شك أن الدعوة إلى تحديد النسل أو تقليله، مصادمة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم القائل: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) رواه أبو داود (2050) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1784) .
فالذي يسعى إلى تقليل النسل، ويدعو إلى ذلك، يريد أن لا يباهي النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء يوم القيامة بكثرة أتباعه.
وقد ضمن الله تعالى لجميع المخلوقات رزقها، فقال: (ومَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) هود/6.
فمحاربة الزيادة السكانية ـ سواء كان ذلك بفرض وسائل منع الحمل أو بالإجهاض أو بغير ذلك ـ باعتقاد أن الموارد لا تكفي الزيادة السكانية، وأن مصلحة البشر تقتضي الإقلال من زيادة نموهم، إن ذلك إعلان لإنكار ربوبية الله للخلق، وسعة رزقه، وهو شبيه باعتقاد المشركين، الذين كانوا يقتلون أولادهم خشية الفقر، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) الأنعام/151، وقال: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) الإسراء/31.
وكثرة الأمة نعمة من نعم الله تعالى التي يستحق أن يشكر عليها، ويعبد وحده، ولهذا ذكر الله تعالى أن نبيه شعيباً عليه السلام ذكَّر قومه ببعض نعم الله عليهم، فقال: (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ) الأعراف/86.
وكثرة الأمة من أسباب عزتها وانتصارها على أعدائها، ولهذا قال الله تعالى عن بني إسرائيل: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) الإسراء/7.
وفي دراسة مستقبلية عن مصر قال الدكتور محمد سيد غلاب: "إن الزيادة السكانية لم تكن أبداً عبئاً، ولا يصح أن تعتبر كذلك في القرن القادم؛ فهي التي مكنت مصر من التقدم في كل العصور".
وفي دراسة أخرى: يشير الدكتور مصطفى الفقي إلى أن من أهم العوامل المؤثرة في دور مصر عربيّاً: "اعتبار مصر مستودع الثروة البشرية".
ويقول الأستاذ خورشيد أحمد الخبير الاقتصادي: "القوة الغالبة لا تكون في المستقبل إلا للبلاد التي تتمتع بزيادة السكان، وتتحلى في الوقت ذاته بالعلوم الفنية، فليس ثمة شيء يستطيع أن يحتفظ لأمم الغرب بسيادتها وقيادتها العالمية سوى أن تعمل على نشر حركة تحديد النسل ومنع الحمل في بلاد آسيا وإفريقيا؛ لأجل هذا: فإن البلاد الغربية تعمل اليوم وسعها لزيادة سكانها، ولكنها في الوقت نفسه تستعين بأحسن ما عندها من أساليب الدعاية لتعميم حركة تحديد النسل في البلاد الآسيوية والإفريقية".
ويقول أيضاً: "وما أصْدَق الأستاذ (أورجانسكي) [مفكر أمريكي] في قوله: (وفي المستقبل، إنما تكون القوة أكثر عند المعسكر الذي يكون عنده الأفراد أكثر) ".
ويقول أيضاً: "مما لا يخفى على طالبٍ لعلم التاريخ: أن تعدد السكان له أهمية سياسية جذرية، ولذا: فإن كل حضارة أو قوة عالمية قد أولت جل اهتمامها إلى زيادة أفرادها في عصرها الإنشائي والتعميري، ولذا: فإن المؤرخ المعروف الأستاذ (ويل ديورانت) يعد كثرة السكان من أهم أسباب التقدم المدني، وأيضاً يعدها الأستاذ (آرنولد توينبي) من تلك التحديات الأساسية التي ردّاً عليها يخرج إلى عالم الوجود تقدم أي حضارة إنسانية".
وحتى لا يفهم الكلام خطأ، فليست زيادة السكان وحدها هي الكفيلة بالتقدم والحضارة، والانتصار على الأعداء، بل هي سبب رئيس لذلك، ولكنه ليس السبب الوحيد، بل لا بد أن يواكب ذلك: تعليم قوي، وتربية صحيحة، وشيوع العدل والأمان في المجتمع، ومحاربة الفساد، وقبل كل ذلك: الإيمان والتقوى، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف/96.
وقد تعالت صيحات أعداء الإسلام محذرةً من كثرة أعداد المسلمين، وأن ذلك من أعظم الخطر عليهم.
ففي كتاب "تحولات في جغرافية الشرق الأوسط" لمؤلفه البروفيسور أرنون سوفير 1984م، وهو من الكتب الدراسية في الدولة اليهودية، ويعتبر مرجعاً للجهات المختصة هناك، يرى الكاتب أن الزيادة السكانية العالية في مصر تقلق إسرائيل، لإمكانية إقامة جيش قوي.
وقد نشرت صحيفة (الديلي تلغراف) في 19 /1/1988 مقالاً بعنوان (القنبلة السكانية المؤقتة في حوض المتوسط) تناول فيه كاتبه هذه القضية التي تقض مضاجع الغرب وهي الزيادة السكانية الكبيرة في الدول التي تقع شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وتراجعها في الدول التي تقع شماله. ونقل المقال عن تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة: أن ثلثي سكان البحر الأبيض المتوسط في الخمسينات كانوا أوربيين منتشرين في الدول الممتدة من مضيق جبل طارق إلى مضيق البوسفور، غير أن هذه الصورة ستنعكس بحلول عام (2025) وسيصبح البحر المتوسط بحراً إسلامياً، إن لم يكن عربياً.
فهذا المقال يشير بما لا يدع مجالاً للشك، إلى أن الذي يشجع قضايا تحديد النسل والحد من الزيادة السكانية بين المسلمين، وتشجيع الدعوات العاملة على ذلك تحت شعارات كثيرة مثل: (تنظيم الأسرة) ، (تنظيم المجتمع) ، (تخطيط الأسرة) إلى غير ذلك من الشعارات الكثيرة.. نقول: إن الذي يشجع على ذلك إنما يخدمون أعداء الإسلام والمسلمين، ويعملون لمصلحتهم، علموا ذلك أو جهلوه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وأما القول بتحديد النسل فهذا لا شك أنه من دسائس أعداء المسلمين يريدون من المسلمين ألا يكثروا؛ لأنهم إذا كثروا أرعبوهم، واستغنوا بأنفسهم عنهم: حرثوا الأرض، وشغَّلوا التجارة، وحصل بذلك ارتفاع للاقتصاد، وغير ذلك من المصالح؛ فإذا بقوا مستحسرين قليلين صاروا أذلة، وصاروا محتاجين لغيرهم في كل شيء" انتهى.
"تفسير سورة البقرة" (2/88) .
وأخيرا ... إننا في حاجة إلى زيادة النسل مع أسلمة خطط التنمية، وأسلمة الأنظمة، وأسلمة القوانين، مع الاستفادة من العلوم الحديثة.
ولمزيد الفائدة، ينظر كتاب: "حركة تحديد النسل" أبو الأعلى المودودي ص (178-186) ، "مجلة البيان" عدد (11، 107، 191) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/103)
حملت منذ 3 أسابيع وزوجها يهددها بالطلاق إن لم تسقط الجنين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مغربية متزوجة عندي ولدان، وسؤالي هو: أنا حامل منذ 3 أسابيع رغم احتياطي لعدم الحمل لطلب زوجي، وفور إعلامي لزوجي بالحمل رفض رفضا تاما هذا الحمل، وهددني بالطلاق إن لم أقم بإجهاض هذا الطفل. أرجو منكم المساعدة وشكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمع من أهل العلم إلى جواز إسقاط النطفة قبل الأربعين يوماً، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم 115954.
وقيده بعضهم بوجود المصلحة أو دفع المضرة، كما جاء في قرار مجلس هيئة كبار العلماء ونصه:
" 1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً.
2- إذا كان الحمل في الطور الأول، وهي مدة الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه. أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقّة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم، أو من أجل مستقبلهم، أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز " انتهى نقلاً من الفتاوى الجامعة (3/1055) .
وعليه؛ فإذا خشيت أن يطلقك زوجك في حال استمرار الحمل، وكان الزوج جاداًّ في ذلك، فلا حرج عليك في إسقاط الجنين في الأربعين يوماً الأولى من الحمل.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "وبما قدمناه يظهر جواز إلقاء النطفة، ودليله وتعليله واضح.
وأما المدة التي يجوز إلقاء النطفة فيها فهي أربعون يوماً" انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (11/135) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/104)
مشكلة " فقد الثقة في الآخرين "، أسبابها، وطرق علاجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أدرس الشريعة، لكن مع تعاملي مع الناس تعقدتُ من الحياة، وطريقة تعاملهم، ولا أجد الأسلوب للتعامل معهم، ولا أجد أحداً أثق فيه، بصراحة أشعر أن هذه الحياة خالية من الناس الصالحة، وهذه مشكلة في اختيار الزوج الصالح، وأخاف كثيراً، ولا أعرف ماذا أفعل؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يعاني كثير من الناس من أزمة في " الثقة بالآخرين "، فمستقل، ومستكثر، ويرجع ذلك إلى أسباب تختلف من شخص لآخر، ومن أبرز تلك الأسباب: مقابلة كثيرين الإحسان بالإساءة! والمعاملة السيئة التي قد يكون تعرض لها من أهله أو أقربائه أو القريبين منه، فينشأ عند الإنسان صراع في داخله، يؤدي به إلى فقدان الثقة بالآخرين، إما على العموم، أو بالأقارب والأهل، أو بالأصدقاء.
ثانياً:
ليس من مشكلة إلا ولها حل، وليس من داء إلا وله دواء، وبما أن الأخت السائلة تدرس " الشريعة " فلن يكون حل مشكلتها عليها عسيراً، كما أننا لن نشق على أنفسنا لنوصل رسالتنا لها لتعالج نفسها من ذلك الداء الخطير، والذي يسبب ضيقاً، وحرجاً، وعنتاً، حتى تكون الحياة معه في غاية الصعوبة؛ لاضطرار المرء من التعامل مع الآخرين، فهو لا يستطيع أن يعيش وحده، حتى يكون له أهل، وأصدقاء، وجيران، فإذا لم يُحسن التعامل مع تلك المشكلة: سبَّب له ذلك آلاماً، وحطَّم له آمالاً.
ثالثاً:
هذه وقفات يسيرة معكِ أختنا السائلة، نرجو أن تجد منكِ آذاناً صاغية:
1. مراسلتكِ لنا تدل على أنكِ لم تفقدي الثقة في جميع الناس، وإلا فكيف تطلبين النصح ممن لا تثقين بهم؟! وهذا يسهِّل علينا مهمة النصح والإرشاد.
2. أنتِ تعلمين أنه يوجد من هو مثلك فاقد للثقة في الآخرين، فهل تعلمين أنكِ من الآخرين عند هؤلاء؟! وبما أنك لا تقبلين هذا الحكم الجائر من غيركِ عليكِ: فإن الناس لا يقبلون ـ منك ـ سحب الثقة منهم، وجعلهم محط اتهامكِ بإضمار الشر، وعدم محبتهم للخير لكِ.
3. اعلمي أيتها الأخت السائلة أن الناس فيهم المسلم والكافر، وفيهم العاصي والطائع، وفيهم العاقل والمجنون، وفيهم الصالح والطالح، وفيهم من هو من أهل الشر، ومن هو من أهل الخير، وهذا هو واقع الناس، ولا يمكن لأحدٍ أن يجادل فيه.
4. حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من تعميم الحكم بفساد الناس، وهلاكهم، وأخبر أن صاحب الحكم الجائر هذا هو أولى بالحكم من الناس، أو أنه هو الذي أهلكهم، لا أنهم هالكون في حقيقة الحال.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ: فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لاَ أَدْرِى (أَهْلَكَهُمْ) بِالنَّصْبِ، أَوْ (أَهْلَكُهُمْ) بِالرَّفْعِ.
رواه مسلم (2623) .
وهذه النظرة التشاؤمية للناس مفسدة للقلب، والعقل، وتجعل صاحبها حبيس الأوهام والخيالات، تنكد عليه معيشته، وتجعله دائم القلق، والأحزان.
5. ومع ما ذكرناه سابقاً فإنه لا مانع من الاحتراس من الناس، وما قلناه لا يعني وضع الثقة في كل أحدٍ، والإنسان ليس له إلا ما ظهر من الناس، فلا هو بالذي يعلم بواطن الناس، ولا هم يعلمون باطنه.
6. إن من المزالق الخطرة على من يعيش مثل هذه النفسية أن يزكي نفسه، فهو إذا كان يرى أن الناس ليسو أهلا لثقته؛ لأنهم لا يستحقونها، سوف تكون النتيجة المنطقية لذلك: أنه ليس مثلهم، وربما يصل به ذلك إلى العُجب الذي يُهلك صاحبه، والعياذ بالله، لذا فإنه عليكِ – أختنا السائلة – الحذر من كيد الشيطان، فهو لا يفتر ولا ييأس من الكيد للمؤمن، حتى يوقعه في شرَك الوسوسة، أو الإحباط، أو اليأس، أو غير ذلك من أنواع شباكه.
7. ونصيحتنا – أختنا السائلة – أن لا تكتفي برؤية الجانب المظلم من الناس، فإنه من المستحيل أن لا يكون قد مرَّ عليك في حياتك مواقف لأناس صالحين، شرفاء، ناصحين، فليكن مثل هؤلاء على بالك حين الحكم على الناس، حتى تتوزان عندك الأمور، وتكوني عادلة في الحكم، ثم إنك لا تعرفين الناس كلهم، فكم في الأرض من أتقياء، وأنقياء، وأصفياء، وصلحاء، فلا تجعلي معرفتك بقليل من الناس ميزاناً في الحكم على من لا تعرفين.
8. والمسلم الذي يقابل الناس إحسانَه لهم بإساءة: لا ينبغي له أن يهتم، أو يغتم؛ لأن علاقته في فعل الخير هي مع الله، وليكن شعاره دوماً: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً) الإنسان/9.
9. تجنبي الخلطة الزائدة مع الناس، واجعلي لك ميزاناً عادلاً دقيقاً في انتقاء صديقاتك، حتى لا ترجعي باللوم على نفسك إن قدَّر الله وأساءت إحداهنَّ لك فيما بعد.
هذه وصايانا، ونصائحنا، ونرجو الله أن ينفعكِ بها.
رابعاً:
وأما بخصوص اختيار الزوج: فقد سبق منا بيان ذلك بكثير من التفصيل، فنرجو منك مراجعة أجوبة الأسئلة: (5202) و (6942) و (69964) و (8412) و (105728) .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن ييسر أمرك، ويهديك سبل الرشاد، وأن يرزقك زوجاً صالحاً، وذرية طيبة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/105)
كيف يتصرف مع والده المختل عقليّاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والد صديقي مصاب بمرض انفصام مزمن، قام بإحضاره لمنزله للعناية به، يقوم بالدخول للحمام حافياً، ويجلب معه النجاسة للمنزل، برغم بطء حركته بسبب أدوية المرض: يقوم بملاحقة أبناء ابنه بسبب لعبهم، وخروج أصواتهم، أو بسبب المشي لغرض ما من أمامه، يتصور الحركات أنها ضده، يقوم بحلاقة وجهه بشكل مزري من حيث شكل الحلاقة، يقوم أحياناً بترك الحمام داخل المنزل ويخرج يقضي حاجته أمام الناس، وغيرها من التصرفات، يعاني من المرض منذ أكثر من 30 عاماً، أدخل مستشفى الأمراض العقلية عدة مرات، والحال كما أسلفنا، أمام هذه التصرفات وغيرها: يقوم ابنه أحيانا بالصراخ عليه لردعه عن هذه التصرفات بعد فشل رجائه بالحسنى، وأحياناً لفقد الابن أعصابه وهو يرى أبناءه الصغار مرعوبين من جدهم، ولولا إظهار الغضب من تصرفاته هذه: فإنه يزداد فيها، لم يجد في الكتب الدينية عن كيفية التعامل مع الوالدين المبتلين بهذا المرض، أفيدونا بارك الله بكم، فالابن يعيش في صراع، وفي حيرة شديدة، خوفاً من الله جل وعلا، إن كانت هذه التصرفات مرفوضة شرعيّاً، علماً بأنه لا يوجد له أخ كبير، أو والد لطلب تدخله لردعه، ليتجنب الابن مواجهته بهذه الطريقة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الذي يظهر من تصرفات والد صديقك:أنه قد سقطت عنه التكاليف الشرعية العملية، وأما الواجبات المالية: فإنها باقية لا تسقط عنه.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
عن فاقد الذاكرة، والمغمى عليه، هل تلزمهما التكاليف الشرعية؟ .
فأجاب:
إن الله سبحانه وتعالى أوجب على الإنسان العبادات إذا كان أهلاً للوجوب، بأن يكون ذا عقل يدرك به الأشياء، وأما من لا عقل له: فإنه لا تلزمه الشرائع، ولهذا لا تلزم المجنون، ولا تلزم الصغير الذي لم يميِّز، بل ولا الذي لم يبلغ أيضاً، وهذا من رحمة الله تعالى، ومثله أيضاً: المعتوه الذي أصيب بعقله على وجه لم يبلغ حدَّ الجنون، ومثله: الكبير الذي بلغ فقدان الذاكرة، فإنه لا يجب عليه صلاة، ولا صوم؛ لأنه فاقد الذاكرة، وهو بمنزلة الصبي الذي لا يميز، فتسقط عنه التكاليف، فلا يلزم بها.
وأما الواجبات المالية: فإنها تجب في ماله، ولو كان فاقد الذاكرة.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (12 / جواب السؤال رقم 4) ، (19 / جواب السؤال رقم 40) .
ثانياً:
وأما بخصوص ما يفعله: فإنه يجب على أهل بيته منعه من الإفساد، والإتلاف، وكل ما يضر أو يؤذي من الأفعال، والأقوال، وليُسلك في ذلك أفضل السبل لمنعه وكفه عن أفعاله المضرة، والمؤذية، ولو كان ذلك بالصراخ عليه؛ لأنه والحالة كما وُصف ليس عاقلاً حتى يكون هذا من العقوق له، فهو لا يُدرك ما يفعل، ولا ما يُفعل معه، وبما أن صراخ ولده عليه نافع في كف أذاه: فلا بأس في فعله، إن شاء الله، ولوددنا أن لو كان ذلك بغير هذه الطريقة، فليحرص ابنه على التلطف مع والده في ابتداء الأمر، فإن عجز: فلا بأس من استعمال الشدة والغلظة، دون إيقاع ضرر عليه.
وإن كان من الخير له الذهاب به لمستشفى متخصص يقوم على رعايته والعناية به: فلا ينبغي التقصير في هذا الجانب، وهو خير من بقائه في بيت ابنه، يؤذي نفسه، ويؤذي أحفاده، والناس عموماً.
وليحرص ذلك الابن ومن يعقل من أهله على الدعاء له، وليحرصوا على علاجه بالرقية الشرعية، فقد ييسر الله تعالى له الشفاء من دائه ذاك بسبب ذلك الدعاء، وتلك الرقية.
وعليكم بمراقبة تصرفاته خشية تنجيسه الفراش أو الثياب، وإذا فعل ذلك: فعليكم المبادرة بغسله وتنظيفه، ولا تؤخروا ذلك؛ خشية نسيان موضع النجاسة، وعليكم بالتلطف معه؛ لأنه لا يدري ما يفعل، وقد رُفع عنه القلم.
ونسأل الله تعالى أن يشفيه، ويعافيه، وأن يكتب أجر بره لابنه، ومن يعتني به من أهله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/106)
حكم بطاقة " بنت الحلال "، وكلمة في الزواج عن طريق مواقع الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شراء وبيع بطاقات كاش يو وبطاقات بنت الحلال للإخوة للتعامل بها في الإنترنت لتزويد حساباتهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بطاقة " الكاش يو ": سبق منَّا بيان جواز شرائها والشراء بها، وذلك في جواب السؤال رقم: (70279) .
ثانياً:
بطاقة " بنت الحلال " إن كانت مثل بطاقة " كاش ": فلها حكمها، وإن كانت تختلف: فنرجو توضيح ذلك لنا.
ونأمل أن لا يكون السؤال عن البطاقتين من أجل الاشتراك بمواقع التعرف من أجل الزواج؛ فقد ثبت في كثير من الإحصائيات أن الزواج بهذه الطريقة مصيره الفشل، هذا فضلاً عن مخالفة هذه الطريقة للشرع، ومثل هذا الزواج سيقوم على الشك والريبة بين الزوجين وهو سبب فشل كثير من الزيجات الإلكترونية! .
وعندما يطلع الباحث على تلك المواقع يعجب عندما يرى عرض النساء أنفسهن على مجاهيل الإنترنت، وعالم الفضاء – في الفضائيات -، ويعجب من مثل هذا الزواج كيف سيكون وقد عرف الزوج دخول زوجته لهذه المواقع وعرض نفسها بهذه الطريقة المبتذلة.
ويجب أن يُعلم أنه ليس لدى كثير من الداخلين من الشباب رغبة في الزواج من هؤلاء العارضات لأنفسهن؛ لأنهم لا يثقون بامرأة تدخل هذا العالَم الموبوء، ويرى كثير منهم أنها فرصة لإشباع رغبته الجنسية بالتأمل بمزيد من الصور، وقراءة الرسائل، ورؤية المواصفات النسائية لدى تلك العارضات لأنفسهن.
والمعروف في هذه البيئة الفاسدة أن الشاب يشبع رغباته مع أولئك النسوة وغيرهن، فإذا جاء للزواج: فإنه لا يبحث إلا عن امرأة طاهرة، عفيفة، لا تعرف الرجال قبله؛ لأنه سيأمنها على عرضه، وبيته، وماله، وطائفة كبيرة من الشباب لا تضع ثقتها ببنات الإنترنت، وعالم الفضائيات، وهذا باعتراف كثيرين.
وقد سئل الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله:
أريد أن أعرف حكم الزواج عن طريق الإنترنت؟ علماً بأني أجد صعوبة في التعامل مع أبي في هذا الموضوع، وليست لي علاقات اجتماعية كثيرة، ولستُ ممن يخرجن للنوادي، وما إلى ذلك.
فأجاب:
"الاتصال بالرجال الأجانب عن طريق الإنترنت: سببٌ للانحلال الخلقي، فخير للمرأة أن لا تعرف، ولا تخاطب الرجال الأجانب إلا في حال الضرورة، مثل العلاج، ونحوه، أو استفتاء لعالم موثوق به، وما شابه ذلك من الحاجات المشروعة، والتحادث بين الشباب والفتيات عن طريق الإنترنت: بوابةٌ للشرِّ، واستدراج من الشيطان، كما وقع في حبائل ذلك كثير من العفائف، بعد أن زال عنهن جلباب الحياء، الذي يجب أن يكون شعار المرأة المسلمة في كل زمان ومكان.
أما إن كان القصد من السؤال: أنه من أجل أن تُعْرَف، ويتاح لها فرصة للتزوج ممن يعرفها من خلال هذه الآلات: فالله سبحانه قدَّر لها رزقها في الزواج قبل أن يخلقها، والله سبحانه قادر أن ييسر أمرها إذا علم صدق نيتها بترك ما حرم عليها.
فاتقي الله واصبري، يقول الله عز وجل: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3، فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، والله المستعان" انتهى.
" فتاوى الشيخ عبد الكريم الخضير " (ص 14) – ترقيم الشاملة -.
ولمزيد فائدة: انظر أجوبة الأسئلة: (84102) و (93450) و (21933) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/107)
لم يرزق بأولاد من عشر سنين ويريد أن يتزوج وتهدد الأولى بالانتحار
[السُّؤَالُ]
ـ[أبلغ عامي الأربعين، متزوج من عشرة أعوام , لم أرزق بأي طفل حتى الآن , وذلك بسبب وجود مشاكل في الجهاز التناسلي لزوجتي , راجعنا الكثير من الأطباء، وجربنا الكثير من الأدوية، ولكن بلا فائدة. أهلي يضغطون علي لكي أتزوج، وأنا مقتنعٌ بالفكرة ولكن لا أريد أن أجرح زوجتي، حيث إنها رفضت الفكرة وتهدد بالانتحار في حال أقدمت على الزواج بأخرى , أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من حكمة الله تعالى أن وهب لبعض عباده ذكورا، ووهب لبعضهم إناثا، ووهب لعضهم الجنسين، وجعل من يشاء منهم عقيما، له في ذلك الحكمة التامة، سبحانه وتعالى وتقدس، يعلم حال عباده وما يصلح لهم، قال عز وجل: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) الشورى/49، 50.
والولد نعمة من النعم، وتحصيله مقصد من المقاصد التي شرع لأجلها النكاح، ولهذا كانت وصية النبي صلى الله عليه بتزوج المرأة الولود، كما روى أبو داود (2050) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ) صححه الألباني في صحيح أبي داود (1805) .
وقد يتأخر الولد، وقد يجزم الأطباء بعدم حصوله، ثم ينعم الله به، وذلك أمر مشاهد معلوم.
ولا حرج على الرجل أن يتزوج بثانية لهذا السبب أو لغيره، بشرط أن يعدل ولا يحيف، ولا يشترط رضا الأولى ولا استئذانها.
وأنت بين أمرين: إما أن تصبر على زوجتك، وتحسن إليها، وترجو من الله أن يرزقك الولد منها، وإما أن تتزوج بأخرى مع احتمال أن تضطر لفراق لأولى، إذا كرهت البقاء معك، وطلبت الطلاق، أو نغصت عليك الحياة، وأرهقتك بالمشاكل، أو أقدمت على الانتحار كما زعمت، فوازن بين الأمرين، واستخر الله تعالى.
وينبغي نصح الزوجة - في جميع الأحوال – بأن التفكير في الانتحار ليس من حال أهل الإيمان، فإن الانتحار جريمة عظيمة، وكبيرة منكرة، وقد جاء فيها نصوص كثيرة من الوعيد، قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا) النساء/29، 30.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه [أي: يطعن] في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه البخاري (5442) ومسلم (109) .
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) رواه البخاري (5700) ومسلم (110) .
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) رواه البخاري (3276) ومسلم (113) .
ونسأل الله تعالى أن يهيئ لك من أمرك رشدا، وأن ييسر لك الخير حيث كان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/108)
اعتراض زوجة على أحكام شرعية كثيرة تتعلق بالحياة الزوجية!
[السُّؤَالُ]
ـ[أتمنى أن تردوا على هذه المرأة، حيث إن لديها كثيراً من الشبهات صادفتها في أحد المنتديات، وجزاكم الله خيراً. تقول هذه المرأة: كثيرة هي الأحاديث التي تقدِّس الزوج، وحقوقه، أذكر بما معناها: 1- تلعن الملائكةُ المرأةَ التي يدعوها زوجها للفراش، وترفض حتى تصبح. 2- لو أُمر أحد بالسجود لغير الله لأُمرت المرأة بالسجود لزوجها - ترى أيّاً كان هذا الزوج؛ قائماً على عشرتها بالمعروف أم على مزاجه!! -. 3- المرأة التي تصلِّي خمسها، وتحفظ فرجها، وتطيع زوجها تدخل الجنة. 4- المرأة إذا ماتت وزوجها عنها راضٍ تدخل الجنة. 5- للرجل أن ينكح ما طاب له من النساء مثنى وثلاث ورباع؛ لأن ذلك أفضل من الزنا، لكن ماذا عن المرأة التي يهجرها زوجها؟! تطالب بالخلع وتدفع له المال، ثم تتحمل ما بعد ذلك من المعاناة! . 6- لم يسمح رجل لزوجته بالخروج من المنزل، وسافر، ومرض والدها، فاستأذنت الرسول عليه السلام، فقال لها: أطيعي زوجك، فمات والدها، ولم تره! . 7- تربي المرأة الطفل في حالة الطلاق، وتسهر وتتعب في أصعب المراحل، ثم يأتي الأب ليأخذه وقد أصبح الطفل قادراً على إطعام نفسه، وتنظيف نفسه! . 8- حتى في العلاقة الحميمة يمكن للرجل أن يستمتع بقذفه، لكن لن تستمتع المرأة ما لم يمتعها زوجها ويداعبها، ماذا تفعل من همُّ زوجها إشباع نفسه فقط؟!!! . صححوا لي إن كنت أخطأت في هذه الأحاديث التي لا أحفظ نصها. ولكن ماذا عن المرأة وحقوقها؟ يقال لها الجئي للقضاء لنيل حقوقك، ونحن في مجتمع ذكوري يقف مع الرجل حتى وإن أخطأ وظلم، يطالب المرأة بالصبر والتنازل عن بعض حقوقها حتى ترضي زوجها لتستمر الحياة، لأن ما ينتظرها بعد الطلاق أقسى وأصعب؛ من نظرة المجتمع، وحضانة أطفالها، وحقها في الزواج ثانية، تتعرض المرأة لقسوة شديدة في بعض المجتمعات. أنا أعاني معاناة واقعية؛ هجرني زوجي بعد شهرين من الزواج بسبب مناسبة لإحدى قريباته لم أحضرها، لأني غضبت منه حين أهملني يومين في بيت أهلي، ليتركني 3 أشهر كعقاب لي وأنا حامل في شهري الأول حينها , هو الآن مسافر في إحدى الدول يقضي إجازته وقد تركني معلقة، أعاني متاعب الحمل، أذهب للمستشفيات وحدي، عانيت من بخله العاطفي والمادي، وتركني في دوامة، هل أطلب الطلاق؟ ، ماذا سيحدث للطفل؟ ، هل سيأخذه أم أتركه له؟ ، هل أتصل وأتوسل إليه أن يسامحني على ذنب لم أفعله؟! ، ليس له رصيد من المعاملة الحسنة، عاملني بجفاء منذ الليلة الأولى، لا أعلم ما السبب! ، لكن والدته تؤثر عليه كثيراً، وقاعدتها في التعامل " لا تعطي أحداً وجهاً يتعود عليك ويطالبك بما لا تريد "، ماذا أفعل؟ ، هل هناك جانب في الدين ساوى بين الرجل والمرأة لا أعرفه؟ وضحوا لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من الواضح أن هذه المرأة الكاتبة لذلك المقال – إن صح أنها امرأة، وكاتبة له، ومسلمة أصلاً – عانت من ظرفٍ نفسيٍّ بسبب سوء معاملة زوجها لها، لكنها لم تحسن التصرف معه، ولم تحسن القول في الشكوى، فتعدى الأمر من شكوى زوجها إلى شكوى دينها! ولا ندري أي نظم وقوانين وأديان رأت أنها تعطي المرأة ما يعطيه الإسلام! وعلى كل حال: فهذا الكلام المكرر كثيراً أصبح واضحاً بطلانه عند عقلاء الناس، وبالأخص العاقلات من المسلمات، فالمرأة تعرف أنها ملكة في بيتها، وأنها درة مصونة، وقد أمر الله تعالى زوجها بإحسان عشرتها، والنفقة عليها، لا لأنها مُلك له، ولا لأنها سِلعة تباع وتشترى، بل لأنها شريكته في إنشاء البيت المسلم؛ ولأنها تقوم بأعمالٍ جبَّارة في بيتها، فهي تربي ولدها، وتصون بيتها، وتحفظ مال زوجها، وفي الوقت نفسه، تعفه، وتمنعه من النظر المحرم، والفاحشة المحرَّمة، ولذا جاءت الوصية في كتاب الله تعالى بالنساء، وجاءت السنَّة بذلك أيضاً، والوصية بهنَّ هي آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
ثانياً:
من نسب الظلم لشرع الله تعالى، أو ظن أن ذلك في الشرع: أمراً به، أو إقراراً وقبولاً له: فقد كفر كفراً أكبر، خرج به من ملة الإسلام؛ لأن نسبة ذلك للشرع يعني نسبته لمُشَرّعه، وعلى المسلم الذي يريد النجاة في الآخرة أن يحفظ لسانه عن القول بغير علم، وأن يحذر من كلمة توبق دنياه وآخرته، ومن رضي غير الإسلام ديناً له فليرحل غير مأسوفٍ عليه، ولينظر حوله ماذا يفعل الكفار بنسائهم، ها هم النصارى أمامه، وها هم اليهود حوله، وها هم الهندوس، والبوذيون ملئوا آسيا، فلتختر المرأة ديناً لها يكرم أهله المرأة أحسن من إكرام الإسلام لها، ولتكف لسانها عن الشرع ومشرِّعه.
وينظر جواب السؤال رقم: (21010) ليعلم تكريم الإسلام للمرأة، وإهانة الجاهلية لها.
ومثله: جواب السؤال رقم: (70042) .
ونحن لا ننكر أنه ثمة أخطاء وجرائم تحدث من الزوج المسلم، لكننا ننبه هنا على أمرين:
1- لا تنسبوا أخطاء أزواجكم لشرع الله المطهَّر، فالزوج الظالم متوعد بالعقوبة من رب العالمين، والظم والبغي لم يبحهما رب العزة للزوج تجاه زوجته، وقد أمره ربه تعالى بحسن العشرة لزوجته، فإن لم توافقه، ولم ير مجالاً لاستمرار العيش بينهما فقد أمره بتسريحها بإحسان، وأن يعطيها كافة حقوقها.
2- لا تنس المرأة المسلمة أنه يحدث من الزوجات تقصير شديد في حق الزوج، فهذه مهملة في بيتها، وتلك مقصرة في حق زوجها، والثالثة عنيدة، والرابعة تَحكُمُها أمُها، والخامسة تريد زوجها خادماً سائقاً لا زوجاً مسئولاً عن البيت والأولاد، وكم من بيت زوجية دمَّرته الزوجة بسوء خلقها، وبقبح عشرتها لزوجها، فهي لا تراعي ظرفاً ماديّاً صعباً يعيشه، ولا يهمها ما تعانيه الأمم من غلاء معيشة، ولا يقلقها كثرة ساعات عمل زوجها حتى يحصل لقمة العيش الصعبة، ومع هذا كله فهي تريد الشراء من الأسواق لكماليات تافهة، وهي تريد السفر والسياحة، وهي تخون زوجها بمراسلات ومحادثات مع أجانب في الجوال والإنترنت، وغير ذلك مما يصلنا أخباره، ونعرف أحواله، ومع هذا فإننا ننسب الأخطاء لفاعلها، لا لشرع الله تعالى المطهَّر الذي جاء بالفضائل، وحلَّى أتباعه بالقلائد الحسان من السلوك الرائق.
ثالثاً:
ما ذكرته الكاتبة في مقالها: يدل على جهلها، وجهل من استدل بتلك الأحاديث على ما رأى أنه ظلم للمرأة، وقدسية للزوج! فالأحاديث المذكورة: منها ما هو ضعيف، ومنها ما هو ضعيف جدّاً! ، ومنها ما هو صحيح.
1) حديث: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ) رواه الترمذي (1161) وابن ماجه (1854) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
وهو حديث ضعيف، لا يصح.
أ. قال الإمام الذهبي: مساور الحميرى عن أمه، عن أم سلمة: فيه جهالة، والخبر منكر.
" ميزان الاعتدال " (4 / 95) .
ب. وقال ابن الجوزي: مساور مجهول، وأمه مجهولة.
" العلل المتناهية " (2 / 630) .
ج. وقال الألباني: منكر.
" السلسلة الضعيفة " (1426) .
2) حديث أَنَس رضي الله عنه: أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ فَمَرِضَ أَبُوهَا، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أَبِي مَرِيضٌ، وَزَوْجِي يَأْبَى أَنْ يَأْذَنَ لِي أَنْ أُمَرِّضَهُ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: (أَطِيعِي زَوْجَكِ) فَمَاتَ أَبُوهَا، فَاسْتَأْذَنَتْ زَوْجَهَا أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهَ، فَأَبَى زَوْجُهَا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الصَّلاَةِ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم، فَقَالَ: (أَطِيعِي زَوْجَكِ) فَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، فَلَمْ تُصَلِّ عَلَى أَبِيهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: (قَدْ غَفَرَ الله لأَبِيكِ، بِطَوَاعِيَّتِكِ زَوْجَكِ) .
رواه الطبراني في " الأوسط " (7 / 332) .
وهو حديث ضعيف جدّاً، أو موضوع! .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله -:
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 169 / 2) من طريق عصمة بن المتوكل نا زافر عن سليمان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك به، وقال: " لم يروه عن زافر إلا عصمة ".
قلت: وهو ضعيف، قال العقيلى في " الضعفاء " (ص 325) : " قليل الضبط للحديث، يهم وهماً، وقال أبو عبد الله – يعني: البخاري -: " لا أعرفه ".
ثم ساق له حديثاً مما أخطا في متنه.
وقال الذهبي: " هذا كذب على شعبة ".
وشيخه " زافر " - وهو ابن سليمان القهستاني -: ضعيف أيضا، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، كثير الأوهام ".
وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 313) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عصمة بن المتوكل، وهو ضعيف.
" إرواء الغليل " (7 / 76، 77) .
فها قد سقط من قائمتها حديثان، فلنر باقي أحاديثها وشبهاتها؛ لنعلم حقيقة ما تستدل به من السنَّة، وتنسبه لدين الله تعالى.
رابعاً:
قولها:
" تلعن الملائكة المرأة التي يدعوها زوجها للفراش، وترفض حتى تصبح ".
نعم، هو كذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) .
رواه البخاري (3065) ومسلم (1736)
ولا يمكن للملائكة إلا أن تفعل ما أمرها الله تعالى به، وهي لا تفعل محرَّماً، ولا تأتي منكراً، والمرأة التي يدعوها زوجها للفراش فتأبى تستحق اللعنة؛ لأنها خالفت أمر ربها، وأمر زوجها، والزوج هو أعظم من له حق على المرأة بعد حق ربها عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج , حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
لو كنت آمرا لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها) .
" مجموع الفتاوى " (32 / 275) .
وهذا الذي قلناه مما هو في شرع الله ليس على إطلاقه، بل للمرأة أن ترفض الجماع في حال أن تكون مريضة مرضاً يشق عليها معه الجماع، أو أن تكون حائضاً، أو نفساء، أو تكون صائمة صيام فرض، ومع هذا فليس لها أن تمنع زوجها من الاستمتاع، لكن دون الولوج؛ لحرمة ذلك في حال الحيض والنفاس، وأما ما عدا كونها معذرة: فليس لها منعه حقَّه في الجماع، وهي وإن لم تكن راغبة بالجماع: فإنها تستطيع تلبية حاجته، وتمكينه من قضاء شهوته، فهي كالأرض التي لا تمتنع من إلقاء أحد بذره فيها، وهو تشبيه رب العالمين حين قال: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة/ من الآية 223.
ويختلف الأمر لو أنها هي كانت الداعية له؛ لأنها لا يمكنها قضاء شهوتها مع عدم شهوته، وهو أمر لا يخفى، ولا يحتاج لتفصيل، لكنه لا يحل له ترك ذلك بقصد الإضرار بها.
وينظر زيادة تفصيل لهذه المسائل في أجوبة الأسئلة: (33597) و (9602) و (5971) .
خامساً:
قولها: " لو أُمر أحد بالسجود لغير الله لأُمرت المرأة بالسجود لزوجها - ترى أيّاً كان هذا الزوج؛ قائماً على عشرتها بالمعروف أم على مزاجه!! – ".
عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قال: قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَقِّ) .
رواه أبو داود (2140) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وليس هذا سجود التعظيم؛ فإن ذاك لا يكون إلا لله تعالى، والمقصود به: سجود التحية عند اللقاء والمواجهة، ولكن لما في هذا من تشبه بما يفعله الأعاجم مع ملوكهم: لم يشرعه لنا ربنا تعالى، وهذا الحديث دلَّ على عظيم حق الزوج على زوجته، كما في آخره بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وليس يعني سلب المرأة حقوقها، ولا نزع واجبات الزوج تجاه زوجته، وكل النساء العاقلات يعلمن ما في الزواج نفسه من نعمة عظيمة، ويعلمن أثر وجود الزوج في حياتها، وما قبول المرأة أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة، بل رابعة! إلا لما تعلمه من حسنات الزوج، وأهميته في حياتها، ومن هنا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعظيم حق الزوج حتى تؤدي ما عليها من واجبات، وهو بالمقابل لا يحل له التفريط فيما أوجب الله تعالى تجاهها، ومن ضلَّ فإنما يضل على نفسه، فلتؤد هي ما أمرها الله به، ولتطلب منه ما أوجب الله عليه.
وينظر جواب السؤال رقم: (43252) ففيه السبب في تفضيل الزوج، وجعل القوامة بيده.
وجواب السؤال رقم: (43123) ففيه بيان أن طاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين والإخوة.
وفي جواب السؤال رقم: (10680) تفصيل واف في بيان حقوق الزوج وحقوق الزوجة.
سادساً:
قولها:
" للرجل أن ينكح ما طاب له من النساء مثنى وثلاث ورباع؛ لأن ذلك أفضل من الزنا، لكن ماذا عن المرأة التي يهجرها زوجها؟! تطالب بالخلع وتدفع له المال، ثم تتحمل ما بعد ذلك من المعاناة! ".
وهل تريد هذه القائلة أن تنكح مثل الرجل في آن واحد مثنى وثلاث ورباع من الأزواج؟!! وهل هذا إلا انتكاس في الفطرة، وخبل في العقل؟! إن أهل الفسق والفجور، لا يقبل أحد لزوجته – بل ولا لعشيقته – أن تكون له ولغيره يشترك فيها الرجال، وكم من حوادث قتل حصلت في مثل هذه الأحوال، لا عند المسلمين، بل عند الكفار، بل حتى الحيوانات لا تقبل مثل هذا الأمر! فقليلاً من العقل، يا هذه! .
و" الخلع " الذي شرعه الله تعالى: غاية في الحكمة، فالمرأة قد يعرض لها بسببها، أو بسبب زوجها ما لا تستطيع العيش معه، وهو لا ذنب له فيما حصل عندها من تغير في حالها، وهو قد دفع مهراً لها، فمن حقه أن يستردَّ مهره – إن طلبه منها – وهي لا ترغب بالبقاء معه، ومن العلماء من أوجب عليه قبول تطليقها، ومنهم من استحب له ذلك، ولا يحل لها طلب الخلع من غير بأسٍ شرعي، وإلا تعرضت للوعيد الشديد.
وفي بعض الحالات: يُجبر الزوج من قبَل القاضي الشرعي على التطليق، كأن يكون مسيئاً لها بضرب أو شتم، ويستمر على ذلك، ولا يريد إصلاح حاله، وغير ذلك من الحالات، كما أن القاضي يملك أن يطلِّقها في حال رفض الزوج ذلك، أو في حال غيابه، وتضررها من ذلك، ولها بعد ذلك كامل حقوقها.
وينظر في تفصيل الحالات وأحكامها: أجوبة الأسئلة: (34579) و (5288) و (9021) و (12179) .
ولا يحل للزوج أن يضيق على زوجته كي يضطرها إلى التنازل عن حقوقها، أو شيء منها، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (42532) .
وتنظر أحكام الخلع في أجوبة الأسئلة: (1859) و (26247) و (34579) .
سابعاً:
" تربي المرأة الطفل في حالة الطلاق، وتسهر وتتعب في أصعب المراحل، ثم يأتي الأب ليأخذه وقد أصبح الطفل قادراً على إطعام نفسه، وتنظيف نفسه! ".
هذا غير صحيح على إطلاقه:
أ. حضانة الأم لولدها الرضيع والصغير من محاسن دين الإسلام؛ لأن الطفل في هذه السن يحتاج لما عند الأم من رحمة وحنان! فهل صار في هذا الحكم ما يعاب به الإسلام؟! ثم إن الأمر ليس على إطلاقه، بل هو كذلك حتى تنكح زوجاً آخر، فإن نكحت زوجاً غير والد الطفل: انتقلت حضانته إلى غيرها، على تفصيلات في كتب أهل العلم.
ب. ثم إن الأب لا يأخذ ولده عندما يكون قادراً على تنظيف نفسه، وعلى إطعام نفسه، بل يُخيَّر الطفل الذكر بين أبويه عندما يصل سن التمييز، دون الأنثى؛ فإن والدها أحق بها؛ لما تحتاجه البنت من ولاية، ورعاية، الرجل أولى بها وأقدر من المرأة.
وليُعلم أن الحكم إنما هو حيث يتساوى دين الوالدان وعدالتهما، فإن ثبت فسق أحدهما، أو أنه يدل الولد على السوء، ويعلمه الشر: لم يكن له حضانته، ولا يخيَّر الابن إذا صار من أهل التمييز، ولا تُدفع البنت لوالدها إن كان هو صاحب الشر والسوء.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
قال شيخنا: وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي وأمره الذي أوجبه الله عليه: فهو عاص، فلا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته: فلا ولاية له عليه، بل إما أن تُرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب، وإما أن يُضم إليه من يقوم معه بالواجب، إذ المقصود: طاعة الله ورسوله بحسب.
قال شيخنا: وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء سواء كان الوارث فاسقاً أو صالحاً بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة على الواجب والعلم به وفعله بحسب الإمكان.
قال: فلو قُدِّر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرَّة: فالحضانة هنا للأم قطعاً.
قال: ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقاً، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البَرِّ العادل المحسن، والله أعلم.
" زاد المعاد " (5 / 475، 476) .
ثامناً:
قولها:
" حتى في العلاقة الحميمة يمكن للرجل أن يستمتع بقذفه، لكن لن تستمتع المرأة ما لم يمتعها زوجها ويداعبها، ماذا تفعل من همُّ زوجها إشباع نفسه فقط؟!!! ".
وهذا الفعل خطأ من الزوج، ولطالما نبَّه العلماء الأزواج على ضرورة الانتباه لهذا الأمر، وأن من حق الزوجة أن تستمتع بالجماع، كما يستمتع هو، وأنه إن استطاع أن يؤخر القذف حتى تنزل هي: فهو الأفضل، وإن قذف قبلها: أن يبقى معها حتى تقضي وطرها، ومن خالف في ذلك: فإنما هو خطؤه، وإنما هو سلوكه الذي يدفعه لحب الذات، وأما الشرع فهو بريء من فعله هذا.
قال الشيخ محمد العبدري - ابن الحاج - رحمه الله -:
وينبغي له إذا قضى وطره أن لا يَعجل بالقيام؛ لأن ذلك مما يشوش عليها، بل يبقى هنيهة؛ حتى يَعلم أنها قد انقضت حاجتُها، والمقصود: مراعاة أمرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُوصي عليهن، ويحض على الإحسان إليهن، وهذا موضع لا يمكن الإحسان إليها من غيره، فليجتهد في ذلك جهده، والله المسئول في التجاوز عما يعجز المرء عنه.
" المدخل " (2 / 188) .
بل قد رجَّح الشيخ العثيمين رحمه الله حرمة هذا الفعل من الزوج، خلافاً للحنابلة الذين قالوا بالكراهة.
قال رحمه الله:
قوله: " والنزع قبل فراغها " أي: يكره - أيضاً - أن ينزع قبل فراغها؛ لحديث: (إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها) ، والنزع معناه: أن ينهي الإنسان جماعه، فيُخرج ذكرَه من فرج امرأته قبل فراغها من الشهوة، أي: قبل إنزالها، والفراغ من الشهوة يكون بالإنزال، فالمؤلف يقول: يُكره، وهذا فيه نظر، والصحيح أنه يحرم أن ينزع قبل أن تنزل هي؛ وذلك لأنه يفوِّت عليها كمال اللذة، ويحرمها من كمال الاستمتاع، وربما يحصل عليها ضررٌ من كون الماء متهيأً للخروج ثم لا يخرج إذا انقضى الجماع.
وأما الحديث الذي ذكروه فهو - أيضاً – ضعيف، ولكنه من حيث النظر صحيح، فكما أنك أنت لا تحب أن تنزع قبل أن تنزل: فكذلك هي ينبغي أن لا تعجلها.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (12 / 417) .
تاسعاً:
قولها:
" ولكن ماذا عن المرأة وحقوقها؟ يقال لها الجئي للقضاء لنيل حقوقك، ونحن في مجتمع ذكوري يقف مع الرجل حتى وإن أخطأ وظلم، يطالب المرأة بالصبر والتنازل عن بعض حقوقها حتى ترضي زوجها لتستمر الحياة؛ لأن ما ينتظرها بعد الطلاق أقسى وأصعب؛ من نظرة المجتمع، وحضانة أطفالها، وحقها في الزواج ثانية، تتعرض المرأة لقسوة شديدة في بعض المجتمعات ".
القضاء الشرعي لا يقف مع الرجل لأنه ذكَر، والحكَّام الذين يفصلون في القضايا الزوجية كذلك، والذي يقف مع المخطئ والظالم فينصره ويؤيده: فهو شريكه فيما ظلم وأخطأ به، سواء كان رجلاً أم امرأة، وفي العادة يكون للمرأة أهل، كالأب، والأخ، والعم، وهؤلاء لا يتركونها في حال احتاجت لنصرتهم، أو لوضع الأمور في نصابها، أو لإرجاع حقوقها، وإذا لم يوجد من أهلها من يقف معها، ووجد في المجتمع من يظلمها، أو ينصر من يظلمها: فلها أن ترفع أمرها للقضاء الشرعي؛ ليعطيها حقوقها، ولكننا نجد في كثير من الأحيان أن المرأة هي التي تخذل أهلها! فيقفون معها، وينصرونها، ثم تستمع لكلام معسول من زوجها – وقد يكون في ليلة الخصام نفسها! – فتسارع للخروج من بيت أهلها سرّاً لتلحق به! ومع أن عقلاء الآباء لا يغضبون من هذا – في الغالب – لعلمهم بتعلق الزوجة بزوجها وأولادها وبيتها، ولكنهم يعجبون منها حينما تطلب نصرتهم، وتبدأ بسيل الشكاوى من حياتها مع زوجها، وتصر على طلب الطلاق، ثم يزول كل هذا في وقت قصير لتلحق بزوجها، وفي كثير من الأحيان لا يغير الزوج من طبعه، والحقيقة أننا نجد عند المرأة – غالباً – من التحمل ما لا نجده عند الأزواج، ولعلَّ هذا ما يجعل العلماء يوصونها بالصبر والتحمل، وليس هذا فحسب، بل يوصونها بالدعاء، وبذل الأسباب في هداية زوجها، وإعانته على نفسه، كما يوصونها بتقدير ظروفه النفسية، وضغط العمل والحياة والذي جعل الكثيرين يفقدون صوابهم وأعصابهم في كثير من مواقفهم، نعم، هذا ليس بعذر لهم، لكنه واقع.
عاشراً:
نحن نختم ردنا على رسالة تلك المرأة بتذكير الزوجين أن يتقيا الله تعالى ربهم في حياتهم الزوجية، وأن يعلما أن الله تعالى قد أمرهما بأن يحسن كل واحدٍ منهم عشرة صاحبه، ولتعلم المرأة الكاتبة أن هذا الأمر من أمور كثيرة في الشرع تساوت فيها الأحكام بين الزوجين، ودليل ذلك: قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة/ 228.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -:
ولهنّ من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهنّ لهم من الطاعة فيما أوجب الله تعالى ذكره له عليها.
" تفسير الطبري " (4 / 531) .
وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله –:
أي: ولهنَّ على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فلْيؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف، كما ثبت في " صحيح مسلم " عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: (فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهُنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك: فاضربوهن ضرباً غير مُبَرِّح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ، وفي حديث بهز بن حكيم، عن معاوية بن حَيْدَة القُشَيري، عن أبيه، عن جده، أنه قال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمْتَ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تُقَبِّح، ولا تهجر إلا في البيت) .
وقال وَكِيع عن بشير بن سليمان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: " إني لأحب أن أتزيَّن للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ".
" تفسير ابن كثير " (1 / 609 – 610) .
ونوصي الزوجين أن يعرضا خلافاتهما على أهل العلم والعقل، وأن لا يتعجلا الشكاوى في المحاكم، وأن يعلما أنهما مسئولان عن تربية أولادهما، فليحذرا من التفرق وإفشال هذا المشروع، وليحذرا من الاختلاف على ذلك؛ لئلا يخرج للمجتمع من يزيده سوءً على سوء من الأولاد الذين خرجوا من بيوت الفرقة والطلاق.
ولعلَّ كلامنا هذا يصل لزوج تلك الكاتبة، فيتقي الله ربَّه فيها، ويصلح ما أفسده بُعده وغيابه عنها، كما نوصيها بتقوى الله، والاستغفار عما بدا منها من ألفاظ وأفعال، مما لا يحل لها قوله، ولا يجوز لها فعله، ونسأل الله تعالى أن يحفظ على المسلمين بيوتهم، وأن يهدي الآباء والأمهات لما فيه صلاحهم، وصلاح ذريتهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/109)
الخوف من انقطاع سبب الرزق، والتعلق بالأسباب، واقع ذلك، وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في جامعة خاصة، وأنا الآن في السنة الثالثة، وبقي سنتان على التخرج، ومصاريف الجامعة عالية التكاليف، والأهل - بارك الله فيهم - هم من يتكفل بها بفضل من الله. ولكن مؤخراً بدأت أشعر بالقلق تجاه المستقبل، مثل وفاة من يعولني، مما سيؤدي إلى عدم القدرة على مواصلة الدراسة، كما أن الناس ينادونني منذ الآن بدكتور فأخاف من الذل بعد العز، والله يعلم أنني لا أحمل في قلبي تكبراً، وأحاول جاهداً تسخير شهادتي المرجوة منذ الآن في نصرة ديننا العزيز، لكن شعور القلق هذا من أنني لن أتخرج لسبب من الأسباب يجعلني أعتقد أن والدي هما المعيلان وليس الله تعالى!! ، أخاف على عقيدتي، أرجو المساعدة بطرق إيمانية عملية ترفع ثقتي بأن الله هو الفعال لما يريد، وأنه يريد لنا الخير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن خير ما تعالج به نفسك أخي الفاضل أن تفرِّق بين الأسباب، ومسببها، فالله تعالى هو مقدِّر الأسباب، وموجدها، وأما البشر، والوظائف، والعمل: فما هي إلا أسباب.
فالله تعالى هو الرزاق، وهو سبحانه قد قدَّر للرزق أسباباً، ومن اختلت عقيدته: جعل الأسباب بمنزلة مسببها وموجدها، والإسلام ليس فيه اعتماد المسلم على الأسباب مع غض الطرف عن مسببها، وليس فيه قطع الأسباب والتخلي عنها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: " ومما ينبغي أن يعلم: ما قاله طائفة من العلماء، قالوا: " الالتفات إلى الأسباب: شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً: نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية: قدح في الشرع، وإنما التوكل، والرجاء: معنى يتألف من موجب التوحيد، والعقل، والشرع ".
وبيان ذلك: أن الالتفات إلى السبب هو اعتماد القلب عليه، ورجاؤه، والاستناد إليه، وليس في المخلوقات ما يستحق هذا؛ لأنه ليس مستقلاًّ، ولا بد له من شركاء، وأضداد، ومع هذا كله: فإن لم يسخِّره مسبِّب الأسباب: لم يسخَّر، وهذا مما يبين أن الله رب كل شيء، ومليكه، وأن السموات، والأرض، وما بينهما، والأفلاك، وما حوته: لها خالق، مدبِّر، غيرها " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (8 / 169) .
وقال – رحمه الله -:
" فعلى العبد أن يكون قلبه معتمداً على الله، لا على سببٍ من الأسباب، والله ييسر له من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة، فإن كانت الأسباب مقدورة له، وهو مأمور بها: فَعَلَها، مع التوكل على الله، كما يؤدي الفرائض، وكما يجاهد العدو، ويحمل السلاح، ويلبس جُنَّة الحرب، ولا يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله بدون أن يفعل ما أُمر به من الجهاد، ومَن ترك الأسباب المأمور بها: فهو عاجز، مفرط، مذموم " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (8 / 528، 529) .
ثانياً:
في حالتك – مثلاً -: فإن والديك هما أسباب النفقة عليك، ويجب أن تعلم أن الله تعالى جعلهما كذلك، ويجب أن تعتقد أن الله تعالى قادر على تقدير أكثر من سبب لرزقك والنفقة عليك، وانظر حولك، فهل ترى الطلاب كلهم ينفق عليهم أهلوهم؟! الجواب: قطعاً لا، ولو تأملت في أسباب رزقهم، والنفقة عليهم: لرأيتها كثيرة، ومتعددة، ومتنوعة، فليس الأمر مقتصراً على والديك حتى تخشى أن تنقطع أسباب نفقتك، وليس لك أن تجعلهما بمنزلة الرب تعالى الرزاق، فشتان بين الخالق والمخلوق، وشتان بين مقدِّر الأسباب وموجدها، وبين الأسباب نفسها.
وتأمل قوله تعالى: (أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) الملك/ 21: تجد الأمر واضحاً بيِّناً، إن الله تعالى يخبر الكفار هنا أنه تعالى مقدر الرزق بأسبابه، كالمطر، والأنهار، والعيون، وأنه تعالى لو شاء فمنع هذه الأسباب، فأمسك المطر أن ينزل، والأنهار أن تجري، والعيون أن تجف: فمن ذا الذي يستطيع منع ذلك، ومن ذا الذي يستطيع الإتيان بهذه الأسباب للرزق! .
وعلاج أمرك – أيضاً – هو أن تتفكر في قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق/ 2، 3.
فأنت تظن أنه لو مات والداك فقد تنقطع نفقتك، والله تعالى يقول لك إن العبد لو اتقاه فجاء بالمطلوب، وكف عن الممنوع: لرزقه من حيث لا يحتسب! أي: ليسَّر من أسباب الرزق ما ليس في حسبانه، وما لم يخطر له على بال، كما أن العبد لو توكَّل على الله تعالى حق التوكل لكفاه الله تعالى همومه، وفرَّج عنه غمومه، وهذا هو عين علاج حالتك، وما خلطت به بين أسباب الرزق ومسببه، وما أصابه من قلق وهمٍّ.
واقرأ كلام هذا الإمام لتجد البلسم الشافي لقلقك، وهمِّك، وحزنك:
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء/ 130 -:
" وفي الآية تنبيه على أنه ينبغي للعبد أن يعلِّق رجاءه بالله وحده، وأن الله إذا قدَّر له سبباً من أسباب الرزق، والراحة: أن يحمده على ذلك، ويسأله أن يبارك فيه له، فإن انقطع أو تعذر ذلك السبب: فلا يتشوش قلبُه؛ فإن هذا السبب من جملة أسباب لا تُحصى، ولا يتوقف رزق العبد على ذلك السبب المعين، بل يفتح له سبباً غيره أحسن منه، وأنفع، وربما فتح له عدة أسباب، فعليه في أحواله كلها أن يجعل فضل ربه، والطمع في برِّه: نصب عينيه، وقبلة قلبه، ويكثر من الدعاء المقرون بالرجاء ; فإن الله يقول على لسان نبيه: (أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظنَّ بي خيراً فله، وإن ظن بي شرّاً فله) – رواه أحمد، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب (3386) -، وقال: (إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي) – رواه الترمذي (2805) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " – " انتهى بتصرف.
" تيسير اللطيف المنَّان في خلاصة تفسير الأحكام " (ص 85) طبعة المعارف.
ثم تأمل ـ يا عبد الله ـ حديث عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) رواه أحمد (205) والترمذي (2344) ، وصححه الألباني.
لتعلم أن قضيتك إنما هي في تحقيق التوكل على الله، وصدق الرجاء فيه، والتعلق به، وليست في موت أحد ولا حياته؛ فإن سنن الله تعالى في خلق لا تتبدل لأجل موت أحد ولا لحياته!! .
ثالثاً:
أمرٌ أخير نختم به معك: وهو أنه قد يكون ما بك من قلق، وما أصابك من هم وغم: إنما هو بسبب معاصٍ أنت مرتكبها، وآثام قد فعلتَها، فانظر لنفسك وعالج ما أنت واقع فيه من مخالفة؛ فإن الله تعالى قد يعجل بالعقوبة لمن كانت هذا حاله، ونحن نعلم ما في الجامعات المختلطة من مفاسد وآثام، فاحرص على التخلص، والتوبة منها.
قال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله -:
" ومن عقوباتها – أي: المعاصي والذنوب -: ما يلقيه الله سبحانه من الرعب، والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفاً مرعوباً، فإن الطاعة حصنُ الله الأعظم، الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة، ومن خرج عنه: أحاطت به المخاوف من كل جانب، فمن أطاع الله: انقلبت المخاوف في حقه أماناً، ومن عصاه: انقلبت مآمنه مخاوف، فلا تجد العاصي إلا وقلبه كأنه بين جناحي طائر، إن حركت الريح البابَ قال: جاء الطلب، وإن سمع وقْع قدمٍ: خاف أن يكون نذيراً بالعطب، يحسب كل صيحة عليه، وكل مكروه قاصد إليه، فمن خاف الله: آمنه من كل شيء، ومن لم يخف الله: أخافه من كل شيء " انتهى.
" الجواب الكافي " (ص 50) .
وانظر جوابي السؤاليْن: (20088) و (22704) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/110)
يعاني من الوسوسة وقد ترك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[قد تقولون بأني مجنون لكن الله يعلم بحالي، والله أعيش في عذاب، فيما يخص الإحساس بالشرك في الأقوال والأعمال فلقد ساءت حالتي كثيراً؛ فقد أصبحت لا أنام، ولا شهية لي في المأكل، فلم أجد من يقف بجانبي، قد يخيل للبعض أن الأمر هين، تقول لشيخ: إني مصاب بالوسواس، فيقول: لا تلتفت إليه، فهذا أمر صعب، والله لأني على بكاء طوال الوقت، ولا أدري ما العمل، أدعو وأتضرع لكن دون جدوى، لم أجد شيئا يشفي غليلي، حتى الصلاة لم أعد أصلي، وهذا كله بسبب هذا الوسواس. مللت من العيش وسئمت الحياة، والله استحييت كثيراً قبل أن أرسل هذه الفتوى ولكني معذور. والله لم تعد عندي رغبة للعيش، جربت جميع الوسائل: الأذكار والأحاديث لكن دون جدوى، أريد جوابا شافياً شافياً، فماذا أفعل فقد ظهرت علي علامات النحافة والإرهاق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد تألمنا لألمك، وحزنا لحزنك، ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، ويفرج همك، ويذهب كربك.
والعلاج يسير لكنه يحتاج إلى عزيمة وإصرار وصبر، ويجمعه ثلاثة أمور:
الأول: الإعراض عن الوسوسة وعدم الالتفات لها.
الثاني: الإكثار من اللجوء والتضرع إلى الله تعالى، فإن الشفاء بيده، وهو أرحم بالعبد من الوالدة بولدها، وهو مجيب دعاء المضطرين، فَأَكْثِر من الدعاء والسؤال، ولا تَعْجَلْ، فإن من أدمن طرق الباب يوشك أن يفتح له، وفي الحديث: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي) رواه البخاري (6340) ، ومسلم (2735) .
الثالث: الإكثار من الصالحات، لا سيما الأذكار وقراءة القرآن، ليضعف أثر الشيطان عليك، وتقل وسوسته لك، فإن الشيطان إذا ذكر الله خنس، والصلاة من أعظم الأعمال، وآكد الفرائض، وتركها كفر كما دلت عليه النصوص، فكيف ترجو النجاة والمعافاة مع تركها؟!
فواظب على الصلاة، وأدها في أوقاتها مع الجماعة، واثبت على ذلك، وأيقن بالفرج من ربك، واعلم أن هذا الابتلاء يزيد في درجاتك، ويضاعف من حسناتك، وكراهتك له، وتألمك منه دليل على صحة الإيمان في قلبك، كما روى مسلم (132) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ) .
قال النووي رحمه الله:
" مَعْنَاهُ: اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلَام بِهِ هُوَ صَرِيح الْإِيمَان , فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ، وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلًا عَنْ اِعْتِقَاده، إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الْإِيمَان اِسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا، وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك " انتهى.
ونوصيك بتجنب الوحدة والفراغ، والحرص على الرفقة الصالحة، فإن الشيطان من الواحد قريب، ومن الاثنين أبعد.
نسأل الله لنا ولك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/111)
حكم طلب الطلاق بسبب الاكتئاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد السؤال عن حكم طلب الطلاق أثناء الإصابة بالاكتئاب؟ . وهل البعد عن البلد الأصلي وعن الأهل - مما أزم مرض الاكتئاب في نفسي - عذر يبيح طلب الطلاق؟ علماً أني قبل الزواج كنت أعرف أني سأسكن في بلد غير بلدي الأصلي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الاكتئاب الذي يشعر به الإنسان قد يكون مرضا، يحتاج إلى علاج ومراجعة لأهل الاختصاص، وقد يكون هما وضيقا يزول بأمور كثيرة من العبادة والذكر والصحبة الصالحة والانشغال بالأعمال النافعة، ويمكن الاستفادة في ذلك من جواب السؤال رقم (22704) و (21515) و (100774) .
وبكل حال، فما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء، فلهذا الاكتئاب علاج مهما كان نوعه، وعلى المؤمن أن يتحلى بالصبر واليقين، ويكثر من سؤال الله تعالى واللجوء إليه، فإن مفاتيح الخير بيده سبحانه، وكم من مؤمن ومؤمنة صبر على مرض أو بلاء أو حبس، دون أن تدعوه نفسه لارتكاب الحرام، فإن هذا فعل أهل السخط والجزع، لا يصبرون على أقدار الله، ويسارعون للتخلص مما أصابهم بأي وسيلة مهما كان فيها شقاؤهم الدنيوي أو الأخروي.
ثانيا:
لا يجوز للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا لعذر شرعي يمنعها من الاستمرار معه، كسوء عشرته، ونفورها منه بحيث لا تستطيع أن تؤدي حقه، وذلك لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المختلعات هن المنافقات) رواه الطبراني في الكبير (17/339) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1934) .
ولو فرض أن الزوجة في حال غضبها أو مرضها أو اكتئابها طلبت من زوجها الطلاق، فإنها إذا هدأت نفسها، أدركت خطأها واستغفرت ربها، واعتذرت إلى زوجها.
وإذا كان الاكتئاب والعناء ناتجا عن علاقتها بزوجها، لسوء عشرته، أو كرهها له، وتحقق هذا الأمر لدى الثقات من أهلها، فعليهم أن يحاولوا الإصلاح، ويتشاوروا في ذلك مع الزوج للوصول إلى حلول تخرج هذه الزوجة من حالة الاكتئاب التي تعيشها.
والنصيحة للسائلة ـ وقد ذكرت أن سبب اكتئابها هو بعدها عن أهلها ـ أن تصبر، وتحاول تجاوز تلك الأزمة.
والاكتئاب ـ في الغالب ـ يصيب الإنسان الفارغ، الذي لا يشغل نفسه بعمل نافع، لا في أمور الآخرة، ولا في أمور الدنيا.
فاشغلي نفسك بعمل مفيد، التحقي بحلقة لتحفيظ القرآن الكريم، تعرفي على أخوات ثقات، صاحبات دين وخلق، تتعاونين معهم على عمل نافع.
ويمكنك الاتفاق مع زوجك على أن تقومي بزيارة أهلك بين فترة وأخرى، ونحث أهلك أيضاً أن يبادلوك الزيارة.
وعلى الزوج أن يتحمل ما قد يقع من زوجته، ويحاول الأخذ بيدها لتجاوز تلك الأزمة.
فلابد من تعاون الزوج والزوجة وأهلها، حتى تعود الأمور إلى طبيعتها.
وأما الطلاق فاصرفي تفكيرك عنه، وتغلبي على حالة الاكتئاب التي تعيشينها، واستعيني بالله تعالى، وأكثري من دعائه.
ونسأل الله تعالى أن يصلح حالك، ويوفقك لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/112)
تاب من المخدرات وغيرها لكن يشعر بالملل ويخاف النفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أدمنت تعاطي المخدرات أكثر من عشر سنوات، صاحبها جرائم وفواحش عظيمة لا يعلم بها إلا الله، ولكن بحمد الله منّ علي الله بتوبة منذ أربع سنوات، وأسأل الله أن يثبتني حتى ألقاه. الآن أعيش صراعاً مع نفسي بسبب الماضي المظلم يؤثر على حياتي وعلى تصرفاتي، كما أنه بقيت لي معصية، لم أجاهر بها ولم أستطع التخلص منها رغم الكثير من المحاولات، بدأت أشعر بالملل وأفضل الرجوع على ما كنت عليه من هم وغم وحزن على إحساسي بالنفاق، مع العلم أني أحافظ على الصلوات الخمس في المسجد، ودائماً أضع أمام عيني حديث المصطفى صلى الله عليه وسلّم (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) ، أنا الآن في إحدى الكليات الشرعية أدرس منتسباً وأخشى أن أكون ممن أضلني الله على علم، وكلما تذكرت ذلك الماضي وتلك المعاصي أقول هذا من تلاعب إبليس فأنا اليوم أفضل من أمس، وأسأل الله أن يكون غداً أفضل من اليوم، وجهوني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يا عبد الله، لا شك أن ما يعاودك من الإحساس بالنفاق، والنزوع إلى ماضيك الأسود، لتستريح من هذا الصراع، لا شك أن ذلك كله من تلاعب إبليس ووسوسته وإغوائه، فأنت اليوم أحسن مما كنت عليه بالأمس، بل لا مقارنة بين الحالين، وغدا ستكون أفضل من اليوم بإذن الله، إن أنت ثابرت واجتهدت واستمررت في الطاعة والإنابة.
والواجب أن تحمد الله تعالى وتشكره على هذه النعمة وهي ترك المخدرات وما كان يرافقها من الذنوب والآثام، فإن المخدرات هلاك في الدنيا والآخرة، فالْخَمْرَ أُمُّ الْخَبَائِثِ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3344) ] ، والناجي منها بعد الابتلاء بها يعتبر مولودا جديدا، فاحمد الله تعالى، واستحضر نعمه، ليزيد إقبالك، ويعظم شكرك، ويذهب عنك الملل والسأم.
تأمل كيف هداك الله للصلاة، وجعلك من أهل المساجد، وكيف ساقك إلى طلب العلم الذي هو أشرف الأعمال، ومن سلك طريقه سهل الله له طريقه إلى الجنة، فكيف ترضى لإبليس أن يقول لك إنك منافق، وإنه ينبغي أن تعود لسيرتك الأولى في الظلام والظلمات!
أهذا لأجل معصية لازلت مقيما عليها؟!
فقد نجاك الله من عشراتٍ أمثالها أو أعظم منها، أفلا تكون عبدا شكورا؟
وهل من الشكر أن ترفض نعمة الله عليك، وتختار الغواية والانحراف، بعد الهداية والصلاح؟!
إن إحساسك وخوفك من النفاق دليل على وجود الإيمان في قلبك، وهكذا كان يخاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من النفاق.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: " بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ.
وَيُذْكَرُ عَنْ الْحَسَنِ: مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ " انتهى.
أما أهل الغفلة والغواية فلا يشعرون بهذا النفاق، ولا يخافون منه، ولا يلتفتون إليه، ولو لرجعت بذاكرتك إلى الماضي لأدركت ذلك، فلا عليك أيها الأخ الكريم من هذه الوساوس، فأنت في خير ونعمة والحمد لله.
وأما هذا الذنب الذي أنت مقيم عليه، فرجاؤنا فيك، وقد من الله عليك بالتوبة من هذه الموبقات، أن تشكر نعمة ربك عليك، وتترك ذلك الدنس الباقي على ثوبك، لتقابل ربك نظيفا برا طاهرا، قد غسلت صحيفتك بماء التوبة، ودمع الندم والألم على ما فات منك. رجاؤنا فيك، ودعاؤنا لك، أن تشعر بنعمة الله عليك إذ سترك، وبإمهاله لك إذ لم يعاجلك بالعقوبة على معاصيك، أو يأت أجلك وأنت على حال العصيان، أما تستحي من ربك الكريم الستير أن يراك على ما يكره، أما تخشى أن ينمو في قبلك حب هذه المعصية، فيورثك غيرها من المعاصي، أو يردك إلى ماضيك المظلم، أما تخشى أن تضعف توبتك، أما تخشى أن تكون منازعة الشيطان لك، وإيهامه لك بالنفاق من أثر تلك المعصية، أما تحمد الله أن بصرك بذنبك، ودعاك للتوبة؟!
ظننا فيك أن تقلع عن ذلك الذنب الذي ما زال عندك، وستره الله عليك، ولو فرض أن ضعفت نفسك فاقترفته، فبادر بالتوبة النصوح منه، واعلم أن من شروط التوبة: الإقلاع عن الذنب وتركه بالكلية، والندم على ما فات، والعزم الصادق على ألا تعود؛ فهل أنت فاعل ـ يا عبد الله؟ ظننا فيك، ورجاؤنا منك، ودعاؤنا لك: أن تفعل، وفقك الله لما يحبه ويرضاه من التوبة النصوح، والعلم النافع والعمل الصالح.
وروى البخاري (7507) ومسلم (2758) واللفظ له عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: (أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قَوْله عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِي تَكَرَّرَ ذَنْبه: (اِعْمَلْ مَا شِئْت فَقَدْ غَفَرْت لَك) مَعْنَاهُ: مَا دُمْت تُذْنِب ثُمَّ تَتُوب غَفَرْت لَك " انتهى.
فانظر إلى البر الرحيم، الحليم الكريم، كيف يستر، ويعفو ويغفر، ويدعوك إلى الله التوبة والإنابة، والعودة إليه، كلما زلت بك القدم، ويقول لك: اهرب من الذنب، وتعالى إلى رحمة الرب:
(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ. وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ. وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ. وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الذاريات /47-51.
قال الشيخ السعدي رحمه الله " تفسير السعدي (811) - عند تفسيره للآية السابقة ـ: "
لما دعا العباد النظر لآياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه، أمر بما هو المقصود من ذلك، وهو الفرار إليه، أي: الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه، ظاهرًا وباطنًا، فرار من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى ذكر الله فمن استكمل هذه الأمور، فقد استكمل الدين كله وقد زال عنه المرهوب، وحصل له نهاية المراد والمطلوب.
وسمى الله الرجوع إليه فرارَا؛ لأن في الرجوع لغيره، أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن والسرور والسعادة والفوز، فيفر العبد من قضائه وقدره، إلى قضائه وقدره، وكل من خفت منه فررت منه إلا الله تعالى، فإنه بحسب الخوف منه، يكون الفرار إليه.
" إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ " أي: منذر لكم من عذاب الله، ومخوف بين النذارة.
" وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ " هذا من الفرار إلى الله، بل هذا أصل الفرار إليه أن يفر العبد من اتخاذ آلهة غير الله، من الأوثان، والأنداد والقبور، وغيرها، مما عبد من دون الله، ويخلص العبد لربه العبادة والخوف، والرجاء والدعاء، والإنابة " انتهى.
فسارع بالفرار إلى الله، واحذر من الفرار من ربك، فإنك لا تفوته، لكن يفوتك كل خير:
عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ رضي الله عنه، أنه مَرَّ عَلَى خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَسَأَلَهُ عَنْ أَلْيَنِ كَلِمَةٍ سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَلَا كُلُّكُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ شَرَدَ عَلَى اللَّهِ، شِرَادَ الْبَعِيرِ عَلَى أَهْلِهِ)
رواه أحمد (21723) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
فحذار، يا عبد الله، أن تكون من الشاردين!!
وأما شعورك بالممل والسأم، فهذا شعور قد يعتري كثيرا من الناس، وعلاجه بما يلي:
1. شغل الوقت بما ينفع من أمور الدنيا والآخرة، كالانشغال بالعلم وحضور المحاضرات والدورات، والانشغال بتجارة أو حرفة؛ لأن الفراغ والبطالة مفسدة أي مفسدة.
قال صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) رواه البخاري (6412) .
2. اتخاذ الصحبة الصالحة التي تعين على الطاعة، ويمكن مزاولة المباحات معها، من نزهة ورياضة وسفر، فإن الإنسان يحتاج إلى ساعة يروّح فيها عن نفسه، حتى لا تسأم وتمل.
3. زيارة القبور وعيادة المرضى، فإن ذلك مما يرقق القلب، ويذكر بالآخرة.
4. الاجتهاد في الإحسان إلى الآخرين، وتقديم العون لهم، لا سيما من ابتلي بالذنوب والآثام، فإن ذلك من وسائل الثبات والاستقامة على الهداية، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/113)
يهددها بالطلاق إن لم تخلع النقاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعل الزوجة المنتقبة إذا وقعت في خيار أن تطلق أو أن تترك النقاب: هل لها أن تختار ترك النقاب أم تختار الطلاق؟ فزوجها يقول لها: إن النقاب ليس فرضاً؟ وهل إذا اقتصرت على نزع النقاب أمام إخوانه بناء على قوله أن النقاب سنة فيه شيء؟ وهي لم تلبسه لا لفرض ولا لسنة؛ ولكن لشعورها بأن ذلك فطرة؛ فماذا تفعل إذا استمر الضغط عليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المرأة ستر وجهها أمام الرجال الأجانب، لأدلة كثيرة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (11774) .
ولا فرق في ذلك بين أقارب الزوج وغيرهم؛ لأنهم أجانب عن الزوجة لا يحل لها أن تكشف شيئا من بدنها أمامهم.
بل يجب عليها الاحتجاب عن أقارب زوجها أكثر من غيرهم، لأنهم يُخشى منهم في العادة ما لا يخشى من غيرهم، بسبب أنهم يتيسر لهم دخول البيت والجلوس مع المرأة والكلام معها أكثر من غيرهم.
وانظري جواب السؤال رقم (12837) ، (40618) .
وليس للزوج أن يأمر زوجته بكشف وجهها؛ لأن ذلك أمر بما يخالف أمر الله، وليس لها أن تطيعه في ذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
لكن.. إن هددها بالطلاق وعلمت أنه جاد في ذلك، جاز لها أن تكشف عن وجهها وكفيها وتكون مكرهة في ذلك؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (1662) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة (1662) .
وقد ذكرنا فتوى الشيخ ابن عثيمين في ذلك في جواب السؤال رقم (12094) .
وإذا كان الضرر سيزول بكشفها أمام إخوانه فقط، لم يجز لها أن تكشف أمام غيرهم من الأجانب، فالضرورة تقدّر بقدرها.
نسأل الله تعالى أن يفرج عنها وأن يهدي زوجها لمعرفة الصواب والعمل به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/114)
والدها سبَّ الرب والقرآن ووالدتها متبرجة وهي تكرههم وتسأل النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[للأسف، أمي، وأبي، عقوني أنا وإخوتي، فكلٌّ منهما لم يراع ِ اختيار الشريك المناسب، فأمي تزوجت أبي وهو لا يصلي، وهو تزوجها وهي مقصرة في حجابها، معاصيهما كثيرة، وتتضمن الكبائر والموبقات، لم يعلماني الصلاة، ولا الحجاب، ولا شيء، لكن أحمد الله أن يسر لي أخوات صالحات أرشدنني إلى الطريق، مشكلتي أنني لا أطيق أمي ولا أبي، لا أطيق أن أنظر إليهما، مشكلتي أنني أرفع صوتي عليهما، ولا أساعد أمي في تدبير المنزل، لا كسلاً، بل كرهاً لها، أريد أن أراها تتعب في هذه الدنيا؛ لأنها ستكون السبب في هلاكي، ودخولي نار جهنم (في حال لم أتعرف على أولئك الصالحات) . مشكلتي أنني أخاف من عقوق الوالدين، أحاول أن أفتح صفحة جديدة معهما، لكن لا أستطيع، هما يردانني! نعم، فمرة جاهدت نفسي لأتكلم مع أمي بالحسنى، وأعطيتها قطعة حلوى، فصرخت في وجهي، وقالت: أعطيتيني إياها لأنها سقطت على الأرض؟! حينها صرخت في وجهها، وقلت لها: أنا أكرهك، وأسأل الله أن يفرق بيني وبينك في الدنيا والآخرة! بالفعل أريد فراقهما، فحتى صلاتي لا أخشع بها، لأنني عندما أشرع في صلاتي تأتي أمي وتتكلم معي حتى إذا فرغت من الصلاة سكتت! لذلك أريد أن أسافر للدارسة، وأبتعد عنهما. كيف سأحبهما وهما يعصيان الله، ويأمرانني بذلك؟ كيف أحبهما وقد رفضا تزويجي من شخص صالح لأن معلمتي في المدرسة (معلمة التربية الإسلامية) هي من أتتني به؟! يريدان مني أن أتعرف على شريك حياتي في الجامعة كما فعلت أختي الكبرى! . سؤال آخر وهو الأهم: أبي هل يعد كافراً؟ لأنه ولـ 3 مرات سبَّ الدين، والقرآن في حالات غضب، لا أدري إن كان قد تاب أم لا، مع أن أبي يصلي، ويصوم، ويقرأ القرآن. أفيدوني ماذا أفعل؟ وكيف أتصرف معهما؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما سبُّ الدِّين، أو الرب، أو القرآن، أو النبي صلى الله عليه وسلم: فإنه كفر، وردة عن الدِّين، ولا خلاف بين أهل السنَّة في ذلك.
والتذرع بالغضب في هذا الباب لا ينفع فاعله؛ لأن الغضب في أكثر أحواله لا يكون عذراً للسابّ! فإن كان غضبه غير شديد: فواضحٌ حكمه، وأما إن كان شديداً: فنقول: كيف لم يأتِ على بال هذا الغاضب المغلق غير الرب والدِّين ليسبهما؟! فهلا سبَّ أباه، أو أمَّه، أو رئيس الدولة! وعدم سبِّ أولئك الغاضبين أحداً من محبوبيهم، أو ممن لهم سلطان وقوة: يدل على أنه معه عقله، وأنه لمَّا هان عليه الرب والدِّين لم يجد غيرهما ليتناولهما بالسب والشتم! .
وأما الغضب الذي يُرفع به التكليف عن صاحبه: فإنه غضب لا يدري صاحبه ما يقول، ولا يدري هو في الأرض أم في الفضاء، ولا يدري أقال ما قال في ليل أو نهار، ومثل هذا لا تجري الأحكام العملية عليه، من طلاق، أو يمين، أو نذر، وغيرها.
وينظر في هذا أجوبة الأسئلة: (42505) و (65551) .
فالواجب على والدك اغتنام حياته قبل مماته بالمبادرة إلى التوبة، والكف عن إطلاق لسانه بالسب والشتم لله تعالى، ولكتابه، ولرسوله، وأنه إن لم يفعل هذا: لم تنفعه صلاة، ولا صيام، ولا طاعة، بل سيكون كافراً مرتدّاً.
ثانياً:
أما بخصوص علاقتك بوالديك: فإننا نحث دوماً على ما حثَّ عليه الله تعالى من الإحسان للوالدين، والبر بهم، ولو كانوا كفاراً، يجاهدون أولادهم لإضلالهم، ونؤكد على الحث ونزيد في مقداره من رزقه الله تعالى هداية ورشاداً، فهم أولى الناس برحمة والديهم، وهم أقدر من غيرهم على دعوتهم للحق بما يعرفونه من أخلاق الإسلام وأحكامه.
لذا فإننا نرى لك الصبر على دعوة والديك للهدى، وبذل مزيد من الجهد في التحمل لما يصدر منهم من إساءة، وتأملي ما جرى لكثيرين من أهل الخير، صبروا على أهليهم، ولم يتوانوا في دعوتهم بشتى الوسائل والطرق الشرعية المباحة، فأكرمهم الله تعالى بهداية أهليهم لما هداهم إليه، فصارت الأسرة كلها على ما يحب ربنا ويرضى.
وقد يرى المسلم من أهله ما لا يطيقه من أخلاق وتصرفات ومخالفات، ولو أن كل واحد من دعاة الخير كان موقفه الهجر والترك لهم: لما صلحت أحوالهم، ولكان في ذلك انقطاع حبل الدعوة والنصح لهم، بل إننا نرى أن واجب الدعوة والنصح يزداد على الولد الصالح، وبخاصة إن لم يكن في أسرته من يقوم بهذا الواجب غيره، فمزيدا من الصبر، ومزيدا من التحمل، ولا تنسي الدعوة بالحسنى، وبذل الوسع في حسن الاختيار للكلمات، والأفعال، مع مداومة الدعاء لهم بالهداية والتوفيق.
واستمري مع صحبتك الصالحة، تقوين بها إيمانك، وتستفيدين معها علماً نافعاً، وتسترشدين بآراء العاقلات منهن ما ينفعك في علاقتك مع أهلك.
ولعلهما إن رأيا ذلك منك، ورأيا توددك إليهما، وحرصك على الخير لهما، أو شعرا ـ على الأقل ـ أنك لا تحملين عداوة لهما، لعلهما ـ حينئذ ـ أن تلين قلوبهما لك، ويكفا عن الإساءة إليك، أو يقبلا زواجك بمن جاءك من أهل الخير.
ولا ننصحك بالتعلق بالدراسة الجامعية، والسفر بعيداً عن الأهل، لترتاحي منهم؛ فأنت بذلك كالمستجير من الرمضاء بالنار، فلا بد أنك تعلمين، وأنت الحريصة على دينك، ما في التغرب عن الأهل، والدخول في الدراسة المختلطة من مفاسد كثيرة، خاصة في حال فتاة تريد أن تهرب من بيتها وأسرتها، فاحذري ـ يا أمة الله ـ لا يتلقفنك عدو الله إبليس وجنده، فلكل ساقطة لاقطة، واحذري من حبائل الشيطان.
عصمك الله من كل ما يغضبه ويسخطه، وهداك إلى البر والتقوى، ونسأله ـ سبحانه ـ أن يكتب لك الأجر موفوراً، وأن يعينك على دعوة أهلك، وأن يهديهم لما فيه صلاح حالهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/115)
حامل من الشهر الأول وتريد إجهاض الجنين لأنها ستطلق من زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت أختي برجل فكان لها ابتلاء ومن أهمها تركه الصلاة وضرب زوجه، فخالعته لضربها، وللأسف أنجبت منه طفلة، فكانت هذي الطفلة معاناة لأمها حيث كان يهددها بأخذها في كل مناسبة سعيدة مثل الأعياد. فتزوجت من رجل آخر فكان الابتلاء الحقيقي لهذه المرأة لأنه مريض نفسي وهي الآن خائفة من تكرار نفس المعاناة التي عاشتها مع زوجها الأول وهي الآن تطالب بالطلاق منه وهي حامل في الشهر الأول، ما حكم إجهاض الجنين في الشهر الأول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
ينبغي أن تحرص المرأة ووليها على اختيار الزوج الصالح المرضي الدين والخلق، وذلك بعد السؤال والبحث والتحري، وعدم الانخداع بالمظهر، أو اللهث خلف الدنيا.
وهذه الأخت نسأل الله تعالى لها الصبر والأجر وأن يخلف عليها خيرا.
ونوصيها بالصبر لعل الله تعالى أن يشفي زوجها ويصلح حاله، فهذا خير لها ولجنينها من الطلاق.
وأما إجهاض الجنين قبل تمام الأربعين يوما، ففيه خلاف مشهور بين الفقهاء، وقد سبق ببيان ذلك في عدة أجوبة سابقة، وينظر جواب السؤال رقم (115954)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/116)
نصائح لمن يعاني من " التأتأة " ويريد طلب العلم وتعليمه للناس
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت أتأتأ معظم حياتي، إنني سأدرس القرآن، أحب أن أسال: إذا طلبت العلم أريد نشره، لكن هناك شيء واحد يمنعني، هل تأتأتي تجعلني أحتفظ بالعلم لنفسي فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يكتب لك الشفاء والأجر، الشفاء من ابتلائك هذا، والأجر على تحصيلك للعلم، وعلى نيتك نشره بين الناس.
وهذه التأتأة التي ابتلاك الله بها مشكلة، تحتاج لصبر للتخلص منها، وتمرين للسان على النطق بالكلمات بتمهل، وصوت مرتفع، مع ثقة بالنفس، وقبل كل ذلك استعانة بالله تعالى، وهي ترجع إلى ظروف نفسية، وأحياناً – عند بعض الناس - لمرضٍ عضوي، فننصحك بمراجعة مختصين بعلم النطق، وأمراض الفك واللسان.
وفي " الموسوعة العربية العالمية ":
وهناك العديد من الطرق التي من خلالها يمكن لأولئك الذين يعانون من " التأتأة " أن يتحدثوا بسلاسة تامة، ومن بين تلك الطرق: القراءة بصوت عال مع الآخرين، والحديث في المواقف المشجعة، أو الكلام مع الأصدقاء.
انتهى
وعلى كل حال:
اعلم أنك مأجور على تحصيلك للعلم، وهذه المشقة التي تعانيها في التحصيل تزيد لك في الأجر.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِيْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيْهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ) .رواه مسلم (798) .
قال الإمام القرطبي – رحمه الله –:
التتعتع: التردد في الكلام عيّاً وصعوبة، وإنما كان له أجران من حيث التلاوة، ومن حيث المشقة.
" تفسير القرطبي " (1 / 30) .
وإذا رغبت في أن تفيد غيرك بما تعلمته من علم: فأمامك طريقان:
الأول: أن تفيد الناس بكتاباتك، ولا يشترط أن يكون المفيد محسناً للنطق بالحروف، وها هم معلمو الدنيا من أئمة الدين من السلف لم يصلنا من علمهم إلا كتبهم، ولم نسمع منهم حرفاً، وبعض العلماء والدعاة من المعاصرين نأى بنفسه عن الكلام مع الناس مواجهة – ولا يلزم أنه لا يحسن التعبير – وانبرى يفيدهم بقلمه، فكتبوا كتباً نافعة، والمجال مفتوح للكتابة في الصحف، والمجلات، ومواقع الإنترنت، وغير ذلك من الأبواب.
الثاني: أن تشد من عزم نفسك، وتواجه الواقع بالجرأة في مواجهة الناس وتعليمهم بالنطق باللسان، وقد كان بعض الأئمة وأهل العلم مصاباً بالتأتأة في نطقه، لكنه عندما كان يصعد المنبر ويحدِّث الناس ينطلق في الكلام كالسيل، ولا يظهر منه تردد في حرف واحد، ومن هؤلاء الشيخ " عبد الرحمن الدوسري " رحمه الله، وثمة غيره من المشاهير، هذا هو حالهم، فلم تمنعهم التأتأة من أن يكونوا خطباء مفوهين، وقد يجمعون مع ذلك كتابة رائقة.
وها هو مثال آخر: أخت فاضلة، درست الشريعة حتى وصلت إلى أن حصلت على شهادة " الدكتوراة "، فاقرأ حديثها بنفسك، قالت:
" وعندما نظرت إلى أترابي من زميلات القسم: وجدت بعضهن قد نفضت غبار الشيطان -وهو الحياء المذموم في الدعوة - فلماذا أنا لا أستطيع فعل ذلك أيضاً؟! لماذا لا أزرع الثقة بالله في نفسي؟! فقررت أن أبدأ الآن في مصلَّى الجامعة , وكان تخصصي في الدعوة جعلني قريبة الاطلاع على كيد الأعداء، وحربهم المستمرة على الإسلام، فحتى متى ننتظر؟ ففكرت في علاج لحالة " التأتأة " التي أعاني منها، وذلك بألا أتكلم بسرعة، وفي البداية لا أنظر للحضور، بل أوزِّع نظراتي في القاعة، حتى لا أشعر بارتباك، وأي حرف لا أستطيع نطقه بيسر: أغيِّره بحرف آخر أستطيع نطقه.
وبفضل الله بدأت ألقي دروساً في مصلى الجامعة، ولكن بدون إشراف من أستاذات الجامعة، وبديهي أن إشراف الأستاذات يعطي قوة، وتمكناً للداعية،ودقة، وصحة في الطرح، فلا يكون مجرد عواطف منثورة.
انتهى.
ونبشرك أيضا أن بعض من نعرفه من المشتغلين بالعلم مصاب بهذه التأتأة، ومع أنه لم يستطع التخلص منها، فإن مجالسه العلمية أفادت كثيرا من طلاب العلم، فالدرس العلمي يختلف عن الموعظة، وبالإمكان نفع طلاب العلم، وتدريسهم كتبا كثيرة، حتى قبل التخلص من هذه المشكلة.
فامض قدما لما شرح الله صدرك له من طلب العلم النافع، واعلم أنك ـ إن أخلصت نيتك لله تعالى في طلبه ونشره ـ فأنت مأجور على كل حال، سواء أمكنك ذلك النشر والتعليم فعلا، أو حيل بينك وبينه.
نسأل الله أن ييسر لك أمرك، وأن يوفقك لما فيه رضاه.
وانظر في فضائل طلب العلم والعلماء: جواب السؤال رقم: (10471) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/117)
تطيب المرأة عند خروجها إلى المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[نلاحظ في صلاة التراويح أن عددا من النساء القادمات إلى المسجد يضعن طيبا له رائحة قويّة بحيث يشمها الرجال الذين يمشون خلفها أو بجانبها وقد قمن بنصيحة بعضهن فقلن إن وضع الطّيب عند الإتيان إلى المسجد من احترام المسجد، فما الحكم في ذلك..]ـ
[الْجَوَابُ]
يجب أن يكون المرجع في الأحكام الشرعية إلى نصوص الكتاب والسنّة وليس إلى الآراء والأمزجة والأهواء والاستحسانات، وفي هذه المسألة بالذات وردت نصوص عديدة ومغلّظة في النهي ومن ذلك هذه الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في نهي النساء عن التطيب إذا خرجن من بيوتهن:
1-عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية "
2-عن زينب الثقفية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربنّ طيبا ".
3-عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة ".
4-عن موسى بن يسار عن أبي هريرة: " أن امرأة مرت به تعصف ريحها فقال: يا أمة الجبار المسجد تريدين؟ قالت: نعم، قال: وله تطيبت؟ قالت: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل ".
وسبب المنع منه واضح وهو ما فيه من تحريك داعية الشهوة وقد ألحق به العلماء ما في معناه كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال، انظر " فتح الباري " (2/279) .
وقال ابن دقيق العيد:
وفيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال. نقله المناوي في "فيض القدير" في شرح حديث أبي هريرة الأول.
فلم يَعُد بعد الأدلّة الشرعية الصحيحة أي مجال للجدال والمخالفة، ويجب على المرأة المسلمة أن تعي خطورة القضية والإثم المترتّب على مخالفة هذا الحكم الشرعي، وأن تتذكّر أنها خرجت لطلب الأجر لا للوقوع في الإثم، نسأل الله السلامة والعافية.
وبالمناسبة فقد قرأنا في أخبار الاكتشافات العلمية مؤخّرا أن علماء البيولوجيا قد اكتشفوا في الأنف غدّة جنسية، بمعنى أنّ هناك ارتباطا مباشرا بين حاسّة الشمّ وإثارة الشهوة فإذا صحّ هذا فيكون آية من الآيات التي تبيّن حتى للكفّار دقّة أحكام الشّريعة الإسلامية المباركة التي جاءت بالعفّة وسدّ الطّرق المؤدية إلى الوقوع في الفحشاء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(11/118)
وساوس الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك وساوس تزعجني بأن أحكام الشرك التي نطبقها في عالمنا قد لا تكون قيد التطبيق في جميع الكون، وأن هناك أماكن في هذا الكون يسمع فيه الموتى وبإمكانهم أن يساعدوا الناس، وأن الذهاب للقبور هو نوع من العبادة، أرجو أن تساعدني في محاربة هذه الوساوس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أساليب الشيطان في الإضلال إلقاء الشكوك والوساوس في قلوب العباد وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض ما يلقيه فقد جاء في الحديث (يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته) رواه البخاري رقم (3277)
فأرشد صلى الله عليه وسلم هنا إلى أمرين هامين:
1- الالتجاء إلى الله سبحانه والاعتصام بحبله، والإنطراح بابه، فهو الكريم سبحانه (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) الأعراف / 200.
2- الانتهاء والإعراض عن هذا الأمر والاشتغال بغيره من الأمور النافعة.
وقد جاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يشكون ما يعانون من تشكيكه ووسوسته ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: (أوقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: (ذلك صريح الإيمان) (2/153) .
ومراده صلى الله عليه وسلم بقوله (صريح الإيمان) أي أن كراهيتهم لتلك الوسوسة ودفعهم لها صريح الإيمان.
فيا أيها السائل الكريم الشيطان لا يوسوس إلا لأهل الإيمان وأما الكافر فيأتيه من حيث شاء ولا يقتصر على الوسوسة بل يتلاعب به كما يريد.
والاعتقاد الذي لا شك فيه ولا ريب أن الكون كله علويه وسفليه مدبرّ ومربوب لله سبحانه لا يملك أحد فيه شيئاً، قال سبحانه: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن آذن له) سبأ / 22-23.
أيها الأخ الكريم: هذا العدو الماكر حريص كل الحرص على الإضلال والتشكيك وبقدر استعانتك بالله وعلمك بعدوك واستعدادك له تنتصر عليه فإذا عرفت عدوك الحقيقي فهذه الأسلحة بين يدك:
أولاً:
الالتزام بالكتاب والسنة علماً وعملا والبعد عن طرق الضلال فإن على كل طريق شيطان يدعو إليها فيتبع الإنسان ما جاءه من عند الله من عقائد وأقوال وعبادات وتشريعات ويترك ما نهى عنه قال سبحانه: (ادخلوا في السلم كافة) البقرة / 108، والسلم هو الإسلام وفسره مقاتل بأنه العمل بجميع الأعمال ووجوه البر.
فمن ترك شيئا من الإسلام فقد اتبع بعض خطوات الشيطان.
إن الالتزام بالكتاب والسنة قولاً وعملاً يطرد الشيطان ويغيظه أعظم إغاظة، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه (إذا قرأ ابن أدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويلتي أمر ابن أدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار) رواه مسلم رقم (133)
ثانياً:
الاستعاذة بالله من جميع الشرور والالتجاء إليه سبحانه وتعالى، وقد نبه الشرع على مزيد العناية بالاستعاذة بالله تعالى في مواضع وأحوال معينة منها:
عند دخول مكان قضاء الحاجة (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)
عند الغضب (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) .
عند الجماع (بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا)
عند نزول المكان (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)
عند سماع نهيق الحمار (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
عند قراءة القرآن (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) .
بعد استفتاح الصلاة: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه) .
وخير ما تعوذ به المتعوذون سورتا الفلق والناس فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألم تر آيات أنزلت عليّ الليلة لم ير مثلهن قط: قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس) أخرجه مسلم 814
ثالثاً:
الاشتغال بالذكر فإنه أعظم ما ينجي العبد وفي الحديث أن الله تعالى أمر يحيى عليه السلام أن يأمر بني إسرائيل بخمس خصال منها: (وآمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى إلى حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر) أخرجه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب الترغيب في الخصال الحميدة، والترهيب من الخلال المردية،، قال ابن القيم وكان شيخ الإسلام قدس الله روحه يعظم هذا الحديث، وبلغني عنه أنه كان يقول: شواهد الصحة عليه. الوابل الصيب (60)
رابعاً:
لزوم جماعة المسلمين بأن يعيش الإنسان في ديار الإسلام ويختار لنفسه الفئة الصالحة التي تعينه على الخير قال صلى الله عليه وسلم (من أراد منكم بحبوحة الجنة فليلزم جماعة المسلمين فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد) رواه الترمذي (2254) قال القارئ إسناده صحيح وقال المباركفوري: (فالحديث بكماله إما صحيح أو حسن، تحفة الأحوذي: (6/320) .
خامساً:
مخالفة الشيطان فإنه يأتي في صورة ناصح فلواجب مخالفته فإنه لو كان ناصحاً لنصح نفسه فقد أوقع نفسه في النار، فإذا جاءك وأنت تصلي فقال لك أنت مراء فزدها طولاً وإذا قال لك أحدثت فقل كذبت وإذا قال لك الموتى يسمعون وينفعون أو يضرون فقل له كذبت وإذا أكلت فخالفه فكل بيمينك وأشرب بها وخذ بها بل حتى في القيلولة كما في الحديث: (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل) رواه أبو نعيم بإسناد صحيح (صحيح الجامع (4/147)
بل حتى في اللقمة التي تقع في الأرض قال صلى الله عليه وسلم: (فليأخذها ولا يدعها للشيطان..) أخرجه مسلم 12 الآداب.
سادساً:
التوبة والاستغفار وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: قال الشيطان لرب العزة (وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني) رواه أحمد في المسند وصححه الألباني في (صحيح الجامع 2/32) .
فحال الإنسان دائماً التوبة والإنابة إلى الله سبحانه ولهم أسوة في أبيهم أدم عليه السلام (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) الأعراف / 23.
هذه بعض الأسباب التي تعينك أخي المسلم على دفع هذه الوساوس ونسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا من همزات الشياطين ونزغاتهم ووساوسهم والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/119)
همومنا تشغلنا كثيراً!!
[السُّؤَالُ]
ـ[في مشكلة أعاني منها أنا وزوجي وهي أننا نفكر كثيراً في كل شيء ونحمل الكثير من الهم وذلك يؤثر على عباداتنا فنفكر في كل وقتنا بما يمر بنا من هموم ومشاكل فهل من حل لذلك..؟؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أختي الكريمة أشكر لك ثقتك واسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد وأن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وألا يجعله ملتبساً علينا فنظل.. أما عن استشارتك فتعليقي عليها ما يلي:-
أولاً: إعمال الفكر في أمورنا الحياتية وشؤوننا الخاصة والعامة مطلب ضروري وهام لكي نتعامل معها كما يجب ونستفيد منها أيضاً كما يجب!! وقد حث القرآن الكريم – وهو كلام الله تعالى – على إعمال الفكر في أكثر من آية (ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً..) (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) (أفلا تتفكرون) (أفلا تعقلون) وغيرها من الآيات التي تحثنا على إعمال الفكر في أمورنا وشؤوننا.. بل والحياة والخلق حولنا.
إذاًَ فالتفكير بحد ذاته لا يمثل مشكلة.. بل هو مطلب هام وضروري.. يأمرنا به ديننا ويحثنا عليه قرآننا.
ثانياً: قد يتحول هذا الأمر " التفكير" إلى مشكلة نفسية أو اجتماعية.. إذا أصبح عائقاً للإنسان عن تأدية دوره الطبيعي والمأمول منه في الحياة..!
كأن يحمل الأمور أكثر مما تحتمل.. ويشغل نفسه في التفكير في أمور لا يقدم فيها كثرة التفكير ولا يؤخر!! بل يصبح لصاحبه هماً مزعجاً ومعيقاً له عن التقدم والإبداع والمبادرة!!! ودافعاً له للتردد والحيرة.. والفشل في اتخاذ أي قرار!!!
وقد يصبح التفكير مشكلة شرعية إذا تجاوز فيها الإنسان حدود قدراته العقلية والاستيعابية في التفكير فيما وراء الغيب.. مما لا يمكنه الإحاطة به.. بل ويفتح من خلاله للشيطان الرجيم أبواباً كثيرة للتأثير عليه.
ثالثاً: أما ما يتعلق بتفكير كما الكثير في كل شيء.. وحملكما هماً لكل مشكلة.. فهو إلى حدٍ ما شيء طبيعي.. بشرط ألا يعيقكما عن ممارسة حياتكما بشكل طبيعي.. وأعني هنا.. هل هذا التفكير يقودكما إلى إيجاد حلول لهذه المشكلات التي تواجهكما..؟! وهل تستحق هذه المواقف الحياتية كل ما تقتطعونه لها من وقت للتفكير..؟! إذا كانت الإجابة بنعم.. فلا توجد هناك أي مشكلة..! وإن كانت الإجابة بـ لا.. فقد قطعتما بإدراككما أنها لا تستحق نصف الطريق للعلاج.. وهو تشخيص المشكلة والإقرار بها..!! لأننا متى ما عرفنا نوع المشكلة سهل علينا إيجاد الطريقة المناسبة للتعامل معها.
رابعاً: التغلب على هذه المشكلة يحتاج إلى بعض التدريب.. وبعض الوقت.. وأنتما تملكان القرار للبدء.. وتملكان – بعون الله وتوفيقه – القدرة على ذلك.. ويجب أن تثقا بأنفسكما في هذا الجانب!
خامساً: أقترح عليكما.. أن تقسما مشاغلكما ومشاكلكما إلى ثلاثة مستويات:-
• المستوى الأول: مشاغل أو مشاكل تؤثر تأثيراً مباشراً على حياتكما الزوجية والاجتماعية بشكل كبير قد يؤدي إلى القطيعة.. فهذه يجب إعطاءها حقها من التفكير الموضوعي.. وحسمها والتفاهم حولها.. وعدم تركها لتتراكم مع الوقت حتى يصعب التعامل معها.
• المستوى الثاني: مشاغل أو مشاكل تتساوى فيها الإيجابيات والسلبيات.. وأنتما في النهاية طرف فيها.. فهذه استخيرا الله فيها ولا بأس من التشاور حولها.. ومقارنة البدائل ثم اتخاذ ما ترونه حيالها.. مراعين في ذلك المسائل الشرعية والعرفية.. دون مبالغة في التحري والاهتمام.
• المستوى الثالث: مشاغل أو مشاكل لا تعنيكما بأي حال لأنها تتعلق بالآخرين.. وهذه من الأولى عدم الخوض فيها وإشغال النفس واستهلاك الوقت حولها.. لأنها ببساطة لا تعنيكما..!! ولن يقدم فيها رأيكما أو يؤخر.
سادساً: أمورنا وقضايانا الحياتية لا تخرج عن ثلاثة أقسام:-
• أمور قد مضت وانقضت.. وهذه يجب ألا ننشغل فيها كثيراً.. إلا بالقدر الذي يجعلنا نستفيد منها من أخطاءنا وتجاربنا للمستقبل.. فالماضي لا يعود ولا داعي للانشغال بأمور قد ذهبت.
• أمور مستقبلية.. وهذه من الأولى ألا ننشغل فيها كثيراً قبل أوانها.. لأن المستقبل في علم الغيب.. وكل ما علينا هنا هو أن نضع مجموعة من الخيارات لهذا الأمر.. وعندما يحين أوانه.. نتكل على الله ونتخذ القرار.
• أمور حالية نعيشها.. وهذه هي التي نحاول أن نوازن فيها بين جميع البدائل المتاحة.. ولا بأس من التشاور حولها.. وتبادل الرأي دون مبالغة أو قلق كبير.. ففي النهاية ستسير الأمور كما نتمنى بإذن الله.. وما دمنا فعلنا الأسباب من استخارة واستشارة فإن الخيرة فيما اختاره الله.
سابعاً: تعويد النفس على هذا الأمر يحتاج إلى تدريب ويمكن أن تتفقي أنت وزوجك على أن تتعاونا في هذا الأمر ويذكر بعضكما بعض عندما يسرف على نفسه في الاهتمام بأي موضوع أكثر من اللازم وشيئاً فشيئاً ستجدان أنفسكما وقد أصبحتم تتعاملون مع الأمور الحياتية بموضوعية كبيرة.
ثامناً: هناك كتاب جميل في موضوع القلق.. وبه طرق عملية جيدة للتعامل مع هذا الموضوع أنصحكم بقراءته وهو كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) لمؤلفه " ديل كارنجي".
تاسعاً: وقبل هذا وبعده إحضار النية والدعاء الصادق بأن يوفقكم الله ويعينكم ويسدد خطاكم.
[الْمَصْدَرُ]
أحمد المقبل: الإسلام اليوم(11/120)
لا تزور أخاها ولا ابنة عمها خشية الأذى منهما فهل هذا من قطيعة الرحم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن صلة الرحم لي أخ أكبر مني أخاف منه لأنه يحاول التحرش بي ولم يستطع، وتحرش بأختي الصغرى، والآن أخاف على ابنتي البالغة من العمر 14 سنة، لذلك لا أزوره في بيته أبداً، وهو متزوج، ولا أختلي به، ولا أدع ابنتي تختلي به، صلة رحمي معه هو سلامي عليه حين زيارته لمنزلنا، وعندما أصادفه في بيت أحد من إخواني، وأنا مطلقة وأعيش في منزل والدي، فهل أكون بذلك وصلت رحمي معه ولم أقطعه؟ لأني لا أريد الذهاب لمنزله. ولي ابنة عم شقيق لوالدي ولا أزورها لأني أتأذى منها، ولكن أسلم عليها في الاجتماعات العائلية والمناسبات، فهل وصلت رحمي؟ وهل هي من رحمي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما ذكرته من تحرش أخيك بك وبأختك الصغرى، أمر تقشعر منه الأبدان، وتنفر منه النفوس، لما فيه من مخالفة الفطرة، والارتكاس إلى عالم البهيمية بل أضل؛ إذ كثير من البهائم لا تفعل هذا ولا تقبله.
وقد أحسنت وأصبت في عدم زيارتك له وعدم اختلائك به، ومنع ابنتك من الخلوة به؛ لأنه شخص غير مؤتمن.
وما ذكرت من السلام عليه عند لقائه، كافٍ في صلة رحم أمثاله من أهل الشذوذ والانحراف، نسأل الله العافية.
ثانياً:
ابنة عمك من جملة الأرحام الذين ينبغي صلتهم والإحسان إليهم، وبذل المودة لهم، لكن هل هي من الرحم التي يجب صلتها أو لا؟ خلاف بين الفقهاء، وبيان ذلك أن الرحم نوعان: رحم مَحْرَم، ورحم غير مَحْرَم.
وضابط الرحم المَحرَم: كل شخصين لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى لم يجز لهما أن يتناكحا، كالآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأجداد والجدات وإن علوا، والأولاد وأولادهم وإن سفلوا، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات.
وأما أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات، فليسوا من الرحم المَحرَم، لجواز التناكح بينهم.
والرحم غير المَحرَم: ما عدا ذلك من الأقارب، كبنت عمك وعمتك، وابن عمك وعمتك، وابن خالك، وبنت خالك، وهكذا.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الرحم التي يجب صلتها: هي الرحم المحرم فقط، وأما غير المَحْرَم، فتستحب صلتها ولا تجب، وهذا قول للحنفية، وغير المشهور عند المالكية، وقول أبي الخطاب من الحنابلة، وحجتهم أنها لو وجبت لجميع الأقارب لوجب صلة جميع بني آدم، وذلك متعذر، فلم يكن بد من ضبط ذلك بقرابة تجب صلتها وإكرامها ويحرم قطعها , وتلك قرابة الرحم المحرم.
والقول الثاني في المسألة: أنه يجب صلة الرحم كلها، لا فرق بين المحرَم وغيره، " وهو قول للحنفية , والمشهور عند المالكية , وهو نص أحمد , وهو ما يفهم من إطلاق الشافعية , فلم يخصصها أحد منهم بالرحم المحرم ". "الموسوعة الفقهية الكويتية" (3/83) .
وينظر: "غذاء الألباب" للسفاريني (1/354) ، "بريقة محمودية" (4/153) .
قال في "سبل السلام" (2/628) : " واعلم أنه اختلف العلماء في حد الرحم التي تجب صلتها فقيل: هي الرحم التي يحرم النكاح بينهما بحيث لو كان أحدهما ذكرا حرم على الآخر. فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال. واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح لما يؤدي إليه من التقاطع.
وقيل: هو من كان متصلا بميراث، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم أدناك أدناك) .
وقيل: من كان بينه وبين الآخر قرابة سواء كان يرثه أو لا.
ثم صلة الرحم كما قال القاضي عياض: درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام , ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لم يسم قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له، لم يسم واصلا.
وقال القرطبي: الرحم التي توصل الرحم عامة وخاصة، فالعامة رحم الدِّين , وتجب صلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة.
والرحم الخاصة تزيد بالنفقة على القريب وتفقِّد حاله والتغافلِ عن زلته " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (72834) .
وسواء كانت ابنة العم من الرحم التي يجب صلتها، أو كانت من الرحم التي يستحب صلتها فقط، فإن كان يلحقك الأذى بمخالطتها وزيارتها، واقتصرت على السلام عليها في الاجتماعات العائلية والمناسبات، فلا حرج عليك، ولا تعدين بذلك قاطعة للرحم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/121)
عاشق هائم يبحث عن حل لمشكلاته ويريد النصح والتوجيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في حيرة من أمري، وأحسب نفسي مريضاً نفسيّاً بالحب، هذه ليس كلمة أستحي منها؛ لأنها واقعية، وما سأكتبه لا يهمني من يعرفه، المهم أن أجد حلاًّ على يد أحد المشايخ الفضلاء، لأني والله يعلم مدى ما أقاسية من ألم، ووحشة، وحرقة قلب، أريد حلاًّ، أريد من يسمعني. حكايتي تبدأ عندما كنت في الثانوية العامة وكنت وقتها أعيش خارج بلدي, عرفت فتاة رقيقة، وأحسب أنها جميلة، كلمتها كثيراً جدّاً، حتى تعلقت بها بصورة لا أحسن وصفها؛ لأنني لا أظن أنني أستطيع ذلك، ثم تطور الأمر إلى أن أحببتها، وعشقتها بشدة، وصارحتها بذلك، لكنها صدتني بقوة وقسوة وقالت: إنها ليست للحب، وإنها فتاة جدية، ومع ذلك بقيتْ معي تحاكيني، وكل يوم يزداد ما بداخلي لها من مشاعري التي لم أستطع التحكم فيها إطلاقاً، وبعد مرور شهرين تقريباً، وبعدما ذاب قلبي فيها، وعلقت كل آمالي وأحلامي بها مع علمي التام أنها لا تهتم بذلك - كل الحكاية أنها كانت تجد تسلية معي فتتحدث، هذا ما فيها - المهم: بعد هذه الفترة: انتهت امتحانات الفصل الدراسي الأول، ويوم النتيجة أعلنتْ الحرب على قلبي بصورة شديدة الاحترام، اتصلت بها حتى أعرف نتيجتها، وكنت مشتاقاً لها بشدة، فقالت: إنها حصلت على 99,95، فباركت لها من قلبي لأني والله يعلم فرحت لها، وسألتني عن نتيجتي لكنها لم تكن بعد قد ظهرت في مدرستي، ثم نطقتْ بكلمة كانت هي السم الزعاف الذي أتجرعه كل يوم لمدة سنتين، بعد هذه الحكاية ولا أكاد أسيغه، قالت: إننا لا يمكن أن نستمر هكذا، ولا بد أن ينتهي ما بيننا من هذه المكالمة، وأنها ليست على استعداد أن تتكلم معي؛ لأنها تعلم أنه محرَّم شرعاً، وبكل قوة قلب عندها وانعدام الرحمة! أنهت ما بيننا، وتركتني هائماً على وجهي، وبقيت - والله يعلم بحالي وبؤسي وسقمي - كل يوم أرسل لها رسالة استعطاف على المحمول، بالإضافة للكلام الذي قلته لها في تلك المكالمة الأخيرة الذي لو سمعه الصخر لعطف عليَّ، ومسح دموعي، لكنها لم تكن تأبه بكل هذا، وفي نهاية الأمر أغلقت محمولها، وأغلقت معه طرق الاتصال بها، وبقيت بحال بائسة لا يعلمها إلا الله، وفي هذا الفصل الدراسي حصلت على 86 في المائة، ومع صدمتي فيها: انصدمت بالنسبة التي لم أتوقعها أساساً، كل هذه المصائب جعلتني أعلن الانسحاب، وأنني لن أكمل السنة الدراسية، ومع محاولات من أهلي أيضاً لم أوافق، فلم يكن أحد يعرف بهذه المشكلة غيري، لكنني تحججت بالنسبة السيئة، بقيت في حال سيئة جدّاً أحاكي ورقتي، وقلمي، وأستمع لأغاني الحب والهيام! التي أذابت قلبي أكثر، المهم: ومرَّت السنتان بهذه الحال، وأكثر، من الألم، وعندما جئت إلى مصر من فترة كنت كالجائع الذي يبحث عن شيء يأكله، أبحث بكل الصور عن فتاة كي أحبها، كنت بغبائي أحسب الحب يأتي هكذا، لكنني كنت أبحث عن حل للماضي، وأقنعت نفسي أني أحب فتاة زميلة لي في الكلية، لكنني بعدها بأيام قليلة أحسست نحوها بملل عجيب، واكتشفت أنني لا أحبها أبداً، ولا أشعر نحو أحد بالحب، إلا تلك التي عرفتها من سنتين، واليوم عرفت فتاتين عبر الإنترنت، إحداهن من مصر، والأخرى من فلسطين، التي من مصر أحسست تجاهها بحب جارف؛ لأنها واجهت حكاية أقسى ألماً مني، أحسست نحوها بالحب، بعد مرور ثلاثة شهور كنت أحارب نفسي كي لا أحبها، لكنها جرفتني معها في تيار رياح الحب، بعد ذلك عرفت فتاة فلسطين، التي تمكنت مني في أسبوع واحد، وهي أشدهن ألما على قلبي، أتعرفون لماذا؟ لأنها الوحيدة التي أوهمتني بحبها لي، كانت تكلمني من عنوان بريدي ليس لها، تكلمني على أنها فلانة، وهي قريبتها، وبعدما ذبت فيها بكل الصور الممكنة لأنني محتاج أساسا لتلك الكلمات التي أمطرتني بها: إذ بها البارحة فقط تخبرني الحقيقة، قالت: إنها أحبتني فعلا، ولكن لا تعرف ما دفعها لخداعي في شخصيتها، أبكت قلبي دماً، وناراً، جعلتني أموت كمداً، وفارقتني ولا أعرف هل سأحاكيها أم لا بعد اليوم، المشكلة في بنت مصر أنها أكبر مني بأربعة أعوام كوامل، وفي بنت فلسطين أنها خدعتني، والمشكلة الأساسية فيَّ أنا، كل ما كتبتُ هو حقيقي فعلاً، وحدث، ولا أتأول منه شيء، أفتوني، جزاكم الله خيراً، هذه حكايتي بأكثر من إيجاز، أتمنى الرد منكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لعلَّ الله أراد بك خيراً حيث يسَّر لك أن تراسل موقعاً إسلاميّاً يُعنى بالفتوى، والمشكلات الاجتماعية، لتعرض عليه قصص حبِّك وغرامك، وانتقالك من معشوقة لأخرى! فنرجو الله تعالى أن تكون أنت مريداً للخير لنفسك، وأن تعقل ما نقول، وأن تعمل به في خاصة نفسك.
ثانياً:
اعلم ـ يا عبد الله ـ أن الشيطان يزيِّن للناس حب الشهوات، وخاصة في النساء، والمؤمن يعلم أن هذا ابتلاء واختبار من الله، الفائز فيه من صرَّف شهوته فيهن بالحلال، فتزوج، والخاسر فيه من صرَّفها بالعشق والغرام والزنا، ونرجو منك التأمل في هذه الآية، وتتفكر جيِّداً في كلام مفسِّرها، فإن فيما سننقله لك تعلقاً كبيراً بحالك.
قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) آل عمران / 14، 15.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
يُخبر تعالى أنه زيِّن للناس حب الشهوات الدنيوية، وخص هذه الأمور المذكورة لأنها أعظم شهوات الدنيا، وغيرها تبع لها، قال تعالى: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) فلمَّا زينت لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات، تعلقت بها نفوسهم، ومالت إليها قلوبهم، وانقسموا بحسب الواقع إلى قسمين:
قسم: جعلوها هي المقصود، فصارت أفكارُهم، وخواطرُهم، وأعمالُهم الظاهرة والباطنة لها، فشغلتهم عما خُلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها، ويتناولون شهواتها، ولا يبالون على أي وجه حصَّلوها، ولا فيما أنفقوها وصرفوها، فهؤلاء كانت زاداً لهم إلى دار الشقاء، والعناء، والعذاب.
والقسم الثاني: عرفوا المقصود منها، وأن الله جعلها ابتلاءً وامتحاناً لعباده، ليعلم من يقدِّم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلةً لهم، وطريقاً يتزودون منها لآخرتهم، ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته، قد صحبوها بأبدانهم، وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها كما قال الله فيها (ذلك متاع الحياة الدنيا) ، فجعلوها معبراً إلى الدار الآخرة، ومتجراً يرجون بها الفوائد الفاخرة، فهؤلاء صارت لهم زاداً إلى ربهم.
وفي هذه الآية تسلية للفقراء الذين لا قدرة لهم على هذه الشهوات التي يقدر عليها الأغنياء، وتحذير للمغترين بها، وتزهيد لأهل العقول النيرة بها، وتمام ذلك: أن الله تعالى أخبر بعدها عن دار القرار، ومصير المتقين الأبرار، وأخبر أنها خير من ذلكم المذكور، ألا وهي الجنات العاليات، ذات المنازل الأنيقة، والغرف العالية، والأشجار المتنوعة المثمرة بأنواع الثمار، والأنهار الجارية على حسب مرادهم، والأزواج المطهرة من كل قذر، ودنَس، وعيب ظاهر وباطن، مع الخلود الدائم الذي به تمام النعيم، مع الرضوان من الله الذي هو أكبر نعيم، فقس هذه الدار الجليلة بتلك الدار الحقيرة، ثم اختر لنفسك أحسنهما، واعرض على قلبك المفاضلة بينهما.
(والله بصير بالعباد) أي: عالم بما فيهم من الأوصاف الحسنة، والأوصاف القبيحة، وما هو اللائق بأحوالهم، يوفق من شاء منهم، ويخذل من شاء، فالجنة التي ذكر الله وصفها، ونعتها بأكمل نعت: وصف أيضا المستحقين لها، وهم الذين اتقوه بفعل ما أَمر به، وترك ما نهى عنه.
" تفسير السعدي " (ص 123) .
فكن على حذر من شيطانك، ومن نفسك، ومن هواك، وقارن بين حال السعداء بطاعة الله والأشقياء بمعصيته في الدنيا، وقارن بين حاليهم في الآخرة، ولا نراك إلا ستسير في درب الصالحين، وطريق الأتقياء الطائعين.
واعلم أن فتنة النساء ما كانت لتُحدث في قلب المؤمن من الشر والفساد لولا أنه أطلق بصره في النظر إليهن، والتأمل في زينتهن، ولهذا فإن المسلم مأمور بغض البصر عن المحرمات، كما قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/ 30.
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -:
أما اللحظات: فهي رائد الشهوة، ورسولها، وحفْظها أصلُ حفظ الفرج، فمن أطلق نظره: أورده موارد الهلاك ... .
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولِّد خطرة، ثم تولِّد الخطرة فكرة، ثم تولِّد الفكرة شهوة، ثم تولِّد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصبر عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألِمِ ما بعده " ...
ومن آفاته: أنه يورث الحسرات، والزفرات، والحرقات، فيرى العبد ما ليس قادراً عليه، ولا صابراً عنه، وهذا من أعظم العذاب: أن ترى ما لا صبر لك عنه، ولا عن بعضه، ولا قدرة لك عليه.
" الجواب الكافي " (ص 106) ، وهو وصف دقيق لحالتك، وننصحك بقراءة هذا الكتاب، فهو مؤلَّف لهذه المسألة دون غيرها.
وانظر جواب السؤال رقم: (20229) ففيه بيان الوسائل المعينة على غض البصر.
وتجد فوائد غض البصر في جواب السؤال رقم: (22917) .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (33651) طرق مواجهة فتنة النساء.
وفي جواب السؤل رقم: (20161) بيان حل مشكلة الشهوة وتصريفها.
ثالثاً:
أخي السائل: هل تريد السعادة؟ هل ترجو الطمأنينة؟ وهل ترنو نحو الفرح والسرور؟ هل تريد استبدال ما بك من شقاء وبؤس ونكد إلى أضدادها؟ إن كان الجواب في كل ذلك: نعم - وهو ما نرجوه منك: فعندنا ما ننصحك به لذلك، فتأمل معنا الآية وتفسيرها.
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد/ من الآية 11.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –:
الآية الكريمة آية عظيمة، تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله، وكمال حكمته، لا يغيِّر ما بقوم من خيرٍ إلى شرٍّ , ومن شرٍّ إلى خير، ومن رخاء إلى شدة , ومن شدة إلى رخاء: حتى يغيروا ما بأنفسهم , فإذا كانوا في صلاح واستقامة وغيروا: غيَّر الله عليهم بالعقوبات، والنكبات، والشدائد، والجدب، والقحط , والتفرق، وغير هذا من أنواع العقوبات، جزاءً وفاقاً ... .
وقد يكونون في شرٍّ، وبلاء، ومعاصي، ثم يتوبون إلى الله، ويرجعون إليه، ويندمون، ويستقيمون على الطاعة: فيغيِّر الله ما بهم من بؤس، وفرقة، ومن شدة، وفقر، إلى رخاء، ونعمة، واجتماع كلمة، وصلاح حال، بأسباب أعمالهم الطيبة، وتوبتهم إلى الله سبحانه وتعالى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 297 , 298) .
وانظر في تحريم الموسيقى والغناء المصاحب لها: أجوبة الأسئلة: (5000) و (5011) و (43736) و (96219) .
وأخيراً:
نوصيك بتقوى الله تعالى، ومراقبته في الصغيرة والكبيرة، واحرص على أن يراك حيث أمرك، وأن لا يراك حيث نهاك، وعجِّل بالزواج؛ فإنه السبيل الوحيد لحفظ شهوتك من وضعها في غير مكانها، والجأ إلى الله بالدعاء أن يخلصك من شرور نفسك، وسيئات أعمالك.
ونسأل الله أن يطهر سمعك وبصرك وجوارحك من الحرام، وأن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك، وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/122)
شاب يعاني من الشهوة في يقظته واحتلامه بشقيقته في منامه!
[السُّؤَالُ]
ـ[أحاول دائماً أن أكون أفضل مسلم، قدر استطاعتي، فأصلِّي، وأصوم، وأتلو القرآن بقدر ما أستطيع، إلخ، إنني في ال 16 من عمري، وفي هذا العمر الولد يخرج منه المني كثيراً، والذي يخرج بطريقة أو بأخرى، مثل: الاستمناء باليد، والأحلام، وغيرها (هذا يحدث مرة أو مرتين في الأسبوع، هذا إذا لم يخرج بطرق أخرى) ، والآن في الأحلام يحلم الشخص بامرأة فاتنة، وكما قلت إنني أحاول أن أكون مسلماً جيِّداً فلا أنظر إلى جمال الفتيات (لأنه حرام) ، وأنظر، وأرى، وأتكلم فقط إلى محارمي (وبدون شهوة طبعاً) ، وإحداهن أختي، وهي فتاة جميلة، وفاتنة! أراها كل يوم لأننا أخ وأخت، أحلم بها في منامي، وهذا يجعلني أشعر بمرض لا أدري كيف أتخلص منه؛ لأنها موجودة معي في نفس البيت، والأحلام لا يمكن تفاديها؛ لأن المني لا بد أن يخرج بسبب ذلك، أحاول إيجاد حلول وسأكون شاكراً لكم إذا استطعتم عوني في هذا الشأن، هناك حلاَّن وجدتهما، ولكنهما حرام - وهما أفضل من أن تحلم بأختك – أحدهما: أنني أنظر إلى امرأة مثل ممثلة، أو أخرى، أُعجب بجمالها، فيحل ذلك محل أختي في الأحلام، هل هذا حسن؟ وإذا كان لا: فلماذا؟ فأنا متأكد أن هذا أحسن من رؤية أختي في منامي، وثانيهما: أن أستمني بيدي بدون تخيل أحد ما أو صورة ما في مخيلتي، فقط مرة واحدة لكي يخرج المني بالاستمناء (وهذا يعني أنني سأتخلص من الأحلام بقدر المستطاع) ، أعلم أن الاستمناء حرام، لكني أجده أفضل من أن أحلم بأختي، وهذا بحق محرج، هل هذا ابتلاء من الله؟ أرجو إخباري: أيّا منها ينبغي عليَّ أن أفعل، وإذا كانت الإجابة بلا: فما ينبغي عليَّ فعله؟ أرجو الإجابة سريعاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من فضل الله تعالى عليك - أخي السائل – أن وفقك في هذا السن إلى عبادته، وطاعته، ومن فضله عليك أن رزقك نفساً لوَّامةً تلومك على التقصير في طاعته، وتلومك على فعل ما لا ينبغي لك فعله، وتلك النعَم من الرب تعالى تحتاجان لشكر قلبي، وقولي، وعملي، وخاصة وأنت ترى حولك الشباب في مثل سنِّك كيف جرفهم تيار الشهوات، وغرقوا في بحار الهوى والضلال والانحراف.
ثانياً:
يجب أن تعلم أن الاحتلام يحصل للنساء والرجال، وللعزاب والمتزوجين، ويحصل لمن قرأ الأذكار قبل نومه، ولمن لم يفعل، وأنه لا إثم على ما يراه الإنسان في نومه؛ لأنه لا يملك إيجاده، ولا دفعه، ومثل ذلك لا يحاسَب عليه المسلم، كما أنه لا يُثاب على ما يفعله في منامه من طاعات وعبادات، وقد صحَّ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم برفع قلم التكليف عن " النائم حتى يستيقظ ".
فلا ينبغي لك القلق من هذا الذي تراه في منامك، والذي عليك القلق من جهته، والاهتمام له هو ما تفعله وقت يقظتك، وهو ما اقترحته من علاج لمشكلة احتلامك بأختك، وكلا الاقتراحين منك محرَّم، لا يحل لك فعله، فلا النظر إلى صور الممثلات، والمغنيات، وغيرهن من الفاتنات مباح – انظر في تحريم ذلك جواب السؤال رقم: (1774) -، ولا كذلك ممارستك للعادة السرية – انظر في تحريمها جواب السؤال رقم: (329) -، ومع كون الفعلين من المحرمات فهما لن يغنيا عنك شيئاً، ولن يمنعا من أن ترى في منامك احتلاماً، وقد سبق أن ذكرنا لك أن الاحتلام يحصل مع المتزوجين، والذين يفرغون شهوتهم في الحلال.
واعلم أن نظرك لأختك نظر شهوة محرَّم أشد التحريم، وهو مع كونه محرَّماً فإن له علاقة قوية بما تراه في منامك، ومن المعلوم أن بعض ما يُرى في المنام هو نتيجة لحديث النفس الذي يراود المستيقظ في يقظته، وهذا يعني أن نظرك المحرَّم لأختك – أو غيرها – والتفكير في الجنس قبل نومك: يمكن أن يؤدي إلى رؤية ذلك في منامك، ولذا كان من وصايا أهل العلم لمن ابتلي بهذا: أن يتطهر لنومه، وأن يقرأ آية الكرسي، وأن يقطع التفكير في الجنس والشهوة، وإذا رأى بعد ذلك شيئاً في منامه مما يكرهه فلا يلوم نفسه على تفريط حصل منه في يقظته، فانتبه لهذا، وكن متفطناً له.
ومما يذكره بعض أهل الاختصاص في تعبير الرؤى وتفسير الأحلام: أن مثل تلك الأحلام التي تراها إنما هي من الشيطان ليسهِّل لك فعل الفاحشة في اليقظة! وهذا أمر خطير ينبغي عليك التنبه له، وقد يتلاعب الشيطان في الطرف الآخر فيريها مثل ما ترى أنت في منامك للقصد نفسه! وهذا يتمشى تماماً مع من يقول إن للشيطان علاقة بالاحتلام، وشتان شتان بين من يرى في حلمه نفسه يفعل الفاحشة في أخته وهو عفيف شريف في يقظته معها، ومن يرى ذلك وهو ينظر إليها في يقظته نظر شهوة وفتنة، فإن الأول هو الذي يخاف ويقلق في منامه، وهو الذي يستبعد حصول مثل ذلك في واقع الحال، بخلاف من كان مفتوناً في يقظته، فإن الشيطان لا يتركه في نومه، كما لم يتركه في يقظته.
ثالثاً:
قد ذكر بعض أهل الاختصاص من الأطباء أن الإنسان قد يفعل في يقظته ما يسبِّب له الاحتلام في نومه – مع التسليم بوجود خلاف بين العلماء في تفسير هذه الظاهرة -، وذلك مثل: النظر المحرَّم للنساء، والتفكير بالجنس والشهوة، وعدم التبول قبل النوم، وامتلاء المعدة من الطعام، فيًرجى إن تخلصتَ من ذلك كله، ونمت على طهارة وذِكر أن تتخلص مما يقلقك في منامك.
رابعاً:
الحل الجذري لمشكلتك: هو الزواج، فإن عجزت عنه: فالصيام الذي يهذب النفس، ويسبب التقوى التي تحجزك عن فعل الحرام، وهذا هما وصية نبيك محمد صلى الله عليه وسلم لمن هم مثلك من الشباب.
عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسْعُود قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) .
رواه البخاري (4779) ومسلم (1400) .
وانظر جواب السؤال رقم: (9208) ففيه بيان أن الاحتلام أمر طبيعي لا يؤاخذ عليه الإنسان.
ويمكنك الاطلاع على جواب السؤال رقم: (20229) ففيه بيان الوسائل التي تعين على غض البصر، وجواب السؤال رقم: (20161) وفيه بيان حل مشكلة الشهوة وتصريفها، وفي جواب السؤال رقم: (39867) ذكرنا الآثار الصحية للعادة السيئة على الجسم، والعقل، والوجه، والذاكرة، وذكرنا فيه طرق التخلص منها، وعدم الوقوع فيها.
خامساً: إذا كنت ـ أخي الكريم ـ قد عانيت من هذه الشكوى، وألقى الشيطان في قلبك طرفا من ذلك الفكر في أختك، فينبغي عليك أن تحتاط لنفسك جيدا، فقلل من النظر إليها، والخلوة بها، وهي أختك!! وأْمُرها بألا تتساهل في ملابسها أمامك، فالمحارم ليسوا على درجة واحدة في حكم إبداء الزينة أمامهم؛ أما الزوج فإنها تبدي له كل شيء من زينتها، وأما غيره، كالأب والأخ ونحوهما، فلا تظهر أمامهم إلا ما يظهر منها غالبا، كالساعد والعنق، ونحو ذلك، وهذا حكم أصلي، بغض النظر عن مشكلة عارضة كمشكلتك.
وأما حين يوجد عارض آخر، كالذي نتحدث فيه، فينبغي أن يكون التحرز أشد، والتستر أكمل، لكن دون أن تلفت نظرها إلى شيء مما وقع في بالك، وإنما حاول إرشادها إلى ذلك، عن طريق الوالدين ـ إن أمكن ـ ودون إشارة لما يجول في خاطرك، أو تراه في منامك.
قال العلامة ابن القطان رحمه الله ـ "النظر في أحكام النظر" (312) ـ:
" مسألة: فإن كان إنما ينظر منها، أعني ذلك من ذات محرمه، إلى الوجه والكفين والقدمين، صغيرة كانت أو كبيرة؛ فهذا جائز بلا خلاف، لأنه شيء يبدو في حال المهنة ... ، اللهم إلا أن ينظر إلى ذلك من ذات محرمه بقصد اللذة، فهذا لا شك في تحريمه، وأظن أنه لا خلاف فيه. وابن عبد البر قد نص على تحريمه، ولم يحك عن أحد فيه شيئا.. ". انتهى.
وقال أبو بكر الحصني الشافعي رحمه الله ـ "كفاية الأخيار" (1/460) ـ:
" يحرم النظر إلى المحارم بشهوة بلا خلاف ". انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(11/123)