حكم التعاون بين المسلمين، وأوجه ذلك، وكيف يتحقق ذلك التعاون
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) ، فكيف يكون التعاون بين المسلمين في ظل هذه الآية؟ وكيف يمكن في غياب وجود عمل منظم لمن يرغب في العمل المنظم أن يعمل في ظل الظروف والفرص المتاحة له؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
خلق الله تعالى الإنسان ضعيفاً، وهو يحتاج ليستمر في حياته أن يتعاون مع غيره، وهذا واضح في أمور الدنيا، فالإنسان يحتاج لمن يزرع له، ولمن يحصد له، ويحتاج لمن يصنع الآلات، ولمن يسوق البضاعة، ولمن يشتري، وبالجملة: فلا تقوم حياة الناس إلا بتعاونهم فيما بينهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ التسعينية (1/251) ـ:
" حياة بني آدم وعيشهم في الدنيا لا يتم إلا بمعاونة بعضهم لبعض في الأقوال، أخبارها وغير أخبارها، وفي الأعمال أيضا.. " اهـ.
وأما في مسائل الدين والشرع: فالأمر كذلك، فلم يقم نبي من الأنبياء بالدعوة إلا واحتاج من يعينه على تحقيق التوحيد، ودحر الشرك، وفي الجهاد يظهر أثر ذلك جليّاً، وقل مثل ذلك في التعليم، ورعاية المساكين، والقيام على الأرامل والأيتام.
قال الله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:146) وفي صحيح مسلم (50) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ؛ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ... ) الحديث.
والمسلمون يحتاج بعضهم بعضاً في شئونهم الدنيوية والدينية، ولذلك كان التعاون بين المسلمين أمراً جللاً، وقد أوجبه الله تعالى، وجعل به قيام دين الناس ودنياهم، وقد جاء وصف المسلمين – إن هم حققوا هذا التعاون – بأنهم بنيان مرصوص، وأنهم جسد واحد، وكل ذلك يؤكد على أن التعاون بينهم والتضامن والتكاتف أمر لا بدَّ منه، وهو يشمل جوانب كثيرة في حياة المسلمين يجمعها كلمتا " البر " و " التقوى "، كما قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ من الآية 2، وهما كلمتان جامعتان لجميع خصال الخير، من الاعتقاد، والسلوك، والأحكام، وغيرها، كما قال الله تعالى – في بيان معنى " البر " -: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة/ 177.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ومن المعلوم أنه لا يتم أمر العباد فيما بينهم , ولا تنتظم مصالحهم، ولا تجتمع كلمتهم , ولا يهابهم عدوهم , إلا بالتضامن الإسلامي، الذي حقيقته التعاون على البر والتقوى , والتكافل، والتعاطف، والتناصح , والتواصي بالحق , والصبر عليه , ولا شك أن هذا من أهم الواجبات الإسلامية , والفرائض اللازمة , وقد نصت الآيات القرآنية , والأحاديث النبوية , على أن التضامن الإسلامي بين المسلمين - أفراداً وجماعات , حكوماتٍ وشعوباً - من أهم المهمات , ومن الواجبات التي لا بد منها لصلاح الجميع , وإقامة دينهم وحل مشاكلهم , وتوحيد صفوفهم , وجمع كلمتهم ضد عدوهم المشترك، والنصوص الواردة في هذا الباب من الآيات والأحاديث كثيرة جدّاً , وهي وإن لم ترد بلفظ التضامن: فقد وردت بمعناه، وما يدل عليه عند أهل العلم , والأشياء بحقائقها ومعانيها، لا بألفاظها المجردة , فالتضامن معناه: التعاون والتكاتف , والتكافل، والتناصر، والتواصي , وما أدى هذا المعنى من الألفاظ , ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر , والدعوة إلى الله سبحانه , وإرشاد الناس إلى أسباب السعادة والنجاة , وما فيه إصلاح أمر الدنيا والآخرة , ويدخل في ذلك تعليم الجاهل , وإغاثة الملهوف , ونصر المظلوم , ورد الظالم عن ظلمه , وإقامة الحدود , وحفظ الأمن ,
والأخذ على أيدي المفسدين المخربين , وحماية الطرق بين المسلمين داخلاً وخارجاً , وتوفير المواصلات البرية والبحرية والجوية , والاتصالات السلكية واللاسلكية بينهم , لتحقيق المصالح المشتركة الدينية والدنيوية , وتسهيل التعاون بين المسلمين في كل ما يحفظ الحق , ويقيم العدل , وينشر الأمن والسلام في كل مكان.
ويدخل في لتضامن أيضاً: الإصلاح بن المسلمين , وحل النزاع المسلح بينهم , وقتال الطائفة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله , عملا بقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) الأنفال/ 1، وقوله سبحانه: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الحجرات/ 9، 10.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 192، 193) .
وقال – رحمه الله -:
ومما ورد من الأحاديث الشريفة في التضامن الإسلامي، الذي هو التعاون على البر والتقوى: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أخرجه مسلم في صحيحه , وقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه) – متفق عليه -، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
هذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل دلالة ظاهرة على وجوب التضامن بين المسلمين , والتراحم والتعاطف , والتعاون على كل خير , وفي تشبيههم بالبناء الواحد , والجسد الواحد , ما يدل على أنهم بتضامنهم وتعاونهم وتراحمهم تجتمع كلمتهم , وينتظم صفهم , ويسلمون من شر عدوهم , وقد قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/ 104، وإمام الجميع في هذه الدعوة الخيرة وقدوتهم في هذا السبيل القيم , هو نبيهم وسيدهم وقائدهم الأعظم , نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فهو أول من دعا هذه الأمة إلى توحيد ربها , والاعتصام بحبله , وجمع كلمتها على الحق , والوقوف صفا واحدا في وجه عدوها المشترك , وفي تحقيق مصالحها وقضاياها العادلة , عملا بقوله تعالى خطابا له: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل/ 125، وقوله عز وجل: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) يوسف/ 108، وقد سار على نهجه القويم , صحابته الكرام , وأتباعهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم فنجحوا في ذلك غاية النجاح , وحقق الله لهم ما وعدهم به من عزة وكرامة ونصر.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 200، 201) .
فتحصل من هذا كله: وجوب التعاون بين المسلمين على البر والتقوى، وعلى المسلمين أن يبذلوا من الوسائل ما يمكنهم من تحقيق هذه الأوجه من التعاون، من تأسيس جمعيات، أو هيئات، أو مراكز دعوية، أو حلقات قرآنية، وغير ذلك، مما يساهم في تجميع الجهود، وترتيبها، وعلى المسلمين أن يمدوا لهم يد العون، ويبذلوا من أوقاتهم وأموالهم ما يساهم في بناء صروح التعاون على البر والتقوى، ولا يعدم المسلم أن يجد شيئا يقدمه لإخوانه، ويعينهم على ما يحتاجونه لدينهم ودنياهم.
ثانياً:
يستطيع المسلم أن يخدم الإسلام، ويعمل لأجل إعلاء كلمة الله تعالى من غير أن ينتظم في حزب أو جماعة، وعلماؤنا وأئمتنا في هذا الزمن لهم خدمات جليلة للإسلام، ولا يكاد توجد بقعة في الأرض إلا ووصل لها من علمهم، ولم يكونوا في عمل منظَّم، ولا كانوا تبعاً لجماعات وأحزاب.
وإذا أردت – أخي السائل – أن تخدم الإسلام وتعمل له: فقم بذلك بنفسك بما تستطيعه، من خطبة، أو درس، أو دعوة في القرى والمحافظات، أو توزيع كتب وأشرطة، أو ادعم ماليا من يقوم بتلك الأمور، ويمكنك التعاون مع الجماعات والجمعيات السنيَّة بما يخدم الإسلام.
وأما الفرق والجماعات والأحزاب التي تتبنى اعتقاداً مخالفاً لاعتقاد السلف، أو منهجاً مضاداً لمنهج أهل السنة والجماعة: فلا خير فيهم، ولا ينبغي أن يتعاون معهم المسلم في شيء ينصر اعتقادهم ومنهجهم، وأما الجماعات التي تدعو إلى الإسلام، وعندها مخالفات شرعية: فهذه يتعاون معها المسلم فيما يتوافق مع الشرع.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" كل فِرقة من هؤلاء فيها خطأ وصواب، فعليك بالتعاون معها فيما عندها من الصواب، واجتناب ما وقعت فيه من أخطاء، مع التناصح، والتعاون على البر والتقوى ".
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 237، 238) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
هل تعتبر قيام جماعات إسلامية في البلدان الإسلامية لاحتضان الشباب وتربيتهم على الإسلام من إيجابيات هذا العصر؟ .
فأجاب:
وجود هذه الجماعات الإسلامية فيه خير للمسلمين، ولكن عليها أن تجتهد في إيضاح الحق مع دليله وأن لا تتنافر مع بعضها، وأن تجتهد بالتعاون فيما بينها، وأن تحب إحداهما الأخرى، وتنصح لها وتنشر محاسنها، وتحرص على ترك ما يشوش بينها وبين غيرها، ولا مانع أن تكون هناك جماعات إذا كانت تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 272) .
وأما في حال غياب العمل المنظم من أصله، أو غياب العمل الذي يغلب خيرُه شرَّه، وحيث لا يتمكن الإنسان من تعاون منظم مع غيره، فإن ذلك لا يمنع من أن يتعاون المرء مع نفر ممن حوله، يصطفيهم، ويلتقي معهم على التناصح والتذاكر في العلم النافع والعمل الصالح، ونشر الخير بين المسلمين، وهذا كله من أعظم مقاصد التعاون مع الجماعات الإسلامية، وعلى ذلك ينبغي أن يحمل الأمر بالتعاون على البر والتقوى، لا على خصوص الانضمام إلى جماعة من الجماعات، أو الانتماء إلى حزب من الأحزاب، فالأمر بالتعاون أعم من ذلك كله.
فإن عدم الإنسان ذلك، ولا يكاد يعدمه ـ إن شاء الله ـ؛ فليكن بنفسه داعية إلى الخير، إماما في الهدى لمن حوله، وهكذا بدأت دعوات كثير من المصلحين والدعاة، وليلزم ذلك، ولو لم يجد من يعينه عليه؛ فمن الأنبياء من يأتي يوم القيامة، وليس معه أحد!!
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/61)
هل يراعي ذوق الناس وعرفهم فيسبل المسلم ثوبه؟ وهل في البنطال إسبال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لبس السروال تحت الكعب في مجتمعاتنا الحاضرة من غير مخيلة؟ إذ أن رفعه فوق الكعب يفسد منظر الشخص، ويلفت انتباه الغير، أرجو ألا تروا في سؤالي مجادلة أو ازدراء، إنما هو استفسار جاد، وهذا الأمر يهمني كثيراً، خصوصا في مجال العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم أخي السائل أن أحكام الشريعة المطهرة لم تأتِ لتجعل المسلم ذليلاً أو أضحوكة بين الناس، بل جاءت بما فيه الخير للناس جميعاً في دينهم ودنياهم، وتأمَّل في أحوال العالم تجد صدق هذا القول، فقد فشت مخالفات الأمم للإسلام في حياتهم الدنيوية كثيراً، وانظر – على سبيل المثال – آثار الاختلاط بين النساء والرجال على أحوال الأمم، وانظر آثار إباحة الخمور، وانظر آثار التبرج والسفور، وانظر آثار الحرية الزائفة على تلك الأمم، إنهم أكثر الأمم إصابة بالقلق، والاكتئاب، إنهم أكثر الأمم انتحاراً، إنهم أكثر الأمم ضرباً للزوجات وقتلاً لهنَّ، والأمثلة كثيرة جدّاً، وما نقوله موثق من إحصائيات أنفسهم، وليس هذا مجال تفصيل ذلك، وإنما هي إيماءة لما نريد إيصاله لك ولغيرك من القراء الذين قد يوسوس لهم الشيطان بقبح القيام ببعض الشعائر الثابتة في الإسلام، ولا نراك – إن شاء الله – من أولئك، ولكن لا يمنع هذا من التنبيه عليه، والإشارة إليه.
ثانياً:
واعلم أخي الفاضل أنه لا ينبغي للمسلم مراعاة الناس وأعرافهم إذا تعلَّق الأمر بواجب أمره الله تعالى به، أو بمحرَّم نهاه الله تعالى عن فعله.
نعم، يمكن للمسلم مراعاة أحوال الناس وأعرافهم في باب المستحبات، والمباحات، والمكروهات، أما باب الواجبات والمحرمات: فلا يجوز له البتة التنازل عنهما من أجل الناس.
ويستدل بعض الناس خطأ بحديث عائشة في ترك النبي صلى الله عليه وسلم لهدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم عليه السلام، فيجعلونه دليلاً على التنازل عن الواجبات، وهو خطأ ظاهر، ولو كان هذا واجباً عليه صلى الله عليه وسلم ما تركه من أجل تأليف قلوب الناس، بل كان جائزاً، وإليك الحديث كاملاً، وكلام أهل العلم حوله.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال لهَا: يَا عَائِشَةُ لوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِليَّةٍ لأَمَرْتُ بِالبَيْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَأَلزَقْتُهُ بِالأَرْضِ وَجَعَلتُ لهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا فَبَلغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ.
رواه البخاري (1509) ومسلم (1333) .
وفي لفظ عندهما: (فأخافُ أنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهم) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومعلوم أن الكعبة أفضل وقف على وجه الأرض، ولو كان تغييرها وإبدالها بما وصفه واجباً: لم يتركه، فعُلم أنه كان جائزاً، وأنه كان أصلح، لولا ما ذكره من حدثان عهد قريش بالإسلام، وهذا فيه تبديل بنائها ببناء آخر، فعُلم أن هذا جائز في الجملة، وتبديل التأليف بتأليف آخر هو أحد أنواع الإبدال.
" مجموع الفتاوى " (31 / 244) .
وقال – رحمه الله -:
فترك الأفضل عنده لئلا ينفر الناس، وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأم بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم: كان قد أحسن.
" مجموع الفتاوى " (22 / 268، 269) .
وقال – رحمه الله -:
وقد ينتقل – أي: النبي صلى الله عليه وسلم - عن الأفضل إلى المفضول؛ لما فيه من الموافقة، وائتلاف القلوب، كما قال لعائشة (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولجعلت لها بابين) ، فهنا تركَ ما هو الأولى؛ لأجل الموافقة، والتأليف الذي هو الأدنى من هذا الأولى.
" مجموع الفتاوى " (26 / 91) .
ثالثاً:
وبخصوص إسبال الثياب عموماً، والسروال خصوصاً: ينبغي التنبيه على أمور:
1. إسبال الثياب حتى تلامس الكعبين من كبائر الذنوب، وليس تحريم الإسبال مقيَّداً بالكِبْر، بل هو محرَّم لذاته، وهو نفسه من الكِبْر، فإذا أضيف إليه كِبْر قلبي: كان الإثم أكبر.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قال ابن العربي رحمه الله: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول " لا أجره خيلاء "؛ لأن النهي قد تناوله لفظا، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكماً أن يقول " لا أمتثله؛ لأن تلك العلة ليست فيَّ ": فإنها دعوى غير مسلَّمة، بل إطالته ذيله دالة على تكبره ا. هـ ملخصاً.
وحاصله: أن الإسبال يستلزم جرَّ الثوب، وجرُّ الثوب يستلزم الخيلاء، ولو لم يقصد اللابس الخيلاء، ويؤيده: ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه: (وإياك وجر الإزار؛ فإن جر الإزار من المَخِيلة) .
" فتح الباري " (10 / 264) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
(وإياك والإسبال فإنه من المَخِيلة) ، فجعل الإسبال كلَّه من المَخِيلة؛ لأنه في الغالب لا يكون إلا كذلك، ومَن لم يسبل للخيلاء: فعمله وسيلة لذلك، والوسائل لها حكم الغايات.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 383) .
وينظر في ذل جواب السؤال رقم (762) ففيه بيان أدلة تحريم الإسبال.
2. لا يحل لأحدٍ أن يقسِّم الدين إلى لبٍّ وقشور، ويجعل هؤلاء المقسِّمون إسبال الإزار وحلق اللحية من القشور! وهذا خطأ وسببه الجهل بحكم الشرع، وهذا الفعلان من كبائر الذنوب، فانظر لتهوين هؤلاء المقسمين من ارتكاب الكبائر بقولهم السوء ذاك.
وانظر الرد عليهم في جواب السؤال رقم (12808) .
3. الإسبال ليس فقط في الثوب، بل في الإزار والسراويل والبناطيل والعباءات، وكل ما يلبسه المسلم من ثياب.
4. وننبه إلى أن الذي يُلبس إلى نصف الساق هو الإزار، أما الثوب والبنطال فلا يُلبسان كذلك، بل يُلبسان فوق الكعبين، ولا يحل أن يلمسا الكعبين.
وقد بيَّنا هاتين المسألتين (4 و 5) في جواب السؤال رقم: (10534) فلينظر.
5. لا يحل لبس البنطال – وهو المقصود فيما ظهر لنا من قول السائل " السروال " إذا كان ضيقاً يصف العورة.
ولينظر جواب السؤال رقم: (69789) .
وأخيراً:
7. إسبال البنطال من كبائر الذنوب، وعليه: فلا اعتبار لذوق الناس ورأيهم في تقصيره وفقاً للسنَّة النبويَّة، كما بينَّا في أول الجواب، ونعجب – حقيقة – ممن ينظر لهذا التقصير على أنه مفسد لمنظر المسلم، ولا يرى تقصير ثياب النساء إلى نصف الفخذ كذلك، ولا يرى البناطيل الضيقة المقززة التي يلبسها بعض الشباب كذلك، ولا يرى البناطيل الساحلة! التي خرج بها علينا بعض الشباب كذلك، ولا يرى قصات الشباب والشابات التي تشبهوا بها بالحيوانات كذلك – قصة الأسد، وعُرف الديك، والبطة، والفأر -.
وعلى الأخ الذي يلتزم تقصير الثوب أن لا يبالغ في ذلك، فحكم إسبال الثياب محرَّم، وليس فيه مجال مراعاة للناس، أما المبالغة في التقصير فهي التي فيها المجال، وعلى الإخوة الذين يلتزمون هذا الهدي أن لا يعرِّضوا أنفسهم للسخرية، وأن لا يفتحوا مع الناس هذه المسألة على حساب غيرها، وأن لا يجعلوا بينهم وبين الناس حاجزاً بمثل هذه الأفعال التي وسَّعت فيها الشريعة، ويمكنهم مراعاة أعراف بلدانهم، ولو أطال ثيابه إلى ما قبل الكعبين بقليل من أجل منع الناس من السخرية، ومن أجل عدم وضع حواجز بينه وبين الناس: لرُجي أن يؤجر أكثر من أجر تقصير ثيابه بأكثر مما فعل.
فإسبال البنطال إلى ما تحت الكعبين من المحرمات التي لا يراعى فيها ذوق الناس وعرفهم، وليس للمكلف أن يخالف في هذا من أجل الناس، أما حد التقصير: فلو راعى المكلَّف عرف بلده، ونظرة الناس له: لكان أفضل له وأسلم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
اللباس إلى نصف الساق سنَّة، وإلى ما تحت نصف الساق سنَّة، الممنوع: أن يكون أسفل من الكعبين، فإن الصحابة رضوان الله عليهم وهم أجلُّ قدراً ممن بعدهم، وأحب للخير لمن بعدهم: كانت ألبستهم تصل إلى الكعب، أو إلى ما فوقه يسيراً، كما قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: " يا رسول الله، إن أحد شقي إزاري يسترخي عليَّ إلا أن أتعهده "، وهذا يدل على أن إزاره ينزل عن نصف ساقه؛ لأنه لو كان إلى نصف ساقه واسترخى عليه حتى يصل إلى الأرض لزم من ذلك انكشاف عورته من فوق، وهذا هو المعروف بين الصحابة.
فإذا رأيت مثلاً: أن الناس يكرهون اللبس إلى نصف الساق أو أعلى، وأنك لو لبست كما يلبس الناس في غير إسراف ولا مخيلة أدعى لقبول كلامك: الحمد لله، اترك هذا الذي تريد أن تفعله؛ تأليفاً للقلوب؛ وقبولاً للكلام، ولهذا أجد الناس الآن تلين قلوبهم للناصح إذا كان لباسه على العادة، لكنه ليس محرَّماً، أكثر مما تميل إلى الذين يرفعون لباسهم إلى نصف الساق أو أكثر، والإنسان قد يدع المستحب لحصول ما هو أفضل منه، هذا وأرى أنه إذا قال له والداه: أنزل ثوبك إلى أسفل من نصف الساق: أرى أنه يطيعهما في هذا الحال؛ لأنه كله سنَّة، والحمد لله، كلٌّ عمل به الصحابة رضي الله عنهم.
" لقاءات الباب المفتوح " (83 / السؤال رقم 14) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/62)
يُكرهها والدها على حضور مجالس فيها بدع فكيف تتصرف معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يجبرني والدي أنا (19) وأخي (15) وأختي (11) على الذهاب إلى مكان تمارس فيه البدعة، وإذا لم أذهب فإن والدي سيعلم بذلك، ويفوت الناس أحياناً في هذا المكان أداء الصلاة، ويقومون بالغناء، وقراءة أسماء الله التسع وتسعين مع بعضهم البعض، مع التأرجح للأمام والخلف (لم أعلم أبداً أن الصحابة قاموا بذلك!) مع إضافة بعض الإضافات فى نهاية سورة الفاتحة. أسلمتُ حديثا ولا أريد أن أضل كما يحدث للبعض، فأنا أريد أن أتمسك بسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فأنا أخشى إذا لم أذهب لهذا المكان أن أُطرد من المنزل لعصيانى والدي، وليس لدي مكان آخر أذهب إليه، ولكن أخبرني أحدهم أيضاً بالحديث القائل بأننا يجب أن نترك المكان الذي توجد به البدعة، ولا أعرف ماذا أفعل، فأنا أفضِّل أن أخبر والدي بأنني لن أذهب، وأطرد من المنزل؛ لأنني أخشى الله، ولكن ذلك سيكون قطعاً للرحم وهو من الكبائر! وإذا تركت المنزل فماذا عن أخي وأختي؟ وكيف أنقذهم من هذه البدعة؟ وأين أذهب؟ هل يجوز لى أن أترك المنزل وأعيش مع إحدى الأخوات أم أحتاج لمحرم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قراءة هذه الرسالة وإن كان المرء ليحزن لما فيها: إلا أنه يفرح لما يقرؤه من فطنة وذكاء وحسن اتباع من هذه الأخت الفاضلة، فهي مستاءة من وجود هذه البدعة، وتخاف أن تقع في معصية مخالفة والدها الذي يأمرها بالذهاب لمكان تلك البدعة، وهي – أيضاً – تفكِّر في الخروج من البيت إلا أنه يقلقها حال أخيها وأختها، وتخشى أن تكون مخالفة للشرع إن لم يكن معها محرَم، وهذا كله وهي مسلمة حديثاً، فنسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يثبتها على الحق وإخوتها، وأن يهدي أهلها لاتباع السنَّة.
ثانياً:
نقول للأخت السائلة الفاضلة:
1. لا شك أن حضور تلك المجالس بما فيها من بدع ومعاصٍ يعدُّ أمراً مخالفاً للشرع، فلم يكتفِ أولئك المبتدعة ببدعهم من ذكر أسماء الله بالغناء والرقص، حتى أضافوا إليها معاصي بيِّنة وهي تفويت الصلاة عن وقتها، وهذا يدل على كذب زعمهم أنهم يتعبدون الله ويتقربون له، ولو كانوا صادقين لحرصوا على التقرب له بما شرع، ولما ضيعوا الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام العملية، وقد جاءت النصوص في القرآن والسنة تتوعد من أداها في غير وقتها، وتتوعد من ضيعها.
2. من المعلوم شرعاً أن الذهاب لتلك المجالس البدعية فيه إثم كبير، ويترتب عليه مفاسد كثيرة، لكن قد يكون من المصلحة تأخير الامتناع من الذهاب؛ لما يترتب على هذا التأخير من جلب مصالح ودفع مفاسد كثيرة.
3. ومن مصالح ذهابك الآن: الحفاظ على أختك وأخيك من أن لا يكون معهما من يوجههما ويبين لهما خطأ هذه الأفعال، ومن المصالح كذلك: أن لا يكون عدم الذهاب سبباً لطرد والدك لك من البيت، وهو الأمر الذي يترتب عليه مفاسد وشرور، لا يعلم مداها إلا الله، لا سيما في البلاد التي تعيشين فيها، بل والله وفي غيرها من البلاد، ومن (الذي يأمن على شاة لا راعي لها) في وسط الذئاب: ومن رعى غنماً في أرض مسبعة، ونام عنها تولى رَعْيَها الأسدُ.
4. فنرى لك أن تبقي على الذهاب مع التقلل منه بقدر طاقتك واختراع الأسباب المقبولة – عند والدك – للتأخر عن الذهاب مع بذل الوسع والطاقة في إدخال أطراف من الناس العقلاء من أهل السنَّة لتوضيح الحق لوالدك، وتبيين الحق له.
5. ومثلك لا نخشى عليه – إن شاء الله - من الاغترار بما يفعله أولئك المبتدعة الجهلة، ومع ذلك فإننا نوصيك بتقوية إيمانك بالطاعات، وبتقوية علمك بالقراءة والاطلاع على كتب أهل السنَّة؛ وهذا نافع لك، وسؤال أهل السنة الثقات عن كل ما يُشكِل عليك أمره، مع التنبيه على وجوب متابعة إخوتك بالنصح والتوجيه والإرشاد، وكذا انتقاء بعض من يحضر تلك المجالس من بنات جنسك لدعوتهم للحق والصواب.
6. ونوصيك إن ذهبت هناك بالابتعاد عن تلك المجالس قدر الاستطاعة، وذلك بالجلوس مع النساء في غرف مستقلة بعيدة عن تلك البدع والانحرافات، وكوني – كلما قدرت – آخر الداخلين وأول الخارجين.
7. ونوصيك بالجلوس مع والدك، والتفاهم معه على ما يأمرك به، وعلى قناعاته بأولئك المبتدعة، فأنتِ في سنٍّ يمكنك فعل ذلك معه، وعندك من الفهم ما يؤهلك لتكوني مقنعة له إن شاء الله.
8. داومي على الدعاء لوالدك، وداومي على النصح له، وأكثري من حسن المعاملة له؛ فإن (الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ونسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يثبتك على الحق، وأن يهدي والدك للحق.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/63)
نصيحة بعد رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي النصيحة بعد رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يا ترى هل يبقى الصائم بعد رمضان على ما كان عليه في رمضان أم أنه يكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً؟ ويا ترى هل يبقى هذا الذي كان في رمضان صائماً وللقرآن تالياً وقارئاً وللصدقة معطياً وباذلاً ولليل قائماً وفيه داعياً هل يبقى على هذا بعد رمضان أم أنه يسلك الطريق الآخر أعني طريق الشيطان فيرتكب المعاصي والآثام وكل ما يغضب الرحيم الرحمن؟
إن بقاء المسلم ومصابرته على العمل الصالح بعد رمضان علامة قبول له عند ربه الكريم المنان، وإن تركه للعمل الصالح بعد رمضان وسلوكه مسالك الشيطان دليل على الذلة والهوان والخسّة والدناءة والخذلان وكما قال الحسن البصري: (هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم) . وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد قال تعالى: (ومن يهن الله فما له من مكرم) الحج/18.
إن ما يثير العجب أن تجد بعض الناس في رمضان من الصائمين القائمين والمنفقين والمستغفرين والمطيعين لرب العالمين، ثم ما أن ينتهي الشهر إلا وقد انتكست فطرته وساء خلقه مع ربه فتجده للصلاة تاركاً ولأعمال الخير قالياً ومجانباً وللمعاصي مرتكباً وفاعلاً، فيعصي الله جل وعلا بأنواع شتى من المعاصي والآثام مبتعداً عن طاعة الملك القدوس السلام.
فبئس والله القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان.
ينبغي على المسلم أن يجعل رمضان صفحة جديدة للتوبة والإنابة والمداومة على الطاعة ومراقبة الله في كل وقت وساعة، إذاً فينبغي على المسلم بعد رمضان أن يداوم على الطاعات ويجتنب المعاصي والسيئات امتداداً لما كان عليه في رمضان من أمور تقربه إلى رب البريات.
قال جل وعلا: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) هود/114.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) ولا ريب أن الوظيفة التي من أجلها خلق الله الخلق لعبادته وحده لا شريك له هي الوظيفة الأسمى والغاية العظمى وهي أن نحقق عبودية الله عز وجل وقد تحققت في رمضان بشكل جميل فرأينا الناس يسيرون إلى بيوت الله تعالى زرافات ووحداناً ورأيناهم يحرصون على أداء الفرائض في أوقاتها ويحرصون على الصدقات يتسابقون في الخيرات ويسارعون فيها وفي ذلك فلينتافس المتنافسون وهم مأجورون إن شاء الله تعالى ولكن تبقى قضية من يثبته الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فمن يثبته الله على الأعمال الصالحة بعد رمضان، فإن الله جل وعلا يقول: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور) فاطر/10، فلا ريب أن العمل الصالح من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله في كل زمان ثم إن رب رمضان هو رب جمادى وشعبان وذي الحجة وحرم وصفر وسائر الشهور وذلك لأن العبادة التي شرعها الله جل وعلا لنا متمثلة في أركان خمسة منها الصيام وهو مؤقت محدد وقد انتهى فتبقى أركان أخرى من حج وصلاة وزكاة نحن مسؤولون أمام الله جل وعلا عنها ولا بد أن نؤديها على الوجه الذي يرضي الله عز وجل وأن نسعى لذلك لنحقق ما خلقنا من أجله قال الله جل وعلا: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات/56، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد أصحابه إلى التسابق في الخيرات والمسارعة فقال: (رب درهم سبق ديناراً وأفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى) وبيّن عليه الصلاة والسلام أن المتصدق وهو شحيح صحيح يخشى الفقر ويخاف الفقر فإنه حينئذ تكون صدقته عند الله عز وجل في ثقل الموازين وفي الأعمال الصالحة أما من يسوّف وإذا جاءه المرض قال قد كان لفلان وقد كان لفلان ولفلان كذا وكذا فإن هذا والعياذ بالله يخشى من أن يرد عليه عمله فيحبط قال الله تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً) النساء/17-18.
فعلى المؤمن التقي النقي أن يخشى الله سبحانه وتعالى ويحرص على طاعة الله تعالى ويلازم تقواه ويسعى دائماً وأبداً للخير والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمؤمن في هذه الحياة أيامه ولياليه خزائن فلينظر ماذا يودع فيها فإن أودع فيها خيراً شهد له يوم القيامة عند ربه وإن غير ذلك كانت وبالاً عليه نسأل الله أن ينجيني وإياكم من الخسران.
ثم إن العلماء رحمهم الله قالوا: من علامات القبول أن الله يتبع الحسنة بعدها بالحسنة فالحسنة تقول أختي أختي، والسيئة تقول أختي أختي والعياذ بالله فإذا قبل الله من العبد رمضان واستفاد من هذه المدرسة واستقام على طاعة الله عز وجل فإنه يكون في ركاب الذي استقاموا واستجابوا لله، يقول الله جل وعلا: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون) فصلت/30-31، ويقول: (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) المائدة/56، ويقول: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) الأحقاف/13، إذاً ركاب الاستقامة مستمر من شهر رمضان إلى شهر رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الصلاة إلى الصلاة ورمضان إلى رمضان والحج إلى الحج مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) ، ويقول الله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً) النساء/31.
فالمؤمن ينبغي أن يكون في مركب الاستقامة وفي سفينة النجاة من أول ما يعقل حياته إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، فيكون في ظلال لا إله إلا الله يسير ويتفيأ من نعم الله عز وجل، فإن هذا الدين هو الحق والذي منّ علينا بالاستقامة عليه في شهر رمضان هو الذي يكرمنا سبحانه وتعالى بفيض عطائه وفضل إنعامه وجزيل إكرامه حتى نستمر على القيام وعلى العبادة بعد شهر رمضان فلا تنس يا أخي وقد منّ الله عليك بالاعتكاف ومنّ الله عليك بالصدقة ومنّ الله عليك بالصيام ومنّ الله عليك بالدعاء وقبوله لا تنس يا أخي أن هذه الحسنات وأن هذا التوفيق أن ترعاها حق رعايتها فلا تمحها بالسيئات والأعمال الباطلة فاحرص على أن تزرع في طريقك الخير والسعادة وأن تسير في ركاب الاستقامة تريد الله ورسوله والدار الآخرة وحينئذ يقال لك أبشر بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين وتكون قد أجبت منادي الله: يا باغي الخير أقبل فلله عتقاء من النار ويا باغي الشر أقصر وتكون استجبت أيضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
أسأل الله الذي منّ علينا وعليكم بالصيام والاعتكاف والعمرة والصدقات أن يمنّ علينا بالهدى والتقى وقبول العمل والاستمرار على الأعمال الصالحة والاستقامة فيها فإن الاستمرار على الأعمال الصالحة من أعظم القربات ولذلك جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني قال: (قل آمنت بالله ثم استقم) ، متفق عليه.
وفي رواية لأحمد قال: (قل آمنت بالله ثم استقم قال يارسول الله كل الناس يقول ذلك قال قد قالها قوم من قبلكم ثم لم يستقيموا) ، فينبغي على المؤمنين أن يستمروا على الاستقامة في طاعة الله: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) إبراهيم/27.
فإن الذي يستقيم على طاعة الله هو الذي استجاب لدعائه الذي يردده في اليوم أكثر من خمس وعشرين مرة (اهدنا الصراط المستقيم) تلك التي نقولها في الفاتحة لماذا نقولها قولاً ونعتقد اعتقاداً جازماً أننا إذا استقمنا غفر الله لنا ولكننا نتكاسل عن تطبيق ذلك عملياً فينبغي أن نتقي الله وأن نطبق هذا عملاً واعتقاداً وقولاً وأن نسعى في ركاب اهدنا الصراط المستقيم وأن نكون في مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين في ظلال اهدنا الصراط المستقيم إلى جنات عرضها السموات والأرض مفتاحها لا إله إلا الله أسأل الله أن يختم لنا ولكم بخير.
إن الناس بعد انقضاء شهر رمضان ينقسمون إلى أقسام أبرزها صنفان الأول: صنف تراه في رمضان مجتهداً في الطاعة فلا تقع عيناك عليه إلا ساجداً او قائماً أو تالياً للقرآن أو باكياً حتى ليكاد يذكرك ببعض عبّاد السلف، حتى إنك لتشفق عليه من شدة اجتهاده ونشاطه، وما أن ينقضي الشهر الفضيل حتى يعود إلى التفريط والمعاصي كأنه كان سجيناً بالطاعات فينكب على الشهوات والغفلات والهفوات يظن أنها تبدد همومه وغمومه متناسياً هذا المسكين أن المعاصي سبب الهلاك لأن الذنوب جراحات ورب جرح وقع في مقتل، فكم من معصية حرمت عبداً من كلمة لا إله إلا الله في سكرات الموت.
فبعد أن عاش هذا شهراً كاملاً مع الإيمان والقرآن وسائر القربات يعود إلى الوراء منتكساً ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهؤلاء هم عبّاد المواسم لا يعرفون الله تعالى إلا في المواسم أو النقمة أو الضائقة ذهبت الطاعة مولية ألا فبئس هذا ديدنهم:
صلى المصلي لأمر كان يطلبه فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما
فيا ترى ما الفائدة إذن من عبادة شهر كامل إن أتبعتها بعودة إلى السلوك الشائن؟
الصنف القاني: قوم يتألمون على فراق رمضان لأنهم ذاقوا حلاوة العافية فهانت عليهم مرارة الصبر، لأنهم عرفوا حقيقة ذواتهم وضعفها وفقرها إلى مولاها وطاعته، لأنهم صاموا حقاً وقاموا شوقاً، فلوداع رمضان دموعهم تتدفق، وقلوبهم تشفق، فأسير الأوزار منهم يرجو أن يطلق ومن النار يعتق، وبركب المقبولين يلحق واسأل نفسك أخي من أي الصنفين أنت؟
وبالله هل يستويان الحمد لله، بل أكثرهم لا يعلمون، قال المفسرون في تفسير قوله تعالى: (قل كل يعمل على شاكلته) الإسراء/84، كل إنسان يعمل على ما يشاكل (يماثل) أخلاقه التي ألفها، وهذا ذم للكافر ومدح للمؤمن.
واعلم أخي أن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملاً ثبتوه) أي داوموا عليه، رواه مسلم.
ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعمال أحب إلى الله، قال: (أدومه وإن قل) .
وسئلت عائشة رضي الله عنها كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان يخص شيئاً من الأيام قالت: (لا، كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع، فالعبادات مشروعيتها شرائطها مثل ذكر الله تعالى، والحج والعمرة ونوافلهما، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب العلم والجهاد وغير ذلك من الأعمال فاحرص على مداومة العبادة حسب وسعك. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
[الْمَصْدَرُ]
مجلة الدعوة العدد 1774، صفحة 12.(8/64)
هل يهجر أخته أو يضربها لعدم ارتدائها الحجاب!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للأخ أن يقاطع أخته إن رفضت التقيد بالحجاب الشرعي؟ حتى ولو كان ذلك من باب الإجبار على ذلك. وهل يمكنه أن يلجأ للضرب في حال تعذر جميع الوسائل الإقناعية؟ مع العلم بموافقة الوالدين لها. ما أود توضيحه لكم أنها تغطي رأسها وترتدي بنطلونات واسعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي للأخ أن يكون عونا لأخته على طاعة الله تعالى، ومن ذلك نصحها وتوجيهها للبس الحجاب الذي أمر الله تعالى به، وأن يسلك في ذلك سبيل الحكمة، والموعظة والدعوة بالتي هي أحسن، وأن يدع الغلظة والشدة، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحو/125، وقال سبحانه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/159.
وقال عز وجل: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) الإسراء/53.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ) رواه مسلم (2593) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ) رواه مسلم (2592) .
وهذا الرفق يتأكد في حق الداعية إذا كان خطابه موجها لأهله وأقاربه، لما لهم من الحق في الصلة والإحسان والبر.
ثانيا:
هجر أهل البدع والمعاصي مشروع، إذا غلب على الظن نفعه وتأثيره، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذي خلفوا عنه في غزوة تبوك، حتى تاب الله عليهم.
وقد يكون الهجر سببا في زيادة التمرد والعناد، وحائلا دون استمرار النصح والدعوة، فيمنع حينئذ.
فالهجر بمنزلة الدواء، يستعمل عند الحاجة، إذا غلب على الظن نفعه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم؛ فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته: كان مشروعا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته: لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر.
والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين " انتهى من "مجموع الفتاوى" (28 / 206) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الشباب -هدانا الله وإياهم- يتهاونون في الصلاة تهاوناً عظيماً, لدرجة تصل إلى تركها بالكلية, وهؤلاء الشباب قد يكونون أقارب لنا مثل: الإخوان وغير ذلك, وبعضهم أصدقاء, فكيف التعامل معهم في نظركم: هل نقاطعهم مقاطعة شرعية أم ماذا؟
فأجاب: "لا شك أن التهاون بالصلاة سبب الشقاء والبلاء؛ لأن الصلاة إذا صلحت صلحَت الأعمال, وإذا فسدت فسدت الأعمال, فهي للأعمال بمنزلة القلب, ولهذا عند الحساب يوم القيامة أول ما ينظر في الصلاة, إن كان قد أضاعها هو لما سواها أضيع, وإن كان قد حافظ عليها ينظر في بقية أعماله, والصلاة عمود الدين إذا سقطت سقط البناء, ولقد قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) مريم/59-60. هؤلاء الذين يتهاونون في الصلاة من الآباء والأبناء والإخوان، والأعمام والعمات والخالات وغيرهم من الأقارب, أو من الأصحاب أو من الجيران, يجب علينا أن ننصحهم ونحذرهم ونبين لهم ما في الصلاة من الخير والأجر العظيم, والآثار الحميدة, وما في تركها وإضاعتها من الشر والبلاء, فإن اهتدوا فهذا المطلوب, وإن لم يهتدوا نظرنا: هل في هجرهم والبعد عنهم فائدة بحيث يخجلون فيستعتبون, أو هذا لا يزيد الأمر إلا شدة ونفوراً؟ إن كان الثاني فإننا لا نهجرهم, وإن كان الأول فإننا نهجرهم, أي: إذا هجرناهم خجلوا واستقاموا, فهنا نهجرهم حتى يستقيموا, وإن كان الهجر لا يفيد شيئاً بل لا يزيد الأمر إلا شدة وبعداً ونفوراً منا فلا نهجرهم, لأن الهجر دواء, والدواء متى يستعمل؟ يستعمل عند الحاجة وعند ظن النفع, إذا لم تظن النفع في الدواء فلا تستعمله " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (209/5) .
ثانيا:
ليس لك اللجوء إلى ضرب أختك في حال إصرارها على ترك الحجاب، إذ لا سلطان لك عليها في ذلك، وحسبك النصح والبيان، والاستعانة بالوالدين، وتذكيرهم بما أوجب الله عليهم من المسئولية، والقيام على شئون الرعية، ما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) رواه البخاري (893) ومسلم (1829) .
نسأل الله لأختك الهداية والتوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/65)
نصيحة لداعية يريد هجر أهله الذين وقعوا في المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي قد بلغ من عمره 21 سنة، وقد بدأ يكرهنا، وخاصة أخاه الكبير؛ لمشاهدته التلفاز، ومخالفته لبعض أحكام الشريعة، عالما بحرمة بعضه دون بعض، ولعله سيهجرنا جميعاً، وقد يئس منا، بأننا لم نكن على الصراط السوي الذي يدعو إليه، ونبهته إلى ما قال الله ربنا جلَّ وعلا في محكم كلامه: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) وأمثاله، فإنه في كثير من كلامه يحدثنا بأنه يجب علينا أن نلتزم ونعتصم بحبله سبحانه وتعالى في كل مكان وزمان، ويقول إنه يريد أن يعيش العيشة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. أفتوني، فإن أخي يريد أن ينعزل عنا جميعا، ليس أبد الآباد كما هو ظاهر كلامي، ولكنه عزم على أنه سيقوم بكل ما شرع الله بجد وقدر استطاعته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بدَّ من توجيه رسالة لكم أولاً، فنقول: إنه يجب عليكم أن تتقوا الله ربكم، وأن تتركوا ما تفعلونه مما يغضب الرب تعالى، من المعاصي والآثام، كما يجب عليكم الالتزام بكل ما أمركم الله تعالى به، ولا يسعكم غير هذا إن أردتم النجاة من العقوبة، وتحقيق الفوز برضا الرحمن سبحانه وتعالى.
ووجود أخٍ لكم ينكر عليكم معاصيكم، ويطلب منكم الالتزام بشرع الله تعالى هو رحمة من الله بكم، فكم يوجد من أهل المعاصي والفجور ولا يجدون ناصحاً يدلهم على الحق، ولا واعظاً يأمرهم وينهاهم، فالواجب عليكم ترك المحرمات، وفعل الطاعات، وإكرام أخيكم الذي جعله الله رحمة لكم وبكم.
ثانياً:
ورسالتنا لأخيكم نرسلها له في نقاط:
1. اعلم أن الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم، وهي على أهل العلم أوجب، وأول ما أوجب الله تعالى الدعوة على نبيه إنما أوجبها في حق أهله، فقال تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء/214، فلذا يجب وضع هذا في اهتمامك، وجعله غاية عندك.
2. واعلم أن الدعوة إلى الله تحتاج للصبر، والصبر هنا هو صبر على طاعة الله تعالى، وليس طريق الدعوة مليئاً بالورود والرياحين، بل يعاني الداعية مشقة وتعباً في توجيه الناس نحو طريق الخير، وفي سعيه لهدايتهم، وتأمل وصية لقمان لابنه حين قال: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) لقمان/17، فقد جاء بالأمر بالصبر بعد الأمر بالدعوة، حتى يهيئه لهذا الطريق، فلا ينبغي لك الضجر من دعوة أهلك، ولا الضجر من الاستمرار بها.
3. ومما ينبغي لك معرفته: أن الدعوة إلى الله بحاجة لأسلوب يصل به الداعية لقلوب المدعوين، وليس العنف والهجر من الأساليب الناجعة في هذا، بل الرفق واللين هما المطلوبان في الدعوة عموماً، وبخاصة في دعوة الأهل، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/159، فتأمل هذه الآية جيِّداً لتعلم أن انفضاض الناس عن الداعية إنما هو بسبب شدته وعنفه، وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ) رواه مسلم (2594) .
4. وعليك أن تكون حكيماً في دعوة أهلك، وتنوع طرق الوصول لقلوبهم، بالهدية، والخدمة، والتلطف في القول، كما عليك أن تنوع طرق النصيحة كتشغيل شريط، أو إحضار فيلم مؤثر، أو محاضرة منتقاة، أو استضافة بعض الدعاة الذين يحسنون مخاطبة الناس ودعوتهم، أو جعل غيرك ينصحهم ويوجههم، وهكذا يمكن أن يُكتب النجاح لدعوتك.
5. وجود المعاصي من الأهل بل الكفر بل الدعوة للكفر لا يمنع من أن يحسن المسلم معاملتهم، ويبرهم، ويستمر معهم في الدعوة، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) العنكبوت/8، وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ظلَّ يدعو عمه أبا طالب مع بقائه على الشرك والكفر حتى الرمق الأخير، فأين المتبعون لسنته منه صلى الله عليه وسلم في حرصه وهمه على المخالفين للشرع، حتى قال له ربه تعالى: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) فاطر/8، وقال له: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) الكهف/6.
6. لا ينبغي لك هجر أهلك، وتركهم فريسة للشيطان، بل عليك الصبر والتحمل.
نعم، لك أن تهجر مكان المعصية فلا تجلس حيث يُشغَّل التلفاز بالمحرمات، لكن لا داعي لهجرهم أثناء الطعام أو الحديث أو زيارة الناس لكم، وإنما يُشرع الهجر حيث يمكن للداعية أن يتأثر ببيئة فاسدة تؤثر على دينه، أما هجر أهله لأنهم لم يستجيبوا له: فليس بمشروع، إلا أن ترى أن خروجك يمكن أن يكون مؤثراً عليهم بحيث يتركون سماع ومشاهدة المحرمات، لكن الأكمل هو بقاؤك وتلطفك معهم في الدعوة؛ حتى يكون تركهم للمحرمات وفعلهم للواجبات عن قناعة والتزام بشرع الله.
7. ولا تنس أن تستعين بالدعاء لربك تعالى أن يهدي قلوب أهلك، ويوفقهم لاتباع الحق، وهكذا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يفعل، فقد دعا لقبيلة " دوس "، ودعا لثقيف، بل أخبرنا عن بعض الأنبياء أنه كان يدعو لقومه وهم يؤذونه ويضربونه! .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُود رضي الله عنه: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
رواه البخاري (3290) ومسلم (1792) .
ونسأل الله تعالى أن يكتب لك الأجر، وأن يهديك لما يحب ويرضى، وأن يهدي أهلك لطريق الاستقامة، وأن يجمعكم في الدنيا على خير وهدى، وفي الآخرة في الفردوس الأعلى.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/66)
هل يهجر زميله في العمل الذي يفعل المحرمات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل لدي زميل بالعمل (أجنبي الجنسية) تأذيت كثيراً من كلماته، وشتمه للغير، وحتى رقصات أنغام جواله التي طالما آذاني بها، وعندما حدثته بذلك قال: هذا ليس من شأنك، وأنا الآن قطعت العلاقة معه بسبب موقف بيننا، وإذا دخلت مكتبي أسلم بصوت عال، ولا يرد، وإذا دخل هو لا يسلم، فهل أنا ملزم بأن أمد يدي لمصافحته، علماً بأنني رأيت بعيني أنه لا يهتم، وسبق أن صافحه أحدهم وهو جالس ولم يكلف نفسه حتى بالوقوف بسبب زعل منه على ذاك الرجل، فهل الإسلام يجبرني على أن أصافحه وهو بهذه الأخلاق التي ذكرت؟ علماً أنه لا يتكلم مع أشخاص آخرين في العمل، وأنا لست أول من يفعل هذا معه. أرجو الإجابة لأني أحس بتأنيب ضمير، وأخاف من حديث " لا يرفع العمل بسبب الخصومة "، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الهجر الذي يكون بين متخاصمين من المسلمين نوعان:
الأول: هجر لحظِّ النفس، أو على أمرٍ دنيوي.
والثاني: هجر لحقِّ الله، بأن يكون من أجل وقوع المهجور في بدعة أو معصية.
وحكم الهجر الأول: أنه غير مشروع، بل هو منهي عنه.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تَبَاغَضُوا وَلا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ) .
رواه البخاري (5726) ومسلم (2559) – واللفظ له -.
وهذا الهجر لا يجوز أكثر من ثلاث ليال كما سبق في الحديث.
وأما حكم الهجر الثاني: فهو هجر مشروع، وله أدلته من السنَّة، وقد فعله الصحابة، ومن بعدهم من أئمة الدين، وله شروط وضوابط في كلام أهل العلم.
فقد هجر النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك من غير عذر، وقد جاء حديثهم الطويل في الصحيحين من حديث كعب بن مالك – رضي الله عنه – وهو أحد الثلاثة.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في سياق ذِكر فوائد الحديث:
وفيها: ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث: فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيّاً ... .
وفيها: سقوط رد السلام على المهجور عمَّن سلَّم عليه؛ إذ لو كان واجباً: لم يقل " كعب " هل حرَّك شفتيه – أي: النبي صلى الله عليه وسلم - برد السلام.
" فتح الباري " (8 / 124) .
فيتبين لنا من سياق الحديث – ولم نسقه لطوله – أن من أحكام الهجر الشرعي: جواز ترك إلقاء السلام وترك ردِّه على صاحب المعصية – وصاحب البدعة أولى -، وأن هجره غير محدد بوقت، بل يكون ذلك إلى أن يتوب، أو حيث يرى الهاجر المصلحة في ذلك – كما سيأتي -، وبه تعلم أن ترك مصافحتك لذلك العاصي، بل ترك للسلام عليه بلسانك أنه ليس فيها محذور شرعي عليك، وإليك ما يزيد الأمر توكيداً:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومَن عُرف منه التظاهر بترك الواجبات، أو فعل المحرمات: فانه يستحق أن يُهجر، ولا يسلَّم عليه تعزيراً له على ذلك حتى يتوب.
" مجموع الفتاوى " (23 / 252) .
لكن لا بدَّ من التنبيه على أن الهجر للعاصي والمبتدع إنا شرِع لحكمٍ عظيمة، ومنها أن هجره هو لتأديبه حتى يترك معصيته وبدعته، وكذا شُرع تنبيهاً لغيره أن يقع في المعصية أو البدعة، وحيث كان الهجر غير مجدٍ مع هذا العاصي، أو أنه سيزيده طغياناً: فلا ينبغي الهجر؛ لما يترتب عليه من آثار سيئة على المهجور، أو أنه لن يتحقق ما شُرع الهجر من أجله، وهنا يكون التأليف لقلب هذا العاصي أنفع من الهجر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم، وضعفهم، وقلتهم، وكثرتهم؛ فإن المقصود به: زجر المهجور، وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله.
فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته: كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته: لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر.
والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلِّفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم؛ لما كان أولئك كانوا سادة مُطاعون في عشائرهم، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عزُّ الدين، وتطهيرهم من ذنوبهم، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة، والمهادنة تارة، وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح.
" مجموع الفتاوى " (28 / 206) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ما ضابط هجر العاصي الذي لم تظهر معصيته علانية للناس إذا كان في هجره مصلحة؟ .
فأجاب:
الضابط: أن هجر العاصي إن كان فيه مصلحة بحيث يرجع العاصي عن معصيته: فليهجر، وأما إذا لم يكن فيه مصلحة: فهجره حرام؛ لأن العاصي مسلم، ولو فعل ما فعل من الكبائر، إلا الكفر إذا كَفَر، هذا معلوم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان، ويعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) ، فلا تهجره؛ ولأن بعض العصاة إذا هجرته: زاد في معصيته، وكرِهك أيضاً، ولم يقبل منك أي نصيحة، أما لو كان هجره ينفع، كما لو كان أحد الأبناء، أو أحد الإخوة وهو يقدِّرك، وإذا هجرته ارتدع: فهنا اهجره حتى يرتدع، فإن أخلف الظن - بمعنى: أنك هجرته ولكنه لم يرتدع -: فعُد، وسلِّم عليه، ولا تنس النصيحة.
" لقاءات الباب المفتوح " (231 / السؤال رقم 9) .
فأنت أخي السائل إن رأيتَ أن تركك للسلام عليه سيؤثر فيه، وسيرتدع عن معاصيه بسببه: فاستمر على هجرك له، واترك إلقاء السلام، وردِّه إن سلَّم، وإن رأيتَ أن ذلك غير نافعه: فاعلم أن تأليفك لقلبه بالهدية، والتبسم في وجهه، والتلطف في مخاطبته أنفع من هجره، فاعمل على ذلك، فإن أبى منك ذلك، ولم يتجاوب معك: فليس عليك شيء، ولست ملوماً في ذلك.
وفي مسند الإمام أحمد (15823) عن هِشَامَ بْنَ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ فَإِنْ كَانَ تَصَارَمَا فَوْقَ ثَلاثٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنْ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى صُرَامِهِمَا وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا فَسَبْقُهُ بِالْفَيْءِ كَفَّارَتُهُ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلَامَهُ رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ وَرَدَّ عَلَى الآخَرِ الشَّيْطَانُ فَإِنْ مَاتَا عَلَى صُرَامِهِمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا!!) صححه الألباني في الصحيحة 1246
نسأل الله تعالى أن يكتب لنا ولك الأجر، وأن يهدينا وإياكم لما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/67)
امرأة تخجل من القيام بالدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أشعر بالخجل من المنافقين أو الكفار يغتابونني أو يتحدثون بكلام سيئ عني أو النظر إلي، اختفيت عنهم عندما بدأت الحجاب، ثم اقتنعت بأنه كان من المفيد عدم لقائهم، لم أكن أريد أن أكون خجلة منهم وأعانني الله على ذلك بأن جعلني أعلم بأنني يجب أن لا أخشى ولا أُرضي إلا الله.
أشعر بالخجل أحياناً عندما أقول الحقيقة للناس، أشعر بالخجل من القول للناس عما يطلبه منا القرآن، مثلاً أشعر بالخجل من أن أقول للرجال بأنهم يجب أن يغضوا أبصارهم عن النظر للنساء، أشعر بأنهم لن يستمعوا لنصيحتي أو أنني لا أريد أن ألفت انتباههم بالكلام معهم بهذه الطريقة.
كما أشعر بالخجل من الحديث مع المسلمين عندما يفعلوا شيئا غير صحيح.
غالباً لا أصحح أخطاء الناس مع أنني أريدهم أن يقلعوا عن خطئهم ولكنني أخجل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شكر الله لك أيتها السائلة غيرتك على دينك ورغبتك في دعوة غيرك ولكن ينبغي عليك العلم بأنه لا يجب على المرأة دعوة الرجال مباشرة من غير المحارم، لما في ذلك من الفتنة.
وننصحكِ أيتها السائلة – وغيرك من النساء - بتربية النفس على طاعة الله، والقيام بحقوق الله تعالى، وحقوق الزوج والأهل والأولاد، والقيام بالدعوة إلى الله في مجتمع النساء بقدر الاستطاعة، إما بإلقاء كلمة أو قراءة كتاب أو إهداء شريط أو كتاب نافع. أو عقد حلقة شرعية إن كان لديك علم كافً وكذلك الإنكار على صاحبات المنكر، وتقديم النصيحة والموعظة لأخواتك النساء والمساهمة في حل مشكلاتهم الاجتماعية ونحو ذلك.
وأما إحجامك عن الدعوة بسبب الخجل فهذا غير مسوغ لترك الدعوة - وهو من الخجل المذموم - ولكن اعلمي بأن كل عمل يعمله الإنسان فإنه يكون صعباً في البداية ومخجلاً أحياناً، ولكن إذا ما استمر فيه الإنسان فإنه يكون سجيةً له، وأمراً طبيعياً بالنسبة له، بل قد يصل إلى درجةٍ لا يستغني فيها عن هذا العمل، فعليك بالمجاهدة والصبر؛ لأن الدعوة إلى الله – ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – تحتاج إلى صبر لقوله تعالى: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) فالصبر على الدعوة من أخلاق المؤمنين بل هو من أسباب النجاة من الخسران المبين والذي لا ينجو منه إلا من استثناهم الله في هذه السورة، وهم مَنْ جَمَعَ أربعة أوصاف:
1- الإيمان، والذي لا يحصل إلا بالعلم بالله وبرسوله وبدين الإسلام.
2- العمل بهذا العلم.
3- الدعوة إلى هذا العلم.
4- الصبر على الأذى في سبيل العلم والعمل به والدعوة إليه.
وأما الدعوة عن طريق الإنترنت فهي أمر مطلوب، ولكن النصيحة لكِ ولكل فتاة بالبعد عنه لما فيه من المزالق التي قلما ينجو منها إلا من عصمه الله، وهناك من الناس من تفرغوا للقيام بهذه المهمة العظيمة، والتي تحتاج إلى علم راسخ تُردُ به الشبهات، وإيمان صادق تُرد به الشهوات، وأما إن دخله مَن فقد هذين السلاحين أو أحدهما فقلما ينجو من الفخ. فإذا توفر لديك هذان الشرطان فإن بإمكانك الدخول في هذا المجال.
ثم إنك قد أحسنتِ صنعاً أيتها السائلة عندما قمت بارتداء الحجاب، الذي هو واجب على المسلمة لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/59.
فقد ذكر الله في هذه الآية الحكمة من الحجاب وهو صيانة المرأة به عن أذى الفساق.
وعليك بالبعد عن مجتمع السوء وأصحاب السوء، والإعراض عن الجاهلين. والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(8/68)
من مآسي المسلمين في الدول الغربية
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يخفى على فضيلتكم انتشار الصحوة الإسلامية المباركة وبالأخص في صفوف الفتيات المسلمات، وحيثُ إننا نعيش في بلد غير إسلامي (أوروبي) لذلك نجد صعوبة في تطبيق أحكام الإسلام، فمِن حينٍ لآخر نجد بعض الصعوبات، فمرة بالاستهزاء بالقرآن، ومرة بإلصاق الإعلانات في الأماكن العامة وقد صوروا عليها فتاة مسلمة وكتبوا تحتها عبارة (هل تريدين غطاء الرأس؟ نحن نظن أنك لا تريدين) ، وآخرها: القرار الصادر من الحكومة بمنع ارتداء النقاب كليّاً، ودفع مبلغ 150 يورو لمن ترتديه، وفي الآونة الأخيرة أصبح في الأمر صعوبة كبيرة على الأخوات؛ لأن الأمر قد تعدى العقوبة المالية إلى ممارسة بعض التصرفات العنصرية من قبل رجال الشرطة، وذلك مثل الاستهزاء والسخرية، وأحياناً يتم إجبارهن على رفع النقاب أمام الرجال، ولا ننسى الموقف المُشين والصورة الغير لائقة للفتاة المُتنقبة أمام أعين الناس ورجال الشرطة يلتفون من حولها وكأنها ارتكبت جريمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أما بالنسبة لموقف الأخوات من هذا القرار فبعضهن انهمكت في الاتصال بالمشايخ لعلها تظفر بفتوى تُبيح لها كشف وجهها، وبالفعل وجدن من أفتى لهن بأن في الأمر خلافاً بين العلماء وأنتن في ضرورة ولا بأس بنزعه، والبعض الآخر لازلن محاصرات في بيوتهن ينتظرن رحمة رب العالمين.
فضيلة الشيخ
وحيثُ إنني ولدتُ وقضيتُ كل عمري في هذا البلد لذلك معذرة دعني أصارحك القول أن الإقامة في بلد الكفر تحمل في طياتها أسراراً لا يعلمها إلا من عاشها واقعيّاً.
فضيلة الشيخ
والله الذي لا إله غيره إن المسلمين في بلاد الكفر يعيشون في ذُل ومهانة وضياع لا يعلمه إلا الله وحده، فكم من البيوت انهارت، وكم من الأبناء لا يعرفون من الدين إلا اسمه، بل وصل الأمر إلى بيع بناتنا المسلمات إلى تجار الرقيق وإرسالهن إلى بعض دول أوروبا الشرقية، وذلك ليتم استعمالهن في ممارسة البغاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولقد استمعتُ يوماً من الأيام إلى رئيس قسم الأمراض المعدية - وهو عربي الجنسية - حيثُ صرح بأنه يوجد عدد 4000 أربعة آلاف من الفتيات المسلمات وبأعمار مختلفة يشتغلن في ممارسة الزنا وبأوراق رسمية، وهذا الإحصاء في مدينة واحده فقط!! وللأسف الشديد حتى ممن يوصفون بالتدين وجدوا أنفسهم بين فكي الأسد، فالأموال اختلطت بالربا، والأبناء لا يتكلمون اللغة العربية، وصلاة الجمعة تصلى ظهراً في المصانع الخ! ، ولا أقول هذا عن طريق سماع الأخبار، بل ما نراه بأعيننا، وهذا قليل من كثير، والله إن القلب ليتفطر من شدة ما نسمع ونرى وما وصلنا إلى هذا المستوى الذي نراه اليوم إلا عندما خالفنا شرع ربنا ورضينا بالعيش معهم من أجل دراهم معدودة إلا من رحم الله من الذين لهم العذر في البقاء، وفي المقابل هناك عدد من العائلات اجتهدوا في الهجرة إلى بلاد الإسلام وهم الآن يعيشون في رغد من العيش والله خير الرازقين.
فضيلة الشيخ
جزاك الله خيراً يوم علمتنا أن نكون مُتفائلين لا متشائمين، ولكن هذه هي الحقيقة المرة التي لا مفر منها، وحتى نكون منصفين فالحمد لله الإقبال على الإسلام كثير وبالأخص في صفوف المسلمين الجدد، فالحمد لله على نعمته وفضله.
فضيلة الشيخ
ما نريده من فضيلتكم ولكم الأجر من الله سبحانه وتعالى:
1. تقديم النصيحة للفتيات المسلمات بالتمسك بحجابهن، وعدم تعلقهن بالفتاوى الواهية التي تفتح لهن أبواب الشر.
2. تشجيع الشباب على الهجرة وعدم الركون إلى الدنيا؛ لأن كثيراً منهم - أو أغلبهم - كان سبباً في بقاء زوجته وأبنائه وتعرضهما إلى هذه المصائب، علماً بأن كثيراً من الإخوة لم يهاجروا بعد وذلك بحجة جمع المال الكافي الذي يمكنهم من القيام بمشروع تجاري في البلد الذي سيهاجرون إليه، فكم المبلغ المطلوب جمعه؟ ومتى سيُجمع؟ .
3. تقديم النصيحة للأخوات اللواتي يُكثرن الخروج من البيت لغير ضرورة، وبالأخص في مثل هذه الظروف الحرجة.
4. تقديم النصيحة للإخوة الذين يطلبون من زوجاتهم كشف الوجه بالقوة أمام بعض الإدارات بحجة أن الأمر فيه ضرورة، فما هو الحكم الشرعي في طاعة الزوج في هذا الأمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن مآسي المسلمين والمسلمات في كثير من دول الكفر كثيرة، وحالهم في تلك الدول يُفطِّر القلب، ويُدمع العين.
وكلنا نسمع ونقرأ ما يتعرضون له من مضايقات، وبخاصة النساء، وقد بان زيف هذه الدول التي تدَّعي الحضارة والحرية، فراحوا يضيقون على المسلمين في وظائفهم وبيوتهم، وعلى النساء في حجابهن وعملهن، فأطلقوا الحريات في زواج المثليين، والشذوذ الجنسي، وحرية الإساءة للإسلام وأهله، وضيَّقوا على المسلمين في شعائرهم وشرائعهم.
والواجب على كل من قدر على الخروج من تلك الديار أن لا يقصِّر في ذلك، قبل أن يأتي يوم يندم فيه على تفويت الفرصة، ولا يملك حتى نفسه ليخرج بها، وذلك بعد أن يضِيع أولاده في خضم تلك الحضارة الزائفة الخارجة عن كل خلق وفضيلة، فيعيش سنين حياته يعمل ويكد ويجتهد، ثم يسلِّم أولاده للشارع والكنيسة، خسر الدنيا والآخرة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه، وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فُسّاقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وبسائر الأديان - والعياذ بالله - حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي بل يتعين
التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهويّ في تلك المهالك ... .
وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله، وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم؟! انتهى.
وانظر تتمة هذا الكلام للشيخ – رحمه الله – في جواب السؤال رقم (27211) ففيه تفصيل مسألة الإقامة في دول الكفر.
ثانياً:
لا يجوز للمرأة المسلمة التنازل عن عفافها وحجابها أمام تلك المغريات الفاسدة الزائلة، ولا يزال شياطين الإنس والجن يزينون للمرأة الانخراط في سلك الغاوين، فمن تبعهم زينوا الدنيا في ناظريه، وأبعدوه عن التفكير في القبر والآخرة ولقاء الله تعالى.
وللأسف أن يساهم بعض مفتي الفضائيات في نزع المرأة حجابها بحجة الدراسة أو العمل، ولا خير في دراسة وعمل يسبب غضب الرب تبارك وتعالى وسخطه، وأي متاع دنيوي ستحوزه المرأة بشهادتها أو راتبها، وهي تعلم أنه على حساب ثواب الآخرة ورضا الله تعالى، فلا يرضى بهذا إلا مَنْ زُيِّن له سوء عمله فرآه حسناً.
ولا يجوز للمسلمة أن تكشف عن وجهها فضلاً أن تكشف عن شعرها، ولو بحجة الدراسة أو العمل، وما عند الله خيرٌ وأبقى، ويجب على كل مسلم أن يسارع في الخروج من تلك الظلمات، وعلى العلماء أن يعينوا الأسر المسلمة على دينها وطاعة ربها بدلاً من إعانتهم على تكوين ثرواتهم وعبادة الدرهم والدولار!
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا يجوز لكِ ولا لغيركِ من النساء السفور في بلاد الكفار، كما لا يجوز ذلك في بلاد المسلمين، بل يجب الحجاب عن الرجال الأجانب سواء كانوا مسلمين أو كفاراً، بل وجوبه عن الكفار أشد؛ لأنه لا إيمان لهم يحجزهم عما حرم الله.
ولا يجوز لكِ ولا لغيركِ طاعة الوالدين ولا غيرهما في فعل ما حرم الله ورسوله، والله سبحانه يقول في كتابه المبين: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) الأحزاب/53.
فبيَّن سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن تحجَّب النساء عن الرجال غير المحارم أطهر لقلوب الجميع، وقال سبحانه: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) إلى أن قال سبحانه: ( ... ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... ) النور/31.
" فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 529) .
ثالثاً:
ينبغي للأزواج أن يكونوا عوناً لزوجاتهم على العفاف والستر والحياء، ولا يحل لهم أن يأمروهن بخلع حجابهن من أجل الدنيا كدراسة أو عمل، فإن تحتم عليهم ذلك ولم يتيسر لهم إبقاء حجاب نسائهم فيجوز كشف الوجه لتلك الضرورة، كالمطارات والجوازات، على أن يحرصوا أن يكون الناظر لها امرأة.
وأما الذين يريدون من نسائهم خلع حجابهن بالكلية، أو من غير ضرورة: فلا يحل لهم هذا، والواجب عليهم أن يفخروا بانتسابهم لهذا الدين، وأن يفخروا بستر نسائهم وبناتهم، خاصة وأنهم يرون لباس الكافرات من حيث العري والشذوذ في الألوان والتفصيل!
ولا يحل للمرأة طاعة زوجها إذا كان يأمرها بخلاف الستر والحجاب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) .
رواه البخاري (4085) ومسلم - واللفظ له - (1840) .
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
رجل متزوج وله أبناء، زوجته تريد أن ترتدي الزي الشرعي وهو يعارض ذلك، فبماذا تنصحونه بارك الله فيكم؟ .
فأجاب:
إننا ننصحه أن يتقي الله عز وجل في أهله، وأن يحمد الله عز وجل الذي يسَّر له مثل هذه الزوجة التي تريد أن تنفذ ما أمر الله به من اللباس الشرعي الكفيل بسلامتها من الفتن، وإذا كان الله عز وجل قد أمر عباده المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حمَّل الرجل المسؤولية في أهله فقال: (الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته) ، فكيف يليق بهذا الرجل أن يحاول إجبار زوجته على أن تدع الزي الشرعي في اللباس إلى زي محرم، يكون سبباً للفتنة بها ومنها، فليتق الله تعالى في نفسه، وليتق الله في أهله، وليحمد الله على نعمته أن يسَّر له مثل هذه المرأة الصالحة.
وأما بالنسبة لزوجته: فإنه لا يحل لها أن تطيعه في معصية الله أبداً؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
" فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 442، 443) .
ولينظر جواب السؤال رقم: (45672) ففيه تفصيل لحكم إجبار الدول للمسلمات على نزع الحجاب.
رابعاً:
وأما خروج المرأة من بيتها: فلتعلم أخواتنا أن الأصل في المرأة أنها مكرَّمة، ومن تكريمها أن سخر لها زوجها وأولادها لخدمتها، وأوجب على الزوج النفقة عليها، وبقاؤها في بيتها ليس إلا لأنها تقوم بعمل جليل لا يمكن لمجموعة من الرجال أن يقوموا به، وهو تربية أولادها، وخدمة زوجها وبيتها، وهي أعمال جليلة عظيمة، ولذا فإنها لا تخرج إلا من ضرورة أو حاجة ماسة، وخاصة إن كانت في بلاد كافرة أو غير آمنة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
لا شك أن بقاء المرأة في بيتها أفضل وأبعد عن الفتنة والشر, ولا يخفى علينا جميعاً ما يحصل من خروج النساء إلى الأسواق من الفتنة لهن وبهن , فإذا أمكن ألا تخرج: فهذا هو المطلوب , وإذا اضطرت للخروج: فلتخرج كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وليخرجن تفِلات) أي: غير متبرجات بزينة ولا متطيبات , ولكن لا تخرج إلا لحاجة , ... فالذي أرى في هذه المسألة أن تلزم المرأة بيتها بكل حال، ولا تخرج إلا للضرورة , وإذا خرجت للضرورة فلتكن غير متطيبة ولا متبرجة بزينة.
أما اصطحاب محرَم لها: فلا شك أنه أفضل وأولى , لكنه ليس بلازم ما دام أن المسألة لا تحتاج إلى سفر، ولكن من المؤسف أنك تجد بعض الناس يأتي إلى الخياط أو إلى التاجر ومعه أهله ثم يبقى في السيارة والمرأة هي التي تذهب وتخاطب الرجال وربما يحصل فتنة بأهله , فعلى الإنسان أن يكون رجلاً حازماً غيوراً على أهله , فلا يفعل هذا الفعل , إذا كان ولا بد فلينزل معها وليكن واقفاً عندها وهي تكلم الرجل أو يكلمها ثم هو يكلم الرجل.
" لقاءات الباب المفتوح " (117 / السؤال 2) .
وانظري جوابي السؤالين: (6742) و (9937) .
خامساً:
ولمن يريد النصح الصادق، والتوجيه الشرعي إذا أبى إلا البقاء في دول الكفر: فلينظر جوابي السؤالين: (70256) و (4237) ففيهما خير كثير إن شاء الله من التوجيه والنصح.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/69)
حكم الانتماء إلى الجماعات الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[احترت بشأن الجماعات الإسلامية الموجودة حالياً. هل يجب على الشخص أن يتبع أو ينضم لمجموعة ما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على المسلم أن يتبع أحداً بحيث يأخذ كل ما يقول ويعمل به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يؤخذ من قوله ويترك، كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر. وأشار إلى قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما الانضمام لمجموعة ما، فلا شك أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قد أمرا بالجماعة وحثا عليها، قال صلى الله عليه وسلم: (يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ) رواه الترمذي (2167) وصححه الألباني. وقال: (َعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ) رواه النسائي (847) وحسنه الألباني في صحيح النسائي. وقال: (الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والأحاديث في هذا كثيرة.
ولا شك أن تعاون المسلم مع مجموعة من إخوانه على طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وطلب العلم، والتواصي فيما بينهم بالحق والصبر. . . إلخ لا شك أن هذا عمل مشروع، وبذلك يعصم الإنسان نفسه من الشيطان كما دل على ذلك الأحاديث المتقدمة، وهو مما يدخل في قول الله تعالى: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) سورة العصر.
أما إن كان قصد السائل بالانضمام لجماعة ما أن يتعصب لها، فيرى أن هذه الجماعة هي الجماعة الوحيدة التي على الحق، وكل من عداها على الباطل، ويوالي من معه في هذه الجماعة، ويعادي من سواهم (كما هو واقع كثير من أفراد هذه الجماعات اليوم) فإن هذا من الجَوْر الذي يأباه الله ورسوله والمؤمنون، ولا يزيد الأمة إلا تفرقاً وضعفا، بل المؤمن يوالي جميع المؤمنين، كما قال الله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) المائدة/55. وقال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات/10. وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم) . وكلٌّ من هذه الجماعات (المتفقة على أصول أهل السنة والجماعة) على ثغر من ثغور الإسلام، فليس الحق حكراً على أحد دون أحد، والدعوة إلى الله تحتاج إلى جهود هؤلاء جميعاً وأضعافهم معهم.
فالمؤمن يوالي جميع المؤمنين ويتعاون معهم على طاعة الله تعالى، ولو كانوا بعيدين عنه. ويكف عن معاونتهم على معصية الله، ولو كانوا أقرب الناس إليه.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم الانتماء للجماعات الإسلامية، والالتزام بمنهج جماعة معينة دون سواها؟
فأجاب:
" الواجب على كل إنسان أن يلتزم بالحق، قال الله عز وجل، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يلتزم بمنهج أي جماعة لا إخوان مسلمين ولا أنصار سنة ولا غيرهم، ولكن يلتزم بالحق، وإذا انتسب إلى أنصار السنة وساعدهم في الحق، أو إلى الإخوان المسلمين ووافقهم على الحق من دون غلو ولا تفريط فلا بأس، أما أن يلزم قولهم ولا يحيد عنه فهذا لا يجوز، وعليه أن يدور مع الحق حيث دار، إن كان الحق مع الإخوان المسلمين أخذ به، وإن كان مع أنصار السنة أخذ به، وإن كان مع غيرهم أخذ به، يدور مع الحق، يعين الجماعات الأخرى في الحق، ولكن لا يلتزم بمذهب معين لا يحيد عنه ولو كان باطلاً ولو كان غلطاً، فهذا منكر، وهذا لا يجوز، ولكن مع الجماعة في كل حق، وليس معهم فيما أخطأوا فيه " اهـ. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله (8/237) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/70)
يسأل: هل جميع الشيوخ الأتقياء هم من السلفيين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[احترت بشأن الجماعات الإسلامية الموجودة حالياً، أعتقد أن السلفيين وأهل الحديث هم الأقرب للسنة. هل جميع الشيوخ الأتقياء هم من السلفيين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، أقرب الجماعات الموجودة الآن إلى السنة هم السلفيون، وجِماع أصولهم ردّ مسائل الدين العلمية والعملية إلى كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما أجمع عليه سلف الأمة، وسار عليه أهل القرون الثلاثة المفضلة: قرن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، مع تعظيم سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسنة خلفائه الراشدين ومحبة أهلها، ومجانبة البدع والمحدثات العلمية والعملية في دين الله وذمّ أهلها، ثم العمل على تنقية علوم الناس وأعمالهم من هذه البدع، والعودة بهم إلى استئناف حياتهم على مثل ما كان عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه من الهدى ودين الحق.
ولكن. . لا يعني ذلك أن جميع الشيوخ الأتقياء يكونون من السلفيين، أو أن السلفيين كلهم تقاة ومن عداهم فليس تقياً. لا، ليس الأمر كذلك.
فالتقوى هي فعل ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم به، وترك ما نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه. فكل من أطاع الله تعالى واجتنب معصيته على نور من الله، فهو المتقي، وكل من عصى الله تعالى نقص من تقواه بقدر معصيته.
وإذا كانت هذه حقيقة التقوى، فإنها لا تحصل لعبد بمجرد التسمي باسم السلفيين أو غيرهم أو الانتساب إلى طائفة من الطوائف بل كل من كان أعظم تحصيلاً لأسباب التقوى من العلم بالله وشرعه، والعمل بذلك كان أعظم حظاً من التقوى، وأعلى مقاماً في الدين.
لأجل ذلك ينبغي أن نفرق بين المنهج السلفي الذي هو معصومٌ بعصمة الأصول الشرعية: الكتاب والسنة والإجماع، وبين الأفراد المنتسبين إلى هذا المنهج، فهؤلاء ليسوا بمعصومين من الخطأ في العلم أو العمل، وسواء كان هذا الخطأ معصية أو حتى بدعة، فإنما يتحمله الشخص الذي فعله نفسه، ولا يجوز أن يحمل المنهج هذا الخطأ، ويكون ذلك ذريعة للقدح في المنهج السلفي بحجة أن فلاناً (السلفي) أخطأ وفعل كذا.
وإليك مثالاً يوضح ذلك:
فالإسلام لا شك أنه دين الله الذي لا يقبل من أحد سواه قال الله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران/85. وقال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) آل عمران/19. ولا يعني ذلك عصمة المسلمين، وأن جميع ما يفعله المسلمون صواب، بل كثير من المسلمين – وللأسف الشديد – قد خالفوا الإسلام، وعصوا الملك العلام. فكما يجب التفريق بين الإسلام وبين ما يفعله المسلمون، كذلك يجب التفريق بين المنهج السلفي وبين السلفيين.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/71)
حكم العادات والتقاليد إذا خالفت الشرع أو سببت الحرج
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك عادة عند فئة من الناس في الجنازة والتعزية لأهل فقيد بين قريتين، بينهما مسافة ساعة واحدة بالسيارة، جميع أهالي القريتين مسلمون، وهناك ترابط وثيق بين أهالي القريتين من قرابة بصلة رحم، زواج، مودة، جنسية واحدة، وكلهم أو أغلبهم في المذهب الحنفي. العادة: بعد ما يحضرون الجنازة، أو زيارة أهل الفقيد للتعزية من قرية إلى أخرى ... فورا مسرعين يرجعون إلى قريتهم ولا يقبلون أن يتأخروا قليلا للضيافة عند أقاربهم (دون أهل الفقيد) ، حتى عند أرحامهم، بحجة أنه لا يليق أو لا يجوز التأخر للضيافة أو الزيارة في هذه المناسبة. السؤال: هل هذه العادة لها أصل في الدين؟ أرجو جوابا شافيا ومفصلا لأن العادة قد تؤدي إلى إحراج، توتر، وسلبيات أخرى من الناحية الاجتماعية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
ليس في الشرع الحنيف شيء يدل على العادات التي ذكرتها في السؤال، ويبدو أنها مما اعتاد الناس عندكم عليها في حياتهم ولا ينسبونها إلى الدين، ويبدو أيضا أنها ترجع إلى أمورهم النفسية والاجتماعية.
وعلى كل حال، فبما أن هذه العادة لم ترد في الشريعة المطهرة، لا سيما وقد ذكرت في سؤالك أن الضيافة المسئول عنها لا تكون عند أهل الفقيد، وهذا هو الذي يُنهى عنه؛ فلا ينبغي أن يتخذها الناس شرعا مقدَّسًا لا يغيرونه ولا يبدلونه، وذلك لأن في هذه العادة تقصيرا – ولو بقدر ما – في صلة الأرحام، وزيارة الأهل والإخوان، وليس ثمة سبب وجيه للتقصير في هذه الصلة، خاصةً وأن العتب من قبل الأرحام قائم على أقاربهم الذين يصلون قريتهم دون أن يأتوا لزيارتهم، وقد يكون ذلك سببا لإيغار الصدور وظنون السوء.
والعادات والتقاليد التي تخالف الشرع مخالفة ظاهرة، أو تخالف مقاصد الشريعة العامة، أو تؤدي إلى المخالفة والتقصير، يجب نبذها والسعي إلى تغييرها، ويحتاج الأمر إلى شيء من الحكمة والرفق.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله "رسالة في أصول الفقه" (7) :
(الأصل في العادات الإباحة إلا ما ورد عن الشارع تحريمه)
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "مجموع الفتاوى" (6/510) :
" الواجب على كل مسلم أن لا يعتمد على العادات، بل يجب عرضها على الشرع المطهر، فما أقره منها جاز فعله، وما لا فلا، وليس اعتياد الناس للشيء دليلا على حله، فجميع العادات التي اعتادها الناس في بلادهم أو في قبائلهم يجب عرضها على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما أباح الله ورسوله فهو مباح، وما نهى الله عنه وجب تركه وإن كان عادة للناس " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "تفسير سورة البقرة 2" (299) :
" العادات لا تجعل غير المشروع مشروعاً؛ لقوله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا) مع أنهم اعتادوه واعتقدوه من البر؛ فمن اعتاد شيئاً يعتقده براً عُرِض على شريعة الله " انتهى.
وقد عد أهل العلم التمسك بالعادات والتقاليد التي تشق على الناس، وتؤدي إلى بعض المفاسد، أو تؤدي إلى بعض الشقاق والنزاع، أو توقع في الحرج، عد ذلك أهل العلم من الغلو المذموم، ومن التكلف والتنطع الذي جاء النهي عنه في شريعتنا.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ. قالها ثلاثا) رواه مسلم (2670)
قال النووي رحمه الله "شرح مسلم" (16/220) :
" أي: المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حديثه عن أقسام الغلو "مجموع الفتاوى" (7/7) :
" القسم الرابع: الغلو في العادات: وهو التشدد في التمسك بالعادات القديمة وعدم التحول إلى ما هو خير منها. أما إن كانت العادات متساوية في المصالح فإن كون الإنسان يبقى على ما هو عليه خير من تلقي العادات الوافدة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/72)
أثر شيخ الإسلام ابن تيمية في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشيخ ابن تيميه رحمه الله شيخ الإسلام هل كانت له علاقة بالحركة الوهابية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
أولا:
لا بد من التنبيه بداية على أن إطلاق اسم "الوهابية" على دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب إنما بدأه أعداء هذه الدعوة بقصد التنفير عنها وتحذير الناس منها، يحاولون إظهارها مظهر الدعوة المنفردة بآرائها الشاذة، المتحيزة إلى أفكار إمامها، المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/255) :
" الوهابية: لفظة يطلقها خصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على دعوته إلى تجريد التوحيد من الشركيات ونبذ جميع الطرق إلا طريق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومرادهم من ذلك: تنفير الناس من دعوته، وصدهم عما دعا إليه، ولكن لم يضرها ذلك، بل زادها انتشارًا في الآفاق وشوقًا إليها ممن وفقهم الله إلى زيادة البحث عن ماهية الدعوة وما ترمي إليه وما تستند عليه من أدلة الكتاب والسنة الصحيحة، فاشتد تمسكهم بها، وعضوا عليها، وأخذوا يدعون الناس إليها ولله الحمد " انتهى.
ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله "البيان لأخطاء بعض الكتاب" (70) :
" فهذه التسمية خطأ من ناحية اللفظ، ومن ناحية المعنى:
أما الخطأ من ناحية اللفظ، فلأن الدعوة لم تنسب في هذا اللقب إلى من قام بها - وهو الشيخ محمد -، وإنما نسبت إلى عبد الوهاب - الذي ليس له أي مجهود فيها -، فهي نسبة على غير القياس العربي، إذ النسبة الصحيحة أن يقال: (الدعوة المحمدية) .
لكن الخصوم أدركوا أن هذه النسبة نسبة حسنة لا تنفر عنها، فاستبدلوها بتلك النسبة المزيفة.
وأما الخطأ من ناحية المعنى، فلأن هذه الدعوة لم تخرج عن منهج مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم، فكان الواجب أن يقال: الدعوة السلفية؛ لأن القائم بها لم يبتدع فيها ما نسب إليه كما ابتدع دعاة النحل الضالة من الإسماعيلية والقرمطية، إذ هذه النحل الضالة لو سميت سلفية لأبى الناس والتاريخ هذه التسمية؛ لأنها خارجة عن مذهب السلف، ابتدعتها من قام بها.
فالنسبة الصحيحة لفظًا ومعنى لدعوة الشيخ محمد عبد الوهاب أن يقال " الدعوة المحمدية "، أو " الدعوة السلفية ".
لكن لما كانت هذه النسبة تغيظ الأعداء حرفوها، ولذلك لم تكن الوهابية معروفة عند أتباع الشيخ، وإنما ينبزهم بها خصومهم، بل ينبزون بها كل من دان بمذهب السلف، حتى ولو كان في الهند أو مصر وإفريقية وغيرها، والخصوم يريدون بهذا اللقب عزل الدعوة عن المنهج السليم , فقد أخرجوها من المذاهب الأربعة , وعدُّوها مذهبًا خامسًا (حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) " انتهى.
ثانيا:
كانت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر امتدادا لدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية التي ظهرت في القرنين السابع والثامن.
وقد تأثر بها الإمام لموافقتها أصول الإسلام في العقائد والأحكام، ومن هذه الأصول:
1- اعتماد القرآن الكريم والسنة الصحيحة مصادر التشريع الأولى.
2- الحرص على التمسك بمنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم.
3- الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك.
4- إثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي ما نفاه عن نفسه في باب الأسماء والصفات.
5- نبذ التعصب للأئمة المتبوعين والدعوة إلى اتباع الحق بالدليل.
6- الدعوة إلى السنة ومحاربة البدعة.
وقد كان الكتاب هو حلقة الوصل بين الإمامين، فقد اعتنى الإمام محمد بن عبد الوهاب بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم اعتناء بالغا.
يقول عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ "مشاهير علماء نجد وغيرهم" (18) :
" وقد كتب بخط يده كثيرا من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، لا يزال بعضها موجودا بالمتحف البريطاني بلندن " انتهى.
ولقد أبرز الكتاب المسلمون وغيرهم من المستشرقين في كتاباتهم صلةَ الإمام ابن عبد الوهاب بدعوة شيخ الإسلام بأهمية بالغة.
ذكر العلامة الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي في كتابه "الشيخ محمد بن عبد الوهاب" تصريحات كثير منهم:
قال عبد المتعال الصعيدي في كتابه "المجددون في الإسلام":
"..أخذ يدعو مثل ما دعا إليه ابن تيمية قبله، من التوحيد بالعبادة لله وحده "
وقال الأمير شكيب أرسلان في الجزء الرابع من "حاضر العالم الإسلامي" تحت عنوان: "تاريخ نجد الحديث":
" وتَشَرَّبَ مبادئ الحافظ حجة الإسلام ابن تيمية.. وأخذ يفكر في إعادة الإسلام لنقاوته الأولى.. ولا أظنه أورد ثمة شيئا غير ما أورده ابن تيمية " انتهى.
وقال حافظ وهبة في كتابه "جزيرة العرب":
" وتكاد تكون تعاليمهم مطابقة تمام المطابقة لما كتبه ابن تيمية وتلاميذه في كتبهم، وإن كانوا يخالفونهم في مسائل معدودة في فروع الدين " انتهى.
وقال منهج هارون في الرد على الكاتب الإنجليلزي (كونت ويلز) :
"..كل ما قاله الشيخ ابن عبد الوهاب قال به غيره ممن سبقه من الأئمة والأعلام ومن الصحابة الكرام، ولم يخرج في شيء عما قاله الإمام أحمد وابن تيمية رحمهما الله " انتهى.
وقال محمد ضياء الدين الريس:
"..وابن تيمية هو الأستاذ المباشر لابن عبد الوهاب، وإن فصل بينهما أربعة قرون، فقد قرأ كتبه، وتأثر كل التأثر بتعاليمه " انتهى.
وقال بروكلمان في "تاريخ الشعوب الإسلامية":
" وفي بغداد درس محمد فقه أحمد بن حنبل..ثم إنه درس مؤلفات أحمد ابن تيمية الذي كان قد أحيا في القرن الرابع عشر [يقصد الميلادي] تعاليم ابن حنبل، والواقع أن دراسته لآراء هذين الإمامين انتهت به إلى الإيقان من أن الإسلام في شكله السائد في عصره، وبخاصة بين الأتراك، شُرِّبَ بالمساوئ التي لا تمت إلى الدين الصحيح بنسب " انتهى.
وقال أحمد أمين:
" ... اقتفى في دعوته وتعاليمه عالما كبيرا ظهر في القرن السابع الهجري في عهد السلطان الناصر، هو ابن تيمية ... وهو كان يقول بالاجتهاد، وكان حر التفكير في حدود الكتاب والسنة..فيظهر أن محمد بن عبد الوهاب عرف ابن تيمية..فكان إمامه، ومرشده، وباعث تفكيره، والموحي إليه بالاجتهاد، والدعوة إلى الإصلاح " انتهى.
انظر "أثر دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية في الحركات الإسلامية المعاصرة" (1/136-138) لصلاح الدين مقبول، ومنه استفدت هذه النقول.
ثالثا:
ولكن، ومع هذه الصلة القوية بين فكر الإمامين، إلا أن الإمام محمد بن عبد الوهاب كان متبعا للدليل ولم يكن مقلدا للأشخاص، فقد كان يدرك أن شيخ الإسلام ابن تيمية أحد أئمة الإسلام العظام، إلا أن الخطأ جائز على جميع البشر، ويدرك أن ابن تيمية رحمه الله لم يكن مستحدثا لدعوة مبتدعة غريبة عن الإسلام، إنما كان متبعا نهج السلف الصالحين، والاتِّبَاعُ يجب أن يكون للدليل وما أجمعت عليه الأئمة، ولا ينبغي أن يقدس الإمام مهما بلغت رتبته في العلم، بل كلٌّ يُؤخَذُ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول الشيخ الفوزان حفظه الله في "البيان بالدليل" (150) في الرد على دعوى أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكن إلا نسخة مكررة من ابن تيمية:
" هكذا قال عن مرتبة الشيخ محمد بن عبد الوهاب العلمية: أنه لم يدرس إلا مؤلفات ابن تيمية! وكأنه لم يقرأ ترجمة الشيخ وسيرته، ولم يعرف شيئا عن تحصيله العلمي، أو أنه عرف ذلك وكتمه بقصد التقليل من شأنه، والتغرير بمن لم يعرف شيئا عن الشيخ.
ولكن هذا لا يستر الحقيقة، ولا يحجب الشمس في رابعة النهار، فقد كتب المنصفون عن الشيخ - رحمه الله - مؤلفات كثيرة انتشرت في الأقطار، وعرفها الخاص والعام، وأنه - رحمه الله - تعمق في دراسة الفقه والحديث والأصول وكتب العقيدة التي من جملتها مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وقد تخرج على أيدي علماء أفذاذ وأئمة كبار في مختلف الفنون في بلاد نجد والحجاز والإحساء والبصرة، وقد أجازوه في مروياتهم وعلومهم، وقد ناظر ودرس وأفتى وألف في الفقه والحديث والعقيدة حتى نال إعجاب من اجتمع به أو استمع إلى دروسه ومناظراته، أو قرأ شيئا من مؤلفاته، ومؤلفاته تدل على سعة أفقه وإدراكه في علوم الشريعة، وسعة اطلاعه وفهمه، ولم يقتصر فيما ذكر في تلك المؤلفات على كتب ابن تيمية - كما يظن الجاهل أو المتجاهل - بل كان ينقل آراء الأئمة الكبار في الفقه والتفسير والحديث؛ مما يدل على تبحره في العلوم، وعمق فهمه، ونافذ بصيرته، وها هي كتبه المطبوعه المتداولة شاهد بذلك والحمد لله، ولم يكن رحمه الله يأخذ من آراء شيخ الإسلام ابن تيمية ولا من آراء غيره إلا ما ترجح لديه بالدليل، بل لقد خالف شيخ الإسلام في بعض الآراء الفقهية " انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة جواب السؤال رقم: (36616) ، (10867) ، (12203)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/73)
نصيحة إلى المسلمين في الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[بماذا تنصح المسلين في الغرب في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية؟ وكيف نقوم بواجبنا الشرعي الذي يرضي الله تعالى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. النصيحة لإخواننا المسلمين الذين يعيشون في الغرب – أولاً – بما أوصى الله به الأولين والآخرين، وهو أن تتقوا الله تعالى، فتقوموا بما أمركم به ورسولُه صلى الله عليه وسلم، وتنتهوا عما نهاكم عنه ورسولُه.
2. عدم البقاء في تلك الديار إلا من كان منكم مضطراً أو محتاجاً للبقاء، لعدم وجود أحدٍ يؤويه، أو مريض يُعالَج، أو داعية يدعو إلى الإسلام، أو من كان من أهل تلك البلاد ويستطيع إظهار شعائر دينه، وأنتم أقرب منا إلى واقعكم وقد رأيتم بأنفسكم كيف أظهر لكم الغرب صورته الحقيقية من حيث الحرية الدينية المزعومة، وحرية التعبير عن الرأي، فصار ذلك جائزاً لكل الأديان إلا للإسلام، ولكل الناس إلا للمسلمين، حتى تجرأ بعض رؤساء تلك الدول على إصدار قرارات بمنع حجاب المرأة المسلمة في المدارس الحكومية.
3. وإذا كان لا بدَّ من إقامتكم في تلك البلاد فاحرصوا أن لا يتربى أبناؤكم هناك، واعملوا على إرسالهم لبلاد المسلمين عند أهليكم أو في مراكز شرعية تقوم على رعايتهم وتربيتهم، ومهما بلغ الفساد في بلاد المسلمين فلا يقارن بما في بلاد الغرب من كفر وإباحية – باستثناءٍ قليلٍ جدّاً -.
4. عليكم بتقديم الصورة الحقيقية للإسلام من حيث التزامكم بشعائر الدين، وأخلاقه، وسلوكه، فقد فُتحت دول كثيرة من قِبل تجار مسلمين أحسنوا في تعاملهم فقدموا صورة ناصعة للإسلام، فأسلم على أيديهم دول يعدُّ سكانها بعشرات الملايين.
5. ولا يجوز لكم تمييع الأحكام الشرعية، وتقديم التنازلات إرضاءً للغرب وأهله، بل افتخروا بدينكم وتمسكوا بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم، ولو خالفكم من خالفكم، وأنتم ترون أصحاب الأفكار المنحرفة والسلوك الشاذ كيف يفتخرون بمبادئهم وأفكارهم ويعلنونها للملأ بلا خجل، فأصحاب الحق أولى بذلك.
6. كونوا يداً واحدة بالحق وعلى الحق، ولا تتفرقوا فتذهب قوتكم، ويطمع بكم عدوكم، ولا تظهروا خلافاتكم بين الكفار، وليكن التناصح بينكم دون إظهاره في العلن.
7. لا تتوانوا عن المشاركة في الصحف والمجلات والإذاعات وعامة وسائل الإعلام –بالضوابط الشرعية – ولتكن مشاركاتكم هادفة، تقدمون فيها الوجه الحقيقي للإسلام، وتذبون فيها عن عرض نبيكم صلى الله عليه وسلم، إذ كثير من الكفار عندهم قابلية لأن يؤثر فيهم القول الحسن، وتسحرهم الأدلة القوية المقنعة.
8. وعليكم بتكثيف علاقاتكم مع العلماء والمشايخ الثقات في العالم، وبكافة الطرق المتاحة، وارفعوا عن أنفسكم الجهل بدينكم لترفعوه عن غيركم، وتقدموه خالصا نقيّاً من الشوائب لعامة الناس.
9. وقوموا بتكثيف زياراتكم لبلد الله الحرام – مكة المكرمة – للحج والعمرة، لتقوية إيمانكم، ولتوكيد اتصالكم بالعلماء والمشايخ، فكثيراً ما نرى المسلمين من كافة أنحاء الدنيا، وقليلاً ما يكونون من بلاد الغرب، فاحرصوا على هذا ونظموه وتعاونوا عليه تروا خيراً عظيماً بإذن الله.
10. وأخيراً: احرصوا على الطاعة والعبادة، وتعاهدوا أبناءكم وبناتكم بالرعاية والعناية، واحرصوا على تكاتف أفراد الأسرة واتصالها بعضها ببعض.
نسأل الله أن يوفقكم لمرضاته، وأن يعينكم على طاعته وحسن عبادته.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/74)
يسأل عن جماعة التبليغ
[السُّؤَالُ]
ـ[بدأت الالتزام قريباً، والحمد لله، وتوجد في منطقتنا جماعة التبليغ الذين يخرجون ثلاثة أيام أو أكثر من ذلك، وقد اختلف كلام الناس فيهم؛ فبعضهم يقول: لا تمش معهم، لأن خروجهم بدعة، ولأن عندهم أخطاء، وبعضهم نصحني بالخروج معهم، فما الصواب في ذلك؟ وهل أخرج معهم أو لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق لنا بعض الحديث حول هذه الجماعة، وأشرنا إلى بعض ما لها، وما عليها انظر السؤال رقم (47431) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله تعالى عن ذلك، فقال:
الغالب أن كل المسائل يكون الناس فيها طرفين ووسطاً؛ من الناس من يثني على هؤلاء كثيراً وينصح بالخروج معهم، ومنهم من يذمهم ذماً كثيراً ويحذر منهم، ما يحذر من الأسد! ومنهم متوسط.
وأنا أرى الجماعة فيهم خير، وفيهم دعوة، ولهم تأثير واضح لم ينله أحد من الدعاة؛ فكم من كافر آمن على أيديهم؟ وكم من فاسق هداه الله؟
ثم في طبائعهم من التواضع، وفي خُلُقهم من الإيثار، ما لا يوجد في الكثيرين.
ومن الناس من يقول: إنهم ليس عندهم علم بالحديث، أو ما أشبه ذلك.
وهم أهل خير ولا شك، لكنى أرى أن الذين يوجدون في المملكة لا يذهبون إلى باكستان وغيرها من البلاد الأخرى، لأننا لا ندري عن عقائد أولئك، ولا ندري عن مناهجهم، لكن المنهج الذي عليه أصحابنا هنا في المملكة منهج لا غبار عليه، وليس فيه شيء.
وأما تقييد الدعوة بثلاثة أيام أو أربعة، أو شهرين أو أربعة أشهر أو ستة، أو سنتين، فهذا لا وجه له، ولكنهم يرون أن هذا من باب التنظيم، وأنه إذا خرج ثلاثة أيام، وعرف أنه مقيد بهذه الأيام الثلاثة، استقام وعزف عن الدنيا، فهذه مسألة تنظيمية، وليست عبادة ولا شرعا.
فأرى، بارك الله فيك، إن كان لك اتجاه لطلب العلم أن طلب العلم أفضل لك، لأن طلب العلم فيه خير، والناس الآن محتاجون لعلماءَ أهلِ سنةٍ، راسخين في العلم، وإن لم يكن عندك قدرة على طلب العلم، وخرجت معهم لأجل أن تصفي نفسك، فهذا لا بأس به، وفيه أناس كثيرون هداهم الله عز وجل على أيديهم. [الباب المفتوح، اللقاء العاشر، ص 304 بتصرف يسير] .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/75)
ينكرون عليه تطبيق السنَّة ويدَّعون أنها تفرق المسلمين!
[السُّؤَالُ]
ـ[قال إمام مسجدنا في خطبة الجمعة بأنه لا ينبغي التشدد بالسنة النبوية؛ لأن السنَّة تفرق بين المسلمين , ونحن يجب علينا أن نتحد، واستدل بأَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا. هل هذا صحيح - مع العلم بأننا متبعون للسنَّة، وهو يسمي المتبع للسنَّة متشدداً؟ . أفيدونا بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد قال إمامكم منكراً من القول وزوراً، وكان الواجب عليه أن يتقي الله ربَّه، وأن يحفظ لسانه عن الكلام فيما يغمسه في الإثم.
والسنَّة النبوية هي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله، فكيف تكون السنَّة مفرِّقة بين المسلمين؟! وما الذي يوحدهم إن كانت السنَّة تفرقهم؟!
ولو صدق ذلك الإمام لقال: إن السنة هي التي تجمع الناس، وتلم شتاتهم.
قال الإمام أبو المظفر السمعاني رحمه الله: " وكان السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطريق النقل، فأورثهم الاتفاق والائتلاف، وأهل البدعة أخذوا الدين من طريق المعقولات، فأورثهم الافتراق والاختلاف.. " الانتصار لأهل الحديث ص (47) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به، باطنا وظاهرا، وسبب الفرقة ترك حظ مما أمر العبد به، والبغى بينهم!!
ونتيجة الجماعة رحمة الله ورضوانه وصلواته وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه،
ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنته وسواد الوجوه وبراءة الرسول منهم. "
مجموع الفتاوى (1/17) .
وقال ـ رحمه الله ـ أيضا:
" ما كان مأثورا حصلت له الألفة وما كان معروفا حصلت به المعرفة كما يرى عن مالك رحمه الله أنه قال: إذا قل العلم ظهر الجفاء وإذا قلت الآثار كثرت الأهواء "
درء التعارض (1/149) .
وكيف يسمَّى المتبع للسنَّة متشدِّداً والمسلم مأمورٌ باتباعها والاقتداء بهدي صاحبها وهو النبي صلى الله عليه وسلم؟! وماذا يقول هذا الإمام عن أفعال الصحابة رضي الله عنهم عندما اتبعوا سنة نبيهم صلى الله عليه خير اتباع؟! وماذا سيكون حكمه على هذه الواقعة:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى - وَقَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا.
رواه أبو داود (650) ، وصححه الألباني.
فهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد ألقوا نعالهم في الصلاة لمجرد رؤيتهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم يخلع نعله، فكيف لو كان الأمر سنَّةً عنه صلى الله وسلم، أو كان هدياً له؟! .
ثانياً:
إن لمز متبعي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم واتهامهم بالتشدد أو التطرف هو من الإيذاء والبهتان، وقد توعد الله تعالى من يفعل ذلك، فضلاً أنه يكون متشبهاً بالمشركين الذين سبقوه إلى هذا الفعل.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/58.
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ. وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ. وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ) المطففين/29 – 32.
قال الشيخ العثيمين – رحمه الله -:
" (وَإِذَا رَأَوْهُمْ) أي: رأى المجرمون المؤمنين قَالُوا:
(إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ) ضالون عن الصواب، متأخرون، متزمتون، متشددون، إلى غير ذلك من الألقاب، ولقد كان لهؤلاء السلف خلفٌ في زماننا اليوم، وما قبله، وما بعده، فمن الناس من يقول عن أهل الخير: إنهم رجعيون، إنهم متخلفون، ويقولون عن الملتزم: إنه متشدد، متزمّت، وفوق هذا كله من قالوا للرسل: إنهم سحرة أو مجانين، قال الله تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) الذاريات/52، فورثة الرسل من أهل العلم والدين سينالهم من أعداء الرسل ما نال الرسل؛ من ألقاب السوء والسخرية، وما أشبه ذلك، ومن هذا تلقيب أهل البدع والتعطيل لأهل الإثبات من السلف بأنهم حَشوَّية، مُجسِّمة، مُشبِّهة، وما أشبه ذلك من ألقاب السوء التي ينفرون بها الناس عن الطريق السوي.
" لقاءات الباب المفتوح " (اللقاء رقم 30) .
ثالثاً:
التشدد المذموم في الدِّين هو جعل المستحب واجباً، أو جعل المكروه محرَّماً، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه من الغلو في الدين، كما أنه حذَّر من التشدد فيه، وليس معنى الغلو والتشدد تطبيق السنة، بل تغيير أحكامها، والتشدد في إيجاب الأمر أو تحريمه وليس هو كذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في شرح حديث (لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ) -:
" ففيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشدد في الدين بالزيادة عن المشروع، والتشديد تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب ولا مستحب بمنزلة الواجب والمستحب في العبادات، وتارة باتخاذ ما ليس بمحرم ولا مكروه بمنزلة المحرم والمكروه في الطيبات، وعلل ذلك بأن الذين شددوا على أنفسهم من النصارى شدد الله عليهم لذلك، حتى آل الأمر إلى ما هم عليه من الرهبانية المبتدعة.
وفي هذا تنبيه على كراهة النبي صلى الله عليه وسلم لمثل ما عليه النصارى من الرهبانية المبتدعة، وإن كان كثير من عبادنا قد وقعوا في بعض ذلك متأولين معذورين، أو غير متأولين ولا معذورين.
وفيه أيضا تنبيه على أن التشديد على النفس ابتداء يكون سببا لتشديد آخر يفعله الله إما بالشرع وإما بالقدر، فأما بالشرع: فمثل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخافه في زمانه من زيادة إيجاب أو تحريم كنحو ما خافه لما اجتمعوا لصلاة التراويح معه، ولما كانوا يسألون عن أشياء لم تحرم، ومثل أن من نذر شيئا من الطاعات وجب عليه فعله وهو منهي عن نفس عقد النذر، وكذلك الكفارات الواجبة بأسباب.
وأما القدر: فكثيراً ما قد رأينا وسمعنا من كان يتنطع في أشياء فيبتلى أيضا بأسباب تشدد الأمور عليه في الإيجاب والتحريم؛ مثل كثير من الموسوسين في الطهارات: إذا زادوا على المشروع، ابتلوا بأسباب توجب حقيقة عليهم أشياء فيها عظيم مشقة ومضرة."
" اقتضاء الصراط المستقيم " (103، 104) .
وقال الشيخ العثيمين – رحمه الله ـ في شرح حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ) رواه النسائي (3059) وابن ماجه (3029) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " -:
وفي هذا الحديث يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من الغلو، ويبرهن على أن الغلو سبب للهلاك؛ لأنه مخالف للشرع؛ ولإهلاكه للأمم السابقة؛ فيستفاد منه تحريم الغلو من وجهين:
الوجه الأول: تحذيره صلى الله عليه وسلم، والتحذير نهي وزيادة.
الوجه الثاني: أنه سبب لإهلاك الأمم كما أهلك من قبلنا، وما كان سببا للهلاك كان محرما.
.. والناس في العبادة طرفان ووسط؛ فمنهم المفرط، ومنهم المفرط، ومنهم المتوسط.
فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وكون الإنسان معتدلا لا يميل إلى هذا ولا إلى هذا: هذا هو الواجب؛ فلا يجوز التشدد في الدين والمبالغة، ولا التهاون وعدم المبالاة، بل كن وسطا بين هذا وهذا.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (9 / 367، 368) .
رابعاً:
الحديث الذي استدل به إمامكم: فهذا الحديث رواه البخاري (1333) ومسلم (14) وليس في صحته إشكال، لكنه أُتي من سوء فهمه له، ولو وقف على رواياته وكلام أهل العلم لما استدل به على ما فهمه منه، فقد جاء في رواية عند البخاري (وعَلَّمَهُ شَرَائِعَ الإسْلام) وهذه اللفظة تشمل باقي الفرائض، وتشمل المندوبات.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قوله: (فَإِذَا هُوَ يَسْأَل عَن الإِسْلام) أي: عن شرائع الإسلام , ويحتمل أنه سأل عن حقيقة الإسلام , وإنما لم يذكر له الشهادة لأنه علم أنه يعلمها، أو علم أنه إنما يسأل عن الشرائع الفعلية , أو ذكرها ولم ينقلها الراوي لشهرتها , وإنما لم يذكر الحج إما لأنه لم يكن فرض بعد أو الراوي اختصره , ويؤيد هذا الثاني ما أخرجه المصنِّف – أي: البخاري - في الصيام من طريق إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل في هذا الحديث قال: " فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام " , فدخل فيه باقي المفروضات بل والمندوبات ... .
قوله: (وَذَكَرَ رَسُولُ الله صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الزَّكَاةَ) في رواية إسماعيل بن جعفر قال: " أخبرني بما فرض الله عليَّ من الزكاة , قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام " , فتضمنت هذه الرواية أن في القصة أشياء أجملت , منها بيان نصب الزكاة؛ فإنها لم تفسر في الروايتين , وكذا أسماء الصلوات , وكأن السبب فيه شهرة ذلك عندهم , أو القصد من القصة بيان أن المتمسك بالفرائض ناج وإن لم يفعل النوافل ... .
فإن قيل: أما فلاحه بأنه لا ينقص فواضح , وأما بأن لا يزيد فكيف يصح؟ أجاب النووي بأنه أثبت له الفلاح لأنه أتى بما عليه، وليس فيه أنه إذا أتى بزائد على ذلك لا يكون مفلحا , لأنه إذا أفلح بالواجب ففلاحه بالمندوب مع الواجب أولى.
" فتح الباري " (1 / 108) .
ونرجو من الإمام أن يتأمل لفظة " وعلمه شرائع الإسلام "، كما نرجو أن يتأمل نهاية ما نقلناه عن الحافظ ابن حجر، والذي أقرَّ فيه كلام الإمام النووي، بأن الفلاَح يكون أولى لمن جاء بالواجبات وأضاف إليها المندوبات.
خامساً:
نوصيكم بالمحافظة على أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما نوصيكم بالمحافظة على تطبيق السنن والمستحبات، دون غلو وتشدد، وتعليم ذلك للناس بحكمة وحسن أسلوب، ولا يجوز لكم تنفير الناس بالتشدد فيما فيه سعة، أو بجعل المستحبات واجبات، أو بالتشدد في النكير على الناس، وخاصة خاصتهم كإمام المسجد أو المفتي أو من له منزلة عند الناس، واستمعوا لهذه النصيحة الجامعة من عالم فاضل.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
يجب عليك الالتزام بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمحافظة عليها، وألا تلتف إلى عذل من يعذلك، أو يلومك في هذا، أما أن الوالدين يلومانك في تمسكك بالسنة ويريدان منك التساهل في ذلك: فلا تطعهما في هذا الأمر، خصوصاً إذا كانت هذه السنن من الواجبات التي يجب التمسك بها، لا في المستحبات، وإذا لم يصل الأمر إلى التشدد، أما إذا كان الأمر بلغ بك إلى حد التشدد: فلا ينبغي لك، ولكن ينبغي الاعتدال والتوسط في تطبيق السنن، والعمل بها، من غير غلو وتشدد، ومن غير تساهل ولا تفريط، هذا هو الذي ينبغي عليك، وعلى كل حال أنت مثاب - إن شاء الله - وعليك بالتمسك بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإقناع من يلومك في هذا، خصوصًا الوالدين، عليك أن تتبعهما وأن ترغبهما في السنن وتبين لهما ما في ذلك من الثواب والخير، فلعله أن يزول عنهما هذا الاعتراض أو هذا الاستغراب، ولعله أيضاً أن يكون هذا العمل سبباً في التزامهما أيضاً بالسنن والاقتداء، وتكون أنت داعية إلى الله عز وجل، ولا شك أن الإنسان الذي يدعو إلى الله يجب أول ما يدعو أقاربه وأقرب الناس إليه، والوالدان من أقرب الناس إليك.
فعلى كل حال إذا كان تمسكك بالسنن لا ينتهي إلى حد الإفراط والغلو: فهو أمر محمود، وعليك أن تستمر عليه، وأن تدعو إليه والديك وغيرهما، والله أعلم.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (2 / 301، 302) .
وأخيرا: كما أن من التشدد المذموم أن ننزل المستحب منزلة الأمر الواجب، أو المكروه منزلة المحرم، أو نلزم أنفسنا بما لم يلزمنا الله تعالى به؛ فكذلك من الجهل بأصول الشريعة أن نهدر الأصل العام العظيم، وهو وجوب الألفة والمحبة بين المسلمين، والاجتماع على حبله المتين، وصيانة عرض المسلم من السلب والعيب، فضلا عن العدوان والأذى والضرب، من الجهل أن نهدر ذلك كله لأجل أن هذا تمسك بأمر مستحب، وغيره لا يراه مستحبا، أو لا يلتزم به، وبالمقابل العدوان على عرض المسلم أو حقه لأجل أنه أخل بأمر يستمسك به غيره، وبمثل ذلك ينال العدو اللعين مراده من المؤمنين؛ فكيف لو كان ذلك في بلاد المهجر والغربة، حيث يرانا غيرنا صورة لديننا.
روى الإمام مسلم في صحيحه (2812) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فأما صفة الصلاة: ومن شعائرها مسألة البسملة؛ فإن الناس اضطربوا فيها نفيا وإثباتا: في كونها آية من القرآن، وفي قراءتها، وصنفت من الطرفين مصنفات يظهر في بعض كلامها نوع جهل وظلم مع أن الخطب فيها يسير. وأما التعصب لهذه المسائل ونحوها فمن شعائر الفرقة والاختلاف الذي نهينا عنها ; إذ الداعي لذلك هو ترجيح الشعائر المفترقة بين الأمة وإلا فهذه المسائل من أخف مسائل الخلاف جدا لولا ما يدعو إليه الشيطان من إظهار شعار الفرقة ... "
ثم قال: " ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات، لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت، لما في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر، ثم صلى خلفه متما، وقال: الخلاف شر. "
مجموع الفتاوى (22/405-4079) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/76)
تختلط مع قريبها وتكشف وجهها أمامه وتكلمه في الهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة حلقة ولدي طالبة في العشرين من عمرها، بنَتْ علاقة مع أحد أقربائها من غير المحارم (قيل إنه مستقيم) فإذا حصل اجتماع للعائلتين تكشف له عن وجهها من غير خلوة بحيث يكون معهم أطفال صغار، وعندما نُصحت قالت: مادام أنه قريب: فلا حرج من ذلك، وهي تحدثه في الهاتف، هي لا تعلم أنني أعرف شيئا من ذلك، فماذا أفعل؟ وكيف أواجهها - مع العلم أنني أخاف من عنادها، وابتعادها عن الحلقة، وهي بأشد الحاجة إليها -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن هذه الأخت بحاجة لنصيحة وتوجيه، ومن يُزعم بأنه مستقيم من أقربائها يحتاج للأمر نفسه؛ وليس من شك في أنهما يفتحان عليهما بتلك العلاقة التي بدآ فيها بابا من الفتنة، وطريقا إلى الإثم والعدوان، ثم لا يؤمن ما يكون من عاقبة ذلك، ولا يدري أحد أين ينتهي بهما المطاف.
عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تتعوجوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ؛ لَا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ!!
وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ)
رواه الإمام أحمد (17182) وصححه الألباني في ظلال الجنة (19) .
وقوله: (ويحك) زجر له من تلك الهمة، وهي كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها.
(لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه) أي تدخل الباب وتقع في محارم الله، قال الطيبي: هذا يدل على أن قول أبواب مفتحة أنها مردودة غير مغلقة.
" فيض القدير" (4/334) .
قال ابن رجب رحمه الله:
" ومن كان في الدنيا قد خرج عن الاستقامة على الصراط ففتح أبواب المحارم التي في ستور الصراط يمنة ويسرة، ودخل إليها، سواء كانت المحارم من الشهوات أو من الشبهات، أخذته الكلاليب التي على ذلك الصراط، يمنة ويسرة، بحسب ما فتح في الدنيا من أبواب المحارم؛ فمنهم المكدوس في النار، ومنهم من تخدشه الكلاليب وينجو. "
" شرح حديث مثل الإسلام " ص (44) .
إن القرابة التي أشار إليها السؤال داعية إلى أمرين:
الأمر الأول: أن يكون حرص القريب على قريبه، وصيانته له أكثر من حرص غيره، فلا يساعده على فتح باب الحرام , ولا الولوج في الشهوات أو الشبهات، بل يكون حرصه على قريبه لحق الإسلام أولا،ثم لحق القرابة التي بينهما ينبغي أن يتأكد ذلك الحرص
الأمر الثاني: لما كان كثير من الناس يتساهلون في الخلطة بين الأقرباء، وقل منهم من يصون الحرمة، ويردع نفسه من مواطن الفتن، شدد الشرع في سد باب الفتنة بالقريب، الذي لا يتحفظ الناس منه، أكثر غيره، حتى لقد شبهه بالموت!!
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) .
وانظري شرح الإمام النووي لهذا الحديث في جواب السؤال (12837) .
وفي الجواب المحال عليه فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في جواز جلوس المرأة مع أقاربها بشرطين:
الأول: أن تكون بحجابها الكامل، بما فيه وجهها ويداها.
والثاني: عدم وجود ريبة.
وكلا الشرْطين مفقودان هنا، فهي تجلس مع قريبها كاشفةً لوجهها، ولا شك أن مجلسهما فيه ريبة، ومن آثار تلك المجالس: المحادثات التي تمت بينهما، وهي محرَّمة - أيضاً -، وقد بيَّنا فتاوى أهل العلم في هذه المسألة في جواب السؤالين: (26890) و (10221) .
ثانياً:
يجب عليكِ التلطف في دعوتها ونصحها وتذكيرها، وعليكِ استعمال الحكمة والموعظة الحسنة، والرفق في النصح مظنة الاستجابة، والموعظة المؤثرة مظنة تأثر القلب.
قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل/125.
وقال تعالى لموسى وهارون: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه/43، 44.
وانظري جواب السؤالين (60244) و (13261) ففيهما فوائد مهمة.
وإذا خشيت نفرتها من المواجهة، أو عنادها، فيمكنك أن تلمحي لها بما تريدين، وتورِّي لها بمقصودك، كأن تذكري أمامها بعض الأحاديث التي تحذر من الفتنة بالرجل الأجنبي، وخاصة القريب، وأن تعطيها بعض الأشرطة أو الرسائل والمطويات التي تتكلم عن ذلك، وخطورة التساهل في ذلك الأمر على دين المرأة وعفتها. وأظهري لها الكلام بصفة العموم، كأنك لا تعرفين شيئا عن حالها.
ثم حمليها أمانة الدعوة إلى الله، ونشر ذلك الأدب بين المسلمات، وأنه لا يكفي الفتاة أن تصون نفسها من الفاحشة، أو مقدماتها من الاختلاط المحرم، والعلاقات المرفوضة شرعا، بل يجب عليها أيضا أن تدعو غيرها إلى الله تعالى، وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، بحسب طاقتها.
ثالثاً:
إذا لم تجد هذه التورية، ولم ينفع التلميح، فيمكنك أن تتلطفي في مواجهتها بما تفعل، فهي كبيرة في السن وتفهم الكلام، وهي – كذلك – طالبة في حلقة قرآنية، وتصرفاتها لا تُحسب عليها فقط بل على مكان تعلمها وتربيتها، وأعلميها أن ذلك هو من باب محبتها ومحبة الخير لها، والخوف عليها، وليس من باب الرقابة والسلطان على تصرفات الغير؛ فكثير من الناس ينفر من الحق، لا لشيء إلا لأنه يعتبر أن من ينصحه نصب نفسه رقيبا عليه.
ويمكنك أن تركزي على مجموعة من الأمور في نصحها:
1. أن تبيِّني لها منزلة الحياء في الشرع، وكيف كانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الصحابة على قدر عظيم من هذا الخُلُق.
2. تنبيهها على وقوعها في محاذير شرعية، مثل كشف وجهها أمام ذلك الأجنبي، وتلك المجالس المختلطة، والحديث معه في الهاتف، وسبقت الإحالة على فتاوى كثيرة لأهل العلم في هذه المواضيع.
وقد بيَّنا في جواب السؤالين (11774) و (21536) حكم تغطية الوجه والكفين فلينظرا.
3. تذكيرها بقصص واقعية لضحايا الاختلاط والمحادثات والمراسلات مع الأجانب، وهي أكثر من أن تُحصى.
وانظري جواب السؤال رقم (20784) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (1200) تفصيل الحكم في الاختلاط، وذِكر آثاره السيئة.
4. الاتصال بوالدتها أو زيارتها لنصحها وتذكيرها بخطأ ما يفعلونه في بيتهم، وأثر ذلك على عليهم، وعلى ابنتهم خاصة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/77)
كيف يدعو صاحبه إلى السنة والجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لي أن أدعوَ أخًا لي مسلما، ولكنه صوفي، أَحسنَ إليَّ كثيرًا، يداوم على حضور دروس العلماء، ومع عدم وجود ناصر من العلماء ممن قد يساندوني في ذلك، مع علمكم بصعوبة الإقناع للصوفيين، وخصوصًا في الوسط ذاته، ومع العلم أنه يتهم السلفيين بأنهم تكفيريون، وغير ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على حرصك ومتابعتك لأخيك في أمور الدين، ولا شك أن من أكبر نعم الله على العبد أن يجعل قلبه حيًا نابضًا بالدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والداعية إلى الله يحتاج في دعوته إلى العلم والبصيرة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" تأمل أيها الشاب المسلم الواعي الداعي إلى الله قوله تعالى (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف/108.
أي: على بصيرة فيما تدعو إليه، وعلى بصيرة بحال المدعو، وعلى بصيرة في كيفية الدعوة، إذًا هناك شروط يجب مراعاتها، منها:
أولاً: أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه، بأن يكون عالمًا بالحكم الشرعي فيما يدعو إليه؛ لأنه قد يدعو إلى شيء يظن أنه واجب وهو في الشرع غير واجب، فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم به الله، وقد يدعو إلى ترك شيء يظن أنه محرم، وهو في دين الله غير محرم، فيحرم على عباد الله ما أحله الله لهم.
ثانيًا: أن يكون على بصيرة بحال المدعو: لا بد أن تعلم حال المدعو، ما مستواه العلمي؟ وما مستواه الجدلي؟ حتى تتأهب له فتناقشه وتجادله؛ لأنك إذا دخلت مع مثل هذا في جدال، وكان الأمر عليك لقوة جدله، صار في هذا نكبة عظيمة على الحق وأنت سببها، ولا تظن أن صاحب الباطل يخفق في كل حال.
ثالثًا: أن يكون على بصيرة في كيفية الدعوة، فأحث إخواني الدعاة على استعمال الحكمة والتأني، وهم يعلمون أن الله تعالى يقول: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) البقرة/269 " انتهى.
"فتاوى الحرم المكي" (ص/1063- 1066 بتصرف) .
وانظر سؤال رقم (2023) .
وينبغي هنا أن تتنبه إلى بعض الأمور:
أولاً:
لا تستعمل أسلوب التعميم، كأن تحكم على التصوف في أصل فكرته بالبدعة والضلال، أو تحكم على جميع المتصوفة بالضلال، بل عليك بالاحتراز في الكلام، كأن تقول له مثلاً: من فعل كذا أو قال كذا من الصوفية أو غيرهم فقد وقع في البدعة، أو نحو ذلك من العبارات.
ولم يحكم العلماء على التصوف جميعه بالضلال، بل قسموا التصوف إلى أقسام، ثم بينوا ما يوافق السنة منها وما يخالفها.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم:
" المتصوفة على قسمين: متصوفة سُنِّيِّين، ومتصوفة بدعِيِّين، ومقتصدوهم ليس فيهم إلا القليل من البدعة، وبعضهم عنده الشيء الكثير، وجعلوا التصوف نافذة إلى وحدة الوجود " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن إبراهيم" (1/ رقم 192) .
وإن كان الغالب على الصوفية الآن الوقوع في البدع والضلالات.
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (4983) (47431) (20375) .
فيمكنك أن تدخل له من هذا المدخل، ثم تحاكم التصوف الذي يلتزمه صاحبك إلى الكتاب والسنة، فإن كان حقا فالحمد لله، وإن كان باطلاً رجع عنه إن شاء الله.
ثانيًا:
وأما اتهامه للسلفيين بأنهم تكفيريون، فهي تهمة سمعناها كثيراً، وتكفير من قام الدليل على تكفيره ليس عيباً ولا خطأً، بل العيب والخطأ هو عدم تكفير من دل الدليل على تكفيره، ونحن لا ننكر أن بعض من ينتسب إلى السلفيين قد تساهل في إطلاق لفظ الكفر، ولكن ليس هذا هو منهج أهل السنة والجماعة، فأهل السنة لا يكفرون أحدا بمجرد معصية فعلها، ولو كانت كبيرة، بل لابد من قيام الدليل الشرعي على أن هذا الفعل كفر، ثم توفر الشروط وانتفاء الموانع حتى يحكم على الشخص بأنه كافر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" مذهب أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أهل القبلة بمجرد الذنوب، ولا بمجرد التأويل، بل الشخص الواحد إذا كانت له حسنات وسيئات فأمره إلى الله " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (27/478) .
وقال رحمه الله:
" وليس لأحد أن يُكفِّر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (12/466) .
وبيّن رحمه الله أن أهل السنة لا يكفرون المخالف لهم، وإن كان مخالفهم يكفرهم - أحيانًا - قال رحمه الله:
" وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها، ولو ظلمهم، كا قال تعالى (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) المائدة/8.
ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون لهم الشر ... ، فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفرهم؛ لأن الكفر حكم شرعي " انتهى.
"الرد على البكري" (ص/256 – 258) .
ثالثًا:
إن لم يكن عندك من العلم ما يكفي لإقناعه، والإجابة عن الشبهات التي يحملها، فيمكنك إيصال الحق له عن طريق الكتاب النافع، والشريط المقنع، أو عن طريق زيارة أهل العلم في بلدكم أو في غيرها من البلاد، للسماع منهم وسؤالهم، وقد باتت وسائل الخير متيسرة لجميع الناس هذه الأيام – والحمد لله -، ولا تحتقرن شيئًا من ذلك، فلعل شريطًا تهديه إليه يكون سببًا في هدايته.
رابعًا:
لا تيأس من دعوته وهدايته، ولو طال الزمن، فكم من الناس تاب ورجع إلى الحق بعد سنوات من دعوته وتذكيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/78)
تحدثت مع رجال عبر الإنترنت ثم تابت من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو المساعدة فالأمر في غاية الأهمية!
أسلمت منذ 4 سنوات وتزوجت من 3 سنوات تقريباً، وأنا لا أعيش مع زوجي لأننا تزوجنا سرّاً، وأهله لا يعرفون عني شيئاً حتى الآن، وأن لا تتاح لي فرصة رؤية زوجي بالعدد الذي أرغبه، ولذلك فقد أصبحت أشعر بالوحدة، ونتيجة لغبائي وأنانيتي وتعجلي فقد بدأت أتحدث إلى رجال من غير المحارم عبر شبكة الإنترنت!!! (وأسأل الله أن يغفر لي) ، لقد تحدثت مع عدد منهم، وأخبرتهم أني لست متزوجة، وأخبرت بعضهم أني مطلقة أو سأحصل على الطلاق في وقت قريب، كما أني أعطيت أحدهم صورة قديمة أظهر فيها بدون حجاب، حيث يظهر شعر رأسي ورقبتي ويداي!!!! حدث كل هذا قبل أشهر معدودة، وقد تبت الآن من جرائمي، كما أني بكيت خوفا من القبر ويوم الحساب، أنا أخاف الله كثيراً، وقد قطعت جميع العلاقات مع هؤلاء الأشخاص، أنا لا أتحدث الآن إلى أي رجل عبر الإنترنت لأني أعلم أن الشيطان يغري الإنسان، أنا أشعر بالخجل فعلا عما فعلت، وأشعر بالكثير من الذنب لذلك، أنا أحب زوجي وهو يحاول أن يخبر أهله بخصوصي إن شاء الله، أنا لا أريد أن أخسره، هل يجب عليَّ إخباره بما فعلت؟ وماذا عن الصورة؟ أنا أكره ما فعلت لكن ماذا لو أن الشاب لا يزال يحتفظ بها؟ هل سأذهب للنار؟ وفيما يتعلق بإخباري للناس أني كنت مطلقة، أو أني سأطلق، هل يؤثر ذلك على صحة زواجي؟ أعلم أني أفسدت وحطمت حياتي، لكني أرجو المساعدة، فالله يعلم وحده مقاصدي، أنا لا أريد أن أجرح أي شخص، أو أن أرتكب الخطأ في حق الله، أريد أن أعمل الأفضل لجميع الأشخاص، وأريد أن أستر على نفسي، فهل يمكنني ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحمد لله الذي هداكِ للإسلام، وقد اختاركِ الله تعالى لتكوني من أتباع هذه الرسالة العظيمة، وهذا أعظم أسباب الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، فعليكِ المداومة على تذكر هذه النعمة الجليلة التي حُرمها الكثير، والقيام بشكر الله تعالى عليها بالقلب واللسان والجوارح.
ثانياً:
والحمد لله تعالى أن يسَّر لكِ الزواج من مسلم، وإن كنَّا نودُّ أن يكون زواجاً ليس فيه بعدٌ من زوجك عنكِ، وأن يعلم أهله عنه، وبما أن لإخفاء زوجك هذا الأمر عن أهله وابتعاده عنك دوراً كبيراً فيما حصل معكِ فإن عليك المسارعة في إصلاح هذا الأمر، وذلك بالطلب منه أن يجعل زواجكم علنيّاً، وأن يسارع في إخبار أهله، وأن يبقى إلى جانبك لإعانتك على طاعة الله تعالى، وعليه أن يتقي الله تعالى فيكِ وأن لا يعرضكِ للفتن، وليتنبه لهذه المسئولية الملقاة على عاتقه.
ثالثاً:
والحمد لله تعالى أن وفقكِ للتوبة والرجوع إليه قبل الانغماس في المعصية أو ارتكاب ما هو أشد منها، والمعصية يزينها الشيطان في نفس فاعلها، فإنْ تذكَّر عقوبة فِعلها وتذكَّر ما عند الله من الثواب على تركها، وعلم ما أعدَّه الله في الآخرة للطائعين: علِم أن ما عند الله خير وأبقى، وأن المعاصي مهما بلغ صاحبها في النشوة واللذة فهي إلى غمٍّ وهمٍّ ونكدٍ في الدنيا، وإلى عقوبة في الدار الآخرة، فاستمري على التوبة، وعلى ندمك على ما فعلتِ، واعزمي عزماً مؤكداً على عدم الرجوع إليها، وافعلي الطاعات تعويضاً عما فات وتقرباً إلى الله لزيادة الثواب.
رابعاً:
لا بدَّ أن تغلقي أبواب الفتن التي جاءتك المعاصي من خلالها، ونعني بذلك " تلك المحادثات " فعليك أن تبتعدي بالكلية عن تلك المحادثات الآثمة التي كانت مع الرجال، فلا يحل لك دخول الغرف الصوتية لهم ولا مراسلتهم والحديث معهم، وإن كانوا معك على " الماسنجر " فسارعي بشطب أسمائهم.
وإن خشيت أن يكون دخولك على الإنترنت سيجرك إلى محادثة هؤلاء فامتنعي كليةً عن الدخول على الإنترنت، واكتفي بالأشرطة الصوتية النافعة، وقراءة الكتب النافعة، والبحث عن صحبة صالحة من بنات جنسكِ يدلونك على الخير، ويمنعونك من السوء والشر.
ومن مقتضيات التوبة الصادقة التي يكون معها الندم والعزم على عدم الرجوع إليها أن تبتعدي عن مواضع الفتن الأخرى من مواقع محرمة، أو منتديات اللغو والفحش.
ولو أنك فرَّغتِ نفسكِ لسماع الأشرطة وقراءة الكتب النافعة، وقراءة الأجوبة والمقالات من المواقع الإسلامية المعروفة بصحة الاعتقاد، وسلامة المنهج لما كفتكِ حياتك كلها لو طالت، فكيف تضيِّعين العمر فيما لا ينفع وبين يديك كنوز الخير من الكتب والمقالات والأشرطة؟! وهي حجة عليك يوم القيامة إن فرطتِ فيها، وليس لك أن تقولي إنني وحيدة ولا أعرف كيف أقضي وقتي، وأنتِ بين بساتين الخير فيها الورود والأزهار ذوات الروائح الزكية، فتنقلي بين تلك البساتين واحرصي على الخير لنفسك، واعلمي أن العمر قصير، ولو قضاه الإنسان كلَّه في طاعة الله للقي الله تعالى مقصِّراً فكيف له أن يضيعه في اللغو والمعصية؟!
خامساً:
من عادة كثير من الرجال في مخاطبتهم للنساء أن يحرصوا على الاستمرار معهن حتى إذا قضوا حاجتهم منهن انتقلوا إلى غيرهن، وهذا ما أنقذك الله منه، وهي نعمة لا تقدَّر بمال الدنيا، وتحتاج منكِ إلى المداوة على شكره تعالى، وكذلك يتركونهن إلى غيرهن إذا أيسوا منهن أو انقطعت بينهم الاتصالات، وقد يخطر ببال كثير منهم أن ما حصل من محادثات لم يكن مع امرأة، وأن الصورة ليست لواحدة بعينها، بل قد تكون من أي محل تصوير أو من مجلة أو من جريدة، فإذا قطعتِ الاتصال بهم نهائيّاً – وهذا ما وفقك الله لفعله - فإن الأمر سيكون على تلك الاحتمالات، ولا داعي للاهتمام بالصورة والحرص على تحصيلها، فقد تستخدم وسيلة ابتزاز كما حدث مع كثيرات، فانسي الأمر تماماً وفوِّضي أمرك إلى الله تعالى، فهو " ستِّير يحب الستر " كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي وفقك للإسلام والتوبة، وهو الذي أنقذك، فلم تقعي في براثن تلك الذئاب، وهو الذي سيستر عليك، وييسر لك أمرك، بمشيئته سبحانه وتعالى، وصور النساء اللاتي تُظهر أكثر مما في صورتك تملأ الشبكة – عياذاً بالله – فلن يبقى أحدٌ منهم حريصا على صورةٍ مثل تلك، وبين يديه الآلاف غيرها.
سادساً:
وإياكِ أن تخبري زوجكِ بما حصل، بل عليك أن تستتري بستر الله تعالى، وقد يتسبب إخبارك له بعواقب وخيمة، فدعي الأمر بينك وبين الله، توبي إليه عز وجل، واطلبي منه العفو والمغفرة، وأكثري من فعل الطاعات، واحرصي على أن يعلن زوجك زواجك لأهله، واطلبي منه أن يبقى إلى جانبك ليعينك على طاعة الله، ولا تفتحي على نفسكِ أبواباً مغلقة بإخباره عما حصل منكِ، فليس هناك فائدة في إخباره، بل قد يترتب عليه آثار ليست في مصلحتك ولا مصلحة بيتكِ.
سابعاً:
ليس في إخبارك لأحدٍ أنك " مطلَّقة " أو " أنك ستطلَّقين " أي أثر على صحة عقد زواجك، فاطمئني ولا تقلقي، ومثل هذه الكلمات قد يترتب عليها أمور أخرى لو قالها الزوج، أما الزوجة فلا أثر لنطقها بتلك الكلمات على عقد الزواج، فلا داعي للقلق من هذه الناحية، وليس هناك حكم يترتب على قولك سوى أن عليك التوبة والاستغفار لأنه إخبار بغير الحقيقة.
ثامناً:
أنتِ لم تفسدي حياتك بل أصلحتيها بإسلامك أولاً، وبتوبتك من تلك المعاصي ثانياً، واعلمي أن الله تعالى غفور رحيم، وأنه يقبل التوبة من عباده، وأنه يبدل سيئات الصادقين في توبتهم حسنات، وأنه تعالى قد يوفقك لصدقك في التوبة لأن تكوني أفضل حالاً وأقوى استقامة بعد ذلك الرجوع الصادق إليه عز وجل، فلا يتطرق اليأس والقنوط إلى قلبك، فقد قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوَّابون) وأنتِ من بنات آدم، وقد أخطأتِ، فكوني من خير الخطائين وهم التوابون، ونرجو من الله تعالى أن يكون قد وفقك للتوبة النصوح، وأن يتقبل منك.
واعلمي أن الله تعالى سيبدل سيئاتك حسنات لو أنك فعلتِ هذا، واسمعي ماذا يقول ربنا عز وجل في هذا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68– 70.
والخلاصة:
استمري على توبتك، وأغلقي أبواب الفتنة عليك، واحرصي على الطاعة والصحبة الصالحة، ولا تخبري زوجك بما حصل معك، وثقي بالله تعالى أنه سيستر عليك لو أنك صدقتِ في توبتك.
ونرجو أن نكون قد أجبنا على تساؤلاتك، وستجدين هذا الموقع نصيراً لك، ودالاًّ لك على الخير، إن شاء الله تعالى، ونرجو أن نسمع عن تغير حالك إلى ما هو أحسن، وأن نرى زوجك أعلن زواجك أمام أهله، ونسأل الله تعالى أن يرزقك علماً نافعاً وعملاً صالحاً وذرية طيبة.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/79)
هل يدخل إلى المواقع باسم مستعار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ممن يدخل برنامج البالتوك للدعوة إلى الله، وسؤالي ما الحكم في دخول هذا البرنامج باسم مستعار من أجل الاستفادة والإفادة؟ لأننا سمعنا من يقول: إن هذا لا يجوز، وإنه يجب على الناس وخاصة الذي يدعو إلى الله أن يدخل باسمه الحقيقي، ويشوه صورة الدعاة وأهل الخير في البالتوك بحجة أن أسماءهم مستعارة.. علما يا شيخ أن أغلب من يدخلون الغرف وخاصة الإسلامية يدخلونها بأسماء مستعارة تجنبا للمشاكل وخوفا من الرياء ونحو ذلك.. فهل كلام هذا الرجل صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر أن هذا الفعل جائز، ولا حرج فيه، وذلك لما يلي:
1- أن عامة رواد هذه المواقع، يعلمون أن هذا الاسم ليس حقيقيا، وإنما هو رمز أو إشارة إلى الكاتب.
2- أن هذا لا يعد من الكذب، لأن أصحاب هذه المواقع لا يشترطون أن يكون الدخول إليها بالاسم الحقيقي.
3- أنه لا مانع من أن يلقب الإنسان نفسه بلقب، أو يكني نفسه بكنية، فيقوم هذا اللقب أو الكنية مقام الاسم، ولا يعد ذلك من الكذب.
4- قد يجلب الدخول بالاسم الحقيقي ضررا لبعض الأشخاص، فيختار الدخول باسم مستعار أو بكنية ونحو ذلك.
5- قد يكون في إخفاء الاسم الحقيقي مصلحة كما لو كان لداعية معروف، بحيث لو عُرف اسمه لأحجم أهل البدع عن مناظرته والكلام معه، لما يعلمون من قوة حجته، أو قد يتم حجبه من المسئولين عن الموقع ـ ونحو ذلك.
فلهذا لا حرج في الدخول إلى المواقع والمنتديات بأسماء مستعارة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/80)
هل مسائل الخلاف لا إنكار فيها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يقول: المسائل التي اختلف فيها العلماء لا ينكر فيها على من أخذ بقول واحد منهم، ويذكرون قاعدة: "لا إنكار في مسائل الخلاف" فهل هذه القاعدة صحيحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه القاعدة التي يقولها بعض الناس: (لا إنكار في مسائل الخلاف) غير صحيحة، والصواب أن يقال: (لا إنكار في مسائل الاجتهاد) وبيان ذلك:
أن المسائل التي اختلف العلماء فيها نوعان:
الأول: مسائل ورد في بيان حكمها نص صريح من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة، ولا معارض له، أو نقل فيها إجماع، ثم شذ بعض المتأخرين وخالف الإجماع، أو دل على حكمها القياس الجلي الواضح. فهذه المسائل ينكر فيها على من خالف الدليل.
ولهذا النوع من المسائل أمثلة كثيرة، منها:
1- إنكار صفات الله تعالى التي مدح بها نفسه، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم تحت مسمى: "التأويل" وهو في الحقيقة تحريف لنصوص الكتاب والسنة.
2- إنكار بعض الحقائق التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم مما سيحدث يوم القيامة كالميزان والصراط.
3- ما قاله بعض المعاصرين من جواز أخذ الفائدة على الأموال المودعة في البنوك، مع أن هذا هو عين الربا الذي حرم الله ورسوله.
4- القول بجواز نكاح التحليل، فإنه قول باطل مخالف للعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له.
5- القول بإباحة سماع آلات الموسيقى والمعازف، فإنه قول منكر، دل على بطلانه كثير من الأدلة من القرآن والسنة وأقوال السلف ولذلك اتفقت كلمة الأئمة الأربعة على تحريمها.
6- القول بأن الداخل إلى المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب يجلس ليستمع الخطبة ولا يصلي تحية المسجد.
7- القول بعدم استحباب رفع الأيدي في الصلاة مع تكبيرة الركوع والرفع منه والقيام إلى الركعة الثالثة.
8- القول بعدم استحباب صلاة الاستسقاء. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها جماعة مع أصحابه.
9- القول بعدم استحباب صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان.
فهذه المسائل وأمثالها مما وردت نصوص ببيان حكمها ينكر فيها على المخالف، ولم يزل الصحابة ومن بعدهم من الأئمة ينكرون على من خالف دليلاً صحيحا، ولو كان مجتهداً.
النوع الثاني: مسائل لم يرد ببيان حكمها دليل صريح من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الجلي.
أو ورد بحكمها دليل من السنة، ولكنه مختلف في تصحيحه، أو ليس صريحاً في بيان الحكم، بل يكون محتملاً.
أو ورد فيها نصوص متعارضة في الظاهر.
فهذه المسائل تحتاج إلى نوع اجتهاد ونظر وتأمل لمعرفة حكمها، ومن أمثلة هذا النوع:
1- الخلاف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في الدنيا.
2- الخلاف في سماع الموتى لكلام الأحياء.
3- نقض الوضوء بمس الذكر، أو مس المرأة، أو أكل لحم الإبل.
4- القنوت في صلاة الفجر كل يوم.
5- القنوت في صلاة الوتر، هل يكون قبل الركوع أم بعده؟
فهذه المسائل وأمثالها مما لم ترد نصوص صريحة ببيان حكمها هي التي لا ينكر فيها على المخالف، ما دام متبعاً لإمام من الأئمة وهو يظن أن قوله هو الصواب، ولكن لا يجوز لأحد أن يأخذ من أقوال الأئمة ما يتوافق مع هواه، فإنه بذلك يجتمع فيه الشر كله.
وعدم الإنكار على المخالف في هذه المسائل ونحوها، لا يعني عدم التباحث فيها، أو عدم التناظر وبيان القول الراجح بدليله، بل لم يزل العلماء قديماً وحديثاً تعقد بينهم اللقاءات والمناظرات للتباحث في مثل هذه المسائل، ومن ظهر له الحق وجب عليه الرجوع إليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ... إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين: تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/80) .
وهذه أقوال لبعض العلماء تؤيد ما سبق من التقسيم:
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل.
أمّا الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً. وإن لم يكن كذلك فإنه يُنكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء.
وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار.
أما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً.
وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس. والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً، مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه، فيسوغ إذا عدم ذلك فيها الاجتهاد لتعارض الأدلة المتقاربة أو لخفاء الأدلة فيها" انتهى باختصار.
"بيان الدليل على بطلان التحليل" (ص 210-211) .
وقال أيضاً:
" مسئل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/207) .
2- وقال ابن القيم رحمه الله:
"وقولهم: "إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها" ليس بصحيح. . . ثم ذكر كلام شيخ الإسلام المتقدم، ثم قال:
وكيف يقول فقيه: لا إنكار في المسائل المختلف فيها، والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتاباً أو سنة وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء؟! وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مَسَاغ لم تنكر على مَنْ عمل بها مجتهداً أو مقلداً. . .
والمسائل التي اختلف فيها السلف والخلف وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها كثير، مثل كون الحامل تعتد بوضع الحمل، وأن إصابة الزوج الثاني شرط في حلها للأول، وأن الغسل يجب بمجرد الإيلاج وإن لم ينزل، وأن ربا الفضل حرام، وأن المتعة حرام، وأن النبيذ المسكر حرام، وأن المسلم لا يُقتل بكافر، وأن المسح على الخفين جائز حضراً وسفرا، وأن السنة في الركوع وضع اليدين على الركبتين دون التطبيق، وأن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه سنة، وأن الشفعة ثابتة في الأرض والعقار، وأن الوقف صحيح لازم، وأن دية الأصابع سواء، وأن يد السارق تقطع في ثلاثة دراهم، وأن الخاتم من حديد يجوز أن يكون صَدَاقاً، وأن التيمم إلى الكوعين (مفصل الكف) بضربة واحدة جائز، وأن صيام الولي عن الميت يجزئ عنه، وأن الحاج يلبي حتى يرمي جمرة العقبة، وأن المحرم له استدامة الطيب دون ابتدائه، وأن السنة أن يسلم في الصلاة عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأن خيار المجلس ثابت في البيع، وأن المصَراة يرد معها عوض اللبن صاعاً من تمر، وأن صلاة الكسوف بركوعين في كل ركعة، وأن القضاء جائز بشاهد ويمين، إلى أضعاف ذلك من المسائل، ولهذا صرح الأئمة بنقض حكم مَنْ حكم بخلاف كثير من هذه المسائل، من غير طعن منهم على من قال بها.
وعلى كل حال فلا عذر عند الله يوم القيامة لمن بلغه ما في المسألة من الأحاديث والآثار التي لا معارض لها إذا نَبَذَها وراء ظهره" انتهى.
"إعلام الموقعين" (3/ 300-301) .
3- وقال ابن قدامة المقدسي: " لا ينبغي لأحد أن ينكر على غيره العمل بمذهبه، فإنه لا إنكار على المجتهدات " انتهى من "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/186) .
4- قال النووي في "شرح مسلم":
" قال العلماء: لَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلا لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِض عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إِذَا لَمْ يُخَالِف نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا " انتهى.
5- وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "فإن أراد القائل مسائل الخلاف، فهذا باطل يخالف إجماع الأمة، فما زال الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من خالف وأخطأ كائناً من كان، ولو كان أعلم الناس وأتقاهم، وإذا كان الله بعث محمداً بالهدى ودين الحق، وأمرنا باتباعه، وترك ما خالفه؛ فمن تمام ذلك أن من خالفه من العلماء مخطئ ينبه على خطئه وينكر عليه، وإن أريد بمسائل الاجتهاد: مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب فهذا كلام صحيح، ولا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء لكونه مخالفاً لمذهبه أو لعادة الناس، فكما لا يجوز للإنسان أن يأمر إلا بعلم، لا يجوز أن ينكر إلا بعلم، وهذا كله داخل في قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) " انتهى من "الدرر السنية" (4/8) .
6- وقال الشوكاني:
"هذه المقالة –أي لا إنكار في مسائل الخلاف- قد صارت أعظم ذريعة إلى سدّ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما بالمثابة التي عرفناك، والمنزلة التي بيّناها لك، وقد وجب بإيجاب الله عز وجل، وبإيجاب رسوله صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة، الأمر بما هو معروف من معروفات الشرع، والنهي عما هو منكر من منكراته: ومعيار ذلك الكتاب والسنة، فعلى كل مسلم أن يأمر بما وجده فيهما أو في أحدهما معروفاً، وينهى عما هو فيهما أو في أحدهما منكراً.
وإن قال قائل من أهل العلم بما يخالف ذلك، فقوله منكر يجب إنكاره عليه أولاً، ثم على العامل به ثانياً.
وهذه الشريعة الشريفة التي أُمِرْنا بالأمر بمعروفها، والنهي عن منكرها، هي هذه الموجودة في الكتاب والسنة" انتهى من "السيل الجرّار" (4/588) .
7- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ردًا على من قال: "المسائل الخلافية لا إنكار فيها".
" لو أننا قلنا: المسائل الخلافية لا ينكر فيها على الإطلاق، ذهب الدين كلّه حين تتبع الرخص لأنك لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف بين الناس. . .
المسائل الخلافية تنقسم إلى قسمين؛ قسم: مسائل اجتهادية يسوغ فيها الخلاف؛ بمعنى أن الخلاف ثابت حقاً وله حظ من النظر، فهذا لا إنكار فيه على المجتهد، أما عامة الناس، فإنهم يلزمون بما عليه علماء بلدهم، لئلا ينفلت العامة؛ لأننا لو قلنا للعامي: أي قول يمرُّ عليك لك أن تأخذ به، لم تكن الأمة أمة واحدة، ولهذا قال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: "العوام على مذهب علمائهم". . .
القسم الثاني من قسمي الخلاف: لا مساغ له ولا محل للاجتهاد فيه، فينكر على المخالف فيه لأنه لا عذر له" انتهى باختصار من "لقاء الباب المفتوح" (49/192-193) .
والله أعلم.
وانظر كتاب: "حكم الإنكار في مسائل الخلاف" للدكتور فضل إلهي ظهير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال جواب(8/81)
هل يجوز مشاهدة أفلام أو مقاطع فيها نساء للعظة والعبرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في الآونة الأخيرة ظهر مقطع فيديو لامرأة تموت وهي تزني، وطبعا المقطع كله مظلل ومغطى لا يظهر منه شيء سوى وجهها وهي تخرج منه الروح، فهل يجوز مشاهدة ذلك للعظة والعبرة ونشره - مع العلم أنه منتشر في أغلب المنتديات -؟ وما حكم مشاهدة ما يشبهها مثل حوادث السيارات للعظة والعبرة وما يعرض في التلفاز من مآسي وزلازل وسقوط أناس من أعلى الجبل وموتهم أو وقوع سور الإستاد أو سقوط الطائرات وتفجرها أو خروج الأرواح من سوء الخاتمة كحوادث السيارات المباشرة في وقتها أو المعروضة على شريط فيديو ومسجلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز إظهار المرأة على مقاطع فيديو ونشرها على الناس بحجة أنها مؤثرة، ومن المعلوم أن المرأة عورة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ) رواه الترمذي (1173) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فلا يجوز النظر إليها – عياناً أو على صورة -، ولم تستثن الشريعة إلا ما كان لحاجة أو ضرورة كالنظر إلى المخطوبة، وعند الشهادة والعلاج، ونحو ذلك.
وهذه المقاطع المؤثرة وخاصة تلك التي تكون في أوضاع سيئة كالمقطع الوارد في السؤال، أو ما نشر من خسف صالة فيها رقص نساء ورجال وشرب خمور، كل ذلك لا يبيح نشره ولا النظر إليه، ومن أبى إلا هذا الفعل فليطمس صورة المرأة كاملة.
وأما ما ينشر من حوادث الطرق أو التفجيرات أو الزلازل وما يشبهه فيجوز للعبرة والعظة على أن لا يشتمل على صور نساء أو كشف عورات.
ونرى أن يحرص المسلم على التذكير والتخويف بالقرآن والسنة الصحيحة، ولا مانع من استعمال القصة في الموعظة على أن يتجنب القصص المكذوبة، أو تلك التي قد تكون سببا لإثارة الشهوات.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/82)
هل المسلم الذي لا ينفذ تعاليم الإسلام أسوأ من الملحد؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يكون المسلم "غير ممارس تعاليم الدين"؟
أطرح سؤالي هذا لأن لي صديقة تزوجت من مسلم "لا يمارس تعاليم الدين". ومع أنه يشرب الخمر والمشروبات الروحية، وتزوج بكافرة، لكنه لا يأكل لحم الخنزير. انطباعي هو أن النصراني "غير الممارس لدينه" يعتبر مرتدا أو أسوأ من الملحد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المسلم أن يتمسك بتعاليم دينه، فيفعل الواجبات، من الصلاة والصيام وبر الوالدين وصلة الأرحام، وصدق الحديث وغير ذلك مما أوجبه الله تعالى عليه.
وعليه أن يترك المحرمات، من الزنا والربا وشرب الخمر وعقوق الوالدين، والكذب، والخيانة، وأكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك من المحرمات.
هذا هو الواجب على كل مسلم، ومن امتثل لذلك كان قريبا محبوبا من الله تعالى، موعودا بدخول جنته، ونيل كرامته.
وأما من ترك الواجبات أو اقترف المحرمات، فهذا على قسمين:
الأول: أن تصل به معصيته إلى حد الكفر والشرك بالله، كالاستهزاء بالدين أو سب الله أو سب رسوله أو جحد شيء من أمور الدين المعلومة، أو استحلال شيء مما حرم الله، كأن يستحل الخمر أو الزنا أو أكل لحم الخنزير، فمن فعل ذلك كان مرتداً عن الإسلام، لكن إن كان ذلك عن جهل وغفلة فإنه يُعلّم وينصح ويذكّر، ليتوب إلى الله تعالى، فإن أصر على ذلك بعد تعليمه، كان مرتدا خارجا عن الإسلام.
الثاني: أن يرتكب بعض الذنوب التي لا تعد كفرا وشركا، كالزنا وشرب الخمر من غير استحلال لها، فهذا إن تاب تاب الله عليه وبدّل سيئاته حسنات، وإن استمر في عصيانه فإن الله تعالى توعده بعذاب أليم يوم القيامة، وبعقوبات في الدنيا، كالفقر والمرض والذل والهزيمة، مع إقامة الحد عليه، عند ارتكابه بعض الجرائم كشرب الخمر والزنى، إذا ثبتت عليه الجريمة، بشروط لا مجال لذكرها هنا.
والواجب على المسلمين تجاه أصحاب المعاصي هو نصحهم ودعوتهم للتوبة، وتذكيرهم بخطر المعصية وسوء عاقبتها، مع بغضهم وكراهيتهم لأجل معاصيهم.
فالمطيع والعاصي لا يستويان عند الله تعالى، ولا عند عباده المؤمنين، كما قال سبحانه: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ص/28.
ولكن لما كان العاصي يجمع بين الخير والشر، والطاعة والمعصية - ورأسُ الخير إيمانُه بالله تعالى - كان من عدل الشريعة ورحمتها أن لا تُهدر حسناته، ولا تضيع طاعاته، ولا يُسوى بينه وبين من كفر بالله وألحد وتمرد.
وأما زواج المسلم بالكافرة، فإنه محرم، إلا أن تكون الكافرة يهودية أو نصرانية، فإن الله أباح الزواج منها، لما في ذلك من احتمال هدايتها وإسلامها، واتفاقها مع المسلم في مبدأ الإيمان بالله وبالنبوة والرسالة واليوم الآخر، فزواجها من المسلم، يدعوها إلى البحث عن الحق، ويرغبها في ترك ما هي عليه من الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته.
وخلاصة الجواب:
أن المسلم الذي خرج عن دينه بالكلية مساوٍ للملحد، أو أسوأ منه.
أما المسلم الذي معه أصل التوحيد والإسلام، ولكنه يفعل كبائر الذنوب، وقبائح الأعمال فإنه خير بلا شك من الكافر الملحد ـ مع ما فيه من تقصير ونقص ـ وذلك لأن حسنة التوحيد هي أعظم الحسنات على الإطلاق، وقد أتى بها، وما يعمله من الذنوب والمعاصي فهو متوعد عليها بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة إن لم يتداركه الله تعالى برحمته ويعفو عنه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/83)
ماذا يفعل الإمام ويصلي خلفه من يفعل البدع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الصلاة بأناس مبتدعين، مع العلم بأن الإمام نبههم لبدعهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست البدع كلها على درجة واحدة، إذ منها ما يتعلق بالاعتقاد ومنها ما يتعلق بالفروع العملية من الشريعة، ومنها ما هو مخرج من الإسلام ومنها ما ليس كذلك، ومنها ما يظنه الداعية بدعة وليس كذلك، إذ قد يكون توهماً أو قولاً مرجوحاً ظنه بدعة، أو قولاً آخر في المسألة لا يعلمه.
والبدعة في المسجد تكثر الأسئلة حولها إذا كانت من الإمام ليُعلم حكم الصلاة خلفه، وفيها التفصيل المعروف أنه إن كانت بدعته مكفرة فلا تجوز الصلاة خلفه، وإن لم تكن مكفرة صحت الصلاة خلفه، والأولى أن يُصلَّى خلف إمام من أهل السنة، وفي هذا يقول الحسن البصري رحمه الله: " صلِّ وعليه بدعته ".
أما أن يكون السؤال عن بدع يقع فيها المأمومون، ويكون السؤال من الإمام، فهذا فيه شيء من الغرابة، إذ وظيفة الإمام ليست هي الصلاة بالناس فقط بل دعوتهم وتعليمهم ونصحهم، ولا يصلي إمام بالناس في – الغالب - إلا ووراءه الحالق للحيته والمرابي والعاق لوالديه والمغتاب والنمام ... إلخ وهؤلاء هم مادة دعوة الإمام في المسجد.
والدعوة إلى الله تعالى وتعليم الناس هي مهمة الأنبياء، وهما واجبان على كل من آتاه الله علماً ولو يسيراً.
وقد كان هذا هدي النبي صلى الله عليه، فإذا رأى خطأ صوَّبه.
فمن ذلك: أنه لما رأى المسيء في صلاته الذي لا يحسن الركوع والسجود علمه كيفية الصلاة. متفق عليه.
ومن ذلك: لما تكلم معاوية بن الحكم في الصلاة، علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. رواه مسلم.
ومن ذلك: لما بال الأعرابي في المسجد، بين له النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا القذر. متفق عليه. . . وهكذا في أمثلة كثيرة متعددة.
فعلى الإمام إذا تحقق أن ما يفعله بعض المأمومين بدعة مخالف للشرع أن يدعوهم بالتي هي أحسن، ويمكنه فعل ذلك باقتناص الفرصة المناسبة لنصحهم وإرشادهم وذلك بطرق عدة، ومنها:
قراءة آيات قرآنية معينة، ومن ثم تفسيرها بعد الصلاة.
ومنها: دعوة بعض الدعاة وطلبة العلم لإعطاء محاضرة أو درس في السنة واتباعها.
ومنها: توزيع مطويات وكتيبات عليهم.
ومنها: عمل مكتبة سمعية وتشجيع الناس على الاستعارة منها.
وفي كل ذلك يجب أن يكون هذا الإمام عالماً رفيقاً حكيماً، ويسبق ذلك إخلاصه وصدقه في حب الخير للناس حتى يتم له التوفيق والنجاح.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
إذا كان المدعوون أو المدعوات متأثرين بثقافات معينة، أو بمجتمعات معينة، ما هو السبيل الأمثل لدعوتهم؟
فأجاب:
" يبيِّن لهم الداعي إلى الله جل وعلا ما في المذاهب التي تأثروا بها، والطرق التي انتسبوا إليها، والبيئات التي عاشوا فيها، من الأخطاء والبدع ونحو ذلك، وهكذا يبين لهم ما في الجمعيات والمجتمعات التي عاشوا فيها من الأشياء المخالفة للشرع، ويدعوهم إلى أن يعرضوا كل ما أشكل عليهم على الميزان العادل، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما وافقهما أو أحدهما فهو المعتبر شرعاً، وما خالفهما رد على قائله كائنا من كان.
وهكذا كان أهل العلم يعرضون مسائل الاختلاف على الأدلة الشرعية فما وافق الشرع وجب أن يبقى، وما خالف الشرع وجب أن يطرح، ولو كان قائله عظيما؛ لأن الحق فوق الجميع، وهكذا العمل فيما يخالف الشرع من العادات والأخلاق يجب أن يترك، ولو كان من خلق الآباء والمشايخ والأسلاف وغير ذلك، وأن يتمسك الجميع بكل ما أمر الله ورسوله به؛ لأن ذلك هو سبيل النجاة، كما قال الله عز وجل: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام/153. وبالله التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/240، 241) .
فاستعن بالله تعالى، واستفد من خبرة إخوانك الأئمة في معاملة ونصح المأمومين تجد خيراً كثيراً، وتؤجر أجراً عظيماً.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/84)
حكم اختيار مدة معينة للتحريض على خلق فاضل
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهر شيء الآن في المدارس اسمه مهرجان الضرب أو القسمة أو الطرح وما شابه ذلك، أو مهرجان جسم الإنسان، يستمر يوما أو ثلاثة أيام أو أسبوعا يخصصونها لشرح هذا المبدأ المعيّن، فأراد بعض مدرسي التربية الإسلامية أن يعملوا الفكرة في الأشياء الإسلامية فيقولون مثلا مهرجان الصِّدْق فيكون فخلال ثلاثة أيام تكون كلّ المواضيع في الإذاعة وفي الفصول الدراسية كلها عن الصّدق، وهكذا مهرجان مثلا عن الصلاة أو الوضوء، بدون أن يوقّت في وقت معيّن من السنة، هل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
لا بأس بذلك، جائز، هذا تنشيط للإقبال.
سؤال:
مع أن كلمة مهرجان هذه معناها عيد بالفارسية؟
جواب:
لكن الناس ما اتخذوها على أنها عيد، (بل) على أنها مناسبة صنعت لتنشيط الناس والإقبال على هذا الشيء.
سؤال:
نشترط في الجواب أن يكون هذا الأمر غير محدّد في كل سنة بنفس الوقت؟
الجواب:
نعم.
سؤال:
حتى لا يصير عيدا؟
جواب:
(نعم) حتى لا يصير عيدا. أهـ. انتهى.
أنظر سؤال رقم (1130) و (3325)
ومما ينبغي أن نحرص عليه إذا قمنا نحن المسلمين بمثل هذا أن لا نُسمّيه مهرجانا حتى لا يختلط الأمر على الناس بأعياد المشركين ولو بالاسم، والمهرجان: من أعياد المجوس الكفار عبدة النار، وكلمة المهرجان مركبة من (المهر) ومعناه: الوفاء، (جان) ومعناه: السلطان، ومعنى الكلمة: سلطان الوفاء، وأصل هذا العيد: ابتهاج بانتصار الملك (أفريدون) ، وقيل: بل هو احتفال بالاعتدال الخريفي، ولا يمنع أن يكون أصله ما ذكر أولا لكنه وافق الاعتدال الخريفي فاستمر فيه. والاحتفال به يكون يوم (26 من تشرين الأول من شهور السريان) ومدة هذا الاحتفال ستة أيام، والسادس هو المهرجان الكبير، وكانوا يتهادون فيه وفي النيروز المسك والعنبر والعود الهندي والزعفران والكافور، وقد أبطله الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى لما قام به بعض المسلمين.
ومن عظيم ما ابتلي به المسلمون إطلاق لفظ (المهرجان) على كثير من الاجتماعات والاحتفالات والتظاهرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية؛ بل وحتى الدعوية فيقال: مهرجان الثقافة، ومهرجان التسوق، ومهرجان الكتب، ومهرجان الدعوة، وما إلى ذلك مما نرى دعاياته ونسمع عبارات كثيرا يتصدرها هذا المصطلح الوثني (المهرجان) الذي هو عيد عبدة النار
المرجع: من مقال " أعياد الكفار وموقف المسلم منها " مجلة البيان العدد 143.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/85)
يريد إحصاءات عن قذارات الإنترنت ليقنع بعض أصحابه
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض أصحابي يدخلون الإنترنت إلى بيوتهم وأولادهم ونسائهم في هذه البلاد الإباحية التي ابتلينا بالعيش فيها وليس عندهم أي تحكّم بأجهزة الأولاد، وأريد إحصاءات وأرقام لأستعملها في إقناع هؤلاء الإخوة الذين ربما لا يقتنعون إلا بلغة الأرقام، أرجو أن تعينوني في هذا الموضوع وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه ذكر في أشراط الساعة: " ويظهر الزنا " رواه البخاري 1/178 وفي رواية الحاكم "وتشيع الفاحشة"، وقد حدث في زمن الإنترنت هذا الذي نعيش فيه انطباق هذا الحديث وعرفنا بالواقع والمعلومات ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم ولا يُنكر هذا إلا مكابر وقد اعترف بخطورة القضية الكفار قبل المسلمين، ويوجد الآن في الشبكة قريبا من نصف مليون موقع إباحي يعرض الفحشاء، وتنضم يومياً أكثر من 100 موقع جديد تنشر العهر والفجور في العالم.
عدد الصفحات الإباحية في الإنترنت تقدر بنحو 2.3% من حجم الصفحات الكلية في الإنترنت (موقع الدراسات والبحوث http://www.minshawi.com/gadhi.htm) .
شركة (Playboy) الإباحية تزعم بأن 4.7 مليون زائر يزور صفحاتهم في الأسبوع الواحد (موقع الدراسات والبحوث http://www.minshawi.com/gadhi.htm) .
بلغت مجموعة مشتريات مواد الدعارة عام 1999 في الإنترنت 8% من التجارة الإلكترونية والبالغ دخلها 18 مليار دولارا كما بلغت مجموعة الأموال المنفقة على الدخول على الصفحات الإباحية 970 مليون دولارا ويتوقع أن ترتفع إلى 3 مليار دولارا في عام 2003. (موقع الدراسات والبحوث http://www.minshawi.com/gadhi.htm) .
قامت بعض الشركات بدراسة عدد الزوار لصفحات الدعارة والإباحية في الإنترنت فوجدت شركة (WebSide Story) أن بعض هذه الصفحات الإباحية يزورها 280034 زائر في اليوم الواحد وهنالك أكثر من مائة صفحة مشابهة تستقبل أكثر من 20000 زائر يوميا وأكثر من 2000 صفحة مشابهة تستقبل أكثر من 1400 زائر يوميا. وإن صفحة واحدة فقط من هذه الصفحات قد استقبلت خلال سنتين 43613508 زائر. وإن واحدة من هذه الجهات تزعم أن لديها أكثر من ثلاثمائة ألف صورة خليعة تم توزيعها أكثر من مليار مرة. ولقد قام باحثون في جامعة كارنيجي ميلون بإجراء دراسة إحصائية على 917410 صورة استرجعت 8.5 مليون مرة من 2000 مدينة في 40 دولة فوجدوا أن نصف الصور المستعادة من الإنترنت هي صور إباحية وأن 83.5% من الصور المتداولة في المجموعات الأخبارية هي صورٌ إباحية. (موقع الدراسات والبحوث http://www.minshawi.com/gadhi.htm) .
فأخبر أصحابك هؤلاء أنّ من فتح الإنترنت على مصراعيه لأهله وأولاده دون حجب الشر عنهم فإنه آثم وخائن للأمانة ومسؤول يوم القيامة عن تفريطه هذا والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/86)
هل خرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الخلافة العثمانية وكان سبباً في سقوطها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يقعون في محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) . إنهم يتهمونه أنه حارب ضد الخلافة الإسلامية العثمانية وضد خليفة المسلمين. ولذلك , فإنه عدو للمسلمين. وجدالهم يدور حول هذه المسألة, فهل هذا صحيح؟ كيف يمكن أن يقاتل شخص ما أمير المسلمين , مع أن الخليفة يصلي ويؤدي الزكاة وما إلى ذلك؟ إنهم يقولون أيضا أنه اتفق مع الجيش الإنكليزي، وأنه قاتل معهم ضد المسلمين.
أرجو أن تعطيني جواب مفصل حول هذه المسألة التاريخية , وأن توضح لي الحقيقة. من نصدق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما من رجل يجيء إلى الدنيا بالخير إلا وكان له أعداء من الإنس والجن، حتى أنبياء الله تعالى لم يسلموا من ذلك.
وكان عداء الناس للعلماء قديماً لا سيما أصحاب الدعوة الحق فقد لقوا من الناس العداء الشديد، ومثال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فقد لاقى من بعض الحسَّاد مَن استحل دمه ومن رماه بالضلال والخروج من الدين والردة.
وما كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلا رجلا من هؤلاء العلماء المظلومين الذين قال الناس فيهم ما لم يعلموا ابتغاء الفتنة، وما حملهم على ذلك إلا الحسد والبغضاء مع رسوخ البدعة في نفوسهم أو الجهل وتقليد أصحاب الهوى.
وإليك عرض بعض الشبه التي قيلت في الشيخ والرد عليها:
يقول الشيخ عبد العزيز العبد اللطيف:
ادعى بعض خصوم الدعوة السلفية أن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب قد خرج على دولة الخلافة العثمانية ففارق بذلك الجماعة وشق عصا السمع والطاعة.
" دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب " (ص 233) .
وقال:
ويدَّعي " عبد القديم زلُّوم " أن الوهابيين بظهور دعوتهم قد كانوا سببا في سقوط دولة الخلافة، يقول: وكان قد وجد الوهابيون كياناً داخل الدولة الإسلامية بزعامة محمد بن سعود ثم ابنه عبد العزيز فأمدتهم إنجلترا بالسلاح والمال واندفعوا على أساس مذهبي للاستيلاء على البلاد الإسلامية الخاضعة لسلطان الخلافة أي رفعوا السيف في وجه الخليفة وقاتلوا الجيش الإسلامي جيش أمير المؤمنين بتحريض من الإنجليز وإمداد منهم.
" كيف هدمت الخلافة " (ص 10) .
وقبل أن نورد الجواب على شبهة خروج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة فإنه من المناسب أن نذكر ما كان عليه الشيخ الإمام من اعتقاد وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله لأن الطاعة إنما تكون في المعروف.
يقول الشيخ الإمام في رسالته لأهل القصيم: وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه.
" مجموعة مؤلفات الشيخ " (5 / 11) .
ويقول أيضا:
الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمّر علينا ولو كان عبداً حبشيّاً.."
مجموعة مؤلفات الشيخ (1 / 394) بواسطة " دعاوى المناوئين " (233 – 234) .
ويقول الشيخ عبد العزيز العبد اللطيف:
وبعد هذا التقرير الموجز الذي أبان ما كان عليه الشيخ من وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله: فإننا نشير إلى مسألة مهمة جوابا عن تلك الشبهة فهناك سؤال مهم هو: هل كانت " نجد " موطن هذه الدعوة ومحل نشأتها تحت سيطرة دولة الخلافة العثمانية؟ .
يجيب الدكتور صالح العبود على هذا فيقول:
لم تشهد " نجد " على العموم نفوذا للدولة العثمانية فما امتد إليها سلطانها ولا أتى إليها ولاة عثمانيون ولا جابت خلال ديارها حامية تركية في الزمان الذي سبق ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ومما يدل على هذه الحقيقة التاريخية استقرار تقسيمات الدولة العثمانية الإدارية فمن خلال رسالة تركية عنوانها: " قوانين آل عثمان مضامين دفتر الديوان"، يعني: " قوانين آل عثمان في ما يتضمنه دفتر الديوان "، ألّفها يمين علي أفندي الذي كان أمينا للدفتر الخاقاني سنة 1018 هجرية الموافقة لسنة 1609م من خلال هذه الرسالة يتبين أنه منذ أوائل القرن الحادي عشر الهجري كانت دولة آل عثمان تنقسم إلى اثنتين وثلاثين ايالة منها أربع عشرة ايالة عربية وبلاد نجد ليست منها ما عدا الإحساء إن اعتبرناه من نجد….
" عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي " – غير منشور – (1 / 27) .
ويقول الدكتور عبد الله العثيمين:
ومهما يكن فإن " نجداً " لم تشهد نفوذاً مباشراً للعثمانيين عليها قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كما أنها لم تشهد نفوذاً قويّاً يفرض وجوده على سير الحوادث داخلها لأية جهة كانت فلا نفوذ بني جبر أو بني خالد في بعض جهاتها ولا نفوذ الأشراف في بعض جهاتها الأخرى أحدث نوعاً من الاستقرار السياسي فالحروب بين البلدان النجدية ظلت قائمة والصراع بين قبائلها المختلفة استمر حادّاً عنيفاً.
" محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره " (ص 11) بواسطة " دعاوى المناوئين " (234 – 235) .
واستكمالا لهذا المبحث نذكر جواب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز على ذلك الاعتراض قول رحمه الله:
لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية فيما أعلم وأعتقد فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت - أمير مستقل… وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى…
" ندوة مسجلة على الأشرطة " بواسطة " دعاوى المناوئين " (ص 237) .
وقال الدكتور عجيل النشمي: ….. لم تحرك دولة الخلافة ساكنا ولم تبدر منها أية مبادرة امتعاض أو خلاف يذكر رغم توالي أربعة من سلاطين آل عثمان في حياة الشيخ ...
" مجلة المجتمع " (عدد 510) .
إذا كان ما سبق يعكس تصور الشيخ لدولة الخلافة فكيف كانت صورة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لدى دولة الخلافة؟
يقول د. النشمي مجيباً على هذا السؤال:
لقد كانت صورة حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لدى دولة الخلافة صورة قد بلغت من التشويه والتشويش مداه فلم تطلع دولة الخلافة إلا على الوجه المعادي لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب سواء عن طريق التقارير التي يرسلها ولاتها في الحجاز أو بغداد أو غيرهما..أو عن طريق بعض الأفراد الذين يصلون إلى الأستانة يحملون الأخبار.
" المجتمع " (عدد 504) بواسطة " دعاوى المناوئين " (ص 238 – 239) .
وأما دعوى " زلوم " أن دعوة الشيخ أحد أسباب سقوط الخلافة وأن الإنكليز ساعدوا الوهابيين على إسقاطها: فيقول محمود مهدي الاستانبولي جوابا على هذه الدعوى العريضة:
قد كان من واجب هذا الكاتب أن يدعم رأيه بأدلة وإثباتات وقديما قال الشاعر:
وإذا الدعاوى لم تقم بدليلها بالنص فهي على السفاه دليل
مع العلم أن التاريخ يذكر أن هؤلاء الإنكليز وقفوا ضد هذه الدعوة منذ قيامها خشية يقظة العالم الإسلامي.
" الشيخ محمد عبد الوهاب في مرآة الشرق والغرب " (ص 240) .
ويقول:
والغريب المضحك المبكي أن يتهم هذا الأستاذ حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنها من عوامل هدم الخلافة العثمانية مع العلم أن هذه الحركة قامت حوالي عام 1811 م وأن الخلافة هدمت حوالي 1922 م.
" المرجع السابق " (ص 64) .
ومما يدل على أن الإنكليز ضد الحركة الوهابية أنهم أرسلوا الكابتن فورستر سادلير ليهنئ إبراهيم باشا على النجاح الذي حققه ضد الوهابيين - إبان حرب إبراهيم باشا للدرعية - وليؤكد له أيضا مدى ميله إلى التعاون مع الحركة البريطانية لتخفيض ما أسموه بأعمال القرصنة الوهابية في الخليج العربي.
بل صرحت هذه الرسالة بالرغبة في إقامة الاتفاق بين الحكومة البريطانية وبين إبراهيم باشا بهدف سحق نفوذ الوهابيين بشكل كامل.
ويقول الشيخ محمد بن منظور النعماني:
لقد استغل الإنجليز الوضع المعاكس في الهند للشيح محمد بن عبد الوهاب ورموا كل من عارضهم ووقف في طريقهم ورأوه خطرا على كيانهم بالوهابية ودعوهم وهابيين … وكذلك دعا الإنجليز علماء ديوبند - في الهند - بالوهابيين من أجل معارضتهم السافرة للإنجليز وتضييقهم الخناق عليهم …
" دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد عبد الوهاب " (ص 105 – 106) .
وبهذه النقول المتنوعة ينكشف زيف هذه الشبهة وتهافتها أمام البراهين العلمية الواضحة من رسائل الشيخ الإمام ومؤلفاته كما يظهر زيف الشبهة أمام الحقائق التاريخية التي كتبها المنصفون.
" دعاوى المناوئين " (239، 240) .
وأخيرا ننصح كل من أطال لسانه بحق الشيخ أن يكفه عنه وأن يتقي الله تعالى في أمره كله عسى الله تعالى أن يتوب عليه وأن يهديه سواء السبيل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/87)
حكم إهداء الزهور للمرضى
[السُّؤَالُ]
ـ[نسأل فضيلتكم عن ظاهرة أخذت في الازدياد داخل المستشفيات، وهي دخيلة على المجتمع المسلم، حيث انتقلت إلينا من المجتمعات الغربية الكافرة، ألا وهي - إهداء الزهور للمرضى - وقد تشترى بأثمان باهظة، فما هو رأيكم في هذه العادة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لا شك أن هذه الزهور لا فائدة فيها، ولا أهمية لها، فلا هي تشفي المريض، ولا تخفف الألم، ولا تجلب الصحة، ولا تدفع الأمراض حيث هي مجرد صور مصنوعة على شكل نبات له زهور، عملته الأيدي، أو الماكينات، وبيع بثمن رفيع، ربح فيه الصانعون، وخسر فيه المشترون، فليس فيه سوى تقليد الغرب تقليدا أعمى، بدون أدنى تفكير، فإن هذه الزهور تشترى برفيع الثمن وتبقى عند المريض ساعة أو ساعتين، أو يوما أو يومين، ثم يرمى بها مع النفايات بدون استفادة، وكان الأولى الاحتفاظ بثمنها، وصرفه في شيء نافع من أمور الدنيا أو الدين، فعلى من رأى أحدا يشتريها أو يبيعها تنبيه من يفعل ذلك، رجاء أن يتوب ويترك هذا الشراء الذي هو خسران مبين.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص58.(8/88)
هل صحت قصة إسلام رائد الفضاء " نيل أرمسترونج "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهتم بموضوع " نيل ارمسترونج "، علمنا بأنه أسلم، هل لازال حياً؟ أرجو أن تجيب عن هذا الموضوع. بعض أصدقائي لا يصدقون بأنه أسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خبر إسلام " آرمسترونج " والذي يقولون إنه أول مَن هبط مِن البشر على سطح القمر هو مما تناقله بعض الناس بينهم، وقد تتبعنا خبره هذا فلم نجد أحداً ممن نقل خبره أسنده إلى شيء يُعتمد عليه.
وقد تعوَّدنا على نشر مثل هذه الأخبار ثم تكذيبها بعد فترة، ويبدو أنه أمر متعمَّد وذلك لزعزعة الثقة بالدين عند عامة المسلمين، وخاصة أنهم يخترعون الخبر مع شيءٍ مشوِّق وفيه إثبات لصحة هذا الدين على سائر الأديان، فينشرون خبر إسلام مشاهير الناس كالفنانين والرياضيين وغيرهم ويأتون مع أخبارهم بما يثبت صدق الرسول وصحة الرسالة، ثم لا يلبث الناس فترة من الزمن إلا ويسارعون إلى تكذيب مثل هذه الأخبار، ولعلّ خبر إسلام أرمسترونج من هذا القبيل فهو من مشاهير العالم، ثم كان سبب إسلامه – كما قالوه – هو سماعه للأذان على سطح القمر ثم سماعه له مرة أخرى في " مصر ".
ومثل هذا المشهور لو صح إسلامه لرأيته داعية إلى الإسلام ولرأيت العلماء والدعاة والإعلام الإسلامي قد التقى به وحادثه، وكل ذلك لم يكن، وإذا قارنتَ بين خبر إسلامه وخبر إسلام " يوسف إسلام " – " كات ستيفنز " سابقاً - المغني البريطاني المشهور: رأيتَ الفرق بين الكذب والصدق، والخيال والحقيقة.
فـ " يوسف إسلام " من المشاهير الذين أسلموا حقيقة وها هي صوره في وسائل الإعلام، وها هي مدارسه في " بريطانيا "، وها هو يتجول في بلاد المسلمين ويؤدي العمرة والحج، فأين " نيل آرمسترونج " عن كل هذا وهو أشهر منه بمراحل؟ .
وعلى كل حال: لسنا بحاجة لإثبات صحة ديننا بسماع الأذان فوق سطح القمر، وإذا أسلم هذا الرجل أو غيره فنفع ذلك إليه، وإذا ضلّ وكفر فضرر ذلك عليه.
ونذكر بقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} يونس / 108، وبقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} الزمر / 41.
والله تعالى أعلم بحقيقة الحال وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/89)
القراءة على الجماعة من كتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يوجد في منطقتنا سوى مسجد واحد، وهذا المسجد لا تقام فيه دروس أو كلمات لتعليم المسلمين، لذلك أقوم وبعض المصلين بتحضير دروس ومواضيع من كتب أهل العلم وأقرأها على المصلين وأعلق حسب فهمي، إلا أن إمام المسجد وأميره لا يرضيهم هذا العمل، أما الكتب التي نقرأها - مع العلم أننا لسنا علماء أو لدينا علم شرعي - من كتب أهل السنة والجماعة..
سؤالي: هل أنا آثم بهذا العمل وبماذا تنصحوننا في مثل هذه الحالة إذا كان الإمام لا يرغب في مثل هذه الطريقة من التعليم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جزاكم الله خيرا على ما تقومون به من أداء الواجب عليكم في تعليم إخوانكم المسلمين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الطبراني عن أبي أمامة وهو في صحيح الجامع 1838 وقراءتكم من كتب أهل العلم على الناس فيها خير عظيم لكم ولهم فاستمروا على ذلك والذي ننصح به عدم الكلام فيما لا يعلمه الشّخص لا تعليقا على كتاب ولا إجابة على سؤال وإنما يقول لما لا يعلمه: الله أعلم وكذلك يتجنّب الكلام فيما لم يتثبّت منه وإنما يتكلم باليقين الذي يعلمه، وأنتم على ثغرة من ثغور الإسلام وكل هدى وخير تدعون إليه - مخلصين لله - لكم فيه أجر الدّعوة والتعليم بالإضافة إلى مثل أجور من عمل بما تعلّمه منكم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا. " رواه مسلم 4831، وذكّروا إمامكم بالواجب عليه فيما يستطيعه، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم لطاعته ومرضاته وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/90)
ضوابط في العلاقة الدعوية مع المسلمة الجديدة
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من الأشخاص عندنا يبررون لأخواتنا المسلمات الجديدات الذين اعتنقوا الإسلام حديثًا جواز تحدثهن للرجال لاسيما الرجال المسلمين ما دامت النية سليمة وأن الحديث يدور حول الإسلام. وقد قرأت على موقعكم أجوبة لقليل من الأسئلة المشابهة لكن يا حبذا لو تكون هناك أدلة نصية أوضح عن هذا السؤال، حيث إن هؤلاء الأخوات ليس لديهن الأدلة الصحيحة من الحديث لمعارضة هذه التبريرات. فأرجو تقديم البراهين الساطعة من السنة والسلف الصالح بما يحسم هذه المسألة للأخوات والإخوة الذين يقولون بخلاف ذلك، وإن كانت هناك استثناءات في هذه المسألة فأرجو ذكرها. وتظهر أهمية الموضوع بصفة خاصة لأن الأخت الجديدة في الإسلام ليس لديها كثيرٌ من العلم ويسهل حملها على تغيير رأيها نظرًا لقلة علمها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جزاك الله تعالى خيرا ـ أخي الكريم ـ على غيرتك على أمر الأحكام الشرعية لاسيما بالنسبة لمن يدخل في هذا الدين الكريم لائذا به من جحيم الملل والأديان المنحرفة أو المحرَّفة
أما ما سألت عنه أخي الكريم من أمر تحدُّث المسلمات الجدد مع الرجال فظاهر من نصوص الشرع أنه قد جاء بتقرير القواعد العامة لعلاقة الرجل بالمرأة بما يحقق المقاصد الشرعية القائمة على تحقيق المصالح وحماية المسلم والمسلمة من أسباب الفتنة. وقد أقرَّ بأثر هذه القواعد العامة في إصلاح المجتمعات العقلاء حتى من الكفار أنفسهم وقبل ذلك شواهد التاريخ الإسلامي المُشرِق.
وقد جاءت الشريعة بتقعيد أصل العلاقة في التخاطب بين الجنسين في القرآن والسنة ومن أبرز ذلك قوله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفا ً) الأحزاب/32.
فالمحظور عدم الخضوع بالقول، والواجب على المرأة القول بالمعروف ومعناه كما قال المفسرون لا تُرَقق الكلام إذا خاطبها الرجال ولا تُلين القول. والآية وإن كانت موجهة إلى نساء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلا أن التعليل بدفع طمع الفُسَّاق في المسلمات العفيفات تعليل عام يدل على دخول كل المؤمنات في هذا الخطاب. قال الجصاص عن الآية (وفيه الدلالة على أن ذلك حكم سائر النساء في نهيهن عن إلانة القول للرجال على وجه يوجب الطمع فيهن) أحكام القرآن ج5/ص229
والشريعة تأتي بالقواعد العامة المحكمة التي تندرج فيها الجزئيات ولا يلزم أن تأتي أدلة تفصيلية على كل مسألة. والقاعدة العامة في هذه الآية تدخل فيها الكثير من الجزئيات والتي منها هذه الحالة وقد سبق في جواب السؤالين (1497) و (1121) و (6453) بيان تفصيلي لضوابط الحديث بين الجنسين بما يُغني عن تكرارها هنا.
والأصل في تعليم أحكام الشرع أن يكون الرجل هو المعلِّم والمبيِّن لما جعل الله تعالى له من القيام بمنصب إمامة الناس والفتيا والقضاء وغير ذلك، ولهذا فلا إشكال أن تقوم النساء بسؤال الرجال عن أحكام الشرع كما كانت النساء تستفتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن أمور دينهن، لاسيما إن كانت السائلة حديثة عهد بالإسلام وتحتاج من الأحكام ما تصحح به عقيدتها وتزيد قناعتها بهذا الدين الحنيف، ويلزم في حال تعلُّم المرأة من الرجل أن يكون ذلك وفق الضوابط الشرعية التي أُشير إليها.
ويلزم التنبيه في هذا المقام لإخواننا الحاملين لهِّم الدعوة في تلك البلاد ـ لاسيما الشباب منهم ـ أنه ينبغي على مَن علم مِن نفسه ضعفاً، وخاف على نفسه الوقوع في مصائد الشيطان، من تعلُّق القلب بالنساء بما يصرفه عن دعوته أن ينأى بنفسه عن التعرض المباشر لدعوة النساء مادام هناك ممن هو أقدر منه من يكفيه هذا الباب، وإذا احتيج إليه فليقلل ما استطاع.
أما من ظنَّ في نفسه الثبات واليقين، فإن الأصل جواز هذا الأمر في حقِّه لكن بشروط:
1. عدم الإكثار من الكلام خارج موضوع المسألة المطروحة، أو الدعوة للإسلام.
2. عدم الممازحة في الكلام أو ترقيق الصوت أو نحو ذلك.
3. عدم السؤال عن المسائل الشخصية التي لا تتعلق بالبحث كالسؤال عن العمر ونحوه مما له تعلُّق بالسائلة.
4. متى كانت المسألة الشرعية تستطيع بيانها بعض الداعيات من المسلمات السابقات أو يمكن تحصيلها عبر الوسائط الدعوية من أشرطة صوتية أو برامج حاسوبية فهو أولى، كما أنه متى تيسر أن يكون توجيه هذه المسلمة الجديدة ودعوتها من عدة أشخاص من الثقات كان أبعد عن التعلُّق وأدعى للارتباط بذات الدين لا بالشخص الذي دلَّها عليه.
5. الكف المباشر عن التخاطب إذا بدأ القلب يتحرك نحو التعلُّق أو الشهوة، ومراقبة الله تعالى في ذلك لأن هذا الأمر خفيٌّ لا يعلمه إلا الداعية نفسه.
أما فيما يتعلق بالمسلمة الجديدة فإنه تبيَّن لها عمومات الأدلة الموضحة لحدود هذه العلاقة والحِكَمَ العظيمة منها، ويحرص الداعي على أن يربطها بالله عز وجل ليكون ذلك أدعى لثباتها وبعدها عن أوجه التعلُّق بمن يدعوها من الرجال. وإن حصل منها شيء من المخالفة الشرعية في هذه المسائل من خضوع منها بالقول أو نحو ذلك فإنه يُرفق بها حتى يثبت أصل الإسلام عندها وتترسخ محبته في قلبها.
نسأل الله تعالى أن يعيننا على إيصال نور الإسلام ورسالته وأن يعيننا على التقيُّد بشرعه واتباع سنة نبينا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم وهديه في جميع أمورنا.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/91)
كيف يدعو المسلمين الذين لا يصومون في رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كيفية التعامل مع المسلمين الذين لا يصومون رمضان؟ وما هي أفضل طريقة لدعوتهم إلي الصيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب هو دعوة هؤلاء المسلمين إلى الصوم، وترغيبهم فيه، وتحذيرهم من التهاون والتفريط، وذلك باتباع الوسائل التالية:
1- إعلامهم بفرضية الصوم، وعظم مكانته في الإسلام، فهو أحد المباني العظيمة التي بني عليها الإسلام.
2- تذكيرهم بالأجر العظيم المترتب على الصوم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (38) ومسلم (760) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) رواه البخاري (7423) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي. وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ، فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ) رواه البخاري (7492) ومسلم (1151) .
3- ترهيبهم من ترك الصوم، وبيان أن ذلك من كبائر الذنوب، فقد روى ابن خزيمة (1986) وابن حبان (7491) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ (الضبع هو العضد) فأتيا بي جبلا وعِرا، فقالا: اصعد. فقلت: إني لا أطيقه. فقالا: إنا سنسهله لك. فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار. ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن (1509) .
وقال الألباني رحمه الله معلقاً: " أقول: هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمدا قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلا؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة ". انظر السؤال (38747) .
5- بيان يسر الصوم وسهولته، وما فيه من الفرح والسرور والرضا، وطمأنينة النفس، وراحة القلب، مع لذة التعبد في أيامه ولياليه، بقراءة القرآن، وقيام الليل.
6- دعوتهم لسماع بعض المحاضرات، وقراءة شيء من النشرات، التي تتحدث عن الصوم وأهميته وحال المسلم فيه.
7- ألا تملي من دعوتهم وتذكيرهم، بالقول اللين، والكلمة الطيبة، مع الدعاء الصادق لهم بالهداية والمغفرة.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/92)
حضور حفلة الجماعات الضالة بقصد النصح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم حضور أخت سلفية لحفلة عيد نظمتها أخوات ينتمين لجماعات ضالة وهن نشيطات في الدعوة؟ كما يوجد الكثيرات من المسلمات الجدد وأخشى عليهن كثيراً، هل يجوز لي أن أحضر هذا الحفل لكي أدعوهن؟ إذا كان جائزاً فهل هناك أي شروط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليك في حضور هذه الحفلة بغرض الدعوة إلى الله، واجتذاب هؤلاء المسلمات الجدد، إذا أمكن ذلك، ولم يكن في حضورك مفسدة أعظم من المصلحة التي ترجينها من حضورك، ومن المصالح التي قد تحصل بحضورك:
1- إنقاذ هؤلاء وغيرهن من المسلمات الجدد من الضلال.
2- حصول نوع من الألفة والتقارب بينك وبينهن قد يسهل عليك فيما بعد نصحن وإرشادهن.
3- إظهار الحق وإعلاء كلمة الله.
4- إعذارك إلى الله وقيامك بما أوجب الله عليك: (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون) الأعراف / 164.
ومن المفاسد التي قد تترتب على حضورك:
1- أن يفهم هؤلاء المحتفلات وغيرهن من المسلمات الجدد أنك توافقيهن على آرائهن، فيكون ذلك فتنة لهن.
2- أنك قد ترين بعض المنكرات ولا تستطيعين إنكارهن، كما لو أظهرت في الحفل آراءهن الضالة ودعون إليها.
3- أنك قد تتأثرين ببعض ما يقلنه، فتحصل منك موافقة لهن أو ميل لبعض آرائهن.
وهذه المفاسد قد تستطيعين تجنبها.
وعلى كل حال ... فعليك أن تقارني بين المصالح والمفاسد، فإن غلبت مصلحة حضورك على المفسدة المخوفة فاستعيني بالله تعالى، واحضري واجتهدي في بيان الحق وإظهاره بالحكمة والموعظة الحسنة.
فإن ظهر لك بعد حضورك أن المفسدة أعظم، فعليك الانصراف فوراً.
والله تعالى المسئول أن يلهمنا رشدنا ويوفقنا للصواب في القول والعمل، والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/93)
أيهما أولا إقامة الخلافة أو تعليم الدّين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأشياء التي يجب أن تكون من أولوياتنا في وقتنا الحالي حيث لا يوجد خليفة؟ هل يجب أن نعلم الناس الإسلام أولاً قبل إنشاء الدولة الإسلامية أم يجب إنشاء الدولة الإسلامية أولاً؟ أم يجب أن يكونوا سوياً؟
ما رأي جمهور العلماء في هذا الأمر؟ أو ما هو الرأي الأصح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
المطلوب من كل مسلم أن يقيم دين الله تعالى حسب وسعه، والإمامة إنما شرعت لأجل إقامة دين الله تعالى فلا يظن ظان أن خلو الزمان من إمام في بلد من البلدان يعني الإهمال والانكفاء وتعطيل الدّين وعدم إقامة شيء منه، وقد وُجد من أهل الضلال في هذا العصر وغيره من يقول بتعطيل إقامة شعائر الدّين كلها حتّى يُنصّب خليفة على المسلمين وتقوم الدولة الإسلامية وهذا من أسوأ ألوان الضلال ويؤدّي القول به إلى تعطيل صلاة الجمعة والجماعة وتعطيل الحجّ والجهاد ولا تُجمع زكاة ولا تٌصلى صلاة الاستسقاء ولا العيدين ولا يعيّن أئمة للمساجد ولا مؤذنّون إلى غير ذلك من إيقاف وتعطيل أحكام الدّين، وأين القائلون بهذا من قول الله تعالى: (فاتقّوا الله ما استطعتم) وأين هم من قوله عليه الصلاة والسلام: (وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) .
والواجب العناية بأمور الدين مبتدئين بالأهم فالأهم، فنتفقه في دين الله وآكد ذلك معرفة عقيدة التوحيد ثم إقامة شعائر الإسلام الظاهرة وبقية الواجبات ولا يخفى أن الاشتغال بذلك هو الأهم وكذا القيام بكل مقدور عليه، بل إنه لن توجد دولة الإسلام إلا بعد الفقه في الدين وتحقيق الإيمان والتوحيد والنجاة من الشرك كما قال سبحانه: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) ، والرسول صلى الله عليه وسلم مكث بمكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله ويعلّم التوحيد والعقيدة ويقرأ عليهم الوحي ويجادل الكفار بالتي هي أحسن ويصبر على الأذى مع صلاته وإقامته للعبادات التي شُرعت في ذلك الوقت ولم يترك تعليم الدّين مع أنّ دولة الإسلام لم تقم في مكة حينئذ، ثم كيف تقوم دولة الإسلام دون أساس عقديّ ومجتمع من المسلمين ينشأون على الإسلام ويتربون عليه ويتعلمونه ويقيمونه؟ وصدق الذي قال: أقيموا دولة الإسلام في أنفسكم تقم لكم في أرضكم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/94)
كيفية التعامل مع الأهل العصاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعل المرأة إذا كانت الأسرة تعترض طريقها للإسلام (الالتزام) فهم غير ملتزمين؟ كيف تلتزم السنة؟ هل للأخت أن تعيش بمفردها لتقترب من الله وتقطع علاقاتها الأسرية؟ وهناك شر وغيبة وفتنة ودفع لمعصية الله فهل هناك دعاء عندما نواجه هذه المواقف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نقول لهذه الأخت المسلمة جزاك الله خيرا على التزامك بالإسلام ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتك عليه وأن ييسر لك إعانة عليه.
وبالنسبة للسؤال:
عليك أولا:
أن تصبري على أذاهم، فإن طريق الالتزام ليس سهلا، وهو طريق الأنبياء، والمسلم لابد أن يلاقي ويواجه صعوبات في طريق التزامه كما روى مسلم في " صحيحه " (2823) من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات "، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد لقوا من أقوامهم بل من أقرب الناس إليهم الأذى والمضايقة فكان جزاء صبرهم أن جعل الله العاقبة لهم.
ثانياً:
على الأخت المسلمة أن تحرص ولا تيأس من نصيحة أسرتها باللين والحكمة والموعظة الحسنة، وفي إظهار الأخلاق الحميدة وطيّب الأفعال والأقوال ومد يد العون والإحسان حتى إلى أشد الناس مضايقة لك فإن هذا له تأثير عليهم إن شاء الله، وهو من أنجح الوسائل للدعوة إلى الله.
ثالثا:
تحاول أن تجد مساندا لها في هذا الالتزام وذلك باستمالة من هو أكثر لها مودة ومحبةً فإنه أقرب إلى الاستجابة من غيره.
رابعا:
عليك أن تتسلحي بأعظم سلاح ألا وهو الدعاء لهم بالهداية وأن يقذف الله في قلوبهم نور الالتزام وأن تكثري من ذلك في السجود وفي الأسحار في آخر الليل وغيرها من مواطن الدعاء وأن لاتستبطئي الإجابة.
خامسا:
اعلمي أنه ليست كل عزلة مفيدة، فقد تسبب عزلة بعض من هداهم الله لأهلهم زيادة في الفجور والابتعاد عن الدين، وقد تسبب العزلة لصاحبها ضيق في الصدر وعدم قدرة على التحمل، لذا نرى أن تصبر الأخت السائلة على أهلها بالمخالطة التي لا تؤثر على دينها وإيمانها، وكلما كان الاعتزال داخليّاً – أي: داخل البيت – كان أفضل؛ لأن خروج المرأة من عند أهلها قد يسبب لها كثرة الكلام عليها، وإطماع الناس فيها لأنها صارت معتزلة وبعيدة عمن يرعاها ويحميها.
وبقاؤك قد يكون أنفع لأهلك لأن كثيراً من المعاصي قد لا يجرؤ الأهل على عملها رعاية لخاطر أولادهم الذين هداهم الله، فإذا ما اعتزل هؤلاء أهلَهم خلا الجو لأهلهم فارتكبوا ما يحلو لهم من المعاصي.
لذا فإن الداعية ينبغي أن يكون حكيماً فيقدِّر المصالح والمفاسد الناتجة عن الاعتزال، فلا يقدم مصلحة يسيرة على دفع مفسدة عظيمة، ودفع المفاسد أولى من جلب المصالح.
سادساً:
ليس هناك دعاء معيَّن لمثل هذه المواقف خيراً من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لقومه بالمغفرة والهداية.
أ. عن عبد الله بن مسعود قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيّاً من الأنبياء ضربه قومه فأدموْه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. رواه البخاري (3290) ومسلم (1792) .
قال النووي:
هذا النبي المشار إليه: من المتقدمين، وقد جرى لنبينا صلى الله عليه وسلم مثل هذا يوم أحُد. " شرح مسلم " (12 / 150)
ب. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن " دوْساً " عصت وأبت فادع الله عليها، فقيل: هلكت " دوس "، قال: " اللهم اهد دوساً وائتِ بهم ". رواه البخاري (2779) ومسلم (2524) .
ج. عن أبي هريرة قال: كنتُ أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتْني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليَّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اهدِ أمَّ أبي هريرة " فخرجتُ مستبشراً بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئت فصرتُ إلى الباب فإذا هو مجافٍ فسمعتْ أمي خشف قدمي فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلتْ ولبستْ درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فرجعتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً ...
رواه مسلم (2491) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/95)
من هم الوهابيون، وما هي دعوتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أسلمت حديثاً وأخبرني الكثيرون أن أبتعد عن الوهابيين فمن هم؟ وما هي دعوتهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، على منهج السلف الصالح الذين ساروا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، من الصحابة ومن تبعهم رضوان الله عليهم أجمعين، وهؤلاء يسمون بأهل السنة والجماعة، وكل من سار على الطريق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منهم، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء بالتوحيد، ونبذ الشرك، والدعوة إلى عبادة الله وحده دون سواه، أما كلمة الوهابيين، فيطلقها عدد من الناس على دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التَّمِيمي الحنبلي رحمه الله، ويسمونه وأتباعه الوهَّابيين، وقّدْ علم كلّ من له أدنى بصيرةٍ بحركة الشِّيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ودعوته أنَّه قام بِنَشْر دعوة التوحيد الخالص، والتَّحْذِير من الشرك، بسائر أنواعه، كالتَّعلُّقِ بالأموات، والأشجار والأحجار ونحو ذلك، وهو رحمه الله في العقيدة على مذهب السلف الصالح والتابعين، كما تدلُّ على ذلك كتبه وفتاواه، وكتب أتباعه من أبنائه وأحفاده وغيرهم، وقد طبعت كلها وانتشرت بين الناس، وكانت دعوته وِفْقَ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والوهابية ليست طريقة أو مذهباً، وإنما كانت دعوة للتوحيد، وتجديد ما اندثر من معالم الدين، والواجب عليك أيها السائل أن تحذر من الذين حذَّروك منهم لأنهم يحذرونك من اتِّباع الحق وسلف الأمة، وإطلاق كلمة الوهابيين على من تمسك بالعقيدة الصحيحة، والتحذير منهم إنما هي طريق الجاهلين والمغرضين، نسأل الله العافية.
انظر فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله 3/1306، ويراجع سؤال رقم 12203. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/96)
كيفية تبصير الناس بواقعهم عبر المنبر
[السُّؤَالُ]
ـ[نواجه نحن كخطباء جوامع بعض الانتقادات من بعض الأحبة أو من عامة الناس عندما نتطرق إلى الموضوعات المختلفة الدينية وما يتعلق بواقع الأمة فهذا يعجبه الموضوع وهذا لم يعجبه فينقسمون بين مؤيد ومعارض فكيف يجب ان يكون الخطيب الجيد وما توجيهكم للطريقة المثلى في تبصير الناس بواقعهم عبر المنبر وربطهم بدينهم بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الخطيب الجيد هو الذي يقول ما ينفع الحاضرين لديه بجميع مستوياتهم سواء كانوا عامة أو متعلمين أو مثقفين أو شبابا أو كباراً في السن وسيلاقي في تحقيق ذلك شيئاً من الصعوبة في اختيار العبارات والموضوعات التي تنفع الجميع ولكن مع المران وازدياد الممارسة سيحقق من ذلك نصيباً جيداً.
والخطيب الجيد هو الذي يهتم بتعليم الناس أمور دينهم وشرح قواعد الشريعة وإيضاح الأمور الكلية وذكر التفاصيل في أمور العقيدة والفقه وغيرها التي يحتاج إليها الناس.
والخطيب الجيد هو الذي يغتنم الأحداث التي يقدرها الله تعالى فيذكرها ويربطها بما يبين حكمها وحقيقتها على ضوء الكتاب والسنة ويستعمل ذلك في تربية الناس بهذا النوع المهم من التربية وهو التربية بالحدث كما نجد ذلك في آيات سورة آل عمران التي تعلق على غزوة أحد فذكر الله فيها العبر العظيمة من أحداث تلك الغزوة.
والخطيب الجيد هو الذي يجمع بين كلام العلماء المتقدمين والمتأخرين وبيين ذكر الأخطار والحوادث التي تمر بها الأمة الإسلامية.
والخطيب الجيد هو الذي ينوع في خطبه فتارة يذكر أمور التوحيد وتارة يحذر من أنواع الشرك وتارة يدعو إلى السنة ويحذر من البدع وأخطارها وتارة يبين بعض المسائل الفقهية التي يحتاج الناس إلى بيانها ويكثر وقوعهم فيها وتارة يعلق على الأحداث التي تمر بها الأمة من خلال الكتاب والسنة وكلام أهل العلم وهكذا وهو مع ذلك كله لا يخلي خطبه من الموعظة وتذكير الناس بالله واليوم الآخر لأنه مقصد أساسي في الخطبة والشاهد أن التوازن والحكمة إذا حصلا من الخطيب فلا يحق لأحد أن يعترض عليه والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(8/97)
نصيحة الذين لا يعترفون بالعلماء السلفيين ويسمونهم الوهابيين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تقول لأولئك الذين لا يوافقون ولا يعترفون (لأي سبب كان) بالعلماء المعاصرين من أمثال الشيخ العثيمين، والشيخين ابن باز والألباني رحمهم الله؟ البعض يقولون عنهم انهم من الوهابيين، ويقولون انهم يتبعون طائفة جديدة بدلا عن الدين الإسلامي العام الذي اتبعه غالبية العلماء في السابق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الواجب على المسلم أن يقبل تعاليم الإسلام، ويعمل بها، فمتى سمع بقول أو عمل يكون دليله من الكتاب والسنة فعليه أن يقبله وأن يقدمه على ما سواه، وأن يعرض أقوال الناس على الأدلة الشرعية، ويأخذ منها ما وافق الدليل. وقد عُلم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله _ كانت دعوته إلى التوحيد وألّف في ذلك كتابه المشهور الذي هو كتاب التوحيد، واقتصر فيه على الأدلة الواضحة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، وشرحه حفيده عبد الرحمن بن حسن، وغيره من العلماء، ولهذا لم يقدر أحد من خصمائه أن يردّ على هذا الكتاب، ولا أن يُبطل أدلته، وإنما جمعوا أكاذيب عليه واعتقدوا صحتها، فلذلك اعتقدوا أنه على ضلالة وألحقوا به علماء المسلمين كالشيخ ابن باز والشيخ الألباني رحمهما الله، ومعلوم أن المشائخ المذكورين لم يخرجوا عن القول الصحيح في الاعتقاد والعمل، وأنهم على ما كان عليه الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وأصحاب الكتب الستة وغيرهم. أما الذين لا يعترفون بهم فإنما ذلك لجهل أو تقليد، أو حسد أو عناد أو اتباع للأهواء، أو تمسك بالعادات والتقاليد والبدع والمنكرات المخالفة للدليل، وقد ردّ عليهم العلماء المتقدمون والمتأخرون فيجب اتباع الدليل وتقديمه على قول كل أحد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن جبرين(8/98)
حكم المسرحيات والتمثيليات لأجل الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة الحكم في المسرحيات القصيرة والتمثيليات الخاصة بالأطفال والمراهقين والتي تشتمل على مواد إسلامية (مثل بعض الآيات القرآنية, واقتباسات من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.. وما شابه ذلك) ؟ لقد قرأت إجابتك حول لبس الشعر المستعار والشوارب..الخ (وأن ذلك حرام) , لكني سأقدر حصولي على جواب مفصل حول ما ذكرت لأن الكثير ممن عندهم بعض العلم بأمور الدين قالوا بأن المسرحيات القصيرة جائزة للصغار. كما أني سأقدر لك كثيرا سرعة إجابتك على سؤالي, فنحن عندنا حلقة للصغار, ونحن نسأل الله أن يبعدنا عن مخالفة الكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها العلماء بين المنع منه مطلقا وبين إباحته ولكن بضوابط شرعية، وقبل ذكر الخلاف في المسألة ينبغي التنبيه على أنه ليس محل الخلاف في التمثيل الماجن والمختلط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المحرمات المشهور على الشاشات، فهذا لا نزاع بين أهل العلم في تحريمه.
أما التمثيل المختلف فيه فهو أن يقوم اثنان أو أكثر أمام جمهور من الناس بأعمال ومحادثات، لتعليم هذا الجمهور شعيرة أو خلقاً إسلامياً، أو تبصيره بالواقع وما فيه من فساد، أو الماضي وما فيه من أمجاد أو لترويح النفس ـ وقد يظهرون أنفسهم على غير حقيقتها.
وينبغي أن يكون هذا التمثيل محكوماً بضوابط، وهي:
1- الابتعاد عن تمثيل الأنبياء والصحابة، والشياطين والكفّار، والحيوانات، والمرأة من قِبَلِ الرّجل وبالعكس، وبالغيبيات كالملائكة.
2- تمثيل المستهزئ بالله أو آياته أو رسوله أو أي شعيرة من شعائر الدين ولو بحجة تعليم الناس، فهذا لا يجوز الوقوع فيه لا جِدّاً ولا هزلاً.
3- تمثيل أيّ دور خالطه مُحرّم من القول كالكذب والغيبة وإطالة الثوب وغيرها.
4- تمثيل العبادات كالوضوء والصلاة لا على صورتها الحقيقة الثابتة في السنة
وينبغي الابتعاد عن تمثيل وتقمُّصِ شخصية الفاجر أو الفاسق، أو تمثيل دور أئمة الأمة وعلمائها المتبوعين خشية أن يؤدي ذلك إلى انتقاص قدرهم.
وقد قال بعض العلماء المعاصرين بتحريم التمثيل عموماً، وقال بعضهم بإباحته بشروط ومنهم الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله وفيما يلي فتواه في المسألة:
الحمد لله رب العالمين، لا شك أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى عبادة، كما أمر الله بها في قوله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ، والإنسان الداعي إلى الله يشعر وهو يدعو إلى الله عز وجل أنه ممتثل لأمر الله متقرِّب إليه به، ولا شك أيضاً أن أحسن ما يدعى به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن كتاب الله سبحانه وتعالى هو أعظم واعظ للبشرية: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) ، والنبي صلى الله عليه وسلم كذلك يقول: " أبلغ الأقوال موعظة " فقد كان يعظ أصحابه أحيانا موعظة يصفونها بأنها " وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون " فإذا تمكَّن الإنسان من أن تكون عظته بهذه الوسيلة فلا شك أن هذه خير وسيلة، أي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا رأى أن يُضِيف إلى ذلك أحياناً وسائل مباحة، مما أباحه الله فلا بأس بهذا..ولكن يشترط ألا تشتمل هذه الوسائل على شيء مُحرّم كالكذب، أو تمثيل أدوار الكفار مثلاً، أو تمثيل الصحابة رضي الله عنهم أو الأئمة ـ أئمة المسلمين من بعد الصحابة ـ أو ما أشبه ذلك مما يُخْشى منه أن يَزْدَري أحد من الناس، هؤلاء الأئمة الفضلاء.. ومنها أيضاً ألا تشتمل التمثيلية على تَشَبُّه رجل بامرأة أو العكس، لأن هذا مما ثبت فيه اللعن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يلعن المتشبِّهات من النساء بالرجال، والمتشبِّهين من الرجال بالنساء. المهم أنه إذا أخذ بشيء من هذه الوسائل أحيانا من أجل التأليف، ولم يشتمل هذا على شيء مُحرّم، فلا أرى به بأسا، أما الإكثار منها، وجعلها هي الوسيلة للدعوة إلى الله، والإعراض عن الدعوة بكتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحيث لا يتأثر المدعُو إلا بمثل هذه الوسائل، فلا أرى ذلك، بل أرى أنه محرم، لأن توجيه الناس إلى غير الكتاب والسنة فيما يتعلق بالدعوة إلى الله أمر منكر، لكن فِعْل ذلك أحيانا لا أرى فيه بأسا إذا لم يشتمل على محرّم " أهـ، والله أعلم.
انظر كتاب التمثيل في الدعوة إلى الله لعبد الله آل هادي 11 -66-67 -102
ويراجع كتاب حكم ممارسة الفن في الشريعة لصالح الغزالي.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(8/99)
عمل استبيانات عن نسبة الداخلين إلى المواقع المشينة
[السُّؤَالُ]
ـ[نقوم على موقع إسلامي فهل يجوز لنا القيام باستبيان عن عدد الداخلين إلى المواقع السيئة والمشينة لينفع ذلك في نصحهم وقد يكون في ذلك معلومات مفيدة للدعاة والمصلحين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا الاستبيان له فوائد شرعية تنفع الدعاة وغيرهم ولا يترتب عليه محذور مثل فضح أشخاص بعينهم أو الدلالة إلى مواقع سيئة أو ترويج المنكر ونحو ذلك فلا بأس بعمله، وقد يساعد في علاج بعض الحالات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/100)
الوحدة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يحث الإسلام على الوحدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان الناس أمة واحدة على التوحيد ثم اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين فمن آمن دخل الجنة ومن كفر دخل النار. ولا يزال الصراع بين الإيمان والكفر بين الحق والباطل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
والإسلام دين الناس جميعاً وقد أمر الله بإبلاغه للناس كافة وذلك لا يتم إلا بقوة والقوة تقوم على الإيمان والاتحاد لذا أمر الله المؤمنين جميعاً بالتمسك بدينه , والاتحاد , وعدم التفرق فقال (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) آل عمران/103.
والفرقة , والاختلاف , والتنازع سبب لهزيمة الأمة , وزوالها كما قال سبحانه: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) الأنفال/46.
والوحدة والاجتماع أصل من أصول الدين الإسلامي ومظاهر الوحدة في الشريعة الإسلامية كثيرة فالرب واحد والكتاب واحد والنبي واحد والدين واحد والقبلة واحدة والأمة واحدة.
ولتحقيق وحدة الأمة حث الإسلام على لزوم الجماعة وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن يد الله مع الجماعة , ومن شذ شذ في النار وقد شرع الله الاجتماع في جميع العبادات الإسلامية لتحقيق هذه الوحدة وخاطب الله الأمة بلفظ الجماعة في جميع الأحكام إشارة إلى أنهم أمة واحدة كالجسد الواحد , لا فرق بينهم يؤمرون جميعاً وينهون جميعاً.
ففي مقام العبادة يقول الله: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) النساء/36.
ويأمرهم جميعاً بالمحافظة على الصلاة: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) البقرة/238.
وفي الزكاة يأمرهم جميعاً بقوله: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) البقرة/43.
وفي الصوم يقول: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة/183.
وفي الحج يقول: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) آل عمران/97.
وفي الجهاد يقول: (وجاهدوا في الله حق جهاده) الحج/78.
والإسلام يجعل الناس جميعاً أمام شرع الله سواء الأبيض والأسود العربي والأعجمي الذكر والأنثى الغني والفقير يجمعهم الإسلام يؤمرون جميعاً وينهون جميعاً فمن أطاع الله ورسوله دخل الجنة ومن عصى الله ورسوله دخل النار، كما قال: (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) فصلت/46.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري.(8/101)
أختها تصادق أحد الشاذين والعياذ بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أزعجتني (تصرفات) أختي في الشهرين الماضيين. وقد بدأت أبحث عن الكثير من الحقائق عن حياتي، ولذلك فقد حاولت أن أتعلم المزيد عن الإسلام وأنا أحقق نجاحا في ذلك. وقد توقفت أيضا عن مشاهدة التلفاز، والحمد لله، وقد كان لذلك أثر كبير في إزالة الأفكار (غير النافعة) من ذهني بطريقة مذهلة. وقد مضى علي 5 أشهر تقريبا منذ آخر مرة شاهدت فيها التلفاز. وأختي عندها صديق شاذ جنسيا، وهي لا ترى فيه أي شيء غير عادي. أنا أخاف من قول هذا، لكنها ذهبت معه إلى عرض (في حانة للشواذ) . أنا قلقة بشأنها جدا لأني بعد أن رأيت ذلك منها فإن نواياها أصبحت غير واضحة. إنها تظن بأنه لا يوجد أي بأس في هذه النوعية من الناس (الشواذ) ، والواقع أن عددا من زملائها في الصف هم من تلك النوعية، وهي تزاملهم. أنا أعلم أن أختي ليست من هذه النوعية، لكن لأننا نعيش في كندا، وخصوصا لأنها (هي) تشاهد التلفاز فقد أدى ذلك لانحراف أفكارها. فالتلفاز (الخاص بالكافرين) يخبرنا بأن الشذوذ طبيعي، وأن علينا أن نقبل بذلك وأن نرحب بالشاذين، في حين أن ذلك ليس صوابا وليس حقا أبدا. ويتضح من سؤالي كما ترى أن أختي لا تعرف الكثير عن الإسلام، فماذا يمكنني أن أفعل؟ أنا أكتب سؤالي وأنا أعيش مع والدتي فقط، وهي تقول بأنه كان من الصعب جدا عليها أن تأخذنا (لتعلم) القرآن عندما جئنا إلى هذه البلاد، وربما (لو أنها فعلت) لكان ذلك سببا في إنقاذنا من الكثير من الاضطراب. (والدتي مطلقة، ووالدي يعيش في بلاد بعيدة عنا) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله الذي يسر لك طريق الهداية، وهي نعمة عظيمة ينبغي أن تسعي إلى المحافظة عليها وشكر الله تعالى على ذلك.
اما ما يتعلق بأختك فمن المهم أن تحرصي على دعوتها والتأثير عليها، وقد أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبدأ عشيرته بالدعوة فقال: (وأنذر عشيرتك الأقربين) .
ومما ينبغي مراعاته هنا:
1 -الاعتناء بالدعاء لها؛ فالدعاء له أثره بإذن الله، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالهداية لطائفة ممن كان يدعوهم للإسلام.
2 - طول النفس وعدم الملل، فإن مالا يتحقق اليوم قد يتحقق غداً.
3 - تنويع الأساليب وطرق الموضوع من أكثر من باب.
4 - الحرص على اختيار الوقت المناسب للدعوة، والذي تكون فيه أختك أكثر تهيئا للسماع والاستجابة.
5 - سلوك بعض الطرق غير المباشرة، ومن ذلك: أن تقومي بإهدائها بعض الكتب والأشرطة والأفلام الإسلامية المؤثرة أو وضع شيء منها في المنزل بحيث يكون في متناول يدها.
6 - ربما تكون القرابة وطول الصلة مانعا من الاستجابة فحبذا لو بحثتي عن صديقة لها متدينة تحبها، وطلبتي منها أن تقوم بمناصحتها والتأثير عليها.
الشيخ محمد الدويش
نسأل الله الهداية لأختك، وننصح بأن تعطي أختك جواب سؤال رقم 9465 عن حكم إقامة العلاقة بين الجنسين لتقرأه وكذلك حكم الشذوذ في الإسلام كما جاء في سؤال رقم 2104 و 6285.
وهذه المأساة التي تعيشونها تنبيه لكم ولغيركم إلى خطورة الإقامة في بلاد الكفار، وتدفع المسلم والمسلمة إلى العودة بأسرع ما يمكن إلى بلاد المسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/102)
نصيحة لطلاب الجامعة في الإجازة الدراسية
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن الآن في نهاية العام ومقبلين على امتحانات نهاية الفصل الدراسي وأيضا على فصل الصيف وما يكثر فيه مما لا يخفى عليكم من دورات علمية 0 فهلا طلبنا منك نصيحة توجهها لنا نحن أبناؤك الطلاب في هذه الجامعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوصية لأبنائي بما يلي:
- استثمار الإجازة في طلب العلم الشرعي الذي تفتقدون كثرته في هذه الجامعة وصلة الرحم التي تفتقدونها ببعدكم عن أهليكم والنشاط في الدعوة إلي الله في أوساط الجيران والأقارب والعشيرة التي تفتقدونها بانحصاركم في السكن الجامعي
- الاستمرار في الصلة بالأخيار {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} وعدم الانقطاع عنهم في الإجازة ولعل من المفيد المشاركة في برامج ولو لأخيار آخرين في المنطقة التي ستذهبون إليها إذا لم يوجد معكم من من الأخيار السابقين في الجامعة من تكونون معه.
- الحذر من المحرمات كالسفر إلى أماكن الفسق أو بلاد الكفر أو رؤية القنوات المحرمة.
وأسأل الله لي ولكم التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/103)
بعض المدعوّين إذا قيل له اتق الله قال اشتغل بنفسك
[السُّؤَالُ]
ـ[مما يضايقني كثيراً إذا نصحت بعض الناس أو وعظتهم في منكر يفعلونه أن الواحد منهم يقول لي: هذا أمر لا يعنيك اشتغل بنفسك لا تتدخل في أموري الخاصة، فما حكم قولهم هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كلامهم هذا باطل ورد للحق، والله يبغض مثل هذا الرد والدليل على هذا ما جاء في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك.
وأبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك) .
السلسلة الصحيحة للألباني 2598
فعليك مواصلة الطريق في الدعوة والصبر على ما أصابك كما قال لقمان لولده: (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) لقمان/17.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(8/104)
شخص يرافق إحدى الداعيات بزعم أعمال الخير!!
[السُّؤَالُ]
ـ[اطلعت على مقالة لأحد الكتاب أثنى فيها على زوجة أحد الدعاة القدامى وأنه كان معها طيلة الوقت لمصلحة مشتركة بينهما في الذهاب لمقابلة المحامين من أجل السعي للإفراج عن المعتقلين وأنه رأى في خلال الأيام التي صاحبها من قوة شخصيتها ولباقتها وحسن تصرفها وحكمة حديثها ما يدعوا إلى الإعجاب فما هو التعليق الشرعي على هذا الأمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حصلت الخلوة بينهما في وقت كان كلٌ منهما بالغاً فعليه أن يتوب؛ لأن الخلوة بالمرأة الأجنبية ومرافقتها في الذهاب والمجيء عمل محرم لا يجوز وهو من أبواب الفتنة.
أما إن كانت المرافق صغيراً حين المرافقة على وجه تؤمن عليهما الفتنة أو كان محرماً من محارمها أو كانت المرافقة دون خلوة مع حجابها التام ونحو ذلك فعليه أن يبين ذلك لئلا يُتهم، وينبغي على المسلم أن يستبرأ لدينه وعرضه والله المستعان ...
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/105)
أعراض الدعاة والمصلحين
[السُّؤَالُ]
ـ[كثرت في الأيام الأخيرة ظاهرة الوقوع في أعراض الدعاة وتقسيمهم ونسبتهم إلى أحزاب، فما رأيك بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الله عز وجل يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الظلم والبغي والعدوان، وقد بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بما بعث به الرسل جميعاً من الدعوة إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده. وأمره بإقامة القسط ونهاه عن ضد ذلك من عبادة غير الله، والتفرق والتشتت والاعتداء على حقوق العباد.
وقد شاع في هذا العصر أن كثيراً من المنتسبين إلى العلم والدعوة إلى الخير يقعون في أعراض كثير من إخوانهم الدعاة المشهورين، ويتكلمون في أعراض طلبة العلم والدعاة والمحاضرين. يفعلون ذلك سراً في مجالسهم. وربما سجلوه في أشرطة تنشر على الناس، وقد يفعلونه علانية في محاضرات عامة في المساجد، وهذا المسلك مخالف لما أمر الله به ورسوله من جهات عديدة منها:
أولاً: أنه تعد على حقوق الناس من المسلمين، بل من خاصة الناس من طلبة العلم والدعاة الذي بذلوا وسعهم في توعية الناس وإرشادهم وتصحيح عقائدهم ومناهجهم، واجتهدوا في تنظيم الدروس والمحاضرات وتأليف الكتب النافعة.
ثانياً: أنه تفريق لوحدة المسلمين وتمزيق لصفهم، وهم أحوج ما يكونون إلى الوحدة والبعد عن الشتات والفرقة وكثرة القيل والقال فيما بينهم، خاصة وأن الدعاة الذين نيل منهم هم من أهل السنة والجماعة المعروفين بمحاربة البدع والخرافات، والوقوف في وجه الداعية إليها، وكشف خططهم وألاعيبهم. ولا نرى مصلحة في مثل هذا العمل إلا للأعداء المتربصين من أهل الكفر والنفاق أو من أهل البدع والضلال.
ثالثاً: أن هذا العمل فيه مظاهرة ومعاونة للمغرضين من العلمانيين والمستغربين وغيرهم من الملاحدة الذين اشتهر عنهم الوقيعة في الدعاة والكذب عليهم والتحريض ضدهم فيما كتبوه وسجلوه، وليس من حق الأخوة الإسلامية أن يعين هؤلاء المتعجلون أعداءهم على إخوانهم من طلبة العلم والدعاة وغيرهم.
رابعاً: إن في ذلك إفساداً لقلوب العامة والخاصة، ونشراً وترويجاً للأكاذيب والإشاعات الباطلة، وسبباً في كثرة الغيبة والنميمة وفتح أبواب الشرعلى مصاريعها لضعاف النفوس الذين يدأبون على بث الشبه وإثارة الفتن ويحرصون على إيذاء المؤمنين بغير ما اكتسبوا.
خامساً: أن كثيراً من الكلام الذي قيل لا حقيقة له، وإنما من التوهمات التي زينها الشيطان لأصحابها وأغراهم بها وقد قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً ... ) الحجرات/12، والمؤمن ينبغي أن يحمل كلام أخيه المسلم على أحسن المحامل، وقد قال بعض السلف: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءً وأنت تجتهد لها في الخير محملاً.
سادساً: وما وجد من اجتهاد لبعض العلماء وطلبة العلم فيما يسوغ فيه الاجتهاد فإن صاحبه لا يؤاخذ به ولا يثرب عليه إذا كان أهلاً للاجتهاد، فإذا خالفه غيره في ذلك كان الأجدر أن يجادله بالتي هي أحسن، حرصاً على الوصول إلى الحق من أقرب طريق ودفعاً لوساوس الشيطان وتحريشه بين المؤمنين، فإن لم يتيسر ذلك، ورأى أحد أنه لا بد من بيان المخالفة فيكون ذلك بأحسن عبارة وألطف إشارة، ودون تهجم أو تجريح أو شطط في القول قد يدعو إلى رد الحق أو الإعراض عنه. ودون تعرض للأشخاص أو اتهام للنيات أو زيادة في الكلام لا مسوغ لها. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في مثل هذه الأمور ما بال أقوام قالوا كذا وكذا.
فالذي أنصح به هؤلاء الإخوة الذين وقعوا في أعراض الدعاة ونالوا منهم أن يتوبوا إلى الله تعالى مما كتبته أيديهم، أو تلفظت به ألسنتهم مما كان سبباً في إفساد قلوب بعض الشباب وشحنهم بالأحقاد والضغائن، وشغلهم عن طلب العلم النافع، وعن الدعوة إلى الله بالقيل والقال والكلام عن فلان وفلان، والبحث عما يعتبونه أخطاء للآخرين وتصيدها، وتكلف ذلك.
كما أنصحهم أن يكفروا عما فعلوا بكتابة أو غيرها مما يبرؤون فيه أنفسهم من مثل هذا الفعل ويزيلون ما علق بأذهان من يستمع إليهم من قولهم، وأن يقبلوا على الأعمال المثمرة التي تقرب إلى الله وتكون نافعة للعباد، وأن يحذروا من التعجل في إطلاق التكفير أو التفسيق أو التبديع لغيرهم بغير بينة ولا برهان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) متفق على صحته.
ومن المشروع لدعاة الحق وطلبة العلم إذا أشكل عليهم أمر من كلام أهل العلم أو غيرهم أن يرجعوا فيه إلى العلماء المعتبرين ويسألوهم عنه ليبينوا لهم جلية الأمر ويوقفوهم على حقيقته ويزيلوا ما في أنفسهم من التردد والشبهة عملاً بقول الله عز وجل في سورة النساء: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو اخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً) النساء/83.
والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين جميعاً ويجمع قلوبهم وأعمالهم على التقوى، وأن يوفق جميع علماء المسلمين، وجميع دعاة الحق لكل ما يرضيه وينفع عباده، ويجمع كلمتهم على الهدى ويعيذهم من أسباب الفرقة والاختلاف، وينصر بهم الحق ويخذل بهم الباطل إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/7، ص/311.(8/106)
مهتدية تخشى على نفسها وأصابتها الوساوس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة وأعيش في دولة غير إسلامية ... وقد أكرمني الله تعالى بأن أرشدني إلى الطريق المستقيم في العام الماضي (فقد بدأت أطبق الشعائر الإسلامية مع أني ولدت مسلمة) ، على أي حال ففي الأشهر القليلة الماضية، قد نقص إيماني بشكل كبير ... والحمد لله، فلم اتوقف عن تأدية أي شيء، لكن الوساوس غمرتني. وقد حاولت قول بعض الأدعية، ومع أنه كان لذلك بعض الأثر الإيجابي، إلا أني لم أتخلص من ذلك تماما. أنا أشعر بأني أخاف بشدة من كل شيء حولي (خصوصا الكفار وطريقتهم) ، أنا لا أعرف ما هو الشيء الذي يجعلني أجد ذلك الشعور، لكني لا أحبه بحق ... أنا أخاف جدا من أن أضل ... أنا أحيانا أجد بعض الأفكار الغريبة، وأنا الآن أعلم أنه الشيطان يحاول أن يزعجني، لكني أريد فقط أن أعرف ماذا يمكنني عمله للتخلص من ذلك.. لقد قرأت بعض الأدعية كما ذكرت سابقا وبعض الآيات القرآنية.. لكن لم يحصل أي تغير بعد ... وأنا أعلم الآن أن ذلك بسبب شيء خاطئ أقوم به لكني أريد فقط أن أعرف ما هو ذلك الشيء. إذا كان عندك أية اقتراحات حول الموضوع، فأنا أرجو أن تخبرني بها. وجزاك الله خيرا. وأسال الله أن يدلنا على الطريق الصحيح ... آمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أعطى الله تبارك وتعالى الإنسان في الدنيا ما يمكنه من أن يقوم بعبادته وطاعته كما أمر، فأعطاه القدرة في نفسه وخلقه في أحسن تقويم، وأرسل إلى الخلق رسله يبينون لهم طريق العبادة والطاعة، وأنزل إلى الخلق كتبه، وأعطاهم القدرة على الفهم والمعرفة.
والواجب على العبد أن يبحث عن الأسباب التي تعينه على سلوك طريق الطاعة والإيمان ومن ذلك:
1 - الحرص على إتيان الفرائض والواجبات الشرعية والمحافظة عليها.
2 - الحرص على الابتعاد عن المحرمات والمعاصي فلها أثر كبير على قلب الإنسان.
3 - الاعتناء بتلاوة القرآن الكريم، ومما ينبغي مراعاته هنا أن التلاوة النافعة التي تترك أثرها على صاحبها هي التلاوة المصحوبة بالتدبر والتمعن في آيات القرآن، وقد أخبر تبارك وتعالى عن أثر القرآن على عباده المؤمنين فقال (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا) وقال (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشايها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) .
4 - ذكر الله تبارك وتعالى والمداومة عليه، والذكر النافع ما كان بالقلب واللسان، قال تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) .
5 - دعاء الله تبارك وتعالى واللجوء إليه، ومن الأدعية الواردة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا قال فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها فقال بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
6 - الحرص على التخفف من التعلق بالدنيا، وتعليق النفس بالآخرة، فإن انشغال المرء بهموم الدنيا يزيده هما وغما، ويجعل المشكلات التي تمر به تشغل ذهنه وتؤرقه.
7 - الأخذ بالأسباب التي تعين على شرح الصدر وزوال الهموم، ومنها: مصاحبة الصالحين ومجالستهم، والترويح المباح عن النفس، والتنويع والبعد عن الرتابة المملة.
وإذا شعر المرء بحاجته لزيارة طبيب نفسي واستشارته فلا بأس بذلك، مع الحذر من اتجاهات بعض الأطباء المنحرفة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد الدويش.(8/107)
يريد أن يدعو الموظفين إلى الصلاة لكنه متردد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من المحافظين على صلاتهم، حتى في مكتب العمل، لكن زملائي المسلمين في العمل لا يصلون. وأود أن أفاتحهم في هذا الأمر لكن لا أعرف لماذا ينتابني شعور أني إذا كلمتهم سأتوقف أنا عن الصلاة، من فضلك أرشدني. وقد سألت الساعي لماذا لا يصلي، فقال إن تنظيف الحمامات من متطلبات عمله اليومي وبالتالي ينجس ولا يستطيع الصلاة وفي المساء يرجع إلى بيته متعبًا لأنه يعمل 12 ساعة بحيث لا يقدر على الصلاة. أرجو منكم أن تخبروني كيف أقنع هذا الشخص! ودائمًا أدعو له أن يبدأ يصلي ويحافظ على الصلاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يزيدك إيمانا وتقى ومحافظة على فرائضه.
ولا ينبغي أن تتردد في نصح زملائك وتذكيرهم بأمر الصلاة، بل ذلك مما أوجب الله تعالى، كما قال سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/104 وقال: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) لقمان/17 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم 49
وترك الصلاة منكر عظيم، بل هو كفر مخرج عن الإسلام، في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم (82) .
وقوله: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه الترمذي (2621) والنسائي (463) وابن ماجه (1079) .
ولا ينبغي أن يكون في قلبك خاطرة أو احتمال لترك الصلاة، بل تكره ذلك كراهة أن تقذف في النار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم" ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" رواه البخاري 49 ومسلم 60
وما ذكره زميلك من الاعتذار بتنجس ملابسه، جوابه: أنه بإمكانه تنظيف الحمامات دون أن تتنجس ثيابه، كما أن بإمكانه تخصيص ثوب طاهر للصلاة. واعلم أنه لا يتعلل بمثل ذلك من في قلبه تعظيم للصلاة وإدراك لأهميتها وخطورة تركها.
فالواجب نصح هذا وغيره، وبيان حكم تارك الصلاة، ووجوب أداء الصلاة في مواقيتها، وحرمة تأخيرها إلى آخر الدوام أو قبل النوم؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) مريم/59
قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم.
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/4، 5.
فتأخير الصلاة عن وقتها كبيرة من الكبائر، وتركها بالكلية كفر أكبر، عياذا بالله من ذلك.
والله أعلم.
راجع السؤال رقم (47425) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/108)
على يد مَنْ يكون التغيير، وواقع المسلمين يتناقض مع عظمة دينهم
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الإسلام هو الدين الوحيد القائم على العدل والذي يحل مشاكل الإنسانية خاصة في الأحداث الراهنة، هذه هي الحقيقة الكونية. وواجب المسلمين جميعًا أن يجتهدوا في تطبيق هذا الدين حتى ترتقي البشرية، لكن للأسف انحط المسلمون ونزلوا إلى أدنى المراتب. ألا تعتقد ـ في ظل هذه الحال ـ أن الله سبحانه وتعالى قد يختار قومًا آخرين يأتي التغيير المطلوب على أيديهم بعد أن سلك المسلمون طرق النفاق والرياء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس من شك في تلك الحقيقة الكونية التي ذكرتها، والعدل بين الناس أصل شرعي عام مع كل أحد، سواء في استحقاقه المؤمن والكافر، والحبيب والبغيض؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/8، وقال تعالى: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) الشورى/15
وليس من شك، كذلك، في أنه لا أمل لهذه البشرية في النجاة من مشكلاتها، ولا هداية لها من ضلالها، إلا بهذا الدين، قال الله تعالى: (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُون َ) يونس/32 (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون َ) الأعراف/96 وليس صلاح البشرية على هذا الدين، وفسادها بتركه، لما تضمنه من العدل مع جميع الخلق، فحسب، بل إن أعظم ما يصلح البشرية على هذا الدين قيامه على التوحيد الخالص لرب العالمين؛ فلا عبودية لملك ولا جان، ولا بشر ولا حجر، وكما أنه لا صلاح للخلق إلا أن يكون الخالق واحدا، فكذلك لا صلاح له إلا أن يكون الآمر واحدا، وهو الله، سبحانه: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) الأعراف/54 (لوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) الأنبياء/22 وانحراف البشرية عن هذا الأصل العظيم هو أعظم أسباب التيه الذي تعيشه، والشقاء الذي تتقلب فيه، قال تعالى:) قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/71 (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى* وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) طه/124-127
ولقد كان من حكمة الله في خلقه أن يكون في الناس فريقان: مؤمن وكافر، طائع وعاص، وأن يحصل التدافع بين الفريقين: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة/251 (ُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج/40
ولله في ذلك الحكمة البالغة؛ فيتميز الصادق من الكاذب، وليعلم الله من ينصره ورسله ممن يحاربه ويعاديه، وهذه هي حقيقة الابتلاء في هذه الحياة: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) محمد/4 وما أشرت إليه من انحراف أكثر المسلمين عن تعاليم هذا الدين فهو واقع أكثر المسلمين اليوم إلا من رحم ربي من الطائفة المنصورة المتمسكة بالحق، وهذا هو أعظم محنة لنا في هذا الزمان، وهو سبب ما يعانيه المسلمون من ضعف وهوان، وتسلط عدوهم عليهم، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) رواه أبو داود 3462، وصححه الألباني في الصحيحة 11
ولقد حذر الله تعالى عباده، في غير آية من كتابه، عاقبة تفريطهم في دينهم، وتهاونهم في الأمانة التي حملوها، وأن وبال ذلك عائد عليهم هم، والخسارة خسارتهم، وأما دين الله فهو محفوظ بحفظه سبحانه: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) آل عمران/144
وحين ينسلخ جيل الكسالى، الذين تولوا عن الميدان، وتفلتوا من حمل الأمانة، يأتي دور الجيل المصطفى لهذه المهمة، الذي شرفه الله بحمل أمانة دينه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) المائدة/54 (هَاأنتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) محمد/38
لكنا نعود لنقول إن هذا الجيل هو من المسلمين أنفسهم، وليس من غيرهم؛ فلن يكون جيلا من الملائكة يحمل ما تركه البشر، ولن يكون أمرا كونيا، أو معجزة إلاهية تنصر قوما من النيام، ولن يكون كذلك جيلا من الكفار ينصرون دين الله، وما كانوا أولياءه، فليس لله ولدينه أولياء، إلا المتقون. وساعة يتحقق ذلك الجيل، يأت نصر الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد/7 ويبقى دورنا نحن في إعداد أنفسنا، وتربية أبنائنا وأهلينا، ودعوة غيرنا، لنكون من هذا الجيل، أو على الأقل، خطوة في طريقه.
نسأل الله تعالى أن يوقفنا لما يحب ويرضى، وأن ينصر دينه بنا.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/109)
عاقبة من لم يلتزم بالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي عاقبة من لم يلتزم بالدين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كما تبين لك أن الإسلام هو دين الله , وهو الدين الحق , وهو الدين الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين وقد رتب الله الأجر العظيم في الدنيا والآخرة لمن آمن به , وتوعد بالعذاب الشديد من كفر به.
وبما أن الله هو الخالق المالك المتصرف في هذا الكون , وأنت أيها الإنسان خلق من خلقه ,وسخر لك جميع ما في الكون ,وشرع لك شرعه , وأمرك باتباعه ,فإن آمنت وأطعت ما أمرك به ,وانتهيت عما نهاك عنه , فزت بما وعدك الله به في الدار الآخرة من النعيم المقيم , وسعدت في الدنيا بما يمن عليك من أصناف النعم , وكنت متشبهاً بأكمل الخلق عقولاً , وأزكاهم نفوساً , وهم الأنبياء والمرسلون والصالحون والملائكة المقربون.
وإن كفرت وعصيت ربك , خسرت دنياك وأخراك , وتعرضت لمقته وعذابه في الدنيا والآخرة , وكنت متشبهاً بأخبث الخلق , وانقصهم عقولاً ,وأحطهم نفوساً من الشياطين والظلمة والمفسدين والطواغيت , هذا على سبيل الإجمال.
وسأبين لك شيئاً من عواقب الكفر على وجه التفصيل وهي:
1-الخوف وعدم الأمن:
وعد الله الذين آمنوا به واتبعوا رسله بالأمن التام في الحياة الدنيا وفي الآخرة , قال تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) سورة الأنعام /الآية 82 , والله هو المؤمن والمهيمن , وهو المالك لجميع ما في الكون , فإذا أحب عبداً لإيمانه منحه الأمن والسكينة والطمأنينة , وإذا كفر به المرء سلبه طمأنينته وأمنه فلا تراه إلاّ خائفاً من مصيره في الدار الآخرة وخائفاً على نفسه من الآفات والأمراض , وخائفاً على مستقبله في الدنيا , ولذا يقوم سوق التأمين على النفس وعلى الممتلكات , لعدم الأمن , ولعدم التوكل على الله.
2- المعيشة الضنك:
خلق الله الإنسان, ووسخر له جميع ما في الكون , وقسم لكل مخلوق حظه من الرزق والعمر , فأنت ترى الطير يغدو من عشه ليجد رزقه فيلتقطه , وينتقل من غصن إلى غصن , ويتغنى بأعذب الألحان , والإنسان مخلوق من هذه المخلوقات التي قسم لها رزقها وأجلها , فإن آمن بربه , واستقام على شرعه , منحه السعادة والاستقرار , ويسر له أمره , وإن لم يتوافر له إلاّ أدنى مقومات الحياة.
وإن كفر بربه , واستكبر عن عبادته , جعل حياته ضنكاً , وجمع عليه الهموم والغموم , وإن ملك جميع وسائل الراحة , وأصناف المتاع. ألست ترى كثرة المنتحرين في الدول التي كفلت لأفرادها جميع وسائل الرفاهية؟ ألست ترى الإسراف في أصناف الأثاث وأنواع الأسفار من أجل الاستمتاع بالحياة؟ إن الذي يدفع إلى الإسراف في ذلك هو خلو القلب من الإيمان والشعور بالضيق والضنك , ومحاولة تبديد هذا القلق بوسائل متغيرة ومتجددة , وصدق الله حيث يقول: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى) . سورة طه / الآية 124.
3-أنه يعيش في صراع مع نفسه ومع الكون من حوله:
ذلك أن نفسه فطرت على التوحيد قال تعالى: (فطرت الله التي فطر الناس عليها) سورة الروم / الآية 30 , وجسده استسلم لخالقه , وسار على نظامه فأبى الكافر إلاّ أن يناقض فطرته , ويعيش في أموره الاختيارية معارضاً لأمر ربه , فلئن كان جسده مستسلماً , فإن اختياره معارضاً.
وهو في صراع مع الكون من حوله , ذلك لأن هذا الكون كله من أكبر مجراته إلى أصغر حشراته يسير على التقدير الذي شرعه له ربه , قال تعالى (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين) سورة فصلت / الآية 11, بل هذا الكون يحب من وافقه في استسلامه لله , ويكره من خالفه , والكافر هو النشاز في هذا الخلق حيث نصب نفسه معارضاً لربه مظاهراً عليه ولذا حق للسماوات والأرض وسائر المخلوقات أن تبغضه وتبغض كفره وإلحاده قال تعالى: (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً * لقد جئتم شيئاً إداً * تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً * أن دعوا للرحمن ولداً * وما ينبغي للرحمن أن يتّخذ ولداً * إن كل من في السماوات والأرض إلاّ آتي الرحمن عبداً) سورة مريم / 88, 93 , وقال سبحانه عن فرعون وجنده: (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) سورة الدخان / الآية 29.
4- أنه يعيش جاهلاً:
إذ الكفر هو الجهل , بل هو أعظم الجهل , لأن الكافر يجهل ربه ويشاهد هذا الكون الذي خلقه ربه فأبدعه , ويرى من نفسه عظيم الصنعة , وجليل الخلقة , ثم يجهل من خلق هذا الكون , ومن ركب نفسه , أليس هذا أعظم الجهل؟؟.
5- أن يعيش ظالماً لنفسه , ظالماً لمن حوله:
لأنه سخر نفسه لغير ما خلقت له , ولم يعبد ربه , بل عبد غيره , والظلم هو وضع الشيء في غر موضعه , وأي ظلم أعظم من توجيه العبادة لغير مستحقها , وقد قال لقمان الحكيم مبيناً شناعة الشرك: (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم) سورة لقمان / 13.
وهو ظلم لمن حوله من البشر والمخلوقات؛ لأنه لا يعرف لذي حق حقه , فإذا كان يوم القيامة قام في وجهه كل من ظلمه من إنسان أو حيوان يطلب من ربه أن يقتص له منه.
6- أنه عرّض نفسه لمقت الله وغضبه بالدنيا:
فيكون عرضة لأن تنزل به المصائب وتحل به الكوارث؛ عقوبة عاجلة قال جل ثناؤه (أفأمِن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون - أو يأخذهم في تقلُّبهم فما هم بمعجزين - أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم) سورة لقمان / 13 , وقال سبحانه: (ولا يزال الذين كفروا تُصيبُهُم بما صنعوا قارعةُ أو تحُلُّ قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد) سورة الرعد / 31 , وقال عز من قائل: (أو أمِن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحىً وهم يلعبون) سورة الأعراف / 98.
وهذا شأن كل من أرض عن ذكر الله , قال تعالى مخبراً عن عقوبات الأمم الماضية الكافرة: (فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليهم حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) سورة العنكبوت / 40 , وكما ترى مصائب من حولك ممن حلت به عقوبة الله ونكاله.
7- أن تكتب له الخيبة والخسران:
فبسبب ظلمه خسر أعظم ما تتمتع به القلوب والأرواح , وهو معرفة الله والأنس بمناجاته , والسكينة إليه , وخسر الدنيا لأنه عاش فيها حياة بائسة حائرة , وخسر نفسه التي كان يجمع من أجلها؛ لأنه لم يسخرها لما خلقت له , ولم يسعد بها في الدنيا , لأنها عاشت شقية ,وماتت شقية , وستبعث مع الأشقياء قال تعالى: (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم) سورة الأعراف / 9 , وخسر أهله؛ لأنه عاش معهم على الكفر بالله , فهم مثله في الشقاء والضنك سواء , ومصيرهم إلى النار , قال تعالى: (إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) سورة الزمر / 15 , وسورة الشورى / 45.
ويوم القيامة يحشرون إلى النار , وبئس القرار , قال تعالى: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون - من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم) سورة الصافات/الآيتان:22 , 23.
أنه يعيش كافراً بربه جاحداً لنعمه:
فإن الله أوجده من عدم , وأسبغ عليه جميع النعم , فكيف يعبد غيره , ويوالي سواه , ويشكر من دونه ... وأي جحود أعظم من هذا؟ وأي نكران أشنع من هذا؟ .
9- أنه يُحرم الحياة الحقيقية:
ذلك أن الإنسان الجدير بالحياة هو الذي آمن بربه , وعرف غايته , وتبين مصيره , وأيقن بمبعثه , فعرف لكل ذي حق حقه , فلا يغمط حقاً , ولا يؤذي مخلوقاً , فعاش عيشة السعداء , ونال الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) سورة النحل / 97 , وفي الآخرة: (ومساكن طيبةً في جنات عدن ذلك الفوز العظيم) سورة الصف / 12.
أما من عاش في هذه الحياة عيشة شبيهة بحياة البهائم , فلا يعرف ربه , ولا يدري ما غايته , ولا يعلم أين مصيره؟ بل غايته أن يأكل ويشرب وينام ... فأي فرق بينه وبين سائر الحيوانات بل هو أضل منها قال جل ثناؤه: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهُمْ قُلُوب ٌ لاّ يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) سورة الأعراف / 179 , وقال عز من قائل: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً) سورة الفرقان / 44.
10 - أنه يخلد في العذاب:
ذلك أن الكافر ينتقل من عذاب إلى عذاب فهو يخرج من الدنيا - وقد تجرع غصصها ومصائبها - إلى الدار الآخرة , وفي أول مرحلة منها تنزل به ملائكة الموت تسبقها ملائكة العذاب لتذيقه من العذاب ما يستحقه , قال تعالى: (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) سورة الأنفال / 50 , ثم إذا خرجت روحه ونزل في قبره لقي من العذاب أشده قال تعالى مخبراً عن آل فرعون: (النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) سورة غافر / 46 , ثم إذا كان يوم القيامة وبعثت الخلائق , وعرضت الأعمال , ورأى الكافر أن الله قد أحصى عليه جميع أعماله في ذلك الكتاب الذي قال الله عنه: (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) سورة الكهف / 49 , هناك يود الكافر لو كان تراباً (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً) سورة النبأ / 40.
ولشدة هول الموقف فإن الإنسان لو كان يملك جميع ما في الأرض لافتدى به من عذاب ذلك اليوم قال تعالى: (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به) سورة الزمر / 47 , وقال تعالى: (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذٍ ببنيه - وصاحبته وأخيه - وفصيله التي تؤويه - ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه) سورة المعارج / 11 - 14.
ولأن تلك الدار دار جزاء وليست دار أماني فلا بد أن يلقى الإنسان جزاء عمله إن خيراً فخير , وإن كان شراً فشر , وشر ما يلقى الكافر في الدار الآخرة عذاب النار , وقد نوّع الله على أهلها أصناف العذاب ليذوقوا وبال أمرهم فقال تعالى: (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون - يطوفون بينها وبين حميم آن) سورة الرحمن / 43 - 44 , وقال مخبراً عن شرابهم وملابسهم: (فالذين كفروا قُطعت لهم ثيابٌ من نَّارٍ يُصبُّ من فوق رءوسهم الحميم - يُصْهَرُ به ما في بطونهم والجلود - ولهم مّقامع من حديد) سورة الحج / 91 - 21.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الإسلام أصوله ومبادؤُه تأليف د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم.(8/110)
أخوها له جرأة كبيرة على المعاصي فماذا تفعل معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ أصغر مني يبلغ 20 عاما أعلم أنه يفعل كل المعاصي التي حرمها الله، وأبي وأمي صالحان لكنهما لم يتمكنا من إصلاح حاله، وأنا أخاف عليه وكلما حاولت مكالمته يصدمني بأنه ليس له هدف في الحياة ويتمنى أن يموت ويسأل دائما ولماذا ينصلح حالي ولمن؟ ماذا افعل لأخي الوحيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله أن يمن على أخيك بالهداية والصلاح وأن يرده إليه رداً جميلاً، وأن يعينك على دعوته وتوجيهه للخير وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتك..
ثم اعلمي أيتها الأخت ـ وفقك الله ـ أن أمامك عددا من الوسائل التي يمكنك القيام بها لدعوة أخيك واستصلاحه ومن ذلك:
أولاً: الدعاء لأخيك بالهداية والصلاح بقلب صادق، ويقين من الله بالإجابة؛ مع الإلحاح والمداومة على ذلك، واعلمي أن الله لا يخيب ظن من رجاه، ولا يرد سائلاً دعاه بصدق وإخلاص.
ثانياً: توجيه النصيحة إليه واسلكي في ذلك أسلوب الحوار والإقناع العقلي ممزوجاً بأسلوب الترغيب بما أعد الله للمحسنين من الكرامة والجزاء الحسن الجميل، والترهيب بما أوعد الله به المذنبين من العقوبة والنكال والعذاب الشديد؛ وذلك بتذكيره بحقيقة هذه الحياة، وأن الله تعالى ما خلق هذا الكون بأرضه وسمائه وبحاره وأنهاره، وجباله وسهوله ووهاده وصحاراه؛ إلا من أجلك أنت أيها الإنسان، وماذا عسى أن تكون أيها المخلوق الضعيف في جنب هذه المخلوقات العظيمة الهائلة؛ التي سخرها الله لك، لتستقر حياتك، وتتيسر سبل عيشك، كما قال سبحانه: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) البقرة/29، وقال جل شأنه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/15 وقال سبحانه: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) لقمان/20، بل وفضلك على سائر هذه المخلوقات الأرضية جميعا ً كما قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الإسراء/70 فإذا علمت ذلك أيها المخلوق الضعيف، وأن الله خلق كل هذه العوالم العظيمة وسخرها لراحتك في هذه الحياة، فيتبادر إلى الذهن سؤال منطقي يسأله كل عاقل: فلماذا إذاً خلقني الله تعالى؟ فيأتيك الجواب صريحاً واضحاً من خالقك ومولاك: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذريات/56.
إذاً فالوظيفة التي من أجلها خلقت أيها الإنسان إنما هي: تحقيق العبودية لله الواحد الأحد، وهذا جواب قولك لمن أنصلح؟ فأنت تنصلح لله الذي خلقك فسواك فعدلك، ووهب لك الحياة والقوة والصحة وما بك من نعمة فهي منه وحده ولو شاء لسلبها عنك في طرفة عين، أفلا يستحق منك أن تشكره على هذه النعم التي لا تحصى، وذلك بامتثال أمره واجتناب نهيه الذي هو حقيقة العبادة التي خلقت من أجلها.
وأما قولك لماذا أنصلح؟ فقد بين الله سبحانه الحكمة من خلق الموت والحياة في هذه الدنيا، حتى تعرف أيها الإنسان الحقيقة الكبرى التي من علمها لم يقر له قرار ولم يهدأ له بال حتى ينال مرضاة الله فيسعد في الجنة بلقياه فقال سبحانه: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك/2، فإذا علمت ذلك وأن خالقك سبحانه يختبرك الآن في هذه الدار لينظر إلى عملك فيجازيك به يوم تلقاه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وأن العبد بعد موته لن يترك سدى بل سيجازى بعمله كما قال تعالى: (أَيَحْسَبُ الإنسان أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) القيامة/36، ولذا فأنت تجد أن الله سبحانه يكثر في كتابه من وصف ما أعده لعباده المحسنين في هذه الدار، بأن لهم عنده في الآخرة جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ كما يكثر سبحانه من ذكر ما أعده للمسيء المفرط في حقه، بأن له نارا تلظى، لا يموت فيها ولا يحيى، وأنه جعل فيها من أنواع النكال والعذاب ما يشيبُ الوليد سماعُه فضلا عن رؤيته ومعاينته نسأل الله لنا ولك السلامة منها ...
أفيليق بك بعد كل هذا أن تتجرأ على مخالفة أمره، أو تعيش لغير الهدف الذي خلقت له، وصدق والله القائل:
فلو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ونُسأل بعده عن كل شيء
ولا شك أن ما تشعر به من ضيق ونكد يدعوك إلى تمني الموت؛ إنما هو بسبب فقدك للشعور بهذا الهدف السامي والغاية النبيلة، فإن أعظم وألذ شيء في هذا الوجود أن تكون عبداً لله على الحقيقة، فإياك أن تعرض عن ربك، وتبتعد عنه؛ فإنك راجع إليه، ولو طالت بك الحياة وامتد بك العمر كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) الانشقاق/6
فاحذر أن تلقاه وأنت ممن أعرض عنه فيصدق فيك قوله جل شأنه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) طه/124ـ127
فالبدار البدار بالعودة الصادقة والتوبة النصوح؛ لتجد رباً كريما يفرح بعبده إذا تاب، ويرضى عنه إذا أناب، بل ويفيض عليه من محبته ورحمته ما لا يخطر له على بال، فماذا تنتظر؟! والله يقول: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الذريات/50. فإذا عرفت هذا فاعلم ـ وفقك الله لرضاه ـ أن الفوز بهذا النعيم العظيم، والنجاة من ذلك العذاب الأليم، والنجاح في هذا الامتحان الخطير، لا يكون إلا على جسر من التعب والمشقة التي تحتاج إلى صبر وتحمل ومعاناة. لكنها مشقة سرعان ما تنقضي، ومعاناة عن قريب تنتهي؛ ليعقبها راحة أبدية ونعيم سرمدي فما عسى أن تساوي مشقة ساعة، ولحظة ألم؛ إذا ما قورنت بنعيم الدهر ولذة الأبد.. نسأل الله تعالى أن يمن علينا جميعاً بفضله وجنته ...
وفي ختام هذه الكلمات أحب أن أتركك مع هذه الآيات العظيمة من كتاب الله تعالى والتي أنزلها على عبده محمد صلى الله عليه وسلم لتكون شفاء لقلوب المؤمنين، ودواء لأمراضها؛ فاقرأها قراءة تدبر وتأمل لعل الله أن يجعلها بلسماً وشفاءً لما تعانيه من ضيق وعناء:
قال ربنا جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) فصلت/30-32
وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأحقاف/13ـ14
وقال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) الحشر/18-20، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تبين هذه الحقيقة العظيمة وتوضحها أعظم توضيح، فعليك بالإقبال على كتاب الله لتجد فيه كل خير، وتبتعد عن كل سوء وشر.
وأسأل الله أن يشرح صدرك للخير وأن يثبتك عليه حتى تلقاه، وأن يصرف عنك السوء والشر إنه سميع قريب.
والله تعالى أعلى وأعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/111)
المسلمون ونظرة الناس لهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المشاكل التي يعاني منها المسلمون بسبب نظرة الآخرين إليهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد يعاني المسلمون من اضطهاد وإيذاء بسبب نظرة الآخرين لهم، وبسبب تمسكهم بدينهم، ولكن مهما بلغ بهم الإيذاء والاضطهاد فإنهم لا يمكن أن يذلوا داخل أنفسهم، ولا أن يكرهوا الإسلام، بل يصبرون ويتحملون لله وفي سبيل الله، ويحتسبون الأجر في ذلك، قال ربهم تبارك وتعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} .
وأما ما يفعله بعض الكفار بالمسلمين فإنه لواحد من ثلاثة أسباب:
إما أن يكون هذا الكافر جاهلاً بالإسلام وعظمته، وأنه الدين الحق، فيؤذي المسلمين بناءً على جهله به.
أو أن يعلم أن الدين الإسلامي هو الدين الحق ولكنه يؤذي المسلمين عناداً وتجبراً.
أو أن يكون عالماً بفضل الإسلام والمسلمين، ولكنه يفعل هذا الإيذاء حسداً للإسلام وأهله.
ومع ذلك فالمسلمون يؤمنون بأن الإسلام هو دين العزة والكرامة، وهو دين الرفعة في الدنيا والآخرة، من تمسك به رفعه الله، ومن تخاذل عنه فلن يضر إلا نفسه.
لقد علمنا الإسلام - فيما علمنا - أن نكون أعزةً أقوياء فهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير " رواه مسلم (4816) .
لقد أمرنا الإسلام: بأن يرحم الكبير منا الصغير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا " رواه الترمذي (1842) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1565) .
لقد أمرنا الإسلام أن نكون متراحمين فيما بيننا، وفي المقابل أن نكون أعزة على الكافرين أشداء عليهم فقال سبحانه في وصف أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم..} الفتح.
وسمح لنا ديننا أن نتزوج من نساء اليهود والنصارى، ولكن لا يجوز لنا أن نزوجهم بناتنا لأن اليهود والنصارى أقل منزلةً منا ونساؤنا أعلى درجةً منهم، ولا يعلو السافل على العالي. والإسلام يعلو ولا يُعلى عليه. ونحن نؤمن بأنبياءهم، وهم لم يؤمنوا بنبينا.
وقد أمرنا ديننا أن نُخرجهم من جزيرة العرب وأن لا نبقيهم فيها، لأن جزيرة العرب أرض الرسالة، فلا يجوز أن نلوثها بالكفار الأنجاس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " رواه البخاري (2932) ومسلم (3089) .
وقد نهانا ديننا من الأكل من آنية اليهود والنصارى إلا إن لم نجد غيرها فيجوز لنا الأكل فيها بشرط أن نغسلها غسلاً جيداً. فقال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأكل من آنية أهل الكتاب: " إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا " رواه البخاري (5056) ومسلم (3567) واللفظ لمسلم.
وقد نهانا ديننا الحنيف أن نتشبه في لباسنا بالكفار، أو أن نقلدهم في طريقة الأكل أو العادات، لأننا نحن الأعلون والكفار هم الأدنون، والعالي لا يتشبه بالداني، بل توعد نبينا من تشبه بالكفار بأنه سوف يلقى مصيرهم في جهنم وبئس المصير، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم " رواه أبو داوود (3512) - وقال الألباني عن الحديث: حسن صحيح. انظر صحيح أبي داوود (3401) .
وقد أمرنا نبينا أن نقاتل الكفار عند القدرة والاستطاعة وأن نغزوهم في ديارهم وأن نعطيهم ثلاث خيارات قبل أن ندخل أرضهم: إما أن يسلموا ويكونوا مثلنا لهم ما لنا , وعليهم ما علينا، أو يُعطوا الجزية وهم أذلة صاغرون، أو القتال فنستحل أموالهم ونسائهم وأولادهم وديارهم ويكونوا غنيمةً للمسلمين.
إن الإسلام دين سماوي، يربط بين العبد وربه بلا واسطة، فيعبد العبد ربه متى شاء، ويدعوه إذا شاء، فهو مرتبط بربه برابطة العبادة، والإقبال عليه، والتضرع بين يديه، لا يحتاج إلى واسطة الرهبان!!
ولا إلى كرامة الأحبار!! بل يتوجه مباشرة إلى الله الواحد القهار.
إلا أن ما تراه اليوم من هوان المسلمين وتسلط اليهود والنصارى عليهم فسببه تهاون المسلمين عن التمسك بدينهم، وتركهم الإعداد للجهاد في سبيل الله، وحب الدنيا الذي أمات في قلوبهم حب الله والدار الآخرة.
لهذا ترى اليوم دماء المسلين تُراق رخيصةً بلا ثمن، وديارهم تُهدم بلا ثمن، وأرواحهم تُزهق على وهن.
وصدق الله إذ يقول: {وما آصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} .
إن الذلة والهوان هو بما كسبناه نحن معاشر المسلمين، وليس بسبب الإسلام، ولكن إذا ما رجعنا إلى ديننا فسيعود لنا مجدنا وعزتنا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/112)
إنقاذ أبناء المسلمين من موالاة الغرب في كتاباتهم الصحفية
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل: هذا مشروع فكرت فيه منذ زمن، وهو يختص بمراسلة كتُّاب الصحف، حيث أنني قمت بتصنيف الكتُّاب إلى ثلاثة أصناف: صنف متشرب ومنظر للأفكار المنحرفة، وصنف مجرد رجع صدى ولا يفقه شيئاً، وصنف عادي غير متأثر بأي فكرة في الأصل.
والغرض من ذلك احتواء الكتُّاب الذين ضلت بهم السبل، وتوجيه المنحرفين منهم، ولقد قمت بمراسلة عدد منهم، فجاءت النتائج طيبة ومبشرة بحمد الله، خاصة من قبل النساء وهذا من فضل الله.
أحتاج إلى توجيه فضيلتكم وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جزاك الله خيراً على ما تقوم به من نصرة دين الله وإنقاذ هؤلاء من أوحال الكفر والفسوق والعصيان ومن المقترحات ما يلي:
- التذكير بأصولهم الإسلامية والحنين إلى الدين.
- التذكير بالله واليوم الآخر، قال تعالى: (ستكتب شهادتهم ويسألون) .
- التذكير بخطورة الردة وأن المرتد لا يستحق الحياة في ميزان الشريعة، قال صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) .
- التذكير بسخف التقليد الأعمى للغرب، وذكر بعض مساوئ الغرب من الإحصاءات وغيرها.
- التذكير بنعمة الأسلوب الجيد ووجوب تسخيرها في طاعة الله والمنافحة عن دينه، كما فعل حسان بن ثابت وغيره.
- التذكير بخطورة المولاة لأعداء الله وما ورد في ذلك من الوعيد الشديد وأن تبني أفكار الغرب ومبادئه المخالفة للإسلام هو من المولاة لأعداء الله التي تخرج عن الملة الإسلامية وتوقع في الردة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/113)
لها صديقات يجاهرن بالمعاصي فهل تستمر في صحبتهن
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا على المسلمة أن تفعل إذا كانت مع مسلمات يذنبن جهارا، وقد سبق أن نصحتهن مرات عديدة؟ هل تستمر في مصاحبتهن؟ مثل ذلك، النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب الصحيح، أو اللاتي يخرجن مكتحلات بارك الله فيكم]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من نعمة الله علينا طرح مثل هذه التساؤلات، التي تنم عن مدى غيرة السائلة على دينها واهتمامها بالحفاظ على أسباب ثباته، والتي من أعظمها تجنب صحبة أهل المعاصي، فنسأل الله لنا ولها الثبات على دينه. والجواب على هذا السؤال سيكون في النقاط التالية:
أولاً: المجاهرة بالمعاصي من أسباب حرمان العبد من معافاة الله فقد حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) رواه البخاري برقم (6069) فهي ذنب عظيم نسأل الله أن يسلمنا منه.
ومن جالس أهل المعاصي فلا يخلو أمره من حالين:
الحال الأولى:
أن يجالسه حال اقترافه المعصية ...
ففي هذه الحال لا يحل له أن يجالسه مادام في المعصية إلا إذا استطاع أن يزيل ذلك بالنصيحة أو غيرها، فإن زال المنكر جاز له أن يجالسه، قال الله تعالى: (وقد نّزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويستهزُأ بها فلا تجلسوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) النساء/140.
وإذا لم يقلع عن معصيته فالواجب عليه أن يفارق المجلس لكن الأفضل أن يبين له سبب خروجه منه إذا كان ذلك يؤثر فيه ويدعوه إلى ترك المنكر.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: وذلك أن الواجب على كل مكلف في آيات الله الإيمان بها وتعظيمها وإجلالها، وتفخيمها.......... ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين لإبطال آيات الله ونصر كفرهم.....بل وكذلك يدخل فيه، حضور مجالس المعاصي والفسوق، التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتقتحم حدوده التي حدها لعباده. ا. هـ (2/198)
الحال الثانية:
ألا يكون متلبِّسا بالمعصية فهذا تجوز مجالسته ولا حرج فيها.
ثانياً:
قولك: هل أترك مصاحبتهن أم لا؟
فالجواب إذا كانت الأخت تأمن على نفسها من الانحراف بسببهن وترى أن في مصاحبتها لهن فائدة بحيث تستمر في نصحهن وتوجيههن إلى ما فيه صلاحهن فإن استمرارها في ذلك أفضل ونسأل الله لها التوفيق والسداد.
وأما إذا رأت أنهن ربما أثَّرن عليها بكثرة المجالسة واعتياد ما هنّ عليه فعليها ألا تجالسهنّ وأن تترك صحبتهنّ حفاظًا على دينها لاسيما إذا كانت قد نصحتهنّ مراراً ولم يستجبن.
ثم إن رأت أن تبحث عن غيرها ممن يقوم بنصحهن فإنها تكون مأجورة على ذلك.
هذا والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(8/114)
يشرب الخمر بحجة أنه حر في تصرفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت حديثاً، طلب أخو زوجي منه عدة مرات أن يذهب معه ومع أصدقائه لشرب الخمر، لم أواجهه في المرة الأولى لكي لا يغضب مني، ويوماً ما سألته لماذا تشرب البيرة والويسكي؟ وكان جوابه التالي:
1- أنا رجل البيت وسأشرب متى أشاء.
2- لا أستطيع أن أقول لا لأخي.
3- أريد أن أسهر معه لأغراض العمل (لأن المجموعة لهم مناصب عليا في مكان عملهم) .
4- مادمت أشرب ولا أفعل شيئاً خطأ وأستطيع التحكم بنفسي فلا بأس بهذا.
أنا لا أستطيع أن أتخيل رجلاً مسلماً يعطي جواباً كهذا، أرجو أن تعطيني رأيك وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله الذي وفقك للهداية إلى الإسلام، ونسأله سبحانه أن يثيبك عليه ويتم نعمته عليك.
مما لا شك فيه أن الخمر حرام وشربها من الكبائر، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} المائدة / 90، 91.
وعن أنس بن مالك قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له ".
رواه الترمذي: (1259) وابن ماجه (3381) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " رقم (1041) .
ولا يحل لزوجك مثل هذا الكلام وهذه ليست بأجوبة مسلم يجب عليه أن يحرم ما حرَّمه الله عليه، ولا يحل له أن يقدِّم طاعة أخيه على طاعة الله تعالى، ولا يحل له أن يُغضب الله ليُرضي أخاه، وإذا كان مع الله كفاه الله تعالى أخاه، فإن أسخط الله تعالى مقدِّماً رضا أخيه: وكله الله لأخيه، فعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَن أرضى الله بسخط الناس كفاه الله، ومَن أسخط الله برضا الناس وكله الله إلى الناس "
رواه ابن حبان في " صحيحه " (1 / 115) ، وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2311) .
ويستطيع أن يقول لكل الناس – وليس فقط لأخيه -: لا، إذا كان الفعل حراماً.
والسهر بغرض العمل ليس بمبرر له ليشرب الخمر، وقوله إنه لا يفعل خطأً: غريب وعجيب فماذا يُسمِّي شربه للخمر؟ وهل نتوقع منه أن تكون سهرته مع أخيه وأصحابه لا يوجد فيها إلا الخمر؟ وقد عُرف مِن عادة مثل هؤلاء أن يكون معهم نساء ويستمعون للمعازف ويتركون الصلوات، وكل هذه من الكبائر.
وعليك أن تواظبي نصحه وأن تكرري ولا تملي، وابحثي عمن يؤثر عليه في النصيحة.
وأكثري من الدعاء له بالهداية، نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/115)
تغيير المنكر مما يعني المسلم وليس مما لا يعنيه
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث يقول (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده …الخ) وهناك حديث آخر يأمرك بأن تدع ما لا شأن لك به. فماذا ننكر وماذا لا ننكر؟ إذا رأيت سوء أخلاق في دولة إسلامية مثلاً كلقاء الفتيات وما إلى ذلك: هل أنهاهم عن ذلك رغم أنني أعرف أنهم لن يستمعوا إلي؟ أم أذهب وأبلغ السلطات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تعارض بين ما ثبت في الشرع سواء بين الآيات بعضها مع بعض، أو الأحاديث مع الأحاديث، أو الآيات مع الأحاديث، إذْ كله وحي من عند الله، قال الله عز وجل {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} النساء/82. ولو حدث تعارض فهو في عقولنا نحن وفي أفهامنا وليس في ذات النصوص، ولذلك اعتنى العلماء ببيان النصوص المشكلة، وإزالة التعارض الذي يقع في بعض الأذهان في بعض النصوص وأما بالنسبة للسؤال فإنه لا تعارض بحمد الله بين قوله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " – رواه مسلم (49) – وبين قوله صلى الله عليه وسلم " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " – رواه الترمذي (2317) وابن ماجه (3976) وصححه ابن القيم في " الجواب الكافي " (ص 112) وغيره -.
فلا يمكن بحال أن يوجب الشرع على من رأى منكراً أن يغيره وأن يقول له في الوقت نفسه إن الأحسن والأفضل ترك إنكاره.
فيكون للحديث الأول حال تختلف عن حال الحديث الثاني.
وقريب من هذا ما فهمه بعض الناس من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} ، فأرشدهم أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه إلى الفهم الصحيح، وبيَّن ذلك العلماء رحمهم الله.
عن أبي بكر الصديق أنه قال: أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم مَن ضل إذا اهتديتم} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه. رواه الترمذي (2168) وأبو داود (4338) وابن ماجه (4005) . والحديث: صححه الترمذي وابن حبان (1 / 540) .
قال شيخ الإسلام - في فوائد آية {عليكم أنفسكم …} -:
الخامس: أن يقوم بالأمر والنهي على الوجه المشروع من العلم والرفق والصبر وحسن القصد وسلوك السبيل القصد؛ فإن ذلك داخل في قوله {عليكم أنفسكم} وفي قوله {إذا اهتديتم} .
فهذه خمسة أوجه تستفاد من الآية لمن هو مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفيها المعنى الآخر وهو إقبال المرء على مصلحة نفسه علما وعملا وإعراضه عما لا يعنيه كما قال صاحب الشريعة " مِن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "، ولا سيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه لا سيما إن كان التكلم لحسد أو رئاسة. " مجموع الفتاوى " (14 / 482) .
وقال رحمه الله:
إذ المؤمن عليه أن يتقى الله في عباده وليس عليه هداهم، وهذا معنى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} ، والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات: لم يضره ضلال الضلال، وذلك يكون تارة بالقلب، وتارة باللسان، وتارة باليد، فأما القلب: فيجب بكل حال إذ لا ضرر في فعله، ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن كما قال النبي: " وذلك أدنى - أو أضعف – الإيمان ". " مجموع الفتاوى " (28 / 126 – 128) .
فعلم أن إنكار المنكر مما يعني المسلم فيجب عليه إنكاره قدر الوسع والطاقة ووفق المصلحة الشرعية، وأن الذي لا يعنيه لا يمكن أن يكون من الواجبات أو المستحبات.
وهذه أقوال العلماء في شرح حديث " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ":
أ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(المسلم) مأمور إما بقول الخير، وإما بالصمت، فإذا عدل عما أُمر به من الصمت إلى فضول القول الذي ليس بخير: كان هذا عليه، فانه يكون مكروهاً والمكروه ينقصه، ولهذا قال النبي " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "، فإذا خاض فيما لا يعنيه نقص مِن حُسن إسلامه.
" مجموع الفتاوى " (7 / 49، 50) .
ب. وقال ابن القيم رحمه الله:
وقد جمع النبيُّ الورعَ كله في كلمة واحدة فقال " مِن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "، فهذا يعم الترك لما لا يعني من الكلام والنظر والاستماع والبطش والمشي والفكر وسائر الحركات الظاهرة والباطنة فهذه الكلمة كافية شافية في الورع.
قال إبراهيم بن أدهم: الورع ترك كل شبهة، وترك ما لا يعنيك: هو ترك الفضلات.
وفى الترمذي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة " كن ورعاً تكن أعبد الناس ". " مدارج السالكين " (2 / 21) .
د. وقال ابن رجب الحنبلي:
هو " ترك المحرمات.. والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه وبلغ درجة الإحسان … وأكثر ما يراد بترك ما لا يعني: حفظ اللسان من لغو الكلام. " جامع العلوم والحِكَم " (1 / 309 – 311) .
هـ. وقال الزرقاني:
قال بعضهم: ومما لا يعني: تعلم ما لا يهم من العلوم وترك الأهم منه، كمن ترك تعلُّم العلم الذي فيه صلاح نفسه واشتغل بتعلم ما يصلح به غيره كعلم الجدل، ويقول في اعتذاره: نيتي نفع الناس، ولو كان صادقاً لبدأ باشتغاله بما يصلح به نفسه وقلبه من إخراج الصفات المذمومة من نحو حسد ورياء وكبر وعجب وترؤس على الأقران وتطاول عليهم ونحوها من المهلكات.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة وهو مما لم يقله أحد قبله. " شرح الزرقاني " (4 / 317) .
و. وقال المباركفوري:
قال القاري - في معنى تركه ما لا يعنيه -: أي: ما لا يهمه ولا يليق به قولاً وفعلاً ونظراً وفكراً، وقال: وحقيقة ما لا يعنيه: مالا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه، ولا ينفعه في مرضاة مولاه، بأن يكون عيشه بدونه ممكناً، وهو في استقامة حاله بغيره متمكناً، وذلك يشمل الأفعال الزائدة والأقوال الفاضلة. " تحفة الأحوذي " (6 / 500) .
ثانياً:
وأما ما الذي تنكره: فإنه كل منكر جاء الشرع ببيان قبحه وسوء عاقبة فاعله، كالزنا والربا والنظر المحرم والسماع المحرم وحلق اللحية وإسبال الثوب وقطيعة الرحم والإحداث في الدين وما شابه ذلك.
ولا يشترط أن تكون والياً حتى تغير باليد، ولا أن تكون عالماً حتى تغير باللسان، بل يكفي أن تكون قادراً على التغيير ولا يترتب على التغيير مفسدة أو منكر أعظم من الذي أنكرته، ويكفي أن تكون عالماً أن هذا منكر في الشرع فتنكره بلسانك.
وأما التغيير بالقلب فهو أن تبغض هذا المنكر بقلبك وتفارق المكان الذي فيه.
ثالثاً:
وأما ما سألت عنه من أنك ترى بعض المنكرات فتسأل هل أنكر على أصحابها أم أبلِّغ السلطات؟
فالجواب: أن هذا بحسب المنكر وفاعله، فإذا رأيت منكراً من فاعلٍ لا يمكنك إمهاله حتى تبلغ عنه فالواجب أن تنكر عليه تداركاً للوقت خشية ذهاب صاحبه.
وإن كان المنكَر كبيراً وعظيماً ولا يمكنك إنكاره وتغييره وحدك: فعليك أن تبلغ السلطات.
والمقصود: هو أن يزول المنكر سواء بيدك أو بيد غيرك، فإن لم تستطع فبلسانك ولا يهمك أن يسمعوا منك أو يعرضوا عنك، فإنما عليك البلاغ، وقد يقذف الله في قلب أحدهم الهداية بكلمة منك، وقد يزين لك الشيطان ترك الإنكار عليهم بحجة أنهم لن يستمعوا إليك فاحذر من هذا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(8/116)
تتمسك بالسنة وتتهم بالتعنت، وتريد النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[وُلدت مسلمة، وكنت أجهل كل شيء باستثناء الصلاة، وبفضل الله فقد استيقظت الآن وأخذت أتصرف وفقا للقرآن والسنة ما أمكنني ذلك، لكني فقدت جميع صديقاتي الآن، وهن مسلمات أيضا؛ فهن غير متمسكات كثيراً بالدين، ولا يكترثن به كثيرا، وأنا وزوجي أصبحنا غريبين في بلادنا، صديقاتي امتنعن عن الاتصال بي وبوالدي، زوجي وأخواته يناديننا وهابيون، وكذلك بنت خالي، وأمي قالت إنها لا تملك الكثير من الوقت وهي لا تأبه طالما أن جميع أبنائها في خير ويصلون، أغلب الناس يسخرون من حجابي، والأمر محزن وصعب، أعني: أني أعيش في جزيرة صغيرة بالمحيط الهندي والجميع مسلمون ودولتي هي " جمهورية المالديف "، أنا أشعر بالوحدة الشديدة والحزن هنا، هل تخبرني كيف أتصرف - فأنا أشعر بالوحدة الشديدة وأني بمفردي والوضع مؤلم جدّاً أن يفقد المرء كل أصدقائه السابقين -؟ . أرجو أن تقدم لي نصيحة جيدة تتعلق بالكيفية التي أتصرف بها في هذا الوضع، لقد حاولت كثيراً أن أخبر أهلي أيضا عن السنَّة لكن جميع الأجوبة التي حصلت عليها كانت: لقد فقدت دينك، أنت وهابية، إنها الطريقة الوهابية. وأسأل الله أن يثيبكم جميع على العمل الذي تقومون به.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يفرِّج كربك وييسر أمرك، وأن يعينك على طاعته وحسن عبادته، واعلمي أن الغربة التي تعيشينها علامة خير لك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء " رواه مسلم (145) ، ولـ " طوبى " معاني كثيرة ومنها: الخير والكرامة، وشجرة عظيمة في الجنة، والفرح والسرور، وغيرها كثير، وكلها أقوال محتملة في تفسيرها.
قال السندي – رحمه الله -:
" غريباً " أي: لقلة أهله، وأصل " الغريب ": البعيد من الوطن.
" وسيعود غريباً ": قلة من يقوم به، ويعين عليه، وإن كان أهله كثيراً.
" للغرباء " القائمين بأمره.
و" طوبي " فُعلى من " الطيب " وتفسر بالجنة، وبشجرة عظيمة فيها.
وفيه تنبيه على أن نصرة الإسلام والقيام بأمره يصير محتاجاً إلى التغرب عن الأوطان، والصبر على مشاق الغربة كما كان في أول الأمر.
" شرح سنن ابن ماجه " (شرح حديث 3986) .
ثانياً:
لكِ في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد جاء قومه بالنور فأبوا إلا البقاء في ظلمات الكفر والجهل، واتهموه بأنه ساحر وكاهن ومجنون، وصبر على دعوتهم، ولم يملَّ من تكرارها، ونوَّع بين الدعوة الفردية والجماعية، والدعوة السرية والعلنية، حتى نجح نجاحاً مبهراً، وهكذا الدعاة بعده دعوا إلى الكفار إلى الإسلام، ودعوا العصاة إلى الطاعة، ودعوا المبتدعة إلى السنة، فلاقى كثيرون ضنكاً وهمّاً وصعوبة، فلم يكن ليمنعهم هذا من الاستمرار على الدعوة، ولولا ذلك ما وصل الإسلام إلى بلدكم " جزر المالديف "! .
فاعتبري بهؤلاء القدوات، وافعلي فعلهم، واصبري صبرهم؛ لتنالي رضا الله تعالى، وما تسمعينه من لمزٍ ونسبة إلى " الوهابية " قد قاله من كان قبلهم، ولا يزال السفهاء يرددونه مع دعاة السنَّة، وليس ذلك بضارِّهم ولا بمُوقِفهم عن تبليغ دين الله تعالى.
ثالثاً:
ومع الصبر على هذه الدعوة ننصحك بانتقاء العقلاء من النساء، ومن أقاربك لتبليغهم دين الله تعالى، وتذكيرهم بحقيقة الشرائع الإسلامية، فإن الناس الذين رضوا بالانتساب إلى الدين لا يمنعهم سلوك طريق السنَّة، لكن عندهم موانع تحول دون وصولهم إلى طريق الحق؛ من علماء الضلالة ودعاة البدعة، وفتن الشبهات والشهوات، وغير ذلك. وعندنا ـ نحن ـ تقصير في تبليغهم حقيقة الدين، أو ليس عندنا طرق حكيمة في هذا التبليغ.
فعليكِ بالرفق والتؤدة والصبر، وانتقي عقلاء القوم، وتلطفي في توجيههم وتبليغهم، ونوِّعي بين الشريط المسموع، والمحاضرة المرئية، والكتاب المقروء، ولعلك أن تجدي من النتائج ما تسرين به.
ثالثاً:
احرصي على أن يكون منطلق هذه الدعوة بيتكم، فابدئي مع زوجك وأبنائك لتنطلقي من هذا البيت المبارك إلى الناس جميعاً، وتذكري أن أمَّنا " خديجة بنت خويلد " هي أول من أسلم من هذه الأمة مطلقاً، وهي أول من نصر النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة، ودعت بناتها إلى الإسلام، فكان بيتها أول البيوت إسلاماً، ومنه انطلقت دعوة الخير لتعم أرجاء الأرض، فكوني مثلها، واقتدي بفعلها.
وفي جواب رقم (9380) تجدين المزيد من الوصايا والنصائح فنرجو الاطلاع عليك، وهو مغنٍ عن التكرار ها هنا.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/117)
ترك النساء الصلاة بحجة العذر كذباً
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض المدارس يلزمون الفتيات بالصلاة جماعة ويسمحون للفتيات اللاتي عليهن الدورة الشهرية بالجلوس في مكان خاص، فبعض الفتيات هداهن الله يكذبن على المشرفات ويدعين أن عليهم الدورة وبذلك يتركن الصلاة مدة الدورة، فإذا جاءت الدورة قمن بالصلاة معهن خوفاً من الفضيحة فما الحكم في حقهن آمل بيان ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفعل منهن لا يجوز لما فيه أولاً: من الكذب الصريح بادعائهن العذر، وثانياً: بتركهن الصلاة إما تركاً كلياً وإما تأخيراً لها عن وقتها أو عن جماعة النساء، وثالثاً: صلاتهن بعد ذلك وقت الدورة الحقيقة، فعليكن النصح لهن، وتذكيرهن ووعظهن وبيان إثم الكذب وعقوبة تأخير الصلاة عن وقتها لقوله تعالى: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) سورة الماعون/5، ومن عُثر عليها تؤخر الصلاة وتصلي وهي حائض فلابد من عقوبتها بما يحصل له الانزجار وترك هذه الأفعال التي ينكرها الإسلام، والله اعلم
[الْمَصْدَرُ]
قاله وأملاه الشيخ عبد الله بن جبرين في سلسة الفتاوى الشرعية ج/1 ص99(8/118)
مصاعب متحجبة
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي أنني ارتديت الحجاب منذ زمن قريب. وفي المدينة التي أسكن فيها هناك قلة قليلة من النساء اللاتي يرتدين الحجاب لأنها مدينة صغيرة جداً. اعتنقت الإسلام حديثا. أنا أمريكية من أصل أفريقي وزوجي باكستاني ولقد مضى على زواجنا أربع سنوات. زوجي لا يريدني أن ارتدي الحجاب ولا يرغب في مرافقتي إذا خرجت من البيت مرتدية الحجاب. لا أعرف ما عليّ فعله. إن ارتداءه أمر صعب بالنسبة لي لكن هذا أمر اعرف انه لزام عليّ لأنه من السبل المؤدية إلى الجنة. هل أفكر بالطلاق؟
الدين الإسلامي يعني الكثير بالنسبة لي. يؤدي زوجي صلاة الجماعة فقط في أيام الجمعة. وأنا حديثة عهد بالإسلام هذه المشكلة تجعلني أبكي مراراً وتكراراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في البداية نُهَنِؤُك بأن وفقك الله لاعتناق الإسلام دين الحق وخاتمة الأديان، وأسأل الله أن يثبتنا وإياك عليه حتى الممات.
وأبشرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة (إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم قالوا يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم) رواه ابن نصر وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (494)
وقبل التفكير بالطلاق حاولي أن تقومي بدور الداعية لزوجك ومن حولك، فهذا فيه نفع لغيرك وتثبيت لك. وقدوتك في ذلك المؤمنات الصالحات كأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها التي قامت بدور كبير في تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم عند بعثته حتى إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكرها بعد موتها أثنى عليها فأحسن الثناء كما تروي ذلك عائشة رضي الله عنهما قَالَتْ: (ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَدِيجَةَ فَأَطْنَبَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهَا) مسند الإمام أحمد (24684) وحسنه الهيثمي في المجمع.
وكأم سُليم رضي الله عنها: خطبها أبو طلحة فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة لا يحل لي أن أتزوجك فإن تُسلم فذلك مهري فأسلم فكان ذلك مهرها " رواه النسائي (3341) وصححه الألباني في صحيح النسائي/3133.
فابدئي – وفقك الله – بدعوة زوجك وإقناعه بشتى الوسائل بالتمسك بالإسلام وفرائضه كالصلاة والقناعة بالحجاب وغير ذلك، لاسيما أنه معتنق للإسلام من قبل، ودعوة زوجك من الطرق المؤدية إلى الجنة.
وإني لأرجو أن يهدي الله زوجك بسبب نصحك، أكثري من الدعاء له، فإذا مضى على هذا مدة ولم تري منه أي تحسن وغلب على ظنك أن تجدي من يتزوجك وهو خير من زوجك هذا ففكري هنا في الطلاق وإلا فلا.
هذا إن كان متساهلا في الصلاة أي يؤديها تارة ويتركها تارة. أما إن كان تاركا لها بالكلية ولا يصلي حتى منفردا فهذا لا يجوز بقاؤك معه لأن ترك الصلاة كفر بالله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الترمذي (2621) والنسائي (463) وغيرهما، وهو صحيح (المشكاة /574) .
وقال عليه الصلاة والسلام (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم (82) .
أما أنت فاصبري على الحجاب وإن كان صعباً، فكم عانى قدواتنا من الصحابة أو الصحابيات وأُوذوا في سبيل الله بما لم نُعَانِ إلا شيئاً يسيراً منه، وهذا هو سبيل الجنة، فإن النار حُفت بالشهوات والجنة حفت بالمكاره.
وتأكدي أن صعوبة الحجاب لكونه جديداً عليك ومع الصبر والإيمان ستتحول هذه الصعوبة والضيق ـ إن شاء الله ـ إلى راحة وطمأنينة، ومع انتظار الأجر تهون الصعاب.
وتمسُكك بالحجاب مع صعوبته عليك دليل على قوة إيمانك.
أسأل الله لنا ولك الثبات على الدين. آمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/119)
هل يبيع أشرطة لبعض الدعاة الذين يخالفون السنة أحياناً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم فتح مكتبة إسلامية لبيع الكتب والأشرطة الإسلامية والمصاحف؟ وفى حالة بيع أشرطة لبعض الشيوخ الذين يخطأ بعضهم في كثير من الأفعال والأقوال مثل عدم اللحية وطلب من العامة عدم إعفاء اللحية.
فما حكم بيع مثل هذه الأشرطة مع العلم أنها ساعدت الكثير في الالتزام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من محاسن أهل السنة والجماعة أن يعلمون الحق ويرحمون الخلق، فهم يحبون الكلام بعلم وعدل، ويكرهونه بظلم وجهل، لأنهم اتبعوا كتاب الله سبحانه حينما أمرهم بالقيام على الناس بالقسط والشهادة عليهم بالعلم والحق.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) النساء/135، وقال سبحانه: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) النساء/58، وقال سبحانه: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ) الأنعام/152
والنفس البشرية لا تصل إلى هذا الحد إلا حين تقوم لله متجردة من كل حظ، مستشعرة نظرة الله سبحانه إلى خفايا الضمير وذات الصدور. وفي الحديث: (وإن المقسطين على منابر من نور) رواه مسلم (2827)
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا) رواه النسائي (1305) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
وإنك أخي السائل إذا تأملت المنهج الرباني الذي يرفع الله به الناس إلى قمة ضبط النفس والسماحة القول بالحق على النفس والوالدين والأقربين تدرك أن كثيراً من الدعاة الموجودين في ساحة الدعوة الإسلامية المعاصرة ممن لهم محاسن كثيرة وتأثير كبير في أوساط عامة الناس هم على خير فيما أحسنوا فيه، وهم فيما قصروا فيه إما مجتهدون في إصابة الحق دائرون بين الأجر والأجرين، أو مقصرون في بعض الجوانب، يُرجى – إن شاء الله – أن تطغى محاسنهم على سيئاتهم، خاصة من تأثر به الناس، واستقاموا على أيديهم، فحرمان الناس من دعوة هؤلاء مع عدم وجود البديل المؤثر منهج لا يقره الإسلام، فإن من أعظم قواعد الشريعة تقليل المفاسد وتكثير المصالح.
والمصالح التي حصلت على أيدي هؤلاء من اهتداء الشباب وتحجب الفتيات والمحافظة على الصلوات مصالح عظيمة مقصودة وكثيرة
والمفاسد التي تذكر من كون بعض الدعاة مقصِّراً في بعض الجوانب، فهذه لا يجوز أن تطغى على المصالح المذكورة، خاصة وأنها مفاسد جزئية محصورة في الشخص، وأما المصالح فهي عظيمة وكثيرة ولأمة من الناس.
ولهذا فإن بيع أشرطة هؤلاء الدعاة لا مانع منها ما دامت على منهج أهل السنة والجماعة.
ثم مَنْ أخطأ منهم في شيء فمنهج أهل السنة والجماعة هو نصحهم والاتصال بهم أو الكتابة إليهم.
ومن تأمل في الدعاة الذين يخطبون ويحاضرون ويُلقون الأحاديث المتلفزة والإذاعية وغيرها يجدهم أقساماً:
فمنهم من هو على طريقة السلف في المنهج والاعتدال والعمل، فهؤلاء يُستمع إليهم ويُحث الناس على الاستماع إليهم.
ومنهم من هو مصيب في أقواله في الجملة مع تقصير في شيء من العمل، فهذا يُستمع إليه كذلك لأن تقصيره على نفسه في الغالب.
ومنهم من يخالط صوابه أخطاء لكنه في الجملة على السنة لم يتبنّ بدعة، ولم يدعو إليها، فهذا لا ينفّر منه الناس بالكلية، ولكنه تصوَّب أقواله ويُتكلّم فيما أخطأ فيه بالعدل والإنصاف ويُثنى عليه حسناته.
ومنهم من هو صاحب بدعة أو شرك ينشرها ويدعو إليها، فهذا لا يُستمع إليه ويحذَّر منه ولا يُثنى على حسناته، لأن في ذلك تزكية له، وهو قد أتى من الكبائر بما هدم هذه الحسنات.
هذا من جهة الدعاة.
ومن جهة أخرى فإن هناك أناساً يتكلمون في الدعاة بحق. ومنهم من يتكلم بباطل.
وفي هؤلاء ظلمة مجحفون، يبدِّعون من ليس بمبتدع، وينفَّرون منه ويحذِّرون، وهم بالتحذير أولى؛ لأنهم جائرون وأهل بغي لا يُلتفت إلى تحذيراتهم لظلمهم.
ولذلك لا بد من العلم للتفريق بين المعصية والبدعة والخطأ والخلاف في أصول العقيدة.
ولنضرب بعض الأمثلة:
فلو وجد داعية يدعو إلى منهج السلف، لكن فيه شدة خاطئة وغلظة، فإنه يثنى على منهجه وينصح في شدته.
ولو وجد واعظ يستعمل الحديث الضعيف والمنكر، ولكن في كلامه كثير من الحق والصواب، يثنى على موعظته، ويبيّن خطأ استدلاله واستشهاده بالمنكرات والموضوعات.
ولو وجد من يذكِّر الناس ويعلمهم الأخلاق والآداب والفضائل، لكنه يحلق لحيته مثلاً، ويجلس في مجالس الاختلاط فإنه يثنى على حسناته ويبيّن حكم مخالفته للسنة، ولو دعا إلى ترك بعض السنة الواجبة أو المستحبة فيردّ عليه في ذلك أيضاً.
ولو وجد من يعلِّم الناس البدعة ويحثّهم على الشرك، كالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم والأولياء الأموات والمقبورين، ويحث على سؤالهم ودعائهم، فهذا يحذَّر منه ويبيّن فساد عقيدته وشركه، ولا يقال للناس أن يستمعوا لشيء من حديثه لخطره وضرره.
ولو وجد من خلط حقاً وباطلاً وسنة وبدعة، فلا يحثّ الناس على لاستماع له، لكن يبيّن خطؤه، وينشر ما خالف فيه الحق، إذا نشر الخطأ ويناصح ليتراجع على الملأ، فإن لم يفعل أُعلن خطؤه على الملأ الذي أعلن فيه الخطأ.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/120)
إهداء الرجل أشرطة إسلامية لامرأة أجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[لي جارة زوجها مسافر، وهي تصلي وتحافظ على أوامر الله، وفي بعض الأحيان تظهر أمامي وتكلمني في أمور الدين وتطلب مني شراء أشرطة دينية لها، وأن أقوم بإهدائها بعض الأشرطة الدينية، فما رأيكم بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في إهدائك لهذه المرأة الأجنبية بعض الأشرطة الإسلامية النافعة الخالية من المحذورات الشرعية، وعليك أن تجتهد في إيصالها لها عن طريق بعض محارمك من النساء، وذلك أحوط لدينك، وأبعد عن مواطن الشبهة والريبة والافتتان.
وبالله التوفيق
اللجنة الدائمة 14/71
ولا يجوز لها أن تظهر أمامك دون حجاب كامل، ولا يجوز أن تكون معك في خلوة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/121)
نصيحة لمن يقدح في إخوانه المسلمين ويتهمهم بلا بيّنة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا إني أحبكم في الله، رجائي أن تجيبني كي ألجم أفواه الطاعنين في أهل العلم، فهناك من يتهمكم بالتكفير والقطبية ـ كما يسمونها ـ ?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أحبك الله الذي أحببتنا فيه، وجمعنا الله في مستقر رحمته، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وبخصوص ما ورد في سؤالك، فننصحك بالابتعاد عن كل من يتكلم في إخوانك المسلمين أو يقدح فيهم أو يتهمهم ويطعن في نياتهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) رواه أبو داود برقم 4880، وصححه الألباني
ثم إن عليك واجب النصيحة لهؤلاء أن يتقوا الله عز وجل، وأن يكفوا عن مثل تلك الألقاب التي تفرق المسلمين، وما كان من واجب النصيحة لبعض الأخطاء فإنها لا تكون بالتشهير والطعن في النيات ونحو ذلك.
أما مسألة التكفير ففيها تفصيل. فتكفير من كفره الله تعالى أو كفره رسوله صلى الله عليه وسلم واجب حتمي، والله عز وجل قد كفر طوائف في كتابه، كما قال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) ، وقال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) ، وتكفير من لم يكفره الله تعالى أو يكفره رسوله صلى الله عليه وسلم محرم.
وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وكما لا يجوز أن نطلق الكفر على شخص معين حتى يتبين شروط التكفير في حقه، يجب أن لا نجبن عن تكفير من كفره الله ورسوله، ولكن يجب أن نفرق بين المعين وغير المعين " شرح كتاب التوحيد 2/271
وانظر سؤال (21576) ، والله أعلم
ثم إن كل من اتهم شخصاً بتهمة فعليه الدليل (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
(فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ)
والمشكلة المنتشرة بين بعض المنتسبين إلى الدين هداهم الله أنهم يرمون الناس بتهم لا تعتبر أصلاً في الشرع من الأمور القادحة والمخلّة بالدين.
ثم لا يأتون على ذلك بدليل ويتابعون هوى أنفسهم، فالنفس تحب أن تنصب نفسها حكماً على العباد تجرح وتعدل وترفع وتخفض وتنبز.
والواجب مخالفة هوى النفس في هذا وميزان الناس بميزان الشرع وتذكر حسناتهم والمناصحة لأخطائهم.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/122)
أخلاق الفتن
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بأن للفتنة أخلاقاً يتحلى بها المسلم إذا أدرك زمن الفتنة.. فماهي أخلاق الفتن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن للفتن أخلاقا يجب التحلي بها حتى لا تؤثر تلك الفتن سلبا على الإنسان، أو يكون هو بنفسه يؤثر سلبا على جماعة المسلمين..
فمن تلك الأخلاق:
أ- التأني والرفق والحلم وعدم العجلة:
فالتأني والرفق والحلم عند الفتن وتغير الأحوال محمود لأنه يُمكِّن المسلم من رؤية الأشياء على حقيقتها وأن يبصر الأمور على ما هي عليه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه) رواه مسلم (4698) . وقال عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة) رواه مسلم (24) .
فعلينا جميعاً بالرفق في الأفكار والمواقف وفي كل ما يجدّ من الحوادث وعدم العجلة فإنها ليست من منهج الأمة الإِسلامية وخاصة في زمن الفتن.
ب- الصبر:
نحتاج إلى الصبر كثيراً، وخصوصاً عند الفتن. يقول الله تعالى: (ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) .
وعن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالَ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ. " أخرجه أبوداود (4341) وابن ماجه (4014) وصححه الألباني في الصحيحة (494) بشواهده.
فاصبر فإنك في النوازل رائد والدرب نعلم شائك وطويل
فالصبر روضات لأبناء الهدى ولجنة الرحمن تلك سبيل
وبالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف ولذلك وَعَى السلف الصالح أهمية الصبر عند وقوع الفتن والحوادث وإليك نماذج مْن سيرتهم.
-لما كان الصحابة رضي الله عنهم يعذبون ويفُتنون في صدر الإسلام بمكة كان يمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم ويذكرهم بالصبر ومنهم آل ياسر فإذا مر بهم قال: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة. صححه الألباني في تخريج فقه السيرة ص 103.
- عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ فَقَالَ اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري (7068)
قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ. " فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ. قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ؛ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ. أخرجه مسلم (2889)
قال النعمان بن بشير: " إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتن فأعدوا للبلاء صبراً "
-عندما واجه إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل الفتنة العمياء بخلق القرآن في أيام المأمون ثم المعتصم ثم الواثق وما أصابه من الحبس الطويل والضرب الشديد فصبر وتمسك بما كان عليه من الدين القويم والصراط المستقيم حتى نصره الله وفرَّج عنه الغمة.
ج- العدل والإنصاف في الأمر كله:
فإن من أقوى أسباب الاختلاف بين العباد وخصوصاً زمن الفتن فقدان العدل والإنصاف، ولو جاهد المسلم نفسه لتحقيق صفة العدل مع نفسه ومع الناس فإن كثيراً من المشاكل التي تحصل بين المسلمين سواء منها الفردية أو الجماعية ستزول وتحل بإذن الله تعالى.
يقول الله تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا) . ويقول تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)
فلا بد من العدل في الأقوال والأعمال وخصوصاً زمن الفتن، بمعنى أن يأتي الإِنسان بالأمور الحسنة والأمور السيئة ثم يوازن بينهما وبعد ذلك يحكم، لأن في الموازنة عصمة للمسلم من أن ينسب للشرع ما ليس موافقاً لما أمر الله به وبالتالي يكون عدلك وإنصافك في الفتنة منجياً بإذن الله تعالى.
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله " فأوصيكم أيها الأخوة بالعدل في الأمور كلها، والموازنة بينها، والحكم للراجح فيها، والتسوية بينها في الحكم عند التساوي، وهذه قاعدة كبيرة يجب على العاقل أن يتمشى عليها في سيره إلى الله وفي سيره مع عباد الله ليكون قائماً بالقسط والله يحب المقسطين ".
وإليك نموذجاُ من نهج سلفنا الصالح في حرصهم على العدل والإنصاف:
روى مسلم (1828) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ مِمَّنْ أَنْتَ فَقُلْتُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَقَالَتْ كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ فَقَالَ مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ فَقَالَتْ أَمَا إِنَّهُ لا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ.
قال النووي رحمة الله معلقاً على هذا الحديث:
فِيهِ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُر فَضْل أَهْل الْفَضْل , وَلا يَمْتَنِع مِنْهُ لِسَبَبِ عَدَاوَة وَنَحْوهَا , وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَة قَتْل مُحَمَّد هَذَا , قِيلَ: فِي الْمَعْرَكَة , وَقِيلَ: بَلْ قُتِلَ أَسِيرًا بَعْدهَا. . . اهـ.
وهذا المسئول عنه هو معاوية بن حُديج وكان قد قتل محمد بن أبي بكر. السير (3/38) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/123)
الخروج للدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي بعض الأسئلة، وأتمنى منكم الإجابة الشافية الكافية.
1. أقوم أنا وبعض زملائي بزيارة الناس في بيوتهم وفي البحر وفي الشارع وتذكيرهم بالله ودعوتهم بالحسنى فهل هذا العمل غير صحيح وهل تعتبر الزيارة في الله مع أننا ننويها كذلك.
2.أذهب بعض الأحيان وبعض إخوتي في الله إلى إفريقيا وإلى بلدان كثيرة وندعو الناس إلى الإسلام فيقبلون بشكل عجيب على الإسلام. حتى من المظهر يتأثرون فما بالك بالكلام. فما صحة هذا العمل مع أن بعض الناس يقولون هذا بدعة ولا بد أن تكونوا على علم كبير مع أن الناس هناك لا يعرفون عن الإسلام شيئا فبمجرد دعوتهم وبيان الدين يسلمون.
3. ما حكم الخروج للدعوة في سبيل الله وتفريغ الأوقات لذلك مع أن بعض الناس قال لي لا تخرج مع أهل الدعوة فإنهم مبتدعة مع أني لم ألاحظ شيئا من ذلك بل ما شاهدته بعيني هو إحياء سنن النبي صلى الله عليه وسلم وحلقات الذكر والتعليم لسنن النبي من رياض الصالحين والحث على قيام الليل وما إلى ذلك فأفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سؤالك فيه عدة جوانب:
فأما الجانب الأول: فإنّ هذا العمل الذي تقوم به أنت وزملاؤك هو من الدعوة إلى الله تعالى، ونشكرك على هذا العمل في زمانٍ قلّ فيه من يقوم بمثل هذا، ونبشركم بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) . رواه مسلم (133) .
وهذا العمل إن نويت به الزيارة في الله تعالى، فإنه يكون كذلك إن شاء الله تعالى.
وأما الجانب الثاني: فلا يصدّك عن هذا العمل الدعوي ولا يثنيك عنه لوم لائم، ما دمت أنت وإخوانك تدعو بعلمٍ وبصيرة كما يظهر من كلامك.
وأما الأمر الثالث: فإذا كان المذكورون معروفين بالعقيدة الصحيحة والعلم وحسن السيرة، فلا بأس بالتعاون معهم في الدعوة والخروج معهم، سواء كانت المدة قليلة أو كثيرة، لقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) المائدة /2، وقوله تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) فصلت /33، وقوله سبحانه: (ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل /125، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر لدعوة اليهود إلى الإسلام: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم) رواه البخاري (3701) ومسلم (2406) .
والنبي صلى الله عليه وسلم قد بعث الدعاة إلى الله سبحانه إلى اليمن وإلى كثير من قبائل العرب.
وهذه الجماعة التي تخرج معها يوجد كثير من أفرادها ينقصهم العلم الشرعي، وقد يعتقدون بعض الاعتقادات الباطلة وهذا لا يمنعك من الخروج معهم والدعوة إلى الله، بل اخرج معهم وبَيِّن لهم الحق، وعَلِّمهم ما جهلوه من السنة، وانصحهم بترك ما يفعلونه من بدع ومخالفات لعل الله تعالى ينفعهم بك.
والله تعالى أعلم.
وللأهمية انظر السؤال (8674) ، (39349) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/124)
عندها إشكالات في حق المرأة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في حيرة من أمري، فقد عشت سنين عمري أتعامل وأعامل على كوني إنساناً قبل أن أصنف إلى كوني أنثى [وأمة] الله قدر استطاعتي، ومن هذا المنطلق أن مَن عمل خيراً من ذكر أو أنثى فله أجره، ومن عمل إثما فعليه وزره، ولكن بعد زواجي فوجئت بأحكام تخرجني من نطاق الإنسانية لأكون مجرد متاع للرجل، فمثلا تلعنني الملائكة إن امتنعت عنه تحت أي ظرف، في حين أنه ليس عليه أي وزر إن هو امتنع عن جماع زوجته ولو من باب الإضرار بها، فهو له أجر صدقة إن جامعها وهو مستمتع بها وهي ليس لها أجر وإن لبَّت وهي كارهة، وإذا أغضبني وأهانني أمام الناس وامتهن كرامتي يجب عليَّ مصالحته واسترضاؤه وإلا لعنتني الملائكة، وأنا طبعاً لا يحق لي مخالفته في رأي ومراجعته ولا يغفر لي أي قدر من الانفعال، كما أنكم أفتيتم بأن ثواب صلاة الجماعة هو خاص بالرجال من دون النساء فهل هذا ما شرعه الله لنا؟ هل هذا هو قدر المرأة المسلمة إذا أحسنت وأدت ما عليها؟ فإن هي تجنبت الإثم فليس لها أي فضل وإن أخلت كانت من الملعونين المطرودين من رحمة الله أنا وإبليس اللعين سواء.
أرجو الاهتمام بهذا السؤال لأنني أفتن في ديني، وإن كان هذا هو شرع الله فسمعا وطاعة ولا حول ولا قوة إلا بالله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نزل متعجبين مما ورد في سؤال الأخت من ظنها ما ليس من دين الله منسوباً إليه، واعتقادها لأحكام لم ينزل الله بها سلطاناً، ومن ذلك قولها " ولكن بعد زواجي فوجئت بأحكام تخرجني من نطاق الإنسانية لأكون مجرد متاع للرجل "! .
وسنرتب الكلام معها من خلال هذه النقاط:
أولاً:
أكرم الله تبارك وتعالى المرأة غاية الإكرام، فقد أكرمها بنتاً وأمّاً وزوجة، وجعل لها من الحقوق والفضل ووجوب البر ما ليس للرجل في كثير من الأحيان.
ولم ينزع الإسلام عنها إنسانيتها، بل أعطاها حقها ورفع لها قدرها، وقد كانت متاعاً وسلعة قبل أن يكرم الله الناس بالإسلام، فقد كانت تورث كما يورث المتاع، وكانت تُعلَّق فلا هي بالزوجة ولا هي بالمطلقة، وكانت تمكث سنة كاملة بعد وفاة زوجها لا تمس ماء ولا تخرج من بيتها حتى إن الطير والبهيمة ليموتان من شمهما رائحتها! وكانت تُحرَم من الميراث، فضلاً عن وأدها وهي حيَّة، وغير ذلك كثير.
فجاء الإسلام وحرَّم الوأد وجعله قتلاً للنفس وهو من كبائر الذنوب، وحرَّم تعليقها بيمين أو تحريمها بظهار، وأعطاها نصيبها من الميراث، وجعل عدتها من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشراً تغتسل وتلبس الثياب وترى النساء والمحارم، وأجاز لها البيع والشراء والتملك، ورغَّبها في العلم والدعوة إلى الله تعالى، وأمر بإكرامها زوجة، وببرها أمّاً بل جعل حقها في البر ثلاثة أضعاف الأب، وغير ذلك كثير، وليس هذا مجال بسط ذلك، إنما أردنا التنبيه والتذكير، ويمكن مراجعة جواب السؤال رقم (21010) لترى المزيد.
ثانياً:
قالت الأخت السائلة: " فمثلا تلعنني الملائكة إن امتنعت عنه تحت أي ظرف "!
وهذا ليس بصحيح، بل لا تلعن الملائكة الزوجة الممتنعة عن فراش زوجها إلا أن تكون غير معذورة، فإن كانت معذورة بمرض أو حيض أو نفاس أو صوم واجب: فإنها لا تُلعن، بل يأثم زوجها الذي يدعوها ويصر على دعوتها أو يكرهها وهو يعلم حالها.
وقد ورد في جواب السؤال (33597) في الموقع:
ليس للمرأة أن تمنع نفسها من زوجها، بل يجب عليها أن تلبي طلبه كلما دعاها ما لم يضرها أو يشغلها عن واجب.
وفي سؤال رقم (9602) ورد:
قال ابن حزم:
وفرض على الأمة والحرة أن لا يمنعا السيد والزوج الجماع متى دعاهما ما لم تكن المدعوة حائضا أو مريضة تتأذى بالجماع أو صائمة فرض فإن امتنعت لغير عذر فهي ملعونة.
" المحلى " (10 / 40) .
وهذا اللعن مقيّد بما إذا بات غضباناً عليها، أما إذا دعاها فأبت عليه، ثم تنازل عن حقه فإنها لا يلحقها لعن.
ثالثاً:
وقالت الأخت السائلة: " في حين أنه ليس عليه أي وزر إن هو امتنع عن جماع زوجته ولو من باب الإضرار بها "!
وهذا أيضاً ليس بصحيح، فقد حرَّم الإسلام الإضرار بالآخرين ومنه إضرار الزوج بزوجته بمنعها من إرضاع ولدها أو بمنعها من حقها في الجماع والاستمتاع.
وقد ورد في جواب (10680) - في سياق بيان حقوق الزوجة على زوجها -:
عدم الإضرار بالزوجة: وهذا من أصول الإسلام، وإذا كان إيقاع الضرر محرما على الأجانب فلأن يكون محرما إيقاعه على الزوجة أولى وأحرى.
عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى " أن لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه (2340) . والحديث: صححه الإمام أحمد والحاكم وابن الصلاح وغيرهم.
انظر: " خلاصة البدر المنير " (2 / 438) .
وقد ورد في جواب السؤال (5971) :
لا يجوز للرجل أن يهجر امرأته إضراراً بها إلا إذا ظهر منها النشوز والعصيان، ولكن لا يأثم إذا ترك الاضطجاع معها غير مُضارٍّ بها لأن الحاجة له وترجع إلى شهوته ولا يملك إثارة الشهوة فإن هجرها فهو آثم بذلك لأنه لا ضرر ولا ضرار، والله أعلم.
رابعاً:
قالت الأخت السائلة: "، فهو له أجر صدقة إن جامعها وهو مستمتع بها وهي ليس لها أجر وإن لبَّت وهي كارهة "!
وهذا أيضاً ليس بصحيح، بل تؤجر الزوجة على الجماع من وجهين:
الأول: من كونها شقيقة الرجل في الأحكام والأجور، إلا ما استثناه النص، قال تعالى: (فاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) أل عمران / 195.
الثاني: أنها سبب أجر الزوج، ومن كان سبباً في ثواب غيره: شاركه في الأجر دون أن ينقص من أجره شيء.
وعن أبي ذر أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر. رواه مسلم (1006) .
ومعنى البُضع: الجماع
فالزوجة مأجورة كما هو حال زوجها، كما أنها تأثم على شهوتها لو وضعتها في الحرام كما هو حال زوجها.
قال النووي:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَفِي بُضْع أَحَدكُمْ صَدَقَة)
فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَات تَصِير طَاعَات بِالنِّيَّاتِ الصَّادِقَات , فَالْجِمَاع يَكُون عِبَادَة إِذَا نَوَى بِهِ قَضَاء حَقّ الزَّوْجَة وَمُعَاشَرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ , أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ صَالِحٍ , أَوْ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ إِعْفَاف الزَّوْجَة وَمَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنْ النَّظَر إِلَى حَرَام , أَوْ الْفِكْر فِيهِ , أَوْ الْهَمّ بِهِ , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِد الصَّالِحَة اهـ.
خامساً:
قالت الأخت السائلة: " وإذا أغضبني وأهانني أمام الناس وامتهن كرامتي يجب عليَّ مصالحته واسترضاؤه وإلا لعنتني الملائكة "!
وهذا ليس بصحيح، فأما اللعن فإنما هو في امتناع الزوجة عن فراش زوجها من غير عذر مع مبيت زوجها وهو عليها غضبان – كما سبق بيانه -.
وأما إهانة الزوج لها وامتهان كرامتها: فهو آثم على فعله هذا ولا شك، وقد أجاز لها الشرع أن تستوفي حقها بالرد عليه بقدر ظلمه لها.
قال تعالى: (ولمن انتصر بعض ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) أي ليس عليهم إثم.
ولفظ (مَنْ) هنا عام فتدخل فيه المرأة أيضاً.
أو أن تصبر على قوله وظلمه وتحتسب الأجر عند الله لتأخذ الثواب الأكمل والأفضل والأعلى.
والواجب عليه: هو أن يصالحها ويسترضيها لا العكس، فالذي ظلم هو الذي يجب عليه لتمام توبته أن يُرضي المظلوم بالاعتذار والكلام الحسن.
سادساً:
قالت الأخت الفاضلة: " وأنا طبعاً لا يحق لي مخالفته في رأي ومراجعته ولا يغفر لي أي قدر من الانفعال "!
وهذا ليس بصحيح، فيجوز للمرأة أن تراجع زوجها وأن تخالفه في الرأي، لكن ليس لها أن تمتنع عما يأمرها به – وإن كانت مخالفة له – إذا لم يأمرها بمعصية، فلا طاعة لأحد في معصية الخالق، وهذا إنما هو من منطلق القوامة الذي جعله الله تعالى للزوج في مقابل ما أوجب عليه من نفقة وحماية ورعاية، قال تعالى: (الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) النساء
وقد ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أن نساءهم كنَّ يراجعنهم في الأمر، بل كان هذا فعل أمهات المؤمنين مع نبينا عليه الصلاة والسلام، كما قال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم " وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصخبتُ على امرأتي (أي: غضبت) فراجعتني فأنكرتُ أن تراجعني قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ... " – رواه البخاري (4895) ومسلم (1479) .
قال الحافظ ابن حجر – في سياق فوائد الحديث -:
وفيه: أن شدة الوطأة على النساء مذموم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم، وترك سيرة قومه.
" فتح الباري " (9 / 291) .
أما ما ذكرته الأخت من أنه لا يغفر لها أي قدر من الانفعال، فهذا لا يصح على إطلاقه إذ من الانفعالات ما لا يحاسب عليه الإنسان إذا لم يتكلم به أو يعمل، لقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا) ومنها ما لا يكون بقصد الإنسان التام إما بسبب شدة غضب أو نحوه مما هو خارج عن طاقة الإنسان، وقد ورد في آخر سورة البقرة دعاء المؤمنين: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) البقرة، وثبت في السنة أن الله تعالى قد أجاب هذا الدعاء بقوله: (قد فعلت) .
سابعاً:
قالت الأخت السائلة: " كما أنكم أفتيتم بأن ثواب صلاة الجماعة هو خاص بالرجال من دون النساء "!
وهذا أيضاً ليس بصحيح، بل الذي قلنا – بناء على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم – أن أجر السبع وعشرين درجة خاص بالرجال لأنهم هم المخاطَبون بصلاة الجماعة دون النساء، وصلاة الجماعة للنساء مستحبة، ولكن لا تجزم بأنه لها أجر السبع وعشرين درجة، ويجوز للمرأة أن تشهد الصلاة في المسجد، ولا يحل للرجل أن يمنعها من الذهاب، فإن ذهبت وصلَّت معهم: شاركتهم في أجر صلاة الجماعة.
ومع هذا فبناءً على الأحاديث الصحيحة فإنها لو صلَّت في بيتها: لأخذت ما هو أفضل من أجر صلاتها جماعة في المسجد.
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن ".
رواه أبو داود (567) وأحمد – واللفظ له - (5445) .
قال عبد العظيم آبادي:
" وبيوتهن خير لهن ": أي: صلاتهن في بيوتهن خير لهن من صلاتهن في المساجد لو علمن ذلك , لكنهن لم يعلمن فيسألن الخروج إلى المساجد ويعتقدن أن أجرهن في المساجد أكثر. ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل: الأمن من الفتنة , ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة.
" عون المعبود " (2 / 193) .
ثامناً:
قالت الأخت السائلة: " هل هذا هو قدر المرأة المسلمة إذا أحسنت وأدت ما عليها؟ فإن هي تجنبت الإثم فليس لها أي فضل وإن أخلت كانت من الملعونين المطرودين من رحمة الله أنا وإبليس اللعين سواء "!
وهذا من سوء الظن بالله، وكلامكِ ليس بصحيح اطلاقاً.
قال الله تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} النحل / 97.
وقال تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب} آل عمران / 195.
وقال تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيماً} الأحزاب / 35.
وأما ذكرته الأخت من أنها إذا أخلت كانت هي وإبليس سواء فهذا تشنيع لا محل له هنا، وتشبيه غير مقبول إذ لعنة الله لإبليس اللعنة الأبدية التي لا تقبل فيها أي توبة، لا تقارن بما يكون من اللعن في حق من كان مسلماً موحداً لله مذعناً له ووقع في بعض الكبائر.
وفي هذا القدر من الآيات البينات والكلام كفاية في بيان خطأ قولكِ، ونسأل الله تعالى أن يفقهك في الدين، وأن يثبتك على الخير والهدى.
كما لا يفوتنا في نهاية هذه الإجابة أن نحمد لهذه الأخت السائلة صراحتها في السؤال عما يقذفه الشيطان في قلبها من الإشكالات عن الأمور الشرعية التي لو كتمتها في نفسها لربما أفسدت عليها دينها وأورثتها من الوساوس ما يُنغص عليها عيشها، وبمثل هذا السؤال يزول الإشكال ويندفع عن النفس الشك.
وإن كان ينبغي في طرح مثل هذه الأسئلة أن يكون بأسلوب أكثر ملائمة للسؤال عن حكمة الله في تشريعاته، وأن يبتعد السائل عن كل ما يُشعر بروح الاعتراض على الحكم إذا عقول البشر تقصر عن إدراك عظيم حكمة الله وواسع فضله على خلقه.
ومما يحمد أيضاً للأخت السائلة رضاها وتسليمها بشرع الله، وذلك في قولها (وإن كان هذا هو شرع الله فسمعاً وطاعة) ، وهكذا يجب أن يكون المؤمن.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على دينه، وأن يلهمنا رشدنا.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/125)
حكم المشاركة الدعوية في القنوات الفضائية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المشاركة الدعوية في القنوات الفضائية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعوة إلى الخير إحدى ركائز دين الإسلام؛ لأنها الوسيلة الأساس في نشر الإسلام، وتحقيق العدل.
سواء كان ذلك بالأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، أو القدوة الحسنة، قال سبحانه وتعالى: " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ". آل عمران / 104.
قال ابن كثير: (المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن وإن كان ذلك واجباً على كل فرد، كل بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان) ا. هـ.
وفضل القيام بهذه الدعوة لا يكاد يَعْدِلُه فضل، قال سبحانه: " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ". فصلت / 33.
وغني عن البيان أن كل شأن يقوم به الإنسان لابد له من أسلوب ووسيلة، كي يحقق المطلوب.
والوسائل تتبع المقاصد في أحكامها، فوسيلة المحرم محرمة، ووسيلة الواجب واجبة وكذلك بقية الأحكام. (ينظر الفروق للقرافي 144)
ولا بد كذلك أن تكون الوسيلة إلى المشروع مشروعة، والدعوة تحتاج إلى الوسائل من أجل تبليغها للمكلفين ومن ذلك القدوة الصالحة، والكلمة الطيبة من خلال المنبر، أو الجدال، أو الكتابة، أو ما إليها.
(وكل وسيلة تساعد على أهداف الدعوة يمكن اتخاذها لذلك ما لم تكن محرمة) الموسوعة الفقهية الكويتية 20/ 332.
وقد ظهرت وسائل إعلامية واتصالية كثيرة في العصر الحديث بدأت بالجرائد والمجلات، ثم الإذاعة ثم التلفاز والهاتف والبرق والتلكس والفاكس، ثم أخيراً شبكة الاتصال العالمية (الإنترنت) وأصبح بالإمكان متابعة الحدث أو الحديث في الحال بل التحادث والمخاطبة من أقصى الدنيا إلى أقصاها.
وقد أخذ العالم المتحضر (مادياً) في سباق محموم في هذه الوسائل من أجل كسب الرهان في عولمة الشعوب والدول، وفرض حضارته (الفكرية والمادية) .
وأصيب العالم الإسلامي بحالة من الذهول والوجوم، جعلت أبناء الإسلام في مفترق طرق، فمنهم من أخذ بالركض وراء تلك المدنية إعجاباً وانبهاراً.
ومنهم من اختار التجاهل أو الرفض لها اعتقاداً منهم بأن ذلك هو الموقف المناسب.
ومنهم من وقف موقف المتأمل المتيقظ، والمتفاعل بحذر، وأنت ـ أخي ـ خبير بأن الموقفين الأول والثاني غير موفقين ولا راشدين.
وأن الموقف السليم هو الثالث.
وكما يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
إن الموقف من الحضارة الغربية ينحصر في أربعة أقسام لا خامس لها:-
الأول: ترك الحضارة نافعها وضارها.
الثاني: أخذها كلها ضارها ونافعها.
الثالث: أخذ ضارها دون نافعها.
الرابع: أخذ نافعها وترك ضارها.
فنجد الثلاثة الأولى باطلة بلا شك، وواحداً فيها صحيحاً بلا شك وهو الأخير.
(أضواء البيان 4/ 382)
وبعد هذه التوطئة، وفي ضوئها ندلف إلى الحديث عن الفضائيات الإعلامية وما يتبعها من إذاعات مسموعة سواء كانت عربية أو غير عربية وبأي لغة كانت.
وسواء كانت ذات طابع اختياري، أو ثقافي أو رياضي، أو دعائي (إعلاني) أو فني ... الخ، أو كانت عامة غير متخصصة.
فالسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، ويتردد في أوساط الغيورين من علماء ومتعلمين ومثقفين وعامة، ما مدى شرعية التفاعل الإيجابي مع تلك الوسائل (القنوات والإذاعات) ، وذلك بالمشاركة بالرأي والحوارات والفتاوى وما إليها؟ هل ذلك مشروع، أو غير مشروع؟ وما الحجة في ذلك؟
وقبل أن ندخل في عرض الآراء يجدر التنبيه إلى أمر مهم، هو أننا نتجاوز الخلاف القديم حول الإذاعة والتلفاز، ولا نناقش الرأي الرافض لهما بإطلاق، والذي يعتبرها من اللهو الباطل، أو لوجود التصوير في التلفاز.
أقول: نتجاوز ذلك إلى الرأي القائل بأنها وسائل عادية يمكن الاستفادة منها بدون تعد إلى المحظور.
حكم المشاركة في الفضائيات العربية وأشباهها:
يبدو أن المسألة لا تخرج عن رأيين.
الأول: عدم جواز المشاركة فيها.
الثاني: جواز المشاركة فيها.
وإن كان بعض أهل العلم يرى بعض التفصيل مما سنشير إليه.
وأحاول أن أعرض الآراء مجتهداًَ في سبر أدلتهم وتتبعها ما أمكن، ثم أناقشها.
أولاً: القول بعدم المشاركة:
لعل أبرز الأدلة على ذلك:-
1) أنها وسائل مؤسسة على باطل، فهي لم يقصد منها في الأصل بث الفضيلة وإعلاء كلمة الله، بل أسست لأهداف غير نبيلة، ومهما تنوعت الأهداف فإنها تكاد أن تصب في حوض واحد هو (اللهو الباطل) .
وتكاد أن تتفق هذه القنوات على أن المرأة بمفاتنها وزينتها وكلامها هي الوسيلة الأقرب لجذب المشاهد والمتلقي.
كما أن الموسيقى ـ شرقيها وغربيها، وما يصاحبها من غناء ـ هي الوسيلة الأخرى للجذب.
ناهيك عن المضامين الساقطة للمادة الإلامية، سواء كانت حواراً، أو غناءً بل خبراً، هذا إذا سلمت من موبقات الكفر.
وإذا كانت كذلك، فهذا أشبه ببؤرة فساد:
أ - وقد قال الحق سبحانه وتعالى: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين " سورة الأنعام / 68.
قال الشوكاني: والمعنى إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والرد والاستهزاء فدعهم ولا تقعد معهم لسماع مثل هذا المنكر العظيم حتى يخوضوا في حديث مغاير له.
ب - وقال في صفات عباد الرحمن: " والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً " الفرقان / 72.
قال الطبري في هذه الآية بعد أن ذكر أقوال المفسرين في المراد بالزور: وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: والذين لا يشهدون شيئاً من الباطل لا شركاً ولا غناء ولا كذبا ولا غيره، وكل ما لزمه اسم الزور، لأن الله عم في وصفه إياهم أنهم لا يشهدون الزور.
ثم ذكر قريباً من هذا المعنى في تفسير اللغو.
ج - وهذه البؤرة أشبه بالمجلس الذي تنتهك فيه المحرمات، وقد روى النسائي بسند جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس إلى مائدة يدار عليها الخمر) . (ينظر فتح الباري 9/ 250) .
ووجه الاستشهاد بتلك النصوص أن الفضائيات وأشباهها تتخذ من كلمة الحق ومن دعاة الحق مثار سخرية واستهزاء، وتلاعب، حيث تحشر الحق القليل بين ركام الباطل الكثيف وقد قال سبحانه وتعالى: " وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا ". الأنعام / 70.
2/ ثم إن دخول أهل الفضل ومشاركتهم فيها يضفي عليها صبغة شرعية، يحتج بها أصحابها وممولوها، والمتلقون من المشاهدين والمستمعين، مموهين بذلك على السذج من الناس.
ثانياً: القول بالمشاركة:
يستند القائلون بالجواز إلى مجموعة من الأدلة.
(1) يرى هؤلاء أنه ينبغي التفريق بين المحرم لذاته كالخمر والموسيقى وقول الزور والوسيلة إليه، فإنه ليست كل وسيلة إلى الحرام تكون حراماً بالضرورة.
قال القرافي في الفروق (الفرق 58) تنبيه: قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة كدفع مال لرجل يأكله حراماً حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن دفعه عنها إلا بذلك) .
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 137) : (وما حرم سداً للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل ... وكما أبيح النظر ـ أي إلى المرأة ـ للخاطب والشاهد والطبيب) .
ومن هنا فإن وسائل الإعلام والاتصال هي من هذا الباب، بل هي مباحة في أصلها، بدليل أنه لو ملكها أهل الحق واستعملوها في نشر الحق لم يكن في جوازها شبهة.
وتكون كالمنابر أو المنتديات التي تتخذ وسيلة للحوار والتبليغ.
وإذا كانت تتخذ وسيلة لإثارة الشبهات والشهوات فلا يمنع ذوي الفضل أن يزاحموا أهلها ويلجئوهم إلى نشر الحق كله أو بعضه بحسب الإمكان.
وهب أن ناديا ثقافيا أو منتدى يقصده جمهور الناس، وقد شرعت أبواب منصته لكل متقدم سباق، وكان أكثر السباقين من أهل الباطل، فهلا تكون مشاركة ذوي الفضل والدعوة مطلوبة عندئذ؟
بلى، والظاهر أن تلك الوسائل لا يوجد بينها وبين هذه المنتديات كبير فرق.
ولعل مما يشهد لأصل هذا القياس ما هو مشهور في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من حضوره مواسم أهل الجاهلية وأسواقهم بهدف الدعوة.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة، وفي المواسم بمنى يقول: (من يؤيدني؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي؟ وله الجنة) رواه أحمد في المسند 3/ 322
وعن ربيعة الديلي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: (يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) سنده حسن.
ومعروف أن عكاظ ومجنة وذا المجاز كانت أسواقاً في الجاهلية يجتمع فيها العرب فيتناشدون ويتفاخرون وقد يتنافرون ويتدابرون.
(2) ومعروف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخالط المشركين واليهود والنصارى بغرض الدعوة، وكان ربما جلس إليه بعض المشركين أو اليهود وتحاورا معه، وقرأ عليهم القرآن.
والأدلة على ذلك متواترة.
ومنها ما رواه أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه ارتدف مع النبي صلى الله عليه وسلم على حمار ذاهبين لعيادة سعد بن عبادة وكان مريضاً فمر النبي صلى الله عليه وسلم بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول، وفي المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين واليهود، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وقف ونزل من دابته، فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن (وذلك في قصة مطولة، أخرجها البخاري في صحيحه في تفسير سورة آل عمران الباب 14) .
وإذا كانت مخالطة المشركين جائزة مع ما يصاحبها أحياناً من رد للحق وسخرية منه فإن تقصُّدَ تلك الوسائل (الإعلامية) لاتخاذها منبراً للجهر بالحق، لا يختلف كثيراً عن مخالطة الكافر ومجادلته، من حيث وجود المخالف، والرأي المغاير في كل.
(3) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف لومة لائم. متفق عليه.
فقوله: " حيثما " ظرف مكان، أي: في أي مكان كنا، ورواية مسلم: أينما كنا. وهما بمعنى.
قال النووي: قوله: وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف لومة لائم. معناه نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان، الكبار والصغار، لا نداهن فيه أحداً ولا نخافه. شرح النووي 12/ 230
فإذا كان مطلوباً من المسلم أن يقول كلمة الحق أينما كان فإن من جملة ظرف المكان وسائل الإعلام والاتصال أينما كانت.
(4) وإذا احتكمنا إلى قاعدة المصالح والمفاسد، فإن الإسهام والمشاركة في هذه الوسائل تفوق مصالحه على مفاسده بدرجة واضحة، وذلك من وجوه:
أ- أن جمهور هذه الوسائل المتلقين لها لا يكاد يحصى سواء من المسلمين أو غيرهم، من ذكور وإناث، ومن مختلف المستويات الثقافية، ولقد يسمع بعضهم كلمة حق فيصغي لها، ويتأثر بها فهي إذن فرصة سانحة للتبليغ.
ب - وليس كل هذا الجمهور سيئاً، أو عزوفاً عن سماع الحق، بل لأن هذه الوسائل قد دخلت معظم البيوت، وفرضت نفسها على الناس، ووجد فيها أكثر الناس كل أسباب الدعاية والترويج، فانساقوا معها، ولو وجدت وسائل إصلاح نشطة وقوية لفعلت الفعل نفسه.
ج - وإذا كان يوجد شيء من وسائل الإصلاح في بعض بلاد المسلمين فإنه لم تجتمع فيه مقومات الجاذبية والتأثير، ولذلك يبقى أصحابها بها محدودي العدد.
أما الأكثرية الساحقة فهي مشدودة مع الفضائيات، حتى ربما استوحش بعضهم من تلك الوسائل الإصلاحية باعتبارها تخاطب المتدينين، وهو لا يعد نفسه منهم.
والظاهر أن مسؤولية التبليغ المناطة بأهل العلم والفكر تقتضي سلوك كل طريق ممكن ومتاح؛ لتبليغ الدعوة لأولئك الأجناس من البشر للخروج من التبعة. (ينظر الموسوعة الفقهية 20/ 332) .
موازنة:
من خلال هذا العرض تبرز الوجهتان في كفتين متقاربتين.
وإن كانت الوجهة الثانية تبدو راجحة في ضوء الاعتبارات المذكورة، والتي يصعب إلغاؤها، أو التقليل من شأنها.
وأما أدلة المنع فهي محل نظر.
*= فقوله تعالى: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ".
يمكن أن يقال: إن بإمكان داعي الحق أن يقوم بعمله دون أن يصاحب ذلك شيء من المحظورات كالاستهزاء أو الغناء أو الموسيقى، أو الإعلانات التجارية غير المشروعة.
وإذا تحقق ذلك لم يكن خوض ثَمَّ، فلا محذور إذن، وبمثل هذا يجاب أيضاً عن حديث (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس ... الخ) .
*= وأما قوله تعالى: " والذين لا يشهدون الزور ".
فإن تلك الوسائل في ذاتها ليست من الزور؛ لأنها وسائل خير وشر، ويمكن أن يخصص جزء من الوقت للإصلاح لا يصاحبه زور.
*= وأما القول بأن مشاركة أهل العلم والفضل تصفي الشرعية على الفضائيات فهو محل تأمل.
وربما اختلف ذلك بحسب الأشخاص والأحوال.
وإذا انتهينا إلى ترجيح القول الثاني للاعتبارات المذكورة فإنه لا بد من بعض القيود والشروط هنا.
ومن أهمها في نظري:
(1) أن يكون ظرف الزمان والمكان والحال مناسباً لدعوة الحق، بحيث يخلو من المحظورات الشرعية البين حظرها كالمعازف، ووجود النساء المتبرجات، والدعايات التجارية الماجنة، والترويج للدين الباطل ... وما أشبه ذلك.
(2) أن يغلب على ظن الداعي أو العالم رجحان جدوى المشاركة، وذلك بحسب القرائن والملابسات، كأن يلمس من القائمين على القنوات الرغبة في نشر الفضيلة، أو يرى منهم عدم قناعة في برامجهم وأنهم يسعون إلى التجديد، أو يرى في مشاركته تطويراً في الأداء الإعلامي الهابط وتحسين صورته لدى المتلقي ... وهكذا.
(3) أن يكون المشارك ذا أهلية ومقدرة، سواء في شخصيته، أو علميته.
أما الضعيف فلا ينبغي له أن ينبري للمشاركة، وبخاصة إذا كانت المشاركة حواراً مع خصوم الإسلام؛ لأن ضعفه يضعف الحق الذي يدعو إليه، فينسب ذلك إلى الإسلام.
وعلى هذا فليس الأمر جائزاً بإطلاق، كما أنه ليس ممنوعاً بإطلاق.
ولكني أناشد كل مسلم غيور ألا يبالغ في تضخيم المعوقات في طريق فعل الخير، وأذكره بكلام للإمام ابن تيمية، ذكره في كتاب الحسبة في مقام أقسام الناس تجاه فعل الخير يقول: " وأقوام ينكلون عن الأمر (بالمعروف) والنهي (عن المنكر) والقتال الذي يكون به الدين لله، وتكون كلمة الله هي العليا لئلا يفتنوا وهم سقطوا في الفتنة ... وهذه حال كثير من المتدينين يتركون ما يجب عليهم من أمر ونهي وجهاد يكون به الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا؛ لئلا يفتنوا بجنس الشهوات، وهم قد وقعوا في الفتنة التي هي أعظم مما زعموا أنهم فروا منه، وإنما الواجب عليهم القيام بالواجب وترك المحظور وهما متلازمان ".
هذا مبلغ علمي، وفوق كل ذي علم عليم، وإذا كان ثم نقص أو خطأ فأملي في القراء أن يسددوا الخطأ، ويسدوا النقص.
والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
أ. د عبد الله بن إبراهيم الطريقي
الأستاذ بكلية الشريعة بالرياض.(8/126)
فاتقوا اللهَ ما استطعتم
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا مجموعة من الأصدقاء نجتمع للنقاش والحوار حول أمور الدين والدنيا، وإذا بأحد الحضور يلقي سؤالا يقول فيه: هل يستطيع المرء المسلم أن يعيش حياته مسلما بنسبة 100% مع استمرار تعايشه وتعامله مع مجتمعه بما في ذلك من إيجابيات وسلبيات ومؤثرات، أي بمعنى إن أراد البعد عن كل ما حرم الله والتمتع بكل ما أحله في كتابه الكريم وكذلك العمل بسنة نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام بما تبيحه والبعد عما تنهى عنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم غير معصوم، وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون كما جاء بذلك الحديث الشريف، لكن في الإمكان أن يعيش المسلم في مجتمع إسلامي محافظا على دينه حسب طاقته عملا بقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولا يخدش في دينه ما قد يقع منه من الأخطاء التي لم يتعمدها أو ظنها جائزة باجتهاده وما لديه من معلومات، أو بسؤاله بعض أهل العلم فأفتاه في ذلك ولم تكن فتواه مطابقة للشرع المطهر، والخلاصة أن الواجب على المسلم أن يتقي الله ما استطاع وأن يحرم ما حرم الله عليه وأن يجتهد فيما فرض الله عليه، وإذا وقعت منه زلة وجب عليه المبادرة بالتوبة النصوح.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/417(8/127)
هل يذهب بأمه إلى السوق وهي ترتدي عباءة مخصَّرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت عباءة الأم مخصّرة، هل يجوز تلبية طلبها في الذهاب بها إلى السوق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عليك أن تنصح والدتك برفق ولين بأن لا تلبس مثل هذه العباءة التي تحدد جسمها وأن تلتزم بشروط الحجاب الشرعي والتي منها أن يكون واسعاً فضفاضاً.
ولمعرفة شروط الحجاب الشرعي راجع السؤال رقم (214) و (6991) .
ثانياً:
إذا كانت والدتك ستذهب إلى السوق على كل حال سواء ذهبت بها أم لم تذهب وإذا امتنعت من الخروج معها ستذهب منفردة فعليك في هذه الحال أن تذهب بها إلى السوق حفاظاً عليها، وتقليلاً للمنكر بقدر الإمكان والاستطاعة.
والله تعالى المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
قاله الشيخ عبد الرحمن البراك بمعناه.(8/128)
أسلمت وتسأل كيف تخبر والديها
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت أخت من أصل هندوسي، لم تخبر والديها بعد ولكنها ستخبرهما قريباً، لا تدري كيف تخبرهما لأنها متأكدة بأنهما سيتبرآن منها، أرجو أن تساعدها بطريقة تخبر فيها والديها، لا تريد أن تخبر والديها بأن شخصاً ما سوف يتزوجها وينفق عليها (حتى لو وجدت أحداً) لأن والداها سيظنان بأنها أسلمت من أجل ذلك الرجل (وهذا غير صحيح) . فأرجو النصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن وفق هذه الأخت وهداها لاعتناق الإسلام، ونسأله سبحانه أن يثبت قلبها، وأن يزيدها إيمانا ويقينا.
ونصحها بإخبار والديها، أو بعدم إخبارهما يتوقف على معرفة ما يترتب على ذلك، وهل سيقف الأمر على التبرؤ منها دون طردها أو إيذائها، وهل يملكان قوة قهرها لإرجاعها إلى دينهم أم لا؟
وبكل حال فإن كان يترتب على إخبارها مضرة لها، فإننا ننصحها بتأجيل ذلك، حتى يقوى إيمانها، ويزداد علمها، على أن يسعى المسلمون المطلعون على إسلامها في إيجاد الزوج الصالح لها، والبيئة المهيأة لاستقبالها في حال انفصالها عن والديها.
وكون والديها يظنان أنها أسلمت لأجل الزواج من شخص معين، لا يضرها، ولا حرج عليها في هذا الزواج إذا ترتب عليه حفظها وإعانتها على التمسك بدينها.
وينبغي أن تشاوروا أهل العلم والخبرة في بلدكم ممن يعرفون حال هذه الأخت، وحال أهلها، والظروف المحيطة بهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/129)
والداه يريدان منه أن يترك العمل للدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الأكثر أهمية للمسلم، طاعة والديه أم العمل للأمة؟
أسأل هذا السؤال لأن زوجي اختار أن يعلم المسلمين دينهم ووالداه لا يوافقون، والده يريده أن يرجع لبلده ويعمل في تخصصه، لا أدري ماذا أفعل لأن والد زوجي طلب مني محاولة إقناع زوجي بالعودة.
أنا الوحيدة في العائلة التي تدعم زوجي ليعمل في سبيل الله، تركت حقوقي كزوجة لأعينه على متابعة عمله، تواجهنا بعض الصعوبات ولكن والحمد لله نحن بخير.
كيف أتصرف؟ أنا لا أريد أن أعصي والد زوجي ولا أريد أن أتدخل في اختيار زوجي لطريقة حياته، فقد وافقنا على أن نعيش حياة بسيطة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن الله تعالى قد أوجب طاعة الوالدين فقد قال تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} الأنعام / 151.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك.
رواه البخاري (5626) ومسلم (2548) .
وحرَّم عقوق الوالدين، فعن المغيرة بن شعبة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ".
رواه البخاري (2277) ومسلم (593) .
والعمل للإسلام متوجب على المسلم بحسب طاقته، وقد يتعيَّن على زوجك البقاء في هذه البلاد لخدمة المسلمين وتعليمهم والقيام على شئونهم، وعليه: فلا يجب على الزوج الرجوع لبلده وترك الدعوة إلى الله والعمل للأمة.
وقد سأل رجلٌ الشيخَ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – فقال:
إنني أشتغل منذ عدة سنوات بتحفيظ القرآن الكريم في مكان بعيد عن المدينة التي يسكن فيها والداي ولذا فهما يطلبان مني أن أترك التدريس وأعمل مع أحد إخواني الذين يسكنون عندهما وأنا متردد في هذا الأمر؟ لأني أخشى أن أترك التدريس فيضيع الطلاب وينسوا ما حفظوه من القرآن الكريم.
فما تنصحوني جزاكم الله خيرا؟ .
فأجاب:
ننصحك بالاستمرار في تحفيظ القرآن الكريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه " أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، ولما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين، ولا تلزمك طاعة والديك في ترك ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الطاعة في المعروف " ويشرع لك الاعتذار إليهما بالكلام الطيب والأسلوب الحسن.
وبالله التوفيق.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 412) .
ثانياً:
ويمكن لزوجك أن يطيع والده ويرجع لبلده إذا كان هناك من يقوم مقامه في العمل للإسلام هناك ووجدت الحاجة للعمل للإسلام – كذلك – في البلد الذي يوجد فيه أهله، فيجمع بذلك بين الأمرين: تحقيق رغبة والده، والعمل للإسلام، وقد يكون بلده بحاجة أكثر، وقد يكون بقاؤه في البلد التي هو فيها لا يتمكن معه من إظهار شعائر الإسلام الظاهرة ولا يستطيع تربية أولاده فيه.
أما إن كان زوجك سيرجع للعمل في تخصصه دون العمل للإسلام فإنك ينبغي أن تكوني بجانبه وتحثيه على البقاء للعمل للإسلام، وهذا لا شك خير لكم في دينكم، وإن كان ليس كذلك لدنياكم، وما عند الله خير وأبقى، مع التنبيه الشديد على أهمية أن لا يكون الإنسان كالشمعة يحرق نفسه ليضيء لغيره، فإن كانت البيئة التي هو فيها لا تُعينه على طاعة الله ولا تربية أبنائكم فاحرصوا على تغييرها، إلى بيئة صالحة ينشأ أولادكم فيها على الشعائر الإسلامية، وفق الله الجميع لما يُحبه ويرضاه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/130)
كيف يتصرَّف مع " منصِّر " طرق بابه ليعرِض عليه نسخة من الإنجيل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعل لو طرق بابك مبشِّر؟ فما هو أفضل طريقة للتعامل معه؟ وماذا تفعل معه إن حاول أن يهديك نسخة من " الكتاب المقدس "؟ وبماذا تنصح في أن نستبدل الأدوار فأدعوه للإسلام، وأهديه في نهاية الأمر نسخة من القرآن؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثمة تنبيهان على مصطلحين استعملا في السؤال:
أ. لفظ " مبشِّر ".
فالواجب استعمال كلمة " التنصير " بدلاً من كلمة " التبشير " , والمنصِّر بدلاً من " المبشِّر "، فالبشارة في استعمالها عندهم هي البشارة بالهداية، والجنَّة! , فهم على ذلك من دعاة الهدى، وهذا بخلاف الواقع، وإلا فهم من دعاة جهنم – والعياذ بالله -.
قال علماء اللجنة الدائمة:
وكان من أبرز أعداء هذا الدين: " النصارى الحاقدون "، الذين كانوا - ولا يزالون - يبذلون قصارى جهدهم، وغاية وسعهم، لمقاومة المد الإسلامي في أصقاع الدنيا، بل ومهاجمة الإسلام والمسلمين في عقر ديارهم، لا سيما في حالات الضعف التي تنتاب العالم الإسلامي، كحالته الراهنة اليوم، ومن المعلوم بداهة: أن الهدف من هذا الهجوم هو زعزعة عقيدة المسلمين، وتشكيكهم في دينهم؛ تمهيداً لإخراجهم من الإسلام، وإغرائهم باعتناق النصرانية، عبر ما يعرف خطأ بـ " التبشير "، وما هو إلا دعوة إلى الوثنية في النصرانية المحرَّفة، التي ما أنزل الله بها من سلطان، ونبي الله عيسى عليه السلام منها براء.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 306) .
ب. لفظة " الكتاب المقدَّس ".
فلا يجوز إطلاق " الكتاب المقدس " على الكتب التي بأيدي اليهود، والنصارى، الآن؛ لأن هذه الكتب - في الواقع - محرَّفة، كما لا يخفى عليكم , والقداسة، والتعظيم إنما هما لكلام الله تعالى، وكتبه المحفوظة، الخالية من التحريف، وهو ما لا ينطبق إلا على القرآن.
نسأل الله أن يجزيك خيراً، أن يبارك فيك، ويوفقك لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
ثانياً:
من المفيد أن يقابِل المسلمُ الدعوةَ إلى الكفر بالدعوة إلى الإسلام , والكلمة الباطلة بالكلمة الحق , بشرط أن يكون هذا المسلمُ متمكناً من الأمر الذي يدعو إليه , وعنده علم برد الشبَه التي يتوقع أن يثيرها الطرف المقابل , وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ " ضِمَاداً " قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ " أَزْدِ شَنُوءَةَ " وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّداً مَجْنُونٌ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ، قَالَ: فَلَقِيَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِى مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ فَهَلْ لَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ) قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ، قَالَ: فَقَالَ هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلاَمِ، قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَعَلَى قَوْمِكَ) قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي، قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلاَءِ شَيْئًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً، فَقَالَ: (رُدُّوهَا فَإِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمُ ضِمَادٍ) .
رواه مسلم (868) .
وأما إدارة الحوار، وكيف يكون أسلوب تعاملك معه، بالشدة أو باللين، فهذا يرجع إلى المصلحة، وإلى طبيعة الموقف، ومن المهم، بل من المؤكد في حقك ألا تقف موقف الدفاع، ولا تدع له الفرصة لأخذ زمام المبادرة، بل تكون أنت مالك الزمام، وتستطيع التخلص من الموقف برمته متى أحببت ذلك، ومن المهم أن يكون عندك مجموعة من الكتب التي تنتقد أصول دينه، ولا بأس أن تهديه بعضها.
ثالثاً:
لا يجوز إعطاء الكافر نسخة من القرآن العربي إذا غلب على الظن امتهانه له، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) .
رواه البخاري (2828) ومسلم (1869) .
قال النووي – رحمه الله -:
وفي الرواية الأخرى (مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ العَدُو) , وفى الرواية الأخرى: (فَإِنِّي لاَ آمَنُ أََنْ يَنَالَهُ العدو) , فيه: النهي عن المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار للعلة المذكورة في الحديث، وهى خوف أن ينالوه فينتهكوا حرمته، فإن أُمنت هذه العلة بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهرين عليهم: فلا كراهة , ولا منع منه حينئذ؛ لعدم العلة، هذا هو الصحيح , وبه قال أبو حنيفة، والبخاري، وآخرون.
" شرح مسلم " (13 / 13) .
وأما إعطاؤهم نسخة من ترجمة القرآن: فلا بأس؛ لأن الترجمة لا تعتبر قرآناً , وانظر جواب السؤال رقم: (10694) .
ويمكن الاستعاضة عن المصحف ببعض الكتب، والمنشورات، التي ترغب في الإسلام , وتبين حقيقته، وشرائعه.
وعلى ذلك: فلو قمتَ بنصحه، وطلبت منه القراءة عن الإسلام الصحيح، والتجرد عن الهوى والتعصب , ولو رافق ذلك إهداء لكتاب عن الإسلام، أو نسخة لترجمة معاني القرآن، أو لزيارة مركز إسلامي، أو غير ذلك: فهذا خير وبركة، إن شاء الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/131)
مسلمة عمرها 12 عاماً والدها ملحد وأمها نصرانية يسبَّان ربها ونبيَّها فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبلغ من العمر اثني عشر عاماً، وأعيش مع أب ملحد، وأم مسيحية، وقد اعتنقتُ الإسلام مؤخراً، إن والداي لم يرحبا باعتناقي الإسلام، والأسوأ من ذلك: أنهما منعاني من قراءة القرآن، ودخول المواقع الإسلامية، وإخبار الناس بإسلامي، ومقابلة المسلمين - سواء على النت، أو في الواقع -، ومنعوني ارتداء ثياب متواضعة، وأشياء أخرى كثيرة، والسبب: " فوبيا الإسلام " الغبية، وغير العقلانية، لقد حاولت أن أريهم كيف هو الإسلام في الحقيقة، ولكن ما من شيء أقوله، أو أفعله يغيِّر من رأيهم. في الواقع: إنهما يحاولان الآن أن يرياني كيف يحتقران الإسلام في كل كلمة، وكل فعل، من إلقاء النكات الغبية عن الإرهاب، وحتى سب الله والرسول صلى الله عليه وسلم بأقذع الألفاظ. إن المشكلة تزداد سوءاً؛ لأنه نظراً لأنني ما زلت صغيرة: فأنا لا استطيع القيام بأي شيء دون مساعدة والديَّ، فعلى سبيل المثال: لا تباع هنا الملابس الإسلامية؛ نظراً لوجود قلة من المسلمين، ومن ثم أضطر إلى شراء الحجاب من الإنترنت، وأحتاج إلى بطاقات الائتمان الخاصة بهما من أجل إتمام عملية الشراء، كما أنني أدرس في مدرسة مسيحية! وأحتاج إليهما لتغييرها، حيث إنني لا أستطيع القيام بذلك بنفسي، كما أنهما لا يتركاني أغادر البيت بمفردي، لذا فأنا أحتاج إليهما لكي يقوما بتوصيلي إلى المسجد، وهكذا، لذا فإن عدم موافقتهما تعني أيضاً عدم قدرتي على إتباع الدين بالكامل. كما أنهما يجبرانني على القيام بأشياء تخالف الإسلام، مثل: الذهاب إلى الكنيسة، والرقص، وارتداء ملابس تجعل ذراعي، وساقي، وشعري: عاريا جزئيّاً، أو تماماً. إنني قلقة بهذا الشأن، فالقرآن يأمرنا بطاعة الوالدين، واحترامهما، والإحسان إليهما، ولكنه لا يبدي أي تهاون عندما يتعلق الأمر بمن يكرهون الإسلام، وأنا لا أعلم ماذا أفعل، فإذا أطعت والديَّ: فسأقوم بالكثير من الأشياء التي تخالف الإسلام، وإذا قمت باحترامهما: فإنني بذلك أحترم من لا يحترمونني كمسلمة، وسأدعهما يقولان تلك الأشياء الرهيبة عن الإسلام، ولكني إذا لم أطعهما وأحترمهما فإنني بذلك أسلك مسلكا رهيباً من وجهة نظر الإسلام، وأنا أعتقد أن كِلا الفعلين خطأ، فما الذي يجب عليَّ فعله؟ . وبارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. نحن في غاية الفرح أن وصلتنا رسالتك، وفيها البشارة بدخولك في الإسلام، ونعتقد أن فرحتك بالانتساب لهذا الإسلام هي فرحة العمر؛ فإن أجل نعم الله على عبد من عبيده: أن يهديه ويشرح صدره للإسلام، فنسأل الله أن يتم عليك نعمة الإيمان والعافية، وأن يثبتك على ذلك إلى يوم لقاء رب العالمين.
2. وأفرحنا جدّاً حبُّكِ للإسلام، ورغبتك بالتمسك بشرائعه، ونرى أن هذا من فضل الله تعالى عليكِ، حيث إننا نشعر أنك قد تذوقت حلاوة الإيمان، في الوقت الذي حرم منها كثيرون ممن ينتسب إلى الإسلام في الاسم والصورة.
3. وآلمنا جدّاً ما عليه والداك من الكفر بالله تعالى، وآلمنا أكثر: سبُّهم لله تعالى، ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، مع أن الرب تعالى هو ربُّهم، وخالقهم، ورازقهم، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، الذي أخذ الله ميثاقه على كل نبي ـ وعلى أتباعه من باب أولى ـ أن يكون تابعا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إذا بعث محمد وهو حي. قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) سورة آل عمران/81-83.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من سمع به، ولم يتبعه، ولم يؤمن به: فقد حرم الله عليه الجنة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ: إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) . رواه مسلم (153) .
قال الإمام النووي رحمه الله:
" وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ) : أَيْ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا، فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى. "شرح مسلم". 4. إننا نقدر جدا صعوبة الظرف الذي أنت فيه، ونسأل الله جل جلاله، أن ييسر لك أمرك، وأن يجعل لك فرجا ومخرجا مما أنت فيه؛ لكن الأمر ـ رغم صعوبته ـ ليس لغزا محيرا؛ فأنت ـ أولا، وقبل كل شيء ـ مأمورة بطاعة الله جل جلاله فيما فرض عليك؛ فتفعلي ما أمرك به من العبادات، وتتركي ما نهاك عنه من المحرمات، وهذا فقط هو سبيل الهداية، قال الله تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) سورة النور/54.
وإذا كنت مأمورة بالإحسان إلى والديك وحسن صحبتهما، وإن كانا كافرين، فليس معنى ذلك أن تعصي ربك إرضاء لهما، أو أن تقدمي طاعتهما على طاعة الله تعالى، بل طاعة الله وطاعة رسوله مقدمة على كل شيء، وعلى طاعة كل أحد. قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) العنكبوت /8.
قال ابن كثير رحمه الله:
" يقول تعالى آمرا عباده بالإحسان إلى الوالدين، بعد الحث على التمسك بتوحيده، فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان ... ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما في مقابلة إحسانهما المتقدم، قال: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} أي: وإن حَرَصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين، فإياك وإياهما، لا تطعهما في ذلك، فإن مرجعكم إليَّ يوم القيامة، فأجزيك بإحسانك إليهما، وصبرك على دينك، وأحشرك مع الصالحين، لا في زمرة والديك، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا؛ فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع مَنْ أحب، أي: حبا دينيا؛ ولهذا قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (6/264-265) .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه أحمد (1089) وصححه الألباني.
وبناء على ذلك: فحين يتعارض أمر والديك لك بأي شيء، مع أمر الله ورسوله لك: فلا تطيعي أبويك، بل قدمي طاعة الله ورسوله، وليس ها هنا شيء من الخطأ.
لكن ذلك لا يعني سقوط كل حق لوالديك عليك، بل أمر الله تعالى بالإحسان إليهما، ومعاملتهما معاملة طيبة، رغم ذلك، قال الله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15.
ونعتقد أن ما قدمناه لك من بيان الموقف الشرعي من هذه المشكلة، هو حل كاف لها، من الناحية النظرية على الأقل.
5. لكن تبقى بعد ذلك الناحية العملية، وهي الجانب الأصعب في مشكلتك، نظرا لظروفك المحيطة بك، وصغر سنك الذي لا يمكنك من الاستقلال بنفسك، وتطبيق ما ترينه صحيحا؛ فاعلمي – أختنا – أن الله تعالى لا يكلفك فوق ما تستطيعين وتقدرين، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/ من الآية 286، وقال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) الطلاق/ من الآية 7، وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/ من الآية 16، وقال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) .
رواه البخاري (6858) ومسلم (1337) ، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجه (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
6. وحينئذ؛ فالواجب عليك أن تجتهدي في عمل كل ما تسطيعينه من الواجبات الشرعية، وترك كل ما تقدرين على تركه من المحرمات، وأن تبادري إلى ذلك بقدر إمكانك؛ فإن منعوك من الصلاة أمامهم: فصلي من ورائهم، وإن منعوك من ارتداء الحجاب الكامل، أو لم تتمكني من الحصول على الملابس الإسلامية: فاجعلي ملابسك أقرب ما يمكنك إلى الملابس الإسلامي، ولو أن تتعلمي أنت أن تصنعي لنفسك شيئا من ذلك، أو قريبا منه. وإذا طلبوا منك أن تذهبي للكنيسة: فتعللي بأي شيء، وتهربي من ذلك قدر الإمكان، واخترعي الأعذار التي تعفيك من ذلك، وليس كل النصارى في الغرب، ولا في الشرق، يذهبون إلى الكنيسة، بل الأقل منهم من يفعلون ذلك.
وهكذا: حاولي أن تتهربي من حفلات الرقص والغناء، وما يأمرانك به مما فيه معصية، بأي عذر تخترعينه لذلك، فإن أجبرت على حضور الحفل، فاهربي من ممارسة الرقص، خاصة إذا كان مع الرجال، أو في حضورهم، وأظهري المرض، أو نحو ذلك مما يعفيك منه.
وما يجبرانك عليه من محرمات فافعلي منها الحد الأدنى، فاجعلي اللباس أستر ما يكون، ولا تسهري في مناسبتهم الحفلة كاملة، وهكذا في سائر المحرمات.
وبصفة عامة: اجتهدي في أن تفعلي ما تستطيعينه من شعائر الإسلام، وأن تتركي ما تقدرين على تركه، فإن أكرهوك على شيء من ذلك، فاجعلي تصرفاتك من الخارج فقط، واجعلي قلبك دائم الصلة بالله، والذكر له، إلى أن ييسر الله لك فرجا مما أنت فيه، وأبشري فإن الفرج قريب، وإن مع العسر يسرا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) سورة الطلاق/2-3.
7. وننصحك بالتواصل مع الأخوات المسلمات، سواء بالمواجهة، أو عن طريق الإنترنت، وكما ننصحك بالتواصل مع المواقع الإسلامية النافعة لك في دينك، والتي تستفيدين منها لتقوية إيمانك، وتزدادين بها علماً، وإذا أمكنك التواصل مع أحد المراكز الإسلامية القريبة منك: فسوف يكون في ذلك خير كثير، إن شاء الله، ولعلهم ـ بحكم خبرتهم بالمكان، وتعرضهم لكثير من هذه المشكلات ـ أن يكون عندهم من الحلول والمساعدات العملية أكثر مما اقترحناه عليك.
8. واعلمي – أختنا – أن من سبقك بالإسلام قد عاش طائفة منهم في ظروف قاسية، حيث تعذيب الأبوين، وضربهم، ومنعهم من حقوقهم الإنسانية، وقد صبروا على ما أوذوا، واحتملوا ما أصابهم في سبيل الله، حتى جاءهم نصر الله، فنجاهم الله مما كانوا فيه، وانقلبوا بنعمة من الله وفضل، وكانوا من الفائزين، فلا تيأسي مما أصابك، ولا تحزني على حالك، فأنت في رعاية الله، وتحت سمعه وبصره، واثبتي على ما أنتِ عليه من الهدى والحق، كما صبر من قبلك، واعلمي أن هذا اختبار من الله تعالى ليرى صدق إيمانك، فيجازيك عليه خير الجزاء، في الدنيا، والآخرة، وعسى الله أن يجعل نصره وتأييده لك عاجلاً غير آجل.
9. والداك بحاجة لك لإنقاذهما من نار جهنم، ومن سخط الله، فنوصيك بإظهار خير صورة للمسلمة المستقيمة، بحسن التصرف معهما، وبرهما، والتلطف في مخاطبتهما، والعناية بطعامهما وشرابهما، والقيام على خدمتهما، فلعلهما أن يراجعا نفسيهما، ويخففا عنك الضغط، أو يتركانه، كما نوصيك بصدق الدعاء والطلب من الله أن يهديهما للإسلام، وأن يميتهما على الإيمان، وما ذلك على الله بعزيز، واسمعي لهذه القصة:
روى مسلم (2491) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ) فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتْ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْشِرْ، قَدْ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْراً.
10. ولا ننصحك بالهرب من البيت، والخروج منه؛ فإن مفاسد ذلك أكثر من بقائك فيه، وإن من قد يؤويك فإنه يعرِّض نفسك لأقسى العقوبات في قوانين بلادكم الجائرة، فليس أمامنا من نصح لك إلا الصبر، وقطع التفكير في الهروب من البيت.
ونسأل الله العلي القدير أن يثبتك على الهدى والرشاد، وأن يعافيك في دينك وبدنك، وأن يهدي أبويك للإسلام، وأن يقر عينيك بهما مؤمنين صالحين، في الدنيا، والآخرة.
ونرجو منك أن تبقي على تواصل معنا، ونحن أهلك، وإخوانك، ولعل الله أن يرزقك من دعوات إخوانك الذي يطالعون قصتك: ما ينفعك الله به، ويفرج عنك كربك ببركته.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/132)
هل يجوز لهم السماح للكفار بالاحتفال بأعيادهم في ساحة المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دخول غير المسلمين لساحة المسجد، حيث إن بالمسجد ساحة خارجة عن المسجد المعد للصلاة , وهذه الساحة تابعة للمسجد، إذ إن هناك باباً موحداً بينهما , وهذه الساحة مجهزة بكراسي، وطاولات، يتم استغلالها عند الحاجة. ودخول غير المسلمين لها يكون موسميّاً، عندما يكون لهم تجمعات بسبب أحد أعيادهم، فيتم استغلال هذا التواجد لهم , ويتم تجهيز أطباق للغداء , ويتم تقديمها في هذه الساحة , ومدخول هذا اليوم يذهب لخزانة المسجد، لتجهيزه، وما شابه. وما حكم هذا العمل؟ وهل يعتبر بمثابة مشاركتهم في عيدهم؟ مع أن نيتنا تكون مخالفة بحيث يكون هدفنا هو جمع مبالغ من المال لصالح المسجد ونيتنا - إن شاء الله - هذا العام ستكون أسمى بحيث نود استغلال تواجدهم، وتعريفهم بالإسلام. وهل في دخولهم لهذه الساحة حرج مع العلم أن إقامتي في أحد البلدان الغربية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كانت هذه الساحة عند إنشائها قد نويتم أنها ليست جزءاً من المسجد، بل هي للاحتفالات أو الاجتماعات والندوات، فلا تأخذ حكم المسجد، فيجوز للكافر دخولها.
أما إذا كانت هذه الساحة أعدت على أنها جزء من المسجد، يستفاد منها في هذه الاحتفالات، والصلاة عند الحاجة إليها، فهي جزء من المسجد، فلها حكم المسجد.
وكذلك يكون لها حكم المسجد إذا لم تنوا عند إنشائها شيئاً معيناً، وكانت داخلة في بناء المسجد، أو كان هناك سور يحيط بها وبالمسجد.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"ما كان داخل سور المسجد: فهو من المسجد، وله حكم المسجد، فرحبة المسجد: من المسجد، ومكتبة المسجد: من المسجد، إذا كان كلٌّ منهما داخل سور المسجد" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (5 / 234) .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (103136) .
ودخول الكافر إلى المسجد لا يجوز إلا إذا كان هناك حاجة أو مصلحة من دخوله، كما لو دخل لسماع محاضرة، أو شرب الماء ونحو ذلك، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (2192) و (9444) .
وإذا كان الكافر سيدخل المسجد مرتكباً بعض المنكرات كالاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء، أو دخول النساء المتبرجات فلا ينبغي التوقف في تحريم هذا.
فإذا كانت هذه الساحة لها حكم المسجد فلا يجوز دخول الكفار إليها للاحتفال بعيدهم، لأنه ليس في ذلك مصلحة شرعية.
ولا يجوز تأجيرها لهم، أو لغيرهم، لأن المسجد لا يُبنى لذلك، وإنما يبنى لذكر الله وإقامة الصلاة. وهذا سبب ثانٍ لمنع تأجير المكان لهؤلاء.
وقد سئل ابن القاسم رحمه الله: أرأيت إن بنى رجل مسجداً، فأكراه (يعني: أجَّره) ممن يصلي فيه؟ قال: لا يصلح هذا في رأيي، لأن المساجد لا تبنى للكراء.
المدونة (3/434) .
ثانياً:
هناك سبب ثالث يقتضي منع هؤلاء من الدخول إلى هذه الساحة ـ سواء كانت من المسجد أم لا ـ وهو أن دخولهم إنما هو للاحتفال بعيدهم، وأعياد المشركين أعياد باطلة، لا يجوز للمسلم أن يشاركهم فيها، ولا أن يعينهم عليها، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وروى البيهقي (19334) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (اجتنبوا أعداء الله في عيدهم) .
وقد فَسَّر بعض السلف قوله تعالى في صفات عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) الفرقان/72، قالوا: هي أعياد المشركين.
وانظر تفسير ابن كثير (3/435) .
ولا شك أن أعياد المشركين من الزور والباطل الذي أمرنا بعدم حضوره، فالآية عامة في عدم شهود الزور الذي يشمل كل قول أو فعل محرم، ومنه: أعياد المشركين.
"تفسير السعدي" ص 686.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (11427) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/133)
كاثوليكية تكره زوجها وتريد طلاقه والزواج من مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الأعزاء أنا امرأة كاثوليكية متزوجة منذ سنوات عديدة ولدى فتاتان يافعتان ولم أعد أحب زوجي منذ 5 سنوات لكني لم أفكر مطلقاً في الطلاق لأن ديني لا يجيزه. وفي العام الماضي فقدت السيطرة على نفسي وأنشأت علاقة حرام مع فتى مسلم صغير وقد جعلني أوقع على ورقة زواج عرفي لكي يقوم فقط باستئجار شقة لنا ثم أتلفها عندما علمت أسرته بأمرنا وقد استمرت علاقتنا لأسبوع واحد وقد تبت مما حدث، وهو أيضا، وهو الآن قام بخطبة فتاة مسلمة. وقد التقيت الشهر الماضي برجل مسلم فاضل وهو متزوج ولديه طفلان ونحن نعمل أحياناً معاً وعلى علاقة صداقة طيبة ومقربين بشدة من بعضنا لكننا لم نقترف أية محرمات, ولدى بعض الأسئلة: 1- هل ما يزال زواجي العرفي الأول سارياً؟ وقد عقدناه بشاهدين ومحامي، لكنى لم أكن أعرف أنه زواج حقيقي وكنت ما زلت متزوجة. 2- أريد الآن أن أتطلق من زوجي فأنا لم أعد أحبه ولم أعد أستطيع الاستمرار في الكذب عليه وعلى بناتي. 3- إذا تم طلاقي فهل يجوز لي أن أتزوج صديقي المسلم الفاضل زواجاً إسلامياً وأكون زوجته الثانية؟ وكم هي مدة العدة؟ 4- وقد أخبرني أنه لا يستطيع أن يتزوجني لأن زوجته الأولى توعدته بالطلاق وبأن تأخذ أطفاله بعيداً عنه إذا تزوج ثانية، فهل يجوز لها القيام بذلك؟ وأنا لا أريد أن أتسبب في إيذاء أحد فهو يعيش الآن بعيداً عن أسرته ولا يذهب لزيارتهم إلا لبعض الوقت وأنا لا أريد منه مالاً ولا أريده أن يخسر أسرته، ولن أسيء في حق زوجته الأولى، ولا أغار منها وسأعيش ببلده كزوجة ثانية وآتي أحيانا إلى بلدي لرؤية بناتي. وسأكون شاكرة للغاية إذا ساعدتموني في إيجاد حل لهذا الموقف المعقد، وبارك الله فيكم، وفى جميع أصحاب النوايا الحسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك ثقتك بالإسلام والاستفتاء عن أحكامه , ونتمنى أن تتوج هذه الثقة باختيارك للإسلام ديناً تعبدين الله وفق ما فيه , وقد لمسنا في كلامك أنك على جانب كبير من حسن الخلق، ونرجو أن تتوجي ذلك أيضاً بإحسان الخلق مع الله، وذلك بعبادته وحده لا شريك له، بالدين الذي ارتضاه، وأكمله، وحفظه من الزيادة والنقصان والتغيير والتبديل.
ثانياً:
الزواج العرفي الذي ربطك بهذا الشاب زواج باطل، لأنك متزوجة , والمتزوجة لا يصح نكاحها.
وقد ذكر الله تعالى المحرمات من النساء فقال: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ... وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ) يعني: المتزوجات.
ونعجب من هذا المسلم الجاهل بدينه إلى هذا الحد، فهذا الزواج لا قيمة له، ووجوده كعدمه، وهو باطل من يوم ما عقد.
وعلى هذا، فلست زوجة لهذا الشاب.
ثالثاً:
يجوز للمرأة في ديننا أن تطلب الطلاق من زوجها الذي تكرهه، ولا يمكنها الاستمرار في الحياة معه، وسيؤدي استمرارها معه إلى تقصيرها في أداء حقه، وكثرة المنازعات والخصومات. فإن لم يطلق فلها مخرج آخر وهو ما يسمى في ديننا بـ "الخلع"، فترد إليه المهر الذي كان دفعه لها ثم يؤمر بطلاقها، وذلك دفعاً للضرر الواقع عليها بسبب الحياة مع من تكره.
وهذا الحكم هو من محاسن شريعتنا، وكثيراً ما تعرضت شريعتنا للطعن فيها بسبب مشروعية الطلاق، مع أن العقل والواقع يثبتان أن ذلك من محاسنها.
ففي بعض الأحيان يكون الطلاق هو الحل الأمثل لقطع خصومات وعداوات لم تفلح معها محاولات الصلح المتكررة.
وكما جعل شرعنا للرجل المخرج من ذلك وهو "الطلاق" جعل للمرأة مخرجاً أيضاً، وهو "الخلع".
فنأمل أن تتأملي في محاسن ذلك، وتأملي في وضعك أنت الآن وأنت مجبرة على العيش مع من تكرهين، أي الحكمين أقرب إلى الحكمة وإلى العقل؟
ونأمل أن يقودك ذلك إلى مزيد من البحث عن الإسلام، حتى تقفي على مزاياه، وعلى أنه هو الدين الحق، فينشرح صدرك للدخول فيه.
رابعاً:
إذا تم طلاقك من زوجك فلا مانع من أن تتزوجي ذلك المسلم أو غيره، ولكن بشرط أن يكون ذلك بعد انقضاء العدة.
وعدتك هي ثلاث حيضات من أول وقوع الطلاق، إن كنت تحيضين، أو وضع الحمل إن كنت حاملاً.
وننبه إلى أن الزواج في فترة العدة زواج باطل في شرعنا، ولا يصح.
خامساً:
لا يجوز للزوجة أن تمنع زوجها من الزواج بثانية أو ثالثة أو رابعة، فقد أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج بأربعة نساء، وقد (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا) رواه البخاري (2727) ومسلم (1413) .
أي: إذا أراد الزواج بثانية، فلا يجوز لهذه الثانية أن تشترط عليه أن يطلق الأولى، لما في ذلك من الاعتداء على أختها.
وكذلك أيضاً لا يجوز للزوجة الأولى أن تطلب طلاق الثانية، أو تمنع زواجها من الأصل.
هذا هو حكم شرعنا في هذه المسألة، غير أن كثيراً من الناس لجهلهم، أو لقلة تعظيمهم لأحكام دينهم يخالفون هذا الحكم، نسأل الله لهم الهداية.
ونسأل الله تعالى أن يفرج عنك همك، وأن يهديك ويوفقك إلى ما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/134)
الواجب على المسلم تجاه غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الواجب على المسلم تجاه غير المسلم، سواء كان ذمياً في بلاد المسلمين، أو كان في بلاده، والمسلم يسكن في بلاد ذلك الشخص غير المسلم، والواجب الذي أريد توضيحه هو المعاملات بكل أنواعها، ابتداء من إلقاء السلام، وانتهاءً بالاحتفال مع غير المسلم في أعياده؟ وهل يجوز اتخاذه صديق عمل فقط؟ أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إن واجب المسلم بالنسبة إلى غير المسلم أمور متعددة:
أولاً: الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، أن يدعوه إلى الله، ويبين له حقيقة الإسلام حيث أمكنه ذلك، وحيث كانت لديه البصيرة، لأن هذا أعظم إحسان وأكبر إحسان يهديه إلى مواطنه وإلى من اجتمع به من اليهود والنصارى أو غيرهم من المشركين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) ، وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر وأمره أن يدعو اليهود إلى الإسلام قال: (وَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) .
فدعوته إلى الله وتبليغه الإسلام ونصيحته في ذلك، هذا من أهم المهمات ومن أفضل القربات.
ثانياً: لا يظلمه، لا في نفس، ولا في مال، ولا في عرض، إذا كان ذمياً أو مستأمناً أو معاهداً فإنه يؤدي إليه حقه، فلا يظلمه في ماله لا بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالغش، ولا يظلمه في بدنه بالضرب ولا بالقتل، لأن كونه معاهداً أو ذمياً في البلد أو مستأمناً هذا كله يعصمه.
ثالثاً: لا مانع من معاملته في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك، فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه اشترى من الكفار عباد الأوثان، واشترى من اليهود وهذه معاملة، وتوفي عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله عليه الصلاة والسلام.
رابعاً: في السلام لا يبدؤه بالسلام، ولكن يرد، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ) ، فالمسلم لا يبدأ الكافر، ولكن متى بدأ فسلم عليك اليهودي أو النصراني أو غيرهما تقول: وعليكم، كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام.
هذا من الحقوق المتعلقة بين المسلم والكافر.
ومن ذلك أيضاً: حسن الجوار، إذا كان جاراً تحسن إليه ولا تؤذيه في جواره، وتتصدق عليه إذا كان فقيراً، وتهدي إليه، وتنصح له فيما ينفعه، لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام، ودخوله في الإسلام.
ولأن الجار له حق؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ) متفق على صحته، وإذا كان الجار كافراً كان له حق الجوار، وإذا كان قريباً وهو كافر له حقان: حق الجوار، حق القرابة.
ومن حق الجار أن يتصدق عليه إن كان فقيراً من غير الزكاة، لقوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8، وفي الحديث الصحيح عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن أمها دخلت عليها وهي مشركة في الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة تريد المساعدة، فاستأذنت أسماءُ النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هل تصلها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صليها) .
أما بالنسبة لاحتفالاتهم بأعيادهم فالمسلم لا يشاركهم في احتفالاتهم بأعيادهم، لكن لا بأس أن يعزيهم في ميتهم ويقول لهم: جبر الله مصيبتكم، أو أحسن لك الخلف في خير، أو ما أشبه ذلك من الكلام الطيب، ولا يقول: غفر الله له، ولا رحمه الله إذا كان الميت كافراً، فلا يدعو للميت إذا كان كافراً، ولكن للحي بالهداية والعوض الصالح ونحو ذلك " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/289 – 291) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/135)
اعتراض من ملحد على مسائل العَوْل في المواريث
[السُّؤَالُ]
ـ[عُرض علي هذا السؤال من أحد الملاحدة وقال فيه إن هناك أخطاء حسابية في القرآن -تعالى الله سبحانه- إذا مات أحدهم وكان الورثة 3 بنات ووالديه وزوجته، نصيب الـ 3 بنات = ثلثا التركة استناداً لقوله: (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) .. ونصيب والديه= السدس + السدس = ثلث التركة (ولأبويه كل واحد منهما السدس مما ترك) .. نصيب زوجته= ثمن التركة (فلهن الثمن مما تركتم) .. مجموع الحصص = الثلثين للبنات + الثلث للوالدين + الثمن للزوجة = 1.125 ... أي لو ترك المتوفي 1000 دينار لاحتاج القاضي لـ 1125 دينار ليوزعها عليهم حسب القرآن.. هذا ما قاله لي ذلك الملحد نقلته نصاً لكم، أرجو الإجابة عن ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الإشكال الذي أثاره ذلك الملحد ليس بمشكل في الواقع، وقد أجاب عليه العلماء.
وليس هذا الإشكال خاصاً بالمسألة التي ذكرها، بل له أمثله كثيرة، ويسمي العلماء هذا النوع من المسائل بـ "العَوْل" ومعناه عند علماء المواريث: زيادة فروض الورثة عن التركة.
وطريقة حل هذا النوع من المسائل: أن ينقص نصيب كل واحد من الورثة بمقدار ما حصل به العول في المسألة، وذلك هو العدل، حتى لا ينقص واحد من الورثة دون الباقي.
ولم تقع مسألة فيها عَوْل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبي بكر رضي الله عنه، وإنما وقعت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهو أول من حكم به حين رفعت إليه مسألة: زوج وأختين (شقيقتين أو لأب) ، فقال: فرض الله للزوج النصف، وللأختين الثلثين، فإن بدأت بالزوج لم يبق للأختين حقهما، وإن بدأت بالأختين لم يبق للزوج حقه، فاستشار الصحابة في ذلك، فأشاروا عليه بالعَوْل، وقاسوا ذلك على الديون إذا كانت أكثر من التركة، فإن التركة تقسم عليها بالحصص، ويدخل النقص على الجميع.
وانقضى زمن عمر رضي الله عنه على ذلك، ثم أظهر عبد الله بن عباس خلافاً في المسألة، فكان لا يقول بالعول ... ثم انقرض هذا الخلاف، ورجع جميع العلماء إلى ما قضى به عمر وجمهور الصحابة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني":
"ولا نعلم اليوم قائلاً بمذهب ابن عباس رضي الله عنهما، ولا نعلم خلافاً بين فقهاء العصر في القول بالعول، بحمد الله" انتهى.
انظر: "التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية" للشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله ص 161 – 166.
وعلى هذا، فطريقة حل المسألة التي ذكرها ذلك الملحد:
الزوجة لها الثمن، والبنات لهن الثلثان، والأب له السدس، والأم لها السدس.
وحتى يتم توزيع التركة على الورثة تقسم التركة إلى 24 جزءاً متساوية وهو ما يسميه العلماء بـ "أصل المسألة" وهو أقل عدد تخرج منه فروض المسألة بلا كسر، وهو شبيه بعملية "توحيد المقامات" عند جمع الكسور الاعتيادية مختلفة المقامات، مثل: نصف وثلث.
وإذا أخرجنا سهام كل وارث في المسألة، فللزوجة الثمن: 3، ولكل من الأب والأم السدس: 4، وللبنات الثلثان 16، ومجموع هذه السهام 27 أكثر من أصلها وهو 24 وهذا هو "العَوْل"، وهو الاعتراض الذي اعترض به ذلك الملحد.
فلا يمكن أن يعطى كل وارث سهمه كاملاً لأن التركة لن تكفي، وحينئذ، فالعدل: أن ينقص نصيب كل وارث بمقدار ما حصل في المسألة من العول، فبدلاً من تقسيم التركة إلى 24 جزءاً متساوية، يتم تقسيمها إلى 27 جزءاً متساوياً، وهو مجموع سهام الورثة.
فيكون التقسيم النهائي للمسألة:
للزوجة: 3 أسهم من 27، بدلاً من 24، فصار الثُمْن الذي تستحقه تُسْعاً بسبب العول.
ولكل واحد من الأبوين 4 أسهم من 27، بدلا من 24.
وللبنات 16 سهماً من 27، بدلا من 24.
فنجد أن النقص دخل على سهام جميع الورثة، وبهذا يتحقق العدل، وينتهي الإشكال الذي ذكره ذلك الملحد.
وننا لننتهز الفرصة وندعو ذلك الشخص إلى مراجعة نفسه، والتأمل فيما هو عليه من دين، ومقارنته بالإسلام، فلن يجد أعدل ولا أحسن من الإسلام، فهو دين الله المحفوظ من التحريف والتبديل، وليعد النظر في تشريعات الإسلام، ومنها هذا النوع من مسائل المواريث: "العَوْل"، فلن يجد في الأديان المنسوبة إلى السماء، أو المذاهب الأرضية أعدل وأحسن من ذلك.
وليبادر إلى الدخول في هذا الدين، ليكون من الناجين من عذاب الله وسخطه، وليفوز فوزاً لا خسارة بعده.
نسأل الله له الهداية والتوفيق
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/136)
ما هي الأوصاف التي يُنادى بها على الكافر؟ وهل يجوز قول "أخي" و "سيدي"؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن طلاب ندرس في جامعة في أمريكا , ونعمل برامج دعوية لغير المسلمين للدعوة إلى الله، بعض الأحيان نستعمل بعض الطرق التي لا ندري عن صحتها مثل: "البرامج المختلطة بين الرجال والنساء " بحكم العادات، والتقاليد هنا في أمريكا، وبعض الأحيان نستعمل ألفاظ مثل "سيدي"، أو "صديقي"، أو "أخي"، وكلمة "أخي" تعتبر دارجة بين أوساط الشباب. أفتونا - مأجورين - في حكمها، ونرجو أن ترشدونا في كيفية التعامل مع غير المسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الدراسة المختلطة بين الرجال والنساء فيها مفاسد كثيرة، ولها آثار سيئة على كلا الجنسين، فإذا كانت هذه الدراسة المختلطة في بلد غربي: ازداد الأمر سوءً، وعظمت المفاسد.
وفي حكم الدراسة المختلطة: ينظر جواب السؤال رقم: (110267) .
وفي حكم الإقامة في البلاد غير المسلمة وبيان شروط ذلك ينظر جواب السؤال رقم: (27211) .
وفي الوقت الذي ننكر الدراسات المختلطة، لا سيما في مثل تلك الدول غير المسلمة: نشجع الطلبة على الالتزام ببرامج إيمانية فيها تزكية لنفوسهم؛ تعويضاً عما ينقص بالمشاهدات المحرَّمة، التي تضعف الإيمان، ونشجع على الالتزام ببرامج دعوية؛ استثماراً لوجودهم في هذه البلاد، لدعوة أهلها إلى الإسلام، وهي فرصة قد لا تتكرر.
فنرجو الله أن يوفقكم في مسعاكم، ونسأله أن يعظم لكم الأجور، ومن الجيد أن يكون لكم اتصال مع أهل العلم، ومواقع الفتوى، للسؤال عما يشكل عليكم.
ونحن يفرحنا وجود ترتيب لجهودكم في الدعوة إلى الله، وتنظيم لعملكم ذاك، ونرى أن الدعوة إلى الله في مثل تلك البلاد تحتاج لعقلاء، وحكماء، ومبدعين، لإيصال رسالة الإسلام لأكبر قدر ممكن من المدرسين، والطلبة، مع التنبيه أن يحاط ذلك كله بالالتزام بأحكام الشرع.
ثانياً
وجواباً على أسئلتكم تحديداُ نقول:
1- لا يجوز عمل برامج دعوية فيها اختلاط نساء برجال، ونرى أن التزامكم بالشرع في هذا الباب واجب عليكم؛ استجابة لأوامر الشرع في تحريم الاختلاط، ودفعاً للفتن المترتبة على ذلك.
وهذا إذا كنتم أنتم من يقيم ذلك المعرض، أو البرنامج.
وأما أن يكون قائماً من قبَل الجامعة، ويكون منكم استثمار له، بوجود زاوية أو فقرة تعرضون فيها مواد سمعية، ومرئية، ونصية، عن الإسلام: فلا نرى في ذلك بأساً، بشرط لا تشاركوا القائمين على هذا العمل في شيء من الأعمال المحرمة.
2- لا يجوز لكم استعمال الألفاظ الشرعية الخاصة بالمسلمين، كلفظ " أخي "، ولا الألفاظ التي فيها إظهار المودة المنهي عن وجودها عند المسلم تجاه غير المسلم، كلفظ " صديقي "، ولا الألفاظ التي نهينا عن مخاطبة الكفار بها، كلفظ " سيِّد ".
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عن حكم قول: " أخي " لغير المسلم؟ وكذلك قول: " صديق " و " رفيق "؟ وحكم الضحك إلى الكفار لطلب المودة؟ .
فأجاب:
أما قول: " يا أخي " لغير المسلم: فهذا حرام، ولا يجوز، إلا أن يكون أخاً له من النسب، أو الرضاع؛ وذلك لأنه إذا انتفت أخوة النسب والرضاع: لم يبق إلا أخوَّة الدين، والكافر ليس أخاً للمؤمن في دينه، وتذكر قول نبي الله تعالى نوح: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) .
وأما قول: "صديق "، " رفيق "، ونحوهما: فإذا كانت كلمة عابرة يقصد بها نداء من جهل اسمه منهم: فهذا لا بأس به، وإن قصد بها معناها تودداً وتقربّاً منهم: فقد قال الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) ، فكل كلمات التلطف التي يقصد بها الموادة: لا يجوز للمؤمن أن يخاطب بها أحداً من الكفار.
وكذلك الضحك إليهم لطلب الموادة بيننا وبينهم: لا يجوز، كما علمت من الآية الكريمة" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (3 / 42، 43) .
وانظر جواب السؤال رقم: (118343) تجد فتاوى أخرى في الموضوع.
وفي جواز معاملة الكفار بالرفق، واللين؛ طمعاً في إسلامهم: انظر جوابي السؤالين:
(59879) و (41631) .
3- وأما النهي عن قول "سيد"، أو "سيدي" لأحدٍ من الكفار: فقد جاء ذلك في نص صحيح.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ) .
رواه أبو داود (4977) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وإذا كان هذا الحكم في المنافق فالكافر مثله، وقد جعل النووي رحمه الله هذا الحكم شاملاً للفاسق، والظالم، والمبتدع، فقد بوَّب في كتابه "رياض الصالحين"، فقال: "باب النهي عن مخاطبة الفاسق والمبتدع ونحوهما بـ "سيِّد"، ونحوه ".
وقال ابن القيم رحمه الله تحت فصل "خطاب الكتابي بسيدي ومولاي":
"وأما أن يُخاطب بـ "سيدنا"، و "مولانا"، ونحو ذلك: فحرام قطعاً، وفي الحديث المرفوع: (لا تقولوا للمنافق: سيدنا، فإن يكن سيدكم فقد أغضبتم ربكم) " انتهى.
" أحكام أهل الذمة " (3 / 1322) .
وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله:
"ولا يجوز وصف أعداء الله تعالى بصفات الإجلال والتعظيم كالسيد، والعبقري، والسامي ونحو ذلك، لما رواه أبو داود والنسائي والبخاري في الأدب المفرد عن بريدة رضي الله عنه ... .
وقد قلَّت المبالاة بشأن هذا الحديث الشريف، حتى صار إطلاق اسم " السيد " ونحوه على كبراء الكفار، والمنافقين، مألوفاً عند كثير من المسلمين في هذه الأزمان، ومثل السيد " المستر " باللغة الإفرنجية، وأشد الناس مخالفة لهذا الحديث: أهل الإذاعات؛ لأنهم يجعلون كل مَن يستمع إلى إذاعاتهم من أصناف الكفار، والمنافقين، سادة، وسواء عندهم في ذلك الكبير، والصغير، والشريف، والوضيع، والذكر، والأنثى، بل الإناث هن المقدمات عندهم في المخاطبة بالسيادة، وفي الكثير من الأمور خلافاً لما شرعه الله من تأخيرهن.
وبعض أهل الأمصار يسمُّون جميع نسائهم: " سيدات "، وسواء عندهم في ذلك المسلمة، والكافرة، والمنافقة، والصالحة، والطالحة.
ويلي أهل الإذاعات في شدة المخالفة لحديث بريدة رضي الله عنه: أهل الجرائد، والمجلات، وما شابهها من الكتب العصرية؛ لأنهم لا يرون بموالاة أعداء الله، وموادتهم، وتعظيمهم بأساً، ولا يرون للحب في الله، والبغض في الله، والموالاة فيه، والمعاداة فيه: قدراً، وشأناً.
" تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران " (ص 20، 21) ترقيم الشاملة.
ولا حرج من مناداة الكفار بأسمائهم أو "القرابة" – كما في قوله صلى الله عليه وسلم لعمِّه أبي طالب "يَا عَمُّ" -، أو "المسمَّى الوظيفي" – كـ "رئيس الجامعة"، أو "عميد الكلية"، كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم هرقل ب " عظيم الروم " -، وغيرها من الأوصاف المباح مناداته بها.
ثم ينبغي التنبيه إلى أن هذه الأحكام التي قررناها هي الأصل الذي يطالب به المسلم، ولكن قد يختلف الأمر باختلاف المصلحة المترتبة على مناداة الكافر بما قد يفهم منه تعظيمه، أو المفسدة المترتبة على عدم ذلك، فقد يكون الشخص قريباً جداً من الإسلام فمثل هذا لا بأس بتأليفه على الإسلام ويتسامح في حقه ما لا يتسامح في حق من عرف بالغلظة والشدة على المسلمين.
وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله:
"ومدار هذا الباب وغيره مما تقدم على المصلحة الراجحة، فإن كان في كنيته وتمكينه من اللباس وترك الغيار [يعني: عدم تغير أسمائهم ولباسهم إذا تسموا بأسماء المسلمين ولبسوا لباسهم] والسلام عليه أيضاً ونحو ذلك تأليفاً له ورجاء إسلامه وإسلام غيره كان فعله أولى، كما يعطيه من مال الله لتألفه على الإسلام، فتألفه بذلك أولى.
وقد ذكر وكيع عن ابن عباس أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب: سلام عليك.
ومَن تأمَّل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تأليفهم الناس على الإسلام بكل طريق: تبيَّن له حقيقة الأمر، وعلِم أن كثيراً مِن هذه الأحكام التي ذكرناها - من الغيار، وغيره - تختلف باختلاف الزمان، والمكان، والعجز، والقدرة، والمصلحة، والمفسدة.
ولهذا لم يغيرهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر رضي الله عنه، وغيرهم عمر رضي الله عنه.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال لأسقف نجران: أسلم أبا الحارث، تأليفاً له واستدعاء لإسلامه، ولا تعظيماً له وتوقيراً" انتهى.
"أحكام أهل الذمة" (2/524) .
والمناداة بالكنية، مثل: (أبا الحارث) فيها نوع توقير عند العرب، ففعله النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا النصراني تأليفا له على الإسلام.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/137)
هل له أن يشجع علاقة بين مسلم وكافرة حفظاً لها من الشر ودعوةً لها للخير؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة غير مسلمة، لها صديق مسلم، وأود أن تعتنق الإسلام، وعلى الرغم من أن مسألة الصداقة بين الرجل والمرأة مرفوضة إلا أني أشجعهما على البقاء مع بعض لسببين: الأول: أن هناك شابّاً آخر غير مسلم، وهو شاذ، يريد أن ينصب لها فخّاً، ويوقعها في شباكه، وأنا لا أحب أن تقع في شرَكه، والسبب الثاني: أن هذا الشاب المسلم قد يستطيع مع مرور الأيام أن يؤثر عليها فتُسلم، فما العمل لكي تبتعد عن ذلك الشاب غير المسلم؟ وما هي الطريقة الأنسب لدعوتها إلى الإسلام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحن وإن كنا نقدر لك حرصك على الخير، وقصدك لما فيه نفع تلك المرأة: لكننا نرى أنك لم توفق للصواب في تشجيعك الصداقة بينها وبين ذلك المسلم؛ وكم من مريد للخير لا يصيبه، والواجب أن يكون الحكم الشرعي هو منطلقنا في أفعالنا، ولا أن نحكم عواطفنا المخالفة لشرع شرع الله.
فأنت تعلم أن العلاقة المحرمة بين الرجل والمرأة يعتريها كثير من المخالفات، وقد تؤدي إلى الوقوع في كبائر الذنوب، فكيف يمكن لمثل هذه العلاقة أن تكون سبباً في حصول الخير لأصحابها؟
فالعلاقة بين النساء والرجال خارج نطاق الزواج الشرعي حكمها التحريم.
وأيضاً: خوفك على هذه المرأة يعارضه تعريض أخيك المسلم للفتنة، فتكون هذه المرأة سبباً لفتنة أخيك، فتجره إلى الموبقات والفواحش.
فأنت الآن ترتكب أمراً محرماً لمجرد توقع حصول مصلحة، قد تحصل وقد لا تحصل، ومثل هذا لا يجوز في الشرع.
ثانياً:
يمكنك أخي السائل أن تؤدي رسالتك العظيمة في حفظ تلك المرأة من الشر، وفي دعوتها للإسلام، عن طريق امرأة - مثلها - مسلمة، وتكون قريبة منها، تدعوها للخير، وتحذرها من الشر.
وعن الطرق التي تسلكها الأخت المسلمة في دعوة تلك المرأة: انظر: جواب السؤال رقم (69876) .
والخلاصة:
لا يجوز لك تشجيع تلك العلاقة المحرَّمة، بل الواجب عليك نصحهما بأن هذه العلاقة محرمة في الإسلام، ولا أحد يعلم الغيب إلا الله، فقد يكون ذلك سبباً في إسلامها لما ترى من تعظيم الإسلام للمرأة، وحفاظه عليها.
ونسأل الله تعالى لك التوفيق، ولها الهداية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/138)
هل ينظر الإسلام لغير المسلمين بعين الرحمة والعطف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما نظرة الإسلام إلى البشرية؟ هل يحث على حب وتقدير الآخرين ككائنات بشرية، بغض النظر عن أديانهم، أو أعراقهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن نظرة الإسلام إلى البشرية ملؤها الرحمة، والعطف، ولا يمكن أن يكون غير هذا؛ لأن الدين الإسلامي آخر الأديان التي شرعها الله تعالى، وأمر الناس كافة بالدخول فيه، كما أنه تعالى أوحى بهذا الدين، وأنزله على قلب أرحم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى قوله عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107.
ونستطيع أن ندلل من القرآن، والسنَّة، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ما يؤكد هذا المعنى، ويتجلى ذلك في صور كثيرة، منها:
1. الدعوة إلى الإسلام، وإنقاذ الناس من الشرك والكفر.
وفي ذلك جاءت الأوامر في القرآن والسنَّة للمسلمين بدعوة الناس إلى توحيد الله، وبذل الأموال، والأوقات، والأنفس في سبيل ذلك؛ وما ذلك إلا رحمة بالعالَمين؛ لإنقاذهم من عبادة العبَاد إلى عبادة رب العبَاد، ولإخراجهم من ضيق الدنيا، إلى سعة الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/104.
2. برُّ الوالدين، والإحسان إليهما، وإن كانا كافرَين.
بل وإن كانا يجاهدان في سبيل صد أولادهم عن الإسلام، وأمرهم بالشرك والكفر! ، وفي هذا يقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/ 14، 15.
3. الوصية بالجيران، ولو كانوا من غير المسلمين.
ولعلك لا ترى دِيناً، ولا منهجاً، ولا قانوناً، يدعو الناس إلى العناية بالجار، والاهتمام به، والوصية بحفظه، ورعاية حقه، وحرمته، مثل الإسلام، قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) النساء/ 36.
قال القرطبي رحمه الله:
"قال نوف الشامي: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) المسلم، (وَالْجَارِ الْجُنُبِ) اليهودي، والنصراني.
قلت: وعلى هذا: فالوصية بالجار مأمور بها، مندوب إليها، مسلماً كان، أو كافراً، وهو الصحيح، والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة، وكف الأذى والمحاماة دونه، روى البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) ، وروي عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن) قيل: يا رسول الله ومن؟ قال: (الذي لا يأمن جارُه بوائقَه) ، وهذا عام في كل جار، وقد أكَّد عليه السلام ترك إذايته بقسمه ثلاث مرات، وأنه لا يؤمن الإيمان الكامل من آذَى جارَه، فينبغي للمؤمن أن يحذر أذى جاره، وينتهي عما نهى الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه، وحضَّا الباد عليه.
"تفسير القرطبي" (5/183، 184) .
4. العدل والإحسان في التعامل مع الكافر غير الحربي.
وفي ذلك يقول تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/ 8.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
أي: لا ينهاكم الله عن البرِّ، والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط، للمشركين، من أقاربكم، وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدِّين، والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تَصِلُوهم؛ فإن صلتهم في هذه الحالة: لا محذور فيها، ولا مفسدة.
" تفسير السعدي " (ص 856) .
5. تحريم قتل المعاهَد من الكفار، والوعيد الشديد في ذلك.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً) رواه البخاري (2995) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
والمراد به: مَن له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية، أو هدنة من سلطان، أو أمان من مسلم.
" فتح الباري " (12 / 259) .
6. تحريم ظلم المعاهَد، وتكليفه فوق طاقته.
وقد جاء في ذلك الحديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود (3052) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
فمن قدم إلى بلادنا من الكفار لعملٍ، أو تجارة، وسُمح له بذلك فهو: إما معاهَد، أو مستأمن: فلا يجوز الاعتداء عليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أن من قتل معاهَداً لم يرح رائحة الجنة) ، فنحن مسلمون، مستسلمون لأمر الله عز وجل، محترِمون لما اقتضى الإسلام احترامه من أهل العهد، والأمان، فمَن أخلَّ بذلك: فقد أساء للإسلام، وأظهره للناس بمظهر الإرهاب، والغدر، والخيانة، ومَن التزم أحكام الإسلام واحترم العهود والمواثيق: فهذا هو الذي يُرجى خيرُه، وفلاحه.
" فتاوى الشيخ العثيمين " (25 / 493) .
7. تحريم الاعتداء، ووجوب العدل.
وفي ذلك يقول تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ) ، وقال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
فانظر ما في هذه الآيات من مكارم الأخلاق، والأمر بأن تُعامل مَن عَصى الله فيك: بأن تُطيعه فيه.
" أضواء البيان " (3 / 50) .
وانظر جواب السؤال رقم: (13241) ففيه بيان أحكام معاملة الأسير الكافر، وانظر جواب السؤال رقم: (10590) ففيه بيان سماحة الإسلام في تشريعاته.
ونكتفي بهذا القدر، ولو شئنا التفصيل فيما سبق، والزيادة عليه: لطال بنا المقام.
ثانياً:
مع ما سبق بيانه فإنه ينبغي التوكيد على حقائق مهمة:
1. ما يُرى في العالَم مما يخالف ما سبق ذِكره إنما هو من جرَّاء أفعال أصحابه، ولا ينبغي نسبته للإسلام، وفي كل دين يوجد من يخالف تعاليمه، ولا يلتزم بأحكامه.
2. أن ما رأته الأرض وأهلها من " الكفار " لا يقارن البتة بما فعله المسلمون، فالحربان العالميتان اللتان راح ضحيتهما 70 مليون شخص كانت " نصرانية ".
وعشرات الملايين من المسلمين قتلوا على أيدي: النصارى في الحملات الصليبية وغيرها، والشيوعيين، واليهود، والهندوس، والسيخ، والتفصيل في ذلك يطول، وليس هناك من ينكر هذا إلا من عطَّل عقله.
ثم احتلال بلاد المسلمين، وسلب خيراتها كان ولا يزال على أيدي " الكفار " من جميع الملل، فليكن هذا على البال أثناء الحديث عن نظرة الإسلام للبشرية، وعن الحب، والعطف، وليقارن المنصفون من أهل التاريخ بين فتوحات المسلمين للبلاد الأخرى، وبين الحملات الصليبية – مثالاً – كيف كان حال كلٍّ منهما، ليرى الفرق واضحاً جليّاً، بين الرحمة والقسوة، بين الحب والبغض، بين الحياة والموت.
3. ما ذكرناه سابقاً عن الإسلام ونظرته للكفار وما جاء فيه من أحكام غاية في الحب، والعطف، والرحمة: لا يعني التبرؤ مما فيه من أحكام قد يطمسها بعض المميعين لديننا، ومن ذلك:
أ. في الإسلام تحرم المودة القلبية، والموالاة، للكفار، ومن يعقل يستطيع التمييز بين البِرِّ، والقِسط، والعطف، والرحمة، التي أمرنا بها تجاه الكافر غير الحربي، وبين المنع من المودة القلبية، والتي منعنا منها تجاه أولئك الكفار بسبب كفرهم بالله رب العالمين، وعدم إسلامهم.
ب. لا يحل لنا تزويج بناتنا وأخواتنا ونسائنا لأحدٍ من الكفار كائنا ما كان دينه، بينما يجوز لنا التزوج – فقط – من الكتابيات العفيفات من اليهود والنصارى؛ ولا شك أن للعقيدة والتوحيد دورها الرئيس في هذا الحكم، فإسلام المرأة الكتابية المتزوجة من واحد من المسلمين قريب، وممكن، وفتنة المسلمة عن دينها بتزويجها من غير مسلم ممكن وقريب، وهذا الحكم موافق جدّاً للرحمة التي جاءت بها أحكام هذا الدين العظيم، الرحمة بالكتابية لعلها تسلم، وبالمسلمة أن لا تترك دينها.
ج. ليس في الإسلام إجبار للكافر أن يدخل في الإسلام؛ لأن الإخلاص، والصدق، من شروط قبول الإسلام، والله تعالى يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .
د. وفي الإسلام رجم للزاني المحصَن، وقطع ليد السارق، وجلد للقاذف للعرض الغافل، ولسنا نخجل من هذه التشريعات، بل نعتقد جازمين أن الأرض كلها بحاجة لأن تطبقها، ومن فعلوا ذلك عاشوا آمنين على أعراضهم، وأموالهم، ونفوسهم، من التعرض لها بما يسوؤها، ومن تأمل من العقلاء هذه الأحكام علم أن تشريعها هو للمنع – ابتداء – من أن يتجرأ أحد على فعلها، ومن تأمل حال الغرب الكافر، ورأى انتشار الاغتصاب، وكثرة السرقات، وتفشي القتل: علم أن الحاجة ماسَّة لإيقاف هذا، وها هم جربوا غير أحكام الإسلام فماذا نفعهم هذا غير زيادة شقائهم أكثر فأكثر؟! .
فهذا نزر يسير مما ينبغي التنبيه عليه، والتذكير به، ولعلَّ السائل يحتاج لزيادة المعرفة في بعض ما ذكرناه سابقاً، ونحن على استعداد لتلقي ذلك منه، وطبيعة الموقع أنه سؤال وجواب يقتضي منا الإيجاز، والاختصار، ومن احتاج الزيادة زدناه، راجين من غير المسلمين الذين سيطلعون على هذا الجواب أن يعيدوا النظر فيما هم فيه من حال، وأن يعلموا أن الله تعالى قد أمرهم بالدخول في الإسلام، وأن النبي محمَّداً صلى الله عليه وسلم هو رسولٌ لأهل الأرض جميعاً، وليس للعرب وحدهم، فليحرص كل من يقرأ هذا على النجاة بنفسه قبل فوات الأوان، وليعلن توحيده لرب العالَمين، والشهادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وسيرى تغيُّراً في حياته عند أول نطقه بالشهادتين، ليدخل عالَم السعادة الدنيوية والأخروية، وليفوز برضا ربه تعالى، ويتجنب سخطه وعذابه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/139)
حوار اليهود والنصارى في عقيدتهم ودينهم
[السُّؤَالُ]
ـ[نتيجة لدراستنا في أمريكا تطرح علينا مواضيع عن الدين المسيحي والدين اليهودي فهل يجوز لنا الحديث عنهما؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم؛ يجوز لكم الكلام في ذلك بحسب علمكم، ولا يجوز الكلام فيها ولا في غيرها بغير علم، ومعلوم أن شريعة التوراة والإنجيل من جملة الشرائع التي أنزلها الله على رسله على حسب ما يليق بأهلها في زمانهم وظروفهم، والله سبحانه هو الحكيم العليم في كل ما يشرعه ويقدره، كما قال سبحانه: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) المائدة/48، وذلك بعدما ذكر إنزاله التوراة والإنجيل والقرآن في سورة المائدة، وقال سبحانه: (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) الأنعام/ 83، ثم إن اليهود والنصارى حرفوا وبدلوا وأدخلوا في شرائعهم ما ليس منها، ثم بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم برسالة عامة لجميع أهل الأرض من جن وإنس، وشرع له شريعة عامة، وبذلك نسخ بها شريعة التوراة والإنجيل، وأوجب على جميع أهل الأرض أن يتحاكموا إلى الشريعة التي بعث اللهُ بها محمداً صلى الله عليه وسلم، وأن يأخذوا بها دون كل ما سواها، كما قال عز وجل يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة المائدة: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ... ) المائدة/48. وقال سبحانه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65، وقال سبحانه: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50.
والآيات في هذا كثيرة، ومن تدبر القرآن الكريم وأكثر من تلاوته لقصد الاستفادة والعمل هداه الله إلى سبيل الحق، كما قال الله سبحانه: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الإسراء/5 " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/47-49) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/140)
الفرق بين خمر الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[كلنا نعلم تحريم الخمر في الدنيا وأنه يسكر، وأنه يخامر العقل، ولهذا فهو رجس من عمل الشيطان، وأنه أم الخبائث كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والسؤال: لماذا الخمر في الدنيا حرام وفي الآخرة حلال؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وصف الله تعالى خمر الآخرة بما يخالف خمر الدنيا، فقال: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) الصافات/45-47.
فوصف الله تعالى خمر الآخرة بأنها:
1- بيضاء.
2- لذة للشاربين، بخلاف خمر الدنيا، فإنها كريهة عند الشرب.
3- (لا فيها غول) وهو ما يصيب شاربها في الدنيا، من صداع، أو ألم في بطنه، أو ذهاب للعقل، وفي سورة الواقعة: (لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا) أي: لا يصيبهم منها صداع.
4- (وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) بخلاف خمر الدنيا التي تذهب عقولهم.
انظر: "تفسير سورة الصافات" للشيخ ابن عثيمين (ص 107-109) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"خمر الآخرة طيب، ليس فيه إسكار ولا مضرة ولا أذى، أما خمر الدنيا ففيه المضرة والإسكار والأذى، أي: إن خمر الآخرة ليس فيه غَوْل ولا ينزف صاحبه، وليس فيه ما يغتال العقول، ولا ما يضر الأبدان، أما خمر الدنيا فيضر العقول والأبدان جميعا، فكل الأضرار التي في خمر الدنيا منتفية عن خمر الآخرة. وبالله التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (23/62) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/141)
يعتقد أن عيسى خير من محمد ويطعن في نبينا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا تقولون إن محمداً هو خير خلق الله - والذي لا أظن ذلك -؛ لأن خير خلق الله يجب أن لا يكون له ذنوب، وهذا يخالف محمَّداً؛ لأنه كثير الذنوب. خير خلق الله هو الذي ليس للشيطان عليه سلطان، وهو المسيح، وأنتم تعرفون والقرآن يقر بذلك. وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم , وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله، وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ، وكيف يكون أَبَوَا خير خلق الله مشركين، وماتا مشركين؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف، أو بالمال يبيعه. إنكم تبالغون كثيراً، إن أردتم أورد لكم الآيات التي تثبت صحة كلامي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد قرأنا ما كتبت بحروفه كلها، وأعدنا القراءة مرة وأخرى، فمن حقنا عليك أن تقرأ لنا ما ندافع به عن ديننا، وعن نبينا محمد - صلى الله عليه وعلى أخيه عيسى وسلم -، ومن حقنا عليك أن تتأمل كلامنا كما تأملْنا كلامك، أليس كذلك؟ .
ثانياً:
من الجيد أن تكون خاتمة رسالتك فيها إقرار بأن " عيسى " عليه السلام خير خلق الله تعالى، والإقرار بأنه مخلوق ينفي عنه الألوهية، وأنه إله رب؛ لأنك أقررتَ أنه مخلوق مربوب، ولن يجتمع في ذات أنها خالق ومخلوق، ورب ومربوب، أو " لاهوت وناسوت "، ولعلك باعتقادك هذا تعتقد أيضاً بطلان العقيدة التي تثبت لهذا المخلوق أنه إله، أليس كذلك؟ .
إن المسيح الذي تتكلم عنه في سؤالك، ليس هو المسيح الذي تؤمنون به معشر النصارى، فعن أيهما تريد أن تتحدث، وأن يدور حوارنا: عبد الله عيسى ابن مريم، المخلوق؛ أو الابن الذي اتخذتموه إلها؟!
انظر إجابة السؤال رقم (82361)
ثالثاً:
لسنا في صدد المقارنة بين عيسى ومحمد عليهما السلام، فنحن في شرعنا قد نهينا عن المفاضلة بين الأنبياء، وبخاصة تلك المفاضلة التي فيها إنقاص لقدر الطرف الآخر، وهو ما فعلته أنتَ، فلم تستطع إثبات خيرية عيسى عليه السلام على خلق الله تعالى إلا بالطعن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا أمرٌ مرفوض في شرعنا لو كان الطرف الآخر أقل منزلة، وأما مع الطعن بأحد الأنبياء فإن من يفعل ذلك يكفر ويخرج من ملة الإسلام، فديننا المطهَّر يحفظ كرامة الأنبياء والرسل، ويُعلي شأنهم، والإيمان بهم جميعاً ركن من أركان الإيمان، ولا يكون مسلماً من لم يؤمن ولو بنبي واحد، وليس في شرعنا المطهَّر إلا ذِكر الأنبياء والرسل بخير، فقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم " القرآن " عبادتهم، وأثنى عليها، وذكر دعاءهم، وخشيتهم، ودعوتهم لأقوامهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يسيء لأحدٍ منهم، بل فيهما وجوب تعظيم قدرهم، وإعلاء شأنهم.
رابعاً:
بحث المفاضلة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ليس هو مقصوداً عندنا في الدين، ولا ينبغي أن يكون عندك كذلك، والسبب: أننا أُمرنا باتباعه صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك بالشهادة أنه رسول الله، وهذا لا علاقة له بكونه خير خلق الله أو لا، وليس هذا في ديننا فحسب، بل كل قوم أرسل لهم رسول من قبَل ربهم تعالى فإنهم مأمورون بالإيمان به وباتباعه ولو لم يكن خير خلق الله، وهل من شرط النبي أن يكون خير خلق الله؟! فماذا إذن يكون حال الأمم السابقة التي اجتمع في عصر واحدٍ مجموعة عظيمة من الأنبياء والرسل؟! نحن لم نشهد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة لأنه خير خلق الله، ولا قال هو اتبعوني لأنني خير خلق الله، بل نحن عرفنا ذلك من رفع الله تعالى لمقامه، ومن إعلائه لشأنه، وسنذكر ما يؤيد هذا بآية، وحادثة، وحديث:
1. أما الآية: فهي قول الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران/ 81.
فهذا عهد وميثاق أخذه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الأنبياء جميعاً أن يؤمنوا بمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن ينصروه في دعوته.
2. وأما الحادثة: فهي صلاة نبينا صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعاً إماماً، وذلك في رحلته المسماة " الإسراء والمعراج "، فقد صلَّى بهم جميعاً عليهم السلام في بيت المقدس.
وإن لم يدل هذا على فضله وخيريته فلا ندري أي شيء يمكن أن يدل على ذلك.
3. وأما الحديث: فهو ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم مما يجري يَوْمَ القِيَامَةِ حين يتراجع الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم كلهم عن الشفاعة للناس في الفصل بينهم، فيعتذرون، وكلهم يقول: نفسي، نفسي، فيتقدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للشفاعة العظمى ويقول: أنا لها، أنا لها، ثُمَّ يكرمه ربه تعالى، ويقبل شفاعته في أهل المحشر، وذلك هو المقام المحمود الذي لم يجعله الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لبشرٍ غيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فهذه بعض أدلة من ديننا على أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على إخوانه الأنبياء عليهم السلام، وليسوا ينكرون هم ذلك، فها هو موسى عليه السلام يعترف بذلك في حديث صحيح عندنا، وها هو عيسى عليه السلام يرفض أن يؤم بالمسلمين، بل يرضى أن يكون مأموماً؛ لأنه سيعمل بالعهد والميثاق الذي أخذهما الله تعالى عليه، فعندما ينزل في آخر الزمان فإنه سيقتل الخنزير، وسيكسر الصليب، وسيصلي مأموماً وراء إمامٍ من أئمة المسلمين.
وقد ثبت في أصح الكتب عندنا – البخاري ومسلم – بيان هذه الأمور مجتمعة، مع تعظيم قدر عيسى عليه السلام، ومدى ارتباطه به صلى الله عليه وسلم، فقف على هذا الحديث:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) رواه البخاري ومسلم.
ومعنى (أولى الناس بعيسى) : أي: أخصهم به، وأقربهم إليه.
ومعنى (إخوة لِعَلاَّت) : أي: إخوة لأب من أمهات شتى.
معنى الحديث: أن أصل إيمان الأنبياء واحد، وشرائعهم مختلفة.
فأنت بكلامك الوارد في سؤالك تظن أنه ثمة فجوة بين الأنبياء والمرسلين وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس هذا هو واقعهم عليهم السلام، بل هم جميعاً إخوة، جاءوا برسالة عقائدية واحدة، وهي الدعوة لعبادة الله تعالى وحده، وترك الإشراك به.
خامساً:
وأما قولك عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه " كثير الذنوب ": فهو قول يمكن أن يزعمه أي أحد في أي شخص، ولو كنت تسلك الجادة العلمية لما قلتَ هذا القول، ونحن ننزه الأنبياء والمرسلين الذين أرسلوا لغيرنا من الأمم أن يكونوا من أصحاب المعاصي والذنوب: فكيف يكون حال أفضلهم وخيرهم؟ وانظر للفرق العظيم بيننا وبينك، ففي الوقت الذي تطعن فيه بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون بيِّنة: فإننا ننكر هذا أن يكون من أخلاق أحد من الأنبياء والرسل لغيرنا، وهكذا علَّمنا ديننا: أن نحترم الأنبياء والمرسلين، وأن نجلَّهم، ونقدِّرهم.
ونحن لا نعجب منكم إذا طعنتم بنبينا وأسأتم له؛ لأن شتم الأنبياء ديدنكم، والطعن فيهم منهجكم، وقد لبَّس عليكم اليهود دينَكم، وحرَّفوه فتبعتموهم على عماية وضلالة، وكل ما في التوراة من طعن في الأنبياء والمرسلين فأنتم تصدقونه، وأضفتم إليه ما في كتبكم المحرَّفة من طعن في صفوة الناس:
1. جاء في إنجيل " متَّى " أن عيسى من نسل سليمان بن داود، وأن جدهم فارض الذي هو من نسل الزنى من يهوذا بن يعقوب. إصحاح متى الأول، عدد (10) .
2. وفي إنجيل " يوحنَّا " إصحاح (2) عدد (4) : أن يسوع أهان أمَّه في وسط جمع من الناس! .
3. وفي إنجيل " يوحنا "، إصحاح (10) عدد (8) : أن يسوع شهد بأن جميع الأنبياء الذين قاموا في بني إسرائيل هم سرَّاق ولصوص! .
وجاء في التلمود - وهو مؤلَّف ضخم، يعد مصدراً أساسيّاً من مصادر التشريع اليهودي، ويعد في وقتنا الحالي المرجع الديني لليهود الأصوليين، والمتشددين في إسرائيل، والعالم أجمع، وهو يتبوأ مكانة أسمى من مكانة التوراة -:
1. " إن تعاليم يسوع كفر , وتلميذه يعقوب كافر , وإن الأناجيل كتُب الكافرين ".
2. وجاء فيه - والعياذ بالله -:
" إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين القار والنار، وإن أمَّه مريم أتت به من العسكري " بانديرا " عن طريق الخطيئة، وإن الكنائس النصرانية هي مقام القاذورات والواعظون فيها أشبه بالكلاب النابحة ".
3. وقال الحاخام " اباربانيل ":
" المسيحيون كافرون؛ لأنهم يعتقدون أن الله له لحم ودم ".
4. وجاء في التلمود:
" كل الشعوب ماعدا اليهود: وثنيون , وتعاليم الحاخامات مطابقة لذلك ".
5. وجاء في موضع آخر من التلمود:
" إن المسيح كان ساحراً ووثنيّاً، فينتج أن المسيحيين وثنيون أيضاً مثله ".
6. وجاء في التلمود - أيضاً -:
" النعيم مأوى أرواح اليهود، ولا يدخل الجنة إلا اليهود، أما الجحيم: فمأوى الكفار من المسيحيين، والمسلمين، ولا نصيب لهم فيها سوى البكاء؛ لما فيها من الظلام والعفونة ".
فأين هذا الذي تدعيه كتبكم على أنبياء الله الكرام، مما تدعيه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من كثرة الذنوب. وانظر جواب السؤال رقم (42216) .
سابعاً:
وأما قولك " وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم ": فأنت تريد به " قصة الغرانيق " وملخصها:
أن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) النجم/ 19، 20 ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى! وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمشركون سجدوا بعد ذلك!
وهذه القصة قد ضعَّفها كثير من أهل العلم والتحقيق.
قال البيهقي:
هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل.
انظر " تفسير الفخر الرازي " (23 / 44) .
وقال ابن حزم:
وأما الحديث الذي فيه: " وأنهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى " فكذب بحت موضوع؛ لأنه لم يصح قط من طريق النقل، ولا معنى للاشتغال به، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد.
" الفِصَل في الملل والنحل " (2 / 311) .
وقال القاضي عياض:
هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل....، ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية.
" الشفا في أحوال المصطفى " (2 / 79) .
وقال الحافظ ابن كثير:
قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة، ظنّاً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم.
" تفسير ابن كثير " (3 / 239) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
ليس في إلقاء هذه الألفاظ في قراءته صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يعتمد عليه فيما أعلم، ولكنها رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث مرسلة، كما نبه على ذلك الحافظ ابن كثير في تفسير آية الحج، ولكن إلقاء الشيطان في قراءته صلى الله عليه وسلم في آيات النجم وهي قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج / 52] فقوله سبحانه: {إِلا إِذَا تَمَنَّى} أي: تلا، وقوله سبحانه: {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} أي: في تلاوته، ثم إن الله سبحانه ينسخ ذلك الذي ألقاه الشيطان ويوضح بطلانه في آيات أخرى، ويحكم آياته؛ ابتلاء وامتحانا، كما قال سبحانه بعد هذا: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} الآيات [الحج / 53] .
فالواجب على كل مسلم أن يحذر ما يلقيه الشيطان من الشبه على ألسنة أهل الحق وغيرهم، وأن يلزم الحق الواضح الأدلة، وأن يفسر المشتبه بالمحكم حتى لا تبقى عليه شبهة، كما قال الله سبحانه في أول سورة آل عمران: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران / 7] وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال: " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " متفق على صحته.
والله ولي التوفيق.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 301، 302) .
وقد تكلَّم على القصة سنداً ومتناً وبيَّن ضعف سندها ونكارة متنها: الشيخ الألباني - رحمه الله - في رسالته النافعة " نصب المجانيق في بطلان قصة الغرانيق ".
ومن صحح القصة من العلماء فإنه لم يقل بما توهمه في ظاهرها من التغيير والتبديل في كلام الله تعالى ومن الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم، بل بيَّنوا لها أوجهاً تلتقي مع اعتقاد المسلمين جميعاً بعدم تحريف القرآن وبعصمة النبي صلى الله عليه فيما يبلغ عن ربه تعالى.
ومن وجوه التأويل ما ذكره بعض العلماء من كون الشيطان ألقى تلك الكلمات في أسماع المشركين لا أنه ألقاها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (2 / 282) .
أما عن سبب سجود المشركين في نهاية تلاوة السورة: فإليك ما قاله العلماء فيه.
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في آخر كتابه السابق الذكر -:
رب سائل يقول: إذا ثبت بطلان إلقاء الشيطان على لسانه عليه الصلاة والسلام جملة " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى " فَلِمَ إذن سجد المشركين معه صلى الله عليه وسلم وليس ذلك من عادتهم؟ .
والجواب ما قاله المحقق الآلوسي بعد سطور من كلامه الذي نقلته آنفاً:
" وليس لأحد أن يقول: إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهره مدح آلهتهم، وإلا لما سجدوا؛ لأننا نقول: يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم وخوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى. وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى. وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى. وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى. فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} إلى آخر الآيات [النجم / 50 - 54] ، فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم، ولعلهم لم يسمعوا قبل ذلك مثلها منه صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بين يديْ ربه سبحانه في مقام خطير وجمع كثير، وقد ظنّوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم ولو لم يكن عن إيمان كافٍ في دفع ما توهَّموه، ولا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه صلى الله عليه وسلم، فقد نزلت سورة (حم السجدة) بعد ذلك كما جاء مصرّحا به في حديث عن ابن عباس، ذكره السيوطي في أول " الإتقان " فلما سمع عُتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} " [فصّلت / 13] ! أمسك على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناشده الرحم واعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ وقال: " كيف وقد علمتم أن محمَّداً إذا قال شيئاً لم يكذب؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب " وقد أخرج ذلك البيهقي في " الدلائل " وابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
ثامناً:
وأما قولك: " وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله ": لا نعرف ما الأمر الذي أمر الله تعالى نبيَّه ولم يفعله! وقد وصفه ربه تعالى بالعبودية، وأثنى عليه، وهو أعلم الناس بربه، وأتقاهم وأخشاهم له، فأي أمرٍ يمكن أن يخالفه؟! إن هذا إلا اختلاق.
تاسعاً:
وقولك: " وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ ": قول باطل، فالسحر الذي جرى له صلى الله عليه وسلم لم تعلمه أنت حتى أعلمك به النبي صلى الله عليه وسلم! ولم يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حتى أذن الله تعالى له بالإخبار به! فهو من جملة العوارض التي تصيب الإنسان، وهو يدل على أنه صلى الله عليه وسلم بشر، وقد ردَّ بعض أهل البدع من المنتسبين للإسلام هذا الحديث، وظنوه مخالفاً لكونه معصوماً صلى الله عليه وسلم، ومحطاًّ لقدر النبوة، وقد كفانا العلماء الأثبات مئونة الرد على أولئك قديماً، وعليكم حديثاً.
قال النووي – رحمه الله –:
قال الإمام المازري: وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسببٍ آخر، فزعم أنه يحط منصب النبوة، ويشكك فيها، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع! وهذا الذي ادَّعاه هؤلاء المبتدعة: باطل؛ لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه، وصحته، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه: باطل، فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها، ولا كان مفضَّلا من أجلها، وهو مما يعرض للبشر: فغير بعيد أن يخيَّل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له، وقد قيل: إنه إنما كان يتخيل إليه أنه وطىء زوجاته وليس بواطئ، وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام، فلا يبعد تخيله في اليقظة ولا حقيقة له، وقيل: إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما يتخيله فتكون اعتقاداته على السداد.
قال القاضي عياض: وقد جاءت روايات هذا الحديث مبيِّنة أن السحر إنما تسلَّط على جسده وظواهر جوارحه، لا على عقله، وقلبه، واعتقاده، ويكون معنى قوله في الحديث " حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن "، ويروى: " يُخيل إليه " أي: يظهر له من نشاطه، ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنى منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن، ولم يتمكن من ذلك كما يعتري المسحور، وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه فعل شيء لم يفعله، ونحوه: فمحمول على التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل، وليس في ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة، ولا طعناً لأهل الضلالة.
" شرح مسلم " (14 / 174، 175) .
وقال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله -:
قد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنُّوه نقصاً وعيباً، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن، وذلك أشد ما يكون من السحر.
" زاد المعاد " (4 / 113) .
ثم نسألك، إن كنت جاداً في الحوار: أيهما أشد على صاحبه، وأدل على نزول قدره، جريان هذا السحر، الذي هو مرض من الأمراض، تسبب فيه هذا اليهودي، أو تسلّط اليهود على عيسى ابن مريم النبيّ عندنا، والإله أو ابن الإله عندكم، حتى صلبوه وقتلوه وسط شماتة الأعداء وإهانتهم:
(وكان المارة يهزون رؤوسهم ويشتمونه، ويقولون: ... إن كنت ابن الله، فخلص نفسك، وانزل عن الصليب. وكان رؤساء الكهنة، ومعلمو الشريعة والشيوخ يستهزئون به، فيقولون: خلَّصَ غيره، ولا يقدر أن يخلص نفسه؟! هو ملك إسرائيل، فلينزل الآن عن الصليب لنؤمن به؛ توكَلَ على الله وقال: أنا ابن الله، فلينقذه الله إن كان راضيا عنه. وعيره اللصان المصلوبان معه أيضا، فقالا مثل هذا الكلام.)
(وعند الظهر خيم على الأرض كلها ظلام حتى الساعة الثالثة , ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع بصوت عظيم: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟!!) [متى: 27/38-47] وأيضا:
[مرقس: 15/29-35]
راجع جواب السؤال رقم (12615)
ونحن نقول: حاشا لأنبياء الله الكرام، محمد وأخيه عيسى وإخوانهم جميعاً عليهم السلام من هذا الإفك والبهتان ومن كل ذلة وهوان "
عاشراً:
وأما قولك: " وكيف يكون أبوا خير الله مشركين، وماتا مشركين؟ ": فهذا من العجائب، وما دخل كونه أفضل الخلق بكون والديه مشركين؟! وهل الرب تعالى اصطفاه هو أم اصطفاه واصطفى أهله وأقرباءه؟! وها هو إبراهيم عليه السلام قد توفي والده على الشرك، فلم يُنقص ذلك من رتبته ومنزلته، وهو أبو الأنبياء، صلى الله عليه وسلم، وها هو نوح عليه السلام تموت زوجته وابنه على الكفر، وها هو لوط عليه السلام تُهلك زوجته وهي على الكفر، فكان ماذا؟ .
ثم انظروا، ما تقوله كتبكم المقدسة عندكم، وعند اليهود عن مريم البتول عليها السلام، بل وعن أنبياء الله أنفسهم، لتعلم أيها السائل أي الفريقين أصدق قيلاً، وأهدى سبيلاً؟!
حادي عشر:
وأما قولك: "؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف، أو بالمال يبيعه "
فقد سبق أن ناقشنا ذلك في موقعنا، فنرجو مراجعة جواب السؤالين (43087) و (100521)
فإذا انتهيت من مراجعة هذين الجوابين، فمن الحسن أن تتأمل هذه النصوص من كتبكم، لعلك أن يكون لك رأي آخر:
1. قال المسيح عليه السلام: " لا تظنوا أني جئتُ لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، وإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته. من أحب أبا أو أماً أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني، من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها ".
" إنجيل متى، الإصحاح العاشر، فقرة 35 وما بعدها.
2. قال المسيح عليه السلام: " من له سيف: فليأخذه، ومن ليس له: فليبع ثوبه، ويشتري سيفاً ".
" لوقا " (22 / 36، 37) .
3. ويقول المسيح عليه السلام: " أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم: فأتوا بهم إلى هنا، واذبحوهم قدامي ".
" لوقا " (11) .
ج. واسمع لعقلاء من غير المسلمين من الكتَّاب والأدباء والتاريخيين ماذا يقولون:
1. قال توماس كارليل في كتابه " الأبطال وعبادة البطولة ": " إن اتهامه - أي: محمد صلى الله عليه وسلم - بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته: سخفٌ غير مفهوم؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يُشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا له، فإذا آمن به مَن يقدرون على حرب خصومهم: فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها ".
انظر: " حقائق الإسلام وأباطيل خصومه " لعباس لعقاد (ص 227) .
2. ويقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه " حضارة العرب " وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده صلى الله عليه وسلم وفي عصور الفتوحات من بعده -: " قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تُفرض بالقوة، ولم ينتشر الإسلام إذن بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند - التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل - ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها، ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط، وسترى في فصل آخر سرعة الدعوة فيها، ويزيد عدد مسلميها على عشرين مليوناً في الوقت الحاضر ".
فهل تبين لك مدى بُعد التهمة عن الإسلام؟! هل تبين لك مدى تضليل الأحبار والرهبان ووسائل الإعلام لك؟ .
د. وكأني بك تريد تنزيه دينك عن انتشاره بالسيف! وكأني بك تريد إقناع الناس بما يحمله أهل دينك من الرحمة والرأفة! وكل ذلك غير صحيح، وإليكَ أمثلة من واقعكم:
1. الملِك " أولاف " ذبَح كلَّ مَن رفض اعتناق النصرانية في " النرويج "، قطع أيديهم، وأرجلهم، ونفاهم، وشرَّدهم، حتى انفردت النصرانية بالبلاد.
2. وفي الجبل الأسود بالبلقان قاد الأسقف الحاكم " دانيال بيتر وفتش " عملية ذبح غير المسيحيين ليلة عيد الميلاد.
3. وفي الحبشة قضى الملك سيف أرعد (1342 – 1370 م) بإعدام كل من أبى الدخول في النصرانية، أو نفيهم من البلاد.
4. ثم نجد أن النصرانية - وليس الإسلام - هي التي أبادت الهنود الحمر في أمريكا.
5. ثم نجد النصرانية هي التي اقتلعت الشعب الفلسطيني من أرضه لتسليمها إلى أعداء المسيح ومحمد - عليهما السلام - على السواء.
6. من الذي أشعل الحروب العالمية؟ لقد قُتل في الحرب العالمية الأولى عشرة ملايين، وفي الثانية حوالي 70 مليوناً! .
7. وكم قُتل من البشر بالقنابل الذرية التي ألقيت على مدينتي " نجازاكي " و " هيروشيما " في اليابان؟ .
8. وترى النصرانية في حربها الصليبية عندما حاصرت بيت المقدس وشددت الحصار ورأى أهلها أنهم مغلوبين فطلبوا من قائد الحملة " طنكرد " الأمان على أنفسهم وأموالهم، فأعطاهم الأمان على أن يلجأوا إلى المسجد الأقصى رافعين راية الأمان، فامتلاء المسجد الأقصى بالشيوخ والأطفال والنساء، وذُبحوا كالنعاج، وسالت دماؤهم في المعبد حتى ارتفعت الدماء إلى ركبة الفارس، وعجَّت شوارعنا بالجماجم المحطمة، والأذرع، والأرجل المقطعة، والأجسام المشوهة، ويذكر المؤرخون أن الذين قُتلوا في داخل المسجد الأقصى فقط سبعين ألفاً، ولا ينكر مؤرخو الفرنج هذه الفضائح.
9. وعصرنا اليوم خير شاهد على ذلك، لقد قصفوا أفغانستان، ثم تحولوا إلى العراق ليدمروها، فقصفوا، وقتلوا، وعاثوا في الأرض فساداً، وقد قال كبيرهم: إن الله أمره بدخول العراق!! فأين وصايا المسيح التي يدعونها ويتشدقون بها؟! .
10. ألم يقف " اللورد اللنبي " ممثل الحلفاء: إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، ورومانيا، وأميركا في بيت المقدس في سنة 1918 حين استولى عليه في أخريات الحرب الكبرى الأولى قائلاً: " اليوم انتهت الحروب الصليبية "؟! .
11. ألم يقف الفرنسي " غورو " ممثل الحلفاء أيضاً - وقد دخل دمشق - أمام قبر البطل المسلم " صلاح الدين الأيوبي " قائلاً: " لقد عدنا يا صلاح الدين "؟! .
12. وهل هدمت الديار، وسفكت الدماء، واغتصبت الأعراض في البوسنة والهرسك إلا باسم الصليب؟ .
13. بل أين هؤلاء مما حدث في الشيشان - ومازال يحدث -؟ وفي إفريقيا؟ وإندونيسيا؟ وغيرها؟ وهل يستطيع هؤلاء إنكار أن ما حدث في كوسوفا كان حربا صليبية؟ ألم يقل بوش في حربه الأخيرة " ستكون حربا صليبية "؟! .
ومثل هذه الفظائع لم يقع في جهاد المسلمين لأعدائهم، فما كانوا يقتلون النساء، ولا الأطفال، ولا الدهماء من الناس، ويجدر أن نذكر بوصية أبي بكر الصدِّيق حيث قال لأسامة بن زيد وجنده:
" لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعزقوا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيراً إلا للأكل، وإذا مررتم بقوم فرَّغوا أنفسهم في الصوامع: فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له ".
ينظر: " موسوعة شبهات النصارى حول الإسلام "، " السيرة النبوية " للشيخ محمد أبو شهبة.
وأما كلامك عن المال: فإن هذا يجب أن يُستحيى من ذِكره، فالعالم كله يعرف من الذي يذهب إلى الدول الفقيرة وبيده اليمنى خبزة، وبالأخرى نسخة من الإنجيل! وكل العالم يعرف من يحمل بيده حبة الدواء وحفنة الدولارات، وبيده الأخرى نسخة من الإنجيل! .
وأخيراً:
لعلنا أن نكون قد أظهرنا لك خطأ ما ذكرتَه عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولعلك علمت أنك ضحية إعلام مزوَّر، جعلك تسيء إلى من لا يستحق الإساءة، وتسكت عمن يستحق البيان والفضح، واعلم أن الإسلام دين الأدلة والبراهين، وليس دين الادعاءات والتزوير، فأدرك نفسك، والتحق بركب الأنبياء والصالحين، واحرص على أن لا تموت إلا على الدين الذي كان يعتقده الأنبياء والمرسلون، وهو التوحيد، واحرص على أن تكون ضمن قافلة أتباع خير الأديان وخاتمتها.
نسأل الله تعالى أن يهديك، ويشرح صدرك للإسلام، ونسأله أن يريك الحق حقا ويرزقك اتباعه، ويريك الباطل باطلا ويرزقك اجتنابه.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/142)
لها صديقة بوذية أحبت الإسلام ولم تدخله ثم ماتت فهل تدعو لها
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لي صديقة يابانية بوذية الديانة، دعوتها إلى الإسلام والتوحيد مراراً وتكراراً، ولكنها كانت تستمع لي تارة وترفض الاستماع تارة أخرى، وكانت دائماً مشغولة فهي تعمل مدرسة في مدرسة ابنتي، وكانت دائماً تزورنا وتأكل عندنا الطعام، وعند حديثي عن الإسلام ورغبتي في دخولها الإسلام كانت تقول لي: أنا أحترم الإسلام جداً، وتقول: إنه أحسن دين وأنه أحسن من البوذية. وعندما أطلب منها ألا تخلط ابنتي بالبنين في الدرج أو الصف ومسك الأيدي بين الأطفال كانت تحترم هذا كثيراً ولا تأخذه بسخرية أو استهزاء، حتى أني طلبت منها أن تصلي ابنتي بزي الصلاة الظهر في المدرسة فلم ترفض، وخصصت لها غرفة لصلاة ابنتي قبل موعد الغداء. وهكذا كنت أحس منها أنها تحترم الإسلام ولكنها يصعب عليها الدخول فيه، لأنها ستحس بالغربة في وسط عائلتها والمجتمع الياباني، وهذا حال اليابانين كلهم. ولكن الآن يا شيخي هي ماتت وأنا حزنت كثيراً، وأحسست بذنب عظيم في أنها ماتت على غير دين الإسلام، وأنني قصرت في دعوتها، لكن الله يعلم أني دعوتها كثيراً وشرحت لها كل شيء عن الإسلام والتوحيد لله عز وجل. وسؤالي الآن: هل علي من ذنب تجاهها؟ ، وما مصيرها الآن يا شيخنا؟ صبرني زوجي وقال: احتمال يكون قلبها اتجه للإسلام قبل الوفاة، فهل هذا صحيح؟ ، وما حكم حضوري جنازتها؟ مع العلم أن فيها من الطقوس البوذية الكافرة؟ ،وما حكم دعوتي لها بالمغفرة والرحمة من الله حيث أنها نفس خلقها الله عز وجل؟ ، وآخر سؤال لي: ما حكم كشف وجهي في بيتي أمام اليابانيات الكافرات؟ مع العلم أنني منتقبة أو كشف شعري أو أي لبس مزين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه المرأة إذا لم تتلفظ بالشهادتين، ولم تدخل في الإسلام، فإنها باقية على دينها، ولا ينفعها أن يكون قلبها اتجه إلى الإسلام، فكم من كافر يعرف صحة دين الإسلام، ويحبه ويرغب في الدخول فيه، لكن يمنعه من ذلك خوف على مكانته أو منصبه أو فقدان عشيرته، وهذا إن مات مات كافراً مخلداً في النار، كحال أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان موقناً بالإسلام، ولم يمنعه من الدخول فيه عند الموت إلا خوف أن يعيّر بأنه رغب عن ملة عبد المطلب جزعاً من الموت، وقد نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له؛ لأنه مات كافراً.
قال تعالى: (ما كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/113.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (8/173) : " هذه الآية تضمنت قطع موالاة الكفار، حيهم وميتهم، فإن الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين، فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز ".
وقال الشوكاني رحمه الله في "فتح القدير" (2/410) : " وهذه الآية متضمنة لقطع الموالاة للكفار، وتحريم الاستغفار لهم".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فأما الشهادتان إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين، وهو كافر ظاهراً وباطناً عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها " انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/609) .
وقد روى مسلم في صحيحه (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي) .
وذلك لأن أم النبي صلى الله عليه وسلم ماتت كافرة، فلم يأذن الله له أن يستغفر لها.
وبهذا تعلمين أن الدعاء لهذه المرأة بالمغفرة والرحمة لا يجوز.
وما ذكرت من دعوتك لها للإسلام، وترغيبها في الإيمان، يرفع عنك إثم التقصير والحمد لله، بل يرجى لك بذلك الأجر والثواب من الله تعالى.
ثانياً:
لا جوز حضور جنازة الكافر مع وجود الطقوس الكفرية، لما في ذلك من حضور المنكر والسكوت عليه.
ثالثاً:
يجوز للمسلمة أن تكشف عن وجهها وشعرها وما يظهر غالبا، أمام المرأة الكافرة، على الراجح، إلا إن خشيت أن تصفها للرجال، وينظر جواب السؤال رقم (6596) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/143)
معاناة داعية في بيت أهلها في دعوة والدها وأشقائها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتصرف مع أخي الصغير عمره 14 سنة، عندما ينام عن الصلاة؟ إذا أيقظناه يرد علينا بأسلوب سيء، يعمل مثل تصرفات أخيه الكبير، ويقلده في الرد الوقح عليَّ، وعلى أمي، وعندما أوقظه يقول لي أبي: " اتركيه ينام، وإذا استيقظ يصليها "، المشكلة: إذا كان أبي لا يأمره بالصلاة، ويقلد أخي في نومه عن الصلاة، ويسمع الأغاني، وحياته عبارة عن لعب في لعب، الألعاب الإليكترونية، كيف أغرس فيه القيم الفاضلة وهذا أبي وأخي يشكلون له القدوة؟ ومرة من المرات اكتشفت أنه يشاهد مشاهد وصور إباحية، ولم أعرف كيف أتصرف سوى أننا منعناه من دخول الإنترنت، وقد سألني في بعض المرات عن: ما هو الزنا؟ كيف أشرح له الإنجاب وهو في هذه السن الصغيرة؟ وأنا لا أريد أن يبحث عن الإجابة من مصادر أخرى، والشيء الثاني: كيف أتعامل مع أبي؟ أبي شخص لا يحب المشايخ، وكان يخاصم أمي لأنها تحث أخي الصغير على حفظ القرآن، ولا يذهب للمسجد، ويشكك في صحة أحاديث " البخاري "، ويقول: إننا يجب أن نعرض الأحاديث على العقل أولا، والنقاش معه لا يأتي بفائدة؛ لأنه مقتنع برأيه، وهو دائماً على صح، علماً بأنه الآن في الستين من عمره، ويتهمني بالتشدد إذا قلت له الأغاني حرام. أرجو أن ترشدوني إلى التعامل معهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يصلح شأنك، وأن يجعل عاقبتك إلى هدى وصلاح، وأن يجزيك خير الجزاء على حرصك على أهلك، وشفقتك عليهم من الوقوع فيما لا يرضي ربهم، وهكذا نريد الأخوات المستقيمات على طاعة الله تعالى، أن لا تكتفي الواحدة منهن بالهداية لنفسها، بل تحرص على إيصالها إلى من استطاعت، وإن أولى الناس بدعوتها، وجهدها، هم أهلها، فاستمري ـ بارك الله فيك ـ في دعوتهم، ونصحهم، وتذكيرهم، فأنتِ على خير إن شاء الله.
ثانياً:
المشكلة عندكم ليست في أخيك الذي يرفض الاستيقاظ للفجر، ويتصرف كأخيه الأكبر، إنما المشكلة في رب البيت، ومسئوله الأول، وهو والدك، فلو أنه كان على هدى واستقامة لأثمر ذلك نتائج طيبة – إن شاء الله – على البيت وأهله، وليته كان في موقف محايد من دعوتك لإخوتك للخير، بل رأيناه من الصادِّين لك عن دعوتهم، ونصحهم، لكن لا ينبغي لهذه العقبة أن تقف في طريقك وتردك للخلف، نعم، يمكنها أن تضيق عليك الطريق، وأن تجعل سلوكه صعباً، لكن إياك واليأس والقنوط، واحذري من التراجع، فليس هذا من صفات الدعاة إلى الله، الحريصين على إيصال الخير للناس، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد بذل من جهده ووقته ما بذل في سبيل إصلاح الناس، وابتدأ بأهله الأقربين، وقد أثمرت دعوته لهم خيراً عظيماً، ولم يكن ذلك إلا من صدقه، وإخلاصه، وصبره، واحتسابه، وهكذا هو عمل الأنبياء، وكذا هو عمل من يقوم بعملهم من الدعاة أمثالك، حتى وصل الأمر أن قال له ربه تعالى: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) فاطر/ من الآية 8، وقال: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) الكهف/ 6.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
يقول تعالى مسليّاً رسوله صلى الله عليه وسلم في حزنه على المشركين، لتركهم الإيمان وبُعدهم عنه، كما قال تعالى: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) فاطر/ 8، وقال: (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) النحل/ 127، وقال: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) الشعراء/ 3.
باخع: أي: مهلك نفسك بحزنك عليهم؛ ولهذا قال: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ) يعني: القرآن، (أَسَفًا) يقول: لا تهلك نفسك أسفًا.
قال قتادة: قَاتِل نَفْسَكَ غضبًا، وحزنًا عليهم، وقال مجاهد: جزعًا، والمعنى متقارب، أي: لا تأسف عليهم، بل أبلغهم رسالة الله، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.
" تفسير ابن كثير " (5 / 137) .
ثالثاً:
نحن وإن قلنا بأن علاج رأس البيت ضرورة لإصلاح من بعده، إلا أن هذا لا يعني التوقف عن إصلاح الآخرين، ونصحهم، سواء استجاب الأب، أو امتنع عن الاستجابة، وعدم استجابة الأب لا يمنع أن يستجيب أحد أبنائه، أو بناته، وها هو الدليل أمامنا، وهو أنتِ! فوالدك حاله ما ذكرتِ، وأنت حالك من الحرص على الخير ومحبته ظاهر من رسالتك، ويمكن أن يزيد العدد، فتصبحون اثنين، وثلاثة، وأكثر، فمع دعوة والدك للخير: لا تقصري البتة في دعوة أشقائك، وشقيقاتك، وما عليك إلا بذل الجهد، والله يتولاكِ، وييسر أمرك، واسأليه الإعانة، واحرصي على الدعاء لهم بالهداية، وكل ذلك من الدعوة، والدعاء: هو من هدي الأنبياء والمرسلين.
رابعاً:
لدعوة إخوتك: احرصي على التلطف في الأسلوب عند النصح والتوجيه، ووثقي علاقتك بهم، وانظري ماذا يحبون من الأشياء المباحة فقدميه لهم هدية؛ فإن هذا مما يحببهم لشخصك، وانظري البرامج النافعة في القنوات الإسلامية ليشاهها، فبعض تلك البرامج مؤثر للغاية، ومن المهم تجنب القسوة والعنف في التعامل؛ فسنُّهم لا يجعل مثل هذا مجدياً، وإذا جعلوك قدوة لهم تكونين نجحتِ في دعوتك؛ لأنهم يفتقدون القدوة الصالحة، وكم سمعنا وقرأنا عن عظيم تأثير بعض الأخوات الفاضلات على بيوت أهاليهن، حتى أصبحن هن الموجهات لدفة قيادته، وصرن مرجعاً لأهل البيت، ومحط ثقة الجميع، فاحرصي على هذا، فلعلَّ الله أن يهدي أفراد الأسرة جميعها على يديك، وتنالين الأجر الوافر من رب العالمين.
وبخصوص ما ترينه على إخوتك من فعل منكرات: فلا تعنفي عليهم، وتلطفي في الإنكار عليهم، وحاولي تقوية إيمانه ودينه؛ فإن من شأن ذلك أن يتخلص هو بنفسه من أفعال السوء والمنكر.
وأما بخصوص التعامل مع والدك: ففي جواب السؤال رقم: (95588) ما ينفعك، فنرجو الاطلاع عليه.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن يهدي أهلك جميعاً للبر والتقوى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/144)
هل ثمة تعارض بين خلق الجان من نار وبين قوله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في سؤال يثيره بعض المسيحيين في المنتديات، وهو الآية القرآنية (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) الأنبياء/30، والآية الأخرى (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ) الرحمن/15، فهل هذا تناقض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
أولا:
أخبرنا الله في كتابه الكريم عن أصل خلق الجن، فقال تعالى: (وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ) الحجر/27، وقال تعالى: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ) الرحمن/15
وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ) رواه مسلم (2996)
انظر جواب السؤال رقم (2340) ، (6485) ، (13378)
ثانيا:
يقول سبحانه وتعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) الأنبياء/30.
ولفهم معنى الآية الكريمة فهما صحيحا، وللوقوف على ما تقتضيه اللغة العربية في ذلك، لا بد من بيان بعض الأمور:
1- التأمل في سياق الآيات من ضرورات الفهم الصحيح، ويبدو للقارئ أن سياق هذه الآية في معرض إفحام المشركين بالحجج والبراهين، والرد على بعض ما يعتقدونه من الباطل.
يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (3/238) :
" يقول تعالى منبها على قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء وقهره لجميع المخلوقات فقال: (أولم ير الذين كفروا) أي: الجاحدون لإلهيته، العابدون معه غيره، ألم يعلموا أن الله هو المستقل بالخلق، المستبد بالتدبير، فكيف يليق أن يعبد معه غيره، أو يشرك به ما سواه، ألم يروا (أن السموات والأرض كانتا رتقا) أي: كان الجميع متصلا بعضه ببعض، متلاصق متراكم بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، ففتق هذه من هذه، فجعل السموات سبعا، والأرض سبعا، وفصل بين السماء الدنيا والأرض بالهواء، فأمطرت السماء وأنبتت الأرض، ولهذا قال: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤمِنُُونَ) أي: وهم يشاهدون المخلوقات تحدث شيئا فشيئا عيانا، وذلك كله دليل على وجود الصانع الفاعل المختار القادر على ما يشاء " انتهى.
إذا فمناسبة سياق المحاججة تقتضي الاستشهاد بآيات ظاهرة يشاهدها المخاطبون ويعايشونها، فكان قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) منطلقا من واقعهم الذي يرونه: من حاجتهم وحاجة جميع الحيوانات إلى الماء، أو من تخلقهم وتخلق الحيوانات من ماء التناسل. وليس في هذا السياق تعرض ـ أصلا ـ لعالم الغيب من الملائكة أو الجن أو غيرهم من خلق الله؛ لأن المحاججة إنما تكون بعالم الشهادة، حتى تكون الحجة أقوى وأبين، وأما عالم الغيب فقد لا يؤمن به المخاطب، فضلا عن أن يعرف كيفية خلقه وما هي مكوناته، وعلى هذا يكون الجن والملائكة لم يدخلوا في سياق العموم ابتداء.
2- صيغ العموم في اللغة العربية ليست دائما على إطلاق عمومها، فقد تكون مخصوصة، بل قال أهل العلم: إن أكثر عمومات القرآن مخصوصة.
وقد جاءت صيغة العموم (كل) في بعض الآيات، ولم تدل على العموم المطلق، وذلك في قوله تعالى عن الريح التي أرسلها لإهلاك قوم عاد: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) الأحقاف/25، وقوله تعالى عن ملكة سبأ: (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ) النمل/23، ومن المعلوم أن الريح لم تدمر السماء ولا حتى المساكن، وأن ملكة سبأ لم تؤت ما أوتيه النبي سليمان عليه السلام.
وعلى هذا ينبغي فهم صيغ العموم في القرآن، لأنه نزل بلسان عربي مبين، والعرب تطلق صيغ العموم كثيرا، وهي تعلم أن ثمة بعض المخصوصات.
فكذلك قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) ينبغي تخصيصه بالملائكة، فإنها قد خلقت من نور، ولا تحتاج إلى الماء، ويبقى الجن أيضا في دائرة احتمال التخصيص.
وبهذا يظهر التوافق وعدم التناقض بين الآيات.
يقول الألوسي في "روح المعاني" (7/36) : " ولا بد من تخصيص العام، لأن الملائكة عليهم السلام وكذا الجن أحياء، وليسوا مخلوقين من الماء " انتهى.
وانظر "البحر المحيط" لأبي حيان (8/327) .
ويقول الرازي في تفسيره (11/13) : " لقائل أن يقول: كيف قال: وخلقنا من الماء كل حيوان، وقد قال: (والجآن خلقناه مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السموم) الحجر/27، وجاء في الأخبار أن الله تعالى خلق الملائكة من النور، وقال تعالى في حق عيسى عليه السلام: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير بِإِذْنِى فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِى) المائدة/110، وقال في حق آدم: (خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ) آل عمران/59.
والجواب: اللفظ وإن كان عاماً إلا أن القرينة المخصِّصَة قائمة، فإن الدليل لا بد وأن يكون مشاهداً محسوساً ليكون أقرب إلى المقصود، وبهذا الطريق تخرج عنه الملائكة والجن وآدم وقصة عيسى عليهم السلام؛ لأن الكفار لم يروا شيئاً من ذلك " انتهى.
ونقله الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/215) .
3- وخلق الجن من النار هو في أصل خلق الله سبحانه وتعالى لهم، ثم كان تكاثرهم عن طريق التناسل، تماما كما أن الله خلق الإنسان بداية من الطين، ثم بدأ بالتناسل والتكاثر، ولما لم نكن نعرف شيئا عن كيفية تناسل الجن، يبقى احتمال تناسلهم بماء التناسل قائما، ومن ينفي الاحتمال يحتاج إلى دليل حسي أو عقلي أو شرعي، وقد لا يوجد، وقد فسر بعض أهل العلم: ومنهم أبو العالية من السلف، الماءَ الوارد في قوله سبحانه: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) بماء النطفة التي جعلها الله طريق التناسل في جميع الحيوانات، فقد يكون الجن يتناسلون بالنطف أيضا.
يقول الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/216-217) :
" قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ)
الظاهر أن (جَعل) هنا بمعنى خَلَق؛ لأنها متعدية لمفعول واحد؛ ويدل لذلك قوله تعالى في سورة النور: (والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ) النور/45
واختلف العلماء في معنى: " خلق كل شيء من الماء ":
قال بعض العلماء: الماء الذي خلق منه كل شيء هو النطفة؛ لأن الله خلق جميع الحيوانات التي تولد عن طريق التناسل من النطف، وعلى هذا فهو من العام المخصوص.
وقال بعض العلماء: هو الماء المعروف؛ لأن الحيوانات إما مخلوقة منه مباشرة، كبعض الحيوانات التي تتخلق من الماء، وإما غير مباشرة؛ لأن النطف من الأغذية، والأغذية كلَّها ناشئة عن الماء، وذلك في الحبوب والثمار ونحوها ظاهر، وكذلك هو في اللحوم والألبان والأسماك ونحوها: لأنه كله ناشئ بسبب الماء.
وقال بعض أهل العلم: معنى خَلْقه كل حيوان من ماء: أنه كأنما خلقه من الماء لفرط احتياجه إليه، وقلة صبره عنه، كقوله: (خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ) " انتهى.
وانظر "زاد المسير" (5/348) ، "تفسير القرطبي" (11/248) ، "الدر المنثور" (5/626) .
ثالثا:
يظهر جليا لمن يهتم بالجواب عن الشبه التي يطلقها بعض النصارى أنَّ هؤلاء المنشغلين باستخراج هذه الشبه بعيدون كل البعد عن فهم اللغة العربية، بل قد يكونون من الأعاجم الذين لم يدرسوا العربية، وإنما يريدون العبث ومحاولة الطعن في هذا القرآن العظيم.
وكل عاقل يدرك أن لا محل لأي تناقض في كتاب الله تعالى، ليس ذلك فقط لأن الله سبحانه وتعالى قال فيه: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) النساء/82، بل لأن العرب أصحاب اللسان العربي العالي، البالغ في الفصاحة والبلاغة القمة العالية، والذي تحداهم القرآن في آيات عديدة أن يجاروا أسلوب القرآن الرفيع، فلم يستطيعوا إليه سبيلا، لم يَدُر في خلدهم مثل هذه الدعاوى المتنطَّعة في تناقض القرآن، ولم يخطر لهم مثل هذه الشبه مع شدة تحريهم عن كل مطعن في القرآن.
ويدلك ذلك على الجهل الذي يخيم في أذهان أصحاب الشبه هؤلاء، وهم لا يشعرون أنهم بشبهاتهم هذه إنما يكشفون عن جهلهم وقلة معرفتهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/145)
لماذا اختص عيسى عليه السلام بالرفع إلى السماء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بما أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء فلم لم يرفع إلى السماء بدلا من عيسى؟ ولماذا اختص الله عيسى بالرفع دون سائر الأنبياء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إن الله تعالى وسع كل شيء رحمة وعلما، وأحاط بكل شيء قوة وقهرا، سبحانه له الحكمة البالغة، والإرادة النافذة، والقدرة الشاملة، اصطفى من شاء من الناس أنبياء ورسلا مبشرين ومنذرين، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وخص كلا منهم بما شاء من المزايا، فضلا منه ورحمة، فخص بالخلة خليله إبراهيم ومحمداً عليهما الصلاة والسلام، وخص كل نبي بما أراد من الآيات والمعجزات التي تتناسب مع زمنه، وبها تقوم الحجة على قومه، حكمةً منه وعدلاً، لا معقب لحكمه، وهو العزيز الحكيم اللطيف الخبير، وليس كل مزية بمفردها بموجبة للأفضلية، فاختصاص عيسى برفعه إلى السماء حيا جارٍ على مقتضى إرادة الله وحكمته، وليس ذلك لكونه أفضل من إخوانه المرسلين، كإبراهيم ومحمد وموسى ونوح عليهم الصلاة والسلام، فإنهم أعطوا من المزايا والآيات ما يقتضي تفضيلهم عليه.
وبالجملة، فمرجع الأمر في ذلك إلى الله، يدبره كما يشاء، لا يُسأل عما يفعل، لكمال علمه وحكمته، ثم إنه لا يترتب على السؤال عن ذلك عمل أو تثبيت عقيدة، بل ربما أصيب بالحيرة من حام حول ذلك، واستولت عليه الريب والشكوك، وعلى المؤمن التسليم فيما هو من شؤون الله، وليجتهد فيما هو من شؤون العباد عقيدة وعملا، وهذا هو منهج الأنبياء والمرسلين، وطريق الخلفاء الراشدين، وسلف الأمة المهديين. والله أعلم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (3/476) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
(8/146)
حفظ الدين يكون بتعلمه وتعليمه ونشره والدفاع عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[يثير البعض قضية أن الله عز وجل قد تكفل بحفظ هذا الدين، ومن ثم فإن العمل الذي يؤديه الدعاة في سبيل خدمة الإسلام عبث لا داعي له، فكيف الرد على هؤلاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الرد على هؤلاء بسيط: أن نزعتهم نزعة من ينكر الأسباب، ولا ريب أن إنكار الأسباب من الضلال في الدين، والسفه في العقل.
إن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ هذا الدين لكن بأسباب، وذلك بما يقوم به الدعاة إلى هذا الدين من نشره، وبيانه للناس، والدعوة إليه، وما هذا القول إلا بمنزلة من يقول: لا تتزوج، فإن قُدِّر لك ولد فسيأتيك. أو: لا تَسْعَ في طلب الرزق، فإن قُدِّر لك رزق فسيأتيك!!
فنحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9، فإنما يقول ذلك لعلمه بأنه سبحانه وتعالى حكيم لا تكون الأشياء إلا بأسباب، فيُقَدِّر الله تعالى لحفظ هذا الدين من الأسباب ما يكون به الحفظ. ولهذا نجد علماء السلف حينما حفظ الله دينه من البدع العقدية والعلمية صاروا يتكلمون ويكتبون ويبينون للناس، فلابد أن نقوم بما أوجبه الله علينا من الدفاع عن الدين، وحمايته، ونشره بين العباد ... وبذلك يتحقق الحفظ المطلوب" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
كتاب الدعوة (5) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/147)
أمه كافرة وتكره لحيته ونقاب زوجته وتريد مطلق التصرف بابنه!
[السُّؤَالُ]
ـ[أم زوجي كافرة وتعيش في بلد كفار، وأنا منتقبة وزوجي ملتحي، ولدينا ولد عمره سنة ونصف، ولا توافق على هذا الالتزام وتريدني أن أترك النقاب وأنا لا أوافق طبعاً، وهي تريد أن نسمح لها بأن تأخذ له صوراً، وتسمعه الموسيقى عن طريق اللعب، ولكننا نعارضها كثيراً. وأيضا تريد أن تذهب بالولد لكي يراه أصدقاؤها بدوني؛ لأنها ترفض أن تنزل معي أمام الناس، قلت لها أن تأتي بأصدقائها إلى بيتي، ولكنها تريد جدّاً أن تخرج معه وحدها، وأنا لا أوافق لما يمكن أن يحدث من أضرار، ولأنني لا أعلم ـ أيضاً ـ لماذا إصرارها على الخروج معه وحدها. هي الآن لا تريد أن تراني أنا وزوجي وابني، فماذا أفعل؟ ، غير أني في أوقات كثيرة أتكلم معها بطريقة ليست جيدة، وأنا أعلم أن هذا ليس من الدين، وأريد أن أعرف كيف أتصرف معها في هذه المواقف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لتعلمي أن الإسلام يأمر بحسن الخلق، والمعاملة الحسنة، حتى مع الكفار غير المحاربين، لكن هذا لا يعني – أبداً – التنازل عن الدِّين، والتفريط في الواجبات الشرعية التي أوجب الله تعالى علينا فعلها، أو فعل المحرمات التي نهانا الله تعالى عن إتيانها، من أجل كائن من كان من الأقارب، فضلاً عن الأباعد.
فتحسين خلقك مع أم زوجك، وتغيير معاملتك معها للأحسن: هما أمران محبوبان للشرع، وأنتِ تؤجرين عليهما، وخاصة إن احتسبتِ ذلك من أجل دخولها في الإسلام.
وفي الوقت نفسه: عليك الاهتمام بابنك، وتربيته التربية الإسلامية الصحيحة، وعدم التفريط في ذلك، فإن رغبت أم زوجك بشيء لا يتعارض مع هذا – كالخروج به للتفسح واللعب المباح -: فلا بأس من تمكينها منه، مع الانتباه والمتابعة لسلوكها معه، وإن أرادت فعل شيء يتعارض مع اهتمامك به، وتربيتك له – كإسماعه الموسيقى المحرَّمة -: فلا تمكنيها منه، وليس ذلك لأنها كافرة، بل يكون هذا الحكم سارياً حتى لو كانت مسلمة، ونرى – بسبب صغر سنِّه – عدم التشدد منكم في أمركم هذا؛ فإن السن التي هو فيها ـ سنة ونصف ـ مبكر جداً بالنسبة لما يمكن أن يكتسبه منها من العادات أو الأخلاق، أو أمور الدين؛ لا سيما وهي لن تمكن من الانفراد به لفترات طويلة، وإنما مجرد خروج معها، أو جلوس وقت معين، وهذا كله ـ فيما يبدو لنا ـ ليس كافياً لأن تؤثر فيه تأثيراً سلبياً، في هذه السن الصغيرة، إن كان من مقصودها شيء من ذلك.
ولعلَّ تعلقها به أن يكون طريقها للهداية، وسبباً في ترك ما هي فيه من غواية، فالحرص منكما مطلوب، لكن من غير وسوسة، ولا تشدد، وإن رأيتم تعلقها به قويّاً فلعل أن يكون اهتمامها بصحته وسلامته مثل - أو أكثر من - اهتمامك أنتِ ووالده.
ثانياً:
أما بخصوص بغضها لنقابك، ولحية زوجك: فهذا غير مستغرب من الكفار، وإذا كنا نرى ذلك في بعض المنتسبين للإسلام: فليس بغريب أن يبدو ذلك من كافر، فاستمرا على ما أنتما عليه من التزام واستقامة، ولا تلتفتا لرضاها على حساب معصية الله تعالى، وفي الوقت نفسه: ابذلي ـ أنت وأبوه ـ جهودكما في دعوتها، عن طريق التحبب لها بالهدايا، وخدمتها، والنفقة عليها، واستثمار حبها لابنكما حتى تصلا إلى بغيتكما في أن تعلن إسلامها، وليس ذلك على الله بعزيز.
ثالثاً:
ما يجب على زوجك من بر أمه، والإحسان إليها: لا يجب عليك مثله بالنسبة إليها؛ للفرق بينكما، فهي والدته، ولها عليه حق الإحسان إليها، ومصاحبتها بالمعروف، حتى لو كانت كافرة، وحتى لو دعته لمعصية، بل للكفر! فلا يستجيب لها فيما تأمره به مما يخالف شرع الله تعالى، ولا يغلظ لها القول، ولا يخشن لها المعاملة.
قال علماء اللجنة الدائمة:
على تقدير الإساءة من الوالد لولده: فإنه لا يجوز للولد المقابلة بالسيئة، بل يقابلها بالحسنة؛ عملا بقول الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/ 34، والوالدان أولى بالإحسان من غيرهما؛ ولقول الله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء/ 23.
- طاعة الوالدين في المعروف واجبة على ولديهما، ما لم يأمرا بمعصية، فإذا أمرا بمعصية: (فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ؛ لقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) العنكبوت/ 8؛ وقوله سبحانه: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان/ 15، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) رواه الإمام أحمد..
فإذا أمر الوالدان ولدهما بفعل معصية، من شرك بالله عز وجل، أو شرب خمر، أو سفور، أو تشبه بالكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، ونحو ذلك من المعاصي، أو أمر الوالدان ولدهما بترك فرض من الصلوات الخمس المفروضة، أو عدم أدائها من البنين في المساجد، ونحو ذلك مما أوجبه اله على عباده: فإنه لا يجوز للولد طاعتهما في شيء من ذلك، ويبقى للوالدين على الولد حق الصحبة بالمعروف والبر، من غير طاعة في معصية أو في ترك واجب.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 131 - 135) باختصار.
ولمزيد فائدة في الموضوع: نرجو منكما النظر في أجوبة الأسئلة: (103977) و (27105) و (5053) و (6401) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/148)
حكم إهداء شريط فيديو من مناظرات أحمد ديدات تظهر فيه امرأة متبرجة
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بحمد الله بإحضار تسجيل مرئي لمناظرات للشيخ الجليل (أحمد ديدات) رحمه الله مع القساوسة، ولاحظت في إحدى المناظرات وجود امرأة متبرجة غير مسلمة ظهرت في مشاهد مختلفة من المناظرة (مثلاً: وهي تتكلم في المقدمة وأيضاً وهي تجلس على مائدة خلف القسيس وهو يتكلم) ، فهل يجوز إعطاء نسخة من هذه المناظرة لأي شخص سواء كان مسلماً أو غير مسلم؟ . وهل يجوز إعطاء هذه المناظرة أو غيرها من مناظرات الشيخ ديدات لشخصين أحدهما مسلم والأخر غير مسلم ليشاهداها مع بعضهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كانت المناظرة ذات أثر واضح في إقناع النصاري ودلالتهم على الحق، فلا حرج في إعطاء نسخة منها لنصراني أو مسلم مهتم بدعوة النصاري والحوار معهم.
وظهور امرأة متبرجة في الشريط أمر منكر، وعلى من شاهد المناظرة أن يغض بصره عنها، وإنما جاز بيع هذا الشريط وإهداؤه لأن المنكر فيه جاء على سبيل التبع، وذلك كالمجلات العلمية التي تحوي بعض الصور، فإنه لا حرج في اقتنائها مع وجود الصور فيها، ومعلوم أنه يجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا.
وإن أمكن التصرف في مادة الشريط وطمس صورة المرأة فهذا أكمل وأنفع، وعلى الشركات المنتجة أن تراعي ذلك، إنكارا للمنكر، ودرءا للمفسدة.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (44029) .
ثانيا:
لا فرق بين تمكين المسلم من الصور المحرمة وتمكين الكافر، لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة على الراجح، فلا يجوز إعطاؤهم ما يعتقد المسلم تحريمه.
وينظر جواب السؤال رقم (49694) و (69558) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/149)
حكمة تشريع الطهارة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو معنى الطهارة للرد على أهل الكتاب في ذلك؟ ولماذا نتطهر في الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من يعلم ما جاءت به شريعة الإسلام الخالدة لا يستشكل ما أمرت به، ولا ما نهت عنه؛ لأن علمه بها يمنعه من أن يقف حائراً يتلمس الحكمة، وينظر في العلة، ولم نر مثل هذه الاستشكالات إلا ممن يجهل هذا الدين العظيم.
ولو أن شخصاً ما يثق بطبيب بشري ثقة مطلقة، ثم جاء ذلك الطبيب ببرامج صحية، ووقائية: لرأيت ذلك الواثق بالطبيب يسلم له، وينفذ أوامره، وكله ثقة بأنه ما قال هذا إلا عن خبرة وتجربة، ولا تجده يقف ويتأمل حتى يعرف لم قال هذا هنا، ولم منع ذاك هناك.
ولله المثل الأعلى، فإن ثقتنا بربنا تعالى لا يمكن مقارنتها بثقة ذلك الشخص بذلك الطبيب، وكيف يكون هذا وليس ثمة مجال للمقارنة بين إله وبشر، بين خالق ومخلوق.
ومما يصدِّق هذا ما قاله الإمام ابن القيم رحمه الله في نهاية بحثه في حكَم تشريع الطهارة، قال:
لو أن " أبقراط " وذويه أوصوا بمثل هذا: لخضع أتباعهم لهم فيه، وعظَّموهم عليه غاية التعظيم، وأبدوا له من الحكَم، والفوائد ما قدروا عليه.
" شفاء العليل " (ص 230) .
ثانياً:
أما بخصوص الحكَم من تشريع الطهارة: فهي كثيرة، ونعني بالطهارة: إزالة القذر، والنجاسات، والوضوء، والغسل، ومن هذه الحِكم:
1. أن الطهارة موافقة للفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، ومما لا شك فيه أن الإسلام هو دين الفطرة، وأنه جاء بالحث على " سنن الفطرة " لتوكيد فعل ما يُفعل منها، والبُعد عن ما يُترك منها، فغسل الوجه، وتنظيف الأنف، والفم، واليدين، وكذا الاغتسال، والاستنجاء، كل ذلك لا يحتاج لشرع ليشرعه، بل يكفي الإنسان أن يكون سليم الفطرة لينظف تلك الأعضاء والجوارح، وليحرص على بعدها عن القذر والنجاسة.
2. الإسلام دين النظافة، والجمال، ويحرص على أن يكون أتباعه شامة بين الناس، ينظفون أبدانهم، ويسرحون شعورهم، ويلبسون أطهر الثياب، وتفوح منهم رائحة الطيب، ومثل هؤلاء لا شك ولا ريب أنهم سيكونون محط إعجاب الناس بهم، وهو ما يؤدي إلى نجاح دعوتهم لهذا الدين العظيم، وكما أن الناس تميل قلوبهم إلى النظيف الطاهر في بدنه وثيابه: فإنها تنفر من الوسخ القذر في ثيابه وبدنه، وليس هذا من الإسلام في شيء.
3. أثبت الدراسات العلمية الحديثة المؤصلة أن النظافة والطهارة تحصِّن صاحبها من أمراض كثيرة، وأن القذارة سبب في حصول كثير من الأمراض، فكيف لهذا الدين العظيم أن لا يكون في تشريعاته ما يساهم في الوقاية من الأمراض، ويمنع من حدوثها وانتشارها؟! .
4. للمسلم مع ربه تعالى لقاءات للمناجاة، ومن يقف بين يدي رئيس أو ملك أو عظيم: فإنه يحرص – كما هو مشاهد – على نظافة بدنه، وثيابه، وطيب رائحته، وحرص الناس على هذا مع البشر ليس في الإسلام ما يمنع منه، بل كان هذا هو هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان يتجمل للوفود، ونزيد على ذلك أن أعظم من يُتجمل له، وأعظم من نحرص على طهارة أبداننا وثيابه ونحن بين يديه: هو الله تعالى، ولذلك لا نعجب عندما نفعل هذا بين يديه تعالى، وها هم الناس يحرصون على مثله أو أعظم منه بين يدي مخلوق مثلهم؛ فكيف ينبغي أن يكون حاله أمام الله؛ فالله أحق أن يتجمل له الناس، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما. [انظر: صحيح ابن خزيمة (766) ] .
5. ومن تأمل أحكام الشرع، ورزقه الله تعالى الفهم: استطاع أن يفرِّق بين طرق الطهارة في الإسلام، وأنه ثمة حكم في كون الغسل من الجنابة، لا من البول – مثلاً -، وأنه ثمة فرق بين الوضوء والغسل.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
إيجاب الشارع صلى الله عليه وسلم الغسل من المنيّ دون البول: فهذا من أعظم محاسن الشريعة، وما اشتملت عليه من الرحمة، والحكمة، والمصلحة؛ فإن المنيّ يخرج من جميع البدن، ولهذا سمَّاه الله سبحانه وتعالى (سُلالة) ؛ لأنه يسيل من جميع البدن، وأما البول: فإنما هو فضلة الطعام، والشراب، المستحيلة في المعدة، والمثانة، فتأثر البدن بخروج المني أعظم من تأثره بخروج البول.
وأيضاً: فإن الاغتسال من خروج المني من أنفع شيء للبدن، والقلب، والروح، بل جميع الأرواح القائمة بالبدن فإنها تقوى بالاغتسال، والغسل يُخلف عليه ما تحلل منه بخروج المني، وهذا أمر يُعرف بالحسِّ.
وأيضاً: فإن الجنابة توجب ثقلاً وكسلاً، والغسل يُحدث له نشاطاً، وخفةً، ولهذا قال أبو ذر لمَّا اغتسل من الجنابة: " كأنما ألقيتُ عنِّي حِمْلاً ".
وبالجملة: فهذا أمر يدركه كلُّ ذي حسٍّ سليم، وفطرة صحيحة، ويعلم أن الاغتسال من الجنابة يجري مجرى المصالح التي تلحق بالضروريات للبدن والقلب، مع ما تحدثه الجنابة من بُعد القلب والروح عن الأرواح الطيبة، فإذا اغتسل: زال ذلك البُعد، ولهذا قال غير واحد من الصحابة: " إن العبد إذا نام عرجت روحه، فإن كان طاهراً أذن لها بالسجود، وإن كان جنباً لم يؤذن لها "، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الجنُب إذا نام أن يتوضأ.
وقد صرح أفاضل الأطباء بأن لاغتسال بعد الجماع يعيد إلى البدن قوته، ويخلف عليه ما تحلل منه، وإنه من أنفع شيء للبدن والروح، وتركه مُضرٌّ، ويكفي شهادة العقل والفطرة بحُسنه، وبالله التوفيق.
على أن الشارع لو شرع الاغتسال من البول: لكان في ذلك أعظم حرج ومشقة على الأمة تمنعه حكمة الله، ورحمته، وإحسانه إلى خلقه.
" إعلام الموقعين " (2 / 77، 78) ، وانظر أيضا: " التحرير والتنوير " للطاهر ابن عاشور (5 / 65) .
6. وفي الإسلام علاقة بين الظاهر والباطن، فمن حرص على تطهير بدنه وثيابه من الأقذار والنجاسات: فإنه ينبغي أن يكون أحرص على تطهير نفسه وباطنه من أخلاق السوء، ومن جمَّل بدنه وثوبه فهو علامة على جمال باطنه، ولا يحرص الإسلام على جمال الظاهر ويغض الطرف عن جمال الباطن، بل كلاهما مطلوب، وإن كان الإنسان يُعذر بعدم توفر ما يجمِّل ظاهره فإنه ليس معذوراً بترك تجميل باطنه، وكلا الطهارتين سبب لتحصيل محبة الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين) البقرة /222.
7. ونختم بكلام جامع للإمام ابن القيم رحمه الله، حيث يقول:
تأمَّل أبواب الشريعة ووسائلها وغاياتها كيف تجدها مشحونة بالحكَم المقصودة، والغايات الحميدة التي شرعت لأجلها، التي لولاها لكان الناس كالبهائم، بل أسوأ حالاً، فكم في الطهارة من حِكمة، ومنفعة، للقلب، والبدن، وتفريح للقلب، وتنشيط للجوارح، وتخفيف من أحمال ما أوجبته الطبيعة، وألقاه عز النفس من درن المخالفات، فهي منظفة للقلب والروح والبدن، وفي غسل الجنابة من زيادة النعومة والإخلاف على البدن نظير ما تحلل منه بالجنابة ما هو من أنفع الأمور.
وتأملْ كون الوضوء في الأطراف التي هي محل الكسب والعمل، فجعل في الوجه الذي فيه السمع والبصر والكلام والشم والذوق، وهذه الأبواب هي أبواب المعاصي والذنوب كلها، منها يدخل إليها، ثم جعل في اليدين وهما طرفاه وجناحاه اللذان بهما يبطش ويأخذ ويعطي، ثم في الرِّجلين اللتين بهما يمشي ويسعى.
ولمَّا كان غسل الرأس مما فيه أعظم حرج ومشقة: جعل مكانه المسح، وجعل ذلك مخرجاً للخطايا من هذه المواضع حتى يخرج مع قطر الماء من شعره وبشره، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة قال: (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ - أَوِ الْمُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ) رواه مسلم، وفي صحيح مسلم أيضاً عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ) فهذا من أجلِّ حكَم الوضوء، وفوائده.
وقال نفاة الحكمة: إنه تكليف ومشقة وعناء محض لا مصلحة فيه، ولا حكمة شرع لأجلها! ولو لم يكن في مصلحته وحكمته إلا أنه سيماء هذه الأمة وعلامتهم في وجوههم وأطرافهم يوم القيامة بين الأمم ليست لأحد غيرهم، ولو لم يكن فيه من المصلحة والحكمة إلا أن المتوضئ يطهر يديه بالماء وقلبه بالتوبة ليستعد للدخول على ربه ومناجاته والوقوف بين يديه طاهر البدن، والثوب، والقلب، فأي حكمة ورحمة ومصلحة فوق هذا؟! .
ولمَّا كانت الشهوة تجري في جميع البدن حتى إن تحت كل شعرة شهوة: سرى غسل الجنابة إلى حيث سرت الشهوة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً)
[رواه أهل السنن، وفيه ضعف] ؛ فأمر أن يوصل الماء إلى أصل كل شعرة، فيبرد حرارة الشهوة، فتسكن النفس، وتطمئن إلى ذكر الله، وتلاوة كلامه، والوقوف بين يديه.
" شفاء العليل " (ص 229، 230) .
وبكل حال: فإنه من تأمل أحكام الشريعة بانت له حكَمها، ومن طمس الله بصيرته: فلن ينتفع بما يراه، ولا بما يسمعه، وليُعلم أن الطهارة من محاسن الأخلاق لم تختلف فيها الشرائع السابقة للإسلام، ولا يُتصور رسول يأتي قومه برسالة إلا وفيها الدعوة – أولاً – لتطهير القلب من رجس الأوثان، ثم تدعو الناس إلى الجميل من الأقوال، والأفعال، والأخلاق، وتطهير الثوب، والبدن، والغسل، والتطهر، وإزالة القذر والنجاسة مما لا تختلف الشرائع السماوية كلها في تشريعها، ومن جادل في ذلك فإنما يجادل بالباطل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/150)
أسلمت دون أهلها فهل تبر أهلها مع أذيتهم لها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت وأنا صغيرة وقد طردني والدي من المنزل فانتقلت إلى أحد الدول الإسلامية مع زوجي للعيش هناك، وأنا اتصل على والدتي دائماً فهل علي إثم بترك اتصالي على والدي مع العلم أنه يتكلم علي بأنها عاهرة ويقوم بتهديدي وعائلتي بالقتل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن هداكِ للإسلام، ولا شك أن فضل الله عليكِ عظيم إذ اختاركِ من بين أهلكِ لتكوني أولهم دخولاً في هذا الدين، ونسأل الله أن تكوني سبباً لدخولهم فيه كذلك.
وما فعلته من دعوة أهلك إلى الإسلام هو ما أوجبه الله تعالى عليكِ، وهم أولى من غيرهم بالدعوة وتبيين الحق لهم.
قال الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} يوسف / 108، وقال تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} الشعراء / 214.
وينبغي على الداعية إلى الله تعالى أن يرفق في دعوته ويتلطف في عرضها، وبخاصة إذا كانوا من أهله، فقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين ومصاحبتهم في الدنيا بالمعروف حتى لو كانوا كفاراً، ويدعونه إلى الكفر.
قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} النحل / 125، وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} العنكبوت / 8.
ومن لم يستجب منهم: فإنما ضلاله على نفسه، وليس يلحق الداعي من إثمه شيء.
قال تعالى: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء / 15.
وما فعلته من هجرتكِ إلى " إحدى الدول الإسلامية " وزواجك هو عين الصواب، فلا يستطيع المسلم أن يحافظ على دينه غالباً إذا كان في بيئة تعاديه وتحاربه، ويكون غريباً بينهم، وخاصة إذا كانت امرأة ليس لها حول ولا قوة إلا بالله تعالى، ويدل على هذه المشقة ما فعله والدكِ من طردك من البيت عندما علم بإسلامك.
واتصالك بوالدتكِ والسؤال عنها وعن والدكِ أمرٌ تُشكرين عليه، وهو مما أوجبه الله تعالى عليك، وحق الوالدين عظيم، فلا تقطعي صلتك بهم وإن أساؤوا إليك وحاولي الاتصال بوالدك والتلطف معه في الكلام لعل ذلك يكون من أسباب هدايته ويزيل ما في قلبه من قسوة عليك.
وأما ما يهددكِ به والدكِ: فلا تلتفتي له ولا تهتمي به، فلن يصيبك وزوجك وعائلتك إلا ما كتب الله لكم، فخذوا بالأسباب واستعينوا بالله تعالى فهو خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين.
وما قذفكِ به واتهمكِ بفعله: هو مما يدخل في أذية الكافر للمسلم، وقد قُذف عرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باتهام زوجته وأمنا أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – بالزنا، وقيل عنه ساحر وكاهن ومجنون، وهكذا قيل لإخوانه الأنبياء عليهم السلام، فاصبري على هذا وثقي بالله تعالى أنه سيفرج كربك ويزيل همك، فاستعيني به، وداومي على دعائه واللجوء إليه فهو نعم النصير ونعم المعين.
ونسأل الله تعالى أن يثبتك على دينه وأن يزيدك هدى وبصيرة وعلماً.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/151)
هل كان عيسى عليه السلام يهوديا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتقد المسلمون أن عيسى كان يهوديا؟ حيث ذكر في الإنجيل أن عيسى كان يهوديا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عيسى ابن مريم عليه السلام، أحد أنبياء الله الكرام، وأولي العزم من ورسله، أرسله الله إلى بني إسرائيل، وعلمه التوراة والإنجيل، وأخبر أنه جاء مصدقا لما في التوراة، أي مقررا لها ومؤمنا بها، إلا أنه نسخ بعض أحكامها، وأباح لأتباعه بعض ما حرم فيها.
قال تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ. وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) آل عمران/48- 50، وقال سبحانه: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) المائدة/46.
قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" (2/44) :
" وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ " فالتوراة: هو الكتاب الذي أنزله الله على موسى بن عمران، والإنجيل: هو الكتاب الذي أنزله الله على عيسى عليهما السلام، وقد كان [عيسى] عليه السلام، يحفظ هذا وهذا " انتهى.
وقال أيضاً رحمه الله:
" وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ " أي: متبعًا لها، غير مخالف لما فيها، إلا في القليل مما بيّن لبني إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه، كما قال تعالى إخبارًا عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل: (وَلأحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) ؛ ولهذا كان المشهور من قولي العلماء أن الإنجيل نسخ بَعْضَ أحكام التوراة " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (3/126) .
وعُلم بهذا أن عيسى عليه السلام كان مؤمنا بالتوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام، متبعا لها، لم يخالفها إلا في أشياء قليلة.
وموسى وعيسى وجميع الأنبياء كان دينهم الإسلام العام، وهو توحيد الله عز وجل وعبادته وحده لا شريك له، كما قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران/19، وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85، وقال عن نوح عليه السلام: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس/72، وقال عن إبراهيم عليه السلام: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران/67، وقال عن موسى عليه السلام: (يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) يونس/84، وقال عن يوسف عليه السلام: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يوسف/101.
فلا يقال عن موسى عليه السلام إن دينه اليهودية، بل دينه الإسلام، وأتباعه سُموا باليهود إما لقولهم: هدنا إليك، أي: تبنا ورجعنا، أو نسبة ليهوذا أكبر أولاد يعقوب عليه السلام، وكذلك عيسى عليه السلام دينه الإسلام وليس النصرانية، والنصارى هم أتباعه الذين نصروره وآزروه.
لكنه عليه السلام كان متبعا للتوراة حافظا لها مقرا بها؛ لأنه من جملة بني إسرائيل الذين أرسل فيهم موسى عليه السلام، ثم أنزل الله عليه الإنجيل وفيه تصديق لما في التوراة، كما سبق.
وهذا الذي ذكرناه إنما نعني به الدين الذي كان جاء به عسى عليه السلام، إن كان السائل يريد البحث في دينه والسؤال عنه.
وأما إن كان السائل يسأل عن نسب المسيح عليه السلام، وقومه الذين ولد فيهم، وبعث إليهم، فنبي الله عيسى عليه السلام من بني إسرائيل من غير خلاف، وبنو إسرائيل هم الذين عرفوا بعد ذلك بأنهم اليهود، كما أشرنا.
على أن الذي يستعمله أهل العلم هنا أن ينسب إلى نسبه وقومه، فيقال: هو من بني إسرائيل، وأما كلمة اليهود فهي تحمل معنى دينيا خاصا، فلذلك ينبغي اجتنابه في حق عيسى عليه السلام، وإن كنا نعلم أنه قومه بنو إسرائيل كانوا على شريعة التوراة قبله، وهو قد جاء مصدقا لما فيها، وغير شيئا قليلا من أحكامها.
قال ابن الأثير رحمه الله:
" كان عمران بن ماثان [يعني: جد عيسى عليه السلام، والد مريم] من ولد سليمان بن داود، وكان آل ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم.. " انتهى.
"الكامل في التاريخ" (1/251) .
وقال ابن كثير رحمه الله:
" ولا خلاف أنها [يعني: مريم عليها السلام] من سلالة داود عليه السلام، وكان أبوها عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه " انتهى.
"البداية والنهاية" (2/52) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لا ريب أن قوم موسى عليه السلام هم بنو إسرائيل، وبلسانهم نزلت التوراة، وكذلك بنو إسرائيل هم قوم المسيح عليه السلام، وبلسانهم كان المسيح يتكلم، فلم يخاطب أحد من الرسولين أحدا إلا باللسان العبراني، لم يتكلم أحد منهما لا برومية ولا سريانية ولا يونانية ولا قبطية " انتهى.
"الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (2/94) .
وقال أيضا: " فمعلوم باتفاق النصارى أن المسيح لم يكن يتكلم إلا بالعبرية، كسائر أنبياء بني إسرائيل، وأنه كان مختونا، ختن بعد السابع كما يختن بنو إسرائيل، وأنه كان يصلي إلى قبلتهم، لم يكن يصلي إلى الشرق ولا أمر بالصلاة إلى الشرق " انتهى.
"المرجع السابق" (3/32) .
وينظر للفائدة: سؤال رقم (10277) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/152)
نصراني يسأل عن سبب تحريم لحم الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يحرم الإسلام الخنزير، مع أنه مخلوق من مخلوقات الله؟ ولماذا خلق الله الخنزير إذاً؟!.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لقد حرم ربنا جل وعلا أكل الخنزير تحريما قطعيا، قال تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) الأنعام/145
ومن رحمة الله تعالى بنا، وتيسيره علينا، أنه أباح لنا أكل الطيبات، ولم يحرم علينا إلا الخبائث، قال تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الأعراف/157
فنحن لا نشك لحظة أن الخنزير حيوان خبيث قذر، فإن أكله مضر بالإنسان، ثم هو يعيش على الأوساخ والقاذورات، وهو ما تأباه النفس السوية وتعافه وترفض تناوله، لما فيه من إخلال بطبع الإنسان ومزاجه السوي الذي خلقه الله عز وجل فيه.
ثانيا:
وأما أضرار أكل الخنزير على جسم الإنسان، فقد أثبت الطب الحديث جملة منها:
• يعد لحم الخنزير من أكثر أنواع اللحوم الحيوانية التي تحتوي مادة الكوليسترول الدهنية، والتي تقترن زيادتها في دم الإنسان بزيادة فرص الإصابة بتصلب الشرايين. كما أن تركيب الأحماض الدهنية في لحم الخنزير تركيب شاذ غريب يختلف عن تركيب الأحماض الدهنية في الأغذية الأخرى، مما يجعل امتصاصها أسهل بكثير من غيرها في الأغذية الأخرى وبالتالي زيادة كوليسترول الدم.
• يساهم لحم الخنزير ودهنه في انتشار سرطان القولون والمستقيم والبروستاتا والثدي والدم.
• يسبب لحم الخنزير ودهنه الإصابة بالسمنة وأمراضها التي يصعب معالجتها.
• يسبب تناول لحم الخنزير الحكة والحساسية وقرحة المعدة.
• يسبب تناول لحم الخنزير الإصابة بالتهابات الرئة والناتجة عن الدودة الشريطية ودودة الرئة والتهابات الرئة الميكروبية.
وتتمثل أهم مخاطر تناول لحم الخنزير في احتواء لحم الخنزير على الدودة الشريطية وتسمى تينياسوليم التي يصل طولها إلى 2-3 متر. ويؤدي نمو بويضات هذه الدودة في جسم الإنسان فيما بعد إلى الإصابة بالجنون والهستيريا في حال نمو هذه البويضات في منطقة الدماغ، وإذا ما نمت في منطقة القلب فإنها تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وحدوث نوبات قلبية، ومن أنواع الديدان الأخرى التي تتواجد في لحم الخنزير دودة التريكانيلا الشعرية الحلزونية المقاومة للطبخ والتي قد يؤدي نموها في الجسم إلى الإصابة بالشلل والطفح الجلدي.
ويؤكد الأطباء أن أمراض الديدان الشريطية تعتبر من الأمراض الخطيرة التي تنجم عن تناول لحم الخنزير، وتتطور في الأمعاء الدقيقة عند الإنسان، وتنضج خلال شهور عدة لتصل إلى دودة بالغة، يتألف جسمها من حوالي ألف قطعة، ويصل طولها إلى ما بين 4 - 10 أمتار، وتعيش وحيدة في أمعاء الإنسان المصاب وتخرج بيضها مع البراز. وعندما تبتلع الخنازير البيض وتهضمه، يدخل إلى الأنسجة والعضلات مشكّلاً الكيسة المذنبة أو اليرقة، وهي كيس يحتوي على سائل وعلى رأس الدودة الشريطية. وعند تناول لحم الخنزير المصاب تتحول اليرقة إلى دودة كاملة في أمعاء الإنسان، وتسبب هذه الديدان ضعف الإنسان، ونقص فيتامين (ب12) ، الذي يسبب نوعاً خاصاً من فقر الدم، وقد يسبب حدوث أعراض عصبية مثل التهاب الأعصاب، وقد تصل اليرقات في بعض الحالات إلى الدماغ مسببة حدوث الاختلاج، أو ارتفاع الضغط داخل الدماغ، وما يتلوه من صداع، واختلاج، أو حتى حدوث الشلل.
ويسبب تناول لحم الخنزير غير المطبوخ جيداً أيضا الإصابة بالديدان الشعرينية، وعندما تصل هذه الطفيليات إلى الأمعاء الدقيقة تخرج يرقات كثيرة بعد 4 إلى 5 أيام لتدخل إلى جدار الأمعاء، وتصل إلى الدم ومنه إلى معظم أنسجة الجسم، وتمر اليرقات إلى العضلات وتشكل كيسات هناك. ويعاني المريض من آلام عضلية شديدة، وقد يتطور المرض إلى حدوث التهاب السحايا، والدماغ، والتهاب عضلة القلب والرئة، والكليتين، والأعصاب، وقد يكون المرض مميتاً في حالات قليلة.
ومن المعروف أن هناك أيضا بعض الأمراض الخاصة بالبشر، لا يشاركهم فيها من الحيوانات إلا الخنزير، ومن ذلك الروماتيزم، وآلام المفاصل، وصدق الله العظيم إذ يقول: "إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم" البقرة/173.
فهذه بعض أضرار أكل الخنزير، ولعلك بعد الوقوف عليها لا تستريب في تحريمه، وإننا لنأمل أن يكون ذلك الخطوة الأولى لهدايتك إلى الدين الحق، فلتقف، ولتبحث، ولتنظر، ولتتأمل، بعدل وإنصاف وتجرد لمعرفة الحق واتباعه واسأل الله تتعالى أن يهديك لما فيه خير لك في الدنيا والآخرة.
على أننا لو لم نعلم في أكل الخنزير مضرة ولا أذى، فهذا لا يغير من إيماننا بتحريمه شيئا، ولا يضعف من تركنا له، ولتعلم أن آدم عليه السلام إنما أخرج من الجنة لأجل أكلة أكلها من الشجرة التي نهاه الله عنها، وما علمنا عن تلك الشجرة شيئا، ولا كان آدم في حاج إلى أن يبحث في سبب تحريم الأكل منها، بل كان يكفيه، كما هو يكفينا ويكفي كل مؤمن، أن يعلم أن الله حرم هذا.
وانظر حول بعض الأضرار المترتبة على أكل لحم الخنزير: أبحاث المؤتمر العالمي الرابع عن الطب الإسلامي، ط الكويت [731 وما بعدها] ، وأيضا: الوقاية الصحية في ضوء الكتاب والسنة، لؤلؤة بنت صالح [635 وما بعدها] .
على أننا نعود فنسألك أنت أيها السائل:
أليس الخنزير محرما في العهد القديم الذي هو شطر كتابكم المقدس:
{لا تأكل رجسا ما؛ هذه البهائم التي تأكلونها ... والخنزير لأنه يشق الظلف، لكنه لا يجتر، فهو نجس لكم، فمن لحمها لا تأكلوا، وجثثها لا تلمسوا} [سفر التثنية 14/3-8 ونحوه في سفر اللاويين 11/1-8] .
وتحريم الخنزير على اليهود لا يحتاج إلى أن ننقل دليلا عليه، فإن كنت في شك، فاسأل القوم يخبروك لكن الذي نظن أننا نحتاج إلى تنبيهك عليه هو بعض ما جاء في كتابكم المقدس أيضا، لكن في عهده الجديد الذي يقول لكم إن أحكام التوراة ثابتة في حقكم، لا يمكن أن تتغير؛ أليس فيها أن المسيح قال:
{لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس، أو الأنبياء، ما جئت لأنقض، بل لأكمل؛ فإني الحقَّ أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف أو نقطة واحدة من الناموس، حتى يكون الكل} [متى 5/17-18]
ومع أننا لا نحتاج مع هذا النص إلى أن نبحث عن حكم آخر للخنزير في العهد الجديد، فإننا نزيدك هنا نصا آخر قاطعا في نجاسة الخنزير وخبثه:
{وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى. فطلب إليه كلُّ الشياطين قائلين: أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها. فأذن لهم يسوع للوقت، فخرجت الأرواح النجسة، ودخلت في الخنازير} [إنجيل مرقس 5/11-13] وانظر نصوصا أخرى في استقذار الخنازير، واحتقار من يقوم برعيها [متى 67، رسالة بطرس الرسول الثانية 2/22لوقا 15/11-15]
فلعلك تقول هذا نسخ، فقد قال بطرس، أو قال بولس؟!!
وهكذا يبدل كلام الله، وتنسخ التوراة، وينسخ كلام المسيح الذي أكد لكم أنه ثابت ثبوت السماء والأرض، يبدل كل هذا وينسخ بكلام بولس أو بطرس؟!
فلنفرض أنه صادق، وأن تحريمه قد نسخ حقيقة، فما تنكرون أن يكون حراما في الإسلام كما كان عندكم أول مرة؟!
ثالثا:
وأما قولك:إذا كان أكله محرما، فلماذا خلق الله الخنزير إذاً، فلا نحسبك جادا فيه، وإلا فإننا نسألك لماذا خلق الله كذا وكذا من الأشياء المؤذية، أو المستقذرة، بل نسألك لماذا خلق الله الشيطان؟!
أليس من حق الخالق أن يأمر عباده بما يشاء، ويحكم فيهم بما يريد، لا معقب لحكمه سبحانه، ولا مبدل لكلماته؟
أليس من واجب المخلوق العابد أن يقول لربه، كلما أمره بشيء: سمعنا وأطعنا؟
(قد يلذ لك مذاقه، ويستهويك أكله، ويتمتع به من حولك، لكن ألا تستحق الجنة منك أن تضحي ببعض ما تشتهيه نفسك؟) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/153)
نصرانية قريبة من الدخول في الإسلام متزوجة من تارك صلاة، فما حكم عقدهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة نصرانية، تعيش في " كندا "، متزوجة من رجل مسلم، كانت ترغب أن تتعرف على الإسلام، وتتعلم أكثر عن قرب، وأن تعتنقه يوماً ما، إلا أنها أحبطت، وخاب ظنها لما رأت من زوجها تهاونه في الصلاة، حتى وصل الأمر إلى أن ترك الصلاة كليّاً لشهور حتى الآن، وبعد أن تم طرده من العمل أصبح يجلس في المنزل، وزوجته هي التي تعمل، وتنفق على شؤون البيت، أما هو فيجلس إلى الكمبيوتر، ويحادث النساء، ومشاهدة مشاهد إباحية على النت، هذا ما زاد الطين بلة، حينما علمت الزوجة بذلك بواسطة برنامج للتجسس , فما نصيحتكم التي تقدمونها لهما؟ أعلم أن تارك الصلاة مختلف بين العلماء بتكفيره، فأرجو أن توضحوا لنا المسألة على كلا المذهبين، وبارك الله فيكم، وأرجو إن كان في مقدوركم أن تكون الإجابة بالعربية والإنجليزية، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اتفق العلماء على أن تارك الصلاة جحوداً لفرضيتها أنه كافر مخلد في نار جهنم إن مات على هذا الجحود، واختلفوا فيمن تركها لا جحوداً لفرضيتها، بل تكاسلاً وتهاوناً، فقال جمهورهم إنه يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل حدّاً، وقال آخرون: إنه يعزر، ويُسجن حتى يصلي.
فصارت الأقوال في المسألة ثلاثة:
القول الأول: وهو كفر من ترك الصلاة، من غير تفريق بين جحود، أو تكاسل، وهو قول عامة الصحابة، لا يُعرف بينهم مخالف، وممن قال به: الإمام أحمد رحمه الله في أصح الروايتين، وابن المبارك، وإسحاق بن راهويه، ومنصور الفقيه من الشافعية، ويروى أيضاً عن أبي الطيب بن سلمة من الشافعية.
القول الثاني: أن التارك للصلاة تكاسلاً وتهاوناً لا جحوداً: هو فاسق من فسَّاق المسلمين، وليس بكافر، لكنه يستتاب – على خلاف بينهم في تحديد المدة -، فإن تاب وصلَّى وإلا قتلَ حدّاً! كالزاني المحصن، لكنه يقتل بالسيف، وهذا هو مذهب مالك وأصحابه، وهو مذهب الشافعي، وجمهور أصحابه.
وقتل مثل هذا حدّاً فيه وقفة تأمل، وقد ذكرنا خطأ هذا القول في جواب السؤال رقم (6035) .
القول الثالث: وهو أن تارك الصلاة عمداً، تكاسلاً، وتهاوناً، مع إقراره بوجوبها: لا يكفر، ولا يقتل، بل يعزر، ويحبس، حتى يصلي.
وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وأصحابه، وجماعة من أهل الكوفة، وسفيان الثوري، والمزني صاحب الشافعي، وهو أضعف الأقوال.
وقد بني على الخلاف في حكم تارك الصلاة: أحكام عملية كثيرة، منها: توريثه، والتوريث منه، وغسله ودفنه في مقابر المسلمين، والصلاة عليه، وحكم ذبحه وصيده، وحكم بقاء الزوجية، وغير ذلك من الأحكام.
فمن قال بكفر تارك الصلاة – ولو من غير جحود -: فإنه يطبق عليه كافة أحكام المرتدين، فلا يرث، ولا يورث، ولا يغسَّل، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه، ولا تحل ذبيحته، ويفسخ عقد نكاح الزوجية.
ومن حكم بعدم كفره: فإنه لا يطبق عليه الأحكام السابقة، بل يجعله فاسقاً من فساق المسلمين، مرتكباً لكبيرة من كبائر الذنوب، لكن جمهورهم يستتيبه، فإن لم يصل: قتل حدّاً! ومثل هذا – عندهم - لو تزوج نصرانية أو يهودية: فإنه يُحكم بصحة عقدهما، ويكون العقد زواج مسلم بكتابية.
والراجح من القولين: هو الأول؛ لظاهر الأدلة من الكتاب، والسنَّة؛ ولإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك.
وهو الذي يفتي به المشايخ: محمد بن إبراهيم، وعبد العزيز بن باز، ومحمد بن صالح العثيمين، وعلماء اللجنة الدائمة، وغيرهم من المحققين، على خلاف في الحد الذي يعتبر عنده تارك الصلاة تاركا مستحقا لهذا الحكم.
وعليه: فإن العقد بين ذلك الرجل وتلك المرأة عقد بين مرتد ونصرانية – إن كانت لا تزال على دينها -، وهي أهون منه؛ لأنها كتابية، وهو مرتد عن دينه.
وانظر أجوبة الأسئلة: (2182) و (5208) و (33007) و (10094) .
ثانياً:
والمرأة المسئول عنها إن كانت قد أسلمت: فإنه لا يحل لها البقاء مع ذلك التارك للصلاة، وقد سبق تفصيل الحكم فيه.
وأما إن كانت لا تزال على كفرها: فإنه ليس ثمة أحكام تتعلق بزواجها منه، فهما ليسا مسلميْن، وليس أحدهما مسلماً حتى يكون حكم من الشرع على عقدهما.
وإننا ننصحها بترك ذلك الرجل، والتزوج من رجل مسلم على الحقيقة، فهو بتركه للصلاة لا يعد مسلماً، وليس من أخلاق المسلمين ما يفعله من منكرات ومعاصٍ، ثم إنه ـ فيما يبدو لنا من السؤال ـ ناقص المروءة والشهامة؛ إذ يرضى لامرأته أن تخرج للعمل، وتتحمل أعباء المعيشة، وهو جالس في بيته؛ والله إن فعله لدناءة لو كان يجلس لقراءة القرآن والصلاة، وامرأته تخرج للعمل وتعوله، فكيف نقول فيه وهو يجلس للمعاصي والمنكرات.
وكلمتنا إلى هذه الزوجة: يا أمة الله، لا تنظري إلى الدين باعتبار أهله، أو باعتبار واحد منهم، لكن انظري إلى ما فيه من حق وخير، وصدق وبر، وأما الناس فإن كان زوجك بالحال التي وصفت، ففي أهل الإسلا من يقوم بآدابه وأحكامه وأخلاقه غير هذا الرجل، وما زال في الناس، من المسلمين وغيرهم، من فيه الصدق والبر والمروءة، وفيهم من حرم ذلك، غير أنه ما زالت أخلاق المسلم، إذا قام بحق دينه، أعلى وأبر وأطهر من أخلاق غيرهم، وتأملي تجدي مصداق ذلك، واعملي أن أكثر من حولك من المسلمين إنما هم أهل دنيا وطمع، خالفوا أحكام دينهم في النهي عن الإقامة في بلاد الكفار، حبا في الدنيا وطمعا فيها؛ فماذا تنتظرين من أخلاقهم؛ والقليل منهم من يحافظ على أمر دينه، أو يقيم هناك لحاجة تبيح له ذلك.
يا أمة الله، أسرعي، ولا تتأخري عن ربك، ولا تجعلي الناس وأخلاقهم حاجزا بينك وبين النور من ربك، فكل نفس بما كسبت رهينة، والحساب يوم القيامة: فردا فردا، ولا تحمل نفس حمل غيرها من النفوس: لها ما كسبت، وعليها ما اكتسبت، فهيا إلى النور الذي أبصرت شعاعه، واحذري أن تتأخري طويلا، فيدهمك الظلام، ويغيبك عنك الشعاع.
ومتى كانت هناك كف سوداء تحجب عنك الضياء، فأبعديها عن عينيك، مهما كانت، وسيري إلى ربك، على صراطه المستقيم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/154)
حكم تمكين المبتدعة والزنادقة من منابر الإعلام، وحكم الاختلاط في العمل الدعوي
[السُّؤَالُ]
ـ[في جامعتي، منظمة " الجمعية الإسلامية " توفر دائما منصة للمتكلمين الجريئين، ممن هم صوفية التصور، أو الحداثيين، أعلمت الأمير أن يتجنب إحضار المحاضرين، وإقامة أنشطة مضادة لطريق السلف، ولكن الجمعية الإسلامية تصر. 1. هل يجوز لي مقاطعة أعضاء " الجمعية الإسلامية " في الجامعة؛ لترويجهم لأهل البدعة. 2. " الجمعية الإسلامية " أيضا تسمح للنساء الدخول في الشورى، فهل هذا جائز؟ . 3. مجلس شورى " الجمعية الإسلامية " له لقاءات فيها يجلس الرجال والنساء في غرفة واحدة، على جانبيها، ولكن ينظر بعضهم إلى بعض، وهذا عزز الاختلاط بين الجنسين، حيث أن الأخوات بالحجاب يتكلمن مع الرجال المسلمين وجهاً لوجه، بدون غض للبصر، فهل هذا جائز؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعوة إلى الله شرف للمسلم الداعية، فهو عمل الرسل الذين بعثهم الله لإصلاح أقوامهم برسالة من عنده سبحانه، ورسول هذه الأمة مبعوث للناس كافة، ومهمة الداعية إلى الله أن يبلغ دين الله تعالى لمن يستطيع من الناس، فقد مات النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت الدعوة على وجوبها لكل قادر عليها.
ولا يحل للداعية أن يلوث نفسه بمعاصٍ أو منكرات، فهو طريق شريف يجب تنزيهه عما التصق به مما ليس منه من مخالفات شرعية فعلها أو أحدثها بعض الذين يزعمون أنهم يقومون بالدعوة إلى الله.
أ0 ومن هذه المخالفات المنكرة: إشهار المبتدعة والزنادقة على أنهم أهل فكر إسلامي! ، وعلى أنهم دعاة ومصلحون! وهذه ما تفعله بعض القنوات المحسوبة على الإسلام حيث تلمع تلك الأصناف الفاسدة، وتسوِّق لهم مادحة لهم، ومثنية عليهم، ويتكلم أحدهم فيما يرى، ويعتقد، ولو كان زندقة أو ضلالاً، وهذا لا شك أنه محرَّم، ولا يحل بحال أن يسوِّق أولئك بضاعتهم الكاسدة عن طريق أهل الخير والصلاح، بل يجب الأخذ على أيديهم، والتحذير منهم، وهجرهم، لا تلميعهم، والثناء عليهم وتمكينهم من بث سمومهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وكل من أظهر هذه الإشارات البدعية، التي هي فُشارت [أي: هذيان، لا حقيقة له] ... ، فهم أهل باطل وضلال، وكذب ومِحال [المِحال: المكر وطلب الأمور بالحيل] ، مستحقون التعزير البليغ والنكال، وهم إما صاحب حال شيطاني، وإما صاحب حال بهتاني؛ فهؤلاء جمهورهم، وأولئك خواصهم.
وهؤلاء يجب عليهم أن يتوبوا من هذه البدع والمنكرات، ويلزموا طريق الله الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم، ليس لهم أن يكونوا قدوة للمسلمين، وليس لأحد أن يقتدي بهم.
ومن كثر جمعهم الباطل، وحضر سماعاتهم التي يفعلونها في المساجد وغيرها، أو حسن حالهم، أو قرر مِحالهم من أئمة المساجد: فإنه مستحق التعزير البليغ الذي يستحقه أمثاله. وأقل تعزيره: أن يعزل مثل هذا عن إمامة المسلمين؛ فإن هذا معين لأئمة الضلالة، أو هو منهم، فلا يصلح أن يكون إماما لأهل الهدى والفلاح. قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2، وقال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران /104"
"جامع المسائل" (3/153-154) ط عالم الفوائد.
ويدل على ذلك الأصل الذي ذكره شيخ الإسلام رحمه الله، قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام/ 68.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
" المراد بالخوض في آيات الله: التكلم بما يخالف الحق، من تحسين المقالات الباطلة، والدعوة إليها، ومدح أهلها، والإعراض عن الحق، والقدح فيه، وفي أهله، فأمر الله رسوله أصلاً، وأمته تبعاً، إذا رأوا من يخوض بآيات الله بشيء مما ذكر: بالإعراض عنهم، وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل، والاستمرار على ذلك، حتى يكون البحث والخوض في كلام غيره، فإذا كان في كلامٍ غيره: زال النهي المذكور.
فإن كان مصلحة: كان مأمورا به، وإن كان غير ذلك: كان غير مفيد، ولا مأمور به، وفي ذم الخوض بالباطل: حث على البحث، والنظر، والمناظرة بالحق.
ثم قال: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ} أي: بأن جلست معهم على وجه النسيان والغفلة:
(فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يشمل الخائضين بالباطل، وكل متكلم بمحرم، أو فاعل لمحرم، فإنه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر، الذي لا يقدر على إزالته.
هذا النهي والتحريم لمن جلس معهم، ولم يستعمل تقوى الله بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم، وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى بأن كان يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشر، والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخففه، فهذا ليس عليه حرج، ولا إثم، ولهذا قال: (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الأنعام/ 69.
" تفسير السعدي " (260، 261) .
وقد بعث الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رسالة للأستاذ محب الدين الخطيب رئيس تحرير مجلة " الأزهر " ينكر عليه نشر مقال في الإيمان فيه مخالفة لاعتقاد السلف، ثم ختم رسالته له بقوله:
وأرجو أن تلاحظوا ما ينشر في المجلة من المقالات التي يخشى من نشرها هدم الإسلام؛ فتريح الناس من شرها والرد عليها لأمرين:
أحدهما: أن نشر الباطل من غير تعليق عليه: نوعٌ من ترويجه، والدعوة إليه.
والثاني: أنه قد يَسمع الباطل مَن لا يسمع الرد عليه فيَغتَرُّ به، ويتَّبع قائله، وربما سمعها جميعاً فعشق الباطل وتمكَّن من قلبه، ولم يقوَ الردُّ على إزالة ذلك من قلبه؛ فيبقى الناشر للباطل شريكاً لقائله في إثم مَن ضل به." جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز " (ص 467) إعداد الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد.
ب. إذا كان التمكين لأهل البدع لنشر سمومهم وبدعهم منكرا، أو حتى لنشر كلام مستقيم، في وسط من لا يميز بين حق وباطلهم، فيتبعهم على بدعهم وباطلهم، لما رأى من حقهم، أو لما مكنوا من هذه المنابر لدعوة الناس والاتصال بهم، إذا كان ذلك كله منكرا؛ فلا ندري ما نقول فيمن يمكن للحداثيين والعلمانيين والملاحدة منابر الإعلام والاتصال بالناس والتأثير فيهم؛ نعم لو كان المنبر منبرهم، والمكان مكانهم، وزاحمناهم نحن عليه، فهذا أمر طيب ومطلوب، شريطةَ أن نعلن للناس صراحة، ومن غير مواربة ولا خجل، براءتنا من إلحادهم وعلمانيتهم، وقوميتهم..، وما هم عليه من الضلالات والمخالفات لشرع رب العالمين.
أما أن يكون المنبر لأهل الحق والدين، أو التمكين في المكان لهم، ثم هم يتعاونون مع هؤلاء، أو يمكنون لهم، فعلي أي شيء يتعاون الكفر والإيمان، وأهل الحق وأهل الباطل؟!
ج0 ومن هذه المنكرات: الاختلاط المحرَّم الذي يحصل في بعض المؤسسات الدعوية، أو في بعض القنوات المحسوبة على الإسلام، حيث يجتمع الذكور والإناث كلُّ في كامل زينته! ليبدأ الحديث بعدها عن الإسلام، وأحكامه، وأخلاقه! ينظر بعضهم إلى بعض أمام الملايين، وهو الشيء نفسه الذي يُفعل عند بعض الجماعات الإسلامية، أو المؤسسات الدعوية، حيث يجتمع الدعاة من الذكور والإناث للمناقشة حول أسلوب الدعوة، وطرقها الناجحة، وخطط الدعوة المستقبلية، والعجب أن يكون هذا أيضا في الجامعات المختلطة، ومن شباب في سنِّ المراهقة الشديدة، وفي سن بلوغ الشهوة أوجها، وخاصة مع المناظر المؤذية من النساء المتبرجات في جامعاتهم ومؤسساتهم التعليمية.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
والإسلام حرم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة , وكذلك حرم الإسلام على النساء خضوعهن بالقول للرجال؛ لكونه يفضي إلى الطمع فيهن، كما في قوله عز وجل: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) الأحزاب/ 32، يعني: مرض الشهوة، فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الاختلاط؟! .
ومن البدهي أنها إذا نزلت إلى ميدان الرجال: لا بد أن تكلمهم، وأن يكلموها , ولا بد أن ترقق لهم الكلام، وأن يرققوا لها الكلام , والشيطان من وراء ذلك يزيِّن، ويحسِّن، ويدعو إلى الفاحشة، حتى يقعوا فريسة له , والله حكيم عليم، حيث أمر المرأة بالحجاب , وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البرُّ والفاجر، والطاهر والعاهر، فالحجاب يمنع - بإذن الله - من الفتنة، ويحجز دواعيها , وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء , والبعد عن مظان التهمة، قال الله عز وجل: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/ 53.
وخير حجاب المرأة بعد حجاب وجهها باللباس: هو بيتها، وحرَّم عليها الإسلام مخالطة الرجال الأجانب ; لئلا تعرض نفسها للفتنة بطريق مباشر أو غير مباشر , وأمرها بالقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة مباحة، مع لزوم الأدب الشرعي , وقد سمَّى الله مكث المرأة في بيتها: قراراً , وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة، ففيه استقرار لنفسها، وراحة لقلبها، وانشراح لصدرها، فخروجها عن هذا القرار: يفضي إلى اضطراب نفسها، وقلق قلبها، وضيق صدرها، وتعريضها لما لا تحمد عقباه.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 422، 423) .
وعليه: فالواجب الإنكار على أعضاء تلك الجمعية، وتذكيرهم بحكم الشرع في تمكين المبتدعة والزنادقة من منابرهم لتسويق أنفسهم، أو تسويق معتقداهم وأفكارهم، وإنكار الاختلاط الحاصل في اجتماعات تلك الجمعية، ونقل كلام أهل العلم في التحذير منه، ومن عواقبه الناتجة عنه، وتكون بذلك قد أبرأت ذمتك، فإن استجابوا فكن معهم، وأيدهم، وإن خالفوا ذلك ولم يقبلوه: فاترك الانتساب إليهم، ولا تعنهم على منكرٍ يفعلوه، مع تنبيهك على التزام الصحبة الصالحة، والدعوة إلى الله، والازدياد من الإيمان بفعل الطاعات، وترك المنكرات.
وانظر جواب الأسئلة: (8827) و (22397) و (6666) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/155)
الدعوة إلى الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تكون الدعوة إلى الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خلق الله الإنسان , وأسكنه في الأرض ولم يتركه سدىً بل أوجد له ما يحتاجه من طعام وشراب ولباس وأنزل عليه في مختلف العصور منهجاً يسير على هديه , وصلاح البشرية وسعادتها في كل زمان ومكان إنما يكون باتباع منهج الله وطرح ما سواه (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) الأنعام/153.
والإسلام آخر الأديان السماوية والقرآن آخر الكتب السماوية ومحمد صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء والرسل وقد أمره الله أن يبلغ هذا الدين إلى الناس كافة: (وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) الأنعام/18.
وقد أرسل الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام إلى الناس جميعاً كما قال سبحانه: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) الأعراف/158.
والدعوة إلى الإسلام هي أفضل الأعمال , لما فيها من هداية الناس إلى الصراط المستقيم وإرشادهم إلى ما يسعدهم في الدنيا والآخرة (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) فصلت/33.
والدعوة إلى الإسلام رسالة شريفة وهي وظيفة الأنبياء والرسل وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن رسالته في الحياة , ورسالة أتباعه هي الدعوة إلى الله , قال تعالى: (قل هذه سيبلي أدعو الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) يوسف/108.
والمسلمون عامة والعلماء خاصة , مأمورون بالدعوة إلى الإسلام , كما قال سبحانه: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران/104.
وقال عليه الصلاة والسلام: (بلغوا عني ولو آية) أخرجه البخاري/3461.
والدعوة إلى الله رسالة عظيمة ومهمة جليلة إذ هي دعوة الناس إلى عبادة الله وحده ونقلهم من الظلمات إلى النور وزرع الخير مكان الشر والحق مكان الباطل , لذا يحتاج من يقوم بها إلى العلم والفقه والصبر والحلم واللين والرفق وبذل المال والنفس ومعرفة الأحوال والعادات. قال تعالى: (ادع إلى سيبل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) النحل/125.
وقد امتن الله على رسوله بقوله: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) آل عمران/159.
والداعية قد يتعرض في دعوته إلى للجدل , وخاصة مع أهل الكتاب وقد أمرنا الله حين يصل الأمر إلى الجدال , أن نجادل بالتي هي أحسن وذلك بالرفق واللين وعرض مبادئ الإسلام كما جاءت نقية صافية بلطف بلا إكراه كما قال تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) العنكبوت/46.
وللدعوة إلى الله فضل عظيم وأجر جزيل قال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً , ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم، مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) رواه مسلم/2674.
وإذا كان البناء المادي يحتاج إلى جهد وصبر حتى يكتمل فإن بناء النفوس , وحملها على الحق , يحتاج إلى الصبر والتضحية وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام , فصبر على أذى الكفار , واليهود , والمنافقين فقد استهزءوا به وكذبوه , وآذوه ورموه بالحجارة وقالوا أنه ساحر أو مجنون واتهموه بأنه شاعر أو كاهن فصبر عليه السلام على كل هذا حتى نصره الله , وأظهر دينه فعلى الداعية أن يقتدي به (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) الروم/60.
فالواجب على المسلمين الاقتداء برسولهم , والسير على هديه والدعوة إلى الإسلام والصبر على الأذى في سيبل الله , كما فعل رسولهم صلى الله عليه وسلم: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كانوا يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) الأحزاب/21.
ولا صلاح ولا سعادة للأمة إلا باتباع هذا الدين ولذلك أمر الله بإبلاغه للناس كافة كما قال سبحانه: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب) إبراهيم/52.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري.(8/156)
غير مسلم ينكر على طالب مسلم عدم استمتاعه معهم بالنوادي الليلية!
[السُّؤَالُ]
ـ[في فصلي طالب مسلم في الجامعة، ولا يأتي أبداً ويجلس معنا، ولا يخرج إلى النادي الليلي، أو للمتعة معنا، سؤالي هو: لماذا الإسلام يعلِّم الناس أن لا يمتعوا أنفسهم، وأن يكونوا تعيسين طول الوقت. لنبتهج!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن فكرة مراسلتك لموقع إسلامي هي فكرة جيدة بحد ذاتها، وهي تدل أنك على الطريق الصحيح للاستفسار عما تريد، وقد أحسنتَ صنعاً بذلك، ونحن أُمرنا أن نقول للمحسن أحسنتَ، وأن نثني على تصرفه إن كان صحيحاً.
ونحن بدورنا يسعدنا أن نرد على تساؤلاتك واستفساراتك ليس في هذا الموضوع فحسب، بل بكل ما ترغب أن تعرفه عن هذا الدين، أو كل ما تراه مناسباً أن يكون عندك به علم ومعرفة.
ونطلب منك أن تُعيرنا انتباهك، فمؤكد أنك لم تسأل لأجل التسلية، ولا لأجل النيل من أحكام الدين الإسلامي، وظننا بك أنك لم تسأل إلا من أجل زيادة المعرفة.
ويسرنا أن يكون جوابنا في نقاط محددة مركَّزة، ونظن أنك أهلٌ لأن تفهم عنَّا ما نقوله.
1. ما رأيك لو جاءت امرأة لتعزيتك في وفاة قريب لك وهي تلبس " ملابس السباحة "؟! هل كنتَ تقبل منها هذا؟ نظن أن الجواب: لا، غير مقبول؛ لأن المناسبة تقتضي من المعزي لباساً يليق بالمناسبة، أليس كذلك؟ والسؤال: ما الذي قيَّد حرية هذا المعزِّي بلباسه ففرض عليه لباساً ومنعه من آخر؟ إنه العادة، أليس كذلك؟ فالمرء إذاً ليس حرّاً في تصرفاته في كل حال، بل العادة تمنعه أحياناً من أشياء وتحد حريته.
وما رأيك لو أن شخصاً كان يأكل معك على طاولة واحدة، وفي أثناء تناولكما للطعام " تجشأ "؟! هل كنتَ تقبل منه ذلك؟! نظن أن الجواب: لا، غير مقبول منه هذا التصرف؛ لأن هذا الفعل منافٍ لآداب الطعام، أليس كذلك؟ والسؤال: ما الذي قيَّد حرية ذلك الشخص ومنعه من هذا الفعل أثناء الطعام؟ إنه الذوق والأدب، أليس كذلك؟ فالمرء إذاً ليس حرّاً في أن يفعل ما يشاء أثناء تناول الطعام مع الآخرين، كالجشاء، ووضع الإصبع في الأنف، وما يشبه ذلك؛ لأن الذوق السليم يفرض عليه أشياء، ويمنعه من أخرى.
وما رأيك لو أن سائقاً يقود سيارته عكس اتجاه السير، أو يقف في مكان يُمنع الوقوف فيه؟ هل كنتَ تقبل منه ذلك؟ نظن أن الجواب: لا، غير مقبول منه هذه التصرفات؛ لأن فعله هذا مرفوض ومستنكر؛ لأن حق السير في الطريق ليس على هواه، وليست الأماكن كلها تصلح لأن يوقف سيارته فيها، أليس كذلك؟ والسؤال: ما الذي قيَّد حريَّة ذلك السائق فمنعه من السير عكس اتجاه السير، ومنعه من الوقوف في هذا المكان؟ إنه القانون، أليس كذلك؟ فالمرء إذاً ليس حرّاً في تصرفاته حتى يقود سيارته على هواه، أو يوقفها حيث شاء؛ لأن القانون يفرض عليه السير باتجاه معيَّن، ويمنعه من الوقوف في أماكن مخصوصة.
إذاً أيها السائل أنت ترى أن " العادة " و " الذوق " و " القانون " لهم من السلطة على الناس بحيث امتنعوا عن فعل أشياء، وأُلزموا بأخرى من أجلها، فلم الاستغراب من أن يكون " الله تعالى " أو " الدين " له السلطة على الناس، فنرى ما يمنعنا منه ربنا تعالى ويحرمه عليه ديننا فنمتنع عنه ونحرمه على أنفسنا؟ هذا هو الواقع باختصار، والظن بك أنك ستقدِّر أن منع الرب تعالى وتحريم الدين أولى من كل ما ذكرناه بالاستجابة له، والكف عنه؛ لأنه الخالق تعالى الذي رضينا لأنفسنا أن نكون عبيداً له، ورضينا به ربّاً مشرعاً وحاكماً.
وما فعله الطالب المسلم من عدم ذهابه للنادي الليلي، وعدم شربه للمسكر: إنما فعل ذلك من أجل أن الله تعالى حرَّم عليه ذلك.
2. ثم إنك تنكر على ذلك الطالب المسلم عدم ذهابه للنادي الليلي، وعدم استمتاعه معكم، ونحن نسألك: هل لهذه المتعة حدود أم هي مطلقة لا حدَّ لها؟ ولنكن صرحاء معك أكثر، هل ترضى أن تكون عشيقتك من الطالبات هي عشيقة لغيرك من الطلاب أو المدرسين؟! وهل ترضى أن يستمتع بها غيرك كما تستمتع بها أنت؟ إننا على علم بكثرة جرائم القتل التي تحصل في الثانويات والمعاهد جراء مثل هذه الأفعال، ولست بحاجة لأن تجيبنا؛ لأننا رأينا وسمعنا وقرأنا عن حوادث شجار وصل كثير منها إلى القتل، وكل ذلك بسبب التنافس على قلب طالبة، أليس كذلك؟ فأين المتعة الذي تنادي بها إذاً؟ ولم تحرمونها على الطلاب أو المدرسين الذين يرغبون بالاستمتاع بالطالبة نفسها، وقد تكون هذه هي رغبتها أصلاً؟ .
وإذا خالفتَ الفطرة، والواقع الذي تعيشه، ورضيتَ بأن يستمتع معك طلاب آخرون بطالبة واحدة تعشقها وتعلق قلبك بها: فهل ترضى الأمر نفسه أن يحصل مع زوجتك؟! ونأمل أن لا تغضب لهذا السؤال، فإنما أردنا أن نبين لك أن هناك تناقضاً في واقع مجتمعاتكم حيث تدعون للمتعة، ثم تقيدونها بأشياء تتعلق بنفوسكم وأهوائكم، وإذا امتنع عنها المسلم بسبب دينه كان محط سخرية وانتقاد، ثم إن هذا السؤال له أصل في ديننا! أتعرف كيف ذاك؟ جاء شاب عند نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يستأذنه في " الزنى "! نعم، يستأذنه في أن يزني ببنات الناس ونسائهم، أتدري ماذا قال له نبينا صلى الله عليه وسلم؟ قال له: أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك؟ أترضاه لابنتك؟ وفي كل مرة كان الشاب جيب بالنفي، وأنه لا يرضى أن يزني أحد بأمه، أو بأخته، أو بابنته، وفي كل مرَّة كان يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: وكذلك الناس لا يرضون لأمهاتهم وأخواتهم وبناتهم، فدعا له النبي صلى الله وسلم، وخرج من عنده والزنى أبغض الأفعال إلى قلبه.
وأنت تدعو هذا المسلم ليستمتع، ونحن سألنا سؤالا منطقيا أترضى أن يستمتع بعشيقتك التي تحبها؟ أترضى أن يستمتع بزوجتك؟ أترضى أن يستمتع بابنتك؟ نحن نعتقد جازمين أن ما يحصل من حوادث قتل لزوجات خائنات إنما هو بسبب الفطرة التي خلق الله الناس عليها، والتي يأبى أصحابها ذلك وينكرونه أشد الإنكار، ولو أدى به الأمر لقتلها، أو لقتلها وعشيقها، حتى لو كان نهاية الأمر سجن مؤبد، أو إعدام، والعشيقة الخائنة ليست كالزوجة الخائنة قطعاً، ولكن حتى العشاق لا يرضون أن تكون عشيقاتهم مشاعاً للناس جميعاً.
3. ثم إن الإسلام جاء بأحكام غاية في الإحكام والإتقان، وهي تصب في مصلحة الفرد، والمجتمع، والدولة، وعندما حرَّم الإسلام العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج إنما أراد أن تكون المجتمعات نظيفة في قلوبها، وأبدانها، ويكفي أن تعلم النسبة المهولة للأمراض الجنسية التي سببتها العلاقات الآثمة، والشاذة، والتي ينبغي أن لا يُختلف في تحريمها بين الأديان، فكم هم ضحايا " الإيدز "؟ وكم عدد الإصابات؟ وكيف يعيش من لم يمت منهم؟ إنها حياة مأساوية، وميتة بشعة شنيعة يرضاها لنفسه من يدفع حياته من أجل متعة دقائق! والإسلام جاء بما يحفظ على المسلم دينه، وقلبه، وبدنه، فامتنع المسلم عن فعل الحرام، ورضي بما حكم الله تعالى له به، وهو الخبير سبحانه بما يصلح الناس.
4. واعلم أيها السائل أن الدنيا ليس فيها ما يُتحسر على فواته، وأن هذه الدنيا بالنسبة للمسلم سجنٌ! وجنته ومتعته الحقيقية إنما هي في الآخرة، وأما الكافر فجنته في الدنيا فقط، يلتذ ويستمتع ثم يصير مآله إلى هوان وخسارة.
وقد قال لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ) رواه مسلم (2956) .
وقد فسَّرها علماؤنا بقولهم:
معناه: أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة، والمكروهة، مكلَّف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات: استراح من هذا، وانقلب إلى ما أعدَّ الله تعالى له من النعيم الدائم، والراحة الخالصة من النقصان.
وأما الكافر: فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا، مع قلته، وتكديره بالمنغصات، فإذا مات: صار إلى العذاب الدائم، وشقاء الأبد.
" شرح النووي " (18 / 93) .
فنرجو منك التأمل في هذه المسألة حق التأمل، ونرجو أن تكون مفتاحاً لقلبك لتصل إلى الحق.
5. ومن قال لك إن الإسلام ليس فيه متعة؟! إننا نستمتع، لكن بما أباح الله تعالى لنا، بل إننا نستمتع أضعاف ما تستمتعون – وتظنون أنها متعة -؛ لأن الشيء المحرَّم ليس فيه متعة، وإنما المتعة الحقيقية هي المباحات، والمعصية تعقبها حسرة، ولن يكون صاحبها في سعادة وهناء، وانظر حولك لترى صدق هذا القول.
وإذا كنتم تستمتعون بزوجة واحدة: فنحن أبيح لنا الاستمتاع بأربع زوجات! فما بال قومك ينكرون علينا الليل والنهار ويسيئون لديننا لأنه حكم لنا بهذا الاستمتاع؟
وإننا نستمتع بالحياة مع أبنائنا وبناتنا، ولذلك ترى الأسرة المسلمة تنجب أعداداً وفيرة من الأولاد، فما هو حال استمتاعكم في هذا الجانب؟
وإننا نستمتع بحب أمهاتنا وآبائنا، فهل تعلم حقيقة العلاقة بين الواحد منكم وبين أمه وأبيه؟
ونحن نستمتع بالطعام اللذيذ المباح، ونستمتع بالشراب المباح اللذيذ، وهكذا في أبواب كثيرة، والمهم في ذلك أن يكون الله تعالى أباحها لنا وأذن لنا في الاستمتاع بها.
ويكفينا أن نكون سعداء، ومستمتعين بما هدانا الله تعالى له، وهو أننا نسير على الطريق الصحيح الذي يرضى الله تعالى عنّا به، والذي سار عليه الأنبياء الكرام من قبلُ، وهذه السعادة حرمها الملايين من الناس، والذين رضوا لأنفسهم أن يعبدوا حجراً، أو صنماً، أو بشراً مثلهم، وقد أخبرنا الله تعالى أن هؤلاء لن تكون حياتهم هنيئة، ولن تكون صدورهم منشرحة؛ لأنهم تركوا توحيد الرب الذي خلقهم، وأشركوا معه آلهة أخرى، فعاقبهم الله في الدنيا بضيق الصدر، ثم سيعاقبهم بضيق القبر، ثم بضيق الحشر، ثم يكون مصيرهم جهنم خالدين فيها أبداً.
وإذا أردت أن تعرف صدق هذا القول فاقرأ قصص من دخل في الإسلام من بني قومك، أو من غيرهم، وانظر إلى التحول العظيم في حياتهم، وانظر إلى السعادة البالغة التي هم عليها الآن، هذا هو الاستمتاع الذي ينبغي أن تحرص عليه، وكما دعوتنا لنبتهج ونستمتع فإننا ندعوك بصدق إلى أن تستمتع أنت معنا، وتسلك طريق السعداء، وتتذوق السعادة الحقيقية التي تنام معك، وتستيقظ معك، لا تفارقك، حتى لو دخلت قبرك، إلى أن يدخلك ربك دار السعداء، وهي جنته التي عرضها السموات والأرض.
سائلين الله تعالى ربنا أن يهديك لمعرفة الحق، وأن لا يميتك إلا على الدين الذي ختم به الرسالات.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/157)
المناسبات الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأيام المقدسة في الدين الإسلامي؟ ما هي المناسبات الكبرى في الدين الإسلامي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك يوم فاضل في دين الإسلام اختصه الله بخصائص لم يجعله في غيره من الأيام، وهذا اليوم هو يوم الجمعة الذي هدى الله السلمين إليه وأضل عنه اليهود والنصارى، فهو عيد المسلمين الأسبوعي وله خصائص كثيرة نذكر منها ما يلي:
1- " كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، وكان يقرأ في فجره بسورتي {آلم تنزيل} (السجدة) و {هل أتى على الإنسان} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنما كان النبي يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد وحشر العباد وذلك يكون يوم الجمعة وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعا ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة.
2- استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وفي ليلته لقوله: " أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة " أخرجه البيهقي (3 / 249) ، وحسَّنه الأرنؤوط.
3- تقام فيه صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين وهي أعظم من كل مجمع يجتمعون فيه وأفرضه سوى مجمع عرفة، ومن تركها تهاوناً بها طبع الله على قلبه، وقُربُ أهل الجنة يوم القيامة وسبقهم إلى الزيارة يوم المزيد بحسب قربهم من الإمام يوم الجمعة وتبكيرهم.
4- الأمر بالاغتسال في يومها وهو أمرٌ مؤكدٌ جدّاً.
5- التطيب فيه وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع.
6- السواك فيه وله مزية على السواك في غيره.
7- التبكير للصلاة فيه.
8- أن يشتغل بالصلاة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام للخطبة.
9- الإنصات للخطبة إذا سمعها وجوباً في أصح القولين فإن تَرَكَهُ كان لاغياً ومن لغا فلا جمعة له وفي المسند مرفوعاً: " والذي يقول لصاحبه أنصت فلا جمعة له " أخرجه أحمد (2034) وحسنه الأرناؤوط (انظر حاشية " زاد المعاد " (1 / 377)) ، وأخرجه البخاري (934) ومسلم (851) بلفظ: " إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ".
10- قراءة سورة الكهف في يومها فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء به يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين " أخرجه الحاكم (2 / 368) وصححه الأرنؤوط.
11- أنه يوم عيد متكرر في الأسبوع وقد روى ابن ماجة في سننه من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا أعطاه ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا شجر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة " أخرجه ابن ماجه (1084) قال البوصيري: إسناده حسن، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (888) .
12- أنه يستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي أيوب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيبٍ إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ثم يركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينهما " رواه أحمد في المسند (23059) وحسنه الأرنؤوط.
وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر في يوم الجمعة: " ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته " رواه أبو داود (1078) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " (953) .
13- أنه يستحب فيه تجمير المسجد (أي تطيبه بالبخور) فقد ذكر سعيد ابن منصور عن نعيم بن عبد الله المُجمِر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أن يُجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار. قلت: ولذلك سمي نعيم المُجْمر.
14- أنه يوم تكفير السيئات ففي صحيح البخاري عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى "رواه البخاري (843) .
15- أنَّ فيه ساعة الإجابة وهي الساعة التي لا يسأل الله عبدٌ مسلمٌ فيها شيئاً إلا أعطاه ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ في الجمعة لساعة لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ وهو قائم يصلي يسأل شيئاً إلا أعطاه إياه، وقال بيده يقللها " رواه البخاري (883) ومسلم (1406) .
17- أنَّ فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده، والشهادة له بالوحدانية ولرسوله بالرسالة، وتذكير العباد بأيامه وتحذيرهم من بأسه ونقمته ووصيتهم بما يقربهم إليه وإلى جنانه ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها.
18- أنه اليوم الذي يُستحب أن يتفرغ فيه للعبادة وله على سائر الأيام مزية بأنواع من العبادات واجبة ومستحبة، فالله سبحانه جعل لأهل كل ملة يوماً يتفرغون فيه للعبادة ويتخلون فيه عن أشغال الدنيا، فيوم الجمعة يوم عبادة، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان، ولهذا من صَحَ له يوم جمعته وسَلِمْ سَلِمَتْ له سائر جمعته، ومن صح له رمضان وسَلِمْ سَلِمَتْ له سائر سنته، ومن صحت له حَجَتُه وسلمت له صح له سائر عمره، فيوم الجمعة ميزان الأسبوع، ورمضان ميزان العام، والحج ميزان العمر وبالله التوفيق.
19- أنه اليوم الذي ادخره الله لهذه الأمة، وأضلَّ عنه أهل الكتاب قبلهم كما في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم خيرٍ من يوم الجمعة، هدانا الله له وضل الناس عنه، فالناس لنا فيه تبع هو لنا ولليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد " رواه أحمد (10305) ، وصححه ابن خزيمة (3 / 114) .
20- أنه خِيْرَةُ الله من أيام الأسبوع كما أن شهر رمضان خِيْرَتُهُ من شهور العام، وليلة القدر خيرته من الليالي، ومكة خيرته من الأرض، ومحمد خيرته من خلقه ".
انظر " زاد المعاد " (1 / 375) .
أما السؤال الثاني: وهو عن مناسبات المسلمين فهي متعددة ومنها:
1- شهر رمضان المبارك، وهو شهر له خصائص تجدها في السؤال رقم (13480) .
2- عيد الفطر، وهو اليوم الأول من شهر شوال، يظهر المسلمون فيه الفرح بنعمة الله عليهم بإتمام صيام شهر رمضان.
3- يوم عرفة وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وهو يوم الحج الأكبر، وركن الحج الأعظم، وله فضائل تجدها في السؤال رقم (7284) .
4- يوم عيد الأضحى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعظم الأيام عند الله يوم النحر) أخرجه أبو داود (1765) وصححه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود (1/133) وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة. فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " رواه الترمذي (704) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (620) .
[الْمَصْدَرُ]
انظر " زاد المعاد " (1 / 375) .(8/158)
الفيلم الهولندي المسيء للإسلام تعليق، ونقد، وتوجيه
[السُّؤَالُ]
ـ[خرج في هذه الأيام فيلم هولندي فيه إساءة للإسلام وأهله، واصفاً لهم بالإرهاب، فما هو توجيهكم للمسلمين حيال هذا الموضوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن الصراع بين الحق والباطل قديم، وما يزال جنود الباطل يقفون في وجه الحق في كل عصر ومصر، فيخذلهم الله تعالى بقوة الحق، ويقذف الله تعالى بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.
ومنذ أن خُذل إبليس وترك استجابة أمر الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام بدأ الكيد للحق وأهله، وطلب إبليس من ربِّه الإنظار، لا ليتوب، بل ليكيد، وليُكثر من أتباعه، فيدخل وإياهم نار الله تعالى، وهناك سيقف خطيباً فيهم ويقول: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) إبراهيم/ 22.
ثانياً:
قد تعرَّض الإسلام لمكائد كثيرة وكبيرة، ولكنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظ دينه؛ لأنه جعله خير الأديان وخاتمتها.
ثالثاً:
نقف هنا مع حدَث حديث، لن يكون الأخير؛ لوجود شياطين الإنس والجن، ومحاولاتهم اليائسة البائسة للنيل من هذا الدين، وكتابه المقدس والنبي العظيم صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحدَث هو ما صنعته يد الإثم والبهتان المسمَّى " غيرت فيلدرز "، زعيم حزب " الحرية "، وهو يميني هولندي متعصِّب، أراد أن يطعن في هذا الدين العظيم؛ ليُعرف، وليحصِّل مكاسب سياسية، لكنَّ الله تعالى خذله، وسيُخذل أكثر وأكثر، إن شاء الله، فأنتج ذلك الحاقد " فيلماً " قصيراً لا يتجاوز 17 دقيقة عن الإسلام والقرآن ملأه بالأكاذيب والافتراءات، وقد سمَّاه " فِتنة "! ، ولو عُرض ما قاله وقاءه على معهد أو جامعة " أكاديمية ": لكان حقه التوبيخ والإهانة؛ لعدم موضوعيته؛ ولتحريفه وتزويره للحقائق.
وقد بدأ فيلمه وأنهاه بوضع صورة مشينة للنبي صلى الله عليه وسلم مما رسمته اليد الآثمة المجرمة، يد الرسام الدنماركي، وهي تمثل في أول الفيلم قنبلة على عمامة صورة للنبي صلى الله عليه وسلم – في زعمه – وهي في أول اشتعالها، وفي آخر الفيلم تصل الشعلة لنهايتها، وتنفجر! وهو يريد بذلك إيصال رسالة خسيسة بأن الإسلام جاء للدمار والخراب، وأن السكوت عنه سيؤدي إلى زوال الحضارات والأمم غير المسلمة! .
رابعاً:
يمكننا تقسيم وقفاتنا مع ذلك الفيلم السيئ إلى عدة أقسام:
1. آيات مقتطعة عن سياقاتها، ومحرَّفةٌ معانيها.
ومن أمثلة ذلك:
أ. أول الآيات في فيلمه قراءة هي قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) الأنفال/ 60.
وقد أوصل القراءة إلى هذا الحدِّ، ولم يُكملها، وأراد إثبات لفظ (تُرهِبون) للدلالة على أن الإسلام هو الإرهاب، وهو ما يسعى كثيرون من الحاقدين والجهلة للصقه بالإسلام.
ولسنا نخجل مما في كتاب ربنا تعالى، ولسنا ننكر هذه الآية، بل نتعبد الله بقراءتها، ونسأله التوفيق للعمل بها، ونرد على استدلاله بهذا المقطع بوجهين اثنين – خشية الإكثار وخروج الرد عن منهج الموقع -:
الأول: أن هذا الذي أنكره على الإسلام هو ما تفعله الدول الكبرى والعظمى، فهي تنتج الأسلحة الفتاكة، والقنابل النووية والذرية، والطائرات، والغواصات، وغيرها؛ حماية لنفسها؛ وإرهاباً لأعدائها خشية أن يتعدى أحد عليها! وهو المراد بهذه الآية، ولم يطمع الكفار المحتلون ببلاد المسلمين إلا عندما عطَّلوا العمل بهذه الآية، ومن آخر أمثلة ذلك: العراق، حيث ضغطوا على حكومته لتدمير أسلحته، وصواريخه، فلمّا تمَّ ذلك، وتأكدوا منه: غزوا البلد، واحتلوه، وساموا أهله سوء العذاب.
الثاني: أن تكملة سياق الآية بعدها يفسِد عليه ما أراده من إلصاق الإرهاب – بمفهومه هو وعصابته – بالإسلام، والآية التي بعدها مباشرة: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الأنفال/ 61.
ب. وثاني آية مسموعة في ذلك الفيلم: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً) النساء/ 56.
ومن تدليس هذا المخرج أنه جاء بهذه الآية ليبين للمشاهدين أن الإسلام يأمر بحرق المخالفين له حتى تنضج جلودهم! وأن هذا من تشريع الله لهم.
والرد عليه من جهتين:
الأولى: أن فعله تدليس أخرق؛ لأن الله تعالى يذكر فيها عقوبة الكفار يوم القيامة! وليس هي في الدنيا، وقد جاء بعدها ذِكر جزاء الممنين الموحدين، فقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً) النساء/ 57.
والثانية: أن أدنى تأمل في الآية يبين به كذب وافتراء وتدليس هذا المخرج، ففي الآية قول الله تعالى (بدَّلْنَاهم جُلُوداً غَيْرَهَا) وهل يملك المسلمون تبديل جلود من احترقت جلودهم في الدنيا؟! .
2. صورٌ مفبركة، أو غير دالة على مراده، أو هي منكرة في الإسلام أصلاً.
ومن أمثلتها:
أ. صور لمجموعة من الرافضة – الشيعة – تجرح نفسها وأبناءها بالآلات الحادة، فتُدمى رؤوسهم، في منظر بشع سيء، وهذا ليس من ديننا، وإنما يفعله بعض المنتسبين إلى الإسلام جهلاً منهم وضلالاً.
والصورة التي فيها سيوف مرفوعة عليها دماء: أيضاً هي من صور الرافضة في مناسبات عندهم، وقد أفهم المخرجُ الكذابُ النّاسَ أنها لمسلمين! وأنهم للتو قد انتهوا من حفلة تقطيع رؤوس للكفار! .
ب. ومن الصور المضحكة الواضحة الكذب: صور لنساء مسلمات منتقبات يرفعن لوحات كُتب عليها " بارك الله في هتلر "! .
ونقول: وهذا واضح أنه كذب وتدليس، فإن ديننا يمنعنا من الدعاء لمن مات كافراً، قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة /113، فكيف تدعو نساء منتقبات ملتزمات بأحكام الإسلام لهتلر بالبركة.
3. مقاطع مرئية، بعضها يحتوي حقّاً لا ريب فيه، وبعضها تزوير للحقائق، وتدليس على المشاهدين.
ومن أمثلة ذلك:
أ. لقاء مفبرك مع طفلة صغيرة، وواضح أنهم لم يحسنوا تمثيلها، ولا فبركتها، وذلك من وجهين:
الأول: أنها محجبة، وهم يسألونها عن دينها! فلم التلبيس والتدليس وكأنه أمر طبيعي غير مفبرك؟! .
والثاني: أن الطفلة الممثلة! سئلت عن رأيها في اليهود والنصارى، فقالت: قردة وخنازير.
وهذا ليس من ديننا، فليس فيه أن اليهود والنصارى قردة وخنازير، وإنما فيه أن طائفة من اليهود السابقين احتالوا على شرع ربهم، فعاقبهم الله تعالى فمسخهم قردة، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) البقرة/ 65، وقال تعالى: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) الأعراف/ 166.
ب. ومن المقاطع المرئية المقطوعة عن سياقاتها: مقطع ذلك الخطيب الذي يُخرج السيف، ويتوعد الكفار! .
وهذا الشيخ معروف، وهو عراقي، رفع السيف في خطبته تهييجاً للناس على الجهاد ضد الكفار المحتلين لبلده - وقد قتله الرافضة عليهم من الله ما يستحقون -، وماذا يراد من المسلمين إذا احتلت بلادهم؟ التسليم لأموالهم وأعراضهم، وانتظار القتل، أو الرضا والعفو عن المحتل المجرم؟! بل الإسلام دين العزة، والكرامة، والمسلمون يأبوْن الذل، ولا بدَّ من قتال المحتل، وهذا مؤيد من أديان الأرض وشرائعه جميعاً، بل رأس الاحتلال نفسه قال: لو احتلت بلدي لقاتلت المحتل، وعلى فرض تصديقه أنه يقاتل ولا يفر: فهو لم يقل إلا الحقيقة والواقع، أي: أن المحتل يقاتَل.
فما هو المنكر في جهاد المسلمين لمن احتل أرضهم؟
خامساً:
انصبت الأفكار الرئيسية جميعاً على الطعن في الإسلام، من خلال: السخرية والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلال الطعن في القرآن، وأنه كتاب " فاشي "! كما قال في الفيلم، ومن خلال التنبيه على خطر المساجد، وكل ذلك حاوله المخرج في فيلمه القصير عن طريق المقاطع المرئية، والصور المؤثرة، ومن خلال الموسيقى المصاحبة لهما، لكنه فشل فشلاً ذريعاً؛ لاستعماله الكذب، والتزوير، والتدليس، وهو ما لن يقبله منه المشاهد، حتى لو كان كافراً.
وقد أرجع الله تعالى مكر المخرج على نفسه، فقد انكبَّ الناس في " هولندا " على الكتب الإسلامية، وعلى المصاحف، لشرائها، والنظر فيها، وسيرون فيها ما يبين كذب وتزوير ذلك المخرج الفاشل، وقد حصل بالفعل، فقد أسلم ثلاثة أشخاص من تلك البلاد بعد عرض الفيلم، وقد هددت شركات هولندية برفع قضايا على النائب المخرج إذا قاطعت الدول الإسلامية منتوجاتها، وسيبوء ذلك النائب المخرج بالخزي والعار، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
سادساً:
قد نصر الله تعالى دينه نصراً مبيناً، فمنذ الإعلان عن قرب عرض الفيلم والمؤسسات والحكومات والأفراد من غير المسلمين ينكرون على النائب فعله، ويبينون عدم ربط الإسلام بالعنف والإرهاب، وأن المسلمين هم ضحايا للإرهاب مثل غيرهم، ومن هؤلاء المنكرين الرافضين لفعل ذلك النائب المخرج: رئيس وزراء هولندا، وله كلام قوي في إنكاره ورفضه، وسكرتير هيئة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي، وجمع من الساسة، والقادة، والدول، وقد رفضت المحطات الفضائية العامة والخاصة عرض هذا الفيلم، ولم يجد إلا موقعاً في " الإنترنت " لينشره.
وجاء في " مفكرة الإسلام " (السبت 22 ربيع الأول 1429هـ، 29 – 3 - 2008م) :
" ففي بروكسل: أدان البرلمان الأوروبي هذا الفيلم المسيء؛ حيث هاجم رئيس البرلمان " هانز غيرت بوتيرنغ " بشدة النائب الهولندي " فيلدرز " قائلاً في بيان له: إن محتوى الفيلم " يبدو مصمماً لاستفزاز الحساسية الدينية للمسلمين في هولندا وأوروبا والعالم ".
وأضاف قائلاً: " نيابة عن البرلمان الأوروبي أرفض بشدة تأويل الفيلم بأن الإسلام ديانة عنيفة "، مشيراً إلى أنه يصادق تماماً على بيان الحكومة الهولندية الرافض لفيلم (فتنة) ".
وكذلك أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا اعتبر فيه الفيلم الذي تبلغ مدته 15 دقيقة " معادياً للإسلام " و " مهيناً " و " ينشر الكراهية " انتهى.
وأما المسلمون فقد تحركوا في الإنكار، والشجب، وإخراج البيانات والتحذيرات من الاستمرار في الإساءة لشعائر ديننا ورموزه، وقد هددت بعض الدول بقطع علاقاتها مع هولندا، وطالب نواب في بعض الدول بطرد السفير الهولندي، ومقاطعة البضائع الهولندية، وعلى الضعف والتفرق الذي يعيشه المسلمون يعتبر هذا نصراً عظيماً للإسلام، حيث يوجد من يدافع عن ديننا من الكفار والمسلمين، وقد بعث رئيس وزراء هولندا نفسه رسالة لشيخ الأزهر يبين له فيها رفض حكومته لإنتاج هذا الفيلم وعرضه، وأن هناك قضية مرفوعة في المحاكم الهولندية.
فكيف سيكون الأمر والحال لو أن المسلمين كانوا على قلب رجل واحد، وكان لهم من القوة ما يهابهم الحاقدون الأفاكون بسببها؟! .
سابعاً:
الذي تبين لنا أن ذلك النائب الكاذب أراد تحقيق أهداف من خلال فيلمه ذاك، ومنها:
1. كسب شخصي، للشهرة، والفوز بالانتخابات.
2. إرضاء اليهود، وقد وضح ذلك في فيلمه في عدة مقاطع يُظهر فيه الشفقة عليهم! وهم محتلون مجرمون، وفي الوقت الذي تكلَّم فيه عن القتل عند المسلمين: نسي أو تناسى أمرين:
الأول: أن الذي حرق الملايين من اليهود: نصراني! وهو هتلر! وقد ذكر في كتابه " كفاحي " أن هذا كان بأمر الله! .
والثاني: أن اليهود قتلوا وشردوا من المسلمين أعداداً كبيرة، ولم يخجلوا من أنفسهم في معركتهم الأخيرة على " غزة " أن يسموا فعلهم " محرقة "! .
3. تنبيه الغرب على ارتفاع نسبة المسلمين في بلادهم، وأن كثرة أعداد المسلمين تشكل خطراً على أوربا! .
4. تنبيه أوربا عموما، وهولندا على وجه الخصوص من انتشار المساجد فيها، وقد بان ذلك من خلال نشره لصور مساجد في هولندا؛ ليحذر من وجودها.
5. محاولة منع المصحف من التداول في أوربا، ومقارنة القرآن الكريم بكتاب هتلر " كفاحي "! ومن هنا فقد وصف القرآن بـ " الفاشي "! وهو مصطلح يشير إلى العنف والقسوة.
وقد خذل الله هذا النائب المخرج بذلك العمل الهزيل، المليء بالكذب، والافتراء، وسيرى الناس الفرق بين الكذب والحقيقة عندما يطلعون على القرآن الكريم، وعلى ما كتب عنه وعن الإسلام من عقلاء أقوامهم، وسيكون هذا الفيلم دافعاً لهم لتلك القراءة، وذلك الاطلاع، إن شاء الله، ولعله يكون سبباً لإنقاذ كثيرين من الضلالة.
ثامناً:
وصفُ الإسلام بالإرهاب والعنف: هو الرسالة الأصلية لهذا الفيلم، وهذا: ليس إلا إفكاً مفترىً، فالإسلام دين الرحمة، والعدل، والإنسانية، وهو الذي أنقذ أهل الأديان من جور حكامهم، ومخالفيهم، كما كان الحال في " الأندلس "، وفي " مصر " وغيرهما من البلدان التي كان يسام فيها أهل المخالفة سوء العذاب، حتى اليهود منهم! .
قال " إسرائيل ولفنسون ":
" إن الخسارة القليلة التي لحقت بيهود بلاد الحجاز ضئيلة بالقياس إلى الفائدة التي اكتسبها اليهود من ظهور الإسلام، لقد أنقذ الفاتحون المسلمون آلافاً من اليهود كانوا منتشرين في أقاليم الدولة الرومية، وكانوا يقاسون ألواناً من العذاب ".
" اليهود والتحالف مع الأقوياء " الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي، بواسطة مقال الأستاذ خالد جودة " الفارق الإنساني بين حضارة الإسلام وثقافة الغرب ".
وليس الإسلام دين ذل وهوان، فالجهاد في سبيل الله من شعائره، ومن أعظم الأعمال فيه، وهو مشروع لحماية المسلمين من عدوهم، ولتبليغ دين الله تعالى، ونشر كلمة التوحيد في آفاق الأرض، وليس في الإسلام أنه يُكره الناس على دخوله؛ لأن من شرط الإسلام الصدق والإخلاص، فإذا لم يتصف بهما فسيكون منافقاً بين صفوف المسلمين، ولا يحرص الإسلام على وجود هذا الصنف الدنيء بين أفراده، بينما نجد القساوسة والرهبان قد ساهموا في إجبار الناس على اعتناق النصرانية في أوربا وغيرها، حتى بلغ القتلى من أجل ذلك الهدف أعداداً مهولة، قال المؤرخ " بريفولت " إنها من 7 – 15 مليوناً! .
ومن الظلم البيِّن الالتفات إلى أخطاء بعض المسلمين مما ينكره علماؤه وأئمته من قتل الأبرياء، ونسبة ذلك للإسلام – كما جاء في بعض مقاطع في الفيلم نحو تفجير قطارات لندن ومدريد وأمثال ذلك، فهذا كله أنكره أهل العلم مع أنه لم يكن ابتداء من أحد، وإنما كان ردة فعل من الظلم والقهر - وفي الوقت ذاته يغفل هؤلاء عن قتلى الحرب العالمية الأولى والثانية والتي مات فيهما عشرات الملايين – قتلى الحرب الأولى: 14 مليوناً! وقتلى الثانية: 55 مليوناً! - ولم تكن بين المسلمين والنصارى، بل كانت بينهم أنفسهم، وعن قتلى اليابان من القنبلة الذرية الأميركية، وقتلى الهنود الحمر من الأمريكان، وقتلى الشعوب الآسيوية من الأمريكان أيضاً، وقتلى المستعمرين المحتلين.
ويغفلون عن الدمار والإرهاب الذي جاءت به الحملات الصليبية على بلاد المسلمين، ويغفلون عما تفعله أمريكا وحلفاؤها اليوم في أفغانستان، والعراق، وما فعله الصرب بمباركة القساوسة في المسلمين في " البوسنة "، وغير ذلك الكثير والكثير، وإن نسي التاريخ أشياء: فإنه لا ينسى " محاكم التفتيش "، وخاصة تلك التي كانت في " إسبانيا ".
قال " غوستاف لوبون " في كتابه " حضارة العرب ":
" وعاهد " فرديناند " العربَ على منحهم حرية التدين، واللغة، ولكنه في سنة 1499م: لم تكد تحل: حتى حلَّ بالعرب دور الاضطهاد، والتعذيب الذي دام قروناً! والذي لم ينته إلا بطرد العرب من " أسبانية "، وكان تعميد العرب كرهاً فاتحة ذلك الدور، ثم صارت " محاكم التفتيش " تأمر بإحراق كثير من المعمَّدين على أنهم من النصارى، ولم تتم عملية التطهر بالنار إلا بالتدريج، لتعذر إحراق الملايين من العرب دفعة واحدة! .
ونصح كردينال طليطلة التقي! الذي كان رئيساً لمحاكم التفتيش بقطع رؤوس جميع من لم يتنصر من العرب، رجالاً، ونساءً، وشيوخاً، وولداناً، ولم ير الراهب الدومينيكي " بليدا " الكفاية في ذلك، فأشار بضرب رقاب من تنصر من العرب، ومَن بقي على دينه منهم، وحجته في ذلك: أن من المستحيل معرفة صدق إيمان من تنصر من العرب، فمن المستحب إذن قتل جميع العرب بحد السيف؛ لكي يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى، ويُدخِل النار من لم يكن صادق النصرانية منهم! ....
ولا يسعنا سوى الاعتراف بأننا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه مظالم قتل كتلك التي اقترفت ضد المسلمين.
" حضارة العرب " (ص 270 – 272) باختصار.
ومن يتأمل الآن يجد أن أهل الإرهاب هم أهل الأديان الأخرى من النصارى، واليهود، والهندوس، والسيخ، ويجد أن المسلمين هم ضحايا هذا الإرهاب، فمتى يستيقظ النيام من نومهم؟! ومتى يصحو الغافلون من غفلتهم؟! .
ونقول لهذا النائب الكاذب الذي يدعونا لتمزيق آيات إرهابية من القرآن الكريم – على حد زعمه -: تعال لنر كتابك المقدَّس ماذا فيه من الإرهاب - بنفس زعمك -:
إن كنت يهوديّاً تؤمن بالعهد القديم: فهاك ما فيه مما ينسب إلى الرب تعالى مما قاله لموسى:
في " سفر التثنية " (20، 10 – 17) : " إذا دَنوتَ منَ القرية لتقاتِلهم ادعُهم أوّلاً إلى الصّلح ... فأمّا القرى التي تعطَى أنت إيّاها فلا تستحيِ منها نفسًا ألبتّة، ولكن أهلِكهم إهلاكًا كلَّهم بحدِّ السيف الحَيثِيّ والأموري والكنعاني والفرزي، كما أوصاك الربّ إلَهُك ".
وإن كنت نصرانيّاً وأردت شيئاً من العهد الجديد: فهاك بعض ما فيه:
في " متَّى " (10 / 34 – 36) : يروى فيه عن عيسى عليه السلام قال: " لا تظنّوا أني جِئت لأحمِلَ السلام إلى العالم، ما جِئتُ لأحمل سلاماً بل سَيفاً، جئتُ لأفرّق بين الابن وأبيه، والبنتِ وأمّها، والكَنَّة وحماتها، ويكون أعداء الإنسان أهل بيته ".
وللاستزادة: ينظر كتاب " السيف بين القرآن والكتاب المقدس " للدكتور حبيب عبد الملك:
http://www.elforkan.com/7ewar/showthread.php?t=7597
تاسعاً:
الواجب على المسلمين الآن:
1. عدم إحداث مشكلات في بلادهم، من مظاهرات تُحطم فيها الممتلكات، أو تراق فيها الدماء.
2. إرجاع الأمر إلى العلماء والحكماء لمعالجة الأمر، هذا أو غيره مما يشبهه.
3. السعي نحو التمسك بالإسلام قولاً وعملاً، فهذا من جهة يساهم في انتشار الإسلام، ومن جهة أخرى يغيظ الكفار الحاقدين على الإسلام وأهله.
4. الدعوة إلى الله بحكمة وعلم، وتوزيع المصاحف المترجمة، والكتب الإسلامية الميسرة على غير المسلمين، والاستعانة في ذلك بالمؤسسات الإسلامية الموثوقة، والعلماء الثقات.
والله الهادي
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/159)
كيف يعامل المسلم أهله الكفار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة أسلمت وتعيش مع أهلها غير المسلمين، وهم الآن لا يعترضون على إسلامها، قد حاولت دعوتهم بطرق شتى، ولكن لا جدوى، فكيف تتعامل معهم وهم على ضلالتهم؟ هل تصلهم أم تحد علاقتها بهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على من هداه الله تعالى للإسلام أن يبادر بهذا النور ليضيء به حياة أهله وعشيرته، فهم أولى الناس بدعوته، وبنور الإسلام، وإذا وُجد من أولئك من كان غير معترض على الإسلام فهو نعمة عظيمة على المسلم استثمارها لتقديم الإسلام لهم بطريقة حسنة، وليسلك في دعوته لهم كل سبيل مباح، من تقديم الأشرطة المرئية والمسموعة، والكتب، والمواقع، واستضافة الشخصيات الإسلامية المؤثرة، وليتقرب لهم بالهدايا، والمعاملة الحسنة، والأخلاق الفاضلة، وليبتعد عن التعنيف، وليداوم على دعاء الله أن يهديهم ويوفقهم.
وإذا كان الله تعالى قد أمر بالإحسان للوالدين اللذين يدعوان ولدهما للكفر ويبذلان في ذلك جهوداً عظيمة: فأولى أن تكون تلك المعاملة لمن رضي لك إسلامك، ولم يعترض عليه.
قال الله تبارك وتعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) لقمان/ 14، 15.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله:
"وإن جاهدك أيها الإنسان، والداك على أن تشرك بي في عبادتك إياي معي غيري، مما لا تعلم أنه لي شريك - ولا شريك له تعالى ذكره علوّاً كبيراً: فلا تطعهما فيما أراداك عليه من الشرك بي، (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيا مَعْرُوفًا) يقول: وصاحبهما في الدنيا بالطاعة لهما فيما لا تبعة عليك فيه فيما بينك وبين ربك، ولا إثم".
" تفسير الطبري " (20 / 139) .
وقال ابن كثير رحمه الله:
"أي: إن حَرَصَا عليك كل الحرص، على أن تتابعهما على دينهما: فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعنَّك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً، أي: محسنًا إليهما، (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) يعني: المؤمنين" انتهى.
" تفسير ابن كثير " (6 / 337) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
لي أهل مشركون إلا أختاً لي مسلمة، فهل يجوز لي الإقامة والأكل والشرب معهم، وإن كان يجوز مع أن ذلك ليس على حساب ديني: فهل يجوز لي التصريح لهم بأنهم كفار خارجون عن دين الله؟ مع أني دعوتهم فهم مترددون، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، ولكنهم أقرب للشرك، مع أني لا أجد سكناً إلا معهم.
فأجابوا:
"الواجب عليك الاستمرار في نصحهم، وتذكيرهم، ومصاحبتهم بالمعروف، ولين القول لهم، وإن كنتَ ذا مال: فأنفق عليهم؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يفتح قلوبهم، وينير بصائرهم، قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) لقمان / 15.
وابحث عن شتى السبل لإيصال الحق لهم بالرسائل، والكتب، والأشرطة ... " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 255، 256) .
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله:
"فالله سبحانه وتعالى أوجب بر الوالدين بالمعروف والإحسان ولو كانا كافرين، وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) لقمان / 14، 15.
فيجب عليك أن تُحسن إلى والديك الإحسان الدنيوي، وأما في الدين: فأنت تتبع الدين الحق ولو خالف دين آبائك، مع الإحسان للوالدين من باب المكافأة، فأنت تحسن إليهما وتكافئهما على معروفهما، ولو كانا كافرين، فلا مانع أن تواصل والدك، وأن تبر به، وأن تكافئه؛ ولكن لا تطيعه في معصية الله عز وجل" انتهى.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (2 / 257، السؤال رقم 226) .
وانظري – لمزيد فائدة - أجوبة الأسئلة: (20961) و (27196) و (27105) و (6401) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/160)
جوابنا على أمريكي يزعم أن القرآن يبرر أحداث سبتمبر، ويستنكر غضب المسلمين للقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[استخدام القرآن لتبرير مجزرة الـ (3000) شخصاً في 9 / 11 / 2001 يبدو استعمالا سيئاً، وسوداويّاً للقرآن، أكثر في الحقيقة من خطأ إلقاء القرآن في المراحيض في " غوانتانامو ". ورغم ذلك المسلمون في جميع أنحاء العالم مارسوا الشغب احتجاجاً على واحدة، واحتفلوا بالأخرى. هل يشعر المسلمون أن 9 / 11 كانت تفسيراً وتوظيفاً صحيحاً للقرآن؟ . لم تكن هناك احتجاجات عنيفة ضدها كما يوجد مع أي مخالفة أخرى، لماذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يُنكر أحد ما لوسائل الإعلام الأمريكية من تأثير على شعبها، فمن كان منهم في وعيه، ومستيقظاً من سكرته: فإنه لا يكاد يأخذ أخباره إلا من وسائل الإعلام الكاذبة الموجَّهة نحو تضليله وابتزازه وملء قلبه بالكراهية، وعقله بالأكاذيب، ومن هنا ترى سذاجة واضحة بيِّنة عند كثير من أولئك الذين يدَّعون أنهم يعيشون في بلاد الحرية! والحقيقة أنهم يعيشون في بلاد تحكمها " مافيا " السلاح والبترول، وأنهم استطاعوا وبدهاء من اللعب بعواطف شعبهم الجاهل الساذج تمرير مخططاتهم لملء جيوبهم بمليارات الدولارات، وليس هذا كلامنا فحسب، بل هو كلام العقلاء المطلعين ممن كتمت أصواتهم ومنعوا من الخروج على فضائياتكم المتحكمة في عقولكم وقلوبهم.
فأنت الآن في سؤالك مستاء من " مجزرة " الـ 3000 في بلادك، وتتباكى عليهم، ولو غضضنا الطرف عن علم حكومتك بهذه المجزرة وسكوتها عنها: فلننظر في قلبك ورقتك تجاه ما فعلته دولتك " المارقة " في حق دول وشعوب العالَم، ولكن من يطرح مثل هذا السؤال أنَّى يكون له علم ودراية بما يحاك حوله من مؤامرات تستنزف جيبه لدفع الضرائب لتذهب في نهاية المطاف لجيوب زعماء العصابة الحاكمة؟! .
وإذا أردت أيها السائل الأمريكي أن تعرف جرائم حكومتك فلتقرأ كتاب " ماذا يريد العم سام؟ "، واطمئن فليس هذا الكتاب لرجل مسلم، ولا لمركز دراسات في دولة عربية، ولا لتنظيم سياسي، ولا حزب جهادي، إنه لرجل يهودي! أمريكي! واسمه " نعوم تشومسكي ".
وإليك مقتطفات من هذا الكتاب:
1. قال المؤلف: " أعتقد من وجهة النظر القانونية: أنَّ هناك ما يكفي من الأدلة لاتهام كل الرؤساء الأمريكيين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بأنهم مجرمو حرب! أو على الأقل: متورطون بدرجة خطيرة في جرائم حرب ".
2. ويقول: " إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية قضت على سكَّانها الأصليين - الهنود الحمر - عبر القرون، واجتاحت نصف المكسيك، وتدخلت بعنف في المنطقة، واحتلت هاواي، وفيتنام، وقامت خلال الخمسين سنة الأخيرة باللجوء إلى القوة، في جميع أنحاء العالم - تقريباً - ".
3. وبخصوص ما تتباكى عليه من مجزرة سبتمبر يقول:
" لا يمكن اعتبار " الولايات المتحدة " ضحية بريئة إلا إذا تجاهلنا لائحة أفعالها، وأفعال حلفائها، علينا أن نُعير اهتماماً أكبر لما نفعل في العالم، علينا أن نتساءل: لماذا حصل لنا ما حصل؟ ".
فهل سألتَ نفسك لم حصل معكم ما حصل، كما تساءل مفكركم الأمريكي اليهودي؟! .
ثانياً:
لسنا نسوغ لأحد فعلته، ولكننا نريد لفت نظرك إلى ما هو أهم من التباكي الذي تحسنه النساء أكثر من الرجال، ونريد أن نرفع عن عينك الغشاوة التي تمنعك من رؤية الحق.
هل تعرف أنكم قمتم وتسببتم بعد تلك الحادثة بقتل مئات الآلاف من الناس، وأنكم دمرتم دولتين، وشردتم شعبيهما؟ وهل تعلم أنكم قمتم وتسببتم بسجن الآلاف وتعذيبهم في بلادكم وبلاد غيركم؟ هل تعلم أنكم استنزفتم ثروات البلاد التي احتللتموها، وأن تلك الثروات راحت لجيوب العصابة الحاكمة؟! وأما قتل 3000 في بلادكم فإنه كان يجب عليك أن ترى الفرحة قد عمَّت أرجاء الأرض – وليس فقط في بلاد المسلمين – لا شماتة في موت أولئك، بل تعبيراً عن فرح شعوب مقهورة جراء سياسة بلادك التي سببت لهم الآلام، وفي إحصائيات صدرت من مؤسساتكم فإنه يقتل في العراق وحدها 3000 شخص شهريّاً منذ بداية غزوكم لها! فأين تباكيكم على أولئك القتلى؟! ولا تقل إنها حكومتنا، بل حتى شعبكم أثَّرت فيه دعاية إعلامكم المضلل، وأكاذيب إدارتكم الحاكمة، وهو الذي راح يصفق للإدارة في حربها على أفغانستان والعراق، وهو لا يدري ما يحاك له من مؤامرات، ولا ما يُسوَّق له من أكاذيب.
هل تريد أن تعرف المزيد عن جرائم الإدارات الحاكمة لبلدك؟ حسناً، لن نحيلك على مصادرنا، ولا مصادر أحد من أعدائكم، بل سنحيلك على كاتب أمريكي آخر! أتدري ما اسم كتابه الذي فضح دولتك، وأظهر فسادها وإفسادها في العالَم؟ اسمه " الدولة المارقة "! ومؤلفه: أمريكي يدعى " وليام بلوم ".
وإليك مقتطفات من هذا الكتاب:
1. قال المؤلف على الغلاف الأخير من كتابه: " الكتاب الذي لا يريد لكم الأقوياء أن تقرأوه "! .
2. ويقول في المقدمة: " لو كنت رئيساً: فإنني سأوقف منذ الأيام الأولى العمليات الإرهابية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، أولاً: سأقدم اعتذاري لكل الأرامل، واليتامى، والأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب، ولأولئك اذين كان الفقر نصيبهم، ولملايين الضحايا الآخرين للإمبريالية الأمريكية، بعد ذلك سأعلن في الجهات الأربع للعالم بأن التدخل الأمريكي في دول العالم قد انتهى بشكل نهائي، وسأخبر " إسرائيل " بأنها لم تعد أبداً الولاية الواحدة والخمسين من الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما مجرد دولة أجنبية، بعد ذلك: سأقلص من الميزانية العسكرية بنسبة 90 % على الأقل، محولاً الفائض إلى الضحايا كتعويضات، وسيكون ذلك فوق حد الكفاية، فالميزانية العسكرية السنوية التي تقدر بـ 330 مليار دولار، تعني أكثر من 18000 دولاراً للساعة الواحدة منذ ميلاد المسيح إلى اليوم! هذا ما سأقوم به في الأيام الثلاثة الأولى، وفي اليوم الرابع: سأتعرض للاغتيال ".
3. وحول أحداث سبتمبر يقول: " بالنسبة لغالبية الأمريكيين: فإنه يصعب كثيراً قبول الفكرة التي تقول بأن العمليات الإرهابية ضد الولايات المتحدة يمكن اعتبارها بمثابة انتقام متلاحق من السياسة الخارجية الأمريكية، فهم يعتقدون أن الولايات المتحدة مستهدفة بسبب حريتها، وديمقراطيتها، وثرائها، وهذا هو الخطاب الرسمي الذي تنشره إدارة بوش، تماماً كما كان يفعل سابقوه بعد كل عملية من هذا النوع ".
ولن نطيل بذِكر الجرائم والقتل والتدمير والانقلابات التي فعلتها دولتك، والتي وثقت في هذا الكتاب، فيكفيك أن ترجع له لتقرأه، وبعدها لعله يتغير حالك وتتغير نظرتك للعالَم.
ثالثاً:
ليس " القرآن " من قال لمن فجَّر البرجين إن عليه فعل ذلك، ومن زعم ذلك فهو فهم فهمه منه يخالف فيه علماء أمة الإسلام قاطبة، لكننا رأينا قادتك ورؤساءك هم من يقول إن " الله " أمرهم بالقتل والغزو والتدمير! :
1. ورد في برنامج وثائقي من إصدار هيئة الإذاعة البريطانية! بعنوان " السلام المراوغ، إسرائيل والعرب " نقلاً عمَّن سمع رئيسكم: " الرئيس بوش أبلغنا جميعاً أنه مكلف بمهمة من الرب! وأن الرب طلب منه محاربة هؤلاء الإرهابيين في أفغانستان "! .
وقال: " ولقد فعلت ذلك، ثم قال لي الرب: يا جورج! اذهب واقضِ على الطغيان في العراق، وقد فعلت ذلك ".
2. وقال " ألبرت بيفريدج " ممثِّل ولاية " إنديانا " في مجلس الشيوخ الأمريكي: " لقد جعل الله منَّا أساتذة العالم! كي نتمكن من نشر النظام حيث تكون الفوضى، وجعلنا جديرين بالحكم لكي نتمكن من إدارة الشعوب البربرية الهرمة، وبدون هذه القوة ستعمُّ العالم مرَّة أخرى البربرية والظلام، وقد اختار الله الشعب الأمريكي دون سائر الأجناس كشعب مختار! يقود العالم أخيراً إلى تجديد ذاته ".
ولعل قادتك يدعون أيضاً أن الرب هو الذي أمرهم بالسجن والتعذيب وهتك الأعراض وسلب حقوق الإنسانية لمن هم في قبضة " جيش الرب "! فهل يرضى الرب عن أفعال أولئك؟ وهل هذا يعتبر تخليّاً عما نسبتموه للمسيح عليه السلام: " من ضربك على خدِّك الأيمن فأدر له خدَّك الأيسر "! فصار الشعار عندكم الآن " من خطر بذهنه يوماً من الدهر أن يضربكم فأبيدوهم ولا تبقوا منهم أحداً " كما فعلتم في " هيروشيما " و " ناجازاكي "، و " أفغانستان " و " العراق " وغيرها، والقائمة حسب اعترافكم تشمل ستين دولة! .
وأما من قام بتفجير البرجين وغيرها من الأعمال فإن كلمة العلماء تكاد تتفق على إنكار هذا الفعل على من فعله، وإن أردتم محاسبة أحد على قتلاكم فحاسبوا من أوقد شعلة هذه الحرب ومن ذكَّاها، ولا تنس أنك تتبع ديناً كان يدين به " هتلر "! واتخذ من الصليل شعارا له! .
رابعاً:
لا ندري ما الذي يسوؤك من قيام المسلمين في أرجاء الأرض غضبة لكتابهم المقدَّس أن يدنسه حثالة من البشر؟! وإذا كنتم أنتم لا تأبهون بمن أهان " طبعات " كتبكم المقدسة: فهذا لا يكون في ديننا، وما فعله المسلمون يدلُّ على تعظيمهم لربهم تعالى، وتعظيمهم دينهم، وكتابهم المقدَّس المنزَّل من عند الله، وأنتم قتلتم مئات الآلاف من الناس انتقاماً " لكرامتكم "، فكيف تستكثر على المسلمين القيام بمظاهرات تعظيماً لكرامة القرآن ومكانته في قلوبهم؟! وأين ما فعلوه مقارنة مع ما فعلتموه وتفعلونه إلى هذه اللحظة؟! مع العلم أن علماء المسلمين لا يقرون ما حصل في تلك المظاهرات من مخالفات للشرع، حتى لو كانت إتلافاً لشجرة، أو تحطيماً لكرسي! فضلاً عما هو أعظم من هذا.
وفي النهاية:
ندعوك بصدق لأن تتأمل في واقع ما أنت عليه من حال، وكيف أن وسائل إعلامكم قد أضلتك وغررت بك، وكيف أنها ملأت قلبك كراهية وبغضاً، وندعوك لأن تتأمل في دينك الذي وضعت بجانبه في سؤالك " كافر "! ندعوك للإسلام حيث ستجد السعادة، وتتعرف على خالقك الذي أوجدك من عدم، وتترك عبادة البشر وتعبد رب البشر، وحينما ندعوك للإسلام فإننا ندعوك لدين الأنبياء والمرسلين جميعاً، وندعوك للدين الذي ختم الله تعالى به الرسالات، وندعوك للإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والذي سار على طريق إخوانه الأنبياء من قبله، وانظر حولك فيمن دخل هذا الدين العظيم من القادة، والساسة، والعلماء، والمفكرين، والمشهورين، لتعلم أن هؤلاء لم يكونوا ليختاروا ديناً ليس فيه ما يقنعهم أنه الحق، وهؤلاء ليسوا مغفلين، ولا سذجاً، وليس لهم مصلحة شخصية في اعتناقهم للإسلام، إنما هي القناعة، وقد وجدوا فيه ما يسعدهم ويبهج قلوبهم.
1. قال " روبرت ديكسن " رئيس جمعية المحامين الأمريكيين: جابي لمن سألني لماذا أسلمت: هو: أن الإسلام دين التوحيد، والسعادة، والراحة النفسية، والعيشة الهانئة، إذا التزمت به، وطبقت تعاليمه، وهو دين العدل الإلهي.
2. وقال " يوسف خطَّاب " - المتحول من اليهودية إلى الإسلام - لما سئل لماذا أسلمت؟ : لأن الإسلام دين التوحيد، قرأت عنه كثيراً، وأخيراً اقتنعت بأنه هو السبيل للجنة.
والكلمات كثيرة، ويجمعها أن الإسلام دين الفطرة، والأمن، والسعادة، والأحكام الحكيمة، والأخلاق الرفيعة، ومن رام المقارنة بين الإسلام وغيره من الأديان المحرَّفة، أو الأنظمة والقوانين البشرية: فسيتبين له بجلاء أوجه الاختلاف، وأنه ليس هناك مجال للمقارنة أصلاً.
3. وتصف " ميري واتسون " - الأمريكية الحاصلة على ثلاث درجات علمية، وبعضها في علم اللاهوت لحظة تسلل نور الإيمان إلى قلبها فتقول: "شعرت في ليلة - وأنا مستلقية على فراشي وكاد النوم يقارب جفوني - بشيء غريب استقر في قلبي، فاعتدلت من فوري، وقلت: يا رب أنا مؤمنة بك وحدك، ونطقت بالشهادة، وشعرت بعدها باطمئنان، وراحة تعم كل بدني، والحمد لله على الإسلام، ولم أندم أبداً على هذا اليوم الذي يعتبر يوم ميلادي" انتهى.
نسأل الله تعالى لك الهداية.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/161)
هل توفي عيسى عليه السلام؟ أين هو الآن؟ وتعليق على نقل من إنجيل " متى "
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة الدليل على عدم وفاة نبي الله عيسى عليه السلام، وهل صح قوله عليه السلام في إنجيل متى " لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام، وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال "؟ ، وهل هذا دليل من الإنجيل على عدم وفاة نبي الله عيسى؟ وهل ظل نبي الله عيسى على الأرض للمدة نفسها التي قضاها يونس في بطن الحوت؟ وفقًا لمعلوماتي أن عيسى قضي يومين وليلتين فقط (ليلة السبت ويوم السبت، وليلة الأحد ويوم الأحد، ثم لم يجدوه في قبره، وفقًا لكلامهم) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تستطيع أمة من الأمم ـ سوى أمة الإسلام ـ أن تثبت إسناد قصصها وتاريخها إلى نبيها؛ ذلك أن الله تعالى لم يتكفل بحفظ كتب الأديان التي قبل القرآن، وليس يوجد أمة من الأمم عنيت بالأسانيد قبل أمة الإسلام، لذا فإن كل ما ينقلونه من حوادث وأخبار عن نبيهم وتاريخهم السالف فهو مما لا يمكن إثباته، ولذا فإن دياناتهم اعتراها التحريف، والتقول، والكذب.
وأما أمَّة الإسلام فإن الله تعالى قد أطلعها على شيء من أخبار من سلفها من الأمم، وعن بعض أحوال الأنبياء والرسل السابقين، وهي أخبار صدق، ليس ثمة ما يضادها إلا الافتراء والكذب.
ومن الأخبار الغيبية التي عندنا خبرها الموثَّق، والتي اختلفت فيها الأقوال عند غيرنا: هو ما حصل مع نبي الله عيسى عليه السلام، حيث أخبرنا الله تعالى أنه لم يُقتل، ولم يُصلب، وأنه تعالى قد ألقى شبهه على غيره، وأن هذا الآخر هو الذي قتلوه، وصلبوه، وليس عيسى عليه السلام، وقد أخبرنا ربنا تعالى أنه رفعه إليه، وأنه سينزل في آخر الزمان، يقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويحكم بالإسلام، وأما غيرنا ممن يدعي أنه من أتباعه فقد اختلفوا فيه اختلافاً عظيماً، فمنهم من قال عنه إنه هو الله! ومنهم من زعم أنه ابن الله! وطائفة قليلة هم الذين شهدوا رفع عيسى عليه السلام وإلقاء الشبه على غيره، وهم الذين لم يعتقدوا فيه أكثر من النبوة والرسالة.
قال ابن كثير رحمه الله في " تفسير ابن كثير " (2 / 47) : " فإن المسيح عليه السلام لمَّا رفعه الله إلى السماء: تَفَرَّقت أصحابه شيَعًا بعده، فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله، ورسوله، وابن أمَته، ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله، وآخرون قالوا: هو الله، وآخرون قالوا: هو ثالث ثلاثة، وقد حكى الله مقالاتهم في القرآن، ورَدَّ على كل فريق ... " انتهى.
ثانياً:
عدم صلب المسيح عيسى عليه السلام، وعدم قتله: عقيدة عند أهل السنَّة والجماعة، ومصدر هذا الاعتقاد نصوص القرآن الواضحة البيِّنة، ولم يخالف في هذا أحد من أهل الإسلام، ومن خالف فيه كان مرتدّاً.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل عيسى بن مريم حي أو ميت؟ وما الدليل من الكتاب أو السنَّة؟ إذا كان حيّاً أو ميتا: فأين هو الآن؟ وما الدليل من الكتاب والسنَّة؟ .
فأجابوا: " عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حيٌّ، لم يمت حتى الآن، ولم يقتله اليهود، ولم يصلبوه، ولكن شبِّه لهم، بل رفعه الله إلى السماء ببدنه وروحه، وهو إلى الآن في السماء، والدليل على ذلك: قول الله تعالى في فرية اليهود والرد عليها: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء/ 157، 158.
فأنكر سبحانه على اليهود قولهم إنهم قتلوه وصلبوه، وأخبر أنه رفعه إليه، وقد كان ذلك منه تعالى رحمةً به، وتكريماً له، وليكون آية من آياته التي يؤتيها من يشاء من رسله، وما أكثر آيات الله في عيسى ابن مريم عليه السلام أولاً وآخراً، ومقتضى الإضراب في قوله تعالى: (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) : أن يكون سبحانه قد رفع عيسى عليه الصلاة والسلام بدناً وروحاً حتى يتحقق به الرد على زعم اليهود أنهم صلبوه وقتلوه؛ لأن القتل والصلب إنما يكون للبدن أصالة؛ ولأن رفع الروح وحدها لا ينافي دعواهم القتل والصلب، فلا يكون رفع الروح وحدها ردّاً عليهم؛ ولأن اسم عيسى عليه السلام حقيقة في الروح والبدن جميعاً، فلا ينصرف إلى أحدهما عند الإطلاق إلا بقرينة، ولا قرينة هنا؛ ولأن رفع روحه وبدنه جميعاً مقتضى كمال عزة الله، وحكمته، وتكريمه، ونصره مَن شاء مِن رسله، حسبما قضى به قوله تعالى في ختام الآية (وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) .
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود.
" انتهى "فتاوى اللجنة الدائمة" (3 / 305 , 306) .
وانظر تفصيلاً أوفى في المرجع نفسه: (3 / 299 – 305) .
وانظر اعتقاد المسلمين في المسيح عليه السلام في جواب السؤال رقم: (43148) .
وفي جواب السؤال رقم: (10277) تجد نبذة عن نبي الله عيسى عليه السلام.
وفي جواب السؤال رقم: (12615) تجد حواراً مع نصراني حول صلب المسيح.
وفي جواب السؤال رقم: (43506) تجد إجابة عن إشكالات في آيات حياة المسيح عليه السلام وموته.
ثالثاً:
أما فيما يتعلق بقبر المسيح وخروجه منه، وتشبيه تلك الآية بآية يونس عليه السلام: فقد تولَّى نقد هذه المسائل، وبيان ضلالها، وتنقضها: علماؤنا المختصون فبيَّنوا ما فيها من جهل، وتناقض.
قال الهندي – رحمه الله – معلِّقاً على الفقرة الواردة في السؤال -:
فطلب الكتبة والفريسيون معجزة، فما أظهرها عيسى عليه السلام في هذا الوقت، وما أحالهم إلى معجزة صدرت عنه فيما قبل هذا السؤال، بل سبَّهم، وأطلق عليهم لفظ " الفاسق " و " الشرير "، ووعد بالمعجزة التي لم تصدر عنه، لأن قوله " كما كان يونان في بطن الحوت الخ ": غلط، بلا شبهة - كما علمت في الفصل الثالث من الباب الأول -.
وإن قطعنا النظر عن كونه غلطاً: فمطلق قيامه لم يره الكتبة، والفريسيون بأعينهم، ولو قام عيسى عليه السلام من الأموات: كان عليه أن يُظهر نفسه على هؤلاء المنكرين الطالبين آية ليصير حجة عليهم، ووفاء بالوعد، وهو ما أظهر نفسه عليهم، ولا على اليهود الآخرين، ولو مرة واحدة، ولذلك لا يعتقدون هذا القيام، بل هم يقولون من ذاك العهد إلى هذا الحين: أن تلاميذه سرقوا جثته من القبر ليلاً.
" إظهار الحق " (4 / 1312) .
وللشيخ أحمد ديدات رحمه الله ثلاثة كتب في الباب نفسه، وهي: " ماذا كانت آية يونان؟ " و " قيامة أم إنعاش؟ " و " من دحرج الحجر؟ "، فانظرها.
وليس ثمة قيمة – أصلاً – لنقولاتهم، فقد دخلها التحريف والتبديل، وقد احتوت على الافتراءات والأباطيل، ومع ذلك فقد أبان علماؤنا عن عوارها.
وأخيراً:
ننصح الأخ السائل – وغيره ممن يقرأ هذه الكلمات – أن ينشغل بتعلم دينه، ويتقوى في طاعة ربه تعالى، وأن يصرِف نفسه عن تتبع ضلالات الفرَق والأديان، فتلك معركة لها فرسانها، ولا مانع أن يكون منهم، لكن يحتاج هذا لخبرة علمية، وطول نفس في طلب العلم، ومعرفة الحق بدليله، ونسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين لما فيه خير دينهم ودنياهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/162)
هل يُهدي للكافر لتأليف قلبه على الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا أعطى الكافر أموالاً أو أهدى إليه هدايا بقصد تأليف قلبه إلى الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا بأس بهذا – أي لا بأس أن يهدى إليه هدية أو يُعطى دراهم أو يُسكن بيتاً من أجل تأليفه على الإسلام، ولكن يجب أن تلاحظ أن التأليف لابد أن يكون له محل، بأن يكون هذا المؤلَّف ممن يُرجى إسلامه، أما إذا كان من أئمة الكفر الذين لا يُرجى إسلامهم فإنهم لا يُعطون إلا إذا كانوا يُعطون من أجل دفع ضررهم " انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/25، 26) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/163)
هل يدعو غير المسلمين إلى الطعام في بيته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إكرام الرفقاء غير المسلمين ودعوتهم إلى بيته وتقديم الطعام والشراب لهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان هذا من باب التأليف، وهم يُرجى إسلامهم فلا حرج في ذلك. وأما إذا كان من باب المودة فإنه حرام" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/22) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/164)
هل يخاطب متبرجة ليدعوها إلى الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للداعية مخاطبة الكافرة المتبرجة لتعريفها بالإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، له ذلك، بل يجب عليه أن يدعوها، لكن يغض الطرف والبصر عنها، لأنه مأمور بالدعوة إلى الله عز وجل، ومأمور بغض البصر عن رؤية ما لا يحل له النظر إليه" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/19) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/165)
هل يجوز للكافر دخول المسجد لسماع محاضرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للكافر دخول المسجد لحضور محاضرة أو درس فيه تعليم ودعوة إلى الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، يجوز هذا – إذا أمنا من أن يعتدي هذا الكافر بتلويث المسجد، لأن هذا الدخول لمصلحته، ولا يضر المسجد شيئاً، فكما أنه يجوز للكافر أن يدخل المسجد، ويمكث فيه لإصلاح شيء في المسجد، لأن ذلك من مصلحة المسجد، يجوز كذلك أن يدخل لسماع المحاضرات التي ربما تكون سبباً لهدايته، وقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال في المسجد" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/21، 22) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/166)
لبس المرأة الحجاب إذا دخلت الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم المرأة أن تستر وجهها بعد الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، إذا أسلمت وجب عليها الأخذ بجميع شرائع الإسلام وشعائره، ولكن كما تعلم أن تغطية الوجه اختلف فيها علماء المسلمين، وربما تكون هذه المرأة عاشت في بلاد لا تعرف تغطية الوجه، فتُؤمر بتغطيه الوجه شيئاً فشيئاً حسب ما يحصل به تألف قلبها ومحبتها لدين الإسلام" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/19، 20) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/167)
حكم استقدام العمالة الكافرة للجزيرة العربية
[السُّؤَالُ]
ـ[قلتم: إنه لا يجوز استقدام غير المسلمين إلى دول الخليج، ولكني أعرف عدداً من الناس من غير المسلمين قد تعرَّفوا على الإسلام بحقيقته حين جاؤوا إلى دول الخليج، وأسلموا بكل صدق، ثم عادوا إلى بلادهم لينشروا الخير، والهدى لقومهم، فما قولك في هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ذكرنا في بعض أجوبتنا حكم استقدام الكفار إلى الجزيرة العربية، وأن ذلك ممنوع بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم – وانظر جواب السؤال رقم: (31242) و (52822) و (22633) و (104806) -، وأن هذا الحكم لا يشمل من يُحتاج إليه ممن لا يتوفر من المسلمين من يقوم بعمله، على أن لا يقيم فيها إذا انتهى عمله.
وما يحدث من مخالفات في هذه المسألة من الدول والأفراد هو مثل ما يحدث منهم من مخالفات في مسائل الشرع الأخرى، فمنهم المستجيب لأمر ربه، والمنفذ له، ومنهم الناكص عن الاستجابة، والتارك له.
وكون هؤلاء يسلمون في بلاد المسلمين هو أمر طيب، وهو من استغلال الدعاة لوجودهم بينهم، وهذا لا يغيِّر من الحكم شيئاً، ويشبه ذلك ما يكون من إسلام بعض الكفار جرَّاء تأثرهم بكلام أو أفعال بعض المسلمين المقيمين بينهم، ممن لا يجوز لهم تلك الإقامة.
وقد سئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله:
يوجد لديَّ خادمة غير مسلمة، وزودتها بالكتب والأشرطة الإسلامية حسب لغة بلادها لعل الله يهديها للإسلام، ولكنها امتنعت عن ذلك، هل برئت ذمتي في ذلك، خاصة وأنها جيدة في عملها وأمينة؟
فأجاب:
"لا يجوز استقدام الخادمة غير المسلمة؛ لما في ذلك من الخطر على عقائد الأسرة، وأخلاقهم، فالواجب عليك أن لا تعيد استقدامها مرة أخرى، بل إن استقدام النساء بدون محارمهن لا يجوز ولو كنَّ مسلمات؛ لما في ذلك من المحاذير الظاهرة، فإذا كنت مضطراً لاستقدام خادمة: فلتكن مسلمة، ومع محرمها" انتهى.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (2 / 255، السؤال رقم 224) .
ونظراً لأن الواقع الآن ـ وللأسف ـ استقدام العمالة الكافرة إلى الجزيرة العربية: فإننا ندعو أهل العلم والدعاة إلى الله إلى استثمار وجود هؤلاء الكفار بين أظهرهم لدعوتهم إلى الإسلام بالحسنى، فيحوزوا على خيرٍ عظيم، وعلى أجورٍ لا تنقطع إن شاء الله.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/168)
بعض الكفار ينفر من الإسلام بسبب واقع المسلمين السيء
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من الكفار ينفر من الإسلام بسبب ما يراه من الواقع السيئ لبعض المسلمين في اعتقادهم وسلوكهم. فما توجيه فضيلتكم لهذا الشخص؟ وما توجيه فضيلتكم للمسلمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أما هذا الشخص فإننا نوجهه إلى أن ينظر في تعاليم الإسلام وأحكامه وحكمه وموافقته للفطرة ومراعاته للإصلاح، دون أن ينظر إلى العامل به. فيُقال له: هذا الإسلام، وهذه شرائعه وشعائره وحرماته. أما من حوله من المسلمين المخالفين لما تقتضيه الشريعة الإسلامية فهؤلاء لا عبرة بهم.
وتوجيهي لهؤلاء أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي دينهم، وأن يعبدوا الله تعالى كما أمر، حتى يظهروا الإسلام بالمظهر اللائق به من العبادة والمعاملة الحسنة، ولا ريب أنه يوجد من المسلمين من يسيء إلى الإسلام بسوء معاملته لهؤلاء من المماطلة بحقهم، وإلزامهم بما لم يلتزموا به عند العقد، واحتقارهم، وعدم المبالاة بهم. أسأل الله أن يهدي الجميع" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/31، 32) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/169)
الدخول إلى غرف المحادثة الأجنبية لأجل الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقوم بالدعوة (فقط بقص ولزق عدد من الآيات القرآنية المترجمة والأحاديث النبوية من مواقع إسلامية موثوقة إن شاء الله) بلغات مختلفة عن طريق غرف المحادثة لغير المسلمين علما أني لست من العلماء ولا الدعاة فقط إدراكي بأن هذا المجال أمر سهل جدا ولا عذر لنا بعدم نشر دين الله من هذا الطريق، علما بأني غالبا ما أستخدم الآيات والأحاديث العامة كـ (يا أيها الناس, يا بني آدم , يا أهل الكتاب) وغير ذلك من الأمور المشابهة فقط للفت الانتباه والتشويق لقراءة القران الكريم وأحاول قدر المستطاع أن لا أدخل في مناظرة أبدا معهم لأني لست أهلا لذلك ولا أقوم بإبلاغهم بذلك إلا في الأمور التي أعرفها تماما. هل ما أقوم به جائز؟ والسبب في طرحي هذا السؤال هو قراءتي لفتواكم -سؤال رقم 83621 - التي تحذر من الدعوة لغير ذوي العلم. وإن كان ما أقوم به غير جائز فأرجو منكم تفسير وتوضيح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) حيث إن هذا الحديث هو سبب حماسي للقيام بهذا الأمر إلا أن فتواكم السابقة هالتني كثيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يجزيك خيرا على حرصك واجتهادك في الدعوة إلى الله، ونسأله سبحانه أن يزيدك اجتهادا وتوفيقا.
ثانياً:
إذا كانت غرف المحادثة المسئول عنها ليس فيها ما يخشى منه الفتنة، فلا حرج في دخولها، وكتابة الآيات والأحاديث التي تعرف معناها ومضمونها، مع تجنب النقاش والجدال في أمر لا تعرفه، وإحالة الراغب والمستفهم على المواقع المتخصصة، ويمكنك اختيار روابط الموضوعات المناسبة ووضعها في هذه الغرف.
ولا شك أن الدعوة إلى الله تحتاج إلى علم وبصيرة، حتى لا تكون فتنة للمدعو أو الداعي نفسه، ولهذا لا بد أن تكون على علم بمعنى ومضمون ما تنشره. وهذا هو المقصود من الحديث، فمن علم آية أو حديثا بلغه، ولا يشترط أن يكون عالما بجميع القرآن أو السنة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة الإفتاء عن مقولة: "من لم يحفظ ستة آلاف حديث فلا يحل له أن يقول لأحد هذا حلال وهذا حرام، فليتوضأ وليصل صلاته فقط".
فأجابوا: "كل من تعلم مسألة من مسائل الشريعة الإسلامية بدليلها ووثق من نفسه فيها فعليه إبلاغها وبيانها عند الحاجة، ولو لم يكن حافظا للعدد المذكور في السؤال من الأحاديث؛ لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرءا سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلَّغ أوعى من سامع) رواه أحمد والترمذي وابن حبان عن ابن مسعود رضي الله عنه وفي رواية: (نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه) رواه الترمذي والضياء عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) [رواه البخاري] " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/48) .
وأما ما ذكرناه في جواب السؤال رقم (83621) فالمقصود منه أن المسلم الذي ليس عنده علم لا يدخل في مناظرات مع النصارى أو غيرهم وهو لا يستطيع أن يرد عليهم لضعف علمه، ولكن الأمر لك ليس كذلك، فإنك تتجنب الدخول معهم في نقاش، ويقتصر دورك على إرشادهم إلى بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية، وهذا العمل عمل صالح إن شاء الله تعالى.
غير أن الأفضل لك أن تسعى وتجدّ في طلب العلم النافع، بالحضور عند أهله، أو قراءة كتبهم أو سماع أشرطتهم، فإن الدخول إلى غرف المحادثات محفوف بالمخاطر؛ لأنه لا يخلو من أصحاب شبهات وشهوات، فلابد أن يكون الداخل متسلحا بعلم يمنعه من الشبهات، وبتقوى تحجزه عن الشهوات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/170)
رأت منكرات على أم زوجها فهل تأثم بإخبار زوجها؟ وكيف يتصرف معها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد طرح سؤال، وأتمنى الرد على بريدي الالكتروني، أم زوجي امرأة مطلقة، وفاسقة، فهي تجمع عندها بنات ساقطات، تتركهم يخرجون ليلاً مع بناتها بلباس عاري، وهي تفعل هذا أمامي، ترددت كثيراً في إخبار زوجي، لكنني لم أتحمل نظرات الناس لي ولزوجي، عندما آتي عندهم أحس بالإحراج؛ لأن زوجي يظهر كالمغفل، فقررت إخباره بالقليل تفادياً لإحراجه، فقال: إنه يعرف القليل، وقد سبق وأنذرها، لكنها لم تبالي، وهو يشعر بالخجل عندما يذهب عندها، فقرر أن يقطع هذه الصلة، فهل عليه إثم أو ذنب في ذلك؟ وهل أنا عليَّ ذنب لأني أخبرته؟ . أرجو منكم الرد قريبا، ولكم مني جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لستِ آثمة في إخبار زوجك بتصرفات والدته وبناتها، وهذا هو الذي أوجبه الله تعالى عليكِ؛ لأن ما رأيتيه من تصرفاتها منكر وفحش، لا بدَّ من إنكاره، والسعي في تغييره، إما بنفسه، أو بالاستعانة بغيره ممن يقدر على الإنكار أو التغيير.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) .
رواه مسلم (49) .
قال النووي رحمه الله:
قال القاضي عياض رحمه الله: هذا الحديث أصل في صفة التغيير، فحق المغيِّر أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به، قولاً كان، أو فعلاً، فيكسر آلات الباطل، ويريق المسكر بنفسه، أو يأمر من يفعله، وينزع الغصوب – أي: الأشياء المغصوبة - ويردها إلى أصحابها بنفسه، أو بأمره إذا أمكنه ... .وإن وجد مَن يستعين به على ذلك: استعان.
" شرح مسلم " (2 / 25) .
ثانياً:
الواجب على زوجكِ أن ينكر منكر أمه، وأن يبذل جهده في تغييره، ويبدأ الإنكار على والدته برفق، فصاحب المعصية في غفلة، وجهالة، ويحتاج لمن يترفق به ليدله على قبح فعله، وشناعة معصيته، وإذا كان الرفق مطلوباً مع الآخرين أن يُبذل لهم فإنه مع الوالدة يكون أشد طلباً، فإن نفع الرفق فهو خير، وإلا جاز له استعمال الغلظة والشدة، إذا رأى نفعها.
قال النووي – رحمه الله -:
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " فليغيِّره ": فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: الكتاب، والسنَّة، وإجماع الأمة، وهو - أيضاً - من النصيحة التي هي الدِّين.
" شرح مسلم " (2 / 22) .
وقال رحمه الله:
قال القاضي عياض رحمه الله: ويرفق في التغيير جهده، بالجاهل، وبذي العزة الظالم المخوف شرُّه؛ إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله، كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح، والفضل لهذا المعنى.
ويغلظ على المتمادي في غيِّه، والمسرف في بطالته، إذا أمن أن يؤثر إغلاظه، منكراً أشد مما غيره؛ لكون جانبه محميّاً عن سطوة الظالم.
فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبِّب منكراً أشد منه: من قتله، أو قتل غيره، بسبب كف يده: اقتصر على القول باللسان، والوعظ، والتخويف، فإن خاف أن يسبِّب قوله مثل ذلك: غيَّر بقلبِه، وكان في سعة، وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله تعالى، وإن وجد مَن يستعين به على ذلك: استعان.
" شرح مسلم " (2 / 25) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
حديث " تغيير المنكر " هل المقصود لكي يتغير المنكر أن نترك المكان الذي به منكر، أم نظل، ونكرهه، وننكره بقلوبنا؟ .
فأجابوا:
المسلمون في إنكار المنكر درجات، منهم من يجب عليه إنكار المنكر بيده، كولي الأمر، ومن ينوب عنه، ممن أعطي صلاحية لذلك، كالوالد مع ولده، والسيد مع عبده، والزوج مع زوجته؛ إن لم يكُف مرتكب المنكر إلا بذلك، ومنهم مَن يجب عليه إنكاره بالنصح، والإرشاد، والنهي، والزجر، والدعوة بالتي هي أحسن، دون اليد، والتسلط بالقوة؛ خشية إثارة الفتن، وانتشار الفوضى، ومنهم من يجب عليه الإنكار بالقلب فقط؛ لضعفه نفوذاً، ولساناً، وهذا أضعف الإيمان، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في قوله: (مَن رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وإذا كانت المصلحة الشرعية في بقائه في الوسط الذي فشا فيه المنكر أرجح من المفسدة، ولم يخش على نفسه الفتنة: بقي بين من يرتكبون المنكر، مع إنكاره حسب درجته، وإلا هجرهم محافظة على دينه.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 335) .
فأنتِ ترين من كلام العلماء أن على المنكِر، والراغب بتغيير المنكر أن يسلك الطرق الحكيمة في ذلك، فيرغِّب حيث ينفع الترغيب، ويرهِّب حيث يُجدي الترهيب، ويستعمل لسانه في حال، ويده في حال، والمنكَر الذي يراه الولد على أمه وأبيه ليس مثل أن يراه على ابنه أو ابنته، فهو في الحال الثانية يملك أن يباشر التغيير باليد، بخلاف حاله مع أمه وأبيه.
وتبين لنا – أيضاً – أنه لا مانع من أن يبقى زوجكِ على علاقة مع أمه حتى لو استمرت على فعل المنكر إن رأى أن في ذلك مصلحة شرعية، كما لو كان في بقائه معها ما يدعوها إلى ترك المنكر، أو التقليل منه، ولا يبدأ بالهجر؛ لأن الهجر لا يراد لذاته في الشرع، بل لما يؤدي إليه من نفع وفائدة للمهجور، أو من خطر على الهاجر، فإن رأى زوجكِ أن بقاءه على علاقة مع أمه فيه نفع لها، أو كف لشرٍّ أكبر: بقي معها، ولم يهجرها، وإن رأى خطراً على حياته وحياة أسرته وأولاده، أو دينه، أو عرضه، هو وأسرته، من تلك العلاقة، ولم ير نفعاً لها لقربه منها: جاز له الهجر حفاظاً على دينه، وعلى دين أسرته.
ثالثاً:
منكر البنات هو أيضاً مما يجب على زوجك أن ينكره عليهن، وأن يسعى في تغييره، وليستعن على ذلك بربه تعالى أن يوفقه لهذا، وليستعن بأشقائه، أو بأحدٍ من أقربائه عليهن، وليعلموا أنه يجب عليهم جميعاً السعي لكفهنَّ عن الخروج والتبرج وصحبة الفاسقات، وإذا لم ينفع التلطف في الإنكار والتغيير: جاز لهم حبس الأم وبناتها في البيت، وجاز لهم تقييدهن جميعاً، مع البر والإحسان إليهن بالطعام والكسوة، وهذا الفعل قد يستطيعه أناس وقد يكون مستحيلاً على آخرين، ويمكن أن لا يترتب عليه شيء في بلد، ويترتب عليه أشياء كثيرة تضر بهم في بلد آخر، فليقدروا ذلك، وإنما أردنا بيان جواز ذلك، فإن رأوا قدرتهم على ذلك، وعدم ترتب مفسدة عليه: فليبادروا لفعله.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عن امرأة مزوجة بزوج كامل، ولها أولاد، فتعلقت بشخص من الأطراف أقامت معه على الفجور، فلما ظهر أمرها: سعت في مفارقة الزوج، فهل بقي لها حق على أولادها بعد هذا الفعل؟ وهل عليهم إثم في قطعها؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرّاً؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم؟ .
فأجاب:
الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات، فان لم تمتنع إلا بالحبس: حبسوها، وإن احتاجت إلى القيد: قيدوها، وما ينبغي للولد أن يضرب أمَّه، وأما برُّها: فليس لهم أن يمنعوها برَّها، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء، بل يمنعوها بحسب قدرتهم، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتل ولا غيره، وعليهم الإثم في ذلك.
" مجموع الفتاوى " (34 / 177، 178) .
وانظري أجوبة الأسئلة: (10081) و (11403) و (33757) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/171)
بماذا يبدأ في تعليم من أسلم حديثا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يريد شخص اعتناق الإسلام بسبب دعوتي إليه، ما هو أول ما أعلمه، وكيف أعلمه إن كان لا يعرف اللغة العربية، وأنا لا أعرف لغته، مثلا يتكلم هو (الإنكليزية) ، كيف يتم تعليمه، وإن كان هناك كتب أو مواقع فأرجو منكم أن تدلوني إلى الصواب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بداية نسأل الله تعالى أن يبارك في جهدك وعملك، وأن يجعله في ميزان حسناتك، ونسأله تعالى أن يوفق جميع المسلمين للعمل لهذا الدين.
ثم ننصحك أخي الكريم بالعناية بأمور مهمة في دعوة هذا الشخص إلى الإسلام وتعليمه أحكامه، منها:
1- لا بد أن تبدأ معه بتعليمه معنى الشهادتين؛ لأنها مفتاح الإسلام وخلاصته، فتشرح له التوحيد الذي هو عز المسلم في الدنيا وفوزه في الآخرة، حتى يتعلق قلبه بالله عز وجل، فتعلمه أن العبودية المطلقة لله عز وجل، وإسلام الوجه له يعني الانقياد لطاعته، والتخلص من جميع قيود الهوى والشهوات.
ومن الكتب المفيدة في شرح هذه المعاني كتاب: " تعريف عام بدين الإسلام " للشيخ علي الطنطاوي.
2- وعليك بتوجيهه إلى كتاب الله تعالى، وحثه على العناية به قراءة وتدبرا وتفكرا في معانيه، فهو نور وهدى أنزله الله للناس، يشرح به صدورهم، ويثبت به نفوسهم، وهو كله بركة وخير وأجر، وله من الأثر في النفوس والقلوب ما يدركه كل من قرأه.
قال الله عز وجل: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) المائدة/15-16.
فينبغي أن تُعَلِّمَه شيئا من القرآن الكريم، وشيئا عن كيفية نزوله وعن سوره وآياته.
3- ثم تعلمه شيئا عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عن مولده ونشأته وبعثته، وبداية دعوته إلى هذا الدين العظيم، ثم هجرته إلى المدينة وتحمله كل بلاء في سبيل إيصال الهدى والخير إلى الناس، ثم تبين له أن شخصه صلى الله عليه وسلم متمثل بين أيدينا اليوم في سنته وأحاديثه المروية الصحيحة، فمن أراد أن يقرأ عن هذا الرسول الكريم من أوثق المصادر فعليه بصحيحي البخاري ومسلم، وعليه بالقراءة في كتب السنة النبوية عموما، وكتب السيرة، ففيها شرح مفصل لحياته صلى الله عليه وسلم وهديه.
والكتب التي ننصح بها في هذا المقصد:
" مختصر صحيح البخاري " للزبيدي، " مختصر صحيح مسلم " للمنذري، " رياض الصالحين " للنووي، " الرحيق المختوم " للمباركفوري.
وكلها لها ترجمات إلى اللغة الانجليزية مطبوعة.
4- وعليك بتعليمه شيئا موجزا حول أركان الإسلام الخمسة: الشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج. وشيئا موجزا عن أركان الإيمان الستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
فلو خصصت لهذا الأخ المسلم الجديد جلسات للحديث عن كل ركن من هذه الأركان، والقراءة معه في بعض الكتب التي تتحدث عنها لكان مفيدا ونافعا جدا بإذن الله تعالى.
واحرص في تعليم هذه الأركان على عدم الخوض في التفاصيل الخلافية، والاقتصار على المقاصد المهمة التي يتفق عليها جميع المسلمين، مع تنبيهه إلى وجود خلاف في بعض التفاصيل، لكنه ليس خلافا مذموما، ولا تفرقا ونزاعا بين المسلمين والحمد لله، بل هو خلاف نابع من طبيعة النصوص الشرعية، ولحكمة أرادها الله عز وجل، للمصيب فيها أجران، وللمخطئ فيها أجر واحد.
ومن الكتب المفيدة في هذا: كتاب "ما لا يسع المسلم جهله" لكل من الدكتور عبد الله المصلح، والدكتور صلاح الصاوي. فهو كتاب نافع في التعريف بمقاصد الإسلام المهمة وأحكامه الرئيسية.
5- وِلْتُخَصِّصْ جزءا من تعليمك له لبيان المحرمات في الإسلام، ليعرف أن دائرة الحرام في الشريعة دائرة ضيقة محصورة، وما سواها كله مباح حلال بإذن الله، فينبغي أن يعرف الكبائر المتفق على حرمتها: الشرك، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، وغيرها، وحبذا لو تَعَلَّمَ شيئا عن صغائر الذنوب، كي يحذرها ويجتنبها أيضا، خاصة أن المقبل إلى الإسلام يحمل من الصدق – في الغالب - ما يدفعه إلى الالتزام التام بأحكام الشريعة.
ويمكنك الاستعانة بكتاب " الكبائر " للإمام الذهبي، فهو كتاب مفيد وجامع في بابه.
6- ومن المهم جدا أن تبين له أن ديننا الإسلامي الحنيف هو دين المعاملة، يحث على مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، ويعد حسن الخلق من أكثر ما يدخل الناس الجنة، وأن الرجل يدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم، فالصدق، والأمانة، والوفاء، وحفظ العهد والوعد، والعفو، والجود، والإحسان، والرحمة، وغيرها من الأخلاق، كلها من صميم الدين وصلبه، يجمع ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (273) والحاكم في "المستدرك" (2/670) وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (45) .
7- ومن أهم ما ينبغي عليك العناية في تعليمه أبواب الرقائق وأعمال اللوب، والقلب كالزهرة إن لم يعتن المرء بها غلبتها الأشواك والأدران، وجلاء القلب بتعلم عظمة الله تعالى، وتنمية الخوف من عذابه، ورجاء ثوابه، وحبه سبحانه والشوق إلى لقائه.
ويتعلم المسلم أيضا الإخلاص والتوبة والخشوع والزهد والورع، وتعظيم الحرمات، والصبر والرضا والشكر واليقين والتوكل، وهي كلها من العبادات القلبية المهمة التي تحتاج إلى عناية ورعاية، وسيجد كل من يعتني بتحقيقها عظيم اللذة القلبية والسعادة الإيمانية، ومن غفل عنها فقد غفل عن خير كثير.
وكتب العلامة ابن القيم تعلم أعمال القلوب، وتنور بصيرة المسلم في هذه الأبواب، ومن أهمها: " مدارج السالكين " غير أننا ننصح بقراءة تهذيبه للشيخ عبد المنعم العزي.
8- وأخيرا من المهم أيضا تعليمه شيئا عن بطلان الأديان الأخرى، وخاصة الدين الذي كان عليه، ليزداد يقينه بالإسلام الذي صار إليه، وليحصن نفسه من أي شبهة تطرأ أو ترد، ثم ينظر عظيم فضل الله عليه حين هداه إلى الإسلام والدين القويم.
هذه أفكار نظن أنها كافية في المساعدة على تعليم الإسلام، وهي وإن بدت كثيرة طويلة شاقة، إلا أنك تملك التحكم في طولها وقصرها، فتستطيع أن تقتصر على المناسب للمتلقي ولك، أو تطول إذا وجدت فسحة من العمر والوقت.
وإذا كان اختلاف اللغة بينك وبينه عائقا يحول دون تحقيق المقصود، فليس هناك حل إلا أن تستعين بمن يترجم لكما، كما يمكنكما استعمال الكتب والمواد السمعية والبصرية المترجمة إلى اللغتين: العربية والانجليزية، ومنها على هذا الرابط:
http://saaid.net/book/list.php?cat=92
أو أن يبذل أحدكما جهده في تعلم لغة الآخر.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/172)
يحاولون دعوة أستاذتهم الهندوسية للإسلام وترفض ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[وددت استشارة موقعكم في موضوع يخص دعوة كافر إلى الإسلام - وهي أستاذة هندوسية في جامعتي التي أدرس بها - حاولنا دعوتها إلى الإسلام بإعطائها كتب بلغتها، لكنها قالت: إنها لم تقتنع بكل ما ورد فيها، لمسنا منها قبولها للحوار، ولديها أسئلة تود الإجابة عليها , وبحكم أننا لا نعرف الأسلوب الأمثل لمناقشتها والرد المناسب على أسئلتها وددنا استشارتك في هذا الأمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإسلام دين الفِطرة، والإقناع، واحترام الذات، وهو ليس لطبقة معينة من الناس، ولا لزمان خاص، ولا لمكان دون غيره، ولذا فقد انتسب إليه معتقداً صحته: الأبيض والأسود، والمتعلم والأمِّي، والذكَر والأنثى، والفقير والغني، ودخله أناس من أوربا وأفريقيا، قديماً وحديثاً، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضلَّ فإنما يضل عليها.
واهتمامكم بدعوة الأستاذة للإسلام حسنٌ طيب، وعدم اقتناعها بما اطلعت عليه من شرائع الإسلام: فمرد ذلك إلى أمور:
1. عدم حسن العرض، والخطأ في الأسلوب من الدعاة إلى الله.
2. عدم قوة أو صلاحية المادة المُعطاة لها لتقرأها عن الإسلام.
3. عدم وجود قدوة حسنة من المسلمين.
4. كونها من المجادلين بالباطل، ومن أشباه من قال الله تعالى فيهم: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) النمل/ 14.
والواقع أن سؤالكم لا يدل على هذه الصفة، الجدال بالباطل، فاجتهدي أنت وزميلاتك، في دعوتها إلى الله تعالى الحسنى، مع إشعارها دائما بأن هذا الدعوة ليس لها هدف إلا محبة الخير لها، وليست قضية عصبية أو عنصرية، أو نحو ذلك.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
يأتي إلى بعض مناطق " المملكة " عمال، وأغلبهم كفار، قد يكونون نصارى، أو هندوس، ويسكنون في مناطق المملكة، وقد يكون بجوارهم طلاب علم، وطلاب العلم قد لا يدعونهم إلى الإسلام، ويحصل منهم جفاء في المعاملة، ويستمرون هكذا طيلة السنين، ويذهبون إلى بلادهم ولا يدعونهم، مع أن المسلمين لو كانوا في الخارج لبذل النصارى جهودهم في دعوتهم، فما توجيهكم؟ .
فأجاب:
أن الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم، لكنه فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين؛ لقول الله تبارك وتعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل/ 125؛ وقال الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ) يوسف/ 108
(أدعو إلى الله) كل أحد.
(أنا ومن اتبعني) فكلما كان الإنسان أشد اتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم: كان أشد دعوة لشريعته، ولا شك أن هؤلاء الإخوة الذين نزل إلى جانبهم قوم من الكفار ولم يدعوهم إلى دين الإسلام لا شك أنهم مقصرون، وأن الذي ينبغي بل الذي يجب عليهم أن يدعوا هؤلاء إلى دين الإسلام حتى بالتأليف، فلو دعوهم إلى البيت وقدموا لهم الطعام، ثم تحدثوا إليهم ودعوهم إلى الإسلام، وبينوا لهم محاسنه كان هذا طيباً، ولكن بعض الإخوة تغلب عليهم الغيرة مع الجهل فينفر من هؤلاء، ويقاطعهم، ويعاملهم بالشدة والقسوة، حتى ينفروا من الإسلام بسبب هذا الرجل المسلم، ويظنون أن أخلاق هذا المسلم هي الأخلاق التي يأمر بها الإسلام، والغيرة وإن كانت حسنة محمودة لكنها إذا لم تقرن بالحكمة والعلم صارت في الحقيقة غيْرة ضارة، فعلى هذا ننصح إخواننا هؤلاء - وغيرهم - بأن يدعوا إلى الله عز وجل.
وكما تفضلت بأن النصارى يبذلون كل غالٍ ورخيص من أجل الدعوة إلى النصرانية، مع أنها دين باطل، أبطله الإسلام، ولكنهم حريصون بوحي الشيطان إليهم على دعوة الناس للنصرانية مع أنها دين باطل منسوخ بالإسلام؛ فما بالنا نحن - ونحن أمة العزم والحزم والصدق - نتكاسل حتى عن جيراننا الذين لهم حق علينا لا ندعوهم إلى الإسلام، ولا أدري عن هؤلاء الإخوة هل يقومون بحق الجوار أو لا يقومون؟ ، وفي الحديث: (إذا طبخت مرقة؛ فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) ، وفي الحديث الصحيح أيضاً: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) .
وقال العلماء: إن الجار إذا كان غير مسلم فله حق الجوار، وإن كان مسلماً فله حق الجوار والإسلام، وإن كان مسلماً قريباً فله حق الجوار والإسلام والقرابة، فانصح هؤلاء وقل لهم: ادعوا هؤلاء للدين، ربما يكون في دعوتهم خير، (ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمْر النَّعم) وربما إذا اهتدى هذا الرجل دعا غيره كما هو مشاهد ومعلوم الآن.
" لقاءات الباب المفتوح " (35 / السؤال رقم 5) .
ويمكنكم إعطاؤها بريد موقعنا الإلكتروني إذا رغبت بمراسلتنا، ونحن على أتم الاستعداد لإجابتها عن مسائلها إن شاء الله، كما يمكنكم إطلاعها على قسم الدعوة في موقعنا هذا " دعوة غير المسلمين " وقسم " تعرف على الإسلام " فلعلها أن ترى ما تستفيد منه.
وانظر أجوبة الأسئلة: (7182) (10590) و (12376) , (2690) , (5424) , (6703) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/173)
قضاء المسلم الجديد للفروض الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[دخل رجل الإسلام وعمره أربعون سنة هل يقضي ما فاته من الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يقضي من أسلم ما فاته من الصلاة والصيام والزكاة أيام كفره، لقوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) سورة الأنفال/38. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يجب ما قبله) رواه مسلم في صحيحه/121، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً ممن أسلم بقضاء ما فاته من شعائر الإسلام أيام كفره ولإجماع أهل العلم بذلك.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 6/400.(8/174)
نصرانية مترددة في الدخول في الإسلام وتطلب نصحها وتوجيهها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حاليّاً مسيحية، وقد بدأت أبحث فى الإسلام عندما قال لي رفيقي إنه يرغب في الزواج مني، وقد قرأت الكثير من الكتب، وواظبت على الذهاب للمسجد، وأنا أستمتع – حقيقة - بالقراءة عن الإسلام؛ بالرغم من حيرتي؛ وعدم فهمي لبعض جوانب الإسلام؛ ولكون أسرتي تدين بالمسيحية: فإنها غير سعيدة لبحثي في الإسلام، ولهذا فأنا بحاجة للنصح حول ما يجب عليَّ القيام به؟ ما زالت تراودني بعض الشكوك حول الإسلام، لكني أتطلع لعيش حياة أكثر روحانية كمسلمة، ومع ذلك فأنا أخشى ألا أتمتع بإيمان قوي أو أن أفقده بسهولة، برجاء تقديم العون لي بالإجابة على هذه الأسئلة، فأنا بحاجة للمساعدة، وأعاني من ضغط عصبي شديد. وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. إننا لنسعد بأنك قرأتِ عن الإسلام، ورأيتِ كيف يعبد المسلمون ربهم تعالى، ونشعر في قرارة أنفسنا أنه تولَّد لديك شعور براحة وطمأنينة قد لا تستطيعين التعبير عنها، لكنها بالتأكيد موجودة؛ لأنك في الواقع أحييتِ الفطرة التي فطر الله الناس جميعاً عليها، وهي توحيد الله تعالى، والإيمان به وحده لا شريك له.
2. ولو تأملتِ في حال غير المسلمين ممن دخل في هذا الدين العظيم لرأيتِ عجباً، فليس يوجد يوم لا يدخل فيه أحدٌ في الإسلام، ولكل واحدٍ من أولئك قصة، وليس لهؤلاء مصلحة دنيوية في دخول الإسلام، بل كل أولئك يدخل الإسلام عن اقتناع واعتقاد جازم بأنه الدين الحق.
3. ونحن وإن كنا نحب الهداية لكِ ولأهلك لكننا نرجو أن لا يكونوا عقبة بينك وبين الهداية لهذا الدين، واعلمي أن يوم القيامة آتٍ لا محالة، وفيه كل واحد من الناس يقول " نفسي، نفسي "، وفي ذلك اليوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، لكل واحد منهم شأن يغنيه، فسارعي في إنقاذ نفسك أولاً، ثم التفتي لأهلك، واسعي في هدايتهم وإرشادهم، ولا تجعلي أحداً يحول بينك وبين الهداية، وفي تعليمات الطيران عند وقوع حالة طارئة في الطائرة تقول التعليمات: ضع الأكسجين لنفسك أولاً، ثم التفت لمن بجانبك، يعني: أنقذ نفسك، ثم باشر بإنقاذ من بجانبك، ولو كان أقرب الناس لقلبك، وفي شرعنا يقول الله تعالى: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) فعليك بنفسك أولاً، سارعي دون تردد في اللحاق بالركب المبارك الذين يتقدمهم الأنبياء والمرسلون، واعلمي أنكِ على الحق والصراط المستقيم الذي سار عليه أولئك الصفوة من خلق الله تعالى.
4. في ديننا الحنيف لا يتم إسلام أحد إلا بأن يؤمن بالأنبياء والمرسلين جميعاً، وبكتبهم التي أنزلها الله تعالى عليهم، ومن ينتقص أحداً منهم فإنه يخرج من الدين، بينما الأديان الأخرى تنتقص بعض الأنبياء والمرسلين، وكل أتباعهم لا يؤمنون بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فانظري للفرق العظيم بين ديننا الذي يأمرنا بالإيمان بأولئك الصفوة من خلق الله وتعظيمهم وتقديرهم، وبين غيرنا ممن يكفر برسولنا – وبغيره – وينتقص بعض الأنبياء والمرسلين، ويتهمونهم بما يُستحيى من ذكره.
5. تعرَّض هذا الدين المبارك لكثير من الطعن والتشويه في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ولكن بفضل الله تعالى ما ازداد أهله إلا تمسكاً به واقتناعاً؛ لأنهم رأوا الطعن والتشكيك قائمين على الهوى والجهل والحقد، وليس له أصل من العلم، ومع كل تلك الحرب والتشكيك في الإسلام فإننا نرى الآلاف يدخلون في دين الله أفواجاً من شعوب تلك البلدان التي يتزعم المتطرفون فيها الطعن والتشكيك في الإسلام.
وخذي مثالاً على ذلك: أمريكا، فبعد أحداث ما يعرف بـ " الحادي عشر من سبتمبر " بلغ عدد من دخل في الإسلام في أمريكا (25000) مسلماً، وهي أعلى نسبة في تاريخها، وهذا مع التشكيك والطعن والتشويه للإسلام من قبل الحكومة ومن قبَل كثير من المؤسسات والجمعيات.
6. ونحب أن نطمئنك أنك لن تجدي شيئاً في الإسلام قابلاً للتشكيك، وأحكام الله وشرائعه محكمة، شرعها الله تعالى لتكون صالحة مصلحة في كل زمان ومكان، وها نحن في هذا الموقع قد تلقينا رسائل كثيرة من أناس توقفوا عن الدخول في الإسلام بسبب ما يسمعونه من طعن وتجريح وتشكيك في أحكام الإسلام، وقد أجبناهم عنها، وسرعان ما تبين لهم الحق والصواب، فلم يتردد من أراد الله هدايته وإنقاذه من الهلاك من أن يعلن إسلامه واستسلامه لهذا الدين وأحكامه.
7. في هذا الدين العظيم ما يجعل إيمانك قويّاً ويزداد يوماً بعد يوم، فالإيمان في الإسلام يزداد بالطاعات، وفي الإسلام سبل كثيرة تجعل إيمانك في ازدياد مستمر لو أنك تقومين بتلك الطاعات، فلا تجعلي هذا الأمر عائقاً لك في دخولك في الإسلام، فالقرآن الكريم آياته كثيرة، نجزم لك أن قراءة كل آية فيه تزيد في إيمانك، وكل ركعة تصلينها تجعل إيمانك في ازدياد، وهكذا الصيام والعمرة والحج والصدقات وإعانة المحتاجين وغير ذلك من أبواب الخير.
8. تداركي نفسك، والتحقي بهذا الركب، واركبي سفينة النجاة، ولا تترددي، واشكري الله تعالى أن هيأ لك فرصة تقرئين فيها عن الإسلام، وترين المسلمين وهم يصلون، وأن هيأ لك موقعاً إسلاميّاً موثوقاً تراسلينه، وتطلبين منه النصح والإرشاد، وهذه نعَم يبذل غيرك فيها الأموال والأوقات حتى يتحصل على شيء منها، فلا تفوتي الفرصة من يديك، ولا تجعلي لأحد من الناس فرصة ليثبطك عن الدخول في هذا الدين.
ونحن نسأل الله تعالى أن يهديكِ لما يحب ويرضى، ونسأله تعالى أن يوفقك لما فيه خير وصلاح دينك ودنياك، ونسأله تعالى أن يعجِّل لك بالهداية، إنه على ذلك قدير.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/175)
نصرانية تسأل عن يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم وما هي أهميّته للمسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أهمية اليوم الذي ولد فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) ، ومتى، وكيف يُحتفل بذلك اليوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: محمد صلى الله عليه وسلم، رسول الله إلى الناس أجمعين، الذي أنقذ الله به الناس من الظلمات إلى النور، وأخذ بأيديهم من الضلال إلى الهدى والرشاد، وللأهميّة يراجع جواب سؤال رقم (11575) . ولعل هذا السؤال أن يكون بداية بحث موسّع عن دين الإسلام، ومحاولة لمعرفته والقراءة المستفيضة عنه كثيراً. واحرصي على محاولة البحث عن ترجمة للقرآن حتى تعرفي أكثر عن هذا الدين الحنيف، ولا شك أن سرورنا سيكون أضعاف ذلك بكثير إذا أصبحت أختاً لنا في الإسلام بالدخول في هذا الدين.
ثانياً: العبادات في الإسلام تقوم على أساس عظيم، وهو أنه لا يجوز لأحد أن يتعبّد الله إلا بما شرعه الله عز وجل في كتابه، وما جاء به نبيّه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تعبّد لله عز وجل بشيء لم يأمر الله عز وجل ورسوله به فإن الله عز وجل لا يقبل منه ذلك الشيء، وقد أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (كتاب الصلح / 2499)
ومن هذه العبادات الأعياد فإن الله عز وجل قد شرع لنا عيدين نحتفل فيهما، ولا يجوز الاحتفال في غيرهما (ويراجع جواب سؤال رقم (486)) .
أما الاحتفال باليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن يُعلم أنه عليه الصلاة والسلام لم يشرع لنا الاحتفال بهذا اليوم، ولم يحتفل هو نفسه عليه الصلاة والسلام بذلك اليوم، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم، فإنهم كانوا أشد حبّاً للنبي صلى الله عليه وسلم منّا ومع ذلك لم يحتفلوا بهذا اليوم، ولذلك فإننا لا نحتفل بذلك اليوم اتباعاً لأمر الله عز وجل الذي أمرنا باتباع أوامر نبيّه فقال تعالى: (وَمَاءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) سورة الحشر/7، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (علَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَة) رواه أبو داود (السنة/3991) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " برقم (3851) .
ومما يبيّن مدى المحبّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي اتباعه في كل ما أمر به ونهى عنه ومن ذلك اتباعه في عدم احتفاله باليوم الذي ولد فيه. ويراجع جواب سؤال رقم (5219) و (10070) .
ومن أراد أن يعظِّم اليوم الذي وُلد فيه النبي صلى الله عليه وسلم فعليه بالبديل الشرعي، وهو صوم يوم الاثنين، وليس خاصّاً بيوم المولد فقط بل في كلّ يوم اثنين.
عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين؟ فقال: فيه ولدت، وفيه أنزل عليَّ. رواه مسلم (1978) . وفي يوم الخميس ترفع الأعمال وتعرض على الله.
والخلاصة: أن الاحتفال بيوم ميلاده لم يشرعه الله عز وجل ولم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإنه لا يجوز للمسلمين أن يحتفلوا بيوم المولد امتثالاً لأمر الله تعالى وأمر نبيّه عليه الصلاة والسلام.
نسأل الله لكِ الهداية إلى صراطه المستقيم. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(8/176)
المسلمون في نظر أنفسهم وفي نظر الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يُنظر إلى المسلمين، وكيف ينظر المسلمون إلى أنفسهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلمون هم الذين استسلموا لله تعالى، وأقاموا شرعه، وعملوا بكتاب ربهم سبحانه وتعالى وبسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، وفعلوا ما أمر الله به ورسوله وتركوا المحرمات، فمتى كان كذلك فإن أعدائهم ينظرون إليهم نظر هيبة وإكبار وإعزاز، وذلك لأنهم يعرفون أن تمسكهم بالإسلام والدين الصحيح يرفعهم عند الله تعالى، ويمكنهم من الاستيلاء على البلاد والعباد، فينظر إليهم أعدائهم نظر هيبة واحترام وخوف منهم، لكن إذا ضعف تمسكهم بالإسلام، وانتحلوا بدعا ومحدثات فإن عدوهم يستصغر شأنهم وينظر إليهم بعين الاحتقار والازدراء والصغار، وتذهب هيبتهم من قلوبهم، وأما نظر المسلمين إلى أنفسهم فإن عليهم أن يتفقدوا أحوال بعضهم، وأن ينظروا إلى الخلل والضعف الذي حصل فيهم، ويعالجوا ما يقدرون عليه حتى يعود إليهم عزهم وتمكينهم، وحتى يهابهم عدوهم إذا تفقدوا أحوال بعضهم وانتبهوا لذلك وأصلحوا ما فسد من بعضهم فإن الله تعالى يقويهم وينصرهم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الله بن جبرين.(8/177)
الأكل من لحم مشكوك فيه مطبوخ بأدوات اختلطت بخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أكل اللحم في مطاعم تقدّم الخنزير والخمر ولسنا متأكدّين من أنّ اللحم مذبوح على الطريقة الإسلامية علما أن اللحوم بما فيها الخنزير تخزّن في ثلاجة واحدة وتطبخ بنفس الأدوات]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ينبغي والحالة هذه على الإنسان المسلم اجتناب الأكل في هذه المطاعم وأن يتحرّى اللحم الحلال والمكان الحلال ولو كان في ذلك شيء من الصعوبة، نظرا لأهمية إطابة المطعم في الإسلام. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/178)
يريد أن يتخصص في دعوة النصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت نصارى في المغرب جاؤوا من أقصى أوروبا للتبشير. تركوا الأوطان وهجروا اللذات. مستغلين ما توصلت إليه حضارتهم المادية من الرقي والتقدم في خدمة عقيدتهم. يجوبون بذلك إفريقيا طولا وعرضا. وصدق الله: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" وأريد التخصص في مواجهة النصارى، ودراسة النصرانية، وأرى أننا في حاجة لمثل هذا التخصص، لاسيما في بلدنا. فقد سمعت أن بعض الشباب يعلقون الصليب ويلبسون ملابس عليها الصليب. وأحتاج منكم إلى توجيهات حتى تكون دراستي للنصرانية على بصيرة. وبالجملة أود منكم أن تضعوا لي برنامجا يشمل العلم الشرعي والديانة النصرانية. وجزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرته من نشاط بعض المنصرين وجلَدِهم في السفر والترحال والتضحية أمر مشاهد معلوم، وإذا كان هذا هو حالهم، مع أنهم يدعون إلى باطل، ويسعون في باطل، فكيف بالمسلم الذي منّ الله عليه بالهداية، وأنعم عليه بالاستقامة، وعرّفه طريق الحق والصدق، لا شك أنه أولى الناس بالسعي والحركة والجد والاجتهاد، وبذل الغالي والنفيس في سبيل نشر الدين، وتعليم الناس، وهداية الخلق، سواء كانوا من النصارى أو من غيرهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) رواه البخاري (3009) ومسلم (2406) .
وطريق الدعوة هذا هو طريق الأنبياء والمرسلين، لأنهم أرحم الخلق بالخلق، وأحرص الناس على هداية الناس، لكنه طريق يحتاج إلى زاد من العلم والصبر واليقين، وقد أحسنت في سؤالك عن سبيل التخصص في محاجة النصارى؛ لأن بعض الناس يخوض هذا الغمار دون استعداد، فربما أدى ذلك إلى نفور خصمه، أو زيادة تمسكه بباطله، وربما أدى إلى ضعفه هو ودخول الشك عليه.
ولهذا كان على المجاهد في سبيل الله، المنتصب لدعوة هؤلاء ومحاججتهم أن يتحلى بأمور:
1- دراسة العقيدة الصحيحة من مصادرها الموثوقة، وعلى يد أهل العلم إن أمكن ذلك.
2- تحصيل العلم الشرعي الذي يصحح به عبادته ومعاملته، لأن تعلم هذا من فرائض الأعيان، وهو مقدم على واجب الدعوة للآخرين.
وقد سبق بيان المنهج الذي يسير عليه طالب العلم، وأهم الكتب التي يحتاجها في مرحلة الطلب، فيراجع سؤال رقم (14082) وسؤال رقم (20191) وسؤال رقم (21590)
3- العناية بالمراجع الإسلامية المتخصصة في دعوة النصارى وبيان حالهم، وكشف شبهاتهم، وهي مراجع كثيرة، من أهمها: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم، إظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي، مناظرة بين الإسلام والنصرانية، للشيخ محمد جميل غازي، العقائد الوثنية في الديانة النصرانية لمحمد طاهر التنير، محاضرات في النصرانية للشيخ أبو زهرة، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، النصرانية من التوحيد إلى التثليث للدكتور محمد أحمد الحاج، محمد في الكتاب المقدس للبروفسور عبد الأحد داود، دراسات في الأديان: اليهودية والنصرانية للدكتور سعود الخلف، رسائل ومناظرات الشيخ أحمد ديدات، كما يمكن الاستفادة من بعض المواقع المتخصصة، ومنها:
http://www.alhakekah.com/
http://www.ebnmaryam.com/web/
http://www.khayma.com/nsara/
4- أن يتحلى المحاور بأدب الإنصاف، وأن ينظر إلى مخالفه بعين الشفقة والرحمة، فهو حريص على هدايته، مجتهد في إيصال الحق له، كالطبيب الحاني يعالج مريضه، فلا يسخر ولا يستهزئ، ولا يتعالى ولا يتكبر، بل يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) العنكبوت/46
قال القرطبي في تفسيره: " فيجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن على معنى الدعاء لهم إلى الله عز وجل، والتنبيه على حججه وآياته، رجاء إجابتهم إلى الإيمان، لا على طريق الإغلاط والمخاشنة " انتهى.
وكثير من النصارى حين وقف على حجج أهل الإسلام، وعلم زيف ما كان عليه، آمن واهتدى، ونجح وأفلح، وكان للأسلوب الحسن في الدعوة أثر كبير في ذلك.
ونعود ونؤكد هنا على أهمية التسلح بالعلم الشرعي، والدراسة العميقة المتخصصة لهذا الباب، الذي أصبح علما قائما بنفسه اليوم، وفي بلاد الغرب، قبل أن تخوضه، فإنك إن خت هذا المجال قبل التاهل له , والدارسة الكافية فيه، عاد وبال ضعفك وعجزك على الدين الحق الذي تريد أن تنشره وتدافع عنه.
واجتهد في الاتصال بأهل الاختصاص الموثوق بدينهم وعلمهم من أهل بلدك، ليعينوك على هذا الأمر، ويرشدوك إلى ما تحتاجه فيه.
نسأل الله لك التوفيق والعون والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/179)
الختان وانتقاء الاسم للمسلم الجديد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من الدنمارك، وأنا من مدة مهتم بالإسلام، ولقد توصلت الآن لمرحلة أصبحت فيها متأكداً بكل معنى الكلمة أنني أريد أن أصبح مسلماً. وعندي أسئلة وهي كما يلي:
- هل يجب أن أكون مختوناً لأصبح مسلماً (وهذا ما أقبله مسروراً) وكيف يتم ذلك {الختان} هل يفعل عن طريق الطبيب أو الإمام أو أفعله بنفسي.
- إنني أحس أن تغيير اسمي عندما أصبح مسلماً هو بصدق حدث مفرح، ولكنني أحب أن أعرف ما الاسم الأنسب من الأسماء الآتية ليكون اسمي الأول الجديد: قاسم -عاصم - تيم الله - سعيد. وسأكون ممتناً إن رددت على رسالتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله الذي هداك لهذا وما كنت لتهتدي لولا أن هداك الله، وهذا نبأ سعيد نتلقاه هذه الليلة برغبتك للانضمام إلى ديننا نسأل الله لك التوفيق للحقّ والثبات على الإسلام.
وأمّا عن سؤالك الأوّل فإن كان الختان لا يسبّب لك ضررا فيمكنك إجراؤه عند من تثق بخبرته ومهارته من الجرّاحين، وإذا كان سيسبّب لك ضررا فلا عليك من عدم القيام به ولا يضرّ ذلك بإسلامك إن شاء الله.
وأمّا بالنسبة لتغيير اسمك فإنّ أحبّ الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم (رقم 3975) .
وإذا أردت أن ننتقي لك اسما من الأسماء التي حدّدتها في القائمة فيمكنك أن تتسمى بـ: عاصم ومعناه في اللغة العربية حافظ أو صائن أو واقي
نسأل الله لك حياة طيبة سعيدة في ظلال الإسلام العظيم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/180)
الوصايا العشر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد في القرآن شيء شبيه بالوصايا العشرة الموجودة في الإنجيل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شكرا لك على توجيه هذا السؤال الذي يظهر منه الاهتمام بالقرآن الكريم ونقدّم لك جواب سؤالك بكلّ سرور:
في القرآن الكريم آيات أطلق عليها بعض العلماء آيات الوصايا العشر نظرا لاشتمالها على عشر وصايا عظيمة من الله للبشرية، وهذه الآيات في موضعين من القرآن الكريم:
الأول في سورة الأنعام في قول الله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام
والموضع الثاني في سورة الإسراء ويكاد أن يكون شرحا للموضع الأول، قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا (28) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) .
ولعلك أيها السّائل بعد تمعّنك في هذه الآيات يكون لك موقف من القرآن أجود بكثير من ذي قبل، وأن يكون ذلك فاتحة لتغيّر جذري في حياتك، وسبيلاً كريماً لاعتناق دين الإسلام ونتمنى لك التوفيق دائما، والسلام على من اتّبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/181)
مسلم جديد يريد أن يتعلم الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتضمن أشياء كثيرة. دخلت الإسلام حديثاً جداً منذ فترة قصيرة جداً وفي البداية كنت أحافظ على كل الصلوات قدر استطاعتي (أنا لا أعلم اللغة العربية) وقال لي شخص إنني يجب فقط أن أتكلم باللغة العربية … فتوقفت عن الصلاة في نهاية الأمر …. وأنا أفكر في ربي عدة مرات كل يوم …. وأتبع تعاليم الإسلام … ولكنني لا أستطيع أن أتوقف عن بعض الأشياء التي أعلم أنها خاطئة …. ومنذ أن هداني الله فقد بدلت حياتي للأفضل كثيراً وأنا الآن أسعد حالاً مما كنت لسنوات طوال. فقد كنت أشرب الخمر حتى الثمالة كل يوم وأنا الآن تقريبا لا أشرب مطلقا وكنت أقامر بأموالي كلها والآن توقفت عن ذلك تقريبا بالكلية وعندما أفعل هذه الأشياء الخاطئة أشعر بأنها خطأ وأنني لا أريد أن أعود لسابق عهدي وأشعر أن الله يهديني بطرق لا أعرفها.. أنا لا أشعر بالذنب ولكنني أشعر لماذا أفعل هذا.. وقد سألت عدة مسلمين أعمل معهم وحتى شخص قابلته على شبكة الإنترنت سألتهم أن يعلموني الصلاة بالكيفية الصحيحة ويساعدوني في أمور أخرى.. ولكن ولأنني استرالي فهم لا يشعرون أنني جاد في إسلامي … لذا كانوا مترددين. أنا لست شخصاً جيداً على ما أعتقد.. ولكنني أفضل حالاً بكثير مما كنت عليه من قبل وبعون الله وهدايته أعلم أنني أستطيع أن أنجح … ما زال أمامي الكثير لأتعلمه … من فضلك انصحني.. هل يجب علي أن أحاول بمفردي أم أظل أطلب المساعدة من المسلمين رغم أنهم لا يبدو أنهم يريدون مساعدتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله أولاً وأخراً.. والشكر له دائماً وأبداً.. يمنُّ على من يشاء بالهداية.. وينعم على من شاء بالسعادة.. ويُنجي عبده من الضلالة.. وينصر أولياءه إلى قيام الساعة.
أيها الأخ المسلم.. هنيئاً لك على نعمة الهداية.. ونسأل الله لك الثبات حتى الممات.
لقد كان إنجازاً عظيماً حين قررت أن تعتنق دين الإسلام، وأن تترك الضلال الذي نشأت عليه، وتجتنب الشرك الذي نُهيت عنه، فأهلاً بك أخاً جديداً للمسلمين، ومرحباً بك زائراً كريماً في هذا الموقع.
في البداية.. نذكرك بأن الإنسان في هذه الدنيا يمرُّ بامتحان عظيم، وبلاءٍ جسيم، يحتاج معه إلى الصبر والثبات، والعزم حتى الممات، (يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه) .
ومن جملة ما ابتلى الله به عباده ما افترض عليهم من الفرائض والواجبات كالصلوات والصوم والزكاة والحج وسائر العبادات، وما نهاهم عنه من الكذب والغش والزنا واللواط وسائر المحرمات، ليرى المؤمن الصادق الذي ينفذ أمر الله فيدخله الجنة، ويرى الكاذب المنافق الذي يترك طاعة الله فيدخله الله النار.
فاحرص - وفقك الله – على بذل الجهد في تعلم أمر الله لتفعله، وتعلم ما حرم الله لتجتنبه.
والأوامر كثيرة، والنواهي مثلها , وتعدادها أو شرحها في مكان واحد متعذر، ولكنَّا نُحيلُك على ما ورد في موقعنا هذا من الأسئلة التي اشتملت على تعاليم الدين الحنيف، فلعلك أن تتصفحها، وتقرأ ما ورد فيها لعل الله أن ينفعك بها.
وأما ما ذكرته في سؤالك من أنه يجب عليك أن تتعلم اللغة العربية، فهذا صحيح ولكن ليس كل اللغة، بل الواجب تعلم ما تحتاج إليه في أُمور دينك انظر السؤال (6524) ، وعدم معرفتك للغة العربية ليس مسوغاً لترك الصلاة لأنك تستطيع أن تتعلم ما تحتاجه في صلاتك في وقت يسير، وإلى أن تتعلمه فعليك أن تحافظ على الصلاة في وقتها، وتصلي حسب استطاعتك، و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) .
وأما كيفية الصلاة فستجد الجواب في الموقع برقم (13340) ، وانظر للفائدة (8580) و (2427) و (11040) .
وختاماً ننصحك أيها الأخ بالبحث عن مركز إسلامي في بلدك، ومصاحبة المسلمين المتمسكين بدينهم، ولا تنسَ متابعة المواقع الموثوقة، والحرص على الاستفادة منها بقدر الإمكان، كما نفيدك بأننا نَسْعَدُ بخدمتك وخدمة أمثالك ممن يحرصون على ما ينفعهم، وسنقدم لكم ما نستطيع من التوجيه والإرشاد، فكن معنا على اتصال، والله يحفظك ويرعاك، والسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/182)
اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالأمراض النفسية
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت مقالاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعاني من مشاكل نفسية وأنه لم يكن سوياً في عقله. فهل هذا صحيح؟ أعلم أنه غير صحيح لكن هناك الكثيرون الذين يعتقدون ذلك. فكيف ندافع عن النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب أن يعلم المسلم أن هناك فرقاً بين أن ندافع عن الإسلام أمام المسلمين فذلك يكون بالكتاب والسنة وغيرها من المصادر المعتبرة، وبين أن ندافع عن الإسلام أمام غير المسلمين الذين لا يقرون ولا يؤمنون بالمصادر الشرعية فنناظرهم بالعقل والحس والفطرة.
وللجواب عن هذا السؤال لا بد أن نعلم أن مثل هذا الكلام لا يصدر عن مسلم يؤمن بشريعة الإسلام، وأنه لا شك أن مثل هذا الكلام كفر وزندقة، وعليه: فمن الواضح أن أصحاب تلك الدعوى غير مسلمين ولا مقرِّين بالشرع، بل هم كفار بالله وبدين الإسلام، فيحسن أن يناقَشوا بالعقل، وبالتالي نرد عليهم كالآتي:
أن هذه الدعوى لا تخرج إلا من حاقد وحاسد لدين الإسلام، والحسد أو الحقد لا يقع فيه الإنسان إلا عندما يرى نعمة ظاهرة فتفرز غلا وحسدا في قلبه، فأصحاب هذه الدعوى عندما رأوا المسلمين وما هم فيه من نِعَمٍ ظاهرة من راحة البال واطمئنان القلب وقلة المنكرات عند المسلمين من زنا وشرب للخمر وقلة المصابين بالأمراض النفسية والجسدية المنتشرة عندهم كالإيدز وغيرها من الأمراض، وعندما رأوا التاريخ المشرق للمسلمين وكيف كانوا سادة الدنيا لما تمسكوا بالإسلام إلى غير ذلك من النعم الظاهرة التي شهد بها القاصي والداني، ورأوا كثرة من يسلم في كل يوم في شتى بقاع الأرض: ساءهم ذلك، وخافوا من انتشار الإسلام، ولم يستطيعوا أن يواجهوه إلا بحيلة الضعيف وهي استخدام الطعن والسب والشتم.
وإن العقلاء اتفقوا على أن أي إنسان يقيم دعوى لابد أن يأتي بالبينات والشواهد على صحة قوله وإلا رد قوله في وجهه فأين الدليل على دعواهم المغرضة تلك؟
والدعاوى ما لم تقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء
فلو قيل لعاقل إن شخصا ما استطاع أن يقنع أناسا كثيرين تجاوز عددهم مليارات بفكرة معينة وأن يتبعوه على هذه الفكرة أو أن رجلا بمفرده استطاع أن ينجح في الانتخابات - مثلا - وأن يقنع الناس بالتصويت له لشهد هذا العاقل بعبقرية ذلك الرجل وذكائه ورجحان عقله، فكيف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم – بأبي هو وأمي - الذي دانت له العرب والعجم وانتشر الإسلام الذي جاء به في كل مكان، وبقيت رسالته التي أرسله الله بها إلى هذا الزمان شاخصة براقة يشهد لها القاصي والداني حتى أولئك الأدعياء في قرارة أنفسهم، ولكن عماهم الحسد والبغض والحقد.
إن كثيراً من أعداء الإسلام كالمستشرقين الذين درسوا الإسلام: شهدوا للإسلام بفضله وقرروا فضل ومكانة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وشهدوا برزانة عقله وكماله والفضل ما شهدت به الأعداء.
والواجب على المسلم أن لا يلتفت إلى هؤلاء المغرضين الذين يتربصون بالإسلام وأهله ويحاولون النيل منه وهيهات ذلك والإسلام لا تؤثر فيه شائعات هؤلاء، ولا يرفعه مدحهم له.
والله الهادي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/183)
الحكمة من وقوع التحريف في الإنجيل
[السُّؤَالُ]
ـ[لم سمح الله سبحانه وتعالى بتحريف الإنجيل، مع أنه سبحانه قادر على حفظه؟ وما هي التعاليم التي اتبعها المسلمون قبل مجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولا:
قد وكَّل الله تعالى حفظ التوراة والإنجيل إلى علمائهم ورهبانهم، بدليل قوله: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء) المائدة/44.
ولم يتكفل سبحانه وتعالى بحفظه كما تكفل بحفظ القرآن، وفي ذلك بعض الحِكَم:
1. أراد سبحانه وتعالى أن يبقى القرآن الكريم هو الكتاب الخالد، والشريعة الباقية إلى يوم القيامة، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) المائدة/48، فلم تكن ثمة حاجة لحفظ الكتب السابقة وتخليدها، وخاصة أن عهد القرآن قريب من عهد الإنجيل، فليس بينهما سوى ستمائة عام.
2. وليكون ذلك فتنة واختباراً للذين أوتوا الكتاب هل يقومون بدورهم في حفظ الكتاب؟ وهل يؤمنون بما جاء فيه؟ وهل يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، أم يصروا على عنادهم، فيقوموا بالتحريف والكتمان والتزوير؟!
3. وفي ذلك بلاء أيضا لكل أتباع الديانة النصرانية إلى يوم القيامة، وهم يرون كتابهم الذي يؤمنون به لم يسلم من يد التحريف أو التشكيك أو الضياع، ويرون كتاب خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم محفوظا متواتراً لا يشك أحد في صحته، فيكون ذلك داعيا لهم إلى الإيمان بالكتاب المبين - القرآن الكريم -.
ثانيا:
كان الناس في الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم على الشرك والوثنية، ولم يكن لأغلبهم دين متبع، ولا شريعة محترمة، اللهم إلا بعض من اتبعوا شريعة المسيح عليه السلام، مثل ورقة بن نوفل، وبعض من كان حنيفا على دين إبراهيم، يجتنب الشرك والأوثان والخمر والفواحش ويسجد لله الواحد رب العالمين، مثل زيد بن عمرو بن نفيل الذي صح في البخاري (3614) أنه قال: (إِنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ وَلَا آكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وكان يقول أيضا: (يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ! وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي. وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: لَا تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا) رواه البخاري (3616) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/184)
لا يجوز أن يكون الختان عائقا بين الشخص وبين الدخول في الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[محامي من الأرجنتين يسأل عن حكم الاختتان للكافر والكافرة إذا أرادا الدخول في الدين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيها السائل العزيز
شكرا لك على توجيه هذا السؤال لأن مسألة الختان هي فعلا من المسائل التي تكون في عدد من الحالات عقبة في طريق بعض الذين يريدون الدخول في دين الإسلام.
والمسألة أسهل مما يظنّه الكثيرون، فأما الختان فإنه من شعائر الإسلام ومن الفطرة ومن ملة إبراهيم عليه السلام وقد قال الله تعالى: (ثمّ أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اختتن إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة..) رواه البخاري 6/388 ط. السلفية، فالختان على الرجل المسلم واجب إذا قدر عليه، فأما إذا لم يقدر عليه كأن خاف على نفسه التلف لو اختتن أو أخبره الطبيب الثقة أنه يحصل له نزيف قد يودي بحياته فيسقط عنه الختان حينئذ ولا يأثم بتركه.
ولا يجوز بأيّ حال من الأحوال أن تُجعل مسألة الختان عائقا بين الشخص وبين دخوله في الدّين بل إنّ صحة الإسلام لا تتوقف على الختان فيصحّ دخول الشخص في دين الإسلام حتى ولو لم يختتن.
أما مسألة حكم ختان الأنثى فستجد جوابها في السؤال رقم (427) .
أسأل الله أن يوفقك لكلّ خير ويحفظك من كلّ شر وصلى وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/185)
مكانة الأسرة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف ينظر الإسلام إلى العائلة , وأدوار الرجال والنساء والأطفال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبل أن نعرف دور الإسلام في بناء وتنظيم الأسرة وحمايتها لابد أن نعلم ماذا كانت الأسرة قبل الإسلام وعند الغرب في هذا الزمان.
كانت الأسرة قبل الإسلام تقوم على التعسف والظلم، فكان الشأن كله للرجال فقط أو بمعنى أصح الذكور، وكانت المرأة أو البنت مظلومة ومهانة ومن أمثلة ذلك أنه لو مات الرجل وخلف زوجة كان يحق لولده من غيرها أن يتزوجها وأن يتحكم بها، أو أن يمنعها من الزواج، وكان الذكور الرجال فقط هم الذين يرثون وأما النساء أو الصغار فلا نصيب لهم، وكانت النظرة إلى المرأة أماً كانت أو بنتاً أو أختاً نظرة عار وخزي لأنها كانت يمكن أن تسبى فتجلب لأهلها الخزي والعار فلذلك كان الرجل يئد ابنته وهي طفلة رضيعة كما قال تعالى: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) النحل / 58.
وكانت الأسرة بمفهومها الأكبر – القبيلة – تقوم على أساس النصرة لبعضها البعض ولو في الظلم إلى غير ذلك فلما جاء الإسلام محا هذا كله وأرسى العدل وأعطى كل ذي حق حقه حتى الطفل الرضيع، وحتى السقط من احترامه وتقديره والصلاة عليه.
والناظر إلى الأسرة في الغرب اليوم يجد أُسراً مفككة ومهلهلة فالوالدان لا يستطيعان أن يحكما على أولادهما لا فكريا ولا خلقيا؛ فالابن يحق له أن يذهب أين شاء أو أن يفعل ما يشاء وكذلك البنت يحق لها أن تجلس مع من تشاء وأن تنام مع من تشاء باسم الحرية وإعطاء الحقوق وبالتالي ما النتيجة؟ أسرٌ مفككة، أطفالٌ ولدوا من غير زواج , وآباء وأمهات لا راعي لهم ولا حسيب وكما قال بعض العقلاء إذا أردت أن تعرف حقيقة هؤلاء القوم فاذهب إلى السجون وإلى المستشفيات وإلى دور المسنين والعجزة، فالأبناء لا يعرفون آباءهم إلا في الأعياد والمناسبات.
والشاهد أن الأسرة محطمة عند غير المسلمين فلما جاء الإسلام حرص أشد الحرص على إرساء وتثبيت الأسرة والمحافظة عليها مما يؤذيها، والمحافظة على تماسكها مع إعطاء كل فرد من الأسرة دوراً مهماً في حياته:
فالإسلام أكرم المرأة أما وبنتا وأختا، أكرمها أماً: فعن عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك ".
رواه البخاري (5626) ، ومسلم (2548) .
وأكرمها بنتا: فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن دخل الجنة".
رواه ابن حبان في صحيحه (2 / 190) .
وأكرمها زوجة: فعن عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ". رواه الترمذي (3895) وحسَّنه.
وأعطى الإسلام المرأة حقها من الميراث وغيره، وجعل لها حقا كالرجل في شؤون كثيرة قال عليه الصلاة والسلام:" النساء شقائق الرجال " رواه أبو داود في سننه (236) من حديث عائشة وصححه الألباني في صحيح أبي داود 216.
وأوصى الإسلام بالزوجة، وأعطى المرأة حرية اختيار الزوج وجعل عليها جزء كبير من المسؤولية في تربية الأبناء.
وجعل الإسلام على الأب والأم مسؤولية عظيمة في تربية أبنائهم: فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كلكم راع ومسؤول عن رعيته فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته " قال: فسمعت هؤلاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (853) ، ومسلم (1829) .
- حرص الإسلام على غرس مبدأ التقدير والاحترام للآباء والأمهات والقيام برعايتهم وطاعة أمرهم إلى الممات:
قال الله سبحانه وتعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما او كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما) الإسراء / 23.
وحمى الإسلام الأسرة في عرضها وعفتها وطهارتها ونسبها فشجع على الزواج ومنع من الاختلاط بين الرجال والنساء.
وجعل لكل فرد من أفراد الأسرة دورا مهما فالآباء والأمهات الرعاية والتربية الإسلامية والأبناء السمع والطاعة وحفظ حقوق الآباء والأمهات على أساس المحبة والتعظيم، وأكبر شاهد على هذا التماسك الأسري الذي شهد به حتى الأعداء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/186)
يرد على شبهات النصارى ويطلب النصح يستمر أم لا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك موقع نصراني يبث شبهات كثيرة حول الإسلام وشرائع الإسلام، وأقوم - بفضل الله - برد هذه الشبهات من خلال المواقع الإسلامية، ومواقع الرد على الشبهات، ويقومون في هذا المنتدى بسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل أكمل في هذا المنتدى في رد شبهاتهم بفضل الله؟ أم إذا بقيت في المنتدى ينطبق عليَّ قول الله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) سورة النساء (140) ، (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) سورة الأنعام (68) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لك أخي الفاضل غيْرتك على دين الله، ونثمِّن موقفك في الدفاع عنه ضد أعدائه من المشككين، ولكن لا يمنعنا هذا من نصحك وتوجيهك لما فيه الخير لك ولدين الله تعالى الذي تغار عليه.
وهذه النصيحة تتلخص في عدم الدخول في معترك الشبهات والردود عليها إلا بعد أن تتقوى معرفتك بأحكام الإسلام وشرائعه، ويتقوى إيمانك ويقينك، وليس هذا من باب الاستحباب بل هو واجب في حقك، وفي حق كل من يدخل في معترك الشبهات والردود على أهل البدع والضلال والأديان المحرَّفة، وفي هذا الأمر عدة فوائد مهمة:
1. الحفاظ على دين الله وشريعته من المتحمسين الذين ليس عندهم زاد علمي، فترى الشبهة التي يطرحهما أعداء الدين غير التي يردون عليها، وترى – أحياناً أخرى – الرد ضعيفاً يقوِّي الباطل ويُضعف الحق.
2. الحفاظ على المسلمين المتحمسين لتلك الردود من الانجراف وراء الشبهة وأهلها، فكثير من الداخلين في هذا المعترك يدخلون بزاد قليل، فتخطف الشبهةُ قلوبَهم، ولا يجد لها جواباً عنده، فيحار، ويتشكك، كما أن كثرة النظر في الشبهات تُضعف القلب.
قال ابن القيم رحمه الله:
وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه - وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيرادٍ -:
" لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات " أو كما قال.
فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك.
" مفتاح دار السعادة " (1 / 140) .
ونقل الإمام الذهبي رحمه الله عن سفيان الثوري رحمه الله قولَه:
" من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه، لا يلقها في قلوبهم ".
فعلَّق عليه بقوله:
قلت: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يروْن أن القلوب ضعيفة، والشُّبَه خطَّافة.
" سير أعلام النبلاء " (7 / 261) .
3. الحفاظ على الوقت وعدم إهداره مع المعاندين والجاحدين، وعدم إهدار الوقت في باب واحد من العلم يجب أن يسبقه أبواب، فلا يصلح الرد على أولئك الطاعنين في الدين إلا بعد الإلمام بالقرآن، وصحيح السنَّة، وهذا يستغرق من الطالب وقتاً طويلاً، فبعض الشبهات الرد عليها من باب اللغة، وبعضها من باب التفسير، وأخرى من باب الحديث، وأخرى من باب المنطق، فأين المبتدئ المتحمس من هذا كله؟! .
4. اختيار الطريقة المناسبة للدعوة، فالدعوة إلى الله تحتاج لعلمٍ من الداعي، وتحتاج لحكمة حتى يضع الأمور في مكانها المناسب، فمن المدعوين من يكون هيناً ليِّناً قريباً للحق، ومنهم من يكون معانداً، فيحتاج الداعي لسلوك الطريق المناسبة مع كل واحدٍ من هؤلاء، بالغلظة مع قوم، وباللين والرقة مع آخرين.
قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل/125، وقال سبحانه (: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) العنكبوت/46.
فكيف سيعرف المبتدئ الطريقة المناسبة للتعامل مع هؤلاء؟ وكيف سيسلكها؟ ومتى سيتوقف عنها؟ كل ذلك يحتاج لأن يكون الداعي على قدر من العلم والحكمة، وهذا ما لا يوجد في غالب المتحمسين المبتدئين.
ومنه يُعرف جواب سؤال الأخ الفاضل: هل يبقى في المنتدى مع رؤيته لسب الله تعالى ورسوله ودينه أم يخرج؟ وهل ينطبق عليه ما ذكره من الآيات القرآنية في صلب السؤال؟ .
ليس على ذلك جواب محدَّد، إلا أن نعرف حال المنتدى، وحال الداعي، وحال الشبهات، وهل يُسمح له بالرد والتعقب، أم يقرأ فقط ولا يشارك؟ إن معرفة هذه الأحوال تكوِّن فكرة عن الجواب اللائق المناسب.
وقد رأينا بعض إخواننا المتحمسين للدعوة يدخل غرف الزنادقة في " البال توك " الذين يسبون الصحابة ويكفرونهم، ويؤذون المسلمين بفحش كلامهم وهم مع هذا يمنعون الأخ المسلم الداعية من أن يعلِّق بلسانه، بل ولا يكتب ببنانه! فأي وجه في بقائه بتلك الغرف الفاسدة؟ إنه هنا ينطبق عليه ما ذُكر من الآيات في السؤال، وهذا بخلاف من استمع ليجمع أقوالهم ويوثقها، أو من استمع ليُفسَح له المجال في الرد عليها، فمثل هذا لا ينطبق عليه ما ذُكر من الآيات القرآنية في السؤال.
وهذه وصية جامعة، نسأل الله أن ينفع بها:
قال الشيخ العثيمين:
لا يجوز للإنسان أن يقرأ كتاباً مضلاً من كتب اليهود، أو النصارى، أو المشركين، أو أهل البدع؛ إلا إذا كان عنده رصيد قوي يمكن أن يتحصن به، وأما إذا كان مبتدئاً في القراءة: فلا يجوز له أن يبدأ بقراءة هذه الكتب الباطلة؛ لأنه ربما تأثر بما فيها من الباطل، فهؤلاء ننصحهم بأن يتركوا هذه الكتب، حتى يحصنوا أنفسهم بالعلوم الشرعية الصحيحة قبل أن يدخلوا في هذه الكتب المضلة، فالإنسان إذا أراد أن يتحصن من السيل: أخذ في بناء السدود والمصارف قبل مجيء السيل، لا يفعل ذلك بعد مجيئه، فنقول: أولاً: حصنوا أنفسكم بمعرفة الشريعة، واغرسوها في قلوبكم، حتى إذا تمكنتم: فلا بأس أن تقرءوا، لتردوا على شبهات القوم وأباطيلهم.
" لقاءات الباب المفتوح " (47 / السؤال رقم 7) .
ونرجو النظر في السؤال رقم (22029) و (83621) ففيه بيان حكم النظر في كتب أهل الكتاب، ومحاورتهم عبر الإنترنت.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/187)
شبهات من نصراني حائر
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في الصحيفة أن 15% من القرآن يتحدث عن المسيح؛ وكذلك فقد قرأت في النسخة الإنجليزية (لمعاني) القرآن أن محمدا كان يؤمن بالمسيح وإبراهيم وبجميع الأنبياء وبكتبهم التي سبقت القرآن. إذا كان الأمر كذلك, فلماذا يقبل القرآن ببعض التعاليم الواردة في الكتاب المقدس , مثل معجزات المسيح , وعدم وقوعه في المعصية, وأنه نبي, ... إلى غير ذلك , ويتناقض مع العديد من التعاليم الواردة فيه مثل إلهية المسيح كما ورد في "إيسا" 9:6 و"جان" 1:1, و3:16, وتألم المسيح وموته تكفيرا عن خطايا البشر كما ورد في العهدين القديم والجديد؟
إذا كان القرآن خاليا من الخطأ, فلماذا توجد كل هذه الطوائف في الإسلام مثل "شوهيت (؟) " و"الشيعة" على التوالي؟
لماذا يسمح القرآن بتعدد الزوجات, بينما يمنع الكتاب المقدس من ذلك كما ورد في "جن." 2:24 و"مات." 19:5؟
إن روحي تبحث عن الحقيقة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن الله تبارك وتعالى قد أكثر من ذكر المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في كتابه لأسباب عديدة منها:
1. أنه نبيٌّ من أنبيائه، بل ومن أولي العزم من رسله إلى خلقه وعباده، والإيمان به واجب كباقي الأنبياء كما أمر الله سبحانه بقوله {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} البقرة/136.
2. إن أولى الناس بالعناية الدعوية هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ وذلك أنهم أقرب الأمم ممن جاءتهم الرسل من آخر الأمم التي بعث فيها آخر الرسل، وقد علم كلٌّ من اليهود والنصارى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأوصافه مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل، والواجب أن لا ينكروها وأن يسارعوا إلى الإيمان به؛ لأنهم يؤمنون من قبل بالرسل خلافاً لغيرهم من عبدة الأوثان، فلما لم يكن منهم ما أُمروا به من الإيمان بآخر الرسل عليه الصلاة والسلام: كان لابد من الرد عليهم وتبين ما آلو إليه من تحريف التوحيد والأحكام فكثر ذكرهم في الآيات لذلك.
3. وهو أصل الأصول، وعليه قوام الدين والدنيا، وبه تكون النجاة من النار، والدخول إلى الجنان، وهو تقرير التوحيد لله الواحد الأحد، وذلك أن اليهود والنصارى اختلفوا في عيسى عليه السلام فقالت اليهود: هو دجَّال أفاك كذاب مفتر على الله وجب قتله! والنصارى كان خلافهم أشد فمنهم من قال: إنه الله! ومنهم من قال: إنه ابن الله متحد مع الله في الأقانيم، في الظاهر ابن الله وفي الحقيقة الله! ومنهم من قال: هو ثالث الأقانيم التي هي مرجع أصل التوحيد ومدار التثليث! وآخرون قالوا: بل هو رسول من عند الله وبشر كسائر الخلق لكن الله خصه بمعجزات ليقيم الحجة على العباد، والآخِرون هم المصيبون فكان لابد من تفصيل الحال وبيان حقيقة الأمر وإظهار عيسى بما يليق به ولا يُنقصه كسائر الأنبياء والمرسلين أنه بشر مخلوق من طين اختاره الله عن سائر البشر ليكون من غير أب إظهاراً لقدرة الله على إيجاد الخلق مع زوال الأسباب، وإن مثل عيسى عند الله كمثل آدم كما قال الحق سبحانه: (إن مَثَل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) آل عمران/59 فهذا الفيصل في خلق نبي الله عيسى مع إعجازه أمام أعين البشر وآدم عليه السلام أكثر إعجازاً منه.
فإن كان عيسى عليه السلام وُلد من غير أب: فإن آدم خلقه الله من غير أب وأم وهذا أدعى لإظهار قدرة الله سبحانه وتعالى في الخلق والإبداع وأعظم إعجازا من خلق عيسى عليه السلام فلكل ذلك وغيره كان لابد من التفصيل في أمر عيسى عليه السلام ووضع الأمور في نصابها وبيانها على حقيقتها.
والخلاصة: أن المعجزات التي وهبها الله تبارك وتعالى لعيسى عليه السلام إنما هي كسائر معجزات الأنبياء للتدليل على صدقه وأنه رسول الله حقّاً فخلط المحرِّفون هذه المعجزات على بسطاء الناس، وجعلوا من معجزاته وسلية للقول بأنه ابن الله أو أنه الله، وهذا كله تحريف لتعاليم المسيح ورسالة المسيح عليه السلام.
ومن ثم لو أن كل من اتبع نبيّاً جعل من معجزاته التي وهبه الله إياها أنَّه إلهٌ لكان كل الأنبياء آلهة فما من نبي إلا وتميز عن غيره بمعجزاته فالجبال سبَّحت مع داود عليه السلام وما سبحت مع عيسى، والبحر شُق لموسى وكلَّم ربَّه وكلمه ربُّه فكان كليم الله وما كان هذا لعيسى عليهما السلام، ونوح أغرق الله الأرض بدعائه وما كان هذا لعيسى ومحمد صلى الله خصه الله بكلامه وحفظ له معجزته من الزوال والتحريف وبعث للناس كافة وكان له من المعجزات ما لم يكن لعيسى فهل يجوز أن يكونوا آلهة؟ ! .
ثانياً:
أما القول أنه إذا لم يكن القرآن محرَّفاً فلمَ توجد هذه الفرق الكثيرة من شيعة وغيرها من الفرق؟
والجواب على هذا السؤال: أنه لا دخل للقرآن بصواب النَّاس وخطئهم؛ لأن القرآن الكريم هو سبيل الهداية للنَّاس وهذه الفرق قد حذَّر الله تبارك وتعالى منها، ونهى أن نتشبه بالأمم التي فرَّقت دينها كما قال الله تبارك وتعالى: {ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون} الروم/31-32، وقال الله تعالى {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} آل عمران/105، وأمرهم الله سبحانه بالاعتصام بكتابه واتباع سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم فقال: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون} آل عمران/103، وقال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع بصير} الحجرات/11 أي: لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً خلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فالمراد: بيان أن الله تبارك وتعالى نهى الناس عن الفرقة وأمرهم بالاجتماع فاتَّبعوا أهواءهم وتترسوا خلف شهواتهم وشبهاتهم ونبذوا كتاب الله خلف ظهورهم وإن حملوا آية من كتاب الله لم يرجعوا في فهمها إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يكون الرأي عندهم هو الحكم وعقلوهم الفاسدة هي المرجع وكل ذلك ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً:
أما السؤال عن تعدد الزوجات في الإسلام ومنعها في العهد الجديد: فاعلم أن الله تبارك وتعالى جعل لكل رسول شرعةً ومنهاجاً فما مِن نبيٍّ أرسله الله إلا وأمره بالتوحيد، وأما الشرائع فكانت مختلفة ناسخة لبعضها البعض، فما كان جائزاً في زمن آدم عليه السلام من الأحكام والشرائع نُسخ بعضُه في زمن نوح عليه السلام.
وما كان في زمن موسى نسخ بعضه في زمن عيسى عليه السلام وهذا كما قال الحق سبحانه وتعالى: {لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً} ، فإذا فهمت هذا فاعلم أن تعدد الزوجات لم يكن في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وحسب بل كان التعدد في شرائع الأنبياء السابقين ومثاله أن يعقوب عليه السلام قد تزوج من امرأتين وجمع بين أختين على ما ذكر في العهد القديم من سفر التكوين في الباب التاسع والعشرين (15 – 35) .
وأبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام كان قد تزوج من امرأتين وهما هاجر وسارة وذكر العهد القديم أن نبي الله داود تزوج من سبعين امرأة أو تسع وتسعين على حد قول العهد القديم، وسليمان قد تزوج من مائة امرأة، وغير ذلك مما يبين لك أن كلَّ نبيٍّ من الأنبياء يطبق ما شرع الله له من الأحكام، وأن تعدد الزوجات ليس خاصّاً بهذه الأمة، وأما منع النصارى من هذا التعدد فيمكن أن يكون لسببين:
الأول: أنه من شرع الله، وهذا واجب التطبيق قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنَّهم ابتدعوه من عند أنفسهم تشديداً عليها كما فعلوا في الرهبانية التي ابتدعوها ولم تكن قد كتبت عليهم لكن أرادوا منها أن يرضوا الله عز وجل بها.
والله اسأل لك الهداية والتوفيق لبلوغ دين الحق وهو الإسلام وعلى سنة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام بفهم أصحابه الغر الميامين الكرام.
والله الهادي
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/188)
متزوجة من مسلم والحجاب يعيقها عن الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي مسلم ويخاطبني كثيراً لكي أتحول للإسلام، ولكن هناك شيء مهم بالنسبة لي وهو الحجاب، لماذا يجب على النساء أن يتحجبن ويظهر منهن فقط ما يظهر بالعادة؟ أنا أمريكية ونحن نكشف في العادة أغلب الجسد هنا. أريد أن أفهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما من شك أن الله تعالى لا يأمر إلا بما فيه الحكمة، وفي بعض الأحيان تخفى حكمة بعض هذه الأحكام على العبيد وفي بعضها تكون ظاهرة معلومة، كتحريم الله تعالى للخمر التي تُذهب العقل وتصد عن ذكر وعن الصلاة.
وحكمة تشريع الحجاب من أظهر ما يكون، فإنها ستر للمرأة وعفاف لها، وهي بذلك تمنع السفهاء من التعرض لها والنيل منها، فكم من امرأة متحجبة منع حجابها من تعرض شياطين الإنس لها، وكم من امرأة متبرجة عرضت زينتها وأظهرت مفاتنها للناس فتسببت في مضايقتها والتعرض لها من السفهاء، وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما} الأحزاب / 59، وهذه الآية فيها الجواب الكامل على السؤال حيث ذكر الله تعالى فيها الأمر لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين بالحجاب، وفيها كذلك ذِكر الحكمة وهو حفظهن وعدم تعرضهن للإيذاء.
وخروج المرأة مبدية لأغلب جسدها – كما تقول السائلة – هو من أكثر أسباب الجرائم، وفساد أخلاق الرجال، وشيوع الفواحش، كما أنه إساءةٌ للمرأة، وإهدارٌ لكرامتها، حيث أصبحت المرأة سلعة رخيصة لأصحاب الشركات والدعايات، والتي تُظهر المرأة منزوعة اللباس والحياء لجلب الزبائن وتسويق المنتجات التجارية.
إن جسد المرأة لها وليس مشتركاً بين الناس، فإن تزوجت فهو لزوجها ولا ينبغي لها أن تشرك معه غيره، وماذا تريد المرأة التي تعرض جسدها وتبرز مفاتنها للناظرين؟ هل تريد منهم فقط أن ينظروا ويتأملوا؟ حسناً فما هو أثر ذلك على المغتصبين والسفهاء؟ وكيف ستمنعينهم من تحقيق رغبتهم بافتراسك والانقضاض عليك؟ وقد أظهرت للجائعين لحماً ثم تريدين منعهم من أكله؟ .
ففي دراسة حديثة وجد أن:
65 % من العاملات يتعرضن للتحرش الجنسي في أماكن عملهن في بعض الدول الأوربية.
18% من النساء في أمريكا اغتصبن أو تعرضن لمحاولة اغتصاب في مرحلة من مراحل عمرهن.
أكثر من نصف الضحايا تحت سن الـ 17 سنة.
"كتاب إحصاءات، دراسات، أرقام " (ص 140) .
إن الشريعة الإسلامية جاءت بما هو خير للمرأة والرجل والأسرة والمجتمعات، ولم تقيد المرأة كما يزعم أعداء الدين، فقد أباح الإسلام للمرأة العمل وطلب العلم والتجارة والشهادة وصلة الرحم وعيادة المريض وغير ذلك، لكنه وضع لخروجها ضوابط تحفظها وتمنع تعرض السفهاء لها.
ونقول للسائلة:
إن كثيرات من نساء الغرب عندما تأملن وعرفن حقيقة شرع الله تعالى وخاصة فيما يتعلق بالمرأة لم يترددن في إعلان إسلامهن والدخول في ركب الأنبياء والصالحين.
فالمرأة في الإسلام محفوظة ومكفولة، وليس ذلك مقابل بقائها في البيت فقط بل لأنها تؤدي دوراً عظيماً وهو رعاية الزوج والقيام على شئونه، وتربية الأبناء والعناية بهم، وهو دور عظيم إذ يعرف صلاح المجتمعات وفسادها بمدى نجاح الأم في التربية والتوجيه.
وفي دراسة نشرتها إحدى أكبر شركات التأمين البريطانية على مليون امرأة ووقع الاختيار على " أم بيت متفرغة " فجاءت النتائج المثيرة: إن المرأة المتفرغة للبيت تعمل 19ساعة في أعمال البيت، وهي المربية، والممرضة، والمسؤول الأول عن إدارة الشؤون المالية للبيت..
إضافة لذلك – فحسب دراسة بالتقييم المادي البعيد عن العواطف - كانت المرأة المتفرغة للمنزل هي أثمن شيء تمتلكه الأسرة.
" المرجع السابق " (ص 118، 119) .
وقد تبين لكثير من العاقلات خطر ما هنَّ عليه من حرية زائفة، وانتبهن أخيراً إلى أين يذهب بهن هذا الطريق، ففي دراسة أخرى تبين أن:
80 % من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاما الأخيرة هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن.
75% يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي.
80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد.
87% قلن لو عادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة وقاومنا اللواتي يرفعن شعاراتها.
" المرجع السابق " (ص 147) .
فقط يحتاج الأمر منكِ إلى تفكير يسير، ومراجعة للواقع الذي ترينه، لتعرفي بعدها أن نزع الحجاب عن المرأة يعني الشر والضرر والجريمة، وقد أغلق الإسلام طرق ذلك كله بما وضع من تشريعات، ومنها وجوب الحجاب على البالغات.
وفي ختام هذا الجواب نهنئك على أن وفقك الله للاقتران بزوج مسلم ترين منه أو من أقاربه المسلمين من شعائر الإسلام ما يرغبك في الإسلام وما يكسر حاجز خوفك من الدخول في هذا الدين الحنيف العظيم، ثم اعلمي أن الدخول في هذا الدين الخاتم الذي ارتضاه الله لجميع الخلق، شرف عظيم لك قد تحرمين منه إذا تأخرت عنه ودهمك الموت فبادري إليه مذعنة راغبة فرحة بفضل الله.
واعلمي أن وقوعك في شيء من التقصير في شعيرة الحجاب بسبب ضعفك عن الالتزام به أو خجلك من بني قومك، يعد معصية من المعاصي ينبغي ألا تصدك عن الحسنة الكبرى التي يبنى عليها دخول الجنة والنجاة من النار وهي اعتناق الإسلام، وأعلمي أن الشيطان عدو بني آدم كلهم هو الذي يجعل لك هذه الشبهة ليصدّك عن الدخول في هذا الدين ليكثر إتباعه إلى النار، فكوني قوية حازمة جريئة في اتخاذ قرار السعادة الأبدية بإذن الله، سائلين الله لك العون وقوة النفس على الدخول في الإسلام أختا لنا في الله، ومشاركة لما في هذه النعمة، ونشكر لك على حسن ثقتك بنا.
والله الهادي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/189)
هل يجلس مع زملائه في العمل وهم يشربون الخمر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا المسلم الوحيد في الشركة التي اعمل فيها، ويتطلب عملي أن أكون في رحلات عمل أو مناسبات مع زملاء في العمل وأحياناً يشربون الخمر وأنا موجود، هل أكون مذنباً بالبقاء معهم حتى وأنا لا أشرب ولا أفعل أي شيء يتعارض مع ديني؟ إذا لم أشارك في هذه المناسبات فربما يؤثر هذا على بقائي في العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فضَّل الله تعالى هذه الأمة على غيرها لأمور وعلى رأسها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران / 110.
والواجب عليك – وأنت المسلم الوحيد في الشركة كما تقول – أن تعتز بشعائر دينك، وأن تحرص على تطبيقها، وأن لا ترتكب ما نُهيتَ عنه، وهذا مما يزيدك رفعة وشرفاً ويعظم من أجرك، فالبقاء معهم ولو لم تباشر شرب الخمر هو بحد ذاته معصية، والله تعالى أمرنا بعدم الجلوس في أماكن المنكرات، وإلا كان علينا مثل ما على من باشر المنكرات بنفسه.
قال الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) النساء / 140.
وقال: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام / 68.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم (70) .
وإنكار القلب هو ما يصيبه من هم وغم وحزن على وجود المنكر، وهذا فرض عين على جميع الناس في جميع الظروف والأحوال لا يعذرون بتركه؛ لأن القلب لا سلطان لأحدٍ عليه، والبقاء في مجلس المنكر يتنافى مع هذا الإنكار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
إذ المؤمن عليه أن يتقى الله في عباده وليس عليه هداهم، وهذا معنى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} ، والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات: لم يضره ضلال الضلال، وذلك يكون تارة بالقلب، وتارة باللسان، وتارة باليد، فأما القلب: فيجب بكل حال إذ لا ضرر في فعله، ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن كما قال النبي: " وذلك أدنى - أو أضعف – الإيمان ".
" مجموع الفتاوى " (28 / 127) .
هذا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمَ عن الجلوس على مائدة يُشرب فيها الخمر.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر: فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر ".
رواه أحمد (126) ، وقد صححه العلامة الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 6) .
وانظر جواب السؤال (8957) و (6992) .
وأخيراً نذكرك بقول الله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً. ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً} الطلاق / 2، 3.
فاترك هذه المنكرات، وتلك الرحلات والجلسات، واحتسب ذلك عند ربك تبارك وتعالى فإن أدى هذا إلى فصلك من عملك فأجرك عند الله عظيم وستجد الخير والفرج والرزق بإذنه تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/190)
صديقها أسلم وخيَّرها بين الإسلام أو الفراق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة نصرانية وعشيقي أسلم الآن، تواعدنا أن نبقى سويّاً حتى لو لم أسلم أنا، أتعلم أكثر وأكثر عن الإسلام، ولكن مع عملي وعقيدتي فلن أستطيع أن أرتدي الحجاب مطلقاً، أنا دائماً ألبس ملابس العمل وقميصاً بكم طويل، هل أستطيع أن ألبس ملابس العمل إذا أسلمت؟ .
أنا لست خائفة مما يقوله الناس ولكنني لا أؤمن بهذا الشيء، في الأسبوع الماضي قال لي صديقي بأنه لن يختار أحداً غيري سواء أسلمت أم لم أسلم، وبالأمس قال لي إنني يجب أن أختار بين الإسلام أو أن نفترق؛ لأن الإمام قال له بأنه يجب أن يكون مع امرأة مسلمة.
كل ما أريده هو بعض الوقت لكي أقرر ما هو الأفضل بالنسبة لي وأنا أتعلم المزيد عن القرآن.
وضعني في موقف حرج ويريد أن يجبرني على الاختيار.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الله سبحانه وتعالى ييسر لمن أراد له السعادة أسباب الوصول إليها والدخول فيها، ولعل الله تعالى يريدها لك عن طريق هذا الذي دعاكِ للإسلام، وعن طريق مراسلتنا لندلك على ما فيه خير الدنيا والآخرة لكِ.
والإسلام يرفض أن تكون بين الرجل والمرأة علاقة محرَّمة، وقد جعل الله تعالى الزواج وسيلة شرعية لقضاء الشهوة، وبه يكوِّن الرجل والمرأة أسرة قائمة على شرع الله، ويكون أبناؤهم شرعيين.
ولا نقول لك إن الحجاب ليس بواجب، ولا نقول لك إن الشرع استثناكِ من لبسه، بل نقول لكِ: لا ينبغي لك أن تجعلي لبس الحجاب مانعاً وعائقاً لكِ من دخول الإسلام، فالواجب عليك ابتداءً النجاة مما أنت فيه، والدخول فيما يحبه الله تعالى ويرضاه منكِ وهو توحيده عز وجل، والشهادة لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وبعد الدخول في الإسلام واستقرار الإيمان في قلبك وتوفر الفرصة المناسبة لكِ ستبحثين أنتِ بنفسك عن كل ما يحبه الله لتفعليه، وعن كل ما يبغضه الله لتتركيه أو تحذري منه.
وإننا لننصحك من صميم قلبنا أن تختاري الأفضل لنفسك لا لأجل الزواج من رجل مسلم، بل لأجل نفسك وسعادتك ونجاتك من عذاب الله وسخطه، وهذا الذي ستختارينه ليس إلا دين الأنبياء من قبل، فهو دين آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى، فكل الأنبياء كانوا يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وكانوا ينفون عنه الشريك والزوجة والولد.
وقد أخذ الله تعالى الميثاق على الأنبياء جميعاً أن يؤمنوا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأن ينصروه إذا بعث في حياتهم، وأمرهم أن يأمروا أممهم بذلك، وقد جعل الله تعالى رسالته للناس كافة وإلى قيام الساعة، بينما كان الأنبياء قبله يُرسل كل واحد منهم لقومه خاصة.
فلا تتردي، وسارعي قبل فوات الوقت ومجيء الموت، واختاري طريق السعادة الدنيوي والأخروي، ولعل الله تعالى أن يجعل منكِ امرأة مسلمة وزوجة صالحة تقيمين بيتاً على التوحيد والطاعة.
ونسأل الله لكِ الهداية والتوفيق.
ونرجو منك النظر في جواب السؤال رقم (3023) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/191)
كم عدد المرات التي ينبغي أن يدعى فيها غير المسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كم هي عدد المرات التي يمكننا أن نلقي فيها محاضرات على أشخاص من غير المسلمين، والذين يظهر عليهم عدم الاهتمام بالرسالة التي نحاول إيصالها لهم؟ نحن مجموعة من المتطوعين للقيام بالدعوة، ونحن نقوم بزيارة الورش والمصانع والمستشفيات. وفي أغلب الأوقات فنحن نقوم بإعادة الزيارة للموقع الواحد 4 أو 5 مرات. لكننا وجدنا أنه لا يوجد من يستمع إلينا. أما بعض الذين يجلسون فيكونون ممن أمرهم (أجبرهم) صاحب المؤسسة على الحضور.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يجزيكم خيرا، وأن يبارك في عملكم وسعيكم.
ليس هناك عدد معين لما ينبغي إلقاؤه من المحاضرات على من ذكرت، بل ذلك يرجع إلى عدد المواقع، التي تزورونها والوقت المتاح لديكم، ومدى إقبال الناس عليكم، فالحكمة مطلوبة من الداعية في دعوته، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه الموعظة حتى لا يسأموا وهكذا فكونوا، احرصوا على الدعوة بالتي هي أحسن، واختاروا الزمان والمكان المناسب للدعوة.
والداعية لا ييأس من تكرار دعوته مرات ومرات، فإن أمر القلوب بيد الله تعالى، وما على الداعية إلا البلاغ، والكلمة التي قد يستهين بها الداعية ربما ظل أثرها في قلب المدعو سنين ثم تكون سببا في هدايته.
وهذه الكلمة – حتى تؤتي ثمارها - ينبغي أن يصحبها الابتسامة، والرحمة، والرغبة الصادقة في إنقاذ هؤلاء المساكين، وانتشالهم من ظلمات الكفر والإلحاد، وإن استطاع الداعية أن يضيف إلى كلمته مالا أو مساعدة، فليفعل فإن ذلك يعطي مصداقية لما يعرض من القيم والمثل، ويهيئ القلوب لاستقبال ما يرد عليها من الخير، ويزيل ما فيها من البغض والصد والإعراض.
وكذلك السعي في حل ما يعرض لهؤلاء المدعوين من مشكلات مع أصحاب الأعمال التي يعملون عندهم، له أثر كبير في جذب قلوبهم إلى الداعية، وقديما قيل:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
وخير من ذلك قول الحق سبحانه:) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت / 34.
وينبغي أن تتركوا بيد هؤلاء المدعوين ما ينظرون فيه حال فراغهم، وعند غيابكم، من نشرات ومطويات وكتيبات، فإن تفكر الإنسان في الحق حال انفراده بنفسه أدعى لقبوله والإذعان له.
وليكن من دعوتكم التوجه إلى أصحاب الأعمال أنفسهم بالنصيحة بأن يحسنوا إلى هؤلاء العمال ويظهروا لهم حسن أخلاق الإسلام، فكثيراً ما كان ذلك سبباً لإسلام العمال، كما أن سوء معاملة صحاب العمل وظلمه للعمال قد يكون سبباً لصدهم عن الدخول في الإسلام.
وفقكم الله تعالى وجعلكم هداة مهتدين
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/192)
أقارب زوجته المسلمة كفار يؤذونها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزوجتي في ورطة بسبب أقاربنا. أنا وهي المسلمان الوحيدان في عائلتينا.
أنا من عائلة مترابطة، حيث الجميع سيكونون بجواري متى احتجت للمساعدة. إنهم يساعدونني ويساندونني كثيرا. أما عائلة زوجتي فإنها ليست قريبة من زوجتي أبدا، وأفرادها ليسوا قريبين من أطفالنا. إخوتها يتحدثون معها وكأنه لا قيمة لها، إنهم يخدعونها ويأخذون مالها بالكذب والغش. رجال عائلتها يشربون ويزنون، أما أخواتها فإنهن يهددنها كثيرا، فهن يطلقن عليها ألفاظاً سيئة إنهن يلمزنها بالكذب في كل شيء، وهن لا يحترمن أي شيء تقوله، وإذا اجتمعن فإنهن لا يقدمن لها دعوة للحضور، كما أن جميع أفراد عائلتها يكرهون الإسلام ويتحدثون بشكل سلبي عنه. فأين يمكننا أن نضع الخط ونقول بأنه يكفي هذا. أعلم بأن الإسلام يعلمنا بأن نحسن إلى أفراد عائلاتنا، لكن كيف للمسلم أن يتعامل مع أفراد عائلته الذين لا يحترمونه وينتقدونه دائما؟ زوجتي تغضب علي عندما أتكلم معها عن عائلتها، مع أنها تعلم حالهم. والأمر الذي يجعلني أغضب بشدة هو أن إخوتها يقولون لها أشياء وهي تجد لهم الأعذار حول الأسباب التي تجعلهم يعاملونها بتلك الطريقة، ولو أني قلت عنها قولا يشابه قولهم عنها، لأقامت علي الدنيا وأقعدتها. أما إن أنا سألتهم لماذا يتخاطبون معها بتلك الطريقة، فإنها تتهمني بإشعال الفتنة. كيف لي أن أتعامل مع هذا الموضوع، أو كيف لزوجتي أن تتعامل مع هذا الموضوع؟ أرجو منكم النصح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
احمد الله أنك من عائلة مترابطة لا تعاني منها ما تعاني زوجتك من عائلتها وتقدير هذه النعمة حق قدرها سيجعلك تشكر ربك وتشفق على زوجتك من حالها مع عائلتها وهذا ما سيدفعك إلى مواساتها والوقوف بجانبها لدفع الظلم عنها وتقوية نفسيتها وهي تتعرَّض لهذا الهجوم، ونصيحتنا لزوجتك أن تصبر على أذى أهلها وتسعى لدعوة أفراد عائلتها الأقلّ شراً والأقرب إلى قبول الحق ثم إذا كانت عائلتها الكافرة تؤذيها فلتقلل من الاختلاط بهم وتجعل زياراتها لهم قصيرة وهادفة وليس المسلم مكلّفاً بأن يخالط أقاربه الكفار الذي لا يتحمل إيذاءهم ولكن يجاهد نفسه في الصبر على أذاهم ودعوتهم إلى الإسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/193)
نصرانية مهتمة بالإسلام ولكنها تعترض على تطويق المرأة بالأحكام الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنوات قليلة وأنا مهتمة بالإسلام ولكن لست أدري كيف أتوسع في الإطلاع والقراءة، عمري تقريباً 50 سنة وقد نفرت من الإسلام قليلاً بسبب تطويق ومحاصرة المرأة (كما يبدو لي) . كيف أدخل في الإسلام لأدرسه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن معرفة ما تحتاجه المرأة متفاوت في العقول البشرية، والمرأة عادة تخضع لتعاليم وأنظمة وعادات مجتمعها بحُلوِها ومرِّها، وكثير من أنظمة المجتمعات غير الإسلامية وعاداتها وأنماط حياتها فيها جناية على المرأة؛ والمتأمل فيها يجد أنّ القصد منها جعل المرأة مجالا لاستمتاع الرجل تحت شعار الحرية وهذا أمر مناف للدين الصحيح ومضادّ لما يقتضيه العقل والحكمة.
فهل من الحكمة أو الإنصاف أن يشارك في درة ثمينة شركاء عدة مع إمكان استحواذ واحد عليها يحفظها؟ وهل مِن الحكمة كشف العورات لمجرد متعة زائلة؟
وهل مِن الحكمة فتح أبواب الإثارة والاختلاط وكشف المرأة زينتها ليقع معها من يقع في الفاحشة التي تؤدي إلى شيوع الأمراض وكثرة أولاد الحرام واختلاط الأنساب؟ وهل من الحكمة تكليف المرأة بالعمل خارج البيت مما يترتب عليه إهمال البيت ومزاحمة الرجال وتضييع الأولاد ثم هي لا تُطيق ذلك لا نفسيا ولا جسميا.
وانظري إلى هذه المقارنة البسيطة بين حال المرأة في الإسلام وحالها في غيره من الأنظمة والأديان:
أولاً: الإسلام حرر المرأة من عبودية الخلق والهوى، وغير الإسلام عبَّدها للشيطان والهوى.
ثانياً: الإسلام حفظ لها عرضها وكرامتها، وغير الإسلام بذل عرضها وكرامتها.
ثالثاً: الإسلام جعل الإنفاق على المرأة واجباً لسترها، وغير الإسلام جعلها سلعة يُتاجر بها وكلّفها شططا بالإنفاق على نفسها والخروج للعمل.
رابعاً: الإسلام حفظ المرأة صغيرة، وكرَّمها كبيرة، وغير الإسلام جعل ذلك عبئاً على المجتمع.
خامساً: الإسلام حفظ للمرأة مالها، ونسلها، وحياتها، ونظمها لها، وغير الإسلام أضاع كل ذلك.
فعليك أولاً: بقراءة كتاب الله عز وجل والنظر في تفسيره كتفسير ابن كثير، ثم القراءة في صحيحي البخاري ومسلم، وسماع الأشرطة الإسلامية وخصوصاً التي من مشايخ أهل السنَّة.
وثانياً: عليك بالذهاب إلى أقرب المراكز الإسلامية لأهل السنّة لتتعرفي عندهم على برامج تعليم المرأة.
وثالثاً: يمكنك الاستفادة من المواقع الإسلامية الكثيرة على الإنترنت، والتي تقدم لك الإسلام الصافي، وتجيبك على تساؤلاتك، ويمكنك مراسلة بعض المؤسسات الإسلامية المعتمدة عند أهل السنة لتزويدك بالكتب والمجلات النافعة لك، مثل مؤسسة الحرمين، والندوة العالمية للشباب المسلم – ويوجد قسم خاص بالنساء -.
ورابعاً: تعرفي على أخوات مسلمات يمكنهن تقديم المعونة لك، وإرشادك على ما يصلح قلبك وحالك، حيث إن المرأة أقرب إلى فهم بنات جنسها من الرجال.
وخامساً: احذري الاغترار ببعض من ينتسب إلى الإسلام، وهو بريء منه، مثل القاديانية، والشيعة، والبهائية، والصوفية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/194)
تزوج بثانية وأسلما فماذا يفعل بزوجته الأولى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من صديق أسلم حديثاً:
رجل تزوج امرأة وله منها ولدان، سافر للعمل في السعودية وترك أولاده وزوجته في بلده، تعرف على امرأة في السعودية وتزوجها دون علم زوجته الأولى وأنجب منها ولدا، الزوجان اللذان يعملان في السعودية اعتنقا الإسلام، وبما أنهما جديدان في الدين الإسلامي فهما يخشيان أنهما قد اقترفا ذنباً فهل يمكن أن تعطينا نصيحتك؟
1- ما حكم العلاقة المذكورة؟
2- ما هي الواجبات المترتبة على الرجل تجاه ولديه وزوجته الأولى؟
3- ما هي الذنوب التي اقترفاها وماذا يفعلا ليتجنبا الوقوع فيها؟
أرجو أن تسدي النصيحة لمثل هذه الحالة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن هداكما للإسلام، ووفقكما لذلك، ونسأل الله لكما الثبات حتى الممات لتفوزا بجنة الله ورضوانه. ونبشركما بأن الإسلام يهدم ما قبله من الذنوب، فمهما اقترف الإنسان من الذنوب ثم أنعم الله عليه وهداه للإسلام فإنه ينقى من ذنوبه كلها كيوم ولدته أمه، قال تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) الأنفال / 38. (إن ينتهوا) يعني عن كفرهم وذلك بالإسلام لله وحده لا شريك له. تفسير السعدي.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يهدم ما كان قبله) رواه مسلم (121) يعني من الذنوب.
ثانياً:
ليس للرجل أن يقيم علاقة مع امرأة أجنبية عنه، فإن كان قد حدث شيء من ذلك قبل زواجكما، فهو ذنب أو ذنوب قد كتبت عليكما. فإن كان ذلك قبل إسلامكما فقد غفر الله تعالى لكما ذلك بالإسلام.
وإن كان ذلك بعد الإسلام، فالواجب عليكما التوبة من ذلك، وقد وعد الله عز وجل بقبول توبة من أناب إليه فقال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25. وقال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
ولمعرفة المزيد عن التوبة وشروطها يراجع السؤال رقم (13990) .
ثالثاً:
وليس في زواج الرجل بامرأة ثانية ذنب أو إثم، فقد أباح الله له أن يجمع بين أربع نسوة، إذا استطاع أن يعدل بينهن ويؤدي حقوقهن. ولا يجب عليه أن يُعلم زوجته الأولى برغبته أو شروعه في الزواج من ثانية.
رابعاً:
وأما واجب الرجل تجاه ولديه وزوجته الأولى، فيجب عليه أن ينفق عليهم بقدر حاجتهم، والأهم من ذلك أن يسعى في هدايتهم وإنقاذهم من النار، كما قال سبحانه:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم /6.
وعليه أن يبذل كل وسيلة ممكنة لدعوة زوجته ونصحها، وترغيبها في الإسلام. فإذا رفضت الإسلام فإن له أن يبقيها معه ولا يفارقها إذا كانت كتابية (يهودية أو نصرانية) أما الوثنية فلا يجوز أن تبقى زوجة لمسلم وعليه أن يفارقها.
وليراجع إجابة السؤال رقم (9949) .
وليعلم أنه إذا أسلم أحد الأبوين فإن أولاده الصغار (وهم من دون البلوغ) يحكم بإسلامهم تبعاً لإسلامه، أما الكبار البالغون فلا يتبعونه. انظر "المغني" (13/115) ، "أحكام أهل الذمة" لابن القيم (2/507) .
فعليه أن يعلم أولاده الصغار أن الله تعالى أنعم عليه وعليهم بالهداية إلى الدين الحق، وعليه أن يعلمهم الطهارة والصلاة وغير ذلك من الأحكام حتى ينشئوا عليها ويعتادوا فعلها امتثالاً لأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مروا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) . رواه أبو داود (495) . وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (5868) .
وليراجع السؤال رقم (10016) .
ولا ينبغي أن يبقى هنا للعمل ويترك أولاده الصغار عرضة للضياع والانحراف، وعليه أن يسعى في إحضارهم ليكونوا معه، حتى يستطيع القيام بما أوجب الله عليه من حسن تربيتهم، فإن لم يستطع إحضارهم فليداوم الاتصال بهم ومراسلتهم وتوجيههم. . . ولا يجوز له أن يهملهم ويتركهم للضياع، فإنه مسئول عنهم يوم القيامة.
كما نحث أخانا الجديد وزوجته أن يتعلما أحكام الإسلام من خلال القراءة وسؤال أهل العلم والمواقع الإسلامية المفيدة على الإنترنت، وأن يقوم بتطبيق ما يتعلمه على الوجه المطلوب.
ونسأل الله لهما الثبات والتوفيق لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/195)
إذا أسلم الكافر فما حكم أولاده من الزنا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سائل يسأل عن مشكلة كبيرة تعترض معظم الذين يدخلون في الإسلام، وهي أنهم قبل إسلامهم كانوا يزنون، ونتج عن ذلك أولاد كثيرون، فهل هؤلاء الأولاد الذين أتوا بهذه الطريقة لهم نفقة واجبة على آبائهم، علماً أنه لم يكن هناك عقد بينهم وبين الأمهات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هؤلاء الذين حصل منهم جماع في حال الكفر، إن كانوا يعتقدون أن هذا الجماع حصل عن عقد يرونه صحيحاً - وإن كان باطلاً شرعاً - فالأولاد للرجل. مثال ذلك: إنسان وهو كافر اتفق مع امرأة على أن يكون زوجها فوافقت، وكانوا يرون هذا عقداً، ثم أسلم الرجل والمرأة فهنا نقول: هما على نكاحهما، ولا يحتاج إلى تجديد العقد، وما حصل بينهما من أولاد فهم لهما، إلا إذا كانت الزوجة في حال الإسلام لا تحل للزوج، كأن يكون مجوسياً وتزوج أخته - والمجوس يجوزون نكاح المحارم - فإن تزوج أخته في حال الكفر ثم أسلم، وأسلمت هي الأخرى وجب التفريق بينهما، لأن المرأة لا تحل للرجل، فهؤلاء الجماعة الذين ذكرت نقول لهم: إذا كنتم تعتقدون أن ما حصل منكم من مواقعة هؤلاء النساء نكاح وعقد فليس هذا زنا، والأولاد لكم، وإن كنتم تعتقدون أنه زنا، فإن استلحقتم هؤلاء الأولاد في حال الكفر فهم أيضاً أولادكم في حال الإسلام، ما دام ليس لهم منازع، وإن لم يستلحقوهم، فإنهم لا يكونون أولاداً لهم.
وأما النفقة فتنبني على أننا إن حكمنا بأنهم أولاد لهم وجب عليهم الإنفاق عليهم، وإن لم نحكم بذلك فليس عليهم نفقتهم.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
"لقاءات الباب المفتوح" (3/385-386) .
ومعنى الاستلحاق: أنه يجعله ابنا له وينسبه إليه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/196)
حوار مع نصراني: توحيد الله هو رسالة عيسى والأنبياء جميعا، عليهم السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا تبتعدون عن الحقيقة، وتنظرون إلى عيسى على أنه رسول بدلا من النظر إليه كابن للرب، عيسى هو ابن الرب الوحيد، هذه هي الحقيقة!!.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شكرا لك أيها السائل أن أتحت لنا فرصة التواصل معا، لنتحاور حول الحقيقة التي نحتاج أن نعرفها جميعا، ثم نتبعها مهما خالفت آراءنا السابقة، واعتقاداتنا القديمة، فبهذا فقط، أعني معرفة الحق واتباعه، نتحرر من خطايانا وذنوبنا، كما في كتابكم المقدس: {وتعرفون الحق، والحق يحرركم} [يوحنا 8/32] ، فهلم إلى وقفة قصيرة، مع هذه الحقيقة، كما يعرضها كتابكم المقدس، رغم كل ما ناله من تحريف وتغيير!!
إن الدعوة التي جاء بها المسيح عليه السلام هي عبادة الله الواحد، رب المسيح ورب العالمين:
{هذه هي الحياة الأبدية؛ لابد أن يعرفوك: أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته} [يوحنا 17/3]
{سأله رئيس قائلا: أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فقال له يسوع: لماذا تدعوني صالحا؛ ليس أحد صالحا إلا واحد؛ هو الله!!} [لوقا 18/18-19] .
{وأصعده إبليس إلى جبل مرتفع، وأراه في لحظة من الزمن جميع ممالك العالم، وقال له: أعطيك هذا السلطان كله، ومجد هذه الممالك، لأنه من نصيبي، وأنا أعطيه لمن أشاء!! فإن سجدت لي يكون كله لك. فأجابه يسوع: ابتعد عني يا شيطان، يقول الكتاب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد.} [لوقا 4/5-8] .
إن توحيد الله الذي لا إله إلا غيره، أعظم وصية جاء بها المسيح، وهو أعظم وصايا الأنبياء جميعا:
{وكان أحد معلمي الشريعة هناك، فسمعهم يتجادلون، ورأى أن يسوع أحسن الرد على الصدوقيين، فدنا منه وسأله: ما هي أول الوصايا كلها؟
فأجاب يسوع: الوصية الأولى هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا هو الرب الأحد؛ فأحب الرب إلهك بكل قلبك، وكل نفسك، وكل فكرك، وكل قدرتك.
والوصية الثانية مثلها؛ أحب قريبك مثلما تحب نفسك.
وما من وصية أعظم من هاتين الوصيتين.
فقال له معلم الشريعة: أحسنت يا معلم؛ فأنت على حق في قولك: إن الله واحد، ولا إله إلا هو، وأن يحبه الإنسان بكل قدرته، وأن يحب قريبه بكل قلبه وكل فكره وكل قدرته، وأن يحب قريبه مثلما يحب نفسه، أحسن من كل الذبائح والقرابين.
ورأى يسوع أن الرجل أجاب بحكمة، فقال له: ما أنت بعيد عن ملكوت الله.
وما تجرأ أحد بعد ذلك أن يسأله عن شيء.} [مرقس 12/28-34] .
ولا تظن أن هاتين الوصيتين لإسرائيل، أو لشعبه فقط، بل هي أصل الشريعة وتعاليم جميع الأنبياء، فالوصيتان نفسهما في إنجيل متى، وبعبارة قريبة، ثم قال بعدهما: {على هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلها، وتعاليم الأنبياء} [متى 22/39] .
فهذا التوحيد حقا هو رسالة كل الأنبياء؛ قال الله تعالى:
) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/25
وهو الأصل الذي دعا إليه المسيح، وحذر من مخالفته؛ قال الله تعالى:
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) المائدة/72
وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن نلتقي عليه جميعا؛ قال الله تعالى:) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران/64
إنها غريبة على النصرانية الحقة تلك المحاولة اليائسة للجمع بين التوحيد الذي جاءت به الأنبياء، وصرح به الكتاب المقدس لديكم، وقررته التوراة خصوصا، وبين ما تؤمنون به من التثليث.
جاء في دائرة المعارف الأمريكية:
(لقد بدأت عقيدة التوحيد – كحركة لاهوتية – بداية مبكرة جدا في التاريخ، وفي حقيقة الأمر فإنها تسبق عقيدة التثليث بالكثير من عشرات السنين. لقد اشتُقَّت المسيحية من اليهودية، واليهودية صارمة في عقيدة التوحيد.
إن الطريق الذي سار من أورشليم [مجمع تلاميذ المسيح الأول] إلى نيقية [حيث تقرر مساواة المسيح بالله في الجوهر والأزلية عام 325م] كان من النادر القول بأنه كان طريقا مستقيما.
إن عقيدة التثليث التي أقرت في القرن الرابع الميلادي لم تعكس بدقة التعليم المسيحي الأول فيما يختص بطبيعة الله؛ لقد كانت على العكس من ذلك انحرافا عن هذا التعليم، ولهذا فإنها تطورت ضد التوحيد الخالص، أو على الأقل يمكن القول بأنها كانت معارضة لما هو ضد التثليث، كما أن انتصارها لم يكن كاملا.) [27/294]
ويمكنك الرجوع إلى بعض آراء من لا يزالون يذهبون إلى التوحي من المسيحيين، في المصدر السابق نفسه، دائرة المعارف [27/300-301] .
إنها معضلة للعقول، مستحيلة في الفطر والأذهان، فلا عجب أنكم لم تفهموها مجرد فهم، لكن العجب هو الإيمان بما يستحيل فهمه، إلا أن نغرر أنفسنا بأن ذلك الفهم سيأتي في اليوم الآخر:
(قد فهمنا ذلك على قدر عقولنا، ونرجو أن نفهمه فهما أكثر جلاء في المستقبل، حين ينكشف لنا الحجاب عن كل ما في السموات وما في الأرض، وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية) !!
نعم سوفي يتجلى لكم الحق عيانا في المستقبل، كما تجلى لنا اليوم، والحمد لله؛ يوم يجمع الله الرسل فيشهدهم على أممهم؛ قال الله تعالى:
(وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوب ِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إ ِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) سورة المائدة
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/197)
هل الإنجيل المكتوب بالآرامية موجود اليوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإنجيل الأصلي الذي باللغة الآرامية موجود هذا الزمان وأين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف الباحثون والمتخصصون في علوم الديانات والتاريخ القديم في اللغة التي كان يتحدث بها الرسول الكريم عيسى بن مريم عليه السلام.
" ويجمع الباحثون أن فلسطين زمن بعثة عيسى كانت بمثابة لوحة فسيفسائية، وأن سكانها كانوا خليطا من كل أمة ولسان، وكانوا يتكلمون بدرجات متفاوتة: العبرانية، والآرامية بلهجاتها، والإغريقية، واللاتينية.
ولكن الاختلاف يقوم بينهم حين يسعون إلى تلمس الحدود الجغرافية لكل واحدة من تلك اللغات، وحين يريدون حصر الخصائص المميزة لتلك اللغات، وتحديد نسبة تأثر بعضها ببعض،
ونحن حين نقرأ سيرة عيسى في الأناجيل الأربعة نجده يخاطب فئات مختلفة من الناس:
فقد خاطب عامة الناس من مختلف المدائن والبوادي، وخاطب أعضاء المجلس الأعلى، ومعلمي الشريعة، والقائمين على تسيير الهيكل وإدارة الشؤون الدينية اليهودية، كما خاطب الحاكم الروماني لفلسطين وكانت لغته اللاتينية.
وفي كلمات المسيح المنسوبة إليه في الإنجيل كلمات آرامية:
" إيلي إيلي لما شبقتني؟! أي إلهي إلهي لماذا تركتني؟! (إنجيل متى 27 / 46) .
" وأمسك بيد الصبية وقال لها: " طليثا، قومي! " الذي تفسيره: يا صبية، لك أقول: قومي! (إنجيل مرقص 5 / 41) .
وفيه كلمات عبرية:
" قال لها يسوع: " يا مريم " فالتفتت تلك وقالت له: " رَبُّونِي "، الذي تفسيره: يا معلم " (إنجيل يوحنا 20 / 17) .
" وكان يخاطب ويباحث اليونانيين " (أعمال الرسل 9 / 29) وظاهره أن المباحثة كانت بلغتهم، ولاختلاف هذه الشواهد كان الخلاف شديدا بين العلماء والباحثين في تحديد لغة المسيح عليه السلام.
وذهب ابن تيمية وابن القيم إلى أنه لم يتكلم بغير العبرانية، فقال ابن تيمية في " الجواب الصحيح " (3 / 75) :
" والمسيح كان عبرانيا لم يتكلم بغير العبرانية " انتهى.
وقال في (1 / 90) : " ومن قال إن لسان المسيح كان سريانيّاً (أي آراميّاً) أو روميّاً: فقد غلط " انتهى.
وذهب بعضهم إلى أن " هذه المعطيات جميعها تبين أن أغلب حديث عيسى عليه السلام كان باللغة الآرامية، وهي اللغة الشعبية التي كانت شائعة أكثر من غيرها، ثم يتلوه حديثه باللغة العبرانية لغة العهد القديم، كما يبدو أنه كان مثقفا باللاتينية والإغريقية ".
انظر " لغة المسيح عيسى بن مريم " بحث د. عبد العزيز شهبر (ص 112، 113) ، منشور في كتاب " لغات الرسل ".
ثانيا:
يجب على المسلمين جميعا الإيمان بالإنجيل الذي أوحاه الله إلى نبيه عيسى المسيح عليه السلام، ومن أنكره كفر باتفاق أهل العلم.
يقول سبحانه وتعالى: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) المائدة/46.
وإيماننا بالإنجيل يقتضي منا الإيمان بوجوده وتمام وحيه، وكذلك الإيمان بكل ما جاء فيه أنه حق ومن عند الله.
ولكن لم يأت في شريعتنا شيء في بيان هل كان هذا الإنجيل مكتوبا ومجموعا جميعه في عهد عيسى عليه السلام، ومن الذي كتبه، ومن الذي حفظه ونشره، أم كان المسيح يعلمه الناس مشافهة، ثم يتناقله الحواريون ومن آمن به؟ أم كتب بعضه وترك بعض آخر؟ فهذه أسئلة قد لا نستطيع أن نجزم فيها بجواب اليوم، بل إن بعض الباحثين ينفي أن يكون الإنجيل الحقيقي مدونا على هيئة كتاب، وإنما كان أقوالا متناقلة.
يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في " التحرير والتنوير " (3 / 26) في مطلع تفسير آل عمران:
" وأما الإنجيل: فاسم للوحي الذي أوحي به إلى عيسى عليه السلام فجمعه أصحابه " انتهى.
يقول الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله -:
فنحن نؤمن بإخلاص بأن كل ما كان يقوله عيسى عليه السلام كان وحياً من الله، وبأنه هو الإنجيل والبشارة إلى بني إسرائيل، وخلال حياته لم يكتب عيسى كلمة واحدة، كما أنه لم يأمر أحداً بالكتابة.
" هل الكتاب المقدس كلمة الله " (ص 14) .
وإن كان الظاهر أن المسيح عليه السلام يعرف الكتابة والقراءة، ويفهم ذلك من قوله تعالى:
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ) آل عمران/48
قال ابن كثير – رحمه الله -:
الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة.
" تفسير القرآن العظيم " (1 / 485) .
إلا أننا لا نملك دليلا على كتابة الوحي زمن عيسى عليه السلام، وليس في تسمية الإنجيل " كتابا " في القرآن الكريم دليل على كتابته في الصحف زمن الوحي، فإن التسمية بـ " الكتاب " إنما هي باعتبار ما عند الله في اللوح المحفوظ، أو باعتبار تهيئه للكتابة والتدوين، واعتبر ذلك بالقرآن الكريم، فقد سماه الله " كتابا "، وإنما كان يتناقل شفاها مع كتابة متفرقة له في الجلود والصحف، وفي الحقيقة لم يكن كتابا مجموعا حتى كان زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بل قال سبحانه وتالى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) الأنعام/7.
يقول الطاهر ابن عاشور في تفسير سورة مريم الآية/30:
والكتاب: الشريعة التي من شأنها أن تكتب لئلا يقع فيها تغيير. فإطلاق الكتاب على شريعة عيسى كإطلاق الكتاب على القرآن.
" التحرير والتنوير " (8 / 470) .
والنصارى كذلك لا يؤمنون أن ثمة كتابا كتبه المسيح أو أحد تلامذته في عهده، ثم فُقِدَ بعد ذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وأما الإنجيل الذي بأيديهم فهم معترفون بأنه لم يكتبه المسيح عليه السلام، ولا أملاه على من كتبه، وإنما أملوه بعد رفع المسيح.
" الجواب الصحيح " (1 / 491) .
وهذا فرق ظاهر بين الوحي الذي أنزل على موسى والوحي الذي أنزل على عيسى، فقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على كتابة الأول في قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) الأعراف/145.
وإن كان يبدو من كلام بعض علماء المسلمين أن الإنجيل الحقيقي كان مدونا ومكتوبا في عهد المسيح عليه السلام، تجد ذلك في كلام ابن حزم في " الفِصَل "، وابن تيمية في " الجواب الصحيح ".
وكذلك جاء في " الإنجيل " إطلاق هذا اللفظ على ما أوحاه الله إلى المسيح، حيث جاء في (إنجيل مرقص 8/35) : " ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلصها ".
أما الأناجيل الموجودة اليوم، فليست هي الإنجيل الحقيقي، ولكن لا ينكر احتواؤها على كثير من الإنجيل الذي أوحاه الله سبحانه إلى المسيح.
قال ابن تيمية - رحمه الله -
هذه المقالات الأربعة التي يسمونها الإنجيل، وقد يسمون كل واحد منهم إنجيلا إنما كتبها هؤلاء بعد أن رفع المسيح، فلم يذكروا فيها أنها كلام الله، ولا أن المسيح بلغها عن الله، بل نقلوا فيها أشياء من كلام المسيح، وأشياء من أفعاله ومعجزاته، وذكروا أنهم لم ينقلوا كل ما سمعوه منه ورأوه، فكانت من جنس ما يرويه أهل الحديث والسير والمغازي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله التي ليست قرآنا، فالأناجيل التي بأيديهم شبه كتاب السيرة وكتب الحديث أو مثل هذه الكتب، وإن كان غالبها صحيحاً.
" الجواب الصحيح " (2 / 14) .
وانظر جواب السؤال رقم (47516) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/198)
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة اليهود
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فهو أكمل الخلق وسيد الرسل، وقد أمرنا بالتمسك بهديه، فقال: (عَلَيكُم بِسُنَّتِي) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد جاء هديه وسنته بأحسن الأحوال وأقوم الأخلاق، خاصة في تعامله صلى الله عليه وسلم مع أهل الديانات الأخرى، ونستطيع أن نجمل هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع اليهود في المسائل التالية:
1. اتخاذ الموقع الصحيح من اليهودية وجميع الأديان، وهذا الموقع يتمثل باعتقاد أحقية دين الإسلام والتوحيد، وكفر وفساد كل ديانة أخرى، وتقرير أن الله تعالى لا يقبل يوم القيامة إلا أن يكون العبد مسلما حنيفا لله تعالى، كما قال سبحانه: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85.
وقد كان هذا التقرير هو المحور الذي تدور عليه صلى الله عليه وسلم دعوته صلى الله عليه وسلم، ويتخذ المواقف تبعا له؛ لأنه من ضرورات عقيدة المسلم التي تعرضت في العصور الأخيرة للتحريف والتشويه من دعاة " توحيد الأديان "!
انظر جواب السؤال رقم (21534) .
2. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يحرص على دعوتهم للإسلام، ولا يفوت فرصة يمكن أن يبلغهم فيها دين الله تعالى إلا وفعل، حتى إنه صلى الله عليه وسلم لم يبدأ حربا معهم – بسبب غدرهم وخيانتهم – إلا ويسبقها بدعوتهم وتذكيرهم، كما قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم فتح خيبر: (انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) رواه البخاري (2942) ومسلم (2406) .
3. التأكيد على أن عقد الموالاة إنما هو بين المؤمنين، وأن البراء واجب من كل كفر مبين، وجعل صلى الله عليه وسلم مناط الأخوة الإسلام، فلا يجوز لمسلم أن يوالي أهل أي ملة بالمحبة والمودة، لذلك تجده صلى الله عليه وسلم يسارع في أول قدومه المدينة في تقرير المفارقة بين الإسلام واليهودية، فكان في نص الوثيقة " الدستور " التي أمر النبي صلى الله عليه سلم بكتابته لتنظيم العلاقات بين سكان المدينة: " المؤمنون أمة واحدة دون الناس " رواه القاسم بن سلام في " الأموال " (517) من مراسيل الزهري.
يقول الدكتور أكرم العمري:
" الروابط تقتصر على المسلمين ولا تشمل غيرهم من اليهود والحلفاء، ولا شك أن تمييز الجماعة الدينية كان أمرا مقصودا يستهدف زيادة تماسكها واعتزازها بذاتها " انتهى.
انظر " السيرة النبوية الصحيحة " للدكتور أكرم العمري (1 / 272 – 291) فقد توسع في الحكم على الوثيقة وتحليلها.
4. ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يعترف بحقوق اليهود والنصارى، ويخطئ من يتوهم أن التبرأ من ديانة اليهود المحرفة يلزم منه ظلمهم ومصادرة حقوقهم، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم وجود اليهود في المدينة، وكتب في دستور المدينة: " وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين "، وتكفل لهم بجميع أنواع الحقوق:
أ. حق الحياة: فلم يقتل يهوديا إلا من خان وغدر.
ب. وحق اختيار الدين: حيث أقرهم على ديانتهم ولم يكره أحداً على الإسلام، عملا بقوله سبحانه وتعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/256، وكتب في ميثاق المدينة: " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم ".
ج. حق التملك: فلم يصادر أملاك أحد منهم، بل أقر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على تجارتهم معهم.
د. حق الحماية والدفاع: فقد جاء في ميثاق المدينة: " وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة "
هـ. حق العدل في المعاملة ورفع الظلم: وذلك مقرر في صحيفة المدينة حيث جاء فيها: " وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم "، وقد عدل النبي صلى الله عليه وسلم في الحكم ولو كان ذلك على حساب المسلمين، فلما قتل أهلُ خيبر عبدَ الله بن سهل رضي الله عنه لم يقض النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بالدية، ولم يعاقبهم على جريمتهم، لعدم وجود البينة الظاهرة ضدهم، حتى دفع النبي صلى الله عليه وسلم ديته من أموال المسلمين، والقصة في البخاري (6769) ومسلم (1669) ، ولما اختصم الأشعث بن قيس ورجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض باليمن ولم يكن لعبد الله بيِّنة قضى فيها لليهودي بيمينه، كما في البخاري (2525) ومسلم (138) .
و. بل منحهم النبي صلى الله عليه وسلم حق التحاكم فيما بينهم إلى قوانين دينهم، ولم يلزمهم بقوانين المسلمين ما دام طرفا القضية من أتباعهم، إلا إذا ترافعوا إليه صلى الله عليه وسلم، وطلبوا منه الحكم بينهم، فكان حينئذ يحاكمهم بشريعة الله ودين المسلمين، يقول الله سبحانه وتعالى: (فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) المائدة/42.
5. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن معاملة جميع الناس، ومنهم اليهود، فقد أمر الله سبحانه بالقسط والبر وحسن الخلق وأداء الأمانة مع اليهود وغيرهم، حيث قال سبحانه: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8.
ومن بره صلى الله عليه وسلم في معاملة اليهود:
أ. أنه كان يعود مريضهم: روى البخاري (1356) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ: أََسلِم. فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ لَه: أَطِع أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَسلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ) .
ب. وكان صلى الله عليه وسلم يقبل هداياهم: فقد روى البخاري (2617) ومسلم (2190) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أَنَّ امرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنهَا) .
ج. كما كان صلى الله عليه وسلم يعفو عن مسيئهم: إذ لم ينه عن قتل تلك المرأة التي وضعت السم في الشاة، ففي تكملة الحديث السابق: (فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، قَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ - قَالَ: أَوْ قَالَ: عَلَيَّ - قَالَ: قَالُوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لَا) ، بل وفي حديث أبي هريرة في صحيح البخاري (3169) أن ذلك كان بعلم من اليهود وأنهم اعترفوا بمحاولة القتل بالسم، ومع ذلك لم يأمر صلى الله عليه وسلم بالانتقام لنفسه، لكنه قتلها بعد ذلك لموت الصحابي الذي كان معه صلى الله عليه وسلم وكان أكل من الشاة المسمومة , وهو بشر بن البراء رضي الله عنه.
وكذلك لما سحره اليهودي لبيد بن الأعصم، وعافاه الله من السحر، لم ينتقم منه ولا أمر بقتله، بل جاء في " سنن النسائي " (4080) وصححه الألباني عن زيد بن أرقم قال: (فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِذَلِكَ اليَهُودِيِّ وَلَا رَآهُ فِي وَجهِهِ قَط) .
د. وكان صلى الله عليه وسلم يعامل اليهود بالمال، ويفي لهم معاملتهم: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) رواه البخاري (2165) ومسلم (1551) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ) رواه البخاري (1990) ومسلم (1603) .
هـ. وفي أول قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة كان يحب موافقة اليهود في أعمالهم وعاداتهم ليتألف قلوبهم على الإسلام، ولكنه لما رأى عنادهم وجحودهم ومكابرتهم أمر بمخالفتهم، ونهى عن التشبه بهم.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ فَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ) رواه البخاري (3728) ومسلم (2336) .
و. ولم يكن صلى الله عليه وسلم يترفع عن محاورتهم، بل كان يتواضع لهم، ويجيب على أسئلتهم وإن كان مرادهم منها العنت والمجادلة بالباطل.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ إِذْ مَرَّ بِنَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَقَالُوا مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالُوا سَلُوهُ فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَسَأَلَهُ عَنْ الرُّوحِ قَالَ فَأَسْكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ قَالَ فَقُمْتُ مَكَانِي فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) رواه البخاري (4444) ومسلم (2794) .
ز. وكان يدعو لهم بالهداية وصلاح البال: فعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) رواه الترمذي (2739) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
6. وفي المقابل: لم يكن صلى الله عليه وسلم يرضى أن ينتهك اليهود حرمات المسلمين، ويتمادوا في ذلك، فكان يعاقب كل من يعتدي على المسلمين ويظلمهم ويتجاوز حدوده في ذلك، فلما اعتدى بعض يهود بني قينقاع على امرأة مسلمة في السوق واحتالوا لكشف عورتها، وتوعدوا النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال، وقالوا: (يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس) نقله ابن حجر في " فتح الباري " وحسَّنه (7 / 332) فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وأجلاهم من المدينة، وكان ذلك في شوال من السنة الثانية للهجرة.
ثم لما عَظُمَ أذى كعب بن الأشرف اليهودي للمسلمين، وبدأ يخوض في أعراضهم، ويشبب بنسائهم في شعره، وارتحل إلى مكة يحرض زعماء قريش على المسلمين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله في قصة طويلة حدثت في ربيع الأول من السنة الثالثة للهجرة، رواها البخاري (2375) ومسلم (1801) .
وكذلك لما تكررت محاولات بني النضير لقتل النبي صلى الله عليه وسلم في قصص مشهورة يذكرها أهل المغازي والسير، ودسوا إلى قريش يحضونهم على غزو المدينة، ويدلونهم على العورة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلائهم من المدينة في السنة الرابعة من الهجرة. انظر " المغازي " للواقدي (1 / 363 – 370) و " سيرة ابن هشام " (3 / 682) .
وأما يهود بني قريظة فقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم مقاتلتهم لما غدروا به يوم الأحزاب، وتحالفوا مع قريش والعرب ضد المسلمين، وخانوا العهود معهم، وكان ذلك في العام الهجري الخامس.
انظر " سيرة ابن هشام " (3 / 706) .
وقد وردت أخبار كثيرة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعفو عن كل من أظهر الوفاء بالعهد من اليهود، ولا يعاقب إلا من شارك في الغدر أو أقر ورضي.
انظر " السيرة النبوية الصحيحة " أكرم العمري (1 / 316) ، وقد جاء في ميثاق المدينة: " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم نفسه وأثم، فإنه لا يوتِغ – أي: يُهلِك - إلا نفسه وأهل بيته ".
وأخيرا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم غدر اليهود وخيانتهم، أوحى الله إليه أن يُخلِصَ جزيرة العرب لديانة التوحيد، فلا يبقى فيها غير الدين الذي ارتضاه الله لنفسه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاهم في مرض موته فقال: (أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) رواه البخاري (2888) ومسلم (1637) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/199)
تريد نصائح وتوجيهات لتناظر النصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في الجامعة التي أدرس فيها هناك نسبة نصارى ليست باليسيرة في جامعتي , وقد وصل بهم الحد إلى أن صار بعضهم من دعاة التبشير والتنصير، وهم في بلاد الإسلام، وبين أظهر المسلمين!!
حتى إن إحداهن كانت تحضر معها الإنجيل، وكتابا آخر عن (الإيمان) ، وعليه صورة مريم العذراء عليها السلام، وكانت ترغِّب البنات في قراءته وتشوقهم إليه!
ثم تبين لي ـ فيما بعد ـ من كلامي معها أنها نشيطة في الكنيسة، وأنها تدرس الأطفال فيها!
والآن أنا حائرة في كيفية التعامل معها، ومع مثيلاتها؛ فهل أقطعها وأحذر زميلاتي منها، أو أحاول أن أناظرها وأناقشها في معتقداتها؟
علما بأنني حاولت ـ مرة ـ أن أستخرج بعض ما عندها، لأعرف كيف أناقشها، فوجدتها على وعي تام بمسائل النقاش، وكأنها قد تلقنت ماذا يجب أن تقول، وتتسلح به فيما معاملتها ومناقشتها للمسلمين!! ولم يكن عندي من العلم ما أرد به عليها، أو يمكنني من الاسترسال معها في النقاش.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لكِ ـ أيتها الأخت الكريمة ـ غيرتِك على دين الله تعالى، وعلى الاهتمام بالدعوة إلى الله، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.
ثانياً:
لا ننصحك بمحاورة زميلاتك من النصارى، أو مجادلة أحد منهم، لأنكِ ذكرتِ أن عندهم من الشُّبَه ما تعجزين عن رده، وذكرتِ أنك في أول طريق طلب العلم، وهذا يجعلنا نؤكد على هذه النصيحة في حقك وحق من كان مثلك؛ فالجدال إنما (يقصر جوازه على المواطن التي تكون المصلحة في فعله أكثر من المفسدة أو على المواطن التي المجادلة فيها بالمحاسنة لا بالمخاشنة) [فتح القدير، للشوكاني 1/527] .
وهذه المصلحة التي ترجى من مجادلة أهل الكتاب، أو غيرهم من أصناف أهل الشرك بالله، أو أهل الأهواء والبدع، لا تتم إلا بأن يقوم بهذه المناظرة من هو أهلها ممن كان عنده من العلم بدينه ودين المخالف ما يمكنه من مناظرته، ثم يتزين بأدب الشرع لنا في ذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل، كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار وأهل البدع، بالعلم والعدل، لا بالظن وما تهوى الأنفس. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة؛ رجل علم الحق وقضى به، فهو في الجنة، ورجل علم الحق وقضى بخلافه، فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل، فهو في النار) رواه أبو داود وغيره، [صححه الألباني في صحيح الجامع] ؛ فإذا كان من يقضي بين الناس في الأموال والدماء والأعراض، إذا لم يكن عالما عادلا، كان في النار، فكيف بمن يحكم في الملل والأديان، وأصول الإيمان والمعارف الإلهية والمعالم الكلية، بلا علم ولا عدل كحال أهل البدع والأهواء.. " [الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/107-108] .
ولأجل ما ذكره شيخ الإسلام هنا من أدب الجدل، قال الله تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) العنكبوت/46 قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره: " ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب، إذا كانت عن غير بصيرة من المجادل، أو بغير قاعدة مرضية، وأن لا يجادلوا، إلا بالتي هي أحسن، بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحق وتحسينه، ورد الباطل وتهجينه، بأقرب طريق موصل لذلك. وأن لا يكون القصد منها، مجرد المجادلة والمغالبة، وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق، وهداية الخلق. " اهـ. [تفسير السعدي 743]
ثم عليكِ ـ أيتها الأخت الكريمة ـ أن تلتفتي لنفسك وطلب العلم، وقبل أن يعرف المسلم ما عند غيره، يجب أن يعرف ما في دينه من أحكام، فابحثي عن أخوات من طالبات العلم وابدئي معهن في تعلم دينك، ويمكنك أن تستعيني ـ أيضا ـ بأشرطة علماء أهل السنة الداعين إلى منهج السلف الصالح، لاسيما إذا لم يتيسر لك من يعلمك.
ولتكن عنايتك الأولى بمعرفة ما يصحح لك عقيدتك، وعبادتك، واهتمي بالوقوف على معاني كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
هذه هي الطريقة السليمة التي ينبغي أن تبدئي بها، ودعي نقاش النصارى وغيرهم من أهل الانحراف والضلال للمتخصصين، فهم أقدر على مواجهتهم وتبيين زيفهم، ولا يزال في الأمة الإسلامية – ولله الحمد – من يقوم بهذا الواجب.
وإذا رأيتِ من يمكن أن يتأثر بدعوات التنصير من أخواتك المسلمات: فيجب عليك تحذيرهن من مصاحبة أولئك الكافرات والسماع لهن، ويمكنك تزويدهن بكتب وأشرطة تبين الإسلام الصحيح، وتحذِّر من المذاهب والأديان الباطلة.
ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن ييسر لك العلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/200)
رأي المسلمين في المسيحيين، وهل الجهاد الذي كان يتحدثون عنه في الماضي لا زال موجودا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأي المسلمين في المسيحيين؟ ولماذا يوجد كل هذه البلبلة؟ أبسبب الحملات الصليبية؟ وهل الجهاد الذي كانوا يتحدثون عنه في الماضي لا زال موجودا؟ ألا يمكن للثقافتين القبول بأن الرب والله هما نفس الخالق؟ حيث إن كليهما يوصفان بطريقة مشابهة كثيرا، وأنا أتساءل: إن قبلت الثقافتين بأن الرب والله يعودان للخالق نفسه ألا يساهم ذلك في حل العديد من المشاكل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المسلمون يرون المسيحيين على طائفتين:
الأولى: من كان مؤمنا بعيسى عليه السلام في زمن عيسى، أو بعده، قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء مؤمنون صالحون موحدون، يؤمنون بأن عيسى رسول عظيم مرسل من الله تعالى، ويؤمنون بغيره من الرسل كإبراهيم وموسى.
وأما من كان مؤمنا بعيسى عليه السلام، ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهذا شأنه أعظم، وله أجران كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم.
والطائفة الثانية: من انحرف عن التوحيد واعتقد في عيسى أنه الله أو ابن الله أو قدم له شيئا من العبادة كالصلاة والدعاء، فهذا مخالف لعيسى ولغيره من الرسل، متبع للتحريفات التي أدخلها القساوسة والرهبان على الدين الحق الذي أتى به عيسى عليه السلام من عند الله تعالى.
وكذلك من سمع برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يؤمن به ولم يتبعه، فهذا مخالف للمسلمين، ولعيسى عليه السلام الذي بشر بأخيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا الموقف العقدي موقف ثابت، ليس ناتجا عن الحروب الصليبية أو ظلم المستعمرين وطمعهم في بلاد الإسلام. فلو أن أحداً أنكر رسالة عيسى عليه السلام أو رسالة موسى عليه السلام أو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كان كافرا. ولو أن أحداً أنكر إنزال هذا القرآن من عند الله، أو سخر منه لكان كافرا، لأن القرآن منزل من عند الله تعالى.
وأما الجهاد فإنه باق إلى يوم القيامة، وهدفه: إيصال دعوة الحق إلى جميع الناس , وتحرير الإنسان من القوى الظالمة التي تحجب عنه النور، وتمنعه من التفكير في الحق، وتخضعه لأحكام مخالفة لأحكام الله تعالى. وليس هدف الجهاد أن يكره أحدا على الدخول في الإسلام، فإن الله تعالى يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/256.
ثانياً:
ما ذكرته عن الرب والله والخالق، دليل على استقامة فطرتك، وصحة عقلك، وهذا ما يعتقده المسلمون، فالرب هو الله وهو الخالق الذي لا خالق غيره، ولا رب سواه. ولا يستحق أن يُعبد غيره. فالخالق الرازق المدبر، هو الله، الذي لا إله غيره، ولا يجوز أن نعبد سواه. وهذا الإله لا يمكن أن يكون مثل البشر له ولد أو زوجة، تعالى الله عن ذلك.
وأيضا هذا الإله لا يمكن أن يحل في بشر، فيأكل ويشرب ويجوع ويعطش، ويضرب ويصلب.
فعقيدة الإسلام عقيدة سهلة موافقة للعقل والمنطق: هناك خالق ومخلوق. الخالق هو الله تعالى، والمخلوق كل ما سواه، من سماوات وأرض وشمس وقمر وإنس وجن. والله تعالى من رحمته أن أرسل رسلا إلى الناس، يدعونهم إلى الله، ويدلونهم على الخير، ومن هؤلاء الرسل: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله وسلم عليهم جميعا. وقد أيد الله هؤلاء الرسل بالآيات، وهي أمور خارقة لا يستطيع الناس أن يأتوا بمثلها، وتكون مناسبة للعصر والبيئة التي بعث فيها الرسول: فمنهم من ألقي في النار فلم تؤذه كإبراهيم، ومنهم من كان يحيي الموتى ويشفي المرضى بإذن الله كعيسى، ومنهم من أوتي القرآن، وتحدى جميع العرب الفصحاء أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطيعوا، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وأنطق الله له الجماد والحيوان، فسبح الحصى في كفه، وشكى إليه الجمل ما يلاقيه من كثرة العمل، إلى غير ذلك من المعجزات الكثيرة.
ولو تأمل العاقل: ما الذي يمنع المسيحيين من الاعتقاد بأن عيسى عليه السلام رسول من عند الله، شأنه شأن إبراهيم وزكريا ويحيى عليهم السلام؟
وبهذا تنتهي المشكلة، ويتفق العقل مع الفطرة والوحي. وأن عيسى عليه السلام دعا إلى الله، وبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن أعداءه حاولوا قتله، فنجاه الله تعالى، فما صلب ولا قتل، بل وقع الشبه على أحد أصحابه، كما قال القرآن: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) النساء/157.
وبهذا يؤمن الجميع بالله الرب الخالق، المعبود وحده، ويؤمنون برسله الكرام كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا، ثم يتبعون شريعة آخرهم وخاتمهم، محمد صلى الله عليه وسلم.
وليس هذا مجال المقارنة بين سهولة هذه العقيدة وموافقتها للفطرة، في مقابل الاضطراب والتناقض الموجود في العقيدة النصرانية، لكن لنضرب مثالا واحدا، وهو موضوع الصلب والفداء:
فإن النصارى يكررون دائما بأن الله أرسل ابنه الوحيد ليرفع الخطيئة عن البشر، ويرون ذلك مثالا للرحمة والعدل، ونحن نسأل: أي عدل وأي رحمة في أن يعذب الله ابنه الوحيد - بزعمهم - على خطيئة لم يقترفها؟!
وأي عدل في أن تنتقل خطيئة آدم إلى بنيه، ثم يحتاجون إلى تكفيرها؟!
وأي عدل ورحمة في أن يتأخر تكفير هذه الخطيئة آلاف السنين، ما بين آدم إلى زمن عيسى عليه السلام؟!
وأي عدل ورحمة في أن يتوقف تكفير الخطايا على صلبٍ وألم ومحنة، وقد كان يتم تكفيرها - لدى اليهود بالتوبة والقربان؟!
لكن النصارى لما آمنوا بالصلب، أرادوا أن يرفعوا عن المسيح تلك السبّة الشنيعة التي تلحقه بالصلب وهي اللعن، فادعوا أن الصلب هو الشرف الحقيقي والهدف الأسمى من رسالة المسيح!
انظر: سفر التثنية (21/22) وفيه: (لأن المعلق - المصلوب - ملعون من الله) .
ولا شك أن الإيمان بعقيدة النصارى في الصلب والفداء تلزم منه لوازم باطلة منها:
1- أن يكون الأنبياء السابقون وعباد الله الصالحون كلهم هالكين؛ إذ لم تكفر عنهم تلك الخطيئة قبل موتهم.
2- أن يكون اليهود هم أعظم الناس منة وفضلا على النصارى والعالم، لأنهم هم الذين تحقق على أيديهم هذا الهدف الأسمى وهو صلب المسيح!
3- أن يرتع الناس في الشر والإثم، آمنين من عقاب الله، لأن الخطيئة الكبرى قد كفرت عنهم، ولأن الله سيغفر لهم كل خطيئة كما يدعون.
4- ولو كان المسيح مصلوبا باختياره كما يقولون، لما صرخ بعد الصلب وقال: (إيلي إيلي لم شبقتني؟ أي إلهي إلهي لماذا تركتني؟!) "مرقس" (15/34) .
وأخيرا.. نسأل الله تعالى أن يوفقك في بحثك عن الإسلام، وأن يهديك ويشرح صدرك لمعرفة الحق واتباعه أينما كان. ونرجو أن يكون ما ذكرناه فيه إجابة على أسئلتك، وإن كانت المواضيع التي أثرتها تحتاج إلى تفصيل أكثر من هذا، لكن نحن نسعد بالتواصل معك والإجابة على استفساراتك دائما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/201)
لا تترك دعوة غير المسلم خشيةَ شتمه الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقوم بالدعوة إلى الإسلام عن طريق غرف الدردشة والبالتوك والماسنجر، أدعو المسلمين وغير المسلمين، سؤالي هو: أحيانا أريد أن أدعو شخصا غير مسلم، فأخاف إذا دعوته أن يسب الدين، فهل أترك دعوته؟ وإذا وجب عليّ ذلك، إذًا علي أن لا أدعو أحدا من غير المسلمين؛ لأنني أخاف من معظمهم، حيث إني لا أعرفهم، بماذا تنصحونني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يُعلِيَ همَّتَك، ويسدِّدَ خطاك، ويجزيَك خير الجزاء على اهتمامك بالدعوة إلى دين الله وشرعه، فلا أحد أحسن قولا ولا مسلكا ممن يدل الناس على الحق والنور.
يقول تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/33
ولكني أحذرك أخي السائل، فإن باب المحادثات والغرف الخاصة باب فتنة ومنبع شرور، بسبب من يدخل فيها من النساء وأصحاب الأهواء، فيبدأ الداعية بالخوض مع الجميع، والشيطان ينصب له حبائل الشهوات والشبهات، حتى إذا علقت في قلبه فتنة من شبه أهل الباطل، أو تمكن في قلبه التعلق بالشهوات المحرمة، أمكن منه القياد، ولعب به كما يلعب الصبيان بالكرة. قال الله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال:48)
وقد سبق في موقعنا نصيحة من يمارس الدعوة عبر الشبكة، كي لا يوقع الشيطان به من حيث لا يدري، وبيان أن الدعوة العامة، أو تنظيم العمل الدعوي في هذا المجال عن طريق هيئة، أو منظمة جماعية، تقوم على ذلك لا بد وأن تكون أنفع وأسلم من العمل الفردي، فإن الشيطان من الفرد أقرب.
انظر سؤال رقم (32693)
ثانيا:
ينبغي أن يتسلح من يتصدى للدعوة إلى الله تعالى بالعلم الشرعي الذي يريد توصيله للناس، وأن يكون عنده الخبرة الكافية التي تمكنه من حسن محاورة الآخرين، ومعرفة ما عندهم من أمراض الشبهات والشهوات، وكيف يتأتى له علاجها؛ وأما أن يكون كل ما عند المرء عاطفة صادقة، ومعلومات متناثرة من هنا وهناك؛ فإن ذلك لا يجدي شيئا، ولا ينفع المدعو في شيء!! وأخشى ما نخشاه على من يتصدى لذلك الأمر قبل أوانه، وقبل أن تكون عنده الأهلية الكافية، أن يكون حاله كحال من أخذته الشفقة بأناس أصيبوا بعدوى قاتلة، فأسرع إلى علاجهم من غير خبرة له بالطب، فلا هو نفع المريض ولا هو حمى نفسه، ومن كلام الناس: (راح يصطاد اصطادوه) !! فاحذر يا عبد الله، وليكن همك الأول أن تنجو بنفسك:
(بَلِ الإنسان عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة:14-15) .
ثالثا:
من كانت عنده الأهلية للدعوة إلى الله تعالى، أيا كان المجال الذي ينشغل فيه بهذه الدعوة؛ فإنه لا يجوز له ترك الدعوة بحجة الخوف من رفض المدعو وشتمه لدعوته أو دينه، وإلا لتعطلت الدعوة وترك البيان للناس، وذلك ما لا يرضاه رب العالمين، ولكنه سبحانه أمرنا بالتزام الحكمة والموعظة الحسنة، فقال سبحانه:
(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل/125
وحثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرفق واللين والتبشير والتيسير، وذلك حرصا على تقبل المدعو للحق الذي يعرض عليه.
قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى أهل الكتاب في اليمن:
(يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا) رواه البخاري (3038) ومسلم (1733)
فمن التزم بهذا المنهج الشرعي في الدعوة لا يضره ما كان بعد ذلك من المدعو: من شتم أو رفض أو استكبار وإباء.
وقد كان سيد الدعاة، النبي صلى الله عليه وسلم، مستمرا في الدعوة والنصح الحكيم، مع أن كثيرا من المشركين واجهوه بالشتم والضرب والاستهزاء.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
(لَمَّا نَزَلَت هَذِه الآيَةُ (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء/214 وَرَهطَكَ مِنهُمُ المُخلَصِينَ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاهُ، فَقَالُوا: مَن هَذَا الذِي يَهتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجتَمَعُوا إِلَيهِ، فَقَالَ: يَا بَنِي فُلَان يَا بَنِي فُلَان يَا بَنِي فُلَان يَا بَنِي عَبدِ مَنَاف يَا بَنِي عَبدِ المُطَّلِب، فَاجتَمَعُوا إِلَيهِ، فَقَالَ: أَرَأَيتَكُم لَو أَخبَرتُكُم أَنَّ خَيلًا تَخرُجُ بِسَفحِ هَذَا الجَبَلِ أَكُنتُم مُصَدِّقِي؟
قَالُوا: مَا جَرَّبنَا عَلَيكَ كَذِبًا.
قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُم بَينَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ.
فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تبًّا لَكَ، أَمَا جَمَعتَنَا إِلَّا لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ.
فَنَزَلَت هَذِهِ السُّورَةُ (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) المسد/1
رواه البخاري (1394) ومسلم (208)
والمحظورُ في ذلك هو بَداءةُ المشركين والكفار بالشتم والتسفيه، خوفا من تَعَدِّيهم ومقابلتهم بالسب والتنقيص، فذلك هو الذي نهى عنه الله تعالى في القرآن.
قال تعالى: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ) الأنعام/108
فلا تتحرج أخي الكريم من الحق، ولا تترك تبيلغ هذا الدين بالعلم والبصيرة، واحرص على اختيار الكلمة المناسبة، والمدخل الحسن الطيب، وتجنب الشتم والاستهزاء، بل عامة الظلم والعدوان؛ ثم لا يضرك بعد ذلك ما صدر عن المدعو، فوزره عليه، يحمله يوم القيامة، وأنت ترجع بالأجر العظيم إن شاء الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/202)
يريد الدخول في الإسلام ويتزوج بمسلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب هندوسي وأحب فتاة مسلمة. لقد كنا صديقين حميمين دائما، وقد درسنا في كلية واحدة. لقد تحولت مشاعر كل واحد منا تجاه الآخر للحب لكننا لا نريد أن تنتهي المسألة بفرارها عن أهلها للزواج بي.
أنا أريد أن أتزوج بها لأنها إنسانة رائعة، ولطيفة، ومحبة، وذكية، وتقية. أنا أحبها كثيرا لدرجة أني مستعد أن أدخل الإسلام، وهو الدين الذي كنت دائما مولعا به. كيف أفعل (للدخول في الإسلام) ؟ سأقبل بجميع المعتقدات الإسلامية وسأبقى وفيا لله ولزوجة المستقبل.
أرجو أن ترشدني، فأنا أعلم أن الإسلام يرحب بدخول الآخرين إليه. سأنتظر ردك بفارغ الصبر وبعده سأذهب لأتحدث مع والد المذكورة حول الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله الذي جعل فيك الرغبة للدخول في دين الإسلام ونشكرك على السؤال عن كيفية الدخول في دين الله الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من اتبعه، قال الله تعالى في كتابه القرآن الكريم: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85 , الدخول في الإسلام عملية سهلة جدا وليس فيها أي تعقيد وكلّ ما عليك أن تفعله هو النطق بالشهادتين وهما مفتاح الدين وملخصّه وأساسه فتقول: أشهد أن لا إله إلا الله , وأشهد أنّ محمدا رسول الله , ثمّ تغتسل وتنوي الطهارة للصلاة وتمارس شعائر دين الإسلام وأعظمها الصلاة التي تربط العبد بربه.
ونريد أن نبيّن هنا بعض الأمور:
1- أما قولك (أنا أحبها كثيرا لدرجة أني مستعد أن أدخل الإسلام)
أنّه بالرغم من أنّ دخولك في الإسلام قد يكون الباعث عليه رغبتك في الزواج من امرأة مسلمة في هذه المرحلة إلا أنك إذا أسلمت وتعلّمت المزيد عن هذا الدّين ومارسته واقعا في حياتك فسيحسن إسلامك وتصفو النيّة وتصبح إخلاصا لله واقتناعا تاما بصحّة هذا الدّين وأنّه لا يزكّي النفس ويُطّهرها إلا هو.
2- قولك (كنا صديقين حميمين دائما، وقد درسنا في كلية واحدة) .
اعلم وفقك الله للخير أن من مقاصد الشريعة الإسلامية الأساسية حفظ الأعراض , وقد فرضت شريعتنا الغراء تدابير كثيرة لتحقيق هذا المقصد السامي , ومن ذلك المنع من اختلاط الرجال بالنساء حتى في أشرف المواضع وعند طلب أسمى المقاصد , فمن هدي الإسلام: فصل الرجال عن النساء في المساجد , روى مسلم في "صحيحه" (440) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها , وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) .
قال النووي في شرح صحيح مسلم (4/159) : " والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثوابا وفضلا وأبعدها من مطلوب الشرع , وخيرها بعكسه , وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك , وذم أول صفوفهن لعكس ذلك , والله أعلم " انتهى.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
التواصل بين المتحابين على غير وجهٍ شرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق والظهور، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، ويقول إنه يرغب في زواجها، بل يخبر وليها أنه يريد زواجها، أو تخبر هي وليها أنها تريد الزواج منه، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما.
وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل فتنة.
" أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 868) .
3- أما قولك (لكننا لا نريد أن تنتهي المسألة بفرارها عن أهلها للزواج بي)
نحن نشكر لك هذا العمل الرائع الذي ينبئ عن حسن خلقك وعلى رجحان عقلك.
4- أما قولك (أنا أريد أن أتزوج بها لأنها إنسانة رائعة، ولطيفة، ومحبة، وذكية، وتقية)
وهذا منك يدل على حرصك على الزوجة التي تصلح أن تكون قدوة لأبنائك وتسعى على إراحتك، والأخلاق السامية التي ذكرت بعضا منها فإن الشرع قد جعل بعض الصفات من دواعي النكاح وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) .
ففي هذا الحديث دليل على أنه ينبغي أن يكون أولى الأغراض بالعناية والاهتمام: الدين والخلق.
5- أما قولك (فأنا أعلم أن الإسلام يرحب بدخول الآخرين إليه)
هذا منك من باب الإنصاف لهذا الدين العظيم الذي جاء رحمة للعالمين.
ومن فضل الله ورحمته أن جعل الإسلام هادماً لما كان قبله من الذنوب والمعاصي، فإذا أسلم الكافر غفر الله له كل ما فعله أيام كفره، وصار نقياً من الذنوب قال تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال/38.
وروى مسلم (121) عن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رضي الله عنه قال: لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي. قَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ.
(الإِسْلام يَهْدِم مَا كَانَ قَبْله) أَيْ: يُسْقِطهُ وَيَمْحُو أَثَره. قاله النووي في "شرح مسلم".
أخيرا: وإننا نتفاءل كثيرا بمستقبل سعيد لك لأنّ بداياتك التي تحدّثت عنها في سؤالك جيدة وتبعث على التفاؤل وخصوصا عندما نتدبّر جميعا قول الله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ) الأنعام/125، فنسأل الله أن يشرح صدرك لهذا الدين ويرزقك الدخول فيه ولا شكّ أنّ ذلك سيكون خبرا سعيداً للمرأة المسلمة التي ستتزوجها لأنها تعلم أنه لا يمكنها الزواج منك إلا بعد إسلامك كما هي شريعة رب العالمين، ونرحب بك في هذا الموقع سائلا وقارئا ومتعاونا معنا على الخير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/203)
حوار مع بوذي عن الجهاد في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت في حوار مع أحد الأشخاص، وادعى ذلك الشخص أن المسلمين الذين يتبعون التعاليم التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم يقولون بأن أي شخص غير مسلم فهو عرضة للسيف والقتل.أنا لا أصدق ادعاءه هذا، ولكنني لست مسلماً، وأعرف القليل عن الإسلام، وليست لدي الاستطاعة لأرد بها ادعاء هذا الشخص، فما هي تعاليم الإسلام في هذا الأمر؟ وكيف أجيبه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سؤالك لنا أيها الباحث عن الحقيقة يدل إن شاء الله على رغبة صادقة في معرفة الحقيقة، لكن ألم تسأل نفسك قبل ذلك: لماذا أكتفي بهذا " القليل " الذي أعرفه عن الإسلام؟ لماذا لا أتعرف صورة ذلك الدين كاملة من أهله، وإن استلزم الأمر مني أن أسافر إليهم كما أسافر، ويسافر الناس كثيرا لجمع المال أو للسياحة، أو غير ذلك من الأغراض المادية، وربما التافهة؟!
إن القضية مصيرية؛ أليس من الجائز أن تكون الحقيقة التي تهز قلبك، وتقنع عقلك، هي في هذا القدر الذي تجهله من هذا الدين، أو في الصورة الكاملة الناصعة التي لم ترها؟
والأمر بعد ذلك، أيها الباحث عن الحقيقة، جد خطير: إنها جنة أبدا، أو نار أبدا!!
لكنك تحتاج مع تلك الرغبة الصادقة في معرفة الحقيقة إلى إرادة أصدق في اتباعها، وقوة في نفسك على التزامها، وإن خالفت ما كنت تعتاده من قبل.
ثم إنك حينما تسأل ذلك السؤال تبدو كالمريض الذي ينظر إلى مبضع الطبيب وحِدَّته، وينسى الداء الذي يقتله، ويلعن الكوّاء على حَرْقَته، وينسى الجذام الذي يأكله، وليس هذا شأن العاقلين!!
أفلا تعرفت أولا أهم بواعث الجهاد في الإسلام، قبل أن تسأل عمن يستحق القتل؟!
تلك البواعث التي اختصرها ربعي بن عامر وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونقلوها لرستم قائد جيش الفرس في معركة القادسية، وهو يسألهم واحدا بعد واحد، في ثلاثة أيام متوالية، قبل المعركة: ما الذي جاء بكم؟ فيكون الجواب: " الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. . فأرسل رسوله بدينه إلى خلقه، فمن قبله منا قبلنا منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي [يعني: ننتهي] إلى الجنة أو الظفر [أي: النصر] ".
والواقع الإنساني، أمس واليوم وغدا، يواجه هذا الدين ... بعقبات العقائد المنحرفة والأفكار الباطلة،. . وعقبات سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية وعنصرية، ... وتختلط هذه بتلك، وتتفاعل معها بصورة معقدة شديدة التعقيد، لينتج عنها في آخر الأمر موقف صارفٌ عن الإسلام جملة، صاد للناس عن سبيله!!
وإذا كان " البيان القولي"، والحوار الجدلي، بالتي هي أحسن، إنما يواجهان العقائد والأفكار المنحرفة، فإن " الحركة الجهادية " تواجه العقبات المادية الأخرى - وفي مقدمتها السلطان السياسي القائم على تلك العوامل المعقدة المتشابكة، وتوجه ضرباتها للقوى السياسية والعسكرية التي تُعَبِّدُ الناسَ لغير الله. . - أي تحكمهم بغير شريعة الله وسلطانه - والتي تحول بينهم وبين الاستماع إلى هذا " البيان" واعتناق تلك " العقيدة "، بحرية لا يتعرض لها السلطان. وهما معا - البيان والحركة الجهادية - يواجهان الواقع البشري " بجملته. بوسائل مكافئة لكل مكوناته. " [انظر: معالم في الطريق، ص 59 وما بعدها]
فتبين بذلك أن (أصل القتال المشروع هو الجهاد، ومقصوده أن يكون الدين لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة، كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمِن ونحوهم، فلا يقتل عند جمهور العلماء، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله ... لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله، كما قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) البقرة/190
وقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه مَرَّ على امرأة مقتولة في بعض مغازيه، قد وقف عليها الناس، فقال: (ما كانت هذه لتقاتل) ، وبعث رجلاً إلى خالد بن الوليد – وكان أميراً على مقدمة الجيش – فقال له: قل له: لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا) (وهو الأجير) ولعل المراد إذا لم يكن معه سلاح. [رواه أبو داود 2669 وقال الألباني: حسن صحيح ـ صحيح أبي داود 2324] ...
وذلك أن الله تعالى أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق، كما قال تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ) البقرة/217، أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد، ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر من منه، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه ... ) اهـ. بتصرف يسير. [السياسة الشرعية، لابن تيمية 165-167] .
وهاهنا أمر جدير بأن ينتبه إليه، وهو أن المحاربة والتعادي والتظالم نزعات قديمة في بني الإنسان ما دام للنفوس مطامع وأهواء، وما دام في بني الإنسان خير وشر. يقول ابن خلدون:
(إن الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة منذ أن بدأ الله الخليقة، وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض ... وهي أمر طبيعي في البشر لا تخلو منه أمة ولا جيل..)
وأين كان المسلمون من الحروب المفظعة التي وقعت بين مختلف الطوائف المسيحية قديما، ثم ما لاقاه البروتستانت على أيدي الكاثوليك؟!
ثم أين كان المسلمون من الحربين العالميتين؟! وأين كانوا من هيروشيما وناجازاكي؟!
لقد يحق لنا أن نقول مع الكونت هنري دي كاستري: (الأقرب إلى الصواب أن يقال: إن مسالمة المسلمين ولين جانبهم كان السبب في سقوط دولتهم) .
وصدق الله العظيم: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج/40 ولعلك حين تتدبر ذلك، ثم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلاسِلِ) صحيح البخاري 3010، وقوله: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ) البخاري 4557، يعني أنهم بحربهم لغيرهم ربما أسروا بعضهم، أو خضع لسلطانهم آخرون، ثم يتعرفون على الإسلام، ويدخلون فيه، وقد كانوا كارهين له أول الأمر ...
لعلك حين تفعل ذلك أن تُقَبِّل يد الطبيب، وإن بقي على جلدك أثر مبضعه ...
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/204)
أسلم وأمه تريد منه الرجوع إلى النصرانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب من اليونان وأبلغ من العمر 18 عاما. وقد أسلمت منذ أسبوعين. وأنا أصلي بشكل عادي خمس مرات في اليوم، وأذهب للمسجد وأدرس القرآن. لكني واجهت بعض المشاكل منذ ذاك. صديقتي قبلت بذلك ونحن نخطط على الزواج في المستقبل. وكذلك فقد قبلت أختي بالأمر. لكن أمي هي المشكلة. فقد دب الفتور في علاقتها معي. فهي تريدني أن أعود للنصرانية مرة أخرى وهي لا تقبل بالإسلام على الإطلاق. لقد قالت لي إن النصارى سينظرون إليّ على أني خائن وسيقول المسلمون إني تابع لهم، لأني ولدت نصرانيا. أنا لم أخبر أبي بأي شيء حتى الآن (فوالداي مطلقان) ، وذلك لأنه لن يقبل بذلك (فهو نصراني أيضا) ولأنه سيتشاجر مع والدتي. أفضل صديق عندي هو مسلم وقد ساعدني كثيرا، لكن والدتي تظن أنه أجبرني على الإسلام، وهذا غير صحيح. لقد درست الإسلام وأدركت أنه الدين الصحيح، وذلك الذي دفعني لاعتناقه. ما هي نصيحتك للتعامل مع أهلي؟ أنا لا أريد أن أخيب أملهما، خصوصا والدتي، لأنها عانت كثيرا بسبب الطلاق. وأشكرك على اهتمامك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نهنئك ونبارك لك، على هذه النعمة التي مَنَّ الله بها عليك، فإنها والله أعظم النعم، وإنه التوفيق الذي نسأل الله أن يدخلك به الجنة، ويجمعك به مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فهنيئا لك , ثم هنيئا لك، أقبلت على الله في هذه السن التي أقبل في مثلها الأخيار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كمصعب بن عمير، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وسعد بن معاذ. نهنئك لأن صحيفتك صارت بيضاء نقية، لم تندس بالذنوب، فقد محى الإسلام ما كان قبله، وأنت الآن تستقبل عمرا جديدا، وحياة سعيدة بإذن الله، ونسأل الله أن يحفظك، ويثبت قلبك، ويهدي والديك وإخوانك وأحبابك.
ثانيا:
نحمد الله أنك بدأت طريق الهداية بالذهاب إلى المسجد، ودراسة القرآن، فإن هذا عنوان الخير، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) رواه البخاري (71) ومسلم (1037) . وعليك أن تبذل الجهد في حفظ القرآن وترتيله وقيام الليل به، وتعلم أحكامه، والعمل بما فيه، فإن الجنة درجات، وإن صاحب القرآن يقال له في الجنة: اقرأ وارتق، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها.
ثالثا:
إن الموقف الذي بدر من أمك تجاهك، لا يُستغرب، فإن معركتك الحقيقية مع الشيطان، وهو لا يرضى بإسلامك، ولا يحب لك الخير، فلا شك أنه سيستعين بأقاربك، ويوسوس لأهلك، حتى يستخدمهم سلاحا ضدك، ويمنعهم من اللحاق بك في موكب الإيمان الحق، فلا تحزن، ولا تيأس، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ليصرف كيده عنك، وكن رفيقا رحيما بأمك، فإنها لو ذاقت طعم الهداية ما وقفت في طريقك، واستعن بالله تعالى في دعوتها، ونصحها، وأكثر من الدعاء لها بالهداية والرحمة، فلعلك توافق ساعة إجابة، فتقر عينك بإسلامهم وصلاحهم.
واعلم أنك لست وحدك في هذا الميدان، فهناك آلاف الناس ممن وفقهم الله لمعرفة الحق، واختيار الإسلام عن رضا وقناعة، وكثير منهم لاقى معارضة وصدودا من أهله، ثم شاء الله بالفتح، وجاء بالفرج، فأسلم البيت كله، بل العائلة كلها، وكان ذلك في ميزان حسنات الابن الموفق، نسأل الله أن يجعلك من هؤلاء وأن يسعدك بإسلام أهلك جميعا.
واعلم أن وجود المعارضة من البيت هو اختبار وابتلاء للمسلم، حتى يظهر صدق إسلامه، وقوة إيمانه، كما قال الله تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/1- 3.
ومن نماذج المؤمنين الصادقين الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، كان برّاً بأمه، فلما أسلم امتنعت أمه عن الطعام والشراب، حتى يرجع عن دينه، فأبى رضي الله عنه، وثبت على إسلامه، ولم تجد أمه فائدة من إضرابها فعادت لطعامها وشرابها، ومما ورد في ذلك قوله رضي الله عنه: (يا أمّه , تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفسا ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي، وإن شئت لا تأكلي. فأكلت) .
انظر: "تفسير ابن كثير" (3/429) .
رابعا:
لقد عالج القرآن هذه المشكلة، لأنها كثيرة الوقوع، لا سيما في الجيل الأول الذي فارق الكفر، واعتنق الإسلام، ولاقى حربا شديدة من قبل الأهل والعشيرة وأقرب الناس، قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/14- 15
فلا مجال لطاعة الوالدين في الكفر، بل لا جال لطاعتهما في المعصية، ولكن هذا لا يمنع من الإحسان إليهما، والقيام على شئونهما، وبذل الغالي والنفيس في سبيل هدايتهما، وهذا دليل على عظمة الإسلام، وأنه دين الرحمة والمحبة، لهذا يدعو أتباعه إلى هداية الناس وإدخالهم في النعمة التي دخلوا فيها.
خامسا:
من اختار طريق الهداية، فلا يلتفت إلى كلام الآخرين، ولا يتعجب من صدوره، فإنه أمر متوقع، وإلا فماذا سيقول عنك النصارى؟ هل سيقولون: إنك اهتديت، وعرفت الحق، وآثرته على الأهل والأقارب؟! الجواب: لا، لن يقولوا ذلك، فلا تلتفت لقولهم: خائن أو غير ذلك، وانظر إليهم بعين الشفقة والحرص على هدايتهم، وابذل الجهد حتى تتعلم وتصبح داعية تنتشلهم مما هم فيه من الضلال والانحراف.
وأما ظنُّ أمك أن المسلمين سيقولون: إنك تابع؛ لأنك ولدت نصرانيا، فهذا ليس صحيحا، بل سنقول: إنك أخ لنا , اخترت الهداية، ورجعت للفطرة التي ولدت عليها، فلقد ولدت على الإسلام والتوحيد، وعلماء النصارى يعلمون أن المولود يولد على الفطرة، ولهذا يسارعون إلى تعميد الطفل، ويعتقدون أنه إذا لم يعمّد سيكون مسلما! وهذا دليل على أن الأصل هو الإسلام، وأن الطفل لو ترك على أصله لكان مسلما.
وليس في الإسلام تبعية لأحد إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم , لأنه النبي الرسول الذي أمرنا باتباعه، وما عدا ذلك فالإسلام يربي أتباعه على الحرية والانعتاق من تسلط الكهنوت والأحبار والرهبان، ولا يحوج العبد إلى واسطة بينه وبين الله تعالى.
وأخيراً.. لقد قلت في سؤالك: إن صديقتك قبلت بإسلامك , وإنكما تخططان للزواج في المستقبل.
وهنا , لابد أن تعلم أن مِنْ حرص الإسلام على عفة أتباعه وطهارة قلوبهم أنه حرم على الرجال اتخاذ الصديقات , ولا يقر الإسلام علاقة بين رجل وامرأة من هذا القبيل إلا إذا كانت في نطاق الزوجية , فإن كانت صديقتك نصرانية , فعليك بدعوتها إلى الإسلام والحرص على هدايتها ففي ذلك خير كثير لكما إن شاء الله تعالى , فإن أبت فأخبرها أن الإسلام قد حرم هذه العلاقة التي بينكما , وأنك لن تقدم رضا أحد كائناً من كان على رضى الرحمن , فإما أن تتزوجا (ويجوز للمسلم أن يتزوج نصرانية) وإما أن تفترقا , إيثاراً لرضى الله سبحانه وتعالى.
وأهم ما نوصيك به هو الإحسان إلى أمك وأبيك وإخوانك وأقاربك، والرفق بهم، وتفهم ما يدور بمشاعرهم، وسؤال الله الهداية لهم، واختيار الوسائل الحكيمة لدعوتهم، ومن ذلك: الكلمة الطيبة، والهدية، والزيارة، ودعوتهم لزيارة المسجد، وإعطاؤهم الكتيب والشريط النافع.
نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، ويوفقك لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/205)
شبهة حول ما أخبر به القرآن في شأن عيسى عليه السلام!!
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تطلبون من غير المسلمين أن يصدقوا ما في كتابكم بشأن عيسى، ورفض صلبه، وبنوته لله، مع أن الكتاب المقدس قد أخبر بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعله من القول المعاد هنا أن ننبه على أن الأناجيل، أو الكتاب المقدس الذي نتكلم عنه، والذي يوجد في أيدي الناس اليوم، هو شيء آخر غير الذي نزل من عند الله على عبده ورسوله عيسى بن مريم، عليه السلام؛ فذاك الذي نزل من عند الله لا يصح لأحد إيمانه إذا كفر به، أو بشيء منه، وقد سبق التنبيه على ذلك في السؤال رقم [47516] .
غير أنه، ولحكمة بالغة، لم يزل تحريف الأيدي، وليّ الألسن يعبث بذلك الكتاب، ولم تزل تعدو عليه صروف الدهر، وحوادث الأيام من قديم، حتى ضاع أصله الإلهي، وانقطع من أيدي الناس، ولم يعد بين أيديهم إلا خليط مختلف من ظلمات الشرك والتثليث، مع بصيص من نور التوحيد، وأخلاط من الكذب والتحريف المتتابع، زمانا بعد زمان، مع أثارة من الصدق وعلم النبيين.
ولقد صار من المتعذر، بل من المستحيل، مع بعد العهد، وتتابع العبث، أن يقطع أحد بصدق شيء من ذلك الكتاب أو كذبه، إلا إذا عرض على الحق المهيمن على ما قبله، والمصدق لما بين يديه، الذي لم يشب نوره الإلهي بظلمة من الجهل أو الهوى، ولا صدقه الخالص بكذبة، أو حتى غلطه، وليس ذلك إلا القرآن الكريم الذي تكفل الله بحفظه، كما قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9.
ومع أن واحدا من كبار الدارسين عند القوم، والمدافعين عن الكتاب المقدس، وهو نورتن، حاول أن يدافع عن الكتاب المقدس أمام طعن إكهارن الجرمني، فقد اضطر إلى أن يعترف بأن تمييز الصدق من الكذب في هذا الزمان عسير!!
ومن هنا نصل إلى موضوع السؤال، لنقول: إن من لم يؤمن بالقرآن، لن يصح له كتاب يؤمن به، ومن طعن في صدق النبي، صلى الله عليه وسلم، وصحة دين الإسلام، لم يمكنه أن يقيم دليلا على صحة دينه الذي يتمسك به.
ووجه ذلك أن من طعن في صدق النبي صلى الله عليه وسلم، فيما أخبر به من نبوته، والوحي المنزل عليه من السماء، مع أن ظهرت على يديه المعجزات الدالة على صدقه في ما قال، وبقي حياته يتحدى أعداءه بالكتاب الذي ينسبه إلى وحي ربه أن يأتوا بمثله، أو بشيء منه، بل أن تحدى الإنس والجن جميعا أن يجتمعوا ويتظاهروا، ويتساعدوا، من أجل أن يأتوا بمثل هذا القرآن: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا ً) الإسراء/88
ولم يحدث أنهم فعلوا وأتوا بمثله، على ما مر من التاريخ بعده، وعلى كثرة ما عارضه من الأعداء، وودوا لو أثبتوا كذبه، وهيهات!!
ثم بقي ذلك النبي بعد ذلك منصورا على أعدائه، لم يبطلوا له حجة، ولا وقفوا له على كذبة في خبر، ولو كان من حديث الناس الذي يألفونه، فضلا عن أن يكذب على ربه الذي أرسله.
وليت شعري، إذا طعنوا في ذلك كله، فأنى لهم أن يقيموا دليلا على صحة "الإلهام" الذي اعتمدوا عليه في تصديق كتبهم، مع أنهم لا يدعون أن هذه الأناجيل أنزلت على عيسى، أو أنه كتبها، أو أملاها، أو حتى كتبت في حياته!!
هذا مع أنه لا يوجد دليل محقق على شخصية الأربعة الذين كتبوا هذه الأناجيل، ومن يكونون، وكيف كانت سيرتهم وحياتهم، وهل كان ما كتبوه كان من من الوحي الإلهي، أو الإلهام، على حد تعبيرهم، أو كان من بنات أفكارهم، ووحي شياطينهم. يقول هورن، أحد كبار مفسري الكتاب المقدس: (إذا قيل إن الكتب المقدسة أوحيت من جانب الله، فلا يراد أن كل لفظ، والعبارة كلها من إلهام الله، بل يُعلم من اختلاف محاورة المصنفين، واختلاف بيانهم أنهم كانوا مُجَازين (؟!) [يعني: كانوا مسموحا لهم] أن يكتبوا على حسب طبائعهم وعاداتهم وفهومهم، ولا يُتخيل أنهم كانوا ملهمين في كل أمر يبينونه، أو في كل حكم كانوا يحكمونه) .
وقد أشارت دائرة المعارف البريطانية إلى خلاف علماء النصارى وباحثيهم في شأن هذا الإلهام: هل كل قول مندرج في الكتب المقدسة إلهامي أو لا؟ ثم علقت في موضع منها (19/20) على ذلك: (إن الذين قالوا إن كل قول مندرج فيها إلهامي، لا يقدرون أن يثبتوا دعواهم بسهولة) .
ونقول: ولا بصعوبة!!
وإزاء عشرات المواضع المتضاربة فيما بين هذه الأناجيل، بعضها وبعض، وعشرات الأغلاط التاريخية، والنبوءات الكاذبة التي لم تتحقق، قرر فريدريك جرانت أن (العهد الجديد كتاب غير متجانس، ذلك أنه شتات مجمع، فهو لا يمثل وجهة نظر واحدة تسوده من أوله إلى آخره، لكنه في الواقع يمثل وجهات نظر مختلفة) .
وأما دائرة المعارف الأمريكية فتذكر (أن هناك مشكلة هامة وصعبة تنجم عن التناقض الذي يظهر في نواح كثيرة بين الإنجيل الرابع، والثلاثة المتشابهة؛ إن الاختلاف بينهم عظيم، لدرجة أنه لو قبلت الأناجيل المتشابهة، باعتبارها صحيحة وموثوقا فيها، فإن ما يترتب على ذلك هو عدم صحة إنجيل يوحنا) .
هذا مع اعتبار أن إنجيل يوحنا هو أشد هذه الأناجيل تقريرا لعقيدتهم في التثليث، بل إنهم ليعترفون أنه ألف من أجل تقرير هذه العقيدة التي أخلت بها الأناجيل الأخرى، وقطع اختلاف الناس في شأنها!!
إن الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تتمسك بشدة بعقيدة الإلهام، كأصل للكتاب المقدس، وأكدت على ذلك في مجمع الفاتيكان عام (1869-1870) ، عادت أمام هذه الحقائق لتعترف، بعد نحو قرن، في المجمع المسكوني الثاني للفاتيكان (1962-1965) بأن هذه الكتب تحتوي على شوائب، وشيء من البطلان، على ما نقله الباحث الفرنسي الكاثوليكي [الذي أسلم فيما بعد] د موريس بوكاي.
ثم إن من كذب بشيء من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وأحواله وسيرته الدالة على صدقه، كيف له أن يثبت معجزات هؤلاء الرسل المزعومين الذي كتبوا الأناجيل، أو يدلل على صدقهم في دعوى الإلهام؟!
إن دعوى الإلهام صادقة في زعمهم بدليل شهادة الكتاب المقدس، وما فيه من ذكر معجزاتهم، والكتاب المقدس وما فيه صادق لأنه إلهام!!
وهكذا ينتهي استدلالهم إلى الدور الباطل، كما نقله ريس في دائرة معارفه عن بعض المحققين: فالكتاب المقدس صحيح لأنه إلهام، وإلهامهم صادق لأن الكتاب المقدس شهد به!!
ومن كذب بالقرآن المنقول بالتواتر، الفاشي في مشارق أرض الإسلام ومغاربها، جيلا بعد جيل، حفظا وكتابة، لا تختلف نسخه، ولا تضطرب ولا تتعارض، أنى له أن يثبت صحة الأناجيل التي يعتمد عليها، والتي لم توجد مجرد إشارة لها، فضلا عن أن توجد أعيانها، قبل مضي نحو قرنين من وفاة المسيح، على ما نقله نورتن عن إكهارن الجرمني، ثم ما وقع في مطلع القرن الرابع بالنصارى من البلاء، والهدم لكنائسهم، وتحريق كتبهم، ما يفقد الثقة بكتبهم التي وجدت بعد ذلك: فمتى وجدت، وعند من كانت في فترة الاضطهاد والاستخفاء، وكيف وصلت إلينا، وكيف، وكيف ... ، أسئلة كثيرة تدور حول هذه المعضلة، فيما عبرت عنه دائرة المعارف البريطانية بقولها:
(ليس لدينا أية معرفة مؤكدة بالنسبة للكيفية التي تشكلت بموجبها قانونية الأناجيل الأربعة، ولا بالمكان الذي تقرر فيه ذلك) .
وأما الجهل بالمترجم الذي نقلها عن اللغة الأصلية التي كتبت بها، وما مدى الثقة بعلمه ودينه وكفايته لهذه المهمة، وكيف لنا أن نتأكد من أنه نقلها على وجهها، فذلك لون آخر!!
[يمكن مراجعة تفصيل ما أجملناه في هذا الجواب في: إظهار الحق، للشيخ رحمة الله الهندي، ومناظرة بين الإسلام والنصرانية، للشيخ محمد جميل غازي وآخرين]
والله يهدينا وإياكم إلى صراطه المستقيم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/206)
نصراني يريد الإسلام ويسأل عن الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أقرأ عن الصلاة في أي مكان بعد، كيف تُؤدى وماذا نقول فيها وهل هناك شيء مخصص.
كيف يستطيع الشخص أن يسلم إذا لم يكن يعرف العربية؟ أليست العربية هي اللغة الوحيدة التي يجب قراءة القرآن بها وترتيله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والمفروض منها خمس صلوات في اليوم والليلة، وهي صلة بين العبد وربه، يجد فيها الإنسان راحته وسعادته وطمأنينته. يقف بين يدي ربه، يخاطبه بكلامه، يدعوه، يناجيه، يسجد بين يديه، يبث إليه همومه وأحزانه، يفزع إليه في ملماته.
ومهما قيل لك عن الصلاة، فلن يفي ذلك بحقها، فلا يعرف طعمها إلا من ذاقها وأحيا بها ليله، وعمر بها نهاره، فهي قرة عيون الموحدين، ولذة قلوب المؤمنين.
وقد شرع الله لها طهارة تسبقها، تنظف الجسد، وتذهب الدرن، وتنفي الذنوب، فلا يغسل المسلم عضوا من أعضائه، إلا تقاطرت الذنوب منه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما صفتها فإنها القيام والتكبير والقراءة والركوع والسجود، وما عليك إلا أن تتوجه إلى أحد المراكز الإسلامية في بلدك لترى صلاة المسلمين، وتقف على حقيقتها.
وعدم معرفة الإنسان باللغة العربية لا يؤثر على إسلامه، ولا يحرمه من شرف الانتساب إليه، فكم من رجل يشرح الله صدره للإسلام كل يوم، ممن لا يعرف من العربية حرفا.
وهناك آلاف من المسلمين في الهند وباكستان والفلبين وغيرها يحفظون القرآن عن ظهر قلب، وقد لا يحسن أحدهم أن يتكلم بالعربية دقائق معدودة، وذلك من تيسير الله تعالى للقرآن، وتسهيل حفظه على الناس، كما قال: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) القمر / 17.
ويجب على المسلم في الصلاة أن يقرأ سورة الفاتحة باللغة العربية، ويجب عليه أن يتعلمها، فإن عجز عن ذلك، وعرف منها آية واحدة كررها سبع مرات، عدد آيات الفاتحة فإن عجز عن ذلك قال: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، انظر السؤال رقم 5410
والأمر يسير والحمد لله، فكم من إنسان يجيد لغة غير لغته، بل ولغتين وثلاثا، فهل يعجز عن حفظ ثلاثين أو أربعين كلمة يحتاجها في صلاته؟!
ولو كانت اللغة عائقا لما وجد ملايين المسلمين من غير العرب، وهم يؤدون عباداتهم بيسر والحمد لله.
فبادر إلى الإسلام، وسارع إلى الدخول فيه، فإن الإنسان لا يدري متى يحين أجله، ولعل الله أن ينقذك وينجيك ويسلمك من سخطه وعذابه.
وما عليك إلا أن تقول: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، لتدخل في هذا الدين العظيم، وستجد من إخوانك وأحبابك المسلمين، من يقفون معك، ويمدون يد العون إليك لتتعلم الصلاة وغيرها من أمور الإسلام.
وللأهمية راجع الأسئلة التالية: (219) (12376) (6389) (6706) (378) (2585) (20239) (10590) (4319)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/207)
حوار مع نصراني حول صلب المسيح
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يصعب على المسلمين أن يؤمنوا بأن المسيح قد صلب لمحو ذنوبنا، ويرفضون فكرة الصلب من أصلها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما رفض المسلمين لهذه الفكرة فليس فيه عجب ولا غرابة، إذ كان القرآن الذي يؤمنون به، ويصدقون بخبره قد نفى ذلك الأمر نفيا قاطعا، كما قال الله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) النساء/157
لكن الشأن إنما هو في النصارى الذين صارت عقيدة الصلب والفداء عندهم من الأهمية بمكانٍ، بحيث صار الصليب شعارا لدينهم!!
والعجيب أنهم يختلفون في شكل هذا الصليب اختلافا يُلمح إلى تخبطهم في أصل هذه الفرية!!
إن كل ما يتعلق بقصة الصلب هو محل اختلاف بين أناجيلهم ومؤرخيهم:
فقد اختلفوا في وقت العشاء الأخير بزعمهم، الذي كان مقدمة من مقدمات الصلب، واختلفوا في التلميذ الخائن الذي دل على السيد المسيح:
هل كان قبل العشاء الأخير بيوم على الأقل، كما يروي لوقا، أو أثناءه، بعد أن أعطاه المسيح اللقمة، كما يروي يوحنا؟!
وهل المسيح هو الذي حمل صليبه كما يروي يوحنا، على ما كان معتادا فيمن يصلب، على حد قول نيتنهام، أو هو سمعان القيرواني، كما يروي الثلاثة الآخرون؟!
وإذا كانوا قد ذكروا أن اثنين من اللصوص صلبا كما صلب المسيح، أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، فما كان موقف هذين المصلوبين من المسيح المصلوب، بزعمهم:
هل عيره اللصان بصلبه، وأن ربه أسلمه إلى أعدائه، أو عيره أحدهما فقط، والثاني انتهر هذا المُعَيِّر؟!
ثم في أي ساعة كان هذا الصلب: الثالثة كما يروي مرقس، أو السادسة كما يروي يوحنا؟!
وماذا حدث بعد الصلب الذي زعموه:
إن مرقس يروي أن حجاب الهيكل قد انشق من فوق إلى أسفل، ويزيد متى أن الأرض تزلزلت، والصخور تشققت، وقام كثير من القديسين من قبورهم، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين، بينما لوقا يروي أن الشمس أظلمت، وانشق حجاب الهيكل من وسطه، فلما رأى قائد المائة ما كان، مجد الله قائلا: بالحقيقة كان هذا الإنسان بارا.
وأما يوحنا فلا يعلم عن ذلك شيئا!!
وليس هذا فقط هو كل ما تحويه قصة الصلب، كما توردها الأناجيل، من عناصر الضعف، ودلائل البطلان، وإنما يمكن للناظر في تفاصيل الروايات التي توردها الأناجيل لهذه القصة أن يلمس بأدنى نظر ما بينها من اختلاف شديد في تفاصيل تلك القصة، وما دار حولها، بحيث يتعذر الإيمان بذلك كله، أو التصديق بأي ذلك كان!!
وكم هي شاقة تلك المحاولة اليائسة لسد تلك الثغرات، وستر عورات الكتب المحرفة، وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه المحفوظ: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِْلافاً كَثِيراً) النساء/82 إنها محاولة قروي ساذج لإقناع العلماء أن قنابل الذَّرَّة مصنوعة من كيزان الذٌّرَة، على حد تعبير بعض الدعاة!!
وبعيدا عن سقوط الثقة بأخبار الأناجيل المحرفة، والتي اعترف أهلها أنفسهم بأنها لم تنزل على المسيح هكذا، بل ولا كتبت في حياته، فإن شهود الإثبات جميعاً لم يحضروا الواقعة التي يشهدون فيها، كما قال مرقس: {فتركه الجميع وهربوا} (مرقس 14/50)
وإزاء ذلك الموقف الذي لم يشهده أحد ممن حكاه، فلتذهب الظنون كل مذهب، والخيال مثل الشِّعر: أعذبه أكذبه!!
ولنكمل صورة الحديث عن أسطورة صلب المسيح عليه السلام، بما ذكرته الأناجيل من تنبؤات المسيح بنجاته من القتل:
ذات مرة أرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة الحرس ليمسكوا به، فقال لهم:
{سأبقى معكم وقتا قليلا، ثم أمضي إلى الذي أرسلني، ستطلبوني فلا تجدوني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أن تجيئوا} [يوحنا: 7/32-34}
وفي موقف آخر يقول:
{أنا ذاهب، وستطلبوني، وفي خطيئتكم تموتون، وحيث أنا ذاهب لا تقدرون أنتم أن تجيئوا.
فقال اليهود: لعله سيقتل نفسه، لأنه قال: حيث أنا ذاهب لا تقدرون أن تجيئوا.
وقال لهم: أنتم من أسفل، أما أنا فمن فوق، أنتم من هذا العالم، وما أنا من هذا العالم.....
متى رفعتم ابن الإنسان، عرفتم أني أنا هو، وأني لا أعمل شيئا من عندي، ولا أقول إلا ما علمني الآب، والآب الذي أرسلني هو معي، وما تركني وحدي، لأني في كل حين أعمل ما يرضيه} . [يوحنا: 8/21-29]
ثم يعود ليقول لهم آخر الأمر:
{لن تروني إلا يوم تهتفون: تبارك الآتي باسم الرب. وخرج يسوع من الهيكل ... } [متى: 32/39، 24/1] وأيضا: [لوقا 13/35] .
لقد كان المسيح، كما تصوره هذه النصوص وغيرها أيضا، على ثقة من أن الله ـ تعالى ـ لن يسلمه إلى أعدائه، ولن يتخلى عنه:
{تجيء ساعة، بل جاءت الآن، تتفرقون فيها، كل واحد في سبيله، وتتركوني وحدي؛ ولكن لا أكون وحدي، لأن الآب معي ... ستعانون الشدة في هذا العالم، فتشجعوا؛ أنا غلبت العالم!!} [يوحنا: 16/32-33] .
ولأجل هذا كان المارة، بل كل من حضر التمثيلية المزعومة لصلبه (!!) يسخرون من المسيح، حاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم، كما يقول كاتب هذا الإنجيل:
{وكان المارة يهزون رؤوسهم ويشتمونه، ويقولون: ... إن كنت ابن الله، فخلص نفسك، وانزل عن الصليب. وكان رؤساء الكهنة، ومعلمو الشريعة والشيوخ يستهزئون به، فيقولون: خلَّصَ غيره، ولا يقدر أن يخلص نفسه؟! هو ملك إسرائيل، فلينزل الآن عن الصليب لنؤمن به؛ توكَلَ على الله وقال: أنا ابن الله، فلينقذه الله إن كان راضيا عنه. وعيره اللصان المصلوبان معه أيضا، فقالا مثل هذا الكلام.}
لكن يبدو أن يقين عسى بمعية الله له قد بدأ يتزعزع، على ما تصوره أناجيلهم المحرفة، حاشاه عليه السلام من ذلك:
{جاء معهم يسوع إلى موضع اسمه جَتْسِماني، فقال لهم: اجلسوا ههنا حتى أذهب وأصلّي هناك، ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي، وبدأ يشعر بالحزن والكآبة، فقال لهم: نفسي حزينة حتى الموت، امكثوا ههنا واسهروا معي. وابتعد عنهم قليلاً وارتمى على وجهه، وصلّى فقال: إن أمكن يا أبي فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا، بل كما أنت تريد. ثم جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياماً.. وابتعد ثانية، وصلّى فقال: يا أبي إذا كان لا يمكن أن تعبر عني هذه الكأس، إلا إن أشربها، فلتكن مشيئتك، ثم جاء فوجدهم أيضاً نياماً ... وعاد إلى الصلاة مرة ثالثة، فردد الكلام نفسه. ثم رجع إلى التلاميذ، وقال لهم: أنيام بعدُ ومستريحون؟! جاءت الساعة التي فيها يُسْلَم ابن الإنسان إلى أيدي الخاطئين} [متى 26/36 -40] .
ويصف لوقا المشهد، فيقول: { ... ووقع في ضيق، فأجهد نفسه في الصلاة، وكان عرقه مثل قطرات دم تتساقط على الأرض، وقام عن الصلاة، ورجع إلى التلاميذ فوجدهم نياما من الحزن، فقال لهم ما بالكم نائمين، قوموا وصلوا لئلا تقعوا في التجربة} [لوقا 22/44] .
ولأجل هذا الاستهزاء بدعوى المسيح، في زعمهم، ولأجل ما كان يظنه المسيح من أن الله معه ولن يخذله، كان منطقيا أن ينهي الكاتب الذي افترى هذا المشهد الدرامي، بلقطة بائسة تمثل حسرة المسيح، وخيبة ظنه في معية الله له، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، يقول الكاتب المفتري:
{وعند الظهر خيم على الأرض كلها ظلام حتى الساعة الثالثة , ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع بصوت عظيم: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟!!} [متى: 27/38-47] وأيضا:
[مرقس: 15/29-35] .
وإذ قد عرفنا قيمة تلك القصة في ميزان النقد، فإن ما بني عليها من عقيدة الفداء والتضحية تبع لها.
وانظر أيضا حول عقيدة الفداء عند النصارى: السؤال رقم [6]
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، لا رب سواه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/208)
ما حكم العيش مع والدة كافرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العيش مع والدة كافرة ونقل الزوجة لنفس البيت للعيش معها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من أن يعيش الولد مع والدته الكافرة، أو أن تعيش هي معه، وقد يكون هذا سبباً في هدايتها إذا أحسن الولد لها في المعاملة، وأحسن في عرض الإسلام عليها، والبعد عنها قد يكون سبباً في تأخير هدايتها.
والمسلم مأمورٌ بالإحسان إلى والديه وبرهما حتى لو كانوا كفَّاراً، ولا يحل للمسلم أن يعقهما أو يسيء إليهما في القول أو الفعل، على أن ذلك لا يعني أن يطيعها في المعصية أو يداهنها في الكفر الذي تعتنقه.
أ. قال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إليَّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} العنكبوت / 8.
ب. وقال تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} لقمان / 15.
ت. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: " نعم، صِلي أمك ".
رواه البخاري (2477) ومسلم (1003) .
ث. عن سعد بن أبي وقاص: أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال: حلفتْ أم سعد أن لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمتَ أن الله وصاك بوالديك، وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا، قال: مكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابنٌ لها يقال له " عمارة " فسقاها فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية {ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك على أن تشرك بي} وفيها: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً} ... .
رواه مسلم (1748) .
هـ. وهذه فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في حكم طاعة الوالدين في حلق اللحية:
السؤال: عن حكم طاعتك لوالدك في حلق اللحية.
فأجاب الشيخ رحمه الله:
بأنه لا يجوز لك طاعة والدك في حلق اللحية، بل يجب توفيرها وإعفاؤها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين "، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الطاعة في المعروف "، وإعفاء اللحية واجب وليس بسنَّة حسب الاصطلاح الفقهي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، والأصل في الأمر الوجوب، وليس هناك صارف عنه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 377 – 378) .
وانظر جواب السؤالين (5053) و (6401) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/209)
تسأل عن حقوق المرأة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقوق المرأة في الإسلام؟ وكيف تغيرت منذ العصر الذهبي للإسلام (من القرن الثامن إلى الثاني عشر) إن طرأ عليها تغييرات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لقد كرم الإسلام المرأة تكريما عظيما، كرمها باعتبارها (أُمّاً) يجب برها وطاعتها والإحسان إليها، وجعل رضاها من رضا الله تعالى، وأخبر أن الجنة عند قدميها، أي أن أقرب طريق إلى الجنة يكون عن طريقها، وحرم عقوقها وإغضابها ولو بمجرد التأفف، وجعل حقها أعظم من حق الوالد، وأكد العناية بها في حال كبرها وضعفها، وكل ذلك في نصوص عديدة من القرآن والسنة.
ومن ذلك: قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) الأحقاف/15، وقوله: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23، 24.
وروى ابن ماجه (2781) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال َ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ: قَالَ: وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: ارْجِعْ فَبَرَّهَا. ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْجَانِبِ الآخَرِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَ: وَيْحَكَ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا. ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَ: وَيْحَكَ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة. وهو عند النسائي (3104) بلفظ: (فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا) .
وروى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ.قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ) .
إلى غير ذلك من النصوص التي لا يتسع المقام لذكرها.
وقد جعل الإسلام من حق الأم على ولدها أن ينفق عليها إذا احتاجت إلى النفقة، ما دام قادرا مستطيعا، ولهذا لم يعرف عن أهل الإسلام طيلة قرون عديدة أن المرأة تُترك في دور العجزة، أو يخرجها ابنها من البيت، أو يمتنع أبناؤها من النفقة عليها، أو تحتاج مع وجودهم إلى العمل لتأكل وتشرب.
وكرم الإسلام المرأة زوجةً، فأوصى بها الأزواج خيرا، وأمر بالإحسان في عشرتها، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إلا أنه يزيد عليها درجة، لمسئوليته في الإنفاق والقيام على شئون الأسرة، وبين أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملا مع زوجته، وحرم أخذ مالها بغير رضاها، ومن ذلك قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19، وقوله: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/228.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وكرمها بنتا، فحث على تربيتها وتعليمها، وجعل لتربية البنات أجرا عظيماً، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ) رواه مسلم (2631) .
وروى ابن ماجه (3669) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وقوله: (من جِدَته) أي من غناه.
وكرم الإسلام المرأة أختا وعمة وخالة، فأمر بصلة الرحم، وحث على ذلك، وحرم قطيعتها في نصوص كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ) رواه ابن ماجه (3251) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وروى البخاري (5988) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: قال اللَّهُ تعالى – عن الرحم-: (مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ) .
وقد تجتمع هذه الأوجه في المرأة الواحدة، فتكون زوجة وبنتا وأما وأختا وعمة وخالة، فينالها التكريم من هذه الأوجه مجتمعة.
وبالجملة؛ فالإسلام رفع من شأن المرأة، وسوى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام، فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة، ومساوية له في جزاء الآخرة، ولها حق التعبير، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله، ولها حق التملك، تبيع وتشتري، وترث، وتتصدق وتهب، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها، ولها حق الحياة الكريمة، لا يُعتدى عليها، ولا تُظلم. ولها حق التعليم، بل يجب أن تتعلم ما تحتاجه في دينها.
ومن قارن بين حقوق المرأة في الإسلام وما كانت عليه في الجاهلية أو في الحضارات الأخرى علم حقيقة ما قلناه، بل نجزم بأن المرأة لم تكرم تكريما أعظم مما كرمت به في الإسلام.
ولا داعي لأن نذكر حال المرأة في مجمتع الإغريق أو الفرس أو اليهود، لكن حتى المجتمعات النصرانية كان لها موقف سيء مع المرأة، فقد اجتمع اللاهوتيون في "مجمع ماكون" ليبحثوا: هل المرأة جسد بحت أم جسد ذو روح؟! وغلب على آرائهم أنها خِلْو من الروح الناجية، ولا يستثنى من ذلك إلا مريم عليها السلام.
وعقد الفرنسيون مؤتمرا سنة 586م للبحث في شأن المرأة: هل لها روح أم لا؟ وإذا كانت لها روح هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وأخيرا قرروا أنها إنسان! ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب.
وأصدر البرلمان الإنجليزي قرارا في عصر هنري الثامن يحظر على المرأة أن تقرأ "العهد الجديد" لأنها تعتبر نجسة.
والقانون الإنجليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات.
وفي العصر الحديث أصبحت المرأة تطرد من المنزل بعد سن الثامنة عشرة لكي تبدأ في العمل لنيل لقمة العيش، وإذا ما رغبت في البقاء في المنزل فإنها تدفع لوالديها إيجار غرفتها وثمن طعامها وغسيل ملابسها!
ينظر: "عودة الحجاب" (2/47- 56) .
فكيف يقارن هذا بالإسلام الذي أمر ببرها والإحسان إليها وإكرامها، والإنفاق عليها؟!
ثانياً:
وأما تغير هذه الحقوق عبر العصور، فلا تغير فيها من حيث المبدأ والتأصيل النظري، وأما من حيث التطبيق فالذي لا شك فيه أن العصر الذهبي للإسلام كان المسلمون فيه أكثر تطبيقا لشريعة ربهم، ومن أحكام هذه الشريعة: بر الأم والإحسان إلى الزوجة والبنت والأخت والنساء بصفة عامة. وكلما ضعف التدين كلما حدث الخلل في أداء هذه الحقوق، لكن لا تزال طائفة إلى يوم القيامة تتمسك يدينها، وتطبق شريعة ربها، وهؤلاء هم أولى الناس بتكريم المرأة وإيصال حقوقها إليها.
ورغم ضعف التدين عند كثير من المسلمين اليوم إلا أن المرأة تبقى لها مكانتها ومنزلتها، أمّاً وبنتا وزوجة وأختا، مع التسليم بوجود التقصير أو الظلم أو التهاون في حقوق المرأة عند بعض الناس، وكل مسئول عن نفسه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/210)
هل يسمح لخالته النصرانية بالبقاء معه في السكن حتى يدعوها للإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل وأعيش حاليا في أمريكا، وأسأل ما إذا كان يحرم علي أن أسمح لخالتي غير المسلمة أن تعيش معي. المذكورة نصرانية وأنا أدعوها للإسلام لكن بعض كبار السن يكونون عنيدين. فما هو الدليل من الكتاب والسنة حول العيش هنا معهم؟ وإذا كان علماء الأمة تناولوا هذه المسألة، فما هو قولهم فيما نواجهه في أمريكا وبريطانيا تحديدا أو غيرهما من البلدان غير الإسلامية ونحن نشكل أقلية في أماكن إقامتنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز لك السماح لخالتك، بأن تبقى معك؛ لأجل دعوتها إلى الإسلام وترغيبها فيه بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن رؤيتها لكم، ومعاينتها لأخلاقكم وحسن تعاملكم، قد تكون سببا لانشراح صدرها، واطمئنان نفسها لهذا الدين العظيم، وكثيرا ما تكون الأخلاق والمعاملة أبلغ بكثير من الأقوال والمواعظ. فاجتهد في ذلك، فلأن يهديها الله على يديك خير لك من الدنيا وما فيها.
وينبغي أن تتحلى بالصبر والحلم، وأن تقابل السيئة بالحسنة، والخطأ بالعفو والصفح، كما قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/34
ومما يدل على جواز إبقاء الكافر بين المسلمين، ليرى أخلاقهم ويتعرف على دينهم، ما جاء في قصة ثُمامة بن أُثال، وربطه في المسجد ثلاثة أيام، بعد أن أسره المسلمون، ثم عفى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم. وقصته في صحيح البخاري (4372) ومسلم (1764) .
والخالة لها حق في صلة الرحم لقرابتها، ولو كانت كافرة، فقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ) رواه البخاري (2700)
وروى الترمذي (3975) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ قَالَ لا قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَبِرَّهَا) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأسماء: (صِلِي أُمَّكِ) رواه البخاري (2620) ومسلم (1003) ، وكانت أمها كافرة
ثانيا:
إقامة الإنسان في البلدان غير الإسلامية لا بد فيها من شرطين أساسين، بينهما أهل العلم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الأول: أمن المقيم على دينه، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ، وأن يكون مضمرا لعداوة الكافرين وبغضهم، مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم، فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان، قال الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة/22. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) المائدة/ 51، 52، وثبت في الصحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم: (الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) رواه البخاري (6168) ومسلم (2641)
ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرا على المسلم، لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم،.."
الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه، بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ " انتهى من "شرح الأصول الثلاثة" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ضمن مجموع الفتاوى له (6/132) .
ومن لم يتوفر فيه هذان الشرطان وجبت عليه الهجرة إلى ديار الإسلام، إن كان قادرا على ذلك، فإن عجز عن الهجرة، فهو معذور؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا * فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) النساء/97- 99، وانظر "المغني" لابن قدامة (8/457) .
وانظر للأهمية سؤال رقم (22309)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/211)
تريد أن تسلم هي وصديقها المتزوج فهل لهما أن يتزوجا بعد الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب صديقي حبا شديدا لكني وجدت أنه متزوج، ونحن نريد حقا أن نكون مع بعضنا، لكنه يحب أبناءه، وزوجته لا تريد الطلاق. لقد قررنا أن نغير ديننا – الكاثوليكية - ونسلم. فهل يمكننا ذلك؟ وإذا أسلم، فهل يمكنه أن يتزوجني حتى إن كان متزوجا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يمكنكما الدخول في الإسلام، وسيكون هذا أعظم قرار تتخذانه في هذه الحياة، لما يترتب عليه من السعادة الأبدية، إن شاء الله. ويسرنا أن نتلقّى منكما هذا الخبر السار في أقرب وقت.
وإذا أسلم صديقك فلا مانع من زواجه منك، ولو كان متزوجا بأخرى، إذا كان لديه القدرة المالية والبدنية، وكان يرى من نفسه أنه يستطيع العدل بينكما في المبيت والنفقة والسكنى، وكل ما يمكن فيه العدل، فإن خاف عدم العدل، اقتصر على واحدة؛ لقول الله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء/3.
وينظر السؤال (12523) ، (49044)
نسأل الله أن يوفقكما لما فيه الخير والهدى والفلاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/212)
هل تقطع علاقتها مع بعض الكافرات أم تستغلها في الدعوة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة لي مراسلات مع أوربيات وأمريكيات عن طريق الإنترنت نقوم بتبادل الهدايا وأمور الخياطة وذلك منذ سنتين. حاولت مناقشتهن في الإسلام لكن توقفت خوفا من عدم تمكني من الدعوة وبالتالي الوقوع في الخطأ. ماذا تنصحني هل أقطع علاقتي بهن نهائيا أم أستمر بقصد دعوتهن للإسلام رغم الصعوبات وكيف أبدأ؟ وهل تعتبر هذه العلاقة صداقة وما حكمها شرعا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للمسلم أو المسلمة اتخاذ صديق أو صديقة من غير المسلمين؛ لنهي الله تعالى عن مودة الكافرين وموالاتهم واتخاذهم بطانة، كما في قوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران/118.
ثانيا:
يجوز للمسلم مراسلة هؤلاء، وتقديم الهدايا لهم، بغرض دعوتهم للإسلام، وترغيبهم فيه، بشرط أن يكون متحصنا بالعلم والإيمان، متمكنا من الدعوة، مطلعا على شبهات القوم وأساليبهم. أما غير المتمكن فليس له أن يزج بنفسه في هذا المجال؛ لما قد يعترضه من الفتن، أو يأتيه من الشبهات التي لا يقدر على ردها، فيكون هذا سبب انحرافه وهلاكه، عياذا بالله من ذلك.
ثالثا:
إذا كانت مراسلة هؤلاء تقتصر على تبادل أمور الخياطة، والاستفادة منهم في ذلك من غير أن يصل الأمر إلى محبتهم ومودتهم وتهنئتهم بأعيادهم – مثلاً – فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود بيعاً وشراء.
بل لا حرج من تقديم بعض الهدايا لهم بشرط أن يكونوا غير محاربين للإسلام والمسلمين، فإن الله تعالى قال: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8.
قال السعدي رحمه الله (ص 1016) :
" أي لا ينهاكم الله عن البر والصلة والمكافأة بالمعروف والقسط للمشركين من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة لا محذور فيها " انتهى.
رابعاً:
وسائل الدعوة كثيرة ومتنوعة، منها:
1- الحوار المباشر، وينبغي أن يرتكز على بيان محاسن الإسلام، وحقيقة التوحيد، وأهمية الإيمان، وصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بيان بطلان ما سواه من الأديان الأخرى، وما أصابها من التحريف والتغيير والتبديل.
2- إهداء الكتب والنشرات التي تتحدث عن الإسلام وترغب في الدخول فيه.
3- دلالة الآخرين على المواقع المختصة بتوضيح الإسلام، والدعوة إليه، والإجابة على شبهات المخالفين، ومجادلتهم بالتي هي أحسن.
ولا بد أن يكون الداعي إلى الإسلام متحصنا بالعلم الشرعي والإيمان القوي الذي يقف في وجه الشبهات والشهوات، وإلا فليدع المجال لغيره، وليتق الله في نفسه ولا يوردها المهالك، وليحذر المسلم أن يتسرب إلى قلبه شيء من مودة الكافر ومحبته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/213)
عدم صحة العمل قبل التلفظ بالشهادتين
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنتين وأنا أقرأ القرآن، وقد انتهيتُ تقريباً من قراءته كاملاً، ومع قراءتي للقرآن فقد تعاظم اقتناعي بحقيقة القرآن، كما أني بدأت هذا العام - ولأول مرة - في الصيام مع صديقاتي.
وقد حدثَ أن بدأت الدورة الشهريَّة في صيام اليوم الثاني من أيام رمضان، وسألت صديقتين عن ذلك، فحصلتُ على إجابتين متناقضتين، فقد قالت الأولى بأن أستمر في الصيام، بينما قالت الأخرى أن أتوقف، ثم سألت صديقاً فنصحني بالتوقف عن الصيام.
وقد قرأتُ أمس مقالاً يتعلق برمضان، حيث ورَد فيه أنَّ الشخص إذا لم يقل الكلمة (ربما تقصد الشهادتين) ، فإنَّ صيامه لن يقبل، ولن أكرر قصَّتي مرة أخرى، لكني بعثتُ بالكلمة إلى صديق / صديقة على صورة رسالة قصيرة ترسل عبر الهاتف (SMS) وجميعُهم يعلمون أنِّي آمنتُ حقّاً.
وضعي لا يسمح لي (بإعلان الإسلام) والعيش كما يعيش المسلمون، وقد سألتُ الله أن يساعدني، وأنا أؤمن أنه يعلم حقيقة حالي.
فهل يجوز لي أن أكمل صيامي، أم أتوقف عن ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يشرح صدركِ للإسلام، وأن يساعدكِ على التمسك بشعائره الظاهرة والباطنة، ولا شك أن حرصكِ على قراءة القرآن، وحرصك على الصيام يدل على أنك تملكين رصيداً كبيراً من الخير، وحب العمل الصالح، نسأل الله أن يوفقك ويساعدك، لكن يجب أن تعلمي أن هذا الدين العظيم، إنَّما هو من عند الله الحكيم العليم، فما أمر الله به، وما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الدين، ولا يمكن أن نعرف الدِّين إلا مِن طريقِ الرسول صلى الله عليه وسلم فهو المبلِّغ عن الله تعالى.
وقد أخبرَنا الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر مِن حديثٍ أن الله لا يقبل شيئاً مِن الأعمال الصالحة إلا بعد أن يتلفظ صاحبُها بالشهادتين، بل كان يأمر أصحابَه ألا يأمروا أحداً بشيءٍ من شعائر الدين حتى يأتي بالشهادتين، ففي صحيح البخاري (7372) وصحيح مسلم (19) أن النَّبي عليه الصلاة والسلام لما أرسل معاذاً إلى اليمن ليدعوَ أهل الكتاب للإسلام قال له: " إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ َلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ ... الحديث " وفي رواية في صحيح مسلم أنه قال " فليكن أول ما تدعوهم إليه ... "
وبهذا يتبين لكِ - وفقكِ الله للخير - أن التلفظ بالشهادتين أول واجبٍ يفعله المسلم إذا أراد أن يُسلم، ولا يشترط أن تعلني ذلك لأهلك إن كنتِ غير مستطيعة وتخشين على نفسك ودينك، بل يكفي أن تقوليها بلسانك بينك وبين نفسك حتى إذا استطعت إعلانها وجب عليك ذلك.
وأما بالنسبة للصيام فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الحائض أن تمسك عن الصلاة والصيام في حال الحيض (العادة الشهرية) ، فإذا انتهت العادة وجب عليها أن تقضي صيام الأيام التي فاتتها، وأما الصلاة فلا يجب عليها قضاؤها، والدليل على ذلك ما يلي:
أنَّ امرأة سألت عائشة رضي الله عنهما الله عنها ما بال الحائض تقضي الصوم ولاتقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قالت لا: ولكني أسال. فقالت عائشة رضي الله عنها: كان يصيبنا ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " البخاري (321) ومسلم (335) ، فهذه المرأة استشكلت أنها إذا جاءتها الحيضة تترك الصوم والصلاة، لكن الله أمر المرأة أن تقضي الصوم ولاتقضي الصلاة؛ فأجابتها عائشة رضي الله عنهما بأن هذا هو أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ونحن يجب أن نستجيب لله ورسوله دون أن نعترض بعقولنا لأن عقولنا الضعيفة المخلوقة لايمكن أن تستوعب إلا شيئاً يسيراً من حِكمة الحكيم الخبير، وهو ما علَّمنا الله إياه منها.
وهذا الحُكم الذي ذكرناه قد اتفق عليه جميع علماء المسلمين، قال الإمام ابن عبد البر - رحمه الله - في كتابه " التمهيد " (16 / 67) : " الحائض لا تصلي، وهذا إجماع "، وقال - أيضاً - في (22 / 107) : ".. وهذا إجماع أن الحائض لا تصوم في أيام حيضتها، وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، لا خلاف في شيءٍ من ذلك ".
وأما ما يتعلق ببقية شرائع الدين، فالواجب عليكِ أن تأتي بما تستطيعين منها، وما تعجزين عنه بسبب خوفٍ متحققٍ على نفسك أو دينك: فإنه يسقط عنك، كما نص على ذلك العلماء؛ لأنك تكونين في حكم المكرهة، والله سبحانه قد خفَّف عن المكره على الكفر شريطة أن يكون قلبُه منشرحاً بالإيمان ومبغضاً للكفر قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} النحل / 106.
يراجع لذلك " الموسوعة الفقهية " (13 / 196) .
لكن يتوجب عليكِ أن تقومي بما تستطيعينه من شعائر الدين ثم تجتهدي في الوصول إلى مكانٍ تتمكنِّين فيه من إقامة شرائع الدِّين بقدر ما تستطيعين، وهذا الفعل يسميه علماء الإسلام (الهجرة) ، وهي واجبة على كل مسلمٍ ومسلمةٍ إذا كانا لا يتمكنان من إقامة شعائر الدين في بلدهما وكانا قادريْن على الهجرة، والدليل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرا.ًإِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} النساء / 97، 98، فدلَّ على أن الهجرة إنما تسقط عن المستضعفين فقط.
قال في " مغني المحتاج " (6 / 54) : " وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إظْهَارُ دِينِهِ أَوْ خَافَ فِتْنَةً فِيهِ (وَجَبَتْ) عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا (إنْ أَطَاقَهَا) لقوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآيَةَ , وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ " أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ " - حديث صحيح (الإرواء 5 / 30) -.
وقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَقَدْ وَجَبَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بِبَلَدِ الْكُفْرِ أَنْ يَهْجُرَهُ , وَيَلْحَقَ بِدَارِ الْمُسْلِمِينَ , وَلا يَسْكُنَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ , وَيُقِيمُ بَيْنَ أَظْهَرْهُمْ , وَذَلِكَ إذَا كَانَ لا يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ شَعَائِرِ دِينِهِ , أَوْ يُجْبَرُ عَلَى أَحْكَامِ الْكُفْر " أ. هـ. بواسطة " الموسوعة الفقهية " (4 / 264) .
ورغم ما في الهجرة من مفارقة للأهل والأوطان إلا أن الله يجعل في قلب صاحبها من السعادة ما يكون سبباُ لفرحه بها وحرصه عليها.
وبهذا يتبين لكِ أن ما تعجزين عنه فإن الله برحمته يعذرك فيه، وما تستطيعينه من شعائر الدين يتوجب عليك الإتيان به ولو تخفياً، ولو تحملتِ في سبيل ذلك بعض ما تستطيعين من مضايقات فإن الله يجزي من يصبر على الأذى في سبيله وفي سبيل دينه الأجر العظيم، وكتاب الله مليء بالقصص التي تدل على هذا المعنى، ومع أن تلفظك بالشهادتين له هذه الأهمية البالغة فإن الله ييسره غاية التيسير، فنوصيك أن تتلفظي بها ولو بينك وبين نفسك؛ لأن صحة إسلامكِ متوقفة على ذلك كما اتضح لكِ، حتى ييسر الله لكِ الفرصة لتعلنيها بإذن الله، والله يوفقك للخير،،،.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/214)
زوجته لا تريد الإسلام وتريد أن تنجب منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم منذ الولادة، ولم أكن أقوم بأي شيء من العبادات غير صوم رمضان حتى قبل 3 سنوات، تزوجت أمريكية غير مسلمة وهي غير متمسكة بدينها قبل 5 سنوات ولكنني أعرفها قبل زواجي بها بخمس سنوات، كنت أتمنى أن تهتدي وتسلم ولكن هذا لم يحصل، تحدثنا عن هذا الأمر ولكنها قالت بأن إسلامها لا يمكن أن يحصل.
هي امرأة طيبة وأهلها طيبون وقد ساعدتني كثيراً حين انتقلت للعيش في أمريكا، تريد أن تنجب أطفالا بسرعة وأنا كذلك أريد هذا ولكن كلما فكرت بأن أطفالي سينشئون على غير دين الإسلام، أشعر بالعذاب، مع أنها وافقت بأن ينشأ الأطفال مسلمين، وقالت بأنها ستعلمهم الإسلام ولن تشوش عليهم بتعليمهم ديناً آخر، هي لا تعرف الكثير عن الإسلام وقالت بأنها ستبدأ التعلم عن الإسلام إذا أصبحت حاملا، أنا خائف كثيراً ومهموم من هذا الأمر، حاولت أن أنهي هذا الزواج 3 مرات ولكن في كل مرة تبكي ويرق لها قلبي وأقرر أن أعطيها فرصة أخرى، الوقت يمضي بسرعة ولا أظن بأنني سأنجب أطفالا منها، ستغضب جداً إذا لم أنجب منها أطفالا وسنتفرق سواء الآن أو في المستقبل. أرجو أن تنصحني، ماذا أفعل؟ ما هي حقوقها علي إذا طلقتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نوصيك بالتمسك بالإسلام، والمحافظة على شعائره، من الصلاة والزكاة والصيام، وأن تكون قدوة لهذه الزوجة، لعل الله أن يهديها على يديك فتنال بذلك خيرا عظيما.
ثانياً:
قلقك بسبب الخوف من نشوء أطفالك على غير الإسلام ـ في حال إنجابهم من هذه المرأة ـ يعكس حرصاً جميلاً منك على دينك ودين ذريتك، ولا شك أن هذه الروح الطيبة منك أمر جميل فتحتاج لتحقيق هذا الاطمئنان إلى الإكثار من دعاء الله تعالى أن يحفظ عليك دينك ودين ذريتك، وعليك بالاستخارة الشرعية، وسؤال الله أن يشرح صدرك ويوفقك للأسلم لدينك في أمر بقائها معك وإنجابك منها، أو مفارقتها والزواج بمسلمة متمسكة بدينها تأمن معها ـ بإذن الله على ذريتك ونسلك، واعلم يقيناً أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، كما ثبت بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعليك أن تستفيد من شدة تعلّق زوجتك بك في أن توضِّح لها أنه إذا حصل تنازع عندك بين محبتها وبين سلامة دينك فإنك ستقدِّم سلامة دينك، لعل هذا يكون حافزاً لها للدخول في دين الله الحق (الإسلام)
علماً بأنه ليس لك أن ترغمها على الدخول في الإسلام من غير قناعة به إذ لا ينفعها الدخول في دين الله مكرهة مقسورة، كما ذكر ذلك ابن كثير (1/311)
وانظر آثار الزواج من الكتابيات سؤال برقم (20227)
ثالثاً: إن كانت ظروفك مهيأة لتربية أبنائك على الإسلام، وحمايتهم من الانحراف الديني والخلقي، مع الأمن من تأثير أمهم وعائلتها عليهم في ذلك، فلا حرج من السعي في إنجاب هؤلاء الأولاد من زوجتك هذه ولو ظلت على دينها، إذ الإنجاب حق للزوجة أيضاً، وقد يكون في ذلك إعانة لها على تعلم الإسلام والنظر فيه كما وعدَت.
رابعاً:
ينبغي أن تحرص على الهجرة إلى بلد إسلامي تتمكن فيه من تربية أبنائك تربية صحيحة، سواء بقيت مع هذه الزوجة أو تزوجت غيرها، إذ الإقامة في بلاد الكفار لا تجوز إلا عند الضرورة أو المصلحة والحاجة، كالإقامة للدعوة إلى الله تعالى، أو لدراسة علم يحتاجه المسلمون غير متوفر في بلادهم، مع التمكن من إظهار الدين وبيانه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين". رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وراجع في تفصيل هذه المسالة لسؤال رقم (13363)
خامساً:
في حال حصول الطلاق، فإن الزوجة تستحق ما لها من المهر المؤجل إن كان. وأما سكنها والنفقة عليها أثناء العدة، فيختلف باختلاف نوع الطلاق:
فمن طلق زوجته طلقة واحدة رجعة، فإن لها السكنى والنفقة أثناء العدة، كما أنها ترثه ويرثها في هذه المدة، لبقاء الزوجية. والدليل على أن للرجعية السكنى قوله تعالى:) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/1 فإن لم يراجعها حتى انتهت عدتها، فلا ترجع إليه إلا بعقد جيد.
ومن طلق زوجته طلاقا بائنا، فليس لها النفقة ولا السكنى زمن العدة، إلا أن تكون حاملا.
والبينونة نوعان: بينونة صغرى، وتكون بالطلاق قبل الدخول، وبالطلاق على عوض.
وبينونة كبرى: وتكون بتمام ثلاث طلقات.
والدليل على أن المطلقة طلاقا بائنا لا نفقة لها ولا سكنى: ما رواه مسلم (1480) عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَسَأَلْتُهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ قَالَتْ فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلا نَفَقَةً وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ".
وفي رواية لمسلم أيضا: قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ "لا نَفَقَةَ لَكِ وَلا سُكْنَى".
وفي رواية لأبي داود: " لا نَفَقَةَ لَكِ إِلا أَنْ تَكُونِي حَامِلا ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/215)
هل المسلم الذي لا ينفذ تعاليم الإسلام أسوأ من الملحد؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يكون المسلم "غير ممارس تعاليم الدين"؟
أطرح سؤالي هذا لأن لي صديقة تزوجت من مسلم "لا يمارس تعاليم الدين". ومع أنه يشرب الخمر والمشروبات الروحية، وتزوج بكافرة، لكنه لا يأكل لحم الخنزير. انطباعي هو أن النصراني "غير الممارس لدينه" يعتبر مرتدا أو أسوأ من الملحد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المسلم أن يتمسك بتعاليم دينه، فيفعل الواجبات، من الصلاة والصيام وبر الوالدين وصلة الأرحام، وصدق الحديث وغير ذلك مما أوجبه الله تعالى عليه.
وعليه أن يترك المحرمات، من الزنا والربا وشرب الخمر وعقوق الوالدين، والكذب، والخيانة، وأكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك من المحرمات.
هذا هو الواجب على كل مسلم، ومن امتثل لذلك كان قريبا محبوبا من الله تعالى، موعودا بدخول جنته، ونيل كرامته.
وأما من ترك الواجبات أو اقترف المحرمات، فهذا على قسمين:
الأول: أن تصل به معصيته إلى حد الكفر والشرك بالله، كالاستهزاء بالدين أو سب الله أو سب رسوله أو جحد شيء من أمور الدين المعلومة، أو استحلال شيء مما حرم الله، كأن يستحل الخمر أو الزنا أو أكل لحم الخنزير، فمن فعل ذلك كان مرتداً عن الإسلام، لكن إن كان ذلك عن جهل وغفلة فإنه يُعلّم وينصح ويذكّر، ليتوب إلى الله تعالى، فإن أصر على ذلك بعد تعليمه، كان مرتدا خارجا عن الإسلام.
الثاني: أن يرتكب بعض الذنوب التي لا تعد كفرا وشركا، كالزنا وشرب الخمر من غير استحلال لها، فهذا إن تاب تاب الله عليه وبدّل سيئاته حسنات، وإن استمر في عصيانه فإن الله تعالى توعده بعذاب أليم يوم القيامة، وبعقوبات في الدنيا، كالفقر والمرض والذل والهزيمة، مع إقامة الحد عليه، عند ارتكابه بعض الجرائم كشرب الخمر والزنى، إذا ثبتت عليه الجريمة، بشروط لا مجال لذكرها هنا.
والواجب على المسلمين تجاه أصحاب المعاصي هو نصحهم ودعوتهم للتوبة، وتذكيرهم بخطر المعصية وسوء عاقبتها، مع بغضهم وكراهيتهم لأجل معاصيهم.
فالمطيع والعاصي لا يستويان عند الله تعالى، ولا عند عباده المؤمنين، كما قال سبحانه: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ص/28.
ولكن لما كان العاصي يجمع بين الخير والشر، والطاعة والمعصية - ورأسُ الخير إيمانُه بالله تعالى - كان من عدل الشريعة ورحمتها أن لا تُهدر حسناته، ولا تضيع طاعاته، ولا يُسوى بينه وبين من كفر بالله وألحد وتمرد.
وأما زواج المسلم بالكافرة، فإنه محرم، إلا أن تكون الكافرة يهودية أو نصرانية، فإن الله أباح الزواج منها، لما في ذلك من احتمال هدايتها وإسلامها، واتفاقها مع المسلم في مبدأ الإيمان بالله وبالنبوة والرسالة واليوم الآخر، فزواجها من المسلم، يدعوها إلى البحث عن الحق، ويرغبها في ترك ما هي عليه من الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته.
وخلاصة الجواب:
أن المسلم الذي خرج عن دينه بالكلية مساوٍ للملحد، أو أسوأ منه.
أما المسلم الذي معه أصل التوحيد والإسلام، ولكنه يفعل كبائر الذنوب، وقبائح الأعمال فإنه خير بلا شك من الكافر الملحد ـ مع ما فيه من تقصير ونقص ـ وذلك لأن حسنة التوحيد هي أعظم الحسنات على الإطلاق، وقد أتى بها، وما يعمله من الذنوب والمعاصي فهو متوعد عليها بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة إن لم يتداركه الله تعالى برحمته ويعفو عنه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/216)
أسلمت وأهلها لا يدرون ويريدون تزويجها لغير مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت من سنتين أو ثلاث، والحمد لله، فقد تأثرت بأحد الشباب في الجامعة حيث كنا ندرس سويّاً، ثم بدأ كل واحد منا يعجب بالآخر، ونحن نرغب الآن في الزواج، وبما أن عائلتي كافرة فهي تعارض تماماً هذه العلاقة، وكذلك الحال مع والدَي الشاب.
والداي لا يعلمان بأمر إسلامي، فأنا أمارسه في السر، وأفيدكم أني راغبة في الزواج من المذكور وأن أعيش حياة إسلامية بعد ذلك، أنا لا أريد أن أتزوج شخصاً كافراً، ووالداي يريدان مني أن أرجع لبلدي لأتزوج من شخص يدين بدينهما، فهل من الضروري أن يوافق والدانا - أنا وهو - على الزواج؟ وهل يمكننا الزواج بدون علمهم، أو تأجيل استئذانهم؟ أخشى أن يموت والداي إن هما سمعا أني أسلمت أيضاً، فهما يكرهان المسلمين، وأنا لا أعرف كيف أقنعهما، هل يجب علي إقناعهما بزواجي، أم يجوز أن أخالف رغبتهما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قبل الإجابة يسرنا أن نهنئك على الدخول في الإسلام، وهو الدين الخاتم للأديان، وقد رضيه الله تعالى للخليقة كلها، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم ليكون للعالَمين بشيراً ونذيراً، وقد سبقكِ كثير ممن هدى الله تعالى قلوبهم لهذا الدين العظيم، وقد حُرمه كثيرون بسبب عنادهم ومكابرتهم، فيجب عليكِ أن تديمي الشكر لربكِ تعالى أن أخرجك من ظلمات الكفر والجهل إلى نور التوحيد والعلم، ويجب عليكِ أن تتعلمي أحكام الدين لتزدادي طمأنينة بحسن اختيارك وليثبت الله به قلبكِ.
ثانياً:
ولا يمنعنا إسلامكِ الجديد من أن نخبركِ بأن هذا الدين جاء بأحكامٍ عظيمة، يحفظ بها للمسلم دينه وعقله وماله وعِرضه ونسبه، لذا ففيه ما هو حرام ممنوع من أجل المحافظة على ذلك، وفيه ما هو ما واجب لأجل الأمر نفسه، ومما يتعلق بسؤالكِ هنا أمران:
فمن باب الحفاظ على العِرض والنسب حرَّم الإسلامُ الاختلاط بين الجنسين، وخلوة الرجل بالمرأة، ولمسها بيده، فضلاً عما هو أكبر من ذلك من فاحشة الزنا، لذا فإننا نرى أن المرأة جوهرة لا يصح أن تكون سلعة رخيصة – كما هو الحال في دول الكفر ومن تبعهم من سفهاء المسلمين – في الدعايات والصحف والمجلات، وإن لها دوراً عظيماً ينتظرها بصفتها زوجة وأمّاً.
والأمر الثاني: حفاظاً على دين المرأة فإن الله تعالى قد حرَّم زواج المسلمة بالكافر، وهو أمر ثابت بالقرآن والسنة والإجماع.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" والكافر لا تحل له المرأة المسلمة بالنص والإجماع قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّار لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) . . .
المسلمة لا تحل للكافر بالنص والإجماع - كما سبق - ولو كان الكافر أصليّاً غير مرتد، ولهذا لو تزوج كافرٌ مسلمةً: فالنكاح باطل، ويجب التفريق بينهما، فلو أسلم وأراد أن يتزوجها لم يكن له ذلك إلا بعقدٍ جديدٍ " انتهى باختصار.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / 138 - 140) .
ثالثاً:
ويشترط في عقد الزواج حتى يكون صحيحاً وجود وليٍّ للمرأة، ولا يجوز أن يكون الكافرُ وليّاً للمسلمة بلا خلافٍ بين العلماء.
قال ابن قدامة:
أما الكافر: فلا ولاية له على مسلمةٍ بحال , بإجماع أهل العلم , منهم: مالك , والشافعي , وأبو عبيد , وأصحاب الرأي، وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم.
" المغني " (7 / 21) .
وحتى في مثل حالكِ فإنه لا بدَّ من وليٍّ في الزواج، فإن لم يكن أحد أوليائك مسلماً: فيزوجكِ من يقوم مقام السلطان وهو القاضي الشرعي أو المفتي أو شيخ المركز الإسلامي، أو إمام المسجد.
ولا يجب عليك استئذان والدك في زواجك لأنه لا ولاية له عليك، وإذا تمَّ هذا الزواج فإنه يجوز أن يبقى خبره بعيداً عن والديك، ولا يجب عليكِ إخبارهما به.
رابعاً:
ولو كان الوليُّ مسلماً فإنه لا يجوز له إجبار ابنته على الزواج بمن لا ترغب، وقد جعلت الشريعة الإسلامية المطهرة رضاها أحد أركان العقد، ولا يكون العقد صحيحاً إذا كانت مكرهة عليه، وإن ثبت إكراهها على الزواج: فإن القاضي المسلم يخيرها بين إمضاء العقد أو فسخه.
كما لا يجوز للوالدين أو أحدهما أن يجبر ابنه على نكاح من لا يرغب، ولم يجعل الله تعالى رضا الوالدين أو أحدهما شرطاً من شروط صحة نكاح الابن، لكن ينبغي للابن أن يترفق بوالديه عندما يرفض الاستجابة لرغبتهما، وعليه أن يبذل وسعه لكسب رضاهما عنه وعن زواجه بمن يرغب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" لا يجوز أن يجبر الوالد ابنه على أن يتزوج امرأة لا يرضاها سواء كان لعيب فيها ديني أو خلقي، وما أكثر الذين ندموا حين أجبروا أولادهم أن يتزوجوا بنساء لا يريدونهن، يقول: تزوجها لأنها بنت أخي، أو لأنها من قبيلتك، وغير ذلك، فلا يلزم الابن أن يقبل، ولا يجوز لوالده أن يجبره عليها. وكذلك لو أراد أن يتزوج بامرأة صالحة، ولكن الأب منعه، فلا يلزم الابن طاعته، فإذا رضى الابن زوجة صالحة، وقال أبوه: لا تتزوج بها، فله أن يتزوج بها ولو منعه أبوه، لأن الابن لا يلزمه طاعة أبيه في شي لا ضرر علي أبيه فيه، وللولد فيه منفعة، ولو قلنا: إنه يلزم الابن أن يطيع والده في كل شي حتى في ما فيه منفعة للولد ولا مضرة فيه على الأب لحصل في هذا مفاسد، ولكن في مثل هذه الحال ينبغي للابن أن يكون لَبِقاً مع أبيه، وأن يداريه ما استطاع وأن يقنعه ما استطاع " انتهى.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 640، 641) .
خامساً:
عليك بذل ما تستطيعين من أجل إنقاذ والديكِ وإدخالهما في الإسلام، حتى تتم لكِ ولهما السعادة الدنيوية والأخروية، ويمكنك أن تسلكي طرقاً كثيرة متعددة لدعوتهم إلى الإسلام، ومنها: أن تراسليهم بالبريد الإلكتروني – مثلاً – دون أن يعلموا أن الرسائل منكِ، ويمكنك تزويد عنوانهم لبعض المختصين بالعلوم الشرعية والدعوة ليقوموا بالمهمة عنكِ، كما يمكنك الاستعانة بالمركز الإسلامي القريب منهم ليقوم بعض الدعاة بزيارتهم ودعوتهم، ويمكنك مراسلتهم بالبريد العادي وتزويدهم بأشرطة وكتيبات تعرِّف بدين الإسلام.
وأنتِ أعلم بحالهم من غيرك، وقد يكون إخبارهم بإسلامك فتح باب أمامهم للدخول في الإسلام، فإن كان هذا واقعاً فأخبريهم، وإن رأيتِ أن لا نفع من هذا، وأنه يؤثر فيهم سلباً أو قد يتسبب في التضييق عليك فلا تخبريهم، ويمكن تأجيل ذلك فترة حتى يفتح الله عليهم، واستعيني بالله تعالى وتضرعي إليه بالدعاء الصادق أن يهديهم.
نسأل الله تعالى لك الثبات على هذا الدين، ونسأله تعالى أن يهدي والديك للإسلام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/217)
تشرب الخمر أمامه ويخشى إن طلقها أن تأخذ الأولاد وهي كافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج من امرأة نصرانية ولي منها ولدان. حدث ذات مرة في شهر رمضان وأنا أتناول طعام الإفطار أن قامت بشرب الخمر أثناء تناولها الطعام، ولا أستطيع أن أمنعها من ذلك، لأني إن حاولت فربما تطلب الطلاق وتحصل على حق حضانة الولدين فيصبح بعد ذلك من الصعب أن أجعلهما يدينان بدين الإسلام. هل يحرم علي الجلوس معها ومع عائلتها وهم يشربون الخمر في رمضان مع أني لا أشرب الخمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج بالكتابية – يهودية أو نصرانية- وإن كان جائزا، إلا أنه محفوف بعدة مخاطر، أعظمها: الخطر على دين الأولاد والذرية، فإنها قد تسعى لإفساد دينهم، لا سيما إذا كانت تقيم في غير بلاد المسلمين.
وكيف تستطيع أن تقنع أولادك بأن شرب الخمر حرام , وهم يرون أمهم تشربها!
وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن المسلم إذا تزوج كتابية فله منعها من شرب الخمر , وأكل لحم الخنزير , وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة، وهو قول جماعة من الحنفية.
قال في "البحر الرائق" –حنفي- (3/111) ناقلا عن بعض الحنفية: " إن المسلم له أن يمنع زوجته الذمية من شرب الخمر كالمسلمة لو أكلت الثوم والبصل وكان زوجها يكره ذلك، له أن يمنعها. وهذا هو الحق كما لا يخفى " انتهى.
وقال في "مغني المحتاج" –شافعي- (4/314) : " الكتابية المنكوحة كمسلمة في نفقة وقسم وطلاقٍ، وتجبر على غسل حيض ونفاس وجنابة، وترك أكل خنزير في الأظهر، وتجبر هي ومسلمة على غسل ما نجس من أعضائها " انتهى.
وقال في "الإنصاف" –حنبلي- (8/352) : " تمنع الذمية من شربها مسكرا إلى أن تسكر. وليس له منعها من شربها منه ما لم يسكرها على الصحيح من المذهب. نص عليه [أي الإمام أحمد] . وعنه: تمنع منه مطلقا. وقال في "الترغيب": ومثله: أكل لحم خنزير " انتهى.
وذهب المالكية إلى أنه ليس له منعها من شرب الخمر وأكل الخنزير كما في "التاج والإكليل" (5/134) .
وإذا لم يكن بإمكانك منعها، لما ذكرت من أنها قد تطلب الطلاق وتأخذ الأولاد، فإنه ينبغي أن تبين لزوجتك أنه من حسن العشرة وطيب المعاملة بين الزوجين ألا تجهر أمامك بشرب الخمر، فإن أبت، فينبغي أن تعتزل مجلسهم حال مقارفتهم هذا المنكر العظيم. وهذا من إنكار المنكر، كما قال تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا) النساء/140.
فهذه قاعدة عامة فيمن عجز عن إنكار المنكر بيده أنه يلزمه مفارقة مكان المنكر، إن قدر على ذلك، وإلا كان شريكا لصاحبه في الإثم.
وينبغي أن تتحلى بالصبر، وتبذل كل سبيل ممكن لدعوة هذه الزوجة، وتحبيبها في الإسلام بأخلاقك وأعمالك. ونوصيك بالدعاء فإنه أعظم سلاح، فلعل الله أن يهديها وأهلها على يديك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/218)
نصراني يصلي ويصوم مع المسلمين على سبيل التجربة
[السُّؤَالُ]
ـ[دعوت أحد النصارى إلى الإسلام، فبدأ يصلي ويصوم على سبيل التجربة، فهل هناك ما أقوم به، أم أتركه يجرب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من تركه يجرب ذلك مع تذكيره بسهولة هذه العبادة وأثرها العظيم على النفس إذا فعلها صادقاً مع الله، وأنها لم تشرع إلا لِحِكَم بالغة لا لعَنَتِ الإنسان ومشقته، وها هو العلم الحديث يقف على بعض تلك الحِكَم.
ثم يُذكّر أيضاً بأن القضية ليست راجعة إلى التجربة والذوق، وأن الإنسان أمام قضية عظيمة تتعلق بالفوز بالجنة والنجاة من النار.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله الغنيمان.(8/219)
هل إعطاء الزكاة للمؤلفة قلوبهم رشوة
[السُّؤَالُ]
ـ[يتهم بعض الناس الإسلام في قضية المؤلف قلوبهم بأنه رشوة وإغراء بالمال للدخول في الإسلام. فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أن إعطاء المال لتأليف القلوب ليس رشوة؛ لأن الرشوة هي: المال الذي يدفعه الراشي لمن يعينه على إبطال حق أو إحقاق باطل، أما إعطاء المال من أجل تأليف قلوب الناس للإسلام فهو لإعانتهم على الحق وترغيبهم فيه، وهو الدخول في الإسلام فهو من قبيل الجهاد بالمال.
وقد جعل الله تعالى للمؤلفة قلوبهم سهمًا في الزكاة، قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) التوبة /60
وهذا السهم يأخذه الحاكم ويصانع به من يرى أنه قريب من الإسلام، وقد أعطى صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم أموالاً من غنائم غزوة حنين، وقد أدى ذلك إلى إسلام قبائل بأكملها لهذا الأمر، وهو أمر مستمر، ورافد من روافد الدعوة ينبغي إحياؤه؛ لأن الإنسان مجبول على حب من أحسن إليه:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 8/181، وابن الأثير، النهاية في غريب الحديث ص 359، والبوطي، فقه السيرة ص 430
والموقف الصحيح للمسلم أنه إذا رأى نصًا ظاهرًا وصريحًا وصحيحًا في مسألة معينة، سواء أكان ذلك يتماشى مع ثقافة العصر - الثقافة الغربية - أو لا يتماشى معها، قال به دون وجل أو خوف سواء علم الحكمة من هذا التشريع أم لم يعلمها.
وصلى الله وسلم على نبيه الكريم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/220)
هل يناصح أصحاب المواقع الجنسية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أقوم بمشيئة الله عز وجل بالدعوة إلى الله وذلك لأصحاب المواقع الجنسية الكفار فما هي نصائحكم لنا.... ويوجد لدي مفكرة المسلم التي تحوي تفسير القرآن الكريم للغة الإنجليزية فما توجيهاتك يا فضيلة الشيخ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننصحك بمقاطعة هذه المواقع الجنسية، وعدم النظر فيها مطلقا، وانشغل بالدعوة إلى الله تعالى في بيئتك ومجتمعك، فهذا خير لك.
وقد يثق الإنسان بدينه، ويتصل بأصحاب هذه المواقع، فيستدرجه الشيطان إلى الوقوع في الحرام، لاسيما مع كثرة هذه المواقع، وخبث القائمين عليها، فقد يستدرجون هذا الناصح، ويغرقون بريده بخبائثهم.
فاتق الله تعالى، وتجنب مواطن الهلكة، وفر بدينك من الفتن. وانشغل بما ينفعك من العلم النافع والعمل الصالح، واعلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/221)
أسلمت فقاطعتها أمها الكافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي غير مسلمة قطعت علاقتها معي منذ 13 سنة إن كتبت لها لا ترد وإن اتصلت بها قد تقطع الهاتف وغيرت عنوانها وأنا أعرفه فإذا ذهبت غيرته وإذا تكلم أحد بخير عني قالت إنه متحيز وتسبه. أعرف أنها مريضة عقلياً ودخلت المستشفى من قبل وحين تبقى في المنزل تفضل أن تبقى بمفردها ولقد قالت إنها تعارض الإسلام ومن هنا عرفت سبب ضيقها وهو أني أسلمت. ماذا أفعل؟ انصحوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المؤمن الصّادق يعلم أن من سنّة الله في عباده المؤمنين أن يبتليهم بأنواع الابتلاءات ليظهر صبرهم وفضلهم ولترتفع منزلتهم ويزدادوا أجرا على ثباتهم وليظهر صدقهم في اتّباع الحقّ، قال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) سورة محمد
ومن أنواع الابتلاءات ما يسمعه الإنسان من ألوان الأذى من المشركين ليردّوه عن دينه ويُمارسوا عليه ضغطا نفسيا لإغاظته ولعله يعود إلى الكفر وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذا الأمر في كتابه ونبّه على كيفية المواجهة لهذا الأذى فقال: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) سورة آل عمران
وإذا كان الظّلم شديد التأثير والإيذاء مؤلم الوقّع على النّفس فكيف إذا كان من أقرب النّاس إلى الإنسان ممن بينه وبينهم وشيجة اللحم والدم؟ فكيف إذا كانت المؤذية أمّه التي ولدته؟
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النّفس من وقع الحُسام المهنّد
ولكن المؤمن ولو تعرّض لأشدّ الإيذاء من أقرب الأقرباء فإنّه لا يلين ولا يتراجع وإنّما يتبع القرآن في معاملة الأمّ المؤذية أو المقاطعة المُعْرضة كما تدلّ عليه القصّة التالية:
عن مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ بن أبي وقاص عَنْ أَبِيهِ.. قَالَ حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ وَلا تَأْكُلَ وَلا تَشْرَبَ قَالَتْ زَعَمْتَ أَنَّ اللَّهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ وَأَنَا أُمُّكَ وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا قَالَ مَكَثَتْ ثَلاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنْ الْجَهْدِ فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ فَسَقَاهَا فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الآيَةَ: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي - وَفِيهَا - وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) . رواه مسلم 4432
وقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم تكذيبا من أقرب أقربائه ومنهم عمّه أبو لهب فلم يكن ليصدّه ذلك عن الدعوة وتبليغ الدّين بالرغم من شدة الموقف: عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبَّادٍ الدِّيلِيِّ وَكَانَ جَاهِلِيًّا أَسْلَمَ فَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَ عَيْنِي بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا وَيَدْخُلُ فِي فِجَاجِهَا وَالنَّاسُ مُتَقَصِّفُونَ (أي مجتمعون) عَلَيْهِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَقُولُ شَيْئًا وَهُوَ لا يَسْكُتُ يَقُولُ أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا إِلا أَنَّ وَرَاءه رَجُلا أَحْوَلَ وَضِيءَ الْوَجْهِ ذَا غَدِيرَتَيْنِ (ضفيرتين) يَقُولُ إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَذْكُرُ النُّبُوَّةَ قُلْتُ مَنْ هَذَا الَّذِي يُكَذِّبُهُ قَالُوا عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ رواه الإمام أحمد 15448
فعليك أيتها الأخت المسلمة بالثّبات على دينك وبرّ والدتك كما أمر الله فإن أعرضت عنك ورفضت برّك فليس عليك من الإثم شيء بل أنت على الهدى وإن ساءك الأمر واصبري على ما أنت عليه فإنّك على الحقّ، والله الموفّق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/222)
قصص لنساء أسلمن وفارقن أزواجهن الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن المرأة المسلمة لا يجوز لها أن تتزوج رجلاً غير مسلم وهناك أخت على قائمة التحول إلى الإسلام وأسلمت وتسأل ماذا تفعل بخصوص زوجها غير المسلم الذي قبل أن تكون مسلمة بدون مشاكل وسمح لها أن تعلم أبنائها بالطريقة الإسلامية وعندما سألتنا قلنا لها أنه يجب أن يشهد الزوج شهادة الإسلام أو أنها تنفصل عنه ولكن للأسف لا يؤمن بعض الناس بذلك أرجوا أن ترسل لي حالات واقعية من عصر الرسول عليه السلام فيها مسلمات تركن أزواجهن المشركين وأعتقد أن ذلك الوسيلة الوحيدة لإقناع أولئك بهذا الأمر وهو أنه لا يحل لمسلمة أن تبقى في عصمة رجل غير مسلم حتى لو لم يعارض إسلامها.]ـ
[الْجَوَابُ]
1. ما قيل في السؤال من تحريم نكاح المسلمة للكافر صحيح لا غبار عليه.
أ. قال الله تعالى {ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} (البقرة / 221) .
قال القرطبي:
قوله تعالى {ولا تنكحوا} أي: لا تُزوجوا المسلمة من المشرك، وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة أبدا لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام. " تفسير القرطبي " (3 / 72) .
ب. وقال تعالى {لا هنَّ حلٌّ لهم ولا هم يحلون لهن} (الممتحنة / 10) .
قال البخاري رحمه الله:
باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي وقال عبد الوارث عن خالد عن عكرمة عن بن عباس إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه … وقال مجاهد إذا أسلم في العدة يتزوجها وقال الله تعالى {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} وقال الحسن وقتادة في مجوسيين أسلما هما على نكاحهما وإذا سبق أحدهما صاحبه وأبى الآخر بانت، لا سبيل له عليها.. " صحيح البخاري " وانظر: " الفتح " (9 / 421)
2. أما الأمثلة، فمنها:
1. ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زينب، وقد كانت متزوجة من أبي العاص بن الربيع في الجاهلية، فلما أسلمت: فسخ النكاح بينهما، ولحقت بأبيها صلى الله عليه وسلم، فلما أسلم (زوجها) : ردَّها النبي صلى الله عليه وسلم إليه.
رواه الترمذي (1143) وأبو داود (2240) وابن ماجه (2009) .
وصححه الإمام أحمد (1879) ، وقال الترمذي: ليس بإسناده بأس.
والصحيح: أنه يرجع إليها الزوج من غير حاجة إلى عقد جديد.
فإن كانت لا تزال في العدة فهو أحق بها، وإن انتهت عدتها: فهي حرّةُ نفسها في الرجوع إليه أو عدم الرجوع.
قال الترمذي:
والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم زوجها وهي في العدة أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة وهو قول مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحق. " سنن الترمذي " (حديث 1142) .
وقال ابن عبد البر:
لم يختلف العلماء أن الكافرة إذا أسلمت ثم انقضت عدتها أنه لا سبيل لزوجها إليها إذا كان لم يسلم في عدتها. " التمهيد " (12 / 23) .
وقال ابن القيم:
ولكن الذي دل عليه حكمه صلى الله عليه وآله وسلم أن النكاح موقوف فإن أسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته، وإن انقضت عدتها: فلها أن تنكح من شاءت، وإن أحبت انتظرته فإن أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح. " زاد المعاد " (5 / 137، 138) .
2. قال القرطبي:
وكانت عند طلحة بن عبيد الله: أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ففرق الإسلام بينهما ثم تزوجها في الإسلام خالد بن سعيد بن العاص وكانت ممن فر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من نساء الكفار فحبسها وزوّجها خالداً. " تفسير القرطبي " (18 / 65، 66) .
3. عن أنس قال: تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت: إني قد أسلمت فإن أسلمت نكحتك فأسلم فكان صداق ما بينهما ".
رواه النسائي (3340) .
4. وكذا أسلمت ابنة الوليد بن المغيرة امرأة " صفوان بن أمية " قبله، وفسخ نكاحه، ثم أسلم بعدها ورجع إليها. رواه مالك في " الموطأ " (1132) .
قال ابن عبد البر:
هذا الحديث لا أعلمه يتصل من وجه صحيح وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير وابن شهاب إمام أهل السير وعالمهم وكذلك الشعبي وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده إن شاء الله.
" التمهيد " (12 / 19) .
5. وأم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة " عكرمة بن أبي جهل "، وفسخ نكاحها، ثم أسلم في العدة، فرجعت إلى زوجهما. رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (4 / 107) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/223)
هل يجوز إجابة دعوة غير المسلم إلى الطعام للتقرب منه
[السُّؤَالُ]
ـ[الدعوة إلى الإسلام تستلزم إقامة علاقات شخصية مع الكفار؛ أولاً لإزالة الغربة والتمهيد للدعوة، فهل إذا دعاني أحدهم إلى طعام أو شراب ليس من المحرمات، مثل الجبن والسمك والشاي، يجوز لي تناوله؟ إذا كان هناك احتمال استخدام الأوعية قبل ذلك في تناول الخنزير والخمر رغم غسلها بالماء والصابون؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العلاقات بين الناس أنواع، فإذا كانت علاقة ود ومحبة وإخاء من مسلم لكافر فهي محرمة، وقد تكون كفراً، قال الله تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) . وما في معناها من الآيات والأحاديث.
وإن كانت علاقة بيع أو شراء أو إجابة دعوة إلى طعام حلال أو قبول هدية مباحة مثلاً، دون أن يكون في ذلك تأثير على المسلم؛ فهي مباحة، وتناول ما قُدِّمَ من الكافر إلى المسلم من الأطعمة والأشربة الحلال جائز، ولو قدمت في إناء سبق أن استعمل في شراب خمر أو تناول لحم خنزير أو نحو ذلك؛ إذا كان قد غسل بعد استعماله في محرمات أو نجاسات حتى زال ذلك منه تماماً، وإذا كان في ذلك إعانة على إبلاغ الدعوة إلى الإسلام كان ذلك أدعى إلى الإجابة والاتصال، وأرجى للأجر والثواب.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 254.(8/224)
هل يجوز إعطاء النصارى كتباً تشمل على آيات من القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أضع بين يدي النصارى كتباً تشمل عل آيات كريمة تثبت وحدانية الله تعالى مكتوبة باللغة العربية، ومترجمة معانيها إلى الإنجليزية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز أن تضع بين أيديهم كتباً تشمل على آيات من القرآن للاستدلال بها على الأحكام: التوحيد وغيره، سواء كانت باللغة العربية أو مترجماً معناها، بل تُشكر على ذلك؛ لأن وضعها أمامهم أو إعارتهم لهم ليطلعوا عليها نوع من أنواع البلاغ والدعوة إلى الله، وفاعله مأجور إذا أخلص في ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12/ 251.(8/225)
هل وجود النصارى بين المسلمين كافٍ في بلوغ الدعوة إليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرتم في إجابة سابقة أن من وصلته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى، وعلموا بها إلا أنهم لم يتبعوه: بأنهم كفار، ويعاملون معاملة الكفار في أحكام الدنيا والآخرة، كما يعلم سماحتكم أن في بلدنا هذا كثيراً من المسيحيين وأصحاب الديانات الأخرى، فهل وجودهم في هذا البلد المسلم كافي لوصول الرسالة إليهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
وجودهم بين المسلمين يُوجِبِ أن يُعتَبَروا في حكم من بلغتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وتجري عليهم أحكام ذلك؛ لأن الله سبحانه قال: (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصرني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار " رواه مسلم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 252.(8/226)
حكم الدعوة إلى تقارب الأديان
[السُّؤَالُ]
ـ[إننا في أمريكا نحاول بذل ما نستطيعه للدعوة إلى الله على منهج السلف الصالح، وفي الآونة الأخيرة طرأ أمر خطير هام، وهو انتشار لجنة التقارب بين الديانات السماوية الثلاثة: (الإسلام، والمسيحية، واليهودية) يرسل مبعوث من كل فئة من هذه الأديان؛ لمحاولة إغلاق الفجوة بين هذه الأديان الثلاثة والتقارب بينها، ويجتمعون في الكنائس والمعابد اليهودية، بل ويصلّون صلاة مشتركة، كما فعلوا حين حصلت مجزرة الخليل في فلسطين، ويحضر الاجتماع عدد لا يستهان به من أصحاب الأديان الثلاثة.
والسؤال هو: إنه يُمَثِّل المسلمين علماء - أو من هم محسوبون على أهل العلم -، وقد حدث بيننا مشادة في حكم الاجتماع في مثل هذه الاجتماعات، حتى إن علماء المسلمين يصافحون ويعانقون القساوسة والرهبان، وليس هناك مجال للدعوة في مثل هذه الاجتماعات، بل هي على اسم اللجنة لتقارب الأديان الثلاثة، فهل يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجتمع في مثل هذه الاجتماعات، ويدخل الكنائس والمعابد اليهودية، بل يسلم ويعانق قسيساً أو راهباً؟ وللعلم: فقد انتشر هذه الأمر على مستوى أمريكا، فنرجو أن ترسلوا لنا الحل؛ لأننا رضينا بك حكماً بيننا لإخماد الفتنة على مستوى أمريكا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بعد دراسة اللجنة للاستفتاء، أجابت بما يلي:
أولاً: أصول الإيمان التي أتزل الله بها كتبه على رسله - التوراة والإنجيل والقرآن، والتي دعت إليها رسله عليهم الصلاة والسلام: إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء والمرسلين - كلها واحدة، بشَّر سابقهم بلاحقهم، وصدَّق لا حقهم بسابقهم، وأيده ونوه بشأنه، وإن اختلفت الفروع في الجملة حسب مقتضيات الأحوال والأزمان ومصلحة العباد، حكمة من الله وعدلاً ورحمة منه سبحانه وفضلاً، قال الله تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) وقال تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيماً) ، وقال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون * أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه ترجعون * قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهم في الآخرة من الخاسرين) وقال تعالى بعد ذكره دعوة خليله إبراهيم إلى التوحيد، وذكر من معه من المرسلين: (أولئك الذين آتيناهم الكتب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين * أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين) ، وقال تعالى: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) ، وقال: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) ، وقال: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) ، وقال تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عمّا جاءك من الحق لكلٍ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) الآيات.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد " رواه البخاري.
ثانياً: حرّف اليهود والنصارى الكلم عن مواضعه، وبدلوا قولاً غير الذي قيل لهم، فغيروا بذلك أصول دينهم، وشرائع ربهم، من ذلك قول اليهود: (عزير ابن الله) وزعمهم أن الله مسه لغوب، وأصابه تعب من خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، فاستراح يوم السبت، وزعمهم أنهم صلبوا عيسى عليه السلام وقتلوه، ومن ذلك أنهم أحلوا الصيد يوم السبت بحيلة، وقد حرمه الله عليهم، وأنهم ألغوا حد الزنا، ومن ذلك قولهم: (إن الله فقير ونحن أغنياء) ، وقولهم: (يد الله مغلولة) ، إلى غير ذلك من التحريف والتبديل القولي والعملي عن علم؛ اتباعاً للهوى، ومن ذلك زعم النصارى أن المسيح عيسى عليه السلام ابن الله، وأنه إله مع الله، وتصديقهم لليهود في زعمهم أنهم صلبوا عيسى عليه السلام وقتلوه، وزعم كل من الفريقين أنهم أبناء الله وأحباؤه، وكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به، وحقدهم عليه وحسدهم إياه من عند أنفسهم، وقد أخذ الله عليهم العهد والميثاق أن يؤمنوا به ويصدقوه وينصروه وأقروا على أنفسهم بذلك. إلى غير ذلك من فضائح الفريقين وتناقضهم، وقد حكى الله الكثير من كذبهم وافترائهم وتحريفهم وتبديلهم ما أنزل إليهم من العقائد والشرائع، وفضحهم الله، ورد عليهم في محكم كتابه، قال الله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون * وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون) الآيات، وقال تعالى: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيُّهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) الآيات، وقال تعالى: (وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين * قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) الآيات، وقال تعالى: (وإن فريقاً منهم ليلوون ألسنتهم بالكتب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) الآيات، وقال تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً * وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً * وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً) الآيات، وقال تعالى: (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلِمَ يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق) الآيات، وقال تعالى: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون * اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم) الآيات، وقال تعالى: (ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) إلى غير ذلك مما لا ينقضي منه العجب من افترائهم وتناقضهم ومخازيهم وفضائحهم والقصد ذكر نماذج من أحوالهم ليبنى عليها الجواب فيما يأتي.
ثالثاً: مما تقدم يتبين أن أصل الديانات التي شرعها الله لعباده واحد لا يحتاج إلى تقريب، كما يتبين أن اليهود والنصارى قد حرفوا وبدلوا ما أنزل إليهم من ربهم، حتى صارت دياناتهم زوراً وبهتاناً وكفراً وضلالاً، ومن أجل ذلك أرسل إليهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ولغيرهم من الأمم عامة؛ ليبين ما كانوا يخفون من الحق ويكشف لهم عما كتموه، ويصحح لهم ما أفسدوا من العقائد والأحكام ويهديهم وغيرهم إلى سواء السبيل، قال الله تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه دار السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراطٍ مستقيم) ، وقال: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير) ، لكنهم صدّوا عن الحق وأعرضوا عنه بغياً وعدواناً وحسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق، فال الله تعالى: (ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) وقال: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) الآيات، وقال: (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) الآيات، وقال: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة * رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة) الآيات.
فكيف يرجو عاقل يعرف إصرارهم على الباطل وتماديهم في غيهم عن بينة - وعلم حسداً من عند أنفسهم واتباعاً للهوى - التقارب بينهم وبين المسلمين الصادقين، قال الله تعالى: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) الآيات، وقال: (إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ولا تُسأل عن أصحاب الجحيم * ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير) ، وقال سبحانه: (كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين) الآيات.
بل هم إن لم يكونوا أشد من إخوانهم المشركين كفراً وعداوة لله ورسوله والمؤمنين فهم مثلهم، وقد قال الله تعالى: (فلا تطع المكذبين * ودوا لو تُدهِن فيُدهنِون) الآيات، وقال له: (قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين) .
إن من يُحَدَّث نفسه بالجمع أو التقريب بين الإسلام واليهودية والنصرانية كمن يجهد نفسه في الجمع بين النقيضين بين الحق والباطل، والكفر والإيمان، وما مثله إلا كما قيل:
أيها المنكح الثريا سهيلاً ... * عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت ... * وسهيل إذا استقل يمان
ثم إن دين اليهود والنصارى قد نسخه الله ببعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأوجب الله على جميع أهل الأرض اتباعه من يهود ونصارى وغيرهم، قال تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذين يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون * قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) ، فإذا بقوا على دينهم وهم منسوخ فهو تمسك بالباطل وبغير دين؛ فلا يجوز للمسلمين أن يتقاربوا معهم؛ لأن في التقارب معهم إقرار لهم على الباطل من ناحية، وتغريراً بالجهال من ناحية أخرى، والواجب فضح باطلهم كما فضحهم الله في القرآن. والله أعلم.
رابعاً: لو قال قائل: هل تمكن الهدنة بين هؤلاء أو يكون بينهم عقد صلح؛ حقناً للدماء واتقاءً لويلات الحروب، وتمكيناً للناس من الضرب في الأرض، والكد في الحياة لكسب الرزق، وعمارة الدنيا والدعوة إلى الحق وهداية الخلق؛ إقامة العدل بين العالمين - لو قيل ذلك لكان قولاً متجهاً وكان السعي في تحقيقه سعياً ناجحاً، والقصد إليه قصداً نبيلاً؛ لإمكانه، وعظيم أثره. لكن يكون ذلك عند عدم إمكان أخذ الجزية؛ لقول الله عز وجل في سورة التوبة: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ، مع المحافظة على إحقاق الحق ونصره فلا يكون ذلك على سبيل مداهنة المسلمين للمشركين، وتنازلهم عن شيء من حكم الله، أو شيء من كرامتهم وهوانهم على أنفسهم، بل مع الإبقاء على عزتهم والاعتصام بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، والبغض لأعداء الله وعدم موالاتهم؛ عملاً بهدي القرآن، واقتداءً بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) الآيات، وقال تعالى: (فلا تَهِنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) .
وقد فسّر ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك عملياً، وحققه مع قريش عام الحديبية، ومع اليهود في المدينة قبل الخندق، وفي غزوة خيبر، ومع نصارى الروم في غزوة تبوك؛ فكان لذلك الأثر العظيم والنتائج الباهرة من الأمن وسلامة النفوس، ونصرة الحق، والتمكين له في الأرض، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، واتجاه الجميع للعمل في الحياة لدينهم ودنياهم، فكان الرخاء والازدهار وقوة السلطان وانتشار الإسلام والسلام، وفي التاريخ وواقع الحياة أقوى دليل وأصدق شهيد على ذلك لمن أنصف من نفسه أو ألقى سمعه واعتدل مزاجه وتفكيره وبرئ من العصبية والمراء، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، والله الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة 12 / 284 - 297.(8/227)
نصراني مهتم بالإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لست أدري إن كان يمكنكم مساعدتي، فأنا أدرس حاليا الإسلام في المدرسة، وأصبحت مهتما بهذا الدين، ولست أدري إن كان بإمكانكم أن تكتبوا لي بالبريد الإلكتروني تبينون لي آراءكم بهذا الدين، وتشرحون لي الأسباب التي ترونها والتي تحتم علي الدخول في الإسلام، ولا أشك أن عندكم من الأسئلة الشيء الكثير والتي تأتيكم من المسلمين، لكنني سأكون في غاية الإمتنان لو تسنى لكم لحظة واحدة تكتبون لي فيها بالبريد الإلكتروني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شكرا لك على رسالتك اللطيفة وطلبك مقبول ونُجيب عليه بكلّ سرور، وقد سرّنا بالذات انجذابك لدين الإسلام واهتمامك به، وبالنسبة لك لو عقدت مقارنة بين الإسلام وغيره لتبيّن لك تفوّق هذا الدّين على سائر الأديان في شموليته وإحكامه ومعالجاته وصحّة ما جاء به من الأخبار وعدْل ما جاء فيه من الأحكام (نرجو مراجعة الأسئلة219و3143) وهذا التفوّق كاف لوحده في اعتناق هذا الدّين فكيف إذا كان هذا الدين ناسخا لجميع الأديان ولا يقبل الله من عباده غيره كما ذكر عزّ وجلّ ذلك بقوله في آخر كتاب أنزله على البشر: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِين (85) سورة آل عمران.
وللمزيد حول هذا الموضوع نرجو مراجعة الأسئلة: (4548و4524و6389و2585و4319) ومرحبا بك في كلّ وقت سائلاً ومستفيداً ورائداً من روّاد هذا الموقع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/228)
لو أعلن إسلامه لا يُعطى وظيفة فهل يخفي الأمر
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد اعتنقت الإسلام منذ حوالي نصف سنة مضت وأنا سعيد جداً بكل التغييرات التي حدثت في حياتي بعد إسلامي. لكني لم أسجل رسمياً كمسلم بعد. ولأني أريد أن أصبح معلماً في المستقبل، فإن هناك مشكلة كبيرة تواجهني: ألمانيا لا ترحب بالأساتذة المسلمين ولهذا فمن غير المحتمل أن أحصل على وظيفة في المستقبل. وسؤالي هو: هل يجوز أن أبقي أمر إسلامي خافيا إلى أن أحصل على وظيفة؟ هل يمكنني أن أعبد الله بشكل سري دون أن أخبر أي سلطة حكومية بأني أسلمت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضت هذا السؤال على شيخنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله
بأنه لا يلزم أن يخبرهم بإسلامه ولا بأس أن يسرّ بدينه إذا خاف على نفسه. انتهى. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(8/229)
تفكر في الإسلام وتسأل كيف تصلي أثناء الدوام المدرسي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في سن المراهقة، وعندي رغبة شديدة بدين الإسلام، وأفكر في الدخول فيه، لكن لست أدري كيف يمكن لي أداء الصلوات في المدرسة. أرجو مساعدتكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
نشكرك كثيرا على توجيه هذا السؤال، ونشجعك على المبادرة إلى الدخول في الإسلام الذي لا يقبل الله غيره، وأبشري بمستقبل جيد وحياة طيبة إذا دخلت في هذا الدين.
أما عن سؤالك فنريد أن نجيب عليه بسؤال آخر، ومقصودنا فيه جد وليس هزل ولا سخرية:
لو أن الطالب أثناء الحصة الدراسية حضره قضاء الحاجة بحيث اضطر أن يذهب لدورة المياه فماذا سيفعل؟
فالجواب المتوقع هو: سيستأذن من المدرس ويخرج.
وأداء الصلاة في وقتها أهم من قضاء الحاجة، ونوصي ونذكر في هذه الحالة بأمور:
أولا: إن أوقات الصلوات في الإسلام متسعة ولله الحمد، فمثلا وقت صلاة الظهر (وهو الوقت الذي يدخل على الطلاب أثناء الدوام المدرسي عادة) لا ينتهي إلا بدخول وقت صلاة العصر أي أن لديك من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله كي تصلي فيه وهذا الوقت ساعات وليس دقائق وبالتالي فلا يخلو من وجود فرصة للصلاة.
ثانيا: عادة ما يكون هناك فراغات بين الحصص ولو خمس دقائق يمكن اغتنامها، وكذلك أوقات راحه أو فرصة للإفطار بين الحصص يمكن أداء الصلاة فيها، فإن لم يحدث فبعد الخروج من المدرسة وقبل انتهاء وقت الصلاة، فإن لم يحدث استأذني من المدرِّسَة قيبل نهاية الحصة مثلا واخرجي لأداء الصلاة، وقد يوجد في بعض البلدان قوانين تمكن معتنقي الأديان من أداء شعائرهم نظاميا وقانونيا في فترة معينة أثناء العمل والدراسة، فيمكن الاستفادة منها إذا وجدت.
وعلى كل حال فإن من يتق الله يجعل له مخرجا وييسر له أمره، وإذا علم الله من العبد المسلم حرصه على أداء فرائضه أعانه وأفاده.
وختاما فإننا نشكرك مرة أخرى على السؤال، ونسأل الله أن يهديك إلى طريق الحق عاجلا غير آجل، ويرزقك الصحة والعافية ويكتب لك التوفيق والنجاح في حياتك ويحفظك من سائر الشرور.
وصلى الله على النبي محمد وآله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/230)
نصراني يسأل عن تحريم الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يحرم الإسلام الخمر، بينما هو يبشر أهل الجنة بأن لهم خمرا فيها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق لنا بيان بعض المفاسد المترتبة على شرب الخمر، والتي من أجلها حرمت في دين الله تحريما قطعيا. [راجع مثلا السؤال رقم 40882] .
غير أن السائل، هدانا الله وإياه للعلم الحق واتباعه، يظن أن تحريم الخمر في الدنيا، ثم وعد المؤمنين، والإنعام عليهم بها في الجنة، تناقض في شرع الله، أو لعله، في أحسن أحواله يستشكل ذلك.
أما التناقض فمعاذ الله أن يقع في كتابه أو شرعه شيء منه، وهو العلم الحكيم الخبير، وإنما يأتي التناقض من عند غيره سبحانه. قال الله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) النساء/82
يأتي التناقض من أيدي البشر، إذا تجرؤا على اللفظ المنزل، ومن أفهامهم حين تضل عن المعنى المراد أو وجه الحكمة:
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم
فأما كتاب الله فهو محفوظ بحفظه سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9
وأما غيره من الكتب فلم يتكفل الله بحفظه، وإنما أمر أهله بذلك الحفظ؛ فبدلوا وغيروا، بحيث لم يبق أحد يشك في تبديلها عن الصورة التي أنزلها الله بها، بل كل من له أدنى معرفة من أهلها لا يدعي أنها هكذا نزلت من عند الله، ولا هكذا بلغها المسيح في حياته. [راجع السؤال رقم 47516] .
فلنعد الآن إلى السؤال، أو فلنعد قبله للسائل؛ لنقول له:
هل أنت معترض على تحريم الخمر في الدنيا، وتريدها حلالا، كما أنها في الجنة نعيم لأهلها؟!
فحينئذ يعود السؤال إليك أيها السائل، لنقول:
ألم تكن الخمر محرمة في كتابكم المقدس، وتكرر ذلك في العهد القديم الذي تؤمنون به؟
فإن كنت لم تعلم بذلك من قبل، فاسمع:
(ويل للأبطال على شرب الخمر، ولذوي القدرة على مزج السُّكْر) أشعياء 5/22]
(لا تكن بين شريبي الخمر، بين المتلفين أجسادهم، لأن السكير والمسرف يفتقران) الأمثال 23/20-21]
{وكلم الرب هارون قائلا: خمرا ومسكرا لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع، لكي لا تموتوا فرضا دهريا في أجيالكم، وللتمييز بين المقدس والمحلل، وبين النجس والطاهر}
[اللاويين 10/8-10} .
وهذه إشارة تدل العاقل فقط، وأما استيعاب ذلك فلا يسعه المقام.
بل حتى في العهد الجديد من كتابكم المقدس، قد بقي ما يدل على ذلك:
{وأما الآن فكتبت إليكم: إن كان أحد مدعوا أخا زانيا أو طماعا أو عابد وثن أو شتاما أو سكيرا أو خاطفا، أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا} [رسالة بولس الأول إلى أهل كورنثوس 5/11] .
{لا تضلوا؛ لا زناة، ولا عبدة أوثان، ولا مأبونون، ولا مضاجعو ذكور، ولا سارقون، ولا طماعون، ولا سكيرون، ولا شتامون، ولا خاطفون يرثون ملكوت الله} [إصحاح 6/9، 10]
{لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح} [إصحاح 5/18] .
وأمثال هذا كثير أيضا.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) الرحمن/13
فإن زعمت، وهكذا تزعمون، أن تحريمها نسخ، وأنها صارت حلالا لكم، فما تنكر أن ينسخ القرآن هذا التحليل، ويحرمها الله على الناس في الدنيا؟!
أو أنت معترض على أنها صارت نعيما في الآخرة، بعد تحريمها في الدنيا، فتريدها حراما في الدارين؟!
وحينئذ يبقى السؤال عليك أيضا:
إذا قبلتم أن ينسخ تحريم الخمر في الدنيا، فصارت حلالا ـ بزعمكم ـ أليس من الأولى أن تقبلوا ذلك في الآخرة، وهذا مع أن الآخرة ليست دارا للتكليف، وإنما هي دار نعيم لأهل الجنة، وعذاب الجحيم لأهل النار؟!
على أن هذه الأجوبة إنما هي جدال للمعترض، لنبين له أنه لم ينصف خصمه حين اعترض عليه، ولم يفكر فيما عنده.
وأما إن كان السائل يطلب معرفة الحق محضا، فأمر الحق أسهل من ذلك، فإن على الحق نورا، وحينئذ يقال له:
إن الله تعالى إنما حرم الخمر لأنها رجس خبيث من عمل الشيطان، تذهب عقل شاربها، فتشغله عن طاعة الله تعالى، وتوقعه في معصيته، وتورث العداوات والضغائن في قلوب المؤمنين، قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) المائدة
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ) صحيح مسلم 2003
وهكذا هو الحديث عنها في كتابكم المقدس:
{وكلم الرب هارون قائلا: خمرا ومسكرا لا تشرب ... للتمييز بين المقدس والمحلل، وبين النجس والاهر} [اللاويين 10/8-10} .
وأما خمر الآخرة فهي لذة خالصة من كل قذر ونجس في خمر الدنيا، فالجنة دار الطيبين، وما فيها إلا طيب؛ قال ربنا سبحانه: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) سورة الصافات، فلا تغتال عقولهم فتخلبها وتتلفها، وتصدع لهم رؤوسهم، ولا تتلف لهم أموالهم.
خمر الآخرة لا تشبه خمر الدنيا إلا في اسمها، وأما حقيقتها فذلك: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال ربنا عز وجل: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة/17
وحُق لمن تدنس بخمر الدنيا أن يحرم من خمر الآخرة؛َ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ) صحيح مسلم 2003.
نسأل الله أن يهديك إلى اتباع الحق، وترك اللجج والمراء؟!
والله الموفق، لا رب سواه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/231)
إجابة لطلب من امرأة كافرة لقصة امرأة مسلمة عظيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[مرحبا أنا عمري 15 سنة وأدرس في استراليا، لدي بحثب عن الأديان وموضوعه أحكام المرأة في الإسلام وقد وجدت موقعك مفيد جدا ولا أدري هل تمانع في إرسال المزيد من المعلومات ويا حبذا قصة امرأة معينة.
أنا في الحقيقة لا أعرف الكثير عن النساء المسلمات كما أعرف عن غير المسلمات غير أن حياة المسلمات عليها الكثير من القيود وأرجو أن تصححني في هذا الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكرك على اهتمامك وسؤالك وسوف نزودك فيما يلي بقصة واحدة لامرأة مسلمة عظيمة لعلك تجدين فيها بغيتك، وتكون نبراسا لك ودليلا إلى طريق الحقّ.
عن أنس رضي الله عنه: (قال مالك بن أنس لامرأته أم سليم - وهي أم أنس -: إن هذا الرجل - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - يحرّم الخمر فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك (أي هرب من المدينة لما دخلها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يعجبه تحريم الخمر ومات كافرا بالشام) فجاء أبو طلحة، فخطب أم سليم، فكلمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة! ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة لا يصلح أن أتزوجك! فقال: وما ذاك مهرك، قالت: وما مهري، قال: الصفراء والبيضاء! (أي يرغّبها بمهر من الذهب والفضّة) ، قالت: فإني لا أريد صفراء ولا بيضاء، أريد منك الإسلام، فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره، قال: فمن لي بذلك (أي من يعينني على الإسلام) ؟ قالت: لك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبو طلحة يريد النبي صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه، فلما رآه قال: جاءكم أبو طلحة غرّة الإسلام بين عينيه (وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم أنه عرف دخول أبي طلحة في الإسلام قبل أن يتكلم) ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذلك، قال ثابت (وهو البناني أحد رواة القصة عن أنس) فما بلغنا أن مهراً كان أعظم منه أنها رضيت الإسلام مهراً، فتزوجها وكانت امرأة مليحة العينين، فيها صغر، فكانت معه حتى ولد له بُنيٌّ، وكان يحبه أبو طلحة حباً شديداً، ومرض الصبي " مرضاً شديداً " وتواضع أبو طلحة لمرضه أو تضعضع له، " فكان أبو طلحة يقوم صلاة الغداة يتوضأ، ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي معه، ويكون معه إلى قريب من نصف النهار، ويجيء يقيل ويأكل، فإذا صلى الظهر تهيأ وذهب، فلم يجيء إلى صلاة العتمة "، فانطلق أبو طلحة عشية إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: إلى المسجد) ومات الصبي (أي أثناء غيابه) فقالت أم سليم: لا ينعين إلى أبي طلحة أحدٌ ابنه (أي لا يخبرنّ أحد أبا طلحة بوفاة ولده) حتى أكون أنا الذي أنعاه له، فهيأت الصبي " فسجّت عليه " (أي غطّته كأنه نائم "، ووضعته " في جانب البيت "، وجاء أبو طلحة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها " ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه " فقال: كيف ابني؟ فقالت: يا أبا طلحة ما كان منذ اشتكى أسكن منه الساعة " وأرجو أن يكون قد استراح! " (وهذه تورية منها وليست بكذب فهي تقصد سكون الموت وراحة الصبي به من ألم المرض وزوجها فهم أنّ الولد قد تحسّنت حالته) فأتته بعشائه " فقربته إليهم فتعشوا، وخرج القوم "، " قال فقام إلى فراشه فوضع رأسه "، ثم قامت فتطيّبت، " وتصنعت له أحسن ما كانت تصنّع قبل ذلك " (أي تزيّنت وتجمّلت وهذا من عظيم صبرها وإيمانها بالقضاء والقدر واحتسابها عند الله وكتْم مشاعرها ورجائها أن يحدث في إتيان زوجها لها في هذه الليلة حملا يعوّضها عن ولدها الفقيد) ، ثم جاءت حتى دخلت معه الفراش، فما هو إلا أن وجد ريح الطيب، كان منه ما يكون من الرجل إلى أهله (وهذا من أدب الراوي وعفّته في الإخبار بما حصل من إتيان الزّوج زوجته) ، " فلما كان آخر الليل "، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا قوماً عاريّة لهم، فسألوهم إياها أكان لهم أن يمنعوهم؟ فقال: لا؛ قالت فإن الله عز وجل كان أعارك إبنك عاريّة، ثم قبضه إليه، فاحتسب واصبر! فغضب ثم قال: تركتني حتى إذا وقعت بما وقعت به (أي من الجماع والجنابة) نعيتِ إلي ابني! " فاسترجع (أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون) ، وحمد الله "، " فلما أصبح اغتسل "، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " فصلى معه " فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله لكما في غابر ليلتكما، فثقلت من ذلك الحمل، (وأصابت الدّعوة النبوية أمّ سليم) وكانت أم سليم تسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، تخرج إذا خرج، وتدخل معه إذا دخل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولدت فأتوني بالصبي، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقاً (أي لا يدخلها بالليل حتى لا يفزع الأهالي وتتجهز الزوجات في البيوت للقاء أزواجهن المسافرين) ، فدنوا من المدينة، فضربها المخاض، واحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو طلحة: يارب إنك تعلم أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى، قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد (وهذا من كراماتها فإنّ ألم الطّلق زال بمجرّد دعائها الله أن يمكّنها من اللحاق برسوله صلى الله عليه وسلم في ترحاله) ، فانطلقا قال: وضربها المخاض حين قدموا (أي بعد دخولهم المدينة) ، فولدت غلاماً، وقالت لابنها أنس: " يا أنس! لا يطعم شيئاً حتى تغدوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، " وبعثت معه بتمرات "، (لأنها تريد أن يكون أول ما يدخل فم الصبي طعام من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من عظيم إيمانها فإن المرأة مجبولة على سرعة إرضاع الولد حين ولادته) قال: فبات يبكي، وبتُّ مجنّحاً عليه (أي رعاه) ، أكالئه حتى أصبحت، فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه برده (نوع من اللباس) ، وهو يسم إبلاً أو غنماً قدمت عليه (أي يعلّم إبل الصدقة بعلامة حتى لا تضيع مع غيرها) ، فلما نظر إليه، قال لأنس: أولدت بنت ملحان؟ قال: نعم، فقال: رويدك أفرغ لك، قال: فألقى ما في يده، فتناول الصبي وقال: أمعه شيء؟ قالوا: نعم، تمرات، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بعض التمر فمضغهن، ثم جمع بزاقه (وريقه صلى الله عليه وسلم مبارك ببركة من الله) ، ثم فغر فاه، وأوجره إياه، فجعل يحنّك الصبي (أي أدخل التمر فم الصبي وجعل يمرّ به على حنكه ... ) ، وجعل الصبي يَتَلَمّظ: " يمص بعض حلاوة التمر وريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أول من فتح أمعاء ذلك الصبي على ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انظروا إلى حب الأنصار التمر، قال: قلت: يا رسول الله سمّه، قال: فمسح وجهه وسماه عبد الله، فما كان في الأنصار شاب أفضل منه، قال: فخرج منه رجل كثير، (أي كان لهذا الولد لما كبِر ذرية كثيرة) واستشهد عبد الله بفارس " (أي مات شهيدا في فتح المسلمين لبلاد فارس وهذا كله من أثر الدعوة النبوية المباركة) . أخرج القصة الإمام البخاري ومسلم وأحمد والطيالسي والسياق له وغيرهم وقد جمع طرق الحديث العلامة الألباني في أحكام الجنائز ص: 26
فهذه أيتها السائلة قصّة واحدة عن امرأة واحدة من نساء المسلمين من الصّحابة ويوجد سواها قصص كثيرة وكثيرة جدا تدلّ على أثر الإسلام في نفوس النساء المسلمات وكيف يتفاعل دين الله مع تلك القلوب الطّاهرة ويثمر هذه الأعمال الصالحة والسيرة الطيبة وفي هذا كفاية في إقناع كلّ مريد للحقّ بالدّين الصحيح الذي يجب اتّباعه، أعيدي القراءة وتمعّني لعلك تتخذّين أهمّ خطوة في حياتك على الإطلاق، والسلام على من اتّبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(8/232)
أسلم ولديه أدوات موسيقية ماذا يفعل بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تحولت إلى الإسلام في سبتمبر عام 99 والحمد لله، كنت عازف جيتار. أريد أن أعرف إذا كان من الممكن بيع آلاتي الموسيقية (الجيتار) ؟ ماذا عن الأجهزة مثل الميكرفونات، الخلاطات، الكمبيوترات والتي في الواقع يمكن أن تستخدم لأغراض أخرى غير الموسيقى هل لي أن أبيعها؟ إذا كان لا يجوز بيع أي شيء، ماذا سأفعل بها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين فأجاب حفظه الله بقوله:
إذا كانت لا تستعمل في شيء من المباحات، وإنما استخدامها في الحرام كله أو أغلبه لزم اتلافها، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. انتهى
لمعرفة حكم الموسيقى يُراجع السؤال رقم 5011 والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(8/233)
تريد الإسلام وزوجها رافض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أمارس الإسلام منذ فترة وأرغب في اعتناقه إن شاء الله ولكن هناك مشاكل خطيرة تواجهني. فأنا وزوجي نعاني من مشاكل زوجية منذ فترة ورغم أن الأمور تسير على ما يرام إلا أنني لست متأكدة من أن الحال ستستمر على ما هي عليه إلى الأبد لأنه تنتابه نوبات غضب عنيفة وقد فكرت جدياً في الانفصال عنه بعد أشار عليَ محامينا بذلك.
والمشكلة هي أنني لم أعد أحبه وفضلاً عن ذلك فهو يرفض أن يسمح لي باعتناق الإسلام كما يرفض أن يعتنقه هو أيضا وقال أنه يفضل أن ننفصل على أن أكون مسلمة. والمشكلة الأخرى هي أن لديَ بنتان تدرسان في مدرسة هندوسية فما هو حكم الشرع فيما يتعلق بهما بعد دخولي في الإسلام. وقد قابلت رجلاً مسلماً أحبه ويحبني بشدة وقد طلب مني مرتين أن أتزوجه، علماً بأني لا أضاجعه وليس ذلك في نيَتي. وهو على استعداد لقبول ابنتيَ إذا هما دخلتا في الإسلام أيضا. وقال إنه سوف ينتظر حتى نهاية العام قبل أن ينصرف لشأنه لأن هناك نساء أخريات يمكنه أن يستقر معهن غير أنه يفضَلني عنهن. إنني أحتاج إلى أن أحزم أمري في أشياء كثيرة، ومع ذلك أشعر بالذنب والأسف تجاه زوجي لأنه يحاول أن يجعل زواجنا ناجحاً. ولكن الدين يمثل عقبة كبيرة للأسف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دام أنّ زوجك يمنعك من الإسلام ويرفض الدّخول فيه ويفضّل الفراق على الإسلام وأنّك حاولت معه دون جدوى لإقناعه بالدّين الحقّ فهذا يعني أنّ هذا الرّجل لا خير فيه، ثمّ أنت تقولين أنّه صاحب غيظ وعصبي وحادّ المزاج وأنّ تحسّنه مؤقّت وأنّك لا تحبّينه إطلاقا، أي أنّ هذا الرجل كما يقولون: لا دين ولا دنيا، فما هي الفائدة إذن في البقاء معه. فالنّصيحة لك في هذه الحالة أن تنفصلي عنه فورا وتستميتي في الحصول على حضانة ابنتيك لتنشئتهما على الإسلام وحكم الشّريعة الإسلامية في مثل هذه الحالة أنّ الحضانة للطرف المسلم من الزوجين عند الانفصال لأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى.
وأمّا بالنسبة للشقّ الثاني من القصّة وهو هذا الرّجل الذي تقولين بأنّه مسلم فإنّ عليك أن تتأكّدي أنّه إنسان عفيف وليس بصاحب فحش ولا فجور وتمتنعي من إقامة أيّ علاقة معه قبل الزّواج فإن ثبتت عفّته وسلامة دينه فأنصحك بالزواج منه بعد انتهاء العدّة الشرعية من زوجك الحالي إذا انفصلت عنه، ونسأل الله أن يتولاك برحمته وييسر لك الخير ويعينك على الدّخول في هذا الدّين والخلاص من الكفر وأهله واذكري قصّة امرأة فرعون المسلمة مع زوجها الكافر التي قال الله فيها: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَءَامَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) سورة التحريم
وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/234)
تريد الإسلام وتجد عائقا في الحجّ والأوراق الرسمية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أصبح مسلمة ولكن كيف يكون لي هذا دون أن أنضم إلى حركة أو جماعة؟
عرفت بأنه يجب النطق بالشهادة ولكن ماذا عن الحج؟ كيف لي أن أشارك في الحج إذا لم يكن لدي وثائق تثبت بأنني مسلمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإسلام علاقة بين العبد وربّه واستسلام لأوامره وخضوع له ومحبةّ وخوف منه ورجاء له وعبادة له بما شرع، وله أركان وفيه واجبات، والمفتاح للدّخول في ذلك كلّه شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله وأما بالنسبة للحجّ فليس شرطا للدّخول في الإسلام بل هو ركن وواجب بعد الدخول في الإسلام على المستطيع لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) سورة آل عمران/97 (يُنظر سؤال رقم5261 لمعرفة شروط الاستطاعة) والحصول على شهادة رسمية من مركز إسلامي تثبت إسلامك لاستعمالها في الحصول على إذن بالسفر للحجّ ودخول المشاعر المقدّسة هو وسيلة للحجّ يجب عملها للتمكّن من الحجّ مستقبلا ولكنّها ليست شرطا للدّخول في دين الإسلام ولا شرطا للبدء بممارسة العبادات كالصلاة وغيرها، والإنسان إذا أسلم صار فردا من أفراد أمّة الإسلام تربطه بجميع المسلمين الموحّدين رابطة الأخوّة الإسلامية العظيمة التي تقتضي الموالاة والتناصر والتحابّ كما قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10 وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة/71.
فعليك بالمبادرة إلى الدّخول في الإسلام ونهنّئك على الرّغبة التي أبديتيها ونسأل الله لنا ولك الإخلاص والتوفيق والنجاح والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/235)
مسلم يهدده أهله الكفار بالشنق بسبب أسلامه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم ولكن أهلي كفار فماذا أفعل معهم وهم رفضوا إسلامي ويريدونني أن أعود إلى دينهم وهددوني بالشنق؟ فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في البداية أود أن أبشرك بقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (يأتي على الناس زمان الصابر فيه دينه كالقابض على الجمر) رواه الترمذي عن أنس، وصححه الألباني بشواهده.. انظر السلسلة الصحيحة رقم (957) .
فنسأل الله تعالى لك الثبات على الحق وألا تأخذك فيه لومة لائم ولا بطش ظالم، وتذكر قول الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) المائدة /49، وأوصيك أن تفر بدينك إلى حيث تجد من يعينك على الحق، والله تبارك وتعالى يقول: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً) النساء /100، وعليك مع ذلك أن تدعو لأهلك أن يهديهم الله ويشرح صدورهم للإسلام.
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يقر أعين المسلمين بنصرة الدين والتمكين للمؤمنين وخذلان الكافرين وأن يهدي الله أهلك للإسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/236)
يريد الدخول في الإسلام وله صديقة وأولاد بينهما
[السُّؤَالُ]
ـ[قررت أن اعتنق الإسلام وأن أجعله نهجاً لحياتي. غير أن صديقتي التي سأتزوجها قريباً اعتنقت المسيحية ديناً لها ولولدينا. ولا اعتراض لي على دينها، ولكنها تطلب مني دائماً أن أذهب معهم إلى الكنيسة فأطاوعها أحياناً منعاً للمشاكل. ولكني لا أدري كيف أتصرف أمام هذا الطلب بعد أن أصبحت مسلماً. هل يجوز لي أن أستمر في حضور صلاة الكنيسة معها من وقت لآخر؟ كيف أعالج هذه المشكلة؟ أرجو توجيهي بحيث لا أضر بعلاقتنا الأسرية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: ينبغي عليك المسارعة إلى الدخول في الإسلام وهي عملية سهلة وستجد الشرح تحت قسم خدمات الموقع، اعتناق الإسلام.
ثانيا: إذا صارت المرأة مسلمة أو كتابية (نصرانية أو يهودية) وتابت إلى الله من العلاقات المحرمة وصارت محصنة عفيفة فيجوز لك أن تتزوجها.
ثالثا: الأولاد الذين جاءوا من هذه المرأة دون زواج ليسوا بأولادك ولا يُنسبون إليك بل نسبتهم إليها ولا يمنع هذا من ملاطفتهم ورعايتهم والإنفاق عليهم وعليك أن تحاول في المستقبل دعوتهم وأمهم إلى الإسلام.
رابعا: في حضورك الكنيسة وجلوسك في طقوس الكفر محاذير كثيرة غير محمودة العواقب فلا ننصحك بذلك ولكن يجب أن لا يكون هذا أبدا عقبة في طريق إسلامك ولو قلت لنا إما أن أسلم وأذهب معها إلى الكنيسة أو لا أُسلم فسنقول لك أسلم بلا شكّ ولكن نحب أن تتأمّل في معاني هاتين السورتين من القرآن الكريم:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) .
وقال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
والخلاصة أيها الرجل العاقل المتجّه إلى الاختيار الصحيح والطريق السليم سارع بالدخول في الإسلام وممارسته وسيعينك الله عز وجلّ في تخطّي جميع العقبات والتغلّب على كلّ المصاعب والله يرعاك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/237)
أمه لا تمارس شعائر الدين فهل يتركها
[السُّؤَالُ]
ـ[تربت والدتي على النصرانية، وهي تشرب الخمر في المناسبات. وقد تناقشت معها حول ذلك لكنها أصرت على الإستمرار في شربه. كما أن هناك ممارسات أخرى غير إسلامية حيث أن الأطعمة ليست شرعية وهي تطهى في نفس الأوان التي يُطهى فيها طعامي وأنا أشعر أن ذلك لا يجوز. وأنا أفكر في مغادرة المنزل حيث أنني لا أقر ذلك. كما أنني عازم على مغادرة البلاد في المستقبل إن شاء الله حيث أني لا أستطيع الذهاب إلى الصلاة بإنتظام كما هو مطلوب. بإختصار، أريد أن أعيش كالمسلم لكني أعيش في بلد يتتبع خطى الغرب حيث يصعب العيش كمسلم فيها. تربت والدتي على النصرانية، وهي تشرب الخمر في المناسبات. وقد تناقشت معها حول ذلك لكنها أصرت على الإستمرار في شربه. كما أن هناك ممارسات أخرى غير إسلامية حيث أن الأطعمة ليست شرعية وهي تطهى في نفس الأوان التي يُطهى فيها طعامي وأنا أشعر أن ذلك لا يجوز. وأنا أفكر في مغادرة المنزل حيث أنني لا أقر ذلك. كما أنني عازم على مغادرة البلاد في المستقبل إن شاء الله حيث أني لا أستطيع الذهاب إلى الصلاة بإنتظام كما هو مطلوب.
بإختصار، أريد أن أعيش كالمسلم لكني أعيش في بلد يتتبع خطى الغرب حيث يصعب العيش كمسلم فيها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت أمك نصرانية فعليك أن تدعوها إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، فتبين لها محاسن الإسلام، وصفاته ووضوح عقائده، وتبين لها بطلان ما عليه النصارى من القول بألوهية عيسى عليه السلام ويمكنك مراجعة الأسئلة في قسم دعوة غير المسلمين في الموقع حتى تستطيع إقناعها، مع قراءة بعض الكتب التي تتكلم عن بطلان عقائد النصارى.
أما إذا كانت أمك مسلمة فعليك أن تدعوها إلى ترك المعاصي والتوبة منها لاسيما شرب الخمر وتبين لها الأدلة من الكتاب والسنة على تحريمها وأن الواجب على المؤمن إذا جاءه أمر من الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول سمعنا وأطعنا ويبادر إلى الامتثال ولو كان ذلك خلاف ما يهواه.
خوّفها من الله تعالى ومن عقابه في الدنيا والآخرة.
وعليك أن تتحلى معها بالرفق واللين، وتبين لها أنك حريص على هدايتها وإنقاذها من النار، فلعل ذلك يكون سبباً لهدايتها إلى الحق.
أما آنية الطبخ التي يطبخ بها الطعام المحرم فإذا وجدت غيرها فالأفضل أنك لا تأكل فيها، أما إذا لم تجد غيرها فإنك تغسلها بالماء ثم تأكل فيها.
فعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قلت: " يا رسول الله، إنا بأرض قومٍ أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ قال: (لا تأكلوا فيها، إلا أن لا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها) متفق عليه، (بلوغ المرام ص 23 حديث رقم 24)
أما تفكيرك بهجر المنزل أو مغادرة البلاد فقد يكون الأحسن إن علمت أن أهلك لا يستجيبون لقولك وكان بقاؤك معهم يضرك في دينك بحيث لا تستطيع القيام بما أمر الله به.
أما إن علمت أو غلب على ظنك أنهم بعد دعوتهم إلى الله تعالى يستجيبون فقد يجب عليك البقاء معهم.
وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه قوله:
باب الانبساط إلى الناس، وقال ابن مسعود: خالط الناس ودينك لا تكلَمَنَّه. " صحيح البخاري " (5 / 2270) .
ومعنى لا تكلمنه: أي لا تجرحنه.
ولكن إن علمت أن ذلك لا يجدي من خلال تجربتك مع أهلك فاهجرهم إلى مسكن تقدر فيه على القيام بشعائر الدين.
نسأل الله لك الثبات على الدين والعصمة ونسأله أن يهدي والدتك وسائر أهلك إلى دينه حتى يكون دين الله تعالى أحب شيء إليكم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/238)
متى نحكم للشخص بالإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[مات شخص غير مسلم وأنا أعرفه بأنه قبل الإسلام واعتقد به ولكنه مات قبل أن يتحوّل إلى الإسلام هل هذا الشّخص يُغفر له أو أنه لا يزال يعتبر واحدا من الكفار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم ينطق الشخص بالشهادتين ويدخل في الإسلام فلا يُحكم له بأنّه مسلم ولو كان معجبا بالإسلام ويعترف بأنّه أفضل الأديان أو أنّه دين عظيم ونحو ذلك، وهذا أبو طالب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم مات كافرا ونهى الله نبيه عن الاستغفار له مع أنّه كان يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم بل ويقول في شعره:
وإني لأعلم أن دين محمد من خير أديان البريّة دينا
لولا الملامة أو حذار مسبّة لوجدتني سمحا بذاك مبينا
فإذا مات الشّخص ولم ينطق بالشهادتين عاملناه معاملة الكفّار في الدعاء والصلاة عليه ودفنه ونحو ذلك ونَكِلُ أمره إلى الله.
أمّا إذا دخل الشخص في الإسلام عن اعتقاد ويقين ونطق بالشهادتين فإنه يكون مسلما حتى ولو لم يسجّل إسلامه رسميا، ولو لم يراجع محكمة أو مركزا إسلاميا ليأخذ وثيقة بذلك، وحتى ولو لم يُشهره أمام الملأ، ولو مات مثل هذا الشخص فإننا نرجو له الجنة وندعو له بالرحمة.والله بصير بالعباد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/239)
مراجع علمية (فيديو – أشرطة – كتب) لغير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[يسعدني كثيرا أن أكتب إليك هذه الرسالة التي أريد من ورائها أن أسألك المساعدة والرأي.
بدأنا في المدينة التي نسكن بها مشروعا جديدا أسميناه "مركز المعلومات الإسلامية" بهدف تعريف غير المسلمين بالإسلام. ونحن نحاول الآن أن نحصل على بعض المعلومات حول أفضل المواد المناسبة لهذا الغرض. بدأت الخطة بالحصول على تلك المعلومات كخطوة أولى وإن شاء الله سنتبعها بالحصول على المزيد من نسخ المواد المناسبة وتوزيعها على المكتبات العامة وغيرها من الأماكن في مدينتنا. ونحن نعتقد أن تلك المواد يجب أن تتضمن ما يلي: كتاب أو كتابين، شريط مسجل أو شريطين، شريط فيديو أو شريطين. وسؤالي الآن هو:
في رأيك: ما هو أفضل كتاب مناسب (ما هما أفضل كتابين، كحد أقصى، مناسبين) لغير المسلمين؟
ما هو أفضل شريط مسجل مناسب (ما هما أفضل شريطي مسجل، كحد أقصى، مناسبين) لغير المسلمين؟
ما هو أفضل شريط فيديو مناسب (ما هما أفضل شريطي فيديو، كحد أقصى، مناسبين) لغير المسلمين؟
أظن أن المواد المناسبة يجب أن تكون:
أ) مشوقة
ب) مختصرة
ج) بسيطة دون ضعف في المادة
سأكون شاكرا لكم لو أجبتم على استفساراتي المدرجة أعلاه.]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً:
بالنسبة للكتب التي ننصح بها لغير المسلمين:
1. " كيف تدخل في الإسلام " لمؤلفه محمد سليمان الأشقر.
2. " لا تحزن "، للشيخ عائض القرني.
ثانياً:
وأما بالنسبة للأشرطة، فالتي ننصح بها:
1. " دعوة للتأمل "، للشيخ علي القرني.
ثالثاً:
وبالنسبة لأشرطة الفيديو، فننصح بـ:
1. " إنه الحق "، للشيخ عبد المجيد الزنداني.
2. " مناظرات أحمد ديدات "، للشيخ أحمد ديدات.
وفقكم الله لما يحب ويرضى
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/240)
تريد الإسلام وتسأل عن آداب دخول المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب رجلا مسلما. ونحن نخطط للزواج قريبا , طالما أن والديه يقبلان بذلك. أنا أخطط أن أنطق بالشهادة قريباً , وأبدأ في تطبيق شعائر التطهر والصلاة. وسؤالي هو: ماهي الأمور التي يمكنني فعلها لأكون زوجة مستقيمة؟ ما هو أسلوب الحياة والعادات التي علي اتباعها؟ ما هي ضوابط دخول المرأة للمسجد؟ وأيضا, كيف أقرأ القرآن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله سبحانه الذي أنار لك الطريق وحبب إليك الحق ووفقك للاقتناع بدين الإسلام الذي هو الدين الحق، فلم يبق لك سوى النطق بالشهادتين ليستقيم لك أمرك، وتُرزقين التوفيق في الدنيا والاخرة، فبادري أيتها العاقلة بتطبيق هذه الخطوة واسألي الله الثبات على دينه، والحمد لله رب العالمين.
ثانياً:
حتى تكوني زوجة صالحة مقبولة عند الله تعالى نوصيك بعد طاعة الله تعالى أن تطيعي زوجك ما لم يأمرك بسوء أو إثم فإن طاعة الزوجة لزوجها من أهم مباديء الزواج التي يدعو الإسلام إليها.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَم حقِّه، ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على ظهر قتب ".
قال الهيثمي:
رواه بتمامه البزار وأحمد باختصار ورجاله رجال الصحيح.
" مجمع الزوائد " (4 / 309) .
ومعنى القتب هو ما يوضع على البعير تحت الراكب.
ثالثاً:
ثم عليك بعد ذلك ترك العادات السيئة التي كنت تفعلينها قبل الإسلام التي تخالف الإسلام وأمره الذي جاء به.
ومن أمثلة ذلك التبرج والسفور وعدم لبس الزي الشرعي – إن كنت ممن لا يلبس الزي الشرعي -.
وعليك ترك عادات الكفار من الاختلاط بالرجال واتخاذ الأصدقاء من الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمك.
وعليك بالتعود على عادات المسلمين وأوامر دينهم التي يأمر بها من المحافظة على كيان المرأة المسلمة وعدم تبذلها في الأسواق وأماكن الاختلاط المستهتر بالرجال لأن في ذلك أذية للزوج في عرضه.
رابعاً:
وأما أسلوب الحياة الذي يلزمك اتباعه فذلك يكون بالتمسك بالأوامر التي أمر الله بها واجتناب المنهيات التي نهى الله تعالى عنها من المحافظة على الصلاة والصيام وذكر الله تعالى على كل حال، ويساعدك على ذلك كله قراءة القرآن ومطالعة الكتب المفيدة التي تعرف بالإسلام وتعاليمه.
خامساً:
أما ضوابط دخول المرأة المسجد فهي:
1. ألا تخرج متعطرة متزينة متبرجة، وهذا ليس خاصاً بالخروج إلى المسجد، بل متى خرجت من بيتها فإنه يحرام عليها أن تخرج متعطرة، وأن يكون قصدها في الخروج من المنزل من أجل الصلاة لله تعالى. أو حضور مجلس علم تتعلم فيه أحكام دينها.
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات ".
رواه أبو داود (565) . وصححه الألباني في صحيح أبي دواد (529)
ومعنى تفلات: جمع تفلة أي غير متعطرة.
2. ويسن للمسلم أن يقول إذا خرج من بيته واتجه إلى المسجد دعاء المشي إلى المساجد:
عن عبد الله بن عباس قال: ". . . فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة يعني النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي لساني نوراً واجعل في سمعي نوراً واجعل في بصري نوراً واجعل من خلفي نوراً ومن أمامي نوراً واجعل من فوقي نوراً ومن تحتي نوراً اللهم أعطني نوراً ". رواه مسلم (763) .
3. فإذا دخل المسجد دخله بالرجل اليمنى وذكر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أبي حميد أو عن أبي أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك ".
رواه مسلم (713) .
وفي بعض الروايات زيادة " بسم الله، اللهم صلِّ على محمد " في أولهما.
انظر: الترمذي (314) وابن ماجه (771) . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (625)
وعن حيوة بن شريح قال: لقيت عقبة بن مسلم فقلت له: بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص: عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، قال: أقط – يعني: فقط؟ - قلت: نعم. قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم ".
رواه أبو داود (466) . وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (441) .
4. وإذا دخل المسلم المسجد لم يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد.
عن أبي قتادة السلمي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس ". رواه البخاري (433) ومسلم (714) .
وروى أبو داود (455) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ [يعني الأحياء] وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ. صححه الألباني في صحيح أبي داود (437) .
5. تطييب المسجد وتنظيفه لمن استطاع:
عن أبي ذر: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت في مساوي أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن ".
رواه مسلم (553) .
النخاعة: البصاق.
6. عدم رفع الصوت في المساجد حتى في قراءة القرآن إذا حصل منه تشويش على أحد من المصلين:
عن أبي سعيد قال: " اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة - أو قال في الصلاة - ".
رواه أبو داود (1332) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1183)
7. الخروج من المسجد بالرجل اليسرى وقول الدعاء المأثور:
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم ".
رواه ابن ماجه (773) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (515) .
سادساً:
أما قراءة القرآن فينبغي الإكثار من تلاوته، فإن لك بكل حرف تقرئينه عشر حسنات، ويجوز قراءة القرآن للمتوضئ وغير المتوضئ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه. رواه مسلم (373) والأكمل أن يتوضأ قبل قراءة القرآن.
فعن المهاجر بن قنفذ: " أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال: إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر - أو قال: على طهارة - ".
رواه أبو داود (17) – واللفظ له - وابن ماجه (350) .
وصححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الجامع (2472) .
غير أنه يحرم على الجنب أن يقرأ القرآن وأم الحائض فالصحيح أن يجوز لها أن تقرأ القرآن راجع سؤال رقم (2564)
هذا كله عند قراءة القرآن من غير مس للمصحف، أم مس المصحف فلا يجوز إلا للمتوضئ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يمس القرآن إلا طاهر. رواه مالك في الموطأ (419) وصححه الألباني في إرواء الغليل (122)
فإذا أراد المسلم أن يقرأ من المصحف وهو غير متوضئ فإنه يمسك المصحف بحائل كما لو لبس في يده القفازين.
سابعاً:
ويسن له أن يكون خاشعاً مستذكراً للآيات التي يمر عليها، وأن يسأل عن المعنى الذي يصعب عليه من الألفاظ، فيتم له العلم مع القراءة، ثم بعد ذلك يجتهد على أن يعمل بما علم ويطبق ما في القرآن من الأحكام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/241)
كيف تخبر والدتها غير المسلمة أن زوجها على وشك أن يتزوج بامرأة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أفضل الطرق كي أخبر والدتي (غير المسلمة) ، والتي تنتقد الإسلام بشدة، أن زوجي على وشك الزواج بغيري؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس أن تذكري أمام أمك عَرَضَاً في أحد الأحاديث بينكما بأن زوجك يفكّر بالزواج من أخرى، وتذكري ما يدفعه إلى ذلك إن كان لديه أسباب قوية مثل عدم الإنجاب منك أو أنه لا تكفيه امرأة واحدة ونحو ذلك ويكون ذلك كمقدمة لها إذا علمت، ولكن لا تخبريها بالأمر الآن خشية أن تفتح عليكما باب المشاكل الذي ليس له مبرر، وهي إن علمت في المستقبل فبإمكانك بطريق أو أخرى أن توضحي لها أن الإسلام دين العدل ولا يرضى الظلم لأحد وأن في الزواج من أكثر من واحدة من المصالح العظيمة، ما لم تستطع الدول التي تدعي الحضارة الإتيان بها (انظر السؤال رقم 12528) ، وهي وإن لم تقتنع من أول وهلة، فسوف تقتنع مع مرور الأيام والسنين، ولكن يجب عليك أنت ألا تكثري من الشكاية والرفض لهذا الأمر أمامها لأنك بهذا تثيرينها لانتقاد دين الإسلام، بل الواجب عليك أن تظهري بمظهر القبول والرضى وحسن المعاشرة لزوجك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/242)
تريد أن تُسلم وهي وحيدة في بلدها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف أكثر عن اعتناق الإسلام. أنا أعيش في منطقة ليس فيها مسلمون على الإطلاق ولا مساجد ولا مجموعات دراسة ولا شيء. ما أفضل طريقة لأبدأ التعلم؟ وماذا ينبغي أن أعرف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دمت قد عرفت أيتها السائلة الكريمة أنّ الإسلام هو دين الحقّ والصراط المستقيم فإنّه يجب عليك المسارعة إلى الدخول فيه والابتداء في ممارسة الفرائض الإسلامية كالصلاة وغيرها وحبّك لتعلّم الإسلام أمر جميل تُشكرين عليه ولكنك تشكين عدم وجود الوسط المعين والبيئة الصّالحة، ولا شكّ أنّ هذه مشكلة ولكنّك ستستطيعين التغلّب عليها إن شاء الله فعندك عدد من الصّفحات الإسلامية في شبكة الإنترنت تستطيعين من خلالها الحصول على مزيد من العلم والفائدة، ثمّ تستطيعين مراسلة بعض الهيئات ودور النّشر الإٍسلامية للحصول على بعض الكتب المفيدة عن دين الإسلام وقد يكون موجودا في مدينتك أو في مدينة قريبة منك مركز إسلامي تستطيعين الذهاب إليه ولو مرة في الشّهر للتعرّف على أخواتك المسلمات للتواصي معهن على الحقّ والخير وربما تستطيعين استخدام هذه الشبكة في البحث عن عناوين المراكز الإسلامية في كلّ ولاية أو مدينة.
وإذا أمكنك الانتقال إلى بلد فيها جالية إسلامية أو مركز إسلاميّ على منهج سليم فهذا أمر طيب، وعلى كلّ حال فلنفرض أنّك لم تجدي مسلما واحدا فإنّ هذا لا يمنعك أبدا من البقاء على الإسلام صلتك دائمة بربك تعبدينه وتناجينه وتسألينه الهداية والثبات وتشعرين من خلال الصلاة له بالأنس به واللجوء إليه ما يعوّضك عن كلّ أحد ويزيل وحشتك وعدم لقائك بالأخوات في العقيدة والدّين، كما أنّ بعض الصحابة الذين أسلموا في صدر الإسلام بقوا في أقوامهم وقبائلهم وحيدين منفردين كلّ واحد يعبد الله في مكانه حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فهاجروا إليه وعاونوه على إقامة دولة الإسلام.
نسأل الله لك الهداية إلى الحقّ وسرعة الاستجابة لله ورسوله والسعادة لك في الدنيا والآخرة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/243)
استنتاج رائع من امرأة نصرانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا نصرانية ومهتمة بالإسلام وأقرأ ترجمة للقرآن بلغتي وأعرف أنه لا يجوز مس المرأة الحائض للمصحف لكن هذا لا ينطبق على الترجمة لأنها ليست مساوية للأصل العربي والترجمة ليست كلام الله. فهل عدم لمس المصحف يضم أيضاً النهي عن لمس الترجمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أصبتِ كبد الحقيقة، واستنتاجِك في محلّه فالترجمة ليس لها حكم المصحف بل هي بمثابة التفسير ولذلك يجوز للحائض مسّها، وتحليلك الدقيق لهذه المسألة منبئ عن عقلية رائعة وقدرة ممتازة في التفكير مما يجعلنا نشعر بان إسلامك قد بات وشيكا، وفقكِ الله لكلّ خير.
تعقيب: لقد نُشر هذا السؤال بتاريخ 13 أكتوبر 98 ثم جاءنا بتاريخ 2 فبراير 99 الرسالة التالية:
Assalamu Alaikum, I sent you questions 3100 and 3313 a while a go and I would just like to tell you that I embraced Islam recently, alhamdulillah! I just wanted to share this with you and thank you for responding to my questions. May Allah reward you. Sincerely,.....
فنهنّئ هذه الأخت الكريمة بهذه النعمة العظيمة والحمد لله أولا وآخرا وله النعمة والفضل والثناء الحسن.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/244)
لا يشترط شهود للدخول في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب أن يكون هناك شهود على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على من أراد أن ينطق بالشهادتين أن يحضره شهود، بل ينطق بهما بلسانه، ويكفيه هذا للدخول في الإسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/245)
ألا يجوز دعوة الكفار بأناشيد دينية مصحوبة بالمعازف
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يود استقطاب النصارى لدين الإسلام هل يجوز استقطابهم بأناشيد دينية مصاحبة بالموسيقى؟ وهل تجوز تكوين فرقة تطلق عليها فرقة دينية، لكون أنهم يختارون أناشيد دينية مصاحبة بالمعازف والموسيقى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
أرى أنه لا حاجة إلى الاستقطاب بهذه الصورة، بل عليه أن يُستعمل معهم المباح من إسماع القرآن بالتجويد والترتيل، وإسماع الأحاديث البليغة المؤثرة في السامع، والقصائد والأناشيد المفيدة المؤثرة في السامع، وكذا إيراد الأدلة الواضحة على محاسن الإسلام، وشرح تعاليمه وأهدافه السامية التي تبين معها أنه دين الفطرة المحتوي على كل المصالح البشرية، فمن لم يُستقطب إلا بما فيه محذور من الأغاني والمعازف والموسيقى فلا خير فيه، ولا يظن به الاستجابة والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 28.(8/246)
هي على علاقة بنصراني وتريد أن يسلم وتتزوجه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عندك من طريقة، تمكننا من جعل شخص ما يهتم بالدين ويزداد وعيه بذلك؟ عندي مشكلة ولا أستطيع الوصول لحل لها بمفردي.
أنا على علاقة برجل (وقد مضى عليها الآن 3 سنوات تقريبا) ، وصديقي هذا هو نصراني، ونحن (نخطط) نعتزم على الزواج، لكني أريده أن يسلم أولا.
وأنا لا أريد أن أدفعه ليسلم، بل أريده أن يدخل في الإسلام بإخلاص. أعلم بأن الهداية من الله، لكن علينا -نحن البشر- أن نبذل أقصى ما في وسعنا لتحقيق ذلك الهدف ... أنا لن أتزوج به ما لم يسلم ... وفي الوقت نفسه، فأنا أريده أن يكون زوجا لي ... أرجو أن تساعدني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك طرق كثيرة يحصل من آثارها الاهتمام بالدين الإسلامي وذلك بقراءة السيرة النبوية، ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وما حصل له من النصر والتمكين وخذلان أعدائه، وكذلك النظر في محاسن الدين الإسلامي، وبيان أن الشريعة الإسلامية مشتملة على كل خير، وما أمر الشرع بشيء إلا وهو موافق للعقل والفطرة، وما نهى عن شيء إلا تبين قبحه والنفرة منه فلذلك دخل الناس فيه من العرب وغيرهم طوعا وبدون إكراه. وننصح هذه المرأة أن تقطع علاقتها بهذا النصراني الذي مرّت عليه هذه المدة وهو مصرٌ على كُفره، فإذا اختار الإسلام بطوعه ورغبته فلا بد من اختباره بعد ذلك حتى يُتحقق من صدق رغبته ولا بد من إخباره بأنه إذا رجع إلى النصرانية بعد الإسلام وجب قتله (لأن حدّ الردة في الإسلام هو القتل ومن عرف دين الحق ودخل فيه ثم تركه فلا يستحق الحياة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه " فهذا ما يطبق فيه لو كان في بلد يحكّم الشريعة الإسلامية، والمقصود أن يعلم هذا الشخص جدية الموضوع وأهميته، والله الموفق) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن جبرين.(8/247)
هو قريب جدا من الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا هندوسي، وقد نشأ عندي ميل شديد للاسلام. فصفحة مثل صفحتكم تعتبر رحمة من الله للملايين من الشباب مثلي. وقريبا إن شاء سأعلن انتمائي للعالم الإسلامي. فأرجو أن تدعو لي للدخول في دين الإسلام. وأرجو أن تستمر - بتوفيق الله - الأعمال الجيدة التي يقوم بها ناس أمثالكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكرك على ثنائك، ونهنئك على قرارك، وندعو لك فعلا بان يُدخلك الله هذا الدّين عاجلا غير آجل، ونقول: اللهم عجّل بهداية عبدك هذا إلى الصراط المستقيم واكتب له الهداية العاجلة إلى دين الإسلام إنك أنت السميع المجيب.
وتذكّر أيها الحصيف اللبيب أنّ عليك أنت اتّخاذ الخطوة العملية وأنّ من كتب الله هدايته فسَيُيَسّره لليسرى، فاستجب لربك وانطق الشّهادتين ومارس العبادة في الإسلام وتذكّر بأنّه لا مصلحة في مزيد من الانتظار فأنت لا تدري متى يأتي الأجل، ولعلك أيضا تدرك بأنّ التأخّر بالدخول في الإسلام يضيّع عليك أجورا عظيمة كنت ستحصّلها لو عجّلت به، وأنّ كلّ صلاة أو صدقة أو صيام أو ذكر لله أو صلة رحم أو قراءة قرآن ونحو ذلك سيفوتك أجرها طيلة فترة الانتظار والتأخّر، فأقْدم ولا تتردّد واحزم ولا تنتظر، ولا يهولنّك الإقدام على تغيير دينك ولا استنكار الأقرباء فمن عرف الحقّ ضحّى في سبيله وصبر عليه، ونتمنى لك من قلوبنا التوفيق والسّداد والهداية والصبر على الحقّ، والسلام على من اتّبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/248)
حكم من لم تبْلُغْه دعوَة الإِسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أين يذهب من يقيمون في أبعد أماكن العالم؟ إلى الجنة أم إلى النار؟ مثل من يعيشون في الغابات وفي القطب الجنوبي. إنهم لم يتلقوا أي نبي ولم يخبرهم أي أحد عن الله أو الإسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أحسن ما قيل في هذا الصنف من الناس، أنّهم يُمْتَحَنُونَ يوم القيامة، فمن أطاع الأمر دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، لقول الله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) الإسراء/15
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى 1/456.(8/249)
يجادل نصرانيا ويسأل هل لله روح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أجادل مسيحيا فيقول لي: إن لله روحا. فسؤالي هل لله روح؟ (روح كروح الإنسان والملائكة وسائر الخلق) وهل الروح شئ مخلوق أم ماذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا أحد أعلم بالله من الله تعالى، ولا مخلوق أعلم بخالقه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) البقرة/140. (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الإسراء/36.
والروح ليست من صفات الله تعالى، بل هي خلق من مخلوقات الله تعالى. وأضيفت إلى الله تعالى في بعض النصوص إضافة ملك وتشريف، فالله خالقها ومالكها، يقبضها متى شاء، ويرسلها متى شاء.
فالقول في الروح، كالقول في (بيت الله) و (ناقة الله) و (عباد الله) و (رسول الله) فكل هذه مخلوقات أضيفت لله تعالى للتشريف والتكريم.
ومن النصوص التي أضيفت فيها الروح إلى الله: قوله تعالى: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِه) السجدة/9. وهذا في حق آدم عليه السلام.
وقال سبحانه وتعالى عن آدم أيضاً: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) الحجر/29.
وقال تعالى: (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً) مريم/17- 19.
فالروح هنا هو عبد الله ورسوله جبريل الذي أرسله إلى مريم. وقد أضافه الله إليه في قوله (رُوحَنَا) فالإضافة هنا للتكريم والتشريف، وهي إضافة مخلوق إلى خالقه سبحانه وتعالى.
وفي حديث الشفاعة الطويل: (فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى، فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ) رواه البخاري (7510) ومسلم (193) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة له، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق، كقوله تعالى (بيت الله) و (ناقة الله) و (عباد الله) بل وكذلك روح الله عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم. ولكن إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره مثل كلام الله وعلم الله ويد الله ونحو ذلك كان صفة له " انتهى من "الجواب الصحيح" (4/414) .
وهذه القاعدة ذكرها شيخ الإسلام في مواضع، وحاصلها أن المضاف إلى الله نوعان:
1- أعيان قائمة بذاتها، فهذه الإضافة للتشريف والتكريم، كبيت الله وناقة الله، وكذلك الروح، فإنها ليست صفة، بل هي عين قائمة بنفسها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب الطويل في وفاة الإنسان وخروج روحه: (فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ) (فَيَأْخُذُهَا (يعني يأخذ ملك الموت الروح) فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا (يعني الملائكة) فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ) (وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ قَالَ فَيَصْعَدُونَ بِهَا) . انظر روايات الحديث في "أحكام الجنائز" للألباني (ص 198) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ) رواه مسلم (920) أي: إذا خرجت الروح تبعها البصر ينظر إليها أين تذهب. فهذا كله يدل على أن الروح عين قائمة بنفسها.
2- صفات لا تقوم بنفسها، بل لا بد لها من موصوف تقوم به، كالعلم والإرادة والقدرة، فإذا قيل: علم الله، وإرادة الله، فهذا من إضافة الصفة إلى الموصوف.
قال ابن القيم رحمه الله في كتاب "الروح":
" المسألة السابعة عشرة: وهي هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة؟
ثم قال: فهذه مسألة زل فيها عالَمٌ، وضل فيها طوائف من بنى آدم، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين، والصواب المستبين، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبَّرة، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث، وأن معاد الأبدان واقع، وأن الله وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له " ثم نقل عن الحافظ محمد بن نصر المروزي قوله: " ولا خلاف بين المسلمين أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بنى آدم كلها مخلوقة لله، خلقها وأنشأها وكونها واخترعها ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) الجاثية/13 "
انتهى من "الروح" (ص144) .
وربما أشكل على بعض الناس قوله سبحانه في شأن عيسى عليه السلام: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) النساء/171. فظنوا كما ظنت النصارى أن (مِِْن) للتبعيض، وأن الروح جزء من الله. والحق أن (مِِْن) هنا لابتداء الغاية، أي هذه الروح من عند الله، مبدأها ومنشأها من الله تعالى، فهو الخالق لها، والمتصرف فيها.
قال ابن كثير رحمه الله:
" فقوله في الآية والحديث: (وَرُوحٌ مِنْهُ) كقوله: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) أي من خلقه ومِنْ عنده، وليست (مِنْ) للتبعيض كما تقوله النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة، بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى، وقد قال مجاهد في قوله: (وروح منه) أي ورسول منه، وقال غيره: ومحبة منه، والأظهر الأول، وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة. وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله: (هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ) الأعراف/73، وفي قوله: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) الحج/26. وكما روي في الحديث الصحيح: (فأدخل على ربي في داره) أضافها إليه إضافة تشريف، وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/784) .
وقال الألوسي رحمه الله:: حكي أن طبيبا نصرانيا حاذقا للرشيد ناظر على بن الحسين الواقدى المروزى ذات يوم فقال له: إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى، وتلا هذه الآية: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) فقرأ الواقدي قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) الجاثية/13. فقال: إذاً يلزم أن يكون جميع الأشياء جزءاً منه سبحانه وتعالى علوا كبيرا، فانقطع النصراني فأسلم، وفرح الرشيد فرحا شديدا ".
وقال رحمه الله: " لا حجة للنصارى على شيء مما زعموا في تشريف عيسى عليه السلام بنسبة الروح إليه؛ إذ لغيره عليه السلام مشاركة له في ذلك، ففي إنجيل لوقا: قال يسوع لتلاميذه: إن أباكم السماوي يعطي روح القدس الذين يسألونه.
وفى إنجيل متى: إن يوحنا المعمداني امتلأ من روح القدس وهو في بطن أمه.
وفى التوراة: قال الله تعالى لموسى عليه السلام: اختر سبعين من قومك حتى أفيض عليهم من الروح التي عليك.
وفيها في حق يوسف عليه السلام: يقول الملك: هل رأيتم مثل هذا الفتى الذي روح الله تعالى عز وجل حال فيه.
وفيها أيضا: إن روح الله تعالى حلت على دانيال. . . إلى غير ذلك " انتهى من "روح المعاني" (6/25) .
وجاء في إنجيل لوقا (1/41) : (وامتلأت الياصبات من الروح القدس) .
وقوله (1/25، 26) : (وكان في أورشليم رجل صالح تقي اسمه سِمعان، ينتظر الخلاص لإسرائيل، والروح القدس كان عليه، وكان الروح القدس أوحى إليه أنه لا يذوق الموت قبل أن يرى مسيح الرب. فجاء إلى الهيكل بوحي من الروح) فهذا صريح في أن الروح ملَك يأتي بالوحي، وصريح أيضا في أن عيسى عليه السلام (مسيح الرب) فهو عبد لله تعالى، والله هو الذي مسحه، وجعلها مسيحا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/250)
لا يشترط لصحة الإسلام إعلانه أمام شهود؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج من مسلمة وأهلها غير مسلمين، وكانت قد أسلمت وتعلمت بعض السور والصلاة عن طريق الإنترنت وبعد الزواج سألتها على يد من أسلمتِ؟ قالت: أسلمت وحدي، فقلت لها: يجب نطق الشهادتين فنطقت بهما أمامي فهل هذا صحيح؟
مع العلم لقد تزوجنا في المسجد أمام الشيخ وعدد من الشهود وكذلك حصلت على تعريف يفيد بأنها مسلمة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يشترط حتى يكون المرء مسلماً أن يعلن إسلامه بين يدي أحدٍ من الناس، فالإسلام أمر بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى، وإذا أشهد على إسلامه لتوثيق ذلك في وثائقه الخاصة فلا بأس , لكن دون جعل ذلك شرطاً في صحة إسلامه.
وقد سبق بيان هذا في أكثر من جواب، فلتنظر أجوبة الأسئلة: (11936) و (655) و (6542) و (6703) .
ثانياً:
ولا يصح عقد نكاحٍ أحد بغير ولي للزوجة، ولا ولاية لكافرٍ على مسلمة، فإن لم يوجد وليٌّ لها مسلم فيقوم القاضي أو إمام المسجد أو مفتي المنطقة مقام الولي.
وفي جواب السؤال (7714) و (7989) تجد تفصيل حكم المرأة في بلاد الكفر حيث لا يوجد لها ولي مسلم.
ونسأل الله تعالى أن يبارك لكما , ويبارك عليكما , ويجمع بينكما في خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/251)
مزايا دين الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يظن المسلمون أن دينهم هو الحق؟ هل لديهم أسباب مقنعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السائلة المكرّمة
تحية طيبة وبعد
فإن سؤالك يبدو للوهلة الأولى منطقيا من شخص لم يدخل في دين الإسلام لكن الذي مارس هذا الدين واعتقد بما فيه وعمل به يعرف فعلا مقدار النّعمة التي يعيش فيها وهو يتفيؤ ظلال هذا الدّين، وذلك لأسباب كثيرة منها:
1- أن المسلم يعبد إلها واحدا لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلى فتتوحّد وجهة المسلم وقصده ويثق بربّه وخالقه ويتوكّل عليه ويطلب منه العون والنّصر والتأييد وهو يؤمن بأنّ ربه على كلّ شيء قدير لا يحتاج إلى زوجة ولا ولد خلق السموات والأرض وهو المحيي المميت الخالق الرازق فيطلب العبد منه الرزق السميع المجيب فيدعوه العبد ويرجو الإجابة التواب الغفور الرحيم فيتوب إليه العبد إذا أذنب وقصّر في عبادة ربّه، العليم الخبير الشهيد الذي يعلم النيات والسرائر وما في الصّدور فيستحيي العبد أن يقترف الذّنب بظلم نفسه أو ظلم الخلق لأنّ ربّه مطّلع عليه وشاهد، وهو يعلم أنّ ربّه حكيم يعلم الغيب فيثق في اختيار الربّ له وقدره فيه وأنّ ربّه لم يظلمه وأنّ كلّ قضاء قضاه له فهو خير وإن غابت الحكمة عن العبد.
2- آثار العبادات الإسلامية على نفس المسلم فالصلاة صلة بينه وبين ربّه إذا دخل فيها بخشوع أحسّ بالسكينة والطمأنينة والرّاحة لأنّه يأوي إلى ركن شديد وهو الله عزّ وجلّ ولذلك كان نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم يقول: أرحنا بالصلاة وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكلّ من وقعت له مصيبة فجرّب الصلاة أحسّ بمدد من الصّبر وعزاء عمّا أصابه ذلك لأنّه يتلو كلام ربّه في صلاته وأثر تلاوة كلام الربّ لا يُقارن بأثر قراءة كلام مخلوق وإذا كان كلام بعض الأطبّاء النفسانيين فيه راحة وتخفيف فما بالك بكلام من خلق الطبيب النّفساني.
وإذا جئنا إلى الزكاة وهي أحد أركان الإسلام فإنها تطهير للنّفس من الشحّ والبخل وتعويد على الكرم ومساعدة للفقراء والمحتاجين وأجر ينفع يوم القيامة كبقيّة العبادات، ليست باهظة ومرهقة كضرائب البشر وإنما في كلّ 1000 يدفع 25 فقط يؤديها المسلم الصادق عن طواعية نفس لا يتهرّب منها حتى ولو لم يلاحقه أحد.
وأمّا الصيام فامتناع عن الطعام والنكاح عبادة لله وشعورا بحاجة الجائعين والمحرومين وتذكيرا بنعمة الخالق على المخلوق وأجر بلا حساب.
والحجّ إلى بيت الله الحرام الذي بناه إبراهيم عليه السلام والتزام بأمر الله ودعاء مستجاب وتعرّف على المسلمين من أقطار الأرض
3- أنّ الإسلام قد أمر بكلّ خير ونهى عن كلّ شرّ وأمر بسائر الآداب ومحاسن الأخلاق مثل الصّدق والحلم والأناة والرّفق والتواضع والحياء والوفاء بالوعد والوقار والرحمة والعدل والشّجاعة والصّبر والألفة والقناعة والعفّة والإحسان والسّماحة والأمانة والشكر على المعروف وكظم الغيظ، ويأمر ببرّ الوالدين وصلة الرّحم وإغاثة الملهوف والإحسان إلى الجار وحفظ مال اليتيم ورعايته ورحمة الصغير واحترام الكبير والرّفق بالخدم والحيوانات وإماطة الأذى عن الطريق والكلمة الطيبة والعفو والصّفح عند المقدرة ونصيحة المسلم لأخيه المسلم وقضاء حوائج المسلمين وإنظار المعسر والإيثار والمواساة والتعزية والتبسّم في وجوه الناس وإغاثة الملهوف وعيادة المريض ونصرة المظلوم والهديّة بين الأصحاب وإكرام الضّيف ومعاشرة الزوجة بالمعروف والإنفاق عليها وعلى الأولاد وإفشاء التحية وهي السّلام والاستئذان قبل الدخول إلى البيوت حتى لا يرى الإنسان عورات أصحاب البيت.
وإذا كان بعض غير المسلمين يفعلون بعض هذه الأمور فإنما يفعلونها من باب الآداب العامة لكنهم لا يرجون جزاء ولا ثوابا من الله ولا فوزا ولا فلاحا يوم القيامة.
وإذا جئنا إلى ما نهى الإسلام عنه لوجدناه في مصلحة الفرد والمجتمع وكلّ النواهي لحماية العلاقة بين الربّ والعبد وبين الإنسان ونفسه وبين الإنسان وبني جنسه. ولنأخذ هذه الأمثلة الكثيرة لتوضيح المقصود:
فقد جاء الإسلام بالنهي عن الشرك بالله وعبادة غير الله وأنّ عبادة غير الله تعاسة وشقاء والنهي عن إتيان الكهان والعرافين وعن تصديقهم والنهي عن السحر الذي يعمل للتفريق بين شخصين أو الجمع بينهما وعن الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس والنهي عن سب الدهر لأن الله هو الذي يصرفه والنهي عن الطيرة وهي التشاؤم.
والنهي عن إبطال الأعمال كما إذا قصد الرياء والسمعة والمن.
وعن الانحناء أو السجود لغير الله وعن الجلوس مع المنافقين أو الفساق استئناسا بهم أو إيناسا لهم.
وعن التاعن بلعنة الله أو بغضبه أو بالنار.
والنهي عن البول في الماء الراكد وعن قضاء الحاجة على قارعة الطريق وفي ظل الناس وفي موارد الماء وعن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط. والنهي أن يمسك الرجل ذكره بيمينه وهو يبول وعن السلام على من يقضي حاجته ونهي المستيقظ من نومه عن إدخال يده في الإناء حتى يغسلها.
والنهي عن التنفل عند طلوع الشمس وعند زوالها وعند غروبها وهي تطلع وتغرب بين قرني شيطان.
والنهي عن الصلاة وهو بحضرة طعام يشتهيه وعن الصلاة وهو يدافع البول والغائط والريح لأن كل ذلك يشغل المصلي ويصرفه عن الخشوع المطلوب.
والنهي أن يرفع المصلي صوته في الصلاة فيؤذي المؤمنين وعن مواصلة قيام الليل إذا أصابه النعاس بل ينام ثم يقوم وعن قيام الليل كله وبخاصة إذا كان ذلك تباعا.
وأيضا النهي أن يخرج المصلي من صلاته إذا شك في الحدث حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.
والنهي عن الشراء والبيع ونشد الضالة في المساجد لأنها أماكن العبادة وذكر الله فلا يليق فعل الأمور الدنيوية فيها.
والنهي عن الإسراع بالمشي إذا أقيمت الصلاة بل يمشي وعليه السكينة والوقار والنهي عن التباهي في المساجد وعن تزيينها بتحمير أو تصفير أو زخرفة وكل ما يشغل المصلين
والنهي أن يصل يوما بيوم في الصوم دون إفطار بينهما والنهي أن تصوم المرأة صيام نافلة وبعلها شاهد إلا بإذنه
والنهي عن البناء على القبور أوتعليتها ورفعها والجلوس عليها والمشي بينها بالنعال وإنارتها والكتابة عليها ونبشها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد
والنهي عن النياحة وعن شق الثوب ونشر الشعر لموت ميت والنهي عن نعي أهل الجاهلية أما مجرد الإخبار بموت الميت فلا حرج فيه.
والنهي عن أكل الربا والنهي عن كلّ أنواع البيوع التي تشتمل على الجهالة والتغرير والخداع، والنهي عن بيع الدم والخمر والخنزير والأصنام وكل شيْء حرمه الله فثمنه حرام بيعا وشراء وكذلك النهي عن النجش وهو أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شراءها كما يحصل في كثير من المزادات والنهي عن كتم عيوب السلعة وإخفائها عند بيعها، والنهي عن بيع ما لا يملك وعن بيع الشيء قبل أن يحوزه والنهي أن يبيع الرجل على بيع أخيه وأن يشتري على شراء أخيه وأن يسوم على سوم أخيه، والنهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وتنجو من العاهة والنهي عن التطفيف في المكيال والميزان، والنهي عن الاحتكار ونهي الشريك في الأرض أو النخل وما شابهها عن بيع نصيبه حتى يعرضه على شريكه والنهي عن أكل أموال اليتامى ظلما واجتناب أكل القمار والنهي عن الميسر والغصب والنهي عن أخذ الرشوة وإعطائها والنهي عن نهب أموال الناس والنهي عن أكل أموالهم بالباطل وكذلك أخذها بقصد إتلافها والنهي عن بخس الناس أشياءهم والنهي عن كتمان اللقطة وتغييبها وعن أخذ اللقطة إلا لمن يعرفها والنهي عن الغش بأنواعه والنهي عن الاستدانة بدين لايريد وفاءه والنهي أن يأخذ المسلم من مال أخيه المسلم شيئا إلا بطيب نفس منه وما أخذ بسيف الحياء فهو حرام والنهي عن قبول الهدية بسبب الشفاعة
والنهي عن التبتل وهو ترك النكاح والنهي عن الاختصاء والنهي عن الجمع بين الأختين والنهي عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها لا الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى خشية القطيعة والنهي عن الشغار وهو أن يقول مثلا زوجني ابنتك أو أختك على أن أزوجك ابنتي أو أختي فتكون هذه مقابل الأخرى وهذا ظلم وحرام والنهي عن نكاح المتعة وهو نكاح إلى متفق عليه بين الطرفين ينتهي العقد بانتهاء الأجل، والنهي عن وطء المرأة في المحيض وإنما يأتيها بعد أن تتطهر والنهي عن إتيان المرأة في دبرها والنهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك أو يأذن له والنهي أن تنكح الثيب حتى تستأمر والبكر حتى تستأذن والنهي عن التهنئة بقولهم بالرفاء والبنين لأنها من تهنئة الجاهلية وأهل الجاهلية كانوا يكرهون الإناث، والنهي أن تكتم المطلقة ما خلق الله في رحمها، والنهي أن يحدث الزوج والزوجة بما يكون بينهما من أمور الاستمتاع والنهي عن إفساد المرأة على زوجها والنهي عن اللعب بالطلاق والنهي أن تسأل المرأة طلاق أختها سواء كانت زوجة أو مخطوبة مثل أن تسأل المرأة الرجل أن يطلق زوجته لتتزوجه، ونهي المرأة أن تنفق من مال زوجها إلا بإذنه ونهي المرأة أن تهجر فراش زوجها فإن فعلت دون عذر شرعي لعنتها الملائكة والنهي أن ينكح الرجل امرأة أبيه والنهي أن يطأ الرجل امرأة فيها حمل من غيره والنهي أن يعزل الرجل عن زوجته الحرة إلا بإذنها والنهي أن يطرق الرجل أهله ويفاجأهم ليلا إذا قدم من سفر فإذا أخبرهم بوقت قدومه فلا حرج، ونهي الزوج أن يأخذ من مهر زوجته بغير طيب نفس منها، والنهي عن الإضرار بالزوجة لتفتدي منه بالمال.
ونهي النساء عن التبرج والنهي عن المبالغة في ختان المرأة والنهي أن تدخل المرأة أحدا بيت زوجها إلا بإذنه ويكفي إذنه العام إذا لم يخالف الشرع والنهي عن التفريق بين الوالدة وولدها والنهي عن الدياثة والنهي عن إطلاق النظر إلى المرأة الأجنبية وعن اتباع النظرة النظرة.
والنهي عن الميتة سواء ماتت بالغرق أو الخنق أو الصعق أو السقوط من مكان مرتفع وعن الدم ولحم الخنزير وما ذبح على غير اسم الله وما ذبح للأصنام.
والنهي عن أكل لحم الجلالة وهي الدابة التي تتغذى على القاذورات والنجاسات وكذا شرب لبنها وعن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وأكل لحم الحمار الأهلي والنهي عن صبر البهائم وهو أن تمسك ثم ترمى بشيئ إلى أن تموت أو أن تحبس بلا علف، والنهي عن الذبح بالسن والظفر وأن يذبح بهيمة بحضرة أخرى وأن يحد الشفرة أمامها.
في اللباس والزينة
النهي عن الإسراف في اللباس وعن الذهب للرجال والنهي عن التعري وعن المشي عريانا وعن كشف الفخذ.
والنهي عن إسبال الثياب وعن جرها خيلاء وعن لبس ثوب الشهرة
والنهي عن شهادة الزور والنهي عن قذف المحصنة والنهي عن قذف البريء وعن البهتان.
والنهي عن الهمز واللمز والتنابز بالألقاب والغيبة والنميمة والسخرية بالمسلمين وعن التفاخر بالأحساب والطعن في الأنساب وعن السباب والشتم والفحش والخنا والبذاءة وكذلك الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم.
والنهي عن الكذب ومن أشده الكذب في المنام مثل اختلاق الرؤى والمنامات لتحصيل فضيلة أو كسب مادي أو تخويفا لمن بينه وبينهم عداوة
والنهي أن يزكي المرء نفسه والنهي عن النجوى فلا يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه، وعن لعن المؤمن ولعن من لايستحق اللعن.
والنهي عن سب الأموات والنهي عن الدعاء بالموت أو تمنيه لضر نزل به وعن الدعاء على النفس والأولاد والخدم والأموال.
والنهي عن الأكل مما بين أيدي الآخرين وعن الأكل من وسط الطعام وإنما يأكل من حافته وجوانبه فإن البركة تنزل وسط الطعام وعن الشرب من ثلمة الإناء المكسور حتى لايؤذي نفسه وعن الشرب من فم الإناء والنهي عن التنفس فيه وأن يأكل الشخص وهو منبطح على بطنه، والنهي عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر
والنهي عن ترك النار في البيت موقدة حين النوم والنهي أن يبيت الرجل وفي يده غمر مثل الزهومة والزفر والنهي عن النوم على البطن، والنهي أن يحدث الإنسان بالرؤيا القبيحة أو أن يفسرها لأنها من تلاعب الشيطان
والنهي عن قتل النفس بغير حق، والنهي عن قتل الأولاد خشية الفقر والنهي عن الانتحار والنهي عن الزنا والنهي عن اللواط وشرب الخمر وعصره وحمله وبيعه والنهي عن إرضاء الناس بسخط الله، والنهي عن نهر الوالدين وقول أف لهما، والنهي عن انتساب الولد لغير أبيه والنهي عن التعذيب بالنار والنهي عن تحريق الأحياء والأموات بالنار والنهي عن المثلة وهي تشويه جثث القتلى، والنهي عن الإعانة على الباطل والتعاون على الإثم والعدوان والنهي عن إطاعة أحد في معصية الله والنهي عن الحلف كاذبا وعن اليمين الغموس والنهي أن يستمع لحديث قوم بغير إذنهم والنهي عن النظر إلى العورات والنهي أن يدّعي ما ليس له والنهي أن يتشبع بما لم يعط وأن يسعى إلى أن يحمد بما لم يفعل والنهي عن الاطلاع في بيت قوم بغير إذنهم والنهي عن الإسراف والتبذير والنهي عن اليمين الآثمة والتجسس وسوء الظن بالصالحين والصالحات والنهي عن التحاسد والتباغض والتدابر والنهي عن التمادي في الباطل والنهي عن الكبر والفخر والخيلاء والإعجاب بالنفس والفرح والمرح أشرا وبطرا والنهي أن يعود المسلم في صدقتة ولو بشرائها، والنهي عن استيفاء العمل من الأجير وعدم إيفائه أجره والنهي عن عدم العدل في العطية بين الأولاد، والنهي أن يوصي بماله كله ويترك ورثته فقراء فإن فعل فلا تنفذ وصيته إلا في الثلث والنهي عن سوء الجوار والنهي عن المضارة في الوصية والنهي عن هجر المسلم فوق ثلاثة أيام دون سبب شرعي والنهي عن الخذف وهو رمي الحصاة بين أصبعين لأنها مظنة الأذى مثل فقء العين وكسر السن، والنهي عن الوصية لوارث لأن الله قد أعطى الورثة حقوقهم، والنهي عن إيذاء الجار، والنهي عن إشارة المسلم لأخيه بالسلاح والنهي عن تعاطي السيف مسلولا خشية الإيذاء والنهي أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما، والنهي عن ردّ الهدية إذا لم يكن فيها محذور شرعي، والنهي عن الإسراف والتبذير، والنهي عن إعطاء المال للسفهاء، ونهي الناس أن يتمنى ما فضل الله بعضهم على بعض من الرجال والنساء والنهي عن إبطال الصدقات بالمن والأذى، والنهي عن كتمان الشهادة، والنهي عن قهر اليتيم ونهر السائل، والنهي عن التداوي بالدواء الخبيث فإن الله لم يجعل شفاء الأمة فيما حرم عليها والنهي عن قتل النساء والصبيان في الحرب، والنهي أن يفخر أحد على أحد، والنهي عن إخلاف الوعد، والنهي عن خيانة الأمانة والنهي عن سؤال الناس دون حاجة والنهي أن يروع المسلم أخاه المسلم أو يأخذ متاعه لاعبا أو جادا والنهي أن يرجع الشخص في هبته وعطيته إلا الوالد فيما أعطى ولده والنهي عن ممارسة الطب بغير خبرة والنهي عن قتل النمل والنحل والهدهد والنهي أن ينظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة والنهي عن الجلوس بين اثنين إلا بإذنهما والنهي عن جعل السلام للمعرفة وإنما يسلم على من عرف ومن لم يعرف والنهي عن جعل اليمين حائلة بين الحالف وعمل البر بل يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه والنهي عن القضاء بين الخصمين وهو غضبان أو يقضي لأحدهما دون أن يسمع كلام الآخر والنهي أن يمر الرجل في السوق ومعه ما يؤذي المسلمين كالأدوات الحادة المكشوفة، والنهي أن يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يقعد فيه، والنهي أن يقوم الرجل من عند أخيه حتى يستأذن.
إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي التي جاءت لسعادة الإنسان وسعادة البشرية، فهل رأيت أو عرفت أيتها السائلة دينا مثل هذا الدّين؟
أعيدي قراءة الجواب ثمّ سائلي نفسك: أليس من الخسارة أن لا تكوني أحد أتباعه؟
قال الله تعالى في القرآن العظيم: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85) سورة آل عمران
وختاما أتمنى لكِ ولكلّ من قرأ هذا الجواب التوفيق لسلوك سبيل الصواب واتّباع الحقّ، والله يحفظنا وإياكم من كلّ سوء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/252)
هل يمنع بلد الأب ولون الأم ولدهما من الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمنع كون أبي من بورتوريكا وأمي من البيض أن أكون مسلماً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن ما ذكرته لا يمنع مطلقا من إسلامك، والإسلام دين لجميع الخلق مهما كانت ألوانهم وبلدانهم وقبائلهم ولغاتهم والنبي محمد صلى الله عليه وسلم رسول لجميع البشر بكافة أصولهم وأماكنهم قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) سورة الأعراف.
وليس هناك فضل لأحد على أحد في الإسلام إلا بالتقوى، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) فمن حكمته سبحانه وتعالى أنه نوّع شعوب البشر وقبائلهم ليتعارفوا لا ليتفاخروا، وأخبر سبحانه وتعالى أنّ الاختلاف بين ألوان البشر ولغاتهم من أدلّة عظمته وقدرته في الخلق، قال سبحانه وتعالى: (وَمِنْءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) سورة الروم.
ونبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم قد أكّد على تحريم التمييز العنصري وعلى تحريم احتقار الملوّنين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته المشهورة: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى.. " رواه الإمام أحمد 22391
ولمّا عيّر رجل أخاه بأنّ أمّه سوداء قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك امرؤ فيك جاهليّة. وعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِي كَلامٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ.. " رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم 3139
بادر إلى الإسلام تسعد وسترى إذا التزمت به ما تقرّ به عينك في الدنيا والآخرة، والسلام على من اتّبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/253)
غلام يهودي يسأل عن الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في بيت يهودي ولكن لفترة طويلة أقرأ عن الإسلام والقرآن.
أظن أن الإسلام هو الطريق الصحيح وأريد أن أتعلم المزيد عن الإسلام وربما أصبح مسلماً.
فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعلك غلام أراد الله به خيرا، إننا نُكْبر فيك أنّك بالرغم من معيشتك في عائلة يهودية فأنت تقرأ عن الإسلام والقرآن منذ مدّة، وتريد المزيد، وترى بأنّ الإسلام هو دين الحقّ، وهذه كلها إنجازات وخطوات عظيمة تستحقّ عليها كلّ تشجيع، وبحثك عن الحقّ في هذا السنّ يدلّ على قوة عقلك وتفكيرك السّديد، فهنيئا لك بهذا التوجّه في التفكير وعليك بالمزيد من القراءة والبحث والنّظر في المواقع الإسلامية الصّحيحة على الشبكة العالمية وستجد في ثنايا هذه الموقع معلومات كثيرة وإجابات عن أسئلة وردت من أشخاص تتشابه أوضاعهم مع وضعك، وتعال معنا الآن لقراءة هذه القصّة عن غلام يهودي كان على عهد نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ غُلامًا مِنْ الْيَهُودِ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَدَعَاهُ إِلَى الإِسْلامِ فَنَظَرَ الْغُلامُ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ (وهي كنية النبي محمد صلى الله عليه وسلم) ، فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّارِ. رواه الإمام أحمد 12896 وهو في صحيح البخاري 1268
فهلمّ وأسلم كما أسلم سلفك من قبل لتنجو من النّار وتفوز بجنّة عرضها السموات والأرض، ثمّ نريد أن نهديك هذه القصّة الصحيحة التي فيها عبرة عظيمة وعظة بالغة في حياة غلام بحث عن الحقّ ووفقّه الله إليه: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلامًا يُعَلِّمُهُ فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلامَهُ فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتْ النَّاسَ فَقَالَ الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمْ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنْ ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ وَكَانَ الْغُلامُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي فَقَالَ إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قَالَ رَبِّي قَالَ وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي قَالَ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلامِ فَجِيءَ بِالْغُلامِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ فَقَالَ إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَاطْرَحُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَقَالَ لِلْمَلِكِ إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلامِ ثُمَّ ارْمِنِي فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِالأخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلامُ يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ. " رواه مسلم في صحيحه 5327
وبعد هذه القصّة المؤثّرة في معرفة الحقّ والإيمان به والثبات عليه نودّ أن نقول لك: إذا رأيت أنّ أهلك سيفتنونك عن دينك إذا أسلمت فاكتم أمر إسلامك وأدّ الصلوات سرا حتى يحكم الله لك وهو خير الحاكمين، ومرحبا بك قارئا وسائلا وأخا لنا مسلما في المستقبل القريب إن شاء الله.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/254)
حوار جاد مع نصراني
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتصفح موقعكم ولقد استمتعت بذلك حيث أنني طالبة نصرانية بمدرسة دينية وأرغب في تعلم المزيد. أريد أن أعرف رأيك فيما يلي هل هو صحيح؟
في الإسلام: الجنة عبارة عن خمر ونساء وغناء. وطريق الجنة يكون بالبعد عن هذه الأمور التي سوف يكافأ بها بالإضافة إلى الالتزام بأركان الإسلام الخمسة.
في الإسلام: لا يبدو أن هناك ضماناً بالنجاة والخلاص. فقط يقال اتبع هذه الطريقة خلال الحياة وستنال الخلاص والنجاة من الله. ليس هناك ضمان. أنا لا أحب أن أعيش كذلك بلا ضمان. أنا أعلم أن المسلمين لا يعتقدون بالخطيئة الأصلية ولكن بغض النظر عن كون الإنسان يولد مخطئاً أو لا، ألا توافقني بأن الإنسان خطاء وكثير الخطأ؟ ماذا يفعل الإنسان تجاه خطئه ومعصيته؟ أنا أفهم التوبة لكن يبدو أنه لا يمكن لأحد أن يبلغ النجاة عند الله. ولهذا أرسل الله ابنه ليقتل على الصليب من أجلنا، من أجل الخلاص من ذنوبنا الحاضرة والماضية والقادمة.
ليس هناك ضمان للنجاة في الإسلام، إن هذا أمر مرعب حقاً أن تعيش بلا ضمان للنجاة. أن تعيش حياتك ولا تدري هل عملت من الأعمال الصالحة ما يكفي لخلاصك يوم القيامة ولا تدري هل صليت بما فيه الكفاية أم لا …الخ إنه أمر مرعب حقاً.
لقد سألت العديد من زملائي المسلمين هل هم متأكدون من دخولهم الجنة أو النار بعد الموت ولكن لم أتلق منهم رداً بالإيجاب. إنه ليس هناك ضمانات في الإسلام لأنه ليس هناك اعتقاد في الخلاص بالإيمان بالمسيح، إنما يعتمد الإسلام على فعل الشخص وأعماله.
أيضاً: لو أردت أن أصبح مسلمة فإنني لا أستطيع. إذا كان المسلمون يعتقدون أنهم المصطفون من بين الناس فلماذا لا ينشرون دينهم؟ هل يقتصر الأمر على أن تكون محظوظاً لأنك ولدت مسلماً؟
إذا أراد شخص أن يكون نصرانياً فإنه يستطيع ذلك. أي شخص يمكن أن يصبح نصرانياً في خلال ثوان. أنا لم أكن نصرانية عندما ولدت. إن النصارى يؤكدون أن عيسى المسيح هو الطريق الوحيد للرب.
عيسى المسيح قال بنفسه أنا الطريق أنا الحق أنا الحياة لا أحد سيصل إلى الأب من غير طريقي إنه لم يقل أنا أحد الطرق بل قال أنا الطريق
وقال أيضاً: أنا والأب واحد.
أنا لا أفهم كيف يكون أي شخص متعامياً عن هذه الحقائق إلا إذا لم يسمعوا بها من قبل.
أنا أرغب في رد وتعليق من قبلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مما نقدّره لك أيها السائل توجهك بالسؤال عن إفادة بشأن ما عرضته عن تصورات لقضايا في دين الإسلام، ونحن نرجو أن تكون المناقشة لبعض ما كتبت والتصحيح لبعض التصورات التي عرضتها سبيلا إلى الوصول إلى الحقيقة والاقتناع بها:
1- ما أوردته عن العقيدة الإسلامية حيال موضوع الجنة وأنه نعيم بالخمر والنساء والغناء فيه قصور كبير عن الاعتقاد الصحيح حيال ذلك، فإن نعيم الجنة ليس نعيما حسيّا جسديا فقط بل هو كذلك نعيم قلبي بالطمأنينة والرضى به سبحانه وتعالى وبجواره، بل إن أعظم نعيم في الجنة على الإطلاق هو رؤية الربّ سبحانه وتعالى، فإن أهل الجنة إذا رأوا وجهه الكريم نسوا كلّ ما كانوا فيه من ألوان النعيم، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين ولا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون، والمقصود بيان أن نعيم أهل الجنة ليس مقصورا على ما ورد في كلامك بل هو أوسع من ذلك بكثير.
2- ما ذكرته من أن دخول الجنة يتحقق بترك محرمات معينة ليفوز الإنسان بها في الآخرة هو أيضا خطأ كبير بهذا الإطلاق إذ أن الإسلام دين يأمر بالعمل لا بالترك فقط فلا تتحقق النجاة إلا بفعل المأمورات وليس بترك المنهيات فقط فهو قيام بالواجبات وانتهاء عن المحرمات، وكذلك فإنه ليس كل نعيم الجنة مما كان محرما في الدنيا على سبيل المكافأة بل كم في الجنة من النعيم الذي كان مباحا في الدنيا فالزواج مباح هنا وهو نعيم هناك والفواكه الطيبة من الرمان والتين وغيرها مباح هنا وهو من النعيم هناك والأشربة من اللبن والعسل مباح هنا وهو نعيم هناك وهكذا، بل إن المفسدة التي تشتمل عليها المحرمات في الدنيا تنتزع منها في الآخرة إذا كانت من نعيم الجنة كالخمر مثلا قال الله سبحانه وتعالى عن خمر الجنة: (لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون) فلا تُذهب العقل ولا تسبّب صداعا ولا مغصا، فطبيعتها مختلفة عما هي عليه في الدنيا، والمقصود أن نعيم الجنة ليس مقصورا على إباحة المحرمات الدنيوية. وكذلك مما يجدر التنبيه عليه أن هناك من المحرمات التي لا يجازى على تركها في الدنيا بإعطاء نظيرها في الآخرة سواء من ذلك المطعومات أو المشروبات أو الأفعال والأقوال فالسم مثلا لا يكون نعيما في الآخرة مع حرمته في الدنيا وكذا اللواط ونكاح المحارم وغير ذلك لا تباح في الآخرة مع حظرها في الدنيا، وهذا واضح بحمد الله.
3- أما مسألة وجود الضمانات من عدمها وأن حياة الشخص ستكون رديئة شنيعة على حد تعبيرك إذا لم يكن لديه ضمان بالجنة فالجواب أنّ سوء التصور هو الذي يوصل إلى هذه النتيجة، ولو أنّك قلت: لو كان كلّ شخص عنده ضمان بالجنة لكانت مصيبة عظيمة إذ أنّه سيفعل كلّ حرام ويرتكب كلّ محظور بهذا الضمان، وكثيرا ما يفعل المجرمون من اليهود والنصارى ما يفعلون اعتمادا على ذلك الضمان الباطل وصكوك الغفران وطلبات الصّفح من الرهبان، وقد أخبرنا ربنا عن هؤلاء بقوله: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) سورة البقرة، وقضية الجنّة عندنا نحن المسلمين ليست بأهوائنا ولا بأهواء غيرنا كما قال ربنا: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (123) سورة النساء، وإليك فيما يلي نبذة مختصرة في الاعتقاد الإسلامي بشأن ضمان المصير:
يقدم الإسلام ضمانا لكل مسلم مخلص مطيع لله حتى يموت على ذلك بأنه سيدخل الجنة قطعا وجزما. قال الله تعالى في محكم تنزيله: (وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا (122) سورة النساء وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) سورة المائدة. وقال تعالى: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) سورة مريم، وقال: (قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) سورة الفرقان، وقال: (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) سورة الزمر، وكذلك يضمن الإسلام للكافر المعرض عن أمر الله عز وجل بأنه سيدخل النار قطعا وجزما، قال تعالى:
(وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) سورة التوبة، وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) سورة فاطر، وقال تعالى عن الكافرين يوم الدّين: (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) سورة يس. فوعْد الله لا يتخلّف مع الفريقين كما ذكر عن حالهما بعد انتهاء يوم القيامة:
(وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) سورة الأعراف، فكلّ من آمن وعمل صالحا ومات على ذلك يدخل قطعا الجنة، وكلّ من كفر وعمل السيئات ومات على ذلك يدخل النّار قطعا، ثمّ إن من قواعد الإسلام العظيمة ان يعيش المؤمن بين الخوف والرّجاء فلا يحكم لنفسه بالجنة لأنّه سيغترّ ثمّ إنه لا يدري على أيّ شيء سيموت، ولا يحكم على نفسه بالنّار لأنّ ذلك قنوط من رحمة الله ويأس محرّم، فهو يعمل الصّالحات ويرجو أن يثيبه الله عليها ويجتنب السيئات خوفا من عقاب الله، ولو أذنب فإنه يتوب لينال المغفرة ويتقي بتوبته عذاب النّار والله يغفر الذّنوب ويتوب على من تاب، وإذا خاف المؤمن أن ما قدّمه من العمل لا يكفي على حد تعبيرك زاد في العمل خوفا ورجاء. ومهما قدّم من أعمال صالحة فإنّه لا يركن إليها ولا يغترّ فيهلك بل يعمل ويرجو الثواب، وفي الوقت ذاته يخشى على عمله من الرياء والعُجب والحبوط كما قال الله تعالى في وصف المؤمنين: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) ، فهكذا يبقى المؤمن يعمل ويرجو ويخاف إلى أن يلقى الله على التوحيد وعمل الصّالحات فيفوز برضى الربّ وجنّته، ولو أنّك تمعنت في الأمر لعلمت أنّ هذه هي الدوافع الصّحيحة للعمل، وأنّ الاستقامة في الحياة لا تحصل إلاّ بهذا.
4- وأما ما أوردته حيال مسألة الخطيئة الأصلية فالكلام عليه من عدّة جهات:
الأولى: أن موقف العقيدة الإسلامية حيال الذنوب البشرية هو: أن الشخص كما يتحمّل تبعة عمله ولا يتحمّلها غيره فكذلك لا يتحمّل هو تبعة عمل غيره، كما قال عز وجل: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، ففكرة الخطيئة الأصلية منتفية بهذا فإذا أخطأ الأب فما ذنب الأولاد والأحفاد أن يتحملوا خطيئة عملها غيرهم، إنّ العقيدة النصرانية التي تحمّل الذرية خطأ أبيهم هي عين الظّلم، فهل يقول عاقل أنّ الذّنب يتسلسل عبر قرون البشرية، وأنّ ذنب الجدّ يلطّخ الأولاد والأحفاد والأجيال؟؟
الثانية: أنّ الخطأ من طبيعة البشر وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ". رواه الترمذي 2423، لكن الله لم يجعل الإنسان عاجزا عند حصول الذّنب لا يملك أن يفعل شيئا حياله بل أعطاه الفرصة وفتح له الباب للتوبة والعودة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في تكملة الحديث السابق: " وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ. "، وتظهر رحمة الربّ في شريعة الإسلام جليّة عندما ينادي سبحانه وتعالى عباده بقوله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) سورة الزمر. فهذه طبيعة النفس البشرية وهذا سبيلها وحلّ مشكلتها إذا أذنبت، أما أن تجعل هذه الطبيعة البشرية وهي طبيعة الخطأ سدا منيعا بين العبد وبين الرب وأن العبد لا يقدر على بلوغ مرضات الرب إطلاقا إلا بأن يُنزل لهم ابنه (المزعوم!!) ليُصلب ذليلا مهانا تحت سمع وبصر (أبيه!!) فعند ذلك يغفر للبشرية فأمر في غاية العجب والسّخافة ومجرّد حكاية هذا الكلام الباطل يُغني عن الردّ عليه، وقد قلت مرة لشخص نصراني ونحن في نقاش هذه المسألة إذا كنتم تقولون أنه أنزل ابنه ليصلب فداء للبشرية الذين في عصره أو الذين سيأتوا بعد الصّلب فما هو ياتُرى حال الذين أذنبوا وماتوا مُذنبين قبل ولادة المسيح ولم يتسنى لهم أن يعرفوا المسيح ليؤمنوا بعقيدة الصّلب المذكورة ليغفر لهم؟ ، فلم يزد على أن قال: بالتأكيد عند قساوستنا ردّ على هذا الإشكال! ولو وُجد فإنّه تلفيق فماذا عساهم يقولون.
وأنت إذ استعرضت العقيدة النصرانية حيال موضوع الخطيئة البشرية بعقل منصف وجدتهم يقولون أن الرب قد ضحى بولده البكر الوحيد ليكفر بذلك خطايا البشر وهذا الابن إله فلئن كان الإله قد ضرب وشتم وصلب فمات فإن هذه العقيدة تحمل في طياتها الإلحاد فيه سبحانه وتعالى واتّهامه بالتخاذل والضّعف. وهل الرّب عاجز عن غفران ذنوب العباد كلّهم بكلمة واحدة منه، إذا كان كذلك وهو على كلّ شيء قدير (والنّصارى لا يعترضون على هذا) فما الذي يجعله إذن يُضحّي بولده من أجل ذلك (تعالى الله عمّا يقول الظّالمون علوا كبيرا) ،
(بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) سورة الأنعام، وإذا كان الشّخص العادي لا يرضى أن يُمسّ ولده بسوء بل يُدافع عنه ولا يُسْلمه إلى عدوّ لينال منه أو يسبّه ويشتمه فضْلا عن أن يتركه يواجه مصير القتل صلبا بأبشع القتْلات، إذا كان هذا حال المخلوق العادي فكيف بالربّ.
الثالثة: إن عقيدة التكفير عن الخطيئة الأصلية التي يعتقدها النصارى لها أثر سلبي على واقع الحياة البشرية إذ أن العقيدة النصرانية كما أوردت لا تفرض على الإنسان أي التزامات فما عليه إلا أن يعتقد أن الله قد أرسل ابنه إلى هذه الأرض ليصلب فيموت تكفيرا لأخطاء البشر فيكون بذلك نصرانيا يضمن بذلك الفوز برضى الرب ويدخل الجنة، وليس هذا فحسب بل يعتقد أن كل ما حدث بابن الله إنما هو لتكفير خطاياه السالفة والحاضرة والمستقبلية ولا تتساءل بعد ذلك عن سبب ما تعيشه المجتمعات النصرانية من تزايد حالات القتل والاغتصاب والسرقة وإدمان الكحول إلى غيرها من الخطايا.. أليس المسيح قد مات لتكفيرها وقد كفّرت ومُحيت فلما لا يتوقّفون عن عمل المعاصي. وقل لي بربّك لماذا تُعدمون القاتل أحيانا، وتسجنون المجرم، وتُعاقبون بالعقوبات المختلفة إذا كان المجرم في نظركم قد كفّرت ذنوبه وغُفرت سائر جرائمه بدم المسيح؟ أليس تناقضا عجيبا؟
5- ما أوردته في كلامك من أن المسلمين ما داموا يعتقدون أنهم المصطفون من البشر فلماذا لا ينشرون عقيدتهم، فالجواب أنّ المخلصين منهم العاملين بالكتاب الكريم قد قاموا بذلك وإلا فما الذي أوصل الإسلام من مكة إلى أندنوسيا وسيبريا والمغرب والبوسنة وجنوب أفريقية وسائر بلاد الشّرق والغرب، والأخطاء الموجودة في سلوكيات بعض المسلمين اليوم لا يتحمّلها الإسلام وليس سببا فيها بل إنّها لم تحصل إلا نتيجة مخالفة الإسلام، وليس من العدل أن يُحمّل المنهج أخطاء بعض أتباعه الذين خالفوه وانحرفوا عنه. أليس المسلمون أعدل من النّصارى عندما يُقرّون بأنّ المذنب مهدّد بعقاب الله مالم يتب وأنّ من الذّنوب ما فيه حدّ يردع في الدّنيا ويكون كفّارة في الآخرة كحدّ القتل والسّرقة والزّنا.. إلخ.
6- وأما ما ذكرته من سهولة الدّخول في النّصرانية بالنسبة للإسلام فخطأ ظاهر فإن مفتاح الإسلام عبارتان لا غير: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله يدخل بها الشخص الإسلام في ثوان لا يحتاج إلى تعميد ولا قسّيس ولا ذهاب إلى مكان معيّن لا مسجد ولا غيره، قارن بين هذا وبين إجراءات التعميد المُضحكة التي يفعلها النّصارى إذا أرادوا إدخال شخص في النّصرانية. ثمّ يقدّس النّصارى الصّليب الذي آذى عيسى لما صُلب عليه - بزعمهم - وآلم ظهره وأوجعه فيجعلونه مقدّسا وبركة وشفاء بدل أن يذمّوه ويكرهوه ويعتبروه رمزا للظلم وشكلا بشعا لموت ابن الإله!! وهو الذي أوجع ظهره وحرمه النّوم.
7- ألا ترى معي بأنّ المسلمين أولى بالحقّ من غيرهم وهم يؤمنون بجميع الأنبياء والمرسلين ويجلّونهم ويعتقدون أنهم على الحقّ والتوحيد جميعا وأنّ كلا نبّأه الله أو أرسله إل قومه بشريعة تُناسب ذلك الزّمان والمكان، إنّ النّصراني المُنصف إذا رأى أهل الإسلام يُؤمنون بموسى وعيسى ومحمد عليهم صلوات الله وسلامه وبالتوراة والإنجيل الأصليين والقرآن الكريم، ثم يرى بني قومه من النّصارى يكفرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ويجحدون نبوته ويكذّبون بكتابه، ألا يقوده إنصافه إلى ترجيح كفّة المسلمين؟
8- أما ما ذكرته من أن قول المسيح: لا أحد يستطيع أن يصل إلى الأب إلا من خلالي. فإنه لا بدّ من إثبات هذه المقولة وصحّة نسبتها إلى عيسى أولا، وثانيا: إنّها واضحة البطلان فكيف عرفت البشرية الله في عهد نوح وهود وصالح ويونس وشعيب وإبراهيم وموسى وغيرهم من الأنبياء؟ ولو كانت المقولة إنّ بني إسرائيل في عهد عيسى عليه السلام وعصره وما بعده إلى عهد خاتم الأنبياء محمد عليه السلام - لا يستطيعون الوصول إلى دين الله وشريعته إلا من طريق عيسى عليه السّلام فقط لقلنا إنّ ذلك قول صحيح وعبارة وجيهة.
9- أما ما ختمت به من قول المسيح أنا والأب واحد فهذه عقيدة مرفوضة ولو سلكت سبيل الإنصاف وتجرّدت عن الهوى لتبيّن لك أن قولة: " أنا والأب "، مركبّة من معطوف ومعطوف عليه وأداة العطف بينهما، والعطف في علم اللغة يقتضي التّغاير أي أنّه شئ والأب شئ آخر، ولو قال شخص أنا وفلان لعلم كلّ عاقل أنهما اثنان مختلفان، ومعادلة 1+1+1=1 هي معادلة مرفوضة عند جميع العقلاء من الرياضيين وغيرهم.
وختاما أوصيك وما أظنك ترد ذي الوصية أن تقوم لله متفكرا في نفسك فيما قرأت من الكلام متجردا عن أيّ خلفيّة أو مقالة سابقة وعن كلّ هوى أو عصبية صادقا في طلب الهداية من الله وحده، والله أكرم من أن يخيب عبدا هذا شأنه. والله الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/255)
تريد أن تسلم ولكنها لا تقبل بعض الأحكام الشرعية كالحجاب وأداء الصلوات في أوقاتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ولدت في فرنسا لعائلة كاثوليكية، حيث الناس متمسكون بدينهم جدا وأنا أحترم هذا الشيء. أنا مهتمة جدا بالإسلام ولكن هناك أمران يمنعاني من الإسلام أولهما: لأني امرأة فأنا لا أوافق على عدة أمور مثلاً التعدد ورجم الزانية المحصنة وأن أكون دائما معتمدة على المحرم، كما أنه ليس من السهل أبدا أن أعيش كامرأة مسلمة في الغرب: في عملي لن أستطيع لبس الحجاب أو أن لا أصافح الرجال أو أن أصلي خمس مرات يومياً، كما أن والداي وخصوصا أمي المريضة لن يكونا سعيدين أبدا إذا علما بأني سأترك النصرانية.
وسؤالي هو كيف لي أن أتحول للإسلام في هذه الحال؟ وهل هناك حد أدنى من المتطلبات؟
أعني مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يوجد أشياء لا أقبلها، فهل هو من الأفضل لي بأن أنتظر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
السؤال: امرأة كافرة تقول: أريد أن أسلم لكن بشرط أن لا أصلي الصلوات الخمس إلا في آخر النهار لأنني لا يمكن أن أؤديها في عملي كما أنني لا يمكن أن أقبل بفكرة تعدد الزوجات. فأجاب بقوله:
الجواب:
الحمد لله
نرى أن تلتزم بأحكام الإسلام إن كانت تريد الإسلام وتريد النجاة من النار وأما أن تتحكم فتقول لا أقبل بتعدد الزوجات وظاهر كلامها أنها لا تقبله شرعاً أو تقول لا أصلي إلا إذا فرغت من عملي فلا نقبل منها هذا.
سؤال - في كتاب "منتقى الأخبار قال المؤلف: باب صحة الإسلام مع الشرط الفاسد وذكر حديث.. وهيب قال سألت جابراً عن شأن ثقيف إذ بايعت فقال اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول سيتصدقون ويجاهدون، هل يؤخذ من هذا أنه لو جاءنا كافر مثل هذا قال: أريد أن أسلم بشرط أن أجمع الصلوات كلها في آخر اليوم، هذه الأحاديث لا تشبه حالة هذا الشخص.
الشيخ: لا تشابه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قيل له في هذا قال إنهم إذا أسلموا صلوا وهذا من أمور الغيب التي لا نعلمها (أي أن النبي صلى الله عليه وسلم قَبِل منهم ذلك لأنّه عَلم بما علّمه الله تعالى من الغيب أنّ هؤلاء سيحسن إسلامهم وسيتصدقون ويُجاهدون بينما نحن لا يُمكن أن نعلم الغيب من حال الكافر في المستقبل) ولو قبلنا من الكفار ما يشترطون لتفكك الإسلام، هذا يشترط أن نبيح له الزنا وهذا يشترط أن نبيح له الخمر وهذا يشترط أن..، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه لما بعثه إلى أهل خيبر: أخبرهم بما يجب عليهم من حق الله في الإسلام، (و) شرط الإسلام لا بد أن يتم كما هو فإنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ " أعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات فإن هم أجابوك لذلك … ثم ذكر الزكاة " فلا بد من الإجابة على أشراط الإسلام.
سؤال: - هل يُمكن أن نقول بأن دخول هذا الكافر في الإسلام مصلحة كبيرة، واشتراطه ترك لبعض العبادات مفسدة أقل؟
الشيخ: أبداً، مصلحة لمن؟ مصلحة للشخص نفسه. ولكنه مفسدة للإسلام، لأنه سيقول الكُسالى من المسلمين لا نصلي إلا إذا فرغنا من أعمالنا كما فعل هذا الرجل، فمضرته على الإسلام كبيرة، وهذا إن أراد أن ينجِّي نفسه فليأتِ بالإسلام على شرطه " ومن يضلل الله فلا هادي له " أهـ
فالذي نقوله لك أيتها السائلة المهتمة بالإسلام أسلمي واقبلي الإسلام كاملا واستسلمي لله في كلّ ما شرعه والله سيعينك ويرزقك القوّة للتنفيذ والتطبيق إذا صدقت مع الله وأخلصت النيّة، ثمّ لو فُرض أنْ واجهك أمر لم تستطيعي تنفيذه بعذر صحيح وصِرْت مُكْرهة وعلم الله صدقك فلن يعذّبك على ذلك، والله يوفقنا وإيّاك لقبول الحقّ والالتزام به. وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/256)
يريد الإسلام وبعض الناس ينصحونه بالتريّث
[السُّؤَالُ]
ـ[أمضيت الشهور السابقة في بحث ودراسة الدين الإسلامي وبدأت أقرأ القرآن في الآونة الأخيرة.. أشعر داخلي بأني قد تهيأت لنطق الشهادتين لكن بعض أصدقائي من المسلمين لا يعتقدون بذلك فهم يحذرونني من اتخاذ هذا القرار المصيري بسرعة، لكني أشعر أني قد تهيأت لذلك بالفعل. هل يمكنك نصحي بما يجب علي أن أفعل حتى يمكنني إعلان إسلامي وأن أشهد أن الله هو الإله الواحد رب العالمين، مع العلم أني لم أتخذ أي قرار سريع في حياتي من قبل. شكرا لك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تحية طيبة لك أيّها السائل الكريم، واعلم بأننا لا يمكن أن نكتم فرحتنا لقراءة سؤالك المعبّر عن استعدادك للدخول في الإسلام، وأما عن نصيحة بعض الناس لك بالتريّث والتمهّل ففيه غرابة ولعلّهم يخشون عليك من الردّة والعودة إلى الكفر بعد الإسلام ولكن أيّها السّائل العزيز أليس الموت محتملا في أي وقت؟ إذا كان الجواب نعم، ألا ترى أنّه من الخير لك أن تُبادر بالإسلام فورا، حتى إذا حضر الأجل في أيّ وقت تلقى الله وأنت على دينه الإسلام الذي لا يَقبل غيره وخير البرّ عاجله ' ثمّ إنّك ولله الحمد قد قرأت عن الإسلام وطالعت في القرآن مدّة لا بأس بها فسارع ولا تحرم نفسك من الأجر الذي ستجنيه كلما بكّرت بالإسلام، ونسأل الله أن يُعينك وييسر أمورك ويشرح صدرك للحقّ ويثبتّك عليه. والله الموفّق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/257)
هل يتعارض الدخول في الإسلام مع لعبة كرة السلّة
[السُّؤَالُ]
ـ[أتسائل كوني شاب غير مسلم، هل بإمكاني ممارسة لعبة كرة السلة بعد أن أصبح مسلماً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم بإمكانك أن تدخل في الإسلام وتمارس لعبة كرة السلّة ما دامت خالية من المحرمات والأضرار، والإسلام لا يحرّم الألعاب المفيدة للجسم والمنشّطة لعضلاته والمقويّة لأعضائه بل من حقّ الجسم على صاحبه أن يهتمّ به كما قال نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم: إنّ لجسدك عليك حقا." رواه البخاري 4800، ومن فوائد لعبة كرة السلّة أنّها تعتمد على دقّة التصويب والتهديف، فلا بأس بلعبها ما لم يخالطها أمر محرّم كالقمار او كشف العورات أو الإيذاء والضّرب المتعمّد أو الإشغال عن أداء الصلاة ونحو ذلك، وبالمناسبة لا أظنه يخفى عليك أنه يوجد عدد من لاعبي كرة السلّة العالميين ممن اعتنقوا دين الإسلام، فالنّصيحة لك أن لا تتردد ولا تتأخر في الدّخول في الإسلام فليس هناك عائق يمنع، ونسأل الله أن يوفقّك لاتّباع الحقّ ويأخذ بيدك إلى طريق الخير، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/258)
ردّ على كافر عنيد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل علمت أن دينكم هو من نتاج الكاثوليك؟ وأن محمد (عليه الصلاة والسلام) هو مسيحكم؟ لكن دعني أخبرك بأن ربكم الذي تعرفونه ليس هو رب الأرباب، لكنه شيطان من الشياطين (تعالى الله عما يقول الظالمون) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نريد أن نرد على الشتائم بشتائم ولكن سنجيب عليك - أيها الكافر - من كلام الله إن كنت تؤمن بوجود الله.
أيها الكافر، نحاورك بما خاطب الله به أهل الكتاب والكفار فقال:
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا (171) سورة النساء
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلا أَنْ ءامَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) سورة المائدة
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) سورة البقرة
وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا (136)
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) سورة النساء
أيها الكافر هل تظن أنك تضر الله شيئا بكفرك قال تعالى: (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) سورة النساء، بل إنك لا تزداد عند الله إلا مقتا وخسارا
أيها الكافر أنت من شرّ الدواب قال الله تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) سورة الأنفال
أيها الكافر ألست ستموت؟ أو عندك شكّ في ذلك؟ هل تدري ماذا سيكون حالك عند الموت إذا متّ على الكفر؟ إسمع:
(وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) سورة الأنفال
أيها الكافر ويلك مما سيكون يوم القيامة، قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) .
إن لنا موعدا معك بعد الموت، في يوم الحساب
(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) سورة النساء
أيها الكافر هل تدري ما أعدّ الله لك إن مُتّ على الكفر؟ إقرأ
(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) سورة الفتح
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) سورة البقرة
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) سورة آل عمران
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) آل عمران
أتعرف ماذا سيكون شرابك في جهنم لو مت كافرا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) سورة يونس، أتدري ماذا ستكون الثياب يومئذ: قال تعالى: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) سورة الحج
أتدري عن نوعية العذاب: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) سورة النساء، وقال: (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) سورة الأنبياء
أيها السبّاب
ربما تتمنى يوم القيامة أنك كنت مسلما في الدنيا، قال تعالى: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) سورة الحجر
أيها الكافر أنت من الذين كفروا وظلموا وقد قال الله تعالى فيك وفي أمثالك: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) سورة النساء، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) سورة المائدة، وحينئذ لا حياتك حياة ولن يكون لك موت يُريحك قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) سورة فاطر
أيها الكافر أبشر بعذاب لا تستطيع أن تفتدي نفسك منه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) سورة المائدة
أيها الكافر إن كنت تريد أن تسخر من الإسلام وأهله فإنك لم تأت بشيء جديد فالله يقول: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَءَامَنُوا.. (212) سورة البقرة
أيها الكافر: إذا كنت تظنّ أنّ دين الإسلام سينطفئ نوره فأنت تعيش في عالم الأوهام، قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) سورة التوبة
أيها الكافر أتدري أنك ملعون إذا لم تُسلم، فأنقذ نفسك من اللعن: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) سورة الأحزاب
أيها الرجل لا يزال هناك مجال للعودة عن الغيّ والضلال ما دمت على قيد الحياة، قال تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38) سورة الأنفال
من اهتدى فلنفسه ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ولعنة الله على الكافرين..
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/259)
تريد الإسلام وتخشى من تناول الخنزير دون علم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أتمنى اعتناق الإسلام لكن لي بعض التحفظات بشأن الطعام سيما لحم الخنزير فأنا لا أزال أعيش مع والديّ ونحن من أصل صيني ويعتبر طبق لحم الخنزير من الأطباق الرئيسية اليومية التي لا غنى عنها على مائدة الطعام وأنا أخشى إذا اعتنقت الإسلام واستمريت بالعيش معهما في المنزل أن أتناول لحم الخنزير على أنه دجاج بدون علم أو معرفة مسبقة مني. وأنا أحاول جهدي أثناء لقاءات الأسرة أو في المناسبات أن أتجنب طعام لحم الخنزير وأسال الله العفو إذا اضطررت لذلك فإذا اعتنقت الإسلام واضطررت لتناول لحم الخنزير فهل يجب علي أن أطلب من الله المغفرة أنا قلق للغاية من هذا الأمر وأرغب بشدة في نصيحتك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدّخول في الإسلام لا تعدله في الدّنيا نعمة، والبقاء على الكفر لا تعدله نقمة ولا ذنب ولا فتنة، وعلى المخلوق أن يدخل في دين الخالق ولا يبتغي غير الإسلام دينا، والخالق يعلم حال المخلوق وعجزه وضعفه ونسيانه وخطأه ولذلك فهو يسامحه إذا أخطأ من غير تعمّد، ولا يكلّفه مالا طاقة له به، قال الله تعالى: (لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة 2033 وهو في صحيح الجامع 1731.
وما ذكرتيه - أيتها السّائلة العاقلة الحريصة على اجتناب المحرمات - من أنّك قد تأكلين شيئا محرّما دون علمك فهذا لا تُعاقبين عليه بناء على الأدلة السابقة، وما دمت ستعملين جهدك على تجنّب ما حرّمه الله كما أخبرتِ عن نفسكِ في سؤالكِ فليس عليك من حرج، ولو وقع الإنسان في محظور ففي الإسلام مخرج من كلّ ذنب وذلك بالتوبة والندم والعزم على عدم العودة إلى المحرم وطلب المغفرة من الله وهذا كفيل بمحو كل ذنب، فاعزمي وأقدمي ولا تترددي، والله معك ولن يتخلّى عنك ما دمت على الدّين الذي ارتضاه، وتمنياتنا لك بدوام التوفيق والسّداد، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/260)
كيف يدعو المسلم المرأة الكافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[الجامعة التي أدرس فيها لا يوجد بها الكثير من المسلمين، حتى المسلمين الموجودون ليس لديهم علم كثير.
الكثير من أصدقائي في الجامعة من غير المسلمين يسألونني أسئلة عن الإسلام وهذا عادة يحدث فيما بيننا بعيداً عن الناس فهل يجوز هذا لغرض إقناعهم بالإسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك بدعوة من تستطيع للإسلام والدخول في دين الله عزّ وجلّ وبيان قوة هذا الدّين وميزاته العظيمة ومناسبته للبشرية وما فيه من الحلول الناجحة لمشكلاتها وبيان وجوب اتّباعه لا اتّباع غيره، كلّ ذلك بالعلم الصحيح والأدلة والبراهين التي تعرفها وأنت متأكّد منها، كلّ ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة وجدال الكافرين بالتي هي أحسن.
وينبغي أن تكون طريقتك وأساليبك في الدّعوة متقيّدة بأحكام الشريعة الإسلامية فلا يجوز - على سبيل المثال - أن تختلي بامرأة كافرة ولو لأجل الدّعوة وعليك أن تحذر من إقامة العلاقات مع النساء وأن تنتبه لمداخل الشّيطان الذي قد يدخل عليك من باب الدّعوة والتقرّب إلى الله بنصح الكافرات ثمّ ينتهي بك إلى الافتتان بهنّ، فدعوة الكافرات إمّا أن تقوم بها النساء المسلمات أو يقدّمها الذَّكَر المسلم عن طريق توزيع الأشرطة أو الكتيّبات أو بإلقاء الكلمات والمحاضرات العامة دون تقصّد النّظر إلى النساء، ونسأل الله لك التوفيق في دعوتك والتسديد في إجاباتك، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/261)
تُفكِّر في الإسلام لعلها تتزوج من صديقها المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق (عشيق) من أصول باكستانية وهو مسلم. وهو يعيش حاليا في بلد أوربي وأنا أعيش في بلد أوربي آخر وأنا نصرانية.
طلب مني الزواج ووافقت، لكن المشكلة هي عائلته. فهم قد أعدوا له زوجة المستقبل لكنه لا يريد الزواج منها. ولكن احتراما لوالده سوف يفعل أي شئ، إلا إذا أصبحت أنا مسلمة. فإنه عند ذلك يأمل أن والده سوف يوافق على زواجنا.
وعندما عرفت ذلك سألته ماذا سوف تفعل أسرته عندما تعرف أنه سوف يتزوج فتاة أوروبية؟ لكنه لم يستطع الاجابة على السؤال.
والآن سؤالي هو: هل لديك أية فكرة عن ردة الفعل لدى عائلته حول هذه القضية؟ وهل من المحتمل أن يوافق الأب إذا كنت مسلمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
توقع ردة الفعل من المسائل الصعبة وإن كان الغالب أن الأبوين يريدان تزويج الولد على حسب رغبتهما والغالب أيضا أنهما سيختاران له امرأة من بلدهما قريبة إلى عادات وطبائع المجتمع الذي يعيشون فيه وقد يكون أمر زواج الولد من امرأة غربيّة غريبة ليس بالقضية السهلة لديهما خصوصا وهما يسمعان عن الانحلال في بلاد الغرب وعن الفوضى في العلاقات لدى النّساء الغربيّات، ثمّ إنهما يريدان ولدهما قريبا منهما، وربما يخشيان أنه لو تزوج في الخارج فلن يرياه إلا نادرا، وقد يحذّرانه من مغبة تنشئة أولاده في المستقبل في بيئة غير إسلامية. هذا من وجهة ومن وجهة أخرى فإنهما قد يوافقان إذا سمعا أنّ الولد سيتزوج من امرأة مسلمة شريفة ومستقيمة وخصوصا إذا كان ولدهما سيستقر للعمل في بلاد الغرب بعد إنهاء دراسته وكذلك إذا كانا يقدّران رغبة الولد ويُقيمان لها الوزن الأكبر، وهذا شيء يتفاوت فيه الآباء.
وعلى أية حال فإنّ دخولك في الإسلام أمر لن تخسرين به سواء تزوجت هذا الرّجل أم لا، فإذا أسلمت وحصل الزواج بعد توبتكما من العلاقة المحرّمة فيكون قد حصل ما تريدينه، وإن لم يُكتب لك الزواج منه فقد يوفقّك الله بالزواج من رجل آخر نظيف مسلم تسعدين به، وتذكري أنّ أهمّ ما في الموضوع هو أنه ينبغي أن يحصل لديك اليقين بأنّ السعي في إرضاء الله باتّباع دينه أهمّ من جميع الاعتبارات الأخرى، ونحن على أية حال نتمنى أن تُسلمي وأن يحصل لك ما تريدينه وأن تتحقّق آمالك وِفْق شريعة الله تعالى، وشكرا على ثقتك وسؤالك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/262)
كيف يغيّر المسلم الجديد اسمه
[السُّؤَالُ]
ـ[عند ولادتي سماني أبي باسم يدل على معتقداته الكفرية، وبعد إسلامي قمت بتغير اسمي إلى اسم إسلامي، فهل هذا عمل صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من هداه الله تعالى ودخل في دين الإسلام فإنّه يكفيه أن يختار اسما إسلاميا لنفسه ويبقى على انتسابه إلى أبيه وأسرته لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة الذين أسلموا بتغيير أسماء آبائهم وأجدادهم وإنما غيّر أسماء أصحاب الأسماء المحرّمة والمكروهة، وبما أنّ اسمك ذو جذور وثنيّة فتغييرك له إلى اسم آخر مثل بلال أو غيره أمر صائب وصحيح، وأبق على بقيّة نسبك كما هو وفي هذا شيء من الإرضاء لوالديك نسأل الله لهما الهداية ولنا ولك التوفيق وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/263)
يريد الإسلام ولا يعرف العربية
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت العديد من الأسئلة على موقعك التي تجيب فيها على أسئلة غير المسلمين، وقد اقتنعت بأن الله واحد وأن نبيه محمد هو آخر الأنبياء، وسؤالي هو: كيف أدخل في هذا الدين، وكيف أقوم بأداء الصلاة مع العلم أني لا اعرف اللغة العربية وهل أغير اسمي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد كان أكثر ما فرحتُ به وأنا أستعرض الأسئلة التي وصلت في الساعات الماضية من هذا اليوم هو سؤالك الذي كان أحبّ الأسئلة إليّ، وليس هذا بعجيب فكيف لا نفتح قلوبنا لرجل عاقل عرف الحقّ وأقرّ به وهو يريد الدخول في الإسلام ويسأل عن الخطوات القادمة، والحقيقة أنّ كلّ ما اعترضك من المشكلات أمر يسير ويمكن حلّه ببساطة، ولنأخذ المسائل واحدة واحدة:
أولا: كلّ ما عليك للدخول في هذا الدين الآن وأنت تقرأ هذه السطور هو أن تنطق بالشهادتين بحسب قدرتك واستطاعتك ولا يلزم الإجادة التامة للنطق بالأحرف العربية وسنكتب لك الشهادتين بالحروف الإنجليزية فإذا نطقتها فبادر إلى الاغتسال والطهارة وصلاة فرض الوقت الذي أنت فيه الآن.
ثانيا: إذا كنت عرفت صفة الصلاة - وسنرشدك إليها بهذه التحويلة - فعليك أن تقول في ابتداء الصلاة وفي كلّ حركة انتقال: الله أكبر وفي أثناء القيام والركوع والسجود والجلوس تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثمّ تسّلم عن يمينك وشمالك قائلا السلام عليكم وهذا الأمر يجوز بالنسبة لك مؤقتا حتى تتعلم وتحفظ ما تقول في كلّ حركة من حركات الصلاة.
ثالثا: لا يلزمك تغيير اسمك وقد ذكر عدد من علماء السَلف والمؤرخين المسلمين أن دانيال اسم نبي من الأنبياء.
أسأل الله أن يعينك وييسّر أمرك ويرزقك الإسلام والثبات عليه ونحن بأتمّ الاستعداد لإيضاح كلّ ما يشكل عليك وتقديم أية معونة ممكنة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/264)
شكوك وشبهات عند باحثة عن الدّين الحقّ
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا غير مسلمة مهتمة كثيراً بالإسلام وخلال بحثي وقعت على بعض المعلومات التي أثارت حيرتي وهي تتعلق بالكعبة وأصل الإسلام. قيل لي أن إبراهيم وإسماعيل أزالوا جميع الأصنام من الكعبة، ولكن كان هناك صنماً معيناً اسمه يعني "الإله". وقرأت أن هذا هو ما اشتق منه اسم "الله" وأن هذا الإله كان إله القمر في الوثنية، وأن رمزه هو الهلال وأن شهر رمضان يتحدد بدورة القمر. أريد أن أعرف هل وجد مثل هذا الدين أم لا وهل الإسلام يتصل حقيقة بهذه العادة الوثنية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أهلا ومرحبا بك أيتها السائلة الباحثة عن الحقّ والمهتمة بالإسلام ونسأل الله أن يريك الحقّ حقا ويرزقك اتّباعه ويعصمك من الشيطان وشبهاته ومن ضلالات أعداء الإسلام.
قبل الإجابة على سؤالك أودّ أن أذكّرك بأنّ الطّريق إلى معرفة حقيقة الدّين هو الرّجوع إلى مصادره الأصليّة وهي - بالنّسبة إلى الإسلام - القرآن كلام الله، والسنّة وهي كلام نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم الموحى إليه من الله.
وإنّ من الخطأ الذي يقع فيه بعض الباحثين عن الإسلام هو الأخذ عن المصادر غير الموثوقة أو مقالات المغرضين وأعداء الإسلام الذين يُشيعون الأكاذيب عن الإسلام لتنفير عامة النّاس منه وليضلوا الناس عن سبيل الله.
أمّا بالنسبة لسؤالك عن الكعبة وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فإن في السؤال أمرا غريبا جدا وهو القول بأنّ إبراهيم وإسماعيل أزالا الأصنام من الكعبة إلا صنما واحدا، وهذا الكلام مخالف للحقائق التاريخية ولا يقبله العقل أصلا. لأنه من المعلوم أنّ إبراهيم وإسماعيل هما اللذان بنيا الكعبة بأمر الله تعالى فكيف يُخرجان منها الأصنام؟ وكيف يكون فيها أصنام وهما اللذان أشرفا على بنائها وعمارتها بذكر الله ودعوة الناس إلى الطّواف بها والحجّ إليها توحيدا لله. وإنما حدثت الأصنام بعدهما بسنين متطاولة حينما سافر بعض العرب إلى بلاد الكفّار خارج الجزيرة العربية وجلب معه أصناما وضع بعضها حول الكعبة ثمّ أضيفت أصنام أخرى من قِبَل المشركين حتى صار حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما إلى أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فأشرقت به شمس التوحيد التي محت ظلمات الوثنية وهزم الله به المشركين فكسّر الأصنام وطهّر البيت الحرام وأعاد الكعبة بيتا للتوحيد وعبادة الله وحده كما كانت في عهد جدّه إبراهيم الخليل عليه السلام.
وإليك فيما يلي شيئا من قصّة بناء البيت العتيق من القرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ونبدأ بالقرآن الكريم: قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًاءَامِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْءَامَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) سورة البقرة
وقال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) سورة الحج
وأمّا عن قصة بناء الكعبة في السنّة النبوية فقد روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قصة هاجر زوجة إبراهيم وأم ابنه إسماعيل فقال في الرّواية: جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَتْ إِذَنْ لا يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: (ربَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ، وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنْ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَهْلَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا قَالَ وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ فَقَالَتْ نَعَمْ وَلَكِنْ لا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الإنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ.. ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلاً لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ وَتُعِينُنِي قَالَ وَأُعِينُكَ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولانِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قَالَ فَجَعَلا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولانِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ صحيح البخاري 3113
وبعد هذا العرض لتلك الحقيقة التاريخية في قصّة بناء الكعبة ننتقل إلى ما أوردتِه في سؤالِك
من أنّ اسم الله مشتق من اسم الصّنم وهذا أمر في غاية الغرابة والنّكارة فكيف يُشتق اسم الخالق البارئ الأول العزيز الجبّار من اسم صنم مخلوق لا يضرّ ولا ينفع؟
قال الله تعالى يذمّ المشركين: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِءَالِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا (3) سورة الفرقان
وقال سبحانه: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) سورة العنكبوت
وقال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام الذي أنكر على أبيه وقومه عبادة الأصنام: (إِذْ قَالَ لأبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) سورة مريم
وقال عزّ وجلّ: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَاءَابَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) سورة الشعراء
وقال تعالى عنه في تحطيمه أصنام قومه: (فَرَاغَ إِلَىءَالِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) سورة الصافات
كيف يُقال بعد كلّ ذلك إنّ إبراهيم أبقى صنما حول الكعبة وأنّ اسم الله مشتق من اسم الصّنم؟ أتدرين أيتها السّائلة ما معنى الله وممّ اشتقّ هذا الاسم؟
إنّ لفظ الجلالة "الله" مشتق من الفعل أَلِه يأله فهو مألوه وهذا الفعل يتضمّن معنى المحبة مع العبادة فهو سبحانه وتعالى المعبود الذي تألهه قلوب المؤمنين فتحبّه وتعظّمه وتخشاه وترجوه.
أمّا عن سؤالك الأخير هل الإسلام متعلّق بالوثنية وعبادة الكواكب فهو من العجب الذي لا يكاد ينقضي فإنّ الإسلام جاء بتوحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإسلام جاء لمحاربة الوثنية والقضاء عليها فكيف يرتبط بالوثنية.
لعلّك تقرئين في القرآن أيتها السائلة قصّة الهدهد الموحّد الذي عرف ربّه وأنكر عبادة الكواكب فقال الله عنه وهو يخبر النبي سليمان عليه السّلام بأخبار ملكة اليمن في ذلك الوقت: (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) سورة النّمل
وكذلك قصّة إنكار إبراهيم على قومه عبادة الكواكب والشّمس والقمر والتي قصّها الله علينا في القرآن الكريم في سورة الأنعام.
وأمّا ارتباط صيام رمضان بالهلال فليس لأننا نعبد الهلال ولكن لأنّ ربّ الهلال جعلّ الأهلّة مواقيت لنا في عباداتنا ومعاملاتنا فنحن نتحرّى رؤية هلال رمضان لنوحّد الله بالصيام له سبحانه ونتحرّى هلال الشّهر الذي يليه لنعلم نهاية هذه العبادة السّنوية وكذلك نفعل في معرفة أيّام الحجّ وغير ذلك من العبادات.
نرجو أن نكون بهذا العرض قد أوضحنا لك ما التبس عليك، وأنّ الغبش قد زال والغموض قد اتّضح، واعلمي بأنّ المسألة جدّ ليست بالهزل وانّ الدّين عند الله الإسلام رضيه لعباده ولا يقبل بغيره دينا لهم، فهلمّي إلى دين الحقّ وشريعة الهدى واتّبعي ما أُنزل إليك من ربكِ. والله مع المؤمنين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/265)
صفحة محاربة للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وجدت موقعا على شبكة الإنترنت لمهاجمة الإسلام وعنوانه … ماذا يمكننا أن نفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأخت السائلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد اطلعت على بعض صفحات الموقع المذكور ورأيت بالفعل الحقد على دين الإسلام والسخرية بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم والافتراءات وتشويه الحقائق ولكن الأمر كما قال تعالى: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون) التوبة
، ولا أرى من الحكمة إعلان اسم صفحتهم في أيّ صحيفة إسلامية يرتادها المسلمون حتى لا ننشر خبرها ولا ندعو إليها بطريق غير مباشر والذي أراه أن يُرسل من يستطيع من الأفراد بترجمة معنى الآية المذكورة وغيرها كقوله تعالى: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ليميز الله الخبيث من الطيّب..) الأنفال
. ويكفي إرسال مثل هذا في الردّ عليهم وإغاظتهم وهذا من العبادات والتقرّب إلى الله كما أخبر عزّ وجلّ عن المؤمنين: (.. ولا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) . التوبة
وينبغي أن نعلم أنّ الحاقدين على الإسلام كثر وأنّ الردّ عليهم جميعا أمر لا ينتهي خصوصا أصحاب الشّبه التافهة والأمر كما قال الشاعر:
ولو أنّ كلّ كلب عوى ألقمته حجرا لأصبح الصّخر مثقالا بدينار
وختاما أسأل الله أن يأجرك على غيرتك الدينية ويحفظك ويؤيدك والسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/266)
لماذا يواصل الإسلام نجاحه في الدول المتقدمة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا واصل الاسلام نجاحه في الدول المتقدمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يواصل الإسلام نجاحه في الدول المتقدمة، وفي غيرها، لأن دعوته توافق الفطرة البشرية، وتتبنى أفضل القيم الإنسانية، من تسامح، ومحبة، وتراحم، وصدق، وإخلاص.
والإسلام يربي النفوس، ويرتقي بها إلى السلوك القويم، ويزينها بالآداب والفضائل، ودعوته هذه تتميز عن غيرها بالواقعية، والاتزان، والاعتدال، فهو يعطي للروح حقها وللجسد حقه، فلا يكبت الشهوات، ولا يسمح بالإسراف فيها، وهو يفرّق بين مطالب النفس الفطرية من متاع الدنيا. وبين الشهوات المحرمة، التي تدخل في باب الرذائل والمنكرات. أقبل الناس على الإسلام لأنهم وجدوا فيه الأمن والطمأنينة والسكينة، وفيه التمسوا علاجاً ناجعاً لمشكلاتهم، وبه تخلصوا من الحيرة والقلق والضياع.
والإسلام دين الفطرة التي خلق الله الناس عليها ولذلك يقبله أصحاب العقول السليمة والفِطَر المستقيمة، كما جاء عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ (أي على الإسلام) فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوَيُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ (أي تولد كاملة لم يذهب من بدنها شيء) هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ (مقطوعة الأذن) ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) . رواه البخاري/1359 والمراد أن الله خلق الخلق مهيئين لمعرفة الحقّ وقبول التوحيد والإستسلام لله وأنّ فِطَرهم مقتضية لمعرفة دين الإسلام ومحبته، ولكن التربية السيئة والبيئة الكافرة والهوى وشياطين الإنس والجنّ هي التي تحرفهم عن الحقّ، فالخلق في الأصل مفطورين على التوحيد كما جاء عن عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم , فاجتالتهم الشياطين عن دينهم) رواه مسلم، ولذلك يوصف الذي أسلم بعد الكفر بأنّه رجع إلى الإسلام وهذا أدقّ من عبارة تحول إلى الإسلام، وعندما يدخل الإسلام بلدا ليس فيه تعصّب ولا موروثات جاهلية كثيرة فإنه ينتشر بسرعة كبيرة لقوته وقلّة معوّقاته، وتراه أيضا يُناسب العامي والمثقّف والذّكر والأنثى والكبير والصغير كلّ يجد فيه بُغيته ومنشوده. والذين أسلموا في البلاد المتقدّمة يرون ماذا جنت عليهم حضارة بلادهم وتشريعاتها وقوانينها التي وضعها البشر بأهوائهم، ويدركون حجم الشّقاء والتعاسة التي يعيشها الناس في البلاد المتقدّمة وكثرة الأمراض النفسية والانهيارات العصبية والجنون والانتحار بالرّغم من التقدّم التقني والعدد الكبير من المكتشفات والمخترعات والأساليب الإدارية والنّظم الحديثة، وذلك لأنّ هذا كله اهتمام بالجسد والأمور الظّاهرية، ولكنه غفلة وإعراض عن الباطن وغذاء الرّوح والقلب وعلاجهما. وقد قال الله عن هؤلاء: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) سورة الروم.
وسيستمر الإسلام في نجاحه بإذن الله، طالما عمل من أجله المخلصون، وتمسك به أهله والمؤمنون به، وطبّقوا أحكامه، وعملوا به.
ولن يعوقه بإذن الله وجود المتخاذلين، والمقصرين، ولن يشوّه جماله ويضعف نوره، تخلي بعض الناس عنه وإعراضهم عن الاعتصام به، ويكفيه فخراً ما قدمه للإنسانية من تقدم وتحضر، وما رفعه عنهم من ظلم وعدوان. والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/267)
مصاعب تواجه فتاة نصرانية تريد اتخاذ قرار بالدخول في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسيحية أقرأ منذ بضعة شهور عن الإسلام. وقد انتهيت من قراءة ترجمة للقرآن وعدة كتب عن الإسلام بالإضافة إلى مقالات ومواد أخرى وجدتها على الإنترنت وفي أماكن أخرى. ولا أدعي أنني أعرف أو أفهم كل شيء، فهناك أشياء كثيرة تحيرني وأجد صعوبة في قبول بعض تطبيقات الإسلام وتفسيراته التي قرأت عنها. ولكني أؤمن بالله وأؤمن بأن محمداً نبيَه وأن القرآن كلام الله الموحى.
وسؤالي هو ما الذي ينبغي أن أفعله حيال ذلك؟ فكما قلت لا زال هناك الكثير مما أجهله أو لا أفهمه وهذا قرار هام أحاول أن أتخذه وبصراحة أشعر أنني أمام مسئولية هائلة ومهولة. وأكثر ما يزعجني هو إلى أي حد سأستطيع الالتزام بتعاليم الإسلام في حياتي بعد اعتناقه. لقد غيرت بالفعل بعض الأشياء في حياتي، حيث امتنعت عن الخمر وأتجنب لحم الخنزير وأحاول أن أرتدي قمصاناً ذات أكمام طويلة وسراويل (أو تنورات) طويلة عند الخروج. ولكني أعلم أيضاً أن هناك أشياء لن أستطيع أن أقوم بها على الفور إذا دخلت في الإسلام، وذلك لعدة أسباب، (على الأقل هذا ما يبدو لي الآن) ، مثل ارتداء الحجاب.
كذلك، أنا الآن أدرس في الخارج (في الولايات المتحدة ولكني من أوروبا) وسأعود إلى أهلي في الكريسماس ولا أظن أنني سأستطيع أن أخبرهم على الفور أنني اعتنقت الإسلام ومن ثم لا أعرف إذا كنت أستطيع القيام بأشياء مثل أداء الصلاة في الأوقات الخمس أو الصيام أو تجنب لحم الخنزير أثناء وجودي معهم في الكريسماس.
فهل أكون مخطئة إذا دخلت في الإسلام مع علمي بأنني لن أستطيع القيام بجميع الالتزامات المترتبة على ذلك (على الأقل ليس على الفور) ، وعلمي بأنه لا زالت هناك أشياء كثيرة لا أفهمها أو أجد صعوبة في قبولها عن طيب نفس لنقص في الفهم والعلم. أرجو توجيهي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما حققتيه أيتها السائلة الحصيفة العاقلة الحريصة على الحقّ هو إنجاز رائع وعمل عظيم وبقي أن يُتمم بأهم خطوة في حياتك على الإطلاق وهي النّطق بالشّهادتين والدّخول في الدّين، إننا حقّا ننظر بتقدير بالغ إلى الجهد الذي قمتِ به من قراءة ترجمة القرآن الكريم كاملة وعدد من الكتب والمقالات عن الإسلام وما أقدمت عليه أيضا من الامتناع عن عدد من المحرمات كشرب الخمر وأكل الخنزير والأهم من ذلك كلّه القناعة التي حصلت لديك بدين الإسلام ونبي الإسلام وكتاب الإسلام، ومن خلال سؤالك يمكن أن نلخّص العقبات التي تعترضك في جانبين:
- بعض الإحراجات الاجتماعية.
- وبقاء بعض الأمور التي لم يكتمل علمك بها وتفهمك لها.
فأما بالنسبة للجانب الثاني فإنه لا يُشترط للدخول في الإسلام أن يحيط الشّخص علما بكلّ الإسلام لأنّه بحر عظيم فيستطيع أن يُسلم ثم يتعلّم دين الله وتتمّ القناعة في نفسه بسائر الأحكام الشّرعية، ويكفي في البداية الإيمان المجمل بأركان الإيمان الستة (وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر والقدر خيره وشره) والعلم المجمل والتسليم بأركان الإسلام الخمسة (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحجّ بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا) واعلمي بأنّ العلم والقناعة يأتيان تدريجيا وأنّ الإيمان يزداد بممارسة العبادات والطّاعات وكلّ ذلك يدفع إلى الفهم والتسليم بأحكام الله تعالى.
وأما بالنسبة للأمر الأول فإننا على يقين بأنّك إذا دخلت في دين الإسلام وأخلصت لله وعملت الصالحات فإنّ الله سيرزقك من القوة والثبات والجرأة واليقين ما تستطيعين به مواجهة سائر الصعوبات والتغلّب عليها وفي تجارب من أسلم من النسوة قبلك مثال صالح لما يمكن أن يحدث معك مستقبلا من تطبيق سائر الأحكام الشرعية من الحجاب وغيره على الرّغم من عموم الكفر في الوسط المحيط، ثم نقول لو أنّ امرأة سألتنا هل أُسلم دون حجاب كامل أو أبقى على الكفر فإننا سنجيبها بلا ريب بأن تدخل في الإسلام لأنّ إثم وخطورة وفداحة مصيبة البقاء على الكفر لا تُقارن مطلقا بالإسلام مع ارتكاب معصية.
إننا نتفهم تماما الصعوبات والإحراجات الاجتماعية التي تتحدثين عنها ونعلم يقينا بأنّ مخالفة الإنسان لأهله وللمجتمع مِن حوله أمر شاقّ على النّفس وصعب ولكنّ الله ييسر كلّ أمر عسير، قال الله تعالى: (والله مع الصّادقين) وقال: (والله وليّ المؤمنين) وقال: (ومن يتقّ الله يجعل له مخرجا) وقال: (سيجعل الله بعد عُسر يُسرا) وقال: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) .
ونريد أن نبيّن لك أيضا أنّه يُمكن للشخص إذا أسلم وخشي على نفسه من أذى لا يُطيقه أن يكتم إسلامه ويُبقيه سرا ويُخفي عباداته عن أعين من حوله وسيواجه في ذلك صعوبات ولكن في سبيل اتّباع الحقّ وإنقاذ النّفس من عذاب النّار يهون كلّ شيء ويتغلّب الإنسان المؤمن على جميع المصاعب.
وفي ختام هذا الجواب لا يسعنا إلا أن نشكرك على الجهد الذي بذلتيه والخطوات التي قمت بها وعلى اهتمامك بالسّؤال ونرجو أن تكون الخطوة القادمة والعاجلة واضحة تماما من خلال هذا الجواب ونحن على استعداد للمساعدة وبكلّ سرور في أيّ أمر تحتاجينه مستقبلا ونسأل الله أن يأخذ بيدك إلى طريق الحقّ ويٌعينك وييسر أمورك والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/268)
سؤال من نصراني يريد الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أصبح مسلما ولكنني متردد كثيرا. أخي أسلم قبل عدة أشهر وهذا سبب مشاكل كثيرة بينه وبين والدي (وهما نصرانيان) ، لي علاقة قوية بعشيقتي وهذا لا يساعدني أيضاً. لا أدري ما أفعل، أعلم بأنه سيكون خيارا بين الله من جهة وأهلي وعشيقتي من جهة أخرى. أعلم ما هو القرار الصحيح ولكنني لا أدري كيف أو متى أفعلها. أريد بعض النصائح وشكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هنيئا لأخيك، هنيئا لأخيك، هنيئا لأخيك، أنقل له تحياتنا الطيبة الحارّة وسلامنا وأخبره أننا ندعو له بالثبات على الإسلام والفقه في الدّين ونحن على بعد آلاف الأميال، وأخبره أنّ له إخوانا في العقيدة يشاركونه فرحته بدخوله في الإسلام ولو كان لا يعرف أسماءهم ولا أماكنهم، وهكذا المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا.
أمّا بالنسبة لك أيها السائل فإنك تقول بأنك تعرف ما هو القرار الصحيح، وهذا عظيم وقد اختصرت طريقا بعيدا ووقتا طويلا وبقي الآن وضع القرار الذي تعرفه موضع التنفيذ.
ما هي قيمة الحياة - أيها السائل العاقل - إذا كانت بغير دين، أي قيمة للعيش وأيّ فائدة للسعي والعمل إذا لم يكن لأجل رضى الله، هل للحياة طعم وهل بعد الموت نجاة وهل يمكن أن يُنال نعيم الجنّة بدون الدخول في الإسلام، إذا لم نعبد الله فماذا سنعبد؟ أهواءنا.. شهواتنا؟ هل يرضى العاقل أن يكون عبدا لشهوة فرْج لا تلبث أن تزول أو حفنة مال لا تلبث أن تُترك ليرحل صاحبها عن هذه الدنيا الفانية؟ إنّ في الإنسان روحا لا تطمئنّ إلا بعبادة الله وإنّ فيه ضميرا لا يحيا إلا بنور الله، وإنّ فيه نفسا لا ترتاح إلا بالأنس بالله وذكره ومناجاته والصلاة والصيام له والتوكّل عليه والتوبة إليه، قال الله تعالى في كتابه القرآن الكريم: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا..) الآية 122 سورة الأنعام، وقال عزّ وجلّ: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يُرد أن يضله يجعل صدره ضيّقا حرجا كأنما يصعّد في السماء) .
إنّ المسألة لا تحتاج إلى توقّف أو تردّد لأنه ينبني عليها العتق من النار والنجاة من غضب الجبّار والفوز بسعادة الدنيا والآخرة، والله الذي خلقك وخلق السماوات والأرض أعظم وطاعته أوجب من أقرب قريب وأعزّ صديق، فأسلم تسلم، ووالداك سيعينك الله عليهما ويمنحك القوّة في الثبات أمام الضغوط، ومن يدري فربما تكون أنت وأخوك سببا لنجاة العائلة بأكملها وقد قال الله تعالى للنبي موسى عن أخيه هارون عليهما السلام: (سنشدّ عضدك بأخيك) ، فقاما سويا بدعوة فرعون وقومه إلى الله عزّ وجلّ، وأما بالنسبة للعشيقة المذكورة فلا تظنّن أن العلاقة المحرّمة تعين على الحقّ فعليك بدعوتها إلى الإسلام والتوبة إلى الله فإن تابت فتزوجها على الطريقة الإسلامية التي ارتضاها الله وإلا فلا تأسفنّ عليها فإن نبي الإسلام قد قال: " من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ".
نسأل الله أن يعجّل لك بنعمة الإسلام ويرزقك السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة وأن يحفظك من كلّ سوء ونحن بانتظار خبر سارّ، والسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/269)
نصرانية تريد الإسلام وزوجها كافر مخمور ومتعلقة برجل مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بدأت دراسة الإسلام قبل عدة شهور، عندي قرآن وأنا مشغولة بقراءته والشيء الذي يجب أن أعترف به هو أنني أقارنه بالإنجيل.
أنا تقريبا جاهزة لاعتناق الإسلام ولكن لدي مشكلتان كبيرتان.
أولا: أنا متزوجة من رجل نصراني يسكر كثيرا ولا يعمل في هذا الوقت، عندما يسكر يصبح شخصا لا أحبه كثيرا، أنا لا أشرب أبدا وقد توقفت عن الشرب منذ عدة سنين، والدي كان شديد الشرب للخمر ومع الأسف زوجي كذلك.
الحب بسبب أخلاقه وتصرفاته، ما زلت أحبه، عندما يكون في كامل قواه العقلية (غير سكران) فإنه يكون أفضل وأكرم إنسان ويعمل كل ما يطلبه منه أصدقائه أو عائلته.
لدينا طفلان ولكنهما منزعجان جدا بسبب كثرة شربه، إذا تركته الآن فإنه سيتورط ولا يستطيع التصرف بمفرده، اعتماده على نفسه قليل جدا في هذه الحالة ولا أدري ما أفعل.
ثانيا: لي صديق مسلم أصغر مني بكثير ونعرف بعض منذ سنتين وقد بدأت أحبه.
المشكلة أنه متزوج وله طفلان كما أنه أصغر مني بكثير وهو صديق لزوجي وأنا صديقة لزوجته، لم أوضح له مطلقا بما أشعر به تجاهه ولكنني أحلم كثيرا بما قد يحصل، أعلم أن هذا خطأ وأنا لست من النساء التي تترك زوجها من أجل رجل آخر ولكنني لا أشعر بالسعادة الزوجية منذ 6 سنوات ولم أمت حتى الآن.
أود الدخول في الإسلام ولكنني أخشى أن يتغير تصرف صديقي تجاهي إذا أصبحت مسلمة، نحن الآن نزور بعضنا ونتحدث عن كل شيء من التجارة للدين وأنا لا أريد أن أفقد صداقته.
صديقي ملتزم بدينه جدا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بدّ أن القناعة التي حصلت لديك كبيرة وقوية لأنها مبنية على دراسة وجاءت بعد مقارنة بين القرآن والإنجيل ولا نظنّ أنّك محتاجة لمزيد من الإقناع لكن المشكلة التي تتحدثين عنها تتعلق بالخطوة التالية ألا وهي الدخول الحقيقي في دين الإسلام والبدء بممارسة حياة إسلامية، ونحن لا نرى معوقات حقيقية تحول دون الإقدام على هذه الخطوة ودعينا نناقش كلا من المشكلتين على حدة.
المشكلة الأولى: ماذا سيكون الموقف من زوجك السكّير بعد دخولك في الإسلام؟ بالنسبة للحكم الإسلامي الشّرعي فإنّك بمجرد دخولك في الإسلام تدخلين في العدة وهي فترة انتظار.
قالَ مَالِكٌ رحمه الله: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ إسْلامُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالإِسْلامِ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ ثَلاثَةِ قُرُوءٍ. أهـ (أي ثلاث حيضات) " إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ وَإِلا فَثَلاثَةُ أَشْهُرٍ فَإِنْ أَسْلَمَ الآخَرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا.. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج2 باب نكاح الكافر
وَهَذَا لأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ الْكَافِرِ مُطْلَقًا، والإِسْلامُ يَعْلُو وَلا يُعْلَى عَلَيْهِ. فأسلمي واعرضي الإسلام عليه فإن أسلم فالحمد لله ولعلّ ذلك يكون سببا في تركه الخمر وإن لم يُسلم وانقضت العدّة ففارقيه وخلّيه وخصوصا أنّ أحواله غير مرضيّة وسكره متعب جدا لك وللأولاد والمعيشة معه لا تُطاق فلا يؤُسف عليه، ولعل الله يعوّضك خيرا منه. وكونه لا يستطيع أن يدبّر أموره فهذا بما كسبت يداه وهو الذي جنى على نفسه، ولو حصل فراق فتعب وتورّط يراجع نفسه ويتأثّر ويُسلم ليعود إلى زوجته وولديه.
أما المشكلة الثانية فإنها خطيرة حقا لأنها قائمة على علاقة غير صحيحة شرعا بين رجل وامرأة أجنبية يتبسطان فيها بالحديث ويتحدّثان في أمور شتى دون ضوابط فنشأ عن هذا الواقع الخاطئ واقع خاطئ آخر وهو محبة وتعلّق بشخص أجنبي وخشية فراقه ثم المفاضلة بين العلاقة معه وبين الإسلام، مع أن الاستمرار في العلاقة المنفتحة بهذا الشكل له أضرار والدخول في الإسلام واجب تنبني عليه السعادة في الدنيا والنجاة من نار جهنم في الآخرة، وبالإضافة إلى ذلك فإننا لازلنا نستغرب كيف يكون ملتزما بدينه جدا - كما تقولين - ثم يقيم علاقة بهذا الشّكل الذي تصفينه فيه بأنه صديقك، فالواجب عليك المبادرة إلى الدخول في الإسلام ونصح هذا الشّخص بطريقة مناسبة (كإرسال النصيحة الصحيحة والواضحة إليه بالبريد الإلكتروني مثلا) ، ولتكوني على ثقة بأنك إذا أسلمت فسيجعل الله لك فرجا ومخرجا ويرزقك من حيث لا تحتسبي فأرضِ ربّك يرضَ عنك ويُرضي عنك الناس، والله يوفقنا جميعا لما يحبّ ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/270)
نصرانية تسأل عن صحة زواجها من مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة نصرانية، وقد تزوجب منذ فترة قريبة بمسلم. وبسبب اختلاف عقائدنا، فقد تم عقد زواجنا في دار العدل، الذي يقابل المسجد (عندكم) . فهل ينظر الإسلام إلى هذه الزيجة على أنها صحيحة "حقيقية"؟ لقد بحثت عن هذا، وتفاجأت عندما قرأت أن الإسلام لا يعترف ولا يعتبر (مثل) هذا زواجا حقيقيا صحيحا؟ أرجو أن تؤكد هذا.. أنا أحب هذا الرجل كثيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: إذا تم النكاح بوجود:
1ـ الإيجاب من ولي أمرك ـ وهو أبوك أو من يقوم مقامه إن لم يوجد بشرط أن يكون على دينك ـ وذلك بأن يقول ـ مثلاً ـ زوجتك ابنتي.
2ـ والقبول من الزوج بأن يقول ـ مثلاً ـ قبلت.
3ـ وأن يكون العقد بحضور شاهدين مسلمين.
فإن النكاح صحيح، (لمزيد من التفصيل حول شروط النكاح يراجع السؤال رقم 2127 وكذلك ملف شروط النكاح الموجود في الصفحة.) ، وإذا نقص شرط من هذه الشروط فإن النكاح لايصح، ويلزمكما إعادة العقد من جديد. ومكان العقد لا يؤثّر في صحة النكاح
ثانياً: لقد لفت هذا السؤال انتباهنا وذلك لحرصك أيتها السائلة الحصيفة على معرفة أحكام الدين الإسلامي الحنيف في هذه القضية،ولعل هذا يكون سبباً للبحث عن الحقيقة الأكبر، والأهم وهي ما هو دين الحق؟
فاسمحي لنا أيتها السائلة أن نتوجه لك بهذه الأسئلة:
هل تريدين الحياة السعيدة؟ وهل تفكرين في الطمأنينة؟ وهل تبحثين عن الحقيقة؟
وهل تريدين لأولادك حياةً مستقيمة؟؟؟؟؟
إذاً فاعلمي هدانا الله وإياك إلى الحق ...
أن الله خلق الخلق لغاية عظيمة، ألا وهي عبادة الله وحده لا شريك له، قال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أُريد منهم من رزق وما أُريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) سورة الذاريات (57) .
فأرسل الله الرسل لدعوة الناس إلى هذه الغاية، قال الله تعالى: " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) .
ثم ختم الرسالة بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام فكان آخر الأنبياء والرسل قال الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) سورة الأحزاب/40.
وقال الله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ الله وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) سورة الفتح/29.
وكان من حكمة إرسال الرسل هو إقامة الحجة على الناس لئلا يقولوا ما جاءنا من رسول ولم يُخبرنا أحدٌ بأمر الله لنا بعبادته قال الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا، وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا، رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) سورة النساء/163-165.
فنحن ندعوك أيتها السائلة وندعوا كل من لا يدين بدين الإسلام أن يبادر بامتثال أمر الله بالإيمان به وحده لا شريك له والإيمان بنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله للخلق أجمعين من إنسٍ وجن، فقد أمرهم الله بذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى الله إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا اْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِالله وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَكَفَى بِالله وَكِيلاً) سورة النساء/170-171.
وقد أخبر الله في كتابه الكريم (القرآن) بأنه لا يقبل من أحدٍ ديناً سوى دين الإسلام، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنْ الْخَاسِرِينَ) سورة آل عمران/85، وقال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ الله فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) سورة آل عمران/18-19.
ثم لا تنسي أن إسلامك أفضل للأولاد أيضاً حتى لا يقعوا في شتات ذهني وعذاب نفسي فيقولوا أبونا مسلم وأمنا نصرانية فبمن نقتدي؟
ولعل المزيد من التأمل والتعقل يقود إلى نتيجة طيبة بإذن الله، واحرصي أن تقرئي ترجمة صحيحة للقرآن الذي يعتبر معجزة نبي الإسلام، ثم اقرئي سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف أن الله جعل العاقبة الحميدة له ولأصحابه، وكيف أجرى الله على يديه المعجزات من خوارق العادات، كنبع الماء من بين أصابعه وانفلاق القمر فلقتين عندما طلب منه المشركون آية فأمر القمر أن ينفلق، فانفلق فلقتين، وغير ذلك مما هو موجود في السيرة، وكذلك إخباره عن المغيبات التي لايمكن أن تُعلم إلا عن طريق الوحي كإخباره بفتح مملكة الفرس والروم قبل فتحهما، وغير ذلك مما يدل على نبوته. نسأل الله الهداية للجميع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/271)
تريد الدخول في الإسلام وتخشى على صحة أمّها من الخبر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لست مسلمة ولكني أحترم الدين وأؤمن به. وأنا أؤمن بالله على الرغم من أن غير المسلمين ينظر إليهم على أنهم كفار. غير أنني لن أستطيع تغيير ديني لأن أمي ليست بصحة جيدة وقد لا تتحمل فقد ابنتها الوحيدة. وأنا أحب رجلاً مسلماً ونرغب في الزواج. وقد وعدت مخلصة كل الإخلاص أننا إذا تزوجنا ورزقنا بأولاد فإنهم سيتبعون الإسلام. فهل يجوز لنا أن نتزوج دون أن أغير ديني؟ كذلك أرجو توجيهي أين أستطيع أن أقرأ المزيد حول هذا الموضوع]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد قطعت أيتها السائلة الكريمة شوطا مهما في معرفة الحقّ والتوجّه إليه والذي فهمته من سؤالك أنّك ترغبين في الدخول في الإسلام ولكن الذي يمنعك من ذلك الخشية على أمّك المريضة لو سمعت الخبر، فإن كان هذا ما تخشينه فأقول لك إنّ تخطي هذه العقبة ليس بالأمر العسير فإنّه يمكنك من الناحية العملية إخفاء إسلامك وعدم إفشاء دخولك في الدّين ولا يُشترط أن تُعلني إسلامك في مركز إسلامي ولا غيره وإنما النّطق بالشهادتين (انظري سؤال رقم 1402) والإقبال على ممارسة شعائر الدين ويمكنك أن تصلي في مكان خفي، ولن يعسر عليك الصيام كذلك إذ أنّه يمكنك بسهولة الاعتذار بأي عذر عند تقديم شيء من الطعام لك أثناء نهار شهر الصيام
وأريد أن أذكر لك هاهنا أمورا ثلاثة:
الأول: أنّه يجب أن يكون الحامل لكِ على الدّخول في الدّين هو إرضاء الله سبحانه وتعالى الذي لا يقبل دينا غير الإسلام كما قال في كتابه الكريم: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) سورة آل عمران 85
وأن يكون الهدف من وراء دخولك في الإسلام هو إنقاذ نفسك من الخلود في نار جهنم في الآخرة والفوز بجنّة عرضها السماوات والأرض، وأن لا يكون الدافع للدخول في الدّين العاطفة الناشئة عن تلك العلاقة (!) بينك وبين ذلك الرجل المسلم. وأن تعلمي أنّ دخولك في الدّين أمر لا بدّ منه سواء تزوجت ذلك الرّجل أم لا.
ثانيا: أنّ طاعة الله وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مقدّمة على طاعة أقرب قريب وأحبّ حبيب ولو كانت الأمّ أو الزوج أو غيرهما، وقد قال نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم الذي ينطق بالوحي من عند ربّه: " ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ". صحيح البخاري فتح رقم 16
وقال: " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ". صحيح مسلم رقم 44
ثالثا: إن كنت تخشين من دخولك في الإسلام أن تفقدي أمك ظنّا منك أن الإسلام يحتم مقاطعتها لأنها كافرة وأنت مسلمة فهذا خطأ، لأن الإسلام يأمر ببر الوالدين وإن كانا كافرين فلعلك إذا أسلمت تكونين أبر بأمك، مما يدعوها إلى الدخول في الإسلام فسارعي إلى الدخول في الإسلام وقومي بدعوة أمك وغيرها إلى هذا الدين الحق الذي أساسه عبادة الله وحده لا شريك له وإذا فعلت ذلك تمت سعادتك حيث أنقذت نفسك وأمك من النار.
أسأل الله أن يعجّل بإسلامك ويثبّتك عليه ويرزقك الزوج الصالح والذريّة الطيّبة والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(8/272)
سماحة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نثبت لغير المسلمين سماحة الإسلام وأنه دين يسر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإسلام دين الرحمة والرأفة دين السماحة واليسر، ولم يكلف الله هذه الأمة إلا بما تستطيع , وما عملت من خير فلها ثوابه وما عملت من شر فعليها وزره كما قال سبحانه: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) البقرة/286.
وقد رفع الله عن المسلمين المشقة والحرج في جميع التكاليف قال تعالى: (هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج/78.
وكل ذنب وقع فيه المسلم بسب الخطأ , أو النسيان , أو إكراه فإنه من جانب الله معفو عنه كما قال سبحانه: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) البقرة/286.
فقال الله قد فعلت.
إنما يحاسب المسلم على العمد دون الخطأ كما قال سبحانه: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) الأحزاب/5.
والله رؤوف رحيم بعث محمد صلى الله عليه وسلم باليسر والحنيفية السمحة: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة/185.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا) رواه البخاري/39.
والشيطان أكبر عدو للإنسان ينسيه ذكر ربه ويزين له معصيته كما قال سبحانه: (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) المجادلة/19.
وحديث النفس قد عفا الله عنه كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا) رواه مسلم/127.
ومن عمل معصية ثم سترها الله عليه فلا يجوز له التحدث بها لقوله عليه الصلاة والسلام: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) رواه مسلم/2990.
وإذا أذنب الإنسان ثم تاب، تاب الله عليه: (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم) الأنعام/54.
والله جواد كريم يضاعف الحسنات.. ويعفو عن السيئات.. كما قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: (إن الله كتب الحسنات والسيئات , ثم بين ذلك , فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات , إلى سبعمائة ضعف , إلى أضعاف كثيرة , ومن هم بسيئة فلم يعملها , كتبها الله عنده حسنة كاملة , فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة) متفق عليه، أخرجه البخاري (كتاب الرقائق/81) .
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري.(8/273)
تريد الإسلام وتستصعب أمورا في علاقاتها وأهلها ووظيفتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أدرس الإسلام وأريد إجابة لبعض الأسئلة.
1- لدي بعض الأصدقاء المسلمين الرجال وصداقتنا قوية وهم يعاملونني كأي فرد منهم، فإذا أسلمت هل سيتغير تعاملهم معي؟ مثلا عندما أزور بيوتهم فإن زوجاتهم يكونوا في الداخل وأكون أنا مع الرجال في الخارج نتحدث وتكون النساء مشغولات في المطبخ أو مع الأطفال أو يشاهدن التلفاز بينما نحن نتحدث وأنا لا أريد أن أفقد هذه اللحظات مع أصدقائي.
2- ماذا يجب علي أن أفعل في صلاة الجمعة؟ أنا أعمل في مكان ظروفه صعبة جدا حيث أن زملائي في العمل ضد المسلمين وأخشى إن أسلمت أن يتغيروا تجاهي.
قرأت في مكان ما أنه يمكن للشخص أن ينيب عنه أحد ما في الصلاة فهل هذا صحيح؟
3- عائلتي من النصارى المتزمتين كما أنني تربيت نصرانية، وزوجي نصراني أيضا ولكنه لا يمانع دراستي أو ممارستي للإسلام، فإذا أسلمت فكيف أتعامل مع أهلي ليتركوني وشأني؟
4- بالطبع فستكون هذه قفزة كبيرة بالنسبة لي وما زال عندي شك هل أنا أعمل الشيء الصحيح أم لا (أن أكون مسلمة) ، كيف تكون متأكدا 100% بأنك تفعل الشيء الصحيح؟
في داخلي أشعر بأنني أفعل الصحيح ولكن عقلي عنده الكثير من التخوفات كما تلاحظ من أسئلتي.
أنا متأكدة من وحدانية الله وكذلك كنت دائما. قرأت كتاب الاختيار لأحمد ديدات وأنا الآن متأكدة من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كما أنني دائما كنت متأكدة من البعث بعد الموت ولكن لماذا لا زلت أشعر بالتردد؟ هل أنا جاهزة لأخطو هذه الخطوة الكبيرة؟
أدعو كثيرا بشأن هذا الموضوع وأتمنى أن أحصل على جواب سريع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هل ما تريدين الإقدام عليه صحيح؟ وهل أنت جاهزة لهذه الخطوة الكبيرة؟ سؤالان مهمان انطوى عليهما كلامك فيما توجّهت إلينا به سائلة، ونحن إذ نشكرك على هذه الاستشارة فإننا نعتقد بأنّ ما ستقدمين عليه صحيح بلا شكّ ولا ريب ولا توقّف، لأنّ هذا هو دين الله الذي لا يقبل من عباده غيره كما قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ، وربما أنّك قارنت وقرأت واقتنعت بأنّ هذا هو دين الحقّ الذي يجب اتّباعه، ولا يكفي الشّخص ولا ينجّيه أن يعتقد بوحدانية الله ونبوة محمد عليه السلام والبعث بعد الموت إذا لم ينطق بالشّهادتين ويُمارس شعائر الإسلام، والذي يبدو لنا بأنّ التردد الحاصل عندك ليس نتيجة لعدم القناعة بالحقّ ولكن لأجل مخاوف - مجموعة مخاوف اجتماعية - تتعلّق بالأصدقاء والأهل والزوج والوظيفة.
جانب من الجواب قد تطرّقنا إليه في السؤال رقم 4775 فنرجو مراجعته، وبالنسبة لمعارفك المسلمين فإنّك ستجالسين نساءهم لا رجالهم كما تقضي بذلك تعاليم الإسلام وهذا إن شقّ عليك في البداية فسيهون مستقبلا وإذا كانت هؤلاء النسوة منشغلات فابحثي عن نسوة صدق مسلمات تتواصين معهن على الحقّ.
وإذا صدقت مع الله فسيعينك على تخطّي مصاعب الزوج والأهل، وأما بالنسبة لصلاة الجمعة فإنها غير واجبة على النساء لقول نبي الإسلام عليه السلام: " الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلا أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ. " رواه أبو داود 901، وعلى المرأة أن تصلي الظهر يوم الجمعة أربع ركعات في وقت الظّهر في المكان التي هي فيه، وأما ما سمعتيه من توكيل الشخص المسلم شخصا آخر ليصلي عنه فغير صحيح على الإطلاق، والصلاة فرض عين على كلّ مسلم لا تقبل التوكيل، ولا يجوز لأحد أن يصلي عن أحد، وعلى أية حال لست محتاجة إلى هذا في صلاة الجمعة لما قد علمْت.
وملخّص قضيتك كلها أنّك تحتاجين للتوكّل على الله والسعي لإرضائه والإقدام على الدّخول في دينه ولو سخط النّاس وما دمت رضيت به ربا وإلها واتّبعت دينه فلن يخيّبك ولن يتخلّى عنك، ويغلب على ظنّنا أنك مستعدّة إن شاء الله لهذه الخطوة الكبيرة.. وتذكّري ملخّص الجواب: الإقدام، والتوكّل على الله، نسأل الله لك التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/274)
سائلة يهودية تحدّث نفسها بالإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال صعب ولكن أملي الوحيد أن تستطيع الإجابة على سؤالي.
أنا يهودية روسية تعرفت على شاب مسلم منذ سنة وكلما زادت معرفتنا ببعضنا تزيد المشاكل التي نواجهها، ليست بسبب الدين أو العادات والتقاليد فنحن نحب بعضنا والموضوع هو هل يستطيع أن يتزوجني أم لا.
هو مسلم ممتاز وينتمي إلى عائلة تقليدية وأنا معجبة بمعتقده ودين أهله.
أنا مولودة في مدينة مغلقة وليس هناك مجال لعرض أو تقديم أي دين آخر فهذا ممنوع، وعندما حضرت إلى الولايات المتحدة اكتشفت أن معتقداتي لا تطابق اليهودية فقمت بالكثير من البحث عن الإسلام بعد معرفتي بهذا الشاب وكذلك شابان مسلمان وفتاتان مسلمتان وكذلك قراءتي للقرآن فأصبح عندي شعور قوي بأنني يمكن أن أكون مسلمة جيدة.
أنا أريد الآن أن أذهب إلى مدرسة لأتعلم الدين والتقاليد الإسلامية وخصوصا اللغة العربية.
اتصلت بالمسجد وكنت جاهزة للذهاب ولكن المشكلة هي هل يمكن أن يقبلوني كأي أخت مسلمة جديدة مثل الذين يسلمون من جميع الأديان المختلفة ما عدا اليهودية؟
اليهود والمسلمون دائما في خلاف ولا أظن أنه سيحصل سلام أبداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله " لديّ شعور قويّ بأنني أستطيع أن أكون مسلمة جيدة " عبارة رائعة تلك التي جاءت في ثنايا رسالتك المنطوية على مشاعر مرهفة وتجربة ممتازة في البحث عن الحقّ.
" إنني أدعو الله (بلغتي الأمّ: الروسية) بأن يهديني إلى طريق الحقّ ". عبارة أخرى جاءت في آخر سؤالك يشعر معها القارئ المسلم بالتأثّر البالغ لحال امرأة لجأت إلى الله بعدما عرفت أنّه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ففزعت إليه تطلب الهداية إلى الدّين القويم. قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) سورة البقرة، وابشري بهذا الانشراح للإسلام الذي تجدينه فقد قال الله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) سورة الأنعام 125
واعلمي أنّه ليس لدى المسلمين الذين يفقهون دينهم أي نوع من النفور أو عدم الارتياح تجاه أيّ أخ أو أخت أسلما واعتنقا دين الله مهما كانا أصلهما، وكون المسلم الجديد من أصل يهودي أو نصراني لا يجعل هناك أيّ نوع من التفرقة أو التمييز، ولنضرب مثلين من التاريخ الإسلامي على يهودي ويهودية دخلا الإسلام: أما الأول فهو أبو يوسف عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه وأرضاه
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ، قَالَ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلائِكَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.. رواه البخاري 3082، وفي رواية للبخاري أيضا: " جَاءَ عبد الله بن سلام فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَيْلَكُمْ اتَّقُوا اللَّهَ فَو اللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ فَأَسْلِمُوا قَالُوا مَا نَعْلَمُهُ.. قَالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ قَالَ فَأَيُّ رَجُلٍ فِيُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ قَالُوا ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ يَا ابْنَ سَلامٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ فَخَرَجَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ اتَّقُوا اللَّهَ فَو َاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ فَقَالُوا كَذَبْتَ فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه البخاري 3621
هذا الرجل لم يمنعه أصله اليهودي من أن يكون من المبشرين بالجنّة قبل أن يموت فروى سعد بن أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ الآيَةَ.. رواه البخاري 3528
وأما المرأة فهي صفية بنت حيي بن أخطب من يهود خيبر التي آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا.
لقد صارت صفية اليهودية التي أسلمت أمّا لنا جميعا نحن المسلمين لقوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ.. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَقَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ. رواه البخاري 4762
صفية رضي الله عنها التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم من معتكفه خصيصا ليرافقها إلى بيتها (والمعتكف لا يجوز له أن يخرج إلا لحاجة) ، فقد روى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا.. رواه البخاري 1894
وفي رواية: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ فَقَالَ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ لا تَعْجَلِي حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا.. رواه البخاري 1897
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرعاها ويحنو عليها كما وصف أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم معاملته لزوجته صفية في السفر فقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءهُ بِعَبَاءة ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ رواه البخاري 2081
هذه النماذج وغيرها تبيّن أنّ المسلم الجديد له مكانته في دين الإسلام مهما كان أصله يهوديا أو غيره، ولو حصل صدود من بعض المسلمين تجاه يهودي أسلم أو يهودية أسلمت فإنّ سببه الجهل والتقصير، أمّا موقف الإسلام فقد عرفتيه، فبادري أيتها السائلة إلى الدّخول في الإسلام فورا ونحن متفائلون لك بحياة سعيدة في ظلال هذا الدين.
بقي لنا ملاحظة نودّ إبداءها حول أمر ذكرتيه في رسالتك وهي قضية العلاقة بينك وبين الرجل المسلم المذكور في السؤال. إن هذه العلاقة لن تكون علاقة شرعية يرضى الله عنها إلا إذا قامت على أساس الزواج الذي شرعه الله سبحانه لعباده ورضي به طريقا لارتباط الرجل بالمرأة، ونحن نتصور في وضعك الذي ذكرتيه أن إسلامك وتوبتك ستفتح الباب وتمهّد الطريق للارتباط الشّرعي والصحيح بهذا الرجل المسلم.
نسأل الله لك التوفيق إلى الحقّ والثبات عليه وأن يعجّل لك الخير في الدّنيا ويرزقك الفوز بالجنّة في الآخرة، والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/275)
تريد اعتناق الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهتمة جداً بالدين الإسلامي. ماذا أفعل لكي أدخل في الإسلام؟ كنت دائماً أبحث عن دين يجعلني أشعر بالقرب من الله كما يفعل الإسلام. شكراً لك على إتاحة الفرصة لي لتقديم هذا السؤال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سررنا كثيرا أيتها السائلة الكريمة بهذه الرغبة منك في الدخول في الإسلام وإنه حقا الدين الذي يصل العبد بربّه مباشرة عن طريق التوحيد والعبادة مما يبعث السكينة في النّفس والطمأنينة ويجلب السّعادة للمخلوق بهذه العلاقة الفريدة المشتملة على الحب والخوف والرّجاء والخضوع لله تعالى وهذا المعنى الصحيح للعبادة التي يجتمع فيها عمل القلب مع عمل اللسان بذكر الله بالإضافة إلى عمل الجوارح كما يتجلّى ذلك بالصلاة والصوم والزكاة وتلاوة القرآن وغيرها مما سترين أثره بنفسك إن شاء الله.
ولا شكّ أنّ هذه النتيجة التي توصّلت إليها كانت من أمرين عقل صحيح وتوفيق من الله.
وأمّا عن الدّخول في الإسلام فإنه عملية سهلة جدا تتمثل بنطقك بالشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله وستجدين بقية التفاصيل في أجوبة الأسئلة رقم 114 و 179 و 378
وختاما نقول لك مرحبا بك أختا لنا في الإسلام ونحن على أتمّ الاستعداد لتقديم كلّ خدمة ممكنة. ونسأل الله أن يتمّ عليك نعمته ويثبتك على الحقّ. والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/276)
رئيسه في العمل كافر لوطي
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة كمبيوتر ورئيسي في العمل كافر، وقد اخبرني أحد العاملين أنه لوطي، فهل يجوز لي العمل في هذا الشركة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان عملك مباحا فيجوز لك الاستمرار فيه مع الحذر من تصرّفات هذا الشّخص وحركاته، ولو استطعت أن تدعوه إلى الإسلام ثم تبيّن له حكم المنكر الذي يقترفه (بعد التثبّت والتبيّن من أنّه واقع فيه) بالأسلوب الحكيم المناسب، فيُرجى لك عند الله الأجر العظيم. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/277)
تريد الدخول في الإسلام والمركز الإسلامي فيه رجال فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[أفكر بجدية بالتحول للإسلام ولكن المسجد في مدينتي فيه مسلمون رجال فقط فهل أذهب وأعلن إسلامي هناك أم أجد طريقة أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
أولا: نريد أن نهنئك على تفكيرك الجادّ باعتناق الإسلام والدّخول في الدين الحقّ، ولعلك تكونين ممن أراد الله بهم خيرا وكتبهم من أهل السعادة، قال الله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ) سورة الأنعام 125
ثانيا: إعلان الإسلام في مركز إسلامي ليس بواجب وربما يفيد في بعض المعاملات الرسمية أو يُحتاج إلى إثبات مكتوب مستقبلا، وبناء عليه فيكفيك التلفظ بالشهادتين والبدء بأداء الشعائر التعبدية كالصلاة وتنفيذ ما أمر الله به ورسوله، ونسأل الله أن يسبغ نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/278)
الإسلام يهدم ما قبله من الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أخ لنا أسلم حديثاً، وكان في أيام جاهليته اكتسب مالاً كثيراً عن طريق تجارة المخدرات، فحمل معه هذه الأموال الكثيرة وكوّن مكتبة عظيمة، وتزوج بها، وفي هذه الأيام الأخيرة أُخبر بأنه لا يجوز له أن يتصدق بهذه الأموال، لأن الله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا الطيب، فيسأل: ماذا يجب عليه أن يصنع في هذه الأموال، وما صحة هذا الكلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحمد لله الذي هداه إلى الإسلام، ونسأل الله سبحانه أن يثبته ويوفقه إلى ما فيه خيره في الدنيا والآخرة.
ثانياً:
من فضل الله ورحمته أن جعل الإسلام هادماً لما كان قبله من الذنوب والمعاصي، فإذا أسلم الكافر غفر الله له كل ما فعله أيام كفره، وصار نقياً من الذنوب.
روى مسلم (121) عن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رضي الله عنه قال: لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي. قَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ.
(الإِسْلام يَهْدِم مَا كَانَ قَبْله) أَيْ: يُسْقِطهُ وَيَمْحُو أَثَره. قاله النووي في "شرح مسلم".
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مثل ما جاء في السؤال، من اكتساب مال بسبب تجارة المخدرات قبل الإسلام، فأجاب:
" نقول لهذا الأخ الذي منّ الله عليه بالإسلام بعد أن اكتسب مالاً حراماً: أبشر فإن هذا المال حلال له، وليس عليه فيه إثم، لا في إبقائه عنده، ولا فيما تصدق به منه، ولا فيما تزوج به منه، لأن الله تعال قال في الكتاب العزيز: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ) الأنفال/38. أي: كل ما سلف، وما هنا للعموم، لأنها اسم موصول، يعني كل ما تقدم فهو مغفور له. لكن المال الذي غصبه من صاحبه يرده عليه، أما المال الذي اكتسبه عن طريق الرضا بين الناس وإن كان حراماً، كالذي اكتسبه بالربا، أو المخدرات أو غيرها، فإنه حلال له إذا أسلم لقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) ، وكذلك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن العاص حين أسلم: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله) .
وكثير من الكفار أسلموا وقد قتلوا من المسلمين، ومع ذلك لم يؤاخذوا بما عملوا، فأخبر هذا الأخ أن ماله حلال، وليس فيه بأس، وليتصدق منه، وليتزوج به، وأما ما قيل له إنه لا يجوز له أن يتصدق به ولا منه فليس لقوله أصل " انتهى.
"لقاءت الباب المفتوح" (/373-374) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/279)
هل يدعو غير المسلمين بما عنده من العلم القليل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لشخص ذي علم قليل بالإسلام أن يدعو غير المسلمين للإسلام ويشرح المبادئ كالأركان الخمسة ويرشدهم إلى مصادر العلم؟ أم أن هذا ليس من العدل معهم أن اشرح لهم المبادئ فقط وأتركهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليك مطلقا في تبليغ ما تعْلمه من دين الله إذا كنت متيقنا من صحّته كمثل ما ذكرت من مجمل أركان الإسلام وكذلك أركان الإيمان لغير المسلمين بل ربما يجب عليك ذلك قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون (104) سورة آل عمران، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً." رواه البخاري، قال ابن حجر رحمه الله: وقال في الحديث " ولو آية " أي واحدة ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي ولو قلّ. وقد انطلق بعض الصحابة للدعوة في قبائلهم ولم يكن معهم من العلم إلا القليل الذي اكتسبوه في جلوسهم القصير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه على قلّته كان صحيحاً مباركاً ومع إخلاصهم نفع الله به، وذهب الطفيل ابن عمر من مكة إلى قومه دوس بعلم محدود ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومعه ثمانين بيتا من دوس كلهم قد أسلموا ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه.
واعلم أيها الأخ المسلم أنّ بعض الكفار قد يُسلم من أدنى سبب ومن سماعه كلاما مختصرا يُقال له، فلا تظنّن أنّ ما عندك لا يكفي للبلاغ، (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيم) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/280)
متى بدأ الإسلام ومن وضع الحضارة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[من الذي وضع الحضارة الإسلامية؟ ومتى بدأ هذا الدين؟ وما هي أحكام الإسلام , وكيف يدخل الفرد إلى هذا الدين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان مقصدك بالحضارة الإسلامية ذات الدين الإسلامي فالجواب في الفقرة الثانية.
1- أما إن كان قصدك ما وصلت إليه الأمة الإسلامية في عصور ازدهارها من رقي في النواحي المادية، فهذا لم يكن وليد ساعة، ولكنه بدأ مع بداية الإسلام، وبالأخص بعد قيام الدولة الإسلامية في وقت النبي عليه الصلاة والسلام، ثم أخذ في الازدياد والتطور مع اتساع الفتوحات الإسلامية إلى أن وصل إلى ما وصل إليه، وهذا إن صحت نسبته فإنما تصح للنبي عليه الصلاة والسلام بعد الله تعالى، وأما من عداه فكل ساهم بما استطاع إلى أن استتم البناء.
2- وأما بداية هذا الدين، فالظاهر أن المقصود بالدين: دين الإسلام عقيدة وشريعة، وهذا بدايته ببداية بعثة النبي صلى الله علية وسلم.
وأما أحكام الإسلام فهي كثيرة يصعب ذكرها في هذه العجالة، لكن أهمها:
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.
ويدخل الفرد في هذا الدين بعد أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم بعد ذلك يلتزم بالباقي من صلاة وصيام وحج، وفي هذه الأمور تفصيلات.
ويراجع سؤال رقم 13569
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد(8/281)
عمل المسلم عند رجل ملحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل لدى شخص ملحد (لا يؤمن بإله) . هل من الجائز العمل لديه. حيث أنه يحسن معاملتي ويعطيني وقت للصلاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان مجال عملك مباحا فلا بأس أن تعمل عنده ما دمت قائما بما أمر الله، وعليك بالقيام بواجب الدّعوة إلى الله بالحسنى لعلّ الله أن يهديه على يديك، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعليّ رضي الله عنه لما بعثه إلى الكفار يوم خيبر " أدْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ. (الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب) . " رواه البخاري 2787
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/282)
سهولة الدّخول في دين الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي أمريكي من أصل إفريقي ووالدتي من البيض وقد قمت ببحث مكثّف عن هذا الدّين، أبلغ من العمر السادسة عشرة وأريد حقا أن أكون مسلما أريد أن أعلم إذا كنت أستطيع أن أكون كذلك فعلا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من محاسن دين الإسلام أنّ العلاقة فيه بين العبد والربّ ليس فيها وسائط ومن محاسنه أنّ الدخول فيه لا يحتاج إلى إجراءات ومعاملات تتمّ عند البشر ولا موافقة أشخاص معيّنين بل إنّ الدّخول فيه سهل ميسّر يمكن أن يفعله أي إنسان ولو كان وحده في صحراء أو غرفة مغلقة، إنّ القضية كلّها هي نطق بجملتين جميلتين تحويان معنى الإسلام كلّه وتتضمنان الإقرار بعبودية الإنسان لربّه واستسلامه له واعترافه بأنّه إلهه ومولاه والحاكم فيه بما يشاء وأنّ محمدا عبد الله ونبيه الذي يجب اتّباعه بما أوحي إليه من ربّه وأنّ طاعته من طاعة الله عزّ وجلّ فمن نطق بهاتين الشهادتين موقنا بهما ومؤمنا صار مسلما وفردا من أفراد المسلمين له ما للمسلمين من الحقوق وعليه ما على المسلمين من الواجبات ويبدأ بعدها مباشرة بأداء ما أوجبه الله عليه من التكاليف الشّرعية كأداء الصلوات الخمس في أوقاتها والصيام في شهر رمضان وغير ذلك، ومن هنا يتبيّن لك أيتها السائلة الحصيفة أنّك تستطيع فورا أن تصبحي مسلمة فقومي واغتسلي وقولي " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله "، ولمزيد من التفصيل أنظري قسم (اعتناق الإسلام) من هذه الصفحة.
وفقّك الله لكل خير وسدّد خطاك وكتب لك السعادة في الدنيا والآخرة والسلام على من اتّبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/283)
يجب أن تفعلها: افعلها ولا تتردّد
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 27 سنة وأعيش في أمريكا، اكتشفت خلال دراستي المتأنية لعدة أشهر بأن الإسلام وبدون شك هو الدين الواضح والكامل والكلمة الصحيحة من الرب تعالى، حصل جدال غاضب حول عيسى ولكن بعد النظر لكلماته بتمعن وجدت بأنها تنطبق تماماً مع كلام القرآن، أنا لم أسلم بعد ولكي أكون صادقاً فلا زال عندي بعض التردد. من الصعب وصف الشعور الذي أحس به تجاه النصرانية بعد أن غُرست داخلي منذ طفولتي لمدة ربع قرن من الزمن، بدأت بدراسة اللغة العربية في هذا الصيف وأخطط للانضمام لمدرسة في صنعاء في اليمن في الصيف المقبل لمواصلة الدراسة وسؤالي هو: هل حقاً يجب أن أتخذ الخطوة النهائية لأن القرآن قال بأن النصارى الذين عندهم شك سينالون جزاؤهم. جربت قدرتي على اتباع جميع تعاليم الشريعة، الصلاة والأخلاق والعلاقات مع النساء ونوعية الطعام، الخ ... هل من المهم أن أخطو تلك الخطوة وإذا فعلت فهل يجب أن أتخذ اسماً إسلامياً أم أنه أمر مستحب فقط؟ وهل اسم إسماعيل اسماً مناسباً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد لقي سؤالك عندنا تقديرا بالغا، وجهدك في البحث والدّراسة أمر ينبغي أن تُشْكر عليه خصوصا وأنّك توصّلت إلى نتائج عظيمة وصحيحة، ونحن إذ نعتقد اعتقادا جازما بوجوب الدّخول في الإسلام وأنّه الدّين الذي لا يقبل الله غيره بعد أن أنزله خاتما للأديان والشّرائع فإننا نشعر ببعض ما تشْعر به من الصّعوبة في ترْك الإلف والعادة، ولكن العاقل يعلم بأنّ عليه أنْ يتّبع الحقّ حتى ولو تبيّن له بعد سنين طويلة، وحتى لو نشأ على خلافه وتربى على غيره ولذلك ذمّ الله تعالى الذين رفضوا اتّباع الحقّ تقليدا لآبائهم، قال تعالى:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ءابَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (104) سورة المائدة
وقال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) سورة لقمان
وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءاثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ ءابَاءَكُمْ.. سورة الزخرف
والمسألة لن تكون عليك عسيرة وصعبة - إن شاء الله - فإنّك في الحقيقة إذا آمنت بالإسلام فأنت تؤمن بسائر الأنبياء من قبل وتؤمن بالكتب الإلهية: قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا ءامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا (136)
فلست إذا أسلمت ستنقطع عن جذور صحيحة، بل كلّ مسلم يؤمن بالمسيح عيسى عليه السلام نبيا ورسولا ويؤمن بالإنجيل الصحيح قبل التحريف كتابا منزّلا من الله عزّ وجلّ، ولعلّ مما يشجّعك أن تعلم أنّ كلّ من كان يؤمن بعيسى ثمّ يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فله الأجر مرتين ولذلك لما كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتابا إلى هرقل ملك الروم النصارى يدعوه إلى الإسلام قال له فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) رواه البخاري 2723، وقال نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام: ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ.. الحديث رواه مسلم 219
وبناء عليه فإنّ الجواب على سؤالك هو: نعم من المهم جدا بل من الضروري أن تخطو تلك الخطوة التي ستغيّر مسار حياتك إلى حياة السعادة والأنس بالله وتوحيده واللذة بعبادته وذكره وتحصيل لأجر بالطّاعات وادّخار الحسنات ليوم يحتاج فيه الإنسان إلى كلّ حسنة: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) سورة آل عمران
وأمّا بالنسبة للاسم فإذا لم يكن فيه شيء من الشّرك أو الكفر فيجوز لك البقاء عليه وأمّا اسم إسماعيل فهو اسم مناسب جدا كيف لا وهو نبي الله الكريم الذي قال عزّ وجلّ فيه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) سورة مريم.
نسأل الله لنا ولك التوفيق لما يحبّ ويرضى والهداية إلى صراط الله المستقيم والله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/284)
المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية
[السُّؤَالُ]
ـ[يتهم الغرب الإسلام بأنه يظلم المرأة، فما هي مكانة المرأة في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بلغت المرأة في الإسلام مكانة عالية , لم تبلغها ملة ماضية , ولم تدركها أمة تالية , إذ إن تكريم الإسلام للإنسان تشترك فيه المرأة والرجل على حد سواء , فهم أمام أحكام الله في هذه الدنيا سواء, كما أنهم أمام ثوابه وجزاءه في الدار الآخرة سواء , قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) سورة الإسراء /70 , وقال عز من قائل: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) سورة النساء/7, وقال جل ثناؤه (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) سورة البقرة / 228, وقال سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) سورة التوبة /71 , وقال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إمَّا يبلُغنَّ عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً - واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رًّب ارحمهما كما ربياني صغيراً) سورة الإسراء / 23 ,24.
وقال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) سورة آل عمران / 195, وقال جل ثناؤه: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحييه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) سورة النحل /97 , وقال عز من قائل: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً) سورة النساء/124.
وهذا التكريم الذي حظيت به المرأة في الإسلام لا يوجد له مثيل في أي ديانة أو ملة أو قانون فقد أقرت الحضارة الرومانية أن تكون المرأة رقيقاً تابعاً للرجل , ولا حقوق لها على الإطلاق , واجتمع في روما مجمع كبير وبحث في شؤون المرأة فقرر أنها كائن لا نفْس له , وأنها لهذا لن ترث الحياة الأخروية , وأنها رجس.
وكانت المرأة في أثينا تعد من سقط المتاع , فكانت تباع وتشترى , وكانت تعد رجساً من عمل الشيطان.
وقررت شرائع الهند القديمة: أن الوباء والموت والجحيم وسم الأفاعي والنار خير من المرأة , وكان حقها في الحياة ينتهي بانتهاء أجل زوجها - الذي هو سيدها - فإذا رأت جثمانه يحرق ألقت بنفسها في نيرانه , وإلا حاقت عليها اللعنة.
أما المرأة في اليهودية فقد جاء الحكم عليها في العهد القديم ما يلي: (درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً , ولأعرف الشر أنه جهالة , والحماقة أنها جنون؛ فوجدت أمرّاً من الموت: المرأة التي هي شباك , وقلبها شراك , ويدها قيود) سفر الجامعة , الإصحاح 7: 25 , 26 , ومن المعلوم أن العهد القديم يقدسه ويؤمن به اليهود والنصارى.
تلك هي المرأة في العصور القديمة , أما حالها في العصور الوسطى والحديثة فتوضحها الوقائع التالية:
شرح الكاتب الدانمركي wieth kordsten اتجاه الكنيسة الكالوثوليكية نحو المرأة بقوله: (خلال العصور الوسطى كانت العناية بالمرأة الأوربية محدوداً جداً تبعاً لاتجاه المذهب الكاثوليكي الذي كان يعد المرأة مخلوقاً في المرتبة الثانية) , وفي فرنسا عقد اجتماع عام 586 م يبحث شأن المرأة وما إذا كانت تعد إنساناً أو لا تعد إنساناً؟ وبعد النقاش: قرر المجتمعون أن المرأة إنسان , ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل.
وقد نصت المادة السابعة عشرة بعد المائتين من القانون الفرنسي على ما يلي: (المرأة المتزوجة - حتى لو كان زواجها قائماً على أساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها - لا يجوز لها أن تهب , ولا أن تنقل ملكيتها ولا أن ترهن , ولا أن تملك بعوض أو بغير عوض بدون اشتراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابية) .
وفي إنجلترا حرّم هنري الثامن على المرأة الإنجليزية قراءة الكتاب المقدس وظلت النساء حتى عام 1850 م غير معدودات من المواطنين , وظللن حتى عام 1882 م ليس لهن حقوق شخصية , سلسلة مقارنة الأديان , تأليف د. أحمد شلبي , ج3 , ص: 210 - 213.
أما المرأة المعاصرة في أوروبا وأمريكا وغيرها من البلاد الصناعية فهي مخلوق مبتذل مستهلك في الأغراض التجارية , إذ هي جزء من الحملات الإعلانية الدعائية , بل وصل بها الحال إلى أن تجرد ملابسها لتعرض عليها السلع في واجهات الحملات التجارية وأبيح جسدها وعرضها بموجب أنظمة قررها الرجال لتكون مجرد متعة لهم في كل مكان.
وهي محل العناية ما دامت قادرة على العطاء والبذل من يدها أو فكرها أو جسدها , فإذا كبرت وفقدت مقومات العطاء تخلى عنها المجتمع بأفراده ومؤسساته , وعاشت وحيدة في بيتها أو في المصحات النفسية.
قارن هذا - ولا سواء - بما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) سورة التوبة/71 , وقوله جل ثناؤه: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) سورة ابقرة / 228. وقوله عز وجل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إمَّا يبلُغنَّ عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً - واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رًّب ارحمهما كما ربياني صغيراً) سورة الإسراء / 23, 24.
وحينما كرمها ربها هذا التكريم أوضح للبشرية قاطبة بأنه خلقها لتكون أماً وزوجة وبنتاً وأختاً , وشرع لذلك شرائع خاصة تخص المرأة دون الرجل.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الإسلام أصوله ومبادؤه تأليف: د محمد بن عبد الله بن صالح السحيم.(8/285)
مسيحي يتساءل هل بإمكانه الدخول في دين الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[مرحبا اسمي..... أعيش في السويد أنا لست مسلماً ولكن أنا مهتم كثير بالإسلام. هل من الممكن لشخص مثلي أن يصبح مسلماً؟ أشعر أن دين الإسلام يوفق أفكاري، أريد أن أعرف المزيد عن الإسلام ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أهلاً بك ضيفاً كريماً على هذا الموقع وأنت - في الحقيقة – تُشكر كثيراً على اهتمامك بالإسلام لأنه الوسيلة لهدايتك بإذن الله وقولك أن دين الإسلام يوافق أفكارك دليل على جودة أفكارك وسلامتها وأن فطرتك طيبة لموافقتها للحق واستعدادها لقبوله، وقد قال الله عز وجل (فطرة الله التي فطر الناس عليها) ، وأما عن سؤالك هل من الممكن أن تصبح مسلماً، فالجواب: نعم بالتأكيد، فسارع ولا تتردد، ونرحب بك سائلاً الآن وأخاً مسلماً لنا في المستقبل القريب بإذن الله.
ونهنئك على هذه البداية الجيدة في انفتاح نفسك للإسلام وإقبالك على تعلّمه وكل ما عليك الآن هو اعتناق الإسلام بالنطق بالشهادتين ثم مباشرة التنفيذ والعمل بشرائع الإسلام وستجد إجابات مهمة من أسئلة بأرقام 703 و 378 و 6703 و 12373.
وييسرنا أن نجيبك عن أي استفسار مستقبلاً وأن نتعاون معك في سبيل فهم هذا الدين العظيم
وشكراً لك مرة أخرى. والسلام على من اتبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/286)
يريد الدخول في الإسلام ويُعيقه أداء الصلاة في عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهتم جداً بالإسلام وأعلم بالتأكيد أنه الدين الصحيح، ولكنني بالتأكيد سوف أنضم للجيش الأمريكي ولن يكون لدي وقت للصلاة في الوقت المحدد خلال النهار بسبب التدريب، مع هذا فأنا أريد أن أصبح مسلماً في أسرع وقت ممكن لأن الموت قد يأتي في أي لحظة، ولكنني لست متأكداً هل سألتزم بمواقيت الصلاة، وأنا في الجيش هل هناك أي نصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
والحمد لله مرة أخرى على ما رزقك من هذه القناعة بدين الإسلام فسارع إلى الدخول فيه الآن مهما كانت الظّروف واعلم أنّ الدّخول في الإسلام أول الواجبات وقد أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ قَالَ أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمِلَ قَلِيلا وَأُجِرَ كَثِيرًا رواه البخاري 2597 فأمره بالدخول في الإسلام قبل أن يقاتل لإعلاء كلمة الله وكان قد جاءه في وقت المعركة والكفار قد وصلوا لحرب المسلمين، واعلم أيها السائل الحصيف أنه لا يصحّ أن تكون هناك صعوبات تجعلك تؤخّر أمر إسلامك، وأنت إذا أسلمت فسييسّر الله لك الأمور من أداء الصلوات الخمس في أوقاتها وغير ذلك ما دمت مخلصا النيّة لله ومستعينا به كما يقول المسلم في صلاته دائما: إياك نعبد وإياك نستعين، وأوقات الصلوات الخمس متسّعة ولله الحمد ويُمكنك أداء الصلاة في أي جزء من أجزاء وقتها، وإذا كان الإنسان عند حاجته إلى الحمام يذهب دقائق ليقضي حاجته فذهابه دقائق لأداء الصلاة أهمّ وأولى، ثمّ إنّ عددا من الأنظمة الغربية في عدد من القطاعات تُعطي الفرد حريّة العبادة ويُمكنك استغلال مثل هذا للمطالبة بحقّك في أداء عباداتك في أوقاتها، نسأل الله أن يفتح لك أبواب الخير وأن ييسّر لك أمورك ويكتب لك الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، والله ذو الفضل العظيم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/287)
عندها وشم قبل الإسلام وإزالته مكلفة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت كافرة كان لي وشم على كتفي، الحمد لله أنا الآن مسلمة وزوجي لا يعارض هذا ولكن مع هذا فأنا أريد إزالة هذا الوشم وقيل لي أن إزالته بالليزر مكلفة جداً لأنها تحتاج لحرق الجلد وأنا أريد أن أكون من الذين يدخلون الجنة بغير حساب. إن شاء الله.
تبت الآن فهل هناك أي شيء يجب أن أفعله؟
جزاك الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله الذي دلك على طريقه المستقيم وأسأل الله لك التثبيت عليه، وأما هذا الوشم الذي لا يمكن إزالته إلا بعملية كهذه فإنه لا يلزمك ذلك لأن ذلك يشق ويسبب آلاماً وإيذاءً والله تعالى يقول: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) ، وندمك وكراهيتك لذلك وعزمك على عدم تكرار هذا الفعل يكفي، كما أن الإسلام يجب ما قبله فبقاؤه في هذه الحال المشار إليه لا يضرك إن شاء الله، وفقك الله لما يحب ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/288)
الإسلام والمسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين دين الإسلام ودين المسلم، أو هما شيء واحد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله. وهو الدين الذي ارتضاه الله لعباده قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) آل عمران/19، وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين) آل عمران/85
وسُميَّ من دخل فيه مسلماً، لأنه إذا أسلم فقد استسلم وانقاد لكل ما جاء عن الله عز وجل وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحكام قال تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين َإِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِين) سورة البقرة/130-131، وقال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/112.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(8/289)
أختها مهتمة بالإسلام وتسأل عن الروح والإرث
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله الذي هداني للإسلام قبل 9 سنوات، أختي مهتمة الآن بالإسلام ولكن لا زال عندها بعض المعارضة فهي تسأل أسئلة ليس لها صلة بالموضوع مثل: لماذا ترث المرأة نصف ما يرثه الرجل؟ قلت لها بأن الرجل هو المسئول عن المصروفات المادية، فقالت وماذا إذا كانت هي التي تعمل؟ قلت أنه في جميع الحالات الرجل هو المسئول عنها مادياً وعندما يرث مالاً فهو كذلك المسئول عنها حتى لو أنها تعتمد على نفسها في الدخل.
سألت أيضاً ماذا يحدث للروح عند النوم؟ قلت الله يأخذها (حسبما قرأت) ، قالت أحياناً نستيقظ في الليل أليس هذا تناقض؟ قلت لا وأنا لست عالمة بهذه الأمور وهناك أمور أهم يجب أن نعرفها كأمور العقيدة والعبادة والفقه وهكذا.
قالت فكيف تعلمين بأنك على الطريق الصحيح؟ هذه الأسئلة تجعلني أظن بأنها تبتعد عن الإسلام، أحاول أن أعطيها كتباً ولكنها لا تقرأ. هي دائماً تريدني أن أخبرها بهذه الأشياء.
والدتي تحاول أن تفرق بيني وبينها لأنها لا تريدني أن أتحدث مع أختي عن الإسلام.
اليوم قالت لي إذا واصلتي الحديث معها عن الإسلام فسوف نقطع علاقتنا بك، كما أن والدتي تسب الإسلام وتسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أمامي وتريدني أن أنزع نقابي.
لست أدري ماذا أفعل، والدتي الآن ستغادر البلد مع أختي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك بمواصلة دعوة أختك إلى الإسلام لقوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ... الآية) وعليك بالصبر على أذى والدتك كما أوصى الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: (واصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ... ) ، ولا تيأسي من إعراض أختك، ولا تتحسري بعد بذل الوقت في دعوتها إلى الإسلام إذا لم تستجب قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) .
وقوله: (فلعلك باخع نفسكم على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً) .
وأما ما أجبت به عن أسئلتها فصحيح، وأما الاستيقاظ في الليل مع أخذ الله للروح عند النوم فلا يتعارضان فالذي قَدِر على أخذ الروح هو الذي يقدر على ردها ولهذا أُستُحب لمن استيقظ من نومه أن يقول (الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره) حسنه الألباني (1/329) صحيح الجامع.
وأما ما يتعلق بميراث المرأة فإنها - كما ذكرت - ليست مسؤولة عن النفقة وإنما ذلك على الرجل، كما أن الرجل يدفع إليها المهر ويوجد لها المسكن ... إلخ فهي منتظرة الريادة مطلقاً بخلاف الرجل فليس من العدل المساواة بينها وبين الرجل في الميراث والله تعال أعدل العادلين وأحكم الحاكمين.
وهذا واسأل الله أن يثبتِك وأن يأجرك على دعوتك وعليك بالرفق بهم ولا يبدر منك استفزاز لهم أو سبٌ لدينهم فيحملهم ذلك على سب الرسول صلى الله عليه وسلم، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/290)
لو أسلمت زوجته ثم ارتدت فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم يعيش في أمريكا، ومتزوج من نصرانية، وهي تعتزم الدخول في الإسلام.
والسؤال: إذا أسلمت زوجتي ثم رجعت عن الإسلام (ارتدت) ، فهل أبقيها أم أطلقها؟ كيف أتصرف وفقا للإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الهداية إلى دين الإسلام نعمةٌ عظيمة، والمتسبب في هداية شخص له أجرٌ عظيم، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لعلي بن أبي طالب: " فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ " رواه البخاري (2942) ومسلم (2404) .
فعليك يا أخي أن تحرص غاية الحرص على هداية زوجتك إلى دين الإسلام لما في ذلك من الخير العظيم لك ولها ولأبنائكما.
وأما سؤالك عن حالها بعد الإسلام، فهذا أمره إلى الله لأنك لا تدري ما يحصل لك أنت، هل تثبت على الإسلام أم لا؟ إذ القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، فكيف بغيرك. فعن أَنَس بن مالك قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ " رواه الترمذي (2140) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2792) .
ونذكرك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُعجبه الفأل فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ "رواه البخاري (5776) رواه مسلم (2224) . فكن متفائلاً باستمرارها في طريق الإسلام. فالمطلوب منك الآن أن تحرص على هدايتها.
ولو أن الزوجة أسلمت ثم ارتدت فيجب فراقها في هذه الحالة ولا يجوز البقاء معها حتى ترجع إلى الإسلام.
نسأل الله أن يختم لنا ولك بالصالحات.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(8/291)
تريد الدخول في الإسلام فهل ينطق ولداها بالشهادة أيضاً
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في مرحلة ترك النصرانية والدخول في الإسلام، ومنذ 9 أعوام وأنا أرملة، ولي ابن يبلغ من العمر14 عاما وبنت تبلغ من عمرها11 عاما، وأعلم بأن علي النطق بالشهادتين، لكن هل النطق بالشهادتين مطلوب أيضا من ابني وبنتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النطق بالشهادتين شرط للدخول في الإسلام، ومن وُلد بين أبوين مسلمين لا يلزم أن ينطق بالشهادتين لأنه مسلم حكماً إلا أن يأتي بناقض، وأما من وُلد بين أبوين غير مسلمين فلا بد أن ينطق بهما كأبويه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(8/292)
مطلوب منه بحث عن الإسلام وأثره على أوربا
[السُّؤَالُ]
ـ[ناقش ظهور الإسلام وانتشاره بدراسة حياة محمد صلى الله عليه وسلم وأفكاره الدينية وتاريخ القرن الذي بعد وفاته. اشرح بالتفصيل أفكار محمد الدينية مقسماً إياها إلى ثلاث أقسام: كيف انعكست هذه الأفكار على حياة محمد الشخصية، على معتقداته وخلفياته، وعلى مجتمع القرن السابع عموماً. ثم اشرح متى وكيف انتشر الإسلام من جزيرة العرب ووصل أوروبا. ووضح أثر الإسلام على النصارى في الغرب وفي بلاد العرب والمناطق المجاورة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم يأتِ نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم بأفكارٍ من عند نفسه، بل ما جاء به إنما هو من عند الله تعالى، وهو وحي أوحاه الله له.
ثانياً:
أما حياته صلى الله عليه وسلم:
فهو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق فلنسبه من الشرف أعلى ذروة، وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك ولهذا شهد له به عدوه إذ ذاك أبو سفيان بين يدي ملك الروم، فأشرف القوم: قومه، وأشرف القبائل: قبيلته، وأشرف الأفخاذ: فخذه، فهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان … بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
بعثه الله على رأس أربعين، وهي سن الكمال، وأول ما بدئ به رسول الله من أمر النبوة: الرؤيا فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، قيل وكان ذلك ستة أشهر ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، ثم أكرمه الله تعالى بالنبوة فجاءه الملك وهو بغار حراء وكان يحب الخلوة فيه فأول ما أنزل عليه {اقرأ باسم ربك الذي خلق} العلق/1.
وكان لدعوته مراتب: المرتبة الأولى: النبوة، الثانية: إنذار عشيرته الأقربين، الثالثة: إنذار قومه، الرابعة: إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة، الخامسة: إنذار جميع من بلغته دعوته من الجن والإنس إلى آخر الدهر.
وأقام بعد ذلك ثلاث سنين يدعو إلى الله سبحانه مستخفيا ثم نزل عليه {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} الحجر/94.
ينظر " زاد المعاد " لابن القيم (1 / 71 فما فوق) ، ومنه استفدنا ما سبق.
ثالثاً:
وأما ما كان يدعو إليه نبينا صلى الله عليه وسلم، فيكفي منه ما ورد على لسان أبي سفيان – وكان كافراً وقت قوله – قال هرقل – عظيم الروم - لأبي سفيان: فماذا يأمركم به؟ قال: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة، والصدقة، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة.
وقد علَّق هرقل على كلام أبي سفيان بقوله: وهذه صفة النبي، قد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أظن أنه منكم، وإن يك ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدميَّ هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه ولو كنت عنده لغسلت قدميه.
رواه البخاري (2782) ومسلم (1773) .
رابعاً:
وأما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فقد تولَّى أبو بكر الصدِّيق الخلافة، وقد وقع في أيامه من الأمور الكبار: تنفيذ جيش أسامة، وقتال أهل الردة وما نعى الزكاة ومسيلمة الكذاب، وجمع القرآن.
ثم عمر بن الخطاب، وهو أحد السابقين الأولين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد كبار علماء الصحابة وزهادهم، وكثرت الفتوح في أيامه: ففتحت دمشق والأردن والعراق وبيت المقدس ومصر وهو الذي كتب التاريخ من الهجرة بمشورة علي. واستشهد في آخر سنة ثلاث وعشرين على يد قاتله الكافر المجوسي أبي لؤلؤة.
ثم عثمان بن عفان، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأسلم قديماً، وهو ممن دعاه الصدِّيق أبو بكر إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين الأولى إلى الحبشة والثانية إلى المدينة، وتزوج رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ثم توفيت، فتزوج أختها أم كلثوم، وقد مكث في الخلافة ثنتي عشرة سنة، واستشهد سنة خمس وثلاثين وله بضع وثمانون سنة.
ثم علي بن أبي طالب، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤاخاة، وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين رضي الله عنها، وأحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العلماء الربانيين، والشجعان المشهورين، والزهاد المذكورين، والخطباء المعروفين، وأحد من جمع القرآن وعرضه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
خامساً:
وقد كان صلى الله عليه وسلم مهتديا بهدي القرآن، بل كان خُلقه القرآن كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وما كان نبينا صلى الله عليه وسلم عليه في الإسلام هو ما كان عليه من خلق قبل الإسلام لكن الله تعالى كمَّل له أخلاقه وزينها، وعند أول نزول الوحي قالت خديجة رضي الله عنها وهي تعدد أخلاقه:
كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصِل الرحم، وتحمل الكلَّ – أي: الضعيف العاجز - وتُكسب المعدوم – أي: الفقير -، وتقري – أي: تكرم - الضيف، وتعين على نوائب الحق – كما رواه البخاري (4) ومسلم (160) -.
وقد وصفه أصحابه وأعداؤه بما هو أهل له صلى الله عليه وسلم: من الكرم والشجاعة والرحمة وحسن الكلام وكثرة العبادة والصدق والأمانة … الخ.
ويلخص ذلك كله قوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم/4.
وقد كان لحسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم أكبر الأثر وأعظمه، حتى كان ذلك سبباً في دخول بعض المشركين في الإسلام.
عن أبي هريرة قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له " ثمامة بن أثال " فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ". رواه البخاري (4114) ومسلم (1764) .
سادساً:
أما بالنسبة لوصول الإسلام إلى أوربا فقد وصلها من عدة طرق، منها:
1. حرص المسلمين على إيصال دعوة الحق إلى جميع الناس، ففتحت الأندلس على يد طارق بن زياد عام 92 هـ /711 م واستمرت الفتوحات في غرب أوربا حتى وصلت انتهت إلى شرق جنوب فرنسا في عام 114 هـ.
2. القادمون من شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا بحثاً عن عمل وأمل.
3. استقدام الغربيين لشعوب بعض الدول مثل استقدام الألمان للأتراك للعمل في بلادهم.
4. وجود دعاة الإسلام في تلك البلاد.
5. نفوذ الدولة العثمانية في أوربا.
6. إسلام أهل أوربا الأصليين وتحولهم إلى دعاة للإسلام.
7. التواصل التجاري بين المسلمين وأوربا.
8. دخول أناس من الأوربيين في الإسلام.
9. تغير أنماط التفكير الأوربي.
10. نبذ خرافات الكنيسة المخالفة للوحي واعتماد العلم التجريبي الذي وضع أسسه وطوره المسلمون.
11. مشاركة الجاليات الإسلامية في تطوير الأبحاث والمخترعات والشركات في أوربا من خلال أصحاب الشهادات والكفاءات من المسلمين ثم زيادة عدد الجاليات الإسلامية في أوربا وما تتطلب من مساجد ومدارس ومراكز.. الخ واتسع تأثيرهم حتى خشي من ذلك أعداء الإسلام كاليهود فكتبت صحيفة " هآرتس " الإسرائيلية تقول في عددها الصادر في آخر يونيو عام 2001م: " كما هو الحال في غرب أوروبا كذلك أدت الزيادة الكبيرة في الولايات المتحدة في عدد المسلمين إلى ازدياد نفوذهم السياسي ... بيد أن الزيادة في عدد المسلمين وتعاظم وتزايد وعيهم السياسي وخاصة الطلاب العرب والذين يلاحظ أنهم من أكثر العرب نشاطاً وحركية من الناحية السياسية وكذلك التضاؤل في عدد اليهود نتيجة لزيجاتهم المختلطة وذوبانهم في المجتمع الأمريكي، كل ذلك سوف يلعب مستقبلاً دوراً في ميزان القوى المتنافسة على النفوذ بواشنطن، وقد أصبح ذلك ملموساً ومحسوساً في نشاطات جماعات الضغط العربية بالكونجرس …
1. تزايد عدد المسلمين في البلاد الأوربية، فقبل أكثر من عشر سنوات كان عدد المسلمين في أوربا حوالي (12) مليون مسلماً.
2. انتشار المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس.
3. انتشار الحجاب واللباس الشرعي في عواصم الدول الأوربية.
4. إقامة المعارض والندوات الإسلامية، وتأسيس شركات تعنى بالذبح الحلال ودفن الموتى على الطريقة الشرعية.
وغير ذلك كثير.
والله الهادي والموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/293)
تحريم تلقي البضائع من أصحابها قبل وصولها إلى السوق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تلقي البضائع من أصحابها في الشارع قبل دخولها الحراج والشراء منه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يحرم تلقي أصحاب البضائع في الشارع قبل دخولهم الأماكن المعدة لعرض السلع وبيعها؛ لأن ذلك داخل في مسألة الركبان المنهي عنه؛ للحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والذي جاء فيه: (ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها السوق) , وأخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (4/373) , وما أخرجه البخاري في صحيحه عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نتلقى الركبان , فنشتري منهم الطعام , فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى يبلغ به سوق الطعام) , وفي لفظ آخر عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه قال: (كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق , فيبيعونه في مكانه , فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه) , وفي رواية لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلقوا الجلب , فمن تلقاه فاشتري منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار) , وعلى ذلك فإن السلعة إذا لم يهبط بها صاحبها إلى السوق المعد لبيعها فيه فإنه يحرم تلقي أصحابها , ومن تلقاها قبل بلوغه السوق فإنه آثم , وعاصٍ لله تعالى , إذا كان عالماً بالتحريم؛ لما فيه من الخداع والتغرير بالبائع , والإضرار بأهل السوق , وإذا ثبت هذا وحصل غَبْن للبائع (أي: خداع في الثمن) لم تجر العادة بمثله , فللبائع الخيار بين إمضاء البيع وبين فسخ البيع , وذلك داخل في خيار الغبن " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/122) .(8/294)
عوائق في زواج نصرانية من مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي مسلم وهو يواجه مشاكل مع والديه حتى يقبلوا بي. هما لم يقابلاني مطلقا، لكن والدته أخبرته مرارا بأنه إن لم يتركني، فإنه لن يدخل البيت أبدا، وقد هددته بأنهما سيتوقفان عن الحديث معه. وأنا لا أعرف موقف والده، وهو يتحدث إلى والدته في أغلب الأحيان. (ومما أفهمه أن التحدث إلى الوالد غالبا ما يكون صعبا عند المسلمين) .
وأعلم أيضا أنه يجوز للمسلم الزواج من النصرانيات أو اليهوديات إذا كن عفيفات، وأعلم أيضا أنه لا يجوز لوالديه أن يهجراه لمجرد أنهما لا يوافقانه على علاقته بي، لكن كيف نتصرف وهما لا يسمحان حتى بمناقشة هذا الموضوع؟ ماذا أفعل وهما قد حكما عليّ حتى قبل أن يتعرفا عليّ؟ أنا وهو صديقان، والإسلام لا يقبل بهذه العلاقة، لكننا نرغب في الزواج. (وسوف ينشأ أطفالنا على الإسلام، كما أني عازمة أن أتعرف على الإسلام، ولذلك فلا تعارض في المسألة) .
صديقي لا يريد أن يجرح أي شخص، خصوصا والده ووالدته، فهو يكن لهما الاحترام الشديد. لقد أخفق في أن يظهر لوالديه أنه يحبني كثيرا وأني فتاة جيدة. وأنا لا أستطيع مساعدته بالتحدث إليهما، حيث أخبرني أنه من غير المقبول أن يأتي الشاب بفتاة إلى منزل والديه. فكيف أساعده في هذا الموضوع؟ لماذا يُمنع التحدث في موضوع كهذا؟ كيف يمكن حل المشاكل إذا كان حتى مجرد النقاش غير ممكن؟ ألم يخلق الله الناس ليعرف بعضهم بعضا؟ أنا أؤمن بالله، وأحاول أن أكون امرأة صالحة، وأدعو لذلك كل يوم.
والداي نشآني على النصرانية، لكني منذ أن أخذت أتعرف بعض الشيء على الإسلام وأنا لا أستطيع الإيمان بالطرق النصرانية أبدا. أظن أن الإسلام (هو الدين المناسب لي) لكني اتفقت مع صديقي أن نركز على هذا بعد أن تحل مشكلتنا – وهي قبول والديه بنا. أريد أن تكون علاقتي بالله صافية وألا تؤثر عليها أمور أخرى؛ فالصديق لا يمكن أن يكون السبب في قبولي للإسلام، أليس كذلك؟
هل أكون مستحقة للملامة إن أنا قبلت الإسلام - وأستمر في إيماني بالله حسب اعتقادي فيه الآن - لا لشيء إلا لتسهيل الأمور بالنسبة لنا، حيث أن الوالدان يريدان ذلك؟ أعلم أن المسلم الحقيقي لا يفكر في نفسه فحسب بل عليه أن يفكر في جميع الناس حوله، لكني لا أستطيع أن أقبل بأن حبنا يجب أن يتوقف، لمجرد أن والديه يريدان ذلك. أهذه مشيئة الله؟ أرجو أن تنصحنا حول هذا. لماذا لا يتحدثان معي؟ كيف يمكن أن نفهمها أنهما لا يمكنها الحكم عليّ قبل أن يتعرفا عليّ؟ وهل لديك أي نصائح له، وهل سيكون القرار قرارا شديد الصعوبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله عز وجل أن يمن عليك بالهداية، وسلوك طريق الرشاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أولاً: نشكرك على طرح السؤال وتوجيهه إلى هذا الموقع الإسلامي مما يدلّ على ثقتك ورغبتك في معرفة الجواب الصحيح.
ثانياً:
إن عدداً من الاستغرابات التي أوردتيها في سؤالك تعتبر عندنا معشر المسلمين أموراً مسلّمة، بينما تعتبر عند غيرنا مستنكرة.
ومعرفة السبب معهم، وهو أن المسلم ينطلق في مواقفه وآرائه من التسليم لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن الطاعة المطلقة للخالق الرازق المحيي المميت، لأنه أوجب علينا ذلك وهو أعلم بما يصلحنا.
فعلى سبيل المثال: أنت تستغربين جداً استنكار والدي عشيقك للعلاقة بينكما لأنك ترين بما تربيت عليه واعتدتيه وألفتيه في الواقع غير الإسلامي الذي تعيشين فيه أن هذه العلاقة أمر طبيعي وعادي ومألوف وتقارب بين نفسيات البشر وارتياح عاطفي أو غريزي، وقد يؤدي لك خدمات وتؤدين له خدمات في المقابل، ويلين معك بالكلام، وأنت تلاطفينه أيضاً وبينكما هداياً.. إلخ
والإسلام لا يحرّم حسن الكلام وطيب المعاملة والهدايا ولكن ليس لرجل مسلم أن يخلو بامرأة أجنبية ويستمتع بها خارج إطار الزواج لأن مفسدة هذا ومضرّته في الإسلام من فقدان العفّة والوقوع في الزنا، وانتهاك العرض والحمل بالولد الحرام وإضاعة النسب أخطر بكثير وأسوأ من تعاملات لطيفة وتبادل للهدايا.
ولولا استمتاع كل منكما بالآخر ربما لم يحصل مثل هذا التعامل.
وكذلك فإن وجود نيّة أكيدة وعزم على الزواج في المستقبل وإنجاب أولاد يعيشون مسلمين لا يبرر أبداً إقامة مثل هذه العلاقة المحرّمة التي تحدث فيها كثير من المحظورات الشرعية إسلامياً.
ولنا أن نتساءل إذا كانت العلاقة حميمة وقويّة إلى هذه الدرجة والنيّة صادقة في الزواج لماذا لا تتم توبة كلّ منكما من هذه العلاقة المحرّمة والدخول مباشرة في علاقة شرعية إسلامية قائمة على الزواج الذي شرعه الله.
أما العقد الشرعي في الإسلام فليس أمراً صعباً ومعقداً بل يسير وسهل وراجعي سؤال رقم (2127) و (813) للتعرف على المزيد من صفة عقد النكاح في الإسلام.
ثالثاً: ليس صحيحا أن التحدث إلى الوالد صعب عند المسلمين، فإنه ليس هناك مجتمع يتميز بالتماسك الأسرى، والترابط فيما بين أفراده مثل المجتمعات الإسلامية، بل نظرة سريعة في حال الأسرة في الغرب، يجد الإنسان فيها أن الولد عيد عن أبويه كل البعد، وأن الوالدين لا يقوم أحد بحقوقهما، فضلا عما يسببه ذلك من تشرد الأولاد، وضياع البنات، والإسلام يفرض على الأولاد نوعاً من الاحترام والتوقير للوالدين، يعلم هذا جيّداً من يفتقده من غير المسلمين، ونظراً لما تتمتع به الأم من اللين والعطف والحنان على أولادها، وما يتمتع به الأب من الحزم والنظر إلى الأمور بتعقّل بعيداً عن العواطف، فإن كثيراً من الأولاد يجدون أن الحديث مع الأم أسهل من الحديث مع الأب لاسيما في المشاكل التي تتعلق بعواطف الأولاد ومشاعرهم، وليس معنى ذلك أن الحديث مع الأب صعب عند المسلمين.
ولكن قد يكون بعض الناس تربى تربية فيها بعض الأخطاء، فأثرت بالتالي على بعض سلوكياته، ولكن بشكل عام، فإن المسلم يحب أخاه المسلم الغريب، فكيف بالقريب، فكيف بالابن والأب، فالكل يحرص على مصلحة الآخر، ويراعي أموره، ويحب له الأفضل، وهذا ما ينقلنا إلى النقطة الثانية، ألا وهي:
ثانياً: أن رفض والديه لهذا الزواج ليس من باب التحكم، أو أنهم قد حكموا عليك ولم يروك، بل كل أب (خاصة المجتمع المسلم) يحب لابنه أن يعيش أفضل عيشة، وبحكم خبرة الأب الكبيرة في الحياة، وبحكم كبر سنه، وعلمه بالأمور كيف تسير، فإنه لا يحب أن يقع ابنه في مغامرة، بحيث يتعجل أمرا، ثم يندم عليه.
إن الأب يحاول أن يبعد ابنه عن كل شيء اسمه " فشل "، لذلك هو لا يحبه أن يخوض غمار مثل هذا الزواج، خاصة أن الزواج في الإسلام علاقة قوية، لا تدوم لفترة محددة كحب العاشقين المحرم، بل هو علاقة بين الزوجين المقصود منها الاستقرار والدوام، فالاختيار لا بد أن يكون عن دراسة جادة، وتأن واضح، واستشارة لمن هم أعلم منا في هذه الحياة، ومن الطبيعي أن يكون اختلاف الدين –سببا في الشقاق بين الزوجين، أو حدوث مشاكل في المستقبل خاصة بعد وجود الأبناء، وقد مر علينا في هذا الموقع العديد من تلك المشاكل.
نعم، الإسلام لا يمنع المسلم من تزوّج النصرانية أو اليهودية العفيفة فإن الإسلام يبيح هذا، ومع هذه الإباحة فإن الإسلام لا يحبّذه ولا يدعو إليه، فقد حثّنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة الصالحة صاحبة الدين والخلق.
لذلك كان حكم أبويه على هذا الزواج بالرفض، ليس من باب استعجال الحكم، بل من باب المعرفة بالأمور كيف تسير.
قد تقولين: إن زواجي بهذا الشاب مختلف، لكنهم لا يدركون ذلك؟
فأعود وأقول: وإن كان مختلفا، لكن كل أب لا يحب لابنه أن يخوض تجربة هو في غنى عنها، خاصة وأن العلاقة الآن بينكما محرمة في دين الإسلام الطاهر النقي.
رابعاً: قولك: هل علي ملامة إن قبلت بالإسلام – يعني صوريا – وبقيت على اعتقادك في الله كما أنت؟
فالجواب أن هذا أمر عظيم، فإن ديننا الحنيف لا يقبل من إنسان أن يدخله متلاعبا، أو مستغلا له لأغراض شخصية، ولهذا كان من أسس هذا الدين {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} ، وإذا دخل الإنسان فيه دين الله متلاعبا، حقت عليه لعنة الله، وكان مع القوم الكافرين، كما قال تعالى {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} .
خامساً:
أما حل المشكلة فإنه يمكن أن يكون بعدة أمور، أولاها وأفضلها وأسرعها أن تبدئي التعرف الحقيقي على الإسلام، وشمولية هذا الدين، وموافقته للفطر السليمة، والطبائع المستقيمة، فتعرفي على دين الإسلام، لا لشيء، إلا لرغبة الوصول إلى الحق، والخروج من دوامة الآراء المتخبطة، والأفكار المنافية للفطر والعقول السليمة.
حينئذ – وبالمثابرة والاجتهاد – ستعلمين الحق المبين، وسيلوح لك نور اليقين الساطع، وسيتيسر لك – بإذن الله – أمر الزواج، ولا حرج في أن يكون أمر زواجك من ذلك الرجل سببا في تعرفك على دين الإسلام.
لكن أن تبدئي بهذه الخطوة أولى وأوجب من أن تتزوجي ثم تفكري في الإسلام.
إن الأسرة إذا تكونت من بدايتها من زوجين مسلمين، فإن الله تعالى يبارك فيها، ويرعاها بعنايته، فكلا عمودي الأسرة محبوب لله، لأنه مسلم.
ولعل إعلان توبتك أنت وهذا العشيق وعقد القران حسب الشريعة الإسلامية يخفف من هجوم والدي زوجك وموقفهما السلبي.
وإذا أعلنت دخولك في الإسلام فسيرضى أيضاً عن ذلك من هو أهم من الجميع، وهو الله عز وجلّ، وإذا أرضيت الله ولو سخط من سخط من أهلك فسيرضى الله عليك ويُرضي عنك الناس
وقد يكون من المناسب ـ وهذا يحتاج إلى تفكير وتوقيت سليم أن تقومي بزيارة والدته أنت شخصياً دون أن يكون عشيقك هذا مرافقاً لك ولا موجوداً معك، وتعربين لها عن رغبتك في الإسلام والتوبة من العلاقة المحرّمة والزواج من ابنها على شرع الله وحكمه.
وإذا كنت تقرين أن الإسلام يبيح الزواج من غير المسلمات العفيفات فلماذا لا تنتقلين إلى حياة العفّة والطهر وتمتنعين عن أي علاقة تخالف ذلك.
وقولك الصديق لا يمكن أن يكون السبب في قبول الإسلام له معنى صحيح، وهو أنك ستسلمين ليس محبة في هذا الشخص ولكن محبة في الحقّ ومحبة لله الذي رضي الإسلام ديناً للبشر، وأدلّة هذا واضحة وبيّنة ولا تحتاج إلى قوة عاطفية تدفع. لأن الأدلة والبراهين على الحق كافية جداً.
ولا ننسى قبل أن نفارق هذا الجواب أن نثني على تلك العبارة التي وردت في سؤالك وهي قولك: " أخذت أتعرف بعض الشيء على الإسلام وأنا لا أستطيع اإيمان بالطرق النصرانية أبدا ". وهذا يدل على قربك من الحق جداً وأن قناعاتك تتكون بشكل سليم وعلى أن الحقّ والباطل لا يلتقيان عندك وهذه بشائر خير.
فاسألي الله الهداية إلى طريق الحق، وافتحي بصرك وبصيرتك للنور القادم، وفقك الله لسلوك طريق الهداية، والله أعلم.
للمزيد (33656، 20884، 2527) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/295)
كيف يدعو نصرانياً إلى الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أقوم بدعوة أحد الأشخاص إلى الإسلام عن طريق المحادثة عبر الإنترنت، إنه يعيش في إحدى الدول الغربية، وعمره (18 سنة) ولقد أخبرته بعض الأشياء عن الإسلام، لكن يبدو أنه متمسك بديانته ولا يريد أن يسلم بسهولة، إنه نصراني (بروتستانت) ، هل يمكن أن تدلوني على طريقة جيدة لدعوته إلى الإسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبل الإجابة على هذا السؤال سرني وأعجبني من الأخ السائل اهتمامه بأمر الدعوة إلى الله، مسخراً هذا التطور في علم الكمبيوتر في مهمة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فجزى الله السائل خير الجزاء، وكتبه في عباده المصلحين، وأما عن السؤال الذي تفضلت به فأجود طريقة لدعوة هذا الرجل وكل أحد هي ما دل عليه القرآن بقوله (ولاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) العنكبوت / 44
وقوله (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل / 125
وما أمر الله به نبيه بقوله (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ... ) آل عمران / 64
- خاطبه بنداء الفطرة المقتضي توحيد الله، ومنافاة الفطرة والعقل لعقيدة التثليث.
- بيّن له منزلة عيسى عليه السلام وأمه عند المسلمين، وأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
- بيّن له أن دين الله واحد من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام وأن الاختلاف يقع في الشرائع، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وكتابه ناسخ لما قبله من الأحكام، مصدق لما فيها من العقائد والأخبار الصحيحة.
- أجب عن تساؤلاته بهدوء، وزوده إن لزم الأمر ببعض الكتب وأشرطة الفيديو للشيخ أحمد ديدات.
أجاب عليه فضيلة د. أحمد العبد لرحمن القاضي جامعة الإمام محمد بن سعود فرع القصيم
ويمكنك أن ترسل له السؤال رقم (2690) وعنوانه حوار جاد مع نصراني من الموقع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/296)
اعتقاد المسلمين في المسيح عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو اعتقاد المسلمين في المسيح عيسى ابن مريم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعتقادنا في المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام هو ما دل عليه كتاب الله وسنة رسولنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فنؤمن بأن عيسى عليه السلام عبد من عباد الله، ورسول من رسله الكرام، أرسله الله تعالى إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى توحيد الله تعالى وعبادته.
قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) الصف /6. وقال: (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) المائدة /72.
فليس عيسى عليه السلام إلهاً، ولا ابن الله كما يزعم ذلك النصارى.
قال الله عز وجل: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) المائدة /72.
وقال جل شأنه: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) التوبة /30.
وأول كلمة قالها عيسى عليه السلام لما أنطقه الله وهو في المهد: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) مريم /30.
ونؤمن بأن الله تعالى أيده بالآيات الدالة على صدقه.
قال تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ) المائدة /110.
ونؤمن بأن عيسى عليه السلام وُلد من مريم العذراء البتول بلا أب، وليس ذلك ممتنعاً على قدرة الله الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون.
قال الله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران /59.
وقال تعالى: (إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَمِنْ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران /45-47.
ونؤمن بأنه عليه السلام أحل لليهود بعض ما كان محرماً عليهم.
قال الله عز وجل عن عيسى عليه السلام أنه قال لبني إسرائيل: (وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) آل عمران /50.
ونؤمن بأنه لم يمت ولم يقتله أعداؤه اليهود، بل نجاه الله تعالى منهم، ورفعه إلى السماء حياً.
قال عز وجل عن اليهود: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء /156-158.
ونؤمن بأنه بَشَّر أتباعه بنبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) الصف /6.
ونؤمن بأنه سينزل في آخر الزمان، فيكذب أعداءه اليهود في زعمهم أنهم قتلوه، ويكذب النصارى في دعواهم أنه الله أو ابن الله، ولا يقبل منهم إلا الإسلام.
روى البخاري ومسلم (2222) ومسلم (155) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ (وفي رواية: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ) حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ) .
(لَيُوشِكَن) أَيْ لَيَقْرَبَن أَيْ لا بُدّ مِنْ ذَلِكَ سَرِيعًا.
(أَنْ يَنْزِل فِيكُمْ) أَيْ فِي هَذِهِ الأُمَّة.
(حَكَمًا مُقْسِطًا) أَيْ حَاكِمًا عَادِلاً , وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَنْزِل حَاكِمًا بِهَذِهِ الشَّرِيعَة فَإِنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَة بَاقِيَة لا تُنْسَخ , بَلْ يَكُون عِيسَى حَاكِمًا مِنْ حُكَّام هَذِهِ الْأُمَّة.
(فَيَكْسِر الصَّلِيب، وَيَقْتُل الْخِنْزِير) أَيْ يُبْطِل دِين النَّصْرَانِيَّة بِأَنْ يَكْسِر الصَّلِيب حَقِيقَة وَيُبْطِل مَا تَزْعُمهُ النَّصَارَى مِنْ تَعْظِيمه.
(وَيَضَع الْجِزْيَة)
قال النووي:
الصَّوَاب فِي مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لا يَقْبَلهَا، وَلا يَقْبَل مِنْ الْكُفَّار إِلا الإِسْلام، وَمَنْ بَذَلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَة لَمْ يَكُفّ عَنْهُ بِهَا، بَلْ لا يَقْبَل إِلا الإِسْلام أَوْ الْقَتْل. هَكَذَا قَالَهُ الإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى اهـ.
(َيَفِيض الْمَال) أَيْ: يَكْثُر , وَسَبَب كَثْرَته نُزُول الْبَرَكَات، وَتَوَالِي الْخَيْرَات، بِسَبَبِ الْعَدْل وَعَدَم الظُّلْم، وَحِينَئِذٍ تُخْرِج الأَرْض كُنُوزهَا، وَتَقِلّ الرَّغَبَات فِي اِقْتِنَاء الْمَال لِعِلْمِهِمْ بِقُرْبِ السَّاعَة.
ثم يموت عليه السلام ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه.
روى أحمد (9349) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ. . . ثم ذكر نزوله عليه السلام في آخر الزمان. ثم قال: فَيَمْكُثُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَدْفِنُونَهُ) . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2182) .
ونؤمن بأنه عليه السلام سيتبرأ يوم القيامة ممن زعموا أنه إله.
قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) المائدة /116-117.
(مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) المائدة / 117
فهذا اعتقاد المسلمين في المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.
وقد روى البخاري (3435) ومسلم (28) عَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ) .
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويتوفانا عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/297)
الدعاء للكفار بالهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت إجابة السؤال رقم (4569) . وجاء في الإجابة دعاء الشيخ بأن يهدي الله الرافضة، فهل هذا يليق؟ فالدعاء للمشركين لا يجوز. .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: نشكر للأخ السائل هذا الاهتمام وسؤاله عما يستشكله في بعض الإجابات.
ثانياً: للوقوف على حكم الرافضة وبعض أقوالهم يراجع السؤال رقم (1148) و (10272) .
ثالثاً: الاستغفار للمشركين لا شك أنه محرم، وقد دل على تحريمه الكتاب والسنة.
قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) التوبة / 113-114.
قال السعدي رحمه الله:
يعني: ما يليق ولا يحسن بالنبي والمؤمنين به " أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ " أي: لمن كفر بهُ وعبد معه غيره " وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ". . .
ولئن وجد الاستغفار من خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام لأبيه فإنه "عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ " في قوله "سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا" وذلك قبل أن يعلم عاقبة أبيه.
فلما تبين لإبراهيم أن أباه عدو للهُ سيموت على الكفر ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير "تَبَرَّأَ مِنْهُ" موافقة لربه وتأدبا معه.
"إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ" أي: رجَّاع إلى الله في جميع الأمور كثير الذكر والدعاء والاستغفار والإنابة إلى ربه.
"حَلِيمٌ" أي: ذو رحمة بالخلق وصفح عما يصدر منهم إليه من الزلات لا يستفزه جهل الجاهلين ولا يقابل الجاني عليه بجرمه فأبوه قال له: "لَأَرْجُمَنَّكَ" وهو يقول له: "سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي" اهـ.
وروى البخاري (3884) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرض الإسلام على عمه أبي طالب وهو يموت، فأبى، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ. فَنَزَلَتْ: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) وَنَزَلَتْ: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) .
قال الحافظ:
(مَا لَمْ أَنَّهُ عَنْهُ) أَيْ: الاسْتِغْفَار , وَفِي رِوَايَة: (عَنْك) اهـ.
وروى مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي.
قال النووي رحمه الله:
فِيهِ: النَّهْي عَنْ الاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ اهـ.
وواضح من هذين الحديثين أن النهي إنما هو عن الاستغفار لهم وهو طلب المغفرة، ومثله الدعاء لهم بدخول الجنة أو النجاة من العذاب.
والحكمة من هذا النهي:
"أن الاستغفار لهم في هذه الحال (أي في حال تبين أنهم أصحاب الجحيم) غلط غير مفيد فلا يليق بالنبي والمؤمنين لأنهم إذا ماتوا على الشرك أو علم أنهم يموتون عليه فقد حقت عليهم كلمة العذاب ووجب عليهم الخلود في النار ولم تنفع فيهم شفاعة الشافعين ولا استغفار المستغفرين.
وأيضا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معهُ عليهم أن يوافقوا ربهم في رضاه وغضبهُ ويوالوا من والاه اللهُ ويعادوا من عاداه اللهُ والاستغفار منهم لمن تبين أنه من أصحاب النار مناف لذلك مناقض له" اهـ. قاله السعدي رحمه الله.
وليس الدعاء للكفار بالهداية مما يشمله النهي عن الاستغفار لهم.
وقد ثبت دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض الكفار بالهداية.
قال البخاري رحمه الله في "الصحيح": بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ. ثم ذكر حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ. رواه البخاري (2937) ومسلم (2524) .
قال الحافظ في "فتح الباري":
ذَكَرَ البخاري حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي قُدُومِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرو الدَّوسِيِّ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "للَّهُمَّ اِهْدِ دَوسًا" وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ. وَقَوْلُه: "لِيَتَأَلَّفَهُمْ" مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفَ إِشَارَة مِنْهُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَارَةً يَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَتَارَةً يَدْعُو لَهُمْ، فَالْحَالَة الأُولَى حَيْثُ تَشْتَدُّ شَوْكَتُهُمْ، وَيَكْثُرُ أَذَاهُمْ، وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ حَيْثُ تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُمْ، وَيُرْجَى تَأَلُّفُهُمْ كَمَا فِي قِصَّةِ دَوْسٍ اهـ.
وروى الترمذي (2739) عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ، فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ. صححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال الحافظ:
حَدِيث أَبِي مُوسَى دَالّ عَلَى أَنَّهُمْ (يعني: الكفار) يَدْخُلُونَ فِي مُطْلَق الأَمْر بِالتَّشْمِيتِ , لَكِنْ لَهُمْ تَشْمِيت مَخْصُوص وَهُوَ الدُّعَاء لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلاح الْبَال وَهُوَ الشَّأْن وَلا مَانِع مِنْ ذَلِكَ , بِخِلافِ تَشْمِيت الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ أَهْل الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ بِخِلافِ الْكُفَّار اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/298)
حوار مع نصراني حول عقيدة الفداء عند النصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يصر المسلون على إنكار أن المسيح قد جاء مخلصا لفدائنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تعد عقيدة الفداء عند النصارى وأصلها الذي بنيت عليه، وهو قولهم بصلب المسيح عليه السلام، من العقائد الأساسية عند النصارى؛ حتى إنهم ليراهنون بالديانة كلها إذا لم تصح هذه العقيدة. يقول الكاردينال الإنجليزي منينغ في كتابه: " كهنوت الأبدية ": (لا تخفى أهمية هذا البحث الموجب للحيرة، فإنه إذا لم تكن وفاة المسيح صلباً حقيقية، فحينئذ يكون بناء عقيدة الكنيسة قد هدم من الأساس، لأنه إذا لم يمت المسيح على الصليب، لا توجد الذبيحة، ولا النجاة، ولا التثليث. . فبولس والحواريون وجميع الكنائس كلهم يدعون هذا، أي أنه إذا لم يمت المسيح لا تكون قيامة أيضاً) .
وهذا ما يقرره بولس: {وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطل كرازتنا، وباطل أيضاً إيمانكم} [كورنثوس 1/14-15] .
وعلى نحو ما تخبطوا في قولهم بالتثليث، وما مفهومه، وكيف يوفقون بينه وبين التوحيد الذي يقرره العهد القديم، [راجع السؤال رقم 12628] ، وعلى نحو تخبطهم أيضا في كل ما يتعلق بالصلب من تفصيلات، وهو أصل قولهم بالفداء الذي يعتبرونه علة لهذا الصلب، [راجع أيضا سؤال رقم 12615] ، نقول: على نحو هذا الخبط الملازم لكل من حاد عن نور الوحي المنزل من عند الله، كان تخبطهم في عقيدة الفداء.
فهل الفداء خلاص لجميع البشر، كما يقول يوحنا: {يسوع المسيح البار، شفيع عند الآب، فهو كفارة لخطايانا، لا لخطايانا وحدها، بل لخطايا كل العالم أيضاً} [رسالة يوحنا الأولى 2/2] ، أو هو خاص بمن آمن واعتمد: {من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن} [مرقس 16/16] .
إن المتأمل في سيرة المسيح وأقواله يرى بوضوح أن دعوة المسيح كانت لبني إسرائيل، وأنه خلال سني دعوته نهى تلاميذه عن دعوة غيرهم، وعليه فالخلاص أيضاً يجب أن يكون خاصاً بهم، وهو ما نلمسه في قصة المرأة الكنعانية التي قالت له: {ارحمني يا سيد يا ابن داود. ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة واحدة، فتقدم إليه تلاميذه، وطلبوا إليه قائلين: اصرفها لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، فأتت وسجدت له قائلة: يا سيد أعني، فأجاب وقال: ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب { (متى 15/22 - 26) ، فالمسيح لم يقم بشفاء ابنة المرأة الكنعانية، وهو قادر عليه، فكيف يقوم بالفداء عن البشرية جمعاء؟
وهل هذا الخلاص من خطيئة آدم الأولى فقط، أو هو عام لجميع خطايانا؟
إن أحدا لا يحمل إثم أحد، ولا يفديه بنفسه، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) فاطر/18.
وهذا هو ما تقرره نصوص كتابكم المقدس: {النفس التي تخطيء هي تموت، الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن، بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون} [حزقيال 18/20 - 21] .
فليس هناك خطيئة موروثة: {لولا أني جئت وكلمتهم، لما كانت عليهم خطيئة، وأما الآن فلا عذر لهم في خطيئتهم. . لولا أني عملت بينهم أعمالاً ما عمل أحد مثلها، لما كانت لهم خطيئة، لكنهم الآن رأوا، ومع ذلك أبغضوني وأبغضوا أبي} [يوحنا 15/22 - 24] .
وحين تكون هناك خطيئة، سواء كانت مما اكتسبه العبد، أو ورثه عن آدم، أو من دونه من الآباء (؟!!) ، فلم لا يكون محو هذه الخطيئة بالتوبة؟!
إن فرح أهل السماء بالتائب كفرح الراعي بخروفه الضائع إذا وجده، والمرأة بدرهمها الضائع إذا عثرت عليه، والأب بابنه الشارد إذا رجع:
{هكذا يكون الفرح في السماء بخاطئ واحد يتوب، أكثر من الفرح بتسعة وتسعين من الأبرار لا يحتاجون إلى التوبة} [لوقا 15/1-31} .
ولقد وعد الله التائبين بالقبول: {فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحفظ كل فرائضي وفعل حقاً وعدلاً، فحياة يحيا، لا يموت، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه، بره الذي عمل يحيا} [حزقيال 18/21-23] ، وانظر [إشعيا 55/7]
إن الاتكال على النسب من غير توبة وعمل صالح، ضرب من الخبال؛ فمن أبطأ به عمله، لم يسرع به نسبه، كما يقول نبينا صلى الله عليه وعلى إخوانه المرسلين وسلم [صحيح مسلم 2699] ، وهكذا علمكم يوحنا المعمدان (يحي عليه السلام) : {يا أولاد الأفاعي من علمكم أن تهربوا من الغضب الآتي، أثمروا ثمراً يبرهن على توبتكم، ولا تقولوا لأنفسكم: نحن أبناء إبراهيم، أقول لكم: إن الله قادر على أن يجعل من هذه الحجارة أبناء لإبراهيم؛ ها هي الفأس على أصول الشجر: فكل شجرة لا تعطي ثمرا جيدا تقطع، وترمى في النار} [متى 3/7 - 11] .
إن غفران الذنب بتوبة صاحبه هو اللائق بالله البر الرحيم، لا الذبح والصليب، وإراقة الدماء، ها ما يقرره الكتاب المقدس:
{إني أريد رحمة لا ذبيحة، لأني لم آت لأدعو أبراراً، بل خطاة إلى التوبة} [متى 9/13]
ولهذا يقول بولس: {طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم، طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية} [رومية 4/7-8] .
هذا مع إيماننا بأن الله تعالى لو أمر بعض عباده بقتل أنفسهم توبة من خطاياهم، لم يكن كثيرا عليهم، ولم يكن منافيا لبره سبحانه ورحمته، وقد أمر بذلك بني إسرائيل لما طلبوا أن يروا الله جهرة، لكن حينئذ لا يقتل أحد عن أحد، بل يقتل المرء عن إثم نفسه، لا عن آثام غيره، وقد كان ذلك من الإصر والأغلال التي وضعها الله عن هذه الأمة المرحومة.
ومما يبطل نظرية وراثة الذنب أيضاً النصوص التي تحمل كل إنسان مسئولية عمله؛ كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) فصلت /46 وقال: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) المدثر/38.
وهكذا في كتابكم المقدس:
{لا تَدينوا لئلا تُدانوا، فكما تدينون تُدانون، وكما تكيلون يُكال لكم} [متى 7/1-2]
{فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله} [متى 16/27]
وأكد المسيح على أهمية العمل الصالح والبر، فقال للتلاميذ: {ليس كل من يقول: لي يا رب يا رب، يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات، كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة، فحينئذ أصرّح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم} [متى 7/20-21] .
ومثله قوله: {يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون في ملكوته جميع المعاثر، وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار} [متى 13/41-42] .
فلم يحدثهم عن الفداء الذي سيخلصون به من الدينونة.
والذين يعملون الصالحات هم فقط الذين ينجون يوم القيامة من الدينونة، بينما يحمل الذين عملوا السيئات إلى الجحيم، من غير أن يكون لهم خلاص بالمسيح أو غيره:
{تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة} [يوحنا 5/28-29] .
{متى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة والقديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده. . . ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته} [متى 25/31 - 42] .
ويقول المسيح لهم: {أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم} (متى 23/33) .
ويلاحظ أدولف هرنك أن رسائل التلاميذ خلت من معتقد الخلاص بالفداء، بل إنها جعلت الخلاص بالأعمال كما جاء في رسالة يعقوب {ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد: إنّ له إيماناً، ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟ الإيمان أيضاً إن لم يكن له أعمال ميت في ذاته. . الإيمان بدون أعمال ميت} [يعقوب 2/14 – 20 وانظر:1/22 , 1/27] .
ويقول بطرس: {أرى أن الله لا يفضل أحدا على أحد في الحقيقة، فمن خافه من أية أمة كانت، وعمل الخير، كان مقبولا عنده} [أعمال الرسل 10/34-35] . ومثل هذا كثير في أقوال المسيح والحواريين.
وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13.
والعجب أن بولس نفسه الذي أعلن نقض الناموس وعدم فائدة الأعمال، وأن الخلاص إنما يكون بالإيمان، هو ذاته أكد على أهمية العمل الصالح في مناسبات أخرى منها قوله: {إن الذي يزرعه الإنسان، إياه يحصد أيضاً. . . فلا تفشل في عمل الخير لأننا سنحصده في وقته { (غلاطية 6/7) .
ويقول: {كل واحد سيأخذ أجرته حسب تعبه} (كورنثوس (1) 3/8) .
[انظر حول هذه القضية بتوسع: د. منذر السقار: هل افتدانا المسيح على الصليب]
وهكذا، فليس أمامك حيال هذا التناقض إلا أن تلغي فهمك وعقلك، وتعلل نفسك بالأماني الكاذبة، على نحو ما فعلت في عقيدة التثليث والتوحيد، وهو ما ينصحك به "ج. ر. ستوت" في كتابه "المسيحية الأصلية": (لا أجسر أن أتناول الموضوع، قبل أن أعترف بصراحة بأن الكثير منه سوف يبقى سرا خفيا. . .، ويا للعجب كيف أن عقولنا الضعيفة لا تدركه تماما، ولا بد أن يأتي اليوم الذي فيه ينقشع الحجاب، وتُحل كل الألغاز، وترى المسيح كما هو!!
. . فكيف يمكن أن يكون الله حل في المسيح، بينما يجعل المسيح خطية لأجلنا، هذا ما لا أستطيع أن أجيب عنه، ولكن الرسول عينه يضع هاتين الحقيقتين جنبا إلى جنب، وأنا أقبل الفكرة تماما، كما قبلت أن يسوع الناصري هو إنسان وإله في شخص واحد. . . وإن كنا لا نستطيع أن نحل هذا التناقض، أو نفك رموز هذا السر، فينبغي أن نقبل الحق كما أعلنه المسيح وتلاميذه، بأنه احتمل خطايانا)
[المسيحية الأصلية ص 110، 121، نقلا عن د. سعود الخلف: اليهودية والنصرانية ص 238] .
ونعم، سوف نرى نحن وأنتم المسيح كما هو؛ عبدا من عباد الله المقربين، وأنبيائه المرسلين، وفي هذا اليوم الذي ينقشع فيه الحجاب يتبرأ ممن اتخذه إلها من دون الله، أو نسب إليه ما لم يقله، لتعلم ساعتها أنه لم يكن هناك لغز ولا أسرار:
(وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)) سورة المائدة.
فهل من وقفة قبل فوات الأوان، وعودة إلى كلمة سواء، لا لغز فيها ولا حجاب:
(قُلْ يا أهل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران /64.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/299)
نصراني يسأل عن سبب التحريم القطعي للخمر في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[مرحباً.... أنا مسيحي ...
عندما نسأل عن سبب تحريم الخمر في الإسلام يقال لنا إنه يذهب بالعقل. ولكن تناول كأس صغيرة واحدة منه كل بضعة أشهر لن يكون لها أي مفعول ضار , بل يقول بعض العلماء إن القليل منه مفيد للقلب. فلم هذا التحريم القطعي لتناول ولو حتى قطرة؟ فالإنسان يملك العقل ليعرف كيف يسيطر على أفعاله ويتوقف عن الشرب قبل أن يسكر ولماذا اشترط الإسلام على المسلمين الابتعاد عن الخمر ولحم الخنزير ليصلح دينهم ولم يكتف بتبيان مضارهما وترك الخيار للناس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نرحّب بك في موقعنا باحثاً عن الحقيقة سائلاً عنها، ونسأل الله تعالى أن تكون إجابتنا وافية، ويظهر لك بعد قراءتها وتأملها بإنصاف وتجرّد حكمة هذه الشريعة الإسلامية وكمالها، مما يجعلك تراجع نفسك وتبحث عن الحق وتتبعه.
ثانياً:
مما تقرر في شريعتنا الإسلامية أنها إنما جاءت لتحصيل المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، فما كان نافعاً أو غلب نفعه كان حلالاً، وما كان ضاراً أو غلب ضرره كان حراما، والخمر من القسم الثاني بلا نزاع. قال الله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) البقرة/219، وأضرار الخمر ومفاسدها مما تواتر علمها عند القاصي والداني، والعالم والجاهل، فمن أضرار الخمر ما ذكره الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/90-91
ففي هاتين الآيتين أكد الله تعالى تحريم الخمر تأكيداً بليغاً إذ قرنها بالأنصاب والأزلام وهما من مظاهر الشرك الذي كان منتشراً في الجزيرة العربية قبل الإسلام وجعلها من عمل الشيطان، وإنما عمله الفحشاء والمنكر، وأمر باجتنابها، وجعله سبيلا للفلاح، وذكر من أضرارها الدينية: الصدُّ عن الواجبات والفضائل الشرعية من ذكر الله والصلاة.
وقد اشتملت الخمر على أضرار كثيرة استحقت بها أن يقول عنها نبينا – صلى الله عليه وسلم -: " الخمر أم الخبائث " (حديث حسن ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة: 1854)
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " الخمر أم الفواحش، وأكبر الكبائر، من شربها وقع على أمه وخالته وعمته " (حديث حسن بشواهده قاله الألباني في السلسلة الصحيحة: 1853)
وهذا من أدلة صدق نبيّنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلقد وقع ما أخبر به، ألم يأتك نبأ ذلك الشاب الذي رجع بيته سكران فوقع على أمه بعدما أخذ السكِّين وهددها بقتل نفسه إن لم تفعل فأخذتها الشفقة وأجابته، فلما أفاق ودرى بما وقع قتل نفسه.
فانظر بماذا انتهى أمره بعد شرب الخمر، زنىً بأمه وقتلٌ لنفسه! نسأل الله العافية.
بل ذكرت دائرة المعارف البريطانية أن معظم حالات الاعتداء الجنسي على المحارم مثل الأخت أو الأم والبنت وقعت تحت تأثير الخمور.
وأما قول من قال: إن تناول القليل من الخمر مفيد للقلب، فيُقال فيه:
أولاًً: أثبتت البحوث الحديثة أن ما قيل عن فائدة الخمر للقلب، وتوسيعها للشرايين، ليس إلا خطأً كبيراً، فإن الخمر لا توسع الشرايين التاجية المغذية للقلب كما كان موهوماً من قبل، وإنما توسع الأوعية الدموية الموجودة تحت الجلد، في حين أنها تضيق الشرايين التاجية، وذلك بترسيب الدهنيات والكوليسترول في جوفها، وبذلك تساعد على جلطات القلب والذبحة الصدرية، وخاصة مع التدخين، الذي يُساعد على انقباض الشرايين وتضييق مجراها.
وللخمور تأثير على عضلة القلب ذاتها، حيث تصيبها بالتسمم والاعتلال الوظيفي، خاصة بعد تناول البيرة الحاوية على الكوبالت، كما يصاب القلب بالالتهاب نتيجة استنزاف (ف ب 1) أثناء حرق الكحول.
ثانياً: إن هذه الفائدة والمنفعة الموهومة للقلب، يمكن الحصول عليها من غير الخمر التي زاد إثمها وضررها على خيرها ومنفعتها.
ثالثاً: قد قيل ـ أيضاً ـ إن ما يُذكر من منفعة الخمر للقلب، إنما سببها الفواكه والمواد التي اشتقت منها الخمر، مثل العنب والتفاح وغيرها، وعلى هذا يمكن الحصول على هذه المنافع من هذه الأغذية في صورتها التي أحلها الله من غير تخمير لها.
رابعاً: موازنة تلك الفائدة للقلب ـ إن صح أنها كذلك ـ بالمفاسد العظيمة المدمرة لصحة الإنسان، والتي يمكن الوقوف عليها بمراجعة أي مرجع طبِّي يتحدث عن إدمان الكحول، وآثاره المدمِّرة على الإنسان.
انظر مثلاً: " الإدمان الكحولي ": د. نبيل صبحي الطويل، طبعة: مؤسسة الرسالة، بيروت. " أبحاث وأعمال المؤتمر العالمي الثالث والرابع عن الطب الإسلامي ". طبعة: الكويت 1405 هـ، 1407 هـ.
ولما كان بعض الناس قديماً ـ كبعضهم حديثاً ـ يظن أن في الخمر منفعة جاء طارق بن سويد الجعفي ـ من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يسأله عن الخمر، فنهاه، فقال: أصنعها للدواء. فقال: إنه ليس بدواء، ولكنه داء. رواه مسلم، وهذا من دلائل صدقه ونبوته ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
وأما قولك: إن الإنسان يملك العقل ليعرف كيف يسيطر على أفعاله ويتوقف عن الشرب قبل أن يسكر، فهذا قول من لم ينتبه إلى طرق الشيطان اللعين، في إبعاد الناس عن رب العالمين، ثم هو أيضاً قول من لا يعرف ـ أو ربما يتجاهل ـ كيف تبدأ علاقة شارب الخمر بالخمر حتى يصير السِِكِّير سِكِّيراً والمدمن مدمناً.
فأما الشيطان فإنه يتدرج بالعبد من القليل إلى الكثير. ومن الصغير إلى الكبير، ومن المعصية إلى الكفر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً خطوة خطوة، ونقلة نقلة، وإلى ذلك يشير قول رب العالمين في سورة النور: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21 وإلى ذلك المعنى يشير الشاعر بقوله:
نظرة فابتسامة، فسلام فكلام فموعد فلقاء
وهذا وإن كان ظاهراً يعرفه كل من يفهم النفوس ومداخل الشيطان إليها فإنه أظهر ما يكون في الخمر وشاربها.
ففي المثل الشرقي: " في البدء يأخذ الإنسان كأساً من الخمر، ... ، ثم تأخذ الكأس الأولى..كأساً ثانية.. ثم تأخذ كأس الخمر الإنسان "
تبدأ القصة بنصيحة من طبيب أو صديق بكأس من الخمر يفتح الشهية للأكل، ويساعد على الشعور بالارتخاء، أو تبدأ بمشاركة الأصدقاء في حفل اجتماعي تدار فيه كؤوس الخمر أو كجزء من الطعام المقدم، أو ... أو ... أو
ثم رويداً رويداً، تتوثق الروابط العضوية والنفسية بالخمر حتى تصبح جزءاً من حياة الإنسان، بل حتى يصبح السِكِّير عبداً لسُكره وخمرته. يطلبها طلب المريض للدواء، كما قال الشاعر:
وكأس شربت على لذّة وكأس تداويت منها بها
لقد وجد في الكأس الأولى منفعة ـ بلا سُكر ـ وراحةً ونشوة، بلا هذيان، فالثانية مثلها، وهو اليوم مشتاق إلى كأس الأمس، ومع تعود الجسم على تقبل هذه السموم الكحولية، يحتاج مرة بعد مرة إلى زيادة جرعة الخمر حتى يجد الراحة والنشوة التي وجدها في الكأس الأولى، ثم يصبح السكير أكثر انتظاماً في تعاطي الكحول، وأكثر نهماً في تجرعه، فلذلك كله كان الضمان الوحيد ضد الإدمان الكحولي هو عدم تعاطي الكحول بالمرة.
ومن أجل ذلك كانت حكمة الشرع الإسلامي في تحريم قليل الخمر وكثيره، فالقليل هو أول الكثير، والقليل مع القليل كثير:
لا تحقرّن صغيرة إن الجبال من الحصا
وأما قولك لماذا اشترط الإسلام على المسلمين الابتعاد عن الخمر ولحم الخنزير ليصلح دينهم، ولم يكتف ببيان مضارهما وترك الخيار للناس؟!
فهو سؤال يحمل مغالطة كبيرة للنفس، وإلا فمن المعلوم أن عقول الناس وعلومهم ليست على حد سواء في إدراك المنافع والمضار، ثم إن قواهم وإرادتهم ليست ـ أيضاً ـ على حد سواء في إلزام النفس باختيار النافع وترك الضار، فلا يمكن أن ينضبط سلوك الفرد والمجتمع إذا ترك الأمر إلى اختيار كل إنسان.
ولو ترك الأمر إلى الاختيار فإن ضرر تعاطي الخمور وآثارها المدمرة لا يقتصر على متعاطيها وحده، حتى يُترك له الأمر يختار في خاصة نفسه ما يشاء، وإنما يصل ضررها إلى كل أفراد مجتمعه، فالأمراض الناجمة عن الإدمان إساءة وإضعاف للمجتمع كله، الذي هو عبارة عن مجموعة من الأفراد ونقصان إنتاجية المدمن بسبب مرضه، ضرر على غيره، والميزانية المستهلكة في علاجه ضرر أيضاً على غيره، ناهيك عن الجرائم الناتجة عن الإدمان، جاء في تقرير لمنظمة الصحة العالمية عن جرائم العنف في 30 دولة من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا، إن 86% من جرائم القتل و 50% من جرائم الاغتصاب، تمت تحت تأثير الخمور.
والإحصائيات حول ذلك في مختلف دول العالم كثيرة وشهيرة.
وأما حوادث السير والطرق فهي أشهر من ذلك، ففي عام 1965ـ مثلاً ـ كانت وفيات حوادث الطرق في الولايات المتحدة 49000 وفاة، و1.800.000 إصابة بعاهات دائمة، وقدر المسئولون في الصحة العامة آنذاك أن نصف هذه الوفيات كان سببها الكحول، وكانت الخسارة على هذه الحوادث في ذلك العام (8900) مليون دولار.
وفي تشيكي بأمريكا الجنوبية كان 70% من حوادث السير سنة 1966م بسبب السُّكر، وفي باريس وجد أن 10إلى 15 % من مجموع الحوادث، كان سببها الكحول.
ثم يعترض على السائل أيضاً ويقال:
لماذا لا نبيّن للناس مساوئ السرقة ونترك لهم الخيار، دون إلزام أو عقاب، وهكذا القتل، والرشوة، لماذا، ولماذا، ولماذا ... ؟ حتى يصير المجتمع إلى همجية جامحة، وشريعة الغاب أو الحيوانات.
ثم إن هذا السؤال نفسه يعود إلى جميع النظم والقوانين التي يسير عليها الناس في حياتهم.
إن أساس التفلت من دين الله تعالى ـ المنزل من السماء، والخروج عما شرعه لعباده، هو هذه الفكرة، فكرة أن يُترك الإنسان من غير تكليف بأمر ينفذه، أو نهي يتركه، مع أن الالتزام بالأمر والنهي، واللال والحرام، هو العبودية لله في أبسط معانيها، وهو خالص حق الخالق، بما أنه خالق، وأول واجب على المخلوق، بما أنه مخلوق، قال رب العالمين: (أَيَحْسَبُ الأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) القيامة/36، يعني: أيظنّ الإنسان أن يتركه ربه من غير تكليف، وأمر ونهي، ثم نتيجة ـ لذلك ـ يهمل في قبره، فلا بعث ولا حشر ولا حساب فأين إذن العبودية لرب العالمين، إذا لم يكن هناك أمر ونهي وثواب وعقاب، فبم ندخل الجنة إذن؟!.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/300)
نصراني يسأل عن التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسيحي وأريد أن أسأل:
إذا قرر الرجل أن يتوب بعد حياة مليئة بالمعاصي والذنوب وعاهد الرب على التوبة، أعلم أن الإسلام يقول بأنه سيغفر له وسؤالي ما يلي:
ماذا حصل للذنوب التي فعلها فقد عصى الله ولا بد أن يتحمل شخص ما عقوبة هذه الذنوب فمن هو ما دام الرب سيغفر له كونه مؤمنا؟
وكما رأينا في قصة آدم فقد كان هناك نوع من العقاب لذنبه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله..
بدايةً نشكر السائل على سؤاله.. ونسأل الله أن يمنَّ عليه بالهداية..
أيها السائل: لقد خلقنا الله تعالى لغاية عظيمة وهي عبادته وحده لا شريك له، قال تعالى:
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} هذه هي الغاية.. عبادة الله وحده.
إذاً لم يخلقنا الله لنأكل ونشرب.. أو نلهو ونعلب.. أو نسعى وننصب.. بل خلقنا لنعبده ولا نكفره.. ونذكره ولا ننساه..
هذه هي الغاية.. وما أجملها من غاية.. يوم يعيش الإنسان لعبادة ربه ومولاه.. وخدمة دينه وإقامة أمره.. فهو بجسمه على الأرض وقلبه مع الله والدار الآخرة.. هنا يدرك حقيقة هذه الدنيا.. ومدى حقارتها ودناءتها.. وأن ما بقي له فيها لا يستحق أن يضيعه في لذة عابرة وشهوة فانية.. فاللهم اهدنا بهداك.
ولما كانت العبادة تفتقر إلى إيضاحٍ وإرشاد.. أرسل الله رسله {مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} ... فمن أسلم فقد اهتدى.. ومن أعرض فقد خاب وخسر..
قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} سورة الأنعام / 104.
فإذا أسلم العبد فقد اختار لنفسه السعادة {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} سورة الجن / 14.
ولما كان الإنسان عرضة للخطأ والنسيان، وكان وقوعه في الذنب وارداً، شرع الله لعباده التوبة وفتح بابها إلى قيام الساعة، ودعا عباده إلى التوبة النصوح فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار..} التحريم / 8 وقال: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} النور / 31.
انظر السؤال 14289
واعلم بأن الذنوب على قسمين:
الأول: ما كان في حق الله تعالى..
الثاني: ما كان في حق المخلوق..
أما الأول:
وهو ماكان في حق الله.. كالزنا وشرب الخمر، وترك الواجبات من صلاة وزكاة ونحو ذلك، فما كان من هذه الذنوب له عقوبة في الشريعة كالزنا وشرب الخمر، فأقيم الحد على فاعلها كان ذلك كفارة وتطهيرا له. ومن لم يقم عليه الحد، لكنه تاب إلى الله تعالى، فإن الله يتوب عليه، ويبدل سيئاته حسنات.
ومن لقي الله بهذه الذنوب دون توبة أو حد أقيم عليه، فهو تحت مشيئة الله يوم القيامة، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
روى البخاري (18) ومسلم (1709) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه " فبايعناه على ذلك.
وفي رواية للبخاري (6416) : " ومن أصاب من ذلك شيئا فأخذ به في الدنيا فهو كفارة له وطهور ".
قال الحافظ في الفتح (1/68) : (ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود وهو قول الجمهور ... )
وروى أحمد (1365) عن على رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أذنب في الدنيا ذنبا فعوقب به فالله أعدل من أن يُثَنِّي عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنبا في الدنيا فستر الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه "
والحديث حسنه الأرناؤوط في تحقيق المسند. وحسن الحافظ نحوه من رواية الطبراني.
وقال تعالى:) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان / 68- 70.
وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) النساء / 116، وهذه الآية في حق من لم يت، فهو في مشيئة الله، إلا أن يقع في الشرك، فالشرك لا يغفر.
وأما القسم الثاني من الذنوب:
ما كان متعلقا بحقوق العباد كالاعتداء على أموالهم سرقة أو غصبا ونحو ذلك، أو الوقوع في أعراضهم غيبا ونميمة، أو التعدي على أبدانهم بالضرب ونحوه، فهذا النوع من الذنوب يشترط في التوبة منه رد الحق إلى أهله، أو مسامحتهم فيه.
ومن لم يفعل ذلك بقي عليه تبعة ذنبه إلى يوم القيامة، ليؤخذ منه بقدر مظلمته، من حسناته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" رواه البخاري (2317) .
ومن هذا يُعلم أن القول بأن المذنب لابد أن يعاقب في الدنيا،، قول لا يدل عليه دليل، لكن من عوقب فهو كفارة له، ومن لم يعاقب، ثم تاب من ذنبه، فإن الله يتوب عليه.
وأعظم من هذا القول بطلانا قول من يقول: إن عقوبة الذنب قد يتحملها غير المذنب، كما يقوله بعض الجهلة في حق آدم عليه السلام، ويزعمون أن ذريته – بما فيهم الأنبياء - حملت خطيئته وذنبه حتى أنزل الله ابنه الوحيد ليصلب ويقتل ويرفع عن العالم إثم الخطيئة!! وهذا من الكذب والافتراء على الله وعلى أنبيائه، ومن الظلم الذي تنزه عنه الشرائع؛ لأن الله لا يؤاخذ أحداً بذنب غيره قال تعالى: {ولاتزر وازرة وزر أخرى} فاطر / 18، وإن الله تعالى أرحم وأعدل من أن يعاقب الذرية على خطأ أبيهم، مع أنه تاب منه وقبل الله توبته.
قال الله تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة / 36، 37 وقال سبحانه: (فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) طه / 121، 122.
فاجتمع في حق آدم عليه السلام أمران: أنه عوقب بذنبه، وأنه تاب منه فقبل الله تعالى توبته، واصطفاه وأكرمه.
والحاصل أن من عاش حياة مليئة بالمعاصي والذنوب، فما عليه إلا أن يرجع إلى ربه الرحيم الكريم فيستغفر ويتوب، ليتوب الله عليه، كما وعد بذلك سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر / 53 وهذا من التخفيف الذي جعله الله في هذه الشريعة السمحة، وقد كُتب على بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم لتحصل توبتهم، ثم رفع الله الآصار والأغلال عن هذه الأمة المرحومة..
ختاماً نسأل الله تعالى أن يوفق السائل ويهديه ويشرح صدره للإسلام ليكون فردا من أفراد هذه الأمة المسلمة التي رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبينا ...
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/301)
نصراني يسأل عما هو مكتوب على باب الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الشيء المكتوب على أبواب الجنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الجنة ليس لها باب واحد، وإنما لها أبواب كثيرة، كما قال الله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) الزمر/73 وقد ورد في السنة ما يدل على عدد تلك الأبواب، فمن ذلك قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ) رواه البخاري 3257 ومسلم 1152؛ فدل هذا الحديث على أن عدد هذه الأبواب ثمانية.
ثانيا:
المكتوب على باب الجنة، قد وردت فيه بعض الروايات، وأقوى ما وقفنا عليه منها ما رواه الطبراني والبيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (دخل رجل الجنة فرأى مكتوبا على بابها الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر) حسنه الألباني. انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/537
وهذا الحديث، وإن مال بعض العلماء إلى قبول نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ضعفه آخرون منهم ابن الجوزي والعراقي والمناوي وغيرهم، لأن الرواة الذين نقلوه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فيهم راو شديد الضعف.
وقد وردت رواية أخرى تقول:) مكتوب على باب الجنة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أخو رسول الله؛ قبل أن تخلق السماوات والأرض بألفي عام (
لكنها رواية مكذوبة، لا تصح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم [انظر السلسلة الضعيفة مجلد10 رقم 4901] .
وينبغي أن نعلم أن الكلام في هذه المسألة أو غيرها مما يتعلق بالجنة، أو النار، أو غير ذلك من أمور الغيب، لا يصح إلا بوحي ثابت من عند الله، على لسان رسوله الصادق.
غير أننا نعود لنسأل أنفسنا: ما الفائدة العملية المترتبة على معرفتنا بذلك؟ وما الخير الذي يفوتنا حين لا نعلمه؟
إن السؤال الذي ينبغي أن يفرض نفسه حقيقة، هو: كيف نصل إلى تلك الأبواب؟ وكيف تفتح لنا؟ وكيف ندخلها؟
فهذا حقا هو السؤال المصيري الذي ينبغي أن تتوجه عناية الإنسان إليه.
إن هذه الجنة ليس لها في الواقع إلا طريق واحد، طريق مستقيم لا اعوجاج فيه، قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام/153 وأول ذلك الصراط المستقيم الإيمان بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، الإيمان بمحمد، صلى الله عليه وسلم، نبيا من الله ورسولا، وهو الأمر الذي أخذ الله العهد والميثاق على النبيين من قبل أن يفعلوه. قال الله تعالى:
(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران/81 ودعا كل من أوتي كتابا من قبله أن يؤمن بهذا النبي الخاتم، وكتابه المبين. قال الله تعالى:
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) المائدة15/-16
وأخبر أن حجته سبحانه قائمة على أهل الكتاب وغيرهم بهذا النبي الخاتم. قال تعالى:
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) المائدة/19 وبعد مبعثه لم يبق لأحد في دخول الجنة من حق إلا من اتبعه وأطاعه:
عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه، رضي الله عنه، ِ َقال:ُ جَاءَتْ مَلائِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ فَقَالُوا إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلا فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إن الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ فَقَالُوا مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنْ الْمَأْدُبَة وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ الْمَأْدُبَةِ فَقَالُوا أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ فَقَالُوا فَالدَّارُ الْجَنَّةُ وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ. صحيح البخاري 2861
وفي رواية الدارمي:َ عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيَّ َقالُ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ لِتَنَمْ عَيْنُكَ وَلْتَسْمَعْ أُذُنُكَ وَلْيَعْقِلْ قَلْبُكَ قَالَ فَنَامَتْ عَيْنَايَ وَسَمِعَتْ أُذُنَايَ وَعَقَلَ قَلْبِي قَالَ فَقِيلَ لِي سَيِّدٌ بَنَى دَارًا فَصَنَعَ مَأْدُبَةً وَأَرْسَلَ دَاعِيًا فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنْ الْمَأْدُبَةِ وَرَضِيَ عَنْهُ السَّيِّدُ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ وَلَمْ يَطْعَمْ مِنْ الْمَأْدُبَةِ وَسَخِطَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ قَالَ فَاللَّهُ السَّيِّدُ وَمُحَمَّدٌ الدَّاعِي وَالدَّارُ الإِسْلامُ وَالْمَأْدُبَةُ الْجَنَّة. سنن الدارمي 11
وإذا أردت الوقوف على بعض ما جاء في التوراة والإنجيل من البشارات ببعثة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، والحث على اتباعه يمكنك مراجعة كتاب [إظهار الحق] للشيخ رحمة الله الهندي.
والله يهدينا وإياكم إلى صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/302)
نصرانية تريد أن تصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا نصرانية ولكنني لا أؤمن بديني وأنا آسفة لهذا، أمنت بالله وبرسوله وأريد أن أصوم رمضان، ولكنني لا زلت نصرانية فهل يمكن أن أصوم رمضان؟ لا أعلم كيف أصبح مسلمة، أشعر بهذا في قلبي، ولكنني أظن بأن هذا ليس كافياً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للإسلام.
أيتها العاقلة
إن صيامك من غير دخولك في الإسلام لن تستفيدي منه شيئاً إلا الجوع والعطش، لأن جميع العبادات لا يقبلها الله تعالى إلا إذا كانت مبنية على اعتقاد صحيح، ودين سليم.
إن الأهم لك -ولا شيء أهم منه على الإطلاق- هو أن تبدئي بالخطوة الصحيحة ألا وهي الدخول في الإسلام.
وبعد ذلك تقومين بالصلاة والصيام، وتقرئين القرآن، وتؤدين سائر العبادات، فيحيا بها قلبك، وينشرح صدرك.
إن دخولك في الإسلام ليس بالأمر العسير، لا يحتاج منك فقط إلا إلى النطق بالشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) .
إن وجود الشعور في قلبك بدخولك في الإسلام هذا من علامة الخير، فعليك أن تتخذي الخطوة الأخيرة في ذلك بالقرار الحاسم الذي يترتب عليه سعادتك في الدنيا والآخرة.
إنك لا تؤمنين بدينك -كما قلتِ في سؤالك- فما قيمة هذه الحياة إذا كان الإنسان بلا دين ولا قيم ولا نظام رباني يسير عليه الإنسان في حياته؟!
أتظنين أن هذه الحياة الدنيا مجرد لهو ولعب وتمتع بالشهوات ثم ينتهي ذلك بالموت؟
كلا!! إن بعد الموت حساباً، وبعد الحساب جنة أو نار.
فعليك السعي فيما يكون سبباً في نجاتك، ولا تتأخري ولا تنتظري فإن قطار العمر يسير، ولا يدري المرء متى يتوقف به هذا القطار. وهو لا يتوقف به إلا على أول مراحل الآخرة، فهنالك لا ينفع الندم.
يتمنى الإنسان لو رجع إلى هذه الحياة الدنيا ليؤمن ويعمل صالحاً،
(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) المؤمنون/99-100.
(وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) الأنعام/27.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) فاطر/36-37.
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ويوفقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة.
ونحن على أتم استعداد لتلقي أي سؤال منك والإجابة عنه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/303)
كيف ينصح امرأة أجنبية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت لي زميلة أيام دراستي بالسنة المتوسطة، ولكن الحمد لله أنني ألتزمت بقوله صلى الله عليه وسلم الذي نص فيه بتحريم الخلوة بالأجنبية، وسؤالي هو: أنني أعلم أن لها أخلاقاً حسنة وحميدة، وأريد نصحها وإرشادها، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخلوة، والله سبحانه وتعالى نهى عن النظر الأجنبية، فكيف أقوم بدعوتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأمر كما ذكرت من تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية وتحريم النظر إليها، وإذا أردت نصيحتها فبالإمكان تكليمك لها بذلك مع تسترها عنك، ومن غير خلوة بها، وبالإمكان أيضاً إهداء الكتاب المفيد والشريط المفيد لها في أحكام دينها، وكتابة النصيحة لها إلى غير ذلك من الوسائل المفيدة التي لا يترتب عليها فتنة، وهي تؤدي الغرض المطلوب.
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة 14/70.(8/304)
تريد الإسلام وهناك معارضة منِ أمها وجدتها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت أفكر في اعتناق الإسلام منذ بلوغي الحادية عشرة من عمري. الآن أصبح عمري 14 عاماً وأنا متأكدة من أن هذا ما أريده في هذه الحياة. لقد تعلمت كل كلمات الصلاة (أذكار الصلاة) وسورة الفاتحة وحاولت أن أمارسها لكنني لا زلت مشوشة فيما يتعلق بحركات وأوضاع الصلاة. كما أنني اخترت لنفسي اسماً إسلامياً.
لقد أخبرت أمي عن معتقداتي لكنها كاثوليكية ولذلك فهي تعارض دخولي في الإسلام.
ليس لدي أصدقاء مسلمين ولذلك لا يوجد من ينصحني. تقول والدتي أن علي الانتظار حتى أبلغ السادسة عشرة أما في الوقت الحالي فيجب علي الذهاب للكنيسة وما إلى ذلك.
أعلم أنني جاهزة لدخول الإسلام لكن في كل مرة أذكره فيها تقول لي جدتي – التي تسكن معنا أيضاً – أنني أسبب لهم المتاعب وأنهم لا ينتمون إلى بريطانيا. وهذا يزعجني ويضايقني لكني لا أريد أن أصرخ في وجهها لأني أعلم أن عدم احترامها يخالف الإسلام.
أرغب في الإعلان عن معتقداتي بوضوح لأصدقائي لكن جدتي تقول إن معاملة الناس لي ستختلف وسأصبح منبوذة. لقد فكرت في اعتناق الإسلام سراً لكن هذا لن يتيح لي الذهاب للمسجد وحدي ولن يكون مسموحاً لي أن أرتدي الحجاب أو أن أصلي الفروض الخمسة من قبل مدرستي. لا أدري ماذا أفعل. أرجوكم ساعدوني!!!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد حمل لنا سؤالك في هذا الصباح أنباء سارة، وأثلج صدورنا. ولله الحمد ما قرأناه في سؤالك، وفهمنا المتاعب التي تواجهينها ونحن نعيشها معك الآن من خلال الإجابة على سؤالك والمساهمة في تقديم حلول للمشكلة التي تعانين منها، وعجبنا من حفظك لكل كلمات الصلاة وسورة الفاتحة رغم أن لغتك هي الإنجليزية وتعرفك على الله منذ أن كنت في الحادية عشر من العمر وزيادة يقينك واقتناعك بالإسلام بعد مضي ثلاث سنوات وأنت الآن في الرابعة عشر من العمر فنقول وبالله التوفيق:
الإنسان إذا آمن بشيء فإنه سيكون على استعداد للتضحية من أجله فكيف إذا كان هذا الشيء هو توحيد الله وعبادته وإتباع رسوله وتنفيذ أوامره فلا شك أن التضحية عندئذ ستكون أعظم وأعظم. وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الجنة حفت بالمكاره ومعنى ذلك أنه ليس لنا طريق إلى الجنة إلا باقتحام الصعاب وتحمل المشاق والمكاره ولأن سلعة الله غالية ونعيمه كبير لا ينفد والحياة فيها خالدة واللذات فيها دائمة فإن المسلم الحق سيكون على استعداد للتضحية بأمور كثيرة من الدنيا الفانية الزائلة من أجل ذلك النعيم وسيكون مستعداً لتحمل أذى الناس والصبر على سبهم وشتمهم وانتقادهم وسخريتهم من أجل الحصول على ذلك النعيم وهناك أمر آخر جميل في هذا الموضوع وهو أنه كلما أوذي وصبر فسيزداد أجراً وسيرتفع درجات ٍعند رب العالمين بل إنه قد يزيد إيمانه ويقوى بحيث أنه يتلذذ بالصبر على مرارته من أجل مرضات الله، وحلاوة السعي لرضا الرب ستنسيه مرارة غضب الناس وإيذائهم وانتقاداتهم وإذا كان الأذى بعض الكلمات التي سيسمعها من السخرية أو الاستهزاء أو الانتقاد فماذا عليه لو تحمل من أجل تحقيق رضا الرب والحصول على ثوابه وهو في كل ذلك يؤمن بموعود الله الذي قال في كتابه العزيز: (والعاقبة للمتقين) ويعلم بأن الصبر لا يمكن أن يتحقق إلا بمدد من الله فيطلب منه العون والتثبيت قال تعالى: (واصبر وما صبرك إلا بالله) وهو مستعد أن يُعلن الحق للناس رضي من رضي وأبى من أبى، فإذا رفضوه أعرض عنهم وتركهم كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فاصدع بما تُؤمر واعرض عن المشركين) ، وقال تعالى: (واعرض عن الجاهلين) إن الكلمات الجارحة من الأقارب ثقيلة على النفس وأشد عليها من وقع السلاح ولكن من استحضر عظمة الله وثوابه هان عليه ذلك ومضى في طريقه لا يلتفت ولا يتردد وبعد هذا التوضيح نتم لك الإجابة على سؤالك في النقاط التالية:
أولاً: أحسنت بعدم رفع صوتك على جدتك لأن احترام الوالدين والجد والجدة هو من دين الإسلام.
ثانياً: حاولي مقاومة الذهاب إلى الكنيسة ما أمكنك ذلك لأنه مكان يُكفر فيه بآيات الله ويُعلن الشرك بالله، ويُجهر فيه بدين باطل، وحيث أنك أنثى فإنه لا يجب عليك الذهاب إلى المسجد مثل الرجال، ولن تكوني مقصرة عندما لا تذهبين إلى المسجد لأن أفضل مكان للصلاة بالنسبة للمرأة هو بيتها.
ثالثاً: جاهدي قدر استطاعتك ارتداء الحجاب واحتملي الأذى في سبيل الله، واصبري على أداء الفروض الخمسة في أوقاتها علماً بأنها لا تتعارض كلها مع وقت المدرسة فإنك إذا صليت الصبح بعد طلوع الفجر ثم ذهبت إلى المدرسة فإنك تستطيعين القيام بصلاة الظهر قبل دخول وقت العصر في المدرسة وستجدين وقتاً لذلك في فسحةٍ بين الحصص أو وقت الغداء أو بعد الرجوع إلى البيت والمهم أن تقع صلاة الظهر بعد زوال الشمس وقبل دخول صلاة العصر.
رابعاً: إذا أحسنت معاملة الناس فستكسبينهم في النهاية ولن تصبحي منبوذة بإذن الله.
خامساً: لا تتأخري في الدخول إلى الإسلام ولا تنتظري لحظة فإنك لا تعرفين متى يأتي الموت فانطقي بالشهادتين وأدي الصلاة فستتعودين عليها بعدد ركعاتها وأوقاتها وأذكارها وبممارستها مع مرور الوقت سيزول التشويش الذي تشعرين به في سؤالك، وما دمتِ جاهزة للدخول في الإسلام فإنك ولله الحمد لا تحتاجين لموافقة أم ولا جدة ولا غيرهما مادام الله قد أمرك باتباع دينه، قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)
سادساً: ابحثي عن أخوات مسلمات لمصاحبتهن ومصادقتهن والاتصال بهن ليكُنَّ عوناً لك وسنداً لتعلم الدين والثبات عليه وفيما يلي رقم هاتف المنتدى الإسلامي في مدينة لندن للاستعلام عن مواعيد الدروس النسائية لعله يكون لك انطلاقاً من ذلك المكان حيث أنك تسكنين في بريطانيا (7369060) .
وأخيراً: فإننا نكرر إعجابنا وفرحنا بما ورد في سؤالك، ونستبشر لك بحياة سعيدة ومستقبل جميل في ظل الدين الإسلامي الحنيف، ونحن على استعداد لمساعدتك في كل ما يمكننا القيام به.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى، والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/305)
سيخية تريد الزواج من مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[مرحبا. أنا لست مسلمة، لكني أحب شخصا مسلما، وقد أخبرني أنه سيتزوج بي، إلا أنه لم يفعل ذلك لسبب ما. لكن عندي سؤال لك، لماذا لا يمكن للفتاة السيخية أن تتزوج بالمسلم؟ وهل يجوز لهما الزواج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا نشكر لك ثقتك في هذا الموقع، ونلمس من وراء إرسال هذه الرسالة قابليتك للبحث من أجل الوصول إلى الحق وعدم تعصبك لما نشأتِ عليه، وهذا في حد ذاته نعمة نسأل الله تعالى أن يتممها عليك بالوصول إلى الحق الذي يوجب لك حقيقة السعادة في الدارين، ومن أجل الوصول إلى هذا الأمر فإننا ننصحك بالقراءة عن الإسلام في هذا الموقع بتأمل وصدق في البحث عن الحق وأن تسألي الذي خلقك من العدم أن يرشدك إلى الطريق الصحيح والدين القويم. واعلمي بأن حياة الإنسان لا تستقيم بدون دين صحيح يحيى عليه ولا تستقر هذه النفس إلا بصلة صحيحة بخالقها وفاطرها الله عز وجل. وعبادته هي روح الحياة وبدونها لا يكون إلا التعاسة والشقاء.
أما عن سؤالك عن زواج المسلم منك فإنك إن اقتنعت بالإسلام وارتضيتِه دينا لكِ ـ وهذا ما نسأل الله أن يوفقك إليه ـ فليس هناك ما يمنع من زواجك منه، ويتولى تزويجك منه أقرب أهلك إليك من المسلمين، فإن لم يكن فيهم مسلمون فيتولى تزويجك القاضي المسلم في البلد التي أنت فيه أو المسئول عن الجالية الإسلامية فيها إن لم يكن هناك قاض مسلم أو محكمة شرعية.
واعلمي أن الشريعة الإسلامية تحرِّم زواج المسلمة من غير المسلم أيا كانت ديانته، وتحرِّم على المسلم الزواج من غير المسلمة إلا أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى دون غيرهم، قال تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) البقرة/221، وقد أوضحت الآية الحكمة العظيمة من التحريم وهي حماية المسلم والمسلمة من التأثر في دينه، لكن لما كان الرجل هو الذي له الكلمة كان تأثره بالزوجة أقل من العكس ولذلك أبيح له الزواج من أهل الكتاب فقط لأن كفرهم أخف من كفر غيرهم من حيث العموم ولأنهم أصحاب رسالة سابقة وإن أصابها من التحريف ما أصابها فيبقى لهم ميزة على غيرهم، وعليه فلا يجوز للمسلم الزواج من سيخية إلا أن تسلم.
ونصيحتنا التي نرجو أن يشرح الله صدرك لها مادام قد وُجد هذا الأمر أن تغتنميه من أجل أن يكون محفزاً لك على الإسلام، لا سيما إذا كان هذا المسلم محافظاً على دينه، ونرجو إن أسلمت أن يكون لك وأن تكوني له نعم العون على الصبر والثبات؛ لأنك ستحتاجين بعد إسلامك إلى من يقف إلى جانبك ويحميك من أذى بعض من قد لا يعجبهم إسلامك ومفارقتك لدين الأباء والأجداد، وهذه هي سنة الله في ابتلاء الكثير ممن يدخل في هذا الدين الحنيف ليكون سبباً لهم في قوة ثباتهم عليه، وليظهر في الواقع هل هم مستحقون لهذه النعمة أم غير مستحقين لها، ونسأل الله لك العون على معرفة طريق السعادة الحقة والإيمان به والثبات عليه، حتى يكون آخره جنة عرضها السماوات والأرض. ويمكنك الاستفادة من السؤال 3023، والسلام على من اتبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/306)
أراد أن يسلم ليتزوج مسلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[نمى إلى علمي أن الرجل إذا أراد الإسلام، بقصد الزواج من فتاة مسلمة مثلا، حتى وإن لم يكن إسلامه بدافع الإيمان الحقيقي، فإن الله يقبل ذلك منه (إسلامه) ، حيث إن هذه الطريقة تزيد شخصا إلى تعداد المسلمين، وخصوصاً أن أطفاله سيكونون مسلمين بدل أن يكونوا نصارى. ما قولك في هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أصل الإيمان يكون في القلب ومن أجل هذا فإن النية لها أكبر الاعتبار في الشريعة الإسلامية وإلى هذا جاءت الإشارة في الحديث الذي يعده العلماء نصف دين الإسلام وابتدأ به كثير من العلماء كتبهم كالبخاري رحمه الله في صحيحه فيما أخرجه عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ البخاري (1) وفي رواية مسلم: (فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) مسلم 3530، وبناءً على هذا فإن للمسألة شقين:
أما الأول فهو ما يتعلق بقبول هذا الإسلام عند الله تعالى فالحديث يدل على عدم قبوله إن لم تكن له نية إلا هذا الأمر ولم يدخل الإيمان إلى قلبه.
وأما الثاني فهو ما يتعلق بإجراء أحكام الإسلام الظاهرة عليه، فهذا الشخص لو نطق بالشهادتين وأتى بشعائر الإسلام ولم يأتِ بناقض من نواقضه فإنه يُعامل معاملة المسلمين، ويمكن قبول زواجه من هذه المسلمة؛ وذلك لأننا مأمورون شرعا بمعاملة الناس بما يظهر من حالهم ولم نؤمر بالتنقيب عما في قلوبهم كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنِّي لَمْ أُؤمَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ " البخاري 4004 مسلم 1763.
ولعل هذا الشخص إن دخل في الإسلام ولو بهذه النية أن يَطَّلِعَ على ما في الإسلام من كمال وما فيه من ترغيب في صدق النية فيصدق مع الله تعالى ويَحسُن إسلامه ويقبله الله منه، ويمكن لمن له علاقة بهذا الشخص أن ينصحه بأن يكون قصده الأول إرادة وجه الله والدخول في حقيقة الإسلام، ويكون الزواج تابعاً وسبباً للدخول في هذه النعمة لا مقصداً وغاية، ويمكن لهذه الفتاة أن تجعل الزواج منها مُرَغِّباً لهذا في إسلامه كما وقع من أم سليم رضي الله عنها في زواجها من أبي طلحة رضي الله عنه فعَنْ أَنَسٍ قَالَ تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَكَانَ صَدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الإِسْلامَ أَسْلَمَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَبْلَ أَبِي طَلْحَةَ فَخَطَبَهَا فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ فَإِنْ أَسْلَمْتَ نَكَحْتُكَ فَأَسْلَمَ فَكَانَ صَدَاقَ مَا بَيْنَهُمَا. النسائي3288 وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 3133.
وأما تعليل القبول ـ الذي ورد في السؤال ـ بزيادة عدد المسلمين فغير صحيح، لأن زيادة عدد المسلمين، وإن كانت أمراً حسناً ومقصوداً إلا أنه ليس من أسباب قبول من ادعى الإسلام ولم يؤمن به حقيقة، لأن الإسلام يهتم بالكيف والكم لا بالكم فقط، والصادق في دينه خير من ألف من الكاذبين فيه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/307)
نقطة البداية لمن يريد الدّخول في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف هل هناك نقطة بداية بالنسبة لشخص مهتم بدين الإسلام الحقيقي حيث أنني تلقيت إجابات كثيرة مختلفة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يوجد هناك نقطة بداية مهمة جدا وهي النّطق بالشّهادتين، وهذا هو الجواب الوحيد لسؤالك. (ولمزيد من التفصيل يُرجى مراجعة الأسئلة تحت قسم خدمات الموقع، اعتناق الإسلام وخصوصا السؤال رقم 378) .
وأهلا وسهلا ومرحبا بك في هذا الدّين. وهنيئا لك بهذا الأمر الذي توّجهت إليه. والله يحفظك من كلّ سوء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/308)
رجل كاثوليكي يريد الزواج بامرأة مسلمة ويفكّر بالإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل كاثوليكي وأريد الزواج من امرأة مسلمة، وقد قرأت عن الإسلام، فكيف يمكن أن ادخل في هذا الدين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله الذي جعل فيك الرغبة للدخول في دين الإسلام ونشكرك على السؤال عن كيفية الدخول في دين الله الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من اتبعه، قال الله تعالى في كتابه القرآن الكريم (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران/85.
والدخول في الإسلام عملية سهلة جدا وليس فيها أي تعقيد وكلّ ما عليك أن تفعله هو النطق بالشهادتين وهما مفتاح الدين وملخصّه وأساسه فتقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله ثمّ تغتسل وتنوي الطهارة للصلاة وتمارس شعائر دين الإسلام وأعظمها الصلاة التي تربط العبد بربه ولمعرفة تفصيلها وكيفيتها انظر سؤال رقم (13340) وأيضا رقم (11497) ، ويجب أن توقن بأن عيسى بن مريم عليه السلام هو عبد الله ورسوله وليس إلها ولا ابنا للإله وإنما هو بشر أرسله الله بالتوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له. قال الله: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله) المؤمنين/91، وقال تعالى: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدّيقة كانا يأكلان الطعام) المائدة/75، وهذا يدلّك على احترام الإسلام لعيسى عليه السلام وأمّه دون غلّو بهما ووقوع في الشّرك.
ونريد أن نبيّن أيضا أنّه بالرغم من أنّ دخولك في الإسلام قد يكون الباعث عليه رغبتك في الزواج من امرأة مسلمة في هذه المرحلة إلا أنك إذا أسلمت وتعلّمت المزيد عن هذا الدّين ومارسته واقعا في حياتك فسيحسن إسلامك وتصفو النيّة وتصبح إخلاصا لله واقتناعا تاما بصحّة هذا الدّين وأنّه لا يزكّي النفس ويُطّهرها إلا هو.
وإننا نتفاءل كثيرا بمستقبل سعيد لك لأنّ بداياتك التي تحدّثت عنها في سؤالك جيدة وتبعث على التفاؤل وخصوصا عندما نتدبّر جميعا قول الله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) الأنعام/125، فنسأل الله أن يشرح صدرك لهذا الدين ويرزقك الدخول فيه ولا شكّ أنّ ذلك سيكون خبرا سعيد للمرأة المسلمة التي ستتزوجها لأنها تعلم أنه لا يمكنها الزواج منك إلا بعد إسلامك كما هي شريعة رب العالمين، ونرحب بك في هذا الموقع سائلا وقارئا ومتعاونا معنا على الخير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/309)
تريد الإسلام ولا تريد ترك زوجها الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[تواجهنا في المراكز الإسلامية وأثناء دعوة النساء الكافرات إلى الإسلام مشكلة تعلّق الزوجة بزوجها الكافر الذي لا يريد أن يسْلم ويصعب عليها أن تضحي بزواجها منه وخصوصا عندما يكون بينهما أولاد وزوجها حسن الخلق فيتغلّب حبها له ونحن نعلم أنّ المرأة الكافرة إذا أسلمت لا يجوز لها البقاء في عصمة الرجل الكافر لقوله تعالى: (لا هنّ حِلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ) فكيف نتعامل مع هذه المشكلة وهل يجوز أن نركز على إسلامها ونترك باقي الموضوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
امرأة تقول: أريد الإسلام وزوجي جيد ولا أريد الانفصال عنه، فماذا أفعل؟
الجواب:
لابد أن تنفصل عنه، ولكن هل من الممكن أن تدعوه للإسلام؟ فتقول: إني أريد أن أسلم فإن أسلمْت فقد فسخ العقد إلا أن تسلم، فلعلها إذا ذكرت هذا له يوافق على الإسلام.
سؤال:
إذا أسلمت، فهل تكون في البيت حين دعوته أم تترك البيت؟
جواب:
إذا كانت ترجو إسلامه تبقى في البيت حتى تنتهي العدة.
سؤال:
وهل تكشف عليه أثناء العدة أم لا؟
جواب:
الاحتياط أن لا تكشف؛ لأنه ليس مؤكدا أنه يوافق.
سؤال:
ولا الخلوة؟
جواب:
ولا الخلوة.
سؤال:
إذا كان إخبارها بهذا قد يصدها عن الإسلام، فهل يجوز لنا شرعا أن نحجب عنها النصف الثاني من الجواب، فنقول: أسلمي أولا ثم نجيبك بعد ذلك عن حكم الاستمرار؟
الجواب:
لا، لو قلنا هذا ثم أُخبرت فارتدت صارت المشكلة أعظم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب حين بعثه لأهل خيبر: أدعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه.
سؤال:
فهذه الآن لو بقيت معه بمعاشرة بعد الإسلام فهي صاحبة كبيرة؟
جواب:
نعم، ولكن هل يجوز الإصرار على الزنا؟!!
سؤال: ما ملخص ما نجيبها به؟
جواب:
نقول لها: أسلمي، واعلمي أنك إذا أسلمت ولم يسلم زوجك فإنه ينفسخ النكاح. انتهى.
وينبغي التركيز في الحديث مع النّساء اللاتي يتعرّضن لهذه القضية على الأمور التالية مع الشّرح المستفيض:
- تقديم محبّة الله ورسوله على محبّة كلّ أحد
- أنّها إذا أخلصت في دعوته والدّعاء له فقد يهديه الله على يديها
- أن من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه
- أنّ الله لا يُضيّع عبده الذي ضحّى بما يحبّ من أجله
وكذلك أن يُسعى في حلّ مشكلة مثل هذه المرأة إذا أسلمت وانفصلت عن زوجها بأن يتقدّم من الاخوة المسلمين من يتزوجها ويضمّ إليه أولادها أو يوجد من أهل الخير المسلمين من ينفق عليها وعليهم، نسأل الله الهداية والتوفيق والسّداد، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(8/310)
حكم الدعوة إلى وحدة الأديان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعوة إلى (وحدة الأديان) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من تساؤلات، وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات بشأن الدعوة إلى (وحدة الأديان) : دين الإسلام، ودين اليهودية، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد، إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب، وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي:
أولاً: إن من أصول الاعتقاد في الإسلام، المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون: أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبق على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) . والإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان.
ثانياً: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن كتاب الله تعالى: (القرآن الكريم) هو آخر الكتب نزولاً وعهداً برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل؛ من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى القرآن الكريم، قال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق) .
ثالثاً: يجب الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد نسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، كما جاء ذلك في آيات من كتاب الله الكريم، منها قول الله تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذُكِّروا به ولا تزال تطّلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم) ، وقوله عز وجل: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) وقوله سبحانه: (وإن منهم فريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) . ولهذا فما كان منها صحيحاً فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال عليه الصلاة والسلام: " أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟! لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي " رواه أحمد والدارمي وغيرهم.
رابعاً: من أصول الاعتقاد في الإسلام: أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، كما قال تعالى: (ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) ، فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان أحد من الأنبياء حياً لما وسعه إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم، وإنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك، كما قال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) ، ونبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم، وحاكماً بشريعته، وقال الله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) . كما أن من أصول الاعتقاد في الإسلام أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عامة للناس أجمعين، قال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وقال سبحانه: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) وغيرها من الآيات.
خامساً: ومن أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وتسميته كافراً ممن قامت عليه الحجة، وأنه عدو الله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار، كما قال تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة) وقال جل وعلا: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) ، وقال تعالى: (وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) ، وقال تعالى: (هذا بلاغ للناس وليُنذَروا به) وغيرها من الآيات، وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار ". ولهذا فمن لم يُكَفِّر اليهود والنصارى فهو كافر، طرداً لقاعدة الشريعة: " من لم يُكفِّر الكافر بعد إقامة الحجة عليه فهو كافر ".
سادساً: وأمام هذه الأصول الاعتقادية، والحقائق الشرعية، فإن الدعوة إلى (وحدة الأديان) والتقارب بينها وصرفها في قالب واحد، دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجرّ أهله إلى ردة شاملة، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) وقوله جل وعلا: (ودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) .
سابعاً: وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جل وتقدس يقول: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ، ويقول جل وعلا: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين) ، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) .
ثامناً: إن الدعوة إلى (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتُبطل صدق القرآن ونَسْخه لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع.
تاسعاً: وبناءً على ما تقدم:
1 - فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن الله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها.
2 - لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد؟ فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد؛ لما في ذلك من الجمع بين الحق (القرآن الكريم) والمحرف أو الحق المنسوخ (التوراة والإنجيل) .
3 - كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة: (بناء مسجد وكنيسة ومعبد) في مجمع واحد؛ لما في ذلك من الاعتراف بدين يُعبد الله به غير دين الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة، لأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولا شك أن إقرار ذلك واعتقاده أو الرضا به كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين، واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله، تعالى الله عن ذلك. كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس (بيوت الله) وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله، لأنها عبادة على غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ، بل هي بيوت يُكفَرُ فيها بالله، نعوذ بالله من الكفر وأهله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (22/162) : " ليست - البِيَع والكنائس - بيوتاً لله، وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوتٌ يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يُذكر فيها، فالبيوت بمنزلة أهلها، وأهلها الكفار، فهي بيوت عبادة الكفار ".
عاشراً: ومما يجب أن يُعلم: أن دعوة الكفار بعامة، وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين، بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام، ودخولهم فيه،أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة، قال الله تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون) ، أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عرى الإسلام ومعاقد الإيمان فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون والله المستعان على ما يصفون، قال تعالى: (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) .
وإن اللجنة إذ تقرر ما تقدم ذكره وتبينه للناس؛ فإنها توصي المسلمين بعامة، وأهل العلم بخاصة بتقوى الله ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعاته، والكفر وأهله، وتحذرهم من هذه الدعوة الفكرية.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء(8/311)
مواعدة النساء الأجنبيات وما هي الأرواح الشريرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو دور النساء والأطفال في الإسلام؟
هل يوجد أي شيء من قبيل الأشباح أو الأرواح الشريرة؟
ولماذا لا يُسمح للمسلمين الخروج في مواعيد مع النساء الأجنبيات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بالنسبة للنساء فعليهن مسؤولية كما على الرجال، فعليها أن تكون داعية إلى الله بقدر ما تستطيع، فتجتهد في دعوة النساء وتحذيرهن من التشبه بالكفار، ودعوتهن إلى العلم الشرعي، وإلى ذكر الله وعبادته وتحذيرهن من الصغائر والكبائر، وتكون قدوة صالحة لغيرها، وهذا يكون في كل مجال تجتمع فيه النساء.
وأما الصبيان فالذين هم دون العاشرة مسئوليتهم على آبائهم فيحرصون على تربيتهم تربية صالحة، وإن حصل منهم خلل أو وقعوا في محرم فالإثم على الوالدين حيث عليهم تنبيههم بالبعد عن المخدرات والدخان وغيرها من الأمور لكي ينشئوا نشأة صالحة.
الأرواح الشريرة هي أرواح الشياطين، وكذلك شياطين الإنس الذين يتربون تربية سيئة على محبة الشر ومحبة أهله والذين هم أرواحهم تنطلق من أجسادهم فيصيبون بالعين من يريدون إضراره، فالجن والشياطين أرواح شريرة وضررهم كثير على من يركن إليهم، وأما إذا اتقّى الإنسان شرهم وحرص على أنه يكون مطمئنا في حياته، واستعاذ بالله من شياطين الإنس والجن فإن الله يحفظه ويقيه شرورهم.
الشيخ عبد الله بن جبرين.
ولا يجوز للرجل المسلم أن يواعد امرأة أجنبية ويخرج معها لأن الله تعالى نهى المؤمنين عن ذلك بقوله: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) سورة المائدة/5
وقال تعالى: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) الأحزاب/53.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما (رواه الترمذي 2165 صححه الألباني في صحيح الترمذي 1758
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/312)
راغب في الإسلام من بلد المخدرات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم تعاطي المخدرات (مثل الكوكايين) ؟
هنا في كولومبيا70% من الناس يتعاطونها.
فهل يجب علي أن أمتنع عنها إذا أردت الإسلام؟
أنا في انتظار إجابتك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنه لشيء عظيم جدا أن تفكّر باعتناق الإسلام، وأنت في بلد المخدرات ولست على دين، ولقد أثار لدينا سؤالك الدهشة والاستغراب من رجل يعيش في مثل وضعك ثمّ يتوصّل إلى بداية رغبة في الدّخول في الإسلام، ولكنّ الله على كلّ شيء قدير يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم، ولعلّ العناية الإلهية تهيؤك لقبول الدّين الحقّ بالرّغم من الظّلام الحالك من حولك والمرض المحيط بك مرض الكفر ومرض المخدّرات، والإنسان الكافر ميّت القلب ولو كان حيّ الجسد فإذا هداه الله لنور الإسلام دبت الحياة في قلبه وعرف لها معنى جديدا وتغيّر توجهه فصار يسير على هدى من ربّه، قال الله تعالى في كتابه العزيز: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا..) الآية 122 سورة الأنعام، فهلّم إلى الحياة الحقيقية واتّباع النّور الذي أنزله الله وسترى فيه ما تقرّ به عينك وتطمئنّ به نفسك عندما تعبد الله.
وأمّا عن موضوع المخدّرات فلا شكّ أنّك تتوقّع أنّ هذا الدّين العظيم يحرّم كلّ ضار ويبيح كلّ نافع ولا يرضى أن يغيب الإنسان عن عقله فيصبح هائما مجنونا شاردا يفعل كلّ قبيح دون وعي ويجلب الدمار لجسده بهذا الدّاء الخطير ويصدّ نفسه عن ذكر الله وعبادته بتعاطي هذا السمّ الخطير الذي يفتح الباب للاعتداء على الآخرين فيكون هذا المخدّر مفسدا للدّين والنّفس والعقل والعِرض والمال، ولذلك لا يشكّ أي عاقل بتحريمه تحريما قطعيا.
ونحن على إدراك تام بأنّ الإدمان ليس مرضا سهلا وأنّ الخلاص منه ليس أمرا يسيرا ولكنّ هذا كلّه لا يمنع من الدّخول في الإسلام واعتناق هذا المذهب الحقّ الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وثق ثقة تامّة أن اعتناقك للإسلام سيولّد فيك قوة عظيمة وإرادة جازمة ستعينك على التخلّص من الإدمان وترك هذا المرض الخطير، وقد تأخذ المسألة وقتا للشّفاء من هذا المرض والإقلاع عن هذا الذّنب ولكن لا ينبغي أن يجعلك هذا تتردد في الدّخول في الإسلام بل أسلم تسلم من آفات الدّنيا وعذاب الآخرة ونحن على استعداد للوقوف بجانبك في مواجهة أيّة صعوبة تعترضك ونشكرك على سؤالك ونسأل الله أن يعجّل بهدايتك، والسلام على من اتّبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/313)
إلقاء محاضرة عن الإسلام داخل الكنيسة
[السُّؤَالُ]
ـ[عرضوا عليه إلقاء محاضرة عن الإسلام في كنيسة. هل يقبل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
هذا محل نظر، لأن المكان لا يليق. إلا على وجه بعيد وهو أن يقال أن المسلمين من قوتهم أعلنوا دينهم في معابد النصارى.. فإذا كان من هذه الناحية فهذا طيب. لكن أخشى أن يكون الأمر بالعكس.. بمعنى أن المسلمين أُخضِعوا إلى أن يتحدثوا عن دينهم في الكنيسة. لذلك أرى أن لا يفعل حذراً من هذه المفسدة. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(8/314)
التعامل مع المرأة في الدين الإسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في طريقي لأن اصبح مسلما ولهذا أنا قلق فيما يتعلق بالفترة التي عشتها قبل التفكير بالإسلام وأخشى أن تحول تجاربي السابقة دون إتباع طريق الله الصحيح. أرجو منك أن تغفر لي صراحتي الشديدة فأنا أشعر بالتردد نظرا لعدم السماح للرجال والنساء في الدين الإسلامي بالاحتكاك سويا في علاقات متكاملة ولهذا أشعر بالصراع يجتاحني ويتأجج داخلي قبل اعتناق الإسلام فقد كانت لي تجارب سابقة والآن قد قرأت كثيرا أن هذه التجارب محرمة في الإسلام فكيف يمكنني أن أوفق بين رغباتي وما ينهى عنه الدين في مجال التعامل مع النساء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يُمكن أن نخفي اغتباطنا وتقديرنا لك أيها السائل الكريم ولا يسعنا إلا الفرح بما ظهر في سؤالك من دلائل التوجّه إلى اعتناق الدين الحقّ - دين الإسلام -. وأما ما ذكرت من حيرتك وترددك فهو أمر مفهوم لأنّ الشّخص عندما يكون منغمسا في أوحال علاقات محرّمة ثمّ يريد الانتقال إلى دين الطّهر والعفاف فإنّه يخشى أن تغلبه نفسه فلا يستطيع الوفاء بما يطلبه الإسلام من الطّهارة والعفّة ولكن سنذكر لك فيما يلي أمرا لعله يعينك على تخطّي الصّعوبة التي تخشاها ويُعطيك التصوّر الصحيح للموقف.
إنّ المفترض فيمن يتّبع الدّين الحقّ أن يكون لهذا الدّين أثر بالغ على نفسه وأخلاقه بحيث يصوغ هذا الدّين شخصيته صياغة جديدة ويبعثه بعثا جديدا بالكليّة ويحوّل حياته إلى مسار آخر مختلف تمام الاختلاف عمّا كان عليه في أيّام جاهليته. وهذا التحوّل الجذري والاختلاف الكليّ سيُنشئ أخلاقا وقيما لم تكن موجودة من قبل ويُحدث تطهيرا للقلب وعفّة في النّفس تجعل هذا المسلم الجديد ينظر بعين الاستقذار لما كان يفعله في الماضي ويبعث الشّعور بالاشمئزاز لما عليه أهل الجاهلية من الفواحش والخيانات والعهر والعري وسائر القاذورات المنتشرة في المجتمع من حوله، ويستعيد سلامة الفطرة ونقاء القلب التي سلبها الشّيطان منه في أيام كفره وفجوره، وسيكون هذا التوجّه عن طواعية نفس واختيار مقترن بالرّضا صادر عن استسلام كليّ لأوامر ونواهي الربّ الذي شرع هذه الشّريعة وأنزل هذا الدّين وهو الإسلام، ولنا على هذا الكلام دليلان شرعي وتاريخيّ.
فأمّا الشرعي فهو في كتاب الله مذكور في عدد من الآيات كقوله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) سورة الأنعام آية 122. وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلا مَنْ تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) سورة الفرقان
قال المفسرون في شرح قوله تعالى: (يبدّل الله سيئاتهم حسنات) : أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قال هم المؤمنون كانوا من قبل إيمانهم على السيئات فرغب الله بهم عن السيئات فحولهم إلى الحسنات فأبدلهم مكان السيئات الحسنات.
وقال عطاء بن أبي رباح هذا في الدنيا يكون الرجل على صفة قبيحة ثم يبدله الله بها خيرا وقال سعيد بن جبير أبدلهم الله بعباده الأوثان عبادة الرحمن وأبدلهم بقتال المسلمين قتال المشركين وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات وقال الحسن البصري أبدلهم الله بالعمل السيء العمل الصالح وأبدلهم بالشرك إخلاصا وأبدلهم بالفجور إحصانا وبالكفر إسلاما وهذا قول أبي العالية وقتادة وجماعة آخرين. تفسير القرآن العظيم لابن كثير
وأمّا الدليل التاريخي فقصص متعددة للمسلمين الذي دخلوا في الإسلام بعد أن كانوا كفّارا كيف تغيّروا واستقام أمرهم ومن ضمن ذلك القصّة التالية:
كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ وَكَانَ رَجُلا (مسلما) يَحْمِلُ الأَسْرَى (أي المسلمين فيهرّبهم) مِنْ مَكَّةَ (وكانت دار المشركين) حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمْ الْمَدِينَةَ (وهي دار المسلمين) قَالَ: وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا عَنَاقٌ وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ (أي أيام الجاهلية قبل أن يُسلم) وَإِنَّهُ كَانَ وَعَدَ رَجُلا مِنْ أُسَارَى مَكَّةَ يَحْمِلُهُ قَالَ فَجِئْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى ظِلِّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ قَالَ فَجَاءَتْ عَنَاقٌ فَأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظِلِّي بِجَنْبِ الْحَائِطِ فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَيَّ عَرَفَتْهُ (أي عرفتني) فَقَالَتْ مَرْثَدٌ؟ فَقُلْتُ مَرْثَدٌ. فَقَالَتْ مَرْحَبًا وَأَهْلا هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ قَالَ قُلْتُ يَا عَنَاقُ حَرَّمَ اللَّهُ الزِّنَا، قَالَتْ يَا أَهْلَ الْخِيَامِ هَذَا الرَّجُلُ يَحْمِلُ أَسْرَاكُمْ (أي انتقمت منه لامتناعه عن الزنا بها فنادت الكفار ليمسكوه) ، قَالَ فَتَبِعَنِي ثَمَانِيَةٌ (وذكر كيف أنجاه الله منهم) وهذه القصة سبب نزول قوله تعالى الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. رواه الترمذي وحسّنه 3101.
والشّاهد من القصّة كيف تغيّر حال الرّجل بعد إسلامه وامتنع عن فعل الحرام الذي عُرض عليه. وكذلك الحال في المرأة إذا أسلمت واستقامت على الإسلام كما في القصّة التالية:
عن عبد الله بن مغفل أن امرأة كانت بغيا في الجاهلية فمرّ بها رجل أو مرّت به فبسط يده إليها فقالت مَه (كلمة زجر وإنكار بمعنى أكفف) إن الله أذهب بالشرك وجاء بالإسلام فتركها وولى.. رواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
فلو أنك أسلمت وحَسُن إسلامك واستقمت على هذه الشّريعة المباركة وعبدت الله كما يحبّ سبحانه والتزمت أمره واجتنبت نهيه فلن تجد إن شاء الله هذه الصّعوبة التي ذكرتها في سؤالك ولن تعاني منها، ثمّ إن عندك من وسائل العفاف ما تكفّ به نفسك عن الحرام ومنه هذا الزّواج الذي أمرت به الشَّريعة، ومن سلك السبيل النّظيف فلن يحتاج إلى مستنقع وَحْل ينغمس فيه، نسأل الله لك الهداية العاجلة، وأن يسهّل لك الأمور ويُبعد عنك الشرور، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/315)
أسلمي ثمّ لا تقلقي من الماضي السيئ
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة صغيرة وأريد أن أسلم لأني تأكدت بأن الإسلام هو الدين الحق، ولكن لدي مشكلة واحدة وهي أني قبل أن أعرف الإسلام قمت بالكثير من الذنوب إن لم تكن حياتي كلها ذنوب، فهل يمكن أن أسلم، وماذا افعل بخصوص حياتي السابقة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بسم الله الرحمن الرحيم
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) سورة غافر
روى ابن عباس - وهو من صحابة نبي الإسلام عليه السلام - أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو لَحَسَنٌ وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَ قول الله تعالى: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54)
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَءَايَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) سورة الزمر
وكان عمرو بن العاص مشركا مذنبا عدوا لله، " قَالَ لَمَّا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِي الإِسْلامَ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُبَايِعَنِي فَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ فَقُلْتُ لا أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي قَالَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الذُّنُوبِ. " رواه الإمام أحمد 17159
ففرّي إلى الله واعلمي أنّه ليس شيء من القلق الذي لديك إلا وحلّه موجود في النصوص المتقدّمة، بل إنّ هذه النصوص تخاطبك أنت، وتُعنى بقضيتك وتحلّ مشكلتك.
وإذا كان ربّك رحيما توابا ويغفر الذنوب جميعا ورحمته وسعت كلّ شيء وناداك مع عباده للتوبة والإسلام ووعدك على لسان رسوله عليه السلام بأنّ ذنوبك السابقة كلها كبيرها وصغيرها بجميع أنواعها ستمحى وتزول بالكلية إذا أسلمت، وستبدئين بصحيفة أعمال جديدة نظيفة من السيئات، فماذا تنتظرين ولأيّ شيء تتأخرين، فعجّلي وأقدمي وأسلمي واعبدي ربك، ونحن نستبشر لك بمستقبل سعيد وحياة طيبة في ظلّ الإسلام، ولقد سرّنا - والله - سؤالك، ونحن بانتظار الخبر السعيد.
ولمعرفة كيفية الدخول في الإسلام انظري الأسئلة رقم 703 و11936 وقسم اعتناق الإسلام في الموقع والله يحفظك من كلّ سوء وهو نعم المولى ونعم النصير والهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/316)
متعلّقة بمسلم وتريد الزواج منه فهل لا بدّ أن تُسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسيحية أحب شابا مسلما يبلغ من العمر 19 سنة. وقد كان لطفا من هذا الشاب أن يقبل الدخول في علاقة معي مع أني غير عذراء. وقد طلب مني أن أوافق على الزواج منه، وأنا أخطط لقبول هذا العرض. فهل يلزمني أن أتحول إلى الإسلام إذا تزوجته، حتى لو لم أكن راغبة في ذلك. وقد تحدثنا عن الأطفال الذين قد نلدهم في المستقبل واتفقنا على أنهم سيكونون مسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم من الضروري جدا بالنسبة لك أن تدخلي في الإسلام وهذا سيحلّ كلّ المشكلات ابتداء من صحة عقد النكاح مرورا بمستقبل الأولاد وتوحيد وجهة تربيتهم وتعليمهم وانتهاء بالفوز في الآخرة والراحة بعد الموت، وما تشعرين به من عدم رغبتك النفسية في هذه الخطوة قد يكون مردّه إلى صعوبة ترك ما ألفتيه من الدّين الذي نشأت عليه، أو كراهية مخالفة أهلك وأقربائك أو الخوف من إيذاء الآخرين وانتقادهم أو خشية فقْد بعض الميزات الدنيوية ولكن كلّ ذلك يسهل التغلّب عليه إذا استعنتِ بالله وعزمت على اتّباع الحقّ فإنّ الإنسان العاقل مستعدّ للتضحية وتحمّل الصّعوبات في سبيل اتّباع الحقّ، لأنّ الحقّ أحقُّ أن يُتّبع وكلّ صعوبة دونه تهون لأنّ النتيجة هي السّعادة في الدنيا والآخرة والفوز بجنّة عرضها السموات والأرض ثمّ إنّ زواجك سيساعدك على معيشة توافق وتآلف مع زوجك - إذا تاب إلى الله من العلاقة المحرمة وصار ذا خلق ودين - وأهله المسلمين، ولن يكون هناك خلاف في الدّين الذي سيتربّى عليه الأولاد ولن يشعروا بأي تناقض في الأسرة التي سيعيشون فيها وسيكونون بمنأى عن العقد النّفسية الناتجة عن اختلاف دين الأبوين وقد حصل عند أحد الناس شعور مشابه للشّعور الذي تشعرين به كما جاء في القصّة التالية التي حدثت على عهد نبي الإسلام عليه السلام: عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ أَسْلِمْ قَالَ أَجِدُنِي كَارِهًا قَالَ أَسْلِمْ وَإِنْ كُنْتَ كَارِهًا. رواه الإمام أحمد 11618 وهو في صحيح الجامع 974 فهذا هو الموقف الصّحيح الذي يجب أن يتخذه الإنسان من الدين الحقّ، ولمزيد من المعلومات حول موضوع الزواج هذا نرجو مراجعة السؤال رقم 3025 والسؤال رقم 2527 ونتمنى لكِ كلّ خير ونجاح وفلاح، والسّلام على من اتّبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/317)
نصائح وتوجيهات للشباب المسلم تجاه نفسه ودينه وأمَّته
[السُّؤَالُ]
ـ[ي: ما هو دور الشباب المسلم في بناء المجتمع والأمة الإسلامية؟ يلاحظ أن القرآن الكريم ذكر الشباب في أكثر من موضع، قال تعالى: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) الأنبياء/ 60، وكذلك السنَّة النبوية الصحيحة، وما هي نصيحتكم للشباب المسلم في العالم كله، تجاه دينه، ومجتمعه، وأمَّته؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
" الشباب في أي أمَّة من الأمم هم العمود الفقري الذي يشكل عنصر الحركة، والحيوية؛ إذ لديهم الطاقة المنتجة، والعطاء المتجدد، ولم تنهض أمَّة من الأمم - غالباً - إلا على أكتاف شبابها الواعي، وحماسته المتجددة ".
ولقد علم أعداء الإسلام هذه الحقيقة، فسعوا إلى وضع العراقيل في طريقهم، أو تغيير اتجاههم، إما بفصلهم عن دينهم، أو إيجاد هوة سحيقة بينهم وبين أولي العلم، والرأي الصائب، في أمتهم، أو بإلصاق الألقاب المنفِّرة منهم، أو وصفهم بصفات ونعوت، غير صحيحة، وتشويه سمعة من أنار الله بصائرهم في مجتمعاتهم، أو بتأليب بعض الحكومات عليهم ".
" فتاوى الشبخ ابن باز " (2 / 365) .
ثانياً:
لما سبق بيانه كان على الشباب المسلم دورٌ مهم، وأعمال بالغة الأهمية؛ لينهضوا بأنفسهم تجاه ما يراد بهم، وليكونوا حرَّاساً للدين تجاه ما يكاد به.
ويمكن أن نلخص ذلك الدور، وتلك الأعمال فيما يلي:
1. العلم الشرعي.
قال تعالى: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الزمر/ من الآية 9.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ) – رواه ابن ماجه، وهو حديث حسن -.
فالعلم واجب شرعي على كل مسلم، ولا يمكن للجاهل أن يفهم دينه، ولا أن يدافع عنه في المحافل، والمنتديات، والجاهل لا تستفيد منه أمته، ولا مدينته، ولا قريته، ولا أهله، فلذا كان على الشباب المسلم أن يسارعوا إلى حلقات العلم، في المساجد، والمراكز الإسلامية، وأن يستثمروا نشاطهم وفراغهم في حفظ القرآن، وقراءة الكتب.
2. الدعوة إلى الله، وتعليم الناس.
قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/104.
والدعوة والتعليم: زكاة العلم، وواجب على من تعلَّم العلم الشرعي أن يبلغه لغيره، وأن يساهم في هداية الكفار إلى الإسلام، وهداية العصاة إلى الاستقامة.
3. الصبر على أذى الناس.
قال تعالى – على لسان لقمان وهو يعظ ابنه -: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) لقمان/ 17.
ولا بدَّ – غالباً – للداعية من أن يصاب بأذى قولي، أو فعلي، ولا ينبغي لذلك أن يصده عن الاستمرار في الدعوة إلى الله، وليعلم أن الأنبياء والمرسلين قد أصابهم من ذلك الشيءُ الكثير، وهو يسير على هديهم، وطريقهم، فليصبر، وليحتسب.
4. الطاعة للأوامر، والاجتناب للنواهي.
والشاب المسلم مطيع لربه تعالى، فلا يسمع أمراً من الشرع إلا ويكون أول المستجيبين له، ولا نهياً إلا ويكون أول المبتعدين عنه، وقد استحق مثل هذا الشاب الثواب الجزيل يوم القيامة في أن يكون في ظل عرش ربِّه تعالى، في وقت تدنو الشمس بلهيبها فوق رؤوس الخلائق.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ... ) متفق عليه.
5. تزكية النفس.
ومما يحتاجه الشاب المسلم، ويجب علينا نصحه به: أن يجعل لنفسه نصيباً من التزكية، فيجتهد على نفسه فيربيها على القيام بما يتيسر من العبادات النوافل، كقيام الليل، وصيام الأيام الفاضلة، وقراءة الأوراد والأذكار اليومية؛ فهي زاد الشاب للثبات على طريق الهداية، مع الالتزام بحفظ البصر عن المحرمات، وصيانة السمع عن المنكرات، وهكذا باقي جوارحه يجعلها مصونة عن ارتكاب ما يبغضه ربه، ولا يرضاه منها.
ومما يحرص عليه الشاب المسلم في هذا الباب: إعفاف النفس؛ تنفيذاً للوصية النبوية منه صلى الله عليه وسلم حين خاطب الشباب فقال: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) متفق عليه – و " الباءة ": هي القدرة على تكاليف الزواج، من مهر، ونفقة، و" الوجاء ": الوقاية؛ لأن الصوم يكسر حدّة الشهوة -.
6. الالتفاف حول العلماء الثقات.
قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء/ 83.
والشاب المسلم لا توجهه عاطفته، ولا تقوده حماسته، إنما يسير على طريق الهداية بتوجيه العلماء الثقات، والشيوخ الكبار، ممن لهم علم واسع، وتجارب نافعة، فيهتدي بنصحهم، ويعمل بمشورتهم، ويُرجى أن يكون بعد ذلك أكثر نفعاً لأمته، ودينه، ويكون أكثر حماية ممن يكيد بالشباب لصرفهم عن رسالة الحق، ونشر النور في الأرض.
7. أن يكونوا قدوة حسنة للناس.
وهذا هو حال طلاب العلم، والدعاة إلى الله، فالشباب المسلم الذي يقوم على تعليم الناس ودعوتهم ليس له أن يخالف فعلُه قولَه، بل هو متحلٍّ بالفضائل التي يدعو إليها، وقائم بالطاعات التي يرغب الناسَ بها، وهو قدوة لغيره في الأمانة، والاستقامة، والصدق، والعفاف، وغير ذلك من الأخلاق الواجبة والفاضلة.
8. الاعتزاز بدينهم، وترك تقليد الكفار.
قال تعالى – في هذه النقطة والتي قبلها -: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) إلى قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) الممتحنة/ 4 – 6.
وأكثر من نراه اليوم في عالَم تقليد الكفار في لباسهم، وهيئاتهم، وحركاتهم: هم طائفة الشباب، وللأسف، لذا كان من الدور المهم للشاب المسلم: أن يكون فخوراً معتزّاً بدينه، لا يخجل من إظهار شعائره، ولا يتوارى من الناس حين يقوم بعبادة خالقه، وهو يبغض في قلبه الكافر، وفعله، فلا يتشبه بهيئته، ولا بلباسه، وهو بهذا يكون قدوة لغيره من الشباب الذي انماع في قبائح الحضارة الغربية الكافرة.
9. الجهاد، وبذل النفس في سبيل الله.
والأمة الإسلامية تحتاج لكل طاقة في الشباب المسلم، فلذا يبذل الشاب نفسه رخيصة في سبيل إعزاز دينه، فإذا ما غزا كافرٌ بلاد الإسلام سارع للذب عنها، والدفاع عن حرمات المسلمين، وإذا شُرِّدت العائلات: قام على رعايتها، والعناية بها، وهو في كل ذلك جندي للإسلام، يُرَى حيث تكون الحاجة لنشاطه وقوته فيبذلها رخيصة لربه تعالى، وقدوته في ذلك: الشباب المسلم من الصحابة الأجلاء، كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حين نام في فراش النبي ليلة الهجرة، وكعبد الله بن أبي بكر، حيث كان يستمع أخبار قريش، ويزوِّد بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر رضي الله عنه، وكأسامة بن زيد رضي الله عنهما، حين قاد جيشاً فيه كبار الصحابة رضي الله عنهم.
ونسأل الله تعالى أن يصلح حال المسلمين، وأن يهدي شبابهم للعمل بما يرضي ربهم، وأن يجعلهم هداة مهتدين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/318)