الاستمناء وأثره على زوال البكارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت أمارس العادة السرية والآن مقبلة على الزواج هل أنا بكر أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستمناء أو العادة السرية، عمل محرم، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (329) ، وعلى من ابتلي بذلك أن يتوب إلى الله تعالى، بالندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه.
والاستمناء قد يؤدي إلى زوال البكارة، وقد لا يؤدي إلى ذلك، والمرأة تعرف ذلك من نفسها غالبا، وإذا لم يتبين لها شيء فالأفضل أن لا تشغل نفسها بذلك، وحسبها ثقتها من عفتها وحصانتها، ولتجتهد في طاعة ربها، فإنه سبحانه لا يخذل عبده، فهو ولي الصالحين، ويحب المتقين، ويدافع عن الذين آمنوا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام وسؤال وجواب(7/1707)
من يتحمل تبعة الاختلاط الرجل أم المرأة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الإخوة إذا ناقشته في حكم الاختلاط المحرم في عمله قال: إنه هو في وضعية طبيعية، وأن الرجل هو الذي يعمل، وأنه غير آثم في بقائه في هذا العمل. وحيث إن فرص العمل قليلة في بلدنا فنرجو تقديم لنا النصيحة بالاستفاضة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل، له آثاره السيئة، ومفاسده الواضحة على كلٍّ من الرجل والمرأة، ومن ذلك:
1- حصول النظر المحرم، وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، فقال سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النور/30، 31.
وفي صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري) .
2- قد يحصل فيه اللمس المحرم، ومنه المصافحة باليد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045) .
3- أن الاختلاط قد يوقع في خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، وهذا محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وفي رواية: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان) رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في غاية المرام (180) .
4- ومن مفاسده: تعلق قلب الرجل بالمرأة وافتتانه بها، أو العكس، وذلك من جراء الخلطة، وطول المعاشرة.
5- ما يترتب على ذلك من دمار الأسر وخراب البيوت، فكم من رجل أهمل بيته، وضيع أسرته، لانشغال قلبه بزميلته في الدراسة أو العمل، وكم من امرأة ضيعت زوجها وأهملت بيتها، لنفس السبب، بل: كم من حالة طلاق وقعت بسبب العلاقة المحرمة التي أقامها الزوج أو الزوجة، وكان الاختلاط في العمل رائدها وقائدها؟!
ولهذا - وغيره - جاءت الشريعة بتحريم الاختلاط المفضي إلى هذه المفاسد، وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط مفصلة في جواب السؤال رقم (1200) .
والوضع الطبيعي للمرأة أن تكون قارة في بيتها، لقول الله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) الأحزاب/33.
قال ابن كثير رحمه الله: "أي: الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة" انتهى.
والذين يسعون في الكسب ويقومون بالمهن إنما هم الرجال، ولكن كون ذلك هو الوضع الطبيعي، وكون المرأة هي التي خالفت فزاحمت الرجال، وخرجت متبرجة، وارتكبت ما نهى الله عنه، كل ذلك لا يبرر للرجل المسلم أن يرتكب ما حرم الله عز وجل عليه، بل هو مسؤول عن عمله وكسبه، وقد قال الله تعالى: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164.
والمسلم مأمور بأن يقف عند حدود الله تعالى، ولا يتجاوزها لتجاوز الناس لها، بل هو مطالب بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بقدر الطاقة، لا أن يتخذ فعل الناس للمنكر مبرراً له ليقع هو فيه، ولذا فالنصيحة لكل مسلم أن يحرص على سلامة قلبه من التأثر بالفتن، لا سيما فتنة المرأة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) متفق عليه.
وأن يبتعد عن تلك المواطن التي يتخذها الشيطان مبدءاً لاستدراج الإنسان من ذنب إلى ما هو أعظم منه، وعلينا أن نوقن بأن من توكل على الله كفاه، ومن اتقاه جعل له مخرجاً، قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطَّلاق:2-3.
فلْيَسْعَ المسلم في البحث عن عمل بعيد عن الاختلاط بالنساء، فإن لم يجد فليتق الله تعالى بقدر طاقته، وذلك بغض بصره، والحذر من التحدث إلى النساء من غير حاجة، أو تجاوز ذلك إلى الضحك والمزاح، أو الوقوع في الخلوة، فمعظم النار من مستصغر الشرر.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1708)
هل يُنصح بالتزوج من امرأة غير متحجبة وتربت في بلد أجنبي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مقبل على الزواج من فتاة مسلمة، ولكنها تربت في بلد أجنبي، وهي غير محجبة، وأنا في حيرة، وخوف، وقلق، ولا أعلم ماذا أفعل، والسبب: أنه إذا حصل الزواج أن تبقى على ما هي عليه - أقصد " الحجاب " - وسؤالي هو: ما الذي يترتب علي؟ هل هذا الزواج حرام؟ وهل أأثم؟ وماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للزوجة دور بالغ الأهمية في بيتها، وبصلاحها تصلح – إن شاء الله – ذريتها، ولا يمكن تخيل مدى السوء الذي سيكون في بيت الزوجية في حال فساد تلك الزوجة، فالزوج لن يجد في بيته السكن، ولا المودة والمحبة، كما أنها ستؤثر سلباً على أولادها، من ذكور وإناث، وهذا مشاهد لا يخالف فيه أحد.
وقد وجدت حالات كثيرة سعى أبطالها للتزوج بامرأة ناقصة الدين، بل وفي أحيان أخرى تكون كافرة يطمع في إسلامها، أو مبتدعة يطمع بإرجاعها لأهل السنَّة، ولكن تبوء مشاريعهم بالفشل؛ وقد رأينا كثيرين غرقوا في تلك البحار، وما استطاعوا النجاة بأنفسهم.
وقد أوصانا الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم بالتزوج بذات الدِّين، فقَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) ، فعليك بهذه الوصية المباركة، ولا تفرِّط فيها، واعلم أن الزوجة ستكون عرض الإنسان وشرفه، وستكون مربيةً لأولاده، ومؤتمنة على ماله وبيته، ولا خير في امرأة لا تحفظ هذه الوظائف ولا تقوم عليها حق القيام، والإنسان ابن بيئته، وابن بيته، وإذا كان هذا الأمر يظهر في الرجال فإن ظهوره في الإناث آكد وأقوى، فمن تربت في بلد أجنبي، وفي بيت لا يعرف الاستقامة والالتزام فإنه ستظهر آثار تلك البيئة وذلك البيت على المرأة ولا شك، إلا أن يرحم الله تعالى بعض الأفراد فيوفقهم للهداية والاستقامة، ولو أنها كانت مقبلة على الهداية، وترغب بالتخلص من ماضيها، وتريد من يأخذ بيدها للاستقامة: لنصحناك بها، ولرغبناك في التزوج منها، أما وحالها ليس كذلك: فإننا لا ننصحك بالتزوج منها، وابحث عن غيرها، ولعلك أن توفق لذات الدين عاجلاً غير آجل.
وهذه فتاوى من علمائنا تؤيد ما قلناه لك، ونصحناك به:
1. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
لي أخ سيتزوج من فتاة متبرجة، فما واجبي نحوه؟ وبماذا تنصحه بعد أن خطبها؟ وما الواجب عليَّ فعله إذا استعملت آلات اللهو والغناء داخل البيت احتفالاً بالعرس؟
فأجابوا:
" عليك أن تنصحه أن يتزوج بذات الدين؛ امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدِّين) ولا تحضر حفلة الزواج التي تستعمل فيها آلات اللهو والغناء إلا إذا كنت قادراً على إنكار المنكر، فإن لم تكن قادراً على ذلك: وجب عليك اجتناب المنكر على الأقل " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 182، 183) .
2. وسئلوا – أيضاً -:
ما حكم الإسلام في رجل تزوج بامرأة لا ترتدي الزي الإسلامي، وهل يحمل سيئات أم لا على أنها متبرجة، وبالرغم أنه نصحها وأمرها به هل يجوز له أن يطلقها؛ لأنها لا ترتدي هذا الزي؟ بالرغم أنها معترفة به وتقول: إنه فرض.
فأجابوا:
" على الزوج أن يستمر في نصحها وحسن توجيهها؛ لعل الله أن يهديها ويوفقها، وإذا بذل وسعه في نصحها: فليس عليه إثم، فإن أصرَّت على البقاء على المنكر: فواجب عليه أن يطلقها " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 181) .
3. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وهو يذكر صفات الزوجة:
(ديِّنَةٍ) ، أي: صاحبة دين، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (تُنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ، فالديِّنة تعينه على طاعة الله، وتُصلح مَن يتربى على يدها من أولاده، وتحفظه في غيبته، وتحفظ ماله، وتحفظ بيته، بخلاف غير الديِّنة فإنها قد تضره في المستقبل، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فاظفر بذات الدين) ، فإذا اجتمع مع الدِّين جمالٌ ومالٌ وحسبٌ: فذلك نور على نور، وإلا فالذي ينبغي أن يختار الديِّنة.
فلو اجتمع عند المرء امرأتان: إحداهما جميلة، وليس فيها فسق أو فجور، والأخرى دونها في الجمال لكنها أدين منها، فأيهما يختار؟ يختار الأدين.
...
وقد يقول بعض الناس: أتزوج امرأة غير ديِّنة لعل الله أن يهديها على يدي، ونقول له: نحن لا نكلَّف بالمستقبل، فالمستقبل لا ندري عنه، فربما تتزوجها تريد أن يهديها الله على يدك، ولكنها هي تحولك إلى ما هي عليه فتشقى على يديها " انتهى.
" الشرح الممتع " (12 / 13، 14) .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (96584) .
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك زواجاً بامرأة صالحة، وأن يعينك وإياها على إنشاء أسرة طيبة صالحة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1709)
هل يجوز لهم التجسس على مشترك في الإنترنت لمعرفة إن كان فاسداً أم لا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص مشترك هو ومجموعة من الأشخاص في شبكة للانترنت وهو المسئول عن هذه الشبكة، وقد اتفقوا في البداية على عدم إساءة استخدام الانترنت. وقد وصل إليه من بعض المشتركين معه أن هناك شخصا يستخدم الانترنت فيما يغضب الله، والسؤال هو: هل يجوز له التجسس على جهاز هذا الشخص ليعلم مصداقية ما وصل إليه من أخبار؛ لأنه لو تبين ذلك فسينذره، فإن لم يرتدع فسيطرده من الشبكة، هل يجوز التجسس عليه مع العلم أن الاستخدام سيكون في حدود المطلوب فقط؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في المسلمين البراءة، ولا يجوز للمسلم أن يتتبع عورات الناس لكشفها وفضحها، وقد ورد الوعيد الشديد في التجسس على المسلمين، وتتبع عوراتهم.
قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا) الحجرات/ 12.
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا) .
رواه البخاري (4849) ومسلم (2563) .
التجسس: البحث عن عيوب الناس وعوراتهم.
التحسس: تتبع الأخبار، أو الاستماع لعورات الناس.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –:
التجسس: طلب المعايب من الغير، أي: أن الإنسان ينظر، ويتصنت، ويتسمع، لعله يسمع شرًّا من أخيه، أو لعله ينظر سوءاً من أخيه، والذي ينبغي للإنسان أن يُعرض عن معايب الناس، وأن لا يحرص على الاطلاع عليها، ... .
فلا ينبغي للإنسان أن يتجسس، بل يأخذ الناس على ظاهرهم، ما لم يكن هناك قرينة تدل على خلاف ذلك الظاهر.
" تفسير سورة الحجرات " (ص 50، 51) .
فيا أخي الفاضل:
لا ينبغي لك فتح باب الشك والريبة والاتهام، ولو فتحتَ الباب على غيرك: فسيصل الشر إليك، ولن تكون بمنأى عن أصحابك الذين تجسست معهم على صاحبك أن يتجسسوا عليك، ومنا أحد إلا وعنده ما يحب من الله أن يستره عليه، فلا تعرِّض نفسك للعقوبة، ولا تفتح على غيرك أبوابا من الشر فتُفتح عليك.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ: لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ: تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ، وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ. رواه الترمذي (2032) .
ويا أخي الفاضل:
هب أنك وقعت قدراً على سوءٍ يفعله أخوك في السرِّ، أتدري ما يجب عليك؟ يجب عليك الستر عليه، وعدم فضحه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبِكَ جُنُونٌ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ أَحْصَنْتَ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ. رواه البخاري (6430) ومسلم (1691) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
ويؤخذ من قضيته: أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز.
وأن مَن اطلع على ذلك: يستر عليه بما ذكرنا، ولا يفضحه، ولا يرفعه إلى الإمام، كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة (لو سترته بثوبك لكان خيراً لك) ، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه، فقال: أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر.
" فتح الباري " (12 / 124، 125) .
وقد وعدك الله تعالى بالستر عليك في حال فعلت هذا.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه مسلم (2580) .
فإن قويت القرائن حول شخص بعينه أنه يُفسد على الناس دينهم وأخلاقهم، كمن يستدرج النساء أو المردان للفاحشة، أو يُظهر للناس أنه من المستقيمين على الجادة، ويوقعهم في شر أعماله من الاحتيال على أموالهم وأعراضهم: فهنا يمكن لطائفة من أهل الخير والعلم أن تتبع هذا لتبرئه مما ينسب إليه، إن كان بريئا، أو لتستتيبه من فعله، فإن أصرَّ على سوء أفعاله: فلهم فضحه، والشكوى عليه لدى من يأخذ للناس حقهم، على أن تكون القرائن مبنية على أسس، وليست مجرد أوهام وخيالات واتهامات فارغة، ولذا اشترط العلماء أن يكون الإخبار عن ذلك من ثقة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
ويستثنى من النهي عن التجسس: ما لو تعين طريقاً إلى إنقاذ نفس من الهلاك مثلا، كأن يخبر ثقةٌ بأنَّ فلانا خلا بشخص ليقتله ظلماً، أو بامرأة ليزني بها: فيشرع في هذه الصورة التجسس، والبحث عن ذلك، حذراً من فوات استدراكه.
" فتح الباري " (10 / 482) .
قال الإمام النووي – رحمه الله -:
قال إمام الحرمين: ... وليس للآمر بالمعروف البحث والتنقير والتجسس واقتحام الدور بالظنون، بل إن عثَر على منكر غيَّره جهدَه.
وقال أقضى القضاة الماوردي: ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يَظهر من المحرمات، فإن غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارة وآثار ظهرت: فذلك ضربان:
أحدهما: أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلاً خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها، فيجوز له في مثل هذا الحال أن يتجسس، ويقدم على الكشف والبحث حذراً من فوات ما لا يستدرك، وكذا لو عرف ذلك غير المحتسب من المتطوعة: جاز لهم الإقدام على الكشف والإنكار.
الضرب الثاني: ما قصر عن هذه الرتبة، فلا يجوز التجسس عليه، ولا كشف الأستار عنه، فإن سمع أصوات الملاهي المنكرة من دار أنكرها خارج الدار: لم يهجم عليها بالدخول لأن المنكر ظاهر، وليس عليه أن يكشف عن الباطن.
" شرح النووي " (2 / 26) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
التجسس لا يجوز، إلا إذا وُجدت قرائن تدل على وجود المنكر، قرائن قوية، ثم لا يجوز أن يتجسس كل واحد؛ لأن هؤلاء الذين على منكر لو خرج واحد منهم ووجد هذا الرجل ربما يقتله.. " انتهى مختصرا.
" لقاءات الباب المفتوح " (230 / السؤال 12) .
ولمزيد من الفائدة: نرجو النظر في جوابي السؤالين: (13318) و (26964) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1710)
الأعذار الطبية الكاذبة التي يقدمها الطلبة والموظفون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يفعله بعض الموظفين والطلاب من إحضار أعذار طبية كاذبة، وفي الحقيقة يكون سبب غيابهم ليس مرضيا، وإنما لأجل سفر مثلا، أو نوم، وهل يجوز لو غاب طالب عن الامتحان بسبب أنه نام ولم ينتبه للمنبه مثلا، وتأخر على موعد الامتحان - أن يستعين بالأعذار الطبية الكاذبة لأنه في الحقيقة معذور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم حفظ الأمانة وأداؤها، ومراقبة الله تعالى في جميع أمره، فيصدق في قوله وعمله، ولا يسلك مسالك الخيانة والشبهة، ولا يرد موارد الظن والريبة.
يقول الله تعالى: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) النساء/58.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (2/338) :
" يُخبرُ تعالى أنَّه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وهو يَعمُّ جميع الأمانات الواجبة على الإنسان: من حقوق الله عزَّ وجلَّ على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مِمَّا هو مؤتَمَن عليه لا يطَّلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض، كالودائع وغير ذلك مِمَّا يأتَمنون به من غير اطلاع بينة على ذلك، فأمر الله عزَّ وجلَّ بأدائها، فمَن لَم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة " انتهى.
والتقصير في أداء العمل بالتغيب عنه أو عدم إتمامه أو الإهمال فيه يُعَدُّ من الخيانة المحرَّمة، فكيف إذا جمع مع ذلك الكذب واختلاق الأعذار بطريقة أو بأخرى؟!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رواه مسلم (2553)
والموظف الذي يُقَصِّرُ في وظيفته، ثم يأتي بأعذارٍ طبيةٍ مختلقةٍ يشعر في قرارةِ قلبه ونفسه بالإثم والخطأ، ويكره أن يطَّلِع الناس على فعلته، حتى من المقربين إليه، فهو يحب أن يظهر بمظهر الأمين الصادق المنتج الملتزم بوظيفته وعمله.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم تقدم الموظف لدائرة حكومية يعمل فيها بطلب إجازة مرضية وهو غير صادق؟
فأجابوا: " إذا كان واقع الموظف كما ذكر فلا يجوز ذلك؛ لما فيه من الكذب وغش الدولة، وأخذ ما يقابل أيام الإجازة المرضية الكاذبة من المال بغير حق " انتهى.
فتاوى اللجنة الدائمة" (15/152-153)
وسئلوا أيضا (15/153-154) :
" إنني أعمل مدرسا، وكذلك زوجتي مدرسة - والحمد لله -، ويحصل بعض الأيام أن نتغيب كلانا أو أحدنا، ليس لعذر شرعي، وإنما بسبب نوم أو كسل، وفي اليوم التالي نأتي بأعذار كاذبة، وأحيانا يتغاضى عنا مديرونا، فما الحكم في ذلك؟ وماذا نعمل بالراتب الذي تقاضيناه على تلك الأيام التي لم نحضرها للدوام؟ علما أننا نندم على غيابنا في ذلك اليوم، ونعزم على عدم العودة، ثم نعود أخرى.
فأجابوا:
" الواجب على من وُكل إليه عمل يتقاضى في مقابله راتبا أن يؤدي العمل على الوجه المطلوب، فإن أخل بذلك من غير عذر شرعي لم يحل له ما يتقاضاه من الراتب؛ لأنه يأخذه في غير مقابل، وعليه: يجب عليكم التوبة، وعدم العودة إلى ما ذكرت، والتزم الأمانة في أداء العمل الذي يوكل إليك، والتصدق فيما يقابل ما أخذت من راتب بدون عذر شرعي " انتهى.
وسئلوا أيضا (15/156) :
" كيف يكون الإخلاص في العمل، وهل هو من الأمانة المذكورة في القرآن؟
فأجابوا:
" الإخلاص في العمل الوظيفي أو المستأجر عليه هو: أداؤه على الوجه المطلوب والمتفق عليه في العقد أو النظام الوظيفي، وهو من الأمانة التي يجب أداؤها، كما في قوله تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (5/40) :
" الواجب على الموظف أن يؤدي الأمانة بصدق وإخلاص وعناية , وحفظا للوقت، حتى تبرأ الذمة، ويطيب الكسب، ويرضي ربه، وينصح لدولته في هذا الأمر أو للشركة التي هو فيها أو لأي جهة يعمل فيها , هذا هو الواجب على الموظف أن يتقي الله وأن يؤدي الأمانة بغاية الإتقان وغاية النصح، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه ويعمل بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)
ومن خصال أهل النفاق الخيانة في الأمانات، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) متفق عليه.
فلا يجوز للمسلم أن يتشبه بأهل النفاق، بل يجب عليه أن يبتعد عن صفاتهم، وأن يحافظ على أمانته، وأن يؤدي عمله بغاية العناية، ويحفظ وقته، ولو تساهل رئيسه، ولو لم يأمره رئيسه، فلا يقعد عن العمل أو يتساهل فيه، بل ينبغي أن يجهد حتى يكون خيرا من رئيسه في أداء العمل، والنصح في الأمانة، وحتى يكون قدوة حسنة لغيره " انتهى.
وليتق الله كذلك الأطباء الذين يعينون هؤلاء الموظفين المقصرين على تقصيرهم، فيكتبون لهم الأعذار وهم يعلمون أنها غير حقيقية ولا واقعية، فيكونون سببا في فساد الموظفين وتشجيع الإهمال والتقصير وأكل أموال الناس بالباطل.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "اللقاء الشهري" (7/سؤال رقم 4)
هل يجوز للطبيب أن يعطي أحداً من الناس إجازة مرضية - وخاصة للموظفين - عندما يكون هذا الشخص لا يحتاج حقيقة إلى هذه الإجازة، وهذا الطبيب لم يعاين هذا الشخص ولم يكشف عليه، وهل يأثم الطبيب لو أعطى المريض إجازة مرضية أكثر مما يستحق؟
فأجاب:
" في الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: وقول الزور وشهادة الزور)
ولا شك أن الطبيب إذا أعطى شخصاً إجازة مرضية وهو ليس بمريض لا شك أنه قال الزور وشهد شهادة الزور، وأنه آثم وأتى كبيرة من أكبر الكبائر، وكذلك الذي أخذ هذه الإجازة آثم وكاذب على الجهات المسئولة، وآكل للمال بالباطل، فإن الراتب الذي يقابل هذه الإجازة أخذه بغير حق، وكذلك إذا أعطاه أكثر مما يحتاج، مثل أن يحتاج إلى ثلاثة أيام إجازة مرضية ويعطيه أربعاً، فإن هذا حرام من أكبر الكبائر.
والحقيقة أن الإنسان كلما فكر في مثل هذه الأمور يعجب كيف يقع هذا في شأن المسلم، ألسنا كلنا مسلمين؟ أليس دين الإسلام يحرم هذا؟ أليس العقل المجرد عن الإيمان والإسلام يحرم هذا؟ الجواب: بلى، لكن مع الأسف أن يقع هذا من المسلمين، ويكون وصمة عار في جبين كل مسلم. الآن يقول بعض السفهاء: إن الكفار أنصح من المسلمين وأصدق من المسلمين وأوفى من المسلمين، وهذا قد يكون صدقاً في بعض الأحيان، لكننا نقول لهذا: دين الإسلام أكمل من كل ما سواه من الأديان، ومنهج الإسلام خير من كل منهج، وشرعة الإسلام فوق كل شريعة، لكن البلاء من أهل الإسلام وليس من الإسلام، وما دمت رجلاً أنتمي إلى الإسلام وأفخر به وأعتز به وأرجو به ثواب الله، فلماذا أخالف شريعة الإسلام؟! لماذا أقول الزور؟ لماذا أشهد الزور؟ لماذا آكل المال بالباطل؟ لماذا أخون الجهات المسئولة؟ كل هذا مما يؤسف له، وكل هذا مما أوجب تأخر المسلمين وتسلط الأعداء عليهم. إخواننا المسلمين في بعض الجهات الإسلامية ينحرون نحر الخروف، يذبحون ذبحاً، تنتهك حرماتهم، تسبى ذراريهم، تغتنم أموالهم، لماذا؟ كل هذا بذنوبنا ومعاصينا. فنسأل الله أن يعاملنا بعفوه وأن ينصرنا على أعدائنا " انتهى.
والطالب في ذلك كالموظف لا يجوز له أن يكذب ويأتي بشهادة زور.
نسأل الله الهداية للجميع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1711)
لم لا تكون المساجد فيها اختلاط النساء بالرجال مثل الطواف؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يجوز للنساء الصلاة مع الرجال فى المسجد بينما يعبد الله فى مكة كل من الرجال والنساء جنبا إلى جنب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الإشكال مبني على خطأ في معرفة حكم الشرع في اختلاط الرجال والنساء في الطواف، فالأخ السائل يعتقد أن الشريعة تبيح اختلاط الرجال بالنساء " جنباً إلى جنب " في الطواف! وهو يستشكل عدم وجود هذا في الصلاة، ومعنى كلامه أنه يريد صفوف النساء والرجال متداخلة، فيتراص الرجال والنساء في صفوف الصلاة الكعب بالكعب، والمنكب بالمنكب! وهذا لا يمكن تصور وجوده في الشريعة المحكمة التي تغلق أبواب الفتنة، وتسد على الشيطان طرقه في الغواية.
وحتى يزول أصل الخلل لا بدَّ من توضيح مسألة طواف النساء والرجال حكماً وواقعاً.
أما حكماً: فهو أن يكون طواف النساء خلف الرجال وحدهن، أو في الليل حيث لا يكون أحد في الطواف من الرجال.
وأما الواقع: فهو مخالف للشرع، وما نراه من اختلاط الرجال بالنساء بالصورة الموجودة اليوم مرفوض في الشرع، ولا يزال العلماء ينكرونه، ويحاولون إصلاحه، ولصعوبة الأمر فإن كثيراً من المحاولات لم تنجح، بسبب جهل الناس وعدم تعاونهم، وبسبب الازدحام الشديد، وعدم القدرة على ضبط الناس في الطواف.
وقد حاول بعض الحكام الأمويين الفصل التام بين الرجال والنساء في الطواف، واستدل عليه بالفعل الموجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن أهل العلم أنه لا يلزم من الإذن لهن بالطواف مع الرجال أن يكون اختلاط ومماسة! ومما يدل على هذا الذي ذكرناه:
1. ما رواه البخاري (1539) عن ابْن جُرَيْجٍ قال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَال قَال: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَعَ الرِّجَال؟ قُلتُ: أَبَعْدَ الحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قَال: إِي لعَمْرِي لقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الحِجَابِ، قُلتُ: كَيْفَ يُخَالطْنَ الرِّجَال؟ قَال: لمْ يَكُنَّ يُخَالطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَال لا تُخَالطُهُمْ، فَقَالتِ امْرَأَةٌ: انْطَلقِي نَسْتَلمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ – أي: الحجر الأسود - قَالتِ: انْطَلقِي عَنْكِ وَأَبَتْ، يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِالليْل فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَال، وَلكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلنَ البَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ.
حَجرة من الرجال: بعيدة عنهم.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك، لكن روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدِّرة، وهذا إن صح لم يعارض الأول؛ لأن ابن هشام منعهن أن يطفن حين يطوف الرجال مطلقاً، فلهذا أنكر عليه عطاء، واحتج بصنيع عائشة، وصنيعها شبيه بهذا المنقول عن عمر.
قال الفاكهي: ويُذكر عن ابن عيينة أن أول من فرَّق بين الرجال والنساء في الطواف: خالد بن عبد الله القسري. ا. هـ.
وهذا إن ثبت فلعله منَعَ ذلك وقتاً، ثم تركه؛ فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان، وذلك قبل ابن هشام بمدة طويلة.
" فتح الباري " (3 / 480) .
فهذا إنكارٌ لواقع الطواف الذي تختلط فيه النساء بالرجال، ولم يكن ليرضَ أحدٌ بذلك من الولاة فضلاً عن العلماء.
قال ابن جُماعة - رحمه الله -:
ومن أكبر المنكرات: ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم سافرات عن وجههن، وربما كان ذلك في الليل، وبأيديهم الشموع متقدة ... .
إلى أن قال:
" نسأل الله أن يلهم ولي الأمر إزالة المنكرات ".
وقال ابن حجر الهيتمي - بعد أن نقل كلامه -:
فتأمله تجده صريحاً في وجوب المنع حتى من الطواف عند ارتكابهن دواعي الفتنة.
" الفتاوى الفقهية " (1 / 201، 202) .
وقد علَّق الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - على هذا الحديث من صحيح البخاري بقوله:
طواف النساء مع الرجال لا بأس به، ولا يمكن منعه خصوصاً في أوقاتنا هذه؛ لأن كل امرأة مع محرمها، ولو مُنع النساء من الاختلاط مع الرجال: لضاعت النساء، وحصل من الشر أكثر، ولكن لو جُعلن كما تفعل عائشة حَجرة، يعني: بعيدات عن الرجال: لكان هذا طيباً، وكانوا هنا يفعلونه في الأيام التي ليس فيها زحام شديد، يجعلون النساء على الجانب، وهو عمل طيب، وأما أن تُمنع النساء ويقال لهن: لا تطفن إلا في الليل مثلاً: فهذا صعب، وفي وقتنا هذا الأمر أصعب، لو قلنا: الرجال وحدهم والنساء وحدهن: لحصل فتنة كبيرة، كل إنسان يستطيع أن يصيد المرأة بدون من يعارضه، ولكن على الإنسان أن يتقي الله عز وجل ويتجنب زحام النساء بقدر المستطاع، وعلى المرأة أيضاً أن تنتبه لأولئك الفجار الذين يتصيدون النساء في المطاف - والعياذ بالله - وتجد الرجل يلتصق بها من أول الطواف إلى آخر الطواف - نسأل الله العافية - وكم ضُبط من قضية.
انتهى من " شرح صحيح البخاري " كتاب الحج، بَاب طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَال، الشريط السابع، الوجه الثاني.
2. عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَالتْ شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَال طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حِينَئِذٍ يُصَلي إِلى جَنْبِ البَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ.
رواه البخاري (452) ومسلم (1276) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
أمَرها أن تطوف من وراء الناس ليكون أستر لها، ولا تقطع صفوفهم أيضاً، ولا يتأذون بدابتها.
" فتح الباري " (3 / 481) .
وقال الشيخ سليمان الباجي المالكي – رحمه الله -:
وأما طواف النساء من وراء الرجال فهو للحديث الذي ذكرناه (طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَة) ولم يكن لأجل البعير ... وأما المرأة فإن مِن سنَّتها أن تطوف وراء الرجال ; لأنها عبادة لها تعلق بالبيت، فكان مِن سنَّة النِّساء أن يكنَّ وراء الرجال، كالصلاة.
" المنتقى شرح الموطأ " (2 / 295) .
وقال علماء اللجنة الدائمة - ردّاً على من قال بجواز الاختلاط قياساً على الاختلاط في الطواف -:
أما قياس ذلك على الطواف بالبيت الحرام: فهو قياس مع الفارق؛ فإن النساء كن يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مِن وراء الرجال متسترات، لا يداخلنهم ولا يختلطن بهم.. .
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 164، 165) .
ثانياً:
أما صلاة النساء مع الرجال في المسجد: فإن لها ضوابط وأحكاماً تؤدي كلها إلى حفظ الأعراض، وتساهم في بناء المجتمعات على معالي الأخلاق، ومن هذه الضوابط والأحكام:
1. أن يكون للنساء باب للدخول منه إلى المسجد غير باب الرجال.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ) قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ.
رواه أبو داود (462) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي " عون المعبود " (2 / 92) :
(لو تركنا هذا الباب) : أي باب المسجد الذي أشار النبي صلى الله عليه وسلم.
(للنساء) : لكان خيراً، وأحسن؛ لئلا تختلط النساء بالرجال في الدخول والخروج من المسجد، والحديث فيه دليل أن النساء لا يختلطن في المساجد مع الرجال، بل يعتزلن في جانب المسجد، ويصلين هناك بالاقتداء مع الإمام , فكان عبد الله بن عمر أشد اتباعا للسنة , فلم يدخل من الباب الذي جعل للنساء حتى مات. انتهى
2. جعل النساء في صفوف خاصة خلف الرجال، حتى لو كانت امرأة واحدة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
رواه البخاري (373) ومسلم (658) .
قال النووي – رحمه الله -:
وفيه: أن المرأة تقف خلف الرجال , وأنها إذا لم يكن معها امرأة أخرى: تقف وحدها متأخرة.
" شرح مسلم " (5 / 163) .
3. الترغيب في الصفوف الخلفية للنساء والترغيب في الصفوف الأولى للرجال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) .
رواه مسلم (440) .
قال النووي – رحمه الله -:
وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال، ورؤيتهم، وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم، ونحو ذلك , وذم أول صفوفهن لعكس ذلك.
" شرح مسلم " (4 / 159، 160) .
4. جعل صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، ولو كان المسجد الحرام.
عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ) .
رواه أحمد (26002) وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (341) .
5. انتظار الرجال بعد الصلاة قليلاً، وإسراع خروج النساء قليلاً.
عن أُمّ سَلَمَة زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ.
رواه البخاري (828) .
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيراً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ ".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ (وهو الزهري) : فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ.
رواه البخاري (802) .
قال بدر الدين العيني – رحمه الله -:
فيه: خروج النساء إلى المساجد، وسبقهن بالانصراف، والاختلاط بهن مظنة الفساد، ويمكث الإمام في مصلاه والحالة هذه.
" عمدة القاري " (6 / 122) .
قال السندي – رحمه الله – في بيان سبب مكثه صلى الله عليه وسلم بعد السلام -:
أي: ليتبعه الرجال في ذلك، حتى تنصرف النساء إلى البيوت، فلا يحصل اجتماع الطائفتين في الطريق.
" حاشية سنن ابن ماجه " (حديث 932) .
6. الحفاظ على الحجاب والستر في القدوم للمسجد والانصراف منه.
عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ (أي: متسترات بثوب يغطي جسدهن كله) .
رواه البخاري (553) ومسلم (645) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
فإنَّ النساء كنَّ يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الرجال متسترات، لا يداخلنهم، ولا يختلطن بهم، وكذا حالهن مع الرجال في مصلى العيد، فإنهن كنَّ يخرجن متسترات، ويجلسن خلف الرجال في المصلى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب الرجال خطبة العيد انصرف إلى النساء، فذكَّرهن ووعظهن، فلم يكن اختلاط بين الرجال والنساء، وكذا الحال في حضورهن الصلوات في المساجد، كنَّ يخرجن متلفعات بمروطهن، ويصلين خلف الرجال، لا تخالط صفوفهن صفوف الرجال.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 164، 165) .
ونرجو أن نكون بذلك قد أزلنا الخلل الذي يستدل به بعض الناس على جواز اختلاط الرجال بالنساء الاختلاط المستهتر، ظناً منهم أن الشرع يبيح ذلك الاختلاط في الطواف فهذا الواقع مخالف للشرع، نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1712)
أساء رجل إلى أمه فتكلم عليه بألفاظ بذيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أساء أحدهم معاملة والدتى فقمت عندما علمت بذلك بالتلفظ بألفاظ نابية عن هذا الشخص لما فعله مع أمى. فهل يعد ذلك الأمر غيبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغيبة بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ذكرك أخاك بما يكره) فإن لم تكن فيه الصفة المكروهة، كان ذلك بهتانا، وكلاهما محرم.
روى مسلم (2589) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) .
وعليه فتلفظك بألفاظ نابية في حق هذا الشخص، في غيابه، لا يخرج عن كونه غيبة أو بهتانا، فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تعزم على عدم العود لذلك، ومن تمام توبتك أن تجتهد في إصلاح قلبك نحوه، والاستغفار له، وذكر محاسنه، وبيان ما فيه من الخير أمام من ذكرته بالسوء عنده. وانظر جواب السؤال رقم (52807) .
وهذا إذا كان الكلام في غيبته، وأما إذا كان في حال حضوره، فهو من باب الشتم والسب والبذاءة، وذلك محرم أيضا، ما لم يكن قصاصا، أي مقابلة للكلمة السيئة بمثلها دون تجاوز.
وذلك لقوله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) الشورى/40- 43
ولما روى مسلم (2587) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ) .
وقال في "سبل السلام" (2/675) : " دل الحديث على جواز مجازاة من ابتدأ الإنسان بالأذية بمثلها وأن إثم ذلك عائد على البادئ ; لأنه المتسبب لكل ما قاله المجيب إلا أن يتعدى المجيب في أذيته بالكلام فيختص به إثم عدوانه ; لأنه إنما أذن له في مثل ما عوقب به {وجزاء سيئة سيئة مثلها} {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} .
وعدم المكافأة والصبر والاحتمال أفضل فقد ثبت {أن رجلا سب أبا بكر رضي الله عنه بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم فسكت أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد , ثم أجابه أبو بكر فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له في ذلك فقال: إنه لما سكت أبو بكر كان ملك يجيب عنه فلما انتصف لنفسه حضر الشيطان} أو نحو هذا اللفظ " قال تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} " انتهى.
وأما أن – تقابل هذه الإساءة بالإحسان إليه بالقول والعمل، والبر واللطف، وتطيع الله فيه، إذ عصاه فيك، فذاك مقام أهل العزائم، وأفراد الرجال.
قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت/34-35.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1713)
هل يجوز للمرأة أن تزيل شعر العانة لامرأة أخرى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تزيل لي صديقتي المقربة لي جدّاً شعر منطقة العانة؟ أنا أخاف جدّاً، وأنا أتضايق من هذا الشعَر، وإن أزالت لي صديقتي سيكون بيننا يمين أن لا تنطق بأي شيء تراه، فأنا بحاجة لإزالته، واستحي أن أتحدث لأمي أن تزيله لي!!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حلق شعر العانة من سنن الفطرة، وقد وقتت الشريعة في بقائه من غير حلق أربعين يوماً، والأصل أن يحلق كل مكلَّف شعر عانته بنفسه، إلا من كان عاجزاً عن ذلك لكبر سن، أو مرض.
وما تريد الأخت السائلة فعله هو من المحرَّمات، ومن القبائح، ولا يليق بالمسلمة فعله من غير ضرورة، وكونها تخاف من إزالته ليس بعذر، فهذا الأمر لا يتطلب شجاعة وجرأة، والطرق كثيرة في إزالته، وبعض هذه الطرق سهل ويسير.
ولا ينفع للإباحة أن تجعل صديقتها تُقسم على عدم إخبار أحدٍ بما تراه، ولو جاز هذا الفعل للضرورة لكانت أمها أولى بأن تحلق لها شعر عانتها.
وقد وردت النصوص الصحيحة الصريحة بتحريم اطلاع الرجل على عورة الرجل، والمرأة على عورة المرأة، وقد أجمع العلماء على هذا التحريم.
عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ) .
رواه مسلم (338) .
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
فأما الرجل مع الرجل: فلكل واحد منهما النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة … وحكم المرأة مع المرأة حكم الرجل مع الرجل.
" المغني " (7 / 80) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فهذا ستر النساء عن الرجال، وستر الرجال عن الرجال والنساء عن النساء في العورة الخاصة كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة) ، وكما قال: (احفظ عورتك إلا عن زوجتك أو ما ملكت يمينك، قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يراها، قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: فالله أحق أن يستحيى منه) ، (ونهى أن يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد) ، وقال عن الأولاد: (مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرِّقوا بينهم في المضاجع) ، فنهى عن النظر واللمس لعورة النظير؛ لما في ذلك من القبح، والفحش، وأما الرجال مع النساء: فلأجل شهوة النكاح، فهذان نوعان، وفي الصلاة نوع ثالث: …
" مجموع الفتاوى " (22 / 113) .
وقال ابن حجر – رحمه الله -:
…. وهذا مما لا خلاف فيه، وكذا الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع … والمرأة إلى عورة المرأة على ذلك بطريق الأولى، ويستثنى الزوجان فلكل منهما النظر إلى عورة صاحبه.
" فتح الباري " (9 / 338، 339) .
والخلاصة:
لا يحل لك الطلب من صديقتك أن تحلق لك شعر العانة، ولا أن تمكنيها من فعل ذلك، وإن خالفتِ هذا وقعتِ – وإياها - في كبيرة من كبائر الذنوب، ولست معذورة في هذا الأمر؛ لأنه يسهل العثور على طريقة سلة لإزالة ذلك الشعر، باستعمال شيء من مزيلات الشعر المعروفة، إذا لم تتمكني من الحلق بالموسى.
ويجوز هذا الفعل لضرورة العجز عن الحركة، والمرض، وذهاب العقل، وما يشبه هذه الأعذار التي لا يتمكن منها الرجل والمرأة من حلق شعر العانة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1714)
قراءة وكتابة القصص والروايات الخيالية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قراءة وكتابة القصص والروايات الخيالية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
1. أما قراءتها فهو من تضييع الوقت، والإنسان ينخدع بالفراغ الذي يجده في حياته، وهو مما سيسأل عنه يوم القيامة.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ". رواه البخاري (6049) .
ومغبون: أي: مخدوع.
- وعن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه ". رواه الترمذي (2417) وصححه.
2. وأما الكتابة، فإنه بالإضافة لما سبق من أن فيها تضييع الأوقات، فإن فيها محذوراً ثانياً، وهو الكذب، وهو ما لا بدَّ منه ليتم حبك الصور الخيالية والتي لا واقع لوجودها.
وإن كان لا بدَّ فاعلاً فليكتب عن الشيء الذي له وجود في الواقع مما في حياة الناس الآن، ويكتب آخذا العبرة والعظة والفائدة من حدث حقيقي حصل له أو سمع عنه، أو ليكتب على طريقة ضرب المَثَل ويذْكر ذلك في المقدّمة، والأعلى من ذلك والأولى أن يكتب عن القصص الحقّيقية والصحيحة التي وردت في القرآن والسنّة أو يكتب عن سيَر وحياة الشّخصيات الإسلامية العظيمة كالأنبياء والعلماء والصّالحين أو قصص الأمم السابقة التي قصّها الله علينا، بأسلوب تشويقي وجذّاب لا يحرّف فيه ولا يُضيف ما لم يحصل وما ليس له به عِلْم، وكذلك يسوقها بأسلوب سهل ميسّر مناسب للأطفال وليوجّه في كتاباته إلى الخلق والفضيلة.
وللمزيد: راجع السؤال 3324.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1715)
يريد تصوير زوجته عارية لينظر فيها في غربته!!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للزوج أن يقوم بتصوير زوجته على شريط فيديو وهي عارية، أو تظهر أجزاء من جسدها، حتى يتمكن من مشاهدة ذلك الشريط عندما يكون بعيداً، أو عندما تكون زوجته غير موجودة؛ فيسعد نفسه بهذه الطريقة في ذلك الوقت، بدلاً من مشاهدة شيء آخر من الممكن أن يكون حراماً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفعل الوارد السؤال عنه من أقبح الأفعال، وهو محرَّم لذاته، ولما يؤدي إليه، أما لذاته: فإن المرأة – أصلاً – كلها عورة، ولا يجوز تصويرها ابتداء، حتى لو كانت لا تُظهر إلا وجهها وكفَّيها، فكيف إذا كان الظاهر منها ما هو أكثر من ذلك؟! فكيف إذا كانت صورتها وهي تُبدي عورتها المغلظة؟! فلا شك أن هذا يزيد في القبح والإثم والعقوبة.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل صورة وجه المرأة في جواز السفر وغيره عورة أم لا؟ وهل يصح للمرأة إذا امتنعت عن التصوير أن تستنيب من يحج عنها، والسبب منع الجواز أم لا؟ ، وإلى أين حد لباس المرأة في الكتاب والسنة المحمدية؟ .
فأجابوا:
ليس لها أن تسمح بتصوير وجهها، لا في الجواز، ولا غيره؛ لأنه عورة؛ ولأن وجود صورتها في الجواز وغيره من أسباب الفتنة بها، لكن إذا لم تتمكن من السفر إلى الحج إلا بذلك: رُخِّص لها في الصورة لأداء فريضة الحج، ولم يجز لها أن تستنيب من يحج عنها،
والمرأة كلها عورة في ظاهر أدلة الكتاب والسنة، فالواجب عليها ستر جميع بدنها عن غير محارمها؛ لقول الله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) النور/31؛ وقوله سبحانه: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/53.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1 / 718، 719) .
ونقلنا في جواب السؤال رقم (13342) عن الشيخ صالح الفوزان قولَه:
تصوير النساء لا يجوز مطلقاً لما في ذلك من الفتن والشرور التي ترتب عليه زيادة على تحريم التصوير في حد ذاته، فلا يجوز تصوير النساء للسفر ولا لغيره، وقد صدر عن هيئة كبار العلماء قرار بتحريم ذلك.
انتهى
ولا يُعذر الزوج بتصوير زوجته وهي عارية لكونه زوجاً، فهذا لا يبيح له ذلك الفعل القبيح، ولا يعد غيابه عن زوجته عُذراً له؛ لحرمة تصوير النساء ابتداءً – وقد ذكرنا فتاوى العلماء في ذلك -؛ ولما يمكن أن يترتب على ذلك من مفاسد، ومما يمكن أن يترتب على الاحتفاظ بصورة الزوجة وهي عارية، أو غير محتشمة:
1. تعرض الزوج لسرقة أغراضه، أو فقدان الصورة، أو نسيانها في مكان عام، وهو ما يسبب انتشار الصورة في الآفاق، ووقوعها بأيدي سفهاء يمكنهم استغلال الصورة في مزيد من الشرور والمفاسد.
2. حصول طلاق بينه وبين زوجته، فتصير عنه أجنبية، ولا يحل له النظر إليها بعد طلاقها الذي تصبح فيه أجنبية عنه.
3. حصول ابتزاز من الزوج تجاه زوجته، وقد حدثت حوادث متعددة في هذا السياق، فراح الزوج يبتز زوجته ليجعلها تتنازل عن حقوقها المالية، أو تنفذ له رغباته المحرمة، أو تسكت عن أفعاله المشينة، ويقع كل ذلك منه بسبب تملكه لصور أو فيديو لها وهي عارية، أو شبه عارية.
4. نظر الزوج لصورة زوجته العارية مع غيابه عنها لن يُطفئ شهوته، بل العكس هو الصحيح، فهذا ما سيجعل شهوته تلتهب، ولن يطفئها – غالباً – إلا بالوقوع في المحرمات، كالعادة السرية – وهو أهونها – أو الزنا أو اللواط – والعياذ بالله -.
فصار عذره في تصوير زوجته والاحتفاظ بها للنظر فيها في غربته غير مقبول، وصار فعله سبباً في الوقوع في الحرام، لذات التصوير، ولما يؤدي إليه من مفاسد.
فلا يحل للزوج أن يصور زوجته وهي عارية أو شبه عارية، وينبغي أن يكون متصفاً بالغيرة على عرضه، وأن يبذل ما يستطيع للحفاظ على هذا العرض، لا أن يفرِّط فيه بمثل تلك الأفعال، كما لا يحل للزوجة أن توافق على فعله، ويجب عليها إنكاره، وعدم الاستجابة له.
وقد جعل الله تعالى الزوجين كلَّ واحد منهما لباساً للآخر، فقال تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) البقرة/187، فلينتبه الزوج لهذا، فهو لباس امرأته فكيف يريد أن يكون معريّاً لها بفعلته هذه والأصل أن يكون لباساً ساتراً لها؟! .
ولا ينبغي للزوج الابتعاد كثيراً عن زوجته وبيته، فهو بحاجة لهم، وهم يحتاجونه، فالزوجة لإعفافها والعفاف بها، والأولاد لتربيتهم والعناية بهم، وإذا اضطر الزوج للبعد والتأخر، ورضيت بذلك الزوجة: فيجب عليه أن يتقي الله ربه، وأن يبتعد عن المهيجات لشهوته من الخلطة بالنساء، والخلوة المحرمة، والنظر، وعليه أن يكثر من الطاعات، وبخاصة الصوم، كما يجب عليه أن يختار رفقة صالحة تدله على الخير وتحثه على الطاعة.
ونسأل الله تعالى أن يوفقه لما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1716)
كتابة القصص غير الحقيقية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز كتابة قصص مختلقة لأجل الدعوة وتوضيح المفاهيم الإسلامية للناس وخصوصا صغار السن؟ وهل هو من المعصية أن نتخيل حالات ونكتبها كأنها قصص واقعية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان ذلك موضحاً ومبيناً أنها لم تحصل وإنما هي مضروبة للمثل فلا بأس مع العناية بأن تكون نافعة في أسلوبها ومضمونها وهدفها وعند ذلك تكون من البيان والإيضاح للدّين ووسيلة مؤثّرة للتوجيه والإرشاد. نسأل الله لكم التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1717)
حكم الخلوة باللوطي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الخلوة باللوطي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله بقوله:
إذا كان يأمن على نفسه الفتنة فلا بأس. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1718)
ابنتهم ترتكب الكبائر والموبقات فكيف يتصرف أهلها معها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أسرة ملتزمة - ولله الحمد - لكنهم ابتلوا بابنة لهم عاصية، ترتكب المحرمات، وأخص بالقول الكبار، من عقوق الوالدين، وفاحشة، وشرب خمر، وتدخين , هذه البنت لم تعد في بيت أهلها , فهي تهرب من البيت، وفي بعض الأوقات تعود وتجلس في البيت لمدة قصيرة، لكنها سرعان ما تخرج مرة ثانية من البيت، ووالدتها ينفطر قلبها لما تفعل، وحاليّاً تريد فتوى شرعية تبيِّن ماذا يتوجب على الوالدين فعله عندما تعود إلى البيت؛ هل يطردونها، أم يبقونها في البيت، مع العلم أنها تشكل خطراً على إخوتها الصغار؟
أفيدوني، أفادكم الله، والله يجزيكم عنا ألف ألف خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يفرِّج همَّ تلك الأسرة، وأن يرفع عنها البلاء، وأن يأجرهم على صبرهم على مصيبتهم في ابنتهم، كما نسأله تعالى أن يهدي تلك الابنة، وأن يصلح قلبها ويوفقها للتوبة الصادقة.
ويجب أن يعلم أهلها أن ما يرونه من منكرات من ابنتهم يوجب عليهم إنكاره، ومنعه.
وفي " الموسوعة الفقهية " (39 / 123، 124) :
" اتّفق الفقهاء على أنّ المنكر منهيّ عنه، وقد ثبت النّهي عن المنكر بالكتاب والسنّة والإجماع، فمن الكتاب قوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) ، ومِن السنّة قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) ، وحكى النّووي الإجماع على وجوب النّهي عن المنكر." انتهى
وحديث (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ... ) رواه مسلم (49) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وهو يوجب على الآباء الأخذ على أيدي أبناتهم وبناتهم، ومنعهم من إحداث المنكرات، وتغييرها بأيديهم؛ لأن لهم السلطة عليهم، كما للحاكم سلطة على الناس.
قال النووي – رحمه الله -:
ثم إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به الا هو، أولا يتمكن من إزالته الا هو، وكمن يرى زوجته، أو ولده، أو غلامه على منكر، أو تقصير في المعروف.
" شرح النووي على مسلم " (2 / 23) .
ويجب – ابتداءً - أن تعلم تلك الأسرة ثلاث مسائل مهمة:
الأولى:
أنه من الخطأ العظيم السماح لابنتهم بالخروج من البيت، ولو إلى المدرسة، أو حتى إلى المسجد، بل عليهم منعها من ذلك، ولو بالقوة، أو بحبسها في غرفتها، مع عدم تمكينها من شيء تؤذي به نفسها، وعدم تمكينها من الاتصال بأحدٍ؛ خشية أن تلحق الأذى بأهلها، كما هو معمول به في بعض الدول الإسلامية التي تقلِّد به الدول الكافرة المنحلة من كل خلُق وفضيلة؛ حيث تمنع الوالديْن من تربية أولادهم تربية إسلامية، وتمنعهم من استعمال الشدة في التربية، حتى لقد يسجنون الأب أو الأخ في حال ثبت منعه لإحدى أخواته من ممارسة حريتها – زعموا -!!
والثانية:
عدم طرد ابنتهم خارج البيت، فإن فعلوا ذلك وطردوها: تسببوا في وقوعها في الآثام والمعاصي التي تفعلها خارج بيت أهلها، ومكَّنوها من لقاء صحبتها الفاسدة، والأمر الذي يؤدي إلى هذه الأفعال منها يصبح منكراً وحراماً، فلا يجوز لهم الإنكار عليها بطردها، ومن المعلوم في هذه الشريعة المطهرة أن إنكار المنكر يجب أن لا يؤدي إلى منكر أعظم منه، وإلا كان هو بنفسه حراماً.
والثالثة:
أنه لا يجوز لأحدٍ من أهلها إقامة الحد عليها، ولا قتلها، كما تفعله بعض الأسَر، وقد بيَّنا هذه المسألة بتفصيلٍ وافٍ في جواب السؤال رقم (8980) فلينظر.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عن امرأة مزوجة بزوج كامل، ولها أولاد، فتعلقت بشخص من الأطراف أقامت معه على الفجور، فلما ظهر أمرها: سعت في مفارقة الزوج، فهل بقي لها حق على أولادها بعد هذا الفعل؟ وهل عليهم إثم في قطعها؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرّاً؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم؟ .
فأجاب:
الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات، فان لم تمتنع إلا بالحبس: حبسوها، وإن احتاجت إلى القيد: قيدوها، وما ينبغي للولد أن يضرب أمَّه، وأما برُّها: فليس لهم أن يمنعوها برَّها، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء، بل يمنعوها بحسب قدرتهم، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتل ولا غيره، وعليهم الإثم في ذلك.
" مجموع الفتاوى " (34 / ص 177، 178) .
وجواب شيخ الإسلام رحمه الله شمل المسائل الثلاثة التي نبهنا عليها، وإذا كان – رحمه الله – قد أفتى بحبس الأم وربطها: فأولى أن يُفتى بذلك في الابنة، وحق الابنة دون حق الأم بمراحل.
ونوصي الأهل – كذلك – بهذه الأمور:
1. مداومة النصح والتوجيه والوعظ للابنة العاصية، وتنويع طرق ذلك، فمرة منهم، ومرة من غيرهم من أقاربهم، أو من صديقاتها، ومرة بالسماع، وأخرى بالمشاهدة، وثالثة بالقراءة، ورابعة بذكر مآسي من سبقن إلى طريق الفساد والرذيلة، وكيف آل أمرهم إلى الضياع في الدنيا , فضلا عما أعد الله تعالى لأهل معصيته، والمتعدين لحدوده سبحانه.
2. الانتقال بالكلية من المكان الذي يعيشون فيه، إن كانت بيئة ذلك المكان تؤثر سلباً على أخلاقها وسلوكها، وإن تعذَّر ذلك: فلينتقل بعض أهلها للسكن في مكانٍ بعيد عن بيئتها الحالية، إن رأى أهلها أن ذلك مما يمكن أن يساهم في إصلاح حال ابنتهم.
3. عدم تمكين صاحبات السوء من زيارة ابنتهم واللقاء بها.
4. لا مانع أثناء حبسها في البيت من تشغيل مواد نافعة لها، كالبرامج الوثائقية، أو الحوارات النافعة من القنوات الموثوقة، وذلك لسببين:
الأول: حتى لا يقتلها التفكير والوحدة، وتذهب أفكارها لأشياء فيها ضرر عليها.
والثاني: أنه قد يكون في بعض تلك المواد النافعة ما تتأثر به، ويساهم في إصلاحها.
5. لا ينبغي أن يقع بين أفراد الأسرة خلاف أو تناقض في أمر حبسها في البيت، ولا أن تأخذهم رأفة لحالها قبل أن يتأكدوا من صلاحها، والله تعالى يقول: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2، فإذا كان الله تعالى قد نهى أن تأخذنا الرأفة أثناء إقامة الحد الشرعي: فأولى أن يكون الأمر كذلك عند التعزير.
6. وليحرص الجميع على الدعاء لها بصدق وإخلاص، وخاصة أمها المكلومة، وليثقوا بربهم تعالى أنه قادر على تغيير حالها إلى ما هو أحسن، فليلحوا في الدعاء والسؤال.
ونسأل الله تعالى أن يوفقهم وأن يرفع البلاء عنهم، ونسأله تعالى أن يهدي ابنتهم لما يحب تعالى ويرضى.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1719)
لا يجوز مشاهدة المواد الإباحية مطلقاً، ولو مع الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[مشاهدة المواد الإباحية محرمة في الإسلام. فما هو مدى المعصية المترتبة على مشاهدة الرجل لتلك المواد مع زوجته، حيث لا يتكرر ذلك كثيرا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مشاهدة هذه المواد الإباحية محرَّم سواءً كان الشخص متزوجاً أو غير متزوج وعلى فاعلها التوبة إلى الله، فكيف يشاهد الشخص هذه المشاهد مع زوجته وكيف يسمح لها بمشاهدتها أيضاً، والنساء فيهن ضعف في هذا الجانب، وهن سريعات التأثر، بل إن في مشاهدة هذه المواد ما يؤدي إلى وقوع مشكلات بين الزوجين قد تصل إلى الطلاق والعياذ بالله ولا شك أن رضى الرجل بمثل هذا هو من ضعف الغَيْرة، ـ التي تميّز بها المسلم عن غيره من الكفار والديوثين الذين يقرّون في أهليهم الخَبَثِ والفجور، ثم إن مشاهدة مثل هذه الأمور تُهَوِّن من أمر الفاحشة وتدعو إلى الرذيلة، نسأل الله العافية، فليحذر الذي وقع في مثل هذا الذنب من عقاب الله، ويبادر بالتوبة، والواجب عليه أن يكون حريصاً على كل ما يكون سببا لعفاف أهله، وليس إلى ما يسهل لهم الفاحشة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1720)
هل يجوز وضع ماء الزوج وبويضة الزوجة في رحم الزوجة الثانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ (أحمد) له زوجتان الأولى منهما لا تلد والثانية تلد بحمد الله، وفي العصر الحاضر العلمي يستطيع الطبيب بفضل الله تعالى أن يضع بويضة الزوجة الثانية مع ماء الزوج في تيست تيوب بيبي Teste-tube baby كي تختلطا وينشأ الولد نشوءا ابتدائيا ثم يضعها في رحم الزوجة التي لا تلد ليتربى الولد فيها حتى تضعه، هل هذا يجوز في ضوء الكتاب والسنة؟ بعض الناس يقول بجواز ذلك قياسا على الرضاعة، أي: كما يجوز تغذية الولد من لبنها في حجرها، كذلك يجوز أن يتغذى بدمها في رحمها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الطريقة من التلقيح ووضع البويضة مع مني الزوج في رحم الزوجة الأخرى: طريقة غير شرعية، وقد ذهب إلى تحريمها جمع كبير من العلماء، وقد صدر فيها قراران من مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومن مجلس الفقه الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي، والذي كان يرى إباحة هذه الطريقة ثم تراجع عن إباحتها، وإليك بعض ما جاء في القرارين:
1- قرار المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد من 8 إلى 13 صفر 1407 هـ، 11 إلى 16 أكتوبر 1986.
بعد استعراضه لموضوع التلقيح الصناعي " أطفال الأنابيب "، وذلك بالاطلاع على البحوث المقدمة، والاستماع لشرح الخبراء والأطباء، وبعد التداول تبين للمجلس:
"أن طرق التلقيح الصناعي المعروفة في هذه الأيام هي سبع:
الأولى: أن يجرى تلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبييضة مأخوذة من امرأة ليست زوجته ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته.
الثانية: أن يجرى التلقيح بين نطفة رجل غير الزوج وبييضة الزوجة ثم تزرع تلك اللقيحة في رحم الزوجة.
الثالثة: أن يجرى تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متطوعة بحملها.
الرابعة: أن يجرى تلقيح خارجي بين بذرتي رجل أجنبي وبييضة امرأة أجنبية وتزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
الخامسة: أن يجرى تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى.
السادسة: أن تؤخذ نطفة من زوج وبييضة من زوجته ويتم التلقيح خارجيا ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
السابعة: أن تؤخذ بذرة الزوج وتحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحا داخليّاً.
وقرر:
أن الطرق الخمسة الأول كلها محرمة شرعا وممنوعة منعا باتا لذاتها، أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب، وضياع الأمومة، وغير ذلك من المحاذير الشرعية.
أما الطريقان السادس والسابع فقد رأى مجلس المجمع أنه لا حرج من اللجوء إليهما عند الحاجة مع التأكيد على ضرورة أخذ كل الاحتياطات اللازمة " انتهى.
" مجلة المجمع " (3/1/423) .
2- قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي:
"الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 28 ربيع الآخر 1405 هـ إلى يوم الاثنين 7 جمادى الأولى 1405 هـ الموافق 19 – 28 يناير 1985 م قد نظر في الملاحظات التي أبداها بعض أعضائه حول ما أجازه المجمع في الفقرة الرابعة من البند الثاني في القرار الخامس المتعلق بالتلقيح الصناعي وطفل الأنابيب الصادر في الدورة السابعة المنعقدة في الفترة ما بين 11 – 16 ربيع الآخر 1404 هـ ونصها:
" إن الأسلوب السابع الذي تؤخذ فيه النطفة والبويضة من زوجين وبعد تلقيحهما في وعاء الاختبار تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى للزوج نفسه، حيث تتطوع بمحض اختيارها بهذا الحمل عن ضرتها المنزوعة الرحم: يظهر لمجلس المجمع أنه جائز عند الحاجة وبالشروط العامة المذكورة ".
وملخص الملاحظات عليها:
" إن الزوجة الأخرى التي زرعت فيها لقيحة بويضة الزوجة الأولى قد تحمل ثانية قبل انسداد رحمها على حمل اللقيحة من معاشرة الزوج لها في فترة متقاربة مع زرع اللقيحة ثم تلد توأمين ولا يعلم ولد اللقيحة من ولد معاشرة الزوج، كما لا تعلم أم ولد اللقيحة التي أخذت منها البويضة من أم ولد معاشرة الزوج، كما قد تموت علقة أو مضغة أحد الحملين ولا تسقط إلا مع ولادة الحمل الآخر الذي لا يعلم أيضًا أهو ولد اللقيحة أم حمل معاشرة ولد الزوج، ويوجب ذلك من اختلاط الأنساب لجهة الأم الحقيقية لكل من الحملين والتباس ما يترتب على ذلك من أحكام، وإن ذلك كله يوجب توقف المجمع عن الحكم في الحالة المذكورة ".
كما استمع المجلس إلى الآراء التي أدلى بها أطباء الحمل والولادة الحاضرين في المجلس والمؤيدة لاحتمال وقوع الحمل الثاني من معاشرة الزوج في حاملة اللقيحة واختلاط الأنساب على النحو المذكور في الملاحظات المشار إليها.
وبعد مناقشة الموضوع وتبادل الآراء فيه قرر المجلس: سحب حالة الجواز الثالثة المذكورة في الأسلوب السابع المشار إليها من قرار المجمع الصادر في هذا الشأن في الدورة السابعة عام 1404 هـ " انتهى.
"قرارات المجمع الفقهي" (ص159-161) .
وعليه:
فلا يجوز أخذ ماء الزوج وبويضة الزوجة ووضع الخليط في رحم زوجةٍ أخرى له.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1721)
الغش في الامتحانات في بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[طالب يدرس في جامعة في بلد كفر , وقد غش في بعض الامتحانات , وتقدم إلى السنة الثانية لم يشك في حرمانها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا) . وهنا (نا) تفيد المسلمين. أرجو الإفتاء في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الغش في الامتحانات، لعموم الأدلة في تحريم الغش، فيشمل الغش في البيع والشراء، وفي النصيحة، وفي العهود والمواثيق، وفي الأمانة، وفي اختبار المدارس والمعاهد، ونحوها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم (101) .
وروى مسلم أيضا (102) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي)
وهذا اللفظ، يدل على تحريم الغش مطلقا، سواء كان غشا لمسلم أو كافر.
ثم إن الغش في الامتحانات يترتب عليه جملة من المفاسد والآثام، منها:
1- أخذ الإنسان ما لا يحق له، وهو الشهادة المترتبة على الامتحان.
2- ومنها أكل المال بالباطل، في حال العمل بالشهادة.
3- ومنها فساد الأعمال والإدارات والتخصصات، بسبب وجود غير المؤهل والصالح لها.
4- ومنها الدخول في الرشوة الملعون صاحبها، في حال دفع الغاش مالاً لمن يسهّل له طريق الغش.
ثم إن هؤلاء الذين يغشون في بلاد الكفر، قد يرجعون بشهاداتهم هذه إلى بلاد المسلمين، ومنهم من يتبوأ أعلا المناصب، فتعود البلية على أهل الإسلام، ويكون غاشاً للمسلمين.
والحاصل أن الغش كله محرم، وهو شر وبلاء ومفسدة، سواء وجد في بلاد الإسلام أو بلاد الكفر. والواجب على من ابتلي بذلك أن يتوب إلى الله تعالى، وألا يعود إليه أبدا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1722)
حكم كتابة الأبحاث والرسائل وبيعها للطلاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بيع الأبحاث المقتبسة من الانترنت إلى الطلاب الذين يحتاجونها لتقديمها إلى مدرسيهم الذين لا يجيدون التعامل مع الانترنت أو لا يتوفر لديهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
إذا كان الطالب سينال بهذا البحث شهادة أو يزداد به درجات أو يتجاوز بذلك اختباراً فذلك العمل حرام، وهو غش وخيانة، سواء اقتبست هذه الأبحاث من الإنترنت أم من غيره؛ لأن البحث إنما يراد من الطالب لتمرينه واختبار قدراته ونحو ذلك من الأهداف، فالواجب عليه أن يفعل ذلك بنفسه، فإن أخذ مجهود غيره، وقدمه باسمه كان غاشا كاذبا.
وهؤلاء الذين يكتبون الأبحاث لغيرهم آثمون معتدون مفسدون، سواء كتبوها بمقابل أم بغير مقابل؛ لإعانتهم على الغش والكذب، ولإسهامهم في إعطاء الشهادات والدرجات لمن لا يستحق، وهذا فساد عام، وغش للأمة، ينتج عنه تصدير من لا يستحق التصدير، وتولية من لا يستحق الولاية.
والمال المأخوذ من وراء بيع هذه الأبحاث سحت محرم، لا يحل الانتفاع به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني وأبو نعيم، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما قول فضيلتكم فيما يفعله البعض من استئجار من يكتب لهم البحوث، أو يعد لهم الرسائل، أو يحقق بعض الكتب فيحصلون به على شهادات علمية؟
فأجاب: " إن مما يؤسف له ـ كما ذكر السائل ـ أن بعض الطلاب يستأجرون من يعد لهم بحوثاً أو رسائل يحصلون بها على شهادات علمية، أو من يحقق بعض الكتب، فيقول لشخص: حضِّر لي تراجم هؤلاء وراجع البحث الفلاني، ثم يقدمه رسالة ينال بها درجة يستوجب بها أن يكون في عداد المعلمين أو ما أشبه ذلك، فهذا في الحقيقة مخالف لمقصود الجامعة ومخالف للواقع، وأرى أنه نوع من الخيانة؛ لأنه لابد أن يكون المقصود من ذلك الشهادة فقط فإنه لو سئل بعد أيام عن الموضوع الذي حصل على الشهادة فيه لم يُجِبْ.
لهذا أحذر إخواني الذين يحققون الكتب أو الذين يحضّرون رسائل على هذا النحو من العاقبة الوخيمة، وأقول إنه لا بأس من الاستعانة بالغير ولكن ليس على وجه أن تكون الرسالة كلها من صنع غيره، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، إنه سميع مجيب "
انتهى من " كتاب العلم".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1723)
هل اللون والجمال ميزان للتفضيل في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في طرح سؤال يمثل مشكلة تشيع بين الكثيرين منا. كيف ينظر الله إلى الجمال الخلقي؟ وكيف يتناول الحديث والقرآن هذا الموضوع؟ فبعض الناس يفضلون بعض أبنائهم بسبب أن لون بشرتهم أفتح من اخوتهم الآخرين، أو لأن لون أعينهم يختلف عن الآخرين. فكيف ينظر القرآن إلى ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يعتبر الجمال الخَلقي معيار تفاضل في الإسلام بين الناس، وإنما المعيار الذي يقوم على أساسه التفاضل هو التقوى قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13
ولذلك جاءت الشريعة بتصحيح أساس التعامل الذي يقوم على الأشكال والمظاهر مغفلاً التعامل الذي شرعه الله عز وجل وهو التقوى، والأحاديث في ذلك كثيرة، ومنها:
ما جاء في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُم ْ) رواه مسلم (البر والصلة/4651)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ.... كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَنِلْتُ مِنْهَا فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي أَسَابَبْتَ فُلَانًا قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ... الحديث) رواه البخاري (الأدب/5590) ومسلم (الأيمان / 3140) ، وفي رواية: فقلت له: يا ابن السوداء. وقوله عليه الصلاة والسلام: فيك جاهليًّة أي خصلة من خصال الجاهلية.
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ.
قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا) رواه البخاري (الرقاق/5966)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تراب) رواه الترمذي (المناقب/ 3890) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " برقم (3100) .
" والجُعَل ": بِضَمِّ جِيمٍ وَفَتْحِ عَيْنٍ وَهُوَ دُوَيْبَةٌ سَوْدَاءُ تُدِيرُ الْغَائِطَ يُقَالُ لَهَا الْخُنْفُسَاءُ.
ومعنى " يُدَهْدِهُ ": أَيْ يُدَحْرِجُهُ " بِأَنْفِهِ، وَالْخِرَاءُ بِكَسْرِ الْخَاءِ مَمْدُودًا وَهُوَ الْعُذْرَةُ.
وعُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ" بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ نَخْوَتَهَا وَكِبْرَهَا.
فكل هذه الأحاديث تدل على ما سبق ذكره من أن الشكل واللون لا يُشكِّل تفاخراً ومِيزَة وعلوّاً ورفعة، والواجب على المسلم أن يقرِّب المتقين والصالحين.
عن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يقول:....إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ....الحديث) رواه البخاري (الأدب/5531) ومسلم (الإيمان / 316) .
وأما بالنسبة لمعاملة الأولاد فإنه يجب العدل بينهم وعدم تفضيل بعضهم على بعض، ولو كان بعضهم أبّر بأبيه من بعض فكيف إذا كان سبب التفضيل لون بشرة الولد أو لون عينيه تالله أنها لإحدى الكبر وإنها لظلم عظيم، فعلى الآباء أن يتقوا الله في معاملة أبنائهم وأن يعدلوا بينهم، فقد جاء في الحديث المتفق عليه من حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (.. َاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ) رواه البخاري (2398) ومسلم (3055) ، وهذا التفضيل إنما يشيع الحسد والغل بين الأبناء. نسأل الله السلامة. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1724)
تسلط الشيطان عليه بالشهوات المحرمة، والشبهات الباطلة!!
[السُّؤَالُ]
ـ[في رمضان الماضي مارستُ العادة السرية حوالى 4 أيام في نهار رمضان، وأكلتُ بعدها لتأكدي من فساد صيامي، والأكثر من ذلك أنني أصبحتُ وفي رمضان الحالي أمارسها بعد الإفطار، لا أعرف كيف أصبر في نهار رمضان وأفعلها في ليله، وصرت أسمع الغناء كذلك في رمضان.
كانت تأتيني بعض الوساوس والشبهات التى تدور في ذهني دون أن أسمعها من أحد، ولكنني أتجاهلها؛ ليقيني بأن هذا هو الدين الحق؛ لما قرأت عنه في الإعجاز العلمي , وأحاديث صدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما لا توجد بشارات أو إعجاز في الأديان الأخرى، ولم نسمع مطلقاً بذلك إلا في الإسلام , ولكن دون جدوى، أحياناً أسمع حديثاً ما، وعقلي لايصدقه، ويرفضه، كالحديث الذي يخبر أن الجنة تفتح أبوابها كل يوم إثنين وخميس، فقلت في نفسي كيف ذلك؟! هناك بعض الدول البعيدة عنا والتى تختلف معنا في الأيام، فمثلا اليوم عندنا الإثنين، وفي نيوزيلندا وتلك البلاد قد يكون عندهم الثلاثاء، أعني عدم توافق الزمن، وهكذا , عقلي أجده يفكر في أشياء وحده من هذا النوع.
آسف جدّاً على الإطالة، إفادتي فيما يجب عليَّ فعله، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما حكم العادة السرية: فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها محرمة، وقد بيَّنا ذلك في جواب السؤال رقم (329) ، لذا فالواجب عليك التوبة والاستغفار من هذه الفعلة، والكف عنها، وعدم الرجوع لفعلها.
ثانياً:
قد اتفق الأئمة الأربعة على أن من فعل ذلك فقد بطل صومه، ووجب عليه القضاء.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
في رمضان السابق وأنا صائم وقعت في العادة السرية، فماذا يجب عليَّ؟ .
فأجاب فضيلته:
عليك أن تتوب إلى الله من هذه العادة؛ لأنها محرمة على أصح القولين لأهل العلم؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذالِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْعَادُونَ) ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الشباب الذين لا يستطيعون الباءة إلى الصوم، والصوم فيه نوع من المشقة بلا شك، ولو كانت العادة السرية جائزة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليها؛ لأنها أهون على الشباب؛ ولأن فيها شيئاً من المتعة، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل عن الأسهل إلى الأشق لو كان الأسهل جائزاً؛ لأنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم أنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً، فعدول النبي صلى الله عليه وسلم عن الأيسر في هذه المسألة يدل على أنه ليس بجائز.
أما بالنسبة لعمله إياها وهو صائم في رمضان: فإنه يزداد إثماً؛ لأنه بذلك أفسد صومه، فعليه أن يتوب إلى الله توبتين، توبة من عمل العادة السرية، وتوبة لإفساد صومه، وعليه أن يقضي هذا اليوم الذي أفسده.
" فتاوى الشيخ العثيمين " (19 / السؤال 191) .
وانظر جواب الأسئلة: (38074) و (37887) و (2571) .
ولم يكن لك أن تأكل بعد أن أفسدتَ صيامك بالعادة السرية، وليس لمن أبطل صومه بفعل مباحٍ في الأصل كالجماع، أو فعل محرَّم كالاستمناء أن يأكل ويشرب؛ بل يجب عليه الإمساك بقية يومه، وإن كان إمساكه لا يعدُّ صياماً، وإنما الذي يجوز له الأكل والشرب والجماع هو من أفطر برخصة من الشرع، وبعذر شرعي.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
إذا أفطر الإنسان لعذرٍ وزال العذر في نفس النهار فهل يواصل الفطر أم يمسك؟ .
فأجاب:
الجواب: أنه لا يلزمه الإمساك؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بدليل من الشرع، فحرمة هذا اليوم غير ثابتة في حق هذا الرجل، ولكن عليه أن يقضيه، وإلزامنا إياه أن يمسك بدون فائدة له شرعاً، ليس بصحيح، ومثال ذلك: رجل رأى غريقاً في الماء، وقال: إن شربت أمكنني إنقاذه، وإن لم أشرب لم أتمكن من إنقاذه، فنقول: اشرب وأنقذه، فإذا شرب وأنقذه فهل يأكل بقية يومه؟ نعم، يأكل بقية يومه؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بمقتضى الشرع، فلا يلزمه الإمساك.
ولهذا لو كان عندنا إنسان مريض، هل نقول لهذا المريض: لا تأكل إلا إذا جعت ولا تشرب إلا إذا عطشت؟ لا؛ لأن هذا المريض أبيح له الفطر، فكلُّ مَن أفطر في رمضان بمقتضى دليل شرعي: فإنه لا يلزمه الإمساك، والعكس بالعكس، لو أن رجلاً أفطر بدون عذر، وجاء يستفتينا: أنا أفطرت وفسد صومي هل يلزمني الإمساك أو لا يلزمني؟ قلنا: يلزمك الإمساك؛ لأنه لا يحل لك أن تفطر، فقد انتهكت حرمة اليوم بدون إذن من الشرع، فنلزمك بالبقاء على الإمساك، وعليك القضاء؛ لأنك أفسدت صوماً واجباً شرعت فيه.
" فتاوى ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 57) .
ثالثاً:
أما سماعك الغناء: فهو فعل محرَّم، وقد سبق بيان حكم الأغاني المصاحبة للآلات المحرَّمة في أجوبة الأسئلة: (43736) و (5000) و (20406) و (5011) .
ربعاً:
أما عن الشبهات التي تطرأ على قلبك أخي الفاضل: فاعلم أنها من مكائد الشيطان، واعلم أن مثل هذه الشبهات لا تطرأ على صاحب العلم واليقين، فكن من أهلهما، واحرص على زيادتهما لترى أنه لا مكان للشبهات عند أصحابهما.
واجعل في صحابة نبيك صلى الله عليه وسلم خير أسوة لك، فعندما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة – كما جاء في الصحيحين – هل استشكلوا ذلك؟ هل قالوا كيف ذلك وهنا ثلث ليل وهناك في أقصى الأرض نهار في الوقت نفسه؟ لم يكن من ذلك شيء؛ لما عندهم من علم بالكتاب والسنَّة، ويقين بصدق نبيهم، وأن ما قاله وحي من ربه تعالى، فماذا فعلوا؟ سارعوا إلى الدعاء والصلاة في ثلث الليل الآخر، وهذا هو المطلوب من كل مسلم، أن يسلِّم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، ويستجيب لأوامره، وإلا كان مشابهاً للكفار الذين أنكروا إسراءه لبيت المقدس، ومعراجه للسماء في جزء من الليل، ومن كان مصدِّقاً لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: كان مشابهاً للصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه.
وعندما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم أن الدجال يمكث في الأرض أربعين يوماً، يوم كسنَة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وسائر أيامه كأيامكم – كما رواه مسلم -، فماذا فعل الصحابة رضي الله عنهم؟ هل توقفوا؟ هل استشكلوا؟ هل ردوا الخبر؟ كل ذلك لم يكن، وإنما سألوا عن صلاتهم في اليوم الذي يكون كسنَة!! وهذا هو موقف أهل العلم واليقين من الأخبار الصادقة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وما ذكرته من أن الجنة تفتح أبوابها يوم الاثنين والخميس: هو حديث صحيح، رواه مسلم وغيره، فهل علمتَ ماذا حوى من علم وتوجيه للمسلمين؟ اقرأ الحديث وتمعن فيه جيداً:
روى مسلم في صحيحه (2565) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) .
انظر في الحديث وما حوى من عظم الشرك وخطره، وانظر إلى عظم القطيعة والشحناء بين المسلمين، ثم انظر لنفسك تترك ذلك كله لتستشكل ما استشكلت، وليس الأمر عجزاً عن الرد، بل هو لتأصيل موقف المسلم من صحيح السنَّة، وموقفه مما يطرأ على قلبه من الشبهات، ومعرفة سبب ذلك، وكيف يدفعه.
واعلم أنك لو تراجع نفسك في اعتقادك بربك تعالى فإنك ستجد نفسك تؤمن بما هو أعظم وأعلى من ذلك بكثير، فأنت تؤمن أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لكل خلقه في اللحظة نفسها، وأنت تؤمن أن الله تعالى يسمع كلام خلقه على اختلاف لغاتهم في اللحظة نفسها، فأين هذا مما يجيء به الشيطان للمسلم من استعظامه لبعض صفات الرب تعالى، أو لبعض الأحكام؟! .
وقد رأينا للإمام ابن القيم كلاماً متيناً حول هذا الموضوع بعينه، نرجو أن يكون كافياً لكل أحدٍ يقرؤه في قطع كل شبهة ترد على القلب مما ليس أساس من العلم، وفي كلامه رحمه الله بيان أسباب ورود الشبهات، وطريقة دفعها.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
وقوله – أي: علي بن أبي طالب رضي الله عنه - " ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ": هذا لضعف علمه، وقلة بصيرته، إذا وردت على قلبه أدنى شبهة: قدحت فيه الشك والريب، بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبَه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه، ولا قدحت فيه شكّاً لأنه قد رسخ في العلم، فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه: ردها حَرَسُ العلم، وجيشه، مغلولةً، مغلوبةً، والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له، فمتى باشر القلب حقيقة العلم: لم تؤثر تلك الشبهة فيه، بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانها، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه: قدحت فيه الشك بأول وهلة، فإن تداركها وإلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكّاً مرتاباً، والقلب يتوارده جيشان من الباطل: جيش شهوات الغي، وجيش شبهات الباطل، فأيما قلب صغا إليها، وركن إليها: تشرَّبها، وامتلأ بها، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها، فإن أُشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه.
وقال لي شيخ الاسلام رضي الله عنه – أي: ابن تيمية - وقد جعلت أُورد عليه إيراداً بعد إيراد -: لا تجعل قلبَك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها: صار مقرّاً للشبهات، أو كما قال، فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك.
وإنا سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها؛ فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل، وأكثر الناس أصحاب حُسن ظاهر، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس: فيعتقد صحتها، وأما صاحب العلم واليقين: فإنه لا يغتر بذلك، بل يجاوز نظره إلى باطنها، وماتحت لباسها، فينكشف له حقيقتها، ومثال هذا: الدرهم الزائف، فإنه يغتر به الجاهل بالنقد نظراً إلى ما عليه من لباس الفضة، والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك، فيطَّلع على زيفه.
" مفتاح دار السعادة " (1 / 139، 140) .
ونسأل الله تعالى أن يهديك لما يحب ويرضى، وأن يوفقك لكل خير، وأن يثبت قلبك على الإيمان، وأن يزيدك هدى وعلماً وتوفيقاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1725)
مبتلى بالعادة السرية ويعاني من الاغتسال فهل يصلي بوضوء وهو جنب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب نشأت نشأة متدينة، أحفظ القرآن الكريم، أدمنت تحسس أعضائي والعبث بها، لم أكن أعلم أن ما أمارسه هو العادة السرية إلا بعد سنوات، ولم أكن أعلم أنها تسبب الجنابة والحدث الأكبر. أنا أدمنت إدماناً شديداً على فعل هذه العادة، حتى إني أفعلها في اليوم ثلاث مرات. لما علمت أنها تسبب الجنابة، وأنها توجب الغسل: بدأت في بادئ الأمر أغتسل، ولكن لا فائدة، فلا يكاد ينتصف اليوم حتى أفعلها، أصبحت أكتفي بالوضوء للصلاة وقراءة القرآن؛ لأنه يصعب الاغتسال في كل مرة، بدأت أشك في صحة صلاتي وأنها باطلة، ثم بدأت أتهاون بها، ولا أحرص عليها إلا إذا اغتسلت، ثم خفت أن أكون كافراً فقررت أن أتوضأ وأصلي حتى لا أتَعَوَّد على تركها. لقد حاولت تركها مرات ليست بالقليلة ولكن جميعها فشلت، أقصى مدة استطعت أن أبقى فيها بدون استمناء ثلاثة أيام فقط ثم أعود وأمارسها بشراهة. هل أستمر على ما أنا عليه وأحضر الصلاة مع الجماعة متوضأً الوضوء العادي فقط، أم أتركها وأجمعها إلى حين أغتسل؟ وهل أقرأ القرآن في تلك الفترة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بدَّ أن نقف معك قليلاً قبل أن نجيب على أسئلتك، فقد سرَّنا أنك راسلتنا، وذكرت لنا ما تعانيه من تسلط الشيطان على نفسك، وساءنا أن وصل بك المقام إلى هذا الحد، لكننا نرجو ربنا تعالى أن يوفقك ويهديك لأحسن الأخلاق والأفعال، ونرى أن حفظك للقرآن وحبك للطاعة والعبادة وبخاصة الصلاة، سيكون ذلك سبباً – إن شاء الله – في حفظك وهدايتك.
ثانياً:
واعلم أن ما تفعله من ممارسة العادة السرية السيئة قد فعله كثيرون، ووفقهم الله إلى التوبة منه، والأسباب في انقطاع هؤلاء عنها كثيرة، فبعضهم يتركها خوفاً من الله، وحياءً منه سبحانه وتعالى ومن ملائكته الكرام، فهو يعتقد أن الله تعالى يراه، فيتركها حياء منه، ويعلم أن الملائكة تراه، فيتركها حياء منهم، ويعلم أن الله حرَّمها فيخاف عقوبته، ومن هؤلاء من يتركها لما يقف عليه من أضرارها الكثيرة، على النفس، والبدن، ويعلم أنها ستؤثر على حياته الزوجية، فيتركها خوفاً من أن تصيبه عواقبها، ومن هؤلاء من يتركها لأنها تتنافى مع فطرته السوية، وعقله الذي وهبه الله إياه.
وفي ظننا أنك ستتركها من أجل كل ما سبق، فقد وهبك الله قوة وشباباً، وصحة وعافية، واستقامة وهداية، وهي نِعَم لا يمكن لك أن تؤدي شكر بعضها لو عشت عمر نوح عليه السلام، تصلي وتطيع ربك، فهل هذا هو شكر هذه النعم؟ وبما أنك تحفظ كتاب الله تعالى، وتعلم حكم ترك الصلاة فإن ذلك سيدفعك للتفكير مليّاً في أن هذه العادة أدَّت بك إلى التفريط في أعظم أركان الإسلام العملية وهي الصلاة، وأن بتركك لها ستصير في زمرة المشركين والمرتدين عن دين الله! فظننا بك حسنٌ، وهو أنك ستترك هذه العادة حياء من الله تعالى وملائكته، وخوفاً من عقوبته، ولما يترتب عليها من آثار سيئة على النفس والبدن، ولما هو بيِّن في الشرع من تحريمها.
فهذا هو الظن بك، ونرجو أن لا يخيب ظننا بك، ونرجو منك – بعد كل هذا – أن تفكِّر في شيئين اثنين لا ثالث لهما:
الأول: ماذا لو رآك أحد المشايخ الكبار والعلماء الأجلاء الذين تثق بهم وتحترمهم؟
ماذا لو رآك وأنت تمارس هذه العادة السيئة؟! هل ستطيب لك حياة؟ هل تستطيع مواجهته بعد ذلك؟
فاعلم أن الله تعالى يراك ويطلع عليك! واعلم أن ملائكته الكرام يرونك! .
الثاني: نأمل أن تفكِّر للحظة واحدة أن يقدِّر الله تعالى عليك الوفاة وأنت تمارس هذه العادة! فهل يرضيك أن تكون هذه هي خاتمتك؟ هل يرضيك أن تُبعث من قبرك وأنت على هذه الحال؟ وهل يرضيك أن تموت جنباً من فعل محرَّم؟!
نأمل أن تفكر في هذين الأمرين، لتراسلنا بعدها معاهداً نفسك على عدم فعلها، وسالكاً سبيل تعمير القلب بالإيمان واليقين، ومبتعداً عن كل سبب يؤدي فعل هذه العادة، كالنظر المحرَّم، والخلوة، والقراءة للقصص المهيجة، وغيرها من الأسباب، وننتظر رسالة منك تخبرنا بها أنك تائب إلى الله تعالى، محافظ على الطهارة والصلاة، وعسى أن لا يخيب ظننا بك، وعسى أن يكون ذلك قريباً.
ثالثاً:
اعلم أن نزول المني بشهوة موجب للاغتسال، وأنه لا يحل لك الاكتفاء بالوضوء للصلاة بعد أن تكون جنباً، وهذا لا خلاف فيه، ولن نقول لك توضأ وصلِّ فهو خير من عدم صلاتك؛ لأن في هذا غشّاً في الفتوى، وغشّاً لك، بل نقول لك جازمين: الصلاة من غير اغتسال في حال الجنابة باطلة، وفعلها مع علمك بهذا نوع من أنواع الاستهزاء بالشريعة.
والصلاة من غير طهارة كبيرة من كبائر الذنوب، يستحق صاحبها العذاب في القبر، واسمع لهذا الحديث الذي رواه الطحاوي في مشكل الآثار عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أُمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل الله ويدعوه حتى صارت واحدة، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه أفاق فقال: علام جلدتموني؟ قالوا: إنك صليت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره) حسنه الألباني في صحيح الترغيب (2234) .
فهذه عقوبة من صلى صلاة واحدة بغير طهارة، فهل تقوى عليها؟
وإياك أن تستجيب لنزغات الشيطان الذي يدعوك لترك الصلاة، وقد تزين لك نفسك ذلك، فراراً من هذه العقوبة.
ولكن. . ليس هكذا يكون الفرار من العذاب، فمثل ذلك كمثل من فر من شيء إلى ما هو أسوأ منه.
لأن ترك الصلاة كفر مخرج من الإسلام، والكافر خالد مخلد في النار أبداً، فاعلم هذا وتيقنه، فلعله أن يفيدك في أن تعلم الحال الذي أوصلتك له تلك العادة السيئة، ولعلك أن تسارع في إصلاح الخطأ والخلل الذي أصاب حياتك بسبب تلك الفعلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
الطهارة من الجنابة فرض، ليس لأحدٍ أن يصلي جُنُباً، ولا محدثا حتى يتطهر، ومَن صلَّى بغير طهارة شرعية مستحلا لذلك: فهو كافر، ولو لم يستحل ذلك: فقد اختلف في كفره، وهو مستحق للعقوبة الغليظة.
" مجموع الفتاوى " (21 / 295) .
والفرار من العذاب يكون بالفرار إلى الله تعالى (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِين) الذاريات/50.
وكل من خفت منه ففرت منه، إلا الله تعالى فإنك إذا خفته ففرت إليه، والفرار إليه معناه: الفرار مما يكرهه الله إلى ما يحبه، الفرار من المعصية إلى الطاعة، من الكفر إلى الإيمان، من البدعة إلى السنة، من الغفلة إلى الذكر.
نسأل الله أن يطهر قلبك ويحصن فرجك، وأن يوفقك لما يحب ويرضى.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1726)
ادَّعت أنها حامل بولد منه فأجهضت ودفع التكاليف
[السُّؤَالُ]
ـ[صديق ادَّعت علية فتاة سيئة السمعة والأفعال أنها حامل، وهذا الحمل منه هو، وهو متزوج ولديه طفلة صغيرة، وهو يقسم أنه لم يباشرها مباشرة الأزواج , وإن كان هناك بعض الأفعال بينهم التي لم ترق إلى المباشرة الفعلية كالأزواج، ولكنها صممت أنه والد الطفل الحامل فيه، وكان الحل أن ذهبت إلى طبيبٍ لإجهاض هذا الطفل، وبسبب خوفه من الفضيحة التي يمكن أن تسببها هذه الفتاة - وهو متزوج ولديه طفلة كما ذكرت - قام بدفع تكاليف عملية الإجهاض , وتبيَّن أنها كانت حاملاً في طفل عمره ثلاثة شهور إلا ستة أيام، وهو نادم جدّاً على ما فعله، وعلى المساعدة في دفع تكاليف عملية الإجهاض التي لم يكن سبباً فيها.
والسؤال هو:
ما هو حكم الشرع في هذا الفعل؟ وكيف يتوب من هذا الفعل؟ وهل يعتبر مشاركاً في عملية قتل؟ وكيف الخلاص والتوبة إلى الله من هذا الذي حدث؟ وماذا كان يفعل شرعاً عند ادِّعاء هذه الفتاة بأنه والد الطفل الذي هي حامل فيه؟ أريد الإجابة شافية، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2.
وإن صديقك لم يتق الله فلم يجعل له مخرجا، حيث إنك تقول إنه باشر تلك المرأة، ولكنه لم يباشرها مباشرة الأزواج، فهذا التساهل والجرأة على فعل الحرام مع تلك المرأة، هو الذي أوقعه في الجريمة الثانية (الإجهاض) ، وجعله عاجزا عن دفع التهمة عن نفسه، والوقوف بقوة في وجه تلك المرأة، لأنه يعلم من نفسه أنه ليس عفيفاً، ولم يمنع نفسه من الحرام، مع أن الله قد مَنَّ عليه وأنعم عليه بالزوجة الحلال، وكيف يليق بعاقل أن يترك لحما طيبا بأكله حلالاً، ويذهب إلى لحم ميتة يتلذذ بأكله!
لو كان صديقك عف نفسه عن الحرام لجعل الله له مخرجا، ولكنه تجرأ على حرمات الله فعوقب بالوقوع في معصية أخرى، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة المعصية المعصية بعدها، كما أن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها.
ثانيا:
مازال في صديقك بقية خير، يدل على ذلك ندمه على ما فات وحرصه على التوبة، فليعلم أن التوبة لا تكون صحيحة مقبولة إلا إذا توفر فيها ثلاثة شروط:
الأول: الندم على ما فعل.
الثاني: الإقلاع عن المعصية، فلابد من قطع العلاقة نهائيا بتلك الفاجرة، والعجيب أنك تذكر أن صاحبك له طفلة، فهل يرضى هذا لابنته؟ فكذلك الناس كلهم لا يرضون هذا لبناتهم.
فلا توبة له وهو مستمر في علاقته مع تلك المرأة أو غيرها.
الثالث: العزم الأكبر على عدم العودة إلى المعصية مرة أخرى، فيعزم على العفة عن الحرام وصون نفسه وأهله، وليحذر أنه قد يبتلى في أقرب الناس إليه عقوبة على فعله.
كما قيل:
من زنى في بيت بألفي درهم في بيته يزنى بغير الدرهم.
وعليه أن يجتهد في الطاعات، فيحافظ على الصلوات جماعة في المسجد إن كان متهاونا بها، وعليه بكثرة قراءة القرآن الكريم، وحضور مجالس العلم، والإكثار من الصدقة بالمال.
فإن الله تعالى يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وليجعل هذه المعصية بداية خير له، بإقباله على الله، وابتعاده عن معصيته، فإن كثيراً من الناس قد يكونون بعد المعصية والتوبة خيراً من حالهم قبلها، وذلك إذا أحسنوا التوبة واجتهدوا في إصلاح أنفسهم.
والله تعالى الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1727)
ما حكم من يفشي الأسرار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا قيل في القرآن والسنة عن الشخص الذي يكشف سرّاً استأمنه عليه آخر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأسرار من الأمانات، وهي كذلك من العهود التي يجب الحفاظ عليها، ويجب التغليظ على من يفشونها، فيخونون الأمانة، وينقضون العهد، وتعزير من يستحق التعزير منهم.
والأسرار تتفاوت فيما بينها من حيث التغليظ في إفشائها إذ منها ما يكون ضرره عاما وعظيما كإفشاء سر إلى الكفار يكون به هزيمة المسلمين أو فوات النصر عليهم وهو ما يصطلح عليه حديثا باسم الخيانة العظمى ومنها ما هو دون ذلك من مثل ما يكون ضرره خاصا، إلا أن كلَّها تشترك في كونها خيانة للأمانة وإخلافا للعهد.
قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا) الإسراء / 34، وقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء / 58.
وإذا كان الحفاظ على السر واجبا فإن إفشاء السر حرام.
وقد أسرَّ النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة وحفصة بحديث وائتمنهما عليه، فأظهرتا سرَّه صلى الله عليه وسلم، فعاتبهما الله تعالى على ذلك.
قال تعالى: {وإذ أسرَّ النبي إلى بعض أزوجه حديثا فلمَّا نبأت به وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعرض عن بعض فلمَّا نبأها به قالت مَن أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير} التحريم / 3.
ثم قال تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير} التحريم / 4، (فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه شهرا من أجل الحديث الذي أفشته حفصة لعائشة) البخاري 5191، قال ابن حجر رحمه الله عن هذا الحديث (وَفِيهِ الْمُعَاقَبَة عَلَى إِفْشَاء السِّرّ بِمَا يَلِيق بِمَنْ أَفْشَاهُ) .
وفي السنة النبوية نجد الترهيب من الاطلاع على أسرار الغير وكذلك الترهيب من نشر ما لا ينبغي نشره من الأسرار.
فمن ذلك: التغليظ على من أراد الاطلاع على عورات الآخرين: ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ) البخاري6902 مسلم 2158
قال ابن حجرفي شرح الحديث: (وَوَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " مَنْ اِطَّلَعَ فِي بَيْت قَوْم بِغَيْرِ إِذْنهمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنه " وَوَرَدَ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَصْرَحُ مِنْ هَذَا عِنْد أَحْمَدَ وَابْن أَبِي عَاصِم وَالنَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْبَيْهَقِيُّ … بِلَفْظِ " مَنْ اِطَّلَعَ فِي بَيْت قَوْم بِغَيْرِ إِذْنهمْ فَفَقَئُوا عَيْنه فَلا دِيَة وَلا قِصَاص " وَفِي رِوَايَة مِنْ هَذَا الْوَجْه " فَهُوَ هَدَر ") .
ومثله أيضا: الوعيد في حق من تسمَّع لأسرار غيره، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: … وَمَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ البخاري (7042) والآنك هو الرصاص المذاب.
ومن الترهيب من نشر ما لا يحل نشره ما جاء في ذمِّ من نشر سر الزوجية، وجعله من أشر الناس عند الله منزلة.
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرَّها ". رواه مسلم (1437) .
وفي رواية أخرى عند مسلم (1437) : " إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها ". ومعنى " من أعظم الأمانة " أي: من أعظم خيانة الأمانة.
ومن وصايا العرب للعروس: ولا تفشي له سرّاً، فإنك لو أفشيتِ سرَّه، أوغرتِ صدرَه.
وأسرار البيوت لا ينبغي أن تُفشى، وقد كان العقلاء وأهل الدِّين يوصون صاحب السرِّ بعدم إفشائه،
فعن ثابت عن أنس قال: أتى عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان، قال: فسلَّم علينا، فبعثني إلى حاجة فأبطأتُ على أمي، فلمَّا جئتُ قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر، قالت: لا تحدثنَّ بسرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً.
قال أنس: والله لو حدثتُ به أحداً لحدثتك يا ثابت. رواه مسلم (2482) .
وإفشاء الأسرار من علامات النفاق، إذ إنه يدخل في خيانة الأمانة.
عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أربع مَن كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومَن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتُمِن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ". رواه البخاري (34) ومسلم (58) .
وليس من شرط الأمانة أن يخبر المتكلمُ السامعَ بأن هذا الكلام سرٌّ فلا تخبر به أحدا، بل يكفي أن تدلَّ القرينة على ذلك كما لو أخذه بعيدا عن الناس ليحدِّثه، أو جعل يحدِّثه وهو يتلفَّت خوفا من أن يسمع الناس حديثه، وقد
روى الترمذي (1959) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ. حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
قال في "تحفة الأحوذي":
(ثُمَّ اِلْتَفَتَ) أَيْ يَمِينًا وَشِمَالا اِحْتِيَاطًا (فَهِيَ أَمَانَةٌ) أَيْ عِنْدَ مَنْ حَدَّثَهُ أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ الأَمَانَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ كَتْمُهُ. قَالَ اِبْنُ رَسْلانَ: لأَنَّ اِلْتِفَاتَهُ إِعْلامٌ لِمَنْ يُحَدِّثُهُ أَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَسْمَعَ حَدِيثَهُ أَحَدٌ وَأَنَّهُ قَدْ خَصَّهُ سِرَّهُ , فَكَانَ الالْتِفَاتُ قَائِمًا مَقَامَ اُكْتُمْ هَذَا عَنِّي أَيْ خُذْهُ عَنِّي وَاكْتُمْهُ وَهُوَ عِنْدَك أَمَانَةٌ اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1728)
هل المجاهرة بالمعصية من الكفر المخرج من الملة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الكفر اقتراف الذنب جهاراً، وتحدثنا عن فعل المعصية كمشاهدة الأفلام أو استماع الأغاني؟ وهل هذا الحكم ينطبق على صغائر الذنوب وكبائرها؟ .
أرجو أن تهتم بهذا السؤال لأن عدداً من الإخوة والأخوات الحديثي الإسلام يواجهون هذه المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مما لا شك فيه أن المجاهرة بالمعاصي والكبائر ذنبٌ فوق الذنب، وقد تؤدي بصاحبها إلى الكفر في حال المجاهرة بها استهانة بتحريمها وافتخاراً بفعلها، ولا فرق بين الصغائر والكبائر في هذا الحكم.
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه ".
رواه البخاري (5721) ومسلم (2990) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هناك قسم ثالث فاسق مارد ماجن، يتحدث بالزنى افتخاراً والعياذ بالله، يقول: إنه سافر إلى البلد الفلاني، وإلى البلد الفلاني، وفجر وفعل وزنى بعدة نساء، وما أشبه ذلك، يفتخر بهذا.
هذا يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأن الذي يفتخر بالزنى مقتضى حاله أنه استحل الزنى والعياذ بالله، ومن استحل الزنى فهو كافر. " شرح رياض الصالحين " (1 / 116) .
ولا شك أن المعاصي درجات والإثم يتفاوت فيها بحسب حال العاصي أثناء المعصية وحاله بعدها، فليس المتخفي بمعصيته المستتر بها كالمجاهر، وليس النادم بعدها كالمفتخر بها.
قال ابن القيم:
وبالجملة فمراتب الفاحشة متفاوتة بحسب مفاسدها، فالمتخذ خدناً من النساء والمتخذة خدناً من الرجال أقل شرّاً من المسافح والمسافحة مع كل أحدٍ، والمستخفي بما يرتكبه أقل إثماً من المجاهر المستعلن، والكاتم له أقل إثماً من المخبِر المحدِّث للناس به، فهذا بعيد من عافية الله تعالى وعفوه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين ... ".
" إغاثة اللهفان " (2 / 147) .
الخدن والخدنة: العشيق والعشيقة.
والأصل: أن يُعقب المسلمُ ذنبه بتوبة واستغفار وندم وعزم على عدم العوْد لها، لا أن يُعقبها بافتخار ومجاهرة وحديث بها.
روى أحمد (8792) والترمذي (3334) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ، فَذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ [كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] ) . حسنه الألباني في صحيح الترمذي (2654) .
بقي هناك مسألة ذكرتها في سؤالك وهي حصول المجاهرة من حديثي الإسلام، وهؤلاء لا زالوا يجهلون شرائع الإسلام، فهم يُعذرون إن كانوا يجهلون الأحكام الشرعية، ولكنهم يٌعلّمون.
فاحرص على إرشادهم، وعرض هذا الجواب عليهم.
وفقنا الله لما يحب ويرضى
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1729)
التخلص من الكبر
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتخلص الإنسان من التكبر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التكبر صفة ذميمة يتصف به إبليس وجنوده من أهل الدنيا ممن طمس الله تعالى على قلبه.
وأول من تكبر على الله وخلقه هو إبليس اللعين لمَّا أمره الله تعالى بالسجود لآدم فأبى واستكبر وقال " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ".
قال الله تعالى: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين. قال ما منعك أن تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} الأعراف / 11 – 12.
فالكبر خلُق من أخلاق إبليس، فمن أراد الكِبر فليعلم أنه يتخلق بأخلاق الشياطين، وأنه لم يتخلق بأخلاق الملائكة المكرمين الذين أطاعوا ربهم فوقعوا ساجدين.
ناهيك عن كون الكبر سبباً لحرمان صاحبه من الجنة ويحرم نفسه من أن ينظر رب العزة إليه كما جاء في الحديثين الآتيين:
1. عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بَطَر الحق وغَمْط الناس ".
رواه مسلم (91) .
وبطر الحق: رده بعد معرفته.
وغمط الناس: احتقارهم.
2. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لست تصنع ذلك خيلاء ".
رواه البخاري (3465) .
ثانياً:
والكبر صفة من الصفات التي لا تنبغي إلا لله تعالى، فمن نازع الله فيها أهلكه الله وقصمه وضيق عليه.
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: " العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته ".
رواه مسلم (2620) .
قال النووي:
هكذا هو في جميع النسخ، فالضمير في " ازاره "، " ورداؤه ": يعود إلى الله تعالى للعلم به، وفيه محذوف تقديره: " قال الله تعالى: ومن ينازعني ذلك أعذبه ".
ومعنى " ينازعني ": يتخلق بذلك فيصير في معنى المشارك.
وهذا وعيد شديد في الكبر مصرح بتحريمه.
" شرح مسلم " (16 / 173) .
وكل من حاول الكبر والارتفاع خفضه الله تعالى في الأسفلين وجعله في الأذلين لأنه خالف الأصل فجازاه الله تعالى بنقيض قصده، وقد قيل: الجزاء من جنس العمل.
والذي يتكبر على الناس يكون يوم القيامة مداساً تحت أقدام الناس فيذله الله تعالى جزاء ما كان منه من الكبر.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذرِّ في صُوَر الرجال يغشاهم الذل من كل مكان فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى " بولس " تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال".
رواه الترمذي (2492) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2025) .
ثالثاً:
وللكبر صور عدة منها:
1. ألا يقبل الرجل الحق ويجادل بالباطل، كما ذكرنا في حديث عبد الله بن مسعود " الكبر: بطر الحق وغمط الناس ".
2. أن تعجبه نفسه من جمال أو حسن، أو ثراء في الملبس أو المأكل فيتبختر ويتكبر ويفخر على الناس.
عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: " بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة ".
رواه البخاري (3297) ومسلم (2088) .
ومنه ما كان من ذلك الرجل صاحب الذي قال الله تعالى فيه: {وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً} الكهف / 34.
وقد يكون ذلك بالتفاخر بالعشيرة والنسب.
رابعاً:
ومن طرق علاج الكبر أن ترى نفسك كالناس وأنهم مثلك ولدوا من أم وأب كما ولدت وأن التقوى هي المعيار الحق.
قال الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات / 13.
وليعلم المسلم المتكبر أنه مهما بلغ فهو أضعف من أن يبلغ طول الجبال أو أن يخرق الأرض كما قال الله تعالى: {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور. واقصد في مشيك واغضض من صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} لقمان / 18 – 17.
قال القرطبي:
قوله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحا} وهذا نهي عن الخيلاء وأمر بالتواضع، والمرح: شدة الفرح، وقيل: التكبر في المشي، وقيل: تجاوز الإنسان قدره.
وقال قتادة: هو الخيلاء في المشي، وقيل: هو البطر والأشر، وقيل: هو النشاط.
وهذه الأقوال متقاربة ولكنها منقسمة قسمين:
أحدهما: مذموم، والآخر: محمود.
فالتكبر والبطر والخيلاء وتجاوز الإنسان قدره: مذموم.
والفرح والنشاط محمود.
" تفسير القرطبي " (10 / 260) .
ومن العلاج أن يعلم الإنسان أن المتكبر يوم القيامة يحشر صغيراً كأمثال الذر تدوسه الأقدام، والمتكبر مبغوض عند الناس كما أنه مبغوض عند الله تعالى، والناس يحبون المتواضع السمح اللين الهين ويبغضون الغليظ والشديد من الرجال.
ومنه أن يتذكر الإنسان أنه خرج هو والبول من مكان واحد، وأن أوله نطفة قذرة وآخره جيفة نتنة وأنه بين ذلك يحمل العذرة (أي البراز) فبم يتكبر؟!!
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الكبر وأن يرزقنا التواضع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1730)
تحريم التجسس على الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة وطلب مني المدير أن أخبره بما يقوله الموظفون عنه شخصيا على الرغم أن بعض ما يقولونه عنه صحيح فهل ما أقبضه من مكافأة للتجسس حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك القيام بهذا العمل المحرم، لما يشتمل عليه من النميمة، والتجسس. والمكافأة الناتجة عن ذلك سحت محرم.
واعلم أن النميمة كبيرة من كبائر الذنوب، وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم. وهذا هو المشهور من تعريف النميمة، وقد نقل ابن حجر الهيتمي هذا التعريف في كتابه " الزواجر عن اقتراف الكبائر " ثم قال: (وقال في الإحياء: ولا يختص بذلك، بل هي كشف ما يكره كشفه، سواء أَكرهه المنقول عنه أو إليه أو ثالث , وسواء كان كشفه بقول أو كتابة أو رمز أو إيماء , وسواء في المنقول كونه فعلاً أو قولاً أو عيباً أو نقصاً في المقول عنه أو غيره , فحقيقة النميمة إفشاء السر , وهتك الستر عما يكره كشفه , وحينئذ ينبغي السكوت عن حكاية كل شيء شوهد من أحوال الناس إلا ما في حكايته نفع لمسلم أو دفع ضر , كما لو رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به , بخلاف ما لو رأى من يُخفي مال نفسه فذكره فهو نميمة وإفشاء للسر , فإن كان ما ينم به نقصا أو عيبا في المحكي عنه فهو غيبة ونميمة. انتهى) الزواجر، (الكبيرة الثانية والخمسون بعد المائتين: النميمة) .
ونقل عن الحافظ المنذري قوله: (أجمعت الأمة على تحريم النميمة وأنها من أعظم الذنوب عند الله عز وجل. انتهى) .
ومنه يعلم أن نقلك كلام الزملاء إلى المدير، إفشاء للسر، وسعي في الإفساد، ووقوع في هذه الكبيرة العظيمة من كبائر الذنوب، إضافة إلى التجسس المحرم.
وقد جاء في ذم النميمة، والتجسس، وتتبع العورات جملة من النصوص الكفيلة بزجر المسلم وردعه عن ارتكاب هذه المحرمات:
1- فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة نمام ". وفي رواية: " قتّات " رواه البخاري (6056) ومسلم (105) .
والقتات هو النمام. وقيل: النمام الذي يكون مع جمع يتحدثون حديثا فينم عليهم. والقتات: الذي يستمع عليهم وهم لا يعلمون ثم ينم.
2- وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال: " يعذبان وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير، كان أحدهما لا يستتر من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة " (البخاري 216، ومسلم 292) .
3- وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا ". البخاري 5144، ومسلم 2563
قال النووي رحمه الله: (قال بعض العلماء: "التحسس " بالحاء: الاستماع لحديث القوم , وبالجيم: البحث عن العورات. وقيل: بالجيم: التفتيش عن بواطن الأمور , وأكثر ما يقال في الشر , والجاسوس صاحب سر الشر , والناموس صاحب سر الخير. وقيل: بالجيم أن تطلبه لغيرك , وبالحاء: أن تطلبه لنفسك. قاله ثعلب: وقيل: هما بمعنى (واحد) . وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة والأحوال) انتهى.
4- وروى البخاري (7042) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تحلم بحُلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ". والآنك: هو الرصاص المذاب.
[الْمَصْدَرُ]
(7/1731)
هل تجوز السرقة من الكفار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحرم على المسلم المقيم في بلاد الكفار أن يسرقهم؟ وبالطبع، فإن الشخص الذي أتحدث عنه لا يعاني من الجوع الشديد، كما أنه لا يحتاج للأغراض التي يسرقها، وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن أن يأمن إلى حد ما، أي فرد يعيش كمسلم في هذا البلد، كما أن الاضطهاد فيه ليس قويّاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجهل أحدٌ أن السرقة من كبائر الذنوب، وقد جعل الله تعالى حدَّها قطع اليد، ولم تفرق الشريعة بين مال الذكر ومال الأنثى، ولا بين مال الصغير ومال الكبير، ولا بين مال المسلم ومال الكافر، ولم تستثن الشريعة إلا أموال الكفار المحاربين للمسلمين.
والواجب على المسلم أن يكون مثالاً حسناً للأمانة والوفاء بالعهد وحسن الأخلاق، وقد كان اتصاف المسلمين بهذه الصفات سبباً لدخول الكثير من الكفار في الإسلام لمّا رأوا محاسن الإسلام وحسن خلق أهله.
وإن المسلم الذي يستحل مال الكفار سواء كان في بلاد المسلمين أم في بلادهم ليقدِّم للكفار خدمة جليلة لتشويه الإسلام والمسلمين، وهو يعين بذلك أصحاب الحملات التي تطعن في الإسلام.
والمسلم إذا دخل بلاد الكفار فإنه يدخلها بعهد وأمان – وهي التأشيرة التي تعطى له لتمكنه من دخول بلادهم – فإذا أخذ أموالهم بغير حق فإنه يكون بذلك ناقضاً للعهد فضلاً عن كونه من السارقين.
والمال الذي سرقه منهم محرم فعن المغيرة بن شعبة أنه كان قد صحب قوماً في الجاهلية، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما الإسلام أقبلُ، وأما المال فلستُ منه في شيء "، ورواية أبي داود: " أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال فإنه مال غدرٍ لا حاجة لنا فيه ".
رواه البخاري (2583) وأبو داود (2765) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2403)
قال الحافظ ابن حجر:
قوله " وأما المال فلستُ منه في شيءٍ " أي: لا أتعرض له لكونه أخذه غدراً، ويستفاد منه: أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدراً؛ لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة، والأمانة تؤدَّى إلى أهلها مسلِماً كان أو كافراً، وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك المال في يده لإمكان أن يسلم قومه فيرد إليهم أموالهم.
" فتح الباري " (5 / 341) .
قال الشافعي - رحمه الله -: وإذا دخل رجل مسلم دار الحرب بأمان.. وقدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئاً قلّ أو كثر؛ لأنه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله، ولأنه لا يحل له في أمانهم إلا ما يحل له من أموال المسلمين، وأهل الذمة، لأن المال ممنوع بوجوه:
أولها إسلام صاحبه.
والثاني مال من له ذمة.
والثالث مال من له أمان إلى مدة أمانه وهو كأهل الذمة فيما يمنع من ماله إلى تلك المدة.
" الأم " (4 / 284) .
وقال السرخسي – رحمه الله -: أكره للمسلم المستأمِن إليهم في دينه أن يغدر بهم لأن الغدر حرام، قال صلى الله عليه وسلم: " لكل غادر لواء يركز عند باب أسته يوم القيامة يعرف به غدرته "، فإن غدر بهم وأخذ مالهم وأخرجه إلى دار الإسلام كرهت للمسلم شراءه منه إذا علم ذلك لأنه حصله بكسب خبيث، وفي الشراء منه إغراء له على مثل هذا السبب وهو مكروه للمسلم، والأصل فيه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين قتل أصحابه وجاء بمالهم إلى المدينة فأسلم، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخمس ماله، فقال: " أما إسلامك فمقبول، وأما مالك فمال غدر فلا حاجة لنا فيه ".
" المبسوط " (10 / 96) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1732)
غش في اختبارات الشهادة الجامعية وتوظّف بها
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء بشهادة جامعية مزورة تعين في العمل بناءً عليها، وآخر جاء بشهادة جامعية صحيحة لكن قد غش في بعض امتحاناتها، وآخر زوّر ورقة من متطلبات العمل كشهادة الخبرة، وقد عملوا وفهموا العمل تماماً، فماذا يفعل كل من أصحاب هذه الحالات وقد تابوا؟ علماً أن بعض الأعمال حكومية وبعضها شركات خاصة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب رحمه الله:
كل ما بُنِيَ على باطل فهو باطل، وعلى هؤلاء أن يعيدوا الامتحان في الشهادة التي بني عليها راتبه. ولكن إذا قُدِّرَ أن الشهادة الأخيرة ليس فيها غش وكانوا يغشون في المراحل التي قبلها فهذا أرجو الله أن لا يكون فيه بأس.
س: لكن الشهادة تمنح على جميع المقررات المدروسة خلال سنوات الدراسة.
ج: إذاً لا يجوز حتى يعيد الاختبار على وجه سليم.
س: الآن عملياً لو تقدم للجامعة وقال لهم أريد أن أعيد الاختبار لقالوا له إن النظام لا يسمح له بذلك؟
ج: إذاً يستقيل من العمل ثم يعمل على حسب الشهادة التي ليس فيها غش، كشهادة الثانوية مثلاً.
س: الآن هو يقول: أنا فهمت العمل تماماً، وخبرتي في العمل تؤهلني للعمل حتى بدون الشهادة؟
ج: إذاً يقدِّم للمسؤولين في المصلحة التي يعمل فيها، ويقول القضية كذا وكذا، فإذا أذنوا له بالاستمرار بناءً على أنه أجاد العمل، فأرجو أن لا يكون في هذا بأس.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1733)
هل يكذب في تقدير عمره ليحصل على التقاعد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لسبب ما أرغب في التقاعد من عملي وهو لدى شركة حكومية ولكن عمري ينقص عن سن التقاعد ببضع سنوات فقط الأمر الذي لا يخولني من التقاعد حالياً ولكن أرى بعضا من زملائي في عمري وأصغر يتقدمون إلى لجنة طبية حكومية يطالبون بأن يعاد تقييم أعمارهم وفي أكثر الحالات يحصلون على موافقة معتمدة على سنتين إلى سبع سنوات ومن ثم تعدل أعمارهم في سجلات الشركة حسب أوامر من الأحوال المدنية مبنية على التقييم المذكور. أنا أرى أن مثل هذا الإجراء حرام لأن معظم المتقدمين يتيقنون أن أعمارهم قبل التقديم صحيحة ولكن لغرض التقاعد يقومون بهذا الإجراء. هل حرام إذا تقدمت إلى ولي الأمر لإيضاح السبب وطلبت منه أن يمنحني أمر تكبير لعمري دون اللجوء للتقدم إلى هذه اللجنة الطبية واعتبار أمر ولي الأمر بمنحة منه وموافقة أقدمها إلى الشركة لكي أتقاعد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دام الإنسان يعلم قدر عمره، فليس له أن يخبر بخلافه، سواء أخبر هو، أو بواسطة لجنة، أو مسئول، فكل هذا غير جائز؛ لما فيه من الكذب.
وإذا أراد ولي الأمر أن يمنحك حق التقاعد، بناء على أسباب لديك، فلا حرج من ذلك، من غير أن يكون هناك كذب، فيما يتعلق بعمرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1734)
هل تقبل الزواج من شخص يتهاون بالصلاة ويقترف المعاصي ولكن معاملته حسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم أحد الشباب لخطبتي بعد ما تجاوز عمري الثلاثين سنة، وهو يشرب الدخان والخمر ويتهاون بالصلاة، وهو مع ذلك شديد البر بأمّه، حسن المعاملة مع الناس، حريص على عمله.
وإخواني موافقون عليه، وأشعر أنهم يتضجرون من بقائي معهم بلا زوج.
فهل يمكن أن أقبل الزواج به وأحاول تغييره إلى الأحسن؟ أشيروا عليّ، ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جوابنا على سؤالكِ أيتها الأخت الفاضلة يكون بتوجيه ثلاث رسائل فيها توجيهات ونصائح، لأوليائكِ – وهم إخوانكِ -، وللخاطب، ولكِ، وبها ينتظم الجواب على مسألتكِ.
أولاً:
رسالة إلى أوليائكِ:
1. أوجب الله عليكم أن تنظروا في مصلحة أختكم الدينية والدنيوية، ومن ذلك: أن تحسنوا اختيار الزوج المناسب لأختكم، وأن لا تمنعوا عنها من كان مناسباً، وأنتم تعلمون أنه لا يتم نكاح إلا بولي، وأن من أعظم مهام الولي البحث والاستفسار وحسن الاختيار، حتى لو أدى ذلك لأن يعرض الولي أخته أو ابنته على أهل الصلاح، وتزويج أختكم لغير المناسب أو منع المناسب من خطبتها هو تضييع للأمانة التي ائتمنكم عليها الشرع.
2. واعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أرشدكم إلى مواصفات الزوج المناسب لأختكم، وهو ما توفرت فيه صفتان: الدِّين والخُلق، وهاتان الصفتان تضمنون بهما – إن شاء الله – الخير والسعادة لأختكم، بل وذريتها، فصاحب الدِّين يرعى حقها، ويؤدي ما أوجبه الله عليه تجاهها وتجاه ذريتها، فهو يحثها على الخير والطاعة، ويحذرها من الشر والمعصية.
وخُلُقه القويم يمنعه من الإساءة لها، ويجعله ممسكاً لها بالمعروف، وإن كره منها خُلُقاً رضي عن غيره، وهو يصبر على عوَجها الذي جعله الله في أصل خلقتها وطبيعتها، فإن أراد فراقها سرَّحها بإحسان، وأعطاها حقوقها.
3. واعلموا أنه لا يجوز لكم تزويج الكافر، ولا يحسن تزويج الفاسق لأختكم، أما تزويج الكافر فهو مبطل للنكاح، وأما تزويج الفاسق فهو تضييع للأمانة وتفريط في صيانتها.
وتارك الصلاة ليس من المسلمين، وقد جاء تكفيره في القرآن والسنَّة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم، والمصلي لكنه مفرِّط في الجماعة فاسق، كما أن شارب الدخان فاسق كذلك، وإن كان يشرب الخمر فقد جاء بأم الخبائث، ومثله لا يزوج ولا يؤمن على حفظ زوجته، وصيانة عرضها، بل ولا يؤمن أيضا على أبنائه.
ولأن الله تعالى قد جعلكم أولياء في زواج أختكم؛ ولأنه تعالى أوجب عليكم أداء الأمانة والنصح لها على أحسن وجه: فإن هذا يوجب عليكم البحث والاستفسار عن حقيقة دين وأخلاق من تقدم لخطبة أختكم، فإن علمتموه تاركاً للصلاة: فلا تزوجوه؛ لأنه يكون بتركه لها كافراً، وعليكم واجب النصح تجاهه، وإن كان مفرِّطاً في وقت الصلاة أو تاركاً للجماعة أو شارباً للخمر: فلا تزوجوه أيضاً؛ لأن مقتضى الأمانة أن تزوجوا من يُرضى دينه وخلُقه.
4. واتقوا الله تعالى في أختكم، فلا تقسوا عليها، ولا تأنفوا من تأخر زواجها، ولا تعيروها بعنوستها، فهي تحمل من الهموم ما نظن أنكم تعجزون عن تحمله أنتم أيها الرجال. والواجب عليكم بدلا من ذلك أن تسلوها عن مصابها، وأن تشعروها بالأنس بكم، حتى ترزق الزوج الصالح والذرية الطيبة التي تأنس بها.
ثانياً:
ورسالتنا للخاطب:
1. اعلم أن الله تعالى قد حكم على تارك الصلاة بالكفر، وبذلك جاءت السنة النبوية، وعلى ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ليس بينهم اختلاف، قال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) التوبة/11، وعَنْ جَابِر رَضِيَ الله عنْهُ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ) رواه مسلم (82) ، وقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي (2622) ، فإن كنتَ تاركاً للصلاة: فيجب عليك أن تتوب من فعلك هذا، ويجب عليك الرجوع لإقامتها كما أمرك الله تعالى في أوقاتها، وبشروطها وأركانها وواجباتها.
2. واعلم أن تضييع الصلاة حتى يخرج وقتها هو من الأفعال التي توعد الله عليها بالعقوبة، قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59، وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/5.
3- وأما الخمر فما أخبثها وأنجسها. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90 وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ) متفق عليه.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ) رواه مسلم (2002) .
وقال أيضا: (الخمر أم الخبائث فمن شربها لم تقبل صلاته أربعين يوما فإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية) رواه الطبراني، وحسنه الألباني.
4. واعلم أن شرب الدخان حرام، وهو متلف للمال والبدن، وسيسألك الله تعالى عن مالِكَ أين أنفقته، وإن كان الدخان هو سبب موتك فأنت في حكم المنتحر، وهو من كبائر الذنوب.
5. ونشكر لك برَّك بوالديك، وخاصة برك بأمك، كما نشكر لك ما تتميز به من حسن معاملة مع الآخرين، واهتمام بوظيفتك، لكن لابدَّ أن تعلم أن تركك للصلاة أو تقصيرك فيها، وما تفعله من شرب للدخان يحتِّم على الأولياء أن يرفضوا تزويجك، كما يحتِّم على المرأة أن لا تقبل بك زوجاً لها، فالمرجو منك أن تعيد النظر في أفعالك، وتجعلها كلها صالحة مستقيمة، وبذلك تستحق أن تكون زوجاً لامرأةٍ صالحة، تبني أنت وإياها بيتاً صالحاً على كتاب الله تعالى وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتكوِّنان أسرة طيبة مباركة.
ثالثاً:
وأما رسالتنا لكِ:
1. نوصيك بالصبر والثبات على الحق، ولا ننصحك بالتنازل عن الخُلق والدِّين في كل من يتقدم لك، ولو طال أمد العمر دون زواج، والمرأة ضعيفة بطبعها، وقد تتزوج من هو متلبس بالمعاصي بقصد هدايته وتوجيهه، لكن الفشل يكون حليف الكثيرات، فلا تسلكي هذا السبيل وقد سلكه قبلك كثيرات ولم ينجحن فيه، وقد قيل: النساء على دين أزواجهن.
2. وإذا أراد إخوانكِ الإصرار على الزواج من هذا الخاطب فيجب أن يقفوا على حقيقة امتناعكِ عن الزواج به، ويجب أن يصارحوه بهذا، وأن يأخذوا منه عهوداً ومواثيق بالالتزام بشرع الله تعالى، ويمكن أن يكون ذلك بعلم من أهله، ليتحقق جديته في الالتزام بما وعد، إذا لم يبادر هو ويظهر جديته في التوبة والاستقامة، على أن تكون هناك فرصة كافية لإثبات ذلك في واقعه العملي قبل إتمام الزواج
3. وإذا استثنينا تركه للصلاة: فإن ما عنده من معاصٍ أخرى لا تؤثر في صحة العقد، وإنما نصحناك بما هو أفضل وأكمل، فإن اخترتِ الاقتران به على علاته راجية هدايته وتسديده فالأمر إليك، وإنما قلنا هذا حتى لا تظني أن الاقتران – في الحالة الثانية - به محرَّم، وإن كنا نختار لك الصبر والدعاء، فلعلَّ الله أن يجعل لك من أمرك مخرجاً، وأن ييسر لك زوجاً خيراً منه.
4. واعلمي أن الحياة الزوجية مع صاحب الخُلُق والدِّين هي الحياة السعيدة التي فيها تبني المرأة بيتها وفق الكتاب والسنَّة، وتستطيع تربية نفسها وأبنائها على ما يحب ربنا تعالى ويرضى، وأما الحياة مع أهل المعاصي ففيها الهموم والغموم والانشغال بالدنيا والتخلي عن معالي الأخلاق وكمالها، والمعصية تجرُّ صاحبها إلى أختها، حتى يكون قلبه أسود لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، وصاحب الخلق والدين قد ينقلب حاله إلى السوء، كما قد ينقلب حال العاصي إلى الخير، لكنَّ الزواج والشراكة والمحبة والأخوَّة لا تكون إلا على ما هو واقع حاضر لا على ما هو متوقَّع أو مُحتمل.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
أهم الأوصاف التي ينبغي للمرأة أن تختار الخاطب من أجلها هي الخلُق والدين، أمَّا المال والنسب فهذا أمرٌ ثانوي، لكن أهم شيء أن يكون الخاطب ذا دين وخلُق؛ لأنَّ صاحب الدِّين والخلُق لا تَفقد المرأة منه شيئاً إن أمسكهَا أمسكها بمعروف، وإن سرَّحهَا سرَّحها بإحسان، ثمَّ إنَّ صاحب الدِّين والخلُق يكون مباركاً عليها وعلى ذريتها، تتعلم منه الأخلاق والدين، أمَّا إن كان غير ذلك: فعليها أن تبتعد عنه لاسيما بعض الذين يتهاونون بأداء الصلاة، أو مَن عُرف بشرب الخمر - والعياذ بالله -، أمَّا الذين لا يصلُّون أبداً فهم كفار لا تحل لهم المؤمنات، ولا هم يحلون لهن، والمهم أن تركز المرأة على الخلق والدين، أما النسب فإن حصل فهذا أولى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتاكم مَن ترضون دينه وخلُقه فأنكحوه) ولكن إذا حصل التكافؤ فهو أفضل.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 702) .
وقال – رحمه الله -:
أما إذا كان الخاطب لا يصلِّي مع الجماعة: فهذا فاسق عاص لله ورسوله، مخالف لما أجمع المسلمون عليه من كون الصلاة جماعة من أفضل العبادات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموع الفتاوى " (23 / 222) : " اتفق العلماء على أنها – أي: صلاة الجماعة – من أوكد العبادات، وأجل الطاعات، وأعظم شعائر الإسلام " انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
ولكن هذا الفسق لا يخرجه من الإسلام فيجوز أن يتزوج بمسلمة، لكن غيره من ذوي الاستقامة على الدين والأخلاق أولى منه، وإن كانوا أقل مالاً وحسباً كما جاء في الحديث: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) ثلاث مرات، أخرجه الترمذي، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) .
ففي هذين الحديثين دليل على أنه ينبغي أن يكون أولى الأغراض بالعناية والاهتمام الدين والخلق من الرجل والمرأة، واللائق بالولي الذي يخاف الله تعالى ويرعى مسؤوليته أن يهتم ويعتني بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مسؤول عن ذلك يوم القيامة قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) ، وقال: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ. فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ) ، أما إذا كان الخاطب لا يصلِّي أبداً لا مع الجماعة ولا وحده فهذا كافر خارج عن الإسلام، يجب أن يستتاب، فإن تاب وصلى تاب الله عليه إذا كانت توبته نصوحاً خالصةً لله، وإلا قتل كافراً مرتداً، ودفن في غير مقابر المسلمين من غير تغسيل، ولا تكفين، ولا صلاة عليه، والدليل على كفره نصوص من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... – وساق أدلة كفر تارك الصلاة – ثم قال:
وحيث تبيَّن من نصوص الكتاب والسنة أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن ملة الإسلام فإنه لا يحل أن يزوج بمسلمة بالنص والإجماع قال الله تعالى: (ولا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) ، وقال تعالى في المهاجرات: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) ، وأجمع المسلمون على ما دلَّت عليه هاتان الآيتان من تحريم المسلمة على الكافر، وعلى هذا فإذا زوَّج الرجل من له ولاية عليها بنته أو غيرها رجلاً لا يصلي لم يصح تزويجه، ولم تحل له المرأة بهذا العقد؛ لأنه عقد ليس عليه أمر الله تعالى ورسوله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه.
وإذا كان النكاح ينفسخ إذا ترك الزوج الصلاة، إلا أن يتوب ويعود إلى الإسلام بفعل الصلاة فما بالك بمن يقدم على تزويجه من جديد؟!
وخلاصة الجواب: أن هذا الخاطب الذي لا يصلي إن كان لا يصلي مع الجماعة فهو فاسق لا يكفر بذلك، ويجوز تزويجه في هذه الحال، لكن ذوي الدين والخلق أولى منه.
وإن كان لا يصلي أبداً لا مع الجماعة ولا وحده فهو كافر مرتد، خارج عن الإسلام، لا يجوز أن يزوج مسلمة بأي حال من الأحوال، إلا أن يتوب توبة صادقة ويصلي ويستقيم على دين الإسلام.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 31) .
واستعيني – يا أختنا – بالصبر والصلاة والدعاء، ونسأل الله تعالى أن يثبتك على طاعته، وأن ييسر لك زوجاً صالحاً، وذرية طيبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1735)
أدلة تحريم الإسبال
[السُّؤَالُ]
ـ[أخبرني أحد الأخوان بأن لبس الملابس تحت الكعب حرام وأن هناك أحاديث كثيرة تثبت هذا، أريد رأيك حول الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قاله لك صاحبك حقّ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في منع الإسبال فمن ذلك:
ما رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) البخاري رقم 5787
وقال صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل والمنان والمُنفِّق سلعته بالحلف الكاذب) رواه مسلم رقم 106
وقال صلى الله عليه وسلم: (الإسبال في الإزار والقميص والعمامة، من جر منها شيئاً خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة) رواه أبو داود رقم 4085 والنسائي رقم 5334 بإسناد صحيح
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنْظُرُ إِلَى مُسْبِلِ الْإِزَارِ. " رواه النسائي في المجتبى (5332) كتاب الزينة: باب: إسبال الإزار
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَضَلَةِ سَاقِي أَوْ سَاقِهِ فَقَالَ هَذَا مَوْضِعُ الإِزَارِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَأَسْفَلَ فَإِنْ أَبَيْتَ فَلا حَقَّ لِلإِزَارِ فِي الْكَعْبَيْنِ " رواه الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ سنن الترمذي رقم 1783
وكلّ الأحاديث المتقدّمة عامة في منع الإسبال سواء قصد صاحبه الخيلاء والكبر أو لم يقصد، ولكن إذا قصد الخيلاء فلا شكّ أنّ إثمه سيكون أعظم وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً) البخاري رقم 5788، ومسلم رقم 2087
وقال جابر بن سليم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة) صححه الترمذي رقم 2722
ثمّ إنّ المرء لا يستطيع أن يبرّئ نفسه من الخيلاء ولو ادّعى ذلك فلا يُقبل منه لأنّها تزكية لنفسه، أما من شهد له الوحي بذلك فنعم كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال (من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر يا رسول الله إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال (إنك لست ممن يفعله خيلاء) رواه البخاري رقم 5784.
ومما يدّل على أنّ الإسبال ممنوع ولو لم يكن معه خيلاء حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إزرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين، وما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، ومن جرّ إزاره بطراً لم ينظر الله إليه) رواه أبو داود رقم 4093 بإسناد صحيح. فقد ذكر في الحديثين عملين مختلفين رتّب عليهما جزاءين مختلفين.
وروى الإمام أحمد عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الإِزَارِ شَيْئًا قَالَ نَعَمْ تَعَلَّمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ لا جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، وَمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ هُوَ فِي النَّارِ يَقُولُهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي إِزَارِي اسْتِرْخَاءٌ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ارْفَعْ إِزَارَكَ فَرَفَعْتُهُ ثُمَّ قَالَ زِدْ فَزِدْتُ فَمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا بَعْدُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى أَيْنَ فَقَالَ أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ. " رواه مسلم رقم 2086 كتاب الكبائر للذهبي 131-132.
والإسبال كما يكون في الرّجال فإنّه يكون في النساء كذلك ومما يدلّ عليه حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلاءِ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ تُرْخِينَهُ شِبْرًا قَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفَ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ تُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا تَزِدْنَ عَلَيْهِ." النسائي: كتاب الزينة: باب ذيول النّساء.
وربما تكون عقوبة المختال في الدنيا قبل الآخرة كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " رواه مسلم 2088
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1736)
لم يجد عملا فغير اسمه وانتسب إلى قبيلة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أفراد أسرتي سافر إلى دولة عربية للعمل بها، ثم استخرج ورقه تثبت بأنه ينتمي لقبيلة فلان وأنه معروف لديهم (تم تغيير اسمه بالكامل) وصادق شيخ القبيلة على هذه الورقة بأنه يرجو التعاون معه لحين استخراج أوراق رسمية له, وهو الآن يعمل بهذه الورقة وتيسرت أموره. السؤال: هل يعتبر هذا تلاعبا بالأنساب؟ وهل هذا العمل محرم شرعا؟ مع العلم بأنه يعول جميع أهله وهو مضطر للعمل ومساعدتهم ووالده على علم بأنه غير اسمه واسم قبيلته لكي يحصل على العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا العمل محرم تحريما بينا؛ لما فيه من الانتساب لغير الأب، ولغير القبيلة، وما فيه من الكذب والتزوير، ولما قد يترتب عليه من أمور باطلة تتعلق بالإرث والمحرمية.
روى البخاري (3508) ومسلم (61) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلا كَفَرَ، وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) .
وروى البخاري (6767) ومسلم (63) عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) .
فالواجب على قريبك هذا أن يمزق هذه الورقة، وأن ينتسب إلى أبيه وقبيلته الحقيقية، مع التوبة إلى الله تعالى مما صدر منه، كما يجب على شيخ القبيلة أن يتوب إلى الله تعالى من الكذب والتعاون على الغش والتزوير.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: مما اعتاد الناس في الحصول على جواز السفر: الشهادة بأن فلانا مولود في البحرين، تيقنوا بذلك أم لا، هل هذا من شهادة الزور؟
فأجابت:
" لا يجوز أن يشهد الشخص إلا بما يعلمه برؤية أو سماع لقوله تعالى: (إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) وقوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) الآية، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة، قال: هل ترى الشمس؟ " قال: نعم، قال: (على مثلها فاشهد أو دع) رواه الخلال.
وبناء على ما سبق لا يجوز لشخص أن يشهد بأن فلانا مولود في البحرين إلا إذا كان يعلم ذلك، ومن شهد أن فلانا مولود في البحرين وهو يعلم من نفسه أنه كاذب فهذه شهادة الزور، ويتناوله الوعيد الذي ثبت في القرآن والسنة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/505) .
وإذا كان هذا في مجرد التزوير في محل الميلاد، فكيف بتغير النسب والقبيلة؟!
وكون هذا الرجل لا يجد عملا، أو يعول أسرة، أو أن والده يعلم بذلك، لا يبرر له هذا المنكر العظيم.
ومن اتقى الله تعالى وقاه وكفاه ورزقه من حيث لا يحتسب.
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1737)
حكم وضع الزهور والأشجار في دورات المياه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وضع النباتات كالزهور أو الأوراق، أو حتى فسائل الشجر، في دورات المياه لأي غرض، سواء للزينة أو غير ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في وضع الزهور والأوراق وفسائل الشجر في دورات المياه، بشرط ألا يكون في ذلك إسراف أو تبذير، وكلاهما مذموم، قال الله تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الإسراء/29، وهذا نهي عن البخل، وعن الإسراف.
وقال سبحانه: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141
وقال: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26، 27
والسَّرَف: الإكثار من صرف المال في المباحات. والتبذير: صرفه في أمور لا تنبغي.
قال العسكري:
قيل: التبذير: إنفاق المال فيما لا ينبغي. والإسراف: صرفه زيادة على ما ينبغي.
وبعبارة أخرى: الإسراف: تجاوز الحد في صرف المال، والتبذير: إتلافه في غير موضعه، وهو أعظم من الإسراف، ولذا قال تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) .
قيل: وليس الإسراف متعلقا بالمال فقط، بل بكل شيء وضع في غير موضعه اللائق به؛ ألا ترى أن الله سبحانه وصف قوم لوط بالإسراف لوضعهم البذر في غير المحرث، فقال: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) الأعراف/81، ووصف فرعون بالإسراف بقوله: (إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) الدخان/آية31
ثم قال:
(ويستفاد من بعض الأخبار أن الإسراف على ضربين: حرام، ومكروه.
فالأول: مثل إتلاف مال ونحوه فيما فوق المتعارف.
والثاني: إتلاف شيء ذي نفع بلا غرض، ومنه إهراق ما بقي من شرب ماء الفرات ونحوها خارج الماء) انتهى من: الفروق اللغوية، ص (114-115) .
وانظر أيضا: وقال في "فيض القدير" (1/50) ، الموسوعة الفقهية الكويتية (4/176)
ومن صور الإسراف: أن يشتري الإنسان شيئا للزينة بمئات الريالات، لأن الزينة مشروعة، لكن دفع المال الكثير فيه إسراف مذموم.
ومن صور التبذير: شراء شيء لا قيمة له، أو لا بقاء له، بمبالغ كبيرة.
وهذا ـ كالذي قبله ـ داخل في إضاعة المال التي نهى عنها الشرع: (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ) رواه البخاري (1477) ومسلم (593) .
والمهم أن يحذر الإنسان من الأمرين، وأن يعلم أن المال نعمة ينبغي المحافظة عليها، وأنه مسئول غدا عن هذا المال: (مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ) ، كما في سنن الترمذي (2416) ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله السلامة بمنه وكرمه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1738)
الخصم من أجرة الموظف بسبب أخطائه
[السُّؤَالُ]
ـ[نعمل في شركة تقوم بعقاب موظفيها في حال الخطأ بالخصم من المرتب يوما أو يومين، وذلك لا يستند إلى قانون معين في الخصميات، حيث يتم الخصم وفقاً لما يراه المدير المباشر، ولكم يحترق في صدورنا أن يخصم من مرتباتنا على أخطاء قد تكون سهلة جدّاً، فهل يصح منا إذا قمنا بإهدار وقت العمل في أشغالنا الخاصة بمقدار ما خصم منا ظلماً؟ وهل يحق لهم أكل جهدنا، علما بأنه لم يكن متفقا عليه وقت التعاقد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الموظف في القطاع العام أو الخاص هو " الأجير الخاص " في مصطلحات الفقه الإسلامي، والأجير الخاص هو الذي يتم التعاقد معه على أن يعمل مدة معينة عند المستأجر، وهذا هو الواقع في الوظائف الآن، حيث يتم الاتفاق على ساعات عمل محددة كل يوم.
وقد بين الفقهاء الأحكام الفقهية المتعلقة بالأجير الخاص في كتبهم المطولة.
ومن ذلك: أن الأجير الخاص لا يستحق الأجرة المتفق عليها (الراتب) إلا إذا أتم ما يطلب منه من الأعمال المتفق عليها في العقد.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (1 / 292) :
" وربّ العمل ملتزم بالوفاء بأجر العامل بتسليم نفسه، بشرط ألاّ يمتنع عمّا يطلب منه من عمل، فإن امتنع بغير حقّ: فلا يستحقّ الأجر، بغير خلاف في هذا " انتهى.
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 153) :
" الواجب على من وكل إليه عمل يتقاضى في مقابله راتبا أن يؤدي العمل على الوجه المطلوب، فإن أخل بذلك من غير عذر شرعي لم يحل له ما يتقاضاه من الراتب " انتهى.
ثانياً:
إذا أخطأ الأجير الخاص أو أتلف شيئاً (كآلة من الآلات التي يعمل بها) هل يضمن ذلك ويغرم قيمته أم لا؟
الجواب: لا يخلو ذلك من حالين:
الأولى: أن يكون ذلك باعتداء منه أو تقصير، كما لو استعمل الآلات والأجهزة استعمالاً خاطئاً فأدى إلى تلفها أو حَمَّلها ما لا تطيق، أو لم يقم بالعمل على وجهه، أو أهمل في العمل....إلخ ففي هذه الحالة يضمن ما أتلفه من غير اختلاف بين الفقهاء، وللمستأجر أن يخصم قيمة ما أتلفه من راتبه.
الحالة الثانية: أن يحصل هذا التلف من غير اعتداء منه أو تقصير، فهذا مما اختلف فيه العلماء، والذي عليه أكثرهم أنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو قصَّر، وذهب آخرون (كالإمام الشافعي في أحد قوليه) إلى أنه يضمن.
وانظر: "تكملة المجموع" (15/354) ، " الموسوعة الفقهية " (1 / 290) .
والمسألة من مسائل الاجتهاد، فإذا أخذ صاحب العمل سواء كان فردا أو مؤسسة بالقول الذي فيه تضمين الأجير، فلا ينكر عليه، على أن يقدر لكل خطأ قدره من الخصم من غير ظلم أو إجحاف، فإذا اختلف صاحب العمل والأجير في تحديد ذلك، فالمرجع في الفصل بينهم إلى القاضي الشرعي.
أما إذا أخطأ الموظف خطأ لم يترتب عليه إتلاف أموال أو ضياعها، كما لو تأخر في القدوم إلى العمل، أو تغيب من غير عذر....إلخ فهل لصاحب العمل أن يخصم شيئاً من راتبه مقابل ذلك أم لا؟
الجواب: نعم، له ذلك، وبعض هذه الخصومات يكون منصوصاً عليها في العقد أو في اللوائح الداخلية للشركة، ثم هي مما جرى عليه عمل الناس، والموظف يعمل في الشركة ويعلم أنه إذا قصَّر في العمل أو خالف أنظمة الشركة سوف يتعرض للعقاب، ومنه: الخصم من الراتب، فهذا وإن لم يكن منصوصاً عليه في العقد إلا أنه معروف، وجرى عليه عمل الناس.
لكن الواجب على صاحب العمل أو المدير أن يتحرى العدل، ويجتنب الظلم، فيكون الخصم بمقدار التقصير والخطأ، ولا يبالغ في ذلك.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
عندما أقوم بفصل مشرفة أو عاملة من العمل أو أقسو عليها من الخصم لكي تصلح حالها فهل هذا حرام؟
فأجابوا:
" الخصم على الموظف أو الموظفة أو الفصل من العمل لا يجوز إلا في حدود النظام الذي وضعه ولي الأمر " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (23 / 410) .
ثالثاً:
وأنت – أخي الكريم – قد وقعت في بعض الأخطاء كما ذكرت في السؤال، فإن وجدت أن الخصم كان أكبر من الخطأ، أو أنه خطأ يسير غير معتبر لا يقع الخصم على مثله في الشركات الأخرى، فليس أمامك إلا الشكوى للمسؤولين في الشركة وبيان وجهة نظرك، فإن أصروا ولم تقتنع أنت بحجتهم فالجأ إلى المحكمة الشرعية التي تفصل بينكم بالحق إن شاء الله.
أما أن تسول لك نفسك تعمد التغيب أو التأخر أو التقصير في العمل، أو استرداد ما خصم بالطرق غير المشروعة – كما يقوم به بعض الموظفين - لاسترداد الحق المختلف عليه بينكم: فليس ذلك سبيل المؤمنين، ولا يجوز فعله، لأن استرداد الحقوق المتنازع عليها لا يفصل فيه إلا القضاء، وليس المرجع فيه أهواء الناس وأحكامهم لأنفسهم.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل الذي يسرق أو يأخذ بغير إذن من محل شركة وطنية في حق نقصان أجرته تعتبرسرقة وحراما؟
فأجابوا:
" نعم، يعتبر حراماً، وإذا كان له حق واضح فليطالب به أمام السلطات " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (19 / 221) .
وفي " فتاوى اللجنة " أيضاً: (15 / 123) سئلوا عن عامل ظلمه صاحب العمل فخص عليه من الراتب، فكان الجواب:
" وإذا حصل بينك وبينه خلاف: فعليك بمراجعة المحكمة الشرعية للنظر في قضيتكما، ولا يجوز لك الأخذ من ماله بغير إذنه وعلمه " انتهى.
وقالوا أيضا (15 / 144) :
" لا يجوز لك أن تأخذ من صاحب العمل ما يعادل ما تبقى لك من الأجرة بدون علمه، ولكن لك الحق بأن تطالبه بما تبقى بالطرق المشروعة، ولو بالمرافعة إلى المحاكم " انتهى.
كما سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في " فتاوى نور على الدرب " (شريط رقم: 410) السؤال التالي:
إنه شاب كان يعمل بشركة من الشركات، ولكن فوجئت بأن الشركة قد خصمت عليّ أشياء بدون وجه حق، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى قدمت أعمالاً أستحق عليها المكافأة ولم يعطوني إياها، فاضطررت إلى أن أعمل ما يلي: عندما كنت أشتري أشياء للشركة كنت أحصل على خصم كبير من أصحاب المحلات، ولكن هذا بيني وبين أصحاب المحلات، وكنت آخذ الخصم في جيبي الفاتورة بمائة جنيه آخذ خمسة وعشرين جنيه والفاتورة تكتب بمائة؛ مع العلم أن الأسعار بالفاتورة مثل المحلات الخارجية أي: أن قيمة الفاتورة لا تزيد عن سعرها الطبيعي ولكن الذي يحدث هو زيادة الخصم لكثرة الشراء ولا يكتب الخصم بالفاتورة؟ وجهونا في ضوء ذلك.
فأجاب رحمه الله:
" الواجب عليك أن تحاسبهم وتخاصمهم حتى يكون الأمر بَيِّنًا، قد تكون متساهلا فيما تدعي حقا لك، فالواجب عليك أن تكون المسألة بينك وبينهم من جهة الصلح، بواسطة المصلحين أو بواسطة المحكمة، أو بينك وبينهم، هذا الواجب عليك حتى لا تأخذ إلا حقك " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1739)
علاقة الذنوب والمعاصي والأخلاق بالعقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الوقوع في الذنوب دليل على فساد في العقيدة أو شبهة في العقيدة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأخلاق الحسنة – وهي التي تكون في ذاتها طاعة، أو تؤدي إلى طاعة - من الدِّين، بل هي الدِّين، وقد أثنى الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه على خُلُق عظيم، وفسر ابنُ عباس الخلق هنا بالإسلام.
قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم/4.
قال ابن عباس رضي الله عنهما:
أي: " إنك على دين عظيم، وهو الإسلام ". رواه الطبري في " تفسيره " (12 / 179) .
فالصحيح أنه لا انفكاك للخلُق عن الدِّين، قال الفيروزآبادي في كتابه " بصائر ذوي التمييز " (2 / 568) : واعلم أن الدين كلّه خلُق، فمن زاد عليك في الخلُق زاد عليك في الدِّين. انتهى.
ومما لا شك فيه أن للعقيدة ارتباطاً وثيقاً بالسلوك والأخلاق، سلباً وإيجاباً، ويتبين ذلك من خلال أمور، منها:
1. أن المسلم الذي يعتقد أن الله تعالى يسمعه ويبصره ويطلع على سريرته، ويقوى هذا الجانب فيه لا يصدر منه من الأخلاق والأفعال ما يفعله من ضعف اعتقاده في هذه الأمور.
ومما يدل على ذلك:
أ. قوله تعالى (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء/128.
ب. وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء/135.
ج. وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء/58.
2. ومنها: أن المسلم الذي يؤمن بوعد الله تعالى ووعيده يدفعه اعتقاده ذاك للقيام بما هو محبوب لله تعالى، والابتعاد عن كل ما هو مبغوض له عز وجل.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) . رواه الترمذي (1162) وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ وأبو داود (4682) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومن المعلوم أن أحبَّ خلقه إليه المؤمنون، فإذا كان أكملهم إيمانا أحسنهم خلقا: كان أعظمهم محبة له أحسنهم خلقا، والخُلُق الدين كما قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى? خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، قال ابن عباس: على دين عظيم، وبذلك فسره سفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، كما قد بيَّناه في غير هذا الموضع. " الاستقامة " (ص 442) .
وقال المباركفوري – رحمه الله -:
قوله: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً) بضم اللام ويسكن؛ لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان.
" تحفة الأحوذي " (4 / 273) .
3. ومنها: أن قوة الإيمان تدفع للقيام بالأعمال الصالحة، وتمنع من التدنس برجس المعاصي والآثام.
ومما يدل على ذلك:
أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) .
رواه البخاري (2334) ومسلم (57) .
ب. عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ) .
رواه البخاري (5670) .
ج. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الإِيمَانِ) .
رواه البخاري (24) ومسلم (36) .
قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رحمه الله: الإِيمَانُ يَبْدُو فِي الْقَلْبِ ضَعِيفًا ضَئِيلا كَالْبَقْلَةِ ; فَإِنْ صَاحِبُهُ تَعَاهَدَهُ فَسَقَاهُ بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَأَمَاطَ عَنْهُ الدَّغَلَ وَمَا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَنْمُوَ أَوْ يَزْدَادَ وَيَصِيرَ لَهُ أَصْلٌ وَفُرُوعٌ وَثَمَرَةٌ وَظَلَّ إلَى مَا لا يَتَنَاهَى، حَتَّى يَصِيرَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ. وَإِنْ صَاحِبَهُ أَهْمَلَهُ وَلَمْ يَتَعَاهَدْهُ جَاءَهُ عَنْزٌ فَنَتَفَتْهَا، أَوْ صَبِيٌّ فَذَهَبَ بِهَا، وَأَكْثَرَ عَلَيْهَا الدَغَلَ فَأَضْعَفَهَا، أَوْ أَهْلَكَهَا أَوْ أَيْبَسَهَا؛ كَذَلِكَ الإِيمَانُ!!
وَقَالَ خيثمة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الإِيمَانُ يَسْمَنُ فِي الْخِصْبِ وَيَهْزُلُ فِي الْجَدْبِ؛ فَخِصْبُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَجَدْبُهُ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي!! [نقله ابن تيمية في كتاب "الإيمان" ص (213) ]
4. ومنها: أن الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره يمنع من أخلاق سيئة كثيرة، ومعاصي توعد الشرع عليها أشد الوعيد، كالتسخط، وشق الثياب، وتمزيق الشعر، والنياحة، كما أن هذا الإيمان يدعو صاحبه للتحلى بفضائل الأخلاق ومعاليها، كالصبر، والرضا، والاحتساب.
عَنْ صُهَيْبٍ الرومي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) . رواه مسلم (2999) .
وفي سنن أبي داود (4700) : قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ!!
قَالَ: رَبِّ، وَمَاذَا أَكْتُبُ؟!!
قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ!!)
يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي!!) صححه الألباني.
5. ومنها: أن الشرع حث على كثيرٍ من الطاعات مؤكدا عليها بارتباطها بالإيمان بالله واليوم الآخر، وحرَّم معاصٍ وموبقات مذكِّراً بالإيمان بالله واليوم الآخر.
ومما يدل على ذلك:
أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) .
رواه البخاري (5672) ومسلم (47) .
ب. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلاثِ لَيَالٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) .
رواه البخاري (1036) ومسلم (1338) – واللفظ له -.
ج. عَن أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) .
رواه البخاري (1221) ومسلم (1486) .
6. ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن في سنَّته أن فساد الاعتقاد – كالنفاق – يؤدي إلى فساد الأخلاق والأعمال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) .
رواه البخاري (33) ومسلم (59) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (المخالفون لأهل الحديث هم مظنة فساد الأعمال؛ إما عن سوء عقيدة ونفاق، وإما عن مرض في القلب وضعف إيمان؛ ففيهم من ترك الواجبات واعتداء الحدود والاستخفاف بالحقوق وقسوة القلب ما هو ظاهر لكل أحد، وعامة شيوخهم يُرمون بالعظائم، وإن كان فيهم من هو معروف بزهد وعبادة، ففي زهد بعض العامة من أهل السنة وعبادته ما هو أرجح مما هو فيه!!
ومن المعلوم أن العلم أصل العمل، وصحة الأصول توجب صحة الفروع، والرجل لا يصدر عنه فساد العمل إلا لشيئين: إما الحاجة وإما الجهل؛ فأما العالم بقبح الشيء الغني عنه فلا يفعله؛ اللهم إلا من غلب هواه عقله، واستولت عليه المعاصي، فذاك لون آخر وضرب ثان!!) مجموع الفتاوى (4/ 53) .
نسأل الله تعالى أن يصلح شأننا كله، وأن يهدينا لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1740)
بين النفاق والمداراة
[السُّؤَالُ]
ـ[1. أود معرفة الخط الفاصل بين النفاق والمجاملة؛ ذلك أني ألمس في الكثير من الأحيان ازدواجية في سلوك الناس وتصرفاتهم تبعا للمصلحة والأهواء، ويقال: إن الأمر مجرد مجاملة فهل هذا صحيح؟
2. وهل يمكن أن يشوب الصداقة الحقة بعض النفاق؛ ذلك أن لي صديقة لم تحمل لي من الود ما كنت اعتقده، كانت لها مكانة في قلبي لا ينازعها عليها أحد، واكتشفت أخيرا أن مكانتي لديها لا تساوي شيئا مطلقا، وسلوكها معي لسنوات تحكمه الأقنعة الزائفة، كنت أعتقد، وكان الكل يجزم قطعا، أن الصداقة بيننا قوية، وإلى الآن لست أدري كيف لي أن أتبرأ من هذه الصداقة بعد أن علمت بحقيقتها.
3. فهل سلوك هذه الصديقة يعد نفاقا؟
4. وما جزاء نفاق الأصدقاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كثيراً ما يخلط بعض الناس بين مفاهيم النفاق والمداراة والمداهنة، وسبب ذلك غياب معاني الأخوة والصحبة الصادقة في الذهن والواقع، فلم تعد قلوبهم تفرق بين الحق والباطل، وبين الإحسان والإساءة.
أولاً:
إذا أُطلق لفظ النفاق فإنه يستوحي معانيَ الشر كلها، ولم يكن النفاق يوما محمودا ولو من وجه ما، ويعرِّفُه علماء السلوك بأنه إظهار الخير للتوصل إلى الشر المضمر.
فالمنافق لا يبتغي الخير أبدا، وإنما يسعى للإضرار بالناس وخيانتهم وجلب الشر لهم، ويتوصل إلى ذلك بإظهار الخير والصلاح، ويلبَسُ لَبوس الحب والمودة.
يقول سبحانه وتعالى في التحذير من صحبة المنافقين:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ. هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) آل عمران/118-119.
وهكذا كل من يصاحب الناس فيظهرُ لهم الخير والمودة، وفي حقيقة أمره إنما يسعى في أذاهم، ويتمنى النيل منهم، ويطلبُ الشرَّ لهم.
ثانياً:
أما المُدَارِي (وهو المُجَامِلُ أيضا) فلا يُضمِرُ الشر لأحد، ولا يسعى في أذية أحد في ظاهر ولا في باطن، ولكنه قد يظهر المحبة والمودة والبِشر وحسن المعاملة ليتألف قلب صاحب الخلق السيء، أو ليدفع أذاه عنه وعن غيره من الناس، ولكن دون أن يوافقه على باطله، أو يعاونَه عليه بالقول أو بالفعل.
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -:
وقيل لابن عقيل في فنونه: أسمع وصية الله عز وجل (ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ، وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقا , فكيف لي بطاعة الله تعالى والتخلص من النفاق؟ .
فقال ابن عقيل: " النفاق هو: إظهار الجميل , وإبطان القبيح , وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر, والذي تضمنتْه الآية: إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن ".
فخرج من هذه الجملة أن النفاق إبطان الشر وإظهار الخير لإيقاع الشر المضمر، ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر: فليس بمنافق، لكنه يستصلح، ألا تسمع إلى قوله سبحانه وتعالى (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ، فهذا اكتساب استمالة , ودفع عداوة , وإطفاء لنيران الحقائد , واستنماء الود، وإصلاح العقائد , فهذا طب المودات، واكتساب الرجال. " الآداب الشرعية " (1 / 50، 51) .
ولذلك كانت المداراة من الأخلاق الحسنة الفاضلة، وذكر العلماء فيها من الآثار والأقوال الشيء الكثير.
قال ابن بطال رحمه الله: المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة. "
فتح الباري " (10 / 528)
وقد أنشأ البخاري رحمه الله في صحيحه بابا بعنوان: (باب المداراة مع الناس) وقال فيه:
" ويُذكَرُ عن أبي الدرداء: إِنَّا لنُكَشِّرُ في وجوهِ أقوامٍ وإنَّ قُلوبَنا لَتَلعَنُهُم ".
ومعنى " لنكشر ": من الكشر، وهو ظهور الأسنان، وأكثر ما يكون عند الضحك، وهو المراد هنا.
وأسند في هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها:
(أَنَّهُ استَأذَنَ عَلَى النّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: ائذَنُوا لَهُ فَبِئسَ ابنُ العَشِيرَةِ أَو بِئسَ أَخُو العَشِيرَةِ. فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الكَلَامَ. فَقُلتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قُلتَ مَا قُلتَ ثُمَّ أَلَنتَ لَهُ فِي القَولِ؟ فَقَالَ: أَيْ عَائِشَةُ! إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنزِلَةً عِندَ اللَّهِ مَن تَرَكَهُ أَو وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحشِهِ)
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -:
وقول أبي الدرداء هذا ليس فيه موافقة على محرَّم، ولا في كلام , وإنما فيه طلاقة الوجه خاصة للمصلحة وهو معنى ما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها: يَا عَائِشَةُ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ النَّاسُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ.
قَالَ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " وَغَيْرِهِ: " فيه مداراة من يتقى فحشه، ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثنى عليه في وجهه، ولا في قفاه، إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام ".
وقد ذكر ابن عبد البر كلام أبي الدرداء في فضل حسن الخلق.
" الآداب الشرعية " (1 / 50) .
وقد كتب أهل العلم فصولا في " المداراة " حتى أفرد ابن أبي الدنيا جزءً بعنوان " مداراة الناس "، وكان مما أسنده فيه في (ص / 48 و 50) :
عن حميد بن هلال قال: أدركتُ الناس يَعُدُّون المداراة صدقة تُخرج فيما بينهم.
وعن الحسن قال: التودد إلى الناس نصف العقل ". انتهى.
وقال حنبل إنه سمع أبا عبد الله – أي: أحمد بن حنبل - يقول:
والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق، وأمر بمعروف بلا غلظة، إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه.
" الآداب الشرعية " (1 / 191) .
وسئل الشيخ ابن باز - رحمه الله -:
في بعض الظروف تقتضي المجاملة بأن لا نقول الحقيقة، فهل يعتبر هذا نوعا من الكذب؟
فأجاب:
هذا فيه تفصيل: فإن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل: لم تجز هذه المجاملة، أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل، إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال، ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد، ولا إسقاط حق لأحد: فلا أعلم حرجاً في ذلك.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 280) .
ثالثاً:
ومن المهم أيضا التفريق بين المداراة المحمودة، وبين المداهنة المذمومة، فقد يخلط الناس بينهما في حمأة اختلاط المفاهيم والأخلاق في هذه الأزمان.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغَلِطَ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها، والمداهنةَ محرَّمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها: معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة: هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وتركُ الإغلاظِ عليه حيث لا يُظهِر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك.
" فتح الباري " (10 / 528) .
رابعاً:
كثير من الأصحاب والأصدقاء – ويكثر ذلك في معشر النساء - يخطؤون في فهم الوجه الصحيح لصحبتهم، فينحون نحو المغالاة الظاهرة التي تدفعهم إلى التعلق الشديد، في حين يكون الطرف المقابل لا يرى كل تلك المعاني المبالغة، بل يقصد صحبة طيبة متزنة اقتضاها الحال والمقام، وحينئذ يصدم من كان يُعَلِّقُ على تلك الصحبة آمالا لا تكاد تحملها الجبال، فنحن بحاجة إلى ترشيد المودة التي قد تأسر قلوبنا تجاه أناس نحبهم، كي لا نُفاجأ يوما، فنظن قصورا من المعاني هدمت، وهي لم تكن مبنيةً يوما.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لا يكن حُبُّكَ كَلَفًا ولا بغضك تَلَفًا ".
وفي المقابل نحن بحاجة إلى تعميق معاني الأخوة، الأخوة التي تقتضي الوفاء والصدق والإخلاص، وترفع التكلف والمجاملة والمداراة. وقديما قالوا: " إِذَا صَحَّتِ المَوَدَّةُ سَقَطَ التَّكَلُّفُ "
جاء في " لسان العرب " (11 / 123) :
" وجامَل الرجلَ مُجامَلةً: لم يُصْفِهِ الإِخاءَ، وماسَحَه بالجَمِيل " انتهى.
ولا شك أن مثل هذه المجاملة مذمومة، إذ ليس لها محل في سياق الأخوة والصحبة الصالحة، وإن وقعت المجاملة أحيانا بين الأصحاب فإنما تكون بحسب المقام فقط، درءا لفتنة أو حفظا لمودة، أما أن تكون المجاملة شعار تلك الصداقة، فذلك تشويه لجميع معاني الأخوة الصادقة.
قال علي رضي الله عنه: شر الأصدقاء من تكلف لك، ومن أحوجك إلى مداراة، وألجأك إلى اعتذار.
وقيل لبعضهم: من نصحب؟ قال: من يرفع عنك ثقل التكلف، وتسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ.
وكان جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما يقول: أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه. " إحياء علوم الدين " (2 / 181) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1741)
هل عليه إثم إذا اقترض لغيره ولم يسدد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا شخص أخذ دينا باسمي ولكن الدين ليس لي بل له هل على شيء إذا لم يسدد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يفهم من سؤالك أنك تريد أخذ قرض باسمك، ليستفيد منه شخص آخر، وهذا الشخص قد يسدد وقد لا يسدد، وفي هذه الحالة أنت المطالب شرعا بسداد القرض لأنك أخذته في الظاهر لك، والمقرض إنما أعطى القرض على أنه لك.
وإذا علمت من حال المقترض أنه لن يسدد فلا ينبغي لك أن تعينه على هذا القرض، لأنه بذلك ظالم معتدٍ، معرض نفسه للعقوبة الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) رواه البخاري (2387) .
إلا إذا قصدت السداد عنه إذا امتنع من السداد، فلا حرج في ذلك، وتكون قصدت الإحسان إليه بهذا المال.
والحاصل: أن القرض مادام باسمك، فأنت المسئول شرعاً عن أدائه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1742)
حكم إمامة المدين في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمن عليه الدين أن يؤم بالناس في الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز لمن عليه دين أن يؤم الناس في الصلاة، إذا كان صالحا للإمامة؛ لعدم الدليل على منع أو كراهة إمامة المدين، إلا إذا كان مدينا مماطلا، يستطيع سداد الدين، لكنه يؤخره ويتهرب ويراوغ، فإنه محكوم بفسقه، وفي إمامة الفاسق خلاف.
والدليل على تحريم المطل: قوله صلى الله عليه وسلم: (لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ) رواه النسائي (4689) وأبوداود (3628) وابن ماجه (2427) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
واللي: هو الامتناع والمماطلة في سداد الدين، والمقصود بحل عرضه: أن يقال: مطلني فلان، أو يا ظالم يا معتدي، وعقوبته: حبسه.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) رواه البخاري (2287) ومسلم (1564) .
قال الشوكاني رحمه الله: " وقد اختلف هل المطل مع الغنى كبيرة أم لا؟ وقد ذهب الجمهور إلى أنه موجب للفسق واختلفوا هل يفسق بمرة أو يشترط التكرار؟ وهل يعتبر الطلب من المستحق أم لا؟ " انتهى من "نيل الأوطار" (5/282) .
وممن عده من الكبائر: ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر " (1/414) .
ومن الفقهاء من نص على أن المماطل ترد شهادته، كما في "الشرح الكبير على متن خليل" (4/181)
ثانيا:
سبق في جواب السؤال رقم (13465) بيان اختلاف العلماء في صحة إمامة الفاسق، غير أنهم اتفقوا على كراهة الصلاة خلفه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق، لكن اختلفوا في صحتها فقيل: لا تصح، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما. وقيل: بل تصح كقول أبي حنيفة والشافعي والرواية الأخرى عنهما، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/309) .
والحاصل: أن الرجل إذا كان فقيراً ليس عنده ما يقضي به الدَّين فلا يقدح ذلك في دينه ولا عدالته ولا يصح أن يكون ذلك سبباً لمنعه من الإمامة في الصلاة.
أما إذا كان قادراً على سداد الدَّين ولكنه يؤخر سداده بلا عذر ويماطل فإنه لا ينبغي أن يتولى إمامة المسلمين في الصلاة.
وانظر جواب السؤال رقم (47884)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1743)
ترغب بالزواج من شخص ووالدها غير موافق فهل تخالفه وتتزوج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عربية مسلمة أبلغ من العمر 28 سنة، بدأت العمل في إحدى الإدارات الحكومية منذ 6 أشهر، تعرفت على شاب في أوروبا وهو على خلق كبير ويريد الزواج مني بشرط أن أذهب معه إلى مكان إقامته، لكن أبي يقول بأن لدي مستقبلا كبيراً في عملي، وأنا أرى أن المرأة عملها في البيت أن تهتم بأطفالها، ما حكم الشرع إذا خالفتُ رأي أبي، وأنا متأكدة أن الشاب مسلم وعلى خلق، وهو أيضا من نفس البلد الذي أعيش فيه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن من أعظم نعَم الله على الفتاة في هذا الزمان المليء بالفتن أن تُرزق بزوج صالح مستقيم في دينه، يرعى حقوق ربه وحقوق زوجته، والمرأة العاقلة المستقيمة إن تقدَّم لها من يرتضى دينه وخلقه لا ترفضه بحجة دراستها أو وظيفتها؛ لأنها إن رفضت الزواج في هذا السن وتقدم بها العمر، فسوف تتنازل عند الزواج عن كثير مما كانت تحرص عليه، حينما كانت صغيرة مرغوبة لكل خاطب.
ثانياً:
أما عن مخالفة الوالد في شأن الزواج أو عدمه أو في اختيار الزوج: ففيه تفصيل:
فإن كان للأب في معارضته سبب شرعي: فإنه يجب أن يطاع ولا يعصى وتكون معصيته ومخالفة أمره من العقوق الذي هو من كبائر الذنوب.
وإن كان السبب في المعارضة دنيويّاً أو اجتماعيّاً مخالفاً للدين ولمقاصد الشرع: فإنه لا إثم في مخالفته مع الحرص الشديد على رضاه وإقناعه.
مع التنبيه الشديد على ضرورة الاستجابة لرغبة الأب العاقل؛ لأنه أدرى بمصلحة ابنته منها، وأنت إن يسَّر الله لك الزواج ستكونين أمّاً، فكيف سيكون شعورك لو أن رجلاً تقدَّم لابنتك راغبا الزواج بها ورأيتِ أنت وزوجك عدم صلاحيته للزواج من ابنتك؟ وهل سترضين بمخالفة ابنتكِ لكِ ولأبيها؟!
وقد يرى الأب لابنته أحياناً ألاّ تتغرب بعد زواجها وأن تبقى قريبة منه، وذلك لمظنة أن تظلم أو يهضم حقها في حال بعدها عن أهلها وعيشها مع الزوج في الغربة، وهذا الحكم مبني على واقع وخبرة في الحياة ولا شك.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
فقد يخيل إليها أن هذا الشخص يصلح لها في حين أنه لا يصلح، فليس لها أن تخالف أباها ما دام أنه ينظر في مصلحتها.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 242) .
وقلنا في جواب السؤال (6398) :
الأهل هم الأقدر – عادة وغالباً – على تحديد الأفضل لابنتهم ومن يصلح للزواج منها؛ لأن الغالب على البنت هو قلة العلم وقلة الخبرة بالحياة وما يصلح فيها وقد تخدع ببعض الكلمات فتحكم عاطفتها دون عقلها.
لذلك فإن على البنت أن لا تخرج عن رأي أهلها إن عُرف عنهم الدين والعقل.
انتهى
وانظري جواب السؤال رقم (20162) لتقفي على قصة بعض النساء اللاتي خالفن رأي أهلهن وتزوجن بمن يرغبن.
ثالثاً:
: لا بد للمرأة من ولي يزوجها ويباشر عقد النكاح، وهو من أركان العقد الشرعي، ولا يحل للمرأة أن تزوِّج نفسها بغير ولي شرعي، فإن خالفت فالعقد باطل ولا يأخذ صفة عقد النكاح الشرعي الحلال؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (أًيُّمَا امْرَأةٍ نَكَحَت بِغَيْرِ إِذْنِ وَليِّهَا فَنِكاحُها بَاطِلٌ فَنكاحُها بَاطِل فنكاحها باطل ... " الحديث، رواه الترمذي (1102) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وانظري جواب الأسئلة: و (7989) .
رابعاً:
لا يجوز العيش والسكنى في بلاد الشرك والكفر إلا لعذر شرعي ليس فيه إقامة، كعلاج، وتجارة، ودعوة، وما شابه ذلك من الأمور التي لا بد منها، أما أن يعيش في بلادهم ويستقر بينهم فذلك لا يحل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُر المُشْرِكِينَ " رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
خامساً:
وننبه على شيئين وردا في سؤالك، وهما: عملكِ، وتعرفكِ على الشاب الذي يرغب بالزواج منكِ:
أما عمل المرأة فلا شك أن ما ذكرتيه من كون الأصل في عمل المرأة هو أن يكون في بيتها لرعاية حق زوجها وأبنائها، ولكن إن كانت المرأة تعمل خارج بيتها: فلا بدَّ أن يخلو عملها من طبيعة محرَّمة ومن بيئة غير شرعية، فإن كان عملها في بنك ربوي أو مؤسسة تأمين أو محل يقدم المنكرات أو يبيعها: فلا يحل لها العمل فيه.
وإن كانت طبيعة العمل مباحة لكن بيئته ليست كذلك كأن يكون فيه اختلاط غير منضبط مع الرجال، ويفتح باب التعامل معهم، والتعارف عليهم: فلا يجوز لها العمل فيه.
وأما تعرفكِ على الشاب: فإن كان عن طريق محرَّم كالمراسلة أو المحادثة أو ما يسمى برامج التعارف بين الجنسين: فإن هذا يستوجب عليك التوبة والاستغفار؛ لأن محادثة الأجنبي ومراسلته لا تحل لامرأة أجنبية عنه، وهذا سبب موجب لمنعه من التزوج بك.
وقد بيَّنا حكم هذا الفعل في فتاوى متعددة، فانظري أجوبة الأسئلة: (78375)
والخلاصة فيما يتعلق بمشكلتك هذه أنه لا ينبغي لك التعجل في أمر هذا الزواج الذي لا يريده وليك، فإن رأيت أنه ليس لرفض والدك سبب شرعي مقبول، فاجتهدي في إقناعه بالقبول، عن طريق والدتك أو من له رأي عند أبيك من أهلك وأقاربك، لا سيما وأن سنك قد بدأت في الزحف نحو الثلاثين، وهو أمر يوجب على وليك أن يكون همه الأول اختيار الزوج المناسب لك، وليس الوظيفة المناسبة.
وأسأل الله العلي القدير أن يختار لك الخير في أمر دينك ودنياك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1744)
نصحه ولم يستجب فهل يقاطعه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم، ولي أخ في الله أحبه فيه، رأيته عند إشارة المرور صدفة وقد ارتفع صوت الأغاني من سيارته، فناصحته بطريقة مباشرة دون أن أذكر له أني رأيته، فأبدى اعتذاره وتوبته، وقام - كما يقول - بإزالة الأغاني من سيارته ومن جهاز الحاسب كذلك ولله الحمد، ولكن بعد أيام أراه يشارك في بعض المنتديات بمشاركة ماجنة ويكتب اسم الأغنية، وقد عرفته بلقبه الذي يكنى به ورمزه، كما أنه في بعض الأحيان يصرح بمحادثته في الإنترنت لقريبات له لسن محارم له.
فهل لي أن أقاطعه، أو أجاريه على ظاهره، علماً بأن النصيحة يقابلها بالقبول دون أن يعمل بها، وعلما بأن ظاهره الالتزام، وقد عرفه أصحابه بذلك، إلا أني أعلم عنه ما لا يعرفون؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يعصي الله تعالى إما أن يكون مظهراً لمعصيته أو يكون مستتراً بها، فإن كان مظهراً لها فإنه يُهجر ـ ولو طالت المدة ـ إن كان الهجر يردعه عن معصيته، أو يحمله على التقلل منها.
وإن كان مستتراً بها وقدِّر لك أن تراها فيُنكر عليه سرّاً ويُنصح ويُستر عليه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) متفق عليه.
ورأى محمد بن المنكدر رجلا واقفا مع امرأة يكلمها، فقال: (إن الله يراكما، سترنا الله وإياكما!!) .
وفي مثل هذه الحالة يشرع لك أيضا أن تهجره وحدك، إن كان ذلك الهجر يؤثر فيه، ولا يترتب عليه مفسدة أكبر؛ كأن يجاهر بالمعصية، بعدما كان مستترا بها، أو يزيد منها بعد إقلال، أو أن يفعل معصية أخرى هي أشد مما هجرته من أجله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فمن أظهر المنكر وجب عليه الإنكار وأن يهجر ويذم على ذلك، فهذا معنى قولهم " من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له "، بخلاف من كان مستتراً بذنبه مستخفياً فإن هذا يُستر عليه، لكن ينصح سرّاً، ويَهجره مَن عرف حاله حتى يتوب ويَذكر أمره على وجه النصيحة.
" مجموع الفتاوى " (28 / 220) .
وبوَّب البخاري رحمه الله على حديث كعب بن مالك وقصة تخلفه عن تبوك بقوله:
" قوله باب ما يجوز من الهجران لمن عصى ".
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
" قوله باب ما يجوز من الهجران لمن عصى ": أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز؛ لأن عموم النهي مخصوص بمن لم يكن لهجره سبب مشروع، فتبين هنا السبب المسوِّغ للهجر وهو لمن صدرت منه معصية، فيسوغ لمن اطَّلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها.
" فتح الباري " (10 / 497) .
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ قَرِيبًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ قَالَ: فَنَهَاهُ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْخَذْفِ، وَقَالَ: إِنَّهَا لا تَصِيدُ صَيْدًا وَلا تَنْكَأُ عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ، قَالَ: فَعَادَ، فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ لا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا. رواه البخاري (5162) ومسلم (1954) .
قال النووي – رحمه الله -:
فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنَّة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائماً، والنهى عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له، كحديث كعب بن مالك، وغيره. " شرح مسلم " (13 / 106) .
فالواجب عليك ـ أخي الكريم ـ تجاه صاحبك النصح والتذكير والوعظ والتخويف بالآخرة، فإن استجاب فالحمد لله ولك أجره، وإن استمر على معصيته مستتراً متخفيّاً، فإنه يستحق الهجر منك إن رأيتَ أن هجره أنفع له، فإن لم يكن هجرك نافعاً له فلا نرى لك هجره، بل نرى مداومة مصاحبتك له عسى أن ينتفع بذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم؛ فان المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فان كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضى هجره إلى ضعف الشر وخفيته: كان مشروعا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته: لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر.
والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين. " مجموع الفتاوى " (28 / 206) .
وننبهك ـ أخيرا ـ إلى أنه من الممكن أن تنصحه وتدله على الخير، من غير أن تواجهه بما فعل، وبخصوص مشاركاته في المنتديات، فمن الممكن أيضا أن تنصحه، وتكتب له مشاركة، أو ترسل له على بريده، إن أمكنك، من غير أن تعرفه بشخصك، إن كان ذلك يقلل من مجاهرته بالمعصية، وارتكابه لها.
هدانا الله وإياك لما يحبه ويرضى، وجعلنا جميعا مفاتيح للخير، مغاليق للشر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1745)
زوجها ضربها وأخذ مالها فهل تدعو عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت منذ 43 عاماً، وزوجي لم يكن عنده أي طموح، وكنت دائماً أعمل معه، وكان عصبيّاً، ويضربني ضرباً لا أستطيع حتى الآن أن أسامحه؛ كان يمسك رأسي ويضربه بالحائط، ويحضر على التلفزيون حلقات المصارعة فتكون النتيجة أن أتلقى ما تعلمه، وبقيت كذلك حتى سافرنا للهجرة على أساس أني أنا النحس وسنصير أغنياء، المهم خلال تحضيرنا للسفر توفى والدي، وكان قبلها قد كتب لي زوجي نصف البيت الذي نعيش به؛ لأنه كان يأخذ مني بطريق الحيلة كل ما كان أبي يعطيني إياه، ولم أستطع أن أبوح لأهلي لأني حاولت مرة، وأمي ضربتني وأرجعتني إليه لأن البنت قبرها عند زوجها، والمهم بعد سنة رجع للبلاد بعد أن خسر كل شيء مما أخذه من البلاد، وفضلت أن أعمل حتى وفيت ثمن البيت، وفي بلادي استغل الوكالة التي أجبرني أن أعملها له وأخذ كل المال وصرفه في تجارة لا يفهمها، مع العلم أن أخواتي اشتروا بيوتاً لأولادهم من أرباح أموالهم لأن والدي توفى منذ 20 عاماً، والآن هو لا يعترف بهم ويقول: إن نصف البيت كتبه لي لقاء أموالي، مع أنني لا أريده، فماذا أفعل به - وأنا قضيت شبابي وحياتي في العمل - الآن؟ . أرجو أن تساعدوني، أحس أن الله ليس معي، مع أن الله مع المظلومين. دائما أتعرض إلى إهانته، مع العلم أن والدي كان من كبار التجار وهو تاجر، ولكن زوجي كان مع إخوته شركاء وافترقوا، ومن وقتها لا يعرف يشتغل، والآن لا أستطيع مسامحته، ودائما أدعو عليه، فهل هذا حرام؟ وهل لا يجوز الدعاء؟ وهل ربنا سبحانه وتعالى يحاسبنا - مع أنني لم أقصر -؟ وتعرض لحادث سيارة، ومدة ثلاث سنوات خدمته ولما عرف أنني أريد مالي قال إنه لم يعد يتحملني ويريد أن يطلقني، أفيدوني، ووالله لم أذكر إلا بعض قليل مما جرى معي، ولكم الأجر والثواب، زوجي أمام الناس يصلي ويصوم ويعبد الله والكل يحترمه، ولكن أي مشكلة بيننا يحاربني عدة أيام، أكاد أجن، ولم أعد أحتمل حتى وجوده، مع العلم أننا نسكن لوحدنا، وكل الأولاد تركونا، لم أعد أتحمل الصمت، أرجوكم أفيدوني بإجابة تساعدوني فيها أن لا أفقد إيماني فأنا أحس أني بحاجة إلى شحنة إيمان أستعيد بها توازني، والله الموفق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جعل الله تعالى خَلْق الزوجة من آياته العظيمة، وأخبر أن من عظيم حِكَم اقتران الأزواج المودة والرحمة والسكن بينهما، وأوجب عز وجل معاشرتهن بالمعروف، وكل ذلك مسطَّر في القرآن الكريم يعرفه المسلمون جميعاً.
قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.
وقال عز وجل: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً) النساء/19.
وقد أذن الله تعالى بضرب الزوجة كما في قوله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) النساء/ 34، وكما في قوله عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع -: (وَلَكُم عَلَيْهنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَداً تَكْرَهونَهُ، فَإنْ فَعَلْنَ ذلك فاضْرِبُوهنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّح) رواه مسلم (1218) .
عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: (أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ) .
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَا تُقَبِّحْ: أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ.
رواه أبو داود (2142) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي الآية والحديثين بيان لشروط ضرب الزوجة، فهو يكون بعد فشل الوعظ والهجر، ويكون غير مبرِّح، فلا يكسر عظماً ولا يُحدث عاهة، بل القصد منه التأديب، كما لا يجوز أن يضرب الوجه، ولا أن يصاحب الضربَ شتم وقذف وسب للزوجة أو أهلها، وهذا كله في حال أن يكون سبب الضرب شرعيّاً كأن تترك الزوجة واجباً أو تفعل محرَّماً.
ولا شك أن ما فعله الزوج هو الغاية في السفه والحمق – إن كان ما تقولينه حقّاً – كما أنه مخالف للشرع مسبِّب للإثم، فمن ذا الذي يقول بجواز ضرب رأس الزوجة بالحائط، أو تطبيق فنون المصارعة عليها؟! .
ثانياً:
ويتحمَّل أهلك – وخاصة أمك - كثيراً من المسئولية تجاه ما حدث لك من زوجك، إذ الواجب أن يكون بينهم وبينكِ ثقة ومصارحة، وكان الواجب عليهم أن يسمعوا منكِ ولا يرجعونك لزوجك إلا بعد أخذ العهود والمواثيق عليه أن لا يسيء معاملتك، وأن يعطيك حقوقكِ كافة.
ثالثاً:
وأما دعاؤك على زوجك: فقد شُرع لنا الدعاء على الظالم، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من أن يتسبب أحد بدعوة مظلوم عليه، وأخبر أن دعوة المظلوم مستجابة.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) رواه البخاري (1425) ومسلم (19) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) . رواه الترمذي (1905) وابن ماجه (3862) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1655) .
أخيراً:
فإننا نسأل الله تعالى أن يُعظمَ لك الأجر على صبرك واحتسابك، واعلمي أن الله تعالى ينصر المظلوم ويستجيب دعاءهم، ولك الحق في طلب مالكِ منه، ولك الحق في طلب الخلع؛ لما تسببه الحياة معه من ضرر وأذى لكِ، لكن هذا لا يكون بفتوى إنما بحكم قاضٍ شرعيٍّ يسمع منك ومنه، فإن ثبت له بعض ما تقولين فإنه يرجع الحق لك، ويعطيك الخيار في مخالعته مع إعطائك كامل حقوقك، لذا لا تترددي في رفع أمرك للقضاء الشرعي.
نعم، إن الطلاق والفرقة آخر ما يفكر المرء فيه في حل المشكلات الزوجية، والكيّ آخر الدواء، لكن استعمال الكي خير من الهلاك، أو استفحال الداء.
ورجل – كهذا – بعد رحلة العمر، وكثرة البذل، ولم ينصلح حاله، فمتى ينصلح!!
فلتكن راحة قلبك واجتماع شملك على الله هو شغلك الأول، وعلى أساسه تقررين ما يصلحك مع الله.
ونحن لا نملك إلا أن نسدي لك النصح ونبين لك عظيم الأجر على الصبر والتحمل، ونملك أن ندعو الله تعالى لكِ أن ييسر أمرك ويفرِّج كربك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1746)
تسببت أختها بخلاف مع زوجها فأقسمت أن لا تكلمها فهل تتراجع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة، ولدي أخت تكبرني وتزوجتْ من بعدي وسافرتْ للخارج مع زوجها، لكنها عندما كانت تأتي لزيارتنا كنت أستقبلها وزوجها في بيتي وفي حضور زوجي، ولم يكن يظهر مني لزوجها إلا وجهي فقط، وذات مرة أرسل لي رسالة يعترف فيها بحبه لي وأنه يريد إقامة علاقة غير شرعية معي، علما بأنني لم أعطه بريدي بل أخذه من أختي، أخبرت زوجي بهذه الرسالة وأقسم أنه سيوسعه ضربا بالحذاء - أكرمكم الله - أمام جميع الخلق بمجرد عودته من الخارج، وقمت أنا بإبلاغ أختي بالموضوع كله، في بادئ الأمر أعربت عن أسفها، ثم طلبت مني أن أسامحها؛ لأنه ليس لها أي ذنب، وقد قمت بذلك أنا وزوجي لوجه الله وعلماً منَّا أنه ليس لها أي ذنب، اتصلتْ في اليوم التالي لتقول لي إن زوجها اعترف لها أنه قد كتب هذه الرسالة وأنه كان يمزح فقط وأقسم لها بذلك، بعد ذلك اتصل زوجها بزوجي وأخبره أنه لم يكتب أي شيء، وأقسم بذلك، وأخبره أنه من المستحيل أن يفعل شيئاً كهذا، وأن لا فكرة لديه عن الرسالة - علماً بأنها كانت باسمه ومن بريده -، ثم حادثتْ أختي زوجي ونفت ما قالته من قبل، وقالت له بأنها هي من قام بكتابة الرسالة حتى تحدث خصاما بين زوجها وزوجي، مبررة ذلك بأن زوجها حين يختلط بزوجي يتحدثان بسخرية عن والدي. فضيلة الشيخ: لقد سمعت أختي وهي تقول لزوجي ذلك لأنه كان يحادثها من مكبر الصوت وهي لا تعلم، فغضبت، وأخذت الهاتف وقلت لها: " أنت لست أختي إلى يوم الدين، وأنا لا أعرفك، ولا أريد أي صلة لك بي وبزوجي، لا أنت ولا زوجك ولا بناتك "، ولم أرها أو أتحدث معها منذ سنة تقريبا، علما بأنها عادت إلى الوطن، وتعيش هنا الآن , فهل عليَّ أي إثم - علما بأني لا أنوي أبدا أن أكلمها أو أراها في المستقبل -؟ . جزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نرجو أن يكون في مثل هذه المشاكل عبرة وعظة للجميع، فكل الذي حصل معكم هو من شؤم المعصية، ونتيجة التساهل في الأحكام الشرعية، وجماع المخالفات يرجع إلى مسألتين: الاختلاط في الزيارات، وكشف وجهك أمام زوج أختك.
والزيارات الأسرية كثيراً ما يتساهل فيها الناس فتجدهم يجلس رجالهم مع نسائهم دون أدنى تحرج، ظانين أن الأمر ليس فيه مخالفة للشرع، وغافلين عن آثاره السيئة، وهذا الاختلاط باب شر كبير يفتحه الناس ليدخلوا منه على مشاكل ومفاسد تسبِّب غضب الرب وتقطِّع أواصر هذه الأسر، فيحصل الإعجاب والمواعدة والمراسلة وقد يتطور الأمر – كما في كثير من الحوادث – إلى الزنا – والعياذ بالله -.
وأما المخالفة الثانية فهي كشفكِ لوجهكِ أمام زوج أختك، والواجب على المرأة أن تستر كامل بدنها ووجهها عن الرجال الأجانب، وبالأخص من له خلطة في بيتها كأقرباء زوجها، أو له كثرة حضور كزوج أختها.
وينظر في المسألتين:
جواب السؤال رقم (1200) ففيه تفصيل الحكم في الاختلاط.
وجواب السؤال رقم (11774) ففيه بيان حكم تغطية الوجه بالأدلة التفصيلية.
ثانياً:
قد تعدت العلاقة بين أسرتك وأسرة أختكِ إلى أكثر من حدها الشرعي حتى تجرأ وأرسل زوج أختكِ – كما ظهر أولاً - رسالة يطلب إقامة علاقة غير شرعية!! وهذا من ثمار التساهل في الأحكام الشرعية كما سبق.
وادعاؤه المزح عذر قبيح، فهو مزح فاحش.
ثالثاً:
إن قطيعتك لأختك وأولادها أمر منكر، ويمينك يمكنك التكفير عنه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم تستطيعي فتصومين ثلاثة أيام.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ) . رواه البخاري (6343) ومسلم (1652) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) . رواه مسلم (1650) .
ويجب على زوجك أيضاً كفارة يمين لأنه أقسم أن يضربه، ثم لم يفعل.
وإنكار زوج أختك ما فعله بعد إقراره عجيب، واعتراف أختك بأنها هي التي أرسلت وتراجعها عن كونها لا تعلم إلى أن تصبح هي المرسلة عجيب، ولا شك أن أحدهما كاذب، فإما أن تكون هي المرسلة وأراد أن يغطي فعلتها، أو يكون هو المرسل وأرادت أن تغطي فعلته بنسبة الأمر إليها، وبكل حال: فمثل هذه العلاقات على هذه الحال ضررها أكثر من نفعها.
رابعاً:
الذي نراه أنه إذا صلح حال أختكِ واعترفت بذنبها وتابت منه توبة صادقة: أنه ليس لك مقاطعتها، بل الواجب عليكِ أن تُرجعي علاقتكِ بها، و (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ، و (كل ابن آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون) ، ولا علاقة لأبنائها بما حصل منها، فأنت خالتهم وهم جزء منك، وفي الحديث الذي رواه البخاري (2335) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الخالة بمنزلة الأم) .
وكذلك الأمر بالنسبة لزوجها، فإن تاب وأناب فلا مانع من إرجاع علاقة زوجك معه، على أن يكون ما حصل عبرة وعظة لكم، وإن رجعت العلاقات بينكم فلا يحل لكِ كشف وجهك أمامه، ولا يحل لكم أن تجلسوا جميعاً معاً، واحرصي على أن تكون مجالستك لأختك مجالسة نفع وخير، تتواصيان فيها على الطاعة، وتجتمعان فيها على ما يرضي الله.
ونسأل الله تعالى أن يهديكم جميعاً لما يحب ويرضى، وأن يصلح قلوبكم، وأن يجنبكم الفتن ومجالس السوء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1747)
من أحق بابنها هي أم زوجها الذي تتهمه بالسحر؟ وما هي علامات الساحر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ولدي عمره 11 سنة تقريبا، وأصبح عدوانيّاً كثيراً، ومرات لا يحترمني ويعلي صوته عليَ، وأيضا يمد يده فجأة من دون مبررات بعد أن أهدى إليه والده جهاز كمبيوتر، مع العلم أن أباه يتعامل بالشعوذة، ولا أعلم أو أجزم أنه ساحر، فعلا الله هو العالم، وهو يريد أن يأخذ الولد مني (نحن مطلقان) . ما هي الطريقة لأن أحمي ولدي ونفسي، وأن يرجع ولدي لما كان من قبل؟ وكيف أعرف حقيقة هذا الأب؟ وهل لي أن أمنع أباه إن أراد أن يراه، إن تأكدت أنه ساحر وأنه يريد بي وبابني شرّاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوصت الشريعة المطهرة الوالدين بالعناية بأولادهما والقيام على حسن تربيتهم، ويتربى الأولاد على ما يسمعونه ويقرؤونه ويرونه في بيتهم وشارعهم ومدارسهم، وما يحصل من خلل في تربيتهم إنما هو بسبب الخلل في أحد تلك الجوانب، أو كلها.
وما حصل من ولدك من سوء خلُق تجاهكِ قد يكون سببه ما رآه وسمعه في البيت من مشكلات بينك وبين زوجك، والتي أدت للطلاق، وقد يكون بسبب ما تأثر به مما سمعه وقرأه في جهاز " الكمبيوتر "، وقد يكون نتيجة " سحر كراهية " قام عليه والده ليأخذه منكِ، وكل ذلك محتمل، وقد تكون الأسباب كلها مجتمعة هي التي أدَّت لتلك التصرفات السيئة من قبَل ابنكِ تجاهك.
وعلى كل حال: فيجب عليك لإصلاح حاله أن تبحثي عن الأسباب التي أدَّت به لتلك التصرفات لكي تعالجي الأمر بمعالجة السبب، فإن كان بسبب مشاكلك مع والده: فلا بدَّ من تفهيمه لحقيقة الحال التي آلت إليه بينكما بطريقة لبقة تناسب سنَّه وعقله، وإن كان بسبب ما يسمعه ويشاهده ويقرؤه في جهاز " الكمبيوتر "، فلا بدَّ لك من مراقبة المواد التي يطلع عليها، ولا بدَّ من توجيهه نحو حسن الاستفادة من الجهاز، فإن لم يستجب فيمكنك منعه منه بالكلية.
وإن كان بسبب سحر والده له: فيمكنك البدء بعلاجه بالرقية الشرعية من القرآن والأذكار النبوية الصحيحة، ولا مانع من عرضه على من يوثق بدينه ممن يقوم على العلاج الشرعي لمثل هذه الحالات.
ثانياً:
يمكنك معرفة حقيقة والده إن كان يشتغل بالسحر، وذلك بمعرفة طريقة علاجه للآخرين، أو معرفة حقيقية ما يقوله لزائريه ومراجعيه.
وقد ذكر بعض أهل العلم علامات للساحر يمكن لأي أحدٍ تمييزه عن غيره من أهل الخير والصلاح، وهذه العلامات هي:
1. أنه يطلب من المريض اسم الأم، وبعض الأشياء الخاصة من المراد علاجه مثل الشعر أو اللباس.
2. أنه يتمتم بكلمات ليس لها معنى، ولا يفهمها السامع، وهذه التمتمات قد تكون نداءات للجن والشياطين ليقوموا بخدمته.
3. ومن العلامات: أن هذا الساحر لا يحضر صلاة الجمعة، ولا الصلوات الخمس في المسجد.
4. أنه يكون رث الثياب كريه الرائحة، يحب الظلام والوحدة.
5. أنه يعطي المريض حجاباً يحتوي على طلاسم ومربعات وأرقام.
ولمعرفة حقيقته لا بدَّ من أن يكون متصفاً بتلك الصفات مجتمعة أو ببعضها، وبذلك تعرفين حقيقته، مع التنبيه أنك قد تكونين مبالغة في اتهامه بالسحر، فيجب عليكِ العدل في الحكم عليه، وتحقيق تقوى الله قبل الاتهام والادعاء بما هو منه براء.
على أنك، ما دمت قد انفصلت عنه، فلا نرى لك أن تشغلي نفسك كثيرا بحال طليقِك؛ هل هو ساحر أو لا، وإنما الذي ينبغي عليك أن تشغلي نفسك به هو كيفية المحافظة على نفسك، وابنك، وكيف تؤدين واجب الرعاية والتربية الواجبة لهذا الولد عليك.
ثالثاً:
وأما حضانة الولد: فليعلم أن مقصود الحضانة هو حفظ الطفل ورعايته، ولهذا يسقط حق الشخص في الحضانة لفسقه وفساده، أو لإهماله وتضييعه، أو لكثرة أسفاره، بما يضر بمصلحة أولاده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومما ينبغي أن يُعلم أن الشارع ليس له نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً، ولا تخيير أحد الأبوين مطلقا، والعلماء متفقون على أنّه لا يتعيّن أحدهما مطلقا؛ بل مع العدوان والتّفريط لا يقدم من يكون كذلك [يعني: من يكون معتديا أو مفرطا من الأبوين] على البَر العادل المحسن القائم بالواجب.
" مجموع الفتاوى " (34 / 132) .
وليُعلم أن مدة الحضانة هي إلى سن التمييز والاستغناء، أي: أنه تستمر الحضانة إلى أن يميِّز المحضون ويستغني عن حاضنه، بمعنى أن يأكل وحده ويشرب وحده، ويستنجي وحده ونحو ذلك.
وبما أنه قد بلغ سن (11) فإنه يخيَّر بين العيش مع والده أو معكِ؛ على أن يكون الاختيار نابعاً من اختياره دون ضغط أو إكراه، وعلى أن لا يكون سبب الاختيار هو أنه لن يُلزم بصلاة أو طاعة لله تعالى، أو ما فيه مصلحة دينه ودنياه؛ لأن اختياره – والحالة هذه – فيها مضرة له، وكثير من الأطفال يكون همه في اختياره من يبالغ في تدليله، أو إعطائه ما يريده من اللهو واللعب؛ فلا يمكن أن يمكَّن له ـ حينئذ ـ ما يريد.
وإن ثبت أن والده يتعامل بالسحر فلا يحل له أن يأخذ ولده، بل يُمنع منه إلى أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة.
فإذا لم يثبت على الوالد أنه يتعامل بالسحر: فينبغي أن يتعاون الأبوان في رعاية ابنهما، مراعاةً لمصلحته، وحتى لا يكون تنازعها سبباً لفشل الأبناء وضياعهم.
وانظري أجوبة الأسئلة: (8189) و (20705) و (21516) .
ونسأل الله تعالى أن يصلح شأنكِ كله، وأن يهدي ابنك لما يحب ربنا ويرضى، وأن يصلح والده ويحفظ عليه دينه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1748)
يقع في المعاصي ويخاف نسيان العلم والقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الوقوع في المعاصي لابد أن ينتج عنه نسيان العلم والقرآن، فأنا أقع في المعاصي وليس عن إصرار مني بل أشعر بندم شديد بعد الوقوع في المعصية وأخاف خوفا شديدا من أن يؤدي وقوعي في المعاصي من نسيان ما حصلته من العلم، وهذه المعاصي بصراحة شديدة أهمها النظر المحرم وما يتبعه من استمناء، ولكن والله لا أفعل ذلك إلا إذا كنت في حالة ضيق وحزن فأجد نفسي أفعل ذلك من خلال مشاهدة الصور أو الفيديو التي يملأ إخوتي بها الجهاز، ومشكلتي أنه منّ الله علي بقوة البنية ولدى رغبة شديدة في الزواج طغت على فكري، ولكن ليس عندي مال وأنا أصوم كل اثنين وخميس والثلاثة أيام القمرية، أرجو منكم أن تردوا علي ولا تتركوني هكذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المعاصي لها شؤم وأثر سيء على صاحبها، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله جملة من آثارها، ونحن نورد لك بعضها:
1- " حرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تُطفئ ذلك النور. ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقُّد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تُطفئه بظلمة المعصية.
2- حرمان الرزق ففي مسند الإمام أحمد عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه) رواه ابن ماجه (4022) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
3- وحشة تحصل للعاصي بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس. قال بعض السلف: إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
4- تعسير أموره عليه، فلا يتوجه لأمرٍ إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا.
5- أن العاصي يجد ظلمةً في قلبه، يُحس بها كما يحس بظلمة الليل، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره، فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً يراه كل أحد. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق) .
6- حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبةٌ إلا أن يُصدَّ عن طاعةٍ تكون بدله، وتقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه بالذنب طريقٌ ثالثة ثم رابعة وهلم جرا، فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها، وهذا كرجل أكل أكلةً أوجبت له مرضاً طويلا منعه من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان.
7- أن المعاصي تزرع أمثالها، ويُولِّد بعضها بعضاً، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها.
8- أن المعاصي تُضعف القلب عن إرادته الخير، فتقوى إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك.
9- أنه ينسلخ من القلب استقباح المعصية فتصير له عادة، لا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه.
ثانياً:
كونك تشعر بالضيق من حالك، وتبحث عن المخرج، هو إن شاء الله علامة الصدق، وبداية التوبة بإذن الله.
إذ كل إنسان منا يحتاج أن يقف مع نفسه وقفات، ويصدق العزم حتى يبدأ جهاد نفسه الأمارة بالسوء، ويسلح نفسه بالأسلحة.
وسنعطيك بعض الإرشادات التي نسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياك بها:
1- ادع الله عز وجل , وتضرع إليه، واعلم أن الله لا يخيب من دعاه، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر /60، وألِحّ على الله بالدعاء وتحرّ مواطن الإجابة كالسجود وفي آخر ساعة من نهار يوم الجمعة وفي ثلث الليل الأخير حين نزول ربنا تعالى إلى السماء الدنيا فينادي هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ ولا تستبطئ الإجابة فالله قريب يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
2- ينبغي على الإنسان أن يزداد من العبادات، كما قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) هود / 114، واعتن بالصلاة فهي كما قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت / 45.
3- ينبغي للإنسان أن يحرص على زيادة معرفته بالله سبحانه وتعالى، وذلك بأن يعرفه من خلال أسمائه وصفاته، ومن خلال التفكر في ملكوت السماوات والأرض، فعند ذلك يشعر الإنسان بالحياء من الله سبحانه وتعالى، وكما قال بعض السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
4- أن تعلم أن الطريق إلى الجنة شاق ويحتاج إلى مجاهدة وصبر، وقد قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت / 69.
5- تدبر في فوائد غض البصر، واجعلها حاديك في الطريق، تسلو بها عن وساوس النفس ونزغات الشيطان، وهذه بعض الفوائد نسوقها إليك لعل الله أن ينفعنا وإياك بها:
• أن غض البصر امتثال لأمر الله، قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) النور / 30، وامتثال أمر الله هو غاية سعادة العبد في الدنيا والآخرة.
• أنه طهارة القلب وزكاة النفس والعمل.
• أنه يمنع وصول أثر السهم المسموم؛ فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس.
• تعويض من غض بصره بحلاوة الإيمان في القلب.
• حصول الفراسة الصادقة التي يميز بها بين الحق والباطل.
• أنه يخلص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق بصره دامت حسرته.
• أنه يورث القلب سرورا وفرحا ونورا وإشراقا أعظم من اللذة الحاصلة بالنظر.
• أنه يخلص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير هو أسير هواه وشهواته.
6- اشغل نفسك بشيء من العمل النافع المفيد، وحضور الدروس، واستماع المحاضرات، فلا أضر على الإنسان من الفراغ والوحدة.
7- ابحث عن رفقة صالحة تعينك على طاعة الله، فإن الشيطان من الفرد قريب، ومن الاثنين أبعد، ولا يأكل الذئب من الغنم إلا القاصية.
7- تجنب الأسباب التي تثير فيك الشهوة، كمشاهدة الصور المحرمة، فإن هذا مع كونه محرم في ذاته، فهو يجرك إلى محرم آخر.
8- الاستمناء عمل محرم، وغير لائق بالنفس الكريمة السوية، وقد دل على حرمته أدلة تجدها في الجواب رقم (329)
فبادر أيها الأخ الكريم بالتوبة إلى الله تعالى، واحذر مقته وغضبه، واعلم أن العلم والاستقامة فضل منه، ولربما غضب على العاصي فسلبه ذلك، كما قال سبحانه: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) الأعراف/175. واستحضر عظمة الله تعالى، وتذكر اطلاعه عليك، فإنه لا تخفى عليه خافية من أمرك.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى طغيان
فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
وتخيل نفسك وقد جلست مع الصالحين من إخوانك، فامتنعت عن المعصية حياء منهم، فلا تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه فقال: (أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) رواه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2541) .
نسأل الله تعالى أن يصرف عنك السوء وأن يوفقك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1749)
صديقه يكثر اللعن!!
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي صديق كثير اللعن وحجته قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (العنوهن فإنهم ملعونات) ويشهد الله أني نصحته ولكن دون جدوى فما هي نصيحتكم له؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اللعن يقع على وجهين:
الأول: لعن الكفار وأصحاب المعاصي على وجه العموم، وهذا جائز دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة.
والثاني: لعن الكافر أو الفاسق المعين، ممن لم يرد النص بلعنه، وهذا مختلف فيه بين أهل العلم، والراجح منعه، وانظر بيان ذلك في الجواب رقم (36674) .
ثانيا:
الإكثار من اللعن مذموم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ) رواه الترمذي (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
واللعان: كثير اللعن.
وروى الترمذي أيضا (2019) عَنْ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ لَعَّانًا) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كثرة اللعن من أسباب دخول النار، كما روى البخاري (304) ومسلم (80) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ! فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ) الحديث.
وروى مسلم (2599) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً) .
وروى مسلم أيضا (2597) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا) .
وروى مسلم (2598) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّعَّانِينَ لا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
وإذا كان الأمر على ما في هذه الأحاديث الشريفة، فكيف يرضى المسلم لنفسه هذه المنزلة؟! أن تفوته مرتبة الصديقية والشهادة والشفاعة يوم القيامة!
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " (لا يَنْبَغِي لِصِدِّيقِ أَنْ يَكُون لَعَّانًا وَلا يَكُون اللَّعَّانُونَ شُهَدَاء وَلا شُفَعَاء يَوْم الْقِيَامَة) فِيهِ الزَّجْر عَنْ اللَّعْن، وَأَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لا يَكُون فِيهِ هَذِهِ الصِّفَات الْجَمِيلَة، لأَنَّ اللَّعْنَة فِي الدُّعَاء يُرَاد بِهَا الإِبْعَاد مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى، وَلَيْسَ الدُّعَاء بِهَذَا مِنْ أَخْلَاق الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ بَيْنهمْ وَالتَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى، وَجَعَلَهُمْ كَالْبُنْيَانِ يَشُدّ بَعْضه بَعْضًا، وَكَالْجَسَدِ الْوَاحِد، وَأَنَّ الْمُؤْمِن يُحِبّ لأَخِيهِ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ، فَمَنْ دَعَا عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِم بِاللَّعْنَةِ، وَهِيَ الإِبْعَاد مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى. فَهُوَ مِنْ نِهَايَة الْمُقَاطَعَة وَالتَّدَابُر، وَهَذَا غَايَة مَا يَوَدّهُ الْمُسْلِم لِلْكَافِرِ، وَيَدْعُو عَلَيْهِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح: (لَعْن الْمُؤْمِن كَقَتْلِهِ) لأَنَّ الْقَاتِل يَقْطَعهُ عَنْ مَنَافِع الدُّنْيَا، وَهَذَا يَقْطَعهُ عَنْ نَعِيم الآخِرَة وَرَحْمَة اللَّه تَعَالَى. وَقِيلَ: مَعْنَى (لَعْن الْمُؤْمِن كَقَتْلِهِ) فِي الإِثْم، وَهَذَا أَظْهَر " انتهى.
ثالثا:
ما جاء في النصوص من لعن بعض أهل المعاصي كلعن السارق وشارب الخمر وآكل الربا، محمول عند جمهور أهل العلم على غير المعيّن، وأما المعين فلا يجوز لعنه؛ للأحاديث في النهي عن اللعن، ولما في ذلك من السب والأذى وما قد يؤدي إليه من التقنيط من رحمة الله.
ومن ذلك الحديث المسئول عنه، وقد رواه الطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العنوهن فإنهن ملعونات) حسنه الألباني في "الثمر المستطاب" (1/317) و "جلباب المرأة المسلمة" (ص 125) .
فهذا محمول على اللعن العام كما سبق.
فينبغي أن تواصل النصح لأخيك، حتى يترك هذا العمل؛ لأنه إن لم يكن محرما، كما هو قول الجمهور، فأقل أحواله أنه يكون مشتبها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) رواه البخاري (52) ومسلم (1599) واللفظ له.
ثم إن المؤمن ينبغي أن كون حريصا على هداية الخلق، مشفقا عليهم، ساعيا في دعوتهم وإنقاذهم، واللعن لا يوصل إلى شيء من ذلك، بل لو بلغ المدعو لزاده نفورا وإحجاما وكرها وبغضا. وما أجمل أن يُعّود الإنسان نفسه على الدعاء الصالح للناس كأن يقول: الله اهده، اللهم أصلح حاله، اللهم خذ بيده، ونحو ذلك مما فيه نفع الداعي والمدعو له. والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، فمن الذي يضمن لنفسه العصمة، فإذا عوفيت فاحمد الله، وأرجو لإخوانك مثل ما أنت فيه من الخير، وتذكر قول الله تعالى: (كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) النساء/94.
وأين هذا الأخ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلاءٍ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا إِلا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ) رواه الترمذي (3431) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. فهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه سنته وسيرته، القولية والعملية، فتمسك بها تكن من المفلحين الناجين.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1750)
المصاب بالإيدز هل له أن يستمني؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لشخص حامل لفيروس نقص المناعة المسبب لمرض الإيدز ولكنه غير مصاب به أن يستمني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لحامل الفيروس أو المصاب بالإيدز أن يتزوج من صحيحة أو مصابة بالمرض، إذا قبلت ذلك، بعد علمها بحالته، ودرجة إصابته، ولهما أن يتفقا على عدم الإنجاب، أو عدم الجماع. وللزوج أن يستمني بيد زوجته، ولا حرج عليه في ذلك.
ولا يجوز له أن يتزوج إلا إذا أَخبر بمرضه، لأن كتمان ذلك غش محرم، فإن أخفى ذلك، ثم علمت الزوجة فلها حق الفسخ.
ثانيا:
الاستمناء محرم، وقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (329) .
لكن إذا لم يتمكن المصاب بالإيدز من الزواج، وخشي الوقوع في الزنا، جاز له الاستمناء؛ ارتكابا لأخف الضررين، وأهون الشرين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما إنزاله باختياره بأن يستمني بيده فهذا حرام عند أكثر العلماء ; وهو إحدى الروايتين عن أحمد بل أظهرهما. وفي رواية أنه مكروه، لكن إن اضطر إليه مثل أن يخاف الزنا إن لم يستمن , أو يخاف المرض , فهذا فيه قولان مشهوران للعلماء , وقد رخص في هذه الحال طوائف من السلف والخلف , ونهى عنه آخرون , والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (1/302) .
وقال في "شرح المنتهى" (3/366) : " ومن استمنى من رجل أو امرأة لغير حاجة حرُم فعله ذلك وعزّر عليه لأنه معصية، وإن فعله خوفا من الزنا أو اللواط فلا شيء عليه، كما لو فعله خوفا على بدنه بل أولى، فلا يباح الاستمناء لرجل بيده إلا إذا لم يقدر على نكاح، لأنه مع القدرة على ذلك لا ضرورة إليه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1751)
زوجان يتشاجران كثيراً وتضربه فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزوجتي نتشاجر كثيراً، وتضربني هي بكل قوتها، أحيانًا أكون أنا الغلطان وأحياناً هي، ماذا نفعل حيال هذا؟ الحمد لله أنا أقوى فهي لا تؤذيني، ونحن زوجان سعيدان والحمد لله، آخر مرة ضربتني، وهممت أن أضربها لكني الحمد لله لم أفعل، وأنا لم أضربها منذ تزوجنا والحمد لله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ندري ما هي السعادة التي تعنيها أخي السائل؟ ولا ندري كيف تلتقي سعادتكما مع كثرة التشاجر وضرب الزوجة لكِ؟! .
ومما لا شك فيه أن ضرب المرأة لزوجها يدل على خراب هذا البيت وعدم صلاحيته لتربية الأولاد؛ إذا كيف سيربي الوالد أولاده وهم يرونه يُضرب من قبَل أمهم؟! .
وعلى كل حال: إذا أردتَ صلاح بيتك، وصلاح حال زوجتك: فلا بدَّ أن تعرف سبب لجوء زوجتك للعنف، ولا بد من علاجها.
وقد ذكر المختصون أسباباً لعنف الزوجة، ومنها:
1. أن يكون عنفها بسبب رد فعل منها تجاه عنف زوجها، وهذا السبب غير موجود – حسب الحال في سؤالك – في حياتك، فأنت تقول أنك لا تضربها.
2. وقد يكون عنف زوجتك بسبب طفولتها السيئة، والتي قد تكون تعرضت فيها لعنف من والديها أو أحدهما أو من أحد إخوتها.
3. وقد يكون عنف الزوجة بسبب ضعف شخصية الزوج، وهذا له أسباب كثيرة؛ فقد يكون زوجها لا يعمل، وتكون هي العاملة والمتحملة لمسئولية البيت، فتدفعها شخصيتها المتحكمة للطغيان على شخصيته الضعيفة.
وقد تكون الزوجة جميلة؛ فتدل عليه بجمالها، وهي تعلم شدة تعلقه بها، وقلة صبره عنها، فستغل ذلك لبسط سلطانها عليه وعلى بيته.
وقد تكون صاحبة جاه: من نسب وشرف، أو قوة أسرة، أو ما شابه ذلك، ولا يكون هو كذلك، فتستقوي عليه , وتستعلي عليه بما عندها، لا سيما إذا واكب ذلك ضعف طبيعي في شخصية الرجل وقوامته في بيته.
4. وقد يكون عنف المرأة بسبب تأثيرات ما تقرؤه أو تشاهده أو تتعاطاه، فقد تكون متأثرة بالنساء القويات، أو أنها تقرأ حكاياتهن، أو يوسوس لها شيطانات الإنس بأن هذه الطريقة المناسبة لوقف الزوج عند حدِّه، أو أنها قد تكون تتعاطى المخدرات والمسكرات.
وفي ظننا أن السبب الثاني والثالث هما المحتملان بقوة لعنف امرأتك، فإذا عرفتَ السبب فلا بدَّ من معالجته بالحكمة واللطف، وتذكيرها بعظيم حقك عليها، وواجبها تجاهك، وتذكرها بعقوبة التعدي عليك باللسان واليد، وتنبيهها على أن فعلها سيسهم في فشل تربيتكم لأولادكم، وقد تنعكس شخصيتها على بعض بناتها.
فإن لم تجدِ هذه الطريقة: فيجوز لك استعمال الشدة معها، فإذا جرأها عليك حلمك عليها، ولينك معها، فلعل شدة عليها، وإغلاظك لها، يردعها عن ذلك.
وأيا ما كانت هذه الشدة، بالقول، أو بالهجر، أو بالضرب غير المبرح، فهي كلها وسائل متاحة لك لتقويم عوج زوجك، وإظهار القوامة بمعناها الكامل، والقِوامة تعني ظهور شخصيتك في البيت والإنفاق على البيت، ولا حرج عليك من ضربها إن تعدَّت حدودها، وأطالت لسانها، أو مدت يدها لضربك.
وعليك أخي السائل أن تبتعد عن إثارتها واستفزازها، فقد تؤذيها ببعض كلامك، وليس عندها من الدين والعقل ما يمنعها من إطالة لسانها أو يدها عليك، واعلم أن مرضها هذا يحتاج منك لصبر وحكمة في التعامل معها.
والواقع أن استعلاء المرأة على زوجها، وتخطيها لحق القوامة الواجب له، هو من الشذوذ الذي يصيب بعض النساء، وقبول الرجل لذلك هو ـ أيضا ـ نوع من الشذوذ الذي يصيب بعض الرجال، فيتنازل عن جزء لا يتجزأ من رجولته وقوامته، وهو وضع يجب تعديله وإصلاحه، ولا يجوز الاستمرار عليه، لا سيما إذا كان هناك أولاد يرون ذلك.
إن ما أشرت إليه ـ أيها السائل ـ من أنك تتشاجر أنت وامرأتك كثيرا، هو مربط الفرس ـ كما يقولون ـ في مشكلتكم؛ فإن الزواج هو عقد بداية للمحبة والمودة والسكن، والمشاجرات هي سعي ـ ولو ببطء ـ لفض تلك الشركة، وإنهاء السكن والمحبة:
فَإِنّي وَجَدتُ الحُبَّ في الصَدرِ وَالأَذى إِذا اِجتَمَعا لَم يَلبث الحُبُّ يَذهَبُ
وانظر جواب السؤال رقم (41199) لتقف على تفاصيل حكم ضرب الزوجة.
ونسأل الله تعالى أن يهديها ويصلح بالها، وأن يعينك على الصبر على أذاها، وأن يوفقك لإصلاحها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1752)
من الأدب ترك سؤال الناس عن أمورهم الخاصة
[السُّؤَالُ]
ـ[الجميع يسألونني وزوجتي عن حملها؟ وهل لدينا أي مشاريع؟ وهل من جديد؟ ومتى موعد الولادة؟ ولا يتوقفون عن التخمين وتوجيه أسئلة من هذا النوع، وأحيانا علناً وبصوت مرتفع، مما يسبب لنا إحراجاً شديدا، حيث إنني وزوجتي شديدا الخجل. ونود أن نسأل: هل يجوز للناس السؤال عن أشياء شديدة الخصوصية مثل هذه، وهل مطلوب منا أن نعلن الحمل، هل هذه مسألة عامة؟ نحن نعتقد أنها مسألة خاصة ونريد أن نحتفظ بخصوصيتها إلى النهاية، وإذا رزقنا الله بطفل فسوف نعلن عن ولادته. ونعتقد أن ذلك يتعارض مع الحياء والخصوصية، وقد تكون له نتائج كثيرة. أحد الإخوة تكدر كثيرا عندما طلبت منه أن لا يسأل، هل يتعين علي أن أخبره أن زوجتي حامل الآن وتنتظر طفلا. أرجو النصيحة مع ذكر المراجع وشكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
يتجاوز كثير من الناس الأدب في حديثهم مع الآخرين، ولا يراعون في ذلك خلقا ولا حياء، وسببه الجهل وقلة الاهتمام بالتحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، ومن ذلك ما يقع فيه الكثيرون من التدخل فيما لا يعنيهم، والسؤال عن أمور الناس الخاصة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ) رواه الترمذي (2318) وصححه الألباني.
يقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/114-116) :
" وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الأدب، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح عن أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية في زمانه أنه قال: جماع آداب الخير وأزِمَّتُه تتفرع من أربعة أحاديث:
قول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وقوله صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له في الوصية: (لا تغضب)
وقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
ومعنى هذا الحديث: أن مَنْ حسُنَ إسلامه تَركَ ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال، ومعنى يعنيه أن تتعلق عنايته به، وأكثر ما يراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام.
وفي المسند [1/201] من حديث الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه) [قال الأرناؤوط: حسن لشواهده] ...
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: " من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه "، وهو كما قال، فإن كثيرا من الناس لا يعد كلامه من عمله فيجازف فيه ولا يتحرى. وقد نفى الله الخير عن كثير مما يتناجى به الناس بينهم، فقال: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ) النساء/114
وخرج الترمذي وابن ماجه من حديث أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(كل كلام ابن آدم عليه لا له: إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر الله عز وجل) [ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي] .
وقد تعجب قوم من هذا الحديث عند سفيان الثوري فقال سفيان: وما يعجبكم من هذا؟! أليس قد قال الله تعالى: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ)
وخرج الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال:
توفى رجل من أصحابه يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: أبشر بالجنة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو لا تدري!؟ فلعله تكلم بما لا يعنيه، أو بخل بما لا يغنيه) صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3103)
وقد روي معنى هذا الحديث من وجوه متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعضها أنه قتل شهيدا " انتهى باختصار.
ويقول المناوي في "فيض القدير" (7/3) :
" يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره، فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه، ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسئول، فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله، فإن أخبره شق عليه، وإن كذبه في الإخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة، وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب " انتهى.
وجاء من الآثار عن بعض السلف ما يدل على هذا الأدب:
قال عمرو بن قيس الملائي:
(مر رجل بلقمان والناس عنده فقال له: ألست عبد بني فلان؟ قال: بلى. قال: الذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا؟ قال: بلى. فقال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث، وطول السكوت عما لا يعنيني)
وقال مُوَرِّق العِجْلي:
أمرٌ أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة، لم أقدر عليه، ولست بتارك طلبه أبدا، قالوا: وما هو؟ قال: الكف عما لا يعنيني.
رواهما ابن أبي الدنيا
وروى أبو عبيدة عن الحسن البصري قال: من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه، خذلانا من الله عز وجل.
وفيما سبق دعوة للناس كي يتخلقوا بهذا الأدب العظيم، والخلق الرفيع، ويتعاملوا بينهم بما كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهدي سادات الأولياء والصالحين.
ولمزيد حول هذا الأدب الرفيع الضائع بين كثير من الناس، يمكن مراجعة شرح الحديث الثاني عشر من جامع العلوم، لابن رجب الحنبلي رحمه الله، وهناك بحث نفيس بعنوان " معلم في تربية النفس: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه " تأليف: عبد الطيف بن محمد الحسن، من سلسلة كتاب البيان، الصادر عن المنتدى الإسلامي في لندن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1753)
مبتلى بحب التشبه بالنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل ملتزم يحافظ على النوافل، ويتقي الله قدر الاستطاعة، مريض منذ صغره بحب تفريغ الشهوة في تشبهه بالنساء ولبس أشيائهن، فهل عليه إثم؟ ومع الالتزام امتنع فعليّاً عن هذا الداء، ولكن بقيت أفكار الذل للنساء والتشبه بهن مع إمكانية خروج مني أو مذي. فهل عليه إثم؟ وهل التمادي في الأفكار فقط دون إنزال عليه إثم؟ وإن كان الحل في الزواج فهل يخبر زوجته؟ أو يستطيع أن يمارس معها التشبه إن وافقت؟ أرجو الإجابة بالتفصيل فكم تاب والله من هذا الداء ولكن غلبته نفسه، فما زال يصرف غالب شهوته فيه؟ أفيدونا فأنا والله أخشى على ديني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاءت شريعتنا بتحريم تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال، بل وجاء التغليظ في النهي عن ذلك حتى لعن النبي صلى الله عليه وسلم أولئك المخالفين للفطرة التي خلقهم الله تعالى عليها.
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ) . رواه البخاري (5885) .
ولا شك أن من أبين مظاهر تخنث الرجل لبسه ما تلبس النساء، وتقليده لهن في عاداتهن.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ) رواه أبو داود (4098) وصححه النووي في " المجموع " (4 / 469) ، والألباني في " صحيح أبي داود ".
وقالت ِعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَةَ مِنْ النِّسَاءِ)
رواه أبو داود (4099) وحسَّنه النووي في " المجموع " (4 / 469) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال المناوي رحمه الله:
"فيه كما قال النووي: حرمة تشبه الرجال بالنساء وعكسه؛ لأنه إذا حرم في اللباس ففي الحركات والسكنات والتصنع بالأعضاء والأصوات أولى بالذم والقبح، فيحرم على الرجال التشبه بالنساء وعكسه في لباس اختص به المشبه، بل يفسق فاعله للوعيد عليه باللعن" انتهى.
" فيض القدير " (5 / 343) .
إذا تقرر هذا علمنا أن حكم الشريعة في هذا النوع من " الشذوذ " الجنسي هو التحريم، بل هو من كبائر الذنوب، فلا يجوز ممارسته لا مع نفسه ولا مع زوجته؛ فإن مخالفة الفطرة التي خلق الله الناس عليها لا تأتي إلا بالويل والفساد، والله سبحانه خلق الرجل بصفات الرجولة التي لا تحتمل لباس النساء ولا تحتمل التشبه بتصرفاتهن.
ولا شك أن من يتطلب التخنث بل ويستمتع به ويراه محققا لشهوته هو من المرضى الذين يصنف الأطباء مرضهم ضمن الشذوذ، ويسمونه شذوذ " الفيتشية " أو " الأثرية "، ولهم برامج عملية وسلوكية في علاج مثل هذه الحالات التي تعرض عليهم، فينبغي على كل مبتلى بمثل هذا السلوك ألا يتردد في مراجعة الطبيب النفسي كي يشرف عليه في علاجه من مرضه ذلك.
ونحن لا نملك إلا أن نُذكِّرَه بالله سبحانه وتعالى، وأن نجعل الوازع الديني عاملاً إيجابيّاً مؤثراً في تخلصه من ذلك الوسواس السيء، وليتذكر غضب الله ومقته للرجال المخنثين، وأنه سبحانه مُطَّلع على أحوالهم، وأن الدنيا أيام معدودة ما أسرع ما تنقضي لذاتها ويبقى للمرء عمله وسعيه في الآخرة.
ونذكره بالاستعانة بالله سبحانه وتعالى، فهو خير معين ومسؤول، وإذا صدق العبد في دعائه والاستعانة به والالتجاء إليه صَدَقَه الله بإجابة دعائه وإزالة شكواه، ولكن مِن صِدقِ الدعاء الصدقُ في الأخذ بالأسباب، والحرصُ والمجاهدةُ والمصابرةُ حتى يتوصل إلى الشفاء التام، ويتخلص من هذه الممارسات السيئة المحرمة، وله في المجاهدة والمصابرة أجر عند الله سبحانه وتعالى.
وأفضل ما يساعد على التخلص من تلك الميول هو الزواج؛ فهو يفتح المجال للإشباع الجنسي السليم والحلال، وفي انتظار ذلك ليشغل نفسه عن الشهوات بملء الوقت بالعبادات والعادات المفيدة النافعة، وليحرص على الصوم، فإنه مفيد في تقوية التحكم بالإرادة، وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (1905) ومسلم (1400) .
ومن أهم ما يعينه: مراعاة حدود الله، بلجم البصر عن الانطلاق في عورات الناس، ولجم النفس عن تمني شهواتهم، فإن إطلاق النظر في الحرام أساس كل بلية، وهو الذي يجر على الإنسان تلك العادات السيئة الشاذة التي يراها في بعض الشاذين.
قال ابن القيم رحمه الله:
"فإن النظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصبر عزيمة جازمة فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع منه مانع، وفى هذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده" انتهى.
" الجواب الكافي " (ص 106) .
وليعلم أن التفكير في هذا النوع من الشذوذ لا بد وأن يجر إلى ممارسته، فلا بد أن يصرف نفسه عن ذلك التفكير، وينشغل بتحقيق اللذة المباحة السليمة مع الزوجة، ولا يحاول أن يعلق تحقيقها على تلك الممارسات السيئة، فذلك من وسواس الشيطان، ولا شك أن أكمل اللذات هي التي تتحقق بما يوافق الفطرة التي خلق الله الناس عليها.
ونسأل الله تعالى أن يهديك سواء السبيل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1754)
يحادث النساء ويشاهد الصفحات الماجنة على الإنترنت وزوجته تنكر عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متزوج من امرأة محافظة ولله الحمد، ومؤذن بأحد المساجد، ولكن أضيع وقتي على الإنترنت بما لا فائدة فيه، وأحيانا يغويني الشيطان وأنظر في برامج ماجنة، وأيضاً أحادث بعض النساء محادثة صوتية، وأحيانا يغلبني النوم وأنام عن الصلوات المكتوبة، وعندما تنصحني زوجتي أتضايق منها وتصير بيننا مشاكل، وأتوب إلى الله من كل ما فعلت ثم أرجع مرة أخرى، وتنصحني زوجتي ثم تصير المشاكل مرة أخرى.
فبماذا تنصحونني؟ وماذا تفعل زوجتي تجاهي؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان الأمر كما ذكرت من أن وقتك يضيع مع الإنترنت فيما لا فائدة فيه، مع ما يجرك إليه من الإثم والمعصية، بمشاهدة البرامج الماجنة، ومحادثة النساء الأجنبيات، والنوم عن الصلاة المكتوبة، والإهمال في عملك، فلا خير لك في دخول الإنترنت، بل يحرم عليك دخوله والحال ما ذكرت، فإن من قواعد الشريعة المعتبرة: سد الذرائع المفضية إلى الفساد، فكل وسيلة تفضي إلى الحرام فهي محرمة.
وما ذكرته عن حالك مع الإنترت فيه عبرة وعظة لغيرك، ممن يتهاون في هذه المسألة، فيترك العنان لنفسه أو لأهله وأولاده، فلا يفيق إلا بعد فوات الأوان.
ونحمد الله تعالى أن رزقك زوجة صالحة تذكّرك وتعينك على الخير، وأن بصّرك بخطورة ما أنت واقع فيه. وسؤالك هذا يدل على الخير الذي في قلبك، فإن القلب الحي هو الذي تؤلمه جراحات المعصية، وكما قيل: فما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ
ثانيا:
الواجب عليك أن تبادر بالتوبة إلى الله تعالى، والندم على ما فات، ومقاطعة الإنترنت مقاطعة التامة، فإن الوقت أنفس ما يملك الإنسان، والوسائل التي تفضي إلى الحرام يتعين تركها والانكفاف عنها. واشغل نفسك بقراءة القرآن وحضور مجالس العلم، وصحبة الصالحين، وستجد ما تقر به عينك من السعادة والفرح والرضى وانشراح الصدر، فإنه ما أصلح عبدٌ ما بينه وبين خالقه إلا أصلح له كل شيء.
وراجع السؤال رقم (26985) و (49670)
ثالثا:
ينبغي أن تشكر زوجتك، وتحسن صحبتها، وتزيد في إكرامها، فنصحها لك، وإنكارها عليك، دليل على صدق محبتها، وكونها صالحة تقية تخاف الله تعالى.
وعليها أن تستمر في نصحك، وأن تعينك على التخلص من هذا الإثم والبعد عنه لتسلم حياتكما.
نسأل الله تعالى لكما التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1755)
المراسلة بين الجنسين وأثرها على الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إذا أنا راسلت صديقتي على النت في رمضان طالما في حدود الاحترام وهي تفتح الكاميرا وأنا أراها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: من المقاصد الضرورية في الشريعة الإسلامية: حفظ النسل والأعراض؛ من أجل ذلك حرّم الله الزنا، وحرم وسائله التي قد تفضي إليه، من خلوة رجل بامرأة أجنبية منه، ونظرة آثمة، وسفر بلا محرم، وخروج المرأة من بيتها معطرة متبرجة كاسية عارية.
ومن ذلك: حديث الرجل الخادع مع المرأة، وخضوعها له بالقول إغراء له وتغريراً به، وإثارة لشهوته، وليقع في حبالها، سواء كان ذلك عند لقاء في طريق، أو في محادثة هاتفية، أو مراسلة كتابية، أو غير ذلك.
وقد حرم الله على نساء رسوله صلى الله عليه وسلم - وهن الطاهرات - أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأن يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وأمرهن أن يقلن قولاً معروفاً، قال الله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الأحزاب/32. راجع سؤال رقم (10221) .
والمحادثات والمراسلات بين الرجل والمرأة، عن طريق النت هي باب من أبواب الفتنة والشر، وذلك لما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث يدعو إلى الإعجاب والافتتان غالبا، ولهذا فإن الواجب هو الحزم والابتعاد عن ذلك، ابتغاء مرضاة الله، وحذرا من عقابه.
وكم جَرَّت هذه المحادثات على أهلها من شر وبلاء، حتى أوقعتهم في عشق وهيام، وقادت بعضهم إلى ما هو أعظم من ذلك. راجع سؤال رقم (34841) .
وقد سئل الشيخ ابن جبرين: ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات علما بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام؟
فأجاب:
" لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه؛ لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها، ويغريها به. وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه.
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول: إنه ليس فيها عشق ولا غرام " انتهى.
"فتاوى المرأة" جمع محمد المسند (ص 96) .
ثانياً:
الصائم مأمور بتقوى الله تعالى، وفعل ما أمر، واجتناب ما نهى عنه.
فليس المقصود من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، وإنما المقصود تحقيق تقوى الله تعالى (لعلكم تتقون) ، وتهذيب النفس، والتخلي عن رذائل الأعمال، وسفاسف الأخلاق، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث) رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5376) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (50063) بيان أثر المعاصي على الصوم وأنها قد تذهب ثوابه بالكلية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1756)
حكم سب الشيطان في نهار رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يسب الشيطان في نهار رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينبغي للمؤمن أن يعود لسانه على السب والشتم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والصائم مأمور بحسن الخلق أكثر من غيره، ولذلك يتأكد عليه ترك السب، ولو كان محقاً، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصائم أن لا يقابل العدوان بمثله، بل إذا سبه أحد أو قاتله، فيقول: إني صائم، إني صائم، متفق عليه.
مع أن من رد العدوان بالمثل جائز، قال تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) البقرة/194.
ولكن الصائم مأمور بفضائل الأعمال، والكف عن مساوئها أكثر من غيره.
والمؤمن إذا أصابه نزغ من الشيطان وشيء من وسوسته، فإنه لا ينتفع من سبه بشيء، بل المشروع له أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت/36. وعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَثَرَتْ دَابَّةٌ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ: (لا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَعَاظَمَ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ، وَيَقُولُ: بِقُوَّتِي! وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَصَاغَرَ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ) رواه أحمد (20068) وأبو داود (4982) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1757)
ما حكم قول شخص لآخر (كل هواء) استهتاراً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول شخص لأخر (كل هواء) على سبيل الاستهتار بالشخص الأخر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السخرية والاستهتار بالآخرين مما ينبغي للمسلم أن يتنزه عنه، وهو مما حرَّمه الله تعالى على المؤمنين لأنه يولِّد الشحناء والبغضاء بين المسلمين؛ ولأنه يكون نابعاً عن كِبرٍ وتعالٍ من الساخر والمستهتر، وقد جاء الوعيد شديداً فيمن يتكبر ويحتقر الناس.
عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنةً، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكِبر بطر الحق، وغمط الناس. رواه مسلم (91) .
ومعنى " غمط الناس ": احتقارهم.
ومن صفات المسلم أنه يسلم المسلمون من لسانه ويده.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير؟ قال: " مَن سلِم المسلمون من لسانه ويده ". رواه البخاري (10) ومسلم (40) .
وهذه الكلمة التي سأل عنها السائل ليس فيها محذور شرعي من حيث لفظها وكلماتها، وإن كنا نود أن لا تصدر من مسلم بالنظر إلى قصده وما يمكن أن تؤدي إليه من شحناء وبغضاء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1758)
مُصيبةٌ لزوجةٍ في زوجٍ يرتكب اللواط
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن زوجي واقع في اللواط مع ولد يأتيه لكن ليس دائماً وهو يُخفي هذا الشيء عنا ولا يعلم أنى علمت فماذا اعمل؟ أرشدني وفقك الله، مع العلم أني غير مقصرة معه بشهادته هو لي دائما.
عمره 40 سنه ليس صغيراً، والظاهر للناس انه يحافظ على الصلاة، والمشكلة لها سنتان ولم أعلم أنا إلا قريباً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. رجلٌ متزوج ويمارس اللواط!!
هذا والله عين الانتكاسة.. وفساد الفطرة.. وانعدام الإيمان.. وقلة الحياء.. وفقد المراقبة لرب العالمين..
زوجكِ – أيتها السائلة – ملعون بلعنة الله له لقوله عليه الصلاة والسلام: " ملعون من عمل عمل قوم لوط " رواه أحمد (1878) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5891) .
زوجكِ - أيتها السائلة - أصاب ذنباً عظيماً، تجب التوبة منه قبل أن يحلَّ به الموت، وهو مُعرض لغضب الله ومقته، وخسارة الدنيا والآخرة. يُنظر السؤال (10050) .
فعليكِ بمناصحته – بعد التأكد من عمله – وتذكيره بمراقبة الله له، وحرص الشيطان على إغوائه، لعله أن يقف عن تماديه في خطيئته، نسأل الله السلامة والعافية.
ثم ذكريه بأنه سيكون في يوم من الأيام أباً، فهل يرضى أن يقوم أحد بالاعتداء على أولاده؟؟
إن اللواط يجر الويلات على صاحبه، والأمراض التي قلَّ أن ينجو منها من وقع في حبائل هذه الفاحشة المنكرة الشنيعة." فإنه يُحدِثُ الهم، والغم، والنُفرة، عن الفاعل والمفعول.
وأيضاًَ: فإنه يسوَّد الوجه، ويظلم الصدر، ويطمس نور القلب ويكسو الوجه وحشة تصير كالسيماء، يعرفها من له أدنى فراسة.
وأيضاً: فإنه يوجب النفرة، والتباغض الشديد، والتقاطع بين الفاعل والمفعول به ولابد.
وأيضاً: فإنه يفسد حال الفاعل والمفعول، فساداً لا يكاد يرجى بعده صلاح؛ إلا أن يشاء الله بالتوبة النصوح.
وأيضاًَ: فإنه يذهب بالمحاسن منهما، ويكسوهما ضدها، كما يذهب بالمودة بينهما، ويبدلهما بها تباغضاً،
وتلاعناً.
وأيضاً: فإنه من أكبر أسباب زوال النعم، وحلول النِّقم؛ فإنه يوجب اللعن، والمقت من الله، وإعراضه عن فاعله، وعدمِ نظره إليه؛ فأي خير يرجوه بعد هذا، وأي شرِّ يأمنه؟
وكيف حياة عبد حلَّت عليه لعنة الله ومقته، وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه؟!!
وأيضاً: فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب؛ فإن فَقَدَها القلب استحسن القبيح، واستقبح الحسن، وحينئذٍ فقد استحكم فساده.
وأيضاً: فإنه يورث من الوقاحة، والجرأة، ما لا يورثه سواه.
وأيضاً: فإنه يورث من المهانة، والسِّفال والحقارة ما لا يورثه غيره.
وأيضاً: فإنه يكسو العبد حلة المقت، والبغضاء، وازدراء الناس، واحتقارهم إياه، واستصغارهم له –ما هو مشاهد بالحس) . اهـ من كلام ابن القيم من زاد المعاد 4/263
ولقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن لهذه الفعلة أضراراً كبيرة على نفوس مرتكبيها وعقولهم وأبدانهم.
فمن أضرارها:
التأثير على الأعصاب، والمخ، وأعضاء التناسل، والتهاب الكبد الفيروسي، بل كثيراً ما يؤدي إلى أمراض الشذوذ الخطيرة: كالزهري، والسيلان، والهربس، والإيدز. نسأل الله السلامة والعافية.
فعليك أيتها الأخت تذكيره بهذه الأضرار الخطيرة، فإن لم ينته عن معصيته، ويترك قبيح صنعه، فهدديه بطلب الطلاق لعله أن يرتدع، واعلمي أن الحياة مع هذا الرجل – إن لم يترك ما هو عليه - ستنقلب إلى نقمة عليك وعلى أولادك، وقد يضرك بمرضٍ يصيبه جراء فعلته الشنيعة.. نسأل الله أن ييسر أمرك.. ويهدي زوجك.. آمين آمين.. والسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1759)
شاذ جنسياً ويريد العلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم وعمري 16 سنة، أصلي وأصوم باستمرار وأنا مستقيم في حياتي ولكن المشكلة أنني شاذ جنسياً، كنت في البداية أفكر في والدي، أظن أنني أصبحت شاذا بسبب الجينات، أشاهد صوراً سيئة ولكني أريد أن أقلع عن هذا، أنا لم أمارس الجنس أبداً في حياتي، أنا حقاً أخاف من الله وأدعوه دائماً أن يساعدني.
أرجوك يا سيدي أنا أترجاك أن تخبرني عملياً كيف أتخلص من هذه الكارثة السيئة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يعجل بشفائك من هذا الداء العظيم، وأن يطهر فؤادك من كل درن، إنه ولي ذلك والقادر عليه، فإن الوقوع في مثل هذه المعصية العظيمة، لا يتوقف ضرره عند حد العقوبة الأخروية، وإنما يتجاوز ذلك ليكون جزءً منه مقدما ً في الحياة الدنيا، ولو لم يكن من ذلك إلا دوام الحسرة والألم التي لا تكاد تفارق ذهن المرء لكفى، فكيف إذا انضاف إلى ذلك تلك الأمراض الفتاكة المستعصية التي أجمع الأطباء على أنها تكون ملازمة لهؤلاء الشواذ، ولعلك أخي أن تستزيد من ذلك إذا رجعت إلى السؤال رقم (10050)
وأما العلاج لمشكلتك فيتلخص فيما يلي:
أولاً:
عليك بإحداث التوبة الصادقة من قلبك، واللجوء إلى الله، والندم على ما بدر منك، وكثرة الدعاء والإلحاح على الله أن يغفرها لك، وأن يعينك على التخلص منها، فإن الله أكرم مسؤول وأقرب مجيب، وقد قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر / 53
فانطرح بين يدي الله باكياً متضرعاً مظهراً الفقر والحاجة إليه، مستغفراً، وأبشر من عند الله تعالى بالفرج والمغفرة.
ثانياً:
احرص على تعاهد بذرة الإيمان في قلبك، فهي حين تنمو تثمر سعادة الدنيا والآخرة.
إن الإيمان بالله عز وجل هو العاصم- بعد توفيق الله سبحانه- للعبد من مواقعة الحرام، أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"
رواه البخاري (2475) ومسلم (57)
إذاً فحين يعمر الإيمان قلبك، ويملأ فؤادك ومشاعرك فلن تتجرأ بإذن الله على محارمه، والمؤمن لو وقع مرة فسرعان ما يفيق؛ فقد وصف الله تعالى عباده بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) الأعراف / 201.
ثالثاً:
حاول أن تأخذ بالوصية النبوية لمعشر الشباب، ألا وهي الوصية بالزواج إذا كنت تستطيع ذلك، ولا تلتفت إلى كون سنك صغيراً فليس صغر السن مانعاً من الزواج، كلا، ومادمت محتاجاً إلى الزواج فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) ، فاحرص على هذه الوصية النبوية، فإن فيها علاجاً لك بإذن الله.
ولا بأس أن تصارح أباك وأمك بحاجتك ورغبتك في النكاح، واحذر أن يمنعك الحياء من ذلك.
ففكر تفكيراً جادا بالزواج ولا تخش الفقر وسيغنيك الله من فضله قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور /32.
ويخبر صلى الله عليه وسلم أن من تزوج بنية صالحة أعانه الله تعالى؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف " رواه الترمذي (1655) والنسائي (3120) وابن ماجه (2518) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1917)
رابعاً: حين لا يتيسر أمامك أمر الزواج، فثمة حلّ آخر إنه الصيام، فلم لا تفكر أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أو يومي الاثنين والخميس؟
فكم في الصيام من الأجر العظيم، قال صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى: " كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به " رواه البخاري (1904) ومسلم (1151) .
وأخبر تبارك وتعالى أنه فرض علينا الصيام لتحقيق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة / 183.
إن الصوم - مع ما فيه من الوقاية من الانسياق وراء الشهوة، ومن الأجر العظيم عند الله - يربي في الإنسان قوة الإرادة والصبر والتحمل، والاستعلاء على رغبات النفس وملذاتها، فبادر أخي بالصوم لعل الله أن يخفف عنك.
خامساً:
إياك والتساهل في النظر إلى المحرمات من المجلات الهابطة والصور الخليعة، التي تهيج على ارتكاب الفواحش والموبقات، وتُبقي في القلب أثراً عميقاً سيئاً والعياذ بالله، قال تعالى: (ْقل للمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور / 30
واعلم أنك حين تتساهل بهذا المنكر تعطي الشيطان فرصة سانحة ليزين لك ما وراء ذلك مما لا يخفى، وإنما نشط في ذلك بسبب أنك تنازلت له ولو لمرة واحدة.
سادساً:
تذكر حين يأتيك هاجس المعصية، ووسوسة الشيطان باقتراف المعصية أن جوارحك هذه ستشهد عليك يوم القيامة بهذه المعصية، ألا تعلم أن هذه الجوارح وهذه الفتوة والنشاط نعمة من الله عز وجل عليك؟
فهل من شكر نعمة الله أن تصرفها في المعصية والتمرد على أوامر الله عز وجل؟
ثمة أمر آخر جدير بك أن تتفطن له، اقرأ معي هذه الآية (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فصلت / 20-21.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، فَقَالَ: (هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ قَالَ: قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى. قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلا شَاهِدًا مِنِّي. قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا. قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ: انْطِقِي. قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ. قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلامِ. قَالَ: فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ) رواه مسلم (2969) .
سابعاً:
ابتعد عن الخلوة بنفسك فإنها مدعاة للتفكير في الشهوة، وحاول أن تملأ وقتك بما يفيدك من الأعمال الصالحة، من قراءة القرآن، والذكر والصلاة.
ثامناً:
اجتنب مصاحبة الأشرار الفساق الذين يطرقون هذه المواضيع، ويتحدثون فيما يثير الشهوة ويُهَوِّنُ المعصية ويجرئ عليها. وعليك بصحبة الأخيار الذين يذكرونك بالله تعالى، ويعينونك على طاعته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) رواه الترمذي (2378) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1937) .
تاسعاً:
لو قُدِّر أنك وقعت في المعصية على حين ضعف منك، فلا تتمادى في ذلك بل كن سريع التوبة أواباً إلى الله تعالى، عسى أن تكون من هؤلاء الذين قال الله تعالى فيهم (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) آل عمران / 135.
أخي. . لا تيأس من رحمة الله تعالى، وإياك ثم إياك أن يتمكن الشيطان من نفسك، ويوسوس لك أن الله تعالى لن يغفر لك، فإن الله تعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب إليه.
أرجو من الله تعالى أن يعينك على نفسك ويسهل لك الخروج من هذا الداء.
وللاستزادة من الموضوع أنصحك بقراءة كتيب (كيف تواجه الشهوة حديث إلى الشباب والفتيات)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1760)
يتظاهر أنه فتاة ويأخذ أسماء مواقع سيئة لإغلاقها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بالحقيقة عندي "ماسنجر" وأنا أتعرف على ناس في التشات أحولهم على الماسنجر وأدعي أني بنت ونتكلم عن الجنس لكي اخذ منهم المواقع. ولكن قصدي أن آخذ منهم هذه المواقع لأقوم بمراسلة المسئولين لإغلاقها، علماً أني كنت أنا أول أنظر إليها قبل أن يهديني الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فالنصيحة لك أيها الأخ البعد عن هذا العمل، لأنك بهذا تعرض نفسك للخطر، فإنك وإن كنت تائبا، ونحمد الله لك على هذه النعمة، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولا ينبغي للإنسان أن يعرض نفسه للفتن، وننصحك بأن تستفيد من وقتك في أمور الخير عظيمة النفع كقراءة القرآن، وحفظه، ومصاحبة الصالحين، وطلب العلم الشرعي من الكتاب والسنة على يد العلماء العاملين، ولا بأس من متابعة المواقع الإسلامية النافعة التي تنشر الخير، وتحث عليه على منهج أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح عليهم رحمة الله في هذه الشبكة.
ونسأل الله أن يجزيك خيرا على حرصك، وأن يثبتنا وإياك على الحق حتى نلقاه.. آمين
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1761)
لا بد من معاقبة أصحاب الجوالات الذين يرسلون رسائل قذرة
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت ظاهرة خطيرة وهي عملية تبادل الرسائل بين الفتيان والفتيات (رسائل مخلة) عبر الجوال هل من كلمة في هذا الجانب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في الحقيقة أنا أشبّه الرسائل التي ترد عبر الجوال بكتابات الحمامات، هذه قذارات وقول من لا يفقهون والعجيب أن أرقامهم تظهر مع رسائلهم وهناك رسائل أحياناً تظهر فيها نوع من الشرك بالله.
الشيخ إبراهيم الخضيري.
فيجب نصح هؤلاء المستعملين لهذه الرسائل بالجوالات وتذكيرهم بالله عز وجل وبحكم ما يفعلونه وأنهم قد يدخلون فيمن يشيع الفاحشة في الذين آمنوا.. والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
مجلة الدعوة العدد/1795 ص/47.(7/1762)
رجل يمزح مع محارمه مزحاً فاحشاً
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل عنده بنات أخيه وهو يمزح مزحاً فاحشاً معهن فهل يجوز لهن ألا يقابلنه بسبب مزاحه الفاحش؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الرجل الذي عنده بنات أخيه - أي هو عمهن - تقول المرأة ويقول السائل أنه يمازحهن مزاحاً فاحشاً، ومثل هذا العم لا يجوز لبنات أخيه أن يأتين إليه ولا أن يكشفن وجوههن عنده لأن العلماء الذين أباحوا للمحرم أن تكشف المرأة وجهها عنده اشترطوا ألا تكون هناك فتنة، وهذا الرجل يمازح بنات أخيه مزاحاً فاحشاً معناه أنه يُخشى عليهن منه الفتنة، والواجب هو البعد عن أسباب الفتنة، ولا تستغرب يا أخي أن أحداً من الناس يمكن أن تتعلق رغبته بمحارمه فقد بلغنا أن من الناس من يزني بأخته من أبيه لأنها ليست شقيقته - والعياذ بالله - بل بلغنا أكثر، من الناس من يزني بأمه والعياذ بالله وانظر إلى التعبير القرآني قال الله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً) وقال في الزنا (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً) ولم يقل (فاحشة) فقط بل (ومقتاً) وهذا يدل على أن نكاح ذوات المحارم وزوجة الأب من المحارم أعظم قبحاً من الزنا.
وخلاصة الجواب:
أنه يجب عليهن البعد عن عمهن وعدم كشف الوجه له ما دمن يرين منه هذا المزاح القبيح الموجب للريبة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين من فتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ص 1006.(7/1763)
أدى نظره إلى صور النساء إلى الوقوع في العادة السرية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النظر إلى صور النساء الخليعات، ومن ثم فعل العادة السرية للخوف من الوقوع في الزنا واللواط؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما عن حكم النظر إلى الصور العارية فيراجَع جواب سؤال رقم (8861) .
وأما وقوعك في فعل العادة السرية، فإن مشاهدتك للمحرّم جرّك إلى محرّم آخر، بل ربّما جرّك مستقبلاً إلى كبيرة من كبائر الذنوب والعياذ بالله، كالزنا واللواط،
فعل العادة السرية محرّم، ويراجع للأهمية جواب سؤال رقم (329) .
والواجب عليك التوبة إلى الله مما اقترفته من الذنوب وأن تبتعد عن كل حرام يثير الشهوة ولن تجد أنفع وأنجع من تقوى الله ثم التحصُّن بالزواج، فإن لم تستطع فعليك بالصوم فإنه لك وجاء، وهذه هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم للشباب، وحاول أن لا تبقى فارغاً قدر الإمكان واستعن بالله. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1764)
عملك هذا أيتها المعلمة ... حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى الطالبات معجبة بمعلمة والمعلمة تبادلها نفس الإعجاب، تقوم المعلمة بقراءة الإجابات للطالبات في الامتحان ثم تملي على الطالبة المعجبة بها هذه الإجابة حتى ترفع درجاتها، يعني عملية غش صريح.. فما حكم هذا العمل؟ وهل صياح الديكة يعني أنها رأت ملائكة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرام على هذه المعلمة هذا الغش وحرام عليها أيضاً تخصيص إحداهن بالميل إليها ولو أعجبتها بحيث كانت معجبة بحسنها أو جمالها أو نشاطها أو معرفتها أو ذكائها أو شخصيتها، تمدحها على ذلك أما تمكينها من الغش وخلافه فهذا حرام. أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال: نعم صحيح، يقول الحديث: (إذا سمعتم صوت الديك فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً، وأيضاً لو سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا من الشيطان فإنه رأى شيطاناً) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين في مجلة الدعوة العدد/1795 ص/45.(7/1765)
مزحة مؤذية وغير جائزة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك مجموعة من الشباب في موعد للسفر إلى أحد المدن وحيث قام أحدهم وهو المسئول عن الرحلة بعمل حجوزات لهم جميعاً وعددهم 19 فرداً وقد قام ثلاثة منهم بعمل مسرحية مفتعلة بعد اتفاق بينهم دون علم بقية المجموعة وهي أن يقوم أحد أفراد الرحلة الثالثة باتهام المسئول ومساعده بعدم حجز تذكرة له على الرغم من وجوده معهم في المطار وقد كانت المشادة بينهم حامية جداً مما أربك بقية المجموعة خوفاً من حدوث خلاف بينهم قبل الرحلة وبعد فترة خمسة دقائق قام الثلاثة بالتصالح بينهم وأخبروا الجميع بأن هذا الذي عملوه كله مزح فقط وسؤالنا هل يجوز هذا المزح الذي عملوه والذي كان سوف يؤدي إلى عدم الثقة في المسئول عنهم ونائبه من قبل الجميع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا مزاح مؤذ وثقيل وغير جائز، وقيه اتهام لمسلم بريء واتهام المسلم ظلماً حرام وفيه إيقاع الشحناء والبغضاء بين المتَّهَم والمتَّهِم وهذا أيضاً لا يجوز، وفيه التشويش على المجموعة، وإيقاعهم في الظن السيئ بالمشرف وعموماً فإن الضرر واضح وهذا كله لا يجوز.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1766)
حكم جريمة الاغتصاب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم جريمة الاغتصاب شرعاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الاغتصاب هو أخذ الشيء ظلماً وقهراً، وأصبح الآن مصطلحاً خاصا بالاعتداء على أعراض النساء قهراً.
وهي جريمة قبيحة محرمة في كافة الشرائع، وعند جميع العقلاء وأصحاب الفطَر السوية، وجميع النظم والقوانين الأرضية تقبح هذه الفعلة وتوقع عليها أشد العقوبات، باستثناء بعض الدول التي ترفع العقوبة عن المغتصب إذا تزوج من ضحيته! وهو يدل على انتكاس الفطرة واختلال العقل فضلاً عن قلة الدين أو انعدامه عند هؤلاء الذي ضادوا الله تعالى في التشريع، ولا ندري أي مودة ورحمة ستكون بين الجلاد وضحيته، وخاصة أن ألم الاغتصاب لا تزيله الأيام ولا يمحوه الزمن - كما يقال - ولذا حاولتْ كثيرات من المغتَصبات الانتحار وحصل من عدد كثير منهن ما أردن، وقد ثبت فشل هذه الزيجات، ولم يصاحبها إلا الذل والهوان للمرأة.
وحري بهذا الشرع المطهَّر أن يكون له موقف واضح بيِّن من تحريم هذه الفعلة الشنيعة، وإيقاع العقوبة الرادعة على مرتكبها.
وقد أغلق الإسلام الأبواب التي يدخل من خلالها المجرم لفعل جريمته، وقد أظهرت دراسات غربية أن أكثر هؤلاء المغتصبين يكونون من أصحاب الجرائم، ويفعلون فعلتهم تحت تأثير الخمور والمخدرات، وأنهم يستغلون مشي ضحيتهم وحدها في أماكن منعزلة، أو بقاءها في بيتها وحدها، وكذلك بينت هذه الدراسات أن ما يشاهده المجرمون في وسائل الإعلام، وما تخرج به المرأة من ألبسة شبه عارية، كل ذلك يؤدي إلى وقوع هذه الجريمة النكراء.
وقد جاءت تشريعات الإسلام لتحفظ عرض المرأة وحياءها، وتنهاها عن اللبس غير المحتشم، وتنهاها عن السفر من غير محرم، وتنهاها عن مصافحة الرجال الأجانب عنها،، وحث الشرع على المبادرة بزواج الشباب وتزويج الفتيات كل ذلك – وغيره كثير – يغلق الباب على المجرمين من افتراس ضحاياهم، ولذلك لا نعجب إذا سمعنا أو قرأنا أن أكثر هذه الجرائم إنما تحدث في المجتمعات المنحلة، والتي يريد أهلها من المسلمات أن يكنَّ مثلهن في التحضُّر والرقي! ففي أمريكا – مثلاً – ذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها بعنوان " أوقفوا العنف ضد المرأة " لعام 2004 أنه في كل 90 ثانية تُغتصب امرأة هناك! فأي حياة يعيشها هؤلاء؟! وأي رقي وحضارة يسعون لإدخال المسلمات فيها؟!
ثانياً:
وأما عقوبة الاغتصاب في الشرع: فعلى المغتصب حد الزنا، وهو الرجم إن كان محصناً، وجلد مائة وتغريب عام إن كان غير محصن.
ويوجب عليه بعض العلماء أن يدفع مهر المرأة.
قال الإمام مالك رحمه الله:
" الأمر عندنا في الرجل يغتصب المرأة بكراً كانت أو ثيبا: أنها إن كانت حرة: فعليه صداق مثلها , وإن كانت أمَة: فعليه ما نقص من ثمنها، والعقوبة في ذلك على المغتصب، ولا عقوبة على المغتصبة في ذلك كله " انتهى.
" الموطأ " (2 / 734) .
قال الشيخ سليمان الباجي رحمه الله:
" المستكرَهة؛ إن كانت حرة: فلها صداق مثلها على من استكرهها، وعليه الحد، وبهذا قال الشافعي، وهو مذهب الليث، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال أبو حنيفة والثوري: عليه الحد دون الصداق.
والدليل على ما نقوله: أن الحد والصداق حقان: أحدهما لله، والثاني للمخلوق، فجاز أن يجتمعا كالقطع في السرقة وردها " انتهى.
" المنتقى شرح الموطأ " (5 / 268، 269) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله:
" وقد أجمع العلماء على أن على المستكرِه المغتصِب الحدَّ إن شهدت البينة عليه بما يوجب الحد، أو أقر بذلك، فإن لم يكن: فعليه العقوبة (يعني: إذا لم يثبت عليه حد الزنا لعدم اعترافه، وعدم وجود أربعة شهود، فإن الحاكم يعاقبه وعزره العقوبة التي تردعه وأمثاله) ولا عقوبة عليها إذا صح أنه استكرهها وغلبها على نفسها، وذلك يعلم بصراخها، واستغاثتها، وصياحها " انتهى.
" الاستذكار " (7 / 146)
ثالثاً:
وكون المغتصب عليه حد الزنا، هذا ما لم يكن اغتصابه بتهديد السلاح، فإن كان بتهديد السلاح فإنه يكون محارباً، وينطبق عليه الحد المذكور في قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة/33.
فيختار الحاكم من هذه العقوبات الأربعة المذكورة في الآية الكريمة ما يراه مناسباً، ومحققاً للمصلحة وهي شيوع الأمن والأمان في المجتمع، ورد المعتدين المفسدين.
وانظر السؤال رقم (41682) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1767)
امرأة شديدة الخجل وتجلس في مكان فيه غيبة فهل عليها إثم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أكره الغيبة والنميمة وأكون أحياناً في وسط جماعة يتحدثون عن أحوال الناس ويدخلون في الغيبة والنميمة وأنا في نفسي أكره هذا وأمقته، ولكوني شديدة الخجل فإنني لا أستطيع أن أنهاهم عن ذلك وكذلك لا يوجد مكان حتى ابتعد عنهم، ويعلم الله أنني أتمنى أن يخوضوا في حديث غيره، فهل عليّ أثم في جلوسي معهم، وما الذي يتوجب فعله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك إثم في ذلك إلا أن تنكري المنكر فإن قبلوا منك فالحمد لله، وإلا وجب عليك مفارقتهم وعدم الجلوس معهم لقول الله سبحانه وتعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) الأنعام/68، وقوله تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم) النساء/140، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) خرجه الإمام مسلم في صحيحه، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن باز في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ص 1012(7/1768)
الغش في الواجبات المدرسية
[السُّؤَالُ]
ـ[بما أنني أدرس في مدرسة حكومية وأكثر ما يدرسونه لنا عبارة عن كذب وأشياء أخرى فهل يجوز لي أن أنقل الواجبات المدرسية من أصدقائي؟
أنا لا أريد أن أذهب للمدارس الحكومية بسبب المجتمع الغير إسلامي ولكن والداي يريدونني أن أذهب وأنا أطيعهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز نقل الواجبات المدرسية من الزملاء لأنه من الغش الذي نهينا عنه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من غشنا فليس منا "، ولما يترتب عليه من الأضرار الكثيرة في الدنيا والآخرة، فالواجب الحذر منه والتواصي بتركه.
ولكن إذا اطّلعت على حلّ غيرك للواجب وفهمته ثم أغلقت دفتره وكتبت الحلّ من عندك فلا بأس بهذا، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1769)
هذا العمل منكر
[السُّؤَالُ]
ـ[ظاهرة منتشرة عند بعض الناس في المغرب العربي تتمثل في أن الأم تقوم بجرح أعلى ركبة ابنتها بموس الحلاقة ثلاثة خطوط متجاورة وتضع على الدم النازف قطعة سكر وتأمر ابنتها بأكلها وقول بعض الكلمات مدعية هذه الأم أن هذه الفعلة تحفظ لابنتها بكارتها وتمنع وصول أي معتد إليها (وهناك طرق أخرى لهذه الفعلة) فما حكم الشريعة الإسلامية في هذا العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا العمل منكر، وهو خرافة لا أصل لها، ولا يجوز فعلها، بل يجب تركها والحذر منها، والقول بأنها تحفظ على البنت بكارتها أمر باطل من وحي الشيطان لا أساس له في الشرع المطهر، فيجب التواصي بتركه والحذر من فعله، ويجب على أهل العلم بيان ذلك والتحذير منه؛ لأنهم المبلغون عن الله سبحانه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم. والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 394(7/1770)
حصل بينها وبين خطيبها بعض المنكرات فهل بزواجهما تغتفر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنة تقريبا قد تمت خطبتي من شاب صالح، والآن قد عقد قراننا، ولكن كان قبل عقد القران كان يمسك يدي ويقبلني، وأنا أعلم أنه حرام شرعاً، فهل الآن قد غفر الله لي من بعد عقد قراننا أم سيظل ذنبا ويجب الاستغفار منه والتكفير عنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يطلق لفظ " الخطوبة " عند كثير من الناس على ما بعد العقد وقبل الدخول، فإن كان هذا هو المراد في السؤال، فلا حرج عليكما مما حدث بينكما، لأنه بمجرد العقد تصير المرأة زوجة للرجل، فلا حرج على كل منهما أن يستمتع بصاحبه.
وإن كان قصدكِ بالخطبة مجرد الوعد بالزواج والاتفاق عليه من غير حصول للعقد، فإنَّ ما حصل بينكما محرَّم، ولم تُبِح الشريعة في تلك الفترة أكثر من النظر حتى يعزم كل من الرجل والمرأة على الخطبة.
والواجب عليكما – في هذه الحال – التوبة والاستغفار والندم على هذه الأفعال، ولا يكفي عقد القران بينكما لتكفير هذه السيئات، بل الواجب التوبة والاستغفار.
وأما الكفارة؛ فليس هناك كفارة معينة لما حصل بينكما، غير أنه من المشروع لمن تاب أن يكثر من الأعمال الصالحة من صلاة النافلة والصيام والصدقة ونحو ذلك، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82
وللاستزادة: يمكن الرجوع إلى أجوبة الأسئلة: (3215) و (12182) و (2572) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1771)
عدوان على طفلة، تتأثر به حياتها ثلاثين عاما!!
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرضت صديقتي وهي طفلة صغيرة لاعتداء من أحد أصدقاء أبيها كان يأتي لينتظره، وكان يجبرها على معاشرته وهي طفلة عمرها 5 سنوات، كانت تظن ذلك شيئاً جديداً لا أستطيع الوصف بالضبط ولكنه لا بد أنه شخص شاذ، خلق عندها إحساس باللذة الجنسية أدى ذلك أنها كانت تفعل ذلك أثناء عمرها كله وهي لا تعرف شيئاً، فهل ذلك ما يسمَّى العادة السرية؟ وكانت تأتيها هذه الحاجة أثناء الصيام، وكانت تفعله، فهي وقتها تكون مقيدة تريد أن تفعل ما تعودت عليه طول العمر، فهل صيام تلك الأيام لا تجوز؟ وهل الكفارة أن تصوم فقط حيث إنها لم تكن تعرف شيئاً اسمه العادة السرية؟ ادع لها بالشفاء. السؤال: 1. كيف تكفر عن هذا الذنب في الصيام؟ . 2. كيف تشفى من هذا الشيء؟ . إنها تقرأ القرآن قبل النوم وترى نفسها بحاجة لفعل ذلك مع العلم أن سنها 34 ولم تتزوج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما فعله هذا الخائن الغادر بالفتاة أمرٌ منكر، وهو من كبائر الذنوب، وهذا من نتائج تساهل الأسر وتفريطها في الأمور الشرعية، من حيث سماحهم للأجنبي بدخول المنزل في حال غياب رب البيت، ومن حيث تساهلهم في الخلوة المحرمة بين الرجال والنساء، ومن حيث ظهور البنات أو النساء بزينتهن أمام الرجال الأجانب، وهو بالضبط ما حدث مع صديقتكِ وذلك الخسيس الذي مُكِّن من دخول البيت بغياب والد الفتاة، وظهور الفتاة عليه وحدها، وهو ما مكَّنه من فعل تلك الأعمال الخسيسة بها.
وهذا وغيره كثير من نتائج التساهل والتفريط في المنهيات الشرعية، ولم ينه الشرع عن أمرٍ إلا لحكَم بالغة، وبالتأمل فيها تجد أنها لحفظ الأعراض والأموال والأنساب والدين والعقل، وهي الضرورات الخمس التي جاءت الشرائع كلها لحفظها.
ثانياً:
العادة السرية هي استثارة الإنسان نفسه بنظرٍ أو احتكاك حتى ينزل المني، وهي من الأفعال المحرَّمة، وقد أوضحنا ذلك في جوابنا على السؤال (329) فليراجع.
فأبلغي صديقتكِ أنه يجب عليها التوبة من هذا الفعل بالإقلاع عنه، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه.
وعلاج هذه العادة السيئة المحرَّمة يكون بوقوفها على آثارها المدمرة، ويكون بالأخذ بالوصايا والنصائح الشرعية.
فانصحيها بغض البصر عن النظر إلى الرجال، فالنظرة المحرَّمة سهم من سهام الشيطان وأن تبتعد عن المبيت أو العيش وحدها، وأن تكثر من الصيام؛ ففيه تهذيب للنفس وغض للبصر وحفظ للفرج، والإكثار من الذكر والاستغفار والتسبيح، والدعاء بصدق أن يُبعدها الله عن المحرمات وطرقها، ولا بدَّ لها من صحبة صالحة تعينها على طاعة الله تعالى، وتدلها على الخير وتنهاها عن المنكر والشر، كذلك يجب أن تسعى لحفظ فرجها بالزواج، فهو خير ما يعف الرجل والمرأة عن الوقوع في الحرام ومنه العادة السرية؛ وهنا يأتي دور مضاعف للرفقة الصالحة، التي تحاول أن تشغلها بالطاعة عن المعصية، وبالتوبة عن الاستمرار فيما هي فيه، ثم، مع ذلك كله، أن تسعى لإحصان فرجها بالبحث عن الزوج المناسب، وتشجيعها على الاقتران به.
ويمكن الاطلاع على أجوبة المسائل: (20229) ففيه بيان الوسائل التي تعين على غض البصر، وفي جواب السؤال رقم (20161) فيه بيان حل مشكلة الشهوة وتصريفها.
ثالثاً:
ولمعرفة ما يتعلق بممارسة هذه العادة من أحكام في نهار رمضان للعالِم بحكمِها: ينظر جواب الأسئلة: (38074) و (37887) و (2571) .
أما ما يتعلق بها من أحكام لمن فعلها جاهلا حكمَها: فهي مبينة في جواب السؤال (50017) وفيه تفصيل لا تحتاجين معه لغيره.
ونسأل الله تعالى أن يهدي قلبها، ويطهر جوارحها، وأن يجبر كسرها، وأن يعينها على طاعته وحسن عبادته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1772)
اقتناء الكلب ولمسه وتقبيله
[السُّؤَالُ]
ـ[الاحتفاظ بكلب يعدُّ من النجاسات، لكن إذا أبقى المسلم كلباً لمجرد حراسة البيت، وأبقاه خارجه، ووضعه في مكان في آخر المجمع، فكيف يمكنه أن يطهر نفسه؟ وما هو الحكم إذا لم يجد تراباً أو طيناً لينظف به نفسه؟ وهل يوجد هناك أية بدائل لتنظيف المسلم نفسه؟ في بعض الأحيان يقوم المذكور باصطحاب الكلب معه للجري، وهو يربت عليه، ويقبله ... إلخ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حرَّم الشرع المطهر على المسلم اقتناء الكلاب، وعاقب من خالف ذلك بنقصان حسناته بمقدار قيراط أو قيراطين كل يوم، وقد استثني من ذلك اقتناؤه للصيد ولحراسة الماشية ولحراسة الزرع.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ صَيْدٍ، أوْ زَرْعٍ، انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ) رواه مسلم (1575) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَنَى كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ ضَارِياً نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ) رواه البخاري (5163) ومسلم (1574) .
وهل يجوز اقتناء الكلب لحراسة البيوت؟
قال النووي:
" اختلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة كحفظ الدور والدروب، والراجح: جوازه قياساً على الثلاثة عملاً بالعلَّة المفهومة من الحديث وهي: الحاجة " انتهى.
" شرح مسلم " (10 / 236) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أنْ يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرماً لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أنْ يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، وأما لو كان هذا البيت في البر خالياً ليس حوله أحدٌ فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه، وحراسةُ أهلِ البيت أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (4 / 246) .
وفي التوفيق بين رواية " القيراط " و " القيراطين " أقوال.
قال الحافظ العيني رحمه الله:
أ- يجوز أنْ يكونا في نوعين مِن الكلاب، أحدُهما أشدُّ إيذاءً.
ب- وقيل: القيراطان في المدن والقرى، والقيراط في البوادي.
جـ- وقيل: هما في زمانين، ذكر القيراط أولاً، ثم زاد التغليظ، فذكر القيراطين.
" عمدة القاري " (12 / 158) .
ثانياً:
وأما قول السائل " الاحتفاظ بكلب يعدُّ من النجاسات " فهو غير صحيح على إطلاقه إذ النجاسة ليست في ذات الكلب بل في ريقه حين يشرب من إناء، فمن لمس كلباً أو لمسه كلب فإنه لا يجب عليه تطهير نفسه لا بتراب ولا بماء، فإن شرب الكلب من إناء فإنه يجب عليه إراقة الماء وغسله سبع مرات بالماء وثامنة بالتراب إن كان يريد استعماله، فإن جعله خاصّاً للكلب لم يلزمه تطهيره.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه , أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ) رواه مسلم (279) .
وفي رواية لمسلم (280) : (إِذَا وَلَغَ الكُلْبُ في الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وأما الكلب فقد تنازع العلماء فيه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّه طاهرٌ حتى ريقه، وهذا هو مذهب مالك.
والثاني: نجس حتى شعره، وهذا هو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد.
والثالث: شعره طاهر، وريقه نجسٌ، وهذا هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه.
وهذا أصحُّ الأقوال، فإذا أصاب الثوبَ أو البدنَ رطوبةُ شعره لم ينجس بذلك " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (21 / 530) .
وقال في موضعٍ آخر:
" وذلك لأنَّ الأصل في الأعيان الطهارة، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليلٍ , كما قال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُّرِرْتُم إِلَيْهِ) الأنعام/119، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ) التوبة/115 ... وإذا كان كذلك: فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: (طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعاً، أولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ) ، وفي الحديث الآخر: (إذَا وَلَغَ الكَلْبُ …) فأحاديثُه كلُّها ليس فيها إلا ذكر الولوغ لم يذكر سائر الأجزاء، فتنجيسها إنما هو بالقياس ...
وأيضاً: فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رخَّص في اقتناء كلب الصيد والماشية والحرث، ولا بد لمن اقتناه أنْ يصيبه رطوبةُ شعوره كما يصيبه رطوبةُ البغل والحمار وغير ذلك، فالقول بنجاسة شعورها والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (21 / 617 و 619) .
والأحوط: أنه إن مس الكلب وعلى يده رطوبة , أو على الكلب رطوبة أن يغسلها سبع مرات إحداهن بالتراب , قال الشيخ ابن عثيمين:
" وأما مس هذا الكلب فإن كان مسه بدون رطوبة فإنه لا ينجس اليد , وإن كان مسه برطوبة فإن هذا يوجب تنجيس اليد على رأي كثير من أهل العلم , ويجب غسل اليد بعده سبع مرات , إحداهن بالتراب " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/246) .
ثالثاً:
وأما كيفية تطهير نجاسة الكلب، فقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (41090) ، (46314)
وأن الواجب غسل نجاسة الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب، ومع وجود التراب فالواجب استعماله، ولا يجزئ غيره، أما إذا لم يجد تراباً، فلا حرج من استعمال غيره من المنظفات كالصابون.
رابعاً:
وما ذكره السائل من تقبيل الكلاب فهو مسبب لأمراض كثيرة، والأمراض التي تصيب الإنسان نتيجة مخالفة الشرع بتقبيل الكلاب أو الشرب من آنيتها قبل تطهيرها كثيرة ,
ومنها " مرض الباستريلا " وهو مرضٌ بكتيري، يوجد السبب المرضي له طبيعياً في الجهاز التنفسي العلوي للإنسان والحيوانات، وتحت ظروفٍ خاصَّةٍ يغزو هذا الجرثوم الجسم محُدِثاً المرض.
ومنها " الأكياس المائية " وهو من الأمراض الطفيلية التي تصيب الأحشاء الداخلية للإنسان والحيوان، وتكون أعلى إصابة لها في الكبد والرئتين، يليها التجويف البطني، وبقية أعضاء الجسم.
ويسبب هذا المرض دودة شريطية تُسَّمى (ايكاينكوس كرانيلوسيس) وهي دودة صغيرة طول البالغة منها (2 – 9) ملم، تتكون مِن ثلاث قطعٍ، ورأس، ورقبة، ويكون الرأس مزوداً بأربع ممصات.
وتعيش الديدان البالغة في أمعاء المضائف النهائية، المتمثلة بالكلاب والقطط والثعالب والذئاب.
وينتقل هذا المرض إلى الإنسان المولع بتربية الكلاب، حين يقبله، أو يشرب مِن إنائه.
انظر كتاب: " أمراض الحيوانات الأليفة التي تصيب الإنسان " للدكتور علي إسماعيل عبيد السنافي.
والخلاصة:
لا يجوز اقتناء الكلاب إلا لصيد أو حراسة ماشية وزرع، ويجوز اتخاذه لحراسة الدور بشرط أن تكون خارج المدينة وبشرط عدم توفر وسيلة أخرى، ولا ينبغي للمسلم تقليد الكفار في الركض مع الكلاب، ولمس فمه وتقبيله مسبب لأمراض كثيرة.
والحمد لله على هذه الشريعة الكاملة المطهرة، والتي جاءت لإصلاح دين ودنيا الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1773)
يسيء إلى أم زوجته ويهجرها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مقاطعة الحما " أم الزوجة " من زوج ابنتها أو رفع الصوت عليها أو سبها؟ الرجاء توضيح الأمر باستفاضة مع ذكر آيات من القرآن أو أحاديث عن النبي صلي الله عليه وسلم وذلك لأهمية الموضوع بالنسبة لي، مع العلم أختي متزوجة وزوجها كثير المشاكل معنا وعلى خلاف دائم مع أمي " أم الزوجة ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للزوج أن يكون حسن الخلق مع أقارب زوجته؛ لاسيما مع أمها؛ لما يترتب على ذلك من حصول الألفة والمحبة، واستقرار الحياة الزوجية وتماسكها، فإن إكرام الزوج لحماته هو في الحقيقة إكرام لزوجته، وإكرام لجدة أولاده، وإهانته لها إهانة لزوجته ولأولاده، وخروج عن العشرة الحسنة التي أمر الله بها، قال سبحانه: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19، وقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/228.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وتأمل حال النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو يكرم صديقات خديجة رضي الله عنها، حتى بعد وفاتها، فهذا يؤكد ما ذكرنا من أن إكرام أقارب الزوجة وأحبابها إكرام لها.
روى مسلم (2435) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا عَلَى خَدِيجَةَ، وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ: أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ، قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا) .
وروى مسلم أيضا (2437) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاحَ لِذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِد) .
وأما السب ورفع الصوت، فهذا مناف لحسن الخلق، بل هو باب من أبواب الإثم، فلا يجوز لمسلم أن يسب مسلما.
وكذلك المقاطعة والهجر مما نهت عنه الشريعة، فقد روى البخاري (6077) ومسلم (2560) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ) .
فعلى هذا الزوج أن يتقي الله تعالى، وأن يحسن إلى زوجته وإلى أقاربها، لتزداد الألفة والمحبة، ويبارك الله تعالى له في أهله وبيته وأولاده.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1774)
سؤال المرأة عن دين من تقدم لخطبتها ليس تعقيداً
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ملتزمة ولله الحمد، عمري 25 سنة، المشكلة هي أنني كلما تقدم لي أحد أطلب من أمي أن تسأل أهله بعض الأسئلة مثل هل يصلي؟ هل يدخن؟ هل هو ممن يهتم لأمور الغناء والتلفاز؟ لأن الذين تقدموا لي لم يكونوا ملتزمين، وأمي تقول لي: " أنتِ معقدة "، فهي خائفة عليَّ أن يفتني الزواج بسبب شروطي.
هل أنا مخطئة؟ وبماذا تنصحني؟ أخاف أنني أحلم برجل صالح في زمن لا يتوفر فيه والله أعلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لستِ مخطئة ولا معقدة، بل قد أحسنتِ في سؤالكِ واستفساركِ عن دين وخلُق الخاطب، وهذا هو الواجب – أصلاً – على أهلكِ أن يفعلوه، فلا يحل لهم أن يقفوا ضد هذا الفعل منكِ، بل عليهم تأييدك وتثبيتكِ عليه.
وقد أوصى الشرع بحسن اختيار الزوج والزوجة، والقاسم المشترك في الاختيار هو الخلق والدين، والمرأة أضعف من أن تثبت على دينها مع قليل الخلق والدين.
لذا فإن الوصية لأهلك في هذا أن يقفوا معكِ في هذا الأمر، واستعيني بالصبر والصلاة والدعاء، ونسأل الله تعالى أن ييسر لكِ زوجاً صالحاً.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن أهم الأمور التي على أساسها تختار الفتاة زوجها.
فأجاب:
" أهم الأوصاف التي ينبغي للمرأة أن تختار الخاطب من أجلها هي الخلُق والدين، أمَّا المال والنسب فهذا أمرٌ ثانوي، لكن أهم شيء أن يكون الخاطب ذا دين وخلُق؛ لأنَّ صاحب الدِّين والخلُق لا تَفقد المرأة منه شيئاً إن أمسكهَا أمسكها بمعروف، وإن سرَّحهَا سرَّحها بإحسان، ثمَّ إنَّ صاحب الدِّين والخلُق يكون مباركاً عليها وعلى ذريتها، تتعلم منه الأخلاق والدين، أمَّا إن كان غير ذلك: فعليها أن تبتعد عنه لاسيما بعض الذين يتهاونون بأداء الصلاة، أو مَن عُرف بشرب الخمر - والعياذ بالله -، أمَّا الذين لا يصلُّون أبداً فهم كفار لا تحل لهم المؤمنات، ولاهم يحلون لهن، والمهم أن تركز المرأة على الخلق والدين، أما النسب فإن حصل فهذا أولى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتاكم مَن ترضون دينه وخلُقه فأنكحوه) ولكن إذا حصل التكافؤ فهو أفضل " انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/702) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله أيضاً: عن رجل خطب من رجل ابنته، ولما سأل عنه إذا هو لا يصلي، وأجاب المسئول عنه بقوله: يهديه الله، فهل يزوج هذا؟
فأجاب:
" أما إذا كان الخاطب لا يصلِّي مع الجماعة: فهذا فاسق عاص لله ورسوله، مخالف لما أجمع المسلمون عليه من كون الصلاة جماعة من أفضل العبادات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (23/222) : " اتفق العلماء على أنها – أي: صلاة الجماعة – من أوكد العبادات، وأجل الطاعات، وأعظم شعائر الإسلام " انتهى كلامه رحمه الله تعالى، ولكن هذا الفسق لا يخرجه من الإسلام فيجوز أن يتزوج بمسلمة لكن غيره من ذوي الاستقامة على الدين والأخلاق أولى منه، وإن كانوا أقل مالاً وحسباً كما جاء في الحديث: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) ثلاث مرات، أخرجه الترمذي، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) .
ففي هذين الحديثين دليل على أنه ينبغي أن يكون أولى الأغراض بالعناية والاهتمام الدين والخلق من الرجل والمرأة، واللائق بالولي الذي يخاف الله تعالى ويرعى مسؤوليته أن يهتم ويعتني بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مسؤول عن ذلك يوم القيامة قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) ، وقال: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ. فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ) ، أما إذا كان الخاطب لا يصلِّي أبداً لا مع الجماعة ولا وحده فهذا كافر خارج عن الإسلام، يجب أن يستتاب، فإن تاب وصلى تاب الله عليه إذا كانت توبته نصوحاً خالصةً لله، وإلا قتل كافراً مرتداً، ودفن في غير مقابر المسلمين من غير تغسيل، ولا تكفين، ولا صلاة عليه، والدليل على كفره نصوص من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... – وساق أدلة كفر تارك الصلاة – ثم قال:
وحيث تبيَّن من نصوص الكتاب والسنة أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن ملة الإسلام فإنه لا يحل أن يزوج بمسلمة بالنص والإجماع قال الله تعالى: (ولا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) ، وقال تعالى في المهاجرات: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) ، وأجمع المسلمون على ما دلَّت عليه هاتان الآيتان من تحريم المسلمة على الكافر، وعلى هذا فإذا زوَّج الرجل من له ولاية عليها بنته أو غيرها رجلاً لا يصلي لم يصح تزويجه، ولم تحل له المرأة بهذا العقد؛ لأنه عقد ليس عليه أمر الله تعالى ورسوله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه.
وإذا كان النكاح ينفسخ إذا ترك الزوج الصلاة إلا أن يتوب ويعود إلى الإسلام بفعل الصلاة فما بالك بمن يقدم على تزويجه من جديد؟!
وخلاصة الجواب: أن هذا الخاطب الذي لا يصلي إن كان لا يصلي مع الجماعة فهو فاسق لا يكفر بذلك ويجوز تزويجه في هذه الحال، لكن ذوي الدين والخلق أولى منه،
وإن كان لا يصلي أبداً لا مع الجماعة ولا وحده فهو كافر مرتد خارج عن الإسلام لا يجوز أن يزوج مسلمة بأي حال من الأحوال إلا أن يتوب توبة صادقة ويصلي ويستقيم على دين الإسلام.
وأما ما ذكره السائل من أن والد المخطوبة سأل عنه فقال المسؤول عنه: يهديه الله. فإن المستقبل علمه عند الله تعالى وتدبيره بيده، ولسنا مخاطبين إلا بما نعلمه في الحال الحاضرة، وحال الخاطب الحاضرة حال كفر لا يجوز أن يزوج بمسلمة، فنرجو الله تعالى له الهداية والرجوع إلى الإسلام حتى يتمكن من الزواج بنساء المسلمين وما ذلك على الله بعزيز.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/السؤال رقم 31) .
والخلاصة: أن عليك أن تصبري حتى ييسر الله لك زوجاً صالحاً، وما تفعلينه من السؤال والاستفسار عن خلُق ودِين الخاطب أمر مشروع بل واجب عليك وعلى أوليائكِ، وأن الخاطب إن كان لا يصلي فالعقد غير صحيح؛ لأن ترك الصلاة كفر مخرج من الملة، وشرب الدخان وحلق اللحية واستماع الغناء كل ذلك من المحرمات، وهي أسباب شرعيَّة لرفض الخاطب إن كان يفعلها ويتصف بها.
نسأل الله لك التوفيق، ونسأله أن يثبتكِ على طاعته، ويرزقك زوجاً صالحاً، وذرية طيبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1775)
ظاهرة الغش
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في المجتمعات ظاهرة الغش، فما هو موقف الشريعة من هذه الظاهرة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد ذم الله عز وجل الغش وأهله في القرآن الكريم وتوعدهم بالويل ويفهم ذلك من قوله تعالى: (ويل للمطففين – الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون – وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) المطففين/1
فهذا وعيد شديد للذين يبخسون – ينقصون – المكيال والميزان، فكيف بحال من يسرقها ويختلسها ويبخس الناس أشياءهم؟! إنه أولى بالوعيد من مطففي المكيال والميزان.
وقد حذر نبي الله شعيب عليه السلام قومه من بخس الناس أشياءهم والتطفيف في المكيال والميزان كما حكى الله عز وجل ذلك عنه في القرآن.
وكذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغش وتوعد فاعله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: (ما هذا يا صاح بالطعام؟) قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: (أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني) وفي رواية (من غشنا فليس منا) وفي رواية (ليس منا من غشنا) رواه مسلم.
فكفى باللفظ النبوي: " ليس منا " زاجراً عن الغش، ورادعاً من الولوغ في حياضة الدنسة، وحاجزاً من الوقوع في مستنقعه الآسن.
إننا يا أخي في حاجة شديدة إلى عرض هذا الوعيد على القلوب لتحيا به الضمائر، فتراقب الله عز وجل في أعمالها، دون أن يكون عليها رقيب من البشر.
وصدق من قال:
ولا ترجع الأنفس عن غيها ما لم يكن منها لها زاجر
ولا يكن مثلنا في معالجة هذه الظاهرة، وغيرها من الظواهر المدمرة في المجتمع – كمريض بالزائدة الدودية يحتاج إلى مبضع الجراح.. فتعمل له كمادات ساخنة عساها تخفف الألم.. إن المريض سيموت قبل التفكير في استدعاء الطبيب.
وإليك يا أخي المبارك وقفات مع ظاهرة الغش بعد ما علمت ما رُتب عليه من الوعيد:
تعريف الغش:
قال المناوي: الغش ما يخلط الرديء بالجيد.
وقال ابن حجر الهيثمي: الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع مريد أخذها ما أخذ بذلك المقابل
وقال الكفوي: الغش سواد القلب، وعبوس الوجه، ولذا يطلق الغش على الغل والحقد.
مظاهر الغش: إن المتأمل في واقع كثير من الناس ليجد أنهم يمارسون صوراً من الغش في جميع شؤون حياتهم ومن ذلك:
أولاً: الغش في البيع والشراء:
وما أكثره في زماننا في أسواق المسلمين!! ويكون الغش فيهما بمحاولة إخفاء العيب، ويكون في طرق أخرى كالغش في ذاتية البضاعة أو عناصرها أو كميتها، أو وزنها أو صفاتها الجوهرية أو مصدرها.
وإليك طرقاً من مظاهر ذلك على التفصيل:
1- بعض البائعين للفاكهة يضع في نهاية القفص المعد لبيع الفاكهة أوراقاً كثيرة، ثم يضع أفضل هذه الفاكهة أعلى القفص، وبذلك يكون قد خدع المشتري وغشه من جهة أن المشتري يظن أن القفص مليء عن آخره، ومن جهة أنه يظن أن كل القفص بنفس درجة الجودة التي رآها في أعلاه.
2- ويعضهم يأتي بزيت الطعام ويخلطه ببعض العطور وعلى أن تكون كمية الزيت على الغالبة ويضعها في عبوات زجاجية ويخرج منها ريح العطر ويبيعه بثمن قليل.
3- وبعض التجار يشتري سلعة في ظرف خفيف جداً ثم يجعلها في ظرف ثقيل نحو خمسة أضعاف الأول، ثم يبيع ذلك الظرف وما فيه، ويوزن جملة الكل، فيكون الثمن مقابلاً للظرف والمظروف.
4- وبعض التجار يخيط الثياب خياطة ضعيفة ثم يبيعها من غير أن يبين أن هذا مخيط، بل ويحلف بالله أنه لجديد وما هو بجديد فتباً له!!
5- وبعضهم يلبس الثوب خاماً إلى أن تذهب قوته جميعها ثم يقصره حينئذٍ ويجعل فيه نشاً يوهم بأنه جديد ويبيعه على أنه جديد.
6- وبعض العطارين يقرب بعض السلع إلى الماء كالزعفران مثلاً فتكتسب منا مائية تزيد وزنه نحو الثلث.
7- وبعض التجار وأصحاب المحلات يسعى إلى إظلام محله إظلاماً كثيراً باستخدام الإضاءة الملونة أو القاتمة، حتى يعيد الغليظ من السلع والملابس خصوصاً رقيقاً والقبيح حسناً، زين لهم الشيطان سوء أعمالهم.
8- وبعض الصائغين يخلط الذهب نحاساً ونحوه، ثم يبيعه على أنه كله ذهب.
9- وبعضهم يعمد إلى شراء ذهب مستعمل نظيف، ثم يعرضه للبيع بسعر الجديد دون أن ينبه المشتري على أنه مستعمل.
10- يعمد بعض البائعين في مزاد السيارات إلى وضع زيت ثقيل في محرك السيارة حتى يظن المشتري أنها بحالة جيدة.
11- وبعضهم يعمد إلى عداد الكيلو في السيارة الذي يدل على أنها سارت كثيراً فينقصه بحيلة حتى يوهم المشتري بذلك أنها لم تسر إلا قليلاً.
12- وبعضهم إذا كان معه سيارة يريد بيعها، ويعلم فيها خللاً خفياً، قال لمن يريد شراءها: هذه السيارة أمامك جربها إن أردتها، ولا يخبره بشيء عنها ... ولعمر الله إنه لغش وخداع.
13- ويعضهم يعمد إلى ذكر عيوب كثيرة في السيارة وهل ليست بصحيحة، ويهدف من وراء ذلك إلى إخفاء العيوب الحقيقة في السيارة تحت هذه العيوب الوهمية المعلن عنها.
والأدهى من ذلك أنه لا يذكر العيوب إلا بعد البيع وتسليم العربون، ولا يمّكن المشتري من فحص السيارة بل لا يسمح له بذلك.
14- وبعضهم إذا كان معه سيارة يريد بيعها صار يمدحها ويحلف بالله أنها جيدة ويختلق أعذراً لسبب بيعها، والله عز وجل يعلم السر وأخفى.
15- وبعضهم يتفق مع صاحب له ليزيد في ثمن السلعة فيقع فيها غيره، وهذا هو النجش الذي نهي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
16- ومن الغش في البيع أن يقوم القصّاب – الجزار – بنفخ الذبيحة التي يراد بيعها، ليبين للمشتري أن المنفوخ كله لحم.
17- ويعضهم يعمد في مزاد الأغنام إلى تغذيتها بالملح – وكذلك محلات بيع الدجاج – حتى يظن المشتري أنها سمينة وهي خلاف ذلك.
18- وبعض أصحاب بهيمة الأنعام يعمد إلى صر – أي شد وربط – ضرع ذات اللبن من بهيمة الأنعام قبل بيعها بأيام ليظهر أنها حليب، وهي ليست كذلك فلا ينطلق لها ضَرع إلا بعد تَضَرّع!!
19- ...
20- ...
وأدع لك المجال لتضيف ما خطر في ذهنك من صور الغش في البيع والشراء، وأعيذك بالله إن كنت بائعاً أو مشترياً من الغش والاتصاف بشيء مما سبق.
ثانياً: الغش في الزواج:
ومن مظاهر الغش فيه ما يلي:
1- أن يقدم بعض الآباء للمتقدم لإحدى بناته ابنته الصغيرة البكر، ويوم البناء – ليلة العرس – يجدها الكبيرة الثيب، فيجد بعضهم لا مناص ولا هروب من هذا الزواج.
2- وبعض الآباء وأولياء النساء يُري الخاطب البنت الجميلة، ويوم البناء يرى أنها الدميمة القبيحة فيضطر للقبول – إن قبل.
3- وبعض الآباء قد يخفي مرضاً أو عيباً في ابنته ولا يبنه للخاطب ليكون على بينة، فإذا دخل بها اكتشف ما فيها من مرض أو عيب.
4- وبعض الآباء وأولياء البنات إذا طلب منهم الخاطب رؤية المخطوبة – وهو جائز بشروطه – أذنوا في ذلك بعد أن تملأ وجهها بكل الألوان والأصباغ التي تسمى " مكياجاً " لتبدو جميلة في عينيه، ولو نظر إليها دون هذا القناع من المساحيق لما وقعت في عينيه موقع الرضا. أليس هذا غشاً يترتب عليه مفاسد عظيمة في حق الزوج والزوجة.
5- وبعض الأولياء يعمد إلى تزويج موليته دون بذل جهد معرفة حال الخاطب وتمسكه بدينه وخلقه، وفي هذا غش للزوجة وظلم لها.
6- ومن الغش في الزواج أن يعمد الخاطب إلى التشبع بما لم يعط، فيُظهر أنه صاحب جاه وأنه يملك من العقارات والسيارات الشيء الكثير، بل ويسعى إلى استئجار سيارة فارهة تكلف المئات من الريالات ليُظهر بأنه يملك، ولا يملك في الحقيقة شيئاً.
7- ومن الغش كذلك أن يعمد بعض الناس إلى تزكية الخاطب عند من تقدم لهم، ومدحه والإطراء عليه وأنه من المصلين الصالحين، مع أن هذا الخاطب لا يعرف للمسجد طريقاً.
فكفى أيها الأحبة غشاً وخداعاً يهدم البيوت ويشتت الأسر.
8- ومن الغش ما تقوم به بعض النساء – وخاصة الكبيرات – من الفلج – وهو برد الأسنان لتحصل بينها فرجة لطيفة تظهر بها الكبيرة صغيرة، فيظن الخاطب أنها كذلك فإذا تزوجها اكتشف أنها بلغت من الكبر عتياً، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى.
ثالثاً: الغش في النصيحة.
وذلك بعدم الإخلاص فيها، والقصد من بذلها أغراض دنيوية وأغراض دينية، ومن حق الأخوة بين المؤمنين نصحه والمنافقون غششة.
والمؤمن مرآة أخيه إذا رأى فيه عيباً أصلحه، والنصيحة تكون بكف الأذى عن المسلمين، وتعليمهم ما يجهلونه من دينهم، وإعانتهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وبجلب النافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتخولّهم بالموعظة الحسنة، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه من المكروه.
روى الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده أن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أمر مولاه أن يشتري له فرساً، فاشترى له فرساً بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال له جرير لصاحب الفرس – انظر إلى النصيحة: فرسك خير م ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك يا أبا عبد الله.
فقال: فرسك خير م ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة، وصاحبه يرضى وجرير يقول: فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة فاشتراه بها، فقيل له في ذلك: إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم.
رابعاً: الغش في الرعية:
عن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه أنه قال في مرضه الذي مات فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عيه الجنة " رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وأحد لفظي البخاري: " ما من مسلم يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة ".
فهذا وعيد شديد يدخل فيه كل من استرعاه الله رعية سواء كانت صغيرة أم كبيرة، ابتداء من أفراد الأسرة الحاكمة، فيجب على الكل النصح لرعيته وعدم غشه.
فالموظف يجب عليه أن ينصح في وظيفته وأن يؤديها على الوجه المطلوب شرعاً دون غش ولا خداع، ودون تأخير لأعمال الناس ومصالحهم، وليعلم أنه موقوف بين يدي الله عز وجل، فما ولاه الله عز وجل هذه الوظيفة إلا ليديم النصح للمسلمين.
وكذلك الأب يجب عليه أن ينصح أولاده، وألا يفرط في تربيتهم بل يبذل كل ما يستطيع ليقي نفسه وأولاده من نار وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد.
قال ابن القيم رحمه الله: " وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء. تحفة المولود ص 146
خامساً: الغش في الامتحان
وما أكثر طرقه ووسائله بين الطلاب والطالبات!! وسبب ذلك هو ضعف الوازع الديني، ورقة الإيمان، وقلة المراقبة لله تعالى أو انعدامها.
قال سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله: " وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من غشنا فليس منا) وهذا يعم الغش في المعاملات، الغش في الامتحان، ويعم اللغة الإنجليزية وغيرها، فلا يجوز للطلبة والطالبات الغش في جميع المواد لعموم هذا الحديث وما جاء في معناه، والله ولي التوفيق "
هذه بعض مظاهر الغش تدل على غيرها، وهي غيض من فيض، وقطرة من بحر، ليحيا من حيي على بينة ويهلك من هلك على بينة.
وإلى كل من وقع في صورة من صور الغش ذُكرت أو لم تُذكر نقول له: اتق الله يا أخي واستشعر رقابة علام الغيوب، وتذكر عقابه وعذابه (إن ربك لبالمرصاد) الفجر/14 واعلم أن الدنيا فانية وأن الحساب واقع على النقير والفتيل والقطمير، وأن العمل الصالح ينفع الذرية، والعمل السيئ يؤثر في الذرية، قال تعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً) النساء/9، فمن تأمل هذه الآية خشي على ذريته من أعماله السيئة وانكف عنها، حتى لا يحصل لهم نظيرها.
ثم اعلم أن للغش مضاراً عظيمة وإليك بيانها في الوقفة التالية:
من مضار الغش:
1- الغش طريق موصل إلى النار
2- دليل على دناءة النفس وخبثها، فلا يفعله إلا كل دنيء نفس هانت عليه فأوردها مورد الهلاك والعطب.
3- البعد عن الله وعن الناس.
4- أنه طريق لحرمان إجابة الدعاء.
5- أنه طريق لحرمان البركة في المال والعمر.
6- أنه دليل على نقص الإيمان.
7- أنه سبب في تسلط الظلمة والكفار، قال ابن حجر الهيثيمي: " ولهذه القبائح – أي الغش – التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والبضائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، وبل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألواناً.
وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالأسر والنهب، وأخذ الأموال والحريم إنما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة لّما أن أحدث التجار وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة والمتنوعة، وعظائم تلك الجنايات والمخادعات والتحايلات الباطلة على أخذ أموال الناس بأي طريق قدروا عليها، لا يرقبون الله المطلع عليهم.
[الْمَصْدَرُ]
من مطبوعة الغش لزاهر الشهري.(7/1776)
خطر النفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو النفاق وما خطره على المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النفاق مرض خطير وجرم كبير وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر.. والنفاق أخطر من الكفر وعقوبته أشد لأنه كفر بلباس الإسلام وضرره أعظم ولذلك جعل الله المنافقين في أسفل النار كما قال سبحانه: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً) النساء/145.
المنافقون دائماً في حيرة وتقلب في خداع ومكر ظاهرهم مع المؤمنين.. وباطنهم مع الكافرين حيناً مع المؤمنين وحيناً مع الكافرين (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً) النساء/143.
والمنافقون لفساد قلوبهم أشد الناس إعراضاً عن دين الله كما أخبر الله عنهم بقوله: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً) النساء/61.
وتصرفات المنافقين تدور مع مصالحهم فإذا لقوا المؤمنين أظهروا الإيمان والموالاة غروراً منهم للمؤمنين , ومصانعة , وتقية , وطمعاً فيما عندهم من خير ومغانم.. وإذا لقوا سادتهم وكبرائهم قالوا نحن معكم على ما أنتم عليه من الشرك , والكفر كما قال سبحانه عنهم: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون، الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) البقرة/14-15.
وللمنافقين صفات كثيرة أشرها وأخطرها الكفر بالله قال تعالى: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم السفهاء ولكن لا يعلمون) البقرة/13.
ومن صفاتهم العداوة والحسد للمؤمنين كما قال سبحانه: (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون) التوبة/50.
ومن صفاتهم الاستهزاء بالله ورسوله ودينه كما قال سبحانه: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) التوبة/65- 66.
ومن صفاتهم الفساد في الأرض بالكفر والنفاق والمعاصي.. قال تعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) البقرة/11-12.
ومن صفاتهم البهتان والكذب كما أخبر الله عنهم بقوله: (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون) المائدة/65.
ومن صفاتهم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف والبخل بالمال كما أخبر الله عنهم بقوله: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون) التوبة/67.
ومن صفاتهم الطمع والجشع.. (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) التوبة/58.
ومن صفاتهم ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً , ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر , وإذا وعد أخلف , وإذا خاصم فجر) رواه مسلم/53.
ومن صفاتهم الاهتمام بالمظهر وفساد المخبر وزخرفة القول كما قال الله عنهم: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) المنافقون/4.
وإذا كان الكفار عدواً مبيناً من الخارج فإن المنافقين عدواً خفياً من الداخل , وهم أعظم ضرراً وأشد خطراً على المسلمين لأنهم يخالطونهم ويعلمون أحوالهم..
وقد قضى الله أن مصير الكافرين والمنافقين إلى جهنم: (إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً) النساء/140.
لكن المنافقين لعظيم ضررهم في أسفل النار كما قال سبحانه: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) النساء/145.
وحيث أن خطر الكفار والمنافقين على الأمة الإسلامية عظيم لذا أمر الله رسوله بجهادهم فقال: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير) التحريم/9.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري.(7/1777)
تاب من سرقة الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في دولة غير مسلمة وظللت أرتكب الذنوب لفترات طويلة ولكن الحمد لله الذي هداني إلى الصواب وإلى التوبة. وقبل توبتي اعتدت أن أسرق من المحلات وأغش الجهات الحكومية في الحصول على أموال من الضمان الإجتماعي (التأمينات الإجتماعية) وأركب المواصلات العامة بدون أن أدفع تذاكر وإذا أخبرت السلطات بهذه الأمور (التي توقفت عنها) فسوف يسجنونني في بلد غير مسلم أرجو منكم أن تدلوني على ما يجب فعله واسألكم الدعاء ليغفر الله لنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله الذي أكرمك بالتوفيق للتوبة، ونسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً إلى صراطه المستقيم، ويثبتنا عليه حتى الممات.
اعلم يا أخي أنه لا يجوز للمسلم أن يغش أحداً أو أن يأخذ ماله بغير حق ولو كافراً.
وإذا ارتكب المسلم شيئاُ من الذنوب – السرقة أو غيرها – ثم تاب قبل رفع الأمر إلى الحاكم فإنه تسقط عنه العقوبة حينئذ، ولا تجوز معاقبته، لقول الله تعالى في قطاع الطرق: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (سورة النساء / 33-34، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ومن لا ذنب له لا عقاب عليه. الاختيارات الفقهية ص (510 – 526) المغني (12/484)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - بعد أن رجم الأسلمي -: " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألَمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله؛ فإنه مَن يُبدِ لنا صفحته: نقم عليه كتاب الله تعالى عز وجل ". رواه الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " (4 / 425) والبيهقي (8 / 330) .
والحديث: صححه الحاكم وابن السكن وابن الملقن.
انظر: " التلخيص الحبير " (4 / 57) و" خلاصة البدر المنير " لابن الملقِّن (2 / 303) .
وعلى هذا فلا يلزمك أن تذهب إلى السلطات وتعترف بالسرقة، بل تكفيك التوبة الصادقة، ولكن يجب عليك رد الأموال إلى أصحابها، ولا تصح توبتك إلا بذلك، ولا يشترط أن تخبرهم بأن هذه الأموال سرقتها منهم، لاسيما إذا خشيت أن يقدموا فيك شكوى ويسجنوك، فالمهم هو رجوع المال إلى أصحابه، فإما أن تجعله في مظروف، أو تعطيه من يوصله إليهم ... أو غير ذلك من الطرق.
فأموال الحكومة يجب ردها إليها، وكذا أموال الأشخاص الآخرين، وإذا لم تعرف مقدار المال بالتحديد فإنك تجتهد في تحديده وتغلّب جانب الاحتياط، بمعنى أنك تخرج من المال حتى تتيقن أنك فعلت الواجب عليك.
وإذا لم تعرف أصحاب الأموال فإنك تتصدق به عنهم وتجعله في سبيل الخير والإحسان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1778)
احتبس المني من احتلام وأصابه الضرر فهل يستعمل العادة السرية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 29 سنة، لقد استيقظت البارحة من نومي وكنت على وشك الاحتلام ولكن لم يتم نزول أي سائل , وعدت إلى نومي , لكن عندما استيقظت ثانية وجدت ألماً فظيعاً في الخصيتين , فأنا أعلم أن هناك بعضاً من السائل محبوس لدي؛ لأن هذا الوضع حدث معي من قبل وكنت أعالجه بأن أجلس في بعض الماء الدافئ فأتخلص من هذا السائل المحبوس، وبالفعل قررت أن أعالجه كما سبق أن ذكرت لكن الماء الدافئ لم يفعل أي شيء وكنت أتألم ألماً شديداً، فوسوس لي الشيطان أن أتخلص من هذا السائل عن طريق ممارسة العادة السرية ففعلت، وأقسم أنني قد تخلصت من هذه العادة منذ زمن بعيد لكني كنت تحت ضغط هذا الألم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العادة السرية محرَّمة، وقد سبق بيان ذلك في السؤال (329) فليراجع.
وقد ذكر أهل العلم أنه يجوز استعمال العادة السرية إذا كان لدفع شهوة عارمة يمكن أن تؤدي بصاحبها لأن يقع في فاحشة الزنا أو اللواط، وكذا يجوز ذلك من أجل الفحص الطبي إن كان عازباً واضطر لمثل هذه الفحوص، وكذا يجوز استعمالها إن خاف على بدنه من ضرر احتباس المني، وهذه الحالة لعلها هي التي جاءت في السؤال، وفي كل الحالات لا يجوز تجاوز حد الضرورة، فلا يجوز تكرارها، والضرورة تقدَّر بقدرها.
قال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله:
" ومن استمني بيده خوفاً من الزنا، أو خوفاً على بدنه: فلا شيء عليه إذا لم يقدر على نكاح، ولو لأمَة، ولا يجد ثمن أمة، وإلا حَرُم، وعزِّر " انتهى.
" الإقناع " (4 / 268)
وفي " شرح منتهى الإرادات " (3 / 364) :
" ومن استمنى من رجل أو امرأة لغير حاجة حرُم فعلُه ذلك، وعزِّر عليه؛ لأنه معصية، وإن فعله خوفا من الزنا أو اللواط: فلا شيء عليه، كما لو فعله خوفاً على بدنه، بل أولى " انتهى.
ونحن نشد على يديك إذ تركت هذه العادة السيئة، فاثبت على ذلك، وإن كان ما فعلته إنما هو بسبب الألم، فلا إثم عليك إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1779)
حكم دخول الحمامات مع كشف العورات من أجل التدليك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للشخص الذهاب إلى الحمامات الشعبية في رمضان والقيام بجلسات التدليك مع العلم أن المدلك بالحمام يراني عارياً بالإضافة إلى الانكشاف أمام باقي الأشخاص في الحمام، هل يؤثر هذا على الصيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحل الذهاب لتلك الحمامات التي فيها تلك المنكرات , لا في رمضان ولا في غيره، بل إن دخولها في رمضان أشد إثماً، والصيام ليس هو ترك الطعام والشراب والجماع فقط، بل هو ترك المحرَّمات والبعد عن المنكرات.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (1804) .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو.
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: إذا صمتَ فليصُم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء.
فما يحدث في تلك الحمامات من كشف للعورات، ولمس لها هو من المنكرات، وقد وصف الله تعالى عباده المؤمنين بأنهم يغضون أبصارهم ويحفظون فروجهم، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين) المؤمنون/ 5،6، بل إن الله تعالى أمر بذلك فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30، وتأمل آخر الآية ترى فيه وعيداً على مخالفة الأمر بغض البصر وحفظ الفرج.
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْن حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ، قَالَ: (إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ) ، قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا؟ قَالَ: (فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ) رواه الترمذي (2769) وحسَّنه وابن ماجه (1920) وحسنه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه ".
ونهى النبي صراحة عن نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة , فعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ , وَلا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ) رواه مسلم (338) .
ومن المعلوم أن النظر إلى العورات ومس أجزاء الجسم وتدليكها يثير الشهوات ويؤدي إلى فتن ومنكرات، وليس هذا التدليك علاجيّاً حتى نقول إنه جائز بشروط، بل هو من قبيل التمتع والتنشيط والذي يمكن أن يُفعل في البيت من قبل الزوجة أو بآلات تنشيطية، ولا يمكن أن يكون هذا من باب الضرورة.
لذا , فإن الذهاب إلى هذه الحمامات حرام، وفعله في رمضان أشد حرمة وينقص ثواب الصيام , وقد يضيعه بالكلية وانظر جواب السؤال رقم (50063) .
نسأل الله تعالى أن يهديك سواء السبيل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1780)
زميله في العمل يغتاب الناس فماذا يصنع معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لديَّ صديق يكثر من الكلام عن الناس في رمضان وغير رمضان، وبطبيعة أننا معا بمكان عمل واحد بأنه لا يفارقني بتاتاً.
أرجو الرد على السؤال في حكم سماعي لكلامه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شرع الله تعالى الصيام في شهر رمضان ليحصِّل أهلُه التقوى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183، فإذا لم يهذِّب هذا الشهرُ ذلك الموظف الآكل للحوم الناس فمتى سيتهذب ويتوب ويرعوي؟!
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (1804) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو) .
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: (إذا صمتَ فليصُم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء) .
وليحذر هؤلاء الذين يغتابون الناس ويأكلون لحومهم أن يضيع عليهم صيامهم , فلا يكون حظهم منه إلا الجوع والعطش.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ) رواه أحمد (8693) صححه ابن حبان (8 / 257) والألباني في " صحيح الترغيب " (1 / 262) .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن فعل المعاصي يبطل الصوم.
قالت حفصة بنت سيرين رحمها الله: الصيام جُنَّة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة! .
وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: كانوا يقولون: الكذب يفطِّر الصائم!
وإلى هذا ذهب بعض السلف، وهو أن المعاصي كلها تُفطِّر، ومن ارتكب معصية في صومه فعليه القضاء، وهو مذهب الإمام الأوزاعي، واختاره ابن حزم الظاهري رحمهم الله.
وأما جمهور العلماء فرأوا أن فعل المعاصي ينقص أجر الصوم ولا يبطله، وهو الصحيح.
وانظر جواب السؤال رقم (50063) .
ثانياً:
الغيبة كبيرة من كبائر الذنوب، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات/12.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ) .
رواه أبو داود (4878) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (533) .
ثالثاً:
يجب عليك الإنكار على زميلك هذا، وعدم الرضا بفعله.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) رواه مسلم (49) .
قال النووي رحمه الله:
" اعلم أنه ينبغي لمن سمع غِيبةَ مسلم أن يردّها ويزجرَ قائلَها , فإن لم ينزجرْ بالكلام زجرَه بيده , فإن لم يستطع باليدِ ولا باللسان فارقَ ذلكَ المجلس , فإن سمعَ غِيبَةَ شيخه أو غيره ممّن له عليه حقّ أو كانَ من أهل الفضل والصَّلاح كان الاعتناءُ بما ذكرناه أكثر.
روينا في كتاب الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيامَةِ) قال الترمذي: حديث حسن " انتهى.
" الأذكار " (ص 795، 796) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أنا فتاة أكره الغيبة والنميمة، وأكون أحيانا في وسط جماعة يتحدثون عن أحوال الناس، ويدخلون في الغيبة والنميمة، وأنا في نفسي أكره هذا وأمقته، ولكوني شديدة الخجل فإنني لا أستطيع أن أنهاهم عن ذلك، وكذلك لا يوجد مكان حتى أبتعد عنهم، ويعلم الله أنني أتمنى أن يخوضوا في حديث غيره، فهل علي إثم في جلوسي معهم؟ وما الذي يتوجب فعله؟ وفقكم الله لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
فأجاب:
" عليك إثم في ذلك إلا أن تنكري المنر، فإن قبلوا منك فالحمد لله، وإلا وجب عليك مفارقتهم، وعدم الجلوس معهم؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام/68، وقوله عز وجل: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) النساء/140، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والله ولي التوفيق " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 440) .
فاحرص على تذكير صاحبك بحكم الغيبة، وبيِّن له عقوبة فاعلها، فلعله يدع ما هو عليه من المعصية، وذكِّره بأن الغيبة في رمضان أشد إثماً، والأصل أنك تفارق مجلسه إن أصرَّ على عدم الاستجابة لحكم الله تعالى، ولكن بما أنك موظف معه ولا تملك ترك المكان، فاهجر سماعه واهجر الانتباه لكلامه، ويمكنك استعمال أسلوب التهديد برفع أمره إلى المسئولين في العمل، أو تهديده بإخبار من يتكلم في عرضهم، فلعله إن لم يخف من الله تعالى أن يخاف من الناس فيترك غيبتهم وترتاح من سماع أذاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1781)
يسب الدين فهل يصاحبه؟ وكيف يتصرف معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معي صاحب يسب الدين، ويسمعني كلاماً سيئاً في رمضان، كيف أتعامل معه؟ إنه دائماً معي ويكرر لي السب والشتم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سب الله تعالى أو الدين كفر أكبر مخرج من الملة، قال الله تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65، 66.
والواجب عليك تذكير هذا الساب ونصحه وتخويفه من أنه قد حبطت أعماله، وأنه – إن لم يتب - سيلقى الله تعالى بالكفر الأكبر.
وأعلمه أن عقوبته التي يستحقها في الدنيا: القتل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) رواه البخاري (3017) .
وذكِّره بوجوب الرجوع إلى الإسلام، وأنه إذا رجع وتاب تاب الله عليه.
فإن استجاب فقد أحسن، وإن لم يستجب فلا يحل لك البقاء معه وهو يسب الدين.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن حكم البقاء بين قوم يسبون الله عز وجل.
فأجاب:
" لا يجوز البقاء مع قوم يسبون الله عز وجل، لقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء/140. والله الموفق " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/السؤال رقم 238) .
واعلم أن صحبة السوء لا تأتي إلا بالشر، فاحرص على نفسك منها، وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم صاحب السوء بنافخ الكير، فهو إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة.
عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) . رواه البخاري (5543) ومسلم (2628) .
يُحذيك: يُعطيك.
قال النووي رحمه الله:
" فيه تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك , والجليس السوء بنافخ الكير , وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب , والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع , ومن يغتاب الناس , أو يكثر فُجْرُه وبَطَالَتُه. ونحو ذلك من الأنواع المذمومة " انتهى. " شرح مسلم " (16 / 178) .
والخلاصة: أنه يجب عليك مناصحة هذا الساكن معك، فقد وقع في الكفر الأكبر عندما سب الدين، ووقع في كبيرة من كبائر الذنوب عندما سبَّك، فإن استجاب لنصحك وأصلح نفسه فابق معه وأعنه على نفسه، وإن لم يستجب فلا خير لك في مصاحبته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1782)
يسمحون بالاختلاط في المسجد حرصاً على حضور الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[في مسجدنا يحدث اختلاط بين الرجال والنساء قبيل وقت الإفطار في شهر رمضان، وهذا الأمر مستمر منذ عدة سنوات. القائمون على المسجد يتحججون بأنهم إذا لم يسمحوا للناس بفعل ما يريدون فلن يحضروا إلى المسجد.
وأيضا: فإن هناك العديد من البدع تحدث في التراويح، فعلى سبيل المثال: فإنهم يسبحون بعد كل أربع ركعات من التراويح. ما هي النصيحة التي توجهها لي لتصحيح الوضع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الاختلاط بين الرجال والنساء محرم؛ لما يفضي إليه من المفاسد والمحاذير الكثيرة، وقد سبق ذكر أدلة تحريم الاختلاط في جواب السؤال رقم (1200) .
وإذا كان الاختلاط محرماً في عموم الأزمنة والأمكنة، فإنه أعظم تحريماً إذا كان يمارس في المساجد وفي شهر رمضان، لمنافاته للمقاصد الشرعية التي أقيمت لأجلها المساجد، من حفظ الدين ونشره، ودعوة الناس إلى الخير، ونهيهم عن الفساد والغيّ، ومنافاته لحكمة الصوم التي هي تحصيل التقوى، ومجانبة داعي الهوى.
والواجب على جميع أهل المسجد إنكار هذا المنكر والسعي في إزالته، وتتأكد المسئولية على القائمين على المسجد والمشرفين عليه.
وليس لأحد أن يحتج على جواز هذا المنكر أو السكوت عنه بأن منع الاختلاط قد يؤدي إلى تخلف بعض الناس عن الحضور إلى المسجد، فإن هذه حجة مردودة من وجوه:
الأول: أن السكوت عن إنكار المنكر مع القدرة على إنكاره يوقع صاحبه في الإثم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) رواه مسلم (48) .
ولا يرضى عاقل أن يكون حضوره إلى المسجد سببا في وقوعه في الإثم.
الثاني: أن أهم دور يضطلع به المسجد هو دعوة الناس إلى الخيرات، وتحذيرهم من المنكرات، ولهذا كان على القائمين على المسجد أن يبينوا للناس حرمة الاختلاط، وأن يمنعوهم من الوقوع فيه.
الثالث: أن القول بأن هؤلاء لن يحضروا إلى المسجد، مجرد ظن، وعلى فرض حصوله، فإن المقرر عند أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
الرابع: أنه يمكن تخصيص مكان مناسب لاجتماع النساء قبيل الإفطار، ولو في زاوية من زوايا المسجد أو خارجه، في خيمة ونحوها، مع شغلهن ببعض البرامج المفيدة، والأعمال النافعة، التي تشرف عليها النساء.
الخامس: أن الداعية ينبغي أن يكون هو المؤثر في الواقع والساعي إلى إصلاحه، لا أن يتأثر هو به أو يبحث عن تبريره وتسويغه.
والاختلاط ما هو إلا مشكلة أفرزها الواقع في ظل بُعْده عن الشرع، فينبغي أن تتكاتف الجهود لإنكاره، والقضاء عليه، وإن لم تكن الخطوة الأولى في بيوت الله، فأين ستكون؟!
ويمكنك أن تسعى مع بعض إخوانك الصالحين إلى إقناع المسئولين ومساعدتهم في إيجاد المكان المناسب لاجتماع النساء، ومشاركتهم في إعداد البرامج النافعة لهن.
ونسأل الله أن يكلل جهودكم بالنجاح والتوفيق.
ثانياً:
وأما ما يقولونه من التسبيح بعد كل أربع ركعات من صلاة التراويح، فقد سبق في جواب السؤال (50718) أن ذلك من البدع المحدثة التي ينبغي تركها.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والترضي عن الخلفاء الراشدين بين ركعات التراويح؟
فأجاب:
" لا أصل لذلك – فيما نعلم – من الشرع المطهر، بل هو من البدع المحدثة، فالواجب تركه، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو اتباع الكتاب والسنة، وما سار عليه سلف الأمة، والحذر مما خالف ذلك " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/369) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1783)
حكم التقاط الصور خلسة ونشرها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التقاط الصور خلسة، وخصوصاً صور النساء ثم القيام بنشرها في الجوالات أو عن طريق الإنترنت، والمرأة المسكينة لا تدري؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفعل لا شك أن محرم، وقد اشتمل على عديد من المحظورات الشرعية، والتي منها:
1- التعدي على حدود الله، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) .
2- إطلاع على العورات محرم. وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ) رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
3- هتك حرمة المسلم: وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) رواه مسلم.
4- إذا كان المصوِّر مؤتمنا على رؤية العورة كالطبيب، أو صديقتها ونحو ذلك، كان في تصويرها ونشر ذلك خيانة للأمانة. والنصوص في ذم الخيانة كثيرة معروفة، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ) رواه أحمد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (7179) .
5- في هذا الفعل: أذية للمؤمنات، وقد توعد الله تعالى من آذى المؤمنين والمؤمنات بغير جرم منهم بقوله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/58.
(بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي بغير جناية منهم موجبة للأذى (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً) حيث آذوهم بغير سبب (وَإِثْماً مُبِيناً) حيث تعدوا عليهم، وانتهكوا حرمة أمر الله باحترامها.
انظر تفسير السعدي (ص 1120) .
ويزداد الفعل إثما إذا كان في ذلك أذية للجار.
روي مسلم (46) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ) .
(بَوَائِقَهُ) أَيْ دَوَاهِيَهُ , وَالْمُرَادُ الشُّرُورُ كَالظُّلْمِ وَالْغِشِّ وَالْإِيذَاءِ.
6- فيه شبه بالمنافقين الذين كانوا يتعرضون للمؤمنات، فتوعدهم الله عز وجل بقوله: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا) الأحزاب/60،61.
(لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي نأمرك بعقوبتهم وقتالهم، ونسلطك عليهم.
ولم تذكر الآية الفعل الذي ينتهون عنه، ليعم كل ما توحي به أنفسهم إليهم، وتوسوس له، وتدعو إليه من الشر، من التعريض بسبِّ الإسلام وأهله، والإرجاف بالمسلمين، وتوهين قواهم، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة، وغير ذلك من المعاصي الصادرة من أمثال هؤلاء.
انظر: "تفسير السعدي" (ص 1121) .
7- مخالفة الشرع الذي أوجب الاستئذان قبل دخول البيوت، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) .
قال الإمام البخاري رحمه الله:
بَاب الِاسْتِئْذَان مِنْ أَجْل الْبَصَر.
قال الحافظ:
أَيْ شُرِعَ مِنْ أَجْله ; لأَنَّ الْمُسْتَأْذِن لَوْ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْن لَرَأَى بَعْض مَا يَكْرَه مَنْ يَدْخُل إِلَيْهِ أَنْ يَطَّلِع عَلَيْهِ , وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيح بِذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي " الأَدَب الْمُفْرَد " وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيث ثَوْبَانَ رَفَعَهُ: (لا يَحِلّ لامْرِئٍ مُسْلِم أَنْ يَنْظُر إِلَى جَوْف بَيْت حَتَّى يَسْتَأْذِن فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ) صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد. أَيْ: صَارَ فِي حُكْم الدَّاخِل , وَلِلأَوَّلَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة بِسَنَدٍ حَسَن رَفَعَهُ: (إِذَا دَخَلَ الْبَصَر فَلا إِذْن) اهـ.
ثم روى البخاري (6241) ومسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ) .
" مِنْ جُحْر فِي حُجَرٍ " الأَوَّل هُوَ كُلّ ثَقْب مُسْتَدِير فِي أَرْض أَوْ حَائِط , وَالثَّانِي جَمْع حُجْرَة وَهِيَ نَاحِيَة الْبَيْت.
وقال النووي:
(مِدَرَى يَحُكُّ بِهِ رَأْسه) . الْمِدْرَى حَدِيدَة يُسَوَّى بِهَا شَعْر الرَّأْس , وَقِيلَ: هُوَ شِبْه الْمِشْط.
(إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْن مِنْ أَجْل الْبَصَر) مَعْنَاهُ أَنَّ الاسْتِئْذَان مَشْرُوع وَمَأْمُور بِهِ , وَإِنَّمَا جُعِلَ لِئَلا يَقَع الْبَصَر عَلَى الْحَرَام , فَلا يَحِلّ لأَحَدٍ أَنْ يَنْظُر فِي جُحْر بَاب وَلا غَيْره مِمَّا هُوَ مُتَعَرِّض فِيهِ لِوُقُوعِ بَصَره عَلَى اِمْرَأَة أَجْنَبِيَّة. وَاللَّه أَعْلَم.
وروى البخاري (6242) ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلا اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ أَوْ بِمَشَاقِصَ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعُنَهُ.
قال الحافظ:
" بِمِشْقَصٍ أَوْ مَشَاقِص " نَصْل السَّهْم إِذَا كَانَ طَوِيلا غَيْر عَرِيض.
وقَوْله " يَخْتِل " أَيْ يَطْعَنهُ وَهُوَ غَافِل.
ويدل الحديث على جواز عقوبة من اطلع في البيت بغير إذن صاحبه برميه بشيء ولو فقأ عينه.
وروى مسلم (2158) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ) .
قال النووي:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِنْ اِطَّلَعَ فِي بَيْت قَوْم بِغَيْرِ إِذْنهمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنه) قَالَ الْعُلَمَاء مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا نَظَر فِي بَيْت الرَّجُل فَرَمَاهُ بِحَصَاةِ فَفَقَأَ عَيْنه. وَهَلْ يَجُوز رَمْيه قَبْل إِنْذَاره؟ فِيهِ وَجْهَانِ لأَصْحَابِنَا: أَصَحّهمَا جَوَازه لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث وَاللَّه أَعْلَم.
8- في هذا الفعل إفساد للمجتمع، وإشاعة للفاحشة والفساد، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) .
فإذا كان هذا الوعيد الشديد لمن أحب بقلبه أن تشيع الفاحشة وتظهر، فكيف بمن يظهرها وينقلها؟! لا شك أن عقوبته أشد، وإثمه أعظم.
9- الاحتفاظ بالصورة إصرار على المعصية، وانتهاك حرمات الله، فيبعد صاحبها عن التوبة. قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: لا صغيرة مع إصرار.
10- نشره للصورة مجاهرة بالذنب الذي اقترفه، فيكون بعيدا عن رحمة الله وعفوه ومغفرته. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا! وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) متفق عليه.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1784)
هل هناك حد أو كفارة للاستمناء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بسبب الاستمناء فقدت غشاء البكارة فهل يجعلني هذا أعتبر بذلك زانية؟ وهل يجب أن يقام عليَّ الحد بمائة جلدة أو أن هناك حدّاً آخر في الشريعة لهذا الذنب؟ وإذا كان هناك حد في الشريعة لمثل هذا الذنب.
وأسأل أيضاً: هل يمكن أن أتزوج من إنسان عفيف بعد تورطي في الاستمناء مرات عديدة؟ أرجو الإجابة من الكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العادة السرية محرَّمة، وقد أوضحنا ذلك في جوابنا على السؤال (329) فليراجع، ويجب عليكِ التوبة من هذا الفعل بالإقلاع عنه، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه.
وللمعاصي عقوبات كثيرة يعاقب بها صاحبها في الدنيا، فضلاً عما يستحقه من عقاب الآخرة. وقد سبق ذكر بعض هذه العقوبات في إجابة السؤال رقم (23425) . فلتبادري بالتوبة النصوح قبل أن يحال بينك وبينها، وتندمين وقت لا ينفع الندم.
فإذا أكرمك الله تعالى ووفقك للتوبة غُفِرَ لك هذا الذنب، وصار كأن لم يكن. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (والتائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (3427) .
ثانياً:
فقدان غشاء البكارة بهذا الفعل ليس من الزنا، ولا يوجب حدّاً ولا كفَّارة.
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية عَنْ الاسْتِمْنَاءِ، فَأَجَابَ:
أَمَّا الاسْتِمْنَاءُ فَالأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ , وَعَلَى فَاعِلِهِ التَّعْزِيرُ ; وَلَيْسَ مِثْلَ الزِّنَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. "الفتاوى الكبرى" (3/439) .
ثالثاً:
إن تبيَّن أن غشاء البكارة قد زال بفعل العادة السرية فإنه لا سبيل لكِ إلا مصارحة الخاطب بما حصل معك، دون داعٍ للتفصيل الذي يسبب لك إحراجاً، فيكفي أن يعلم أنه قد حصل هذا من غير فاحشة، لأن غشاء البكارة يمكن أن يزول بسبب الرياضة أو الضرب أو السقوط أو المرض.
ولن تُفضحي إذا تبتِ إلى الله وصدقتِ في توبتك، فالله تعالى ستِّير يحب الستر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1785)
حكم من يضع شيئاً في دبره وكيف نعالجه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يضع شيئاً في دبره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يطهر قلبه وجوارحه، وأن يهديه لأحسن الأخلاق والأقوال والأفعال.
ثانياً:
يجب أن يعلم أن فعله هذا يدخل في مسمى " الشذوذ " وليس بهذه الأفعال يشكر المسلم ربه تبارك وتعالى، وليس بهذا يحافظ المسلم على ما رزقه ربه تبارك وتعالى من نعَم جليلة، وحري به أن يترفع عن هذه الأفعال الشاذة، والتي تخالف فطرة الله تعالى للإنسان السوي، وتخالف الشرائع المنزلة كلها، ويمقته بسببها كل ذي عقلٍ سليم.
ثالثاً:
يجب أن يعلم أن مثل هذه الأفعال الشاذة صادفت قلباً خاوياً فتمكنت منه، ويجب عليه أن يصارح نفسه بالتخلص من الأسباب التي جعلته يدخل في سلك " الشاذين "، ولعل من هذه الأسباب – بل هو أعظمها – فراغ القلب من الإيمان، وخلو النفس من الحياء من الله تعالى وملائكته، والنظر المحرَّم إلى المسلسلات والأفلام والأفعال الشاذة، وفراغ حياته من العمل المفيد، وابتعاده عن الزواج، وحبه للبقاء وحده، وهكذا في قائمة طويلة من الأسباب التي تؤدي بالإنسان للوقوع في الفواحش ورذائل الأفعال.
رابعاً:
ويجب عليه المبادرة إلى ترك هذه الأفعال الشاذة، والصلح مع ربه عز وجل، والسعي نحو إعمار قلبه بالإيمان، وحياته بالعمل الصالح والنافع لدينه ودنياه، ويجب عليه أن يحرص على المسارعة لإحصان نفسه بالتزوج من امرأة صالحة تعينه على إعفاف نفسه، وإحصان فرجه، وطاعة ربه، ويجب عليه التخلص من مشاهدة المحرمات والبقاء وحده في خلوة تسهِّل له الوقوع في الفواحش.
خامساً:
واعلم - كذلك – أنه يسبب لنفسه آلاماً نفسية وبدنية، فما يفعله سيرى عواقبه الوخيمة على بدنه بعد فترة، وسيرى كم سيعاني من آلام نفسية تحرمه النوم والهناء بالطعام والشراب، وسيرى كم سيعاني من آلام بدنية تحرمه الهناء في قضاء الحاجة، وكم سيعاني من التهابات وتقرحات إذا استمر على أفعاله الشاذة هذه.
سادساً:
وهو يحتاج إلى من يبين له تحريم ما يفعله ويذكره ويعظه.
فعلى من ابتلي بشيء من هذه الأعمال المحرمة أن يتذكر أمرين اثنين:
1. الحياء من الله تعالى وملائكته ومن نفسه.
2. والخوف من الموت وأن يميته الله عز وجل وهو يفعل هذا في نفسه.
أما الحياء:
فنحن نعلم أنه يعتقد أن الله تعالى يراه على كل أحواله، لكن لعله يغفل عن هذا وقت فعل المعصية، ولو استقرت هذه العقيدة في قلبه على الدوام لاستحيى من الله أن يراه مقصراً في طاعة، أو مرتكباً لمعصية، قال الله عز وجل: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) العلق/14، وقال عز وجل: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ق/16، وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: إنا نستحي، قال: ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبِلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء " وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1724) .
ولله در من قال:
وإذا خلوتَ بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحيي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
وهو يعتقد أن الله تعالى وكَّل به ملائكة كراماً يرونه ويسمعونه، ويكتبون ما يفعله من حسنات وسيئات، وهم لا يفارقونه على جميع أحواله، ولو أنه استحيى منهم لترك ما يفعله من شذوذ.
قال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ. كِرَاماً كَاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) الانفطار/10 – 12.
قال ابن القيم رحمه الله:
أي: استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثل عمله , فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟!
" الجواب الكافي " (ص 75) .
وقال بعض السلف: إن معكم مَن لا يفارقكم، فاستحيوا منهم، وأكرموهم.
وإذا كان يستحيي أن يفعل هذا أمام الناس، فكيف لا يستحي من الله تعالى وملائكته!
وأما الموت:
فليعلم أنه لا يدري متى يأتيه ملك الموت ليقبض روحه، ولا يدري الحال التي يكون عليها، فهل يرضى أن تكون منيته الآن وقبل توبته؟ وهل يرضى أن تُقبض روحه وهو يمارس هذه الأفعال الشاذة؟ ألا يعلم أن الأعمال بالخواتيم؟ ألا يعلم أن الله يبعث الناس على ما ماتوا عليه؟ فكيف سيكون حاله عند خروجه من قبره ليوم النشور؟! وماذا سيقول لربه عز وجل حين يقف بين يديه؟!
قال بعض السلف: " شيئان قطعا عني لذة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى ".
وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يجمع العلماء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة، فيبكون حتى كن بين أيديهم جنازةَ.
وقال بعض السلف: مَن أكثر مِن ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة.
وليعلم أن حسن الخاتمة لا تكون إلا لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، وأن سوء الخاتمة تكون لمن كان له فساد في الباطن، أو إصرار على الكبائر، وليعلم أن الإنسان يموت على ما يعيش عليه، ويختَم له بما داوم عليه ولم يتركه.
قيل لرجل وهو في سياق الموت يحتضر: قل " لا إله إلا الله "، فجعل يغني؛ لأنه كان مفتوناً بالغناء.
وقيل لشارب خمر عند الموت: قل " لا إله إلا الله "، فجعل يقول: اشرب واسقني.
ولعلَّ فيما ذكرناه كفاية له ليترك ما هو عليه من سوء فعل، وليرجع إلى ربه عز وجل، وليدعوه أن يوفقه ويهديه، وقد ذكرنا مزيداً من النصائح والتوجيهات في جواب السؤال (20068) نرجو منه الاطلاع عليه.
ونسأل الله تعالى أن يهديه ويصلح باله.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1786)
هل يجوز الحلف كاذباً للصلح بين المتخاصمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الحلف كاذباً للصلح بين المتخاصمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في المؤمن الصدق، وألاّ يتكلم إلا صواباً وحقّاً؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) رواه البخاري (5743) ومسلم (2607) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ولإصلاح ذات البين أهمية كبيرة في الشرع، وقد رتب على هذا الإصلاح أجوراً عظيمة، كما ورد التحذير الشديد من إفساد ذات البين، ولأهمية إصلاح ذات البين في المجتمع المسلم ولخطورة الشقاق والخلاف: فقد أباح الله عز وجل الكذب من أجل الإصلاح ومن أجل رفع الشقاق والنزاع الذي تكون نتيجته سلبية على دين الفرد والجماعة.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟) قالوا: بلى، قال: (صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة) . رواه الترمذي (2509) وقال: " هذا حديث صحيح، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين) " انتهى.
ومن أكرمه الله ووفقه للإصلاح بين المسلمين فاحتاج إلى الكذب من أجل الإصلاح فلا حرج عليه في ذلك، ولا يجوز وصفه بالكذب، لأنه إنما كذب لأمر عظيم فيه من المصالح الشرعية ما جعل الكذب في هذا الموطن مباحاً، كما في الصحيحين من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا ويقول خيراً) رواه البخاري (2546) ومسلم (2605) .
وأما حلف اليمين كاذباً من أجل الإصلاح: فالظاهر جوازه.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" ... فالمشروع للمؤمن أن يقلل من الأيمان ولو كان صادقا؛ لأن الإكثار منها قد يوقعه في الكذب، ومعلوم أن الكذب حرام، وإذا كان مع اليمين صار أشد تحريماً، لكن لو دعت الضرورة أو المصلحة الراجحة إلى الحلف الكاذب فلا حرج في ذلك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا ويقول خيراً. قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها) رواه مسلم في الصحيح.
فإذا قال في إصلاحٍ بين الناس: والله إن أصحابك يحبون الصلح، ويحبون أن تتفق الكلمة، ويريدون كذا وكذا، ثم أتى الآخرين وقال لهم مثل ذلك، ومقصده الخير والإصلاح: فلا بأس بذلك للحديث المذكور.
وهكذا لو رأى إنساناً يريد أن يقتل شخصاً ظلماً أو يظلمه في شيء آخر، فقال له: والله إنه أخي، حتى يخلصه من هذا الظالم إذا كان يريد قتله بغير حق أو ضربه بغير حق، وهو يعلم أنه إذا قال: أخي تركه احتراما له: وجب عليه مثل هذا لمصلحة تخليص أخيه من الظلم.
والمقصود: أن الأصل في الأيمان الكاذبة المنع والتحريم، إلا إذا ترتب عليها مصلحة كبرى أعظم من الكذب، كما في الثلاث المذكورة في الحديث السابق " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 54) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1787)
عندها إشكال في إجابة سؤال حول محادثة النساء للرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرت في السؤال رقم 6453 حول العلاقة بين الجنسين ما نصه: " فالمحادثة - بالصوت أو الكتابة - بين الرجل والمرأة في حدِّ ذاته من المباحات، لكن قد تكون طريقاً للوقوع في حبائل الشيطان. ومَن علم مِن نفسه ضعفاً، وخاف على نفسه الوقوع في مصائد الشيطان، وجب عليه الكف عن المحادثة، وإنقاذ نفسه.ومن ظنَّ في نفسه الثبات واليقين، فإننا نرى جواز هذا الأمر في حقِّه لكن بشروط " والحمد لله فقد فهمت المقصود إلى هذا الجزء، لكن أشكل علي الجزء الآخر "1-يجب ألا يسمح بالخروج كثيراً عن الموضوع مثار النقاش، أو أن يكون لغرض الدعوة إلى الإسلام ".
وسؤالي هو: حسب الشريعة ما هي الأمور التي تعتبر من المواضيع التي يباح الحديث حولها في المقام الأول؟ مثلاً: نحن نعلم أن الإسلام هو موضوع يجوز الحديث حوله، لكن ما هي الأمور الأخرى التي يمكننا تناولها في النقاش - إن وُجدت -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (1497) ، ومما جاء فيه:
" فالكلام مع المرأة الأجنبية إنما يكون لحاجة، كاستفتاء وبيع وشراء أو سؤال عن صاحب البيت ونحو ذلك وأن يكون مختصرا دون ريبة لا في موضوعه ولا في أسلوبه.
أمّا حصر الكلام مع المرأة الأجنبية في الأمور الخمسة الواردة في السؤال - وهي: أن يسأل عن حال أسرتها، والأغراض الطبية، وفي البيع والشراء، ولسؤالها للتعرف عليها عند الزواج، وللدعوة إلى الإسلام - ففيه نظر إذ إنّها قد تصلح للمثال لا للحصر، بالإضافة إلى الالتزام بالشروط الشرعية في الكلام معها حتى فيما تدعو الحاجة إليه من الدّعوة أو الفتوى أو البيع أو الشراء وغيرها. والله تعالى أعلم "
وفي جواب السؤال رقم (1121) :
" والمرأة غير ممنوعة من الكلام مع الأجنبي عند الحاجة، كأن تباشر معه البيع وسائر المعاملات المالية لأنها تستلزم الكلام من الجانبين، كما أن المرأة قد تسأل العالم عن مسألة شرعية أو يسألها الرجل كما هو ثابت ذلك بالنصوص من القرآن والسنة، وبهذه الضوابط السابقة يكون كلامها لا حرج فيه مع الرجل الأجنبي. وكذلك يجوز تسليم الرجل على النساء، والنساء على الرجال على الراجح، ولكن ينبغي أن يكون هذا السلام خالياً مما يطمع فيه مرضى القلوب، بشرط أَمن الفتنة، وملاحظة ما تقدّم من الضوابط.
أما إذا خيفت الفتنة من جرّاء السلام فيحظر سلام المرأة ابتداءً، وردها للسلام، لأن دفع الفتنة بترك التسليم دفع للمفسدة، ودفع المفاسد أولى من جلب المنافع.
يراجع " المفصل في أحكام المرأة " عبد الكريم زيدان (3 / 276) . والله أعلم
وبهذا يُعلم أننا لا نقصد الكلام العام من غير حاجة، ولا الإكثار من الكلام الخاص، بل يكون ذلك بقدر الحاجة للجواب.
والتفصيل في الكلام المباح أو في المسائل الشرعية دون حاجة يؤدي إلى إزالة أو إذابة الحواجز بين الطرفين، ويجرِّئ كل واحد منهما على الآخر، وقد يؤدي ذلك إلى ما لا تُحْمَد عقباه.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1788)
والدتها تظلم الخَدم ولا تستجيب للنصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي والدة طبيعتها قاسية بعض الشيء، تعامل الخدم بقسوة لأنها مرت بتجربة مع الخدم جعلتها لا تثق فيهم، وإذا ما نصحتها تغضب عليَّ وتقول: إني أفضِّل الخادمة عليها، فلا أستطيع أن أتكلم إذا ما فعلتْ في الخادمة شيئاً، ولا أستطيع أن أسكت لأني أراها تظلمها فماذا عليَّ أن أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دعت المسلمَ قدرتُه إلى ظلم من جعله الله تحت ولايته وسلطانه من خادم، أو عامل، أو رعية: فليتذكر قدرة الله عليه.
عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنتُ أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعتُ صوتاً من خلفي: (اعلم أبا مسعود) فلم أفهم الصوت من الغضب قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: (اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود) قال: فألقيتُ السوط من يدي، فقال: (اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام) قال: فقلت: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً. رواه مسلم (1659) .
وقد جعل الله تعالى نبيَّنا محمَّداً صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوةً لنا، نقتدي ونهتدي بهديه صلى الله عليه وسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خلُقاً مع خدمه، فلم يكن يعنفهم ولا يضربهم ولو خالفوا قولَه، وهذا أنس رضي الله عنه كان قد خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ووصف لنا هديه في تعامله معه.
فعنه رضي الله عنه قال: خدمتُ النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعتَ ولا ألاَ صنعتَ. رواه البخاري (6690) ومسلم (2309) ، وفي لفظٍ لمسلم: (ولا عاب عليَّ شيئاً قط) . وفي رواية أخرى لمسلم (2310) : قال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن أحسن الناس خلقاً فأرسلني يوماً لحاجة فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم، فخرجتُ حتى أمرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي قال: فنظرتُ إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس أذهبتَ حيث أمرتُك؟ قال: قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمتُه قال لشيء صنعتُه لم فعلتَ كذا وكذا، أو لشيء تركتُه هلاَّ فعلتَ كذا وكذا.
قال النووي:
وأما قوله: (تسع سنين) , وفي أكثر الروايات (عشر سنين) : فمعناه أنها تسع سنين وأشهر ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشر سنين تحديداً لا تزيد ولا تنقض , وخدمه أنس في أثناء السنة الأولى، ففي رواية " التسع " لم يحسب الكسر , بل اعتبر السنين الكوامل , وفي رواية " العشر " حسبها سنة كاملة , وكلاهما صحيح.
وفي هذا الحديث: بيان كمال خُلُقه صلى الله عليه وسلم وحُسن عِشرته وحِلمه وصَفحه.
"شرح مسلم" (15/71) .
وقد وردت في السنة المطهرة الحقوق التي يجب أن تؤدَّى إلى العمَّال والأجراء والعبيد الذين يكونون تحت سلطان المسلم وملكه، وهذه الشريعة العالمية جاءت بما لم تأت به شرائع السماء قبلها، ولا لحقت بها تشريعات الأرض، فالواجب على المسلم أن يفخر بانتسابه لهذه الشريعة وأن يبادر للعمل بأحكامها.
عن المعرور بن سويد قال: رأيتُ أبا ذر وعليه حلَّة وعلى غلامه مثلها فسألتُه عن ذلك قال: فذكر أنه سابَّ رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيَّره بأمِّه قال: فأتى الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك امرؤ فيك جاهلية! إخوانُكم وخَوَلُكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه. رواه البخاري (30) ومسلم (1661) .
قال الحافظ ابن حجر:
والخَوَل: هم الخدم سموا بذلك لأنهم يتخولون الأمور أي: يصلحونها , ومنه الخولي لمن يقوم بإصلاح البستان.
وقوله: " تحت أيديكم " مجاز عن القدرة أو الملك.
وفي الحديث: النهي عن سب الرقيق وتعييرهم بمن ولدهم , والحث على الإحسان إليهم والرفق بهم , ويلتحق بالرقيق من في معناهم من أجير وغيره.
وفيه: عدم الترفع على المسلم والاحتقار له.
"فتح الباري" (5/175) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرّاً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره) رواه البخاري (2114) .
ومن خلال الأحاديث السابقة يمكن أن نجمع حقوق الخادم والآداب التي يجب على المخدوم والسيد أن يسلكها في تعامله معهم، وهذه الحقوق والآداب هي:
1. أن يُطعم خادمه مما يطعم.
2. أن يُلبسه مما يلبس.
3. أن لا يكلفه ما لا يطيقه، فإن فعل أعانه عليه.
4. أن يعطيه من الأجر ما يناسب عمله ومجهوده.
5. أن لا يسبه، ولا يشتمه، ولا يضربه.
6. أن يحسن معاملته ويكرمه.
7. أن يتجاوز عن خطئه وتقصيره.
فالواجب على أمكِ أن تتقي الله تعالى في تعاملها مع خدمها، ولتعلم أن الله تعالى أقدر عليها منها على خدمها، ولتعلم أن الأيام دُوَل، فلا يؤمن تغير الزمان وسلب النعمة بسبب مثل هذه التصرفات، لذا ينبغي للمسلم العاقل أن يتفطن لهذا ويتنبه، ويجب عليه شكر النعمة حتى يزيده الله تعالى من فضله.
ولعل والدتك إذا اطلعت على ما ذكرناه من أحاديث وأحكام وآداب وتنبيهات أن ترجع عن قسوتها وغلظتها مع الخدم، وأن تتوب لربها، وتستسمح ممن ظلمتهم، وأن تكرمهم قبل أن يأتي يوم لا درهم فيه ولا دينار، إنما هي الحسنات والسيئات، فكم من مسلم يُتعب نفسه في الدنيا بطاعات وأعمال لكن أجورها قد تضيع عليه في الآخرة بأخذها منه وإعطائها لمن تعدى عليهم في الدنيا بسب أو شتم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثمَّ دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه) .
رواه البخاري (6169) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه مسلم (2581) .
والواجب عليكِ نصيحة والدتكِ وتكرار نصحها، وعدم اليأس من هدايتها وتوبتها، على أن يكون ذلك برفق ولين، مراعاة لحق الأم، فإن حقها عظيم، ولا تهتمي بغضبها عليكِ؛ لأنه غير محقة في هذا، وأنتِ مأجورة إن صبرتِ على ظلمها.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
عن رجل سُرق له مبلغ فظن في أحد أولاده أنه هو أخذه، ثم صار يدعو عليه، وهجره، وهو بريء ولم يكن أخذ شيئاً فهل يؤجر الولد بدعاء والده عليه؟
فأجاب:
" نعم، إذا كان الولد مظلوماً: فإن الله يكفِّر عنه بما يظلمه، ويُؤجره على صبره، ويأثم من يدعو على غيره عدواناً " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (31/303) .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1789)
حكم نظر المرأة للرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال الأجانب عنها، أم أن ذلك حرام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ـ رحمه الله ـ:
ما حكم نظر المرأة للرجل من خلال التليفزيون أو النظرة الطبيعية في الشارع؟
فأجاب:
نظر المرأة للرجل لا يخلو من حالين سواء كان في التلفزيون أو غيره.
1- نظر شهوة وتمتع فهذا محرم لما فيه من المفسدة والفتنة.
2- نظرة مجردة لا شهوة فيها ولا تمتع فهذه لا شيء فيها على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهي جائزة لما ثبت في الصحيحين (أن عائشة رضي الله عنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسترها عنهم) وأقرها على ذلك.
ولأن النساء يمشين في الأسواق وينظرن إلى الرجال وإن كن متحجبات، فالمرأة تنظر إلى الرجل وإن كان هو لا ينظرها، بشرط ألا تكون هناك شهوة وفتنة فإن كانت شهوة أو فتنة فالنظرة محرمة في التلفزيون وغيره.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى المرأة المسلمة 2/973.(7/1790)
يريد أن ينظر إلى النساء في الشارع بنية الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في دولة كافرة ذات فتن كثيرة، وأريد الزواج وأبحث عن زوجة بمواصفاتي الشخصية وخصوصاً الجمال وأعرف أنه من الجائز النظر للنساء بنية الخطبة فهل يجوز لي النظر إلى النساء في الشارع من أجل اختيار من أتقدم لخطبتها؟ وهل يجوز إذا اخترت فتاة ما وأعجبتني وأريد أن أتأكد أنها تعجب أهلي (وهم يعيشون في بلد آخر) أن أريها لصديق لي ولو لثوانٍ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز النظر إلى النساء في الشارع، إذ إن الله تعالى أمر المؤمنين بغض أبصارهم، قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) النور/30، وفتح العبد هذا الباب على نفسه أمر خطير، والشيطان يزين له في البداية أمر الخطبة، حتى يصبح هذا الأمر عادة عنده، فينظر إلى النساء لا بغرض الخطبة، بل لغرض متابعتهن، والنظر في حسنهن.
والذي يريد الخطبة، فإنه لا ينظر إلى المتبرجات في الشوارع لاسيما في تلك البلاد الكافرة، التي يكون أكثر أهلها كفارا أو فساقا، بل إنه يسأل أهل الفضل والمعرفة، عن النساء الفاضلات الصالحات، فيأتي البيوت من أبوابها.
أما نظرك إلى النساء في الشوارع، فهو نظر إلى الجمال الظاهر، دون الجمال الباطن، الذي هو أولى وأهم من الجمال الظاهر، وما الفائدة أن يتزوج الرجل أجمل الجميلات، ولا يكون عندها من حسن الخلق ولا من أمر الدين شيء.
فعليك بمراجعة نفسك وتنظر في الصفات التي ينبغي أن تتوفر فيمن تختارها للزواج بها، وأهم ذلك أن تكون صاحبة دين وخلق، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (5090) ، ومسلم (1466) .
وليس المراد من الزواج مجرد قضاء الشهوة والاستمتاع، حتى يكون الرجل لا هَمَّ له إلا الجمال، بل الزواج أسمى من ذلك فعليك بدراسة الأوصاف الحقيقة لشريكة العمر، تلك الأوصاف التي تجعل من حياتك سعادة وهناء، لا سعادة مؤقتة تزول بزوال الشهوة، ويبقى الكدر بعد ذلك، والله أعلم.
ولا يجوز لك أن تري صديقك من تريد خطبتها، ولا يجوز له النظر إليها.
وينبغي أن يكون عند الرجل غيرة على أهله وعرضه، وقد تعجب الصحابة رضي الله عنهم من شدة غيرة سعد بن عبادة رضي الله عنه، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟! لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي) رواه البخاري (6846) مسلم (1499) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1791)
افترت على زوجها كذباً، فكيف تبرئ ذمتها من هذا الأمر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي قريبة بعد زواجها بيومين عادت إلى منزل أبيها وذكرت له أن الرجل الذي تزوجته لا يصلي وأنه أسمعها كلاما بذيئا لا يقوله عاقل، وطلبت من والدها طلب الطلاق. وكان مهرها (40.000) ريال. وبعد تعقد الأمور ومماطلة الزوج بتقديم ورقة الطلاق اتفقوا على إرجاع (30.000) ريال من المهر.
السؤال الأول: تقول المرأة هل علي شيء في أخذ هذه العشرة آلاف. وأنا أريد أن أرجعها له إبراءً لذمتي لكني لا أستطيع فهل أتبرع بها؟
السؤال الثاني: تقول المرأة إنها أخبرت والدها بالكلام الذي قاله لها الزوج والتصرفات التي تصرفها معها وهي صادقة بذلك , ولكنها ذكرت لوالدها عدة أمور لم يفعلها الزوج ولم يقلها فهل هذا بهتان وكيف تتحلل منه علما أنها لا تستطيع الذهاب إليه بل لا تعرف مكانه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: الأصل أن المطلقة بعد الدخول تستحق المهر كاملا، وكون الزوج لم يطلقها إلا بعد رد المهر إليه، فهذا خلع، وهو جائز بالمهر وبأقل أو بأكثر منه.
وعليه فلا يلزم قريبتك أن ترد العشرة آلاف إلى زوجها السابق، ما دام أنه قد تم الاتفاق على إسقاطها.
ثانيا: إذا كانت المرأة قد نسبت لزوجها أفعالا وأقوالا هو بريء منها، فهذا بهتان محرم. والواجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى، وتدعو وتستغفر لذلك الزوج، ولا يلزمها إعلامه ولا التحلل منه. وهكذا كل من اغتاب أو بهت إنسانا، فإنه لا يشترط في التوبة إعلامه بذلك؛ لما يترتب عليه من إيغار الصدور، وزيادة البغض.
قال ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب ص219:
" الفصل الخامس والستون فيما يقول من اغتاب أخاه المسلم:
يُذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته، تقول: اللهم اغفر لنا وله) . ذكره البيهقي في الدعوات الكبير، وقال: في إسناده ضعف.
وهذه المسألة فيها قولان للعلماء، هما روايتان عن الإمام أحمد، وهما هل يكفي في التوبة من الغيبة الاستغفار للمغتاب أم لا بد من إعلامه وتحليله؟
والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه، بل يكفيه الاستغفار وذكرُه بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. والذين قالوا: لا بد من إعلامه، جعلوا الغيبة كالحقوق المالية. والفرق بينهما ظاهر؛ فإن الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه، فإن شاء أخذها وإن شاء تصدق بها. وأما في الغيبة فلا يمكن ذلك ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصود الشارع، فإنه يوغر صدره ويؤذيه إذا سمع ما رُمي به، ولعله يهيج عداوته ولا يصفو له أبدا. وما كان هذا سبيله فإن الشارع الحكيم لا يبيحه ولا يجوزه، فضلا عن أن يوجبه ويأمر به. ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها، لا على تحصيلها وتكميلها. والله تعالى أعلم ".
وقال السفاريني في شرح منظومة الآداب (2/577) :
" وذكر ابن عبد البر في كتابه بهجة المجالس، قال حذيفة رضي الله عنه: كفارة من اغتبته أن تستغفر له. وقال عبد الله بن المبارك: التوبة من الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته. . .
قال في الآداب الكبرى: ومثل قول ابن المبارك اختار الشيخ تقي الدين وابن الصلاح الشافعي في فتاويه.
وقال شيخ الإسلام رضي الله عنه بعد أن ذكر الروايتين في المسألة المذكورة: فكل مظلمة في العرض، من اغتيابِ صادقٍ، وبهت كاذبٍ فهو في معنى القذف؛ إذ القذف قد يكون صادقا فيكون غيبة , وقد يكون كاذبا فيكون بهتا , واختار أصحابنا أنه لا يُعلمه بل يدعو له دعاء يكون إحسانا إليه في مقابلة مظلمته كما روي في الأثر , وهذا أحسن من إعلامه , فإن في إعلامه زيادة إيذاء له , فإن تَضَرُّرَ الإنسان بما علمه من شتمه أبلغ من تَضَرُّره بما لا يعلم. ثم قد يكون ذلك سبب العدوان على الظالم أولاً، إذ النفوس لا تقف غالبا عند العدل والإنصاف , ففي إعلامه هاتان المفسدتان. وفيه مفسدة ثالثة - ولو كانت بحق - وهو زوال ما بينهما من كمال الألفة والمحبة أو تجدد القطيعة والبغضة، والله تعالى أمر بالجماعة، ونهى عن الفرقة , وهذه المفسدة قد تعظم في بعض المواضع أكثر من بعض ... ) انتهى.
ومن رأى من أهل العلم وجوب التحلل من المظلوم في هذه المسألة، استثنى حالة موته أو غيابه، فيُكتفى حينئذ بالاستغفار والدعاء له والإكثار من الحسنات.
انظر: "الأذكار" للنووي (ص 308) .
وانظر السؤال (6308) ، (23328) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1792)
هل يجوز له خداع حكومة الكفار وأخذ الأموال منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هنا في إحدى الدول الغربية يعطون لكل متقدم لطلب الإقامة مرتباً شهرياً، ويقال لكل متقدم: إذا حصلت على عمل يجب أن تقول لنا، لكي يتم إيقاف المرتب الشهري، ويبقى مرتب العمل فقط، وهم يأخذون من مرتب العمل 30% ضرائب، فهل يجوز التهرب من الضرائب بأن لا تقول إني تحصلت على عمل، وبهذا تحصل على المرتب الشهري ومرتب العمل، وأنا هنا من أجل العمل والدراسة وليس الإقامة الدائمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق عدة مرات بيان الأدلة على أنه لا يجوز لمسلم أن يقيم في دولة من دول الكفر إلا للحاجة أو الضرورة، وبشروط معينة.
انظر الأسئلة: (3225) ، (13363) .
ثانياً:
من دخل من المسلمين إلى تلك البلاد وجب عليه الالتزام بما اشترطوه عليه من شروط.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1.
ولا يحل له خيانتهم ولا الغدر بهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) رواه أبو داود (3534) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم من خصال المنافقين: (إِذَا عَاهَدَ غَدَرَ) رواه البخاري (34) ومسلم (58) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل أصحابه لقتال المشركين، وكان مما يوصيهم به: (لا تَغْدِرُوا) رواه مسلم (1731) .
وهذا مما يبين عظمة الإسلام، وكمال تشريعاته، حيث ينهى أبناءه عن الغدر والخيانة حتى مع أعدائهم!
وهذه الدولة سمحت لك بالإقامة بعدة شروط، فيلزمك الوفاء بها.
وعلى هذا، لا يجوز لك أن تكتم عنهم عملك حتى تتهرب من دفع الضرائب، وتأخذ من أموالهم الراتب الشهري وهو لا يحل لك.
والله أعلم.
وانظر السؤال رقم (5218) ، (14367) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1793)
حكم الدفاع عن أعراض الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدفاع عن أعراض الكفار؟ فأنا شتمت يوماً عرض كافر فرد عليّ أحد المسلمين وقام يدافع عن عرض هذا الكافر. فما حكم الدفاع عن أعراضهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس من خلق المسلم السب ولا الشتم ولا قذف الأعراض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِاللَّعَّانِ وَلا الطَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ) رواه أحمد (3948) والترمذي (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ترك سب اليهودي المستحق للسب، وعلل ذلك بأن الله لا يحب الفحش.
روى البخاري (6401) عن عائشة رضي الله عنها: أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ. قَالَ: وَعَلَيْكُمْ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمْ اللَّهُ، وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلا يَا عَائِشَةُ! عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ أَوْ الْفُحْشَ. قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ.
وفي رواية لمسلم (2165) : (فَفَطِنَتْ بِهِمْ عَائِشَةُ فَسَبَّتْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن لا يتعود لسانها بالفحش أو أنكر عليها الإفراط في السب " انتهى من فتح الباري (11/43) .
ثانياً:
الكافر لا يخلو من حالين:
إما أن يكون محارباً للمسلمين، فهذا لا حرمة له.
وإما أن يكون معاهداً أو ذمياً، فهو معصوم النفس والعرض والمال، فلا يجوز الاعتداء عليه. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتداء على الكافر المعصوم وظلمه بقوله: (أَلا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه أبو داود (3052) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
(مُعَاهدًا) : أَيْ: ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا.
(أَوْ اِنْتَقَصَهُ) : أَيْ نَقَصَ حَقّه. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: عَابَهُ.
(فَأَنَا حَجِيجه) أَيْ خَصْمه وَمُحَاجّه وَمُغَالِبه بِإِظْهَارِ الْحِجَج عَلَيْهِ.
انتهى من "عون المعبود".
وقال الصنعاني: في سبل السلام (2/663) عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ) قال:
" مَفْهُومِ قَوْلِهِ: (الْمُسْلِمِ) دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ سَبِّ الْكَافِرِ , فَإِنْ كَانَ مُعَاهَدًا فَهُوَ أَذِيَّةٌ لَهُ , وَقَدْ نَهَى عَنْ أَذِيَّتِهِ فَلا يُعْمَلُ بِالْمَفْهُومِ فِي حَقِّهِ , وَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا جَازَ سَبُّهُ إذْ لا حُرْمَةَ لَهُ " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (24/142) :
" سَبُّ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ مَعْصِيَةٌ , وَيُعَزَّرُ الْمُسْلِمُ إنْ سَبَّ الْكَافِرَ. قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: سَوَاءٌ أَكَانَ حَيًّا , أَوْ مَيِّتًا , يَعْلَمُ مَوْتَهُ عَلَى الْكُفْرِ. وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ: التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى " انتهى.
وفيها أيضاً: (30/139) :
" فَلأَهْلِ الْعَهْدِ أَنْ يُؤَمَّنُوا عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ , وَعَلَى الإِمَامِ حِمَايَتُهُمْ مِنْ كُلِّ مَنْ أَرَادَ بِهِمْ سُوءًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَغَيْرِهِمْ , فَلا يُظْلَمُونَ فِي عَهْدِهِمْ وَلا يُؤْذَوْنَ " انتهى.
وإذا كان السب بالقذف بالزنى فإن قبحه أشد، وقد نص العلماء رحمهم الله على تعزير من فعل ذلك.
انظر: "المغني" (9/48) ، "الفروع" (6/108) ، "الإنصاف" (10/203) ، "نصب الراية" (4/173) .
والحاصل أن من دافع عن عرض الكافر، بمعنى أنه أنكر على من سبه بغير حق، فلا شئ عليه، بل هو مصيب؛ فليس من شأن المسلم الطعن في الأعراض. وكذلك لو أرشده إلى ترك السب والبذاء، فهو محسن مأجور إن شاء الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1794)
لا يجوز "تحضير" نفسك في محاضرة غبت عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في الكلية فهل يجوز لي أن أقوم بتحضير نفسي في محاضرة لم أحضرها مع علم المختصة ـ المشرفة ـ بهذا الأمر بل أحيانا بطلب منها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك تحضير نفسك في محاضرة قد غبت عنها؛ لأن ذلك من الكذب. وليس للمشرفة أن تسمح لك بذلك، لما فيه من الإعانة على الإثم، وخيانة الأمانة، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1795)
حكم أخذ أموال الكفار غدراً
[السُّؤَالُ]
ـ[نعيش في إحدى الدول الغربية، وكان أحد الإخوة يتلقى مالاً من قبل الحكومة تحت نظام يسمى " الخدمة الاجتماعية "، وقد تعاقد معهم على شروط معينة منها: أن يخبرهم بأي مبلغ يدخل عليه من أي جهة، ولكنه بعد مدة تحصل على عمل ولم يستلم أي مبلغ من صاحب العمل إلا بعد أربعة أشهر، وفي خلال هذه الأربعة أشهر لم يبلغهم بشيء لأنه لم يستلم شيئاً، ولكنه في الشهر الخامس استلم ماله من صاحب العمل كاملاً، ولكنه أنفقه كله في سداد ديْن عليه، ثم بعد ذلك أخبر المسئول عليه في " الخدمة الاجتماعية " أنه تحصل على عمل وترك الخدمة، فما حكم المال الذي استلمه في الأربعة الأشهر؟ هل عليه رده للحكومة - علما بأنه كان مشروطا عليه أن يخبرهم عن ديْنه ولم يفعل -؟ والأمر الآخر أنه لا يملك المبلغ الذي أخذه كاملاً، والثالث: أنه إذا أخبرهم الآن قد يصل الأمر إلى الشرطة ويكون في مشكلة كبيرة وقد يعفى عنه، وذلك حسب الشخص الذي يكون مسئولا على ذلك، علما بأن الأخ نادمٌ على ذلك ويريد الخلاص.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخذ أموال الكفار على سبيل الغدر والخيانة محرَّم؛ لأن الغدر محرم في الإسلام سواء مع المسلم أم مع الكافر.
والواجب على المسلم احترام العقد الذي بينه وبين تلك البلاد، حتى لو كانت كافرة، فإن كفرها لا يبيح نقض عهدها ولا خيانتها وأكل أموالها بالباطل.
وكان الواجب على الأخ أن يعترف بعمله بغض النظر عن ديْنه الذي كتمه عنهم.
وإذا وفق اللهُ المسلمَ للتوبة من أخذ أموال الناس بغير حق، فمن شروط هذه التوبة إرجاع الحقوق إلى صاحبها وإن كان كافراً، فإن كان هناك خوف من الفضيحة أو مضايقات جنائية في رد الحق إلى مكتب الخدمة الاجتماعية: فإنه يجوز له أن يبحث عن الطريقة المناسبة التي تحفظ له كرامته ويُرجع فيه الحق لأهله من غير أن يحرج نفسه بأن يرسل له المبلغ بالبريد أو يوكل أحداً بإبلاغها دون أي يذكر اسمه وما فعله معهم؛ وذلك لأنه لا يشترط على من أراد أن يرجع الحقوق لأهلها أن يكشف عن نفسه وهويته؛ إذ المقصود هو رجوع الحق إلى صاحبه.
ولمعرفة الأدلة على هذا الحكم، وأقوال العلماء، وما يجب عليه بعد التوبة: انظر أجوبة الأسئلة: (47086) و (7545) و (14367) و (31234) .
وكونه لا يملك هذا المبلغ كاملاً، فإنه يرد ما معه الآن ويكون الباقي دَيْناً لذمته يلزمه رده متى استطاع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1796)
النهي عن ذكر محاسن امرأة أخرى عند زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ينهى عن أن تذكر الزوجة لزوجها محاسن ومفاتن أمرأة أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا) رواه البخاري (5240) .
قال الحافظ ابن حجر:
قال القابسي: الحكمة في هذا النهي خشية أن يعجب الزوج الوصف المذكور فيفضي ذلك إلى تطليق الواصفة أو الافتتان بالموصوفة.
" فتح الباري " (9 / 338) .
(لا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ)
المباشرة بمعنى الملامسة , وأصله من لمس البشرة البشرة , والبشرة ظاهر جلد الإنسان.
وإذا باشرتها فإنها فتحس بنعومة بدنها وغير ذلك، وقد يكون المراد مطلق الاطلاع على بدنها، مما يجوز للمرأة أن تراه ولا يجوز أن يراه للرجل.
(فَتَنْعَتَهَا) أي: تصف ما رأت من حسن بشرتها.
(كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا) : لدقة الوصف وكثرة الإيضاح، فيتعلق قلبه بها ويقع بذلك فتنة.
انظر: "فتح الباري"، "عون المعبود" (6/132) ، "فيض القدير" (9723) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1797)
يعمل في مكان مختلط ويخاف على صيامه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة ليس بها سواي من الرجال، فهل اختلاطي بالنساء يؤثر علي صيامي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل، له آثاره السيئة، ومفاسده الواضحة، على كلٍّ من الرجل والمرأة، ومن ذلك:
1- حصول النظر المحرم، وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، فقال سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النور/30، 31.
وفي صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري) .
2- قد يحصل فيه اللمس المحرم، ومنه المصافحة باليد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045) .
3- أن الاختلاط قد يوقع في خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، وهذا محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وفي رواية: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان) رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في غاية المرام (180) .
4- ومن مفاسده: تعلق قلب الرجل بالمرأة وافتتانه بها، أو العكس، وذلك من جراء الخلطة، وطول المعاشرة.
5- ما يترتب على ذلك من دمار الأسر وخراب البيوت، فكم من رجل أهمل بيته، وضيع أسرته، لانشغال قلبه بزميلته في الدراسة أو العمل، وكم من امرأة ضيعت زوجها وأهملت بيتها، لنفس السبب، بل: كم من حالة طلاق وقعت بسبب العلاقة المحرمة التي أقامها الزوج أو الزوجة، وكان الاختلاط في العمل رائدها وقائدها؟!
ولهذا - وغيره - جاءت الشريعة بتحريم الاختلاط المفضي إلى هذه المفاسد، وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط مفصلة في جواب السؤال رقم (1200) فراجعه مشكورا مأجورا.
وعليه؛ فالنصيحة لك أيها السائل أن تدع العمل المختلط، وأن تبحث عن عمل آخر، تسلم فيه من هذه المحاذير، مع اليقين بأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن من اتقى الله جعل الله من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) الطلاق/2-3.
فإن ابتليت بالبقاء في هذا العمل، فاتق الله تعالى، وغض بصرك عن النساء، وتجنب مصافحتهن، والخلوة معهن، وراقب الله تعالى، واعلم بأنه سبحانه يعلم السر وأخفى، وأنه (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر/19.
رزقنا الله وإياك الهدى والتقى، والعفاف والغنى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1798)
التحايل للحصول على فيزا لدخول أمريكا
[السُّؤَالُ]
ـ[سأتزوج بثانية إن شاء الله. وقد تقدمت بطلب تأشيرة زيارة لخطيبتي، حتى يمكننا أن نتزوج في أمريكا، لكن الطلب رُفض. وكذلك كان الحال مع طلبي لتأشيرة زيارة لمهاجر أيضا. فهل يحرم استخدام هوية شخص غيرها لتتمكن من دخول أمريكا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أرى أنه لا يجوز التلبيس أو الكذب في مثل هذا إذا رُفض الطلب الأول يقدم طلب ثاني ويذكر التعليلات أما كونه يستخدم جواز غيره أو هوية آخر أو يأخذ فيزا غيره فنرى أن في هذا شيء من الكذب أو من التدليس عليه أن يجدد الطلب حتى يحصل له إجابة إلى ما طلب.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين.(7/1799)
مبتلى بكثرة الاستمناء في رمضان فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا عن المبتلى بكثرة الاستمناء يوميّاً، ماذا يفعل في رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح من أقوال أهل العلم أن الاستمناء محرم، ولمعرفة بيان ذلك: فليراجع جواب السؤال رقم (329) .
وأما يتعلق به من أحكام في نهار رمضان فلينظر جواب السؤال رقم: (38074) .
والواجب على الشاب أن يتقي الله تعالى ربَّه، وأن يبتعد عن المثيرات لشهوته من سماع أو نظر، وأن يستفيد من شهر رمضان بتهذيب نفسه وتقويمها، فهو شهر القرآن وشهر التقوى، فلا يليق بالمسلم أن لا يستفيد منه في ترك شهوته المحرمة ابتغاء الأجر وخوفاً من ربه تعالى. قال الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) رواه البخاري (1894) ومسلم (1151)
قال الشيخ ابن عثيمين:
يجب على الإنسان أن يصبر عن الاستمناء؛ لأنه حرام لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظونَ. إِلاَّ عَلى أَزواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ".
ولو كان الاستمناء جائزاً لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أيسر على المكلف، ولأن الإنسان يجد فيه متعة، بخلاف الصوم ففيه مشقة، فلما عدل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصوم: دل هذا على أن الاستمناء ليس بجائز.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / 189) .
وعليك أن تبذل جهدك لتتزوج لتتخلص من هذه العادة السيئة، واستعن بربك تعالى بدعائه وطاعته ليخلصك من إثم هذه العادة.
ونسأل الله تعالى أن يطهر قلبك وجوارحك، وأن يوفقك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1800)
زوج يدعي الالتزام ومدمن على القنوات الإباحية
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي حافظ للقرآن ومحافظ على الصلاة، ومعروف بين الناس بالالتزام، ولكنه مغرم بالقنوات الإباحية، وقد حدثت بيننا مشاجرات وساءت العلاقة بيننا بسبب ذلك. حاولت أن أفهمه أنه يخطئ ولكن بلا فائدة. أريد حلاً لهذه المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن زوجك – على حسب كلامك – واقع في فتنة عظيمة، ويُخشى عليه إن استمر على هذه الحال أن يترك الصلاة والخير الذي هو عليه؛ ذلك أن فتنة النظر المحرَّم تعقبها آثار سيئة على دين وخلق العاصي.
قال ابن القيم:
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.
" الجواب الكافي " (ص 106) .
وقد سبق في إجابة السؤال رقم (22917) : فوائد غض البصر، ومنها: أن غض البصر امتثال لأمر الله، أنه طهارة القلب وزكاة النفس والعمل، أنه يمنع وصول أثر السهم المسموم؛ فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، تعويض من غض بصره بحلاوة الإيمان في القلب، أنه يخلص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير هو أسير هواه وشهواته ...
فليراجع.
وفي جواب السؤال رقم (20229) بعض الوسائل المعينة على غض البصر، ومنها:
استحضار اطلاع الله عليك، ومراقبة الله لك، الاستعانة بالله والانطراح بين يديه ودعائه، مجاهدة النفس وتعويدها على غض البصر والصبر على ذلك ...
فليراجع.
وفي جواب السؤال رقم (23425) بعض آثار المعصية على صاحبها، ومنها:
حرمان العلم، حرمان الرزق، وحشة تحصل للعاصي بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس، تعسير أموره عليه، وأن العاصي يجد ظلمةً في قلبه، حرمان الطاعة، وأن المعاصي تزرع أمثالها، ويُولِّد بعضها بعضاً، وأن المعاصي تُضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، وأنه ينسلخ من القلب استقباح المعصية فتصير له عادة، لا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه فليراجع.
وفي جوابنا على سؤال رقم (33651) ذكرنا طرق مواجهة فتنة النساء.
ومما يحزننا أن زوجك من حفظة القرآن الكريم، فأين تأثير القرآن عليه؟
ونرجو أن يقرأ ما ذكرناه هنا وما أحلنا عليه من أجوبة، فلعل الله تعالى أن يهدي قلبه ويهذِّب جوارحه إلى ما يحبه ربه ويرضاه.
ونزيد هنا لأخينا شيئين:
الأول: أن يستعين بالله تعالى بطاعته ودعائه ليتخلص مما ابتليَ به، فقد سئل الشيخ محمد العثيمين عمن أصيب بهذا المرض فأجاب بقوله:
وهذا الرجل الذي ابتلي هذه البلية - نسأل الله أن يعافيه منها - هذا لا شك أنه يفعل المحرم، فإن النظر سهم من سهام إبليس - والعياذ بالله -، وكم من نظرة أوقعت في قلب صاحبها البلاء، فصار - والعياذ بالله - أسيراً لها، كم من نظرة أثرت على قلب الإنسان حتى أصبح أسيراً في عشق الصور، ولهذا يجب على الإنسان إذا ابتلي بهذا الأمر أن يرجع إلى الله عز وجل بالدعاء بأن يعافيه منه، وأن يعرض عن هذا، ولا يرفع بصره إلى أحد من النساء أو أحد من المُرد، وهو مع الاستعانة بالله تعالى واللجوء إليه، وسؤال العافية من هذا الداء سوف يزول عنه إن شاء الله تعالى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (20 / السؤال رقم 448) .
ومن الأدعية المناسبة هنا:
عن شكل بن حميد قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله علِّمني تعوذاً أتعوذ به، فأخذ بيدي ثم قال: قل: " أعوذ بك من شر سمعي وشر بصري وشر لساني وشر قلبي وشر منيي " قال: حتى حفظتها.
والمني: ماؤه، أو فرجه.
رواه الترمذي (3492) والنسائي (5444) وأبو داود (1551) . صححه الألباني في صحيح أبي داود.
والأمر الثاني: أن يعلم أنه قد يُختم له بشرِّ أعماله، فيقبض الله تعالى روحه وهو ينظر إلى ما حرَّم الله تعالى عليه، فكيف سيكون حاله يوم يبعث الله من في القبور؟ وكيف سيلقى ربه تعالى وقد ختم له بمثل هذا.
ونسأل الله تعالى أن يصلح حاله، ويهدي قلبه وجوارحه.
ولينظر جواب السؤال: (33651) فهو مهم.
ومن المهم أن تنظري في جواب السؤال رقم (7669) ففيه بيان كيف تتعامل الزوجة مع زوج يشاهد الأفلام الجنسية ولا يُعطيها حقّها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1801)
هل ترفض الزواج ممن لهم سوابق سيئة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة معتدلة وأطبق الإسلام حسب استطاعتي فأنا لا أشرب ولا أدخن ولا أذهب للمراقص ولا أختلط بالذكور، أنا الآن في مرحلة الزواج ويريد والداي أن يزوجاني ولكنه من الصعب أن أوافق على أي طلب للزواج لأنهم جميعاً كانت لهم علاقات سابقة مع فتيات أو أنهم كانوا يذهبون للمراقص في الماضي.
أغلبهم يقولون بأنهم قد تغيروا ولكنني أظن بأن تلك التصرفات قد يكون لها ردة فعل وتأثير في المستقبل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإسلام كله اعتدال، والالتزام بتعاليم الإسلام من فعل الواجبات وترك المحرَّمات أمرٌ لا خيار للمسلم فيه إذ هو مما أوجبه الله تعالى عليه، وقد كثرت الفتن في هذا الزمان حتىَّ عُدَّ من يترك بعض المحرَّمات ويفعل بعض الواجبات متزمتّاً متعنِّتاً، وهذا لا شك أنه بسبب انحراف الناس في فهم الدِّين، وكثرة مخالطتهم للمعاصي والآثام وتركهم للواجبات الشرعية.
وإننا لنشكر لكِ حرصكِ على الالتزام بتعاليم الدين في مجتمع كمجتمعكِ الذي تعيشين فيه، ولتعلمي أن ما تفعلينه أمرٌ محبوبٌ لله تعالى، ولأوليائه المؤمنين، ومبغوضٌ مكروه لشياطين الإنس والجن.
وإن حرصكِ على اختيار الزوج الصالح موافق لمراد الشرع في اختيار الزوج وتزويجه، على أنه لا ينبغي لكِ ردُّ من عُلِم عنه الخلق والدين بسبب ماضيه، فماضي الإنسان الذي تاب منه أمرٌ لا يعيبه ولا يوجب رده إن جاء راغباً في الزواج وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه الترمذي وحسنه الألباني، لكن أن تكون له سوابق من المعاصي والآثام ولا يُعرف عنه تركها والتخلص منها فمثل هذا لا يوثق في خلقه ولا في دينه ولا يُوافق عليه في الزواج.
وقول الإنسان للمخطوبة أو لأوليائها إنه تغير وترك ما كان عليه من سوء وفساد ليس كافياً للوثوق في قوله وتصديقه حتى يُعلم أنه أهل للتصديق، أو يُجزم بتركه لهذا السوء.
فاحرصي على اختيار الرجل الصالح ولو كان له سوابق، ولا ترديه، وارفضي كل من عُلم له سوابق من الشر والفساد ولم يتركه؛ لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم للرجل بقوله: " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ " رواه البخاري (5090) ومسلم (1466)
ينطبق على المرأة إذ على المرأة أن لا تقبل إلا بصاحب الدين والخلق، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ " رواه الترمذي 1084وحسنه الألباني في صحيح الترمذي866.
قال في تحفة الأحوذي: " قَوْلُهُ: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ) أَيْ طَلَبَ مِنْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُ اِمْرَأَةً مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَأَقَارِبِكُمْ (مَنْ تَرْضَوْنَ) أَيْ تَسْتَحْسِنُونَ (دِينَهُ) أَيْ دِيَانَتَهُ (وَخُلُقَهُ) أَيْ مُعَاشَرَتَهُ (فَزَوِّجُوهُ) أَيْ إِيَّاهَا (إِلا تَفْعَلُوا) أَيْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوا مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ وَتَرْغَبُوا فِي مُجَرَّدِ الْحَسَبِ وَالْجَمَالِ أَوْ الْمَالِ (تكن فتنة وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) أَيْ ذُو عَرْضٍ أَيْ كَبِيرٌ , وَذَلِكَ لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهَا إِلا مِنْ ذِي مَالٍ أَوْ جَاهٍ , رُبَّمَا يَبْقَى أَكْثَرُ نِسَائِكُمْ بِلا أَزْوَاجٍ , وَأَكْثَرُ رِجَالِكُمْ بِلا نِسَاءٍ , فَيُكْثِرُ الافْتِتَانُ بِالزِّنَا , وَرُبَّمَا يَلْحَقُ الأَوْلِيَاءَ عَارٌ فَتَهِيجُ الْفِتَنُ وَالْفَسَادُ , وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسَبِ وَقِلَّةُ الصَّلاحِ وَالْعِفَّةِ ".
وقد كان بعض الصحابة مشركاً ثم أسلم وحسن إسلامه، فتزوج، ولم يُرد بحجة أن له سوابق.
فالمعتبر في حال الرجل هو ما التزم به حديثاً مع توبته عن الماضي وما فيه.
نسأل الله أن يُيسر لك زوجاً صالحاً، وذرية صالحة.
والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1802)
هل يكذب على والديه من أجل أن تزيد حسناتهم؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندما يأتيني المال من أبي أو أمي أتصدق به ويبقى منه القليل، وعندما أطلب منهما مالاً قالوا: أين ذهب مالك؟ فأكذب عليهم، فأقول: كنت أشتري به، والسبب في كذبي لأني أريد أن يزيد الله سبحانه في حسناتهم! فهل يجوز لي الكذب عليهما أم أقول الحقيقة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الكذب أنه محرَّم وهو علامة من علامات المنافقين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان) رواه البخاري (32) ومسلم (89) .
ولكن توجد حالات جاء الشرع بجواز الكذب فيها تحقيقاً للمصلحة العظيمة أو دفعاً للمضرة:
فمن تلك الحالات:
1- أن يتوسط إنسان للإصلاح بين فريقين متخاصمين.
2- حديث الرجل لامرأته، وحديث المرأة لزوجها في الأمور التي تشدّ أواصر الوفاق والمودّة بينهما.
3- الحرب.
فعن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً) . رواه البخاري (2546) ومسلم (2605) .
وعن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يصلح الكذب إلا في ثلاث يحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب والكذب ليصلح بين الناس) . قال الشيخ الألباني: حسن.
وما ذكرتَه ليس بعذرٍ لك في كذبك على أهلك، وإذا صدقتَ معهم فلن يُحرموا الأجر بإنفاقهم عليك، فيمكنك الجمع بين أن ينفق عليك أهلك وأن يتصدقوا على المحتاجين بترغيبهم ببذل المال في سبيل الله، دون الحاجة للكذب عليهم في أنك أنفقتَه في الشراء وأنت لم تفعل.
ونسأل الله تعالى أن يصلح لك نيتك وعملك، وأن يجزيك خيراً على ما أردتَ نفع أهلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1803)
عاهد الله على ترك العادة السرية فعاد وفعلها فماذا يلزمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي أكتبه وكلي ندم على ما فعلته وما قصرت بحق الله -: هو أنني كنت أفعل العادة السرية الخبيثة - أكرمكم الله - وأنا الآن تركتها من فترة قصيرة، أدعو الله أن يثبتني.
وسؤالي هو:
أني كنت أقول بصريح العبارة " أعاهدك يا ربي أن لا أعود إلى هذه العادة الخبيثة "؛ ولكني كنت أعود ليس – والله - استهزاء بالله -، ولكنه الشيطان والهوى.
أرجو أن تبينوا - جزاكم الله خير - ماذا عليَّ من جرَّاء نقضي للعهد مع الله سبحانه وتعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (329) بيان تحريم العادة السرية السيئة، وكيفية التخلص منها، والمسلم لا يلزمه العهد والنذر ليترك ما حرَّم الله تعالى عليه، إذ يكفي معرفة التحريم لينتهي عنه المسلم، فإذا عاهد الله أو نذر أن لا يفعل المحرَّم ثم عاد إليه ففعله: فقد اكتسب إثم فعل المحرم، وإثم نقض العهد والحنث في اليمين والنذر.
وقد أوجب الله تعالى الوفاء بالعهود، فقال تعالى {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} .
قال الجصاص:
قوله تعالى: {وأوفوا بالعهد} يعني - والله أعلم - إيجاب الوفاء بما عاهد الله على نفسه من النذور والدخول في القرب , فألزمه الله تعالى إتمامها , وهو كقوله تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم} " أحكام القرآن " (3 / 299) .
قال السرخسي:
والوفاء بالعهد واجب قال الله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} , وذم من ترك الوفاء بالعهد بقوله {ومنهم من عاهد الله} الآية ... " المبسوط " (3 / 94) .
ومن عاهد الله تعالى على فعل شيء فلم يفعله، أو عاهده تعالى على عدم الفعل ففعل: فعليه إثم نقض العهد، وعليه كفارة يمين، فالعهد: يمين ونذر، ومن حنث فيهما فعليه كفارة يمين وهي: التخيير بين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد أو لم يستطع: فليصم ثلاثة أيام.
قال ابن قدامة:
إن قال: علي عهد الله وميثاقه لأفعلن. أو قال: وعهد الله وميثاقه لأفعلن. فهو يمين , وإن قال: والعهد والميثاق لأفعلن. ونوى عهد الله , كان يمينا ; لأنه نوى الحلف بصفة من صفات الله - تعالى. " المغني " (9 / 400) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والعهود والعقود متقاربة المعنى أو متفقة فإذا قال أعاهد الله أني أحج العام فهو نذر وعهد ويمين، وإن قال لا أكلم زيدا فيمين وعهد لا نذر، فالأيمان تضمنت معنى النذر وهو أن يلتزم لله قربة لزمه الوفاء وهي عقد وعهد ومعاهدة لله لأنه التزم لله ما يطلبه الله منه. " الفتاوى الكبرى " (5 / 553) .
وهو قول ابن عباس ومالك وعطاء والزهري والنخعي والشعبي ويحي بن سعيد، كما في " المدونة " (1 / 579، 580) .
وخلاصة الجواب: أن عليك كفارة يمين لنقضك العهد مع الله، ونسأل الله تعالى أن يرزقك الهدى والتقى والعفاف والغني.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
Islam
السؤال
&A(7/1804)
يدرس في جامعة مختلطة فكيف يتعامل مع المدرسات والطالبات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم أدرس في جامعة مختلطة، أرغب في إتقان تخصصي، وذلك يستلزم مني التفاعل في القاعة مما قد يفتح بيني وبين الطلاب قنوات اتصال، بالإضافة إلى أن هناك مدرسات يدرسوننا مواد مهمَّة جدّاً، فكيف أتعامل مع الطالبات والمدرسات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدراسة والتدريس في المدارس والمعاهد والجامعات المختلطة: لا يجوز، ولم يعد خافياً ما في هذه المؤسسات من مفاسد بسبب ذلك الاختلاط، عدا ما فيها من قلة التحصيل الدراسي أو انعدامه، وقد نادى العقلاء من الدول الكافرة بضرورة الفصل بين الجنسين في المؤسسات التعليمية بسبب ما رأوه من الضرر في الأخلاق وضعف التحصيل العلمي، وقد أفتى العلماء الثقات بعدم جواز هذا الأمر.
قال علماء اللجنة الدائمة:
اختلاط الطلاب بالطالبات والمدرسين بالمدرسات في دور التعليم محرم لما يفضي إليه من الفتنة وإثارة الشهوة والوقوع في الفاحشة، ويتضاعف الإثم وتعظم الجريمة إذا كشفت المدرسات أو التلميذات شيئاً من عوراتهن، أو لبسن ملابس شفافة تشف عما وراءها، أو لبسن ملابس ضيقة تحدد أعضاءهن، أو داعبن الطلاب أو الأساتذة ومزحن معهم أو نحو ذلك مما يفضي إلى انتهاك الحرمات والفوضى في الأعراض.
" فتاوى إسلامية " (3 / 102، 103) .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز للرجل أن يدرس في جامعة يختلط فيها الرجال والنساء في قاعة واحدة علماً بأن الطالب له دور في الدعوة إلى الله؟
فأجاب:
الذي أراه أنه لا يجوز للإنسان رجلاً كان أو امرأة أن يدرس بمدارس مختلطة؛ وذلك لما فيه من الخطر العظيم على عفته ونزاهته وأخلاقه، فإن الإنسان مهما كان من النزاهة والأخلاق والبراءة إذا كان إلى جانبه في الكرسي الذي هو فيه امرأة – ولا سيما إذا كانت جميلة ومتبرجة – لا يكاد يسلم من الفتنة والشر، وكل ما أدى إلى الفتنة والشر: فإنه حرام ولا يجوز، فنسأل الله - سبحانه وتعالى - لإخواننا المسلمين أن يعصمهم من مثل هذه الأمور التي لا تعود إلى شبابهم إلا بالشر والفتنة والفساد، حتى وإن لم يجد إلا هذه الجامعة يترك الدراسة إلى بلد آخر ليس فيه هذا الاختلاط، فأنا لا أرى جواز هذا وربما غيري يرى شيئاً آخر.
" فتاوى إسلامية " (3 / 103) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (1200) تفصيل الحكم في الاختلاط.
وانظر جواب الأسئلة: (8827) و (22397) و (6666) .
وهذا الكلام واضح بالنسبة للذين لم يبتلوا في بلادهم بالدراسة المختلطة أو عندهم من الكليات والجامعات ما هو غير مختلط يمكن أن يغنيهم عن الدراسة في الكليات المختلطة، لكن يبقى السؤال بالنسبة للأشخاص الذين ابتلوا في بلدانهم بالدراسة المختلطة، فماذا يفعلون! خصوصاً وأن ذلك قد يترتب عليه كسب عيشهم أو إمكان زواجهم في المستقبل بحيث لو لم يدرس هذه الدراسة ما استطاع أن يجد له وظيفة تغنيه أو زواجاً يعفّه.
وفي هذه الحالة فإننا أمام وضع اضطراري، والحاجة فيه ماسّة وحيث أن الحاجة الشديدة تنزل منزلة الضرورة لذلك يراعى ما يلي:
1- أن لا يوجد مكان آخر يمكن الدراسة فيه ولو في بلد آخر.
2- أن لا يستطيع تحصيل هذه الشهادة بطريق الانتساب أو الدراسة عبر الإنترنت مثلاً.
3- أن يذهب للدراسة في هذه الأماكن المختلطة مستعيناً بالله على مواجهة الفتن، ويراعى غض البصر ما أمكنه وعدم ملامسة أو مصافحة المرأة الأجنبية وأن لا يخلو بها، ولا يجلس بجانبها مباشرة.
وينصح الفتيات بالجلوس بمعزل عن الشباب وغير ذلك من الضوابط الشرعية.
4- إذا لاحظ أن نفسه تنزلق إلى الحرام وتفتتن بمن معه من الجنس الآخر فسلامة دينه أهم من مغانم الدنيا كلها، فلا بد من مفارقة المكان حينئذ ويغينه الله عز وجل من فضله. والله المستعان.
والله أعلم
وهذه قائمة بأسماء كلّيات وجامعات غير مختلطة في العالم.
1- كلية الطب في دبي.
2- جامعة الأزهر في مصر.
3- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في السعودية.
4- جامعة أم القرى في مكة المكرمة.
5- الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
6- جامعة الملك سعود في السعودية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1805)
كيف يتجنب سرعة الغضب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان سريع الغضب، لا أملك نفسي عند النقاش مع جميع من أناقشه حتى مع والديّ. أرشدني إلى الطرق والأساليب التي أتجنب بها سرعة الغضب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله بر الوالدين والإحسان إليهما بالقول والفعل، وحرَّم إيذاءهما بالقول والفعل، حتى لو كان ذلك بأدنى شيء.
قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/ 23، 24.
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب، ومعناه: البعد الأسباب التي تؤدي إليه، والاحتراز مما يترتب عليه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: " لا تغضب "، فردد مرارا، قال: " لا تغضب ". رواه البخاري (5765) .
والغضب للنفس ولغير الله من الأخلاق التي ينبغي على المسلم أن يتنزه عنها، وقد يترتب عليه ما يندم عليه صاحبه إما في الدنيا وإما في الآخرة وإما فيهما معاً.
قال ابن مفلح الحنبلي:
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنما يعرف الحلم ساعة الغضب، وكان يقول: أول الغضب جنون، وآخره ندم، ولا يقوم الغضب بذلِّ الاعتذار، وربما كان العطب (أي الهلاك) في الغضب، وقيل للشعبي: لأي شيء يكون السريع الغضب سريع الفيئة، ويكون بطيء الغضب بطيء الفيئة؟ قال: لأن الغضب كالنار فأسرعها وقوداً أسرعها خموداً.
" الآداب الشرعيَّة " (1 / 183) .
فإذا حدث للمسلم ما يغضبه فينبغي عليه أن يتذكر وصية النبي صلى الله عليه وسلم (لا تغضب) وكأنه يوجه الحديث له مباشرة، وليتذكر إيجاب الله تعالى عليه الإحسان إلى والديه وتحريم الإيذاء لهما كأنه يسمعه منه مباشرة.
ولتسكين الغضب إذا وقع أسباب، يمكن لمن عمل بها أن يعالج نفسه منه ومن آثاره، وقد ذكر الماوردي جملة طيبة منها إذ يقول:
واعلم أن لتسكين الغضب إذا هجم أسبابا يستعان بها على الحلم منها:
1. أن يذكر الله عز وجل فيدعوه ذلك إلى الخوف منه , ويبعثه الخوف منه على الطاعة له , فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه، فعند ذلك يزول الغضب.
قال الله تعالى: (واذكر ربك إذا نسيت) قال عكرمة: يعني إذا غضبت، وقال الله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) ومعنى قوله {ينزغنك} أي: يغضبنك , {فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} يعني: أنه سميع بجهل من جهل , عليم بما يذهب عنك الغضب.
وقال بعض الحكماء: من ذكر قدرة الله لم يستعمل قدرته في ظلم عباد الله، وقال عبد الله بن مسلم بن محارب لهارون الرشيد: يا أمير المؤمنين أسألك بالذي أنت بين يديه أذل مني بين يديك , وبالذي هو أقدر على عقابك منك على عقابي لما عفوت عني، فعفا عنه لما ذكَّره قدرة الله تعالى.
2. ومنها: أن ينتقل عن الحالة التي هو فيها إلى حالة غيرها , فيزول عنه الغضب بتغير الأحوال والتنقل من حال إلى حال.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا: (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلا فَلْيَضْطَجِعْ) رواه أبو داود (4782) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
3. ومنها: أن يتذكر ما يؤول إليه الغضب من الندم والحاجة إلى الاعتذار.
قال بعض الأدباء: إياك وعزة الغضب فإنها تفضي إلى ذل العذر.
4. ومنها: أن يذكر ثواب العفو , وجزاء الصفح , فيقهر نفسه على الغضب رغبة في الجزاء والثواب , وحذرا من استحقاق الذم والعقاب، قال رجاء بن حيوة لعبد الملك بن مروان لما تمكن من بعض أعدائه وأسرهم: إن الله قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو، وأسمع رجلٌ عمرَ بن عبد العزيز كلاماً يكرهه، فقال عمر: أردت أن يستفزني الشيطان لعزة السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا (يعني: يوم القيامة) انصرف رحمك الله.
5. ومنها: أن يذكر انعطاف القلوب عليه , وميل النفوس إليه , فلا يضيّع ذلك بالغضب فيتغيّر الناس عنه وليعلم أنه لن يزداد بالعفو إلا عزاً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا) رواه مسلم (2588) ، وقال بعض البلغاء: ليس من عادة الكرام سرعة الانتقام , ولا من شروط الكرم إزالة النعم.
" أدب الدنيا والدين " (ص 258 – 260) باختصار.
وانظر تفصيلاً وافياً في علاج الغضب في إجابة السؤال رقم (658)
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1806)
غش الطلبة في الاختبارات حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم غش الطلبة في اختبارات المدارس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" حديث: (من غشنا فليس منا) صحيح، وهو عام يشمل الغش في البيع والشراء، وفي النصيحة وفي العهود والمواثيق، وفي الأمانة وفي اختبار المدارس والمعاهد، ونحوها، سواء كان نقلاً من الكتب أم أخذاً عن التلاميذ أم إعطاء لهم كلاماً أم عن طريق الكتابة وتناقلها بينهم.
وبالله التوفيق " اهـ
[الْمَصْدَرُ]
من "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/200) .(7/1807)
ينشط في عبادته ثم يعود للمعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة أني كلما زادت عبادتي وتحسنت أحوالي الإيمانية من أداء النوافل والسنن والمستحبات، وقعت في معصية العادة السرية بالرغم من أني متزوج وأعيش حياة أسرية سعيدة وعندما أمارس هذه العادة أحس بالذنب والذل والانكسار بين يدي الله تعالى وأعود وأرفع المستوى الإيماني عندي ثم ما ألبث أن أعود، حالتي سيئة الرجاء المساعدة.
سمعت في أحد الأشرطة أن بعض الناس يصاب بالعجب عند زيادة العبادة فيوقعه الله في المعصية حتى يشعره أنه لا زال عبداً لا يملك أن يعجب بأعماله فمهما قدم فكلها قليل. هل أنا منهم وهل ما فهمته في الشريط كان صحيحا؟؟
مع العلم أني والحمد لله أصلي وملتزم بأغلب تعاليم الإسلام ولكن المشكلة تكمن عند زيادة النوافل؟ فما هو الحل؟ ساعدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فما ذكرته من أن الله عز وجل قد يبتلي العبد بالذنب ليرده إليه، ولئلا يعجب بعمله، هذا ذكره بعض أهل العلم، قال ابن القيم رحمه الله: " إن الذنب قد يكون أنفع للعبد إذا اقترنت به التوبة من كثير من الطاعات، وهذا معنى قول بعض السلف: قد يعمل العبد الذنب فيدخل به الجنة ويعمل الطاعة فيدخل بها النار، قالوا: وكيف ذلك قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه إن قام وإن قعد وإن مشى ذكر ذنبه فيُحدِثُ له انكساراً وتوبةً واستغفارا وندما فيكون ذلك سبب نجاته، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه إن قام وإن قعد وإن مشى كلما ذكرها أورثته عجباً وكبرا ومنة فتكون سبب هلاكه فيكون الذنب موجبا لترتب طاعات وحسنات ومعاملات قلبية من خوف الله والحياء منه والإطراق بين يديه منكسا رأسه خجلا باكيا نادما مستقيلا ربه، وكل واحد من هذه الآثار أنفع للعبد من طاعة توجب له صولة وكبرا وازدراء بالناس ورؤيتهم بعين الاحتقار، ولا ريب أن هذا الذنب خير عند الله وأقرب إلى النجاة والفوز من هذا المعجب بطاعته الصائل بها المانّ بها وبحاله على الله عز وجل وعباده، وإن قال بلسانه خلاف ذلك فالله شهيد على ما في قلبه، ويكاد يعادى الخلق إذا لم يعظموه ويرفعوه ويخضعوا له ويجد في قلبه بغضة لمن لم يفعل به ذلك، ولو فتش نفسه حق التفتيش لرأى فيها ذلك كامنا " مدارج السالكين 1 / 299
وقال الشيخ ابن عثيمين: " وما أكثر ما يكون الإنسان منا بعد المعصية خيرا منه قبلها، وفي كثير من الأحيان يخطئ الإنسان ويقع في معصية، ثم يجد من قلبه انكساراً بين يدي الله وإنابة إلى الله، وتوبة إليه حتى إن ذنبه يكون دائما بين عينيه يندم عليه ويستغفر، وقد يرى الإنسان نفسه أنه مطيع، وأنه من أهل الطاعة فيصير عنده من العجب والغرور وعدم الإنابة إلى الله ما يفسد عليه أمر دينه، فالله حكيم قد يبتلي الإنسان بالذنب ليصلح حاله، كما يبتلي الإنسان بالجوع لتستقيم صحته. وهل حصل لآدم الاجتباء إلا بعد المعصية والتوبة منها.
كما قال: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) طه/122، أي: بعد أن أذنب وتاب؛ اجتباه ربه فتاب عليه وهداه، وانظر إلى الذين تخلفوا في غزوة تبوك ماذا حصل لهم؟ لا شك أنه حصل لهم من الإيمان، ورفعة الدرجات، وعلو المنزلة ما لم يكن قبل ذلك، وهل يمكن أن تنزل آيات تتلى إلى يوم القيامة في شأنهم لولا أنهم حصل منهم ذلك ثم تابوا إلى الله "
[الشرح الممتع 3 / 66]
ثم اعلم – أخي الحبيب – أن الوقوع في هذه العادة محرم شرعا، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد سبق تفصيل الأدلة في السؤال رقم (329) ، كما أن تلك العادة من الأمور المستقبحة فطرة وعقلا، ولا يليق بمسلم أن يدنو بنفسه لفعلها.
واعلم أن المعاصي لها شؤم على المرء، في عاجل دنياه، وفي أخراه، إن لم يتب، أو يتداركه الله برحمته، وقد سبق بيان ذلك في الأسئلة التالية (23425، 8861)
ثم إن فعل تلك العادة له أسباب، فابتعد عنها حتى تتخلص منها، وعليك بما يلي:
1. احرص على مصاحبة الأخيار، ورفقاء الصلاح والتقوى، واستفد منهم ومن تجاربهم.
2. داوم على الأذكار وقراءة القرآن، واجعل لنفسك وردا يوميا لا تتخلف عنه.
3. ضع لنفسك برنامجاً مفيداً في تعلم العلوم الشرعية، أو غيرها.
4. ضع لنفسك برنامجاً رياضياً، أو اشترك في ناد رياضي.
5. أكْثِرْ من النوافل، خاصة صيام التطوع، فهو وسيلة مهمة لمقاومة الغريزة المتأججة، وكبح جماح الشهوة.
6. احرص على الدعاء، وسؤال الله عز وجل أن يخلصك من هذه العادة القبيحة المحرمة، وأن يقوي من قلبك وعزمك.
7. واعلم أن أضرار العادة السرية فوق ما تحصى، فهي تتلف الجسم، وتضعف الجهد، وتقوي الفجوة بين العبد وربه، وهي عامل كبير من عوامل الاكتئاب، والشعور بالذنب.
8. تجنب الوحدة قدر استطاعتك؛ لأن هذه العادة من عمل الوحدة وأثرها.
9. احرص على الصلاة في المسجد، وقيام الليل، فهو أنس للنفس، وطمأنينة في القلب.
10. وأخيرا عليك بالاستمرار على التوبة، والبكاء من خشية الله عز وجل، والانكسار والانطراح بين يديه، وسؤاله العفو والمغفرة، وأن تعزم كل مرة عزما أكيدا ألا تعود لفعل تلك العادة، فإن غالبتك نفسك فغالبها، وجاهدها {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} ، فإن غلبتك فجدد التوبة، وجدد العهد، ولا تيأس من رحمة الله، وأكثر من فعل النوافل والصالحات) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) هود/114.
وفقك الله لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1808)
هل يجوز لعن أصحاب المعاصي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يلعن رجل رجلاً آخر ولا تفتح لها أبواب السماء، لأنه غير مستحق لها ترجع على الرجل الأول أم لا؟ وهل يجوز لعن امرأة بحجة أنها غير متحجبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" اللعن ليس من صفات المؤمن الكامل الإيمان، فقد روى الإمام أحمد في مسنده والترمذي في الجامع عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان والفاحش البذيء) قال الترمذي: حديث حسن غريب. وثبت في الصحيحين من حديث ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن المؤمن كقتله)
وعلى هذا فإنه لا يجوز للمؤمن أن يلعن أحداً من إخوانه المسلمين إلا من لعنه الله في كتابه أو لعنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لعن من ارتكب معصية لمعصيته، كالمرأة غير المتحجبة ونحوها، بل على المسلم أن يقوم بمناصحتها وحثّها على التحجّب بالأسلوب الطيب والدعوة الحسنة، ومن لعن أحداً لا يستحق اللعن فقد ورد الوعيد الشديد في حقه، وأن اللعنة ترجع إلى قائلها إن لم تجد مساغاً، ويدل لذلك ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإن لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لُعن، فإن كان أهلاً لذلك وإلا رجعت إلى قائلها) رواه أبو داود في سننه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (26/67) .(7/1809)
حكم تقليد الكفار ومعنى " ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في مسألة تقليد الكفار في عاداتهم وتصرفاتهم؟ وما ضوابط ذلك في الشريعة الإسلامية؟ وهل كل تقليد لعمل من أعمال الكفار يعد تقليدا محرماً - علماً بأن هناك كثيرا من أعمال الكفار لا حرمة ولا ذم للشرع فيها، ولا يقصد فاعلها مجرد التقليد للكفار، وإنما وجدها حسنة، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه: " ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن " -؟ .
أفيدونا أكرمكم الله، مع تركيزي على أن تفصلوا لي في الإجابة، وذكر الضوابط لهذه المسألة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس المسلمون بحاجة لتقليد أحدٍ من الأمم في شعائر الدين والعبادات، فقد أكمل الله تعالى دينه، وأتمَّ نعمته، ورضي لنا الإسلام ديناً، قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً) المائدة/3
وقد نهى الشرعُ المسلمين عن تقليد الكفار وبخاصة اليهود والنصارى، وهذا النهي ليس عامّاً في كل أمورهم، بل هو فيما كان من أمور دينهم وشعائرهم وخصائصهم التي يتميزون بها.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ اليَهُودَ والنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟) رواه البخاري (1397) ومسلم (4822) .
ففي هذا الحديث نهيٌ عن تقليد اليهود والنصارى، وذم من اتبعهم وسلك مسلكهم، وقد أكد الشرع هذا النهي؛ وذلك بوصف من يتشبه بالكفار بأنه منهم.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبّه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود (3512) وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (2691)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –:
وهذا أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم. " اقتضاء الصراط المستقيم " (237) .
والمقلِّد للكفار يشعر بعقدة النقص، ويتحلى بالانهزامية والتردي، لذا يسارع إلى سد نقصه بتقليد من يعظمه، ولو وقف هؤلاء على عظمة تشريعات الإسلام، وعرفوا فساد تلك الحضارة التي يركضون خلفها لعلموا أنهم على خطأ، وأنهم تركوا ما هو كمال وحق إلى ما هو نقص وفساد.
ثانياً:
وأوجه تقليدهم التي نهينا عنها كثيرة:
قال الشيخ صالح الفوزان:
ومن الأمور التي يجري تقليد الكفار فيها: تقليدهم في أمور العبادات، كتقليدهم في الأمور الشركية من البناء على القبور، وتشييد المشاهد عليها والغلو فيها. وقد قال صلى الله عليه وسلم " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " - البخاري (425) ، ومسلم (531) -، وأخبر أنهم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه الصور، وأنهم شرار الخلق - البخاري (417) ، ومسلم (528) -، وقد وقع في هذه الأيام من الشرك الأكبر بسبب الغلو في القبور ما هو معلوم لدى الخاص والعام؛ وسبب ذلك: تقليد اليهود والنصارى.
ومن ذلك: تقليدهم في الأعياد الشركية والبدعية كأعياد الموالد - كمولد الرسول صلى الله عليه وسلم - وأعياد موالد الرؤساء والملوك. وقد تسمى هذه الأعياد البدعية أو الشركية بالأيام أو الأسابيع – كاليوم الوطني للبلاد، ويوم الأم وأسبوع النظافة – وغير ذلك من الأعياد اليومية والأسبوعية، وكلها وافدة على المسلمين من الكفار؛ وإلا فليس في الإسلام إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى. وما عداهما فهو بدعة وتقليد للكفار.
من خطبة " الحث على مخالفة الكفار "
وقد سبق في جواب السؤال رقم: (47060) النهي عن التشبه بالكفار في لباسهم الخاص بهم، وفي ما اختصوا به من العادات كمشابهتهم في حلق اللحية.
ثالثاً:
وتحريم التشبه بالكفار إنما هو في عباداتهم وعاداتهم الخاصة بهم التي يتميزون بها، دون ما يصنعونه ويخترعونه مما يمكن أن يُستفاد منه، فلا حرج على المسلمين من مشاركتهم في هذا، بل ينبغي للمسلمين أن يكونوا السباقين إليه والمبدعين فيه.
قال الشيخ ابن عثيمين:
وإذا قيل " تَشَبُّهٌ بالكفار " فلا يعني ذلك أن لا نستعمل شيئاً من صنائعهم: فإن ذلك لا يقوله أحد، وقد كان الناس في عهد النبي صلي الله عليه وسلم وبعده يلبسون ما يصنعه الكفار من اللباس، ويستعملون ما يصنعونه من الأواني.
والتشبه بالكفار: هو التشبه بلباسهم، وحلاهم، وعاداتهم الخاصة، وليس معناه أن لا نركب ما يركبون، أو لا نلبس ما يلبسون، لكن إذا كانوا يركبون على صفة معينة خاصة بهم فلا نركب على هذه الصفة، وإذا كانوا يفصلون الثياب على صفة معينة خاصة بهم فلا نفصل على هذا التفصيل، وإن كنا نركب مثل السيارة التي يركبونها، ونفصل من نوع النسيج الذي يفصلون منه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال 177) .
وقال:
مقياس التشبه أن يفعل امتشبِّه ما يختص به المتشبَّه به، فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئاً من خصائصهم، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهاً، فلا يكون حراماً من أجل أنه تشبه إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى، وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال 198) .
وفي جواب على السؤال (21694) تجد تفصيلاً لحكم التشبه بالكفار وضوابطه، وانظر تفصيلا – كذلك – في جواب السؤال رقم: (43160) .
رابعاً:
في حضارة غير المسلمين النافع والضار، فلا نترك النافع منها ونأخذ الضار، وقد لخَّص هذا الموقف الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – فقال:
إن الموقف من الحضارة الغربية ينحصر في أربعة أقسام لا خامس لها:
الأول: ترك الحضارة نافعها وضارها.
الثاني: أخذها كلها ضارها ونافعها.
الثالث: أخذ ضارها دون نافعها.
الرابع: أخذ نافعها وترك ضارها.
فنجد الثلاثة الأولى باطلة بلا شك، وواحداً فيها صحيحاً بلا شك وهو الأخير.
" أضواء البيان " (4 / 382) .
خامساً:
وأما قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن "، فليس المراد منه التحسين العقلي المخالف للشرع، فقد قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: " من استحسن فقد شرع "، وليس المراد منه التحسين الذي يراه واحد من الناس دون عامتهم،، بل هذا الكلام يمكن حمله على أحد معنين، كلاهما صحيح:
1- أن المراد بذلك العمل بالعرف الذي لا يخالف الشرع.
2- أن المراد بذلك حجية الإجماع، فإذا أجمع المسلمون على استحسان شيء فهذا الإجماع حجة، فيكون هذا الشيء حسناً في حكم الله تعالى، وهذا قد يدل عليه قوله: " ما رآه المسلمون حسناً "
انظر المبسوط للسرخسي (12/138) ، الفروسية لابن القيم (ص298)
هذا إذا اعتبرنا كلام ابن مسعود رضي الله عنه عاماً في جميع المسلمين، مع أنه قد يظهر من سياق كلامه أنه يعني بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهم. ونص كلامه: (إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ) رواه أحمد (3418) وحسّنه الشيخ الألباني في " تخريج الطحاوية " (530) .
وعلى أي حال لا يصح الاستدلال بكلام ابن مسعود رضي الله عنه على استحسان ما حرمه الشرع كالتشبه بالمشركين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1810)
بيان من اللجنة الدائمة في التحذير من برنامج ستار أكاديمي وما شابهه من البرامج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مشاهدة برنامج ستار أكاديمي؟ وهل يجوز المشاركة في هذا البرنامج عن طريق الاتصال به والتصويت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صدر من اللجنة الدائمة بيان في التحذير من برنامج ستار أكاديمي، وجميع برامج ما يسمى بـ: تلفزيون الواقع " التي تحرص على عرض صور من حياة الناس بما فيها من فساد لكي يقلِّدها المسلمون ويتأثروا بما فيها من فساد، ننقله لما فيه من الفائدة.
" بيان في التحذير من برنامج " ستار أكاديمي " وما شابهه من البرامج
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاءات الواردة إليها من عدد من الغيورين عن البرنامج الذي تبثه بعض القنوات الفضائية العربية المسمى " ستار أكاديمي " وما شابهه من البرامج، وبعد دراسة الموضوع رأت اللجنة تحريم بث هذه البرامج ومشاهدتها وتمويلها، والمشاركة فيها والاتصال عليها للتصويت أو لإظهار الإعجاب بها، وذلك لما اشتملت عليه تلك البرامج من استباحة للمحرمات المجمع على تحريمها، والمجاهرة بها، ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ) رواه البخاري من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا!! وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأي مجاهرة بالمحرمات والفواحش تفوق ما تبثه هذه البرامج التي اشتملت على جملة من المنكرات العظيمة، من أهمها:
أولاً:
الاختلاط بين الجنسين من الذكور والإناث، وقد قال الله عز وجل: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/53. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (لا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب. فكيف بهذه البرامج التي تقوم فكرتها الرئيسة على خلط الجنسين من الذكور والإناث وإزالة الحواجز فيما بينهم، مع ما عليه الإناث من التبرج والسفور وإظهارٍ للمفاتن مما يسبب الشر والبلاء. وقد قال الله عز وجل: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ. . .) النور/31.
ثانياً:
الدعوة الصريحة للفاحشة ووسائلها، قال الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النور/19.
ثالثاً:
الدعوة إلى إماتة الحياء وقتل الغيرة في قلوب المسلمين بألفة مشاهدة هذه المناظر المخزية التي تهيج الغرائز، وتبعد عن الأخلاق والفضائل، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ) رواه البخاري من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الإِيمَانِ) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وعنه صلى الله عليه وسلم أيضاً: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي) رواه البخاري من حديث المغير بن شعبة رضي الله عنه.
ولا يكفي في ذلك - أيها المسلم - أن تترك المشاركة في هذه البرامج والنظر إليها، بل يجب عليك النصح والتذكير لمن تعلم أنه يشارك فيها بأي وجه من الوجوه، لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى، والتناهي عن الإثم والعدوان.
كما تدعو اللجنة التجار الممولين لهذه البرامج أن يتقوا الله تعالى فيما منَّ الله عليهم من نعمة الأموال فلا يستخدموها فيما يدمر شباب الأمة، ويهدم شعائر الدين، ويخدم أعداء الإسلام، فإن ذلك من كفران النعم وهو سبب في زوالها.
ولا يخفى أن هذه البرامج وأمثالها هي من أسباب جلب المصائب والبلايا على الإسلام والمسلمين، يقول الله عز وجل: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/30.
وفي الصحيحين من حديث زينب رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول: (لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ) .
نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعصمنا وسائر المسلمين من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن لا يؤخذنا بما فعل السفهاء منا، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ".
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1811)
الاستمناء بغير اليد
[السُّؤَالُ]
ـ[أتلقى الأسئلة من أناس كثيرين وذلك أن شاباً بالغاً سألني عن الاستمناء باليد بدون استخدام اليد ولكن بطرق أخرى لا أعلمها، وهو محرج جداً أن يسألك، ولا أستطيع أن أعرف هذه الطرق التي بدون لمس الأعضاء الذكرية. لا أعرف كيف أجاوب على هذا السؤال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستمناء حرام وقد دل على ذلك الكتاب والسنة. يراجع سؤال رقم 329.
ولا يشترط في الاستمناء أن يكون باليد فسواء كان باليد أم بغيرها أو لمس عضوه أم لم يلمسه فهو حرام، وقد صرح العلماء بذلك، منهم ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار. وبعضهم قد يفعله بآلة أو دمية ونحوها مما يسمونه بالألعاب الجنسية، وهذا أيضاً لا يجوز. قال الشيخ ابن عثيمن رحمه الله: الاستمناء باليد أو بغيرها محرم بدلالة الكتاب والسنة والنظر الصحيح ... إلخ. فتاوى الشيخ ابن عثيمين إعداد وترتيب أشرف عبد المقصود (2/931-932) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1812)
إن الله شديد العقاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد الأصدقاء يسمع الأغاني عندما اقدم إليه النصيحة يرد على ويقول إن الله غفور رحيم واخبره أن الله شديد العقاب ... أريد دليل من السنة والقران إن الله شديد العقاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مما يُشكر عليه السائل حرصه على هداية صديقه، وهكذا الأصدقاء يتعاهدون إخوانهم بالنصح والتوجيه والإرشاد، والحرص على الهداية دون اكتراث أو ملل، لا يَدَعُون المداهنة سبيلاً إليهم، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة/71
ثانياً: ذهب جمهور العلماء إلى تحريم الغناء، كما دلت على ذلك الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة، ونُقل ذلك عن ابن عباس وابن مسعود والشعبي والثوري وغيرهم من العلماء.
(انظر: سنن البيهقي 10 / 223، والمحلى 9 / 59، والمغني 14 / 160)
ينظر سؤال رقم (5000)
ثالثاً: الآيات والأحاديث في شدة عذاب الله كثيرة، ويمكن تقسيمها هنا إلى قسمين:
1- ما يتعلق بالغناء مباشرة.
2- شدة عذاب الله عموماً.
أما القسم الأول فقد ورد فيه عدة أحاديث.
منها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنّة عند مصيبة) رواه البزار والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، وصححه الألباني في تحريم آلات الطرب ص 51
واللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى.
ومنها: رواه الترمذي (2138) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُور ُ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وأما القسم الثاني: فمن القرآن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون َ) التحريم/6، وقوله: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَر َ) القمر/48، وقوله: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) البقرة/24، وقوله: (إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) غافر/72، وقوله: (وخاب كل جبار عنيد * من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد * يتجرّعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ) إبراهيم/15–17، وقوله: (إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيم) الدخان/ 43–49، وقوله: (فالذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار يُصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود * ولهم مقامع من حديد * كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍ أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق) الحج /19–22 وغيرها كثير.
ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام: (يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) رواه مسلم 2842، وقوله: (ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم، قالوا: والله إن كانت هذه لكافية، قال: إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها) رواه البخاري (3265) ، ومسلم (2843)
، وقوله: (إن على الله عز وجل عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار) رواه مسلم (2002) ، وقوله: (لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟) رواه الترمذي 2585، وصححه الألباني في صحيح الجامع 5126. وقوله: (إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحداً أشدّ منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً) رواه البخاري 6562 ومسلم 213. وقوله: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مرّ بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا ربّ) رواه مسلم 2707.
وقوله: (لو كان في هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون وفيهم رجلٌ من أهل النار فتنفّس فأصابهم نفسه لاحترق المسجد ومن فيه) رواه البزار وصححه الألباني في صحيح الترغيب 3668.
وقال ابن اليم في "الجواب الكافي" ص 53-68:
"وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه وضيعوا أمره ونهيه ونسوا أنه شديد العقاب وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين. ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند.
وقال بعض العلماء: من قطع منك عضواً في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة نحو هذا.
وقيل للحسن: نراك طويل البكاء! فقال: أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي.
وكان يقول: إن قوماً ألهتهم أمانيّ المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني لأحسن الظن بربي، وكذب، لو أحسن الظن لأحسن العمل.
ثم ذكر رحمه الله بعض الأحاديث الدالة على شدة عقاب الله تعالى ثم قال:
والأحاديث في هذا الباب أضعاف أضعاف ما ذكرنا، فلا ينبغي لمن نصح نفيه أن يتعامى عنها، ويرسل نفسه في المعاصي ويتعلق بحسن الرجاء وحسن الظن" اهـ باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1813)
سرقة المكالمات الهاتفية من دولة كافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[يطيب لي أن أستفسر عن ظاهرة انتشرت في هذه البلاد وأخذ الناس يفتون فيها ما بين تحليل وتحريم ألا وهي التليفون المسروق ففي هذه البلاد نسبة كبيرة من الطلبة العرب وأن لا بد لكل واحد منهم أن يتصل على خارج البلاد ونظرا لارتفاع أسعار المكالمات الخارجية بدأ الجميع بالذهاب إلى أماكن يوجد فيها تليفونات بأسعار أقل بكثير من الأسعار العادية وسر هذه التلفونات أنها موصلة بتليفونات تابعة إما لأفراد من سكان البلاد وإما تابعة للحكومة وقد احتج الكثير بأن الحكومة غير مسلمة ومعادية للإسلام والمسلمين ويحق لنا بل يجب علينا تحطيم اقتصادهم وأحلوا هذا الأمر في حالة أن يكون التليفون تابع للحكومة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لكم أن تعتدوا على أموال هذه الحكومة ولو كانت كافرة، لأنها أمنتكم وسمحت لكم بدخول أراضيها بهذا الأمان، وقد وعدتموها بالمحافظة على أمنها وعدم العبث فيها، وأنتم بمجرد دخول أراضيها تكونون قد أعطيتموها هذا العهد والوعد وإلا لما سمحت لكم بالدخول، والمسلم لا يخلف وعده ولا ينقض عهده غدرا ولا يخون أمانته قال الله تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) الإسراء / 34، وقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1
وقال صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان) متفق عليه من حديث أبي هريرة، زاد مسلم: (وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 23 / 446.(7/1814)
حكم بيع الملابس المحرمة للكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مجال تصدير الملابس إلى أمريكا والدول الأوربية , وأعيش في سيريلنكا، وأغلب السكان من غير المسلمين، وأزود المحلات التجارية بملابس نسائية محرمة في الإسلام، مثل: التنورات القصيرة، والبنطلونات الضيقة.
فهل دخلي حلال أم لا، بسبب بيعي وشرائي لهذه الأنواع من الألبسة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمر الله تعالى المؤمنين أن يتعاونوا بينهم على البر والتقوى ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان فقال: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2، وفي القاعدة عند علماء الشرع " الوسائل لها أحكام المقاصد " فكل ما أدى إلى وجود الحرام وأوصل إليه فهو حرام
وبيع اللباس المحرم كالتنورة القصيرة والبنطلون الضيق وغيرهما مما تخرج به المرأة لا شك أنه محرَّم لأنه قد أدى إلى التبرج المحرَّم والذي تفتن به النساءُ الرجال.
ولأن الغالب على من يشتري هذه الملابس أنه يخرج بها للناس: فإن بيعها له إعانة على الإثم والعدوان ونشرِ الفاحشة والرذيلة بين الناس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
كل لباس يغلب على الظن أن يستعان بلبسه على معصية: فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم.
" شرح العمدة " (4 / 386) .
وحتى لو كان التصدير أو البيع للكافرات فإن الحكم لا يختلف؛ لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو قول جمهور العلماء، فكل ما يجب على المسلمين فعله يجب على الكفار، وكل ما حرم على المسلمين حرم عليهم. وسيحاسبون على ذلك يوم القيامة، ويزداد عذابهم.
ودليل ذلك قول الله تعالى عن أهل النار: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) المدثر/42–46.
ووجه الدلالة: فأخبر الله تعالى أنه عاقبهم يوم القيامة، وكانت عقوبتهم النار، وأنهم لما سئلوا عما استحقوا لأجله العقاب ذكروا من جرائمهم ترك الصلاة، وترك إطعام الطعام، فدل على أنهم عوقبوا على ذلك مع أنهم كفار، يكذبون بيوم الحساب.
وخلاصة الجواب:
أن بيع هذه الملابس لمن يغلب على الظن أنه يستعملها في معصية الله، حرام، سواء كان مشتريها من المسلمين أم من الكفار.
والله أعلم
وانظر جواب السؤال رقم (34674) ، وتجد في جواب السؤال رقم (3011) تفصيلاً مهمّاً لحديث قد يُفهم منه جواز بيع ما يحرم على المسلم إذا بيع لكافر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1815)
كيف أنصح المدمن على الصور الفاضحة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق يستخدم الانترنت ويدخل على مواقع تعرض صورا فاضحة، فما هو الحكم الشرعي في ذلك، وكيف يمكنني مساعدته للابتعاد عن هذه الأمور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز النظر إلى الصور الفاضحة التي تعرض مفاتن المرأة، سواء في مواقع الانترنت أو في الجرائد أو المجلات أو غيرها، وذلك لأن النظر إليها وسيلة إلى التلذذ بها ومعرفة ذات الصورة ومعرفة جمالها.
وهذا قد يكون وسيلة إلى الحصول عليها فيَحرُم، لأن الوسائل لها أحكام الغايات (فتاوى اللجنة الدائمة 2424) بتصرف
ولقد تهاون كثير من الناس في النظر إلى صور النساء الأجنبيات بحجة أنها صورة لا حقيقة لها، وهذا أمر خطير جداً، لأنه لابدّ أن يكون من ذلك فتنةٌ على قلب الرجل تجرّه إلى أن يتعمد النظر إلى المرأة مباشرة، وقد قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) النور/30. (مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين2/268) بتصرف.
ويمكنك أيها الأخ مساعدة صديقك للابتعاد عن هذا الأمر بإدامة النصح له وتخويفه بالله تعالى وأنه مطلع عليه لا يخفى عليه من أمره شيء، وتذكيره بنعمة الله تعالى عليه بأن رزقه بصراً يرى به ما ينفعه، وحرم عليه أن يستعمله في النظر إلى ما حرّم الله، وهو جلّ جلاله سائله عنه، ولذلك ختم الله تعالى الآية السابقة بقوله: (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/ 30، وقال تعالى: (كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الإسراء/36
ولو تأمل العاقل وهو ينظر إلى هذه الصور المحرّمة الفاتنة لأدرك أنه لا يجني من وراء هذه النظرات إلاّ الحسرات والآلام والآهات، إذ لا يستطيع أن يظفر بحقيقة هذه الصور، وصدق الشاعر إذ يقول:
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً ... لقلبك يوماً أتعبتك المناظرُ
رأيت الذي لا كلَّه أنت قادرٌ ... عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ
وقال آخر:
كم نظرة فتكتْ في قلب صاحبها ... فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلّبها ... في أعين الغير موقوف على الخطر
يسّر مقلتهُ ما ضرّ مهجته ... لا مرحباً بسرور عاد بالضّررِ
فتبيَّن أنه ليس من وراء النظر إلى هذه الصور الفاضحة إلاَّ سخط الله وضياع الوقت والمال في غير مرضاته، وتعذيب النفس.
والواجب على المسلم أن يقبل على طلب العفاف بالنكاح، وبذل الأسباب لذلك.
وترك رفقاء السوء الذين قد يكون لهم أثر سيء في التعرف والحث على تصفح مثل هذه المواقع السيئة.
وليشغل الإنسان وقته بما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، كحفظ كتاب الله وحضور مجالس الذكر، وتصفُّح المواقع التي تعرض الفائدة والعلم الصحيح النافع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1816)
فعل العادة السرية وهو محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا على من فعل العادة السرية في اليوم الثامن من أيام الحج وهو محرم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحج صحيح في أصح قولي العلماء. وعليك التوبة إلى الله من ذلك، لأن تعاطي العادية السرية، محرم في الحجّ وغيره، لقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون / 5-7، ولما فيها من المضار الكثيرة التي أوضحها العلماء.
نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق. وعليك دم يذبح في مكّة للفقراء. اهـ
فتاوى الشيخ ابن باز 17/139
ولمعرفة حكم الاستمناء راجع سؤال رقم 329.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1817)
ممارسة العادة السرية في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق سألني أنه وقع بالعادة السرية في شهر رمضان فما حكمه؟ وبعدما انتهى رمضان قضى هذا اليوم فما حكمه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على صديقك أن يعلم أن الوقوع في هذه العادة محرم شرعا، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد سبق تفصيل الأدلة في السؤال رقم (329) ، كما أن تلك العادة من الأمور المستقبحة فطرة وعقلا، ولا يليق بمسلم أن يدنو بنفسه لفعلها.
وليعلم أن المعاصي لها شؤم على المرء، في عاجل دنياه، وفي أخراه، إن لم يتب، أو يتداركه الله برحمته، وقد سبق بيان ذلك في الأرقام التالية (23425، 8861)
ثم إن أضرار تلك العادة كثيرة، فهي تضعف الجسم، وتقوي الفجوة بين العبد وربه، وهي عامل كبير من عوامل الاكتئاب.
أما حكم المسألة الواردة في السؤال، فإنه إذا أنزل بممارسة العادة السرية فسد صيامه، ولزمه الإثم، وعليه الإمساك بقية اليوم، وعليه قضاء ذلك اليوم.
وقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (38074، 2571) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1818)
ممارسة العادة السرية في رمضان دون إنزال
[السُّؤَالُ]
ـ[عند ما كنت في سن المراهقة كنت استمني في بعض أيام نهار رمضان ولكني لا أدع السائل المنوي يخرج من الذكر بحجزي إياه ولكني ابلغ المتعة والشهوة.
فما حكم صيامي، وكيف يمكنني التكفير عن هذا الذنب العظيم، مع العلم أني لا أعرف عدد الأيام التي فعلت ذلك فيها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أن الوقوع في هذه العادة محرم شرعا، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد سبق تفصيل الأدلة في السؤال رقم (329) ، كما أن تلك العادة من الأمور المستقبحة فطرة وعقلا، ولا يليق بمسلم أن يدنو بنفسه لفعلها.
ثم اعلم أن المعاصي لها شؤم على المرء، في عاجل دنياه، وفي أخراه، إن لم يتب، أو يتداركه الله برحمته، وقد سبق بيان ذلك في الأرقام التالية (23425، 8861، 45040)
أما حكم المسألة الواردة في السؤال، فإنه إذا مارست العادة السرية ولم يخرج المني لأي سبب من الأسباب لم يفسد الصوم على الصحيح من أقوال أهل العلم، لأن المعتبر هو خروج المني، فإذا خرج فسد الصوم ولزم القضاء، وإن لم يخرج لم يفسد الصوم، لكن يلزمك على كل حال التوبة إلى الله عز وجل، والاستغفار من تضييع الصيام في مثل هذه الأمور.
وقد يخرج المني بعد فترة حتى إذا منعته من الخروج، وحينئذ يفسد صيام ذلك اليوم ويلزمك القضاء، فإن كنت لا تدري عدد الأيام التي أفسدتها، فتحر ذلك، حتى يغلب على ظنك أنك قضيت ما عليك من أيام.
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح زاد المستقنع:" وهل يمكن أن ينتقل - يعني المني - بلا خروج؟
نعم يمكن؛ وذلك بأن تفتر شهوته بعد انتقاله بسبب من الأسباب فلا يخرج المني.
ومثلوا بمثال آخر: بأن يمسك بذكره حتى لا يخرج المني، وهذا وإن مثل به الفقهاء فإنه مضر جدا، والفقهاء رحمهم الله يمثلون بالشيء للتصوير بقطع النظر عن ضرره أو عدم ضرره، على أن الغالب في مثل هذا أن يخرج المني بعد إطلاق ذكره.
وقال بعض العلماء: لا غسل بالانتقال، وهذا اختيار شيخ الإسلام، وهو الصواب، والدليل على ذلك ما يلي:
1- حديث أم سلمة وفيه: " نعم، إذا هي رأت الماء " ولم يقل: أو أحست بانتقاله، ولو وجب الغسل بالانتقال لبينه صلى الله عليه وسلم لدعاء الحاجة لبيانه.
2- حديث أبي سعيد الخدري: " إنما الماء من الماء "، وهنا لا يوجد ماء، والحديث يدل على أنه إذا لم يكن ماء فلا ماء.
3- أن الأصل بقاء الطهارة، وعدم موجب الغسل، ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل. " [الشرح الممتع 1 / 280، وانظر الفروع 1 / 197، المبسوط 1 / 67، المغني 1 / 128، المجموع 2 / 159، الموسوعة الفقهية الكويتية 4 / 99]
راجع الأسئلة رقم (38074، 2571) ، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1819)
هددها زوجها إن لم تشاهد معه أفلاماً فاضحة بالطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة يجبرها زوجها على مشاهدة الأفلام الجنسية الفاضحة وهي ترفض ذلك وتحاول منعه منها والاختيار بينها وبين هذه الأفلام، فيختار الأفلام بدلاً منها، فماذا تفعل - وهو يهددها إذا لم تشاهد معه هذه الأفلام سوف يطلقها -؟ فماذا تنصحونها؟ هل تشاهدها أم تتطلق - وخاصة أنها أنجبت منه ثلاثة أطفال -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله تعالى على المسلم أن يقي نفسه وأهله النار، فقال تعالى: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم / 6.
وجعل الله تعالى الزوجة والأولاد رعية عند الزوج، وهو مسئول عنهم يوم القيامة، فعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته: فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ".
رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
وتوعد الله من غشَّ رعيته أو لم يحطها بنصحٍ شرعي أن يُحرم الجنة، فعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما مِن عبدٍ استرعاه الله رعيَّة فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة ".
رواه البخاري (6731) ومسلم (142) .
وما يفعله الزوج من مشاهدة الأفلام الجنسية الإباحية أمر منكر وإثم عظيم، ولا يحل له فعله فضلاً عن إجبار غيره على فعل هذا الأمر.
فإن دعا الزوجُ زوجته إلى رؤية هذه الأفلام: فلا تجوز طاعته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف " رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) .
ولا يعدُّ تهديد الزوج بالطلاق عذراً شرعيّاً لها، ولا تعدُّ مكرَهة بفعله، بل يجب عليها نصحه بالتي هي أحسن، فإن استجاب وترك ما هو عليه من منكر فخيرٌ يقدمه لنفسه، ولها عليه الأجر، وإن رفض الاستجابة لأمرِ الله تعالى بغض البصر عن الحرام: فلا يحل لها طاعته على ارتكاب المنكر، ولا ينبغي لها أن تأمنه على نفسها ولا على أولادها، ويعوضها الله خيراً منه إن شاء تعالى.
وفي جواب السؤال رقم (12301) بيان حكم مشاهدة هذه الأفلام.
وفي جواب السؤال رقم (7669) بيان طرق نصح وإرشاد مثل هذا الزوج.
وإذا كان الزوج تاركاً للصلاة: فلا يجوز للزوجة أن تتردد في طلب فسخ النكاح، وقد ذكرنا حكم البقاء مع الزوج الذي يترك الصلاة في جوابنا على السؤال رقم (4501) و (5281) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1820)
ولدها يمارس العادة السرية يومياً فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ابني الوحيد يعمل العادة السرية كثيراً ويصارحني بذلك، نبهته أن هذا حرام ثم بدأت بحرمانه حتى الضرب ولكن دون فائدة.
تعبت كثيراً من مراقبته ... فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تتحمل الأسرة في كثير من الأحيان مسئولية وقوع أبنائهم في المعاصي؛ وذلك بسبب قلة التوجيه نحو الطاعة، وتوفير سبل الوقوع في المعصية.
ونحن لا ندري عن حقيقة الأمر هنا، إلا أنه من المتوقع أن تكون الظروف المحيطة بهذا الصبي هي التي جعلته يقع في المعصية؛ فهو وحيد أبويه، مما جعله مدلّلاً في الغالب، وهذا التدليل ييسر سبل الوقوع في المعصية، وعلاج هذه المشكلة يكون بعدة أمور:
1. التخفيف من التدليل الزائد، والذي قد يفقد الولد الشعور بالرجولة، ويحاول إظهارها بمثل هذه العادة أو بشرب الدخان – مثلاً -.
2. عدم توفير سبل الوقوع في المعصية وخاصة تلك التي تساهم في موت القلب مثل توفير أشرطة غنائية ليسمعها، وقنوات فضائية ليراها.
3. الحرص على البعد عن نوم الولد وحده، أو إغلاق الباب عليه عند النوم، فالخلوة تساهم في التفكير في المعصية، وتشجع على فعلها.
4. ربط الولد بالمسجد وبحلقاته العلمية، وبالصحبة الصالحة، وهذه من أعظم ما يعين العبد على صلاح قلبه، وتقوية إيمانه.
5. توفير مكتبة سمعية ومرئية إسلامية نافعة، تنمي فيه حب العبادة، وتعلمه حسن الخلق، وترهبه من الوقوع في المعصية.
6. تشجيعه على القراءة، وخاصة الكتب المتعلقة بتراجم العلماء والأبطال المجاهدين، فلعله أن يكتسب أخلاقهم ويحذو حذوهم، ويفضل أن يشجع على كتابة تلخيص لما يقرأ ويسمع ويشاهد ويُعطى مكافأة تليق بحاله.
7. تشجيعه على حفظ القرآن، والصيام، ولا شك أن فيهما إعماراً للقلوب وإحياءً لها.
8. محاولة تنظيم الوقت بحيث يكون العمل في النهار، والنوم في أول الليل، فالسهر قد يجعله يديم التفكير في المعصية.
9. تبيين حكم الشرع في هذه العادة، وأثرها الصحي على العقل والقلب والجوارح.
10. تجنب إهانته وضربه وإحراجه؛ وليس بالضرب أو الإهانة أو الإحراج يكون ترك تلك المعصية وأخواتها، بل بالتي هي أحسن، وبالموعظة الحسنة.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1821)
صديقتها تصاحب الرجال وتفعل المعاصي وترفض النصيحة فما العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة جامعية، لي صديقة لا تحافظ على الصلاة، وعنيدة، لا تقبل النصيحة، ولا تستمع إلا للأغاني، لها صديقة سوء، وترفض الابتعاد عنها، ولا تذهب في الإجازات إلى البيت إذا لم تذهب صديقتها هذه، ومن خلال مواقف تعرضت هي لها تعرفت في الجامعة على مجموعة من الشباب بحجة مساعدتهم، وهي تراسلهم وتتكلم معهم، وعندما تخرج لا بد أن تتزين وتضع العطر، مع العلم بأنها تعرف حكم ذلك، حاولنا نصحها ولكنها ترفض النصيحة، ماذا أفعل لمساعدتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الدراسة المختلطة بين النساء والرجال محرَّمة، وهي تسبِّب فساداً عريضاً للمجتمع، وما تقوله الأخت السائلة هو جزء يسير من نتائج الاختلاط المحرَّم.
وإننا ننصح كل من يريد الحفاظ على نفسه، ويريد عدم الوقوع فيما حرَّم الله أن يبتعد عن هذه الأماكن المختلطة قدر المستطاع سواء للدراسة أم للعمل؛ لما فيها من مخافة للشرع؛ ولما تؤدي إليه من مفاسد.
ثانياً:
ما ذكرته السائلة من حال صديقتها مما يُؤسف له، فنسأل الله أن يهديها ويردها للحق، وأما واجبكم تجاهها فهو النصح والإرشاد، وتذكيرها بالله وأن الموت حق، وهذه الدنيا لا تدوم لحي سوى الله.
وقد خلق الله الجنة لمن أطاعه، وخلق النار لمن عصاه.. فإن استجابت للنصح والإرشاد فالحمد لله، وإن أبت إلا العصيان وسلوك سبيل الشيطان فقد قال الله تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ} المائدة / 99، وقال: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} وقال: {فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمسيطر} الغاشية / 21-22، وقال: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) المائدة/105.
واحرصي على البحث عن رفقة صالحة تعينك على الحق وتدلك عليه، وإياك ومجالس السوء وقرناء السوء فقد قال الله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويُستهزئ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً} النساء / 140.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1822)
مبتلى بالعادة السرية بسبب مشاهدة التلفاز
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مبتلى بالعادة السرية والمصيبة أني ملتزم، أجاهد نفسي بأن لا أشاهد التلفاز، وحين تأتيني الشهوة أخسر هذه المجاهدة، وأتابع التلفاز حتى أفعلها، فما الحل في هذه العادة؟ إذا أتتني الشهوة تراودني نفسي على مشاهدة التلفاز فأجلس أصبر حتى أفعلها، فما الحل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العادة السرية محرَّمة، وقد أوضحنا ذلك في جوابنا على السؤال (329) فليراجع.
فينبغي عليك التوبة من هذا الفعل بالإقلاع عنه، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه.
ثانياً:
وأما علاج هذه العادة السيئة المحرَّمة فإننا نوصيك بما يلي:
عليك بغض البصر عن المحرمات، فالنظرة المحرَّمة سهم من سهام الشيطان، وإذا كنت تدفع شهوتك بالعادة السرية الآن: فإنك لا تستطيع كبح هذه الشهوة في تصريفها في كبائر أخرى أعظم وأقبح مثل اللواط والزنى.
الابتعاد عن الخلوة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ويتسلط الشيطان على الواحد ما لا يتسلط على الاثنين وهو من الثلاثة أبعد.
التعجيل بالزواج، فهو السبيل المباح لتصريف الشهوة، فإن لم تستطع فعليك بالإكثار من الصيام، وهو وصية النبي صلى الله عليه وسلم للشباب العاجز عن الزواج، ففيه تهذيب للنفس وغض للبصر وحفظ للفرج.
الإكثار من الذكر والاستغفار والتسبيح وقراءة القرآن، ومن كان منشغلاً بهذا فإنه لا يجد الشيطان سبيلاً لإغوائه وإضلاله.
الدعاء بصدق أن يُبعدك الله عن المحرمات وطرقها، وقد قال الله تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) .
الصحبة الصالحة، والصاحب الصالح لا يدلّك إلا على خير، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (يكفي إخواني شرفا أني لا أعصي الله بينهم) .
وانظر جواب السؤال رقم (3633) ففيه بيان حكم مشاهدة التلفاز، ويمكن الاطلاع على أجوبة المسائل: (20229) ففيه بيان الوسائل التي تعين على غض البصر، و (20161) فيه بيان حل مشكلة الشهوة وتصريفها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1823)
صفات من يحصل به أجر تفطير صائم
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن إفطار الصائم في رمضان فيه أجر كبير، ولكن سؤالي من فضلكم هو:
من يكون هذا الصائم ? هل الذي لا يجد ما يفطر عليه ? أم هو عابر السبيل ? أم أي شخص آخر وإن كان ميسور الحال ? وسبب سؤالي هو أننا نعيش في أمريكا، وجل أفراد الجالية الإسلامية هنا يعيشون حياة ميسورة وإنما يتبادلون الدعوات في رمضان -حسب ما يظهر-من أجل المباهاة والافتخار...... (فلان أكثر إكراما من فلان وفلانة تطبخ أحسن من فلانة...........الخ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثواب تفطير الصائم كبير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) رواه الترمذي (708) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1078) . راجع سؤال رقم (12598)
وهذا الثواب يحصل لكل من فطر صائما، ولا يشترط أن يكون الصائم فقيرا، لأن هذا ليس من باب الصدقة وإنما هو من باب الهدية، ولا يشترط في الهدية أن يكون المهدَى إليه فقيراً، بل تصح الهدية للغني والفقير.
وأما الدعوات التي يكون القصد منها المباهاة والمفاخرة فإنها مذمومة، وليس لصاحبها ثواب على هذا العمل، وقد حرم نفسه خيراً كثيراً.
وأما من دُعِي إلى مثل هذه الدعوات فإنه لا ينبغي له أن يحضرها، ولا أن يشارك فيها، بل عليه الاعتذار عن الحضور، ثم إن تمكن من نصيحة صاحبها بأسلوب حسن أقرب إلى قبوله كان ذلك جيداً، وليتجنب الكلام المباشر، بأن يتلطف في العبارة ويأتي بكلام عامٍ ليس موجهاً إلى شخص بعينه.
فإن الرفق في العبارة وحسن الأسلوب والبعد عن الكلمات القاسية والغليظة من أسباب قبول النصيحة، والمسلم حريص على أن يقبل أخوه المسلم الحق ويعمل به.
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، فقد كان يفعل بعض أصحابه ما يُنكره النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لا يواجههم بالإنكار بل كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا؟
وهذا الأسلوب تحصل به المصلحة المطلوبة.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1824)
يتخيل أنه يجامع غير زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا كان الرجل أثناء معاشرته زوجته يتخيل أنها امرأة أخرى ويتلذذ بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الذي يفعله هذا الرجل نص العلماء رحمهم الله على تحريمه، لأنه وإن كان لم يجامع غير امرأته إلا أنه تشبه بصورة المحرم وتلذذ بذلك.
قال ابن الحاج المالكي رحمه الله:
" ويتعين عليه أن يتحفظ على نفسه بالفعل، وفي غيره بالقول من هذه الخصلة القبيحة التي عمت بها البلوى في الغالب، وهي أن الرجل إذا رأى امرأة أعجبته، وأتى أهله جعل بين عينيه تلك المرأة التي رآها، وهذا نوع من الزنا، لما قاله علماؤنا فيمن أخذ كوزاً من الماء فصوَّر بين عينيه أنه خمر يشربه أن ذلك الماء يصير عليه حراماً ... وما ذكر لا يختص بالرجل وحده بل المرأة داخلة فيه بل هو أشد؛ لأن الغالب عليها في هذا الزمان الخروج أو النظر، فإذا رأت من يعجبها تعلق بخاطرها، فإذا كانت عند الاجتماع بزوجها جعلت تلك الصورة التي رأتها بين عينيها، فيكون كل واحد منهما في معنى الزاني، نسأل الله العافية " انتهى.
" المدخل " (2 / 194، 195) .
وقال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله:
" وقد ذكر ابن عقيل - وجزم به في " الرعاية الكبرى " -: أنه لو استحضر عند جماع زوجته صورة أجنبية محرمة أو ذكر: أنه يأثم " انتهى.
" الفروع " (3 / 51) .
وقال ولي الدين العراقي رحمه الله:
" لو جامع أهله وفي ذهنه مجامعة من تحرم عليه، وصوَّر في ذهنه أنه يجامع تلك الصورة المحرمة: فإنه يحرم عليه ذلك، وكل ذلك لتشبهه بصورة الحرام " انتهى.
" طرح التثريب " (2 / 19) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1825)
التساهل في الوقاية بهدف الموت في بلاد الحرمين
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً من الحجاج الوافدين إلى بلاد الحرمين الشريفين يعرض نفسه لأسباب الموت؛ رغبة منه في أن يموت في بلاد الحرمين، وذلك بالتساهل في أسباب الوقاية كتعمد البقاء في الشمس الحارة، والتعرض لأخطار السيارات، وغير ذلك من أنواع الخطر على الحياة فما رأيكم في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
انصح إخواني الحجاج وغيرهم بالحذر من هذا التساهل والبعد عن أسباب الخطر حسب الطاقة؛ لقول الله عز وجل: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) النساء / 29، وقوله سبحانه: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة / 195.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ...
وفق الله الجميع لما يرضيه، ورزقنا وجميع المسلمين الفقه في دينه والثبات عليه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 358.(7/1826)
شكت في صديقتها فهجرها أخوها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي صديقه من 18 سنة وفي يوم شككت أنها تتكلم في التليفون مع شخص، وخفت عليها لأنها محترمة جدا فحكيت ذلك لأخ لي يصغرني لنجد حلا، ولكن بعد فترة تأكدت أنها بريئة وأني استعجلت لما حكيت لأخي. المهم صار أخي يشك في كل حركة من حركاتي وأصبح لا يطيق أن آتي باسمه. لا أعرف كيف الحل في هذا الموضوع وهل لي كفارة وماذا أعمل مع أخي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت تكلمت في صديقتك، خوفا وحرصا عليها، ورغبة في إنقاذها فلا حرج عليك، لكن كان ينبغي التريث والتأني وترك الاستعجال، ولا يلزمك كفارة ولا غيرها، إلا أن تكوني قد استرسلت في الحديث عنها بما تكره، فيجب عليك التحلل من غيبتها، فإذا كان قد بلغها ما قلتيه عنها فإن عليك أن تعتذري لها وتطلبي منها العفو والصفح، وإن كانت لم يبلغها ما قلتيه عنها فإنك لا تخبرينها بذلك بل أكثري من الدعاء لها والاستغفار والثناء عليها وذكر حسناتها أمام من تكلمت في شأنها أمامهم. ونسأل الله أن يعفو عنا وعنك. انظر: إجابة السؤال رقم (6308) .
وأما ما تعانينه من شك أخيك في تصرفاتك، فإن علاجه يكون بسؤال الله تعالى أن يهديه وأن يصرف عنه ذلك، ثم بالتزامك أمر الله تعالى في الحجاب وغض البصر ومجانبة الرجال الأجانب، والإكثار من نوافل الصلاة والصوم والصدقة، ومحاولة الحديث معه، ومصارحته، وتحذيره من ظن السوء بك.
ولاشك أن أخاك إن رأى عليك الاستقامة الواضحة، ذهب عنه الشك، وانتفت من قلبه الريبة إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1827)
مقاهي الإنترنت مرتع للفساد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي فضيلتكم فيما نراه في الآونة الأخيرة من لهث الشباب حول مقاهي الإنترنت وما يحصل فيها من الفساد؟ وفيما يسمى بالمحادثة واستغراق الوقت فيها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للإنسان أن يصدّ نفسه ولا أن يصدّ غيره عن ذكر الله، قال الله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) . ولا يجوز له أن يعيش في أماكن الفساد لما يحصل له من الضرر على دينه..
وإتيان مقاهي الإنترنت مما يصدّ عن سبيل الله وييسر فتح المواقع الجنسية فيها. والمحادثة مع النساء ضرر على الدين والخلق وبعضهم يزعم أنه يأتيها للفائدة والله يعلم المفسد من المصلح والله بصير بالعباد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1828)
يريدون الزواج على الطريقة الهندوسية
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل الله أن يهدي المؤمنين الذين يقلدون الكفار، زواج أختي قريب وقررت أن تقيم حفلاً قبل الزواج يسمى هولوود، وهو احتفال قبل الزواج حيث تجلس الزوجة على كرسي وبقربها فواكه وطعام، ويحضر الرجال والنساء ليطعموها، ثم يضعون الهولوود وهي زينة توضع على الرأس، هذا من تقاليد الهندوس وقلدهم المسلمون في جنوب آسيا في هذه الأيام.
والداي وافقا على هذا وكذلك أختي، أرجو أن تدعو الله أن يهدي المسلمين حتى لا يصروا على فعل المعاصي ويدخلهم الله الجنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
واضح من السؤال أن فيه مخالفتين شرعيتين، الأولى منهما: التشبه بالهندوس الكفار، ولا يجوز للمسلم أن يتشبه فيما هو من خصائصهم كبعض الألبسة والاحتفالات والأعياد وغيرها.
ومن الحِكَم في منع المشابهة للكفار: حتى لا يؤثر ذلك على باطن المتشبه، لأن الذي يتشبه بالقوم من الخارج فإن ذلك يؤثر فيه من الداخل حتى يكاد يرى نفسه ذات المشبّه به، ولكي يتميز المسلم من الكافر حتى لا يهان المسلم ولا يعظم الكافر.
وفي مثل هذا يقول الشيخ ابن عثيمين حفظه الله - مبيناً حال الذين يلبسون الزنار في الوسط (وهو حزام كان خاصاً بغير المسلمين فيما سبق) -:
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من تشبه بقوم فهو منهم "، قال شيخ الإسلام رحمه الله: أقل أحوال هذا الحديث التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم.
إذاً فلا يقتصر على الكراهة فقط لأننا نقول: إن العلة في ذلك أن يشابه زنار النصارى فإن هذا يقتضي أن نقول: إنه حرام لقول الرسول صلى عليه الله وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم "، وليس المعنى أنه كافر، لكن منهم في الزي والهيئة، ولهذا لا تكاد تفرق بين رجل متشبه بالنصارى في زيِّه ولباسه وبين النصراني، فيكون منهم في الظاهر.
قالوا: وشيء آخر وهو: أن التشبه بهم في الظاهر يجر إلى التشبه بهم في الباطن، وهو كذلك؛ فإن الإنسان إذا تشبه بهم في الظاهر: يشعر بأنه موافق لهم، وأنه غير كاره لهم ويجره ذلك إلى أن يتشبه بهم في الباطن، فيكون خاسراً لدينه ...
فالصواب: أن لبسه حرام.
" الشرح الممتع " (2 / 192-193) .
وفي جواب السؤال (21694) تجد تفصيلاً لحكم التشبه بالكفار وضوابطه.
ثانياً:
والمنكَر الثاني في الحفل المذكور في السؤال هو دخول الرجال على العروس، وهي في زينتها، واختلاط الرجال بالنساء فيه، وكلاهما محرَّم.
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو الموت ".
رواه البخاري (4934) ومسلم (2173) .
قال النووي:
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " الحمو الموت " فمعناه: أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي، والمراد بالحمو هنا: أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت، وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم وعادة الناس المساهلة فيه، ويخلو بامرأة أخيه، فهذا هو الموت، وهو أولى بالمنع من أجنبي لما ذكرناه فهذا الذي ذكرته هو صواب معنى الحديث.
" شرح مسلم " (14 / 153) .
وتجد التوسع في الكلام عن الاختلاط في جواب السؤال (1200) فلينظر.
ونسأل الله تعالى أن يهدي أهلك والمسلمين إلى ترك المنكرات وبغضها وإلى ما فيه الخير والهدى والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1829)
اتهام المسلم بشرب الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المسلم الذي يفتري كذبا على إخوته المسلمين كأن يقول فلان يشرب الخمر أو شيئا من هذا القبيل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتهام المسلم بأمر منكر بدون دليل من الكبائر التي تستوجب العقوبة والتعزير والتحدث به بين الناس من الغيبة التي حرمها الله وشبهها بمن يأكل لحم أخيه ميتاً قال تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) الحجرات 12 وقال سبحانه: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) النور 19، فمن وقع في عرض أخيه أو اتهمه بأمر منكر فعليه أن يتوب إلى الله، ويستسمح أخاه، ويجتنب الخوض في كل ما يسيء إلى المسلم ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) (رواه البخاري 11/256 ومسلم برقم 47) وعن أبي ذر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يرمي رجل رجلاً بالفسق أو الكفر إلا ارتد عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك) رواه البخاري 10/388، واتهام المسلم بشرب الخمر اتهام بالفسق، فمن اتهم أخاه بما ليس فيه ابتلاه الله بمثل ما ابتلى به أخاه، وقد أتي برجل عند عبد الله بن عباس فقيل له: (هذا فلان تقطر لحيته خمراً فقال: إنّا قد نُهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به) رواه أبو داود 4890 وقال حديث حسن صحيح.
فلا يجوز للمسلم أن يتجسس على أخيه المسلم ولا أن يتتبع عوراته، ولو رآه مصادفة في مكان مشبوه وظهر له من تصرفه ما يريب فلا يتهمه حتى يرى بأم عينه فعله للمنكر، وعليه أن ينصحه وينبهه فإن أبى وخشي على المسلمين منه أو سُئل عنه لمصلحة فله أن يبين ذلك لأصحاب العلاقة ولا يجوز التشهير به إلا إذا جاهر بالمنكر لأن ذلك يعين الشيطان عليه ويحول بينه وبين التوبة. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1830)
حكم التصفيق
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن التصفيق لا يجوز في الإسلام. مثلا , التصفيق للأطفال إذا قاموا بتأدية أي عمل حلال. هل يمكن أن توضح إذا كان هذا صحيح وهل هناك أي حديث يتعلق بذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التصفيق في الحفلات من أعمال الجاهلية، وأقل ما يُقال فيه الكراهة، والأظهر في الدليل تحريمه، لأن المسلمين منهيون عن التشبّه بالكفرة، وقد قال الله سبحانه في وصف الكفار من أهل مكّة: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) ، قال العلماء: المكاء الصفير، والتصدية: التصفيق.
والسنة للمؤمن إذا رأى أو سمع ما يعجبه أو ما ينكره أن يقول: سبحان الله أو يقول الله أكبر، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة.
ويشرع التصفيق للنساء خاصة، إذا نابهنّ شيء في الصلاة أو كنّ مع الرجال فسها الإمام في الصلاة فإنه يُشرع لهنّ التنبيه بالتصفيق، أما الرجال فينبّهونه بالتسبيح كما صحّت بذلك السنّة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يُعلم أن التصفيق من الرجال فيه تشبّه بالكفرة والنساء وكل ذلك منهيّ عنه. والله ولي التوفيق. الشيخ ابن باز
وسئلت اللجنة الدائمة عن التصفيق من الرجال لمداعبة الأطفال أو تصفيق الأطفال لتشجيع زميلهم فأجابت:
لا ينبغي هذا التصفيق، وأقل أحواله الكراهة الشديدة لكونه من خصال الجاهليّة، ولأنه أيضاً من خصائص النساء للتنبيه في الصلاة عند السهو. وبالله التوفيق..
من كتاب فتاوى إسلامية ج/4 ص/332-333
ويمكن تشجيع الأطفال بتكبير إذا فعلوا ما يعجب الرائي والسامع أو بنداء مناسب أو برفع اليد، أو رفع الصوت بكلمة ثناء مثل جيّد أو ممتاز وما شابه ذلك. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1831)
كيف يتخلص من حسده لإخوانه
[السُّؤَالُ]
ـ[حتى يكون المسلم صادقا في إسلامه عليه أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه. والحمد لله، فإنه من السهل أن أحب لأخي من الدم (شقيقي) ما أحبه لنفسي، لكن ذلك يصعب علي جدا تجاه إخواني من المسلمين إلا القليلين منهم. والسبب هو أني عندما أرى إخواني من المسلمين وهم أفضل مني في أي شيء، فإني أشعر بالغيرة، وأظنه من الكبرياء (أخي، أنا أدعو الله أن يغفر لي لأني وجدت هذا الشعور، لكني عندما أراهم مرة أخرى، فإني أجد الشعور ذاته مرة أخرى) .
أريد أن أشعر بالفرح إذا رأيت إخواني ينجحون، وأريد أن أحزن لحزنهم. لكني كلما رأيت الناس وهم يثنون عليهم فإني أشعر بالغيرة.
وأيضا، فإني أشعر وكأني أريد لإخوتي المسلمين دخول جنة الفردوس لكن كلما أخبرني أخ مسلم بشيء يفيدني في ديني، فأنا أريد تطبيقه، لكن الشيطان يحضر ويخبرني بأني أن أنا طبقت ما أخبرني به ذلك الأخ، فإنه سيحصل على نفس الأجر مثلي، ولذلك، فإن درجته ستكون أعلى مني في الجنة، ونفسي أحيانا تسقط في هذه المصيدة. وأريد أن أعرف كيف لي أن أشفى من هذه المشكلة تماما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم كما ذكرت أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، وأن يكره لأخيه ما يكره لنفسه من الشر، وهذا لا يتنافى مع أن يحب لنفسه ما يحب للآخرين، أما كونه حين يرى عند إخوانه من الخير ما ليس عنده يتمنى ذلك فهذا من الغبطة، إلا إذا تمنى أن تزول عنهم النعمة فيسمى حسدا.
والمسلم يحتاج إلى أن يجاهد نفسه حتى يصفو قلبه لإخوانه المسلمين، وإذا صدقت محبته لإخوانه، زالت كثير من هذه المشكلات التي يعاني منها، وحين يعلم المسلم ما له من الفضل والمنزلة حين يحب إخوانه ويحب لهم الخير، وحين يعلم ما له من الأجر إذا أحسن إليهم فإن ذلك سوف يدفعه إلى الإحسان إليهم بكل سبيل، وأن يجتهد في نفع إخوانه بدلا من أن ينشغل بحسدهم وبالتفكير فيما سينالون دونه.
الشيخ محمد الدويش.
وعليك أن تتأمل طويلاً قول الله تعالى: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) .
وقول الله تعالى: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً) .
والحسد ضرره عظيم في الدنيا والآخرة فقد أخرج الترمذي عن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذلكم بينكم أفشوا السلام بينكم) حديث حسن (جامع الترمذي / 2434) .
" ومعنى تحلق الدين قال الطيبي: أي البغضاء تذهب بالدين كالموسى تذهب بالشعر " تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي.
والذي يظهر يا أخي أنك عالم بالحكم عارفٌ بما يترتب عليه وتريد الحلول لهذه الخصلة الذميمة وإليك بعض الحلول:
1- دعاء الله والتضرع إليه أن يزيل عنك هذا الداء وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه (واهدِ قلبي واسلل سخيمة صدري) ومعناه "اهدِ قلبي" إلى الصراط المستقيم، و "اسلل سخيمة صدري"، أي أخرج غشَّه وغلَّه وحقده.
2- التأمل في القرآن وإكثار قراءته لا سيما الآيات التي تكلمت عن الحسد - لأن قراءة القرآن يحصِّل به الإنسان الحسنات وقد قال الله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
3- قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده عن الحسد وحبه الخير للغير حتى لأعدائه ومن الكتب النافعة (نور اليقين في سيرة سيد المرسلين) .
4- قراءة قصص الصحابة وأخبارهم ومن الكتب الميسرة في هذا الباب كتاب (صور من حياة الصحابة لعبد الرحمن رأفت الباشا) .
5- إذا حدثتك نفسك بمثل هذه الأمور فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم واشتغل بعمل ما ينسيك هذه الوساوس والخطرات.
6- إذا غلبك الشيطان بإلقاء الحسد في قلبك فإياك أن يظهر على لسانك أو في فعلك ما يدل على الحسد. فإن لكل إنسان نصيب من الحسد، قال شيخ الإسلام: " يقال ما خلا جسد من حسد، فالكريم يخفيه واللئيم يبديه ". أمراض القلوب، والإنسان لا يحاسب على ما تحدثه به نفسه ولكنه يحاسب على أقواله وأفعاله قال صلى الله عليه وسلم (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه البخاري / 2033.
7- إذا أحسست بأنك تحسد شخصاً معيناً فقم بشراء هدية له ومصافحته فقد قال عليه الصلاة والسلام (تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء) رواه مالك في الموطأ / 1413، لأن الحسد ناتج عن البغضاء وضدها المحبة وطريقها الهدية وإفشاء السلام لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم / 81.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه أمراض القلوب:
" فمن وجد في نفسه حسداً لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر فيكره ذلك من نفسه.. وأما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب ومن اتقى وصبر فلم يدخل في الظالمين نفعه الله بتقواه. " ا. هـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1832)
كتابة اسم الشخص الغائب عن العمل على أنه حاضر
[السُّؤَالُ]
ـ[أحياناً يطلب مني زميلي في المحاضرة أو العمل أن أقوم بتحضيره مع أنه غائب حيث تمرّ ورقة التحضير فأكتب اسمه، فهل هذه خدمة إنسانية، أم أنه نوع من الغش والخداع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هي خدمة ولكنها خدمة شيطانية يمليها الشيطان على هذا الذي فعل وحضّر من ليس بحاضر وفي ذلك ثلاثة محاذير:
المحذور الأول: الكذب، والمحذور الثاني: خيانة المسؤلين في هذه المصلحة، والمحذور الثالث: أنه يجعل هذا الغائب مستحقاً للراتب المرتّب على الحضور، فيأخذه ويأكله بالباطل، وواحد من هذه المحاذير يكفي بالقول في تحريم هذا التصرف الذي ظاهر سؤال السائل أنه من الأمور الإنسانية، والأمور الإنسانية ليست محمودة على الإطلاق، بل ما وافق الشرع منها فهو محمود وما خالف الشرع فهو مذموم، والحقيقة أن ما خالف الشرع مما يقال عنه عمل إنساني فإنه اسم على غير مسمى، لأن ما خالف الشرع فهو عمل بهيمي، ولهذا وصف الله الكفار والمشركين بأنهم كالأنعام: (يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) سورة محمد وقال تعالى: (إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل سبيلاً) سورة الفرقان فكل ما خالف الشرع فهو عمل بهيمي لا إنساني.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية ابن عثيمين /330(7/1833)
وعيد الذي يتباهى ويتفاخر بمعصيته
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أرتكب المعاصي وكان الله يسترها عن أعين الناس, لكني كنت أتفاخر وأتباهى باقترافي لها. وقد قرأت أن من يفعل ذلك فلن يُغفر له, فهل هذا صحيح؟ وهل يوجد مخرج من هذا الوضع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم بعيد عن الفحش والتفحش، ومن شر الأمور أن يكون من كلام المسلمين ما يظهر فسقهم وبعدهم عن الله تعالى، ومن ذلك أن المسلم يرتكب الذنب الذي يسخط به ربَّه عز وجلَّ، ويسيء به إلى خالقه ومولاه وربه فيستر الله عليه وهو الستير الكريم الغفور الذي لو شاء لأطبق الأرض عليه حال مجونه واستهتاره بحرمة الله، ليس هذا حسب بل يصبح مفتخراً بسخط الله ينشره بين الناس كاشفاً الغطاء الذي يستتر به بينه وبين الناس، فأنى يغفر الله لمثله.
ولذا حجب الله عن مثل هذا العاصي توبته.
عن سالم بن عبد الله قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه ". رواه البخاري (5721) ومسلم (2990) .
قال الحافظ ابن حجر:
وورد في الأمر بالستر حديث ليس على شرط البخاري وهو حديث ابن عمر رفعه " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألمَّ بشيءٍ منها فليستتر بستر الله".. الحديث أخرجه الحاكم وهو في الموطأ من مرسل زيد بن أسلم.
قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف لأن المعاصي تذل أهلها ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ومن التعزير إن لم يوجب حدّاً، وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة، والذي يجاهر يفوته جميع ذلك.
.. والحديث مصرح بذم من جاهر بالمعصية فيستلزم مدح من يستتر وأيضا فإن ستر الله مستلزم لستر المؤمن على نفسه فمن قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربه فلم يستره ومن قصد التستر بها حياء من ربه ومن الناس من الله عليه بستره لله. " فتح الباري " (10 / 487 - 488) .
وقال المناوي:
والمراد الذين يجاهر بعضهم بعضا بالتحدث بالمعاصي وجعل منه ابن جماعة إفشاء ما يكون بين الزوجين من المباح ويؤيده الخبر المشهور في الوعيد عليه " وإن من الجهار " أي الإظهار والإذاعة " أن يعمل الرجل بالليل عملاً مسيئاً، ثم يصبح " أي يدخل في الصباح " وقد ستره الله فيقول عملت البارحة " هي أقرب ليلة مضت.. " كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه " بإشهار ذنبه في الملأ، وذلك خيانة منه على ستر الله الذي أسدله عليه وتحريك لرغبة الشر فيمن أسمعه أو أشهده فهما جنايتان انضمتا إلى جنايته فتغلظت به فإن انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه صارت جناية رابعة وتفاحش الأمر. . . . والتقدير لا ذنب لهم إلا المجاهرون ثم فسر المجاهر بأنه الذي يعمل العمل بالليل فيستره ربه ثم يصبح فيقول يا فلان إني عملت البارحة كذا وكذا فيكشف ستر الله عز وجل عنه فيؤاخذ به في الدنيا بإقامة الحد وهذا لأن من صفات الله ونعمه إظهار الجميل وستر القبيح فالإظهار كفران لهذه النعمة وتهاون بستر الله قال النووي فيكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها بل يقلع ويندم ويعزم أن لا يعود فإن أخبر بها شيخه أو نحوه ممن يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجا منها أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها أو يدعو له أو نحو ذلك فهو حسن وإنما يكره لانتفاء المصلحة وقال الغزالي الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء لا على السؤال والاستفتاء بدليل خبر من واقع امرأته في رمضان فجاء فأخبر المصطفى فلم ينكر عليه. " فيض القدير " (5 /11 - 12) .
هذا بالنسبة للمجاهرة بالمعصية، أما ما قلته من المباهاة والمفاخرة، فليس الأمر فيهما متوقفاً على عدم مغفرة الذنب، بل يخشى أن يكون هذا الفعل سبباً للردة والخروج من الإسلام، لأن المباهاة والمفاخرة بالذنب قد تعني الاستحلال لما حرَّم الله.
قال الشيخ ابن عثيمين:
هناك قسم ثالث فاسق مارد ماجن، يتحدث بالزنى افتخاراً والعياذ بالله، يقول: إنه سافر إلى البلد الفلاني، وفجر وفعل وزنى بعدة نساء، وما أشبه ذلك يفتخر بهذا:
هذا يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل؛ لأن الذي يفتخر بالزنى: مقتضى حاله أنه استحل الزنى والعياذ بالله، ومن استحل الزنى فهو كافر.
ويوجد بعض الناس الفسقة يفعل ذلك، الذين أصيب المسلمون بالمصائب من أجلهم ومن أجل أفعالهم.
يوجد من يتبجح بهذا الأمر، إذا سافر إلى بلد معروف بالفسق والمجون مثل (بانكوك) وغيرها من البلاد الخبيثة التي كلها زنى ولواط وخمر وغير لك: رجع إلى أصحابه يتبجح بما فعل.
هذا - كما قلت - يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأن من استحل الزنى أو غيره من المحرمات الظاهرة المجمع عليها: فإنه يَكفر. " شرح رياض الصالحين " (1 / 116) .
والمخرج من وضعك هذا - يا أخي - التوبة النصوح إلى الله تعالى وعدم الإسراف في المعاصي والذنوب، وإن كانت منك معصية حادثة فلا تهتك عنك ستر الله الذي يسترك به. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1834)
هل يجوز الاستمناء إذا علم عدم قدرته على القيام بواجبات الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[حسب (شريعة) الإسلام، فإن على المرء أن يتزوج في أقرب فرصة يستطيع فيها الزواج كي يتجنب الوقوع في الممارسات الجنسية غير المشروعة، ومن ضمنها الاستمناء. لكن إذا كان الشخص متأكدا من أنه لن يتمكن من الوفاء (احترام) حقوق العباد الخاصة بزوجته عندها، ماذا يفعل؟ هل عليه أن يقدم ويتزوج، أم هل يجوز له ممارسة الاستمناء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " رواه البخاري (النكاح/4677) ،
قال ابن حجر في فتح الباري: وَقَدْ قَسَّمَ الْعُلَمَاء الرَّجُل فِي التَّرْوِيج إِلَى أَقْسَام:
الأَوَّل التَّائِق إِلَيْهِ الْقَادِر عَلَى مُؤَنه الْخَائِف عَلَى نَفْسه , فَهَذَا يُنْدَب لَهُ النِّكَاح عِنْد الْجَمِيع , وَزَادَ الْحَنَابِلَة فِي رِوَايَة أَنَّهُ يَجِب. وَالْمَشْهُور عَنْ أَحْمَد أَنَّهُ لا يَجِب لِلْقَادِرِ التَّائِق إِلا إِذَا خَشِيَ الْعَنَت.
وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: قَسَّمَ بَعْض الْفُقَهَاء النِّكَاح إِلَى الأَحْكَام الْخَمْسَة , وَجَعَلَ الْوُجُوب فِيمَا إِذَا خَافَ الْعَنَت وَقَدَرَ عَلَى النِّكَاح وَتَعَذَّرَ التَّسَرِّي - وَكَذَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ عَنْ بَعْض عُلَمَائِهِمْ وَهُوَ الْمَازِرِيّ قَالَ: فَالْوُجُوب فِي حَقّ مَنْ لا يَنْكَفّ عَنْ الزِّنَا إِلا بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ وَالتَّحْرِيم فِي حَقّ مَنْ يُخِلّ بِالزَّوْجَةِ فِي الْوَطْء وَالإِنْفَاق مَعَ عَدَم قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَتَوَقَانه إِلَيْهِ.
قال السفّاريني: الْفَقِيرِ الَّذِي لا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ وَلَيْسَ بِذِي كَسْبٍ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ بِذِي شَهْوَةٍ. فَيُقَالُ يُكْرَهُ النِّكَاحُ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِ النِّكَاحِ. وَعَدَمِ تَحْصِينِ زَوْجَتِهِ. وَعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ. انظر غذاء الألباب ج/2 ص/434
قَالَ عِيَاض: هُوَ مَنْدُوب فِي حَقّ كُلّ مَنْ يُرْجَى مِنْهُ النَّسْل وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْوَطْء شَهْوَة , لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنِّي مُكَاثِر بِكَمْ " وَلِظَوَاهِر الْحَضّ عَلَى النِّكَاح وَالأَمْر بِهِ , وَكَذَا فِي حَقّ مَنْ لَهُ رَغْبَة فِي نَوْع مِنْ الاسْتِمْتَاع بِالنِّسَاءِ غَيْر الْوَطْء , فَأَمَّا مَنْ لا يُنْسِل وَلا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاء وَلا فِي الاسْتِمْتَاع فَهَذَا مُبَاح فِي حَقّه إِذَا عَلِمَتْ الْمَرْأَة بِذَلِكَ وَرَضِيَتْ.
وفي الحديث دليل على تحريم الاستمناء، لأنه لو كان مشروعاً لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه، يراجع جواب سؤال رقم 329.
وإذا صبر الإنسان عما حرمه الله عليه وتركه ابتغاء مرضات الله فإن الله عز وجل يأجره يوم القيامة ويجزل له المثوبة والعطاء، لأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
ولقول الله تعالى في صفة المؤمنين: (والذين هم لفروجهم حافظون) المؤمنون/ 5
وعلى المسلم أن يسلك الطريق الشرعي الذي أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصوم. حفظنا الله وإياك من الوقوع في الحرام. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1835)
هل من المجاهرة أن يفعل المعصية أمام أولاده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من المجاهرة أن يفعل المعصية أمام أولاده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وجهت هذا السؤال لشيخنا محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
أعوذ بالله. هذا أعظم من المجاهرة (لأن فيه بالإضافة إلى المجاهرة) إساءة تربية.
س: هل كونه فعلها داخل بيته وليس أمام الناس لا زال يعتبر مجاهراً؟
ج: نعم، لأنه لو كان يفعلها في حجرته (وحيداً) ما قلنا (عنها) مجاهرة، لكن هذا (يفعلها) أمام عياله (وفي ذلك إساءة تربية أيضاً) . ولهذا يجب على المدخنين أن لا يشربوا الدخان أمام عوائلهم، لأن (في ذلك) تدريباً لهم على التدخين. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(7/1836)
حكم الذي يُجاهر بالمعصية ويُخبر بها أصحابه
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من خطيب الجمعة أن الله لا يغفر لمن يتجرأ ويخبر أصحابه بالذنب الذي فعله وستره الله. واستشهد في ذلك بحديث نبوي فهل هذا صحيح؟ أعتقد أن الله يغفر الذنوب جميعاً. والحق أنني أصبت باليأس فأرجو إجابتي بسرعة فإن هذا الأمر يضايقني جداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
1. أما أن الله تعالى يغفر الذنوب جميعاً: فصحيح لقوله تعالى {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} (الزمر 53) .
فأمّا الصغائر فيكفرها فعل الطاعات واجتناب الكبائر للأدلة التالية:
أ. قال الله تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} (النساء / 31) .
ب. عن ابن مسعود: أن رجلا أصاب مِن امرأة قُبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله عز وجل {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} (هود/114) ، فقال الرجل: يا رسول الله ألي هذا؟ قال: لجميع أمتي كلهم ".
رواه البخاري (503) ومسلم (2763) .
ج. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الصلاة الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تُغْش الكبائر ". رواه مسلم (233) .
والأمثلة على الطاعات المكفِّرة للصغائر كثيرة، كالصيام، والقيام، والوضوء، وغير ذلك.
وأما الكبائر فتحتاج إلى أعمال خاصّة لتكفيرها كالتوبة الصادقة، وإقامة الحدّ الشّرعي على مرتكبها وغير ذلك كما في النصوص التالية:
1. عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - وحوله عصابة من أصحابه -: " بايِعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمَن وفَّى منكم فأجره على الله، ومَن أصاب مِن ذلك شيئا فعوقب في الدنيا: فهو كفارةٌ له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك ".
ومعنى " فعوقب به في الدنيا ": أي: أقيم عليه الحدّ.
2. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ثم خرج يسأل فأتى راهبا فسأله فقال له هل من توبة قال لا فقتله فجعل يسأل فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فناء بصدره نحوها فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له ". رواه البخاري (3283) ومسلم (2766) .
وأما إذا مات صاحب الذنب على ذنوبه، فإن كان منها الشرك: فإن الله لا يغفره في الآخرة، وإن كان مما هو دونه فصاحبه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
أ. قال الله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء / 48، 116) .
ب. عن ابن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنَفَه فيقرره بذنوبه: تعرف ذنب كذا يقول أعرف يقول رب أعرف مرتين فيقول سترتها في الدنيا وأغفرها لك اليوم ثم تطوى صحيفة حسناته وأما الآخرون أو الكفار فينادى على رءوس الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ".
رواه البخاري (4408) ومسلم (2768) .
ومعنى كنفه أي سِتْره
2. تعبيرك باليأس لا يجوز للأدلة الآتية:
1. قال تعالى {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} (الزمر / 53) ، ويقول {ورحمتي وسعت كل شيء ….} (الأعراف / 156) .
2. عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".
رواه مسلم (2759) .
3. وأما تحدثك بذنبك ومجاهرتك به أمام أصحابك: فحرام وهو من كبائر الذنوب، وهو باب من أبوب إشاعة الفاحشة بين المسلمين والتشجيع على الشرّ وإغراء الآخرين بالوقوع في مثل فِعْله وتقليل من خطورة المعصية وعلامة على الاستهانة بها وتلطيخ العاصي لسمعة نفسه وإباحة عرضه للآخرين ولذلك نفّرت من الشريعة أشدّ التنفير كما في الحديث الآتي:
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه ".
رواه البخاري (5721) ومسلم (2990) .
ال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله:
هناك قسم ثالث فاسق مارد ماجن، يتحدث بالزنى افتخاراً والعياذ بالله، يقول: إنه سافر إلى البلد الفلاني، وإلى البلد الفلاني، وفجر وفعل وزنى بعدة نساء، وما أشبه ذلك، يفتخر بهذا.
هذا يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأن الذي يفتخر بالزنى مقتضى حاله أنه استحل الزنى والعياذ بالله، ومن استحل الزنى فهو كافر. " شرح رياض الصالحين " (1 / 116) .
وعليه:
فإنا ننصحك بالتوبة الصادقة، وأنك إذا ابتليت بشيء من الذنوب أن لا تجهر وتفاخر بها، بل ينبغي أن تستشعر عظمة من عصيت وتستغفر لذنبك وتبكي على خطيئتك وتستقيم على شرع الله وإياك أن يصيبك اليأس والقنوط من رحمة الله، وإذا استقمت على دين الله فأبشر بالخير في الدنيا والآخرة، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1837)
يريد الانتحار لرفضهم تزويجه
[السُّؤَالُ]
ـ[فأنا الأخ الذي سأل فيما لو كان يجوز للفتاة التي أنوي الزواج منها أن تدرس في الجامعة حيث الأجواء الفاسدة. إلا أن عندي مشكلة جديدة الآن، فإن تلك الفتاة لم تعد ترغب بالزواج مني، لأنني من XXX وهي من XXX، وهي تعتقد أن أمها لن تسمح لنا بالزواج أبدا، وأن أمها قد تطردها لو حصل ذلك. فهل يحق لأمها أن تحول دون زواجنا لسبب واحد وهو لأننا من بلدين مختلفين؟ إن كل ذلك يجعلني أشعر بالضيق الشديد. وقد مضى على ذلك أسبوعان وأنا أشعر الآن بالحزن الممرض، فلم أكف عن البكاء ولم أطعم شيئا، ولا أستطيع النوم وأشعر وكأنني أريد أن أقتل نفسي. فقد نفد صبري فلا أستطيع أن أتحمل هذا الوضع، فماذا أفعل؟ أحتاج من يمد لي يد العون وأنتم الجهة الوحيدة الموثوقة التي يمكن أن أتوجه إليها بطلب العون، فأنا في أمس الحاجة للمساعدة. فأرجوك يا أخي أن ترد على سؤالي، فأنا لا أستطيع أن أصبر على ألمي أكثر مما صبرت. شكراً لكم، وسأكون في غاية الامتنان والشكر لأي رد ترسلونه لي. والسلام]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً ... ) سورة النساء
إن المسلم مهما وقع تحت ضغط نفسي أو كربة شديدة فإنه لا يمكن أن يقدم على قتل نفسه لأنه يعلم أن عاقبة ذلك هي النار والعذاب الأليم كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ - يطعن - بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) رواه البخاري 5778
وتجويع الشخص نفسه بامتناعه عن الطعام إلى درجة الموت هو نوع من الانتحار والقتل المتعمد للنفس وكيف يقدم مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر على الانتقال من عذاب في الدنيا إلى عذاب وأشد وأنكى وأطول في الآخرة، إن هذا لا يفعله عاقل، ثم من أجل أي شيء؟ أمن أجل امرأة يمكن استبدالها والزواج بغيرها والنساء سواها كثير، وقد تتبدل الأحوال فيوافقون على الزواج ويغيرون رأيهم بعد مدة، ولو بحثت عن كلية أو مدرسة خاصة بالنساء في بلدك فقد تجد مكاناً خاصاً تلتحق به زوجتك فينحل جزء من المشكلة وعلى أية حال يجب عليك الاعتصام بالله والصبر (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) و (سيجعل الله بعد عسراً يسراً) ونحيلك على كتاب علاج الهموم المنشور في قسم الكتب في الصفحة لعلك تطبق بعض ما ورد فيه مما يُسكن نفسك ويعيد إليك ثباتك، والله المسؤول أن يفرج همك وينفس كربك، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1838)
استعمال آلة تؤدي إلى الاستمناء
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال محرج، ولكنني أريد معرفة الجواب عليه. إذا قامت امرأة بتمرير آلة على فرجها , فهل تعتبر أنها مارست العادة السرية بذلك؟ وما الحكم إذا استخدمت المرأة هذا الجهاز لأنها تواجه الكثير من الضغوط , وكانت ترى رجالا وسيمين في عملها , وكان زوجها يعيش في بلاد أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب عليكِ أنْ تَبْتَعِدِي عن كلِّ وسيلة لإثارة الشهوة، فإن هذه الوسائل ولا شك ستودي بكِ في النهاية إلى الوُقُوعِ في فِعْلِ العادة السرّية، وفعلها مُحَرَّم، ويراجع سؤال رقم 329 , والعبرة بفعل ما يؤدي إلى خروج المني، سواء باليد مباشرة أو بأي آلة تعمل على الاحتكاك المؤدي إلى نزول المني، فجاهدي نفسك واتركي ذلك، وعليكِ بالبعد واجتناب أماكن الاختلاط بالرجال، لأن ذلك محرم شرعاً، لأن الشيطان سيوقعك بالفاحشة مادام أنك تلتقين بهم في كل يوم خاصة مع غياب زوجك، ينظر سؤال 1200، والواجب عليك الاتصال بزوجك وإخباره بضرورة الحضور حتى لا تقعي في المحرم يراجع سؤال 6713، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1839)
التفكير بالفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[كثر الحديث عن الشذوذ الجنسي , وعن تحريمه. والموضوع مبتوت فيه تماما "إلى حد بعيد". أنت تقول بحرمة أن يكون الشخص شاذا. هناك عاملان أساسيان ويخطران على العقل. وسؤالي هو هل ممارسة الشذوذ هو المحرم؟ أم أن التفكير في أن يكون الشخص شاذا هو المحرم؟ وهل هناك طريقة للتوبة من هذه التعاسة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لاشك في تحريم اللواط والمساحقة كما ذُكر في السؤال وممارسة ذلك من كبائر الذنوب التي تستوجب غضب الربّ وعقابه الأليم، والشارع حكيم لم يحرم شيئاً على الناس إلا وفيه مفاسد وأضرار في الدنيا والآخرة. وأما مجرّد التفكير بمثل تلك المعصية فإن الإنسان لا يُعاقب عليه ما لم يعمل أو يتحدث كما قال عليه الصلاة والسلام " إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ".
لكن كثرة التفكير في شيء قد تقود إلى العمل، أو هي على أقل الأحوال تشغل الإنسان عن التفكير فيما ينفع ويفيد، وقد كان علماء الإسلام ينادون بإصلاح الخواطر ومجاهدة الأفكار الرديئة لما تؤدّي إليه من التدرّج الخطير والمُرْدي، كما قال طبيب القلوب ابن القيّم رحمه الله: دافع الخطرة فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة فإن لم تفعل صارت شهوة فحاربها فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمّة فإن لم تدافعها صارت فعلا، فإن لم تتداركه بضدّه صار عادة فيصعب عليك الانتقال عنها. الفوائد لابن القيم ص: 33
أما طريق التوبة فواضح: الإقلاع عن الذنب فورا، والنّدم على ما حصل، والعزم على عدم العودة والاستكثار من فعل الحسنات فإنهنّ يُذهبْن السيئات، والابتعاد عمن كان يُمارس معه المعصية وهجره إذا لم يتب ومفارقة أصدقاء السّوء وكلّ ما يدعو إلى المعصية، والله يتوب على من تاب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1840)
حكم غيبة غير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تبين لنا هل غيبة غير المسلمين مثل غيبة المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: ليس من أخلاق المسلمين البذاءة في اللسان فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ " رواه الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وصححه الألباني. ومن أكثر من شيءٍ صار له عادة، فعلى المسلم البعد عن أبواب الشر جملةً وتفصيلا، ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه.
ثانياً: إن كان سؤالك عن غيبة الكافر بذكر عيوبه الخَلْقِية كطول أنفه أو كِبَرِ فمه ونحوه، فاترك هذا لأنه استهزاء بخلقة الله، وإن كانت الغيبة بذكر أخلاقه السيئة التي يجاهر بها كالزنى والفجور، وشرب الخمور، أو التحذير منه، فلا بأس به. وإليك طائفة من أقوال العلماء في هذا الموضوع:
قال زكريا الأنصاري: " وَغِيبَةُ الْكَافِرِ مُحَرَّمَةٌ إنْ كَانَ ذِمِّيًّا ; لأَنَّ فِيهَا تَنْفِيرًا لَهُمْ عَنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ وَتَرْكًا لِوَفَاءِ الذِّمَّةِ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَمَّعَ ذِمِّيًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ) رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَمُبَاحَةٌ إنْ كَانَ حَرْبِيًّا ; لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ حَسَّانَ أَنْ يَهْجُوَ الْمُشْرِكِينَ " أ. هـ أسنى المطالب مع حاشيته ج3 ص116
وقال أحمد ابن حجر بن الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر ج2 ص27: " وَسُئِلَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ غِيبَةِ الْكَافِرِ. فَقَالَ: هِيَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ مَحْذُورَةٌ لِثَلاثِ عِلَلٍ: الإِيذَاءُ وَتَنْقِيصُ خَلْقِ اللَّهِ , فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لأَفْعَالِ الْعِبَادِ , وَتَضْيِيعُ الْوَقْتِ بِمَا لا يُعْنِي. قَالَ: وَالأُولَى تَقْتَضِي التَّحْرِيمُ , وَالثَّانِيَةُ الْكَرَاهَةُ , وَالثَّالِثَةُ خِلافُ الأَوْلَى. وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَكَالْمُسْلِمِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الإِيذَاءِ , ; لأَنَّ الشَّرْعَ عَصَمَ عِرْضَهُ وَدَمَهُ وَمَالَهُ. قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَالأُولَى هِيَ الصَّوَابُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {مَنْ سَمَّعَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَلَهُ النَّارُ} , وَمَعْنَى سَمَّعَهُ أَسْمَعَهُ بِمَا يُؤْذِيهِ , وَلا كَلامَ بَعْدَ هَذَا أَيْ لِظُهُورِ دَلالَتِهِ عَلَى الْحُرْمَةِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَى الأُولَى وَيُكْرَهُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ , وَأَمَّا الْمُبْتَدِعُ فَإِنْ كَفَرَ فَكَالْحَرْبِيِّ وَإِلا فَكَالْمُسْلِمِ , وَأَمَّا ذِكْرُهُ بِبِدْعَتِهِ فَلَيْسَ مَكْرُوهًا. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: {ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ} فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَيْسَ أَخَاك مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَوْ سَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ , أَوْ مَنْ أَخْرَجَتْهُ بِدْعَةٌ ابْتَدَعَهَا إلَى غَيْرِ دِينِ الإِسْلامِ لا غِيبَةَ لَهُ ". انْتَهَى
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1841)
لا يجوز الغش والكذب في المعاملات
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا محل لبيع قطع غيار السيارات، وإذا أردنا كتابة فاتورة لزبون خصمنا له جزءاً من المبلغ فإنه يطلب منا كتابة الثمن الأصلي على الفاتورة، ويفعل هذا لأن البضاعة ليست له، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان فيه غش وكذب وخيانة، لا يجوز بكل حال، ويحرم عليكم أن تعطوه فاتورة بأكثر من القيمة التي اشترى بها ودفعها من أجل أن يأخذ من الدولة أو من غيرها بدل الفاتورة، فهذا غش وكذب وخيانة ولا يجوز والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1842)
حكم الاستمناء وكيفية علاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال أخجل من طرحه ولكن هناك أخت أسلمت حديثا تريد له جوابا وليس لدي جواب بالدليل من القرآن والسنة. آمل أن تساعدنا. وأسأل الله أن يغفر لي إن كان السؤال غير لائق ولكن بصفتنا مسلمين يجب ألا نخجل في طلب العلم.
وسؤالها هو: هل الاستمناء جائز في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستمناء محرم لأدلة من القرآن والسنة:
أولاً: القرآن الكريم: قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وقد استدل الإمام الشافعي ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية وهي قوله تعالى:
(والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) 4-6 سورة المؤمنون، وقال الشافعي في كتاب النكاح: فكان بيّناً في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تحريم ما سوى الأزواج وما ملكت الأيمان.. ثم أكّدها فقال: (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) . فلا يحل العمل بالذكر إلا في الزوجة أو في ملك اليمين ولا يحل الاستمناء والله أعلم. كتاب الأم للشافعي.
واستدل بعض أهل العلم بقوله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور 33 على أن الأمر بالعفاف يقتضي الصبر عما سواه.
ثانيا: السنّة النبوية: استدلوا بحديث عبد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءةَ (تكاليف الزواج والقدرة عليه) فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ (حماية من الوقوع في الحرام) رواه البخاري فتح رقم 5066.
فارشد الشارع عند العجز عن النكاح إلى الصوم مع مشقّته ولم يرشد إلى الاستمناء مع قوة الدافع إليه وهو أسهل من الصوم ومع ذلك لم يسمح به.
وفي المسألة أدلة أخرى نكتفي بهذا منها. والله أعلم
وأمّا العلاج لمن وقع في ذلك ففيما يلي عدد من النصائح والخطوات للخلاص:
1- يجب أن يكون الداعي للخلاص من هذه العادة امتثال أمر الله واجتناب سخطه.
2- دفع ذلك بالصلاح الجذري وهو الزواج امتثالاً لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم للشباب بذلك.
3- دفع الخواطر والوساوس وإشغال النفس والفكر بما فيه صلاح دنياك وآخرتك لأن التمادي في الوساوس يؤدي إلى العمل ثم تستحكم فتصير عادة فيصعب الخلاص منه.
4- غض البصر لأن النظر إلى الأشخاص والصور الفاتنة سواء حية أو رسماً وإطلاق البصر يجرّ إلى الحرام ولذلك قال الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) الآية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تُتْبع النظرة النظرة " رواه الترمذي 2777 وحسّنه في صحيح الجامع 7953 فإذا كانت النّظرة الأولى وهي نظرة الفجأة لا إثم فيها فالنظرة الثانية محرّمة، وكذلك ينبغي البعد عن الأماكن التي يوجد فيها ما يغري ويحرك كوامن الشهوة.
5- الانشغال بالعبادات المتنوعة، وعدم ترك وقت فراغ للمعصية.
6- الاعتبار بالأضرار الصحية الناتجة من تلك الممارسة مثل ضعف البصر والأعصاب وضعف عضو التناسل والآم الظهر وغيرها من الأضرار التي ذكرها أهل الطّب، وكذلك الأضرار النفسية كالقلق ووخز الضمير والأعظم من ذلك تضييع الصلوات لتعدّد الاغتسال أو مشقتّه خصوصا في الشتاء وكذلك إفساد الصوم.
7- إزالة القناعات الخاطئة لأن بعض الشباب يعتقد أن هذه الفعلة جائزة بحجة حماية النفس من الزنا واللواط، مع أنّه قد لا يكون قريبا من الفاحشة أبدا.
8- التسلح بقوة الإرادة والعزيمة وألا يستسلم الشخص للشيطان. وتجنب الوحدة كالمبيت وحيدا وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيت الرجل وحده ". رواه الإمام أحمد وهو في صحيح الجامع 6919.
9- الأخذ بالعلاج النبوي الفعّال وهو الصوم لأنه يكسر من حدة الشهوة ويهذّب الغريزة، والحذر من العلامات الغريبة كالحلف ألا يعود أو ينذر لأنه إن عاد بعد ذلك يكون نقضا للأيمان بعد توكيدها وكذلك عدم تعاطي الأدوية المسكنة للشهوة لأن فيها مخاطر طبية وجسدية وقد ثبت في السنّة ما يُفيد تحريم تعاطي ما يقطع الشهوة بالكلية.
10- الالتزام بالآداب الشرعية عند النوم مثل قراءة الأذكار الواردة، والنوم على الشقّ الأيمن وتجنب النوم على البطن لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
11- التحلي بالصبر والعفة لأنه واجب علينا الصبر عن المحرمات وإن كانت تشتهيها النفس ولنعلم بأنّ حمل النّفس على العفاف يؤدي في النّهاية إلى تحصيله وصيرورته خُلُقا ملازما للمرء وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ. " رواه البخاري فتح رقم 1469.
12- وإذا وقع الإنسان في هذه المعصية فعليه أن يبادر إلى التوبة والاستغفار وفعل الطاعات مع عدم اليأس والقنوط لأنه من كبائر الذنوب.
13- وأخيراً مما لا شك فيه أن اللجوء إلى الله والتضرع له بالدعاء وطلب العون منه للخلاص من هذه العادة هو من أعظم العلاج لأنه سبحانه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1843)
كيف يتصرف من يعلم بعلاقة محرمة لامرأة متزوجة مع أجنبي عنها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة متزوجة، وهي على علاقة برجل آخر غير زوجها، تكلمه وتخرج معه، وهناك امرأة أخرى تعرف بهذا، وهي تعرف أقارب زوج تلك المرأة، فماذا تفعل؟ هل تخبر والدة الزوج؟ أو الزوج نفسه بما تعرف عن زوجته؟ أم ماذا تفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
في مثل هذه المسائل نشدد على وجوب الجزم قبل الحكم، ونعني به: الجزم بوجود علاقة محرَّمة قبل الحكم على المرأة بالخيانة، فكثيراً ما يحدث إساءة للظن بوجود علاقات محرمة، ولا يكون الأمر كذلك، فالأصل في المسلم: البراءة، ولا يحل وصفه بما لا يليق، ولا الحكم عليه بالفجور والخيانة إلا أن يثبت ذلك ببينة شرعية، أو يعترف الشخص بفعل تلك المحرَّمات.
فإذا ثبت على تلك المرأة ما ورد في السؤال فالذي ينبغي فعله معها هو:
1- تذكيرها بالله، ونصحها بترك الحرام، وتخويفها بالفضيحة في الدنيا والآخرة – إن أمكن ذلك - فإن تركتْ ما هي عليه من حال سيء، وانقلبت إلى حال الهداية والعفاف فقد حصل المقصود.
2- فإن أصرَّت على ما هي عليه، فلابد من إخبار زوجها بذلك، ولكننا نختار أن يُخبَر أهلُها أولاً، فلعلَّ ذلك يردعها عن معصيتها، وتحافظ به على بيتها، وأولادها.
3- فإن لم ينفع ذلك، أو لم يكن لها أهل يستطيعون التأثير عليها فينبغي إخبار زوجها، ودون تردد، ثم ينظر هو في الأصلح له ولها ويفعله.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أنا سائق مصري، محتار في تصرف زوجة كفيلي؛ حيث إنها تأخذ حاجات من المنزل، وتأمرني - أنا السائق - أن أنزل بها إلى السوق، ثم تدخل بعض الدكاكين، ثم تدخل إلى المكاتب الداخلية، وتتصل بالتلفونات ساعة ونصف، أو أكثر، أو تستخدم تلفون الشارع، ويقول: إنها تهدده بالطرد، وبإلصاق التهم به، فهل يخبِر زوجَها بذلك؛ لأنه لا يرضى هذا التصرف منها، وهو رجلٌ مسلم؟ .
فأجاب:
"حقيقة الأمر: أن هذا التصرف الذي أشرتَ إليه إذا كان حقّاً: فإنه تصرفٌ سيء، ولا يرضاه أحدٌ من المسلمين، ونحن نشكرك على هذه الغيرة على صاحبك الذي أنت عنده، بل وعلى هذه الغيرة على زوجته أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (انصُر أخاكَ ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله، هذا الظالم فكيف نصْرُ المظلوم؟ فقال: أن تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه) فأنت ناصحٌ لكفيلك، ولزوجته أيضاً، وعليك في هذه الحال - إذا لم يُفِد معها النصح -: أن تخبر زوجها بذلك؛ لتخرج من المسئولية، وأنت إذا أخبرته بذلك: فلن يضيرك شيءٌ إن شاء الله؛ لأن الله تكفل بأنَّ مَن اتقى الله تعالى جعل له مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (شريط رقم 43) .
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله:
تقبض " الهيئة " أحياناً على رجل وامرأة في خلوة محرمة، وتقوم " الهيئة " بالستر على المرأة، وإحالة الرجل إلى الجهات المختصة , فهل الستر على المرأة هذا أمرا جائز أم لا؟ مع ذكر ما يدل على ذلك , جزاكم الله خيراً.
فأجاب:
"إذا كان هذه المرأة لأول مرة عثر عليها، ولم يُسمع عنها إلا سمعة حسنة , قد خدعها هذا الرجل – مثلاً -، أو احتاجت إلى من يُركبها، فأركبها ليوصلها إلى بيتها، ولكنه تجاوز ذلك، وذهب بها، ولم ترض: عُرف بذلك أنها ليست من أهل هذه المنكرات: يعفى عنها.
وكذلك إذا كان عُرف أنها صاحبة منكر، وأنها تريد الفاحشة، ولكن هذا لأول مرة: ترتب على الرفع بأمرها وإخبار زوجها طلاق، أو مفاسد: فيؤخذ عليها التعهد، ويُستر عليها، ويبيَّن لها أنها إذا عادت مرة ثانية: يحصل فضيحتها، ونحو ذلك.
وأما إذا كانت ذات عادة متكررة: فنرى أن إبلاغ زوجها، أو إبلاغ أبيها بذلك هو الأولى؛ حتى لا تفسد زوجها، ولا تفسد نفسها، ولا تفسد سمعة أهلها" انتهى.
http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=9&book=162&toc=7894&page=6914
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1844)
ظاهرة تعلق النساء بالمنشدين، بصورهم، وأصواتهم، الأسباب، والعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أمر يؤرقني كثيراً، وهو أنني مشترك في كثير من منتديات " الإسلامية، والتي فيها أقسام للنشيد الإسلامي "، وهي إسلامية – يفترض –، أكاد أجن من كثرة الأسماء والتعليقات التي أقرؤها، والتي تدل على شدة تعلق الفتيات والنساء، وفتنتهن بهؤلاء المنشدين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن تشريع الله تعالى للأحكام فيه حكَم جليلة، ومقاصد عظيمة، وفوائد نافعة، وهو سبحانه وتعالى أعلم بعباده، وهو أعلم بما ينفعهم فحثهم عليه، وبما يضرهم فنهاهم عنه.
ومن نعَم الله علينا أنه سبحانه أراد لنا الخير , وأراد لنا العفة، والطهارة الباطنية والظاهرية، وأراد لنا السلامة من الآفات، قال تعالى: (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) المائدة/ 6.
وحتى تتحقق الطهارة التي أرادها الله لعباده: فإنه شرع أحكاماً من تمسك بها تطهَّر، ومن تركها تلوَّث بقدر تركه، وتهاونه في الاستقامة عليها، ومن ذلك: أنه تعالى حرَّم خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية، وحرَّم الاختلاط بين الجنسين؛ وحرَّم نظر الرجال إلى النساء الأجنبيات , ونظر النساء إلى الرجال الأجانب، كما قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) النور/ 30، 31.
ولا شك في تحريم هذا النظر، لا سيما إذا اقترن بشهوة، وإعجاب.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(ذَلِكَ) الحفظ للأبصار والفروج، (أَزْكَى لَهُمْ) أطهر، وأطيب، وأنمى لأعمالهم؛ فإنَّ من حفظ فرجَه، وبصرَه: طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش، وزكت أعماله، بسبب ترك المحرم، الذي تطمع إليه النفس، وتدعو إليه، فمن ترك شيئا لله: عوَّضه الله خيراً منه، ومن غض بصره عن المحرم: أنار الله بصيرته؛ ولأن العبد إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته، مع داعي الشهوة: كان حفظه لغيره أبلغ، ولهذا سماه الله حفظاً، فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه، وعمل الأسباب الموجبة لحفظه: لم ينحفظ، كذلك البصر والفرج، إن لم يجتهد العبد في حفظهما: أوقعاه في بلايا ومحن.
" تفسير السعدي " (ص 565) .
وقال ابن القيم - رحمه الله -:
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولِّد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تَقْوَى فتصبر عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده ".
" الجواب الكافي " (ص 106) .
وهذا هو واقع من يتعلق قلبها بمغنٍّ، أو لاعب، أو ممثل، أو يتعلق قلبه بمغنية، أو ممثلة، فإن حالهم لا يخفى، فقلوبهم امتلأت بالحسرات، وقد أدمنوا التفكير في اللقاء، والمشاهدة لصورة معشوقهم، وقد يموت بسبب كمده، وحزنه، وكم وقع أولئك في الكبائر لأجل هذه التعلق القلبي، وحال تلك الأوساط العفنة غير مستور.
والذي يؤلمنا أشد الإيلام: أن تنتقل تلك الأمراض ذاتها بين بعض الملتزمات من الأخوات، وقد توصل الشيطان إلى إيقاعهن في ذات الفتنة التي أوقع غيرهن من التعلق باللاعبين، والممثلين، والمغنين، ولكن لأنهن ملتزمات – في الظاهر – فإنه أوقعهن في التعلق بالمنشدين! والحال هو الحال، بل هو أسوأ؛ لأنه صادر من مدعية للالتزام، والاستقامة، وانظر إليها كيف رضيت لنفسها بلقب " عاشقة فلان "! وانظر إلى الأخرى كيف نذرت نفسها لتجميع صور معشوقها على جوالها حتى بلغ عددها (300) صورة، وهلم جرا!!
وقد تجرأ هؤلاء على تلك المعاصي بسبب عدم وجود الواعظ الداخلي الذي ينهاهم عن الفحشاء والمنكر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مبيِّنا خطورة الافتنان بأصحاب الخلقة الجميلة -:
ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله، وضعف الإيمان , والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة , وعن قوم لوط المشركين، والعاشق المتيم يصير عبداً لمعشوقه، منقاداً له، أسير القلب له.
"مجموع الفتاوى" (15 / 293) ، وينظر: "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" (1 / 64) .
وما قاله أولئك العلماء الأعلام في عشق الصور يقصد به " التعلق بالهيئة "، والتصور لها في الذهن دوماً، ولم يكن في زمانهم هذه الصور المطبوعة على أوراق بأبهى الألوان، وأحسن الأشكال، وبحركات مختلفة للمصوَّر المعشوق! ولا شك أن هذه الصور داخلة في كلامهم رحمهم الله، وقد نقلنا في أكثر من إجابة عن العلماء المعاصرين تحريم الصور الفوتوغرافية لذوات الأرواح، وخاصة إذا ترتب على تلك الصور فتنة، فهذا مما لا خلاف في حرمته بين أحدٍ من أهل العلم.
وانظر جواب السؤال رقم: (112019) لمعرفة حكم التصوير الفوتوغرافي.
ثانيا:
من أسباب فتنة النساء بالمنشدين – كذلك -: الصوت الحسن، وهو هنا صوت "المنشد" والذي لا يختلف كثيراً عن " المغني "، وتحصل الفتنة في هيئته، وفي حركاته، وفي المؤثرات المستعملة مع نشيده، مما يكون له أبلغ الأثر في افتتان النساء.
ولذلك أنكر العلماء النشيد المعاصر الذي انتشر حتى صار فتنة من فتن العصر، فبعد أن كانت الأناشيد ذات معان إيمانية، أو جهادية، أو علمية: صارت الآن – في كثير منها – مشابهة لأغاني الفسَّاق، من حيث ترقيق الصوت، ووضع صورة المنشد على غلاف الشريط، وعمل الفيديو كليب معها، وأحسنهم حالاً من يستعمل المؤثرات التي تشبه في صوتها وأثرها الآلات الموسيقية، ولم يعُد للمعاني أي اعتبار، بل يُبحث عن اللحن والمؤثرات.
وقد سبق الكلام عن ذلك في جوابي السؤالين: (91142) و (129938) .
ثالثا:
كما حذَّرنا النساء من مغبة الوقوع فيما حرَّم الله عليهم، من النظر المحرم، والتعلق المحرَّم، والعشق المحرَّم: فإننا نحذِّر المنشدين المعاصرين، وأنهم يتحملون وزراً كبيراً بما يحدث من تعلق النساء بهم، فنشيدهم أقرب لأغاني الفساق، ولباسهم وحركاتهم في النشيد تدفع النساء للفتنة بهم، مع ما يضعه بعضهم من مساحيق التجميل! ، ولا شك أن ظهورهم بهذه الطريقة لا يجوز.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وأبلغ من ذلك: أنه – أي: عمر بن الخطاب - نفى مَن شبَّب به النساء، وهو " نصر بن حجاج "، لمَّا سمع امرأة شببت به، وتشتهيه , ورأى هذا سبب الفتنة، فجزَّ شعره؛ لعل سبب الفتنة يزول بذلك، فرآه أحسن الناس وجنتين، فأرسل به إلى البصرة، ثم إنه بعث يطلب القدوم إلى وطنه ويذكر ألا ذنب له، فأبى عليه، وقال: " أمَا وأنا حي: فلا "؛ وذلك أن المرأة إذا أُمرت بالاحتجاب، وترك التبرج، وغير ذلك مما هو من أسباب الفتنة بها ولها: فإذا كان في الرجال من قد صار فتنة للنساء: أُمر أيضا بمباعدة سبب الفتنة، إما بتغيير هيئته , وإما بالانتقال عن المكان الذي تحصل به الفتنة فيه؛ لأنه بهذا يحصن دينه، ويحصن النساء دينهن.
" الاستقامة " (1 / 362) .
خامساً:
من رامت من الأخوات النجاة بنفسها، ودينها، من تلك الفتنة الطاغية، من التعلق بالصور، وأصحابها، وأصواتهم، ورامت المحافظة على قلبها من الأمراض: فلتتخلص مما معها من صور لذلك المنشد وغيره، ولتقطع السماع له بالكلية – حتى لو قرأ القرآن! -، ولتغيِّر من لقبها الفاحش، والذي عبَّرت فيه عن مكنونها تجاهه، ولتبدأ ببرنامج تجلية لقلبها، بسماع القرآن، ودروس العلم، مع التعجيل بالزواج؛ فإنه الحل الشرعي لصرفها عن التعلق المحرم، ولتملأ حياتها بالنافع المفيد، وبعدها فسيكون في قلبها البغض لتلك الصور، وتلك المعاصي، وليكن ذلك قبل أن يفوت عليها الوقت.
وهذه وصايا، ونصائح، من شيخ الإسلام ابن تيمية، لمن أراد إبراء نفسه من سهام إبليس.
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عمن أصابه سهم من سهام إبليس المسمومة؟ .
فأجاب:
مَن أصابه جرح مسموم: فعليه بما يخرج السم، ويبرئ الجرح بالترياق، والمرهم، وذلك بأمور، منها:
الأول: أن يتزوج، أو يتسرَّى؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نظر أحدكم إلى محاسن امرأة فليأت أهله فإنما معها مثل ما معها) ، وهذا مما ينقص الشهوة، ويضعف العشق.
الثاني: أن يداوم على الصلوات الخمس، والدعاء، والتضرع وقت السحر، وتكون صلاته بحضور قلب، وخشوع، وليكثر من الدعاء بقوله: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك وطاعة رسولك "؛ فإنه متى أدمن الدعاء، والتضرع لله: صرف قلبه عن ذلك، كما قال تعالى (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) يوسف/ من الآية 24.
الثالث: أن يبعد عن مسكن هذا الشخص، والاجتماع بمن يجتمع به، بحيث لا يَسمع له خبراً، ولا يقع له على عين ولا أثر، فإن " البُعد جفا "، و " متى قلَّ الذِّكر ضعف الأثر في القلب "، فليفعل هذه الأمور، وليطالع بما تجدد له من الأحوال.
" مجموع فتاوى ابن تيمية " (32 / 5، 6) .
سادساً:
1. على الأخ السائل أن يَحْذر من تلك المنتديات، إذا كان يخشى من الافتتان، أو التأثر بها، وليقتصر على المنتديات التي تخلو من تلك المخالفات؛ وكذلك عليه أن لا ييأس من واجب النصح والتذكير؛ فالدين النصيحة.
2. والنصيحة لمسئولي تلك المنتديات، والمشرفين عليها: أن يتقوا الله تعالى , وأن يعلموا أن الله سائلهم عما استرعاهم عليه، فعليهم أن يجنبوا منتدياتهم وسائل الفتنة، وأسبابها، من عرضٍ لتلك الصور , وتلك " المقاطع " - الكليبات - والتي يترتب عليها مفاسد كثيرة.
والله نسأل أن يثبتنا، وإياكم , وأن يصرف عنا وعنكم الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1845)
على علاقة هاتفية محرَّمة ويخيرها بين قبوله زوجاً أو رجوعه للمعاصي!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بنت، أخاف الله كثيراً، تعرفت على شاب عبر الهاتف بقصد الزواج، وهو كذلك، لكن هناك مشكلة، هو يتكلم في " الحب "، و " الغرام "، إنه يقول: " قولي لي " أحبك "، وإلا لن أتزوج بك، أنتِ لا تحبيني "، وهو لا يعرف عن الدّين، ويريد أن يتوب، يسألني أيضاً عن العلاقات الجنسية بين الرجل فيما تجوز وما لا تجوز، وأنا هذا الشيء رفضته، لكن في مرات أجيب عليه! لأني أحبه، هل يجوز أن أستمر معه وهو في هذا يتكلم معي في حبه؟ وكان له علاقات جنسية مع بنات، وعندما عرفني تاب عنها، وقال: إن لم تتزوجي بي سأرجع إليها، وتكوني أنتِ السبب، وأنا خائفة إن تركته أن يذهب، ويرجع إلى المعاصي، وأكون مذنبة في ذلك، وهل أضحي وأتزوجه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك مراسلتك لنا، وحرصك على معرفة الصواب مما ستتخذينه من قرار، ونسأل الله أن يوفقنا لدلالتك على ما ينفعك وما هو خير لك.
ثانياً:
نعتب عليك في البداية وقوعك في معصية العلاقات المحرمة عبر الهاتف، وهو ما جرَّك للكلام في الحب، والغرام، واستثارة الشهوات الكامنة عند الطرفين، وقد كانت مثل هذه العلاقات المحرمة سبباً لوقوع كثير من الناس في فاحشة الزنا.
وقد نهانا الله تعالى عن اتباع خطوات الشيطان، فقال: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) البقرة/ 168. فالشيطان يصل بالإنسان إلى ما يريده بالتدريج، خطوة خطوة، وهو الطريق الذي تسيرين فيه الآن، فلا شك أنك في بادئ الأمر كنت تتحرجين من الكلام في الهاتف مع شاب غريب عنك، ثم حصلت عندك الجرأة وفعلت ذلك، ثم كنت تتحرجين من الكلام معه في الأمور الجنسية، ثم بدأت تجاوبينه في ذلك، وبالقطع سيطلب منك مقابلته وستمتنعين عن ذلك، لكن بعد تكراره للطلب، فسوف تقابلينه.... إلخ مما يعني أنك تنحدرين إلى الهاوية وأنت لا تشعرين.
إن أخوف ما نخافه عليك - إن لم يتداركك الله برحمته، وتعودي إلى رشدك – أن ترسلي إلينا بعد فترة أنك وقعت في.... وفقدت أغلى ما تملكين، وتسألين ما المخرج؟ وكيف تتصرفين؟
ابنتي ... إنك ذكرت عن نفسك أنك تخافين الله كثيراً، ونرجو أن تكوني صادقة في ذلك، ولكن هذا الذي تفعلينه يتعارض مع خشيتك الله، فلو كنت تخافينه فعلاً، لتركت هذا الفعل المحرم، ولاجتهدت في الاستقامة على أوامر الله.
وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم القيامة: (وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا قَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) رواه البخاري (6421) ومسلم (1031) . فالخوف من الله هو الذي منعه من الوقوع في تلك الفاحشة.
ابنتي.. إنه ليحزننا كثيراً أنك تساقين إلى هلاكك وأنت لا تشعرين، وتُخدعين بكلام الحب والغرام والوعد بالزواج، وهذا الكلام قد خُدعت به كثيرات مثلك، ثم لما افترسها ذلك الذئب تخلى عنها، وتركها تواجه الفضيحة بمفردها، ثم ذهب يبحث عن فريسة أخرى يخدعها بالكلام نفسه.
وقد جاءتنا عشرات الأسئلة بذلك، وبعض السائلات تسألنا عن حكم الإجهاض، وأخرى لا تدري ماذا تفعل......
إننا نؤكد عليك وأنت في بداية طريق الشيطان أن تعودي فوراً، عودي إلى طريق الله، عودي إلى طاعته، والفرار من معصيته، عودي إلى طريق العفة والطهارة، وفي النهاية ... عودي إلى طريق الجنة، (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الذاريات/50.
قفي لحظة لتفكري ... لو أن ابنتك تعرضت لمثل هذا الموقف، وأخبرتك بهذا بصراحة، كما صارحتينا أنت، فماذا تقولين لها؟
لا يعترينا شك أن نصيحتك لها ستكون واضحة، وصريحة بالأمر بقطع العلاقة نهائياً مع هذا الشاب، وأن مثل هذا الشاب ليس جديراً بأن يكون زوجاً صالحاً، بسبب علاقاته الآثمة التي لا مانع عنده من العودة إليها، بل نحن نشك في تركه إياها فعلاً، وقد يكون تركها فترة إلى حين تمكنه من فريسته الجديدة.
وهذا هو ما ننصحك به، قطع العلاقة نهائياً مع هذا الشاب، فالاستمرار معه عابته معروفة، ولك عبرة في مئات بل آلاف القصص التي مثل حالتك، وقد كانت كل واحدة منهن تخدع نفسها، ويخدعها الشيطان بأن هذا الشاب ليس كغيره، وأن قصده شريف، الزواج.
ونرجو أن لا تترددي في قطع علاقتك بهذا الشاب، للأسباب التالية:
1- أن ما تقومين به الآن هو عمل محرم، فعليك تركه خوفاً من عذاب الله.
وانظري جواب السؤال رقم (34841) .
2- قد ثبت بما لا مجال للشك فيه: أن الزواج عن طريق الهاتف، والإنترنت، بل وعموم العلاقات المحرمة قبل الزواج: أن مصيره إلى الفشل، وأنه سبب للهموم، والغموم، والشكوك، التي تصاحب الزوجين، إن لم يحصل طلاق، وأنتِ قد أغناك الله باستقامتك على دينه، فلا تتورطي فيما تندمين عليه في قابل الأيام.
وانظري جواب السؤال: (84102) و (84089) .
3- أن هذا الرجل الذي يتجرأ على فعل المحرمات الآن، ولا يبدو منه أثر توبة، وخوف من الله: ليس بالذي يصلح زوجاً لك، يرعاك، ويحافظ عليك، ويربي أولادك، فلا تجعلي من حياتك محط تجربة لشيء فاسد ترينه أمام عينيك، وفي الرجال من أهل الاستقامة والدِّين من هو أليق وأفضل بأن يكون زوجاً لك، ومثل هذا الشاب لا يؤسف عليه، وعنده من النساء غيرك ما يتسلى به عنك، ولا تظني للحظة أنه يريدك زوجة عفيفة، مصونة، مكرمة، بل يريد هذا وأمثاله العبث، والتسلية، وعند إرادة الزواج حقيقة يبحث عمن ليس لها ماضٍ، ولا تخاطب الرجال الأجانب، وباختصار يبحث عن غيرك! .
وأما خداعه لك بأنك إذا لم تتزوجيه عاد إلى ماضيه السيئ، فلا يضرك ذلك شيئاً، وكل إنسان مسؤول ومحاسب على فعله، استقام أم انحرف، ولست مسؤولة عن إصلاحه.
فالحذر من استمرار العلاقة أو المكالمات الهاتفية معه، والحذر من الاغترار بكلامه، والحذر من قبوله زوجاً.
هذه نصيحتنا، وهذه وصيتنا، ونسأل الله أن يلهمك رشدك، ويوفقك لك خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1846)
تعلق بفتاة من سنوات ثم تاب واستقام ويسأل عن المراسلة البريئة
[السُّؤَالُ]
ـ[ابتليت بالعشق أيام الدراسة الثانوية فقد أحببت فتاة، وتعلمت وإياها الصلاة وكانت تحثني على الجماعة، ثم افترقنا في الجامعة وبدأنا نلتقي بعد ذلك ولكن الله حفظنا من الفاحشة. منذ سنة تقريباً لبست هي الحجاب وانطلقت في طرق الالتزام، لكن بقينا نتراسل بالجوال أو الرسائل الإلكترونية وأحياناً أختي تبلغها والله هي تحثني على الطاعة وأنا أيضاً ورسائلنا ليس فيها إلا الخير فإما أن نتحدث عن الدراسة أو نحث بعضنا على الطاعات وأحيانا نمتنع عن المراسلة ونقول إنها لا تجوز، مع العلم أن أهلها على علم بعلاقتنا وأنه حب طاهر، أريد الزواج منها لكن المشكلة أن هذا صعب حالياً لأن كلانا يدرس – وقد اتفقنا أن نستفتيكم وسوف نسلم بما تفتوننا به إن شاء الله، فكلانا يخشى الله ونريد الابتعاد عن كل حرام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى الذي هداكما وحفظكما من الوقوع في الفاحشة التي هي ثمرة مثل هذه العلاقات المحرمة، ونحمده أن جعل في قلوبكم من الإيمان ما أوجب الشك والتردد في مواصلة هذه العلاقة، فكم من غافلٍ لبّس عليه الشيطان، وزين له المراسلة والكلام، تحت ذريعة النصح والصدق والحب البريء!
وعجبا للإنسان كيف يخدع نفسه، ويغشها، ويوهمها أنه سائر في الطاعة، بعيد عن المعصية، وهو يعلم في داخلة نفسه أنه مسيء!
وتراه يغتر بمعرفة الناس بعلاقته، وسكوتهم عنه، وهو يدرك أن ذلك لا حجة فيه، وأن كثيراً من الناس اليوم يرضون بما هو أعظم من ذلك، فلو ساغ الاحتجاج بهذا، لأوشك أن يكون الباطلُ حقاً، والخطأُ صواباً، والمنكرُ معروفاً.
ولهذا فإن من توفيق الله تعالى لكما أن هداكما للسؤال والاستفسار، كما هداكما قبلها للتوقف عن المراسلة، وإدراك ما فيها من الحرام.
ثانياً:
لا شك أن إقامة العلاقة بين الرجل والمرأة، وتبادل الرسائل والاتصالات، هو من المنكرات الواضحات، المشتمل على جملة من الآثام والسيئات، أعظمها تعلق القلب، وانشغال النفس، والوقوع في الرق والأسر، والافتتان بالكلمة والصوت، ثم التطلع لما وراء ذلك من اللقاء والرؤية.
وقد جاءت الشريعة بمنع ذلك كله؛ لأنه باب الفتنة، وطريق الغواية، وسلّم الحرمان، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21.
والشيطان لا يأتي العبد الصالح يدعوه للزنا أول الأمر، وإنما يستدرجه للكلام، والنظر، والتعلق، ثم يزين له الحرام الأكبر إذا ضعفت عزيمته، وتمكن الهوى من قلبه.
ولهذا كان من كمال هذه الشريعة تحريم النظر إلى النساء وتحريم مصافحتهن والخلوة بهن، ومنع المرأة من الخضوع بالقول، وكل ذلك سدا لباب الفتنة، وتقليلاً لمادة الشر، وتطهيراً للنفوس والقلوب، وقصراً لهذه المُتع على الوجه الذي أباحه الله وأذن فيه، لتكمل السعادة بين الزوجين، وتعظم رغبة كل منهما في الآخر، فهو مقصور عليها، وهي مقصورة عليه.
ومن استعجل تحصيل هذه السعادة قبل أوانها، عوقب بحرمانها، ولهذا كثر في أهل الانحراف وجود الهم والغم، وحصول النشوز والفرقة، حتى في أكثر الزيجات قياما على ما يسمونه بالحب.
وأما العشق فبلاء أكبر وأعظم، وقد بينا في جواب سابق أن العشق "معصية من نوع آخر قد لا تكون مقترنة بشهوة ولكنّها خطيرة جدّا لأنها تصل إلى الوقوع في عبودية العاشق للمعشوق ويصبح كلّ همّه وتفكيره، لا يصبر على فراقه في نهاره ويراه في منامه، يحيا لأجله ويموت لأجله، وربما تغيّر إذ رآه، ومرض إذا غاب عنه، فهذه علاقة مدمّرة لنفسية الإنسان ولعلاقته بربّه وتجعل العاشق عبدا للمعشوق، والعبودية لغير الله حرام، والحلّ الأساسي لهذه المصيبة هو المفارقة التامّة بحيث لا يقع منه على خبر، ولا يرى له حسٌّ ولا أثر".
ولهذا فإننا نقول:
لا يجوز لكما الاستمرار في هذه العلاقة، ويلزمكما قطع الاتصالات والمراسلة، مهما كان محتواها، فإن هذا من استدراج الشيطان لكما.
وأما الزواج فهو خير علاج لكما إن تيسرت أسبابه، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ) رواه ابن ماجة (1847) وقال البوصيري: "رجاله ثقات، وإسناده صحيح".
نسأل الله تعالى لكما التوفيق والسداد والرشاد.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (59907) و (84102) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1847)
المراسلة مع الخاطب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمخطوبة أن ترسل لخطيبها عبر البريد الإلكتروني سيرتها الذاتية (نبذة شخصية عن حياتها) ؟ وهل يجوز أن ترد على رسائله (بوجوه تعبيرية) لتثبت وصول الرسالة؟ وهل يجوز أن ترسل له مسجات ورسائل (أدعية) في المناسبات، كرمضان، والعيد، ويوم الجمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ننصح به كلا من الخاطب والمخطوبة أن يُتِمُّوا عقدَ الزواج الشرعي في أقرب فرصة ممكنة، فالمسلم مطالب بالإسراع إلى العفة والستر والصيانة، فذلك أدعى ألا يستزلهما الشيطان إلى ما يسيء إليهما، وإلى مستقبل حياتهما الزوجية.
وليعلم الخطيبان اللذان لم يتم العقد الشرعي بينهما، أنهما أجنبيان في حكم الشريعة، لا يجوز أن يربطهما شيء من المخاطبات أو المراسلات أو المحادثات، كما هو الشأن بين كل شاب وفتاة، فقد جعل الله تعالى العقد الشرعي حدا فاصلا منضبطا بين العلاقات المحرمة والعلاقات الشرعية، فلا يجوز للمسلمين أن يتعدوا حدود الله، ولا أن يفتحوا أبواب الأهواء والرغبات، وإلا فسدت قوانين الأخلاق، واضطربت حدود العلاقات، وتسببت في حدوث الفتن والمفاسد والمشكلات بين الناس، وقد شاهدنا وسمعنا وقرأنا الكثير الكثير من ذلك، مما يستدعي وقوف كل منا عند الحدود الشرعية، وتحمل المسؤولية الفردية والجماعية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إذا رضيها وتمت الخطبة فلا يكلمها، انتهى الموضوع، وبعض الخَطَّاب يكلم خطيبته بالتليفون فتجده يجلس معها ساعات كثيرة يحدثها، وإذا قلت: هذا لا يجوز، المرأة أجنبية منك كيف تحدثها؟ قال: أنظر مدى ثقافتها، كيف تنظر مدى ثقافتها؟ ألستَ خطبتها ورضيت بها، لا حاجة إلى الثقافة، إذا كنت تريد اعقد عليها وحدثها ما شئت، أما أن تحدثها وهي أجنبية منك ولم يتم العقد فهذا لا يجوز، وقد ابتلي كثير من الناس بهذا، فتجده يفتح الهاتف عليها ويحدثها، ليلة كاملة تذهب والحديث مع الصديق يقتل الوقت قتلاً، فنحذر من هذا" انتهى.
"اللقاء الشهري" (رقم/28، سؤال رقم/3) .
وقال أيضاً:
"المخطوبة أجنبيةٌ من الخاطب، لا فرق بينها وبين من لم تكن خطيبة، حتى يعقد عليها" انتهى.
وقال أيضا رحمه الله:
"المرأة المخطوبة كغير المخطوبة في النظر إليها والتحدث إليها والجلوس معها أي أن ذلك حرام على الإنسان" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (فتاوى النكاح/أحكام الخطبة) .
وقد أجاز بعض العلماء كلام الرجل مع خطيبته إذا كان من أجل التفاهم في أمور الزواج، بشرط أن يكون الكلام بقدر الحاجة، ولا يتم التوسع فيه والتطويل، وبشرط ألا يكون في ذلك فتنة أو إثارة شهوة.
وانظر جواب السؤال رقم (36807) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1848)
هل يجوز لها الدراسة في مكان مختلط في بلاد كافرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل حفظك الله لي سؤال حول الدراسة في الدول الأوروبية وهو: ما حكم الدراسة في معهد مختلط علما بأنني مرافقة لزوجي، ومدة بعثته خمس سنوات، وأنا أريد كسب اللغة ودراسة الماجستير بعد ذلك، وملتزمة بالحجاب الكامل الفضفاض، لا أُخرج إلا عيني مع تحرزي الشديد، وأكمامي طويلة لا يخرج إلا أطراف الأصابع، جلوسي في القاعة يكون بجانب النساء، وعدد الطلاب لا يتجاوز (12) طالبا، ومحتاجة للغة للتخاطب مع من حولي وفي مجال الدعوة حتى أستطيع توضيح الإسلام لهم، خاصة وأنهم كثيراً ما يسألونني عن السر في ارتداء الحجاب. أرجو الإجابة، فأنا بانتظارها؛ لأنني أكملت السنة والأربعة أشهر في الغربة وأنا أبحث عن فتوى لسؤالي؛ لأنني أريد الدراسة، ولكن تحت فتوى شرعية منكم. والله يحفظكم ويرعاكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك - بدايةً – حرصك على تحري الصواب وموافقة الشرع في أفعالك، وهذا الذي ينبغي على كل مسلم فعله، على أن يكون ذلك قبل الإقدام على ما يريد القيام به، من تجارة، أو سفر، أو وظيفة؛ لأن مقتضى الصدق في الاتباع أن يسأل عن حكم فعله قبل الإقدام عليه.
ثانياً:
سؤالك فيه مسألتان، لا مسألة واحدة، أما الأولى: فهي السفر إلى بلاد الكفر، وأما الثانية: فهي الدراسة المختلطة في تلك البلاد.
وقد سبق في فتاوى متعددة حكم السفر لمثل تلك البلاد، والإقامة فيها، وقد بينَّا أن الأصل فيها التحريم، وأنه يجوز في حالات، وضمن شروط، وليس من الجواز أن يذهب المسلم لدراسة علوم تتوفر في بلده، أو في غيرها من دول الإسلام.
انظري أجوبة الأسئلة: (27211) و (14235) و (3225) .
وعليه: فالأصل هو عدم ذهاب زوجك أصلاً للدراسة في تلك الديار، فإذا أصرَّ على الذهاب، ويمكنه المحافظة على نفسه لقوة دينه، أو لقصر مدة إقامته هناك: فلا داعي لذهابك معه؛ لأنه ليست ثمة حاجة ولا ضرورة، فإن صعب عليك البقاء في بلدك، أو تخافين على نفسك الفتنة من الوحدة، أو كان يخاف هو على نفسه الفتنة في تلك البلاد: ففي هذه الحال تُعذرين في مرافقته.
ثالثاً:
أما بخصوص دراستك في مكان مختلط في تلك البلاد: فإنه محرَّم ولا شك، ولو كانت دراستك المختلطة في بلدٍ مسلم لم تكن جائزة، فكيف أن تكون بتلك الديار؟! .
سئل علماء اللجنة:
هل يجوز للأخوات أن يدخلن ويتعلمن في المدارس والجامعات المختلطة، حيث لا يوجد في بلاد الغرب إلا التعليم المختلط، ولكن الأخوات يلتزمن بالزي الإسلامي، مع مضايقات الكفار؟ .
فأجابوا:
اختلاط الرجال والنساء في التعليم: حرام، ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة، وانتشار الفساد، وانتهاك المحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشرِّ والفساد الخلقي لهو من أوضح الدلائل على تحريمه، وإذا انضاف إلى ذلك كونه في بلاد الكفار: كان أشد حرمةً ومنعاً، وتعلُّم المرأة بالمدارس والجامعات ليس من الضرورات التي تستباح بها المحرمات، وعليها أن تتعلم بالطرق السليمة البعيدة عن الفتن، وننصحها بأن تستفيد من الأشرطة السليمة التي صدرت من علماء السنَّة، كما ننصحها وغيرها بالاستفادة من " نور على الدرب " في إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 181، 182) .
وقالوا:
لا يجوز للطالب المسلم أن يدرس في فصول مختلطة بين الرجال والنساء؛ لما في ذلك من الفتنة العظيمة، وعليك التماس الدراسة في مكان غير مختلط؛ محافظة على دينك، وعِرضك، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) .
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 173) .
وحتى لو وافق زوجك على دراستك، فإن هذا لا يبيح لكِ تلك الدراسة المختلطة.
قال علماء اللجنة:
الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها: من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تَدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 156) .
فهذه فتاوى العلماء التي رغبت بمعرفتها قبل إقدامك على الالتحاق بذلك المعهد المختلط، وقد عرفتِ أنه لا يجوز لك ذلك، ولا ينفعك لبسك للحجاب كاملاً مع وجود أولئك الطلاب في القاعة، ويمكنك تعلم اللغة الإنجليزية عن طريق مدرسة تأتيك لبيتك، أو عن طريق أشرطة الصوت والفيديو والكتب، وهو متيسر جدّاً في الأسواق، كما يمكنك الانتساب لإحدى الجامعات أو المعاهد، وتقديم الامتحان بالمراسلة أو مع وجود زوجكِ، فتجمعين بين تحقيق هدفك في تعلم اللغة والحصول على شهادة، مع الحفاظ على الستر والنفس من أذية سفهاء القوم وشواذهم.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه.
وانظري أجوبة الأسئلة: (1200) و (33710) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1849)
هل يوظف نساء لاستقبال المراجعين في المستوصف الطبي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مستوصف طبي خاص، فهل يجوز لي أن أوظف نساء لاستقبال المراجعين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان سيتم فصل النساء عن الرجال في المستوصف، وتعمل هذه الموظفة في القسم النسائي، ولا تختلط بالرجال، ولا تستقبلهم، ولا تتحدث معهم، فلا حرج من عملها في هذا القسم.
أما إذا كانت ستستقبل الرجال والنساء، وتتحدث معهم، وتجلس بجوار الرجال العاملين معها في المستوصف، فإن عملها لا يجوز، لما يؤدي إليه هذا العمل من نزع الحياء عنها شيئاً فشيئاً، ولا بد، وتعريضها وتعريض الرجال العاملين معها وغيرهم للفتنة، والواجب: سد باب الفتنة، ودفعها قبل أن تقع، والبلاد التي اختلطت نساؤها برجالها في العمل - الإسلامية وغيرها – قد انتهى أمرها إلى ما هو معلوم من الشر والفساد، وكثرة اللقطاء وحالات الطلاق بسبب العلاقات المحرمة، والتي كان من أكبر أسبابها اختلاط النساء بالرجال.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل يجوز العمل للفتاة في مكان مختلط مع الرجال - علماً بأنه يوجد غيرها من الفتيات في نفس المكان -؟ .
فأجاب:
" الذي أراه أنه لا يجوز الاختلاط بين الرجال النساء بعمل حكومي، أو بعمل في قطاع خاص، أو في مدارس حكومية، أو أهلية؛ فإن الاختلاط يحصل فيه مفاسد كثيرة، ولو لم يكن فيه إلا زوال الحياء للمرأة وزوال الهيبة من الرجال؛ لأنه إذا اختلط الرجال والنساء أصبح لا هيبة عند الرجال من النساء، ولا حياء عند النساء من الرجال، وهذا (أعني الاختلاط بين الرجال والنساء) خلاف ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح، ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للنساء مكاناً خاصاً إذا خرجن إلى مصلى العيد لا يختلطن بالرجال، كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خطب في الرجال نزل وذهب للنساء فوعظهن وذكَّرهن، وهذا يدل على أنهن لا يسمعن خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو إن سمعن لم يستوعبن ما سمعنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها، وخير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها) ؟ وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شر الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف، وإذا كان هذا في العبادة المشتركة فما بالك بغير العبادة، ومعلوم أن الإنسان في حال العبادة أبعد ما يكون عما يتعلق بالغريزة الجنسية، فكيف إذا كان الاختلاط بغير عبادة؟ فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فلا يبعد أن تحصل فتنة وشر كبير في هذا الاختلاط، والذي أدعو إليه إخواننا أن يبتعدوا عن الاختلاط، وأن يعلموا أنه من أضر ما يكون على الرجال، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) .
فنحن والحمد لله - نحن المسلمين - لنا ميزة خاصة يجب أن نتميز بها عن غيرنا، ويجب أن نحمد الله - سبحانه وتعالى – أن منَّ علينا بها، ويجب أن نعلم أننا متبعون لشرع الله الحكيم، الذي يعلم ما يصلح العباد والبلاد، ويجب أن نعلم أن من نفروا عن صراط الله عز وجل وعن شريعة الله فإنهم على ضلال، وأمرهم صائر إلى الفساد، ولهذا نسمع أن الأمم التي كان يختلط نساؤها برجالها أنهم الآن يحاولون بقدر الإمكان أن يتخلصوا من هذا، ولكن أنَّى لهم التناوش من مكان بعيد، نسأل الله تعالى أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وشر وفتنة " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (3/93، 94) .
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله:
" عمل المرأة يجب أن يكون في حدود المشروع، وأن يكون بعيداً عن الفتنة، وبعيداً عن الاختلاط بالرجال غير المحارم، فلا يكون كما عليه النساء الكافرات والمشتبهات بهن من نساء المسلمين، فيجب الابتعاد عن هذا العمل الذي يجر إلى الفتنة ويوقع في المحذور، تعمل المرأة ما يليق بها في غير فتنة ومع التحفظ والاحتشام " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (4/28) .
فالاختلاط بين الرجال والنساء محرم، وفي جواب السؤال رقم (1200) ذكرنا الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة، وبعض الدراسات المعاصرة التي تثبت خطورة الاختلاط وآثاره السيئة، حتى على الشريفات العفيفات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1850)
يحب فتاة ويتساءل: لماذا يرفض المجتمع هذا الحب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بصراحة أحب فتاة، لم أتعرف عليها، لكن هي قريبة لي، كنت أجلس معها أيام صغري، وانقطعت العلاقه بيننا عندما كبرت، ولم أتواصل معها أبدا بعد ما كبرت، وقصدي من الحب هو الزواج. سؤالي: هل هذا الحب محرم، ولماذا يرفض المجتمع هذا الحب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بداية نشكرك على مصارحتك، ثم على حرصك على معرفة الحكم الشرعي في أمر مهم يتعلق بكثير من الشباب إن لم يكن بأكثرهم.
" فالحب " الذي يقع بين الناس، سواء في الجنس الواحد أو بين الجنسين إذا لم تكن أسبابه محرمة، ويؤدي إلى نتائج محرمة، فلا حرج فيه، وهو شيء يجده الإنسان في قلبه لا يستطيع دفعه.
قال ابن حزم:
" وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل " انتهى. "طوق الحمامة" (ص/4) .
غير أن الشريعة قيدت وضبطت أمرين مهمين يتعلقان بالحب، وهما:
الأمر الأول: أسباب الحب ومقدماته، فغالبا ما ينشأ الحب بسبب اختلاطٍ وتمازجٍ أو تبادلِ نظرٍ أو حديثٍ أو مجالسةٍ بين المتحابين، وهي أعمال داخلة تحت القدرة والتكليف، جاءت الشريعة بسدها وتحريمها ابتداء بين الجنسين، فحرمت النظر والخضوع في القول والخلوة واللمس، وأوجبت العفة وعدم الاختلاط والحجاب والتقوى في السر والعلن، فمن تجاوز حدود الله في هذه الأسباب أثم، ولحقه اللوم في كل ما يستتبع هذه التجاوزات من تعلق محرم وحب آثم.
قال ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (11/10) :
" فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه " انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله في "روضة المحبين" (147) :
" إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له، فهذا لا يلام على ذلك، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره، على أن عليه مدافعته وصرفه " انتهى.
الأمر الثاني: النتائج والتوابع التي يمليها الحب بين المتحابين، إذ يبدأ القلب بالدفع نحو الاقتراب من المحبوب بكل طريقة، وتبدأ النفس بالوسوسة لبلوغ الغاية بالوصال مع المحبوب، بالاتصال بالكلام أو النظر أو تبادل الهدايا والحديث العاطفي أو الوقوع في الإثم والفاحشة، فإذا تسلح القلب بالتقوى، وعمرت النفس بالإيمان، فلم تَخُضْ في هذه المسالك، ولم تستجب لتلك المهالك، فقد حفظت حدود الله وشرعه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (10/133) :
" فأما إذا ابتُلى بالعشق وعف وصبر، فإنه يثاب على تقواه لله، فمن المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقولا وعملا، وكتم ذلك فلم يتكلم به، حتى لا يكون في ذلك كلام محرم، إما شكوى إلى المخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوع طلب للمعشوق، وصبر على طاعة الله وعن معصيته، وعلى ما فى قلبه من ألم العشق، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة، فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر، ومن يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاءات الباب المفتوح" (2/125) :
" قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلق فاضل وذات علم فيرغب أن يتزوجها، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلق فاضل وعلم ودين فترغبه، لكن التواصل بين المتحابين على غير وجه شرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق والظهور، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، ويقول إنه يرغب في زواجها، بل ينبغي أن يخبر وليها أنه يريد زواجها، أو تخبر هي وليها أنها تريد الزواج منه، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل فتنة " انتهى.
فالحاصل: أن المرفوض في الحب هو الأسباب والنتائج المحرمة، ولما كان الغالب على الخائضين في الحب في هذا الزمان أنهم لا يراعون حرمات الله ولا يتقون عذابه، ويستبيحون في سبيل حبهم المزعوم كل صغير وكبير، رفض كثير من الناس هذا المعنى " الحب "، وأصبح مسلكا مذموما في المجتمعات المحافظة، والحمد لله.
أما الذي وقع الحب في قلبه من غير سبب محرم منه، ولا أدى إلى الوقوع في محرم، فلا يلام على ذلك، لكن ينبغي أن يسارع في السعي نحو الزواج، كي يحفظ دينه وعفته ولا يعرض نفسه للفتن.
نسأل الله تعالى أن يحفظ شباب وفتيات المسلمين من كل سوء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1851)
تعرف إلى فتاة ويسأل عن إتمام الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه قصتي مع الهاتف، أنا شاب تعرفت على فتاة عن طريق الهاتف، وتكلمت معها فترة طويلة لمدة خمسة شهور، وبعد مرور خمسة شهور قالت لي الفتاة إنها تخاف من كلامي معها؛ لأنه حرام، وعرضت عليها أن أتزوجها عبر الهاتف بأنها تقول لي: زوجتك نفسي، وأنا أقول لها: وأنا قبلت الزواج منك. وكان شرطها أنه زواج مع إيقاف التنفيذ؛ لأن شروطه غير مكتملة، وبعد ذلك تحدد يوم لمقابلة أمها وزوج أمها، وذهبت وطلبت الفتاة من أمها ووافقت الأم، ولكن زوج الأم رفض، وبعد فترة رفضت الأم هي الأخرى، وفي بعض الأحيان تقول انتظر حتى تنتهي البنت من الجامعة، وتطورت المسألة بيني وبين الفتاة في الهاتف، وبدأ الحديث يأخذ مجرًى آخر، أصبحنا نتحدث مثل الأزواج، وما زلت متمسكا بها أكثر من الأول؛ لأنها إنسانة طيبة والله أعلم، وبعد ذلك ندمنا على كل هذا، وبدأنا نحفظ القرآن، وهو شرطنا الآن حتى نتزوج، وفي يوم تحكى لي الفتاة قصة غريبة، أن أمها تركت أباها وهو في المستشفى في آخر أيام عمره، وطلبت منه الطلاق، وقالت له إنها تحب رجلا ثانيا، وبعدها توفي الزوج، وبدأت تدخل الرجل الثاني البيت، وسألتها الفتاة: من هذا؟ قالت لها: إنها متزوجة عرفيا، سألتها الفتاة عن شهور العدة. قالت لها: أنا منفصلة عن أبيك من أكثر من سنة، وبعد فترة انفصلت عن هذا الرجل، وتزوجت صديقه، والغريب أنه كان عنده علم، وبعد زواجها من هذا الرجل انشغلت أكثر من الأول عن أولادها بهذا الزوج الجديد، الذي يأخذ من أموال اليتامى لكي يرسل الأموال إلى الزوجة الأولى وأولاده، وبعد فترة أنجب منها. ملحوظة: حتى وقتي هذا لم أقابل هذه الفتاة، وهى تعرض علي أن أقابلها وأنا أرفض. هل هذا الزواج صحيح أم لا؟ هل أكمل الطريق مع هذه الفتاة أم أبتعد عنها؟ هل البنت لها ذنب في موضوع أمها؟ هل البنت ممكن أن تكون مثل أمها في يوم من الأيام؟ ماذا أفعل؟ دلوني بعد أن بدأت الفتاة في حفظ القرآن، وتعرف الصواب من الخطأ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد كان الأحرى بك – أخانا الكريم – أن تسأل عن الحكم الشرعي قبل أن تُقدم على ما عملت، وليس أن تبدأ بالخطأ والمعصية ثم تسعى في التفتيش عن مخرج ينجيك مما قدمت يداك. ونحن نوجهها لك نصيحة ولجميع أبنائنا وإخواننا من شباب المسلمين أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يتقوا الله في قلوبهم وقلوب فتيات المسلمين، وألا يميلوا عن الصراط المستقيم الذي شرعه الله تعالى، حيث أمر باجتناب الفتن، والبعد عن طرق الهوى والشيطان.
يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21
ويقول تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/268
وقال سبحانه: (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) النساء/60
ويقول الحق عز وجل: (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) القصص/15
وأعظم الغفلة حين يعمى القلب عن مراقبة الله، وحين يفقد الحسَّ الإيماني الذي يلوم نفسه الخطاءة على معصيتها ويحثها إلى الطاعة، أو حين تقع النفس في المعصية فتشغلها الغفلة عن حقيقة معصيتها ببعض الرسوم والعوارض التي لا أهمية لها.
يقول ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص/33) :
" فالواجب على العاقل أن يأخذ حذره من هذا العدو الذي قد أبان عداوته من زمن آدم عليه الصلاة والسلام، وقد بذل عمره ونفسه في فساد أحوال بني آدم " انتهى.
إن الزواج الشرعي الذي أحله الله تعالى لعباده معروف معلوم، لا تسأل أحدا عنه إلا أخبرك: كيف يتزوج الناس في النور، ويفرحون، ويفرح لهم إخوانهم وأهلوهم: فالحلال بيِّن، والحرام بين!!
وأما ما فعلته ـ أنت وهي ـ من الزواج الهاتفي: تزوجيني، زوجتك..، فهذا كله ـ أيها السائل ـ لعب بآيات الله، وتعد لحدوده سبحانه: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: من الآية231) .
أين ولي الفتاة – وهو أخوها الأكبر، ثم عمها، وليس زوج أمها -.. وأين الشهود، وأين المهر، وأين الإعلان، أين هي علامات الزواج الشرعي وأماراته؟!!!
الطريق الصحيح أن تكرر طلب الزواج من الفتاة من ولي أمرها، وتنظر إليها النظر الشرعي كي يطمئن قلبك إلى صورتها ومظهرها، وتقطع خلال ذلك وقبله الحديث معها في أي موضوع حتى يتم الإيجاب والقبول بينك وبين ولي أمرها برضاها، ويحضر الشهود، ويدون العقد في السجلات الرسمية، فإن لم تُفلح في نيل رضى وليها فعليك بالمحاولة مرات أخرى بواسطة أهل الخير والفضل، والله سبحانه وتعالى يقدر لك الخير إن صدقت في طلب الحلال وأخلصت في الدعاء والاستخارة.
ولكن يجب قبل ذلك كله تقديم التوبة الصادقة بين يدي الله تعالى، وسؤاله العفو عما سلف من الزلل، ومعاهدته سبحانه على عدم العود.
وحين يتم الزواج بشروطه وأركانه فهو زواج صحيح، ووقوع والدتها في الإثم والخطيئة لا يعني بالضرورة مشابهة ابنتها لها، فكثير من الأسر العاصية يخرج من بينها أبناءٌ بررةٌ صالحون، والعكس كذلك، فإن كنت ترى فيها بوادر الخير والصلاح فاسْعَ في الزواج بها، ولا تترفع عنها بخطيئة والدتها، وأمر الهداية في يد الله عز وجل، ونحن لا نحكم إلا على الظواهر، والله يتولى السرائر.
وإلى أن يتم بينكم الزواج الحقيقي الذي شرعه الله، لا اللعب بآياته، والعدوان على حرماته، يجب أن يتوقف كل حديث بينكما، ولو في الهاتف، ولو كان ذلك الحديث عن القرآن الكريم؛ ومن يخادع الله يخدعه!!
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1852)
طالب ويعيش في الدنمارك ويعاني من العادة السرية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من الهند، وأدرس بالدنمارك، وأبلغ من العمر 24 عاما، والحمد لله أنا لا أترك أية صلاة مفروضة، وأغض بصري عن النساء عندما أكون بالخارج، ولا أشاهد أفلاماً عدا فلمين أو ثلاثة فى العام، وليست لي أية علاقة بأية فتاة، لكني اعتدت على الاستمناء وأنا في عمر المراهقة، عندما أذهب للنوم أقوم بقراءة جميع الأدعية التى سنَّها لنا الرسول، وأحاول أن أنام وأنا متوضأ، لكن يحدث مرة - على الأقل أسبوعيّاً أنا نفسي لا أعلم تحديداً - أن أستيقظ في منتصف الليل وأبدأ فى الاستمناء، أو زيارة مواقع إلكترونية إباحية حتى أقضى شهوتي بالرغم من أنني وأنا ذاهب للنوم لم أكن أنوي ولو بنسبة 1% القيام بهذه الأشياء، لكن كل ما يحدث أن تمر هذه الرغبات والشهوات فى خاطري أثناء النهار، وفي صباح اليوم التالى أشعر بالندم لما فعلته فى المساء، وفي كل مرة أحاول فيها تصحيح هذا الأمر لبضع أيام يتكرر ذات الأمر ثانية، وهذه الفترة هي أكثر فترة أشعر فيها بالندم والحزن منذ مولدي يا شيخ؛ لأن هذه العادة مستمرة معي منذ 3 أعوام، ولا أشعر بالسلام والرضا في حياتي بسبب عصياني لله، وفي كل مرة أتوب فيها لله، وأعاهده ألا أعود لهذه العادة: أنقض هذا العهد. وقد قرأت إجاباتكم السابقة الخاصة بعادة الاستمناء لكنني أود أن أتلقى منكم إجابة أكثر تحديداً عن هذا السؤال، وسأكون ممتنا لكم طوال حياتي، كما أسألكم الدعاء لى يا شيخ. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذكرنا في هذا الموقع مسائل كثيرة تتعلق بالاستمناء، فذكرنا حكمه وأنه حرام، وذكرنا سبل الوقاية من فعله، وسبل التخلص منه – ينظر لمن شاء جواب السؤال رقم (329) - ويبدو أنك قد اطلعت على ذلك كله، وبما أنك تريد شيئاً خاصّاً بك: فسنتكلم معك في أمور محددة:
1. قيامك بالصلوات، وحرصك على عدم إنشاء علاقات محرمة مع فتيات أجنبيات، وحرصك على عدم الوقوع في العادة السيئة، وندمك بعد فعلك لها: كل ذلك طيب، وجيد، وفي ميزان حسناتك إن شاء الله، ونشد على يدك في الاستمرار به، وتقويته، وعدم التراجع عنه، فلا بدَّ لإيمانك أن يبقى في ازدياد، ولا تجعل للشيطان فرصة لينال منك، فيشعرك بالتناقض، أو يزهدك في الندم والتوبة، فتكون من الهالكين.
2. لا تجمع مع العادة السيئة معاصيَ أخرى فتغضب بها ربك عز وجل، وإذا كنت تشكو من غلبة شهوتك على إيمانك وعقلك، فتمارس هذه العادة السيئة: فأي شيء يدعوك لفعل معاصٍ أخرى تغضب الجبار عز وجل، ونعني به: النظر إلى مواقع إباحية فاسدة؟! فاتق الله تعالى في نفسك، ولا تسعر في قلبك نار الشهوة بالنظر المحرم، أو القراءة للقصص الجنسية، أو غيرها من المثيرات، فكل ذلك مما لا تعذر به؛ لأنه بيدك الفعل والترك.
3. وللأسف فأنت تعيش في دولة إباحية، وتدرس في مكان مختلط، وترى من المنكرات والفواحش ما يدفعك للوقوع في هذه العادة، وليس من شك أن ارتكابك هذا الخطأ أخف إثما من وقوعك في الزنا، لو قدر أن الفرصة أمكنتك من هذه الفاحشة، ودار أمرك بين أن تزني أو تستمني؛ لكن لو أنك أردت التخلص ـ فعلا ـ من هذه العادة، وغيرها من المعاصي والمنكرات: لوجب عليك التخلص من أسباب جلب تلك الشهوات، من وجود في بلد إباحي، ومن النظر المحرم، والاختلاط المنكر.
4. وما ذكرناه في إجاباتنا كافٍ لك ولغيرك ممن يود بصدق التخلص من هذه العادة، ولكننا سنذكرك بأمرين مهمين نرجو أن يساعداك في التخلص من هذه العادة، ومن غيرها من المحرمات:
الأمر الأول: هو أن نسألك: هل تستطيع فعل العادة السيئة أمام أهلك وإخوانك؟ هل تستطيع فعلها أمام أصدقائك وجيرانك؟ وهل تستطيع فعلها أمام أحدٍ من العلماء أو الصحابة؟ نجزم عنك بأن الجواب: لا، لا أستطيع، ولو بلغت الشهوة مني مبلغها، أليس كذلك؟ حسناً، هل تعلم أنك تفعلها أمام رب السموات والأرض؟! هل تعلم أن خالق الكون يراك وأنت تفعلها؟! هل تعلم أنك تفعلها والملائكة الكرام الكتبة يرونك؟! فكيف لم تفكِّر في ذلك؟ كيف جعلت الله تعالى أهون الناظرين إليك؟!! .
فأيهم أولى بحيائك: من تخفي عنهم فعلتك أمامهم حتى لا يذكرونك بقبيح وسوء، أم من يتوعدك بالعقوبة على فعلك؟! .
قال تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) النساء/ 108.
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله –:
يعني جل ثناؤه بقوله: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) يستخفي هؤلاء الذين يختانون أنفسهم ما أتَوْا من الخيانة، وركِبوا من العار والمعصية (مِنَ النَّاسِ) الذين لا يقدرون لهم على شيءٍ إلا ذكرهم بقبيح ما أتَوْا من فعلهم، وشنيع ما ركِبوا من جُرْمهم إذا اطلعوا عليه، حياءً منهم وحذراً من قبيح الأحدوثة.
(وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ) الذي هو مطلع عليهم، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، وبيده العقاب، والنَّكال، وتعجيل العذاب، وهو أحق أن يُستحى منه من غيره، وأولى أن يعظَّم بأن لا يراهم حيث يكرهون أن يراهم أحد من خلقه.
(وَهُوَ مَعَهُمْ) يعني: والله شاهدهم.
" تفسير الطبري " (9 / 191) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
وهذا مِن ضعف الإيمان، ونقصان اليقين، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم، وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم، خصوصًا في حال تبييتهم ما لا يرضيه.
" تفسير السعدي " (ص 200) .
الأمر الثاني: أنك لا تدري متى تموت، أليس كذلك؟ ولا تدري على أي شيء تموت؟ أليس كذلك؟ فقف مع نفسك وقفة يسيرة، وتأمل: ماذا لو أن الله تعالى قضى عليك بالموت وأنت تفعل هذه العادة السيئة؟! وهل هذا من حَسَن الخاتمة أم من سيئها؟ وكيف ستبعث من قبرك وآخر فعل لك هو هذه العادة؟! ولعلك سمعت ما انتشر بالصوت والصورة عن قصص أولئك الفتيات الغافلات اللاتي جاءهن أجلهن وهن على فاحشة منكرة؛ فمن يضمن لك – ولنا – حسن الخاتمة؟ ومن يملك أمر الموت وساعة الأجل إلا الله؟! .
فنرجو منك أخي الفاضل أن تفكر فيما ذكرناه لك، وأن تتأمله جيِّداً، واطلب من ربك بصدق وإخلاص أن يطهر قلبك وجوارحك من الآثام والمنكرات، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ) رواه مسلم (2577) .
وبادر بإشغال وقتك بما هو مفيد، واحرص على الصحبة الصالحة تحوطك وترعاك، وعجِّل بالزواج فإنه لا يقطع شهوتك بالحلال إلا الزواج، ولا يشترط فيه إذن أهلك.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) .
رواه البخاري (4778) ومسلم (1400) .
قال الإمام النووي – رحمه الله -:
من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه، وهي مؤن النكاح: فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه: فعليه بالصوم ليدفع شهوته، ويقطع شر منيِّه، كما يقطعه الوجاء، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشبان، الذين هم مظنة شهوة النساء، ولا ينفكون عنها غالباً.
" شرح مسلم " (9 / 173) .
واحرص على النجاة بنفسك، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يطهر قلبك وجوارحك، وأن يثبتك على الإيمان واليقين، وأن يختم لك بخير.
ويمكنك الاطلاع على جواب السؤال رقم: (20229) ففيه بيان الوسائل التي تعين على غض البصر، وجواب السؤال رقم: (20161) وفيه بيان حل مشكلة الشهوة وتصريفها، وفي (39768) ذكرنا الآثار الصحية لهذه العادة على الجسم والعقل والوجه والذاكرة، وذكرنا فيه طرق التخلص منها وعدم الوقوع فيها.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1853)
خرجت من بيت زوجها وطلب منها عشيقها التزوج منه وهي على ذمة الأول!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 26 سنة، تطلقت منذ فترة أسبوع، بعد أن تركت منزل الزوجية منذ سنة، وأنا عند أهلي مع طفلي، وعمره سنتان الآن، وفي بداية زواجي الذي كان عن حب سكنت معه في منزل والدته، وبدأتْ والدته بالتدخل في كل شيء، وطلب مني العمل لأساعده على أعباء الحياة وتسديد القرض الذي أخذه لزواجنا، وبالفعل وجدت وظيفة، وعملت، وساعدته، وكان شَرطي الوحيد أن نسكن وحدنا بعيداً عن تدخل والدته المستمر، ووعدني بذلك، وكانت والدته هي من يتحكم بكل شيء في البيت، وزوجي كان لا يستطيع أن يعترض وإلا فإنها ستطلب منه الخروج من المنزل، وهي تعمل كذلك، أما بالنسبة لزوجي فقد جربته وعشت معه سنتين وجدته خلالها شخصاً آخر غير الذي عرفته في البداية، كان مجرد قناع، أصبح يأخذ راتبي كله ويعطيني مصروفاً يوميّاً، وكذلك كلما احتاج للنقود أو ترك عمله يطلب مني أن أبيع من ذهبي، وبالفعل قمت بذلك، وهو قام بذلك في بعض الأحيان، وكان يطلب مني أن أستدين من أهلي، وكنت أفعل، وبالمقابل هو لم يكن يعطيني شيئاً، وكنت محرومة من كل شيء، وكانت جملته لي دوماً (أنتي تعرفين وضعنا، وتحملي) وكان يخفي محفظته في السيارة، ويقول بأنه لا يحق لي أن أعرف ما معه، أو ليس معه، وأصبحت المشاكل بيننا تزداد، وكذلك استمررت بطلبي منه بأن يكون لي بيت مستقل لأني لست معتادة أن أكون في بيت الداخل داخل والخارج خارج منه، حيث له أخت مطلقة، تعمل، وتبيت في مكان عملها في فندق خارج (منطقتنا) وتأتي للزيارة، وخلال زيارتها تخرج للسهر كل ليلة وتعود بعد منتصف الليل، وكان هذا الوضع لا يرضيني ولا يعجبني، وكنت أقول لزوجي المحترم: ماذا سيقول الجيران عن سكان هذا المنزل الذي نحن فيه؟ هذا عيب، وكان يجيب: أنا سأتحدث معهم، أنا لا يعجبني هذا، وبقي يصبِّرني بكلامه، وفي النهاية قال لي: هذه عاداتنا وطباعنا (كونهم من قومية غير عربية) وأنا لا أستطيع أترك أمي وأختي وحدهما وأسكن بعيداً عنهما، وبقيت مترددة في إخبار أهلي لأنهم جميعاً عارضوا زواجي منه في البداية ولكن أصررت لأني رأيت فيه طيبة الخلق والقلب، وكم كنت عمياء، وفي النهاية أخبرت أهلي بناء على آخر كلام سمعته وهو يتحدث لوالدته يشكي لها مني وهي تخبره بأن يضربني، وأن يأخذ الولد مني، وهذا كان آخر ما حصل، وتركته، وذهبت لمنزل أهلي، وحضر بعد أسبوعين ليعرف لماذا تركت المنزل، ولم أخبره بأني سمعت شيئاً، وكان ما طلبته منزلاً شرعيّاً وحدي وليس مع أهله، ووافق، وبعد أن رأينا المنزل وذهب هو لرؤية المنزل غيَّر رأيه، وبقي الموضوع سنتين خلالها اتهمني بأني على علاقة بأحد ما، وبأنه يلعب بعقلي عندما شاهد معرفة لوالدي يوصلني من مكان عملي، وجدته يومها صدفة في مكان عملي، ووجدت زوجي ينتظرني أسفل مكان عملي، وخوفا من أن يؤذيني طلبت منه أن يوصلني، وبعدها أرسل أناساً للتشهير بي، وإما أن أعود لمنزل والدته، أو أطلَّق، وأن أتنازل عن حقوقي، فرفضت طبعا، وعندها أصررت على الطلاق منه، لم أعد أريد منزلاً، ورفع عليَّ قضية الطاعة مرتين، وفي النهاية رفعت أنا قضية الطلاق، ولكن خلال آخر خمسة أشهر كنت قد تحدثت بالصدفة إلى نفس الشخص الذي أوصلني الذي يعرفه والدي، وهو يكبرني بحوالي 14 سنة، وكنت قد أخبرته بما حصل معي، ووقف إلى جانبي، وأفهمني أموراً عن الحياة والناس، وأن هناك أموراً لا يجب السكوت عنها، وأن هذا الشخص اقتراني به من الأساس كان خاطئاً وبأني لم أسمع نصيحة ورأي الجميع، وأني أنا المخطئة، وفيما بعد بدأت أشعر بانجذاب نحوه، وأنا بداخلي أعرف أن هذا خطأ، وهذا الشعور يؤنبني دوماً، خاصة وأني أصبحت أحبه، وأعرف أنه يحبني أيضا، وهذا أمر لم يكن مخططا له، والتقينا عدة مرات، وتقابلنا، وجلسنا، وتحدثنا كثيراً، حتى إنه طلب مني أن يتزوجني قبل أن أتطلق، وأنا أود ذلك لكن أخاف مما قد يحصل فيما بعد من معارضة، خاصة في الظروف التي نشأتْ فيها هذه العلاقة، وأنا خوفي من الله أن أكون قد أخطأت كوني أحببتُ شخصاً آخر، وأنا على ذمة رجل آخر، مع العلم أني تركت زوجي منذ سنة و 3 شهور، وأنا تطلقت منذ أسبوعين تقريباً. أرشدوني فيما فعلتُ، هل أنا على خطأ؟ وهل ما فعلت هو حرام؟ فأنا في خلاف دائم مع نفسي، وفي حيرة شديدة؛ لأني لا أريد أن أغضب الله، وأن لا أكون قد فعلت معصية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد وقعتِ في جملة من المخالفات الشرعية الواضحة البيِّنة، ولذا فقد عجبنا من نهاية رسالتك والتي تقولين فيها " لأني لا أريد أن أغضب الله، وأن لا أكون قد فعلت معصية "!! وعلى كل حال: فإن هذا من شؤم المعصية، ومن آثارها، وهو حجب العقل، وحجب نوره الذي يقود صاحبه للطريق الصحيح المستقيم.
قال ابن القيم – رحمه الله – في بيان آثار المعاصي -:
ومنها: أن المعاصي تُفسد العقل، فإن للعقل نوراً، والمعصية تطفئ نور العقل، ولا بد، وإذا طُفئ نوره: ضعف، ونقص، وقال بعض السلف: " ما عصى اللهَ أحدٌ حتى يغيب عقلُه "، وهذا ظاهر، فإنه لو حضر عقله: لحجزه عن المعصية، وهو في قبضة الرب تعالى، أو يجهر به، وه مطلع عليه، وفي داره، على بساطه، وملائكته شهود عليه، ناظرون إليه، وواعظ القرآن نهاه، ولفظ الإيمان ينهاه، وواعظ الموت ينهاه، وواعظ النار ينهاه، والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة: أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها، فهل يُقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقل سليم؟! .
ومنها: أن الذنوب إذا تكاثرت: طُبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين/ 14، قال: " هو الذنب بعد الذنب "، وقال الحسن: " هو الذنب على الذنب، حتى يعمي القلب "، وقال غيره: " لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم: أحاطت بقلوبهم ".
وأصل هذا: أن القلب يصدأ من المعصية، فإذا زادت: غلب الصدأ حتى يصير راناً، ثم يغلب حتى يصير طَبعاً، وقفلا، وختماً، فيصير القلب في غشاوة وغلاف، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة: انتكس، فصار أعلاه أسفله، فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد.
" الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " (ص 39) .
ونأسف أن نقول لكِ: إن المعاصي التي فعلتيها كل واحدة منها جرَّت أختها، فأثَّرت على العقل والقلب فأطفأت نورهما.
ثانياً:
وهذه المخالفات التي حصلت منكِ هي:
1. العلاقة المحرَّمة التي أنشأتيها مع زوجك الأول قبل زواجك به، وهو واضح من خلال قولك إنه كان زواجاً عن حبٍّ! ومن خلال وقوفك في وجه أهلك الرافضين لتزوجه بكِ، وها أنتِ تعيدين الأمر مع آخر وأنت على ذمة زوج! .
وقد بيَّنا حكم المراسلة بين الجنسين في أجوبة الأسئلة: (34841) و (26890) و (23349) .
وانظري – في العلاقات المحرَّمة -: أجوبة الأسئلة (1114) و (9465) و (21933) و (10532) .
2. الظاهر أن وظيفتك فيها اختلاط مع الرجال الأجانب، فإن كان ظنُّنا في مكانه: فهي معصية، وإن كانت غير مختلطة – أو ليست في مجال محرَّم كالبنوك وشركات التأمين -: فليس عليك شيء.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال: أصلُ كل بليَّة وشرٍّ، وهو مِن أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء: سببٌ لكثرة الفواحش، والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.
" الطرق الحُكمية " (ص 407) .
وانظري جواب السؤال رقم (1200) .
وللوقوف على حكم عمل المرأة، وشروط جوازه: انظر جواب السؤال رقم (22397) .
وفي جواب السؤال رقم (6666) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط.
3. خروجك من بيت الزوجية دون إذن من الزوج، وكان هذا الخروج مبنيّاً على كلام سمعتيه من أمه، ومن شكوى منه بثها لها، وهذا لا يجعلك في حلٍّ من خروجك من بيت الزوجية دون إذن زوجك، وأنتِ لك الحق في بيت خاص مستقل مع زوجك، لكن يظهر أنك تنازلتِ عن هذا في أول زواجكِ ورضيتِ بالسكن معه في بيت والدته، فكان الأولى التفاهم معه على الوفاء بشرطه عندما رضيتِ بمساعدته في أعباء الحياة وفي سداد قرضه، وإلزامه بذلك عن طريق القضاء الشرعي، أو الحكَّام بينكما من أهل الخير والعلم، وأما تصرفك هذا وخروجك دون استئذان منه: فهو غير جائز، وقد منع الله تعالى المطلقات الرجعيات من أن يخرجن من بيوتهن بعد الطلاق، فكيف المتزوجات؟! قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/ 1.
4. وأشنع هذه المخالفات الشرعية وأقبحها: هو علاقتك الآثمة بذلك المجرم الآثم؛ الذي أظهر نفسه على أنه المخلِّص لك من مشكلات الدنيا، ولبس لباس الناصح الحكيم، فظهر في صورة الحمَل الوديع، وفي داخله طبعُ الذئاب الكاسرة، والثعالب الماكرة!!
فكيف رضي هذا المجرم بأن يلتقي بكِ ويحادثك، ويجالسك ويتبسط معكِ، بل إنه وبكل وقاحة وخساسة يطلب منك الزواج وأنت على ذمة زوج آخر! والعجيب أنك ذكرتِ عن نفسك أن زوجك الأول قد كان يلبس قناع الطيبة، وأنك كنت عمياء عندما قبلتِ به زوجاً، فهل تظنين نفسك الآن مبصرة؟! لا والله لستِ كذلك، وإنَّ عماكِ مع زوجك الأول أهون من عماكِ الآن، فأنتِ لم تكوني متزوجة حين كنت على علاقة معه، أما الآن فإنك وأنت متزوجة كنتِ على علاقة محرمة بذلك المجرم، والذي لم يكتفِ بالإيقاع بينك وبين زوجك، وتقسية قلبك عليه، وتبغيضك في الرجوع لبيت الزوجية، حتى أضاف إلى ذلك كله طلب الزواج منكِ وأنت على ذمة زوج آخر.
فما فعلتيه حرام، بلا أدنى شك، وهو قبيح شنيع حتى عند غير أهل الإسلام، ولا يرضى زوج أن تكون زوجته على مثل حالك، ولا يمكن لعاقل – فضلا عن مسلم عالم بأحكام الشرع – أن يوافقك على التزوج من هذا المجرم الذي أبان عن سوء خلقه قبل الزواج! وهذا يوفر عليك سلوك تجربة أخرى مريرة معه! وهل تظنين أنه سينسى لك خيانة زوجك معه؟ وهل تظنين أنه سيثق بك أن لا تعيدي الكرة معه؟! لا تترددي في قطع العلاقة معه، فهي علاقة محرمة من جهة، ومن جهة أخرى فهو لا يصلح أن يكون زوجاً مأموناً وقد صدرت منه تلك الأفعال القبيحة المحرَّمة.
ولمعرفة مواصفات الزوج الصالح فلينظر جوابي السؤالين: (5202) و (6942) .
ثالثاً:
نرجو أن يكون ندمك، ومحاسبتك لنفسك دليلَ خيرٍ على رجوع للحق، وعلى حياة نفسكِ اللوامة التي تلومك على القبيح، وتلومك على التقصير في الطاعات.
وإياك واتباع خطوات الشيطان، فإنه يورد المهالك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا) النور/ 21.
ولا تفرطي بفرصة الندم والتوبة، قبل أن يأتي يوم لا ينفع الإنسان درهم ولا دينار، ولا حميم، ولا شفيع، وقبل أن يعض أصبع الندم، قال سبحانه: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) الفرقان/ 27 – 29.
ولتطهير نفسك من الذنوب، وللحافظ على دينك وإيمانك وعفافك، احرصي على:
1. الصلاة في وقتها بخشوع وخضوع.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا) .
رواه البخاري (505) ومسلم (667) .
2. الرفقة الصالحة من النساء المستقيمات على طاعة الله.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً) .
رواه البخاري (1995) ومسلم (2628) .
قال الأمام النووي – رحمه الله -
وفيه: فضيلة مجالسة الصالحين، وأهل الخير، والمروءة، ومكارم الأخلاق، والورع، والعلم، والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر، وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يَكثر فجوره وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة.
" شرح مسلم (16 / 178) .
3. عدم الاستماع للغناء والمعازف واللهو المحرم.
قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ. وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) لقمان/ 6،7.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من الذم بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن وإن لم ينالوا جميعه ... يوضحه: أنك لا تجد أحداً عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرآن، وربما حمله الحال على أن يُسكت القارئ، ويستطيل قراءته، ويستزيد المغني، ويستقصر نوبته.
" إغاثة اللهفان " (1 / 240، 241) .
وأخيراً:
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله –:
يجب على المسلم أن يتوب من الذنوب، ويبادر بذلك امتثالاً لأمر الله سبحانه، ومن أجل إنقاذ نفسه من عذاب الله وغضبه، ولا يجوز له أن يستمر على المعصية، أو يؤخر التوبة بسبب طاعة النفس والشيطان، ولا ينظر إلى لوم الناس، بل يجب عليه أن يخشى الله ولا يخشى الناس، ولو كانوا يفعلون المعاصي، فلا يجوز له أن يقتدي بهم، ويجب عليه أن يلزم أهله بالتوبة؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم/ 6، ولا يداريهم فيما يسخط الله عز وجل.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (2 / ص 293) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1854)
دخل في الإسلام، ويدعو الناس إليه، لكنه على علاقة بصديقة له؟!!
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى صديق أسلم، وهو ملتزم دينيّاً، ويقوم كلانا بالدعوة بمدرستنا، لكن ما أود أن أسأل عنه هو أننى لا أستطيع تناسى حقيقة أن لديه صديقة، وقد أخبرتُه دائماً أنه يحرم ذلك، لكنه عندما أخبره بذلك يغضب بشدة مني، ويقول لي: إن عليَّ أن أهتم بشؤوني الخاصة، كما سمعتُ أنه على علاقة بها، هذا بالإضافة إلى حقيقة كونها شيعية، برجاء تقديم النصح حول ما يجب القيام به، أنا لا أستطيع التعايش مع حقيقة أنه يقوم بدعوة المسلمين وغير المسلمين فى حين أن لديه صديقة، ويعلم بذلك مَن بالمدرسة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يتقبل من صديقك إسلامه، وأن يثبته عليه، وأن يوفقه في دعوته التي هي وظيفة الرسل الكرام، وهي من أفضل الأعمال الشرعية، ولكن ينبغي له أن يعلم أن الدعوة إلى الله لا بدَّ أن تكون صادقة حتى يؤجر عليها صاحبها، ومن علامات صدقها: أن يحقق الداعية قولَه بالعمل، ومع الأجر من الله تعالى عليها فإنها سبيلٌ ليتأثر الناس بصاحبها.
قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/ 33.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
وهذه الآية الكريمة تفيد: أن الدعاة إلى الله عز وجل هم أحسن الناس قولاً، إذا حققوا قولَهم بالعمل الصالح، والتزموا الإسلام عن إيمان ومحبة وفرح بهذه النعمة العظيمة، وبذلك يتأثر الناس بدعوتهم وينتفعون بها ويحبونهم عليها.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 319) .
ونحن نعجب مثلك من صديقك الداعية كيف يدعو الناس إلى الإسلام، والأخلاق، والاتباع، ثم هو يخالف ذلك بإنشائه علاقة محرَّمة مع من يجب عليه بغضها والبراءة منها ومن أفعالها، وهي الرافضية التي من دينها واعتقادها: تحريف القرآن، وتكفير الصحابة إلا قليلاً منهم، عدا عما تحمله قلوبهم من غل وحقد على عموم أهل السنَّة.
وليس هذا من خلق الدعاة إلى الله، ولا من هدي سلفهم من الأنبياء والرسل الكرام.
قال علماء اللجنة الدائمة:
من الشروط التي يجب أن تتوافر في الداعية إلى الله: ما جاء ذكرها في قصة شعيب، قال الله تعالى حكايةً عن شعيب عليه الصلاة والسلام: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود/ 88.
ففي هذه الآية بيان: أن مِن شروط الدعوة: العلم، والكسب الحلال، وامتثاله لما يدعو إليه، فيجتنب ما نهى الله عنه، ويمتثل ما أمر الله به، والنية الحسنة، وتفويض الأمر إلى الله تعالى، والتوكل عليه، وأنه هو الذي بيده التوفيق والإلهام.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 243) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –:
ومما تجب العناية به بالنسبة للداعي: أن يكون هو أسوة حسنة، عنده عبادة، ومعاملة طيبة، وعنده أيضاً أخلاق يدعو الناس بها، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم لن تسعوا الناس بأرزاقكم، ولكن تسعوهم بحسن الخلق) فحُسن الخلق جذاب، كم من إنسان قليل العلم يهدي الله على يديه أمماً لأنه حسن الخلق، وكم من إنسان عنده علم واسع كثير لكنه جاف سيء الخُلق، ينفِّر الناس منه، وقد ذكَّر الله نبيه بهذا فقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/ 159، وهذه الرحمة رحمة للداعي وللمدعو، فهي رحمة من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام، ورحمة من الله للخَلْق الذين يدعوهم الرسول؛ لأنه لو كان فظّاً غليظ القلب ما اهتدوا على يديه، فلهذا ينبغي للداعية أن يكون رحب الصدر واسعاً، يأخذ ويعطي ولا يأنف ...
" لقاءات الباب المفتوح " (مقدمة اللقاء رقم 94) .
ولا ينبغي للداعية أن يعظ الناس ويرشدهم للخير وينسى نفسه، وإذا ذكَّرها فتذكرت فينبغي أن يبادر الداعية بفعل كل ما يأمر به من خير، وأن يبتعد عن كل ما يحذِّر منه من شر وسوء.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف/ 2، 3.
وقال سبحانه: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/ 44.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أي: بالإيمان والخير.
(وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال:
(وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وأسمى العل " عقلاً "؛ لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير، وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه: دل على عدم عقله، وجهله، خصوصاً إذا كان عالما بذلك، قد قامت عليه الحجة.
وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل: فهي عامة لكل أحد؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه، وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر: فليس في رتبة الأول، وهو دون الأخير، وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن " تفسير السعدي " (ص 50 , 51) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
بخلاف الدعاة الذين يقولون ما لا يفعلون؛ فإنهم لا حظ لهم من هذا الثناء العاطر، ولا أثر لدعوتهم في المجتمع، وإنما نصيبهم في هذه الدعوة: المقت من الله سبحانه، والسب من الناس، والإعراض عنهم، والتنفير من دعوتهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف/ 2، 3، وقال سبحانه: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/ 44، فأرشد سبحانه في هذه الآية إلى أن مخالفة الداعي لما يقول: أمرٌ يخالف العقل، كما أنه يخالف الشرع، فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل؟!! .
" فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 319) .
ثانياً:
وأنت أخي الفاضل بعد أن تبين له ما ذكرناه آنفاً من أهمية الدعوة إلى الله، وحقيقتها، وأهمية التزام الداعية بما يرشد الناس إليه، وعدم مخالفة أفعاله لأقواله: عليك واجب النصح – أيضاً – بما يقترفه من إثم في تلك العلاقة الفاجرة بتلك الرافضية، ولا تستمع لقوله، ولا تلتفت لفعله في صدك عن نصحه.
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِم) .
رواه البخاري (57) ومسلم (56) .
وعليك بالحكمة في نصحه وإرشاده، فأمر الشهوة عظيم، وفتنة النساء لا تخفى حقيقتها وآثارها على أحد، فكم أزهقت من نفوس، وكم أتلفت من أخلاق، وكم أفسدت من أديان، فتنبه لهذا، وتلطف في دعوته وتوجيهه ونصحه، ولا تستبعد قيام تلك الرافضية بسحره، فلا تتخلى عن صديقك البتة، وإن عجزت عن نصحه وأغلق الباب عليك: فانظر من يمكنك أن تطلعه على أمره من العقلاء المقربين لكما ليقوم بنصحه وإرشاده، وليس ثمة داعٍ لتفصيل الأمر لهذا الناصح؛ لئلا تتسبب في إيجاد حاجز بينك وبين صديقك.
ومع نصحك له بترك العلاقة المحرَّمة لا بدَّ من التبيين له عقائد الرافضة، وخطرهم على دينه، وأنه لا يبعد أن تكون هذه مكيدة من أهل دينها للإيقاع به، ليترفض ويترك دينه.
وأعلمه أنه حتى لا يجوز له التزوج بها وهي على دينها، إلا أن تتركه وتتبرأ منه، فكيف يجوِّز لنفسه العلاقة بها وهي لا تحل له حتى بالنكاح.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عن الرافضة هل تزوَّج؟ .
فأجاب:
الرافضة المحضة هم أهل أهواء وبدع وضلال، ولا ينبغي للمسلم أن يزوِّج موليته من رافضي.
وإن تزوج هو رافضية: صح النكاح إن كان يرجو أن تتوب، وإلا فترك نكاحها أفضل؛ لئلا تفسد عليه ولده.
" مجموع الفتاوى " (32 / 61) .
فأنت ترى منع شيخ الإسلام رحمه الله من تزويج الرافضة؛ لما للزوج من أثر على زوجته، وأجاز التزوج بالرافضية بشرط أن يرجو أن تتوب مما عليه، وإلا فلا يجوز.
وانظر في تحريف القرآن عند الرافضة: جواب السؤال رقم: (21500) .
وانظر في حكم موقفهم من الصحابة: جوابي السؤالين: (45563) و (95588) .
وفي الموقع أجوبة كثيرة تتعلق بالرافضة وعقائدهم، فانظر – إن شئت المزيد -: أجوبة الأسئلة (23487) , (12103) , (1148) , (4569) .
وليعلم هذا الأخ المنصوح أن من شر ما يكيد به لنفسه، ويغلق عنها أبواب الخير أن يتباعد عن الناصح الأمين الحريص على مصلحته، والداعي له إلى سبيل الخير، وإن ما يرد به على الناصح من مثل هذا القول هو من أسوأ المقال، وقد قال الله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) (الاسراء:53) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد سبحنك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول عليك نفسك) .
رواه النسائي في الكبرى (10619ـ الرسالة) ، وصحح الألباني إسناده في الصحيحة (2598)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1855)
هل يستقيم الالتزام، مع اتخاذ الأخدان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي حول من يقعون في الذنوب وهم ملتزمون جيدًا. فصديقاتي على علم وملتزمات بالدين لكن يتخذن أصدقاءً من الذكور (بوي فريند) يدردشون معهم عبر الإنترنت وأحيانا يتقابلون معهم. ولا يقعن معهم في الزنا لكن يقعون في التقبيل والمعانقة ونحو هذا. ولا أعرف ماذا أقول لهن لأنهن على علم بأن هذا خطأ وبعد أن يفعلن هذه الأفعال يندمن. فهل تقبل العبادة من مثل هؤلاء؟ هل تقبل صلاتهن ويثابون عليها؟ تقول الواحدة منهن أن عذرها العاطفة الجياشة التي تشعر بها تجاه صديقها والذي تنوي الزواج منه قريبًا. رجاء النصح]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
فأولى الناس بالتزام أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه من كان قد من الله عز وجل عليه بالهداية ومعرفة الدين وسلك طريق الالتزام فكيف يرضى مثل هؤلاء الصديقات اللاتي وصفتهن بالالتزام بأن يتبعن خطوات الشيطان واستدراجه بارتكاب ما حرم الله تعالى، أليس الأحرى بهن أن يشكرن نعمة الله عليهن بالهداية إلى الإسلام والالتزام به فيكن خير مثال لغيرهن صلاحاً واستقامة.
وأما قضية أن صديقاتك هؤلاء يعلمن أنهن يقعن في الحرام؛ فليس لها قيمة هنا؛ فمن قال إن مجرد المعرفة هي التي تمنع صاحبها عن الوقوع في المعصية؛ أما كان إبليس يعلم أن ما أمره به ربه هو الحق؟ أما كان اليهود يعلمون أن النبي هو الحق؟ وغيرهم وغيرهم كثير. قال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) الروم/9.
وقال تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (النمل:14) .
لكن القضية أن الذي يعلم، ويعظ الناس ويتكلم، مسؤوليته أشد، ومخالفته للعلم الذي عند أقبح وأشنع.
قال الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) البقرة/44.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) الصف/ 2-3.
فالواجب عليك أيتها الأخت الكريمة أن تذكري صديقاتك بالواجب عليهن، كما قال الله تعالى: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى) الأعلى/9-10، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) الأعراف/201.
فذكريهن أيتها الأخت الكريمة بقبح ذلك من كل مسلم ومسلمة، فكيف إذا كانت المسلمة ممن يظهرن الالتزام بدين الله تعالى، ويقدمن للناس القدوة والمثل، ويدعون الناس إليه؟
وفي صحيح البخاري (3267) ومسلم (2989) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ) .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه) رواه الخطيب في اقتضاء العلم (49) وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5831) .
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوبَ تميت القلوب ... وقد يورث الذلَّ إدمانُها
وترك الذنوب حياةُ القلوبِ ... وخير لنفسك عصيانُها
وهل أفسد الدينَ إلا الملو ... كُ وأحبارُ سوء ورهبانُها
وباعوا النفوسَ ولم يربحوا ... ولم يغل في البيع أثمانها
فقد رتع القوم في جيفة ... يَبين لذي اللب خسرانها
وأما الاعتذار بالعاطفة الجياشة نحو الصديق، فهذا هو عين الهوى الذي يهوي بصاحبه، والعياذ بالله؛ قال الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) الجاثية/23.
قال قتادة رحمه الله: " لا يهوي شيئا إلا ركبه؛ لا يخاف الله ". تفسير الطبري (22/76) .
وقد وصف الله تعالى المحصنات من المؤمنات بأنهن بعيدات عن اتخاذ الأخدان؛ فقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤِْنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) النساء/الآية25؛ فالمسافحات هن الزواني، اللاتي يأتين الفاحشة، وأما التي تتخذ خِدنا: فهي التي تصادق الرجال، وتتخذ منهم أخلاء، كما قال ابن عباس وغيره من السلف. [انظر: تفسير ابن كثير 2/261]
وبنفس الصفة، وصف الله تعالى أهل العفة، وطالبي الحلال الطيب من الرجال؛ قال تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) المائدة/5.
قال ابن كثير رحمه الله: " فكما شرط الإحصان في النساء -وهي العفة-عن الزنا كذلك شرطها في الرجال وهو أن يكون الرجل أيضا محصنا عفيفا؛ ولهذا قال: {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} وهم: الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية، ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم، {وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} أي: ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن " انتهى.
تفسير ابن كثير (3/43) .
ولمعرفة خطورة هذا النوع من العلاقات المحرمة، وموقف الشرع منه، يمكن مراجعة إجابات الأسئلة (59907) ، (47405) ، (36618) ، وإجابات أخرى عديدة في قسم الأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1856)
يريد أن يطلق زوجته لأنها ربما تفكر في غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي باختصار أن زوجي يريد أن يطلقني وأسبابه أني أنا في بالي شخص آخر ومصمم على ذلك ويقول إني لم أعد أرغب بالنوم في فراشه (الجماع) مثل السابق وأن سبب ذلك يرجع إلى تفكيري في شخص آخر، ما الحل؟ وهو الآن يريد أن يحسم الموضوع كما يزعم أمام أهلي ويطلقني وهو لا يملك أي دليل على ذلك، فقط أفكاره، ماذا أفعل؟ يشهد الله إني لا أفكر في أي أحد غيره وأنا تزوجته عن حب، وهو كذلك ولكن لا أدري ماذا جرى؟ علماً بأن عندنا 7 أبناء أكبرهم 14 سنة وأصغرهم سنة ونصف ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن هذا تصرف خاطئ من زوجك هداه الله، فليس للزوج أن يتهم زوجته هذا الاتهام القبيح دون بَيِّنة.
وزراعة الشكوك، والاسترسال فيها، ومحاولة التحقق منها، مما يقوّض بناء الأسرة، ويعجل بانهيارها، نسأل الله العافية.
وعليك أن تبيني لزوجك خطأ ظنه، وأن تؤكدي له براءتك وطهارتك، ولو استدعى ذلك أن تقسمي له على هذه البراءة، وأنك محبة له، راغبة في استمرار العيش معه، فإنه زوجك، وأبو أولادك، وبينكما هذه العشرة الطويلة التي لا يصح أن تنتهي لمجرد شك يلقيه الشيطان في قلب الإنسان.
ثم أنت قد عرفت السبب الذي أوجب شكّه، وهو ما يدعيه من عدم رغبتك في جماعه، فاجتهدي في تغيير هذه الصورة التي ارتسمت في ذهنه، وتوددي إليه، وتقربي منه، واعلمي أن هذا مما يرفع قدرك عند الله، وبه تنالين الأجر والثواب، فلا تتردي في ذلك، واحرصي على أن تنالي من زوجك فرصة للتصحيح والتغيير، وعِديه بذلك، وبددي قلقه وشكه بإقبالك واهتمامك وحرصك.
والجئي إلى الله تعالى وسَليه أن يرفع هذه الغمة، وأن يصلح حالكما، وأن يهدي زوجك، وأن يسعدكما في الدنيا والآخرة.
وإن رأيت من أهله أو من أهلك من يمكنه النصح والتوجيه، ويُرجى من وساطته الخير، فاستعيني به في هذا الأمر.
ونوصيك بتفقد عبادتك وطاعتك، فإن العبد يبتلى بذنبه، ولعلك مقصرة في شيء من حق الله تعالى، فإن كان الأمر كذلك فعودي إلى الله، وتداركي ما فات، فإن من أصلح حاله مع ربه، أصلح له ما بينه وبين خلقه.
قال بعض السلف: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق زوجتي ودابتي.
وأكثري من الصلاة والذكر، وقراءة القرآن في البيت، لا سيما سورة البقرة، فإن الإنسان قد يحسد على ما هو فيه من النعمة والاستقرار.
نسأل الله لكما التوفيق والعون والهداية والرشد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1857)
إنفراد سائق الحافلة بالمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك مشاركات في أحد مراكز تحفيظ القران يتم تجميعهم بحافلة والسائق لا يوجد معه محرم كزوجته والسؤال هو: بالنسبة للراكبة الأولى صباحاً والأخيرة ظهراً، وهل يعتبر وجودها مع السائق خلوة محرمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تتابعت فتاوى أهل العلم على تحريم خلوة السائق بالمرأة الأجنبية، للنص على تحريم الخلوة بالأجنبية، ولما يترتب على ذلك من مفاسد لا تخفى على أحد، سواء كان الذهاب إلى مراكز التحفيظ أو إلى المساجد، ومن باب أولى إلى الأسواق وما شابهها، وهذا الحكم يتعلق – كما في السؤال – بالراكبة الأولى صباحاً، وبالأخيرة ظهراً، وحتى يرتفع الحرج هنا فينبغي أن تركب طالبتان صباحاً معاً، وتنزل طالبتان ظهراً معاً، وهذه بعض فتاوى أهل العلم:
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
لم يبق شك في أن ركوب المرأة الأجنبية مع صاحب السيارة منفردة بدون محرم يرافقها: منكر ظاهر، وفيه عدة مفاسد لا يستهان بها، ... ، والرجل الذي يرضى بهذا لمحارمه ضعيف الدين، ناقص الرجولة، قليل الغيرة على محارمه، وقد قال صلى الله عليه وسلم " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " – رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني (1758) ، وركوبها معه في السيارة أبلغ من الخلوة بها في بيت ونحوه؛ لأنه يتمكن من الذهاب بها حيث شاء من البلد أو خارج البلد، طوعاً أو كرهاً، ويترتب على ذلك من المفاسد أعظم مما يترتب على الخلوة المجردة.
ولا يخفى آثار فتنة النساء والمفاسد المترتبة عليها؛ ففي الحديث " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " رواه البخاري (5096) ومسلم (2740) ، وفي الحديث الآخر " اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " رواه مسلم (2742) .
لهذا وغيره مما ورد في هذا الباب، وأخذاً بما تقتضيه المصلحة العامة ويحتمه الواجب الديني علينا وعليكم: نرى أنه يتعيَّن البت في منع ركوب أي امرأة أجنبية مع صاحب التاكسي بدون مرافق لها مِن محارمها أو مَن يقوم مقامه مِن محارمها أو أتباعهم المأمونين المعروفين.. ..
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 553، 554) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
لا يجوز ركوب المرأة مع سائق ليس محرماً لها وليس معهما غيرهما؛ لأن هذا في حكم الخلوة، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يخلونَّ رجل بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرَم " رواه البخاري (5233) ومسلم (1341) ، وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يخلونَّ رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما".
أما إذا كان معهما رجل آخر أو أكثر أو امرأة أخرى أو أكثر: فلا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك ريبة؛ لأن الخلوة تزول بوجود الثالث أو أكثر.
وهذا في غير السفر، أما في السفر: فليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرَم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرَم " متفق على صحته.
ولا فرق بين كوْن السفر من طريق الأرض أو الجو أو البحر، والله ولي التوفيق.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 556) .
وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين:
إنه لا يجوز للرجل أن ينفرد بالمرأة الواحدة في السيارة إلا أن يكون محرَماً لها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ".
أما إذا كان معه امرأتان فأكثر: فلا بأس؛ لأنه لا خلوة حينئذٍ بشرط أن يكون مأموناً وأن يكون في غير سفرٍ، والله الموفق.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 554، 555) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
لا يجوز للمرأة أن تركب السيارة وحدها مع سائق غير محرم، لا في الذهاب إلى المسجد ولا إلى غيره؛ لما جاء من النهي الشديد عن خلوة الرجل بالمرأة التي لا تحل له.
وإذا كان مع السائق جماعة من النساء: فالأمر أخف لزوال الخلوة المحذورة، لكن يجب عليهن التزام الأدب والحياء، وعدم ممازحة السائق والتبسط معه؛ لقوله تعالى {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً} الأحزاب / 32.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 556، 557) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1858)
الحب والعشق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اذا أحبت فتاةٌ فتًى من بعيد تكون قد ارتكبت إثما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاءت الشريعة بالنهي عن أبواب الشر والإثم، وحرصت على سد كل ذريعة إلى فساد القلوب والعقول، والعشق والحب والتعلق بين الجنسين من أعظم الأدواء وأخطر الآفات.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/129) :
" والعشق مرض نفسانى، وإذا قوي أثَّر فى البدن، فصار مرضا فى الجسم: إما من أمراض الدماغ، ولهذا قيل فيه هو مرض وسواسي، وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونحو ذلك " انتهى.
ويقول رحمه الله "مجموع الفتاوى " (10/132) :
" عشق الأجنبية فيه من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، وهو من الأمراض التي تفسد دين صاحبها، ثم قد تفسد عقله ثم جسمه " انتهى.
ويكفي أن نعلم أن من مضار الحب والعشق للجنس الآخر، أسر القلب وعبوديته لمحبوبه، فالحب باب ذل ومسكنة ونصب، وكفى بذلك مُنَفِّرًا من هذا المرض.
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/185) :
" الرجل اذا تعلق قلبه بامرأة، ولو كانت مباحة له، يبقى قلبه أسيرا لها، تحكم فيه وتتصرف بما تريد، وهو فى الظاهر سيدها، لأنه زوجها، وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها، لا سيما إذا دَرَت بفقره إليها، وعشقه لها، فإنها حينئذ تحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور الذي لا يستطيع الخلاص منه، بل أعظم، فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن " انتهى.
والتعلق بالجنس الآخر لا يصيب قلبا ملأه حب الله تعالى، إنما يصيب قلبا فارغا ضعيفا مستسلما فيتمكن منه، فإذا قوي واشتد فقد يغلب على حب الله ويخرج بصاحبه إلى الشرك.
ولهذا قيل: إن الهوى حركة قلب فارغ.
فالقلب إذا فرغ من محبة الرحمن عز وجل وذكره، والتنعم بمناجاته وكلامه سبحانه، امتلأ بمحبة النساء، والتعلق بالصور، وسماع الغناء.
يقول شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/135) :
" إذا كان القلب محبا لله وحده مخلصا له الدين، لم يبتل بحب غيره أصلا، فضلا أن يبتلى بالعشق، وحيث ابتُلي بالعشق، فلنقص محبته لله وحده؛ ولهذا لما كان يوسف محبا لله مخلصا له الدين، لم يبتل بذلك، بل قال تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ، إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ) ، وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها، فلهذا ابتليت بالعشق " انتهى.
فالواجب على المسلم أن ينجو بنفسه من هذه المهلكة، ولا يقصر في حمايتها والخلاص بها، فإن قصَّرَ في ذلك، وسلك سبل التعشق، بمداومة النظر المحرم، وسماع المحرم، والتساهل في مخاطبة الجنس الآخر ونحو ذلك، فأصابه الحب أو العشق، فهو آثم معاقب على فعله.
وكم من الناس ممن تساهل في مبادئ ذلك الداء، وظن أنه قادر على أن يخلص نفسه متى أراد، أو أن يقف عند حد لا يتعداه، حتى إذا استحكم به الداء، لم يفلح معه طبيب ولا دواء، كما قال القائل:
تولع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة فلما تمكن منها غرق
يقول ابن القيم رحمه الله في "روضة المحبين" (147) :
" فمتى كان السبب واقعا باختياره لم يكن معذورا فيما تولد عنه بغير اختياره، فمتى كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا، ولا ريب أن متابعة النظر واستدامة الفكر بمنزلة شرب المسكر، فهو يلام على السبب " انتهى.
فإن حرص على الابتعاد عن أبواب هذا المرض الخطير، فَغض بَصَرَه عن مشاهدة المحرمات، وأغلق سمعَه عن سماعها، وصرف خواطر قلبه التي يقذفها الشيطان فيه، ثم بعد ذلك أصابه شيء من شرر هذا المرض، بسبب نظرة عابرة، أو معاملة كانت في الأصل جائزة، فتعلق قلبه بامرأة، فليس عليه إثم في ذلك إن شاء الله، لقوله تعالى:
(لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلاَّ وُسعَهَا)
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (11/10) :
" فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه " انتهى.
ويقول ابن القيم رحمه الله "روضة المحبين" (147) :
" إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له، فهذا لا يلام على ذلك، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره، على أن عليه مدافعته وصرفه " انتهى.
ولكن عليه أن يعالج قلبه بالانقطاع عن أثر ذلك المحبوب، وبملء القلب بحب الله سبحانه والاستغناء به، ولا يستحي أن يستشير أهل الفطانة والأمانة من الناصحين، أو يراجع بعض الأطباء والمستشارين النفسانيين، فقد يجد عندهم شيئا من العلاج، وهو في ذلك صابر محتسب يعف ويكتم، والله سبحانه وتعالى يكتب له الأجر إن شاء الله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/133) :
" فأما إذا ابتُلى بالعشق وعف وصبر، فإنه يثاب على تقواه لله، فمن المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقولا وعملا، وكتم ذلك فلم يتكلم به، حتى لا يكون في ذلك كلام محرم، إما شكوى إلى المخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوع طلب للمعشوق، وَصَبر على طاعة الله وعن معصيته، وعلى ما فى قلبه من ألم العشق، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة، فان هذا يكون ممن اتقى الله وصبر، (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ) انتهى.
ويراجع سؤال رقم (20949) (33702)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1859)
زنيا ثم تزوجا ويسألان عن صحة النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجان تزوجا شرعا كما أمر الله ولكن قبل الزواج كانوا يجتمعان ويعاشران بعضهما مثل الأزواج فما حكم زواجهم صحيح أم باطل؟ وما هي كفارة ما كان يفعلونه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الزنا جرم عظيم، وذنب كبير، يسلب صاحبه اسم الإيمان، ويعرضه للعذاب والهوان، إلا أن يتوب، قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه البخاري (2475) ومسلم (57) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ، كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ) رواه أبوداود (4690) والترمذي (2625) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن عقوبة الزناة في قبورهم قبل قيام الساعة وأنهم يعذبون بالنار. رواه البخاري (1320)
ولقبح هذه الجريمة جعل الله عقوبة من فعلها الرجم حتى الموت إن كان محصنا، والجلد مائة جلدة إن لم يكن محصنا.
ومن ابتلي بشيء من ذلك فليبادر بالتوبة إلى الله تعالى، وليكثر من الأعمال الصالحة، رجاء أن يعفو الله عنه، وقد قال سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70.
وقال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82
وعليهما أن يستترا بستر الله عز وجل، فلا يخبرا أحدا بذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله عز وجل) والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 663.
ثانيا:
لا يجوز نكاح الزاني أو الزانية إلا بعد التوبة؛ لقوله تعالى: (الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/ 3
أي حرم نكاح الزاني والزانية.
فإذا كانا قد تابا إلى الله تعالى قبل الزواج وندما على ما فعلا من الحرام، فنكاحهما صحيح، وأما إذا كانا قد عقدا النكاح قبل التوبة فإن النكاح لا يصح وعليهما أن يتوبا إلى الله ويندما على ما فعلا ويعزما على عدم العود إليه مرة أخرى، ثم يعيدا عقد النكاح مرة أخرى وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (85335)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1860)
حكم معانقة الرجل للمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاحتضان / العناق جائز؟ للمزيد من التدقيق: عناق النساء سواء القريبات أو غيرهن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا عرف الأخ السائل وغيره أن مصافحة المرأة الأجنبيَّة لا يحل ولا يجوز: فإنه من باب أولى أن يكون احتضانهن ومعانقتهن حرام كذلك بل أشد حرمة، والقريبة التي ليست من المحارم حكمها حكم الأجنبيَّة.
أما بالنسبة للقريبات من المحارم كالعمة والخالة: فإنه يجوز للرجل مصافحتهن، أما الاحتضان والمعانقة وتقبيل الفم: فإنه يمنع منه لما في ذلك من تحريك للشهوة، ومنعه إنما هو من باب سد الذرائع، ويكتفي بتقبيل الرأس أو الأنف.
وهذا أسئلة للشيخ عبد العزيز بن باز وأجوبتها:
1. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز:
أنا أسكن حاليا في مدينة الرياض ولي فيها أقارب صلة القرابة بيني وبينهم قريبة جدا ومن بينهم (بنات خالتي وزوجات أعمامي وبنات أعمامي) وعندما أزورهم أقوم بالسلام عليهن وتقبيلهن ويجلسن معي وهن كاشفات وأنا أتضايق من هذه الطريقة علما أن هذه العادة منتشرة في أغلب مناطق الجنوب فما قولكم في هذه العادة وماذا أفعل أنا؟ … أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الجواب: هذه العادة سيئة منكرة مخالفة للشرع المطهر ولا يجوز لك تقبيلهن ولا مصافحتهن لأن زوجات أعمامك وبنات عمك وبنات خالك ونحوهن لسن محارم لك فيجب عليهن أن يحتجبن عنك وأن لا يبدين زينتهن لك لقول الله سبحانه: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب / 53، وهذه الآية تعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن في أصح قولي العلماء ومن قال إنها خاصة بهن فقوله باطل لا دليل عليه، وقال سبحانه في سورة النور في حق النساء (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) الآية النور / 31، ولست من هؤلاء المستثنين بل أنت أجنبي من بنات عمك وبنات خالك وزوجات أعمامك، بمعنى أنك لست من محارمهن والواجب عليك أن تخبرهن بما ذكرنا وتقرأ عليهن هذه الفتوى حتى يعذرنك ويعلمن حكم الشرع في ذلك، ويكفي أن تسلم عليهن بالكلام من دون تقبيل أو مصافحة لما ذكرنا من الآيات..
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لما أرادت امرأة أن تصافحه قال صلى الله عليه وسلم: " إني لا أصافح النساء "، ولقول عائشة رضي الله عنها: " ما مسَّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَ امرأةٍ قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام " ولما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك أنها قالت لما سمعت صوت صفوان بن المعطل " خمَّرتُ وجهي وكان قد رآني قبل الحجاب "، فدل ذلك على أن النساء كن يخمرن وجوههن بعد نزول آية الحجاب.
أصلح الله أحوال المسلمين ومنحهم الفقه في الدين، والله ولي التوفيق.
" فتاوى إسلامية " (3 / 77، 78) .
2. وقال الشيخ – أيضاً -:
لا حرج في تقبيل الرجل لابنته الكبيرة والصغيرة بدون شهوة، على أن يكون ذلك في خدها إذا كانت كبيرة؛ لما ثبت عن أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه أنه قبَّل ابنته عائشة في خدها؛ ولأن التقبيل على الفم قد يفضي إلى تحريك الشهوة فترْكه أولى وأحوط، وهكذا البنت لها أن تقبِّل أباها على أنفه أو رأسه من دون شهوة، أما مع الشهوة فيحرُم ذلك على الجميع حسماً لمادة الفتنة وسدّاً لذرائع الفاحشة.
" فتاوى إسلامية " (3 / 78، 79) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1861)
الفرق بين الاحتلام والنظر إلى النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[الاحتلام يزيد الشهوة؛ فما الفرق بين الاحتلام وبين النظر إلى النساء الأجانب من خلال التلفاز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المقارنة بين هذين الأمرين باطلة من أصلها، وما بُني على شيء باطل كان باطلاً.
وبطلان ذلك لأمور:
أولا:
أن الاحتلام وهو: عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء ومن ذلك ما يرى الرجل من صورة الجماع وتمثيله وتخيل العملية الجنسية في المنام. وهذا أمر طبيعي، ويراه كل من الرجل والمرأة، وهذا لا حرج فيه ولا إثم على المرء فيه، وقد جاء في حديث أُم سُلَيْمٍ حَدَّثَتْ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَتْ ذَلِكِ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ) رواه مسلم (الحيض/469) .
ثانيا: أن الاحتلام لا كسب للمرء ولا قدرة له على منعه، وإنما هو إخراج لفضلات الجسم التي تضرُّ الجسم لو بقيت فيه، ولذلك أحياناً يرى في منامه شيئاً، وقد لا يرى شيئاً. لذلك لم يكن محرَّماً، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) البقرة/286.
واما الاستمناء فإنه محرم لأنه يحصل بقصد المرء وإرادته، ويراجع جواب سؤال (329) .
ومثله النظر إلى النساء فإنه حاصل باختيار الإنسان وقصده وتعمُّده فلهذا مُنع منه.
ولما كانت نظرة الفجأة لا قدرة للعبد في منعها لم يؤاخذ المرء عليها إذا لم يقصد، وإنما كان الإثم على الاسترسال فيها، فقد جاء في الحديث: (عَلِيُّ لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخرة) رواه الترمذي (الأدب/2701) وحسّنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2229) ومعنى لك الأولى: (أي إذا كانت من غير قصد) وليست لك الآخرة (لأنها باختيارك فتكون عليك) .
ثالثا: أن الله عز وجل قد أمر المؤمنين بغض البصر فقال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) النور/30 وأمر بذلك رسوله عليه الصلاة والسلام فعَنْ جَرِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ: (اصْرِفْ بَصَرَكَ) رواه أبو داود (النكاح/1836) وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (1880) . ولذلك يجب امتثال أمر الله ورسوله قال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63
ومما ينبغي أن يعلمه العبد ويعتقده أنّ الله عز وجل لم يُكلِّف العباد بما يشقُّ عليهم ويُعنِتَهم (أي يضيِّق عليهم ويحرجهم) فهو جل وعلا لا يأمر بأمر مستحيل، ومن ذلك الأمر بغض البصر. فإنه بوسع المكلَّف أن يمتثل هذا الأمر.
ولكن لما كان طريق الجنة محفوفاً بالمكاره , وطريق النار محفوفاً بالشهوات جعل الله في ذلك ابتلاءً واختباراً لعباده، فمن امتثل أمر الله عز وجل وابتعد عن نهيه كانت له العاقبة والآخرة الحسنة. والعكس بالعكس.
رابعاً:
أن الله عز وجل أمر بغض البصر وحرّم النظر إلى النساء لما يترتَّب على ذلك من المفاسد العظيمة فالنظر بريد الزنا والعياذ بالله. ولذلك جاء في الحديث عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ) رواه البخاري (القدر/6122) ، فإذا غض المرء بصره عما حرَّم الله فما الذي يدعوه إلى الفاحشة!! . والواجب على المسلم أن يبتعد عن كل طريق إلى الفاحشة من نظر إلى النساء أو التفكير والتأمل الذي يأجِّج الشهوة ويزيدها. ومن يفعل ذلك فإنما يزيد نفسه همَّاًً وغمّاً وحُرقة ولا فائدة.
فإنك إن أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
وقال الشاعر:
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فَتْكَ السِّهام بلا قوس ولا وَتَر
وقيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.
نسأل الله الهداية للجميع. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1862)
مبتلى بحب المردان فكيف يتخلص من مرضه هذا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ابتليت بحب المرد والرغبة عن النساء، ربما بسبب تجارب سيئة في طفولتي، أصابر ما استطعت، وأغض بصري، وأعلم أن هذا حرام، ولا أستحله، وأستغفر الله منه، وأدعو " اللهم طهر قلبي وحصِّن فرجي "، لا أظن الزواج حلاًّ لي لأني لا أجد رغبة في النساء، أصوم الاثنين والخميس، ولكن هذا الأمر لا يزال في قلبي، ما العمل؟ وهل هناك ما يعوضني في الجنة؟ أستغفر الله إن كان هذا اعتداء في السؤال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم يا أخي السائل أن هذه البلية من أعظم البلايا، واعلم أنها قد تُهلك صاحبها، تصيبه في عقله فيصير مجنوناً، وتصيبه في بدنه فينقلب مريضاً، وتصيبه في دينه فيهلك، ويختم له بشر، فالحذر الحذر من الاستمرار على هذا الأمر، وابذل جهدك مستعيناً بربك للتخلص منه، وانظر في حال من أصيب به لتعتبر.
قال ابن القيم رحمه الله:
" ويروى أن رجلاً عشق شخصاً، فاشتد كلفه به، وتمكن حبه من قلبه، حتى وقع، ألماً به، ولزم الفراش بسببه، وتمنَّع ذلك الشخص عليه، واشتد نفاره عنه، فلم تزل الوسائط يمشون بينهما حتى وعده أن يعوده، فأخبر بذلك البائس، ففرح، واشتد سروره، وانجلى غمه، وجعل ينتظر للميعاد الذي ضربه له، فبينا هو كذلك إذ جاءه الساعي بينهما فقال: إنه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع، فرغبت إليه وكلمته، فقال: إنه ذكرني، وفرح بي، ولا أدخل مداخل الريب، ولا أعرِّض نفسي لمواقع التهم، فعاودته، فأبى، وانصرف، فلما سمع البائس ذلك أُسقط في يده، وعاد إلى أشد مما كان به، وبدت عليه علائم الموت، فجعل يقول فى تلك الحال:
أسلم يا راحة العليل ... ويا شفاء المدْنَف النحيل
رضاك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل!!
فقلت له: يا فلان اتق الله، قال: قد كان!!
فقمت عنه، فما جاوزت باب داره حتى سمعت صيحة الموت!
فعياذاً بالله من سوء العاقبة، وشؤم الخاتمة " انتهى.
" الجواب الكافي " (ص 117) .
فما رأيك أخي السائل؟ هل يتمنى مسلم عاقل أن يموت كما مات ذلك العاشق البائس، والذي جعل رضا محبوبه مقدَّماً على رضا خالقه الذي خلقه وصوره ورزقه وهداه للإسلام، وأسبغ عليه نِعَمه ظاهرة وباطنة؟! فإن قلت إنك لا تتمنى ذلك – وهذا هو الظن بك -: فينبغي أن تعلم أنك سائر على طريقه، وأنه قد يصيبك ما أصابه إن لم تتدارك نفسك.
واعلم أن هذا أول طريقٍ سلكه قوم لوط، وهو العشق للمردان، ولذا عاقبهم الله تعالى بما لم يعاقب به أمَّة قبلهم ولا بعدهم، فقلب الله تعالى ديارهم، وخسف بهم، ورجمهم بالحجارة، وطمس أعينهم.
قال ابن القيم رحمه الله في بيان أنواع العشق:
"وعشقٌ هو مقتٌ عند الله وبُعدٌ من رحمته، وهو أضر شيءٍ على العبد في دينه ودنياه: وهو عشق المردان، فما ابتليَ به إلا مَن سقط مِن عين الله، وطرد عن بابه، وأبعد قلبه عنه، وهو من أعظم الحُجب القاطعة عن الله، كما قال بعض السلف: إذا سقط العبد مِن عين الله ابتلاه بمحبة المردان، وهذه المحبة هي التي جلبت على قوم لوط ما جلبت، وما أوتوا إلا مِن هذا العشق، قال الله تعالى: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) " انتهى.
" الجواب الكافي" (ص 173، 174) .
ثانياً:
واعلم أن هذا البلاء له أسباب، وهذه الأسباب من كسبِ المبتلى نفسه، فمن أراد النجاة مما هو فيه: فليقف على هذه الأسباب، وليتخلَّص منها، وإلا فهو راضٍ عن حاله، ولا يريد تحولاً إلى ما هو خير، ومن هذه الأسباب التي هي من فعله:
1. ضعف الإيمان، وبُعد القلب عن حب الله تعالى، وقلة الخوف من عقابه.
2. إطلاق النظر للمردان، والتمتع بجمالهم وهيئتهم.
وهذا هو أول طريق المعصية التي سلكها هذا المبتلى، وقد أمره ربه تعالى بغض بصره عن المحرمات، وكذا أمره نبيه صلى الله عليه وسلم، فلما ترك الأمر ووقع في النهي: أدخل إبليس سهمه المسموم في قلبه، فقضى عليه.
قال ابن القيم رحمه الله:
"والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولِّد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولِّد الفكرة شهوة، ثم تولِّد الشهوة إرادة، ثم تَقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده ".
"الجواب الكافي" (ص 106) .
ومن هنا فإن العلماء قد حرموا النظر إلى الأمرد، بل إن بعضهم جعله أكثر حرمة من النظر للنساء.
قال النووي رحمه الله:
"وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن الصورة، سواءً كان بشهوةٍ أم لا، سواءً أمن الفتنة أم خافها، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين، نص عليه الشافعي، وحذاق أصحابه - رحمهم الله تعالى -، ودليله: أنه في معنى المرأة، فإنه يُشتهى كما تشتهى، وصورته في الجمال كصورة المرأة، بل ربما كان كثيرٌ منهم أحسن صورةً من كثيرٍ من النساء، بل هم في التحريم أولى لمعنى آخر: وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر ما لا يتمكن مثله في حق المرأة" انتهى.
" شرح مسلم " (4 / 31) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"والنظر إلى وجه لأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم، والمرأة الأجنبية بالشهوة، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء، أو شهوة التلذذ بالنظر، فلو نظر إلى أمِّه، وأخته، وابنته يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية: كان معلوماً لكل أحدٍ أن هذا حرام، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (15 / 413) و (21 / 245) .
وقال - رحمه الله – أيضاً -:
ومن كرَّر النظر إلى الأمرد ونحوه، أو أدامه، وقال: إني لا أنظر لشهوة: كذب في ذلك، فإنه إذا لم يكن معه داع يحتاج معه إلى النظر: لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك، وأما نظرة الفجأة فهي عفو إذا صرف بصره.
" مجموع الفتاوى " (15 / 419) و (21 / 251) .
ومن النظر الذي ابتلي به هؤلاء المرضى: ما يشاهدونه في القنوات الفضائية، والصحف والمجلات، ومواقع الإنترنت من صور الأطفال والشباب المردان، وهو ما يهيجهم على الفاحشة.
3. التقصير في الواجبات والنوافل.
ولو أن هذا المبتلى أدى الصلوات في أوقاتها، وبشروطها وواجباتها: لكانت ناهية له ورادعة عن الوقوع في الفحشاء والمنكر، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت/45، فكيف إذا حافظ على الرواتب والنوافل؟! .
4. هجر القرآن، وهجر قراءة كتب سير الصالحين وتراجم الأئمة.
وكتاب الله تعالى فيه الهدى والنور والشفاء، فهو خير وقاية للمسلم من الوقوع في الآثام والمعاصي، وهو خير علاج لمن وقع فيها.
وإذا قرأ في كتب الأئمة وتراجم العلماء: اتخذهم قدوة له، وأنس بصحبتهم، وترفع عن الرذائل والقبائح.
5. التقصير في طلب العلم.
فالعلم نور، وبه يعرف الحلال فيفعله، والحرام فيجتنبه، وبه يتعرف على ربه تعالى، على أسمائه وصفاته وأفعاله، فيولِّد ذلك في قلبه حياء من ربه، وحياء من ملائكته أن يقع في فاحشة قبيحة، وبه يتعرف على أحوال العصاة وما أعده الله لهم من العقوبة.
6. كثرة الفراغ في حياة هؤلاء المبتلين.
ولو أنهم شغلوا أوقاتهم بالطاعة، والرياضة، والأعمال المباحة، وطلب العلم: لما وجدوا أوقاتاً يصرفونها في التفكير في المحرمات فضلا عن فعلها.
7. اتخاذ أصدقاء السوء، وجلساء الشر.
وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم جليس السوء بنافخ الكير، فهو إما أن يحرق ثياب جليسه، وإما أن يشم منه رائحة خبيثة.
8. ترك الزواج.
وقد خلق الله تعالى في الرجال شهوة طبيعية، وجعلها تصريفها في النساء، والطريق المباح لذلك هو الزواج، ومن انتكست فطرته فإنها يصرفها في أمثاله من الذكور، وينزل بذلك عن درجة البهائم، فها هي البهائم التي خلقها الله تعالى أمامنا فهل رأينا ذكراً يعلو ذكراً؟
ثالثاً:
ومن أراد علاج مرضه، والتخلص من بلائه: فليبحث عن الأسباب التي أدَّت به للوقوع في المحرَّمات من النظر والخلطة والمصاحبة للمردان، وليتخلص منها بتركها، وعلاج دون ترك لسبب المرض علاج فاشل غير ناجح، وهذه طرق العلاج لمن أراد التخلص من بلائه، والسعي نحو تخليص نفسه من شرَك الشيطان، والمشي في طريق رضا الرحمن، ومنها:
1. تقوية الإيمان بالطاعات، ومنها الصوم، وتعمير القلب بمحبة الله، واستشعار الخوف من عقابه.
2. منع نفسه من النظر للمردان بشهوة وبغير شهوة، وترك مصاحبتهم والجلوس معهم مطلقاً، وترك الخلوة بهم، ولو لتدريس القرآن.
قال النووي رحمه الله:
"والمختار: أن الخلوة بالأمرد الأجنبي الحسن كالمرأة، فتحرم الخلوة به حيث حرمت بالمرأة، إلا إذا كان في جمع من الرجال المصونين" انتهى.
" شرح النووي " (9 / 109) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وأما صحبة المردان، وعلى وجه الاختصاص بأحدهم، كما يفعلونه، مع ما ينضم إلى ذلك من الخلوة بالأمرد الحسن، ومبيته مع الرجل، ونحو ذلك: فهذا من أفحش المنكرات، عند المسلمين، وعند اليهود والنصارى، وغيرهم " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (11 / 542) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا تجوز الخلوة بالأمرد ولو بقصد التعليم؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وكم من أناس كانوا قتلى لهذا الأمرد فأصبحوا فريسة للشيطان والأهواء، وهذه المسألة يجب الحذر منها" انتهى.
" الشرح الممتع " (1 / 294، 295) .
3. المحافظة على الصلوات في أوقاتها، والحرص على فعل الرواتب والنوافل.
4. الالتزام بورد من القرآن يقرؤه، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، والنظر في كتب تراجم الأئمة وحياتهم.
5. طلب العلم، قراءة وسماعاً ومشاهدة، وهو أمرٌ واجب على المسلم أصلاً.
6. إشغال الوقت بالطاعة، وبما هو مفيد لدينه ودنياه.
7. هجر الصحبة الفاسدة، والبحث عن الصحبة الصالحة والتزامها مجالسةً واستفادة من علمهم وأخلاقهم.
8. السعي المباشر للزواج؛ لإطفاء الشهوة بطريق مباح.
9. الاستعانة بالله تعالى بالدعاء أن يخلصه مما هو فيه من مرض وابتلاء.
10. التأمل في حال الواقعين في هذا العشق المحرَّم وما أدى بهم إلى الجنون والأمراض والردة – والعياذ بالله –.
قال ابن القيم:
ودواء هذا الداء الردي: الاستعانة بمقلِّب القلوب، وصِدق اللجأ إليه، والاشتغال بذِكْره، والتعوض بحبِّه وقربه، والتفكر بالألم الذي يعقبه هذا العشق واللذة التي تفوته به فتُرتب عليه فوات أعظم محبوبٍ وحصول أعظم مكروه، فإذا دِمت نفسه على هذا وآثرته: فليكبِّر على نفسه تكبير الجنازة، وليعلم أن البلاء قد أحاط به.
"الجواب الكافي" (ص 174) .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (27176) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1863)
مدمن على مشاهدة الصور الجنسية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعتبر نفسي مسلماً جيداً فأنا شاب عمري عشرين سنة أصلي الصلوات الخمس وأصوم رمضان وأساعد من احتاج معونتي، كما أنني أقوم بدعوة غير المسلمين وتعريفهم بالإسلام، ولكنني أشعر بالنفاق بسبب ذنوبي، أخشى الله كثيراً وأقدر القرآن والحديث، ولكن مع هذا فلا أستطيع أن أمنع نفسي من المعاصي، فأنا مدمن على مشاهدة الصور الجنسية مع علمي بأن هذا حرام، لا أستطيع أن أمنع نفسي عنها، حاولت كثيراً وكل مرة أمنع نفسي أعود مرة أخرى، وكل مرة أعود فيها تكون أصعب في التخلي عنها من المرة السابقة، فماذا أفعل؟
هل هناك طريقة سليمة أعالج بها هذا الموضوع حسب تعاليم القرآن والحديث؟ أنا متأكد بأنني يمكن أن اتركها ولكن كيف أفعل ليكون إيماني وإرادتي قويين لأقاوم هذه المعاصي؟ أخشى الله كثيراً وأريد المساعدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكرك على ثقتك.. ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.. كما نسأله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وألا يجعله ملتبساً علينا فنضل..
أخي المسلم نشعر في كلماتك بأنك متضايق من حالك جدا، وأنك تشعر أنك على خطأ، وهذا إن شاء الله علامة الصدق، وبداية التوبة بإذن الله.
إذ كل إنسان منا يحتاج أن يقف مع نفسه وقفات، ويصدق العزم حتى يبدأ جهاد نفسه الأمارة بالسوء، ويسلح نفسه بالأسلحة.
وسنعطيك بعض الإرشادات التي نسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياك بها:
أولا:
ادع الله عز وجل , تضرع إليه، واعلم أن الله لا يخيب من دعاه، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر /60، وألِحّ على الله بالدعاء وتحرّ مواطن الإجابة في السجود وبعد الصلاة وفي آخر ساعة من نهار يوم الجمعة وفي ثلث الليل الأخير حين نزول ربنا تعالى إلى السماء الدنيا فينادي هل من داع فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له. ولا تستبطئ الإجابة فالله قريب يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
ثانيا:
ينبغي على الإنسان أن يزداد من العبادات، كما قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) هود / 114، واعتن بالصلاة فهي كما قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت / 45.
ثالثا:
ينبغي للإنسان أن يحرص أن يزيد معرفته بالله سبحانه وتعالى، وذلك بأن يعرفه من خلال أسمائه وصفاته، ومن خلال التفكر في ملكوت السماوات والأرض، فعند ذلك يشعر الإنسان بالحياء من الله سبحانه وتعالى، وكما قال بعض السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
ثالثا:
أن تعلم أن الطريق إلى الجنة شاق ويحتاج إلى مجاهدة وصبر، وقد قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت / 69.
رابعا:
تدبر في فوائد غض البصر، واجعلها حاديك في الطريق، تسلو بها عن وساوس النفس ونزغات الشيطان، وهذه بعض الفوائد نسوقها إليك لعل الله أن ينفعنا وإياك بها:
1- أن غض البصر امتثال لأمر الله، قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) النور / 30، وامتثال أمر الله هو غاية سعادة العبد في الدنيا والآخرة.
2- أنه طهارة القلب وزكاة النفس والعمل.
3- أنه يمنع وصول أثر السهم المسموم؛ فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس.
4- تعويض من غض بصره بحلاوة الإيمان في القلب.
5- حصول الفراسة الصادقة التي يميز بها بين الحق والباطل.
6- أنه يخلص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق بصره دامت حسرته.
7- أنه يورث القلب سرورا وفرحا ونورا وإشراقا أعظم من اللذة الحاصلة بالنظر.
8- أنه يخلص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير هو أسير هواه وشهواته.
9- أن غض البصر يقوي العقل ويزيده ويثبته، وإرسال النظر لا يحصل منه إلا خفة العقل وعدم ملاحظته للعواقب.
خامسا:
ننصحك بقراءة كتاب (الداء والدواء) لابن القيم، فهو كتابٌ نفيس جدا.
نسأل الله أن يعصمنا وإياك من مضلات الفتن، وأن يرزقنا وإياك العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1864)
الوسائل المعينة على غض البصر
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتعلق بمسألة معقدة..هنا في كندا يوجد نقص في الأخلاق والناس- خصوصا النساء- كثير منهن لا يرتدين شيئا تقريبا..مشكلتي هي أنني لا أستطيع التوقف عن النظر لهؤلاء النساء..أعلم أن الزواج فرض عليّ، وأن علي الذهاب لبلد إسلامي (وهو ما لا أستطيع عمله الآن) هل تستطيع إعطائي أي نصيحة لتساعدني في التعامل مع هذه المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قلنا هنا مراراً إنه لا يحل البقاء في بلاد الكفر لمن ليس بمعذور عذراً شرعيّاً، وهذه البلاد فيها الكفر والفسوق والعصيان، وفيها الانتكاس عن الفطرة التي خلق الله الناس عليها، ومن الفواحش المنتشرة في تلك البلدان التبرج الفاحش حتى لا تكاد تلبس المرأة شيئاً يسترها – كما قال السائل -.
وهذا الواقع يؤدي إلى محرمات وكبائر ومنها: المخالطة والمماسة والزنا، وكل ذلك مبدؤه النظر.
لذا جاءت الشريعة بتحريم الطرق التي تؤدي للفاحشة ومنها: النظر إلى الأجنبية:
أ. قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} النور / 30.
قال الإمام ابن كثير:
هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم فإن اتفق أن وقع بصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعاً.
تفسير ابن كثير (3 / 282) .
ب. ويقول تعالى {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن} الأحزاب / 53.
ج. وعن جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري.
رواه مسلم (2159) .
قال النووي:
ومعنى " نظر الفجأة ": أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم لهذا الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصرف بصره مع قوله تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} …
ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي وهو حالة الشهادة والمداواة وإرادة خطبتها أو شراء الجارية أو المعاملة بالبيع والشراء وغيرهما ونحو ذلك وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة دون ما زاد والله أعلم.
" شرح مسلم " (14 / 139) .
ثانياً:
وهناك وسائل معينة على غض البصر، نسأل الله أن يعينك على تحقيقها:
1 - استحضار اطلاع الله عليك، ومراقبة الله لك، فإنه يراك وهو محيط بك، فقد تكون نظرة خائنةً، جارك لا يعلمها؛ لكنَّ الله يعلمها. قال تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور} غافر / 19.
2- الاستعانة بالله والانطراح بين يديه ودعائه، قال تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} غافر / 60.
3- أن تعلم أن كل نعمة عندك هي من الله تعالى، وهي تحتاج منك إلى شكر، فنعمة البصر من شكرها حفظها عما حرم الله، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} النحل / 53.
4- مجاهدة النفس وتعويدها على غض البصر والصبر على ذلك، والبعد عن اليأس، قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} العنكبوت / 69.
وقال صلى الله عليه وسلم " … ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله … " رواه البخاري (1400) .
5 – اجتناب الأماكن التي يخشى الإنسان فيها من فتنة النظر إذا كان له عنها مندوحة، ومن ذلك الذهاب إلى الأسواق والجلوس في الطرقات… قال – صلى الله عليه وسلم – " إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: مالنا بدٌّ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق، قال: غض البصر، وكف الأذى … " رواه البخاري (2333) ومسلم (2121) .
6 – أن تعلم أنه لا خيار لك في هذا الأمر مهما كانت الظروف والأحوال، ومهما دعاك داعي السوء، ومهما تحركت في قلبك العواطف والعواصف، فإن النظر يجب غضه عن الحرام في جميع الأمكنة والأزمنة، وليس لك أن تحتج مثلاً بفساد الواقع ولا تبرر خطأك بوجود ما يدعو إلى الفتنة، قال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً} الأحزاب / 36.
7- الإكثار من نوافل العبادات، فإن الإكثار منها مع المحافظة على القيام بالفرائض، سببٌ في حفظ جوارح العبد، قال الله تعالى في الحديث القدسي " … وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه … " البخاري (6137) .
8– تذكر شهادة الأرض التي تمارس عليها المعصية، قال تعالى: {يومئذ تحدث أخبارها} الزلزلة / 4.
9- تذكر الملائكة الذين يحصون عليك أعمالك، قال تعالى: {وإن عليكم لحافظين. كراماً كاتبين. يعلمون ما تفعلون} الانفطار / 10 –12.
10- استحضار بعض النصوص الناهية عن إطلاق البصر، مثل قوله تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} النور / 30.
11– البعد عن فضول النظر، فلا تنظر إلا إلى ما تحتاج إليه ولا تطلق بصرك يميناً وشمالاً فتقع فيما لا تستطيع سرعة التخلص منه من تأثير النظر إلى ما فيه فتنة.
12– الزواج، وهو من أنفع العلاج، قال – صلى الله عليه وسلم – " من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " أخرجه البخاري (1806) ومسلم (1400) .
13– الصوم، للحديث السابق.
14– أداء المأمورات كما أمر الله، ومنها: الصلاة قال تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر..} العنكبوت / 45.
15– تذكر الحور العين، ليكون حادياً لك على الصبر عن ما حرم الله طلباً لوصال الحور، قال تعالى {وكواعب أترابا} النبأ / 33.
وقال – صلى الله عليه وسلم - " … ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها " رواه البخاري (2643) .
16– استحضار ما في المنظور إليه من النقص وما يحمله من الأذى والقاذورات في أحشائه …؟!
17– العلو بالهمة إلى معالي الأمور.
18– محاسبة النفس بين الحين والآخر، ومجاهدتها على غض البصر، واعلم أن لكل جوادٍ كبوة.
19– تذكر الألم والحسرة التي تعقب هذه النظرة، وتقدمت آثار إطلاق البصر.
20– معرفة ما لغض البصر من فوائد، وقد تقدمت.
21– إثارة هذا الموضوع في المجالس والتجمعات، وتبيين أخطاره.
22- إصلاح الأقارب، ونصحهم بعدم لبس ما يثير النظر ويظهر المحاسن مثل: طريقة اللبس والألوان الزاهية وطريقة المشي والتميع في الكلام ونحوه.
23– دفع الخواطر والوساوس قبل أن تصير عزماً، ثم تنتقل إلى مرحلة الفعل، فمن غض بصره عند أول نظرةٍ سَلِمَ من آفات لا تحصى، فإذا كرر النظر فلا يأمن أن يُزرعَ في قلبه زرعٌ يصعبُ قلعه.
25 – الخوف من سوء الخاتمة، ومن التأسف عند الموت.
26 – صحبة الأخيار، فإن الطبع يسرق من خصال المخالطين، والمرء على دين خليله، والصاحب ساحب.
27 – العلم بأن زنا العين النظر، وكفى بذلك قبحاً.
رسالة " غض البصر " لبعض طلبة العلم، بتصرف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1865)
هل يشاهد البرامج التي تقدمها مذيعة سافرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض البرامج التعليمية أو الأخبار يكون المقدم لها امرأة سافرة، هل يأثم الرجال في مشاهدة هذه البرامج - خاصة وأن المواضيع التي يتحدثون عنها ليست حراماً -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المرأة المسلمة أن تغطي بدنها كله عن الرجال الأجانب، ولا يحل لها من باب أولى إبداء زينتها كالشَّعر والصدر والذراعين.
وفي جواب السؤال رقم (11774) تجد حكم تغطية وجه المرأة بالأدلة التفصيلية.
وفي آخر ذلك الجواب ذكرنا مفاسد إظهار الوجه للأجانب، ومنها: فتنتها بنفسها وبجمالها، وزوال الحياء عنها، وافتتان الرجال بها.
فإذا كان هذا هو حكم من أظهرت وجهها، وهذه بعض آثار ظهوره أمام الأجانب: فماذا سيكون حكم إظهار الصدر والشعر معه؟! وما هي الآثار التي ستترتب على ذلك؟! .
ونأسف للحال التي قبلت المرأة لنفسها أن تصبح عليه من كونها سلعة رخيصة يتاجِر بها المرضى من أهل الشر والفساد، فهل يمكن أن تُختار امرأة للعمل مذيعة في فضائية وليست جميلة؟! إنه المقياس الأول الذي يُبحث عنه؛ ليُمتَّع المشاهد بالنظر إليها والتغزل بها، فكيف رضيت المرأة لنفسها أن تكون محط أنظار الملايين يتأملون بها، ويغازلونها، وهل ستكون في نظرهم تلك المرأة الشريفة المحافظة على عفافها وحيائها وهم يرونها تتزين للمشاهدين ما لا تتزينه لزوجها؟! .
ثانياً:
وأما نظر الرجل إلى وجه الأجنبية وصدرها وشعرها: فلا يجوز أن يشك في تحريمه.
قال النووي رحمه الله:
"ويحرُم نظر رجل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية، وكذا وجهها وكفها، عند خوف الفتنة، وكذا عند الأمن على الصحيح" انتهى.
قال ابن شهاب الدين الرملي رحمه الله شارحاً كلام النووي:
"ووجهه الإمام – أي: الجويني - باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، وبأن النظر مظنة الفتنة، ومحرك للشهوة".
" نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج " (6 / 187، 188) .
وقال الدكتور محمد إسماعيل المقدَّم:
أجْمَع العُلماء جميعًا - ومِنهم عُلماء المذاهِب الأربَعَة - على وجوب تَغطيةِ المرأةِ جَميعَ بَدَنِها عَن الأجانب، سواء مَن يَرىَ مِنهم أنَّ الوَجْه والكَفَين عورَةٌ ومَن يَرىَ أنَّهما غَيرُ عورَةٍ، لَكِنَّه يوجِبُ تَغطيتَهما في هذا الزمان؛ لفساد أكثر النَّاس؛ ورِقَة دينِهم؛ وعَدَمِ تورُّعِهم عَن النَّظَرِ المُحَرَّم إلى وَجْه المرأة الذي هو مَجْمَعُ المحاسِن، ومِعيار الجَمال، ومِصباح البَدَن.
" عودة الحِجاب " (ص 432) بتصرف.
وفي " الموسوعة الفقهية " (26 / 269) .
" إذا كانت المرأة أجنبيّةً حرّةً: فلا يجوز النّظر إليها بشهوة مطلقاً، أو مع خوف الفتنة، بلا خلاف بين الفقهاء" انتهى
وفي (26 / 270) :
" هذا، وقد اتّفق الفقهاء على أنّ النّظر إلى المرأة بشهوة حرام، سواء أكانت محرماً أم أجنبيّةً عدا زوجته ومن تحلّ له.
وكذا يحرم نظر الأجنبيّة إلى الأجنبيّ إذا كان بشهوة" انتهى.
والنظرة للأجنبية المعفو عنها في الشرع: هي النظرة التي تكون من غير قصد، وإذا حصلت تلك النظرة فإنه يجب على الناظر صرف بصره، ولا يجوز له استدامة النظر، وكلام العلماء في هذا المنع إنما هو في النظر إلى وجهها، وأما النظر إلى صدرها وشعرها – كما تُخرجه المذيعات – فلا يَشك أحد في تحريمه، ولا ينبغي أن يُختلف في هذا.
قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30.
وعموم غض البصر المأمور به المسلم في هذه الآية يشمل العورة التي لا يحل إظهارها إلا لزوجها، والأعضاء التي لا تُظهرها إلا للنساء والمحارم، والوجه المختلف فيه بين العلماء.
قال ابن كثير رحمه الله:
"هذا أمرٌ مِن الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرَّم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد: فليصرف بصره عنه سريعاً ... .
ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب، كما قال بعض السلف: " النظر سهام سم إلى القلب "؛ ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك، فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (6 / 41، 42) باختصار.
وعن جرير بن عبد الله قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَر الفَجْأةِ؟ فَأَمَرَنِي صلى الله عليه وسلم أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي) رواه مسلم (2159) .
وعن بريدة بن الحصيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (يَا عَليّ، لاَ تُتْبِع النَّظْرَةَ النَّظْرَة، فَإِنَّ لكَ الأُولَى، وَلَيْسَت لكَ الآخِرَة) .
رواه الترمذي (2777) وأبو داود (2149) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال ابن القيم رحمه الله:
ونظرة الفجأة هي النظرة الأولى التي تقع بغير قصد من الناظر، فما لم يتعمده القلب لا يعاق عليه، فإذا نظر الثانية تعمّداً: أثم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم عند نظرة الفجأة أن يصرف بصره، ولا يستديم النظر؛ فإن استدامته كتكريره.
" روضة المحبين " (ص 96) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
إذا رأى الرجل المرأة وهي سافرة: فإن عليه أن يغض بصره، ويصرفه عنها، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: (اصرف بصرك) و (إن لك الأولى وليست لك الأخرى) ، والمعنى: أنه لا حرج عليه في الأولى التي نظرها صدفة، ولم يقصدها لما صادفها من باب خارجة ونحوه وهو داخل، أو في طريق، فإنه يصرف بصره ولا يتبع النظرة نظرة أخرى، بل عليه أن يغض بصره.
" فتاوى ابن باز " (22 / 208) .
وقد سبق في إجابة السؤال رقم (22917) : فوائد غض البصر، فلينظر.
والخلاصة:
1. يجب على المرأة المسلمة أن تستر جميع بدنها، وأن الصحيح أنه يجب عليها ستر وجهها وكفيها.
2. لا يحل لها – من باب أولى – أن تُظهر للأجانب ما تظهره للنساء ولأقاربها المحارم.
3. يحرم على المرأة العمل مذيعة في تلفاز أو فضائية لما يستلزمه هذا العمل من إظهار وجهها وشعرها. ... وغير ذلك في الغالب، واستدامة نظر المشاهدين لها المنافي للأمر بغض البصر.
4. وأولى بالتحريم من خرجت أمام الناس كاشفة شعرها وصدرها وذراعيها، ولا تخلو هذه المرأة – عادة – من ارتكاب محرمات أخرى كالنمص، واستعمال أدوات التجميل والعطور أمام الرجال الأجانب عنها.
5. لا يجوز للرجل الأجنبي النظر إلى المذيعة، وليس له إلا النظرة الأولى، والتي تكون من غير قصد.
6. لا فرق بين ظهور المذيعة في نشرة الأخبار وبرامج تعليمية، وبين ظهورها في أفلام ومسلسلات من حيث النظر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1866)
حرمة إقامة أحد الزوجين علاقة مع غيره للتسلية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المسلم الذي يغش زوجته (بإقامة علاقة مع غيرها سواء أكانت العلاقة بالكلام أم بما هو أبعد عن ذلك) ؟ وما هو الحكم في المسلمة التي تقيم – على علم – علاقة مع رجل متزوج لمجرد التسلية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إقامة علاقة محرَّمة بين أجنبي وامرأة ليس فيه – فقط – غش لزوجته بل فيه – أيضاً – إثم ومعصية لربِّه تعالى، فقد حرَّم الله عز وجل إقامة مثل هذه العلاقات، وأغلق الطريق والمنافذ التي قد تؤدي إلى الفاحشة الكبرى وهي الزنا، وهو الذي أشير إليه في السؤال.
والمحاذير التي يقع فيها أصحاب هذه العلاقات كثيرة، ومنها: الخلوة والمصافحة والنظر وغيرها، وهي ذنوب جاءت النصوص بتحريمها لذاتها ولما تؤدي إليه من فاحشة الزنا.
ثانياً:
وإقامة المسلمة علاقة محرَّمة مع رجل أجنبي عنها – متزوج أو غير متزوج – هو – أيضاً – من كبائر الذنوب وهو أكثر إثماً وأكبر فحشاً مما جاء في القسم الأول من السؤال لما يترتب عليه من اختلاط الأنساب أو شك الزوج في أولاده هل هم منه أم لا مما يؤدي إلى الفساد العريض.
وهذه فتاوى لبعض العلماء فيما هو أقل من اللقاءات بين الجنسين، فكيف بما هو أكثر؟ :
1. قال الشيخ ابن عثيمين:
لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبيَّة عنه؛ لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسِل أنه ليس هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ويغريها به.
وقد أمر صلى الله عليه وسلم مَن سمع الدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه.
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير، ويجب الابتعاد عنها، وإن كان السائل يقول إنه ليس فيها عشق ولا غرام.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 578) .
2. وقال الشيخ عبد الله الجبرين – وقد سئل عن المراسلة مع المرأة الأجنبيَّة -:
لا يجوز هذا العمل؛ فإنه يثير الشهوة بين الاثنين ويدفع الغريزة إلى التماس اللقاء والاتصال، وكثيراً ما تحدث تلك المغازلة والمراسلة فتناً وتغرس حبَّ الزنى في القلب مما يوقع في الفواحش أو يسببها، فننصح من أراد مصلحة نفسه وحمايتها عن المراسلة والمكالمة ونحوها، حفظاً للدين والعرض، والله الموفق.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 578، 579) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1867)
ما صحة حديث (بشر الزاني بالفقر) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث القائل: (بشر الزانى والزانية بالفقر ولو بعد حين) ؟ وإذا كان حديثا صحيحا أرجو تفسيره.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
الحديث بلفظه المذكور ليس له أصل؛ إذ لم يروه أحد من أصحاب الحديث، ولا هو موجود في شيء من كتب السنة المعتمدة.
يقول العجلوني في "كشف الخفاء" (1/286) :
" (بشر القاتل بالقتل) قال في المقاصد: لا أعرفه، والمشهور على الألسنة بزيادة:
(والزاني بالفقر ولو بعد حين) ولا صحة لها أيضا، وإن كان الواقع يشهد لذلك " انتهى.
يقول الشيخ أحمد العامري في "الجد الحثيث" (73) عنه إنه " ليس بحديث " انتهى.
وجاء في "النخبة البهية في بيان الأحاديث المكذوبة على خير البرية" لمحمد الأمير الكبير المالكي (1228هـ) (ص/43) : " لا يُعرَف " انتهى.
وجاءت أحاديث أخرى تدل على هذا المعنى، لكنها أيضا لا تصح، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الزنا يورث الفقر)
رواه أبو حاتم كما في "العلل" (1/410-411) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1/73) وابن عدي في "الكامل" (6/432) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/363) من طريق الماضي بن محمد عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر به.
قال أبو حاتم بعد روايته الحديث: " هذا حديث باطل، وماضي لا أعرفه " انتهى.
وذكره ابن حبان في "المجروحين" (2/237) في منكر حديث ليث بن أبي سليم.
وقال ابن عدي في "الكامل" (8/183) : غير محفوظ. وقال الذهبي في "الميزان" (3/423) : منكر. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (140) : باطل.
وانظر في "السلسلة الضعيفة" (1/270-274) أحاديث أخرى كلها موضوعة أو منكرة في بيان ما يورثه الزنى من الشرور والآفات.
ثانيا:
من المقرر أن الذنوب لا تأتي إلا بالسوء والمصائب، كما قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم:41، وقال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى:30 وبسب الذنوب والمعاصي يحرم العبد من الرزق والخير، بل بسببها تحرم الأرض من القطر، ولو كانت ذنوبا صغيرة، فكيف إذا كانت من الكبائر؟!
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؛ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ:
لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا!!
وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا.
وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ.
وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ!!)
رواه ابن ماجة (4019) وحسنه الألباني.
فليس ببعيد أن يبتلي الله تعالى الزاني بالفقر، عقوبة على معصيته؛ حيث تناول لذة من غير حلها، فعوقب بأن حرمه الله الفضل والغنى، وأرسل عليه الفقر والعنا، والجزاء من جنس العمل.
روى ابن حبان في "الثقات" (7/574) من طريق مكحول الشامي قال لي ابن عمر:
(يا مكحول! إياك والزنا، فإنه يورث الفقر)
وعن أسماء رضي الله عنها قالت: (رأيت زيد بن عمرو شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة وهو يقول: ويحكم يا معشر قريش! إياكم والزنى، فإنه يورث الفقر)
رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (8/120 ش2) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (19/512-513) وذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/241)
يقول المناوي في "فيض القدير" (4/72) :
" (الزنا يورث الفقر) أي: اللازم الدائم؛ لأن الغنى من فضل الله، والفضل لأهل الفرح بالله وبعطائه، وقد أغنى الله عباده بما أحل لهم من النكاح من فضله، فمن آثر الزنا عليه فقد آثر الفرح الذي من قبل الشيطان الرجيم على فضل ربه الرحيم، وإذا ذهب الفضل ذهب الغِنى وجاء العَنا، فالزِّنا موكَّلٌ بزوال النعمة، فإذا ابتلي به عبد ولم يُقلع ويرجع فليُوَدِّع نِعَمَ الله، فإنها ضيفٌ سريع الانفصال، وشيكُ الزوال (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) لأنفال/53
قال في "شرح الشهاب": الفقر نوعان: فقر يد، وفقر قلب؛ فيُذهب شؤمُ الزنا بركةَ ماله فيمحقه؛ لأنه كَفر النعمةَ واستعان بها على معصية المنعم، فيسلبها ثم يبتلى بفقر قلبه لضعف إيمانه، فيفتقر قلبه إلى ما ليس عنده، ولا يعطَى الصبر عنه، وهو العذاب الدائم " انتهى.
ويقول ابن القيم في "روضة المحبين" (360) :
" والزنى يجمع خلال الشر كلها: من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانيا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله.
فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته.
ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله، ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة.
ومنها: سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين.
ومنها: ظلمة القلب وطمس نوره، وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له. ومنها: الفقر اللازم، وفي أثر يقول الله تعالى: (أنا الله مهلك الطغاة ومفقر الزناة) .
ومنها: أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده.
ومنها: أنه يسلبه أحسن الأسماء،وهو اسم العفة والبر والعدالة، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن.
ومنها: أنه يسلبه اسم المؤمن كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فسلبه اسم الإيمان المطلق، وإن لم يسلب عنه مطلق الإيمان. وسئل جعفر بن محمد عن هذا الحديث، فخط دائرة في الأرض وقال: هذه دائرة الإيمان، ثم خط دائرة أخرى خارجة عنها وقال: هذه دائرة الإسلام، فإذا زنى العبد خرج من هذه ولم يخرج من هذه.
ولا يلزم من ثبوت جزء ما من الإيمان له أن يسمى مؤمنا، كما أن الرجل يكون معه جزء من العلم والفقه ولا يسمى به عالما فقيها، ومعه جزء من الشجاعة والجود ولا يسمى بذلك شجاعا ولا جوادا، وكذلك يكون معه شيء من التقوى ولا يسمى متقيا، ونظائره، فالصواب إجراء الحديث على ظاهره ولا يتأول بما يخالف ظاهره والله أعلم.
ومنها: أن يعرض نفسه لسكنى التنور الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيه الزناة والزواني.
ومنها: أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف، ويستبدل به الخبيث الذي وصف الله به الزناة، كما قال الله تعالى: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات)
وقد حرم الله الجنة على كل خبيث، بل جعلها مأوى الطيبين ولا يدخلها إلا طيب، قال الله تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) وقال تعالى: (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين)
فإنما استحقوا سلام الملائكة ودخول الجنة بطيبهم، والزناة من أخبث الخلق، وقد جعل الله سبحانه جهنم دار الخبيث وأهله، فإذا كان يوم القيامة ميز الخبيث من الطيب، وجعل الخبيث بعضه على بعض ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم، فلا يدخل النار طيب، ولا يدخل الجنة خبيث.
ومنها: الوحشة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه، فالعفيف على وجهه حلاوة وفي قلبه أنس، ومن جالسه استأنس به، والزاني تعلو وجهه الوحشة، ومن جالسه استوحش به.
ومنها: قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له، وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم، بخلاف العفيف؛ فإنه يرزق المهابة والحلاوة.
ومنها: أن الناس ينظرونه بعين الخيانة، ولا يأمنه أحد على حرمته، ولا على ولده.
ومنها: الرائحة التي تفوح عليه يشمها كل ذي قلب سليم، تفوح من فيه وجسده، ولولا اشتراك الناس في هذه الرائحة لفاحت من صاحبها ونادت عليه ولكن كما قيل
كل به مثل ما بي غير أنهم ... من غيرة بعضهم للبعض عذال
ومنها: ضيقة الصدر وحرجه؛ فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم، فإن من طلب لذة العيش وطيبه بما حرمه الله عليه عاقبه بنقيض قصده، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سببا إلى خير قط، ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور وانشراح الصدر وطيب العيش لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له، دع ربح العاقبة والفوز بثواب الله وكرامته.
ومنها: أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن، وقد تقدم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة، فكذلك من تمتع بالصور المحرمة في الدنيا، بل كل ما ناله العبد في الدنيا فإن توسع في حلاله ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه، وإن ناله من حرام فاته نظيره يوم القيامة.
ومنها: أن الزنى يجرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وظلم الخلق وإضاعة أهله وعياله، وربما قاده قسرا إلى سفك الدم الحرام، وربما استعان عليه بالسحر وبالشرك وهو يدري أو لا يدري، فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولد عنها أنواع أخر من المعاصي بعدها، فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها، وجند بعدها، وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة، وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها عز على الناصحين استنقاذه، وأعيى الأطباء دواؤه، فأسيرها لا يفدى، وقتيلها لا يودى، وقد وكلها الله سبحانه بزوال النعم، فإذا ابتلي بها عبد فليودع نعم الله، فإنها ضيف سريع الانتقال، وشيك الزوال، قال الله تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) وقال تعالى: (وإذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1868)
خروج المرأة في رحلة مختلطة بدون محرم!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة الخروج في رحلة فيها اختلاط نساء ورجال من الصباح إلى المساء بدون محرم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلاط المرأة بالرجال محرم، وقد بينا أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (1200)
وإذا كان هذا الاختلاط في رحلة من الرحلات، وهي مظنة التساهل، والتباسط في الحديث وغيره، كانت أعظم خطرا وضررا، ولهذا فلا يجوز للمرأة الخروج في مثل هذه الرحلة، ولو كان معها محرم، ما دام الاختلاط المستهتر حاصلا. وخروجها من غير محرم أعظم.
ومن رضي لأخته أو بنته أو زوجته أن تشارك في هذه الرحلات، فهو قليل الغيرة، ضعيف الديانة، نسأل الله العافية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1869)
يريد الاتصال على فتاة مسيحية ليتزوجها إذا أسلمت
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تعرفت في الجامعة على فتاة مسيحية ورق لها قلبي ولكن خوفا على ديني ومستقبلي فقد غيرت الجامعة خوفا من أتعلق بها أكثر، علما أنني لم أكن أراها سوى في المحاضرات، هل تنصحوني بالتحدث معها هاتفيا من أجل أن أعلمها بأني أريد منها أن تسلم وبالتالي أتقدم إليها بالزواج؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن رزقك الإيمان والبصيرة، التي جعلتك تدرك الخطر في مبدئه، وتتصرف هذا التصرف الحازم، وهو تغييرك للجامعة، ونسأل الله أن يزيدك إيمانا وهدى وتقى.
وما حدث لك هو أحد الآثار السيئة التي تنشأ عن الاختلاط في التعليم والوظائف وغيرها، ولهذا كان من تمام الحكمة تحريم الشريعة للاختلاط.
ثانيا:
أيها الأخ الكريم الحذر الحذر من اتباع خطوات الشيطان، فإنه لن يأتيك من طريق الغواية وقد رأى صلابة موقفك، لكنه يأتيك من طريقٍ ظاهرها الخير، وهو دعوة هذه الفتاة إلى الإسلام والزواج منها كما أحل الله.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21.
فإياك والحديث معها في الهاتف، فإن الفتنة قد تقع بالاستماع بالكلام كما تقع بالنظر، وقد يحملك الاتصال على الرؤية، وهكذا يعود الإنسان إلى ما فر منه وأشد.
وإذا كانت المسألة هي مجرد إعلامها في الرغبة في الزواج منها إذا أسلمت، فإن هذا يمكن إيصاله لها عن طريق إحدى النساء، لكن المسألة لا تقف عند ذلك فيما لو اتصلتَ بها، بل الأمر يحتاج إلى التعرف عليك، والتعرف على الإسلام، ومدى رغبتها في الارتباط بك، وهكذا. . . أمور تستتبع أمورا، وهذه هي الخطوات، خطوة تتلوها خطوة، ثم إذا تمكن الحب والعشق من القلب، لم يمكن إخراجه منه إلا بعسر ومشقة، وقد حمل بعض الناس على ترك الدين عياذا بالله من ذلك.
وفي بعض المجتمعات يكون تحول المرأة من النصرانية إلى الإسلام أمرا نادرا، فتعود المسألة إلى ارتكاب المفاسد لتحصيل مصالح متوهمة.
وخلاصة الأمر: لا ننصحك بالاتصال بها، والأفضل أن تخرجها من قلبك وتفكيرك، إلا أن تجد من النساء الثقات من تدعوها إلى الإسلام، وترغبها في الزواج منك، دون أن يكون لك بها أدنى علاقة.
نسأل الله أن يحفظنا وإياك من كل شر وبلاء وفتنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1870)
تختلط مع قريبها وتكشف وجهها أمامه وتكلمه في الهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة حلقة ولدي طالبة في العشرين من عمرها، بنَتْ علاقة مع أحد أقربائها من غير المحارم (قيل إنه مستقيم) فإذا حصل اجتماع للعائلتين تكشف له عن وجهها من غير خلوة بحيث يكون معهم أطفال صغار، وعندما نُصحت قالت: مادام أنه قريب: فلا حرج من ذلك، وهي تحدثه في الهاتف، هي لا تعلم أنني أعرف شيئا من ذلك، فماذا أفعل؟ وكيف أواجهها - مع العلم أنني أخاف من عنادها، وابتعادها عن الحلقة، وهي بأشد الحاجة إليها -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن هذه الأخت بحاجة لنصيحة وتوجيه، ومن يُزعم بأنه مستقيم من أقربائها يحتاج للأمر نفسه؛ وليس من شك في أنهما يفتحان عليهما بتلك العلاقة التي بدآ فيها بابا من الفتنة، وطريقا إلى الإثم والعدوان، ثم لا يؤمن ما يكون من عاقبة ذلك، ولا يدري أحد أين ينتهي بهما المطاف.
عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تتعوجوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ؛ لَا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ!!
وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ)
رواه الإمام أحمد (17182) وصححه الألباني في ظلال الجنة (19) .
وقوله: (ويحك) زجر له من تلك الهمة، وهي كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها.
(لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه) أي تدخل الباب وتقع في محارم الله، قال الطيبي: هذا يدل على أن قول أبواب مفتحة أنها مردودة غير مغلقة.
" فيض القدير" (4/334) .
قال ابن رجب رحمه الله:
" ومن كان في الدنيا قد خرج عن الاستقامة على الصراط ففتح أبواب المحارم التي في ستور الصراط يمنة ويسرة، ودخل إليها، سواء كانت المحارم من الشهوات أو من الشبهات، أخذته الكلاليب التي على ذلك الصراط، يمنة ويسرة، بحسب ما فتح في الدنيا من أبواب المحارم؛ فمنهم المكدوس في النار، ومنهم من تخدشه الكلاليب وينجو. "
" شرح حديث مثل الإسلام " ص (44) .
إن القرابة التي أشار إليها السؤال داعية إلى أمرين:
الأمر الأول: أن يكون حرص القريب على قريبه، وصيانته له أكثر من حرص غيره، فلا يساعده على فتح باب الحرام , ولا الولوج في الشهوات أو الشبهات، بل يكون حرصه على قريبه لحق الإسلام أولا،ثم لحق القرابة التي بينهما ينبغي أن يتأكد ذلك الحرص
الأمر الثاني: لما كان كثير من الناس يتساهلون في الخلطة بين الأقرباء، وقل منهم من يصون الحرمة، ويردع نفسه من مواطن الفتن، شدد الشرع في سد باب الفتنة بالقريب، الذي لا يتحفظ الناس منه، أكثر غيره، حتى لقد شبهه بالموت!!
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) .
وانظري شرح الإمام النووي لهذا الحديث في جواب السؤال (12837) .
وفي الجواب المحال عليه فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في جواز جلوس المرأة مع أقاربها بشرطين:
الأول: أن تكون بحجابها الكامل، بما فيه وجهها ويداها.
والثاني: عدم وجود ريبة.
وكلا الشرْطين مفقودان هنا، فهي تجلس مع قريبها كاشفةً لوجهها، ولا شك أن مجلسهما فيه ريبة، ومن آثار تلك المجالس: المحادثات التي تمت بينهما، وهي محرَّمة - أيضاً -، وقد بيَّنا فتاوى أهل العلم في هذه المسألة في جواب السؤالين: (26890) و (10221) .
ثانياً:
يجب عليكِ التلطف في دعوتها ونصحها وتذكيرها، وعليكِ استعمال الحكمة والموعظة الحسنة، والرفق في النصح مظنة الاستجابة، والموعظة المؤثرة مظنة تأثر القلب.
قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل/125.
وقال تعالى لموسى وهارون: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه/43، 44.
وانظري جواب السؤالين (60244) و (13261) ففيهما فوائد مهمة.
وإذا خشيت نفرتها من المواجهة، أو عنادها، فيمكنك أن تلمحي لها بما تريدين، وتورِّي لها بمقصودك، كأن تذكري أمامها بعض الأحاديث التي تحذر من الفتنة بالرجل الأجنبي، وخاصة القريب، وأن تعطيها بعض الأشرطة أو الرسائل والمطويات التي تتكلم عن ذلك، وخطورة التساهل في ذلك الأمر على دين المرأة وعفتها. وأظهري لها الكلام بصفة العموم، كأنك لا تعرفين شيئا عن حالها.
ثم حمليها أمانة الدعوة إلى الله، ونشر ذلك الأدب بين المسلمات، وأنه لا يكفي الفتاة أن تصون نفسها من الفاحشة، أو مقدماتها من الاختلاط المحرم، والعلاقات المرفوضة شرعا، بل يجب عليها أيضا أن تدعو غيرها إلى الله تعالى، وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، بحسب طاقتها.
ثالثاً:
إذا لم تجد هذه التورية، ولم ينفع التلميح، فيمكنك أن تتلطفي في مواجهتها بما تفعل، فهي كبيرة في السن وتفهم الكلام، وهي – كذلك – طالبة في حلقة قرآنية، وتصرفاتها لا تُحسب عليها فقط بل على مكان تعلمها وتربيتها، وأعلميها أن ذلك هو من باب محبتها ومحبة الخير لها، والخوف عليها، وليس من باب الرقابة والسلطان على تصرفات الغير؛ فكثير من الناس ينفر من الحق، لا لشيء إلا لأنه يعتبر أن من ينصحه نصب نفسه رقيبا عليه.
ويمكنك أن تركزي على مجموعة من الأمور في نصحها:
1. أن تبيِّني لها منزلة الحياء في الشرع، وكيف كانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الصحابة على قدر عظيم من هذا الخُلُق.
2. تنبيهها على وقوعها في محاذير شرعية، مثل كشف وجهها أمام ذلك الأجنبي، وتلك المجالس المختلطة، والحديث معه في الهاتف، وسبقت الإحالة على فتاوى كثيرة لأهل العلم في هذه المواضيع.
وقد بيَّنا في جواب السؤالين (11774) و (21536) حكم تغطية الوجه والكفين فلينظرا.
3. تذكيرها بقصص واقعية لضحايا الاختلاط والمحادثات والمراسلات مع الأجانب، وهي أكثر من أن تُحصى.
وانظري جواب السؤال رقم (20784) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (1200) تفصيل الحكم في الاختلاط، وذِكر آثاره السيئة.
4. الاتصال بوالدتها أو زيارتها لنصحها وتذكيرها بخطأ ما يفعلونه في بيتهم، وأثر ذلك على عليهم، وعلى ابنتهم خاصة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1871)
غض البصر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى غض البصر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
غض البصر في اللغة يعني كفه ومنعه من الاسترسال في التأمل والنظر.
يقول ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (4/307) :
" الغين والضاد، يدلُّ على كفٍّ ونَقْص، (مثل) غضُّ البصر، وكلُّ شيءٍ كففتَه فقد غَضَضْته " انتهى.
ويقول ابن منظور في "لسان العرب" (7/196) :
" وغَضَّ طَرْفَه وبَصره: كفَّه وخَفَضَه وكسره. وقيل: هو إِذا دانى بين جفونه ونظر " انتهى
ثانيا:
وهو في الشرع يشمل أمورا عدة:
1- غض البصر عن عورات الناس، ومن ذلك زينة المرأة الأجنبية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (15/414) :
" والله سبحانه قد أمر فى كتابه بغض البصر وهو نوعان: غض البصر عن العورة. وغضه عن محل الشهوة.
فالأول كغض الرجل بصره عن عورة غيره.
وأما النوع الثاني من النظر كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية، فهذا أشد من الأول، كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير، وعلى صاحبها الحد ... لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهى الخمر " انتهى.
2- غض البصر عن بيوت الناس وما أغلقت عليه أبوابهم:
يقول ابن تيمية "مجموع الفتاوى" (15/379) :
" وكما يتناول غض البصر عن عورة الغير وما أشبهها من النظر إلى المحرمات، فإنه يتناول الغض عن بيوت الناس، فبيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه، وقد ذكر سبحانه غض البصر وحفظ الفرج بعد آية الاستئذان، وذلك أن البيوت سترة كالثياب التى على البدن " انتهى.
ويقول ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (1/117) :
" ومن النظر الحرام النظر إلى العورات، وهي قسمان: عورة وراء الثياب. وعورة وراء الأبواب " انتهى.
3- غض البصر عما في أيدي الناس من الأموال والنساء والأولاد والمتاع ونحوها.
قال تعالى: (لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) الحجر/88
قال ابن سعدي في "تفسيره" (434) :
" أي: لا تعجب إعجابا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون، واغترَّ بها الجاهلون، واستغن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم " انتهى.
وقال أيضا (ص/516) :
" أي: لا تمد عينيك معجبا، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والمُمَتَّعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابا بأبصار المعرضين، ويتمتع بها - بقطع النظر عن الآخرة - القوم الظالمون، ثم تذهب سريعا، وتمضي جميعا، وتقتل محبيها وعشاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة، ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا في القيامة، وإنما جعلها الله فتنة واختبارا، ليعلم من يقف عندها ويغتر بها، ومن هو أحسن عملا " انتهى.
ثالثا:
يذكر العلماء في فوائد غض البصر أمورا كثيرة، منها:
يقول ابن القيم رحمه الله في "الجواب الكافي" (125) :
" وفي غض البصر عدة منافع:
أحدها: أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى، وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره.
الثانية: أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذى لعل فيه هلاكه إلى قلبه.
الثالثة: أنه يورث القلب أنسا بالله، وجمعية على الله، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر، فانه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه.
الرابعة: أنه يقوي القلب ويفرحه، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.
الخامسة: أنه يكسب القلب نورا، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة، ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر، فقال: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) النور/30 ثم قال إثر ذلك: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) النور/35 أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة، فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب، فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام.
السادسة: أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل والصادق والكاذب، ... والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فإذا غض بصره عن محارم الله عوضه الله بأن يطلق نور بصيرته، عوضة عن حبه بصره لله، ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة، التي إنما تنال ببصيرة القلب، وضد هذا ما وصف الله به اللوطية من العمه الذي هو ضد البصيرة فقال تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) الحجر/72
السابعة: أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة، كما في الأثر: (الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله) ومثل هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها، ما جعله الله سبحانه فيمن عصاه، كما قال الحسن: (إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، فإن المعصية لا تفارق رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه) .
وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته، والذل قرين معصيته، فقال تعالى: (ولِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) المنافقون/8، وقال تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) آل عمران/139، والإيمان قول وعمل، ظاهر وباطن، وقال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فاطر/10، أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره، من الكلم الطيب والعمل الصالح، وفي دعاء القنوت: (إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت) ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه، وله من العز بحسب طاعته، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه، وله من الذل بحسب معصيته.
الثامن: أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب، فإنه يدخل مع النظرة، وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي، فيمثل له صورة المنظور إليه، ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب، ثم يَعِدُهُ ويُمَنِّيه، ويوقد على القلب نار الشهوة، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة، فيصير القلب في اللهب، فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار، وتلك الزفرات والحرقات، فإن القلب قد أحاطت به النيران بكل جانب، فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور، لهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أن جُعل لهم في البرزخ تنورٌ من نار.
التاسع: أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها، فتنفرط عليه أموره، ويقع في اتباع هواه، وفي الغفلة عن ذكر ربه، قال تعالى: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) الكهف/28
العاشر: أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما عن الآخر، وأن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده، فإذا فسد القلب فسد النظر، وإذا فسد النظر فسد القلب، وكذلك في جانب الصلاح " انتهى.
والله أعلم.
انظر سؤال رقم (1774) ، (20229) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1872)
هل يتزوج من تطلقت لأجله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متزوج منذ 13 سنة، وعندي ثلاثة أولاد، منذ حوالي سنتين وأنا منفصل عن فراش زوجتي، علاوة على أن زوجتي أصبحت سمينة جدّاً، ولا تهتم بنفسها!!
تعرفت منذ سنة ونصف على امرأة متزوجة، ووقعت هذه المرأة في حبي الشديد، لدرجة أنها تركت زوجها وطفلتيها وتطلقت، منذ طلاقها وهي ملتصقة بي التصاقاً شديداً، حتى إنها قدمت من بلدها لتزورني هنا وتقيم معي لعدة أيام (عائلتي موجودة في بلد آخر) ، تتصل بي يوميّاً وعن طريق الإيميل، اتفقنا مرات كثيرة على الزواج، ولكنني أتراجع في كل مرة خوفا على أولادي وبيتي من الهدم، ولكن بنفس الوقت فأنا أشفق عليها جدّاً؛ لأنها ضحت بحياتها وبناتها من أجل سعادتنا معا (رغم أنني لم أطلب منها الطلاق) ، أريد أن أتزوج هذه المرأة، ولكنني بنفس الوقت لا أستطيع نسيان أنها كانت زوجة لرجل قبلي وكانت تمارس معه الجنس، أنا الآن ملتزم دينيّاً منذ رمضان، ولا أفوِّت أي فرض صلاة في المسجد، وأقرأ القرآن، وأتصدق، وأخلاقي أصبحت ممتازة مقارنة بما كانت عليه، وأيضا هي أصبحت ممتازة جدّاً، أخاف من الله أن أكون قد تسببت بهدم حياتها الأولى، وأريد أن أعيش معها كزوجة ثانية، ولكني أخاف على بيتي وأولادي من الهدم، وأخاف أن لا أنسى زواجها الأول
أرجوكم أرشدوني، فتأنيب الضمير يقتلني، ويفسد علي عبادتي، علما أنني قادر ماديّاً على الزواج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عجيب أمر تلك النفوس التي تأبى إلا سلوك سبيل الردى والهلاك.
وغريب حال تلك النفوس التي تتخبط في كل واد في سبيل تحصيل لذة فانية، أو سعادة متوهمة.
فمن رزقه الله سبحانه بيتا وأولاداً؛ ثم لا يقنع بعد ذلك إلا بإفساد بيوت الناس وهدم سعادتهم، فليت شعري؛ عن أي سعادة يبحث، وفي أي سبل الأهواء يسير؟!
ثم ها أنت ذا، أيها السائل الكريم، لم تعد ترى من زوجك وأم أولادك إلا أنها أصبحت سمينة جدا، ولا تهتم بنفسها!!
فيا عجبا كل العجب، من الشيطان حين يزين للإنسان ما حرم الله عليه، ويصده عما أحله الله له بكل سبيل!!
ولمن تعتني زوجك بنفسها، وأنت قد هجرت فراشها من زمن طويل، ثم لم تكتف بذلك حتى صرت تسكن ببلد، وزوجك وأولادك ببلد آخر؟!!
أهكذا تكون البيوت؟!! أم هكذا يكون قيامك بشأن أسرتك ورعيتك التي استرعاك الله عليها؟!!
وإذا قدر أن رجلا لم تكفه زوجته الأولى، أو قصرت في بعض شأنه، فقد أوسع الله علينا – نحن المسلمين – فأباح لنا أربعا من الزوجات، تقوم الواحدة منهن بإكمال نقص الأخرى، في مقابل قيام الزوج على أمورهن وأمور أبنائهن والعدل بينهن.
فسد حاجة النفس لا يكون بالنظر إلى ما من الله به على بعض الناس، أو فضلهم به علينا، من زوجة أو أولاد أو أموال: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) النساء/32.
وإذا كان الله تعالى قد من الله علينا من الحلال بما فيه الكفاية، فما حاجتنا إلى سبل الغواية في إعفاف النفس وسد حاجاتها؛ اللهم إلا أن يكون كل هم المرء أن يجري خلف الشهوات المسعورة؟!!
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ) . رواه أبو داود (2175) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وروى أبو داود (5170) – أيضاً - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ عبد العظيم آبادي – رحمه الله -:
(مَن خبَّب) : بتشديد الباء الأولى، أي: خدع وأفسد.
(امرأة على زوجها) : بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته، أو محاسن أجنبي عندها.
" عون المعبود " (6 / 159) .
وقال:
(مَنْ خَبَّب زوجة امرئ) : أي خدعها وأفسدها أو حسن إليها الطلاق ليتزوجها أو يزوجها لغيره أو غير ذلك.
" عون المعبود " (14 / 52) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عن إمام المسلمين: خبب امرأة على زوجها حتى فارقته وصار يخلو بها، فهل يُصَلَّى خلفه؟ وما حكمه؟ .
فأجاب:
في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على مواليه) فسعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة، وهو من فعل السحرة، وهو من أعظم فعل الشياطين، لا سيما إذا كان يخببها على زوجها ليتزوجها هو، مع إصراره على الخلوة بها، ولا سيما إذا دلت القرائن على غير ذلك، ومثل هذا لا ينبغي أن يولى إمامة المسلمين إلا أن يتوب، فان تاب تاب الله عليه، فاذا أمكن الصلاة خلف عدل مستقيم السيرة فينبغى أن يصلى خلفه، فلا يصلَّى خلفَ من ظَهَرَ فجوره لغير حاجة، والله أعلم.
" مجموع الفتاوى " (23 / 363) .
وقال ان القيم - رحمه الله -:
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك، وتبرأ منه، وهو من أكبر الكبائر، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه وأن يستام على سومه: فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته وأمته حتى يتصل بهما، وعشاق الصور ومساعدوهم من الديثة لا يرون ذلك ذنبا؛ فإن في طلب العاشق وصل معشوقه ومشاركة الزوج والسيد ففي ذلك من إثم ظلم الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يربُ عليها، ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة، فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فحق العبد باق، له المطالبة به يوم القيامة، فإنَّ ظُلْمَ الزوج بإفساد حبيبته والجناية على فراشه أعظمُ مِن ظلمه بأخذ ماله كله، ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه بأخذ ماله، ولا يعدل ذلك عنده إلا سفك دمه، فيا له من ظلم أعظم إثما من فعل الفاحشة، فإن كان ذلك حقّاً لغازٍ في سبيل الله وقف له الجاني الفاعل يوم القيامة، وقيل له: خذ من حسناته ما شئت، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: فما ظنكم؟! أي: فما تظنون تبقى له من حسناته، فإن انضاف إلى ذلك أن يكون المظلوم جاراً، أو ذا رحم محرم: تعدد الظلم، وصار ظلما مؤكدا لقطيعة الرحم وأذى الجار، ولا يدخل الجنة قاطع رحم، ولا من لا يأمن جاره بوائقه.
" الجواب الكافي " (ص 154) .
وإفساد الزوجة على زوجها ليس فقط بأن تطلب منها الطلاق، بل إن محاولة ملامسة العواطف والمشاعر، والتسبب في تعليقها بك أعظم إفساد، وأشنع مسعى يمكن أن يسعى به بين الناس.
نعم – أخي السائل – لقد أتيت أمرا عظيما حين تعرفت على تلك المرأة واتصلت بها حتى هدمت أسرتها، كما أتت هي أيضا أمرا عظيما حين تعلقت بغير زوجها، حتى طلبت منه الطلاق، فخربت بيتها بيدها، وسألت ما لا يحل لها.
عن ثوبان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي غَيرِ مَا بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ) .
رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
ونحن إنما نرجو بهذا العتاب الشديد أن يقذف الله في قلب كل من يقرأ هذا الجواب فظيع عاقبة التعدي على الحرمات، والتساهل في أمور الاتصال بالجنس الآخر والحديث إليه، وقد أشرنا مرارا إلى كلام أهل العلم في تحريم ذلك.
انظر (26890) ، (52768) ، (66266) ، (59907) .
كما نرجو أن يكون ذلك حافزاً لكما على إخلاص التوبة لله تعالى، والإنابة إليه، وسؤال المغفرة منه سبحانه على ما فات، وأخيرا رد المظالم إلى أهلها.
واعلم – أخي الكريم – أن الله سبحانه يقبل التوبة عن عبادة إذا صدقوا بها، وأن باب رحمته مفتوح لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، بل كثيرا ما يكون العبد بعد المعصية والتوبة خيرا منه قبلها.
يقول سبحانه وتعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) الزمر/53-54.
ويقول عز وجل: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة/222.
ثانياً:
من شروط التوبة الصادقة رد المظالم إلى أهلها، فإن المؤاخذة لا تسقط حتى ترجع المظلمة ويأخذ المظلوم حقه في الدنيا قبل الآخرة.
فالواجب على تلك المرأة الرجوع إلى بيتها، ومحاولة الاعتذار إلى زوجها السابق عن طريق بعض المقربين منهما، ولو رفع الأمر إلى القاضي لما أجاز أي عقد على تلك المرأة حتى تتوب وترجع إلى زوجها.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (5 / 251) :
وقد صرّح الفقهاء بالتّضييق عليه وزجره، حتّى قال المالكيّة بتأبيد تحريم المرأة المخبّبة على من أفسدها على زوجها معاملةً له بنقيض قصده، ولئلاّ يتّخذ النّاس ذلك ذريعةً إلى إفساد الزّوجات. انتهى.
والزواج الذي يبدأ بمعصية الله تعالى لن يوفق في الغالب، وسينقلب نقمة على صاحبه.
فإذا عفا الزوج وسامح فالحمد لله، فإن رفض ولم يقبل إرجاع زوجته، فلا حرج عليكما أن تتزوجا حينئذ، مع استشعار الندم وسؤال الله تعالى العفو والمغفرة.
وجمهور العلماء يرون صحة عقد من أفسد على رجل زوجته حتى طلقها ثم تزوجها هو، رغم إثم التخبيب – وهو القول الراجح -، وخالف في ذلك بعض أهل العلم من المالكية والحنابلة فأبطلوا العقد.
ففي " الإقناع " (3 / 181) – وهو من كتب الحنابلة -:
وقال في رجل خبب امرأة على زوجها: يعاقب عقوبة بليغة، ونكاحه باطل في أحد قولي العلماء في مذهب مالك وأحمد وغيرهما، ويجب التفريق بينهما. انتهى.
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (11 / 19، 20) :
انفرد المالكيّة بذكرهم الحكم في هذه المسألة، وصورتها: أن يفسد رجل زوجة رجل آخر، بحيث يؤدّي ذلك الإفساد إلى طلاقها منه، ثمّ يتزوّجها ذلك المفسد.
فقد ذكروا أنّ النّكاح يفسخ قبل الدّخول وبعده بلا خلاف عندهم، وإنّما الخلاف عندهم في تأبيد تحريمها على ذلك المفسد أو عدم تأبيده، فذكروا فيه قولين:
أحدهما - وهو المشهور -: أنّه لا يتأبّد، فإذا عادت لزوجها الأوّل وطلّقها، أو مت عنها جاز لذلك المفسد نكاحها.
الثّاني: أنّ التّحريم يتأبّد، وقد ذكر هذا القول يوسف بن عمر كما جاء في شرح الزّرقانيّ، وأفتى به غير واحد من المتأخّرين في فاس.
هذا ومع أنّ غير المالكيّة من الفقهاء لم يصرّحوا بحكم هذه المسألة، إلاّ أنّ الحكم فيها وهو التّحريم معلوم ممّا سبق في الحديث المتقدّم. انتهى.
وفي " كتب أئمة الدعوة النجدية " (7 / 89) :
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد - رحمهما الله -: عن رجل خبب امرأة على زوجها وتزوجها؟ .
فأجاب:
نكاح الثاني الذي خببها على زوجها: باطل، ويجب أن يفارقها؛ لأنه عاص لله في فعله ذلك. انتهى.
ونرجو لكَ، بحسن توبتك وصدقك مع الله تعالى أن يوفقك إن تزوجت هذه المرأة، إذا بدأت أولا بمحاولة إصلاح ما أفسدت من شأنها مع وزجها الأول.
وأما أنها كانت زوجة لغيرك، وكان بينهما ما يكون بين المرء وزوجه، فهذا هاجس لا قيمة له في واقع الأمر؛ فالذي يأنف الحر منه أن تكون امرأة لوثت نفسها بعشرة في الحرام، وأما ما أحله الله له لعباده وشرعه لهم، فلا وجه للأنفة منه!!
قال الله تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً) (التحريم:5) ؛ فجعل الله تعالى النعمة بزواج الثيب، كالنعمة بزواج البكر.
ثم ما تخشاه من ضياع أولادك، هو وارد في زيجة تفكر فيها، بعد زواجك الأول؛ والذي نرجوه أنك، إذا تزوجت هذا المرأة أو غيرها، ألا تبني بيتا جديدا على أنقاض بيتك الأول، الذي فيه زوجك الأولى وأولادك؛ بل الواجب على من أراد خوض تلك التجربة أن يكون عنده من الحكمة والكياسة ما يعينه على تدبير أمر بيته، وسياسة رعيته، وأن يكون عنده من العدل بين نسائه، وإعطاء كل ذي حق حقه، ما لا يبقي عليه تبعة لأحد، ولا مظلمة يطلبه بها عند ربه.
قيل لرجل من العرب كان يجمع الضرائر: كيف تقدر على جمعهنّ؟
قال: كان لنا شبابٌ يصابرهنّ علينا، ثم كان لنا مالٌ يصبّرهنّ لنا، ثم بقي خلق حسن، فنحن نتعاشر به ونتعايش!! [عيون الأخبار 1/396] .
ونسأل الله لنا ولكما العفو والتوفيق
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1873)
تحرش المحارم
[السُّؤَالُ]
ـ[تحرش بي عمي من قبل عدة مرات، وبعد ذلك صارحت والدي بما حدث، فلم أجد منه سوى رد فعل لا يقارن بما فعله بي عمي , وأجد والدي الآن على علاقة طيبة جدّاً بعمي، ويدعوه إلى البيات معنا في منزلنا، ويعامله معاملة حسنة جدّاً، وأنا لا أتحمل هذا، فما عقاب والدي؟ وهل إذا شعرت بالكراهية تجاه والدي هل يوجد ذنب عليَّ؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
قد أحسنتِ حين شكوتِ أمر عمكِ إلى والدك، فقد كان تصرفا حكيما يدل على عقل وخلق ودين، نسأل الله تعالى أن يزيدك من فضله ويحفظك بحفظه، ولكن لا تعجلي في الحكم على والدك بالكراهة، أو التشكك في حرصه على حفظك ورعايتك.
نعم الواجب عليه أن يكون أكثر صرامة مع أخيه الذي تكرر منه التحرش، وأقل ما جب عليه فعله هو عدم السماح له بالمبيت في منزلكم، وعدم استئمانه على بيته وأهله وعرضه، بل عدم السماح له بزيارتكم ورؤيتكم، والغيرة الشرعية تقتضي منه توعد أخيه بقطع العلاقة معه، فالأولاد أمانة في عنق والدهم، وهو مسؤول عن حفظ ورعاية هذه الأمانة.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أَلَا كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهلِ بَيتِهِ وَهُوَ مَسئُولٌ عَنهُم) رواه البخاري (2554) ومسلم (1829) .
ولكن قد يقصر بعض الآباء في ذلك بسبب قلة الوعي وسوء تقدير للأمور، أو لثقة زائدة في أخيه، أو شعور بأن أخاه قد تاب وندم، وأن تحرشه إنما كان زلة.
فلا تتعجلي في اتهام والدك والظن بإهماله عرضه وعرض بناته، وتجاوزي ذلك بمصارحته ومحاورته والاستعانة بالوالدة والإخوان، وحاولي إقناعه بخطورة الأمر وأنه لا ينبغي التساهل فيه، خاصة وأنه قد اتخذ موقفا من أخيه، لكنه رد فعل ضعيف كما وصفته أنت في السؤال، وهو على كل حال يدل على حرص من والدك ولو إلى حد ما.
فإن أراد أن يمنح أخاه فرصة أخيرة فلا يكون ذلك بالإذن له بالمبيت عندكم، فإن في ذلك إعانة للشيطان عليه، بل يكون بالبعد عنكم وعن مخالطتكم، وإن أراد أن يبقى على اتصال به فليكن بينهما دون أن يكون لكم أنتم أهل بيته شأن في الموضوع.
فإن أصر والدك – لا قدر الله – على اختلاط أخيه بكم، والتوسعة له في منزلكم، فلا يجوز لك السكوت والرضا حينئذ، ويجب أن تتحلي بالقوة والشجاعة كي تشكي أمر والدك لأقرب الناس إلى أسرتكم ممن ترين فيه الدين والخلق والحكمة، واستعيني بهم على حل المشكلة التي تواجهين، ولا بد أن تجدي من يتفهم الموقف ويكون خير معين لك إن شاء الله.
وعليك أنت خلال ذلك المحافظة على الحجاب الشرعي الكامل، فإن كثيرا من حالات التحرش بين المحارم يكون سببها التساهل في كشف العورات أمامهم، فتجد الفتاة تلبس اللباس الضيق جدّاً، وتكشف ساقيها وذراعيها وأكثر من ذلك، بدعوى أنها تجلس مع محارمها، وهي لا تدري أن الشيطان يسول للنفس كل محرَّم، وأن المحرَم قد يفتن بما يراه من محاسن محارمه، خاصة إذا كان شابّاً عزباً.
وعليك الابتعاد عن المكان الذي يراك فيه عمك هذا، وقطع العلاقة به تماما، فلا تجلسي في مجلس يكون فيه، ولا تلقي عليه السلام، وإن وجدت بيتا من بيوت محارمك من أصحاب الخلق والدين فاخرجي إليه حتى يخرج عمك السيء من منزلكم.
بل إننا ننبهك هنا إلى مسألة مهمة، في حال عدم تصرف التصرف المناسب أمام تلك المشكلة، وعدم مبالاته بالتصرف الشائن لهذا الأخ الخائن؛ ننبهك إلى أنه سوف يكون عليك أن تتحملي مسئولية كبيرة تجاه نفسك ودينك، مسئولية في تعويض ذلك المقدر المفتقد من غيرة والدك، وحسن قوامته عليك، ورعايته لك، خاصة فيما يتعلق بأمر الدين والفضيلة، والحفاظ على حجابك، والبعد عن الاختلاط والخلوة المحرمة.
والله سبحانه وتعالى مطلع على حالك، ويعلم أنك تحبين الفضيلة وتكرهين الرذيلة، وأنك تجاهدين في سبيل درء كل فتنة، وسيكتب لك أجرك إن شاء الله تعالى كاملا موفرا غير منقوص.
قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الأحزاب/35.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1874)
أشغلها العشق وأثَّر عليها فهل تراجع طبيبا نفسيّاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في التاسعة عشرة من عمري، وإني مولعة بشخص، ولكنني أعرف أن هذا الحب حرام في الدين الإسلامي، وأعرف أنه لا يحبني، ولكن لا جدوى من نسيان هذا للمرض حتى أنني عندما فكرت في نسيانه واجهتني مشاكل البحث عن حب جديد، وقد بدأت أفكر في المتزوج والعازب والصديق وابن العم ... الخ، حتى وقعت في الكثير من عدم الثقة بنفسي، والتفكير الكبير في هذا الموضوع قد بدأ يقلقني حتى أصبحت أفكر أن هناك سحراً وأريد أن أذهب إلى شيخ ولكن مترددة قليلا، ولا أعرف ماذا أفعل، والآن أريد أن أذهب إلى الطبيب النفسي، فهل هذا حرام وأنه لجوء إلى غير الله تعالى؟ ولكن لا أعرف أيضا ما حل هذه المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست قضيتك ـ أيتها السائلة الكريمة ـ قضية سحر ونفث، حتى تحتاجي إلى الذهاب إلى راق يرقيك، وليست قضية مرض نفسي أو عصبي، حتى تحتاجي إلى الذهاب إلى الطبيب؛ إنما قضيتك قضية قلب أصابه مس من الشيطان ووسواسه، وألقى فيه جمارا من العشق الحرام، وأنت رحت تشعلين جذوة الشهوة بسهام النظر المسمومة، والخيالات الفاسدة، والأماني الكاذبة، حتى وصل بك الحال إلى ما ترين من المرض!!
قال ابن القيم رحمه الله: فصل: في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج العشق
(هذا مرض من أمراض القلب، مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم عز على الأطباء دواؤه وأعيى العليل داؤه..)
ثم قال: (وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى، المعرضة عنه المتعوضة بغيره عنه؛ فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه، دفع ذلك عنه مرض عشق الصور؛ ولهذا قال تعالى في حق يوسف: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) يوسف/24، فدل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته؛ فصرف المسبب صرف لسببه، ولهذا قال بعض السلف: العشق حركة قلب فارغ..) زاد المعاد (4/265، 268) .
فاعلمي أيتها السائلة، صانك الله عن أسباب غضبه، أن أصل هذا الداء يبدأ من النظرة المحرمة، التي هي رسول البلاء، وبريد الداء إلى القلب، ثم القلب يسرح في خيالاته، حتى يصل إلى تمني الحرام أو تخيله، كما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ) رواه البخاري (6243) ومسلم (2657)
وحينئذ، فالواجب عليك سد الطريق الموصلة إلى هذا الداء، والبعد عن أماكن البلاء والعدوى، ولهذا أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) النور/ 30-31.
وأعظم ما يعين العبد على حفظ فرجه، أن يجعله فيما أحل الله له، فيتزوج، إن كان ذلك ميسورا له، وقد تعلق قلبه بإنسان معين، يمكنه الزواج منه. كما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (لمْ يُر للمتحابيْن مثل النكاح) - رواه ابن ماجة (1847) وصححه الألباني في " صحيح سنن ابن ماجه "
وإن كان له تعلق بأمر الزواج، من أجل تحصيل العفة، وإحصان الفرج، من غير أن يكون تعلقه بإنسان معين، فهذا يكون أسهل له، ويمكنك ـ حينئذ ـ أن تسعي في التعجيل بأمر زواجك، وتذليل العقبات التي تحول دونه، ولا حرج عليك ولا عيب في السعي في تحصيل العفة، وإحصان نفسك، ويمكنك أن تستعيني في تحصيل ذلك بمن تثقين منه من أخت، أو قريبة صالحة، أو والدة تتفهم أمرك.
وحتى يتم لك ذلك، فاشغلي قلبك وبدنك بطاعة الله تعالى، وضيقي مداخل الشيطان إلى قلبك، ولا تتركي له فرصة من غفلة، أو فكرة شاردة. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (1905) ومسلم (1400)
والباءة: أعباء الزواج وتبعاته , وقوله وجاء: مراده أن الزواج يقطع الشهوة.
ثم اعلمي أن من أنفع الدواء، وأرجى الأسباب لمن ابتلي بذلك: صدق اللجأ إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، وأن يطرح نفسه بين يديه على بابه، مستغيثا به متضرعا متذللا مستكينا؛ فمتى وفق لذلك فقد قرع باب التوفيق، فليعف وليكتم..
قال صلى الله عليه وسلم: (.. وَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ) رواه البخاري (6470) ومسلم (1053) .
وأنتِ يا أختنا السائلة تعلمين أن الطرف الآخر لا يبادلك الشعور نفسه، وتعلمين أنه لا مصير لك للزواج منه، فما تفعلينه حرام، وسفه في العقل، وأنتِ لا تزالين في مقتبل عمرك، والطريق أمامك سهل يسير أن تنعمي بحبٍّ شرعي من زوج صالح، فلا تُشغلي نفسك بما حرَّم الله عليكِ.
وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (21677) ما هو الأحسن في علاج القلق، وفيه وصايا مهمة، لا بدَّ من أن تتأمليها، وفيه بيان جواز العلاج عند الطبيب النفسي، مع أننا لا نرى لكِ ذلك؛ لأن داءكِ معروف وأنت سببه، وعلاجك هو بما ذكرناه لك ونصحناك به.
وذكرنا في جواب السؤال رقم (10254) مسألة امرأة متعلقة بشاب في المدرسة وتريد حلاًّ، فانظري – كذلك – في جوابها، ولعلك أن تستفيدي.
ونسأل الله تعالى أن يحبب إليكِ الإيمان وأن يزينه في قلبك، وأن يكرِّه إليكِ الكفرَ والفسوق العصيان، وأن يهديك لأحسن الأقوال والأفعال، وأن ييسر لكِ زوجاً صالحاً وذرية طيبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1875)
الحب والعشق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اذا أحبت فتاةٌ فتًى من بعيد قد تكون ارتكبت إثما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
جاءت الشريعة بالنهي عن أبواب الشر والإثم، وحرصت على سد كل ذريعة إلى فساد القلوب والعقول، والعشق والحب والتعلق بين الجنسين من أعظم الأدواء وأخطر الآفات.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/129) :
" والعشق مرض نفسانى، وإذا قوي أثَّر فى البدن، فصار مرضا فى الجسم: إما من أمراض الدماغ، ولهذا قيل فيه هو مرض وسواسي، وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونحو ذلك " انتهى.
ويقول رحمه الله "مجموع الفتاوى " (10/132) :
" عشق الأجنبية فيه من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، وهو من الأمراض التي تفسد دين صاحبها، ثم قد تفسد عقله ثم جسمه " انتهى.
ويكفي أن نعلم أن من مضار الحب والعشق للجنس الآخر، أسر القلب وعبوديته لمحبوبه، فالحب باب ذل ومسكنة ونصب، وكفى بذلك مُنَفِّرًا من هذا المرض.
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/185) :
" الرجل اذا تعلق قلبه بامرأة، ولو كانت مباحة له، يبقى قلبه أسيرا لها، تحكم فيه وتتصرف بما تريد، وهو فى الظاهر سيدها، لأنه زوجها، وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها، لا سيما إذا دَرَت بفقره إليها، وعشقه لها، فإنها حينئذ تحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور الذي لا يستطيع الخلاص منه، بل أعظم، فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن " انتهى.
والتعلق بالجنس الآخر لا يصيب قلبا ملأه حب الله تعالى، إنما يصيب قلبا فارغا ضعيفا مستسلما فيتمكن منه، فإذا قوي واشتد فقد يغلب على حب الله ويخرج بصاحبه إلى الشرك.
ولهذا قيل: إن الهوى حركة قلب فارغ.
فالقلب إذا فرغ من محبة الرحمن عز وجل وذكره، والتنعم بمناجاته وكلامه سبحانه، امتلأ بمحبة النساء، والتعلق بالصور، وسماع الغناء.
يقول شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/135) :
" إذا كان القلب محبا لله وحده مخلصا له الدين، لم يبتل بحب غيره أصلا، فضلا أن يبتلى بالعشق، وحيث ابتُلي بالعشق، فلنقص محبته لله وحده؛ ولهذا لما كان يوسف محبا لله مخلصا له الدين، لم يبتل بذلك، بل قال تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ، إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ) ، وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها، فلهذا ابتليت بالعشق " انتهى.
فالواجب على المسلم أن ينجو بنفسه من هذه المهلكة، ولا يقصر في حمايتها والخلاص بها، فإن قصَّرَ في ذلك، وسلك سبل التعشق، بمداومة النظر المحرم، وسماع المحرم، والتساهل في مخاطبة الجنس الآخر ونحو ذلك، فأصابه الحب أو العشق، فهو آثم معاقب على فعله.
وكم من الناس ممن تساهل في مبادئ ذلك الداء، وظن أنه قادر على أن يخلص نفسه متى أراد، أو أن يقف عند حد لا يتعداه، حتى إذا استحكم به الداء، لم يفلح معه طبيب ولا دواء، كما قال القائل:
تولع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة فلما تمكن منها غرق
يقول ابن القيم رحمه الله في "روضة المحبين" (147) :
" فمتى كان السبب واقعا باختياره لم يكن معذورا فيما تولد عنه بغير اختياره، فمتى كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا، ولا ريب أن متابعة النظر واستدامة الفكر بمنزلة شرب المسكر، فهو يلام على السبب " انتهى.
فإن حرص على الابتعاد عن أبواب هذا المرض الخطير، فَغض بَصَرَه عن مشاهدة المحرمات، وأغلق سمعَه عن سماعها، وصرف خواطر قلبه التي يقذفها الشيطان فيه، ثم بعد ذلك أصابه شيء من شرر هذا المرض، بسبب نظرة عابرة، أو معاملة كانت في الأصل جائزة، فتعلق قلبه بامرأة، فليس عليه إثم في ذلك إن شاء الله، لقوله تعالى:
(لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلاَّ وُسعَهَا)
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (11/10) :
" فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه " انتهى.
ويقول ابن القيم رحمه الله "روضة المحبين" (147) :
" إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له، فهذا لا يلام على ذلك، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره، على أن عليه مدافعته وصرفه " انتهى.
ولكن عليه أن يعالج قلبه بالانقطاع عن أثر ذلك المحبوب، وبملء القلب بحب الله سبحانه والاستغناء به، ولا يستحي أن يستشير أهل الفطانة والأمانة من الناصحين، أو يراجع بعض الأطباء والمستشارين النفسانيين، فقد يجد عندهم شيئا من العلاج، وهو في ذلك صابر محتسب يعف ويكتم، والله سبحانه وتعالى يكتب له الأجر إن شاء الله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/133) :
" فأما إذا ابتُلى بالعشق وعف وصبر، فإنه يثاب على تقواه لله، فمن المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقولا وعملا، وكتم ذلك فلم يتكلم به، حتى لا يكون في ذلك كلام محرم، إما شكوى إلى لمخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوع طلب للمعشوق، وَصَبر على طاعة الله وعن معصيته، وعلى ما فى قلبه من ألم العشق، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة، فان هذا يكون ممن اتقى الله وصبر، (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ) انتهى.
ويراجع سؤال رقم (20949) (33702)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1876)
أحبت شابا في الشات ويرغب بالزواج منها وترغب بالمشورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 20 عاماً، أحببت شاباً على الشات، والآن طلب مني أن يأتي ليخطبني من أهلي، فهل حرام أني كلمته من الأول؟ وماذا أفعل؟ أوافق على طلبه أم لا؟ مع العلم أنه شاب محترم جدّا جدّا جدّا، وأنا متأكدة من هذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، لقد وقعتِ أنت والشاب فيما حرَّم الله، ولم يكن يباح لكِ التعرف عليه، ولا محادثته، ولا مراسلته، وقد بيَّنا حكم هذا الفعل في فتاوى متعددة، فانظري أجوبة الأسئلة:
(78375) و (34841) و (23349) .
ومن جهة أخرى لا ننصحكِ بالتزوج منه، فالزواج الذي مبدؤه الإنترنت ثبت فشله؛ وذلك لسببين رئيسين:
الأول: أنه ابتدأ بمعصية الله تعالى؛ وذلك من خلال المراسلة والمحادثة وتبادل الصور، وما مكان مبدؤه المعصية فلن يكون مؤسَّساًِ على طاعة الله ولن يبارك فيه.
والثاني: أنه مسبِّب لفقدان ثقة كل طرف بالآخر، فكيف للزوج أن يثق بزوجته التي تعرَّف عليها بالإنترنت وكان أجنبيّاً فحادثتْه وراسلتْه، كيف له أن يضمن عدم وقوعها في الأمر نفسه مع غيره؟! وهي كذلك كيف لها أن تثق به وقد تعرَّف عليها من خلال الإنترنت وفعل ما لا يحل له، فكيف ستضمن أنه لن يعيد الكرة مع غيرها؟! .
قال الشيخ عبد الله المنيع حفظه الله:
" هذه العلاقة علاقة آثمة، ولو كانت عن طريق المراسلة، والزواج شيء يقدِّره الله تعالى ويهيِّئه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق/3،4، فيجب على هذه الأخت أن تتقي الله تعالى في عفافها وحشمتها وكرامتها، وأن تطلب الخير من مصادره الشرعية، وأن تدرك أن الرجل الذي سمح لنفسه بمراسلة فتاة أجنبية منه يبث لها الوجد والحب: سيسمح لنفسه مرة أخرى وثالثة ورابعة بمراسلة فتيات أخريات يلعب عليهن، وفضلاً عن ذلك سيحتقر هذه الفتاة التي تجاوزت الحدَّ في كرامتها وحشمتها، وعرَّضت عفافها للخطر، ولن يسمح لنفسه أن تكون أمّاً لأولاده، إلا أن تكون رجولته ناقصة، والله المستعان " انتهى
" مجموع فتاوى وبحوث " (4 / 286، 287) .
والحياة الزوجية إن كانت خالية من الثقة بين الطرفين فهي محكوم عليها بالفشل، ولا يزال الشيطان يعيد تلك الذكريات الحميمة المحرمة في مخيلة كل واحد منهما، ولا يزال الشيطان يدفعهما لإعادة الكرة، وما المانع وقد فَعلاها من قبل؟!
لذا: فالواجب عليكِ الآن قطع هذه العلاقة بالكلية، والتوبة إلى الله من هذا الفعل المحرم، وعدم العودة إلى إقامة علاقات مع رجال أجانب عنك.
والواجب عليكِ أيضاً ترك التفكير بخطبة هذا الشاب والزواج منه، ومثل هذه العلاقات محكوم عليها بالفشل لما بيناه سابقاً، وهو غير مرضي الدين والخلق فكيف لكِ ولأهلك الموافقة عليه زوجاً وهو لا يتصف بهما حتى يكون زوجاً صالحاً يقيم بيته على طاعة الله تعالى، ويربي أبناءه وبناته على الحشمة والحياء والعفاف؟!
هذا الذي نراه، ومن التجارب الكثيرة التي وقفنا عليها فإننا قد قدمنا لك خير ما نعلم، ونصحناكِ بما هو خير لدينك ودنياك.
فعليك بالتوبة الصادقة، وقطع العلاقات المحرمة، وداومي على الأعمال الصالحة، وأشغلي وقتك بالنافع والمفيد، ونسأل الله تعالى أن يرزقك زوجاً صالحاً وذرية طيبة.
وانظري جواب السؤال رقم (21933) .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1877)
من قبل امرأة أجنبية هل يعتبر زانيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قبلتني امرأة فاستجبت لها، وأخذنا في اللمس والتقبيل، وما إن طلبت مني أن ألج فيها رفضت خوفا من عقوبة الزاني عند الله. فهل أنا بذلك أكون زانيا؟ لقد أدخلت أصبعي فقط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ما قمت به من تقبيل هذه المرأة ولمسها عمل محرم قبيح، يلزمك التوبة منه بالندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، كما يلزمك البعد عن أسباب الفتنة، من الاختلاط والخلوة والنظر المحرم، وأن تحمد الله تعالى أن عصمك من الوقوع في كبيرة الزنا التي رتب الله عليها الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة، ومن ذلك: أن أوجب الحد على الزاني برجمه حتى الموت إن كان محصنا، وبجلده مائة جلدة إن كان غير محصن.
وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الزنا من الأسباب التي يعذب بها العصاة في قبورهم، وأخبرنا عن هول هذا العذاب، فانظره في جواب السؤال (8829) .
وما أجرأ هذه المرأة على حدود الله، تدعو للحرام، وتطلب المنكر، وتخوض في الإثم، دون خوف أو وجل، فما أعظم نعمة الله عليك أن وقفت عند هذا الحد، وكان في قلبك بقية إيمان منعتك من المنكر الأعظم.
ثانيا:
لا شك أن الزنا الذي يعاقب صاحبه بما ذكرنا هو الإيلاج، إدخال الفرج في الفرج، وأما مقدمات الزنى من اللمس والتقبيل وإدخال الإصبع في الفرج، فإنها مع تحريمها وشناعتها وكون المجترئ عليها قد يعاقب بالوقوع فيما وراءها، إلا أن صاحبها لا يحد حد الزاني ولا يعاقب عقوبته، بل يعزر ويؤدب. وأما التسمية، فإن الشرع سمى هذه الأعمال زنى، كما في الحديث الذي رواه البخاري (6243) ومسلم (2657) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) .
وفي رواية لمسلم: (فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ) .
قَالَ اِبْن بَطَّال رحمه الله: " سُمِّيَ النَّظَر وَالنُّطْق زِنًا لأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيّ , وَلِذَلِكَ قَالَ (وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ وَيُكَذِّبهُ) " انتهى نقلا عن "فتح الباري".
فبادر بالتوبة إلى الله تعالى، واقطع الصلة بهذه المرأة التي قد تسلبك إيمانك وعفتك، وتجعلك في عداد الفاسقين الفاجرين، نسأل الله السلامة والعافية، واحذر خطوات الشيطان، فإن الأمر يبدأ بالنظرة، وقد ينتهي بالفاحشة، عافانا الله وإياك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1878)
فرق بين الحب وبين العلاقة المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا آنسة 24 سنة، بصراحة أنا أحببت حبّاً طاهراً خالٍ من اللقاءات والمواعيد , حبّاً طاهراً لإنسان طاهر ملتزم، واعدني الزواج، وطلب مني أن أنتظره لأن ظروفه صعبة، أنا لا أنكر أنه اتصل بي أكثر من مرة، لكنني طلبت منه أن لا يتصل بي؛ لأني غير راضية عن ذلك، مع أني أحبه، لكنى شعرت أن الحب بدء يسير في الطريق الخطأ , فوافقني الرأي، واحترم رأيي , هو يراسلني بين حين وآخر برسائل على الإنترنت حتى أعرف أخباره , أنا وهو على علاقة منذ سنة، ولكن هو ظروفه صعبة جدّاً , على فكرة هذا الشخص أنا أعرفه عائليّاً وأعرف عائلته وعائلتي على علاقة متينة، أشهد أني أحبه في الله، وواثقة من أنه يبادلني ذات الشعور، ولكن المشكلة أن بابي بدء يُطرق حتى وصل عدد العرسان المتقدمين لي 8، ولكني أرفض في كل مرة لأني وعدته أن أنتظره، أنا الآن حائرة هل ما أفعله حلال أو حرام؟ علما بأني أصلي الفروض والسنن والنوافل والحمد لله , وأقيم الليل فأخاف أن تضيع حسناتي بما أفعل؟ هل الحب الطاهر العفيف حرام؟ وهل حبي حلال أم أنه حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بداية أسأل الله تعالى لك التوفيق والسعادة، وأسأله سبحانه أن يكثر من أمثالك من الفتيات اللاتي يحرصن على العفاف والطهارة، ويلتزمن حدود الله في جميع شؤونهن، ومن أهم ذلك العلاقات العاطفية التي تساهل فيها كثير من الناس، فضيعوا حدود الله، وانتهكوا محارمه، فابتلاهم الله بالمشاكل التي نقرؤها ونسمعها مما فيه العبرة لكل مسلم، بل وكل عاقل.
ثم اعلمي أن المراسلات والاتصالات بين الجنسين باب من أبواب الفتنة، والشريعة مليئة بما يدل على وجوب الحذر من الوقوع في حبائل الشيطان في هذا الباب، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى شابا ينظر إلى فتاة نظراً مجرَّداً لوى عنقه كي يصرف بصره عنها، ثم قال: (رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا) رواه الترمذي (885) وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
لذلك فقد أحسنتِ حين قطعتِ الاتصال بهذا الشاب، ونرجو أن تنقطع المراسلة أيضاً؛ لأن المراسلة من أعظم أبواب الفساد التي فتحت على الناس في هذه الأزمان، وقد سبق بيان ذلك في العديد من الإجابات، وانظري إجابات الأسئلة: (34841) و (45668) .
ولا يعني هذا حرمة ميل الرجل أو المرأة نحو شخص معين يختاره كي يكون زوجا له، يشعر بالمحبة والمودة نحوه، ويعقد العزم على الارتباط به إذا ما تيسر الأمر، فإن المحبة أمر قلبي، تُقذف في قلب المرء بأسباب معلومة أو غير معلومة، إلا أنها إذا كانت بسبب الاختلاط أو النظر أو المحادثة المحرمة أصبحت هي أيضا محرمة، وأما إذا كانت بسبب معرفة سابقة أو قرابة أو سماع عن ذلك الشخص ولم يملك الإنسان دفعها: فلا حرج حينئذٍ من هذه المحبة، بشرط أن تُلتزم فيها حدود الله.
قال ابن القيم رحمه الله:
"إذا حصل العشق بسبب غير محظور: لم يُلَم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له: فهذا لا يلام على ذلك، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره، على أن عليه مدافعته وصرفه " انتهى.
" روضة المحبين " (ص 147) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلق فاضل وذات علم فيرغب أن يتزوجها، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلق فاضل وعلم ودين فترغبه، لكن التواصل بين المتحابين على غير وجه شرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق والظهور، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، ويقول إنه يرغب في زواجها، بل ينبغي أن يخبر وليها أنه يريد زواجها، أو تخير هي وليها أنها تريد الزواج منه، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل: فهذا محل فتنة " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (26 / السؤال رقم 13) .
والنصيحة لك بضرورة الانقطاع عن مراسلة هذا الشاب، وإخباره بأن عليه التقدم لخطبتك من ولي أمرك إن كان يريد الزواج فعلا، ولا يتخذ الظروف المادية أو غيرها عائقاً ومانعاً، فالأمر يسير إن شاء الله، ومن يرضى بالقليل يغنه الله من فضله وسعته، وليكن تقدمه إليك لإقامة العقد الشرعي على الأقل، وإن تأخر الدخول فلا بأس، أما أن يبقى الأمر معلقا على نية المواعدة على الزواج، ثم تستمر المراسلة بينكما على ذلك، فهذا – بحكم الشرع والواقع والتجربة المتواترة – طريق خاطئ وباب إثم وفساد، وتأكدي أنك لن تنالي السعادة إلا بطاعة الله سبحانه، والتقيد بحدود شرعه، وأن في الطرق المباحة غنية وكفاية عن الوسائل المحرمة، ولكننا نضيق على أنفسنا فيضيق الشيطان علينا.
وتأخرك في الزواج فيه ضرر بالغ عليكِ، وقد يتأخر بك السن ولا تتحسن ظروف ذلك الشاب، فلا تتزوجينه ولا تتزوجي غيره، فاحذري من التأخر فليس فيه إلا الضرر، واعلمي أنه قد يكون في أحد من المتقدمين إليك من الدين والاستقامة أكر من ذلك الشاب، وقد يصير بينكما من الحب والمودة أضعاف ما بينك وبين ذلك الشاب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1879)
الزنا الذي يوجب الحد
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في أحد مواقع الإفتاء عن شاب مارس مع فتاة جميع الأعمال الزوجية إلا الإدخال فقط، فما حكم ذلك في الدين؟ وهل عليه حد الزنا؟ وهل يعتبر أنه زنا بها؟ وهل زواجه منها يعتبر تكفيرا له؟ وما عليه فعله كي يتوب؟ وكان الرد في هذا الموقع أو ما فهمته أنا منه أنه يعتبر زانيا لأن الإقدام على فعل الجرم كفاعله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشترط في الزنا الذي يوجب الحد أن يتم الإيلاج، وهو إدخال حشفة الذكر في الفرج، فلو لم يدخلها أو أدخل بعضها فليس عليه الحد. جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/23) في بيان شروط حد الزنا المتفق عليها بين الفقهاء: " لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في حد الزنا إدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها في الفرج. فلو لم يدخلها أصلا أو أدخل بعضها فليس عليه الحد لأنه ليس وطئا. ولا يشترط الإنزال ولا الانتشار عند الإدخال. فيجب عليه الحد سواء أنزل أم لا. انتشر ذكره أم لا " انتهى.
ثانيا:
مقدمات الزنا من اللمس والتقبيل ووضع الفرج على الفرج من غير إيلاج، لا تأخذ حكم الزنا، ولا يحد فاعلها حد الزنا ولكنه يعزر ويؤدب؛ لارتكابه حراما ومنكرا بينا، ولما قد تفضي إليه هذه الأعمال من الوقوع في الزنا الحقيقي، وقد سمى الشرع هذه الأعمال زنا، كما في الحديث الذي رواه البخاري (6243) ومسلم (2657) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) .
قَالَ اِبْن بَطَّال رحمه الله: " سُمِّيَ النَّظَر وَالنُّطْق زِنًا لأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيّ , وَلِذَلِكَ قَالَ (وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ وَيُكَذِّبهُ) " انتهى نقلا عن "فتح الباري".
وراجع السؤال رقم (81995) .
ثالثا:
الواجب على من صدرت منه هذه الأعمال أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، وذلك بالإقلاع عنها، والندم على فعلها والعزم على عدم العودة إليها، وترك الأسباب والوسائل التي تفضي إلى ذلك كالخلوة والنظر والمصافحة.
وأما الزواج من هذه الفتاة، فإن كانت عفيفة لم تقترف الزنا، أو ألمت بذلك ثم تابت إلى الله تعالى فلا حرج في الزواج منها، ولم نقف على دليل يفيد أن هذا الزواج يكفّر تلك المعصية، بل الذي يكفرها هو التوبة إلى الله، وإصلاح العمل، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
رابعا:
لا يصح إطلاق القول بأن الإقدام على فعل الجرم كفعله، بل هذا فيه تفصيل:
فمن هم بالمنكر ثم تركه، كان مأجورا مثابا، كما في الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً) رواه البخاري (6491) ومسلم (131) .
وإن همّ بالمنكر وعزم عليه وشرع في فعله، أو سعى في تحصيله، لكن لم يتمكن منه، لأمر خارج عنه، فهو مأزور غير مأجور، كما دل عليه حديث: (إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ) رواه البخاري (31) ومسلم (2888) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وبهذا ينفصل النزاع في مؤاخذة العبد بالهمة، فمن الناس من قال: يؤاخذ بها إذا كانت عزما، ومنهم من قال: لا يؤاخذ بها، والتحقيق أن الهمة إذا صارت عزما فلابد أن يقترن بها قول أو فعل؛ فإن الإرادة مع القدرة تستلزم وجود المقدور.
والذين قالوا يؤاخذ بها احتجوا بقوله: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار) الحديث، وهذا لا حجة فيه [أي على المؤاخذة بمجرد الهم] ؛ فإنه ذكر ذلك في رجلين اقتتلا كل منهما يريد قتل الآخر وهذا ليس عزما مجردا، بل هو عزم مع فعل المقدور لكنه عاجز عن إتمام مراده، وهذا يؤاخذ باتفاق المسلمين، فمن اجتهد على شرب الخمر وسعى في ذلك بقوله وعمله، ثم عجز فإنه آثم باتفاق المسلمين، وهو كالشارب وإن ل يقع منه شرب. وكذلك من اجتهد على الزنا والسرقة ونحو ذلك بقوله وعمله، ثم عجز فهو آثم كالفاعل، ومثل ذلك في قتل النفس وغيره " انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/122) .
وهذا إنما هو في حصول الإثم واستحقاقا العقوبة في الآخرة، أما العقوبة المترتبة على فعل المعصية في الدنيا، كالحد المترتب على الزنا، فإنه لا يعاقب به إلا من زنى حقيقة، لا من سعى في الزنى ثم عجز عنه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1880)
تحدثت مع رجال عبر الإنترنت ثم تابت من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو المساعدة فالأمر في غاية الأهمية!
أسلمت منذ 4 سنوات وتزوجت من 3 سنوات تقريباً، وأنا لا أعيش مع زوجي لأننا تزوجنا سرّاً، وأهله لا يعرفون عني شيئاً حتى الآن، وأن لا تتاح لي فرصة رؤية زوجي بالعدد الذي أرغبه، ولذلك فقد أصبحت أشعر بالوحدة، ونتيجة لغبائي وأنانيتي وتعجلي فقد بدأت أتحدث إلى رجال من غير المحارم عبر شبكة الإنترنت!!! (وأسأل الله أن يغفر لي) ، لقد تحدثت مع عدد منهم، وأخبرتهم أني لست متزوجة، وأخبرت بعضهم أني مطلقة أو سأحصل على الطلاق في وقت قريب، كما أني أعطيت أحدهم صورة قديمة أظهر فيها بدون حجاب، حيث يظهر شعر رأسي ورقبتي ويداي!!!! حدث كل هذا قبل أشهر معدودة، وقد تبت الآن من جرائمي، كما أني بكيت خوفا من القبر ويوم الحساب، أنا أخاف الله كثيراً، وقد قطعت جميع العلاقات مع هؤلاء الأشخاص، أنا لا أتحدث الآن إلى أي رجل عبر الإنترنت لأني أعلم أن الشيطان يغري الإنسان، أنا أشعر بالخجل فعلا عما فعلت، وأشعر بالكثير من الذنب لذلك، أنا أحب زوجي وهو يحاول أن يخبر أهله بخصوصي إن شاء الله، أنا لا أريد أن أخسره، هل يجب عليَّ إخباره بما فعلت؟ وماذا عن الصورة؟ أنا أكره ما فعلت لكن ماذا لو أن الشاب لا يزال يحتفظ بها؟ هل سأذهب للنار؟ وفيما يتعلق بإخباري للناس أني كنت مطلقة، أو أني سأطلق، هل يؤثر ذلك على صحة زواجي؟ أعلم أني أفسدت وحطمت حياتي، لكني أرجو المساعدة، فالله يعلم وحده مقاصدي، أنا لا أريد أن أجرح أي شخص، أو أن أرتكب الخطأ في حق الله، أريد أن أعمل الأفضل لجميع الأشخاص، وأريد أن أستر على نفسي، فهل يمكنني ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحمد لله الذي هداكِ للإسلام، وقد اختاركِ الله تعالى لتكوني من أتباع هذه الرسالة العظيمة، وهذا أعظم أسباب الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، فعليكِ المداومة على تذكر هذه النعمة الجليلة التي حُرمها الكثير، والقيام بشكر الله تعالى عليها بالقلب واللسان والجوارح.
ثانياً:
والحمد لله تعالى أن يسَّر لكِ الزواج من مسلم، وإن كنَّا نودُّ أن يكون زواجاً ليس فيه بعدٌ من زوجك عنكِ، وأن يعلم أهله عنه، وبما أن لإخفاء زوجك هذا الأمر عن أهله وابتعاده عنك دوراً كبيراً فيما حصل معكِ فإن عليك المسارعة في إصلاح هذا الأمر، وذلك بالطلب منه أن يجعل زواجكم علنيّاً، وأن يسارع في إخبار أهله، وأن يبقى إلى جانبك لإعانتك على طاعة الله تعالى، وعليه أن يتقي الله تعالى فيكِ وأن لا يعرضكِ للفتن، وليتنبه لهذه المسئولية الملقاة على عاتقه.
ثالثاً:
والحمد لله تعالى أن وفقكِ للتوبة والرجوع إليه قبل الانغماس في المعصية أو ارتكاب ما هو أشد منها، والمعصية يزينها الشيطان في نفس فاعلها، فإنْ تذكَّر عقوبة فِعلها وتذكَّر ما عند الله من الثواب على تركها، وعلم ما أعدَّه الله في الآخرة للطائعين: علِم أن ما عند الله خير وأبقى، وأن المعاصي مهما بلغ صاحبها في النشوة واللذة فهي إلى غمٍّ وهمٍّ ونكدٍ في الدنيا، وإلى عقوبة في الدار الآخرة، فاستمري على التوبة، وعلى ندمك على ما فعلتِ، واعزمي عزماً مؤكداً على عدم الرجوع إليها، وافعلي الطاعات تعويضاً عما فات وتقرباً إلى الله لزيادة الثواب.
رابعاً:
لا بدَّ أن تغلقي أبواب الفتن التي جاءتك المعاصي من خلالها، ونعني بذلك " تلك المحادثات " فعليك أن تبتعدي بالكلية عن تلك المحادثات الآثمة التي كانت مع الرجال، فلا يحل لك دخول الغرف الصوتية لهم ولا مراسلتهم والحديث معهم، وإن كانوا معك على " الماسنجر " فسارعي بشطب أسمائهم.
وإن خشيت أن يكون دخولك على الإنترنت سيجرك إلى محادثة هؤلاء فامتنعي كليةً عن الدخول على الإنترنت، واكتفي بالأشرطة الصوتية النافعة، وقراءة الكتب النافعة، والبحث عن صحبة صالحة من بنات جنسكِ يدلونك على الخير، ويمنعونك من السوء والشر.
ومن مقتضيات التوبة الصادقة التي يكون معها الندم والعزم على عدم الرجوع إليها أن تبتعدي عن مواضع الفتن الأخرى من مواقع محرمة، أو منتديات اللغو والفحش.
ولو أنك فرَّغتِ نفسكِ لسماع الأشرطة وقراءة الكتب النافعة، وقراءة الأجوبة والمقالات من المواقع الإسلامية المعروفة بصحة الاعتقاد، وسلامة المنهج لما كفتكِ حياتك كلها لو طالت، فكيف تضيِّعين العمر فيما لا ينفع وبين يديك كنوز الخير من الكتب والمقالات والأشرطة؟! وهي حجة عليك يوم القيامة إن فرطتِ فيها، وليس لك أن تقولي إنني وحيدة ولا أعرف كيف أقضي وقتي، وأنتِ بين بساتين الخير فيها الورود والأزهار ذوات الروائح الزكية، فتنقلي بين تلك البساتين واحرصي على الخير لنفسك، واعلمي أن العمر قصير، ولو قضاه الإنسان كلَّه في طاعة الله للقي الله تعالى مقصِّراً فكيف له أن يضيعه في اللغو والمعصية؟!
خامساً:
من عادة كثير من الرجال في مخاطبتهم للنساء أن يحرصوا على الاستمرار معهن حتى إذا قضوا حاجتهم منهن انتقلوا إلى غيرهن، وهذا ما أنقذك الله منه، وهي نعمة لا تقدَّر بمال الدنيا، وتحتاج منكِ إلى المداوة على شكره تعالى، وكذلك يتركونهن إلى غيرهن إذا أيسوا منهن أو انقطعت بينهم الاتصالات، وقد يخطر ببال كثير منهم أن ما حصل من محادثات لم يكن مع امرأة، وأن الصورة ليست لواحدة بعينها، بل قد تكون من أي محل تصوير أو من مجلة أو من جريدة، فإذا قطعتِ الاتصال بهم نهائيّاً – وهذا ما وفقك الله لفعله - فإن الأمر سيكون على تلك الاحتمالات، ولا داعي للاهتمام بالصورة والحرص على تحصيلها، فقد تستخدم وسيلة ابتزاز كما حدث مع كثيرات، فانسي الأمر تماماً وفوِّضي أمرك إلى الله تعالى، فهو " ستِّير يحب الستر " كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي وفقك للإسلام والتوبة، وهو الذي أنقذك، فلم تقعي في براثن تلك الذئاب، وهو الذي سيستر عليك، وييسر لك أمرك، بمشيئته سبحانه وتعالى، وصور النساء اللاتي تُظهر أكثر مما في صورتك تملأ الشبكة – عياذاً بالله – فلن يبقى أحدٌ منهم حريصا على صورةٍ مثل تلك، وبين يديه الآلاف غيرها.
سادساً:
وإياكِ أن تخبري زوجكِ بما حصل، بل عليك أن تستتري بستر الله تعالى، وقد يتسبب إخبارك له بعواقب وخيمة، فدعي الأمر بينك وبين الله، توبي إليه عز وجل، واطلبي منه العفو والمغفرة، وأكثري من فعل الطاعات، واحرصي على أن يعلن زوجك زواجك لأهله، واطلبي منه أن يبقى إلى جانبك ليعينك على طاعة الله، ولا تفتحي على نفسكِ أبواباً مغلقة بإخباره عما حصل منكِ، فليس هناك فائدة في إخباره، بل قد يترتب عليه آثار ليست في مصلحتك ولا مصلحة بيتكِ.
سابعاً:
ليس في إخبارك لأحدٍ أنك " مطلَّقة " أو " أنك ستطلَّقين " أي أثر على صحة عقد زواجك، فاطمئني ولا تقلقي، ومثل هذه الكلمات قد يترتب عليها أمور أخرى لو قالها الزوج، أما الزوجة فلا أثر لنطقها بتلك الكلمات على عقد الزواج، فلا داعي للقلق من هذه الناحية، وليس هناك حكم يترتب على قولك سوى أن عليك التوبة والاستغفار لأنه إخبار بغير الحقيقة.
ثامناً:
أنتِ لم تفسدي حياتك بل أصلحتيها بإسلامك أولاً، وبتوبتك من تلك المعاصي ثانياً، واعلمي أن الله تعالى غفور رحيم، وأنه يقبل التوبة من عباده، وأنه يبدل سيئات الصادقين في توبتهم حسنات، وأنه تعالى قد يوفقك لصدقك في التوبة لأن تكوني أفضل حالاً وأقوى استقامة بعد ذلك الرجوع الصادق إليه عز وجل، فلا يتطرق اليأس والقنوط إلى قلبك، فقد قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوَّابون) وأنتِ من بنات آدم، وقد أخطأتِ، فكوني من خير الخطائين وهم التوابون، ونرجو من الله تعالى أن يكون قد وفقك للتوبة النصوح، وأن يتقبل منك.
واعلمي أن الله تعالى سيبدل سيئاتك حسنات لو أنك فعلتِ هذا، واسمعي ماذا يقول ربنا عز وجل في هذا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68– 70.
والخلاصة:
استمري على توبتك، وأغلقي أبواب الفتنة عليك، واحرصي على الطاعة والصحبة الصالحة، ولا تخبري زوجك بما حصل معك، وثقي بالله تعالى أنه سيستر عليك لو أنك صدقتِ في توبتك.
ونرجو أن نكون قد أجبنا على تساؤلاتك، وستجدين هذا الموقع نصيراً لك، ودالاًّ لك على الخير، إن شاء الله تعالى، ونرجو أن نسمع عن تغير حالك إلى ما هو أحسن، وأن نرى زوجك أعلن زواجك أمام أهله، ونسأل الله تعالى أن يرزقك علماً نافعاً وعملاً صالحاً وذرية طيبة.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1881)
هل تقطع العلاقة بأخيها بالتبني
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقتي لها أخ بالتبني ولم يرضع من أمها، تبنته أمها عندما كان عمره 3 سنوات من وكالة للتبني، ليس هناك قرابة بينهم، هي مسلمة وهو مسلم ولكنه ارتد عن الإسلام، يغتابها دائماً ويقول للناس عنها الأكاذيب، هل يمكن أن تقطع علاقتها به لأنه أخوها بالتبني وليس هناك أي صلة قرابة بينهما؟
هل تسلم عليه حتى بعد أن أرتد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الولد لا يربطه بهذه الأسرة أي رابط لا نسب ولا رضاع وعلى هذا فلا يجوز اختلاطه بهم ونظره إلى المحارم إذا كان مكلفاً هذا لو بقي على إسلامه فضلاً عن كونه ارتد عن الإسلام.
فلا يجوز لها مصافحته ولا الخلوة به ولا الكشف عليه لأنه ليس بمحرم (يراجع السؤال رقم 5538) ، ولا تسلم عليه ولا ترد عليه السلام مادام مرتداً، نسأل الله السلامة والعافية للجميع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1882)
الصداقة والعشق بين الرجل والمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري خمسة عشر سنة وأعلم بأن اتخاذ عشيقة قد يدمر العائلة ولكن ماذا إذا كنا أصدقاء فقط بالسر ولا يدري بنا أحد، بهذه الطريقة أضمن أن نبقى سويّاً ولا نقترف جريمة الزنا حتى موعد الزواج. هل هناك حالة كهذه في قصص الحب القديمة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً:
ليس اتخاذ العشيقة مدمِّراً للأسرة فحسب، بل هو مدمِّر للمجتمعات، وأهله متوعدون بعذاب الله وسخطه وانتقامه، فالعشق مرضٌ يدمر قلب أهله، ويقودهم إلى الفحشاء والمنكر، ولا يزال الشيطان ينصب حبائله ويمهد الطرق حتى تقع الفاحشة فينال كل واحد مبتغاه من صاحبه.
وفي هذا الأمر من المحاذير الشيء الكثير، فمنه الاعتداء على أعراض الناس، وخيانة الأمانة، والخلوة، والملامسة، والتقبيل، والكلام الفاحش، ثم الفاحشة العظيمة التي تكون في نهاية هذا الطريق وهي فاحشة الزنا.
وقول السائل " ولا يدري بنا أحد " من العجائب، فهل غفل عن ربه تعالى الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ .
فالنصيحة لك أخي السائل وأنت لا زلت في أول شبابك أن تلتفت لنفسك فتربيها على طاعة الله تعالى ومراقبته، وأن تتقي الله في أعراض الناس، وأن تعمل ليومٍ تلقى فيه ربَّك بأعمالك، وأن تتذكر فضيحة الدنيا والآخرة، وأن تعلم أن عندك أخوات وسيكون عندك زوجة وبنات فهل ترضى لواحدة منهن ما تفعله أنت ببنات المسلمين؟ الجواب: قطعا أنك لا ترضى، فكذلك الناس لا يرضون، واعلم أنك قد ترى نتائج معاصيك هذه في بعض أهلك عقوبة لك من ربك تبارك وتعالى.
عليك بالصحبة الصالحة، وعليك بإشغال نفسك بما يحب الله ويرضى، واهتمَّ بمعالي الأمور وعاليها، ودعك من رذائل الأمور وسوافلها، ولتستغل شبابك هذا في طاعة الله، وفي طلب العلم والدعوة إلى الله، ولتعلم أن من كان في سنك بل وأصغر منه كانوا رجالاً يحفظون القرآن، ويطلبون العلم، ويبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم دعاةً إلى الله وإلى الدخول في دين الإسلام.
وننصحك بالزواج من امرأة صالحة متدينة تحفظ لك دينك وتحثك على الالتزام بشرع الله تعالى، وتحفظ لك أولادك وتربيهم على الخلق والدين، ودع عنك من رضيت لنفسها أن تخرج مع أجنبي يحرم عليها مقابلته والحديث معه، ومن رضيت لنفسها هذا فما الذي سيمنعها منه مستقبلاً؟ .
وتذكر أنك تغضب ربك تعالى بمثل هذه المعاصي من الخلوة واللقاء والحديث والكلام، وما بعد ذلك من الوقوع فيما هو أعظم.
واعلم أن الزنا ليس فقط في الفرج، بل العين تزني، والأذن تزني، واليد تزني، والرِّجل تزني، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك تمهيد لزنا الفرْج، فلا يغرنك الشيطان، فإنه عدو لك يريد لك الشر والسوء ويأمرك بالفحشاء والمنكر.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين:
التواصل بين المتحابين على غير وجهٍ شرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق والظهور، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، ويقول إنه يرغب في زواجها، بل يخبر وليها أنه يريد زواجها، أو تخبر هي وليها أنها تريد الزواج منه، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما.
وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل فتنة.
" أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 868) .
ثانياً:
أما عن سؤالك عن وجود مثل هذه العلاقات المحرمة في قصص الحب القديمة فإن وجودها عند السابقين لا يمكن أن يستدل بها على حكم شرعي لأن الأحكام الشرعية المتعلقة بالتحريم والإباحة للشيء تؤخذ من الدليل الشرعي من الكتاب والسنة وما فيها من أمر أو نهي.
وبعض من نقلت عنه هذه القصص كان قبل الإسلام كعنترة وغيره، ويوجد مثل هذا في كل الثقافات الأخرى كما هو معلوم، وهذا لا يمكن أن يؤخذ منه حكم شرعي لأن الإسلام جاء لإخراج النفس من شهوتها لعبودية الله رب العالمين.
نسأل الله لك الهداية والتوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1883)
هل يجوز للمرأة ركوب المصعد مع رجل أجنبي وحدها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ركوب المصعد مع رجل أجنبي (كلانا فقط) ؟ وهل هناك فرق في الحكم بين المصعد المفتوح؟ العادي المغلق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرم الله تعالى خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي (1171) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى البخاري (1862) ومسلم (1341) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) .
ونقل النووي رحمه الله في شرح مسلم (14/153) إجماع العلماء على تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه. وكذا نقله الحافظ في الفتح (4/77) .
والخلوة هي الانفراد، فمعنى خلوة الرجل بالمرأة: أي: اجتماعهما في مكان منفردين ليس معهما أحد.
وهذا المعنى ينطبق على ركوب المرأة مع رجل أجنبي عنها، وليس معها أحد، سواء كان مفتوحاً أم مغلقاً.
وعلى هذا، فلا يجوز ركوب المرأة وحدها مع رجل أجنبي عنها في المصعد، فإن كان معها امرأة أخرى أو أكثر فلا حرج من الركوب، لانتفاء الخلوة حينئذ.
فإن كان معها رجال ونساء، فلا حرج أيضاً من الركوب إذا كان المصعد واسعاً، لا تضطر فيه إلى ملامسة الرجال والاحتكاك بهم، فالأسلم للمرأة المسلمة في هذه الحالة أن تصعد على السلم العادي على أرجلها، وتحتسب المشقة التي تجدها في ذلك، وأنها إنما تفعل ذلك بعداً عما حرمه الله، وعن الفتنة وأسبابها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1884)
حكم مقدمات الزنى من التقبيل واللمس والخلوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من كان يتمتع في النساء بحيث لا يزني من قبلات وغيره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس الزنا هو فقط زنا الفرْج، بل هناك زنا اليد وهو اللمس المحرَّم، وزنا العين وهو النظر المحرَّم، وإن كان زنا الفرْج هو الذي يترتب عليه الحد.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنَّى وتشتهي، والفرْج يصدق ذلك كله ويكذبه ". رواه البخاري (5889) ومسلم (2657) .
ولا يحل للمسلم أن يستهين بمقدمات الزنا كالتقبيل والخلوة والملامسة والنظر فهي كلها محرّمات، وهي تؤدي إلى الفاحشة الكبرى وهي الزنا.
قال الله تعالى: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} الإسراء / 32.
والنظرة المحرمة سهم من سهام الشيطان، تنقل صاحبها إلى موارد الهلكة، وإن لم يقصدها في البداية ولهذا قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} النور / 30 – 31.
فتأمل كيف ربط الله تعالى بين غض البصر وبين حفظ الفرج في الآيات، وكيف بدأ بالغض قبل حفظ الفرج لأن البصر رائد القلب.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
أمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار، وحفظ الفروج، وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين، ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة، وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك، ولهذا قال سبحانه: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون} ، فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة، وإطلاق البصر والفرج من أعظم أسباب العطب والعذاب في الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية من ذلك.
وأخبر عز وجل أنه خبير بما يصنعه الناس، وأنه لا يخفى عليه خافية، وفي ذلك تحذير للمؤمن من ركوب ما حرم الله عليه، والإعراض عما شرع الله له، وتذكير له بأن الله سبحانه يراه ويعلم أفعاله الطيبة وغيرها. كما قال تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} غافر / 19.
" انتهى من التبرج وخطره ".
فعلى المسلم أن يتقي الله ربَّه في السر والعلن، وأن يبتعد عما حرَّمه الله عليه من الخلوة والنظر والمصافحة والتقبيل وغيرها من المحرَّمات والتي هي مقدمات لفاحشة الزنا.
ولا يغتر العاصي بأنه لن يقع في الفاحشة وأنه سيكتفي بهذه المحرمات عن الزنا، فإن الشيطان لن يتركه. وليس في هذه المعاصي كالقبلة ونحوها حد لأن الحد لا يجب إلا بالجماع (الزنى) ، ولكن يعزره الحاكم ويعاقبه بما يردعه وأمثاله عن هذه المعاصي.
قال ابن القيم:
(وأما التعزير ففي كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ; فإن المعاصي ثلاثة أنواع: نوع فيه الحد ولا كفارة فيه , ونوع فيه الكفارة ولا حد فيه , ونوع لا حد فيه ولا كفارة ; فالأول - كالسرقة والشرب والزنا والقذف - , والثاني: كالوطء في نهار رمضان، والوطء في الإحرام , والثالث: كوطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره وقبلة الأجنبية، والخلوة بها، ودخول الحمام بغير مئزر، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير , ونحو ذلك) " إعلام الموقعين " (2 / 77) .
وعلى من أبتلي بشيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، فإن من تاب تاب الله عليه، والتائب من الذنب من لا ذنب له.
ومن أعظم ما يكفر هذه المعاصي المحافظة على الصلوات الخمس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " رواه مسلم (1/209)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1885)
متعلقة بصديقتها تعلقّاً محرَّماً فكيف تتخلص منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي أني أحب صاحبتي حبّاً شديداً وهي تبادلني بمحبة أكبر، وأخشى أن يقودنا هذا للتعلق، أنا إنسانة ملتزمة وطالبة علم، وهي كذلك، وأدرس في حلقات قرآن وهي لها أنشطه دعوية كبيرة جدّاً، وأخشى أن يكون حبي لها تعلقاً، خصوصا وأني أجد بها ما يكمل شخصيتي، أنا خجولة وانطوائية قليلا، وهي اجتماعية ومحبوبة من الجميع، تعرفت عليها منذ سنة تقريبا، فتألفت قلوبنا سريعاً وأحببنا بعضنا، وبدأت تبث لي همومها ومشاكلها، خاصة وأنها لا تجد أحداً من أهلها يستمع لها، هي تقول: إنها وجدت لدي الحنان والحب، وعندما نسير مع بعض تمسك يدي بقوة، أشعر بمشاعر غريبة لذلك أحرص على أن لا تمسك بيدي ولا تتلامس أيدينا، مكالمتنا يومية، لكن والله يشهد فيها تواصي على الخير، فهي توقظني لقيام الليل وتحثني على الصيام، بل إنها غيرتني وجعلتني أتحمس للدعوة إلى الله، وبدأت معها بتوزيع الكتب والأشرطة بالكلية وإلقاء المحاضرات، لكن أخشى من الذنب خصوصا وأن مكالمتنا تكون على الجوال فتأتي فواتيرنا مبالغ كبيرة، لا أعلم كيف أوضح لك المشكلة وكيف أرتب أفكاري، لكن مشكلتي أني أفكر بها كثيراً، وأصبحت لا أستطيع أن أحفظ القرآن كالسابق، أخشى أنه عقوبة من الله، أنا فتاة في الرابعة والعشرين من عمري، غير متزوجة، ترتيبي بالوسط في عائلتي، أفتقد الحب والحنان، بل الأهم: الاهتمام، ومهمشة من قبلهم، والدتي ووالدي يفرقون في معاملتهم لنا، ورغم أنى الآن أصبحت الكبيرة بعد زواج أخواتي الذكور والإناث، إلا أني مهمشة؛ لا يستشيروني بأي أمر، يستشيرون أختي الأصغر سنّاً ويفضلونها عليَّ، أخواتي جميعهم جميلات، أما أنا فمتوسطة الجمال ولا أشبه أخواتي، لذلك دوما يستغربون عندما يعرفون أننا أخوات، عندما تعرفت على صاحبتي أعادت ثقتي بنفسي، واكتشفت أن كل إنسان فيه مواطن جمال، عرفتني على الناس، أخذت بيدي نحو الأمام، عندما أكون معها أشعر بقوة كبيرة، لكن أريد أن يكون حبي لها معتدلاً، لا إفراط ولا تفريط، أيضا هي دوما تقول إنها وجدتْ عندي الحب والحنان الذي تفتقده بأسرتها، رغم أنها أصغر عائلتها، أتمنى أن يكون حبنا لبعض في الله حبّاً أخويّاً نقيّاً، لذلك أريد أن أستشيركم، هل هذا ما يسمى بالإعجاب، والله العظيم إني أحبها لله ولا أستطيع التفكير فقط في الاستغناء عنها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحب في الله تعالى بين المسلمين من أسمى صفاتهم وأعظم أخلاقهم، ومما يميزهم عن غيرهم أنهم لا يحبون المرء لماله ولا لجماله ولا لنسبه، بل يحبونه لله تعالى وفيه، وقد أوجب الله تعالى محبته لهؤلاء المتحابين فيه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن عظيم منزلتهم يوم القيامة، حتى إن الأنبياء والشهداء ليغبطونهم على منزلتهم تلك، وهم تحت ظل عرش الرحمن.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) .
رواه مسلم (2566) .
عن أبي إدريس الخولاني قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا وإذا الناس معه، إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه وصدروا عن رأيه، فسألت عنه: فقيل: هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه، فلما كان من الغد هجَّرت فوجدته قد سبقني ووجدته يصلي، قال: فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبَل وجهه فسلمت عليه ثم قلت: والله إني لأحبك، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، قال فأخذ بحبوة ردائي وجذبني إليه وقال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: " وجبت محبتي للمتحابِّين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، والمتزاورين في ".
رواه أحمد (21525) وصححه ابن حبان (2 / 335) .
وعن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: " المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ".
رواه الترمذي (2390) ، وقال: حديث حسن صحيح.
ثانياً:
للشيطان مدخل واسع من باب الحب في الله، فقد يوهم كثيرين أنهم يحبون في الله أو لله وهم واقعون في العشق والهيام، ولو كان بين امرأة وأخرى، أو رجل وآخر، وقد تبدأ العلاقة بين الطرفين حبّاً في الله تعالى، لكنها لا تصمد على هذا لما يعتريه من خلل وإفراط في العلاقة بينهما، وهذه المحبة التي بينكِ وبين صديقتك ليست محبة في الله لما ترتب عليها من آثار ضارة.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
المحبة النافعة ثلاثة أنواع: محبة الله، ومحبة في الله، ومحبة ما يعين على طاعة الله واجتناب معصيته، والمحبة الضارة ثلاثة أنواع: المحبة مع الله، ومحبة ما يبغضه الله، ومحبة تقطع محبته لله أو تنقصها، فهذه ستة أنواع عليها مدار محاب الخلق.
" إغاثة اللهفان " (2 / 140) .
وقد تكلم العلماء قديما وحديثاً عن هذا الداء – وهو العشق -، وبيَّنوا أسبابه، وخطورته، ثم قدَّموا علاجه لمن شاء التخلص من هذا المرض العضال.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
العشق هو الإفراط في المحبة، بحيث يستولي المعشوق على قلب العاشق، حتى لا يخلو من تخيُّلِه وذِكره والفكرِ فيه، بحيث لا يغيب عن خاطره وذهنه، فعند ذلك تشتغل النفس بالخواطر النفسانية فتتعطل تلك القُوى، فيحدث بتعطيلها من الآفات على البدن والروح ما يَعُزُّ دواؤه ويتعذر، فتتغيّر أفعاله وصفاته ومقاصده، ويختلُّ جميع ذلك فتعجز البشر عن صلاحه ... .
والعشق مباديه سهلةٌ حلوةٌ، وأوسطه همٌّ وشغلُ قلب، وسقم، وآخره عَطَبٌ وقتلٌ ...
والذنب له - أي: للعاشق -، فهو الجاني على نفسه، وقد قعد تحت المثل السائر: " يداك أوكتا وفوك نفخ ".
" الجواب الكافي " (ص 153) .
ومن قرأ رسالتكِ لم يشك أن العلاقة التي بينكِ صديقتكِ ليست محبة في الله شرعية، بل هي إعجاب أدى إلى تعلق ثم إلى عشق.
ثالثاً:
للتعلق المذموم هذا أسبابه، ومن أعظمها ضعف الإيمان بالله تعالى، والغفلة عن اليوم الآخر، وخواء القلب من المحبة الشرعية النافعة والمقوية له، وكثرة الفراغ وعدم الاهتمام بالوقت – ويدل عليه كثرة المكالمات الهاتفية وطولها -، وعدم وجود القدوة الصالحة في حياة العاشقات، ولا شك أن للأسرة دوراً في وجود هذه العلاقات المحرمة؛ وذلك بعدم إشباع عاطفة بناتهم من الحب الأسري، وبسبب تأخير زواج بناتهم بذرائع فارغة كالدراسة أو العمل، مما سبَّب انحرافاً في علاقة ابنتهم وهم غافلون.
ولهذا الداء الفتاك آثاره القاتلة على القلب والعقل، وأعظم من ذلك: أنه قد يوقع في الشرك؛ وذلك بتقديم رضا المعشوق على رضا الله، وتقديم طاعته على طاعة الله ورسوله، وقد سجدت إحدى العاشقات عند قدمي معشوقتها لترضى عنها، بعد أن حصل بينهما خلاف! .
قال ابن القيم – رحمه الله -:
وهو أقسام، وهو تارة يكون كفراً، كَمَن اتّخذ معشوقه نِدّاً، يُحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فهذا عشقٌ لا يُغفر لصاحبه، فإنه من أعظم الشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك، وعلامة هذا العشق الشركي الكفري أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه، وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحقّه وحقّ ربِّه وطاعته قدّم حق معشوقه على حقِّ ربه وآثر رضاه على رضاه، وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه، وبذل لربه - إن بذل - أردى ما عنده، واستفرغ وسعه في مرضاة معشوقه وطاعته والتقرب إليه، وجعل لربه - إن أطاعه – الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته.
" الجواب الكافي " (ص 150) .
رابعاً:
دواء هذا الداء ذكره العلماء وأوصوا بأخذه لمن أقلقه حاله، وأراد الاستشفاء الشرعي:
قال ابن القيم - رحمه الله -:
ودواء هذا الداء القتَّّال: أن يعرف أن ما اُبتُليَ به من هذا الداء المضاد للتوحيد إنما هو مِن جهله وغفلة قلبه عن الله، فَعَلَيْهِ أن يعرف توحيد ربِّه وسُننه وآياته أولاً، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه، ويُكثر اللجأ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه، وأن يرجع بقلبه إليه وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله، وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ، فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه؛ فإن القلب إذا خلص وأخلص عمله لله: لم يتمكن منه عشقُ الصور؛ فإنه إنما تمكن من قلب فارغ، كما قيل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا خاليا فتمكنا
" الجواب الكافي " (ص 150، 151) .
وهذه فتاوى أهل العلم المعاصرين في هذه القضية الهامة والخطيرة:
1. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
انتشرت عندنا عادة قبيحة بين النساء ويأسف كل غيور على نساء المسلمين لذلك، وهي فتنة الطالبات بعضهن ببعض، وقد تسمى في بعض المناطق بـ " الصحبة "، وخلاصة هذه العادة: أن تُعجب الفتاة بفتاة أخرى لا لدينها، بل لجمالها فقط، فتعقد عليها أو تجعلها مِلكاً لها فلا تجالس إلا هذه الفتاة، ولا تتكلم إلا معها، وتقلدها في جميع شؤونها، بل يصل الأمر إلى أن تنام عندها في بعض الليالي، بل تقبلها في وجهها وصدرها، وتكتب اسمها أو الحرف الذي يشير إلى اسمها على حقيبتها وثيابها المدرسية، وقد يصل الأمر - يا فضيلة الشيخ - إلى تعاملها كما تعامل زوجها! ولها من الحقوق مثل الزوج إن لم يكن أكثر، فما رأي الشرع في هذا الأمر؟ وهل من نصيحة توصون بها من ابتليت بهذا الداء؟ .
فأجاب الشيخ:
هذا الداء يسمى بداء " العشق "، ولا يكون إلا من قلب فارغ من محبة الله عز وجل، إما فراغاً كليّاً، وإما فراغاً كبيراً، والواجب على من ابتليت بهذا الشيء: أن تبتعد عمن فتنت بها، فلا تجالسها، ولا تكلمها، ولا تتودد إليها، حتى يذهب ما في قلبها، فإن لم تستطع: فالواجب على ولي المرأة الأخرى أن يفرق بينها وبين تلك المرأة، وأن يمنعها من الاتصال بها، ومتى كان الإنسان مقبلاً على الله عز وجل معلقاً قلبه به: فإنه لا يدخل في قلبه مثل هذا الشيء الذي يبتلى به كثير من الناس، وربما أهلكه، نسأل الله العافية والسلامة.
بواسطة " الإعجاب إلى أين " للشيخ عبد الملك القاسم.
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله -:
كثر في المدارس ظاهرة " الإعجاب "، وذلك أن تتعلق الطالبة بحب معلمة من أجل أناقتها أو جاهها أو جمالها " محبة دنيوية "، أو تتعلق طالبة بطالبة أخرى فتكثر من الحديث عنه وكتابة اسمها على " دفترها " وقد ترسل لها رسائل إعجاب بشخصها، وبالجملة تكون " محبوبتها " هي شغلها الشاغل، فما حكم هذه المحبة الدنيوية؟ وما الفرق بينها وبين الحب في الله - علماً بأن بعض صاحبات الإعجاب قد وقعن في الشذوذ الجنسي والعياذ بالله -؟ .
فأجاب:
ورد في الحديث الصحيح " ثلاث من كنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ... " إلخ، فالمحبة الجائزة أو الواجبة هي المحبة لله وفي الله، ومن آثارها: أن يقتدي بالمحبوب في أعماله الصالحة، ويطيعه في نصائحه، وأن ينصحه عند وقوعه في خطأ أو زلل، فأما مثل هذه المحبة التي هي من آثار الإعجاب بالجمال والأناقة واللياقة، والتي يكون من آثارها: التعلق بالمحبوب، ومحاكاة أفعاله، وتقليده في سيره ومنطقه وسائر أحواله، مما يدل على تعلق القلب به: فإنها محبة، وشهوة، وعشق، وميل إلى فعل الفاحشة، وسواء كانت محبة رجل لامرأة وشغفه بها، بحيث يكثر من ذكرها ويضمن ذلك في شعره كما حصل من " مجنون ليلى " و " كثير عزة "، أو محبة رجل لرجل كالذين يعشقون المردان من الشباب ويحاولون أن يلتصقوا بهم مهما استطاعوا، أو من امرأة لرجل كما حكى الله عن امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام، قال تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً} [يوسف / 30] ، وهكذا قد يكون من امرأة لأخرى، وذلك قليل في التاريخ، لكن لا يستغرب حدوثه في هذه الأزمنة التي حصل فيها ما يثير الغرائز ويدفع الكوامن ولو من المرأة مع أخرى، وهو ما يعرف بـ " السحاق " ويعرف الآن بـ " الشذوذ الجنسي "، وإن كان أخف من فعل فاحشة اللواط لخلوه من الإيلاج ولكنه محرم، وكذلك وسائله من المبالغة في الحب لمجرد الجمال والحسن، وهكذا ما يؤدي إلى ذلك، فالواجب التوبة عن جميع ما ذكره وتعلق القلب بالرب تعالى، والله أعلم.
بواسطة " الإعجاب إلى أين " للشيخ عبد الملك القاسم.
خامساً:
الحذر الحذر أختي الفاضلة من أن يستهويكما الشيطان، وأن يأخذ بكما إلى طريق المهالك بدعوى المحبة، وليكن تعلقك بالله، وفي طاعة الله، فإن الشيطان يتربص بالمؤمن كل لحظة ليغويه، فإن ظفر الشيطان بكما فإنه يحقق فيكما أعظم أمانيه: ضياع أجر المحبة في الله؛ وفتور عابدتيْن عن عبادة الله؛ وشل نشاطكما في الدعوة إلى الله؛ واستخدامكما للصد عن سبيل الله؛ وغير ذلك كثير.
فعليك أن تفوتي عليه هذه الفرصة بضبط العلاقة بالضوابط الشرعية، ومكافحة الهوى والنفس وذلك بالتعلق بالله لا بالمخلوق.
وبما أن أختك في الله داعية وطالبة علم، فإنه ينبغي لها أن تنتبه لهذه العلاقة كما فعلتِ أنتِ، ويجب عليكما أن تتصارحا، وأن تضعا حدّاً لهذه العلاقة، بتقليل اللقاءات والمكالمات، وترك التفكير في الطرف الآخر، ولعلَّه بزواجكما أن تختصر هذه العلاقة وتؤصل وترجع إلى طبيعتها الشرعية.
وأنصحك أختي الكريمة أن تقرئي كتاب " تلبيس إبليس " لابن الجوزي، وكتاب " الجواب الكافي " لابن القيم ففيهما خير عظيم لمثل حالتك هذه وأختك.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1886)
يتخيل الجماع حتى ينزل فما الحكم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الله لا يستحيي من الحق ما حكم ما وقع مني من التفكير في الجماع الذي يعقبه نزول المني لشهوة، وهذا بسبب الفكر المتكرر بدون لمس الذكر وبدون أي حركة أو كلام، فإني أخشى أن أكون قد ارتكبت كبيرة وسقوطي فيه عدة مرات لأن التفكير سهل ومثير عندي مما يصعب تجنبه في بعض الأحوال، والحمد لله لا أطلق بصري.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا العمل الذي تقوم به من تعمد التفكير في الجماع، واستجلاب ذلك، والتلذذ به، مما يترتب عليه نزول المني، عمل محرم، يلزمك التوبة منه، مع الندم على ما فات والعزم على عدم العود.
وقد سئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء" ما نصه: " هل يجوز للشاب الأعزب أن يفكر في الجماع، أعني يتخيل أنه يجامع زوجته وهو لم يتزوج بعد؟
فأجابت: لا يجوز له ذلك؛ لأنه ذريعة إلى ارتكاب الفاحشة، والوقوع في الشر والفساد ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/345) .
وجاء فيها أيضا ما نصه: " قد تنتاب الإنسان شهوته، فيفكر في الجماع كثيرا، فينزل منه المني، فهل هذا يدخل من ضمن العادة السرية، هذا أمر، وإذا كان يفكر في الجماع لينزل المني فيشعر باللذة فهل هذا من قبيل العادة السرية أيضا؟ نرجو إفادتنا برأي الإسلام في هذا الأمر وجزاكم الله خيرا.
فأجابت: إذا عرضت للإنسان خطرة ففكر في الجماع عفوا فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى؛ لما في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها) وفي رواية: (ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) .
لكن على من فكر فأنزل من تلذذه بالفكرة أن يغتسل؛ لأن حكم الجنابة قد تعلق به والحالة هذه. أما إذا كان يعمد إلى هذا التفكير ويستجلبه بين الحين والآخر فهذا لا يجوز، ولا يليق بخلق المسلم، وينافي كمال المروءة. وعلى المسلم أن يكف عنه ويشتغل بما يصرفه عن إثارة شهوته بما ينفعه في دينه ودنياه، على أن تعمد الإثارة بغير الطريق المشروع مضر بالصحة في البدن والعقل، ويخشى أن يجر إلى ما لا تحمد عقباه.
ويزداد الأمر قبحا في حق من عمد إلى هذا الأمر وقد أغناه الله بزوجة، ومتى أنس الزوج بهذا الخلق المشين وجعله مسرحا لفكره فإن استقامة الحال والسكن والرحمة التي جعلها الله تعالى بين الزوجين في خطر " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (22/66) .
نسأل الله أن يوفقك لترك هذا العمل القبيح، وأن يمن عليك بالعفة والإحصان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1887)
ركوب المرأة مع الأجنبي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شراء الملابس التي فيها صور للحيوانات والإنسان للأطفال؟
ما حكم ركوب المرأة مع زوج أختها في السيارة برفقة الأخت؟ أو ركوبها مع أخي زوجها برفقة أمه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بالنسبة للملابس التي فيها صور فإنه يحرم لبسها للكبار والصغار ذكوراً وإناثاً..
أنظر السؤال (10439) .
وأما ركوب المرأة مع الرجل الأجنبي فلا يخلو من حالتين:
الأولى: أن تركب بمفردها معه، فهذه خلوة محرمة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها بقوله: " لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ". رواه أحمد والترمذي في سننه 2091 وهو في صحيح الجامع 2546.
أنظر السؤال رقم (2986) .
الثانية: أن تركب ومعها مجموعة من النساء مع الأجنبي فيجوز بشرطين:
1- أن يكون الرجل أميناً.
2- أن لا يكون في سفر، بل داخل المدينة، أما لو كان سفراً فإنه يحرم عليها السفر بدون محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إِلا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا " رواه البخاري (1088) ومسلم (1339) واللفظ لمسلم.
وبناءً عليه فيجوز للمرأة أن تركب مع زوج أختها برفقة الأخت، وكذلك يجوز لها أن تركب مع أخي الزوج برفقة أمه، إذا أُمنت الفتنة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1888)
تعلقت بشاب أقل منها في النسب وأهلها معارضون زواجها منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أنتمي لمجتمع قبَلي متعصب وتعرفت على شاب حسن الدين والخلق لكن أهلي يرفضون رفضاً باتّاً فقط لأنه ليس من نسب شريف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الظاهر أنكِ وقعتِ في مخالفات شرعية حين تعرفتِ على هذا الشاب، وبخاصة أنك تمدحين خلقه ودينه، ولا ندري ما هو الخلق والدين عند هذا الشاب الذي يرضى أن يتعرف على فتاة أجنبية ويتبادل معها الحديث؟! وقد تكون العلاقة فيها ما هو أكثر من ذلك كلقاءات وغيرها.
وقد حرم الشرع المطهر إقامة مثل هذه العلاقات بين الجنسين، وقد تقدم بعض فتاوى أهل العلم في هذه المسألة في الأسئلة رقم (23349) و (20949) و (10221) و (34841) .
وفي التعلق المحرم وآثاره والزواج من المتعلَّق به: يُراجع جواب السؤال رقم (47405) .
وللتخلص الفوري من مشكلة التعلق بهذا الشاب: يراجع جواب السؤال رقم (10254) .
ولا يجوز ولا يصح عقد النكاح على المرأة من غير إذن وليها، ولا يجوز للوالد أن يجبر ابنته على الزواج ممن لا تريد، وينظر في هذا جواب السؤال رقم (36618) .
ثانياً:
وأما مسألة الكفاءة في النكاح: فقد اعتبر جمهور العلماء الكفاءة في النسب، وخالفهم آخرون فلم يعتبروا الكفاءة إلا في الدين، وهو مروي عن عمر وابن مسعود ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز، وبه جزم الإمام مالك، وهو رواية عن أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله.
وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه " زاد المعاد " فصلاً في حكمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح، وساق الآيات الدالة على ذلك فقال:
" قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13، وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10، وقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) التوبة/71، وقال تعالى:) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) آل عمران/195، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب) ، وقال: (إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا) ، وفي الترمذي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبَنِي بَيَاضَةَ: (أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِ) وكان حجاما.
وزوَّج النبيُّ صلى الله عليه وسلم زينبَ بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه، وزوَّج فاطمةَ بنت قيس القرشية من أسامة ابنه، وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف، وقد قال تعالى: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/26، وقد قال تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) النساء/3.
فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا، فلا تزوَّج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك؛ فإنه حرَّم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسباً ولا صناعةً، ولا غِنىً ولا حرية، فجوَّز للعبد نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفاً مسلماً، وجوَّز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاحَ الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات ". انتهى.
" زاد المعاد " (5 / 158 – 160) .
وعقد البخاري رحمه الله في كتاب النكاح باباً سماه " بَاب الأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) ".
وساق ما يدل على اعتبار هذه الكفاءة دون غيرها، وبخاصة ما جاء بعده من أبواب وهي " بَاب الْأَكْفَاءِ فِي الْمَالِ وَتَزْوِيجِ الْمُقِلِّ الْمُثْرِيَةَ " و " بَاب الْحُرَّةِ تَحْتَ الْعَبْدِ ".
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ما معنى قولهم قبيلي وخضيري؟
فأجاب:
هذه مسألة جزئية، وهي معروفة بين الناس.
القبيلي هو: الذي له قبيلة معروفة ينتمي إليها كقحطاني وسبيعي وتميمي وقرشي وهاشمي وما أشبه ذلك، هذا يسمى قبيلي؛ لأنه ينتمي إلى قبيلة، ويقال قَبَلي على القاعدة، مثل أن يقال حنفي ورَبَعي وما أشبه ذلك نسبة إلى القبيلة التي ينتمي إليها.
والخضيري في عرف الناس في نجد خاصة - ولا أعرفها إلا في نجد - هو الذي ليس له قبيلة معروفة ينتمي إليها، أي: ليس معروفا بأنه قحطاني أو تميمي أو قرشي لكنه عربي ولسانه عربي ومن العرب وعاش بينهم ولو كانت جماعته معروفة.
والمولى في عرف العرب هو: الذي أصله عبد مملوك ثم أعتق، والعجم هم: الذين لا ينتسبون للعرب يقال: عجمي، فهم من أصول عجمية وليسوا من أصول عربية، هؤلاء يقال لهم أعاجم.
والحكم في دين الله أنه لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بالتقوى سواء سمي قبليا أو خضيريا أو مولى أو أعجميا كلهم على حد سواء، لا فضل لهذا على هذا، ولا هذا على هذا إلا بالتقوى؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى) ، وكما قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات/13.
لكن من عادة العرب قديما أنهم يزوجون بناتهم للقبائل التي يعرفونها ويقف بعضهم عن تزوج من ليس من قبيلة يعرفها، وهذا باقٍ في الناس، وقد يتسامح بعضهم، يزوّج الخضيري والمولى والعجمي، كما جرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام زوَّج أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه وهو مولاه وعتيقه زوَّجه فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وهي قرشية، وكذلك أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وهو من قريش زوَّج مولاه سالماً بنت أخيه الوليد بن عتبة، ولم يبال لكونه مولىً عتيقاً.
وهذا جاء في الصحابة رضي الله عنهم وبعدهم كثير، ولكن الناس بعد ذلك خصوصا في نجد وفي بعض الأماكن الأخرى قد يقفون عن هذا ويتشددون فيه على حسب ما ورثوه عن آباء وأسلاف، وربما خاف بعضهم من إيذاء بعض قبيلته إذا قالوا له: لم زوجت فلاناً؟ هذا قد يفضي إلى الإخلال بقبيلتنا وتختلط الأنساب وتضيع إلى غير ذلك، قد يعتذرون ببعض الأعذار التي لها وجهها في بعض الأحيان ولا يضر هذا، وأمره سهل.
المهم اختيار من يصلح للمصاهرة لدينه وخلقه، فإذا حصل هذا فهو الذي ينبغي سواء كان عربيا أو عجميا أو مولى أو خضيريا أو غير ذلك، هذا هو الأساس، وإذا رغب بعض الناس أن لا يزوج إلا من قبيلته فلا نعلم حرجا في ذلك، والله ولي التوفيق ". انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (5/146، 147) .
والخلاصة:
أنه يحق لأهلك أن يمتنعوا عن قبول هذا الشاب زوجاً لكِ لاعتبار عدم كفاءة خلقه ودينه، وننصحك بتقوى الله تعالى والابتعاد عن هذا الشاب والطرق التي أوصلتكِ للتعرف عليه، وعسى الله أن يرزقكِ زوجاً صالحاً، يكون عونا لك على طاعة الله، وتربون جيلاً صالحاً يسعى في طاعة الله يعيش ويموت عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1889)
حدود النظر إلى المخطوبة وحكم مسها والخلوة بها وهل يُشترط إذنها
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديث النبي صلى الله عليه وسلم والذي يجيز للرجل أن يرى المرأة التي ينوي الزواج بها، سؤالي هو: ما هو المسموح رؤيته للرجل في المرأة التي ينوي خطبتها للزواج هل يسمح له أن يرى شعرها أو راسها بالكامل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بالأمر بغض البصر وتحريم النّظر إلى المرأة الأجنبية طهارة للنّفوس وصيانة لأعراض العباد واستثنت الشّريعة حالات أباحت فيها النّظر إلى المرأة الأجنبية للضرورة وللحاجة العظيمة ومن ذلك نظر الخاطب إلى المخطوبة إذ إنّه سينبني على ذلك اتّخاذ قرار خطير ذي شأن في حياة كل من المرأة والرجل، ومن النصًوص الدالة على جواز النظر إلى المخطوبة ما يلي:
1- عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) قال: " فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها " وفي رواية: " وقال جارية من بني سلمة، فكنت أتخبأ لها تحت الكرب، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، فتزوجتها " صحيح أبو داود رقم 1832 و 1834
2- عن أبي هريرة قال: " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنظرت إليها؟) قال: لا، قال: (فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) رواه مسلم رقم 1424 والدارقطني 3/253 (34)
3- عن المغيرة بن شعبة قال: خطبت امرأة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنظرت إليها؟) قلت: لا، قال: (فانظر إليها فأنه أحرى أن يؤدم بينكما) . وفي رواية: قال: ففعل ذلك. قال: فتزوجها فذكر من موافقتها. رواه الدارقطني 3/252 (31،32) ، وابن ماجه 1/574.
4- عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: " إن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله صلى الله عيله وسلم، فصعّد النظر إليها وصوّبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: أي رسول الله، لإِن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها..) الحديث أخرجه البخاري 7/19، ومسلم 4/143، والنسائي 6/113 بشرح السيوطي، والبيهقي 7/84.
من أقوال العلماء في حدود النّظر إلى المخطوبة:
قال الشافعي - رحمه الله -: " وإذا أراد أن يتزوج المرأة فليس له أن ينظر إليها حاسرة، وينظر إلى وجهها وكفيها وهي متغطية بإذنها وبغير إذنها، قال تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الوجه والكفين " (الحاوي الكبير 9/34)
وقال الإمام النووي في (روضة الطالبين وعمدة المفتين 7/19-20: " إذا رغب في نكاحها استحب أن ينظر إليها لئلا يندم، وفي وجه: لا يستحب هذا النظر بل هو مباح، والصحيح الأول للأحاديث، ويجوز تكرير هذا النظر بإذنها وبغير إذنها، فإن لم يتيسر النظر بعث امرأة تتأملها وتصفها له. والمرأة تنظر إلى الرجل إذا أرادت تزوجه، فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها.
ثم المنظور إليه الوجه والكفان ظهراً وبطناً، ولا ينظر إلى غير ذلك.
وأجاز أبو حنيفة النظر إلى القدمين مع الوجه والكفين. بداية المجتهد ونهاية المقتصد 3/10.
قال ابن عابدين في حاشيته (5/325) :
" يباح النظر إلى الوجه والكفين والقدمين لا يتجاوز ذلك " أ. هـ ونقله ابن رشد كما سبق.
ومن الروايات في مذهب الإمام مالك:
-: ينظر إلى الوجه والكفين فقط.
-: ينظر إلى الوجه والكفين واليدين فقط.
وعن الإمام أحمد - رحمه الله - روايات:
إحداهن: ينظر إلى وجهها ويديها.
والثانية: ينظر ما يظهر غالباً كالرقبة والساقين ونحوهما.
ونقل ذلك ابن قدامة في المغني (7/454) والإمام ابن القيم الجوزية في (تهذيب السنن 3/25-26) ، والحافظ ابن حجر في فتح الباري (11/78) .. والرواية المعتمدة في كتب الحنابلة هي الرواية الثانية.
ومما تقدّم يتبيّن أن قول جمهور أهل العلم إباحة نظر الخاطب إلى وجه المخطوبة وكفّيها لدلالة الوجه على الدمامة أو الجمال، والكفين على نحافة البدن أو خصوبته.
قال أبو الفرج المقدسي: " ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها.. مجمع المحاسن، وموضع النظر.. "
حكم مس المخطوبة والخلوة بها
قال الزيلعي رحمه الله: (ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفيها - وإن أَمِن الشهوة - لوجود الحرمة، وانعدام الضرورة أ. هـ، وفي درر البحار: لا يحل المسّ للقاضي والشاهد والخاطب وإن أمنوا الشهوة لعدم الحاجة.. أ. هـ) رد المحتار على الدر المختار 5/237.
وقال ابن قدامة: (ولا يجوز له الخلوة بها لأنها مُحرّمة، ولم يَرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم، ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلون رجل بإمراة فإن ثالثهما الشيطان) ولا ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة، ولا ريبة. قال أحمد في رواية صالح: ينظر إلى الوجه، ولا يكون عن طريق لذة.
وله أن يردّد النظر إليها، ويتأمل محاسنها، لأن المقصود لا يحصل إلا بذلك " أ. هـ
إذن المخطوبة في الرؤية:
يجوز النظر إلى من أراد خطبتها ولو بغير إذنها ولا علمها، وهذا الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/157) : " وقال الجمهور: يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير إذنها " أ. هـ
قال الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني في السلسة الصحيحة (1/156) مؤيدا ذلك: ومثله في الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (وإن كانت لا تعلم) وتأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم، عمله مع سنته صلى الله عليه وسلم ومنهم محمد بن مسلمة وجابر بن عبد الله، فإن كلاً منهما تخبأ لخطيبته ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها. … " أ. هـ
فائدة:
قال الشيخ حفظه الله في المرجع السابق ص 156:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتزوج امرأة، فبعث امرأة تنظر إليها فقال: شُمِّي عوارضها وانظري إلى عرقوبيها " الحديث أخرجه الحاكم (2/166) وقال: " صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي وعن البيهقي (7/87) وقال في مجمع الزوائد (4/507) : " رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد ثقات "
قال في مغني المحتاج (3/128) : " ويؤخذ من الخبر أن للمبعوث أن يصف للباعث زائداً على ما ينظره، فيستفيد من البعث ما لا يستفيد بنظره " أ. هـ والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1890)
تريد الخروج مع الخاطب للتأكد من حاله حتى لا تحدث كارثة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي متعلق بموضوع سبب لي الكثير من القلق منذ فترة، فقد طُلقت منذ سنة تقريبا وليس عندي أطفال. لقد مضى علي سنة الآن. والسؤال: حيث أني لم أكن أعرف الرجل قبل زواجي به, وتزوجته لأن والداي ظنا أنه يناسبني. والآن، وقد وقع ما وقع لي, فقد فكرت أنه من الأفضل أن أكون أعرف الشخص قبل أن أتزوج به. أنا لا أقصد أن أخرج معه في مواعيد, بل مجرد الحديث والتعرف إذا ما كان يناسبني أم لا. والنقطة التي أريد أن أوضحها هي أني لا أريد أن أجرح نفسي، أو أن ينتهي بي المطاف بالطلاق مرة أخرى. وسؤالي هو هل يُبيح الإسلام للفتاة أن تختار رجلا وتتزوج به؟ أنا بحاجة لأن توضح لي هذا الموضوع. وسأقدّر مساعدتك.
وشكرا، والله يحفظك.]ـ
[الْجَوَابُ]
لقد شرع الإسلام استئذان الأب لابنته حين يزوجها، سواء كانت بكراً أم ثيباً (التي سبق لها الزواج)
ومن حق الفتاة أن تعرف ما يكفي عن الشخص المتقدّم للزواج بها، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق السؤال عنه بالطّرق المختلفة، مثل أن توصي الفتاة بعض أقاربها بسؤال أصدقائه ومن يعرفونه عن قرب فإنه قد تبدو لهم الكثير من صفاته الحسنة والسيئة التي لا تبدو لغيرهم من الناس.
لكن لا يجوز لها الخلوة معه قبل العقد بأي حال، ولا نزع الحجاب أمامه، ومن المعروف أن مثل هذه اللقاءات لا يبدو فيها الرجل على طبيعته بل يتكلف ويجامل، فحتى لو خلت به وخرجت معه فلن يُظهر لها شخصيته الحقيقية وكثير من الخارجات معصية مع الخاطبين انتهت بهم الأمور إلى نهايات مأساوية ولم تنفعهم خطوات المعصية التي قاموا بها مع الخاطب خلوة وكشفا.
وكثيرا ما يلعب معسول كلام الخاطب بعواطف المخطوبة عند خروجه معها ويُظهر لها جانبا حسنا لكن إذا سألت عنه وتحسّست أخباره من الآخرين اكتشفت أمورا مختلفة، إذن الخروج معه والخلوة به لن تحلّ المشكلة ولو فرضنا أنّ فيه فائدة في اكتشاف شخصية الرجل فإنّ ما يترتّب عليه من المعاصي واحتمال الانجراف إلى ما لا تُحمد عُقباه هو أكثر من ذلك بكثير ولذلك حرّمت الشريعة الخلوة بالرجل الأجنبي - والخاطب رجل أجنبي - والكشف عليه.
ثمّ إننا يجب أن لا ننسى أمرا مهما وهو أنّ المرأة بعد العقد الشرعي وقبل الدّخول والزفاف لديها فرصة كبيرة ومتاحة للتعرّف على شخصية الرجل والتأكّد عن كثب وقُرب مما تريد التأكّد منه لأنها يجوز لها أن تخلو به وتخرج معه ما دام العقد الشّرعي قد حصل، ولو اكتشفت أمرا سيئا لا يُطاق فيمكن أن تطلب منه الخُلع وفي الغالب لن تكون النتيجة سيئة ما دامت عملية السؤال عن الشخص والتنقيب عن أحواله قبل العقد قد تمّت بالطريقة الصحيحة.
نسأل الله أن يختار لك الخير وييسره لكِ حيث كنتِ وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1891)
متعلق بفتاة يحبها وتحبه ويزعم أنهما على خير!
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله لقد هداني الله ولكن بطريقة غريبة، حيث إن ما شجعني على ذلك هي نفسها، كانت وكعادة الشباب أن تدمرني، هي امرأة أحبتني ولكن حب ليس بحلال حيث تعرفت عليها في النت وأستغفر الله على ذلك، وهي إلى الآن تنصحني، وأنا خائف إن تركتها أن تفعل شيئا بنفسها، وخائف أيضاً إن تزوجت وحدثت بينها وبين زوجها مشاكل فتقول: فلان أفضل منك، ويا ليتني تزوجته (تقصدني بذلك) فكم حاولت تركها ولكنها لا تستطيع، بسبب واحد وكلانا متعلق بالآخر بسبب هذا السبب ألا هو أننا متفاهمون ومتعاونون على البر والتقوى، وتطيعني في أي شيء يرضي الله سبحانه، أريد الزواج منها ولكنها مخطوبة من أحد أقربائها، وأهلها يرفضون فكرة الزواج من غريب، وأنا كلما أبتعد عنها أحس بأني وحيد ويأتيني الشيطان في وحدتي فيفسد علي، وعندما أكلمها أحس بالراحة لأنها تذكرني بالله عز وجل، ساعدوني رحمكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينبغي لك التردد في ترك هذه الفتاة والابتعاد عنها، فتلبيس الشيطان عليكما واضح بيِّن، فهو قد أوقعكما في الحرام، ثم زيَّنه لكما على أنه طاعة وقربة إلى الله!
وكلماتك في سؤالك تدل على ما ذكرنا فأنت تقول: "هداني"، "تنصحني" "تطيعني فيما يرضي الله"، "متعاونون على البر والتقوى"، "تذكرني بالله عز وجل"! وكلها ألفاظ شرعية، وقد نجح الشيطان في جعلها بين عشيقين!
ونحن نجزم أنك لا ترضى هذا لإحدى أخواتك أو بناتك أن تفعله، أليس كذلك؟ فلمَ ترضاه لبنات الناس؟!
أرأيتَ لو أنك وقفت على موقف مشابه لإحدى بناتك وهي تراسل وتكلم أجنبيّاً عنها وقد خطبتَها لأحد أقربائك، فهل ترضى فعلها لو قالت لك: إن الله هدى هذا الشاب على يدي، وإني أذكره بالله، وإننا متعاونون على البر والتقوى، وإنني أنصحه!!
ولا أظنك ترضى بأن تراسل خطيبتك شاباً، أو يراسلها شاب بمثل هذه الحجج، "النصيحة"، "التعاون على البر والتقوى........إلخ".
لا والله لا نظن أن أحداً من العقلاء يرضى بهذا، فلا تغتر بتزيين الشيطان فعلكما، وانته عن هذه العلاقة مباشرة، ودع الفتاة في سبيلها، ولا يهمك ما ستقوله لزوجها فلستَ مسئولاً عنها، ولا لك علاقة تربطك بها، وما يدريك فقد تتزوج بمن هو خير لها منك؟!
وأنت تقول: إنها مخطوبة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) متفق عليه، فلا يحل لكَ أن تسلك الطريق السوي وتتقدم لأهلها طالباً خطبتها، فكيف يحل لك محادثتها ومراسلتها من غير علم أهلها؟!
فاتق الله تعالى، واتركها غير متردد، ولا تعد لمراسلتها، ودعها وشأنها وأهلَها، ومن رضيتْ بأن تحادث الرجال الأجانب وهي مخطوبة أو متزوجة فلا تؤمَن على بيت ولا على تربية بناتها وأبنائها، واحذر أن يعاقبك الله في أهلك وذريتك، واسأل الله التوفيق والإعانة، واترك ذلك لله تعالى يبدلك خيراً مما تركتَ.
وانظر جواب السؤالين: (47405) و (36618) .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1892)
وقعت في المحرم مع أخي زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يسافر كثيراً في أعمال له وهو يغيب لأوقات طويلة وفي أول حياتنا الزوجية عاملني بطريقة سيئة تجاهلني وأساء إلي نفسياً وجنسياً ولقد أحضر أخاه (19 عاماً) ليعيش معنا رغم اعتراضي وقد صار أن كنت أنا وأخوه بمفردنا في البيت وحدث بيننا شيء يسير لكنني تبت منه فهل يحمل زوجي وزراً في هذا لأنه هو الذي تسبب في هذا الموقف؟ ثم حدث أن اكتشف زوجي ما حدث عن طريق الضغط البدني والنفسي وبرر لي محاولاته للمعرفة بأن له الحق في أن يكتشف خيانتي له. كل ما أريد أن أعرفه هو هل له الحق في التفتيش في ماض ذهب وليس لديه ما يثير شكوكه أو اعتقاده أن هذه العلاقة ما زالت مستمرة أجيبوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنا لله وإنا إليه راجعون ...
لقد وقع زوجك فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حيث حذر من دخول الرجال على النساء فقيل له: أفرأيت الحمو قال: " الحمو الموت "، والحمو هو أخو الزوج وأقاربه كابن عمه، ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمو الموت) أن الخوف منه أكثر من غيره لأنه يتمكن من الوصول إلى المرأة والخلوة بها من غير أن يُنكر عليه أحد، لأن دخوله البيت أمر لا يستغربه الناس، وكم سمعنا من المآسي التي وقعت بسبب دخول إخوان الزوج على زوجة أخيهم بل إنه حصل الزنا والحمل من أخي الزوج، والله المستعان.
ولا يجوز لزوجك أن يبحث عن الماضي وسوئه، بل يجب عليه أن يستر كما ستر الله، خاصة بعد التوبة عن مثل هذا، لأن قلبه من بعدها لن يصفو، وسيفسر كل عمل يراه منكِ بعد ذلك على أنه من هذا القبيل.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألَمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله فإنه من يُبد لنا صفحته نُقم عليه كتاب الله تعالى عز وجل ".
رواه الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " (4 / 425) والبيهقي (8 / 330) . وصححه الألباني في صحيح الجامع (149)
والقاذورات: يعني المعاصي.
وعن أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من الناس وهو في المسجد فناداه: يا رسول الله إني زنيتُ - يريد نفسه - فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قِبَلَه، فقال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه فجاء لشق وجه النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبك جنون؟ قال: لا يا رسول الله، فقال: فهل أحصنتَ؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: اذهبوا به فارجموه. رواه البخاري (6430) ومسلم (1691) . وقد جاء في بعض الروايات أن رجلاً من أسلم أتى أبا بكر فقال له: إن الآخر قد زنى يعني نفسه فقال: فتب إلى الله واستتر بستر الله ثم أتى عمر كذلك ... انظر فتح الباري (12/125)
قال الحافظ ابن حجر:
ويؤخذ من قضيته: أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز.
وأن مَن اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا، ولا يفضحه، ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة " لو سترته بثوبك لكان خيراً لك "، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه، فقال: أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر.
وفيه: أنه يستحب لمن وقع في معصية وندم أن يبادر إلى التوبة منها، ولا يخبر بها أحداً ويستتر بستر الله، وإن اتفق أنه أخبر أحداً: فيستحب أن يأمره بالتوبة وستر ذلك عن الناس كما جرى لماعز مع أبي بكر ثم عمر.
" فتح الباري " (12 / 124، 125) .
وعليه:
فليس للرجل حق في البحث عن الماضي الذي قد تابت عنه زوجته لما قدمنا، ولا ينبغي للمرأة أن تصارح زوجها بما قد حصل في الماضي وتابت منه، ولتستتر بستر الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1893)
يريد أن ينظر إلى النساء في الشارع بنية الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في دولة كافرة ذات فتن كثيرة، وأريد الزواج وأبحث عن زوجة بمواصفاتي الشخصية وخصوصاً الجمال وأعرف أنه من الجائز النظر للنساء بنية الخطبة فهل يجوز لي النظر إلى النساء في الشارع من أجل اختيار من أتقدم لخطبتها؟ وهل يجوز إذا اخترت فتاة ما وأعجبتني وأريد أن أتأكد أنها تعجب أهلي (وهم يعيشون في بلد آخر) أن أريها لصديق لي ولو لثوانٍ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز النظر إلى النساء في الشارع، إذ إن الله تعالى أمر المؤمنين بغض أبصارهم، قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) النور/30، وفتح العبد هذا الباب على نفسه أمر خطير، والشيطان يزين له في البداية أمر الخطبة، حتى يصبح هذا الأمر عادة عنده، فينظر إلى النساء لا بغرض الخطبة، بل لغرض متابعتهن، والنظر في حسنهن.
والذي يريد الخطبة، فإنه لا ينظر إلى المتبرجات في الشوارع لاسيما في تلك البلاد الكافرة، التي يكون أكثر أهلها كفارا أو فساقا، بل إنه يسأل أهل الفضل والمعرفة، عن النساء الفاضلات الصالحات، فيأتي البيوت من أبوابها.
أما نظرك إلى النساء في الشوارع، فهو نظر إلى الجمال الظاهر، دون الجمال الباطن، الذي هو أولى وأهم من الجمال الظاهر، وما الفائدة أن يتزوج الرجل أجمل الجميلات، ولا يكون عندها من حسن الخلق ولا من أمر الدين شيء.
فعليك بمراجعة نفسك وتنظر في الصفات التي ينبغي أن تتوفر فيمن تختارها للزواج بها، وأهم ذلك أن تكون صاحبة دين وخلق، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (5090) ، ومسلم (1466) .
وليس المراد من الزواج مجرد قضاء الشهوة والاستمتاع، حتى يكون الرجل لا هَمَّ له إلا الجمال، بل الزواج أسمى من ذلك فعليك بدراسة الأوصاف الحقيقة لشريكة العمر، تلك الأوصاف التي تجعل من حياتك سعادة وهناء، لا سعادة مؤقتة تزول بزوال الشهوة، ويبقى الكدر بعد ذلك، والله أعلم.
ولا يجوز لك أن تري صديقك من تريد خطبتها، ولا يجوز له النظر إليها.
وينبغي أن يكون عند الرجل غيرة على أهله وعرضه، وقد تعجب الصحابة رضي الله عنهم من شدة غيرة سعد بن عبادة رضي الله عنه، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟! لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي) رواه البخاري (6846) مسلم (1499) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1894)
تابا من علاقة غير شرعية وتريد مراسلته للزواج منه
[السُّؤَالُ]
ـ[بدأت مؤخراً - والحمد لله - في ارتداء الحجاب، ومنذ ذلك الوقت أدركت كم كنت ميتة قبل الحجاب، الحجاب هذا مسؤولية تحملتها، وأبذل ما أستطيع لكي أصبح مسلمة أفضل.
قبل الحجاب تعرفت على أحد الفتيان وقد أحببنا بعضنا، أعلم أن العلاقات حرام، لكني عندها لم أكن واعية بالصواب والخطأ، غير أني أحمد الله أننا لم نرتكب الزنا، وأنا الآن في السنة الثالثة من الجامعة، وهو في السنة الرابعة.
وهو الآن متدين أيضاً، وعلى الرغم من أنني لم أعد أتحدث إلى الشباب مطلقاً: فإنني لن أستطيع نسيان مشاعري تجاهه، وأتمنى أن يتقدم لي أو على الأقل أن يقول لي شيئاً يجعلني أنتظر خطبته لي، لكن ذلك ليس ممكناً إلا إذا أرسلت له بريداً الكترونيّاً أو حاولت الاتصال به.
وعليه فسؤالي هو:
هل إذا أنا كتبتُ له وأرسلتُ له بريداً الكترونيّاً أساله فيه إن كان يجب عليَّ انتظاره ليتقدم إليَّ أو لا، هل يعتبر ذلك الفعل حراماً؟ فأنا أريد الزواج به على سنَّة الله ورسوله.
وأظن أنه قد يعتقد أني لم أعد أحبه، لذلك أرجو إخباري إن كان عليَّ أن أرسل له رسالة بالبريد الالكتروني أم لا، إنه شخص محترم جدّاً ولا يحب أيضا الحديث مع الفتيات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من المعلوم في دين الله تعالى تحريم اتباع خطوات الشيطان، وتحريم كل ما قد يؤدي إلى الوقوع في الحرام، حتى لو كان أصله مباحاً، وهو ما يسمِّيه العلماء " قاعدة سد الذرائع ".
وقاعدة الشرع المطهر، أن الله سبحانه إذا حرَّم شيئاً حرَّم الأسباب والطرق والوسائل المفضية إليه تحقيقاً لتحريمه، ومنعاً من الوصول إليه.
وإننا لنسعد عندما نسمع أو نرى من يرجع إلى الله تعالى وإلى دينه بعد رحلة ضياعه، وفي الوقت نفسه نخشى أن يزين له الشيطان ما كان يعمل في ضياعه فيصده عن الهداية ويولجه طريق الغواية.
ولا نخفي على الأخت السائلة خشيتنا من هذا الأمر عليها وعلى صديقها القديم التائب، وبالتالي: لا يمكننا أن نوافقها على فكرتها بإعادة المراسلة لمن كانت على علاقة به قبل هدايتها، ولو كان ذلك بحجة الزواج وفق شرع الله سبحانه وتعالى.
وفي مراسلة المرأة الأجنبية لمن لا يحل لها مراسلته مفاسد لا تحصى على العقلاء، لهذا حرم الله إقامة العلاقات وإتخاذ الخليلات، وقد تقدم بعض فتاوى أهل العلم في هذه المسألة في الأسئلة رقم (23349) و (20949) و (10221) .
ثانياً:
وأما الجواب على سؤالك وخلاصته هل يجوز للمرأة أن تخطب الرجل أو تخبره برغبتها في نكاحها؟
فالخطبة في الشرع أن يطلب الرجل المرأة ... انظري السؤال رقم (20069) .
فإن رغبة المرأة في الزواج من رجل ما، فلا بأس أن ترسل من تثق بدينه وأمانته ليعرضها عليه، كما فعلت خديجة رضي الله عنها لما سمعت بالنبي صلى الله عليه وسلم ورأت خلقه وأمانته رغبة في الزواج منه، فأرسلت أحد أقاربها فعرضها عليه فوافق وتزوجها.
وبناءً عليه نقول للأخت السائلة إن كنت راغبة في الزواج من هذا الشاب وكان صاحب خلقٍ ودين فلا بأس أن تعرضي الزواج عليه بواسطة شخص ثقة من أقاربك.
وتجنبي مراسلته ومراسلة غيره من الرجال الأجانب لما في ذلك من الفتنة.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1895)
هل يجوز لزوج أختها المبيت عندهم في المنزل
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي وزوجها يبيتون عندنا وأنا لا زلت آنسة، وأكبر منها، والشقة: 2غرفة للنوم، وصالون.
هل المبيت عندنا حرام شرعا؟ حيث إنني لم أتزوج بعد، ووجوده يدفعه لاستخدام كل مكان بالمنزل، وهل قضاء بعض الاحتياجات خارج المنزل معه حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
زوج أختك يعتبر أجنبيا عنك، فلا يجوز الخلوة بينكما، ولا المجالسة من غير محرم، ولا الخروج معه خارج المنزل، ولا كشف الوجه له، فحاله كحال أي رجل أجنبي.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/420) :
" زوج الأخت ليس من محارم المرأة، ويعتبر أجنبيا عنها، لا يحل لها أن تكشف وجهها له، ولا تصافحه، ولا تخلو به، ولا أن تسافر معه، شأنه شأن الرجال الأجانب، لكن إذا جلست معه مع وجود محرم من محارمها ومع احتجابها وتسترها وتحفظها فلا بأس " انتهى.
كما جاء في فتاوى اللجنة (17/160) السؤال التالي:
أنا وابنة أخي متزوجتان أخوين، وأنا ابنة عمه، ونعيش في بيت واحد منذ قديم الزمان، وأجلس مع شقيق زوجي متحجبة حجابا غير كامل، حيث إن وجهي مكشوف، ولكني غير متبرجة، فما حكم هذا العمل؟
فأجابت:
" يجب على المرأة أن تغطي وجهها عن زوج ابنة عمها، وزوج أختها، وزوج ابنة أخيها؛ لأنهم أجانب منها، فلا يجوز لها كشف وجهها عندهم كغيرهم من الرجال غير المحارم؛ لأن الوجه من أعظم العورة التي يجب سترها عن الرجال؛ لأنه محل الفتنة والنظر " انتهى.
ومجرد مبيته عندكم ليس محرماً في حد ذاته، إذا حصل التحفظ التام، وأُمِن الوقوع فيما حرم الله.
ولكن. . لما كان حال البيت الذي تسكنون فيه ما ذكرت من الضيق، فعلى أختك وزوجها البحث عن مسكن آخر لهم والانتقال إليه – إن كانوا ساكنين معكم على الدوام -، أو تخفيف مدة الزيارة لكم – إن كان سكنهم معكم مدة الزيارة فقط -، وأثناء ذلك كله لا تفرطي في احتجابك عنه، ولو شق ذلك عليك، فهذا أمر الله سبحانه وتعالى، وهو أعلم بما يصلح أحوال عباده.
وانظري سؤال رقم (6408) (13261) (13728) (40618)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1896)
تعلقت برجل متزوج ولا تستطيع الابتعاد عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[تَعَرَّفْت على صديق لها، ولكنه تركها وتزوج، ولها صديق آخر متزوج كانت تشكي له همومها، فتعلقت به ولا تستطيع الابتعاد عنه، وقد وعدها بأن يطلق زوجته ويتزوجها، ولكن أمه ترفض طلاق زوجته والزواج منها، وهي الآن تخرج معه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب عليكِ التوبة والاستغفار والندم على ما حصل منكِ من الاتصال برجال أجانب عنك، والحديث والخروج معهم.
كما يجب عليك فوراً قطع العلاقة بهذا الثاني، ودون تردد، فالعلاقة بينكما محرَّمة.
وكيف ترضين أن تكوني سبباً في طلاق زوجته، ولو كنت مكانها لما رضيت أن يطلقك زوجك من أجل امرأة أخرى دخلت بينكما لتفسد حياتكما.
ثانياً:
ولا نعرف كيف يقبل رجل عاقل الزواج من امرأة وهو يعلم أن لها علاقات محرمة مع رجل قبله، وهي لم تتب من تلك العلاقات؟!
فأين العفة والغيرة! أما يخشى أن يعود ذلك الرجل إلى حياتها مرة أخرى!
والأمر بصراحة بالغة: إما أن تكون المرأة تائبة أو غير تائبة، فإن تابت من تلك الاتصالات والعلاقات فلن يكون هناك لقاء وعلاقة بينه وبينها إلا الزواج، وفي هذه الحال لا بأس من أن يتزوجها، ولكن يطيع أمه، ولا يطلق زوجته الأولى.
وإن لم تتب من أفعالها فلا يبعد أن تقيم علاقات مع ثالث ورابع.
والأمر كذلك بالنسبة لكِ إذ كيف ترضينَ بالزواج من رجل رضي بإقامة علاقات محرمة من محادثات ولقاءات محرمة، وهو إن تاب فلن يكون هناك لقاءات بينكما، وإن لم يتب فمثل هذا لا يوثق به، وقد يكون هدفه التسلية معكِ، وإذا صدق في الزواج فلن يمنعه شيء من إقامة علاقات محرمة مع غيركِ.
لذا: الواجب عليكِ قطع العلاقة معه دون تردد، واستغفار الله تعالى من تضييع عمرك في المحرمات، واللجوء إليه سبحانه وتعالى ليطهِّر قلبك، ويزيل كل أثرٍ لتلك العلاقات المحرمة والتي أفسدت القلب والعقل، فضلاً عن نقصان الدين.
ويرجى إن صدقتِ في التوبة أن يرزقك الله تعالى خيراً منه، وأن ييسر لكِ الزواج من رجلٍ صالح عفيف، يعاشرك بالمعروف، ويساعدك على تحقيق رضى ربك تبارك وتعالى، وتُكَوِّني أنتِ وهو أسرة مؤمنة وذرية صالحة طيبة.
ولا تلتفتي إلى عاطفتك وقلبك، فالعاطفة هنا غلبت العقل والدين فهي مضرة لك في دينك ودنياك، وقلبك الآن مريض فلا ينبغي لك أن تجعليه قائداً يقودك نحو الهاوية.
واستعيني بالله تعالى، فما خاب من استعان به، ولا خسر من ذلَّ نفسه لربه تعالى، وأكثري من عمل الصالحات، وابحثي عن رفقة مؤمنة مستقيمة من النساء تستعيني بهن على ما يصيبك من هموم وغموم، ويعاونك على طاعة ربك عز وجل.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1897)
وقع في شراك مواقع الحوار مع الفتيات وتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وقعت في شراك النت دخلت موقعاً واشتركت بمبلغ مالي واتضح أن الموقع مبدؤه طيب وغالب مرتاديه يلعبون … لقد ابتليت بمراسلة أكثر من 100 فتاة، والحديث معهم عبر الجوال وتبادل الأحاديث الغرامية ومقابلة البعض، وإني تبت إلى الله وأرجو منك نصح صاحب الموقع؛ لأنه أصبح أداة شر وهدف للمعاكسات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة، ونسأل الله تعالى أن يثبتكَ على الحق والصواب، وأن يهدي شباب وشابات المسلمين لحفظ دينهم وأعراضهم.
واعلم أنه لا يحل للرجل إنشاء مثل هذه المواقع ولا الدخول إليها، وصاحبها ممن يشمله الوعيد في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) سورة النور/19، بل هو أولى بهذا الوعيد، لأن الوعيد في الآية لمن أحب شيوع الفاحشة، فكيف بمن سعى في ذلك وعلمه على شيوعها؟!
وهذا الطريق تُعلم نهايته مما نراه ونسمعه ونقرؤه عن أحوال المعاكسين والمعاكسات، فكم من رجل فقد دينه والتزامه، وكم من امرأة فقدت عرضها وشرفها، وبعضهن لم تجد إلا الانتحار سبيلاً للخروج من النفق المظلم الذي أدخلها فيه المراسلات والمكالمات مع الأجانب.
وقد سبق حكم المراسلات والمكالمات مع الأجانب، فانظر أجوبة الأسئلة: (22101) و (26890) و (23349) و (10221) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1898)
تعلق قلبه بفتاة ويريد الزواج منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أصلي وأحفظ القرآن ولله الحمد، لكن تعرفت على فتاة عن طريق الهاتف، وبدأت علاقتنا بالهاتف، ثم تقابلنا ولم يحصل بيننا أي منكر ولله الحمد، ثم نصحتها بالمحافظة على الصلاة وحفظ القران وترك الأغاني، وأن تكون علاقتنا مبدؤها حب الله عز وجل أولا ثم رسوله محمد عليه السلام ثم المحبة بيننا، وجدت منها استجابة، وواظبت على الصلوات، وقراءة القرآن، وترك الأغاني، ثم قطعنا علاقتنا بالهاتف، وقالت: هي تنتظرني إن شاء الله، وأنا الآن متردد: هل أُقدِم على الزواج منها، رغم ما نسمع عن الأثر السيء لمثل هذه العلاقات، على استقرار الحياة الزوجية فيما بعد؟ ، أو أقطع علاقتي بها تماماً، مع تعلق قلبي بها، ومع أننا اتفقنا على أن نسير في حياتنا على ما يرضي الله تعالى، وقد عزمنا على أن نبدأها بزيارة بيت الله الحرام إذا تم زواجنا إن شاء الله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يزال الناس يُحْدِثون، ويُحْدث لهم الشيطان، ولا يزال الشيطان يزين للناس أعمالهم، ويأتي كل واحد من مداخله التي يسهل عليه أمرها، فالكسلان يأتيه من باب التفريط، وصاحب الهمة يأتيه من باب التنطع والتشديد، ولا يزال الناس منه في بلية، وتلك سنة الله في خلقه.
وهكذا العلاقات بين الناس، لاسيما ما يكون منها بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه، فإن اللعين يزين لطالب الجمال من أوقعه في حبالها، حتى تكون في عينه أجمل النساء، ولربما كانت من أدناهن حظاً في الجمال، وهكذا المصلي، حافظ القرآن، إن عز على الشيطان أن يوقعه في حبائل النساء بالعلاقات المحرمة، لصيانته لدينه، وأنفته من أن يشابه الفساق، فإنه يأتيه من باب الحب في الله، والعلاقات الإسلامية الأخوية، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهكذا يكون الشيطان في سعيه:
لكل ساقطةٍ في الحي لاقطةٌ وكل كاسدةٍ يوما لها سوقُ
لسنا ندري أيها الأخ الكريم المصلي، يا صاحب القرآن، هل أنت في حاجة إلى أن نقول لك: إنك قد تركت الأبواب المفتوحة بشرع الله لقضاء حاجاتك، وأتيت البيوت من ظهورها: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا) البقرة/189؟!
كان ينبغي ألا تحتاج!!
هل أنت في حاجة إلى أن نقول لك: إن مجرد اللقاء بين رجل وامرأة أجنبية منكر لا يرضاه الله ورسوله، لما فيه من الخلوة المحرمة، والدخول على النساء، والنظرة المحرمة , ... ، ولو لم يكن فيه المنكر الشنيع الذي تقصده، فكما أن الأعمال الصالحات درجات في العلو والصعود , فكذلك خطى الشيطان دركات في الدناءة والسفول؟!
كان ينبغي ـ وأنت المصلي، صاحب القرآن ـ ألا تحتاج!!
لو كنت سألتنا قبل أن تقدم على كل تلك الخطى، كما كان الواجب عليك، لقلنا لك: مالك وللشاردة من بنات الناس؟! لا يأوي الضالة إلا ضال!! دعها، وإن لم تطرد عنها الذئاب، فلا تكن أنت ذئبها، حتى يتلقاها ربها ببره، ويمن عليها بتوبته، ويوفق لها من محارمها، أو نسائها من يهديها الطريق!!
أما وقد كان ما كان، فالحمد لله على ستره عليكما، ولطفه بكما؛ فلم يقع بينكما ما يقع عادة في مثل تلك العلاقات، والحمد لله أن وفقكما إلى قطع تلك العلاقة بينكما، لكن أكملا ذلك العمل بالتوبة إلى الله عز وجل عما بدر منكما، وقطع حبائل الشيطان التي نصبها لاصطيادكما، وإشعال جمار الهوى والمعصية في قلوبكما، ونسأل الله أن يمن علينا وعليكما بالقبول.
فإن فعلتما ذلك، وبدأتما في تصحيح ما بدر منكما، وتركتما ما سبق المنكرات، فاستخر الله تعالى في أمر الزواج الذي تريده، ولعل ذلك أن يكون تأكيدا لأخذكما في طريق الفلاح: (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
على أنك ينبغي عليك، كما ينبغي عليها هي أيضا، أن يتحرى كل واحد منكما معرفة سيرة صاحبه، قبل تلك الزلة، وأن يقف على سيرته، وسيرة أهل بيته، كما يفعل الخُطَّاب عادة، فإن كان ما حدث منها من التعارف واللقاء بينكما بهذه الطريقة المرفوضة شرعا وأدبا، إن كان ذلك زلة وقى الله تزايد شرها، واشتعال شررها، فاسعيا في إتمام أمر زواجكما في أقرب وقت يتيسر لكما ذلك الزواج فيه.
نعم، قد كانت البداية خاطئة، لكن ليس من الحكمة، ولا من الشرع في شيء، أن ندع الغريق ونحن نقدر على أن ننقذه، لأنه هو الذي غرر بنفسه، وركب لجة البحر!!
ومقام التحذير من الشر، ونهي العباد عنه شيء، ومقام علاج من أخطأ وحاد عن الطريق شيء آخر، وأهل السنة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يعرفون الحق، ويرحمون الخلق.
فالذي نشير عليك به أن تقدم على الزواج بمن تعلقت بها، وتعلقت بك، بعد استخارة الله، كما مر، والاجتهاد في التضرع إليه أن يوفقكما لما يحبه الله ويرضاه، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ) [رواه ابن ماجة 1847 وقال البوصيري: رجاله ثقات، وإسناده صحيح] .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
، فإن قدر الله بينكما هذا الزواج بعد ذلك، فهو الخير إن شاء الله، وإن لم يقدر ذلك، فهو الخير أيضا إن شاء الله.
وننصح بمراجعة السؤال 36618
نسأل الله أن ييسر لنا ولكما أمرنا، وأن يجعل عاقبتنا جميعا إلى هدى وفلاح.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1899)
والدها متعلق بها تعلقاً محرَّماً فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 19 سنة ووالدي منجذب لي جنسيّاً، حاول إغوائي مرة وواجهته ولكنه لا زال يفعل، أخبرت والدتي ولكنها تصرفت وكأنها لا تدري عن الموضوع مع أنه لدي شعور بأنها تدري، أظن بأنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً لأننا نعيش في بلد غربي، وهو بلد جديد بالنسبة لنا ونعتمد ماليّاً على والدي ونريده بجانبنا.
أرجو أن تخبرني بطريقة التصرف مع والدي، وكيف أعامله، وهل أمتنع عن الكلام معه تماماً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا – والله – من المبكيات، فهل وصلت الحال بأن تنتكس الفطرة وتتلوث بالسوء من الوالد تجاه ابنته؟!
وهذا الوالد لا شك أنه مريض بانحراف نفسي وجنسي، وهو يحتاج للعلاج المكثف والسريع لقلبه وعقله ونفسه وجوارحه.
أما أنتِ فعليكِ أن تتخذي من التدابير ما يصعب على والدكِ فرصة أن يجد وقتا أو إمكانية للإغواء والتحرش، فلا تكوني وحدكِ معه في البيت، وأغلقي الباب عندما تكونين في غرفتك، ولا تسمحي له بالدخول عليكِ وحده، وهذا كله سيقلل من فرص التحرش، أما وقف هذه الممارسة بالكلية: فلن يكون إلا بعلاج الأب أو فضحه، وانتبهي أن عليكِ أن تستعدي لما يترتب على فضحه وكشف أمره من آثار عليكِ وعلى الأسرة كاملة، لكن هذا خير من بقاء الأمر على ما هو عليه الآن.
ولا بدَّ لأمك أن تتقي الله تعالى، وعدم مبالاتها لما يفعله زوجها أمر تحاسب عليه، وهي تعتبر شريكة له في جرمه؛ لأن بإمكانها أن تصده وتردعه عن فعله القبيح.
ويمكنكِ الاستعانة بأحد أقربائكِ الحكماء ليتدخل في الموضوع للحد من انحرافات هذا الأب المريض.
وهذه الأفعال القبيحة من الآباء لا شك أن لها أسباباً، وأنه لا يمكن لأحدٍ أن يعالج مشكلة دون أن يقف على الأسباب ويعالجها، وهذه الأسباب بعضها يرجع للأب وبعضها الآخر من البنت نفسها، وأسباب أخرى تعود للبيئة المكانية والزمانية.
ومن الأسباب التي تؤدي بالأب لهذا الانحراف الخطير:
1. ضعف الإيمان، وقلة الخوف من الله، وانعدام مراقبة الله.
2. الإدمان على الخمور والمخدرات.
3. مرض عقلي أو نفسي.
4. مشاهدة المثيرات الجنسية في القنوات الفضائية، ورؤية الصور الإباحية.
5. الفراغ والبطالة.
وأما الذي يكون من أسباب من البنت:
1. التساهل في اللباس، فكثير من البنات يلبسن الضيق والقصير أمام آبائهن وأشقائهن، وفي ذلك مخالفة للشرع بيِّنة، وفيها استثارة لقبائح الشهوات الكامنة في النفوس المريضة والتي تستثيرها من قبلُ القنوات الفضائية والصور الإباحية.
2. التساهل في بعض الأفعال، مثل التقبيل من الفم، أو المماسة المثيرة، أو النوم على سرير واحد أو في لحاف واحد مع أبيها أو أخيها، وهو مخالف للشرع – أيضاً – ومثير لكوامن الشر.
وإذا أردنا العلاج لمثل هذه الأفعال المخالفة للفطرة والشرع، فينبغي القضاء على تلك الأسباب التي تؤدي لمثل هذه الانتكاسات، ويكون ذلك بـ:
1. العمل على نشر الفضيلة والأخلاق بين أفراد الأسرة، وتقوية جانب الإيمان بالله ومراقبته والخوف منه، وذلك بالحفاظ على الصلاة والطاعات، والابتعاد عن المنهيات ومساوئ الأخلاق.
2. الابتعاد بالكلية عن رؤية وسماع وقراءة المثيرات من البرامج والقصص.
3. الابتعاد عن صحبة السوء، والتي لا تدل أصحابها إلا على الشر والسوء.
4. ابتعاد البنت عن اللباس المخالف للشرع، كلبس الضيق والقصير والشفاف، والابتعاد عن المماسة المثيرة والتقبيل من الفم.
5. الحرص على المسكن الواسع والذي لا تكون فيه البنت مع والدها أو أشقائها في غرفة واحدة أو في لحاف واحد.
6. ينبغي للأم أن يكون له دورها في مثل هذه المشاكل وذلك بعدم الغفلة وعدم التساهل مع ما تراه أو تسمعه مما يخالف الشرع ولا تنتظر على الأمور حتى تسوء ولا يمكن إصلاحها، بل عليها أن تكون متيقظة من أول الأمر، فلا تسمح لابنتها في التساهل، ولا لزوجها في أن يفعل ما يشاء.
7. وينبغي إعلام الأقرباء الحكماء بمثل هذه الأفعال لوضع الأمور في نصابها، فإن لم ينفع هذا مع الأب فيجب عليكم تقديم شكوى للقضاء الشرعي والجهات الأمنية لكف شرِّه عنكم.
8. وعلى أختنا السائلة أن تتشدد في الأمر ولا تتراخى في علاجه، وننصحها بالدعاء ولتتحرَّ أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل أن يهدي والدكِ وأن يكف شرَّه عنكِ.
9. ويحرم عليكِ التساهل مع أفعال والدك ويجب عليك دفعه بكل ما أوتيتِ من قوة، وارفعي صوتك في طلب المساعدة، ولو أدى هذا إلى فضيحته أو سجنه.
10. فإن لم تنفع تلك الحلول فلا ننصحكِ بالبقاء في البيت، وننصحك بالسكن مع أخوات مستقيمات أو مع أقربائكِ ممن تتوفر عندهم الظروف الشرعيَّة لسكنك معهم.
ونسألك الله تعالى أن يفرج كربكِ، وأن يزيل همَّك، وأن يهدي والدكِ، ويكف شره عنكم.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1900)
أشهدا الملائكة على عقد الزواج!!
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على صديق لها في الجامعة وكلاهما متدينان، وكانت تساعده في بداية الأمر وتطورت العلاقة بينهما حتى قبلها يوما ما وندما على هذا الفعل، ولكنه عاد وقبلها مرة أخرى فقررا الزواج، بسبب ظروفهما المالية والاجتماعية لم يتمكنا من الزواج ولكنهما تعاهدا على الزواج وعدم الخيانة والله يعلم نيتهما وكان هذا بحضور الملائكة كشهود، أصبحا بعد هذا يمسكا أيدي بعضهما البعض ويقبلا بعضهما دون شعور بالذنب ثم أصبح بينهما جماع، قرأت في هذا الموقع عن سؤال مشابه أن هذا يعتبر من الزنا فأخبرته بالأمر.
هل زواجهما صالحاً وهل يعتبر ما فعلاه من الزنا وهل يغفر الله لهما إن تابا؟ نرجو النصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن ما حصل بين ذلك الرجل وتلك المرأة - على ما هو مذكور في السؤال - هو من باب الزنا ولا شك، فأين ولي المرأة في ذلك الزواج، واعجب من زواج كانت الملائكة شهودا عليه، وهم لم يروا أولئك الشهود!!!
إن الواجب عليهما أن يتوبا إلى الله عز وجل مما بدر منهما، وأن يعلما أنهما قد ارتكبا كبيرة من كبائر الذنوب، وإثما عظيما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " [رواه البخاري برقم 2343، ومسلم برقم 57] ، وللمزيد راجع السؤال رقم (11195، 21223)
وإذا تاب العبد فرح الله بتوبته وتاب عليه وغفر له ذنبه، كما قال تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68-70 وانظر السؤال رقم (27113، 624، 20949) .
وعليهما أن يقطعا علاقتهما مع بعضهما، وألا يفتحا على أنفسهما أبواب الفتن والشبهات، وإذا أرادا علاقة طيبة شرعية، فليأتوا البيوت من أبوابها كما شرع الله عز وجل، أو يتقوا الله ويصبروا عن محارمه، فإن العبد يصبر على ألم الفراق، لكن لا يصبر على حر النار، فليبتعدا عن بعضهما البعض، حتى لا يجرا أنفسهما إلى سخط الله وعقابه أو يعجلا بالزواج الشرعي الصحيح بعد توبتهما مما وقع منها من الزنى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1901)
أقام علاقة مع فتاة لمدة عامين فهل له أن يتقدّم لخطبتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب طالت بي الهموم فلم أجد من مأوى خاصة في غياب الذين يدعون الصداقة فلم أجد من مأوى فأويت إلى فتاة احتضنتني بوفائها الدائم الذي لن أنساه ما حييت والآن بعد مضي عامين من خروجي معها لم أفعل خلالها أي مكروه كالزنى عافانا الله منه ومن سيئات أعمالنا فقط أريد التقدم لخطبتها فهل تجوز هذه العلاقة أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه العلاقة المذكورة في السؤال هي علاقة محرّمة وإثم بين، إذ لا يجوز للرجل أن يقيم علاقة مع امرأة أجنبية، يتصادقان ويخرجان ويدخلان، لما في ذلك من الوقوع فيما حرم الله من النظر أو اللمس أو الخلوة أو الخضوع بالقول، ولا تخلو هذه العلاقات من شيء من ذلك.
ومن إغواء الشيطان أنه يُحسِّن للإنسان مثل هذه العلاقات بجعله يشعر أن همومه قد زالت أو خفّت بسبب هذه العلاقة، وهذا ظاهر من لهجة كلامك " أويت " " احتضنتني " " بوفائها الدائم " " لن أنساه "، وكذلك من نفيك أيّ مكروه معها، مع أن ما تم هو نوع من أنواع العلاقات المحرّمة، ولو فُرِض أنها لم تصل إلى الفاحشة الكبرى.
والواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تعتقد في قرارة نفسك فساد ما كنت عليه وسوءه لمخالفته لشرع الله وأمره، وتقلع عن هذا المنكر، وتندم على ما اقترفت، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن جاءه يستأذنه في الزنا: " أتحبه لأمك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال أفتحبه لابنتك قال لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لبناتهم قال أفتحبه لأختك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال أفتحبه لعمتك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لعماتهم قال أفتحبه لخالتك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم " رواه أحمد (22265) وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند.
وأما التقدم لخطبتها، فلا مانع من ذلك، وبعد أن تتأكد من استقامتها ومواظبتها على أداء الفرائض، وبعدها عن المحرمات، وتوبتها من هذه العلاقة الآثمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
Islam
السؤال
&A(7/1902)
ترتكب المحرمات مع خطيبها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة واصلي وأخاف ربي كثيراً ولكن عندي مشكلة أني أعرف شخص وتقدم لخطبتي وأبي وافق ولكن كل مرة يؤجل الموضوع لأسباب عائلية ونحن لا نستطيع الصبر فكل ما يمر الوقت أجد نفسي متعلقة به كثيراً وهو كان يطلب مني مقابلته كثيرا، واجتمعنا أكثر من مرة ونتحدث، ونقبل بعضنا كأننا متزوجان وحتى الملامسة واعرف انه حرام وخطاْ وبعد المقابلة أتشاجر معه واكره نفسي واستغفر ربي واصلي صلاة الاستخارة في هذا الشخص إذا كان صالحاً لي أم لا وكل مرة أقول له خلاص لا نجتمع إلا بالحلال ونعاود نفس الخطأ أريد حلاً ساعدوني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ذكرت من سؤالك أنك محافظة على الصلوات الخمس كما أنك تخافين الله عز وجل كثيراً، فنرجو أن تكوني على خير، ونسأل الله عز وجل أن يثبتك على الإيمان والعمل الصالح وأن يبعد عنك الشر والفساد.
ثانياً:
إن الشرع المطهر قد سد جميع الطرق المفضية إلى الوقوع في الفواحش، قال تعالى: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) فعبر بالقرب منها المفضي إلى الوقوع فيها، كما حذرنا الشرع من اختلاط الرجال بالنساء، فقال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء، فقالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) متفق عليه.
والحمو هم أقارب الزوج من الأخ وابن عمه وابن خاله وغيرهم.
كما حذرنا من الخلوة بالأجنبية فقال صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان) أخرجه أحمد، والترمذي، والحاكم، وقال الألباني: صحيح (صحيح الجامع برقم 2546) .
كل هذا من أجل حماية الأعراض من الوقوع في الفاحشة وسد كل الطرق المفضية إلى جريمة الزنا.
ثالثاً:
إن الخاطب أجنبي عن مخطوبته حتى يتم العقد، فخروجك مع هذا الرجل الأجنبي ومقابلتك له واجتماعك به وما يتبع ذلك من الأمور التي ذكرتها كل ذلك من المحرمات، فاتقي الله وامتنعي عن مقابلته حتى يتم العقد الشرعي وصارحيه بذلك.
انظري السؤال رقم (2572) و (23432) .
رابعاً:
هذا الشخص لو رأى منك الحزم والشدة والاستقامة والصلاح فإنه سيزداد تمسكه بك لأنه رأى منك شخصية قوية لا تستسلمي لعواطفك، ومن هذا الذي لا يحب أن تكون زوجته قوية الشخصية حريصة على عرضها، وبالتالي فإن هذا سينعكس في حياته ويغير مسيرة حياته إلى استقامة وصلاح كان سببه أنت.
خامساً:
ثقي بالله عز وجل وأكثري من الدعاء، لاسيما في أوقات الإجابة، وتحلي بالصبر وتذكري ما أعد الله عز وجل للصابرين، قال تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) .
سادساً:
نذكرك بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ... ) الآية. والشيطان يتدرج في دعوته إلى الباطل فقبل أن يوقع المسلم في الزنا يجره إليه عبر الخلوة بالمرأة، ومحادثتها ومن ثم تقبيلها ثم يكون اللقاء المحرم، والكبيرة المنكرة الزنا والعياذ بالله.
وكما قال القائل: نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء.
سابعاً:
ينبغي لك أن تبعدي الثقة العمياء بكل أحد، فكم من امرأة وكم من فتاة قالت خطيبي شريف وهو غير ما يتوقعه الناس، فوقعت فريسة نتيجة سذاجتها، فلا ينبغي في مثل هذا حسن الظن، بل احرصي غاية الحرص واحذري غاية الحذر..
ثامناً:
ينبغي لك أن تتريثي في هذا الزوج وتتحرين عنه كثيراً لأنه سيكون شريك الحياة، فهل يصلح أن يكون هذا شريكاً لحياتك رغم محاولته وبقائه على المحرم.
تاسعاً:
ابحثي عن العوائق والمشكلات التي قد تعرقل الزواج باللتي هي أحسن مع والدك، فإن لم يمكن مخاطبته مباشرة فبإمكانك أن تدخلي من يؤثر عليه سواء والدتك أو إخوانك أو أي شخص له عند والدك مكانة ووجاهة، فيحثه على المبادرة والإسراع في إجراء عقد النكاح، ويبين له خطورة بقاء المرأة من غير زوج، لاسيما مع تقدم السن، فقد لا تكرر الفرصة ويذكره ويخوفه بسوء العاقبة إن هو أهمل أو فرط.
وبعض الأولياء – هداهم الله – يجعلون المشكلات العائلية حتى اليسيرة منها عائقة لمثل هذه الأمور التي يكتوي بنارها آخرون دون مبالاة ولا شعور بالمسؤولية.
وأخيراً:
نسأل الله أن يوفقك لكل ما فيه خير، كما نسأله جل وعلا أن يصلح خطيبك هذا أو ييسر لك من ترضين دينه وخلقه.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1903)
هل تكشف وجهها أمام زوج أختها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوج أختي ينام عندنا في البيت أحيانا ويبقى أحيانا طوال النهار، ولا أستطيع أن أغطي وجهي أمامه، فهل أنا آثمة بهذا؟ وما هو الحل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
زوج الأخت أجنبي عنكِ، والواجب عليكِ تغطية وجهكِ عنه، وعدم الخلوة به، وكذلك هو يحرم عليه أن ينظر إليكِ ويخلو بكِ، وللأسف يتهاون الناس في بيوتهم مع أقارب الزوج وأقارب الزوجة، مع أن الشرع شدَّد في جهتهم أكثر من غيرهم لوجود الخلطة في البيوت معهم، وثقة أهل البيت بهم.
فعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.
رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) .
والحمو: هو قريب الزوج.
وأنت تلاحظ أن الصحابي أراد أن يستثني قريب الزوج من الحكم فجاء التشديد من جهته، لأن دخوله البيت لا يُستغرب.
قال النووي:
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " الحمو الموت " فمعناه: أن الخوف منه أكثر من غيره , والشر يتوقع منه , والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه , بخلاف الأجنبي، والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها , ولا يوصفون بالموت , وإنما المراد الأخ , وابن الأخ , والعم , وابنه , ونحوهم ممن ليس بمحرم، وعادة الناس المساهلة فيه , ويخلو بامرأة أخيه , فهذا هو الموت , وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه، فهذا الذي ذكرته هو صواب معنى الحديث ... وقال ابن الأعرابي: هي كلمة تقولها العرب , كما يقال: الأسد الموت , أي لقاؤه مثل الموت، وقال القاضي: معناه الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين , فجعله كهلاك الموت , فورد الكلام مورد التغليظ.
" شرح مسلم " (14 / 154) .
فننصح السائلة وغيرها بتقوى الله عز وجل والحرص على الحجاب أما الرجال الأجانب.
وللأهمية تُراجع الأسئلة (13728) و (6408) و (13261) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1904)
يبحث عن المواقع السيئة ليراسل مراكز حجبها فهل أحسن أم أساء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتصفح الشبكة مستهدفا المواقع غير الأخلاقية وأرسلها بعد ذلك إلى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا ليقوموا بحجبها. فهل يحسب هذا العمل لصالحي أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يُشكر للأخ السائل غيرته على المحارم، وبغضه للمعصية، وحبه لمحاربتها، وتخليص الناس من شرورها، لكننا لا ننصحه بتتبع مواقع الفساد من أجل التبليغ عنها لحجبها؛ وذلك لأسباب كثيرة، منها:
1. إخبار النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره من فتنة النساء، ولا شك أن فتنة النساء العاريات وفي أوضاع مخلة أعظم.
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) . رواه البخاري (4808) ومسلم (2740) .
2. أن المسلم مأمور بالابتعاد عن أماكن الفتنة، والفرار من مواضعها، والبعد عن أهلها، ولا شك أن تتبع هذه المواقع مخالف لكل هذا.
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ (أي فليبعد) فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ، أَوْ لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ) . رواه أبو داود (4319) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (6301) .
قال ابن الجوزي رحمه الله:
واحذر - رحمك الله - أن تتعرض لسبب لبلاء، فبعيد أن يسلم مقارب الفتنة منها، وكما أن الحذر مقرون بالنجاة: فالتعرض للفتنة مقرون بالعطب (الهلاك) ، وندر من يسلم من الفتنة مع مقاربتها، على أنه لا يسلم من تفكر وتصور وهمٍّ.
" ذم الهوى " (ص 126) .
3. أن المسلم مأمور بغض البصر عن المحرمات، والتصفح للمواقع الإباحية وما فيها يخالف هذا الأمر.
قال الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30.
قال ابن كثير رحمه الله:
هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع بصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا، كما رواه مسلم في صحيحه عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري.
" تفسير ابن كثير " (3 / 282) .
4. وقد ثبت النص الصحيح في النهي عن النظر إلى عورة الرجل من قبَل الرجل، فما بالك بنظره إلى عورة المرأة؟
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ) . رواه مسلم (338) .
5. أن المسلم ليس له إلا النظرة الأولى، وتكرار النظر في المواقع الفاسدة يخالف هذا.
عن بريدة بن الحصيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: (يَا عَلِيُّ، لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ) رواه الترمذي (2777) وأبو داود (2149) .
والحديث: حسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (1903)
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي. رواه مسلم (2159) .
قال النووي:
ومعنى " نظر الفجأة ": أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك، ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم، لهذا الحديث، فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصرف بصره مع قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا) . . .
ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي وهو حالة الشهادة والمداواة وإرادة خطبتها أو شراء الجارية أو المعاملة بالبيع والشراء وغيرهما ونحو ذلك وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة دون ما زاد والله أعلم.
" شرح مسلم " (14 / 139) .
6. أن النبي صلى الله عليه وسلم سمَّى نظر الحرام بـ " زنا العين "، وهو بالإضافة لكونه حراماً من جهة التعدي في النظر فهو – أيضاً – كفرٌ بالنعمة التي وهبها الله للمسلم.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) . رواه البخاري (5899) ومسلم (2657) .
قال النووي:
معنى الحديث: أن ابن آدم قدر عليه نصيب من النا فمنهم من يكون زناه حقيقيّاً بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام، أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده، أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك أو بالفكر بالقلب، فكل هذه أنواع من الزنا المجازي.
" والفرج يصدِّق ذلك كله أو يكذبه " معناه: أنه قد يحقق الزنا بالفرج وقد لا يحققه بأن لا يولج الفرج في الفرج وإن قارب ذلك، والله اعلم.
" شرح مسلم " (16 / 206) .
7. أن المواقع الإباحية من المتوقع أن تكون (8) مليارات! فقد كانت حوالي نصف مليار عام 1998 م فكيف بها الآن؟ فلو أعطى كل موقع نظرة واحدة، فكيف سيكون حال قلبه؟ وكم سيستغرق من الأوقات لتتبعها؟ لذا لا يُشك أن مثل هذا الفعل سبب لهلاك القلب والبدن والوقت.
8. أن تتابع النظر إلى تلك المواقع الفاسدة والمثيرة قد يودي بصاحبها لتعلق القلب بهن فيستحكم العشق المحرم على قلبه فيفسده، فيكون قد عرَّض نفسه لفتنة وهلاك بعد أن كان سالماً معافى.
قال ابن الجوزي رحمه الله:
وقد يتعرض الإنسان لأسباب العشق فيعشق، فإنه قد يرى الشخص فلا توجب رؤيته محبته فيديم النظر والمخالطة فيقع ما لم يكن في حسابه، ومن الناس من توجب له الرؤية نوع محبة، فيعرض عن المحبوب فيزول ذلك، فإن داوم النظر نمت، كالجنة (البستان) إذا زرعت فإنها إن أهملت يبست، وإن سقيت نمت. " ذم الهوى " (ص 237) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
وكلما تواصلت النظرات وتتابعت كلما زاد تعلق القلب وهيجانه، مثل المياه تسقى بها الشجرة فإذا أكثر من المياه فإنها تفسد الشجرة، وكذلك النظر إذا كرر وأعيد فإنه يفسد القلب لا محالة، فإذا تعرض القلب لهذا البلاء فإنه يعرض عما أُمِرَ به ويخرج بصاحبه إلى المحن، ويوجب ارتكاب المحظورات والفتن، ويلقي القلب في التلف، والسبب في هذا: أن الناظر الْتَذَّتْ عينُه بأول نظرة فطلبت المعاودة كأكل الطعام اللذيذ إذا تناول منه لقمة، ولو أنه غض أولاً لاستراح قلبه وسلِم. " روضة المحبين " (ص 94، 95) .
وقال رحمه الله:
إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق، كما قال الله تعالى عن عشاق الصور: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) الحجر/72.
فالنظرة كأس من خمر، والعشق هو سكر ذلك الشراب، وسكر العشق أعظم من سكر الخمر؛ فإن سكران الخمر يفيق، وسكران العشق قلما يفيق إلا وهو في عسكر الأموات. " روضة المحبين " (ص 104) .
9. أن تتابع النظر إلى تلك المواقع الهابطة قد يؤدي بصاحبها إلى الوقوع في الحرام، بل إلى تقليد ما يراه، فالبداية النظر، والنهاية الوقوع في المحظور.
قال ابن القيم:
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.
كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر " الجواب الكافي " (ص 106) .
10. وفي تتابع النظر إلى تلك المواقع الفاسدة مضار أخرى من جوانب متعددة، ومنها: موت الإحساس؛ لأن " كثرة المساس تفقد الإحساس " – كما يقولون – فلن يعود هذا الأمر منكراً – بعد فترة – وستتعود على النظر، وهو علامة على موت القلب وفقدان الحس الشرعي تجاه المعصية، ومنها: تعريض النفس للتهمة، فقد يراك أحدٌ دخلت هذه المواقع، أو قد تُرى في جهازك من قبَل آخرين، وفي هذا تعريض للنفس للتهمة.
وأخيرا. . .
الذي ينبغي الابتعاد عن تتبع مواقع الفساد هذه، ولو من أجل التبليغ عنها، فإن هذا السبب قد يُزيَّن في نفسه من أجل الوصول إلى ما بعده من منكرات.
وقد وجدت طرق فنية تغني المسلم عن تتبع مثل هذه المواقع، كما أنه يوجد لجان مختصة في بعض الدوائر الحكومية أو الشركات تقوم بحجب هذه المواقع، ولا شك أن ما تراه لجنة في موقع عمل ليس كمن يرى هذه المواقع وحيداً في بيته، ففعله أدعى للوقوع فيما سبق ذكره من مفاسد.
وليس هذا الكلام عن خيال ولا وهم ولا توقع لمستحيل أو بعيد، فكثيراً ما نسمع حكاية شاب مستقيم افتتن بمثل هذه المواقع، فبدأ بالنظر، ثم قتل وقته فيها.
وأنت – أخي الفاضل – في غنى عن هذا كله، واسلم برأس مالك، ولا تضيعه عليك، ونسأل الله تعالى أن يكتب لك الأجر كاملاً، وأن يثبتك على الحق والهدى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1905)
تاب من علاقة مع أجنبية ومازال يحبها ومتعلقاً بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عقدت علاقة مع فتاة، لم أرتكب معها محرماً، وعلمت أن ما أفعله لا يجوز شرعاً، فنقضت صلتي بها وأنهيتها، ووافقت على ذلك، لكنني لم أستطع نسيانها، فأنا أحبها حبّاً جمّاً ولا أستطيع الزواج منها، وألتقي بها في كثير من الأحيان، فهل من وسيلة للتخلص من شعوري هذا ونسيان هذه الفتاة؟ أنا حائر، وقد تؤدي بي حيرتي إلى أفعال خاطئة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في أكثر من جواب حرمة إقامة علاقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه خارج نطاق الزوجية. فانظر جواب السؤال (23349) و (9465) .
والمحاذير التي يقع فيها أهل هذه العلاقات متعددة ومنها: الخيانة، والخلوة، والملامسة، والنظر، وهي الطرق التي تؤدي إلى الوقوع في فاحشة الزنا. مع ما في ذلك من فساد القلب، وحيرته وغفلته عما خلق له.
وقد ذكرت أنك ما زلت تلتقي بهذه الفتاة، ونتائج هذه اللقاءات لا تخفى على العقلاء، فالواجب عليكَ الاستمرار على ما أنتَ عليه من توبة وإنابة من علاقتك بها السابقة، مع قطع العلاقة بهذه الفتاة.
والحل لمثل هذه المشكلة هو أن تتزوج بهذه الفتاة، فتُرغم بذاك الشيطان، وتحمي نفسك من الوقوع في معصية الله. وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1847) .
ومعنى الحديث: أن أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق النكاح فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره ما وجد إليه سبيلاً. انظر: "فيض القدير" للمناوي (/295) .
وقد ذكرت أنك لا تستطيع الزواج بها، فما بقي أمامك إلا الصبر، ومجاهدة النفس، وإشغال النفس عنها، وقد يكون زواجك بغيرها سبباً لنسيانك إياها، وتجنب ملاقاتها ما وجدت إلى ذلك سبيلاً.
ولتعلم أن الحياة الدنيا كلها قصيرة، وأقصر منها ما فيها من لذة محرمة ولحظات يعصي فيها الإنسانُ ربَّه سبحانه وتعالى، والنعيم الأخروي باقٍ دائم، فكيفَ لعاقلٍ مثلك أن يضحي بذلك النعيم الدائم بلذة طائشة عابرة يسوِّد بها صحيفته؟ .
ولتعلم أن الله تعالى قد يقدِّر عليكَ الموتَ وأنت على خلوة بها، فكيف ستلقى ربك تعالى وأنت على هذه الحال؟ وماذا خلَّفتَ وراءك من فضيحة وعار لأهلك وأهلها؟ .
ولتعلم أن الله عز وجل قد يعاقبك بابنتك أو أختك، فأنت رضيتَ أن تلوِّث عرض غيرك فليس لك إلا أن تنتظر عقوبة الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة، والمسلم الصالح يحفظ الله تعالى أهله وذريته بصلاحه، والفاسد لا يجلب لأهله وأبنائه وبناته إلا الفساد، وكيف لا وهو قدوتهم في أفعاله.
فلا وسيلة لترك هذه الفتاة إلا بحياة القلب وتعميره بمحبة الله والخوف من عقابه، والمحافظة على نعَم الله تعالى من الزوال بسبب هذه المعصية، والتفكر في عواقب هذا الفعل سواء في الدنيا أو في الآخرة، فسارع إلى تركها، واحتسب فعلك هذا لله تعالى، لترى بعده – إن شاء الله – ما يُنعمه عليك ربك من نعَم الإيمان والتقوى ولذة العبادة.
وإليك أخي السائل هذه الموعظة:
قال ابْنُ السَّمَّاكِ:
هِمَّةُ العَاقِلِ فِي النَّجَاةِ وَالهَرَبِ، وَهِمَّةُ الأَحْمَقِ فِي اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ، عَجَباً لِعَيْنٍ تَلَذُّ بِالرُّقَادِ، وَمَلَكُ المَوْتِ مَعَهَا عَلَى الوِسَادِ، حَتَّى مَتَى يُبَلِّغُنَا الوُعَّاظُ أَعْلاَمَ الآخِرَة، حَتَّى كَأَنَّ النُّفُوْسَ عَلَيْهَا وَاقِفَةٌ، وَالعُيُونَ نَاظرَةٌ، أَفَلاَ مُنْتَبِهٌ مِنْ نَوْمَتِهِ، أَوْ مُسْتِيْقظٌ مِنْ غَفْلَتِهِ، وَمُفِيْقٌ مِنْ سَكْرَتِهِ، وَخَائِفٌ مِنْ صَرْعَتِهِ، كَدْحاً لِلدُّنْيَا كَدْحاً، أَمَا تَجْعَلُ لِلآخِرَةِ مِنْكَ حظّاً، أُقسِمُ بِاللهِ، لَوْ رَأَيْتَ القِيَامَةَ تَخفِقُ بِأَهْوَالِهَا، وَالنَّارَ مُشرِفَةً عَلَى آلِهَا (أي: أهلها) ، وَقَدْ وُضِعَ الكِتَابُ، وَجِيْءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهدَاءِ، لَسَرَّكَ أَنْ يَكُوْنَ لَكَ فِي ذَلِكَ الجَمعِ مَنْزِلَةٌ، أَبَعْدَ الدُّنْيَا دَارُ مُعْتَمَلٍ، أَمْ إِلَى غَيْرِ الآخِرَةِ مُنْتَقَلٌ؟
هَيْهَاتَ، وَلَكِنْ صُمَّتِ الآذَانُ عَنِ المَوَاعِظِ، وَذَهلَتِ القُلُوْبُ عَنِ المنَافِعِ، فَلاَ الوَاعِظُ يَنْتَفِعُ، وَلاَ السَّامِعُ يَنْتَفِعُ. "سير أعلام النبلاء" (8/330) .
والله الهادي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1906)
حكم مباشرة الأجنبية فيما دون الفرج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مداعبة امرأة أجنبية دون الفرج؟ وهل يعتبر زنى؟ وكذلك الوطء من الدبر هل هو لواط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: من تمام حكمة الله تعالى أنه إذا حرَّم شيئا حرَّم الأسباب المفضية إليه لما يؤدي إليه الوقوع في أسباب ومقدمات المحرَّم من تمكُّن تعلُّق القلب به بصورة تجعل الإنسان يعيش صراعا نفسيا قويا بين الوقوع في المنكر أو عذاب النفس بالوقوف في وسط الطريق فلا هو بالتارك للمحرم السليم القلب بالبعد عنه، ولا هو بالواقع فيه المحقق لرغبة النفس الأمَّارة بالسوء، والغالب في حال مثل هذا أن يقع فيما ظنَّ أنه لن يقع فيه من الكبائر المهلكة للإنسان المفسدة عليه أمر دينه ودنياه المنغِّصة عليه حياته الماحقة للبركة في ماله وولده جزاءً وفاقاً لبعده عن ربه وانتهاكه لحرماته واستهانته بمقام نظره إليه واطِّلاعه على حاله، والعاقل من الناس هو من لا يتساهل في أمور تؤدي به إلى كوارث حقيقية في دينه الذي هو رأس ماله قبل دنياه.
والمتأمِّل في ما في السؤال يعلم أن العادة تمنع أن يصل الإنسان إلى مثل هذا الأمر المستشنع شرعا، ثمَّ يستطيع بعد ذلك أن يكبح جماح نفسه ويتورَّع بها عن انتهاك هذه الحرمة المغلَّظة وعن الوقوع في تلك الفاحشة العظيمة التي لا يُقارن ما تسبِّبه من سخط وغضب ربَّاني وفساد في الدين والدنيا بما يتوهمه العاصي من تحصيل نزوة عارضة تعقبها حسرات لا تنتهي.
فعلى المسلم أن يدرك حقائق الأمور وما تؤدِّي إليه، وألا ينساق وراء تزيين الشيطان له وتهوين المنكرات أمام عينيه ليجرَّه ليكون من حزبه الخاسرين، وعليه أن يتقي الله ربَّه في السر والعلن وأن يعلم بأن الله سبحانه يراه ويعلم نواياه وأفعاله. كما قال تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} غافر / 19. وليعلم أن ما عند الله خير وأبقى وأن الآخرة وما فيها من نعيم خير له من الأولى وأن عاقبة الصبر عن المنكر جنة عرضها السماوات والأرض فيها ما تشتهييه الأنفس من المُتع التامَّة الخالية عن المنغِّصات.
ويراجع في معرفة الحكم السؤال رقم 27259.
ثانياً:
أما الوطء في الدبر فإذا كان مع رجل فهو " اللواط " الذي جاء ذمه في الكتاب والسنَّة.
والذي كان من أسباب هلاك أمة من الأمم هي قوم لوط نبي الله.
وأما الوطء للمرأة في دبرها: فإن كانت زوجة له: فإنه لا يحل له ذلك ويسمى هذا " اللوطية الصغرى " فكيف إذا كان وطئاً لامرأةٍ لا تحل له؟ .
أ. ما جاء في اللوط:
قال ابن حزم:
فِعل قوم لوط من الكبائر الفواحش المحرمة: كلحم الخنزير , والميتة , والدم , والخمر , والزنى , وسائر المعاصي , مَن أحلَّه أو أحلَّ شيئاً مما ذكرنا: فهو كافر , مشركٌ حلال الدم والمال.
" المحلى " (12 / 389) .
وقال ابن قدامة:
أجمع أهل العلم على تحريم اللواط , وقد ذمه الله تعالى في كتابه , وعاب من فعله , وذمَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله من عمل عمل قوم لوط , لعن الله من عمل عمل قوم لوط , لعن الله من عمل عمل قوم لوط ".
" المغني " (9 / 59) .
ونقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية وعن غير إجماع الصحابة على قتل من يعمل عمل قوم لوط، وأنهم إنما اختلفوا في كيفية قتله.
" زاد المعاد " (5 / 40) .، ويُراجع في تفاصيل حكمه أيضا السؤال رقم 10050
ب. ما جاء في وطء المرأة في دبرها:
وأما وطء المرأة في دبرها فهو من كبائر الذنوب، ولعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فعله.
روى أبو داود (2162) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا) . حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وهذا اللعن لمن أتى امرأته في دبرها فكيف إذا كانت امرأة أجنبية عنه.
وروى الترمذي (135) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وإذا اتفق الرجل مع امرأته على الوطء في الدبر ولم ينتهيا بعد التعزير فُرِّق بينهما.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن:
رجل ينكح زوجته في دبرها؟
فأجاب:
وطء المرأة في دبرها حرام بالكتاب والسنة , وهو قول جماهير السلف والخلف , بل هو " اللوطية الصغرى "، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله لا يستحي من الحق , لا تأتوا النساء في أدبارهن "، وقد قال تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ، والحرث هو موضع الولد , فإن الحرث محل الغرس والزرع، وكانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها جاء الولد أحول , فأنزل الله هذه الآية , وأباح للرجل أن يأتي امرأته من جميع جهاتها , لكن في الفرج خاصة , ومن وطئها في الدبر وطاوعته , عزرا جميعا , فإن لم ينتهيا وإلا فُرق بينهما , كما يفرق بين الرجل الفاجر ومن يفجر به , والله أعلم.
" الفتاوى الكبرى " (3 / 104، 105) .
أما الوطء للمرأة الأجنبية في دبرها فقد اختلف فيه العلماء هل هو زنى أم لواط؟
انظر: المبسوط (9/77) . الفواكه الدواني (2/209) . مغنى المحتاج (5/443) الإنصاف (10/177) . الفروع (6/72) .
والذي اختاره الشيخ السعدي رحمه الله أن وطء المرأة الأجنبية في دبرها يعتبر زنى، فإنه قال: والزنا هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر اهـ. منهج السالكين (ص 239) .
نسأل الله أن يسلَّمنا من الفواحش وأن يطهِّر قلوبنا من التفكير والهمِّ بها وأن يرزقنا الثبات على دينه وأمره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1907)
ترك الواجبات حياء من الله بسبب الوقوع في المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت حديثاً تم الاتفاق على تزويجي مع عم زوجي وذهبت للعيش في الشرق الأوسط ثم عدت لكندا وأنا حامل ووضعت ولدي، ثم ساءت الأمور بيننا ونريد الطلاق، لا أملك أوراق الزواج وهذا أخر معاملة طلاقي، أعيش مع رجل مسلم آخر يهتم بي وبطفلي ويريد أن يتزوجني، لم أتحدث إلى زوجي منذ عدة أشهر فقد كان يستعملني للحصول على الإقامة في كندا ولم يساعدني مطلقاً، وسؤالي هو: هل أصوم وأصلي في هذه الظروف؟
أشعر بالذنب من المعاصي التي أفعلها والحال الذي أنا فيه ولكنني أشعر بأن الله يعلم حالي وسيعينني أنا وخطيبي للعودة للطريق المستقيم، ولكن بسبب الشعور بالذنب فأنا لا أستطيع الصلاة لأنني أشعر بالخجل فماذا أفعل؟ أشعر بأنني منافقة إن صمت وصليت وهذا الأمر يزعجني، كنت أفكر بأن أقضي كل ما فاتني بعد أن أتطلق وأتزوج من الشخص الذي أسكن معه الآن، حينها أكون صادقة مع نفسي ومع الله، هو يصوم ولكنني لا أرى جدوى من الصيام ونحن نعيش بطريقة خاطئة الآن. أرجو المساعدة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يريك الحق حقا، ويرزقك اتباعه، وأن يريك الباطل باطلا ويرزقك اجتنابه، وأن يثبتك على الحق حتى الممات.
وبخصوص ما ورد في سؤالك، فما هو الأفضل من الناحية العقلية - فضلا عن الناحية الشرعية -، أن يرتكب الإنسان خطأين، أم خطأ واحدا؟؟؟
إن كل عاقل، يقول: الأفضل أن يرتكب الإنسان خطأ واحدا، ولا يرتكب خطأين، فمن كان يشرب الخمر مثلا، لا يقبل منه أن يقول طالما أني أشرب الخمر، إذا فلأزني، ولأقتل، ولأسرق، وأفعل وأفعل!!!
أيتها الأخت الفاضلة
لا شك أن ما أنت فيه محرم، فإن الخلوة بالأجنبي محرمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما) [رواه الإمام أحمد برقم 114، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 1908]
ثم أنت ذات زوج، وإن كان هذا الزوج قد ظلمك أو تعدى حدوده معك، فلا يبيح لك هذا أن تقيمي علاقة غير شرعية مع غيره أبدا، بل إن هذا من أعظم الخيانة، وقد قال تعالى {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} فنهى الله تعالى عن قرب الزنا، وهو كل ما يفضي إليه، ولا شك أن ما أنت فيه هو من قرب الزنا.
فننصحك أن تتوبي إلى الله عز وجل، وأن تراجعي حساباتك، وأن تؤدي الصلوات المفروضة، وتصومي رمضان، ولا يبيح لك عصيانه أن تتركي فرائض الله، فإن تركها ما هو إلا خطأ فوق خطأ، ومعصية على معصية كما سبق بيانه.
ثم اعلمي أن الصلاة والعبادة والطاعة سبب لتفريج الكربات، وإزالة الهموم والغموم، قال تعالى {واستعينوا بالصبر والصلاة} ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى، أي إذا أهمه أمر، ونزل به أمر، صلى [رواه أبو داود برقم 1319، وحسنه الألباني]
ولا ينفعك أن تتركي العبادة الآن ثم تقضيها فيما بعد، فإن الإنسان إذا تعمد إخراج العبادة عن وقتها، لم ينفعه قضاءها ولو قضاها ألف مرة، ولهذا قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103
أي موقتا بوقت، لا يمكن إخراجه عنه بلا عذر.
فاعزمي من الآن على قطع الصلة بينك وبين ذلك الرجل، وعلى إنهاء الخلاف بينك وبين زوجك بأي وسيلة كانت، أو تعجيل الحصول على الطلاق إن لم يكن هناك سبيل للإصلاح وعلى القيام بفرائض الله وحقوقه، وفقك الله لكل خير.
تراجع الأسئلة رقم (9465، 20784، 20949) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1908)
ظاهرة التقبيل على الفم بين النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مسألة مهمة أرجو الإجابة عنها، واعذرونا بهذا السؤال لكنا محتاجون لتبيينكم حتى نتجنب المحظور.
انتشر كثيرا بين الفتيات المدعيات للأخوة الإسلامية تقبيلهن لبعضهن بطريقة مبالغ فيها كالتقبيل من الفم أو من أماكن أخرى ويتحججن بأن هذا من كمال الود وحين بينا لهم حرمة هذا قالوا إنه لا يوجد أي دليل شرعي يحرمه وأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعض لسان زيد بن حارثة وهم مستعدون لإيقاف هذا الفعل إذا تبين لهم دليل شرعي يحرم هذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشترط لثبوت الحكم الشرعي أن يأتي النص عليه بعينه في آية قرآنية أو حديث نبوي، فإن المسائل والمستجدات لا نهاية لها، ولذلك جاء الشرع بقواعد عامة يدخل تحتها آلاف المسائل، ويُعرف حكمها، ومن هذه القواعد العظيمة قاعدة " سد الذرائع "، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في " إعلام الموقعين " تسعاً وتسعين دليلاً من الكتاب والسنة على ثبوتها وصحتها، ومعنى " سد الذرائع " أن كل ما كان وسيلة للوقوع من شيء محرم فإنه يمنع، ولو كان مباحاً من الأصل.
ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية قد أوصدت الأبواب التي تؤدي إلى الوقوع في الفاحشة – سواء كانت الزنا أو ما شذ منها كاللواط والسحاق – ومن هذه الأبواب:
تحريم نظر الرجال للنساء وعكسه، وتحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، ومصافحتها، وتحريم سفر المرأة وحدها، ومثل ذلك أيضاً: ما جاءت به الشريعة في إيصاد أبواب الفواحش الشاذة بين الذكران بعضهم مع بعض، وبين النساء بعضهن مع بعض، فحرَّمت نظر المرأة لعورة المرأة، والرجل لعورة الرجل، وحرمت النوم في فراش واحد وتحت لحاف واحد، وحرَّمت النظر والمس والتقبيل إذا كان بشهوة، حتى لو كان بين امرأة وأخرى، أو رجل وآخر.
فعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) . رواه مسلم (338) .
كما جاءت أقوال العلماء واضحة بينة في هذا الباب حتى بين المحارم، فمنعوا من تقبيل الأب لابنته على فمها، ومن باب أولى منع تقبيل الأخ لأخته على فمها، فضلاً عن سائر الأقارب.
سئل الإمام أحمد يقبل الرجل ذات محرم منه؟ قال: إذا قدم من سفر ولم يخَف على نفسه.
قال ابن مفلح: ولكن لا يفعله على الفم أبدا , الجبهة أو الرأس.
" الآداب الشرعية " (2 / 256) .
فانظر تقييدات الإمام أحمد في تقبيل المحارم:
الأول: أن تكون هناك مناسبة، كسفر.
الثاني: أمن الفتنة.
وقد وضع ابن مفلح رحمه الله قيداً مهماً وهو أن لا يكون التقبيل على الفم، بل على الجبهة أو الرأس؛ لأن الفم مكان تقبيل الشهوة، وليس تقبيل العطف والأبوة والأخوة، وهو واضح لمن تأمله.
وفي " الإقناع " (3 / 156) :
" ولا بأس للقادم من سفر بتقبيل ذوات المحارم إذا لم يخف على نفسه، لكن لا يفعله على الفم، بل الجبهة والرأس " انتهى.
وفي " الموسوعة الفقهية " (13 / 130) :
" لا يجوز للرّجل تقبيل فم الرّجل أو يده أو شيء منه، وكذا تقبيل المرأة للمرأة، والمعانقة ومماسّة الأبدان، ونحوها، وذلك كلّه إذا كان على وجه الشّهوة، وهذا بلا خلاف بين الفقهاء ... .
أمّا إذا كان ذلك على غير الفم، وعلى وجه البرّ والكرامة، أو لأجل الشّفقة عند اللّقاء والوداع، فلا بأس به كما يأتي " انتهى.
فإذا كانت هذه أقوال علمائنا وأئمتنا في تقبيل ذوات المحارم كالابنة: فكيف سيجيزون تقبيل الأجنبية للأجنبية من فمها يوميّاً من غير سفر ولا طول غياب؟!
وفي جواب السؤال رقم (60351) تفصيل مهم حول حكم " التقبيل اليومي بين طالبات المدارس "، وما قيل هناك في المنع أولى أن يقال في التقبيل على الفم.
وننبه إلى أننا لم نجد الحديث المذكور في السؤال أنه كان النبي صلى الله يعض لسان زيد بن حارثة، ولا ندري مصدره.
وفي الترمذي (2732) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ.
لكنه حديث ضعيف، ضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1909)
تعرَّف على فتاة في الانترنت ويرغب بالزواج منها وأبوها رافض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم عربي، تعرفت على فتاة مسلمة من أصل عربي تقيم في الخارج، وذلك عن طريق الإنترنت، وكانت ولا تزال علاقة في حدود شرع الله؛ لأنني والحمد لله أخاف الله كثيراً، ولقد أحببتها وأحبتني لكونها مسلمة ملتزمة، وتخاف الله أيضاً، فكان حبنا في الله إن شاء الله.
ولقد عرضتُ عليها الزواج، فقبلت ووافقت، فحمدت الله أن استجاب لدعائي بأن رزقني بزوجة صالحة تقية، خصوصا أنني عازم على الزواج والاستقرار منذ عدة سنوات وقد أخبرتْ هي أمها الأجنبية، ووافقت بشكل مبدئي، حيث كان أبوها مختفياً عنهم لمدة، وأخيراً رجع أبوها، وفرحت بالأمر، إلا انه جاء ليقول لابنته أن تستعد للزواج من رجل من بلد أبيها، دون أن يأخذ رأي ابنته في العريس، وهي خائفة منه، لأنه يتعامل معها بالضرب أحيانا، وهي تقول عنه أحياناً إنه مجنون هدانا الله وهداه.
وقالت لي بأنها لا تريد هذا العريس وأنها تريد الزواج مني، وأنا قلت لها نفس الشيء، فقالت لي: ما رأيك لو نتزوج في السر، ثم نضع أباها في الواقع علماً بأنها فوق 18 عاما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم أيها الأخ الكريم، سترنا الله وإياكما أن الله يراكما ويطلع عليكما: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر/19، واعلم أيضاً أنكما فعلتما ما لا يحل لكما شرعاً، وهو المراسلة والحديث بينكما، وقد رأيتَ كيف تطورت العلاقات بينكما إلى أن أزلكما الشيطان وزيَّن لكما علاقتكما أنها " حب في الله "
ثانياً:
نعلم أن الحب أمر قلبي، وأن الإنسان لا يلام على ما لا يملكه، لكنه يلام كل اللوم على الأسباب التي أدت به إلى الوقوع في هذه العلاقة: من نظرة محرمة، أو كلمة في السر خائنة، عبر الهاتف أو الإنترنت، أو غير ذلك من خطوات الشيطان التي يريد من العباد أن يتبعوها، ليقع بهم في الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21، ثم يلام أيضاً على الاسترسال في هذه الخطوات والتمادي في أمر أوله محرم ونهايته نكاح باطل.
أما وقد بلغتما هذا المبلغ، وانتهت العلاقة بينكما إلى ما ذكرت، فالأمر الآن عند الفتاة وأهلها، فإذا استطاعت المرأة إقناع والدها بعدم تزويجها ممن تكره، واستطاعت هي وأمها إقناعه بالزواج منك، وكانت – كما ذكرت - أهلاً للزواج، فلتسلك الطريق الشرعية بطلبها من والدها، أو من يوكله للتزوج منها، فإن رأيتما الطريق مغلقة عليكما فلا يحل لكما الاستمرار في هذه العلاقة، ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه، فقد يكون الخير لها الزواج من غيرك، وقد يكون الخير لك الزواج من غيرها، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة/216
ولو قدّر أن هذه الفتاة صادقة فيما اتهمت به أباها من الجنون، ولا نظنها كذلك (؟!) ونعني به الجنون الذي يسقط به حقه في الولاية الشرعية عليها ولا يجعله أهلاً لتولي شؤون موليته، أو كان حابساً لها عن الزواج بالأكفاء، وليس له عذر شرعي: انتقلت الولاية إلى الوليِّ الذي يليه، فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً، وتفاصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم (7193)
وأما التفكير في إتمام النكاح سراً، بغير إذن وليها، فتلك مصيبات بعضها فوق بعض، عصمنا الله وإياكم من أسباب غضبه وعذابه.
ألم تعلما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) رواه أبو داود (2083) وصححه الألباني في صحيح أبي داود، فكيف تفكران في هذا الباطل الذي لا يرضاه الله ورسوله، ثم تزعمان أن حبكما في الله؟
ألم تعلما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بإعلان النكاح، فقال: " (أعلنوا النكاح) رواه أحمد من حديث عبد الله بن الزبير وقال الألباني حسن.
وجعل هذا الإعلان علامة تميز النكاح الحلال من السِّفاح الحرام فقال: فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ) رواه الترمذي (1088) وحسنه الألباني في صحيح أبي الترمذي.
قال الإمام الباجي رحمه الله في شرح الموطا: " لا خلاف أن الاستسرار بالنكاح ممنوع، لمشابهة الزنا الذي يُتواطأ عليه سراً. .. , ولذلك شُرِع فيه ضرب من اللهو والوليمة، لما في ذلك من الإعلان فيه "
وقال أيضاً: " وكل نكاح استكتمه شهوده، فهو من نكاح السر، وإن كثر الشهود "
فانظر يا عبد الله على أي شيء تعزمان، أعلى النكاح الحلال، كما شرع الله ورسوله، أم هو الهوى والسفاح، وخطوات الشيطان؟؟
واحذرا قبل أن تزل بكما الأقدام، وتبنيا حياتكما على شفا جرف هار، أعاذنا الله وإياكما من نار جهنم.
وأما أن أبا الفتاة يريد أن يزوجها رغماً عنها، فمع أنه لا يحق للأب، ولا لغيره من الأولياء من باب أولى، أن يجبر ابنته على الزواج ممن تكرهه، كما بينا ذلك في السؤال رقم (26852) ، (7193) ، (22760) ، إلا أن هذا الأمر ليس لك منه شيء، ولست مسؤولاً عنه، فدعها وأولياءها فيه، ولعلها إن لم يقدر بينكما زواج؛ وانسحبت أنت من حياتها، كما هو الواجب عليك حينئذ لعلها أن ترى في هذا الخاطب أو غيره من يصلح لها، والله يغنينا وإياكما من فضله.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1910)
المحادثة بين الرجال والنساء عبر برامج المحادثة (الشات)
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة وأقوم بالدخول على "البالتوك" ثم إلى الغرف الإسلامية حتى أحصِّلَ شيئا من العلم الشرعي. وعندما أكون في تلك الغرف، يحدث أحيانا أن يطلب أحد المسلمين (وهو يبحث عن زوجة) أن نتحادث شخصيا (عن طريق التشات) ليتعرف كل منا على الآخر. وقد طرح علي بعض الأسئلة وهي من قبيل: أين أقيم، وعمري، وما إذا كنت متزوجة (بالمناسبة فأنا غير متزوجة) ، وما إذا كنت أعتزم الزواج، وما إذا كنت أقيم مع أهلي، وما إلى ذلك.
ومشكلتي هي أني لا أعرف إن كان يجوز لي شرعا أن أقدم مثل تلك المعلومات المتعلقة بي لمسلم من غير محارمي. هل التحدث كتابة مع شاب يعد معصية حقاً؟؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على المرأة المسلمة في الاستفادة من الإنترنت، ودخول موقع " البالتوك " لهذا الغرض، ما لم يؤد ذلك إلى محذور شرعي، كالمحادثة الخاصة مع الرجال، وذلك لما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث يدعو إلى الإعجاب والافتتان غالبا، ولهذا فإن الواجب هو الحزم والابتعاد عن ذلك، ابتغاء مرضاة الله، وحذرا من عقابه.
وكم جَرَّت هذه المحادثات على أهلها من شر وبلاء، حتى أوقعتهم في عشق وهيام، وقادت بعضهم إلى ما هو أعظم من ذلك، والشيطان يخيل للطرفين من أوصاف الطرف الآخر ما يوقعهما به في التعلق المفسد للقلب المفسد لأمور الدنيا والدين.
وقد سدت الشريعة كل الأبواب المفضية إلى الفتنة، ولذلك حرمت الخضوع بالقول، ومنعت الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية، ولا شك أن هذه المحادثات الخاصة لا تعتبر خلوة لأمن الإنسان من إطلاع الآخر عليه، غير أنها من أعظم أسباب الفتنة كما هو مشاهد ومعلوم.
وما جرى معك خير شاهد على صحة ما ذكرنا، فإن هذه الأسئلة الخاصة، يصعب على الرجل أن يوجهها إلى فتاة مؤمنة إلا عبر هذه الوسائل التي أُسيء استخدامها.
فاتق الله تعالى، وامتنعي عن محادثة الرجال الأجانب، فذلك هو الأسلم لدينك، والأطهر لقلبك، واعلمي أن الزواج بالرجل الصالح منة ونعمة من الله تعالى، وما كانت النعم لتنال بالمعصية.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات علما بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام؟
فأجاب:
(لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه؛ لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها، ويغريها به. وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه.
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول: إنه ليس فيها عشق ولا غرام) انتهى، نقلا عن: فتاوى المرأة، جمع محمد المسند، ص 96
ولاشك أن التخاطب عبر الشات أبلغ أثرا وأعظم خطرا من المراسلة عن طريق البريد، وفي كل شر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1911)
وقع في حب فتاة ثم تاب فهل يتخذها صديقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب مسلم سافر للدراسة في الخارج بعيداً عن أهله، تعرَّف على فتاة مسلمة وزادت العلاقة بينهم حتى أصبحت حبّاً، حصل بينهم اللمس والتقبيل ولكن لم يزنيا، شعر بالخوف من الله، وطلب منها أن تغير علاقتها معه أو أن تتركه لأن ما يفعلانه خطأ، تفهمت الموضوع وقالت نبقى أصدقاء ولا نتكلم عن الحب أبداً ونكون أصدقاء فقط، مع أنه يشعر بأنه ضحى لأجل الله فهو يحبها جدّاً ولكنه يقول بأن هذا غير كافٍ لإرضاء الله، هل يجوز له أن يتحدث معها كصديقة فقط؟ وكيف يشرح لها فهو لا يريد بأن يكون أنانيّاً فهو يحبها جدّاً ولكن حبه لله أكبر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن سلوك المسلم لطرق الفتنة هو السبب في وقوعه في حبائل الشيطان، والشريعة الإسلاميَّة أغلقت بأحكامها العظيمة تلك الطرق وحذَّرت من سلوكها، وحذّرت كذلك من اتباع خطوات الشيطان.
ومن هذه الطرق: ذهاب المسلم إلى بلاد الكفر، وإقامته فيها وحده أو مع أسرة، ودراسته في جامعة مختلطة، وصحبته لأناسٍ فاسدين لا يدلونه على الخير ولا يحذرونه من الشر، وإطلاق العنان لجوارحه أن تعمل في المعصية كالأذن في سماع الغناء، والعين في النظر المحرم وغير ذلك.
ولا يتم للإنسان حفظٌ لنفسه إلا بالابتعاد عن تلك الطرق، والبحث عن سبل السلام والهداية التي يرضى عنها ربُّه تبارك وتعالى.
ثانياً:
نجد الأخ السائل على خير وهدى وصلاح إن شاء الله، وذلك بخوفه من ربه عز وجل وتركه لعلاقته مع تلك الفتاة بعد أن وقع في محرمات معها بسبب سلوكه لتلك الطرق آنفة الذِّكر.
ومقام الخوف من الله مقام عظيم، وترك شهوات النفس لله تعالى أمرٌ لا يقدر عليه إلا من حقق التوحيد وكان الإيمان في قلبه حيّاً وظهر أثره على جوارحه.
لكن عليه أن يثبت على ما فعل، وأن لا يترك الشيطان ليدله على طريق آخر يسلكه به ليؤدي به إلى نتيجة واحدة وهي الوقوع في المحرَّمات، فلا صداقة بينه وبين تلك الفتاة الأجنبية عنه، وطريق هذه الصداقة معروف نهايته، لذا فإن عليه عدم الاستجابة لطلبها، والبقاء على موقفه، مستعيناً بربه عز وجل أن يهديه الصراط المستقيم، وأن يثبته على الهداية والرشاد.
ثالثاً:
وإذا كان يحبها حقيقة: فإن الطريق السوي الشرعي الذي ينبغي عليه سلوكه هو الزواج بها لا غير، على أننا نود منه إن فكر في الزواج أن يختار ذات الخلق والدين كما هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم يتزوج بها فإن صداقته لها ستؤدي به إلى الوقوع في محرَّمات كما ذكر هو عن نفسه أنه فعل، بل إن تعلق القلب بمثل هذه الصورة ولو لم تحصل فواحش حسية فيه من إفساد القلب وإفساد تعلقه بالله وعبوديته له ما قد يكون أكثر من الفواحش الحسية.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين:
إذا قُدِّر أن يكون بين الرجل وبين امرأة من الناس محبَّة، فإن أكبر ما يدفع الفتنة والفاحشة أن يتزوجها؛ لأنه سوف يبقى قلبُه معلَّقاً بها إن لم يتزوجها، وكذلك هي فربما تحصل الفتنة.
قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلُق فاضل، وذات عِلم فيرغب أن يتزوجها، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلُق فاضل وعِلم ودين فترغبه، لكن التواصل بين المتحابين على غير وجهٍ شرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق والظهور، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، ويقول إنه يرغب في زواجها، بل يخبر وليها أنه يريد زواجها، أو تخبر هي وليها أنها تريد الزواج منه، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما.
وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل فتنة.
" أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 868) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1912)
العلاقات الشاذة بين الإناث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم حب المرأة للمرأة لدرجة عدم القدرة على الفراق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفاحشة كما تكون بين الرجال فكذلك تكون بين النساء ويسميها الفقهاء المسلمون بالسحاق ويعرّفونه بأنه إتيان المرأة المرأة (المفصل في أحكام المرأة: زيدان 5/450) وأوجبوا فيه التعزير (وهو التأديب على المعصية التي لم يرد فيها حدّ، وهو عقوبة يحدّدها القاضي بحسب ظروف الجريمة والمجرم) . والمساحقة لا تُقبل شهادتها لأنّها فاسقة (الموسوعة الفقهية 24/253) وقال ابن قدامة رحمه الله: " وإن تدالكت المرأتان فهما زانيتان ملعونتان (المغني 10/162) وقال بعض العلماء كالعزّ بن عبد السلام بعدم جواز نظر المساحقة إلى المرأة المسلمة وأنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تتكشّف أمام من ترتكب السحاق لأنها فاسقة ولا يُؤمن أن تصف المرأة المسلمة للغير.
وإذا كان ما تقدّم وصفه هو طبيعة العلاقة بين الطرفين المذكورين في السؤال فالواجب عليهما التوبة العظيمة إلى الله عزّ وجلّ والكفّ عن هذه الجريمة وإذا كان اجتماعهما في مكان واحد يؤدّي إلى وقوع هذه المعصية فالواجب عليهما أن لا تجتمعا أبدا حتى لا يقع المنكر. ولعلّ هجران الأزواج هو من أسباب وقوع هذا النوع من الشّذوذ بحيث لما غاب الطّريق الشّرعي لقضاء الوطر والشهوة حلّ محلّه هذا الطريق المحرّم، ولذلك يجب على هاتين المرأتين التفكير جديّا بأن يكون لكلّ منهما زوج مسلم تعيش معه على وفق ما جاء في هذه الشّريعة المطهرّة.
وأمّا العشق وهو معصية من نوع آخر قد لا تكون مقترنة بشهوة ولكنّها خطيرة جدّا لأنها تصل إلى الوقوع في عبودية العاشق للمعشوق ويصبح كلّ همّه وتفكيره، لا يصبر على فراقه في نهاره ويراه في منامه، يحيا لأجله ويموت لأجله، وربما تغيّر إذ رآه ومرض إذا غاب عنه، فهذه علاقة مدمّرة لنفسية الإنسان ولعلاقته بربّه وتجعل العاشق عبدا للمعشوق والعبودية لغير الله حرام، والحلّ الأساسي لهذه المصيبة هو المفارقة التامّة بحيث لا يقع منه على خبر ولا يرى له حسّا ولا أثر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1913)
حكم الوضوء بالماء الحار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الوضوء من الماء الحار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لا بأس بذلك، لكن إذا كان شديد الحرارة فإنه يصح مع الكراهية، وذلك لأنه يضر بالبشرة بالإحراق والألم، وقد وجد خلاف قديم في الماء المسخن هل يرفع الحدث أم لا، والصواب أنه يرفعه، بل يصبح ضروريا في البلاد الباردة، لكن يكره إذا سخن بوقود نجس، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص78.(7/1914)
لماذا يحرم إقامة علاقة بين المرأة والرجل الأجنبي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يمكن للمسلم أن يعطي مواعيد ويتقابل مع امرأة؟ إنني امرأة نصرانية متشددة ولي صديق مسلم وأحاول فهم هذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
منع الإسلام من الخلوة بالمرأة الأجنبية ولو كان يعلمها القرآن وهو كتاب الله، وذلك لأن الشيطان يدخل بينهما، قال نبي الاسلام عليه الصلاة والسلام: " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ". فإذا كانت هذه المرأة ترغب أن تسمع الإسلام وأن تقرأ عنه قراءة مفصلة ففي إمكانها ان تأخذ الكتابات التي كتبت عن الإسلام المترجمة بعدّة لغات، فتأخذ اللغة التي تفهمها حتى إذا فهمت ما يدعوها إلى الإسلام أسلمت. وإن كانت لا تفهم وتريد من يشرح لها فإنه يجوز إن لم يكن هناك خلوة بحيث يكون معها محرمها أو وجود عدد من النساء وكان الرجل مسلما ثقةً، أو عدد من الرجال الثقات فيجلسون مع هذه المرأة فيعلمونها الإسلام حتى تفهمه ويقيموا الحجة عليها فهذا جائز.
الشيخ عبد الله بن جبرين.
والله عز وجل يريد أن يطهر المسلمين ولذلك حرم عليهم كل وسيلة تؤدي إلى الشر والفساد والفاحشة وأنت تعلمين أيتها السائلة أن الرجل إذا خلا بأمرأة واقام معها علاقة فإن هذه العلاقة كثيراً ما تتطور إلى ما لا يُحمد عقباه، وإن الخلوة هي طريق إلى الفساد والوقوع في الفاحشة، ولا يجوز للانسان أن يزكي نفسه وأن يقول أنا لا أتأثر من الخلوة بالنساء.
والاسلام لا ينتظر إلى أن تتطور أمور الشخص في الحرام، ولكنه يبعده عنه من أول الطريق، وأحكام الشريعة نزلت لعموم الناس، ولا عبرة بوجود حالات من الخلوة لم تؤد إلى الفاحشة ولا إلى أي استمتاع محرم كاللمس والتقبيل، فلماذا يُعرض الشخص نفسه للفتنة؟
أليس إذا جلس رجل مع امرأة أجنبية في خلوة ليس معها أحد قد يقع في نفسها أو في نفسه فعل شيء محرم حتى ولو لم يحدث عملياً ثم مع التكرار قد يحدث فعلاً.
والشريعة في هذا الأمر تحتاط وتغلق الطريق الذي يمكن أن يؤدي إلى الشر.
وإذا كانت هناك أي فائدة عند الرجل تحتاجها امرأة أو العكس فيمكن تحصيلها بإرسالها إليه رسالة أو إرساله إليها دون لقاء، أو يكون اللقاء من وراء حجاب، أو بوجود أشخاص تزول بهم الخلوة، هذا مع الحشمة واللباس الساتر.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1915)
همٌّ وغمّ نتيجة علاقة محرَّمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حاليا في وضع عاطفي صعب جداً ولا أفكر في شيء غير الموت. أنا لا أستطيع التفكير في أي شيء يتعلق بمستقبلي أو أي شيء آخر سوى الموت. ومع ذلك , فإني لا أريد أن أموت الآن، وأنا آمل من الله القدير الرحمن أن يغفر لي خطيئتي التي ارتكبتها.
المشكلة هي أنني أقمت علاقة حميمة مع امرأة خلال الأشهر القليلة الماضية، لم تكن عندي أي نية لإقامة أي علاقة محرمة معها إطلاقاً، لكن السبب الذي جعلني أتقرب إليها هو أني أردت إقناعها بالعدول عن قتل نفسها، لقد كانت مقتنعة بفكرة الانتحار، وكانت تتعاطى العقاقير بجرعات عالية، كنت أحاول إقناعها وإرشادها كي تعدل عن ارتكاب تلك المعصية (الانتحار) ، وكنت أريد أن أبعدها عن الوقوع في النار، ولكن الذي حصل هو أن الأمور بدأت تتطور تدريجيا إلى أن تكونت تلك العلاقة بيني وبينها ... نحن لم نمارس الجنس أبدا , ولم تكن لدي أي نية لأقع في الفاحشة معها. هذه المرأة متزوجة. والمشكلة هي أنها تدعي أني وقعت عليها مرة. أنا لا أصدق ما تزعمه لأني لم أخلع ملابسي أبدا , لكنها كانت نصف عارية. أنا أخاف من أني أكون قد ارتكبت معصية، ولو أني لم أقع عليها. ولكن، إن كنت قد وقعت فيما تقوله تلك المرأة , فأنا أخاف أن يكون قد قُضي علي.
أنا لا أصدقها لأني وجدتها لا تضمر لي الخير، ولأن أمر انتحارها ذلك ربما لم يكن إلا لتتقرب إلي ...
وأنا الآن قلق جداً. ولا أستطيع النوم ولا القيام بأي شيء. أنا نادم على ما حصل. وأدعو الله أن يغفر لي.. كل ما أردت فعله هو أن أخلص نفسا من النار, لكني الآن أخشى أن أكون قد تسببت في تدمير نفسي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: عليك أيها الشاب بالتوبة إلى الله من الصّداقة مع تلك المرأة، فإنّ هذه المعصيةَ التي وقعت فيها، بسبب تساهلك في هذه العلاقات والخلوة بالنساء، فإنها معصية لله تستوجب عقابه وعذابه، انظر للأهمية سؤال 1114 و9465.
ثانياً: قطع العلاقة نهائيا مع تلك المرأة ومع أيّ امرأة أخرى أنت على علاقة بها، لأنّ أغْلَبَ هذه العلاقات تَنْتَهِي بالوقوع في الزنا المحرم أو أيّ نوع من الاستمتاع المحرم والعياذ بالله، حتى وإن كانت في البداية كما تقول علاقات عفيفة فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. واعلم بأن الخلوة بالمرأة الأجنبية لا يمكن أن تسمى علاقة عفيفة أبداً
والآن عليك بالإسراع والمبادرة بالتوبة إلى الله توبة نصوحا، وذلك بالندم على ما مضى والإقلاع عن هذه العلاقة والعزم الصادق على عدم العودة إلى أي علاقات محرمة أخرى، فهذه المرأة الخبيثة تحاول أن توهمك وتقنعك أنك ارتكبت معها الفاحشة حتى تتخذ ذلك وسيلة لارتكاب الفاحشة معها مرات أخرى، وحتى لو كان الأمر كما تزعم هذه المرأة من وقوعك معها في المحرم، فلا تجعل الشيطان يستغل هذه الفرصة ويجعلك تيأس من رحمة الله، فيتمادى بك حتى يهون عليك أمر الوقوع في الفاحشة مرة أخرى والمداومة على فعلها فيهيئ لك أن التوبة أصبحت أمراً صعباً، والشيطان حريص على أن يتمكن هذا الشعور منك، ولكن رحمة الله واسعة فبادر بالتوبة، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الذين أسرفوا على أنفسِهِم لا تَقْنَطُوا من رحمة الله إنَّ الله يغفر الذنوب جميعاً إنَّه هو الغفور الرحيم) الزمر/53، فإن الله عز وجل يَغْفِرُ ذنب من صدق وأخلص في توبته، قال تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ له العذَاب يومَ القِيَامة ويَخْلُد فيه مُهَاناً إلا من تاب وآمن وعَمِلَ عَمَلاً صالحاً فأولئك يُبَدِّل الله سيئاتِهِمْ حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) الفرقان/69.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلا أَصَابَ مِنْ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ قَالَ: فَنَزَلَتْ (وأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ أَلِيَ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي) ِ (وفي لفظ) قَالَ: أَصَابَ رَجُلٌ مِنْ امْرَأَةٍ شَيْئًا دُونَ الْفَاحِشَةِ، أي دون الزنا في الفرج " رواه مسلم (التوبة/4964) .
وأكثر من الأعمال الصالحة والصلاة والاستغفار، وابحث عن رفقة طيبة متدينة لتكون بديلاً عن هذه العلاقات المحرمة المشبوهة، واعلم أن باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها وأن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
وعليك أخيرا بالمبادرة إلى اتخاذ الطريق الشرعي الذي تحفظ به نفسك بإذن الله وهو الزواج الذي تدرأ به نفسك الوقوع في الحرام.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤل وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1916)
هل يزيل ولد الزنا الخلوة بين الزانيين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تزال الخلوة بين الزانيين بوجود ابنهما من الزنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب مشكورا:
تزول الخلوة بينهما بوجود ثالث معهما سواء كان منهما أو من غيرهما وسواء كان ولد زنا أو ولد رشدة (أي من نكاح صحيح) بشرط أن يكون مميزا عاقلا وأن تُؤمن الفتنة وأن تكون المرأة بالحجاب الكامل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1917)
حكم نظر المرأة للرجال في التلفاز بدون شهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تحرم مشاهدة التلفاز وهناك مذيع يقدم وأنا أشاهد الأخبار أو أي برنامج آخر بدون سبب آخر. هل تحرم مشاهدة الرجال في التلفاز بدون شهوة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المسلم أن يصون حواسه عن كل ما لا نفع فيه - فضلاً عما حرم الله - قال الله عز وجل: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (النظر سهم من سهام إبليس) ، والتلفاز يكثر فيه خروج المجّان والفساق من الرجال والنساء ولا يسلم - غالباً - من الموسيقى وسائر المحرمات فالنظر إليه - والحالة هذه - مذموم في الجملة والله المستعان.
وأما نظر المرأة إلى ما يظهر غالباً من الرجل لحاجة وبلا شهوة فهو مباح كما نص عليه جماعة من أهل العلم، والنظر إلى التلفاز ليس من هذا الجنس فلا حاجة فيه، فعلى المرأة الإعراض عن كل ما لا فائدة فيه والاشتغال بما يحمد عاقبته، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1918)
جرّها عشيقها الأول بعيدا عن الدّين
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت امرأة غير مسلمة على علاقة مع شخص غير مسلم ثم قررت أن تتركه إلى شخص مسلم لأنها أدركت أن صديقها لم يعد يعاملها معاملة طيبة وتعترف للشخص المسلم أنها تحبه وتريد أن تتزوجه. وبناءً على تأكيدها بأنها لم تعد تحب صديقها غير المسلم ولا ترغب في البقاء معه، قرر المسلم أن يقْبلها على الرغم من ارتكابها الزنى مع صديقها السابق لأنها قررت أن تعتنق الإسلام. والله يغفر كل الخطايا التي اقترفها الشخص قبل دخوله في الإسلام.
وبعد ذلك، تراجعت عما قالت حيث أقنعها صديقها السابق بأن لا تتركه عندما تحقق أنها تتركه إلى رجل آخر (صديقه - أنا) . وعندما حدث ذلك انهرت تماماً، فها أنا كنت مستعداً لأن أقْبلها على ما هي عليه لأنها كانت راغبة في اعتناق الإسلام ثم تراجعت عن تعهداتها. فكيف أنظر إلى هذا الأمر؟ وبالإضافة إلى ذلك، عندما عرفت أن صديقها يعبث مع فتيات أخريات (لست متأكداً إذا كان يضاجعهن) ، حاولت أن أحذرها دون أي دليل أنها ستندم على قرارها بالعودة إليه. وأظهرني ذلك في صورة سيئة. فهل كان ما فعلته خطأ، أي محاولتي استرجاعها، حيث أنني فكرت أنه على الرغم من أنها قد تحيا حياة سعيدة مع صديقها السابق في هذه الحياة الدنيا، إلا أن العقاب الأبدي ينتظر أي شخص لا يعتنق الإسلام ويموت مؤمناً؟ أرجو توجيهي. رحمك الله وبارك فيك في الدنيا والآخرة والسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يبدو أيّها الأخ السائل أنّ الأمور العاطفية مختلطة عندك بمسألة العقيدة والدين، لأنّك ذكرت في سؤالك أنك تحطمت نفسيا عندما تركتك المرأة ورجعت إلى عشيقها الكافر، فجرّد اعتقادك ومصلحة دينك من العواطف والأهواء الشّخصية، والتزم حدود الله ونفّذ أحكامه، ومن أحكامه قوله تعالى: (وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) سورة النور، فلا يجوز نكاحها حتى تتوب، وهذه لم تتب ورجعت إلى الحرام مع كافر فلا تأسفنّ عليها ولا تذهب نفسك عليها حسرات، وادع الله أن يرزقك مؤمنة تقية عفيفة قانتة صائمة مصلية عابدة حافظة لحدود الله، فهذه التي يُطمع فيها، وليس هذه الملوّثة التي كانت رغبتها في الإسلام رغبة عاطفية مؤقتة، ثمّ أوصيك بالالتزام بالشّريعة في دعوتك لغير المسلمين وأن لا تتساهل في مخاطبة النّساء وإقامة أي درجة من العلاقة المحظورة معهن بحجة الدعوة، وعلى المسلم أن يستخدم الوسائل غير المباشرة في دعوة النساء الأجنبيات كالكتاب والشّريط والبريد الألكتروني وغير ذلك بالمعروف، ونسأل الله أن يهدينا سواء السبيل وأن يغنينا بحلاله عن حرامه وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1919)
خلوة الراكبة مع سائق سيارة الأجرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يقود سيارة تاكسي فقد يحدث أن تركب معه امرأة بمفردها وتصبح خلوة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: " لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ". رواه أحمد والترمذي في سننه 2091 وهو في صحيح الجامع 2546 وقال الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ..) الآية سورة يوسف 23
فلا يجوز للرجل أن يخلو بامرأة أجنبية لا في بيت ولا في مكتب ولا في عيادة ولا في مصعد ولا في سيارة ولا غير ذلك من الأماكن لأنّ ذلك سببا وذريعة إلى الوقوع في الحرام والشّيطان حريص على إيقاع العبد في الحرام وتزيينه له، وقد اتفق الفقهاء على أنّ الخلوة بالأجنبية محرّمة، وقالوا: لا يخلون رجل بامرأة ليست منه بمحرم ولا زوجة بل أجنبية لأنّ الشّيطان يوسوس لهما في الخلوة بفعل ما لايحلّ. الموسوعة الفقهية 19/267، ولا يجوز للرجل أن يخلو بامرأة أجنبية حتى ولو كان يعلّمها القرآن ولا يجوز أن يؤمها في الصلاة بمفردهما، وضابط الخلوة المحرمة أن يخلو بها بحيث تحتجب شخوصهما عن الناس: فتح الباري 9/333، وسائق سيارة الأجرة لا يخلو أن يمرّ بشارع خال أو طريق سريع كما أن هيكل السيارة يخفي أكثر جسد الراكب، ولا يُؤمن أيضا من تبادل حديث محرّم، أو انجرار إلى اتّفاق على أمر محرّم، وكم حصل من مآسٍ وقصص مؤلمة ومعاصٍ مهلكة بسبب الخلوة مع السّائق الأجنبي، وهذه الشريعة حكيمة مُحكمة تسدّ منافذ الشرّ والطرق المؤدية إلى الحرام، فالواجب الامتناع التامّ عن الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبيين، وصاحب سيارة الأجرة عليه أن لا يحمل امرأة بمفردها ويمتنع عن إركابها إلاّ في حالة الضرورة كالإسعاف في الحوادث ونحو ذلك، والله وليّ التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1920)
أدلة تحريم الاختلاط
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أنا وزوجي أن نحضر دروساً في اللغة العربية والفصول مختلطة مع علمنا بأن الاختلاط لا يجوز. فما هو الاختلاط؟ وما الحكم مع الدليل؟
تفاصيل إضافية: الفصل به 10 طلاب معظمهم نساء فهل أحضره أنا وزوجي ومنهم غير مسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، وامتزاج بعضهم في بعض، ودخول بعضهم في بعض، ومزاحمة بعضهم لبعض، وكشف النّساء على الرّجال، كلّ ذلك من الأمور المحرّمة في الشريعة لأنّ ذلك من أسباب الفتنة وثوران الشهوات ومن الدّواعي للوقوع في الفواحش والآثام.
والأدلة على تحريم الاختلاط في الكتاب والسنّة كثيرة ومنها:
قوله سبحانه: {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} الأحزاب 53.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب.
وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرّجال بالنساء حتى في أحبّ بقاع الأرض إلى الله وهي المساجد وذلك بفصل صفوف النّساء عن الرّجال، والمكث بعد السلام حتى ينصرف النساء، وتخصيص باب خاص في المسجد للنساء. والأدلّة على ذلك ما يلي:
عن أم سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ" رواه البخاري رقم (793) .
ورواه أبو داود رقم 876 في كتاب الصلاة وعنون عليه باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ قَالَ نَافِعٌ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ" رواه أبو داود رقم (484) في كتاب الصلاة باب التشديد في ذلك.
وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا ". رواه مسلم رقم 664
وهذا من أعظم الأدلة على منع الشريعة للاختلاط وأنه كلّما كان الرّجل أبعد عن صفوف النساء كان أفضل وكلما كانت المرأة أبعد عن صفوف الرّجال كان أفضل لها.
وإذا كانت هذه الإجراءات قد اتّخذت في المسجد وهو مكان العبادة الطّاهر الذي يكون فيه النّساء والرّجال أبعد ما يكون عن ثوران الشهوات فاتّخاذها في غيره ولا شكّ من باب أولى.
وقد روى أَبو أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ (تَسِرْن وسط الطريق) عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ. رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه باب: مشي النساء مع الرجال في الطّريق.
ونحن نعلم أنّ الاختلاط ومزاحمة النساء للرّجال ممّا عمّت به البلوى في هذا الزّمان في أكثر الأماكن كالأسواق والمستشفيات والجامعات وغيرها ولكننا:
أولا: لا نختاره ولا نرضى به وبالذّات في المحاضرات الدّينية والمجالس الإدارية في المراكز الإسلامية.
ثانيا: نتخذ الوسائل لتلافي الاختلاط مع تحقيق ما أمكن من المصالح، مثل عزل مكان الرجال عن النساء، وتخصيص أبواب للفريقين، واستعمال وسائل الاتّصالات الحديثة لإيصال الصوت، وتسريع الوصول إلى الكفاية في تعليم النساء للنساء وهكذا.
ثانيا: نتقي الله ما استطعنا باستعمال غضّ البصر ومجاهدة النّفس.
ونورد فيما يلي جزءا من دراسة قام بها بعض الباحثين الاجتماعيين المسلمين عن الاختلاط
قال:
عندما وجهنا السؤال التالي: ما حكم الاختلاط في الشرع حسب علمكم؟
كانت النتيجة كالتالي:
76% من الذين شملهم التحقيق أجابوا بأنه " لا يجوز ".
12% أقرّوا أنه " يجوز " ولكن بضوابط الأخلاق والدين و …
12% أجابوا " بلا أعلم ".
ماذا تختارون؟!
لو خيّرتم بين العمل في مجال مختلط وآخر غير مختلط، فماذا تختارون؟
كانت النتيجة على هذا السؤال بالنسب المئوية التالية:
67% اختاروا المجال غير المختلط.
9% فضلوا المجال المختلط.
15% لا يمانعون بأي مجال يتناسب مع تخصصاتهم سواء أكان مختلط أو غير مختلط.
محرج جداً:
هل مرّ عليكم موقف محرج بسبب الاختلاط؟
من المواقف المحرجة التي ذكرها المشاركون في التحقيق المواقف التالية:
كنت في أحد أيام العمل، دخلت إلى القسم وكانت إحدى زميلاتي المتحجبات قد خلعت حجابها بين زميلاتها فتفاجأت بدخولي وقد انحرجتُ على إثر ذلك كثيراً.
كان من المفروض أن أقوم بتجربة في المختبر في الجامعة وقد تغيبتُ يومها وكان عليّ أن أذهب للمختبر في اليوم التالي، لأجد نفسي الذكر الوحيد بين مجموعة من الطالبات إضافة إلى مدرّسة ومشرفة المختبر. لقد انحرجت كثيراً وتقيّدت حركتي وأنا أحس بتلك العيون الأنثوية المستنكِرة والمحرجة تلاحقني وتتبعني.
كنت أحاول إخراج فوطة نسائية من أحد الأدراج؟ وتفاجأت بزميل يقف خلفي لأخذ حاجيات من درجه الخاص، لاحظ زميلي ارتباكي، فانصرف بسرعة من الغرفة متجنباً إحراجي.
حدث لي أن اصطدمت بي إحدى فتيات الجامعة عند المنعطف لأحد الممرات المزدحمة، كانت هذه الزميلة تسير بسرعة ذاهبة لإحدى المحاضرات، وعلى أثر هذا الاصطدام اختل توازنها وتلقفتها بذراعيّ وكأني أحضنها، ولكم أن تتخيلوا ما مقدار الإحراج لي ولهذه الفتاة أمام شلّة من الشباب المستهتر.
سقطت زميلة لي على سلّم المدرج في الجامعة، وتكشفت ملابسها بطريقة محرجة جداً، وضعها المقلوب لم يسعفها بمساعدة نفسها، فما كان من أحد الشباب القريبين منها إلا أن سترها وساعدها على النهوض.
أعمل في شركة، دخلتُ على مسئولي لأعطيه بعض الأوراق، وأثناء خروجي من الغرفة، ناداني المسؤول مرّة أخرى، التفت إليه فوجدته منكسا رأسه انتظرت أن يطلب مني ملفاً ما أو المزيد من الأوراق، استغربت من تردّده، التفت إلى يسار مكتبه متظاهراً بالانشغال، وهو يحدثني في نفس الوقت، تخيّلت أن يقول أي شيء عدا أن ينبهني هذا المسؤول بأن ملابسي متسخة بدم الحيض، هل تنشق الأرض وتبلع إنساناً فعلاً في لحظة دعاء صادقة، لقد دعوت أن تنشق الأرض وتبلعني.
ضحايا الاختلاط … قصص واقعية
الأمل المفقود؟
أم محمد امرأة ناضجة تجاوزت الأربعين تحكي حكايتها:
عشت مع زوجي حياة مستورة وإن لم يكن هناك ذاك التقارب والانسجام، لم يكن زوجي تلك الشخصية القوية التي ترضي غروري كامرأة، إلا أن طيبته جعلتني أتغاضى عن كوني اتحمل الشق الأكبر من مسؤولية القرارات التي تخص عائلتي.
كان زوجي كثيراً ما يردد اسم صاحبه وشريكه في العمل على مسمعي وكثيراً ما اجتمع به في مكتبه الخاص بالعمل الذي هو بالأصل جزء من شقتنا وذلك لسنوات عدة. إلى أن شاءت الظروف وزارنا هذا الشخص هو وعائلته. وبدأت الزيارات العائلية تتكرر وبحكم صداقته الشديدة لزوجي لم نلاحظ كم ازداد عدد الزيارات ولا عدد ساعات الزيارة الواحدة. حتى أنه كثيراً ما كان يأتي منفرداً ليجلس معنا أنا وزوجي الساعات الطوال. ثقة زوجي به كانت بلا حدود، ومع الأيام عرفت هذا الشخص عن كثب، فكم هو رائع ومحترم وأخذت أشعر بميل شديد نحو هذا الشخص وفي نفس الوقت شعرت أنه يبادلني الشعور ذاته.
وأخذت الأمور تسير بعدها بطريقة عجيبة، حيث أني اكتشفت أن ذلك الشخص هو الذي أريد وهو الذي حلمت به يوماً ما … لماذا يأتي الآن وبعد كل هذه السنين..؟ . كان في كل مرّة يرتفع هذا الشخص في عيني درجة، ينزل زوجي من العين الأخرى درجات. وكأني كنت محتاجة أن أرى جمال شخصيته لأكتشف قبح شخصية زوجي.
لم يتعد الأمر بيني وبين ذلك الشخص المحترم عن هذه الهواجس التي شغلتني ليل، نهار. فلا أنا ولا هو صرّحنا بما …… في قلوبنا.. وليومي هذا.. ومع ذلك فإن حياتي انتهت زوجي لم يعد يمثل لي سوى ذلك الإنسان الضعيف - المهزوز السلبي، كرهته، ولا أدري كيف طفح كل ذلك البغض له، وتساءلت كيف تحملته كل هذه السنين ثقلاً على ظهري، وحدي فقط أجابه معتركات الحياة، ساءت الأمور لدرجة أني طلبت الطلاق، نعم طلقني بناء على رغبتي، أصبح بعدها حطام رجل.
الأمرّ من هذا كله أنه بعد خراب بيتي وتحطم أولادي وزوجي بطلاقي، ساءت أوضاع ذلك الرجل العائلية لأنه بفطرة الأنثى التقطت زوجته ما يدور في خفايا القلوب، وحولت حياته إلى جحيم. فلقد استبدت بها الغيرة لدرجة أنها في إحدى الليالي تركت بيتها في الثانية صباحاً بعد منتصف الليل لتتهجم على بيتي، تصرخ وتبكي وتكيل لي الاتهامات.. لقد كان بيته أيضاً في طريقه للانهيار..
أعترف أن الجلسات الجميلة التي كنّا نعيشها معاً أتاحت لنا الفرصة لنعرف بعضنا في وقتٍ غير مناسب من هذا العمر.
عائلته تهدمت وكذلك عائلتي، خسرت كل شيء وأنا أعلم الآن أن ظروفي وظروفه لا تسمح باتخاذ أي خطوة إيجابية للارتباط ببعضنا، أنا الآن تعيسة أكثر من أيِ وقتٍ مضى وأبحث عن سعادة وهمية وأملٍ مفقود.
واحدة بواحدة
أم أحمد تحدثنا فتقول:
كان لزوجي مجموعة من الأصدقاء المتزوجين، تعودنا بحكم علاقتنا القوية بهم أن نجتمع معهم أسبوعياً في أحد بيوتنا، للسهر والمرح.
كنت بيني وبين نفسي غير مرتاحة من ذلك الجو، حيث يصاحب العشاء، والحلويات، والمكسرات، والعصائر موجات صاخبة من الضحك، بسبب النكات والطرائف التي تجاوزت حدود الأدب في كثير من الأحيان.
باسم الصداقة رفعت الكلفة لتسمع بين آونة وأخرى قهقهات مكتومة، سرية بين فلانة وزوج فلانة، كان المزاح الثقيل الذي يتطرق - ودون أي خجل - لمواضيع حساسة كالجنس وأشياء خاصة بالنساء - كان شيئاً عادياً بل مستساغاً وجذاباً.
بالرغم انخراطي معهم في مثل هذه الأمور إلا إن ضميري كان يؤنبني. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي أفصح عن قبح وحقارة تلك الأجواء.
رن الهاتف، وإذا بي أسمع صوت أحد أصدقاء الشلّة، رحبت به واعتذرت لأن زوجي غير موجود، إلا أنه أجاب بأنه يعلم ذلك وأنه لم يتصل إلا من أجلي أنا (!) ثارت ثائرتي بعد أن عرض عليّ أن يقيم علاقة معي، أغلظت عليه بالقول وقبحته، فما كان منه إلا أن ضحك قائلاً: بدل هذه الشهامة معي، كوني شهمة مع زوجك وراقبي ماذا يفعل.. حطمني هذا الكلام، لكني تماسكت وقلت في نفسي أن هذا الشخص يريد تدمير بيتي. لكنه نجح في زرع الشكوك تجاه زوجي.
وخلال مدّة قصيرة كانت الطامة الكبرى، اكتشفت أن زوجي يخونني مع امرأة أخرى. كانت قضية حياة أو موت بالنسبة لي … كاشفت زوجي وواجهته قائلة: ليس وحدك الذي تستطيع إقامة علاقات، فأنا عُرض عليّ مشروع مماثل، وقصصت عليه قصة صاحبه، فذهل لدرجة الصّدمة. إن كنت تريدني أن أتقبل علاقتك مع تلك المرأة، فهذه بتلك. صفعته زلزلت كياني وقتها، هو يعلم أني لم أكن أعني ذلك فعلاً، لكنه شعر بالمصيبة التي حلّت بحياتنا وبالجو الفاسد الذي نعيش. عانيت كثيراً حتى ترك زوجي تلك الساقطة التي كان متعلقاً بها كما اعترف لي. نعم لقد تركها وعاد إلى بيته وأولاده ولكن من يُرجع لي زوجي في نفسي كما كان؟؟ من يعيد هيبته واحترامه وتقديره في أعماقي؟؟ وبقى هذا الجرح الكبير في قلبي الذي ينزّ ندماً وحرقة من تلك الأجواء النتنة، بقى شاهداً على ما يسمونه السهرات البريئة وهي في مضمونها غير بريئة، بقي يطلب الرحمة من رب العزة.
الذكاء فتنة أيضاً
يقول عبد الفتاح:
أعمل كرئيس قسم في إحدى الشركات الكبيرة، منذ فترة طويلة أعجبت بإحدى الزميلات. ليس لجمالها، إنما لجديتها في العمل وذكائها وتفوقها، إضافة إلى أنها إنسانة محترمة جداً، محتشمة، لا تلتفت إلا للعمل. تحوّل الإعجاب إلى تعلق، وأنا الرجل المتزوج الذي يخاف الله ولا يقطع فرضاً. صارحتها بعاطفتي فلم ألقَ غير الصّد، فهي متزوجة ولديها أبناء أيضاً، وهي لا ترى أي مبرر لإقامة أي علاقة معها وتحت أي مسمى، صداقة، زمالة، إعجاب … الخ. يجيئني هاجس خبيث أحياناً، ففي قرارة نفسي أتمنى أن يطلقها زوجها، لأحظى بها.
صرت أضغط عليها في العمل وأشوه مستواها أمام مدرائي وكان ذلك ربما نوعاً من الانتقام منها، كانت تقابل ذلك برحابة صدر دون أي تذمر أو تعليق أو استنكار، كانت تعمل وتعمل، عملها فقط يتحدث عن مستواها وهي تعلم ذلك جيداً. كان يزداد تعلقي بها في الوقت الذي يتنامى صدها لي بنفس الدرجة.
أنا الذي لا افتتن بالنساء بسهولة، لأني أخاف الله فلا أتجاوز حدودي معهن خارج ما يتطلبه العمل، لكن هذه فتنتني … ما الحل.. لست أدري.. .
ابن الوّز عوّام؟
(ن. ع.ع) فتاة في التاسعة عشرة تروي لنا:
كنت وقتها طفلة صغيرة، أراقب بعيني البريئتين تلك السهرات التي كانت تجمع أصدقاء العائلة في البيت. الذي أذكره أني ما كنت أرى سوى رجلاً واحداً ذلك هو أبي. أراقبه بكل حركاته، تنقلاته، نظراته التي كانت تلتهم النساء الموجودات التهاماً، سيقانهن، صدورهن، يتغزّل بعيون هذه، وشعر تلك، وخصر هاتيك. أمي المسكينة كانت مجبرة على إقامة هذه الدعوات فهي سيدة بسيطة للغاية.
وكانت من بين الحاضرات سيدة تتعمد لفت انتباه أبي، بقربها منه حيناً، وحركاتها المائعة حيناً آخر، كنت أراقب ذلك باهتمام وأمي مشغولة في المطبخ من أجل ضيوفها.
انقطعت هذه التجمعات فجأة، حاولت بسني الصغيرة فهم ما حدث وتحليل ما جرى لكني لم أفلح.
الذي أتذكره أن أمي في ذلك الوقت انهارت تماماً ولم تعد تطيق سماع ذكر أبي في البيت. كنت أسمع لاماً غامضاً يهمس به الكبار من حولي مثل: (خيانة، غرفة نوم، رأتهم بعينها، السافلة، في وضعية مخزية، …) إلى آخر هذه الكلمات المفتاحية التي وحدهم الكبار يفهمونها.
وكبرت وفهمت وحقدت على كل الرجال، كلهم خائنون، أمي إنسانة محطمة، تتهم كل من تأتينا إنها خاطفة رجال وإنها ستوقع بأبي، أبي هو، هو، مازال يمارس هوايته المفضلة وهي مطاردة النساء ولكن خارج المنزل. عمري الآن تسعة عشر عاماً، إلا أني أعرف الكثير من الشبان، أشعر بلذة عارمة وأنا أنتقم منهم فهو صورة طبق الأصل من أبي، أغرر بهم وأغريهم دون أن يمسوا شعرة مني، يلاحقوني في المجمعات والأسواق بسبب حركاتي وإيماءاتي المقصودة، هاتفي لا يصمت أبداً في بعض الأحيان أشعر بالفخر لما أفعله انتقاماً لجنس حواء وأمي، وفي أحايين كثيرة أشعر بالتعاسة والخيبة لدرجة الاختناق. تظلل حياتي غيمةٌ سوداء كبيرة اسمها أبي.
قبل أن يقع الفأس في الرأس
(ص. ن.ع) تحكي تجربتها:
لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن تضطرني ظروف عملي إلى الاحتكاك بالجنس الآخر (الرجال) ولكن هذا ما حدث فعلاً.. وقد كنت في بداية الأمر أحتجب عن الرجال باستخدام النقاب ولكن أشارت إليّ بعض الأخوات بأن هذا اللباس يجذب الانتباه إلى وجودي أكثر، فمن الأفضل أن أترك النقاب وخصوصاً أن عينيَّ مميزتان قليلاً. وبالفعل قمت بنزع الغطاء عن وجهي ظناً من أن ذلك أفضل.. ولكن مع إدمان الاختلاط مع الزملاء وجدت أنني شاذة من بين الجميع من حيث جمودي والتزامي بعدم المشاركة في الحديث وتبادل (الظرافة) ، وقد كان الجميع يحذر هذه المرأة (المتوحشة - في نظرهم طبعاً) ، وهذا ما بينه أحد الأشخاص الذي أكد على أنه لا يرغب في التعامل مع شخصية متعالية ومغرورة، علماً بأنني عكس هذا الكلام في الحقيقة، فقررت أن لا أظلم نفسي ولا أضعها في إطار مكروه مع الزملاء فأصبحت أشاركهم (السوالف وتبادل الظُرف) ، واكتشف الجميع بأنني أمتلك قدرة كلامية عالية وقادرة على الإقناع والتأثير، كما أنني أتكلم بطريقة حازمة ولكن جذّابة في نفس الوقت لبعض الزملاء - ولم يلبث الوقت يسيراً حتى وجدت بعض التأثر على وجه الشخص المسؤول المباشر وبعض الارتباك والاصفرار والتمتع بطريقة حديثي وحركاتي وقد كان يتعمد إثارة الموضوعات لأدخل في مناقشتها لأرى في عينيه نظرات بغيضة صفراء ولا أنكر أنني قد دخل نفسي بعض التفكير بهذا الرجل، وإن كان يعلو تفكيري الدهشة والاستغراب من سهولة وقوع الرجل في حبائل المرأة الملتزمة، فما باله إذا كانت المرأة متبرجة وتدعوه للفجور؟ حقاً لم أكن أفكر فيه بطريقة غير مشروعة ولكنه أولاً وأخيراً قد شغل مساحة من تفكيري ولوقت غير قصير، ولكن ما لبث اعتزازي بنفسي ورفضي أن أكون شيئاً لمتعة هذا الرجل الغريب من أي نوع كانت حتى وإن كانت لمجرد الاستمتاع المعنوي، فقد قمت بقطع الطريق على أي عملٍ يضطرني للجلوس معه في خلوة، وفي نهاية المطاف خرجت بحصيلة من الفوائد وهي:
1- إن الانجذاب بين الجنسين وارد في أي وضع من الأوضاع ومهما حاول الرجل والمرأة إنكار ذلك - والانجذاب قد يبدأ مشروعاً وينتهي بشيء غير مشروع.
2- حتى وإن حصّن الإنسان نفسه، فإنه لا يأمن حبائل الشيطان.
3- إذا ضمن الإنسان نفسه وتعامل مع الجنس الآخر بالحدود المرسومة والمعقول فإنه لا يضمن مشاعر وأحاسيس الطرف الآخر.
4- وأخيراً، إن الاختلاط لا خير فيه أبداً وهو لا يأتي بالثمرات التي يزعمونها بل أنه يعطل التفكير السليم.
وماذا بعد؟
ونتساءل ماذا بعد طرح كل هذه الأمور المتعلقة بقضية الاختلاط؟
آن لنا أن نعترف أنه مهما جمّلنا الاختلاط واستهنا به فإن مساوئه تلاحقنا، وأضراره تفتك بعائلاتنا، وأن الفطرة السليمة لتأنف التسليم بأن الاختلاط هو جو صحي في العلاقات الاجتماعية، تلك الفطرة التي دفعت معظم من شملهم هذا التحقيق (76%) أن يفضلوا العمل في مجال غير مختلط. ونفس النسبة أيضاً (76%) قالوا أن الاختلاط لا يجوز شرعاً. أما الملفت للنظر هو ليس هذه النسب المشرفة التي تدل على نظافة مجتمعنا الإسلامي في نفوس أصحابه بل الذي استوقفنا هو تلك النسبة القليلة التي أقرت بجواز الاختلاط وهم (12%) . هذه المجموعة من الأشخاص قالوا ودون استثناء أن الاختلاط يجوز ولكن بضوابط الدين، والعرف، والعادات، والأخلاق والضمير، والحشمة، والستر.. إلى آخر هذه السلسلة من القيم الجميلة والتي برأيهم تحفظ للاختلاط حدوده.
ونسألهم، هل الاختلاط الذي نراه اليوم في جامعاتنا وأسواقنا ومواقع العمل، وتجمعاتنا الأسرية، والاجتماعية، تنطبق عليه هذه المزايا السالفة الذكر؟ أم أن هذه الأماكن تعج التجاوزات في الملبس والحديث والتصرفات، فنرى التبرج والسفور والفتن والعلاقات المشبوهة، لا أخلاق ولا ضمير، لا ستر وكأن لسان الحال يقول: إن الاختلاط بصورته الحالية لا يرضى عنه حتى من يؤيدون الاختلاط في أجواء نظيفة.
آن لنا أن نعترف بأن الاختلاط هو ذاك الشيء الدافئ، اللزج الرطب، الذي يمثل أرضا خصبة للفطريات الاجتماعية السامة أن تنمو في زواياه وجدرانه وسقفه، تنمو وتتكاثر وتتشابك دون أن يعر أحد أن الاختلاط هو السبب، ليكون الاختلاط بحق هو رأس الفتنة الصامت، وفي ظله تزل القلوب والشهوات وتُفجَّر الخيانات وتُحطّم البيوت والأفئدة.
نسأل الله السّلامة والعافية وصلاح الحال وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1921)
ما هي النصيحة لمسلم كان على علاقة بكافرات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي نصيحة الله لرجل مسلم متزوج كانت له علاقات كثيرة مع نساء كافرات وزنى حتى بعد زواجه بعشيقته السابقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزنا من كبائر الذنوب، وقد حذر الله ورسوله منه تحذيراً بليغاً، وتوعد الله فاعله بالعقاب الأليم وأخبر أنه فاحشة وساء سبيلاً، فالواجب عليه التوبة والاستغفار ولا تصح توبته إلا بإقلاعه عن هذا الجرم العظيم وندمه على فعله في السابق والعزم والتصميم على أن لا يعود إليه مرة أخرى، والزنى من المحصن (وهو المتزوج) أعظم منه ممن لم يتزوج ولهذا كان حد الزاني المحصن الرجم بالحجارة حتى الموت، وليعلم أن الله يقول: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) وفي الحديث الصحيح (التوبة تجب ما قبلها) وليبادر بالتوبة والإنابة إلى الله، وفقه الله لذلك وأصلح حاله.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1922)
كفارة الاستمتاع بالحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال جاد.
لقد اعتنقت الإسلام قبل سنتين. وأجد صعوبة كبيرة في السيطرة على رغباتي الجنسية. قبل اعتناقي الإسلام لم أمارس الجنس على الإطلاق. غير أني بدأت مؤخرا في ارتكاب أشياء محرمة. منها مثلا أنني دفعت مالا للعاهرات في ثلاث مناسبات ليمارسن معي الجنس بالفم وهذا كل ما فعلته، حيث أني لم أمارس الجنس الإيلاجي مع أية امرأة. فهل هذا يعتبر زنا؟ وهل اعتبر زانيا؟ وهل لا زلت مسلما؟ وماذا أستطيع أن أفعل لكي أتوقف عن هذه الممارسة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شكّ أنّ الذي فعلته حرام وإثم عظيم، وإن لم يصل إلى درجة الزنا الذي يترتب عليه الحد فعليك بالتوبة العظيمة إلى الله عزّ وجلّ إقلاعا عن الذنب وندما على ما حصل وعزما على عدم العودة وتجنبا لأصدقاء السّوء وأماكن السّوء وغضّا للبصر وبعدا عن النّساء الأجنبيات.
وإذا تبت إلى الله تاب الله عليك، وأنت لا زلت رجلا مسلما ولكنّك عصيت الله بهذا الذّنب فعُد إلى ربّك واستغفره مما فعلت وأكثر من فعل الحسنات لتكفّر سيئتك وخذ بأسباب العفّة وعجّل بالزّواج الشّرعي وختاما نُهدي إليك هذه القصّة لتعتبر بها:
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَنَّهُ أَصَابَ مِنْ امْرَأَةٍ إِمَّا قُبْلَةً أَوْ مَسًّا بِيَدٍ أَوْ شَيْئًا كَأَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ كَفَّارَتِهَا (وفي رواية: أَصَابَ رَجُلٌ مِنْ امْرَأَةٍ شَيْئًا دُونَ الْفَاحِشَةِ فَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَعَظَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ فَعَظَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) ، قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ أَلِيَ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي رواه مسلم رحمه الله في صحيحه 4963
وفي رواية عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ قَالَ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا دَعَاهُ وَتَلا عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً قَالَ بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً. رواه مسلم 4964 والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1923)
زوجها يخرج للدعوة وهي غريبة الديار ويسيء إليها ويرغب بتطليقها
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أخفي عليكم مدى الشقاء الذي أحياه، حتى أنني يئست أن يستجاب دعائي، أنا أم لأربعة أبناء، وزوجة لرجل لا أحبه، حاولت معه كثيراً، ولكن بلا فائدة، أشعر أن عقيدتي تأثرت كثيراً، لقد تحولت علاقتي بزوجي إلى سجال، وفي نهايته يعلن زوجي أن هذا الأمر ليس بواجب، ويخرج في سبيل الله لأن ذلك فرض عين، لقد أصبحت حياتنا سلسلة من حلقات الجبر، وسوء المعاملة، ليس معي فقط، بل إنه يجبر أبناءنا الذين لم يبلغوا بعد على صيام النفل، لقد صبرت حتى الثمالة 11 عاماً، بلا حياة مستقرة، بعيدة عن وطني، لقد حصل جميع أبنائي على الجنسية السعودية، ولكنه يرفض أن أحصل عليها، الحياة أصبحت بلا معنى، لقد قرر أن يذهب بي إلى وطني، ثم يفكر فيما سيفعله معي، كل ما يشغل تفكيري هو ماذا أفعل إن مات زوجي، من سيتزوج أرملة مثلي؟ من سيحيط أبنائي بالحب والرعاية؟ كيف أنفق عليهم وأنا ليس لي أخوات، وأخي لا يزال على كفره؟ أبي وأمي مسلمان، ولكنهما غير ملتزمين، وأهل زوجي يعيشون في الولايات المتحدة حياة غربية تماماً، وزوجي ذو الأخلاق السيئة، القوَّام، الصوَّام، يدفعني يوماً بعد يوم إلى مزيد من الخلافات، واللعنات، والتلفظ بكلمات الكفر! كيف أنقذ نفسي؟ وماذا أفعل؟ حتى ما أتكسبه من مال قليل يكره أن يظل معي، إنني لا زلت أحبه، ولكني في قلق بالغ ماذا إذا توفى عني؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بخصوص انشغال الزوج بالدعوة، وإهماله لأسرته: فقد ذكرنا الكلام حوله في أجوبة الأسئلة (6913) و (3043) و (23481) ، فلتنظر.
ثانياً:
جاء في أول سؤالكِ قولكِ " حتى إنني يئست أن يستجاب دعائي "! وهذا خطأ، ومخالف لشرع الله، والمسلم إما أن يقبل الله تعالى دعاءه، أو لا يقبله، فإن لم يقبله فليفتش في سبب ذلك في نفسه، فقد يوجد عنده من موانع الاستجابة ما يمنع من قبول دعائه، كأكل الحرام، ولبس الحرام، والدعاء بالإثم.
وانظر تفصيل ذلك بتمامه وكماله في جواب السؤال رقم: (5113) .
وإذا قبل الرب تعالى دعاء عبده: فإن الاستجابة ليست هي فقط تحقيق مطلوبه، بل ويضاف إليه أمران: ادخار أجر دعائه ثواباً ليوم الحساب، وصرف السوء عنه بقدر دعائه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ) .
رواه أحمد (10749) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1633) .
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من اليأس من الاستجابة، وبيَّن أنه لا يستجاب لمثل ذلك العبد؛ لأن يأسه يؤدي به إلى ترك الدعاء، وإنما يستجاب لمن كرَّر وألَّح على الله، وليست الاستجابة للمانِّ بدعائه على ربه، وهو الغني عن خلقه عز وجل.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) .
رواه البخاري (5981) ومسلم (2735) - واللفظ له -.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أنه يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة؛ لما في ذلك من الانقياد، والاستسلام، وإظهار الافتقار، حتى قال بعض السلف: لأنا أشد خشية أن أُحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة ... .
دعوة المؤمن لا ترد وأنها إما أن تُعجَّل له الإجابة، وإما أن تدفع عنه من السوء مثلها، وإما أن يُدَّخر له في الآخرة خير مما سأل، فأشار الداودي إلى ذلك، وإلى ذلك أشار ابن الجوزي رحمه الله بقوله: " اعلم أن دعاء المؤمن لا يردُّ غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة، أو يعوَّض بما هو أولى له عاجلاً، أو آجلاً فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه؛ فإنه متعبد بالدعاء، كما هو متعبد بالتسليم، والتفويض ".
" فتح الباري " (11 / 141) .
ثالثاً:
لا ندري كيف نصف أولئك الأزواج الذين لا يؤدون ما أوجب الله عليهم من العناية بزوجاتهم وبنيهم، ولا ندري كيف فهموا الإسلام الذي يدعون الناس للالتزام به، فقد أوصى الله تعالى الأزواج بزوجاتهم وأولادهم خيراً، وجعلهم أمانة في عنقه، وأوجب عليهم النصح لهم، ووقايتهم من عذاب السعير، وهم أولى بالدعوة من غيرهم، ومن أوائل ما أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم هو قوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء/ 214، وقد استجاب نبيه صلى الله عليه وسلم لذلك الأمر، فدعا أبا طالب عمَّه للإسلام، ولم يزل يدعوه حتى في مرض موته، ثم جمع عمه العباس، وعمته صفية، وابنته فاطمة، فدعاهم، ونصحهم، وذكَّرهم بيوم الحساب، وأنه لا يغني عنهم شيئاً، وكذا فعل مع خديجة زوجته رضي الله عنها، فكانت أول من أسلم من أهل الأرض جميعاً.
إن الداعية إلى الله يجب أن يكون مخلصاً في نيته، ومتقناً في عمله، ومن الإخلاص: أن ينوي بدعوته وجه الله تعالى، ومن الإتقان: أن يبدأ بأهل بيته فيقدمهم على غيرهم، ولا يفرِّط في نصحهم وإرشادهم، ولا ينبغي له إغفال ذلك، ومعارضته بدعوة الناس، أو الانشغال بأمور الدنيا.
وإذا كان عنده زوجة ترعى شئون بيته، وأولاده: فإنها تؤدي معه رسالة بالغة الأهمية، وتقوم بإعانته على أمرٍ جلل، فليحفظ هذا لها، وهي إن كانت غريبة في بيئته: فإنه يجب عليه أن يوليها عناية خاصة، وأن يرحم ضعفها، وغربتها، وأن لا يتسلط عليها قهراً، وجبروتاً.
فليس عندنا إلا الإنكار على زوجك أخطاءه، والنصح لك بالصبر والدعاء، فعسى الله أن يبدِّل الحال إلى أحسن منه، وإياكِ أن يتسرب اليأس إلى قلبك، واعلمي أن الله تعالى أرحم بخلقه من الأم على ولدها، فإن حصل لك طلاق: فليست هذه نهاية الدنيا، وليس الزوج هو الذي يرزقك، ويرزق أولادك، والله تعالى حيُّ لا يموت، وخزائنه تعالى لا تنفد، وقد أخبرنا ربنا تعالى أنه قد يكون مع الطلاق الفرج والسعة من الرزق، فقال: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) النساء/ 130.
قال الطبري - رحمه الله -: " (يُغْنِ الله كلا من سعته) يقول: يُغن الله الزوجَ والمرأةَ المطلقة من سعة فضله، أما هذه: فبزوجٍ هو أصلح لها من المطلِّق الأول، أو برزق أوسع، وعصمة، وأما هذا: فبرزقٍ واسع، وزوجة هي أصلح له من المطلقة، أو عفة.
(وكان الله واسعاً) يعني: وكان الله واسعاً لهما، في رزقه إياهما، وغيرهما من خلقه.
(حكيماً) فيما قضى بينه وبينها من الفرقة، والطلاق، وسائر المعاني التي عرفناها من الحكم بينهما في هذه الآيات وغيرها، وفي غير ذلك من أحكامه، وتدبيره، وقضاياه في خلقه " انتهى.
" تفسير الطبري " (9 / 294) .
وتغفل كثير من النساء عن هذه الحقيقة، فتظن أن طلاقها سيكون معه فقرها، وهو خلل في الاعتقاد يجب أن تتنزه عنه، كما أنه مخالف للواقع، وكما أن الغنى يكون بالنكاح: فإنه يكون كذلك مع الطلاق.
رابعاً:
ما أقلقنا حقّاً وأزعجنا هو خاتمة رسالتك، حيث ذكرتِ أن زوجك يدفعك إلى التلفظ بكلمات الكفر! : فإن كان هذا مجرد خشية من وقوع ذلك منكِ: فهو أمرٌ خطير لا يحل لك السكوت عليه، ويجب عليك أنت المبادرة للتخلص من هذا الزواج الذي من المحتمل أن يتسبب لك في التلفظ بالكفر، وأما إن كنتِ تخبرين عن واقعٍ حصل، وأنكِ بالفعل قد تلفظتِ بكلمة الكفر: فاعلمي أنك وقعت في شرٍّ وسوء ومنكر بما لا يمكن مقارنته بما وقع فيه زوجكِ، فكلمة الكفر التي تُنطق من غير إكراه ولا خطأ: تُخرج صاحبها من الإسلام، وتخلده في نار جهنم إن مات على ذلك، ولم يردع نفسه بتوبة ودخول في الإسلام من جديد، فاحذري أشد الحذر إن لم يقع منك ذلك، وإن وقع فاعلمي أنها ردة، وأن الأعمال الصالحة تُحبط بها، وأن عقد الزواج مفسوخ، إلا أن تتوبي إلى الله تعالى بالدخول في الإسلام من جديد.
وإن أخشى ما نخشاه أن تكوني قد أُتِيت من قبل نفسك، فإن المرأة التي يستدرجها الشيطان إلى مثل ذلك، أو تدفعها مشاكل الحياة إلى ألفاظ الكفر، ربما رأى منها زوجها من ضعف الدين، وقلة مبالاتها به: ما يزهده فيها، ويبغض إليه عشرتها.
وانظري - في تفصيل ذلك -: (42505) و (65551) و (103082) .
وخلاصة نصيحتنا لك يا أمة الله: أن تهتمي أنت ـ أولا، وقبل كل شيء ـ بإصلاح ما اختل من أمر دينك، وبناء ما وهى منه، قبل أن تندمي، ساعة لا ينفع الندم:
قال يونس بن جبير رحمه الله: شيعنا جندب بن عبد الله، فلما بلغنا حصن المكاتب قلنا له: أوصنا.
قال: (أوصيكم بتقوى الله، والقران؛ فانه نور الليل المظلم، وهدى النهار؛ فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة، وإن عرض بلاء: فقدم مالك دون نفسك، فان تجاوز البلاء: فقدم مالك ونفسك دون دينك؛ فان المحروب من حُرِب دينه، والمسلوب من سلب دينه؛ إنه لا غنى بعد النار، ولا فاقة بعد الجنة، وإن النار لا يفك أسيرها، ولا يستغني فقيرها) رواه الإمام أحمد في الزهد (202) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2048) والبيهقي في شعب الإيمان (3/402ـ ط الرشد) ، وإسناده صحيح.
ونذكرك ـ أخيرا ـ بقول الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) مريم/96.
قال قتادة رحمه الله: " إي والله في قلوب أهل الإيمان، ذُكر لنا أن هَرِم بن حيان كان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقه مودّتهم ورحمتهم ".
رواه الطبري في تفسيره (18/262) وسنده صحيح إلى قتادة.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" هذا من نعمه على عباده، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح: ن وعدهم أنه يجعل لهم ودا، أي: محبة وودادا في قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض، وإذا كان لهم في القلوب ود تيسر لهم كثير من أمورهم، وحصل لهم من الخيرات والدعوات والإرشاد والقبول والإمامة ما حصل، ولهذا ورد في الحديث الصحيح: " إن الله إذا أحب عبدا، نادى جبريل: إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: (إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نادى جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أهل السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ) [متفق عليه] ، وإنما جعل الله لهم ودا لأنهم ودوه، فوددهم إلى أوليائه وأحبابه " انتهى. تفسير السعدي (501) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/1)
بعض المحن والصعوبات التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بداية الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المحن والصعوبات التي واجهت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندما بدأ في دعوة أهل قريش لرسالة التوحيد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المحن والصعوبات التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت بسبب ما واجهه به كفار قريش من وسائل وأساليب متنوعة في محاربة دعوته، " إذ عندما رأت قريش أن أثر دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن محدوداً كما كان الحال مع من دعا إلى نبذ الأصنام قبل محمد صلى الله عليه وسلم، أمثال زيد بن عمرو بن نفيل وورقة، قامت في وجه محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه، وأخذت تمارس شتى أساليب ووسائل الترغيب والترهيب لصدهم عن هذا الطريق الذي هدد مصالحهم التي يجنونها من وجود الحرم في أرضهم، وحط من تكبرهم على غيرهم، ووقف أمام شهواتهم في السيطرة واقتراف السيئات والموبقات، ومن أبرز تلك الأساليب:
الأسلوب الأول:
كان أول أسلوب لجؤوا إليه هو محاولة التأثير على عمه أبي طالب حتى يكفه عن الدعوة، أو تجريده من جواره – أي حمايته -، فقد ذهبت مجموعة من أشرافهم إلى عمه أبي طالب وقالوا له: إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا ... فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه، فقال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً وردهم رداً جميلاً فانصرفوا عنه.
نقل ذلك ابن هشام (1/328) من رواية ابن إسحاق.
الأسلوب الثاني: التهديد بمنازلة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمه أبي طالب.
ولما مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه، يظهر دين الله ويدعو إليه، غضبت منه قريش وعادوه وحقدوا عليه، فمشوا إلى عمه مرة أخرى فقالوا له: يا أبا طالب! إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وأقسموا بأنهم لن يصبروا على أفعاله حتى يكفه عنهم أو ينازلوه وإياه في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين. عند هذا عظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفساً بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه، ولذا أبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم بالذي قالوه، وطلب منه أن يبقي عليه وعلى نفسه، ولا يحمله من الأمر ما لا يطيق.
" سيرة ابن إسحاق " (ص/145)
الأسلوب الثالث: الاتهامات الباطلة لصد الناس عنه.
ومن تلك الاتهامات:
1- اتهموه بالجنون: وفي ذلك نزل قول الله تعالى: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) الحجر/6.
2- اتهموه بالسحر، وفي ذلك نزل قوله تعالى: (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) ص/4.
3- واتهموه بالكذب، وفي ذلك يقول الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا) الفرقان/4.
4- واتهموه بالإتيان بالأساطير، قال تعالى: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) الفرقان/5.
5- وقالوا إن القرآن ليس من عند الله وإنما هو من عند البشر: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) النحل/103.
6- واتهموا المؤمنين بالضلالة ... (وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ) المطففين/32.
الأسلوب الرابع: السخرية والاستهزاء والضحك والغمز واللمز والتعالي على المؤمنين.
يقول الله تعالى عن سخريتهم من الذين آمنوا: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) الأنعام/53.
وروى البخاري أن أبا جهل قال مستهزئاً: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) ، فنزلت: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الأنفال/32-33.
الأسلوب الخامس: التشويش.
كان المشركون يتواصون بينهم بافتعال ضجة عالية وصياح منكر عندما يقرأ القرآن، حتى لا يصل إلى سمع أحد وقلبه فيؤثر فيه، وفي ذلك قال الله عز وجل: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فصلت/26.
الأسلوب السادس: طلبهم أن تكون للرسول معجزات ومزايا ليست عند البشر العاديين.
من ذلك قولهم: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا. أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا. انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) الفرقان/7-9.
وقولهم: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا. أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا) الإسراء/90-93.
الأسلوب السابع: المساومات.
لقد حاولت قريش من خلال هذا الأسلوب أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق، وذلك بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه، ويترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما هو عليه، قال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) القلم/9.
وعندما قالوا له: اعبد آلهتنا يوماً، ونعبد إلهك يوماً، أنزل الله تعالى سورة "الكافرون": (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) وحسم هذه المساومة الهزلية.
الأسلوب الثامن: سب القرآن ومنزله ومن جاء به.
روى البخاري ومسلم وغيرهم في قوله تعالى: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا) الإسراء/110، أن ابن عباس قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ولا تجهر بصلاتك) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن: (ولا تخافت بها) عن أصحابك فلا تسمعهم، (وابتغ بين ذلك سبيلاً) .
الأسلوب التاسع: الاتصال باليهود للإتيان منهم بأسئلة تعجيزية للرسول صلى الله عليه وسلم.
أوفدت قريش نفراً منهم إلى المدينة، على رأسهم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ليأتوا من اليهود بأسئلة تعجيزية فيطرحوها على الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت لهم يهود: سلوه عن أهل الكهف وعن ذي القرنين والروح، ولكن الله أبطل كيدهم عندما أنزل قرآنا في شأن الإجابة عن أسئلتهم.
الأسلوب العاشر: الترغيب.
أرادت قريش أن تجرب أسلوب الترغيب، فأرسلت عتبة بن ربيعة الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم: (يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من المكان في النسب، وقد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها: إن كنت تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفاً سوَّدناك – أي جعلناك سيداً - علينا فلا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد ملكاً ملَّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً – من الجن - تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ.
فلما فرغ من قوله تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر سورة " فصلت " إلى قوله: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) .
الأسلوب الحادي عشر: الترهيب.
كان أبو جهل إذا سمع عن رجل قد أسلم وله شرف ومنعة أنَّبه وأخزاه، وقال له: تركت دين أبيك وهو خير منك! لنسفهن حلمك ولنضعفن رأيك ولنضعن شرفك. وإن كان تاجراً قال له: لنكسدن تجارتك، ولنهلكن مالك. وإن كان ضعيفاً ضربه وأغرى به.
"سيرة ابن هشام " (1/395) .
الأسلوب الثاني عشر: الاعتداء الجسدي.
عندما لم تثمر كل الأساليب السابقة في صد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن دينهم، لجأت قريش إلى أسلوب الاعتداء الجسدي والتصفية الجسدية.
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ: فَقِيلَ: نَعَمْ. فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ. قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ. قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ. قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا نَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ شَيْءٌ بَلَغَهُ: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى. إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى. أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى. عَبْدًا إِذَا صَلَّى. أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى. أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى. أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى. كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ. نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ. فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ. سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ. كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) .
وروى البخاري بسنده إلى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) .
وروى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال:
بينما النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ، فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَع رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
ونال أبا بكر رضي الله عنه نصيبه من الأذى حتى فكر في الهجرة إلى الحبشة فراراً بدينه.
وكان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبد الله بن مسعود، على الرغم من تحذير المسلمين من عدوان المشركين وخشيتهم عليه، فعندما فعل ذلك ضربوه على وجهه حتى أثروا فيه.
الأسلوب الثالث عشر: ملاحقة المسلمين خارج مكة والتحريض عليهم.
فعندما هاجر بعض المسلمين إلى النجاشي أرسلوا خلفهم من حاول اللحاق بهم قبل العبور إلى الحبشة، وعندما استقروا بالحبشة وكثر عددهم أرسلوا في طلبهم، واستخدموا في ذلك الرشوة والحيلة للوقيعة بين المسلمين والنجاشي، ولكنهم فشلوا في ذلك.
الأسلوب الرابع عشر: المقاطعة العامة – وذلك في شعب أبي طالب -.
الأسلوب الخامس عشر: محاولة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ثم شن الحرب عليه.
إن أعداء الإسلام في كل زمان ومكان لم يكفوا ولن يكفوا عن استخدام كافة الوسائل والأساليب لإطفاء نور الإسلام ومحاربة دعاته، وربما تتجدد الأساليب والوسائل، ولكنها لا تخرج في مضمونها عن تلك الأساليب التي مارسها كفار قريش ضد المسلمين المستضعفين بمكة" انتهى باختصار من كتاب " السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية " للدكتور مهدي رزق الله (ص/165-194) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/2)
هل يجوز للمرأة المنتقبة أن تكون معلمة وداعية في قناة فضائية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ظهور المرأة على القنوات الفضائية لإعطاء الدروس، كما يحدث الآن في إحدى القنوات الفضائية الإسلامية، علماً بأنها تكون بكامل حجابها – أي: منقبة -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
القنوات الفضائية الإسلامية الجادة لا شك أنها وسيلة نافعة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى , وليست كل قناة تدعي أنها إسلامية فهي كذلك؛ لأن منها ما تجاوز الحد في كثرة المخالفات الشرعية، كظهور النساء في برامج مع الرجال، والصدح بالمعازف، وبعضها أدخل التمثيليات والمسلسلات العربية، وغير ذلك من المنكرات.
ثانياً:
لا بأس أن تقوم المرأة بالدعوة إلى الله تعالى، والتعليم، وتدريس القرآن، لكن على أن يتم ذلك في بنات جنسها، وهناك ضوابط ينبغي توفرها، فلينظر – للوقوف عليها - جواب السؤال رقم: (117074) .
ثالثاً:
الأصل في التصدي لتعليم أحكام الشرع أن يكون الرجل هو المعلِّم، لما جعل الله تعالى له من القيام بمنصب إمامة الناس، والقضاء، وغير ذلك، ولهذا لم يرسل الله تعالى رسولاً إلا رجلاً، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) يوسف/109، لأن الرجل أقدر على القيام بالدعوة إلى الله وتحمل المشاق في سبيل ذلك.
وخروج المرأة على القنوات الفضائية لدعوة عموم الناس: مخالف للأدلة الشرعية، ومخالف لهدي أمهات المؤمنين وهن خير نساء الأمة، رضي الله عنهن.
أما مخالفة ذلك للأدلة الشرعية؛ فقد أمر الله تعالى النساء بالبقاء في البيوت، فقال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب/33، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المرأة في بيتها خيراً لها من صلاتها في مسجد الكعبة، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبروزها للدعوة ليراها الملايين مخالف لذلك.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) رواه أبو داود (567) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله:
(وبيوتهن خير لهن) : أي: صلاتهن في بيوتهن خير لهن من صلاتهن في المساجد لو علمن ذلك , لكنهن لم يعلمن، فيسألن الخروج إلى المساجد، ويعتقدن أن أجرهن في المساجد أكثر، ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل: الأمن من الفتنة , ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج، والزينة.
"عون المعبود" (2/193) .
ولتطبق المرأة ذلك على تعليمها للنساء، فيكون ذلك في بيتها، فإن لم يمكن: ففي بيت غيرها من النساء، ولا يكون ذلك في المسجد، لأنه مكان تجمع الرجال في الغالب، فمن باب أولى وأحرى ألا يكون ذلك على قناة فضائية يراها الرجال كما تراها النساء.
ولهذا لما طلبت النساء من النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يعلمهن فيه، فواعدهن في بيتٍ يأتيهن فيه، ولم يواعدهن في المسجد! ولهذا أنكر الشيخ الألباني رحمه الله ما تفعله بعض الداعيات من تجميع النساء في المساجد، فكيف يكون الأمر لو كان خروج تلك الداعية في "مقر فضائية" يعج بالرجال؟!
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه جَاءَ نِسْوَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقْدِرُ عَلَيْكَ فِي مَجْلِسِكَ مِنْ الرِّجَالِ، فَوَاعِدْنَا مِنْكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ. قَالَ: مَوْعِدُكُنَّ بَيْتُ فُلَانٍ، وَأَتَاهُنَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلِذَلِكَ الْمَوْعِدِ. رواه أحمد (12/ 313) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2680) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
"وأمَّا ما شاع هنا في دمشق في الآونة الأخيرة من ارتياد النساء للمساجد في أوقات معينة ليسمَعْن درساً من إحداه، ممن يتسمَّون بـ " الداعيات " زعمن! : فذلك من الأمور المحدثة، التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد السلف الصالح، وإنما المعهود أن يتولى تعليمهن العلماء الصالحون، في مكان خاص، كما في هذا الحديث، أو في درس الرجال حجزة عنهم في المسجد إذا أمكن، وإلا غلبهن الرجال، ولم يتمكنَّ من العلم، والسؤال عنه، فإن وجد في النساء اليوم من أوتيت شيئاً من العلم، والفقه السليم المستقى من الكتاب والسنَّة: فلا بأس من أن تعقد لهن مجلساً خاصّاً، في بيتها، أو بيت إحداهن، ذلك خير لهن، كيف لا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الجماعة في المسجد: (وبيوتهن خير لهن) ؟! ، فإذا كان الأمر هكذا في الصلاة التي تضطر المرأة المسلمة أن تلتزم فيها من الأدب والحشمة ما لا تكثر منه خارجها، فكيف لا يكون العلم في البيوت أولى لهن؟! لا سيما وبعضهن ترفع صوتها، وقد يشترك معها غيرها، فيكون لهن دوي في المسجد قبيح ذميم، وهذا مما سمعناه، وشاهدناه، مع الأسف.
ثم رأيت هذه المحدَثة قد تعدت إلى بعض البلاد الأخرى، كعمَّان، مثلا، نسأل الله السلامة من كل بدعة محدثة" انتهى.
"السلسلة الصحيحة" (6/179) .
ويمكننا هنا أن نذكر بعض المحاذير والمخالفات الشرعية التي تؤدي إليها خروج المرأة في الفضائيات ولو كانت ترتدي النقاب:
1. أنه يلزم من ظهورها في الفضائيات: خروجها من بيتها، وتعرضها للاختلاط مع الرجال , من مصور، ومخرج للبرنامج، وغيرهم , ممن لهم دور في إخراج حلقات برنامجها , وهذا بحد ذاته اختلاط قبيح؛ إذ فيه محادثة، واقتراب أجساد، وهو مناف للأصل الشرعي وهو قرار المرأة في بيتها، وبعدها عن أماكن وجود الرجال.
2. أن في خروجها في الفضائيات أو أجهزة الإعلام سماع مئات الآلاف أو الملايين من الرجال صوتها من غير حاجة، وهذا لا يمكن أن يقول بجوازه عالم، فإن العلماء اختلفوا في صوت المرأة هل هو عورة أم لا؟ ولكنهم لا يختلفون أنها لا ترفع صوتها حتى يسمعها الرجال الأجانب عنها بلا حاجة، وقد منعها الرسول صلى الله عليه وسلم من تنبيه الإمام في الصلاة إذا أخطأ بالقول، وإنما تصفق، فقال صلى الله عليه وسلم: (التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) رواه البخاري (1204) ومسلم (421) .
وقد منع العلماء المرأة أن ترفع صوتها بالتلبية في الحج أو العمرة، حتى لا يسمعها الرجال الأجانب عنها.
قال ابن عقيل رحمه الله: يكره سماع صوتها بلا حاجة.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: سماع صوت المرأة مكروه.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: ينبغي للمرأة أن تخفض صوتها إذا كانت في قراءتها إذا قرأت بالليل.
انظر: "الإنصاف" (8/31) .
3. في ظهورها على الفضائيات: تعريضها للسخرية، والاستهزاء بها خاصة، وبعموم المنتقبات عامة، وسيكون برنامجها وقتاً للتسلية للمستهزئين بالشرع.
4. عدم تناسب بعض البرامج مع النقاب، كمن تدرس التجويد وهي بنقابها، وهي محتاجة في تدريسها لإظهار الشفتين، واللسان، حتى يتعلم النساء طريقة النطق الصحيحة، فصار تدريسها لذلك العلم غير مؤدٍ لمقصوده.
5. هناك ضعف واضح في أولئك النسوة في التعليم، كما هو مشاهَد، والرجال بلا شك أقدر على القيام بالتعليم منهن.
6. يُخشى أن يكون هذا مقدمةً للتنازل عن النقاب، والمسلم مأمور بالابتعاد عن مواطن الفتنة. 7. الزعم بأن المرأة أعلم بمشكلاتها، وأقدر على طرح قضاياها: غير صحيح، فقد ثبت أن الرجل هو الأقدر على ذلك، والأعلم؛ لمخالطته لصنوف من الناس، ووقوفه على ما لم تقف عليه المرأة، ثم لو فرض أنها الأعلم بمشكلاتها، والأقدر على طرح قضاياها: فليست هي الأقدر على حلها، وهذا مشاهد، ومعلوم.
8. ليس هناك داعٍ لتقديم رسالة للغرب أن المرأة عندنا لها مكانتها، وأنها تشارك الرجال في أعمالهم، فالغرب لن يرضى بمتحجبة، فضلاً عن منتقبة، وإنما نقدم رسالة الإسلام للغرب بما عليه المسلمات من العفاف، والحشمة.
فلما سبق: نرى عدم جواز خروج المرأة في قناة فضائية، ولو كانت بحجابها الكامل، ولو لم يكن في عملهن إلا الاختلاط بالرجال لكان كافياً في منعه، فكيف وقد انضاف إلى ذلك أشياء أُخَر؟! .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/3)
جريدة إسبانية تتهم موقعنا هذا بالتعصب والتطرف!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب علم، من إسبانيا، وأدير غرفة محادثة في برنامج " البالتوك "، التي نحاول من خلالها نشر تعاليم الإسلام لكل من المسلمين الجدد، وغير المسلمين، والحمد لله قد أسلم الكثير بسبب هذه الغرفة، نحن ضد أي عمل إرهابي، أو له علاقة بالعنف بشتى أنواعه، لكن قبل أيام إحدى الجرائد الإسبانية نشرت مقالاً تقول فيه: إن هناك عدة منتديات تدعو إلى العنف، مضيفة أن من يرتادون هذه المواقع عندما لا يجدون أجوبة لما عندهم يذهبون إلى موقع " الإسلام سؤال وجواب "، واصفة إياه بـ " التعصب "، و " التطرف ". أود لو أعطيتمونا نصائح حول كيفية مواجهة هذه الأخبار، نحن لسنا متطرفين أبداً، ولا كما يصفوننا في المقال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم ـ يا أخي الكريم ـ أن القضية ليست عند المعادين للإسلام وأهله، من الغربيين، قضية موقع أو توجه معين؛ بل القضية: هي الإسلام في ذاته؛ فمتى كان المرء مسلما، كان ـ في تقديرهم ـ: إرهابيا متطرفا ... ، وهي عنصر قديم في الثقافة الأوربية، منذ عهد التجنيد والتجهيز للحروب الصليبية على الإسلام والمسلمين. ولتلعم ـ أخانا الكريم ـ أن منتهى ذلك العداء، وتلك البغضاء، ليس هو بالتخلي عن منهجنا، أو حتى بإغلاق موقعنا، لا قدر الله، بل بالانسلاخ عن ديننا بالكلية، واتباع دين القوم. قال الله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) البقرة /120.
وإن كان لا بدَّ من وقفات، فيمكن أن تكون في نقاط:
1. ما هو تعريف " التعصب " و " التطرف " و " الإرهاب " عند ذلك الكاتب، وغيره من الساسة، والقادة، والإعلاميين؟! لا يستطيع العالَم الاتفاق على معنى لكل مصطلح مما سبق ذكره، وكل واحد ينظر إلى تلك المصطلحات ويجعل معانيها ما يفهمه هو منها، انطلاقاً من دينه، أو فكره، أو بلده، أو حزبه، فكيف يمكن لنا ـ إذا ـ الدخول في نقاش، حول مفاهيم لم تحدد؟! .
2. ونحن أُمرنا بالاستقامة على دين ربنا تعالى، وبالدخول في دين الله كله، وبأخذه بقوة، وطبيعي أن مثل هذا لا يعجب المنحلين والمميعين من المسلمين، فكيف له أن يكون محط إعجاب من كافر مشرك؟! وهل يُتوقع من مثل هؤلاء أن يعينوا المسلمين على الاستقامة على دين الله تعالى، أو يحثوهم على عدم التفريط بدينهم؟! .
3. إننا ـ إن شاء الله ـ في موقعنا هذا – ومعنا الإخوة في مواقع الفتوى الأخرى من أهل السنَّة – لا نضع نصب أعيننا عند الجواب عن سؤال سائل: رضى دولة، ولا حزب، ولا جماعة، تنتسب للإسلام، فهل سنضع في حسباننا رضى كافرٍ عما نقول، ونفتي به في دين الله؟! إننا لا نفرح بمدحهم لما يرونه موافقاً لعقولهم ومبادئهم، ولا يضيرنا ـ أيضا، إن شاء الله ـ نقدهم لما نقول، فلهم دينهم ولنا ديننا، ولهم ربُّهم، ولنا ربنا:
نَحنُ بِما عِندَنا وَأَنتَ بِما عِندَكَ راضٍ وَالرَأيُ مُختَلِفُ
4. لو كان ذلك المقال منصفاً، وصادقا؛ فأين موقفهم من التعصب الأعمى، والتطرف البغيض الذي انتشر في غير بلد، حتى أفرز إهانة متطرفيهم وجهلتهم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وطعنا أعمى، بالهوى والتعصب فحسب، على ديننا، ولرأينا مواقف لهم من " فتاوى " التعصب والتطرف والكراهية المقيتة التي تصدر من بابواتهم، وحاخاماتهم، ورؤساء أحزابهم، مما يتعلق بالأقليات المسلمة، ومما يتعلق بشعائر ديننا، كالحجاب، ولكننا نراهم يغضون الطرف عنها، ويبحثون عن مواقع الزلات من بعض المتحمسين من المسلمين، ليتوصلوا بذلك للطعن في ديننا ذاته.
5. ولو كان هذا المقال منصفا حقا: فأين موقفه من إرهاب الدول الذي يمارس ضد المسلمين، أصحاب الحق، وأهل الأرض، في فلسطين، والعراق، وأفغانستان، وغيرها من بلاد المسلمين؛ فأين هم إراقة هذه الدماء، وانتهاك الحرمات، ونهب الثروات.
06 ولو كان هذا المقال منصفا: لراجع تاريخ بلاده في استعمار الشعوب، ونهب ثرواتها، وما فعلوا بالهنود الحمر، وغيرهم من أهل البلاد التي استعمروها، ونهبوا ثرواتها.
07 ولو كان هذا المقال منصفا: لراجع تاريخ محاكم التفتيش، وفكر جيدا: كم سيحتاج من الزمان والجهد، وكم سيحتاج ... حتى يعتذر عن ذلك التاريخ.
فالحاضر والماضي، معا، يحتاجان إلى نظرة إنصاف!!
فعليك ـ أخي الكريم ـ بما أنتم عليه من استقامة المنهج، والبعد عن مثيرات الفتن حيث تعيشون، والدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعضة الحسنة، وبحسب ما تسمح به ظروفكم وإمكانياتكم، وليكن علمكم وقولكم، وحالكم وعملكم: هو الشاهد الحقيقي منهجكم، , والدليل على كذب من اتهمكم بالباطل.
واعلم أن رضا الناس غاية لا تدرك!!
ونسأل الله تعالى أن يجعل كيد من أراد الإساءة لهذا الدين في نحره، وأن يوفقكم لأن تكونوا دعاة على الكتاب والسنَّة.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/4)
استعملت انترنت جيرانها واكتشفت موهبتها في الكتابة، فهل تستخدم هذه الموهبة
[السُّؤَالُ]
ـ[استخدمت إنترنت الجيران (شبكة الدي إس إل) من غير علمهم، وخلال استخدامي له عملت اختبار نفسيا على أحد مواقع الإنترنت، واكتشفت موهبتي آلا وهي الكتابة. فهل يجوز لي استخدام هذه الموهبة (الكتابة والتأليف) ـ مع أني حصلت عليها عن طريق غير جائز، على ما أعتقد ـ في التكسب وتأليف الكتب؛ خصوصا أني لا أعلم من هم، وهل هناك مخرج من هذا بالتصدق عنهم وما سواه. وجزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق الكلام على حكم الاستفادة من اشتراك الغير في الإنترنت، فينظر: جواب السؤال رقم (99544) .
وعلى فرض أن استخدامك هذا الإنترنت، قد أثر على سرعته وأضر بجيرانك، فهذا ذنب تستغفرين منه، لكن لا يمنع من استفادتك من موهبة الكتابة والتأليف والانتفاع بذلك، سواء قيل إن الموهبة كانت لديك من قبل، أو حصلت لك من خلال استعمال الإنترنت – وهو بعيد -، وإن تصدقت بشيء عن أصحاب هذا الحق الذي اعتديت عليه: فهو أمر حسن إن شاء الله.
ولا ننصحك بأن يكون مجال موهبتك التي اكتشفتيها في الكتابة في الإنترنت؛ فإن هذا باب لا تؤمن عقباه، والغثاء فيه كثير، وخطوات الشيطان فيه واسعة، وحيله خفية؛ فاجتهدي أن تكتبي رسائل أو كتبا نافعة لك ولإخوانك، واهتمي أكثر بمباشرة الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتدريس الكتب النافعة لأخواتك، ومن حولك من الناس.
وليكن همك هو كتابة ما ينفع، وما يقربك إلى الله تعالى، وتسرّين حين ترينه في صحيفتك يوم القيامة.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/5)
يخالفون الشرع ويتذرعون بوجود من يفعل ذلك من أهل الاستقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض أئمة المساجد وأساتذة التربية الإسلامية وغيرهم مما يعتبرون قدوة لأناس غيرهم يأخذون من لحاهم - والبعض يحلقها كلها -، ويسبلون ثيابهم، فإذا حاججت بعض ضعاف النفوس على حرمة هذه الأمور: يقول لك: فلان إمام مسجد، ومسبل ثوبه، أو فلان مدرس إسلاميات، ويحلق لحيته. نريد منكم كلمة في مثل هؤلاء الأئمة، ومن في دورهم، وخطر ما يفعلونه على أنفسهم، وعلى الناس كلهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: تعلق بعض المخالفين للشرع بفعل بعض أئمة المساجد، أو مدرسي التربية الإسلامية: لا ينفعهم عند ربهم؛ لأن المطلوب من المسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز له أن يقوم هدي أحد على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب/21، وقال الله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) القصص/65. .
فإذا اتضحت سنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لمسلم أن يتركها من أجل فعل فلان من الناس أو قوله. قال الإمام الشافعي رحمه الله: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس.
ثانياً:
ينبغي لمن صار قدوة للناس أن يكون أكثر اعتناء باتباع السنة، وعدم مخالفتها، لأن الناس يقتدون به، وينظرون إلى فعله على أنه هو الشرع.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" ولهذا يجب على أهل العلم ما لا يجب على غيرهم، في العبادات، في الأخلاق، في المعاملات؛ لأن الناس يقتدون بهم، يقتدون بهم تماماً، حتى إن بعض الناس يجلس إلى العالم وهو يصلي - مثلاً - ويحصي عليه حركاته، وسكناته، ولما كبر ابن عمر رضي الله عنهما صار لا يجلس للصلاة مفترشاً، فقال له أحد أبنائه: (يا أبت كيف هذا الجلوس؟ فقال: إن رجليِّ لا تقلاني) ، فانظر إلى نظرة الناس إلى العالم، يحصون عليه حتى فعله، حتى تركه، لذلك يجب على طلبة العلم أن يكونوا مثالاً طيباً حسناً في كل شيء، حتى يكونوا قدوةً صالحة، وحتى يحترمهم الناس " انتهى.
" اللقاء الشهري " (مقدمة اللقاء رقم 49) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" والعالِم يُعرف بصبره، وتقواه لله , وخشيته له سبحانه وتعالى , ومسارعته إلى ما أوجب الله ورسوله , وابتعاده عما حرم الله ورسوله.
هكذا يكون العالم، سواءً كان مدرساً، أو قاضياً، أو داعياً إلى الله , أو في أي عمل , فواجبه أن يكون قدوة في الخير , وأن يكون أسوة في الصالحات , يعمل بعلمه، ويتق الله أين ما كان , ويرشد الناس إلى الخير , حتى يكون قدوة صالحة لطلابه , ولأهل بيته ولجيرانه ولغيرهم ممن عرفه , يتأسون به: بأقواله، وأعماله الموافقة لشرع الله عز وجل.
وعلى طالب العلم أن يحذر غاية الحذر من التساهل فيما أوجب الله , أو الوقوع فيما حرم الله؛ فإنه يُتأسى به في ذلك , فإذا تساهل: تساهل غيره , وهكذا في السنَّة، والمكروهات , ينبغي له أن يحرص على تحري السنن , وإن كانت غير واجبة؛ ليعتادها، وليَتأسى الناس به فيها , وأن يبتعد عن المكروهات، والمشتبهات؛ حتى لا يتأسى به الناس فيها.
فطالب العلم له شأن عظيم , وأهل العلم هم الخلاصة في هذا الوجود , فعليهم من الواجبات والرعاية ما ليس على غيرهم , يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 312، 313) .
2. وقال رحمه الله أيضاً -:
" (وَمنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) هذه الآية العظيمة تبين لنا أن الداعي إلى الله عز وجل ينبغي أن يكون ذا عمل صالح يدعو إلى الله بلسانه، ويدعو إلى الله بأفعاله أيضاً , ولهذا قال بعده: (وَعَمِلَ صَالِحًا) ، فالداعي إلى الله عز وجل يكون داعية باللسان , وداعية بالعمل , ولا أحسن قولاً من هذا الصنف من الناس , هم الدعاة إلى الله بأقوالهم الطيبة، وهم يوجهون الناس بالأقوال والأعمال، فصاروا قدوة صالحة في أقوالهم، وأعمالهم، وسيرتهم.
وهكذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام , دعاة إلى الله بالأقوال، والأعمال، والسيرة , وكثير من المدعوين ينتفعون بالسيرة أكثر مما ينتفعون بالأقوال، ولا سيما العامة، وأرباب العلوم القاصرة؛ فإنهم ينتفعون من السيرة، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة ما لا ينتفعون من الأقوال التي قد لا يفهمونها , فالداعي إلى الله عز وجل من أهم المهمات في حقه أن يكون ذا سيرة حسنة، وذا عمل صالح، وذا خلُق فاضل حتى يقتدى بأفعاله، وأقواله وسيرته.
... .
فهذه الآية العظيمة فيها الحث، والتحريض على الدعوة إلى الله عز وجل، وبيان منزلة الدعاة، وأنهم أحسن الناس قولاً إذا صدقوا في قولهم، وعملوا الصالحات، وهم أحسن الناس قولاً، ولا أحد أحسن منهم قولاً أبداً، وعلى رأسهم: الرسل عليهم الصلاة والسلام , ثم أتباعهم على بصيرة إلى يوم القيامة " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 110، 111) .
ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يهدي الدعاة وطلبة العلم لما فيه صلاحهم وصلاح الناس.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/6)
من الأسباب المعينة على تجاوز الجبن والكسل في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأسباب المعينة على الدعوة , والتخلص من تلبيسات الشيطان أثناء الدعوة كاليأس والجبن والكسل وغيرها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بالتأمل في عوائق اليأس والجبن والكسل - وهي من أخطر العوائق التي تواجه الدعاة - يمكن اقتراح علاجين اثنين مهمين يعينان على مواجهة هذه التحديات:
أولا:
تذكر ما عند الله عز وجل من أجر عظيم وفضل كبير، فمن أيقن أن الله تعالى هو الذي تكفل له بالأجر والثواب، وأنه عز وجل ينظر إليه وهو يدل عليه ويرشد الناس إليه، لم يتردد يوما ولا لحظة في الاستمرار بسعيه، والاجتهاد في طريقه، وتجاوز كل ما يدعو إلى اليأس والكسل والجبن، والداعية الحكيم هو الذي لا تغيب عن خاطره الآيات التي تبشر الدعاة ومعلمي الناس الخير، كقوله عز وجل: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) التوبة/112، وكقوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ. وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/30-33.
ثانيا:
قراءة سير الدعاة إلى الله تعالى، والتركيز على سيرة سيد الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك للاطلاع على شيء من علو همم هؤلاء الدعاة العظام، والاقتباس من نورهم، والاقتداء بهديهم، وكيف أنهم لم يكسلوا ولم يجبنوا ولم ييأسوا، بل كان شعار الجميع ما قاله صلى الله عليه وسلم حين ظن ملك الجبال أنه صلى الله عليه وسلم يئس من قومه فعرض عليه أن يهلكهم بأمر الله، فأجابه صلى الله عليه وسلم جواب الواثق المطمئن: (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) رواه البخاري (3231) ومسلم (1795)
فأي يأس يبقى بعد أن يرى الداعية هذه الهمة العظيمة، وأي جبن يبقى بعد أن يقرأ ما لقيه الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان والعلماء الكرام في سبيل إيصال هذه الشريعة النقية إلينا اليوم، ألم يُقتل الآلاف من خيرة الناس في هذا السبيل، ألم يعذب مثلهم من الصالحين، ألم يُبتل بالسجن والحرمان من لا يحصيهم إلا الله، فأي فضل يرجو مَن يقعد في بيته، ويتكاسل عن نشر دين الله ونصرة الحق والعدل في الأرض، أيظن أنه يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، أم يظن أن الموازين يوم القيامة تبخس الناس أعمالهم، وقد سبقتنا قرون سابقة من الهمم العالية في هذا المضمار، فمن اطلع على سيرهم، ووقف على أخبارهم انبعثت نفسه للعمل، وقامت همته كما قامت همم الأوائل، وقد قال خالد بن الوليد رضي الله عنه: (فلا نامت أعين الجبناء) رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق ".
يقول الدكتور سيد العفاني حفظه الله:
" قال أحمد بن داود أبو سعيد الواسطي:
دخلت على أحمد الحبس قبل الضرب، فقلت له في بعض كلامي: يا أبا عبد الله: عليك عيال، ولك صبيان، وأنت معذور. كأني أسهل عليه الإجابة، فقال لي أحمد بن حنبل: إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد استرحت!!
وما أكثر ما يقال مثل هذا للدعاة اليوم، وما أكثر من يفهم الإسلام ثم يحدث نفسه بمثل هذا، فيجبن وينزوي ولا يشارك الدعاة سيرهم، وإنما هو حديث من استراح، كما يقول الإمام أحمد، وأما من لدغ واقعُ المسلمين قلبَه فأنَّى له الراحة؟! وأنَّى يَدَعُ لصبيانه وزوجه تخذيله وتقييده عن الاندفاع للدعوة لدين الله؟
وهل الموت إلا بآجال؟
(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) آل عمران/145.
إن عهد الدعوة لن يقدم أجلا، ولكنه يرفع إلى الفراديس.
فإن لم يكن المسلم مع أحمد، أو مع ورثة أحمد، وقعد لعذر أو شبه عذر فإنه مطالب بالأسف وازدراء نفسه على الأقل، ألا يكون مع القوم الدعاة العاملين، كما قيل للزاهد بشر بن الحارث الحافي يوم تعذيب أحمد بن حنبل: قد ضرب أحمد بن حنبل إلى الساعة سبعة عشر سوطا، فمد بشر رجله وجعل ينظر إلى ساقيه ويقول: ما أقبح هذا الساق؛ أن لا يكون القيد فيه نصرة لهذا الرجل.
إن المسلم الصادق إن عذر نفسه وأفتاها بالتخلف عن ركب الدعاة خوفا من الفتنة وبطش الطغاة، " أو لنوع ضرورة أو ضعف يدريه من نفسه، أو شبهة، عرف ما يوجبه ذلك من التواضع وترك التطاول على الدعاة، ويظل يتهم نفسه في اجتهاده، ويمنح الصابرين المقتحمين المتجردين للدعوة لسانا جميلا، يكون لهم فيه نوع سلوة وراحة، وأما أسير هواه فيجادل ويثرثر، ويقذف لسانه بكل لفظ صلب ألا يوصف بتخلف، فيجمع بجداله نقصا إلى نقص والعياذ بالله " انتهى.
" صلاح الأمة في علو الهمة " (2/100-102)
وانظر فصلا مهما بعنوان: " كيف تعلو الهمم " من المجلد السابع من كتاب " صلاح الأمة في علو الهمة " (ص/285- 367) ، فقد ذكر فيه ثلاثة وثلاثين سببا معينا على علو الهمة وتجاوز أسباب العجز والكسل.
وننصحك ـ أخانا الكريم ـ بقراءة فصل علو الهمة في الدعوة إلى الله، (2/5-141) ، وأيضا: رسالة "الحَوْر بعد الكَوْر"، لفضيلة الشيخ محمد بن عبد الله الدويش، حفظه الله، ورسالة "عجز الثقات"، لفضيلة الشيخ الدكتور محمد موسى الشريف، حفظه الله.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/7)
جواز صرف الزكاة في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز صرف الزكاة في الدعوة إلى الله؟ فيصرف منها على الدعاة وعلى طلبة العلم، وتفتح مكاتب للدعوة بما فيها من أثاث وأجهزة، ونشتري كتباً وتوزع على المدعوين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بَيَّن الله تعالى مصارف الزكاة بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60.
وجمهور العلماء على أن المراد بقوله تعالى: (وفي سبيل الله) الجهاد في سبيل الله.
وانظر جواب السؤال رقم (21805) .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الجهاد في سبيل الله يشمل الجهاد بالنفس والسلاح، ويشمل أيضاً: جهاد العلم، والرد على شبه المشركين، وبيان بطلان ما هم عليه من الدين، وبيان محاسن الإسلام، والدعوة إليه.
وقد ورد في النصوص الشرعية إطلاق "الجهاد" على جهاد العلم والدعوة إلى الله.
1- قال الله تعالى في سورة الفرقان، وهي سورة مكية، لم يكن جهاد السلاح شرع حينئذ: (فَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (وجاهدهم به) أي: بالقرآن. تفسير ابن جرير (19/280) .
وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (3/5) :
"فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان، وتبليغ القرآن" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وإذا كان كذلك فمعلوم أن الجهاد منه ما يكون بالقتال باليد، ومنه ما يكون بالحجة والبيان والدعوة، قال الله تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) سورة الفرقان/51، 52، فأمره الله سبحانه وتعالى أن يجاهد الكفار بالقرآن جهادا كبيرا، وهذه السورة مكية نزلت بمكة، قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يؤمر بالقتال، ولم يؤذن له، وإنما كان هذا الجهاد بالعلم والقلب والبيان والدعوة، لا بالقتال" انتهى.
"منهاج السنة النبوية" (8/86) .
2- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) رواه أبو داود (2504) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد اختار هذا القول بعض علمائنا المعاصرين، وبه صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي. قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله:
"وها هنا أمر هام يصح أن يصرف فيه من الزكاة، وهو إعداد قوة مالية للدعوة إلى الله، ولكشف الشبه عن الدين، وهذا يدخل في الجهاد، هذا من أعظم سبيل الله.
فإن قام ولاة الأمر بذلك فإنه متعين عليهم، وهذا من أهم مقاصد الولاية، التي من أجلها أُمر بالسمع والطاعة لحماية حوزة الدين، فإذا أخل بذلك من جهة الولاة فواجب على المسلمين أن يعملوا هذا، لاسيما في هذه السنين، فقد كان في نجد في كل سنة يبذلون جهاداً لأجل التقوِّي به، فلو كان الناس يجمعون منه الشيء الكثير للدعوة إلى الله وقمع المفسدين بالكلام والنشر فإنه يتعين" انتهى.
"مجموع فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ" (4/142) .
وجاء في قرار المجمع الفقهي:
"بعد تداول الرأي ومناقشة أدلة الفريقين قرر المجلس بالأكثرية ما يلي:
1- نظرا إلى أن القول الثاني قد قال به طائفة من علماء المسلمين وأن له حظا من النظر في بعض الآيات الكريمة مثل قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) ، ومن الأحاديث الشريفة مثل ما جاء في سنن أبي داود أن رجلا جعل ناقة في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اركبيها فإن الحج في سبيل الله) .
2- ونظرا إلى أن القصد من الجهاد بالسلاح هو إعلاء كلمة الله تعالى، وأن إعلاء كلمة الله تعالى كما يكون بالقتال يكون-أيضاً- بالدعوة إلى الله تعالى ونشر دينه بإعداد الدعاة ودعمهم ومساعدتهم على أداء مهمتهم، فيكون كلا الأمرين جهادا، لما روي الإمام أحمد والنسائي وصححه الحاكم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) .
3- ونظرا إلى أن الإسلام محارب بالغزو الفكري والعقدي من الملاحدة واليهود والنصارى وسائر أعداء الدين، وأن لهؤلاء من يدعمهم الدعم المادي والمعنوي، فإنه يتعين على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلام وبما هو أنكى منه.
4- ونظرا إلى أن الحروب في البلاد الإسلامية أصبح لها وزارات خاصة بها، ولها بنود مالية في ميزانية كل دولة، بخلاف الجهاد بالدعوة، فإنه لا يوجد له في ميزانيات غالب الدول مساعدة ولا عون.
لذلك كله فإن المجلس يقرر-بالأكثرية المطلقة- دخول الدعوة إلى الله تعالى وما يعين عليها ويدعم أعمالها في معنى (وفِي سَبِيلِ اللهِ) في الآية الكريمة."انتهى.
كما صدرت بذلك فتوى الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة جاء فيها:
"إن مصرف في سبيل الله يراد به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء بما مفاده حفظ الدين وإعلاء كلمة الله ويشمل مع القتال الدعوة إلى الإسلام، والعمل على تحكيم شريعته، ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه، وصد التيارات المعادية له. وبهذا لا يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده، ويدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل ما يلي:
أ- تمويل الحركات العسكرية الجهادية التي ترفع راية الإسلام وتصد العدوان على المسلمين في شتى ديارهم.
ب- تمويل مراكز الدعوة إلى الإسلام التي يقوم عليها رجال صادقون في البلاد غير الإسلامية بهدف نشر الإسلام بمختلف الطرق الصحيحة التي تلائم العصر، وينطبق هذا على كل مسجد يقام في بلد غير إسلامي يكون مقرا للدعوة الإسلامية.
ج- تمويل الجهود التي تثبت الإسلام بين الأقليات الإسلامية في الديار التي تسلط فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين، والتي تتعرض لخطط تذويب البقية من المسلمين في تلك الديار" انتهى.
"فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة" (25) .
وانظر: بحثا بعنوان: "مشمولات مصرف (في سبيل الله) " للدكتور عبد الله بن منصور الغفيلي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/8)
هل يقرهم على لعب البلوت (الكوتشينة) حتى لا يذهبوا إلى المراقص والملاهي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن إخوانكم نتلقى العلاج في أمريكا، ونسكن بمجمع سكني قرابة عشرين أسرة، ولا يوجد لدينا مسجد بالمجمع، وقد قام أحد المحسنين باستئجار إحدى الشقق لمدة سنة لجعلها مصلى ولاجتماع الإخوان فيها واستئناسهم وإلقاء الدروس عليهم. وبعد الفراغ من صلاة العشاء يقوم بعض الإخوة هداهم الله بلعب الورق (البلوت) في هذه الشقة وقد أنكر عليهم أحد الإخوة بأنه لا يجوز لعبها فكيف بالمصلى. فرد أحدهم وقال إن تركوا هذه اللعبة وجدوا فراغا لديهم يؤدي بهم الذهاب إلى المراقص والنوادي والملاهي الليلية الخليعة. علماً أن بعض من يلعبها يحضر صلاة الفجر. نرجو من فضيلتكم إفتاءنا عن جواز هذه اللعبة في المكان المستأجر والحال ما ذكر؟ ، وهل يجوز اللعب بمثل هذا المصلى الذي أوقفه ذلك المحسن للصلاة والاجتماع وذكر بالله؟ ، وهل يجوز الجلوس معهم وهم يلعبون هذه اللعبة أم لا بد من مفاصلتهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أرى أنه لا يجوز هذا اللعب في هذا الموضع الذي أعد لأداء الصلاة والذي استأجره هذا المحسن، ولا شك أن جنس هذا اللعب مما لا فائدة منه إضاعة للوقت الثمين الذي يجب أن يستغل في تعلم العلم النافع وفى الذكر والدعاء والعبادة والكسب المباح، لكن إذا عرف بأنهم إذا لم يقوموا بهذا اللعب انصرفوا إلى ما هو شر منه كالمسارح وأماكن الرقص والأغاني ومشاهدة النساء العاريات والأفلام الخليعة والصور الفاتنة جاز لهم الانشغال بهذه اللعبة التي تشغلهم عن المعاصي والشرور، وعن أسباب الفتن، فإن بعض الشر أهون من بعض، ولكن لا ينشغلون بها في هذا المكان الذي أعد للصلاة والمذاكرة، بل يرجعون إلى مساكنهم، أو ما يصلح لمثل هذا اللعب كالنوادي والمتنزهات وما أشبهها. والله أعلم" انتهى.
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.
http://www.ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=10991&parent=3345
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/9)
عمل مسابقة في الأسماء الحسنى بين أعضاء المنتدى
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت في الكثير من المنتديات ما يعرف بمسابقة أسماء الله الحسنى، ويشارك فيها الأعضاء بدعوى رفع الرصيد من الحسنات , فيكتب كل عضو اسما من أسماء الله الحسنى ثم يأتي بعده عضو آخر ويكتب اسماً آخر وهكذا , وقد يختلف هذا الوضع من منتدى إلى آخر، فلا يكتفي البعض بذكر الاسم بل يضيف كل منهم معنى الاسم الذي ذكره , ما حكم مثل هذه المواضيع؟ وهل تدخل ضمن الذكر الجماعي المنهي عنه؟ علما أن دخول كل عضو إلى الموضوع والمشاركة فيه يختلف عن العضو الآخر كل بحسب الوقت الذي يدخل فيه إلى المنتدى. أفيدونا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في إقامة هذا النوع من المسابقات، لما فيه من نشر الخير، وتعميم الفائدة، وزيادة العلم، لا سيما إذا كتب المشارك معنى الاسم الذي يذكره، مع أهمية الاعتماد على الكتب الصحيحة في ذلك، والحذر من النقل عن أهل البدع والانحراف.
وينصح لمن أراد الوقوف على ما ثبت من أسماء الله تعالى في القرآن والسنة، مراجعة: "القواعد المثلى" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، و "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" للشيخ علوي السقاف حفظه الله.
وينبغي تشجيع الأعضاء على حفظ هذه الأسماء والعناية بها؛ لما روى البخاري (2736) ومسلم (2677) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاّ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) .
والإحصاء المذكور في الحديث يتضمّن ما يلي:
1- حفظها.
2- معرفة معناها.
3- العمل بمقتضاها: فإذا علم أنّه الأحد فلا يُشرك معه غيره، وإذا علم أنّه الرزّاق فلا يطلب الرّزق من غيره، وإذا علم أنّه الرحيم فلا ييأس من رحمته، وهكذا.
4- دعاؤه بها كما قال عزّ وجلّ: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ، وذلك كأن يقول: يا رحمن ارحمني، يا غفور اغفر لي، يا توّاب تُبْ عليّ ونحو ذلك.
وهذه المسابقة لا تدخل في الذكر الجماعي المبتدع، فإن ذلك ما كان بصوت واحد، وهو منتف هنا.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (111562) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/10)
المشاركة في المنتديات الدعوية على الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مستقيم وطالب علم وأدرس في كلية الشريعة وعندي رغبة في الدخول للإنترنت، وأود أن أشترك في منتدى، ولكن كما تعلمون فإن كثيرا من المنتديات فيها من المخالفات الشرعية الشيء الكثير. وبحكم خبرتكم واطلاعكم على الإنترنت أفضل مني أرجو منكم أن تدلوني على منتدى يعجبكم وتنصحون فيه، لكي يكون دخولي للإنترنت محددا ولا ألتفت لأشياء أخرى لأن فكرة المنتديات وقراءة المواضيع والردود تعجبني. فإن لم يتيسر ذلك فما هي الطريقة المثلى لمعرفة المنتدى المناسب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشاركة في المنتديات باب من أبواب الخير، والدعوة إلى الله تعالى، وتحصيل العلم والفائدة، واكتساب الصداقة النافعة، إذا كانت المشاركة في منتديات منضبطة، يحرص القائمون عليها على منع المنكرات، من صور، وعلاقات محرمة، وجدال، وإسفاف، وغير ذلك مما يوجد في بعض المنتديات.
والمنتديات المنضبطة كثيرة ولله الحمد، منها:
1- ملتقى أهل الحديث
http://ahlalhdeeth.com/vb/index.php
2- ملتقى أهل التفسير
http://www.tafsir.org/vb/
3- الألوكة
http://www.alukah.net/
4- الكاشف
http://www.alkashf.net/
وينظر جواب السؤال رقم 8185 لمعرفة بعض الآداب التي يلزم مراعاتها عند المشاركة في منتديات الحوار.
ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/11)
هل يجوز للكافر دخول المسجد لسماع محاضرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للكافر دخول المسجد لحضور محاضرة أو درس فيه تعليم ودعوة إلى الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، يجوز هذا – إذا أمنا من أن يعتدي هذا الكافر بتلويث المسجد، لأن هذا الدخول لمصلحته، ولا يضر المسجد شيئاً، فكما أنه يجوز للكافر أن يدخل المسجد، ويمكث فيه لإصلاح شيء في المسجد، لأن ذلك من مصلحة المسجد، يجوز كذلك أن يدخل لسماع المحاضرات التي ربما تكون سبباً لهدايته، وقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال في المسجد" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/21، 22) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/12)
هل حمل التتار الإسلام إلى آسيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيمن يقول: إن التتار في هجومهم على المسلمين في بغداد دخلوا بعد ذلك دين الله، وحملوا الدين إلى رقاع من آسيا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبه بعض المحققين من المؤرخين المعاصرين على أن الجيوش التي غزت بلاد المسلمين بقيادة " جنكيزخان " (ت 624هـ، 1227م) فأهلكت الحرث والنسل هي جيوش مغولية الأصل، وليست تتارية، وبين هذين الجنسين والعرقين فرق كبير، وسبب الخلط بينهما هو أن المغول بقيادة " جنكيزخان " بعد أن تغلبوا على التتار أرغموا بعضهم على الانضمام إلى جيوشهم ومشاركتهم في حروبهم قسرا، ومع قيام بعض الأسباب السياسية، وخاصة في العصور المتأخرة، اشتهر اسم " التتار " على تلك الجيوش، بل وأصبح وصف " التتار " علما على الهمجية والقسوة والوحشية، في تفاصيل معقدة من تاريخ شعوب تلك المنطقة، يمكن الاطلاع عليها في دراسة متقنة للدكتور: أبرار كريم الله، بعنوان " مَن هم التتار ".
ثانيا:
ديانة المغول الأولى عبادة الكواكب والسجود للشمس، وكانوا يرون أن (تَنْكَرَى) وهو الرب الذي يعلو السماء الزرقاء يبارك خطواتهم، وأنهم خلقوا ليحكموا العالم كله، ولهذا سمى زعيمهم نفسه بـ " جنكيز خان " أي: حاكم العالم. وكان يحكم بكتاب جمعه من شرائع مختلفة أسماه " الياسق " جعله القانون الذي يتحاكمون إليه.
غير أن المغول تأثروا بالبلاد التي غزوها – وهي بلاد واسعة تمتد من روسيا إلى أوروبا إلى بلاد الشام، فكان بعضهم يعتنق البوذية أو النصرانية، وآخرون يعتنقون الإسلام، وبعضهم يبقى على ما هو عليه.
أما اعتناقهم للإسلام فقد ذكره المؤرخون في كتبهم عن كثير من كبار قادتهم، أنهم انتسبوا للإسلام وأعلنوا انتماءهم له، غير أن كثيرا من محققي العلماء والفقهاء في عصرهم – ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية - لم يقبلوا انتسابهم الاسمي إلى دين الإسلام، وطالبوهم بتحقيقه قولا وفعلا، وأفتوا بكفر فئاتهم التي لم تعمل بالإسلام في شعائرها الظاهرة، ومن أهمها الصلاة والأذان والحكم بالشريعة واعتقاد حرمة المسلم على المسلم.
ولكننا نذكر هنا ما ينقله المؤرخون، كي نعطي صورة " مجتزأة " للإسلام الذي حمله المغول.
جاء في دراسة الدكتور محمود السيد " التتار والمغول " (ص/150 – 154) :
" اعتنق " كورجوز " حاكم فارس من قبل " أجتاي خان " الديانة الإسلامية في أواخر عهده، بعد اعتناق بركة خان القبيلة الذهبية 654هـ - 666هـ للعقيدة الإسلامية في أول نصر حقيقي للإسلام، خاصة بعد أن تبعه السواد الأعظم من رعيته، حتى إن كل رجال جيوشه كانوا مسلمين وهم مغول، وتبع ذلك توثيق الروابط السياسية بين " بركة خان " و" بيبرس " سلطان مصر، وتحالف كلاهما ضد أسرة " هولاكو " في فارس.
ولما انتشر المغول في بلاد الصين، واعتنق بعض ملوكهم دين الإسلام في القرن السابع الهجري، وجعلوا مدينة " كاشغر "/غرب الصين عاصمة دولتهم الجديدة، أشير على ملك الصين المغولي " بركة خان " زعيم القبيلة الذهبية بمهادنة الخليفة المستعصم العباسي 640هـ.
ولما انتشر العنصر المغولي المسلم في الجبهة الغربية والشمالية من البلاد أخذ الصينيون الأصليون يتربصون بالمسلمين الدوائر، لا سيما عندما أعلن الأمير " يعقوب خان " 679هـ استقلاله بمملكة " كاشغر " في الشمال الغربي.
ولما أراد دعم الوحدة الإسلامية بايع السلطان العثماني بالخلافة، وانضوى تحت لوائه، ليكون له سندا، وطلب من دار الخلافة خبراء في الفنون الحربية، وسائر الصناعات الهندسية.
كما توطدت العلاقات بين " بركة خان " زعيم القبيلة الذهبية والظاهر " بيبرس "، بل وتحالف الفريقان ضد عدوهما المشترك الذي يمثل " هولاكو " في فارس، ولم يدخر وسعا " هولاكو "، فأسرع في البحث عن حلفاء يناصرونه على هؤلاء المسلمين، فتحالف مع زعماء الصليبيين في بلاد الشام، وقد شجعت " هولاكو " زوجته المسيحية على هذا الخط لتصرفه عن الديانة الإسلامية.
وعلى الرغم من كل هذه الجهود، وأن نفوذ المسلمين بدأ يقوى على مر الزمن، دخل كثيرون من الحكام المغول في الإسلام.
فعندما تولى " غازان محمود " أحد إيلخانات الحكم في فارس 694 – 703هـ اعتنق الدين الإسلامي، وطالب رعاياه بالدخول في الإسلام، وأعلن أن دين الإسلام هو الدين الرسمي للدولة.
ومنذ ذلك الحين بدأ الإسلام ينتشر انتشارا سريعا في دولة إيلخانات المغول في فارس.
واستقر المغول في البلاد الإسلامية، وتشبعوا بالروح الإسلامية تدريجيا، وأسسوا أسرة إيلخانات المغول في فارس، وتطبعوا بالطابع الإسلامي مع ارتباطهم بالشعب المغولي في شرق آسيا، مما أدى إلى سهولة تبادل المعلومات في مختلف نواحي الحياة بين شرق آسيا وغربها.
قوي نفوذ المسلمين بعد اعتناق " تكودار أحمد " الديانة الإسلامية 680هـ، وهو أحد أبناء هولاكو، عمل على جذب أتباعه إلى الإسلام، فقدم العطايا والمنح لكل من يعتنق الإسلام، ومنحهم ألقاب الشرف في دولته " انتهى باختصار.
ويقول الدكتور عبد الرحمن المحمود:
" مسألة تأثر التتار واعتناق بعضهم الإسلام تحتاج إلى تفصيل؛ لأن بعض التتار- من أبناء عم هولاكو- دخلوا في الإسلام قبل معركة عين جالوت ولذلك يمكن توضيح هذا الأمر كما يلي:
1- قسم جنكزخان مملكته بين أولاده، فكان من نصيب أحدهم وهو " جوشى " أكبر أبنائه؛ البلاد الواقعة بين نهر " أرتش " والسواحل الجنوبية لبحر قزوين، وكانت تلك البلاد تسمى القبشان، ويطلق عليها اسم القبيلة الذهبية - نسبة إلى خيام معسكراتها ذات اللون الذهبي - فلما مات " جوشى " خلفه أحد أولاده الذي تلقب بـ " خان " القبائل الذهبية ثم تولى بعده ولده، ثم تولى بعده " بركة خان " سنة 654 هـ، وكان بركة هذا مسلما، لذلك عمل على نشر الإسلام بين قبيلته وأتباعه، وأظهر شعائر الإسلام واتخذ المدارس وأكرم الفقهاء وكان يميل إلى المسلمين ميلا شديدا. وقد بدا هذا في ظاهرتين:
أولاهما: محاربته لابن عمه " هولاكو "، خاصة بعد استيلائه على بغداد وقتله
للخليفة، وقد ظهرت بينهما خصومات ومعارك. وقد أقلق موقفه وإسلامه الطاغية " هولاكو " الذي اتجه إلى محالفة المسيحين ضد " بركة " وحلفائه.
ثانيهما: دخوله ومن جاء بعده في حلف سلاطين المماليك، الظاهر " بيبرس "، والناصر " قلاوون " وغيرهما، وقد توطدت العلاقة بين هاتين الدولتين، خاصة بعد المصاهرة التي تمت بينهم، وتبادل الرسل والهدايا، ومواجهتهم لعدو مشترك هم التتار الكفار.
2- أما دولة المغول الكبرى في إيران وما جاورها والتي منها انطلقت جحافلهم لغزو العراق والشام، فقد حدث في عام 680 هـ أن أسلم أحد أولاد " هولاكو " وهو السلطان " تكودار بن هولاكو " الذي تسمى بعد إسلامه باسم أحمد، فصار اسمه: أحمد بن هولاكو، وقد أعلن إسلامه في منشور أصدره لما جلس على العرش ووجهه إلى أهل بغداد، كما أرسل رسالة إلى السلطان المنصور " قلاوون " يعلن اهتداءه إلى الإسلام، ويدعو إلى المصالحة ونبذ الحرب، ولم يتخل - كما هو واضح من رسالته هذه - عن افتخاره واستعلائه على سلطان المماليك، وقد رد عليه السلطان " قلاوون "، ثم تبودلت الرسائل بينهم، ولكن لم تكن العلاقات بينهم جيدة كما يظهر من صيغة الرسائل المتبادلة.
ومما يجدر ذكره أن السلطان أحمد دخل لوحده في الإسلام، ولم يستطع أن يفرضه على أتباعه ولا على أمراء المغول من حوله، فصار دخوله في الإسلام فرديا، وهذا ما يفسر سرعة القضاء عليه وقتله من جانب منافسيه من أمراء المغول الذين تآمروا عليه فقتلوه سنة 683 هـ
3- في سنة 693هـ تولى محمود قازان عرش المغول، ثم في سنة 694هـ دخل في الإسلام، يقول الذهبي عن هذه السنة:
" وفيها دخل ملك التتار غازان ابن أرغون في الإسلام، وتلفظ بالشهادتين بإشارة نائبه " نوروز "، ونثر الذهب واللؤلؤ على رأسه، وكان يوما مشهودا، ثم لقنه " نوروز " شيئا من القرآن، ودخل رمضان فصامه، وفشا الإسلام في التتار "
وقد أعلن غازان الإسلام دينا رسميا للدولة المغولية في إيران، كما غير المغول زيهم فلبسوا العمامة، كما أمر بتدمير الكنائس المسيحية والمعابد اليهودية، والأصنام البوذية، كما أمر أهل الذمة بأن يتميزوا بلباس خاص بهم. وهكذا اختلف إسلام قازان عن إسلام السلطان أحمد بأن إسلامه لم يكن فرديا وإنما حوله إلى دين رسمي للدولة.
لكن هذه الصورة التي قد تبدو جميلة سرعان ما تتغير حين يتابع المرء الأحداث التي تمت في عهد هذا السلطان، فقد هاجم وجيشه الشام مرات ودارت بينهم وبين أهل الشام – ومعه سلاطين مصر- معارك كبيرة، وانتصر المغول في أولاها وهزموا فيما تلاها، وقد عاث الجيش التتري فسادا في الأرض وفعلوا – كما قال ابن تيمية لقازان نفسه لما التقى به - ما لم يفعله أسلافه من حكام التتار الوثنيين. وقد بقيت الأمور على هذه الحال إلى ما بعد وفاة غازان سنة 703هـ
وقد كان التتار يقدسون دستورهم الذي وضعه لهم جنكيز خان، وكان يسمى " إلياسا " أو " اليساق " وكانوا يتحاكمون إليه، وبعد إسلامهم لم يتركوا التحاكم إلى هذا الدستور.
4- بعد وفاة قازان تولى من بعده أخوه " أولجاتيو خدابنده "، وصار اسمه محمد بن أرغون، وقد تولى عرش المغول سنة 703 هـ إلى سنة 716 هـ، وقد بدأ عهده بتحسين العلاقة مع سلطان المماليك، فأرسل إليه هدية وكتابا خاطب فيه السلطان بالأخوة " وسأله إخماد الفتن، وطلب الصلح، وقال في آخر كلامه: عفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه، فأجيب، وجهزت له الهدية، وأكرم رسوله ".
ولكن لم يكد يمضي سنة من توليه سلطة المغول حتى حدث تحول خطير عند محمد بن أرغون هذا، فقد اعتنق مذهب الشيعة، وعمل على نشره في الجهات الغربية من دولته، حتى إنه غير الخطة، وأسقط اسم الخلفاء سوى علي رضي الله عنه، وأظهر عداءه للمماليك السنيين، وطلب من النصارى أن يساعدوه ضدهم، ثم هاجم الشام سنة 712 هـ
ومما ينبغي ملاحظته أن تشيع هذا السلطان كان بتأثير من أحد كبار الرافضة - وهو ابن المطهر الحلي -، الذي صارت له منزلة كبيرة في عهده، وقد أقطعه عدة بلاد، ولعل نفوذ وشهرة هذا الرافضي- وهو صاحب كتاب منهاج الكرامة - دعا ابن تيمية رحمه الله إلى إفراد الرد على كتابه هذا بكتابه العظيم: " منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ".
وقد استمر سلطان المغول على تشيعه حتى مات، ثم تولى ابنه أبو سعيد - وهو صغير - الذي لعب كثير ممن حوله به، ثم لما كبر مال إلى العدل وإقامة السنة وإعادة الخطبة بالترضي عن الشيخين ثم عثمان ثم علي وفرح الناس بذلك " انتهى باختصار يسير من "موقف ابن تيمية من الأشاعرة" (1/99-102) .
ثالثا:
ولعل الأقرب في الجواب عن السؤال أن يقال: لا شك أن تأثير الإسلام في النفوس تأثير بالغ عظيم، حتى في قلوب الغزاة الذين يتربصون بأمة الإسلام الدوائر، فلا يستبعد أن تتأثر فئات من المغول - نتيجة اختلاطهم بالمسلمين واطلاعهم على النور الذي أنزل إليهم – بدين الإسلام العظيم، ولكن الإنصاف يقضي أيضا بخطأ اختزال العوامل الكثيرة التي ينتشر الإسلام بسببها في عامل واحد هو " المغول ".
يؤكد ذلك أمران اثنان:
1- أن دين الإسلام كان قد انتشر في آسيا منذ القرون الهجرية الأولى على يد القائد المسلم قتيبة بن مسلم الباهلي سنة (94هـ) ، حيث فتح " كاشغر " عاصمة الصين آنذاك، ثم توقفت الفتوحات العسكرية لتبدأ الفتوحات المعرفية بنشر الإسلام في جميع بقاع آسيا عن طريق العلم والدعوة والأخلاق الحميدة.
انظر كتاب "ظاهرة انتشار الإسلام" محمد فتح الله الزيادي (ص/222-224)
2- أن أكثر المغول الذين انتسبوا إلى الإسلام لم يعرفوه حق معرفته، ولم يقفوا عند حدوده وشرعه، ولم يمنعهم الدين الجديد الذي انتسبوا إليه من اقتحام بلاد المسلمين، وتكرار اعتداءاتهم عليها بعد عصر " جنكيز خان " الطاغية، ولم تختلف سيرتهم كثيرا عن سيرة أسلافهم من المجرمين، مما حدا بأهل العلم إلى الفتوى بكفرهم وعدم صحة إسلامهم، وهي فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية المشهورة، حتى إنه كان يقول:
" إذا رأيتموني من ذلك الجانب – يعني الذي فيه المغول – وعلى رأسي مصحف فاقتلوني "، لما كان يجزم به من كفرهم وظلمهم وعدوانهم. انظر "البداية والنهاية" (14/24)
فكيف لهؤلاء أن يحملوا دعوة التوحيد والمعرفة والسلام إلى العالم، وكيف للشعوب في بلاد آسيا أن تتبعهم على دينهم بعد أن لقوا منهم العذاب والنكال!!
(يمكن الرجوع إلى المصادر الآتية لاستكمال تفاصيل البحث: " وثائق الحروب الصليبية والغزو المغولي للعالم الإسلامي " محمد ماهر حمادة، " المغول في التاريخ من جنكيز خان إلى هولاكو خان " فؤاد الصياد، " تاريخ المغول " عباس إقبال، وغيرها)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/13)
رسائل الجوال والبريد التي يقال فيها: انشرها وإلا تأثم أو يحصل لك كذا وكذا
[السُّؤَالُ]
ـ[كثرت في الآونة الأخيرة.. رسائل الجوال أو البريد.. التي يكون فيها مثلا دعاء أو نصيحة ويقال: أمنتك الله أن ترسلها وتنشرها.. أو أن يقول: إذا أرسلتها سوف تسمع خبراً سعيد!! هل عليّ إثم إن لم انشرها؟؟ وما حكم مثل هذه الرسائل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستفادة من الوسائل الحديثة كالجوال والبريد الالكتروني في نقل النصيحة والموعظة، والتذكير والتوجيه، عمل نافع، وأمر مثمر؛ إذ يمكن إيصال ذلك لمئات من الناس بضغطة زر واحد، ومعلوم أن الدال على الخير كفاعله، وأن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، كما روى مسلم (2674) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) .
وروى مسلم (1893) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) .
فإذا كتب المسلم نصيحة حول أذكار الصباح والمساء مثلا، وأرسلها إلى مائة من الناس، فعمل كثير منهم بنصيحته، كان في ذلك أجرٌ عظيم له.
ولهذا ينبغي الاستفادة من هذه الوسائل، والارتقاء بالكلمة والنصيحة التي تبث من خلالها، ليكون لها أكمل الأثر، وأتم النفع.
لكن مما يؤسف له أن بعض الناس خلط هذا العمل الصالح بآخر سيء، وهو الوقوع في نوع الدجل والباطل، كقوله: إذا أرسلتها سوف تسمع خبراً سعيد!! ، فهذا ضرب من الكهانة، فليس هناك دليل شرعي على أن من تلقى النصيحة وأرسلها لغيره أنه سيسمع خبرا سعيدا، بل قد يسمع خبرا سيئا، أو سعيدا، أو لا يسمع شيئا.
وكذلك من يقول: حمَّلتك هذه الأمانة أن ترسلها وتنشرها، أو أنك ستأثم إن لم تفعل ذلك، أو من لم ينشرها سيحصل له كذا وكذا، فهذا كله باطل لا أصل له، فالمرسَل له لم يتحمل شيئا، وليس هناك ما يلزمه بالنشر، ولا يأثم إن تركه، ولا وجه لتأثيم أحد بغير موجِبٍ من الشرع، كما أنه لا وجه للإخبار بالغيب المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله.
وترتيب الثواب والعقاب على عمل من الأعمال إنما مردّه إلى الله تعالى، فالحلال ما أحله، والحرام ما حرمه، والثواب والعقاب من عنده، ومن قال في ذلك شيئا بغير برهان منه فقد افترى، وقد قال سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
وقد ظن هؤلاء أنهم بهذا يحملون الناس على نشر الخير، عن طريق ترغيبهم وترهيبهم، لكنهم أخطأوا وتجاوزوا، وكان عليهم أن يقتصروا على ما ورد به الشرع، وفيه الغنية ولله الحمد، كقولهم: إن من نشر هذا الخير، يرجى له مثل أجر جميع من عمل به، وكفى بذلك محفّزا ومشجعا على النشر.
وهذا مما يبين أهمية العلم، فإن غالب من يقع في هذا إنما يقع فيه لجهله، كحال من كان يضع الأحاديث ويفتريها على النبي صلى الله عليه وسلم، بحجة نشر الخير وترغيب الناس فيه، فيقع في الكذب المتوعَّد صاحبه بالوعيد الشديد، لتحصيل الأجر والثواب فيما يظن!
والمقصود: التنبيه على بطلان هذا المسلك، والتحذير منه، ولهذا نقول:
ينبغي لمن وصله شيء من ذلك الباطل، أن ينصح لصاحبه، وأن يبين له وجوب الانتهاء عن مثل هذه المحفّزات الباطلة، وألا يصدّق بما جاء في الرسالة من أنه إن نشر سيحصل له كذا وإن لم ينشر سيحصل له كذا، لأنه نوع من الكذب كما سبق.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/14)
حكم حضور الاجتماعات في مبنى تابع للكنيسة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا نذهب إلى المسجد لإعطاء درس أو موعظة للأخوات، ولكن من مدة انقطعنا من الجلسة لأسباب كثيرة يصعب ذكرها، من ضمنها عدم التزام الأخوات بالمواعيد والحضور إلى المسجد. في هذه الفترة سمعنا أنه يوجد لقاء أخوات مسلمات وغير مسلمات كل يوم اثنين لمبنى تابع للكنيسة، والمكان خاص للنساء فقط، فقلنا احتمال نلاقي ترحيباً أو استجابة منهم كي ندعوهم إلى الله، ولكن يوجد من يقول لا يجوز أن نذهب إلى هذا المكان، والسبب هو أنه تابع للكنيسة، فهل نكون آثمين لو ذهبنا إليهم بنية الدعوة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بداية نسأل الله تعالى أن يجزيكم خيراً على جهودكم الطيبة، وعلى حرصكم على إقامة حِلَق العلم في بلاد يقل فيها الخير ويكثر فيها الشر، ونسأله سبحانه أن يوفقكم ويسدد خطاكم.
يبدو لنا أن هناك عدة محاذير تترتب على ذهابكم إلى اجتماعات المبنى التابع للكنيسة، ومن ذلك:
1. أن فيه إحياءً لهذه الأماكن التي يُشرك فيها بالله، ويعلَّمُ فيها الشرك من تثليث، وادعاء الولد لله، وادعاء الألوهية لغيره.
2. كما أن فيه تغريراً بعامة الناس وجهالهم، وذلك حين يرون أهل الخير والصلاح محافظين على الذهاب لتلك الجلسات والتجمعات في الكنائس ومبانيها، فيظنون أنها يُقال فيها الحق، والخير، والهدى، وسيكون في حضورهم مطمع عظيم للمنصرين الذين سيتلقفونهم بكل ترحيب وإكرام.
3. في اعتياد الذهاب إلى الكنيسة خطر على قلوب المرتادين – ولو كانوا من أهل الخير والعلم – فإنهم سيتأثرون – ولو بعد فترة – بحسن معاملة القائمين على هذه الأماكن، وحسن عرضهم لما يؤمنون به، وقد لا يتيسر للمسلم الوقت الكافي لبحث كل ما يطرحونه من فكر واعتقاد، فيبدأ قلبه يتشرب رويداً رويداً دين النصرانية، حتى يغدو في حيرة من أمره، وأقل ما قد يبلغ به الحال أن لا يرى تلك الديانة على بطلان ظاهر، وهذه بداية الضلال.
4. ولا شك – أيضاً - أن الالتزام بحضور تلك الجلسات والتجمعات فيه هجر لبيوت الله وحلَق العلم التي ينبغي أن تملأ حياة المسلمين ومجتمعاتهم، وتأملي كم سيكون نجاح القائمين على الكنائس حين تهدمون منائر الحق والهدى والنور، ثم تنتقلون إلى أماكن الشرك ودعوة الباطل، فهم أسعد الناس حين يرون اختفاء حلَق العلم والقرآن، وظهور اجتماعاتهم ولقاءاتهم لتكون منابر لهم في بث أفكارهم وسمومهم.
5. ثم ماذا سيقال في هذه الندوات؟
إنهم لن يهدوكم إلى حق، وقد ضلوا عنه.
فبالنظر إلى هذه المحاذير يظهر - والله تعالى أعلم - حرمة ذهابكم إلى تلك الأماكن، ووجوب المحافظة على دروس الخير في بيوت الله تعالى مهما كانت الظروف، وبالمصابرة تنجح حلقات العلم الشرعي، وكم من دروس توقفت بسبب قلة الحضور ثم جعل الله فيها البركة بعد ذلك.
وإن كانت لديك القدرة لتوجيه دعوة الحق لحملة الديانة النصرانية، فلا حرج عليك أن تذهبي إليهم لدعوتهم إلى الله، على أن يكون هذا الذهاب خاصاً بك وبمن يستطيع القيام بهذه المهمة، ولا يذهب من هو قليل العلم حتى لا يتأثر بما يراه ويسمعه في هذه الجلسات.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يجوز أن نجتمع بالكافرين في مجامع عامة أسستها الدولة وقامت بتنظيمها للمناظرات والندوات العلمية وإلقاء المحاضرات في الشؤون الدينية، على أن يقوم من حضر من علماء المسلمين ببيان عقائد الإسلام وأركانه وآدابه، ويدفع ما يثيره من حضر من أهل الأديان الأخرى من شبهات حول الإسلام، ويفند مقالاتهم التي يشوهون بها الإسلام ... إلى غير ذلك مما فيه نصر للحق ودفاع عنه.
أما من يُخشى عليه من الفتنة في دينه لجهله أو ضعف استعداده وتفكيره أو لقلة معلوماته عن دينه من المسلمين: فلا يجوز له الحضور في هذه المجامع وأمثالها؛ حفظًا له من الفتن، وخوفًا عليه أن تداخله الريب والشكوك" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 100) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/15)
تأتيهم أوامر بأن يخطبوا عن الأعياد الوطنية فما العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إمام وخطيب بأحد المساجد، ونتلقى أحيانا أوامر من الوزارة تأمرنا فيها بالتطرق للأعياد الوطنية عندنا كعيد الفاتح، وسيوافقه في التاريخ تاريخ غزوة بدر، ونحن مأمورون بالتحدث عن المناسبة. فيقف الدعاة حيارى مع مثل هذه التعليمات، إذا خاضوا فيها وُسِمُوا بأنواع من الأوصاف عند العامة مما يؤثر سلبا على دعوتهم، مع إساءة الظن بهم. وإذا التزموا الأوامر ارتابوا مما يفعلون، علما أن الجهة المسؤولة تعاقب الإمام الذي يمتنع من التكلم عن المناسبات الوطنية.
سؤالي: كيف يكون التصرف مع مثل ما ذكر آنفا، وبخاصة في المناسبتين السابقتين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا حرج أن يتحدث الخطيب عن غزوة بدر أو أحد أو غيرها من الغزوات، مذكرا بأنها حدثت في مثل هذه الأيام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعد هذا احتفالا أو إحداثا لعيد لم يشرع، لأن هذا إنما هو تذكير للناس بتلك الغزوة، والأهم من ذلك أخذ العبرة والدروس المستفادة منها.
ثانياً:
أما المناسبات الوطنية، فإن كان الناس يحتفلون بها ويتخذون أيامها عيدا، فليس للخطيب أن يشارك في ذلك، وحديثه عن هذه المناسبات قد يفهم منه السامع أنه مشارك ومؤيد لهذه البدعة.
ولكن إذا كانت الوزارة تعاقب من لا يتكلم عن هذه المناسبات، بالحرمان من الخطابة أو بغير ذلك من العقوبات المؤثرة، فينبغي للخطيب أن يوازن بين المصالح والمفاسد، بين مصلحة بقائه معلما وداعيا وهاديا، وبين مفسدة الكلام الذي يقد يشوه صورته عند العامة.
والذي يظهر أن الخطيب الحصيف يمكنه أن يتناول هذه المناسبات بكلام نافع يؤكد فيه على أسباب النصر، وعوامل الهزيمة، وسنن الله تعالى في قيام المجتمعات، وفي سقوطها، ومفهوم الولاء والبراء، وضرورة العودة إلى الدين، وغير ذلك من المعاني المهمة التي يحتاجها الناس.
وبهذا يكون ما يترتب على كلامه من المصالح أضعاف تلك المفسدة المشار إليها، وقد جاءت الشريعة بجلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، وبارتكاب أهون الشرين، كما هو مقرر ومعروف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/16)
هل تقطع الصلاة حتى لا يعلم أهلها بإسلامها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة جديدة وهذه هي المرة الثانية التي أصوم فيها رمضان. عائلتي لا تزال على غير الإسلام، وأنا أصلي وأصوم دون علمهم. فأنا لا أصلي في البيت إلا صلاتي الفجر والعشاء، أما بقية الصلوات فأصليها خارج المنزل (في المدرسة مثلاً أو في المركز الإسلامي أو في منزل إحدى الصديقات) . وعندما أصلي في البيت أعمد إلى إقفال باب غرفتي حتى لا يعلم أحد بأمري، علماً بأن أختي تقيم معي في الغرفة نفسها. وذات مرة، عندما كنت أهم بأداء صلاة العشاء في المنزل، قمت بإقفال الباب قبل أن أشرع في الصلاة، ولكن لسبب أو لآخر لم يقفل الباب. صليت الركعة الأولى واستويت قائمة بعد السجود وشرعت في قراءة الفاتحة، وفجأة، فتحت أختي الباب. تملكني خوف شديد ولم أكمل الصلاة وسمحت لها بالدخول. وبعد ساعات من ذلك، صليت العشاء مرة أخرى.
سؤالي هو: ما حكم قطع المرء صلاته عندما يكون قد نوى أن يصلي أربع ركعات؟ وماذا كان يتوجب علي فعله في تلك اللحظة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نهنئك على نعمة الإسلام، ونسأل الله أن يثبتك، ويعينك، ويقويَ إيمانك، كما نسأله أن يهدي جميع أهلك وإخوانك، وأن تكوني سببا في فلاحهم وصلاحهم.
ثانيا:
إذا كنت تخشين من إعلان إسلامك وقوعَ الضرر عليك، أو أردت تأخير هذا الإعلان حتى تنالي حظا وافرا من معرفة الإسلام، تتمكنين به من دعوة أهلك، فلا حرج عليك في ذلك، كما أنه لا حرج عليك في قطع الصلاة، إذا خفت اطلاع أحد عليك.
والأصل أن المسلم إذا شرع في صلاة فريضة وجب عليه إتمامها، وحرم عليه قطعها إلا من عذر.
وقد ذكر الفقهاء أعذارا تبيح قطع الصلاة.
منها: الخوف على النفس من عدو أو سبع.
ومنها: الخوف على المال، كما لو كان يصلي وجاء من يريد أخذ ماله، أو خاف أن تهرب دابته.
ومنها: قطع الصلاة لإنقاذ إنسان من حريق أو غرق، أو خشية أن يقع أعمى في بئر. . . ونحو ذلك.
انظر: "رد المحتار" (1/654) ، "المبسوط" (2/3) ، "كشاف القناع" (1/380) .
فحيث خفت على نفسك إذا اطلع أحد من أهلك على صلاتك وعلم بإسلامك، فلا شيء عليك في قطع الصلاة حينئذ، ثم تصلينها بعد زوال الخطر، كما فعلت.
ثالثا:
عليك بالاجتهاد في تعلم أحكام الإسلام، ومصاحبة المؤمنات الخيّرات، ليكنّ عونا لك على طاعة الله، والتفكير في الطريقة المناسبة لدعوة أهلك إلى الإسلام، والحرص على ذلك أشد الحرص، فإنهم أولى الناس بإحسانك ودعوتك.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/17)
بماذا يبدأ من أراد الدعوة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أراد الإنسان أن يدعو إنساناً آخر كيف يبدأ معه وبماذا يكلمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كأن السائل يريد أن يدعو إلى الله، والدعوة إلى الله لا بد أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة ولين الجانب وعدم التعنيف واللوم والتوبيخ.
ويبدأ بالأهم فالأهم. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث رسله إلى الآفاق آمرهم أن يبدؤوا بالأهم فالأهم وقد قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: (ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإذا أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) ، فيبدأ بالأهم فالأهم ويتحين الفرص والوقت المناسب وإيجاد المكان المناسب لدعوتهم. فقد يكون من المناسب أن يدعوه إلى بيته ويتكلم معه، وقد يكون من المناسب أن يذهب هو إلى بيت الرجل ليدعوه، ثم يكون من المناسب أن يدعوه في وقت دون وقت، فعلى كل حال المسلم العاقل البصير يعرف كيف يتصرف في دعوة الناس إلى الحق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله -(8/18)
هموم زوجة داعية انشغل عنها زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من شخص ملتزم ولله الحمد وكان شرطي أن أكمل الدراسة الشرعية وقد وافق زوجي على ذلك ولكن بعد الزواج أصبح يقول لي أن الجامعة الإسلامية في أمريكا غير معترف فيها. (فهذا لا يهمني ما دام أنها تدرّس العلم الشرعي) ولكنه لا يريد أن يصرف فلوسه إلا على جامعة معترف فيها عربيا الآن إن شاء الله سوف أنزل للبلاد بعد أربع سنوات وقد نويت في قرار نفسي أن لا أرجع معه حتّى أكمل دراستي الشرعية أو حتى أكمل إجازة القرآن الكريم إن شاء الله.
فما هي نصيحتك لي ولزوجي فأنا أريد أن يقرأ هذه الرسالة مع العلم أن زوجي لا يوجد عنده الوقت الكافي للجلوس معه لقراءة كتاب شرعي
فزوجي يا فضيلة الشيخ نشيط جدا للدعوة خارج البيت ولكنه داخل البيت غير ذلك فإذا جلس في البيت يدخل المكتب ويغلق عليه الباب،فهو يقول لي أن مصلحة الناس أولى من مصلحة البيت مع العلم أنني أحتاجه حتى يأخذ الأولاد عنّي ليعتني بهم فقد أصبت بمرض (ولله الحمد على كل حال) وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيني.
فقد وصلت لدرجة الكره له على تقصيره، فهو جاعل كل وقته للاجتماعات في المسجد لدرجت أنني في بداية زواجي منه قبل أربع سنوات كنت أحاول أن أحفظ القرآن ولكنّه لم يساعدني على ذلك فلم يكن يسمّع لي دائما وحتّى أننّي حاولت أن أقرأ القران قراءه معه فلم يستطع ذلك فهو مشغول بالاجتماعات وغير ذلك، فقد يتراوح جلوسه في البيت ربع إلى نصف ساعة مع العلم أنه جعل يوم واحد للجلوس في البيت بعد المناقشات الحادّة بيني وبينه.وطول الوقت جالسه لوحدي أنا والأولاد،ولا يقّدر لي ذالك حتى ضقت منه ومن المجتمع الذي أنا فيه ولجأت إلى الله ولم أشكو إلى أهلي فأنا أمدح زوجي أمامهم لعّل الله أن يصلحه ليلتفت إلى البيت، مع العلم أنني أعيش في غربة بعيدة عن أهلي وإخواني وفيه أيضا عيب آخر هو أنني إذا طلبت منه مال لأشتري حاجتي يقول أنه ليس معه مال مع العلم أنه يصرف على أهله وإخوانه فأنا لا أطلب أن لا يصرف على والديه بل من حقّه عليه أن يصرف عليهم، فهو شحيح جدا عليّ وعلى أولادي وأريد منه أن يضع لي مصروف شهري لي ولأولادي فهل هذا جائز وأرجو أن تنصحه يا شيخنا الفاضل في هذا فقد تعبت من سؤاله.
وأرجو نصيحتك لنا وله يا شيخنا الفاضل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله العظيم أن يفرج عنك كربتك.. ويُيسر لك أمرك.. ويؤنسك في غربتك.. ويصلح لك زوجك.. ويشفيك من مرضك.. آمين.
وسؤالك أيتها السائلة قد اشتمل على أمور متعددة.. ما بين مسألة فقهية ومشكلة اجتماعية.. ولعل من المناسب أن نتناول كل مشكلة على حدة للوصول إلى الحل النافع:
وأول هذه المشكلات: هو أن زوجك بدأ يتراجع عن إتمام الشرط الذي اشترطته عليه عند عقد النكاح وهو إتمامك للدراسة، وهذا لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " رواه البخاري (2721) ومسلم (1418) . أي شروط عقد النكاح التي تشترطها المرأة أو وليها، مع التنبيه على أن يكون الشرط لا يخالف كتاب الله.
فالواجب على الزوج أن يفي بهذا الشرط، وألا يحول بينك وبين الدارسة.
وأما مصاريف الدراسة واختيار الجامعة فهذا يرجع إلى تفاصيل الشرط فإن كنت شرطتِ عليه أن ينفق عليك أو اشترطتِ جامعة معينة فيجب عليه الوفاء بالشرط، وإن لم تشترطي عليه فلا يلزمه إلا تمكينك من الدراسة فقط.
وأما قولك بأنك نويت المكوث وعدم السفر مع زوجك، فإن كان جلوسك بموضع آمن جاز لك ذلك وإلا فلا.
وهذا كله في حال أن تكون الدراسة شرعية أما إذا كان فيها اختلاط بين النساء والرجال، وفيها منكرات كما في أكثر جامعات العالم: فلا يجوز لك الدراسة فيها، ولا يجوز لزوجك أن يفي بمثل هذا الشرط أصلاً.
وأما المشكلة الثانية وهي: أنه لا يجد وقتاً كافياً للجلوس معك.
فالجواب عليها: هو أنه سيجد ولكن بشيء من التخطيط السليم، ومراجعة الأولويات ومعرفة الحقوق والواجبات.
ونذكرك بأن انشغال زوجك في الأعمال الصالحة نعمة ولعلك أن تعذريه شيئاً ما، وأن تحمدي الله أنه ليس بمنشغل بالمعاصي كما هو حال عدد من الزوجات اللاتي ابتلين بأزواجٍ مضيعين لأُسرهم، غارقين في معاصي الله.
والذي يظهر أن زوجك عنده شيء من عدم الوضوح في فقه الأولويات الشرعية، وشيءٌ من عدم التوازن في القيام بالواجبات الشرعية، وربما أخذه جانب من الدين فشغله عن جانب آخر منه، فليُذكَّر بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: " وإن لأهلك عليك حقاً ".
وأن يراعي الترتيب الشرعي في الاهتمام الدعوي بنفسه ثم بزوجته وأولاده ثم سائر أقاربه، الأقرب قبل الأبعد، ومن المهم أن تُشعريه أنك لست ضد جهوده الدعوية ولست حجر عثره في طريقه في العمل لدين الله، ولكنك تريدين حقك الشرعي في الاهتمام.
قولي له اجعلني إحدى المدعوين الذين تهتم بهم وتتابعهم، واجعل أولادك أحد المشروعات الدعوية التي تقم به وتتابعها، وللمزيد يُنظر السؤال رقم (6913) .
وبعد الانتهاء من حل هذه المشكلة فإننا على ثقة – إن شاء الله – بأنه ستزول المشكلة الثالثة في هذا السؤال وهي الشعور بكره الزوج الناتج عن سوء معاملته لك، لأن هذا الكره ما هو إلا نتيجةٌ عكسية عن إهماله لك، وزوالها بزوال السبب وهو الإعراض عن حقوقك عليه، ومع ذلك أكثري من سؤال الله أن يفتح قلبه لك، وقلبك له، لأن الشيطان أحرص ما يكون على التفريق بين الرجل وزوجته، وما الكره الحاصل في قلبك إلا من نزغات الشيطان، فاستعيذي بالله من شره.
المشكلة الرابعة:
عدم قيام الزوج بواجباته تجاه زوجته وأولاده، وفي المقابل يقوم بالنفقة على والديه.
وهذا العمل من الزوج اشتمل على خطأٍ وصواب، أما الصواب فهو إنفاقه على والديه وإخوانه، وأما الخطأ فهو إعراضه عن النفقة على زوجته، وهذا خلاف الواجب بل الواجب على الرجل أن يُقدِّم زوجته في النفقة على إخوانه لما روى أبو داوود في سننه (1691) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه الله عنه قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ أَوْ قَالَ زَوْجِكَ قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْتَ أَبْصَرُ " وحسنه الألباني في صحيح أبي داوود (1483) .
فإن أصر زوجكِ على عدم النفقة عليك فيما تحتاجين إليه فلكِ أن تأخذي من ماله ما يكفيك وولدك ولو بدون إذنه من غير إسراف ولا إفساد؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَالَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " رواه البخاري (5364) .
نسأل الله أن يُؤلف بين قلبيكما، وأن ييسر أمركما، والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(8/19)
أخلاق الفتن
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بأن للفتنة أخلاقاً يتحلى بها المسلم إذا أدرك زمن الفتنة.. فماهي أخلاق الفتن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن للفتن أخلاقا يجب التحلي بها حتى لا تؤثر تلك الفتن سلبا على الإنسان، أو يكون هو بنفسه يؤثر سلبا على جماعة المسلمين..
فمن تلك الأخلاق:
أ- التأني والرفق والحلم وعدم العجلة:
فالتأني والرفق والحلم عند الفتن وتغير الأحوال محمود لأنه يُمكِّن المسلم من رؤية الأشياء على حقيقتها وأن يبصر الأمور على ما هي عليه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه) رواه مسلم (4698) . وقال عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة) رواه مسلم (24) .
فعلينا جميعاً بالرفق في الأفكار والمواقف وفي كل ما يجدّ من الحوادث وعدم العجلة فإنها ليست من منهج الأمة الإِسلامية وخاصة في زمن الفتن.
ب- الصبر:
نحتاج إلى الصبر كثيراً، وخصوصاً عند الفتن. يقول الله تعالى: (ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) .
وعن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالَ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ. " أخرجه أبوداود (4341) وابن ماجه (4014) وصححه الألباني في الصحيحة (494) بشواهده.
فاصبر فإنك في النوازل رائد والدرب نعلم شائك وطويل
فالصبر روضات لأبناء الهدى ولجنة الرحمن تلك سبيل
وبالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف ولذلك وَعَى السلف الصالح أهمية الصبر عند وقوع الفتن والحوادث وإليك نماذج مْن سيرتهم.
-لما كان الصحابة رضي الله عنهم يعذبون ويفُتنون في صدر الإسلام بمكة كان يمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم ويذكرهم بالصبر ومنهم آل ياسر فإذا مر بهم قال: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة. صححه الألباني في تخريج فقه السيرة ص 103.
- عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ فَقَالَ اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري (7068)
قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ. " فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ. قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ؛ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ. أخرجه مسلم (2889)
قال النعمان بن بشير: " إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتن فأعدوا للبلاء صبراً "
-عندما واجه إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل الفتنة العمياء بخلق القرآن في أيام المأمون ثم المعتصم ثم الواثق وما أصابه من الحبس الطويل والضرب الشديد فصبر وتمسك بما كان عليه من الدين القويم والصراط المستقيم حتى نصره الله وفرَّج عنه الغمة.
ج- العدل والإنصاف في الأمر كله:
فإن من أقوى أسباب الاختلاف بين العباد وخصوصاً زمن الفتن فقدان العدل والإنصاف، ولو جاهد المسلم نفسه لتحقيق صفة العدل مع نفسه ومع الناس فإن كثيراً من المشاكل التي تحصل بين المسلمين سواء منها الفردية أو الجماعية ستزول وتحل بإذن الله تعالى.
يقول الله تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا) . ويقول تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)
فلا بد من العدل في الأقوال والأعمال وخصوصاً زمن الفتن، بمعنى أن يأتي الإِنسان بالأمور الحسنة والأمور السيئة ثم يوازن بينهما وبعد ذلك يحكم، لأن في الموازنة عصمة للمسلم من أن ينسب للشرع ما ليس موافقاً لما أمر الله به وبالتالي يكون عدلك وإنصافك في الفتنة منجياً بإذن الله تعالى.
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله " فأوصيكم أيها الأخوة بالعدل في الأمور كلها، والموازنة بينها، والحكم للراجح فيها، والتسوية بينها في الحكم عند التساوي، وهذه قاعدة كبيرة يجب على العاقل أن يتمشى عليها في سيره إلى الله وفي سيره مع عباد الله ليكون قائماً بالقسط والله يحب المقسطين ".
وإليك نموذجاُ من نهج سلفنا الصالح في حرصهم على العدل والإنصاف:
روى مسلم (1828) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ مِمَّنْ أَنْتَ فَقُلْتُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَقَالَتْ كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ فَقَالَ مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ فَقَالَتْ أَمَا إِنَّهُ لا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ.
قال النووي رحمة الله معلقاً على هذا الحديث:
فِيهِ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُر فَضْل أَهْل الْفَضْل , وَلا يَمْتَنِع مِنْهُ لِسَبَبِ عَدَاوَة وَنَحْوهَا , وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَة قَتْل مُحَمَّد هَذَا , قِيلَ: فِي الْمَعْرَكَة , وَقِيلَ: بَلْ قُتِلَ أَسِيرًا بَعْدهَا. . . اهـ.
وهذا المسئول عنه هو معاوية بن حُديج وكان قد قتل محمد بن أبي بكر. السير (3/38) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/20)
عندها إشكالات في حق المرأة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في حيرة من أمري، فقد عشت سنين عمري أتعامل وأعامل على كوني إنساناً قبل أن أصنف إلى كوني أنثى [وأمة] الله قدر استطاعتي، ومن هذا المنطلق أن مَن عمل خيراً من ذكر أو أنثى فله أجره، ومن عمل إثما فعليه وزره، ولكن بعد زواجي فوجئت بأحكام تخرجني من نطاق الإنسانية لأكون مجرد متاع للرجل، فمثلا تلعنني الملائكة إن امتنعت عنه تحت أي ظرف، في حين أنه ليس عليه أي وزر إن هو امتنع عن جماع زوجته ولو من باب الإضرار بها، فهو له أجر صدقة إن جامعها وهو مستمتع بها وهي ليس لها أجر وإن لبَّت وهي كارهة، وإذا أغضبني وأهانني أمام الناس وامتهن كرامتي يجب عليَّ مصالحته واسترضاؤه وإلا لعنتني الملائكة، وأنا طبعاً لا يحق لي مخالفته في رأي ومراجعته ولا يغفر لي أي قدر من الانفعال، كما أنكم أفتيتم بأن ثواب صلاة الجماعة هو خاص بالرجال من دون النساء فهل هذا ما شرعه الله لنا؟ هل هذا هو قدر المرأة المسلمة إذا أحسنت وأدت ما عليها؟ فإن هي تجنبت الإثم فليس لها أي فضل وإن أخلت كانت من الملعونين المطرودين من رحمة الله أنا وإبليس اللعين سواء.
أرجو الاهتمام بهذا السؤال لأنني أفتن في ديني، وإن كان هذا هو شرع الله فسمعا وطاعة ولا حول ولا قوة إلا بالله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نزل متعجبين مما ورد في سؤال الأخت من ظنها ما ليس من دين الله منسوباً إليه، واعتقادها لأحكام لم ينزل الله بها سلطاناً، ومن ذلك قولها " ولكن بعد زواجي فوجئت بأحكام تخرجني من نطاق الإنسانية لأكون مجرد متاع للرجل "! .
وسنرتب الكلام معها من خلال هذه النقاط:
أولاً:
أكرم الله تبارك وتعالى المرأة غاية الإكرام، فقد أكرمها بنتاً وأمّاً وزوجة، وجعل لها من الحقوق والفضل ووجوب البر ما ليس للرجل في كثير من الأحيان.
ولم ينزع الإسلام عنها إنسانيتها، بل أعطاها حقها ورفع لها قدرها، وقد كانت متاعاً وسلعة قبل أن يكرم الله الناس بالإسلام، فقد كانت تورث كما يورث المتاع، وكانت تُعلَّق فلا هي بالزوجة ولا هي بالمطلقة، وكانت تمكث سنة كاملة بعد وفاة زوجها لا تمس ماء ولا تخرج من بيتها حتى إن الطير والبهيمة ليموتان من شمهما رائحتها! وكانت تُحرَم من الميراث، فضلاً عن وأدها وهي حيَّة، وغير ذلك كثير.
فجاء الإسلام وحرَّم الوأد وجعله قتلاً للنفس وهو من كبائر الذنوب، وحرَّم تعليقها بيمين أو تحريمها بظهار، وأعطاها نصيبها من الميراث، وجعل عدتها من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشراً تغتسل وتلبس الثياب وترى النساء والمحارم، وأجاز لها البيع والشراء والتملك، ورغَّبها في العلم والدعوة إلى الله تعالى، وأمر بإكرامها زوجة، وببرها أمّاً بل جعل حقها في البر ثلاثة أضعاف الأب، وغير ذلك كثير، وليس هذا مجال بسط ذلك، إنما أردنا التنبيه والتذكير، ويمكن مراجعة جواب السؤال رقم (21010) لترى المزيد.
ثانياً:
قالت الأخت السائلة: " فمثلا تلعنني الملائكة إن امتنعت عنه تحت أي ظرف "!
وهذا ليس بصحيح، بل لا تلعن الملائكة الزوجة الممتنعة عن فراش زوجها إلا أن تكون غير معذورة، فإن كانت معذورة بمرض أو حيض أو نفاس أو صوم واجب: فإنها لا تُلعن، بل يأثم زوجها الذي يدعوها ويصر على دعوتها أو يكرهها وهو يعلم حالها.
وقد ورد في جواب السؤال (33597) في الموقع:
ليس للمرأة أن تمنع نفسها من زوجها، بل يجب عليها أن تلبي طلبه كلما دعاها ما لم يضرها أو يشغلها عن واجب.
وفي سؤال رقم (9602) ورد:
قال ابن حزم:
وفرض على الأمة والحرة أن لا يمنعا السيد والزوج الجماع متى دعاهما ما لم تكن المدعوة حائضا أو مريضة تتأذى بالجماع أو صائمة فرض فإن امتنعت لغير عذر فهي ملعونة.
" المحلى " (10 / 40) .
وهذا اللعن مقيّد بما إذا بات غضباناً عليها، أما إذا دعاها فأبت عليه، ثم تنازل عن حقه فإنها لا يلحقها لعن.
ثالثاً:
وقالت الأخت السائلة: " في حين أنه ليس عليه أي وزر إن هو امتنع عن جماع زوجته ولو من باب الإضرار بها "!
وهذا أيضاً ليس بصحيح، فقد حرَّم الإسلام الإضرار بالآخرين ومنه إضرار الزوج بزوجته بمنعها من إرضاع ولدها أو بمنعها من حقها في الجماع والاستمتاع.
وقد ورد في جواب (10680) - في سياق بيان حقوق الزوجة على زوجها -:
عدم الإضرار بالزوجة: وهذا من أصول الإسلام، وإذا كان إيقاع الضرر محرما على الأجانب فلأن يكون محرما إيقاعه على الزوجة أولى وأحرى.
عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى " أن لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه (2340) . والحديث: صححه الإمام أحمد والحاكم وابن الصلاح وغيرهم.
انظر: " خلاصة البدر المنير " (2 / 438) .
وقد ورد في جواب السؤال (5971) :
لا يجوز للرجل أن يهجر امرأته إضراراً بها إلا إذا ظهر منها النشوز والعصيان، ولكن لا يأثم إذا ترك الاضطجاع معها غير مُضارٍّ بها لأن الحاجة له وترجع إلى شهوته ولا يملك إثارة الشهوة فإن هجرها فهو آثم بذلك لأنه لا ضرر ولا ضرار، والله أعلم.
رابعاً:
قالت الأخت السائلة: "، فهو له أجر صدقة إن جامعها وهو مستمتع بها وهي ليس لها أجر وإن لبَّت وهي كارهة "!
وهذا أيضاً ليس بصحيح، بل تؤجر الزوجة على الجماع من وجهين:
الأول: من كونها شقيقة الرجل في الأحكام والأجور، إلا ما استثناه النص، قال تعالى: (فاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) أل عمران / 195.
الثاني: أنها سبب أجر الزوج، ومن كان سبباً في ثواب غيره: شاركه في الأجر دون أن ينقص من أجره شيء.
وعن أبي ذر أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر. رواه مسلم (1006) .
ومعنى البُضع: الجماع
فالزوجة مأجورة كما هو حال زوجها، كما أنها تأثم على شهوتها لو وضعتها في الحرام كما هو حال زوجها.
قال النووي:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَفِي بُضْع أَحَدكُمْ صَدَقَة)
فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَات تَصِير طَاعَات بِالنِّيَّاتِ الصَّادِقَات , فَالْجِمَاع يَكُون عِبَادَة إِذَا نَوَى بِهِ قَضَاء حَقّ الزَّوْجَة وَمُعَاشَرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ , أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ صَالِحٍ , أَوْ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ إِعْفَاف الزَّوْجَة وَمَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنْ النَّظَر إِلَى حَرَام , أَوْ الْفِكْر فِيهِ , أَوْ الْهَمّ بِهِ , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِد الصَّالِحَة اهـ.
خامساً:
قالت الأخت السائلة: " وإذا أغضبني وأهانني أمام الناس وامتهن كرامتي يجب عليَّ مصالحته واسترضاؤه وإلا لعنتني الملائكة "!
وهذا ليس بصحيح، فأما اللعن فإنما هو في امتناع الزوجة عن فراش زوجها من غير عذر مع مبيت زوجها وهو عليها غضبان – كما سبق بيانه -.
وأما إهانة الزوج لها وامتهان كرامتها: فهو آثم على فعله هذا ولا شك، وقد أجاز لها الشرع أن تستوفي حقها بالرد عليه بقدر ظلمه لها.
قال تعالى: (ولمن انتصر بعض ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) أي ليس عليهم إثم.
ولفظ (مَنْ) هنا عام فتدخل فيه المرأة أيضاً.
أو أن تصبر على قوله وظلمه وتحتسب الأجر عند الله لتأخذ الثواب الأكمل والأفضل والأعلى.
والواجب عليه: هو أن يصالحها ويسترضيها لا العكس، فالذي ظلم هو الذي يجب عليه لتمام توبته أن يُرضي المظلوم بالاعتذار والكلام الحسن.
سادساً:
قالت الأخت الفاضلة: " وأنا طبعاً لا يحق لي مخالفته في رأي ومراجعته ولا يغفر لي أي قدر من الانفعال "!
وهذا ليس بصحيح، فيجوز للمرأة أن تراجع زوجها وأن تخالفه في الرأي، لكن ليس لها أن تمتنع عما يأمرها به – وإن كانت مخالفة له – إذا لم يأمرها بمعصية، فلا طاعة لأحد في معصية الخالق، وهذا إنما هو من منطلق القوامة الذي جعله الله تعالى للزوج في مقابل ما أوجب عليه من نفقة وحماية ورعاية، قال تعالى: (الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) النساء
وقد ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أن نساءهم كنَّ يراجعنهم في الأمر، بل كان هذا فعل أمهات المؤمنين مع نبينا عليه الصلاة والسلام، كما قال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم " وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصخبتُ على امرأتي (أي: غضبت) فراجعتني فأنكرتُ أن تراجعني قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ... " – رواه البخاري (4895) ومسلم (1479) .
قال الحافظ ابن حجر – في سياق فوائد الحديث -:
وفيه: أن شدة الوطأة على النساء مذموم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم، وترك سيرة قومه.
" فتح الباري " (9 / 291) .
أما ما ذكرته الأخت من أنه لا يغفر لها أي قدر من الانفعال، فهذا لا يصح على إطلاقه إذ من الانفعالات ما لا يحاسب عليه الإنسان إذا لم يتكلم به أو يعمل، لقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا) ومنها ما لا يكون بقصد الإنسان التام إما بسبب شدة غضب أو نحوه مما هو خارج عن طاقة الإنسان، وقد ورد في آخر سورة البقرة دعاء المؤمنين: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) البقرة، وثبت في السنة أن الله تعالى قد أجاب هذا الدعاء بقوله: (قد فعلت) .
سابعاً:
قالت الأخت السائلة: " كما أنكم أفتيتم بأن ثواب صلاة الجماعة هو خاص بالرجال من دون النساء "!
وهذا أيضاً ليس بصحيح، بل الذي قلنا – بناء على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم – أن أجر السبع وعشرين درجة خاص بالرجال لأنهم هم المخاطَبون بصلاة الجماعة دون النساء، وصلاة الجماعة للنساء مستحبة، ولكن لا تجزم بأنه لها أجر السبع وعشرين درجة، ويجوز للمرأة أن تشهد الصلاة في المسجد، ولا يحل للرجل أن يمنعها من الذهاب، فإن ذهبت وصلَّت معهم: شاركتهم في أجر صلاة الجماعة.
ومع هذا فبناءً على الأحاديث الصحيحة فإنها لو صلَّت في بيتها: لأخذت ما هو أفضل من أجر صلاتها جماعة في المسجد.
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن ".
رواه أبو داود (567) وأحمد – واللفظ له - (5445) .
قال عبد العظيم آبادي:
" وبيوتهن خير لهن ": أي: صلاتهن في بيوتهن خير لهن من صلاتهن في المساجد لو علمن ذلك , لكنهن لم يعلمن فيسألن الخروج إلى المساجد ويعتقدن أن أجرهن في المساجد أكثر. ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل: الأمن من الفتنة , ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة.
" عون المعبود " (2 / 193) .
ثامناً:
قالت الأخت السائلة: " هل هذا هو قدر المرأة المسلمة إذا أحسنت وأدت ما عليها؟ فإن هي تجنبت الإثم فليس لها أي فضل وإن أخلت كانت من الملعونين المطرودين من رحمة الله أنا وإبليس اللعين سواء "!
وهذا من سوء الظن بالله، وكلامكِ ليس بصحيح اطلاقاً.
قال الله تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} النحل / 97.
وقال تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب} آل عمران / 195.
وقال تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيماً} الأحزاب / 35.
وأما ذكرته الأخت من أنها إذا أخلت كانت هي وإبليس سواء فهذا تشنيع لا محل له هنا، وتشبيه غير مقبول إذ لعنة الله لإبليس اللعنة الأبدية التي لا تقبل فيها أي توبة، لا تقارن بما يكون من اللعن في حق من كان مسلماً موحداً لله مذعناً له ووقع في بعض الكبائر.
وفي هذا القدر من الآيات البينات والكلام كفاية في بيان خطأ قولكِ، ونسأل الله تعالى أن يفقهك في الدين، وأن يثبتك على الخير والهدى.
كما لا يفوتنا في نهاية هذه الإجابة أن نحمد لهذه الأخت السائلة صراحتها في السؤال عما يقذفه الشيطان في قلبها من الإشكالات عن الأمور الشرعية التي لو كتمتها في نفسها لربما أفسدت عليها دينها وأورثتها من الوساوس ما يُنغص عليها عيشها، وبمثل هذا السؤال يزول الإشكال ويندفع عن النفس الشك.
وإن كان ينبغي في طرح مثل هذه الأسئلة أن يكون بأسلوب أكثر ملائمة للسؤال عن حكمة الله في تشريعاته، وأن يبتعد السائل عن كل ما يُشعر بروح الاعتراض على الحكم إذا عقول البشر تقصر عن إدراك عظيم حكمة الله وواسع فضله على خلقه.
ومما يحمد أيضاً للأخت السائلة رضاها وتسليمها بشرع الله، وذلك في قولها (وإن كان هذا هو شرع الله فسمعاً وطاعة) ، وهكذا يجب أن يكون المؤمن.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على دينه، وأن يلهمنا رشدنا.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/21)
والداه يريدان منه أن يترك العمل للدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الأكثر أهمية للمسلم، طاعة والديه أم العمل للأمة؟
أسأل هذا السؤال لأن زوجي اختار أن يعلم المسلمين دينهم ووالداه لا يوافقون، والده يريده أن يرجع لبلده ويعمل في تخصصه، لا أدري ماذا أفعل لأن والد زوجي طلب مني محاولة إقناع زوجي بالعودة.
أنا الوحيدة في العائلة التي تدعم زوجي ليعمل في سبيل الله، تركت حقوقي كزوجة لأعينه على متابعة عمله، تواجهنا بعض الصعوبات ولكن والحمد لله نحن بخير.
كيف أتصرف؟ أنا لا أريد أن أعصي والد زوجي ولا أريد أن أتدخل في اختيار زوجي لطريقة حياته، فقد وافقنا على أن نعيش حياة بسيطة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن الله تعالى قد أوجب طاعة الوالدين فقد قال تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} الأنعام / 151.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك.
رواه البخاري (5626) ومسلم (2548) .
وحرَّم عقوق الوالدين، فعن المغيرة بن شعبة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ".
رواه البخاري (2277) ومسلم (593) .
والعمل للإسلام متوجب على المسلم بحسب طاقته، وقد يتعيَّن على زوجك البقاء في هذه البلاد لخدمة المسلمين وتعليمهم والقيام على شئونهم، وعليه: فلا يجب على الزوج الرجوع لبلده وترك الدعوة إلى الله والعمل للأمة.
وقد سأل رجلٌ الشيخَ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – فقال:
إنني أشتغل منذ عدة سنوات بتحفيظ القرآن الكريم في مكان بعيد عن المدينة التي يسكن فيها والداي ولذا فهما يطلبان مني أن أترك التدريس وأعمل مع أحد إخواني الذين يسكنون عندهما وأنا متردد في هذا الأمر؟ لأني أخشى أن أترك التدريس فيضيع الطلاب وينسوا ما حفظوه من القرآن الكريم.
فما تنصحوني جزاكم الله خيرا؟ .
فأجاب:
ننصحك بالاستمرار في تحفيظ القرآن الكريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه " أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، ولما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين، ولا تلزمك طاعة والديك في ترك ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الطاعة في المعروف " ويشرع لك الاعتذار إليهما بالكلام الطيب والأسلوب الحسن.
وبالله التوفيق.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 412) .
ثانياً:
ويمكن لزوجك أن يطيع والده ويرجع لبلده إذا كان هناك من يقوم مقامه في العمل للإسلام هناك ووجدت الحاجة للعمل للإسلام – كذلك – في البلد الذي يوجد فيه أهله، فيجمع بذلك بين الأمرين: تحقيق رغبة والده، والعمل للإسلام، وقد يكون بلده بحاجة أكثر، وقد يكون بقاؤه في البلد التي هو فيها لا يتمكن معه من إظهار شعائر الإسلام الظاهرة ولا يستطيع تربية أولاده فيه.
أما إن كان زوجك سيرجع للعمل في تخصصه دون العمل للإسلام فإنك ينبغي أن تكوني بجانبه وتحثيه على البقاء للعمل للإسلام، وهذا لا شك خير لكم في دينكم، وإن كان ليس كذلك لدنياكم، وما عند الله خير وأبقى، مع التنبيه الشديد على أهمية أن لا يكون الإنسان كالشمعة يحرق نفسه ليضيء لغيره، فإن كانت البيئة التي هو فيها لا تُعينه على طاعة الله ولا تربية أبنائكم فاحرصوا على تغييرها، إلى بيئة صالحة ينشأ أولادكم فيها على الشعائر الإسلامية، وفق الله الجميع لما يُحبه ويرضاه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/22)
التحذير من الوقوع في المشايخ وطلبة العلم وانتقادهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك اناس يتكلمون في المشايخ وينقدونهم من باب أنهم ليسوا أنبياء ولا من الصحابة فهم ليسوا فوق مستوى النقد في رأيهم حيث أنهم بشر ويخطئون ومن حق العامة انتقادهم.. فما توجيه فضيلتكم جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا شك أن الأصل العام هو حرمة المسلم، والحفاظ على ذلك من المهمات المؤكدة في الدين.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ: لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) . رواه مسلم (2564) .
وفي أعظم جمع اجتمع حول النبي صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع التي حجها بأصحابه، قال صلى الله عليه وسلم:
(فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا؛ لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ) متفق عليه.
ثانيا:
إذا تعلق الأمر بأهل العلم والكلام فيهم، فالأمر فيهم أشد، والتبعة أجل وأعظم.
وما أحسن ما قال أبو القاسم ابن عساكر رحمه الله:
" اعلم يا أخي - وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته - أن لحوم العلماء رحمة الله عليهم مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاق على من اختاره الله منهم لنشر العلم خلق ذميم، والاقتداء بما مدح الله به قول المتبعين من الاستغفار لمن سبقهم وصف كريم، إذ قال مثنيا عليهم في كتابه وهو بمكارم الأخلاق وضدها عليم: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر /10
والارتكاب لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاغتياب وسب الأموات جسيم، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " انتهى.
"تبيين كذب المفتري" (ص 29-30) .
والآية السابقة التي ذكرها أبو القاسم ابن عساكر رحمه الله، وإن كانت تذكر دعاء المؤمنين الخالفين، لمن سبقهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فالأدب الذي فيها عام لكل تابع في الخير، مع من سبقه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" المعنى المقتضي لذلك يعم الصحابة، وسائر طبقات الأمة، إذ كل طبقة متأخرة ينبغي أن تستعمل مع الطبقة المتقدمة معنى هذه الآية ". انتهى.
"جواب الاعتراضات على الفتيا الحموية" (161) .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله:
" وهذا دعاء شامل لجميع المؤمنين السابقين، من الصحابة ومن قبلهم ومن بعدهم.
وهذا من فضائل الإيمان: أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض، بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين، التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض، وأن يحب بعضهم بعضا.
ولهذا ذكر الله في الدعاء نفي الغل عن القلب، الشامل لقليل الغل وكثيره، الذي إذا انتفى ثبت ضده، وهو المحبة بين المؤمنين والموالاة والنصح، ونحو ذلك مما هو من حقوق المؤمنين".
"تفسير السعدي" (851) .
وقد قال ابن المبارك رحمه الله: " من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ".
"سير أعلام النبلاء" (8/408)
وقال الطحاوي رحمه الله في "عقيدته" (57) : " وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر - لا يُذْكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل ".
ثالثا:
لا يعني ذلك أن أولئك العلماء معصومون من الخطأ، أو أنه لا يرد عليهم ما أخطأوا فيه؛ لكن ينبغي أن يكون الرد عليهم بأدبه؛ فلا يهدر صوابهم وخيرهم لأجل خطأ أخطأ فيه الواحد منهم، ولا يكون الدافع إلى ذلك جهل أو هوى أو عصبية؛ ثم الذي يتولى الرد عليهم، والبحث معهم: هو من تأهل لذلك من أهل العلم الثقات، الذي يحسن أن يزن الأمور بيمزان الشرع، فلا وكس ولا شطط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فالمؤمن يجمع بين القيام بحق الله، بمعرفة دينه، والعمل به، وحقوق المؤمنين، متقدميهم ومتأخريهم، بالاستغفار وسلامة القلوب.
فإن من كان له لسان صدق ـ بل ومن هو دونه ـ إذا صدر منه ما يكون منكرا في الشرع؛ فإما أن يكون مجتهدا فيه، يغفر الله له خطأه، وإما أن يكون مغمورا بحسناته، وإما أن يكون قد تاب منه.
بل من هو من دون هؤلاء، إذا فعل سيئة عظيمة، فالله يغفرها له؛ إما بتوبة، وإما باستغفاره، وإما بحسناته الماحية، وإما بالدعاء له، والشفاعة فيه، والعمل الصالح المهدى إليه، وإما أن يكفر عنه بمصائب الدنيا، أو البرزخ، أو عرصات القيامة، أو برحمة الله تعالى.
فلهذا ينبغي للمؤمن أن يتوقى القول السيء في أعيان المؤمنين المتقين، ويؤدي الواجب في دين الله، والقول الصدق، واتباع ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه.
وكما أن هذا الواجبُ في المسائل العملية، فكذلك في هذه المسائل الخبرية، لا سيما فيما يغمض معناه، ويتشبه على عموم الناس الحق فيه بالباطل؛ فهذا المسلك يجب اتباعه؛ إذ قل عظيم في الأمة إلا وله زلة ...
فلا بد من رعاية حق الله بالواجب في الإثبات والنفي، والأمر والنهي، وحق عباده المؤمنين، بما لهم من إيصال حقوقهم إليهم، من المحبة والموالاة، وتوابع ذلك، واجتناب البغي والعدوان عليم ". انتهى.
"جواب الاعترضات المصرية على الفتيا الحموية" (162-163) .
وقال ابن القيم رحمه الله: " معرفة فضل أئمة الإسلام، ومقاديرهم وحقوقهم ومراتبهم، وأنَّ فضلَهم وعلمَهم ونصحهم لله ورسوله لا يوجب قبول كلِّ ما قالوه، وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم فيها ما جاء به الرسول، فقالوا بمبلغ علمهم والحقُّ في خلافها، لا يوجب اطِّراح أقوالهم جملة، وتنقصهم والوقيعة فيهم، فهذان طرفان جائران عن القصد، وقصد السبيل بينهما، فلا نؤثم ولا نعصم "
إلى أن قال: " ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أنَّ الرَّجلَ الجليل الذي له في الإسلام قدَم صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلَّة هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يُتبع فيها، ولا يجوز أن تُهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين " انتهى
"إعلام الموقعين" (3/283) .
فحذار حذار من الوقوع في أهل العلم والإسلام، والجرأة على ذلك المقام الخطر، وتقحم الإنسان فيما لا يعنيه، والسلامة السلامة، لدينك وعرضك.
وننصح بمراجعة كتاب: "حرمة أهل العلم " للشيخ محمد أحمد إسماعيل، والانتفاع به.
وينظر: إجابة السؤال رقم: (21576) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/23)
هل يتظاهر بأنه ليس سلفياً ليتمكن من الدعوة إلى الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في حيرة من أمري، فأنا أتبع تعاليم القرآن والسنة وكان يشار إلي على أنني سلفي في الماضي، والمسجد الذي أصلي فيه منذ عشرين عاما صار يسيطر عليه أفراد من حركة إسلامية يتبعون المذهب الحنفي، فهم ما شاء الله شباب كثر ويصلون في المسجد، ويُطلب مني المساعدة في هذا المسجد.. لكن لدراستي في جامعة المدينة، ولنظر الآخرين لي على أن سلفي، أشعر أن الناس لا يشعرون بالارتياح تجاهي بسبب مذهبي، ولذا قمت من شهور قليلة بتهذيب لحيتي، وبدأت أتولى برنامج مسجد الشباب، وصرت الآن في موقع منفذ برنامج الشباب في المسجد وأنا الآن ألقي محاضرات في التوحيد والعقيدة، وأدل الشباب على مواقع المشايخ ومحاضراتهم على مواقع الإنترنت، وأشعر بأن لدي المرونة الكاملة للتعامل مع هؤلاء الشباب. لكن ماذا لو اكتشفت وعرفت لجنة المسجد بتوجهي، وأنني إنما أزكي وأدعو للفكر السلفي ... فلن يكون لدي المرونة ساعتها؟ فهل أنا غشاش أو كاذب بتغيير مظهري بتهذيب لحيتي وإخفائي لمنهجي؟ وهل بتعليم الشباب في المسجد وتوجيههم ونصحهم بقراءة كتب سلفية وتصفح المواقع الإلكترونية مثل موقعك، وهل أرتكب إثما بالتظاهر على أني فرد من الحركة الإسلامية، وأحمل فهمها، بينما أنا فقط أقوم بالدعوة لمنهج أهل السنة والجماعة ... ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعلنا جميعا من الدعاة إلى الله تعالى، على ما يحب سبحانه من البصيرة في الدين، والمتابعة لهدى المرسلين.
وبعد، فلتعلم ـ أيها الأخ الكريم ـ أمرا له أهميته، نقدمه بين يدي الجواب عن مشكلتك؛ وهذا الأمر هو أن عندنا نوعين من التصرفات، أو الأخلاق الاجتماعية، والتي يتخلق بها المرء في تعامله مع الآخرين، وهذان الأمران هما: المداراة والمداهنة.
قال ابن القيم رحمه الله:
" المداراة صفة مدح، والمداهنة صفة ذم.
والفرق بينهما أن المدارى يتلطف بصاحبه حتى يستخرج منه الحق، أو يرده عن الباطل. والمداهن يتلطف به ليُقِرّه على باطله، ويتركه على هواه.
فالمداراة لأهل الإيمان، والمداهنة لأهل النفاق.
وقد ضُرِب لذلك مثلٌ مطابق:
وهو حال رجل به قُرحة قد آلمته، فجاءه الطبيب المداوي الرفيق، فتعرف حالها ثم أخذ في تليينها، حتى إذا نضجت أخذ في بَطِّها برفق [أي: شقها] وسهولة حتى أخرج ما فيها، ثم وضع على مكانها من الدواء والمرهم ما يمنع فساده، ويقطع مادته، ثم تابع عليها بالمراهم التي تنبت اللحم، ثم يذُرُّ عليها ـ بعد نبات اللحم ـ ما ينشف رطوبتها، ثم يشد عليها الرباط، ولم يزل يتابع ذلك حتى صلحت.
والمداهن قال لصاحبها: لا بأس عليك منها، وهذه لا شيء، فاسترها عن العيوب بخرقة، ثم الهُ عنها. فلا تزال مِدتها تقوى وتستحكم، حتى عظم فسادها ". انتهى. "الروح" (232) .
فإذا كان حالك مع هؤلاء القوم كحال الطبيب، الذي يتلطف بهم، ليعالج ما بهم من أمراض الشبهات والشهوات، والبدع والمعاصي والانحرافات، وترفقت بهم في ذلك: فتلك حال ممدوحة، ولست مكلفا بأن تعالج كل ما بهم من الأمراض دفعة واحدة، بل ابدأ بالأهم فالمهم، وبالمرض القاتل الفتاك أولا: الشرك وأسبابه، ثم ما يليه من البدع والمعاصي والفجور، كل هذه أمراض تحتاج إلى علاج الطبيب الرفيق الحاذق، في لطف ورفق وأناة.
وإياك إياك أن تظن أن ما أنت عليه من الطب خداع للمريض، أو كذب وسوء، وإياك إياك أن تفقد الحكمة، والعلم، وتجانب الصراط في طبك للمرضى، فساعتها ستنتقل إليك العدوى، وتصبح أنت المريض!!
إن الواجب عليك هو تبليغ كتاب الله وسنة رسوله، وأن تحافظ على منهجك السلفي، وتستعين بكل وسيلة لتوصيله لمن حولك من الناس، لكن في مدارة الطبيب وحلمه، وليس في المداهنة الباطلة، بأن تقرهم على بدعة أو شر ومعصية، وإن كان لك أن تسكت عن بعض الشيء، حتى تتمكن من علاجه ما هو أخطر منه، ثم علاجه هو، ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
وحذار أن تفتح على نفسك باب التأويلات الباطلة، فتقع في معصية بعد أخرى، أو بدعة وثانية، أو تتنازل عن شيء من أصول اعتقادك، لتأليف القلوب، ومصلحة الدعوة، كما يتوهم المتوهمون.
وأما ما ذكرت من تقصير لحيتك، فنحن نصدقك القول: إننا نخاف عليك من مغبة ذلك، أن يكون بداية لطريق تنازل طويل، يبدأ من اللحية، وينتهي بالعقيدة السلفية، مرروا بما شئت من الهدي الظاهر، والسنن القولية والعملية؛ فحذار حذار، ولست مكلفا بهلكة نفسك لتنقذ غيرك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) المائدة/105.
وأما إن كان التقصير، هو فقط، فيما زاد على القبضة، فنرجو أن يسعك ذلك، فقد قال به بعض أهل العلم، من علماء السنة، وفعله بعض السلف الصالح، وإن كنا نرى السنة في خلافه، وأن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، هو ترك اللحية كما هي.
على أنه يترجح جانب الجواز في حقك: إذا تحققت المصلحة الشرعية من ذلك التقصير، خاصة إذا كنت في ديار الغربة، أو بلاد ليست السنة فيها ظاهرة، وأهل السنة غير ممكنين فيها، وكانت ترك بعض السنن أعون لك على الاستمرار في الدعوة إلى الله، وتأليف القلوب، وجمع الناس إلى طريق السنة، ودلالتهم على أهلها: فيسعك، إن شاء الله، ترك بعض ما تعجز عن إظهاره من سنن الهدي الظاهر، إلى أن يأذن الله ويمكن للسنة وأهلها.
غير أننا نقول لك: احذر على قلبك، وكن فقيها بأمر نفسك، وأمر دينك، ولا تجعل ما تركته، وأنت معذور، سببا وطريقا تترك به ما تقدر عليه؛ فقد قال أهل العلم: " الميسور لا يسقط بالمعسور"؛ يعني: أن ما عجزت عن القيام به من الواجبات والمستحبات: ليس عذرا لك في ترك ما قدرت على الإتيان به من ذلك.
وأما ما ذكرت من اكتشافهم أمرك: فلا عليك، أنت بلغ ما علمت من دين ربك، بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا عليك بما نالك في ذلك، كما قال الله تعالى: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) لقمان/17.
وساعتها: إن عجزت عن إتمام دعوتك في مكانك هذا، فلعل الله أن يبدلك ما هو خير منه، أو ييسر لك من سبل الدعوة ما هو أنفع من ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/24)
صديقه الشيعي يدعوه إلى التشيع، ويطعن في عمر رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي الشيعي يقول إنه حين قربت وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان في بيته الكثير من الناس وكان بينهم عمر بن الخطاب فقال له الرسول دعني أكتب لكم شيئا حتى لا تضلوا بعدي أبدا، فقال عمر: إن الرسول تحت تأثير الحمى، وربما أنه لا يعي ما يقول، ولدينا القرآن وهو كتاب الله يكفينا. ارتفع صوت من عند رسول الله وهم يتناقشون ثم انقسموا إلى قسمين فبعضهم قال: لنستمع إلى الرسول لعله يقول لنا ما يحفظنا من الضلال بعده، والقسم الآخر كرر ما قاله عمر بن الخطاب، وعندما زادت الفرقة بينهم وارتفع صوتهم قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا بعيدا عني) . قال صديقي الشيعي: إن هذا موجود في صحيح البخاري جزء 4 صفحة 4. فإذا كان هذا صحيحا فلماذا فعل هذا عمر بن الخطاب؟ صديقي قال لي لاحقا إن عمر بن الخطاب كان يرى بأنه ليس مقيداً بسنة الرسول وكان يفعل ما يراه هو، ويؤكد هذا ما فعله حين أصبح خليفة فقد كانت أفعاله تناقض السنة وقد حرم ما أباح الله، وأباح ما حرم الله. فهل هذا صحيح؟ مع أن هذا مذكور في كتب أهل السنة؟ أنا سني وأريد أن أعرف الحقيقة لأن صديقي يريد أن يحولني إلى شيعي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس الأمر كما فهمه هذا الشيعي المتطاول على أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه، وإنما قال بعضهم: (أهجر) على سبيل الإنكار على من توقف في امتثال أمره بإحضار ما يلزم للكتابة، فكأنه قال: كيف تتوقف أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه، امتثل أمره وأحضر ما طلب، فإنه لا يقول إلا الحق.
وربما كان قائل العبارة ممن أسلم حديثاً.. وإلا فإنه متقرر عند الصحابة الأجلاء وعلى رأسهم عمر الفاروق أنه صلى الله عليه وسلم معصوم في جميع أحواله.
وإن مقالة عمر: حسبنا كتاب الله، فقد قال النووي: اتفق العلماء على أن قول عمر: (حسبنا كتاب الله) من قوة فقهه، ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب أموراً ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة، وأراد أن لا يسد باب الاجتهاد على العلماء، وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر إشارة إلى تصويب رأيه، ويحتمل أن يكون قَصَدَ التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (قوموا) لما وقع منهم الاختلاف ارتفعت البركة كما جرت العادة بذلك عند وقوع التنازع والتشاجر. ويراجع فتح الباري (8/133،134) ويراجع كلام ابن تيمية في المنهاج (6/24) .
وأما دعوى هذا الشيعي البغيض أن عمر يخالف السنة فهي كذبة صلعاء وفرية مكشوفة.. فقد عرف عمر رضي الله عنه بتمام التأسي والاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. وكان وقافاً على كتاب الله، وقد كان فوق ذلك حيث كان محدثاً ملهماً يأتي الوحي موافقاً لرأيه في عدة مسائل.
قال شيخ الإسلام: "أما عمر فقد ثبت من علمه وفضله ما لم يثبت لأحد غير الصدّيق". "المنهاج" (6/20) .
قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: (ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك) أخرجه البخاري.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (كان عمر أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وأعرفنا بالله) .
وننصحك بمفارقة هذا الشيعي بعد دعوته وتذكيره من قِبل طلبة العلم، وعليك أن تتخذ أصدقاء من أهل السنة والصلاح زادك الله هداية وتوفيقاً.
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(8/25)
نصائح شرعيَّة للأخوات خريجات الجامعة
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء من فضيلتكم توجيه نصيحة للخريجات - الفتيات اللواتي أنهين الدراسة الجامعية -، ماذا يفعلن بعد التخرج وقبل الزواج أو لحين الزواج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فهذه نصائح نقدمها لمن أنهت دراستها، فنقول:
1. على كل أخت أنهت دراستها أن تحاسب نفسها عن تلك السنوات التي قضتها في الجامعة أو غيرها، ماذا كان فيها من معصية، أو تقصير في حق الله، وعليها التوبة الصادقة منها، فإن التوبة هي وظيفة العمر، فلا يخلو المسلم من معصية أو تقصير في حق الله، فلابد من التوبة من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه الترمذي (2499) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وإن كانت الأخت مستقيمة في أثناء دراستها: فلتحمد الله تعالى أن نجاها مما وقع فيه غيرها في المعصية، وعليها المحافظة على استقامتها، ودينها، وأن يكون يومها – دائماً – خيراً من أمْسِها، وغدها خيراً من يومها.
2. والنصيحة للأخوات أن لا يحرصن على تكملة الدراسة، ولا البحث عن عمل، لأنه لا يوجد ـ للأسف ـ في أكثر بلاد المسلمين عمل يليق بالمرأة ويخلو من المحرمات.
وقد يُفتى في نطاق ضيِّق لبعض الأخوات، وفي بعض التخصصات بتكملة دراستهن، أو العمل، وذلك بعد أن يستشرن من يوثق بعلمه، ودينه، وذلك لظروف خاصة بهن.
3. على الأخوات الخريجات استثمار الفترة بين التخرج والزواج بالدعوة إلى الله، فالنساء يحتجن إلى داعيات تحثهن على سلوك طريق الاستقامة، ونأسف أن نجد الحاجة ماسة لوجود داعيات، مع قلة من يقوم بهذا الأمر من الأخوات، وهناك الكثير منهن تكون قادرة على البذل والعطاء لبنات جنسها، لكننا نرى العجز والكسل عند الكثيرات.
قال تعالى: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) الأعراف/ 165.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
وهكذا سنَّة الله في عباده: أن العقوبة إذا نزلت: نجا منها الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر.
"تفسير السعدي" (ص 306) .
4. استثمار الوقت في طلب العلم، وحفظ القرآن، وذلك قبل مجيء شواغل الزواج، فبعد الزواج قد تقل فرص طلب العلم، وحفظ القرآن بسبب الأعمال البيتية، والقيام بحقوق الزوج، ورعاية الأولاد.
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ) .
رواه الحاكم (4 / 341) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (3355) .
5. من رضيت لنفسها من الأخوات الخريجات باللحاق بركب العمل، والدخول في سوقه: فلتتق الله ربها فيه، ولتحرص على أن يكون عملها شرعيّاً في ذاته، وأن تكون بيئته خالية من المحرمات، كالأغاني، والاختلاط، ومن كانت وظيفتها في تدريس البنات: فلتبذل قصارى جهدها في العناية بهن، والحرص على هدايتهن، واستقامتهن؛ فقد كثرت الفتن على المسلمين والمسلمات، وقد غلبت الكثرة الشجاعة، فيحتاج المسلم من يقوي عزمه، ويقف بجانبه، ويحثه على الطاعة، وبخاصة الإناث؛ فإن حملات الفتن عليهن أكثر، وجانب الوقاية فيهن ضعيف غالباً.
وقد ذكرنا أدلة تحريم الاختلاط في جواب السؤال رقم (1200) ، وبيَّنا حكم العمل المختلط في جواب السؤال رقم (39178) ، وتجدون ضوابط عمل المرأة في جواب السؤال رقم: (22397) .
6. الحرص على الصحبة الصالحة من بنات جنسها، ومن شأن تلك الصحبة الصالحة أن تعين على طاعة الله، وتدل على النافع المفيد، وتثّبت السائر على درب الهداية.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، وَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ) رواه أحمد (22029) ، وحسَّنه محققو المسند.
القاصية: المنفردة عن القطيع البعيدة عنه.
7. البُعد عن مهيجات الشهوة، من كتبٍ تُقرأ، أو صور تُرى، أو أفلام تُشاهد، فهذه المرحلة للأخوات لا شك أنها خطيرة، والانسياق وراء تلك المهيجات لا تُضمن عواقبه، مع وجود الإثم أصلاً في فعله، فعلى الأخوات الفضليات الانتباه لهذا، والاستعانة بالله تعالى على الثبات على الدين، فالفتن تسلب العقول، وتحرك الصخور، ولا ملجأ للمسلم إلا ربه، ليطلب منه الثبات على الحق، والانتصار على النفس الأمَّارة بالسوء.
ونسأل الله تعالى أن نكون وفقنا في نصائحنا هذه، ونسأله أن يوفق أخواتنا للعمل بها.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/26)
نصيحة لشاب في بداية طريق الاستقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما نصيحتكم لشاب في بداية طريق الاستقامة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نصيحتنا لهذا الشاب الذي هو في اتجاه سليم إن شاء الله:
أولاً: أن يسأل الله الثبات دائماً، والصواب.
ثانياً: أن يكثر من قراءة القرآن بتدبُّر؛ لأن هذا القرآن له أثر كبير على القلب، إذا قرأه الإنسان بالتدبُّر.
ثالثاً: أن يحرص على ملازمة الطاعات، وألا يمل أو يكسل، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استعاذ من العجز والكسل.
رابعاً: أن يحرص على مصاحبة الأخيار، ويبتعد عن مصاحبة الأشرار.
خامساً: أن ينصح نفسَه حينما تؤثر هذه النفس عليه وتقول له: إن المدى بعيد، والطريقَ طويل، فلينصح نفسه وليثبُت؛ لأن الجنة حُفَّت بالمكاره، والنار حُفَّت بالشهوات.
سادساً: أن يبتعد عن قرناء السوء، حتى ولو كانوا أصحاباً له من قبل؛ لأن قرناء السوء يؤثرون عليه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مَثَلُ الجليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة) " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/153) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/27)
كيف يتصرف مع أهل زوجته الذين يفعلون المعاصي الظاهرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي هو أن لزوجتي أختين متبرجتين ومبتعدتين تماماً عن الدين، باستثناء الصيام - على حد معرفتي في رمضان الماضي - لكنهن كثيرات السهر، ويتصرفن برعونة تامة، ويتعارفن مع الشباب عن طريق الإنترنت، والهواتف النقالة، وعن طريق الخروج الكثير، وغير المسئول من المنزل، وأنا أكرههما، لكني أعاملهما بالمعروف، وبدأت أتقصد في معاملتي معهما بشكل رسمي وفظ مؤخراً، من خلال عدم السلام باليد؛ لأنه ينقض الوضوء، وعدم النظر إليهنَّ لأنهنَّ غير مستورات بالكامل، وهذا منافٍ لقواعد الدين وشرعه، الذي يأمر بغض البصر، وأنا الآن في حيرة، هل أقطع علاقتي بهنَّ نهائيّاً وأمنع زوجتي من مكالمتهن، علماً بأن زوجتي هي أختهم الكبيرة، وهنَّ يعشنَ مع والدتهن بالقرب منَّا، وأبوهنَّ خارج البلاد، وأخوهن الوحيد خارج البلاد أيضاً؟ وهذا سبب حيرتي لأنهن نساء يعشن وحدهن دون رجل، ويعاملنني بلطف، ويخفن من زعلي، لكن عندما أنصحهن بالخير لا يستجبن، وأمهن التي هي حماتي لا تساعد على تربيتهن، وتقول لي إنهن بحاجة للخروج ليراهن الناس ويتزوجن! ، وأنا أخاف الله من قطعهن، لكني عاجز عن التحمل؛ نظراً لأن سمعتهن ساءت كثيراً، وهذا يؤثر على زوجتي المحافظة، وعليَّ أيضاً، وأكره المجاهرة بالمعاصي، وعدم الالتزام بشرع الله، فما العمل جزاكم الله خيراً؟ وهل يجوز أن نقاطعهن ـ تأديباً ـ لفترة شهر أو شهرين؛ علماً أنني قلت لحماتي بأنني غير راضٍ فغضبت وقالت: إذا قاطعتهن سوف أقطع علاقتي بابنتي - التي هي زوجتي -، وهذا سبب آخر يمنعني، لكن - والله شاهد على ما أقول - فهم توسعوا في المعاصي، والخطأ، دون أن يصلوا لحدِّ الكبائر، وأيضاً: حماتي غير ملتزمة دينيّاً، لكنها تصوم، وتتكاسل في أغلب الأحيان عن الصلاة، وعندما ننصحها تغضب وتقول: لا أحد يتدخل بيني وبين بناتي، الله وحده يحاسبنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأصهاره خيراً، وهذا من عظيم أخلاق الإسلام، ومع كون أصهار المسلم ليسوا من أرحامه، إلا أنه بسبب عقد الزوجية جُعل لأهل زوجته حق عليه بالعناية بهم ورعايتهم.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً - أَوْ قَالَ: ذِمَّةً وَصِهْراً -) .
رواه مسلم (2543) .
قال النووي – رحمه الله -:
وأما الذمَّة: فهي الحرمة، والحق، وهي هنا بمعنى الذمام، وأما الرحم: فلكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصهر: فلكون مارية أم إبراهيم منهم.
" شرح مسلم " (16 / 97) .
وكما نلحظ فإن الحديث ليس فيه الوصية بأهل الزوجة مباشرة، بل بأهل بلدها، بل لم تكن مارية رضي الله عنها زوجة للنبي صلى الله عليه، بل كانت أمَته، وأم ولده إبراهيم، فالوصية بأهل الزوجة مباشرة أولى بالاهتمام والعناية.
ثانياً:
مع هذا فإن على المسلم أن يراعي حرمة الشرع، وأحكامه، وأنه إن كانت صلته بأهل زوجته مما يسبب له فتنة لنفسه، أو فساداً لزوجته وأولاده، أو طعناً في دينه وعرضه: فإن عليه أن يحتاط لذلك، ويجب عليه السعي نحو الحفاظ على ما أولاه الله تعالى من مسئوليات، ولو كان في ذلك قطع للعلاقة مع أهل زوجته المفسدين، أو هجر لهم بسبب خوفه على نفسه أو على زوجته وأولاده.
والذي يظهر لنا من خلال سؤالك أخي السائل أن بيت أصهارك ليس مما ينبغي لك الأسف عليه إن استمر حالهم على ما وصفتَ بعد النصح والتذكير، وأن بقاء الأمر على ما هو عليه قد ينعكس أثره السلبي على بيتك وأسرتك، فالرائحة المنتنة، حين تفوح، تشمل المكان كله، وسوء السمعة الذي تحدثت عنه: لن يقتصر أثره علي الفتاتين فقط؛ بل أنت وزوجتك وأولادك في الواجهة أيضا.
فاحذر أشد الحذر من التهاون في النصح، والوعظ، وإن رأيتَ ذلك غير مجدٍ، ورأيت أحوال الأختين على ما هي من السوء الذي وصفتَ: فننصحك بشدة أن تتخذ موقف الهجر من ذلك البيت، ولو أدى لقطع علاقة حماتك بابنتها، مع أننا نجزم أن كلامها فارغ، وأنها لن تصبر على ابنتها وأحفادها، بل يمكنك جعل ذلك ورقة " ضغط " عليها؛ لتصلح من حالها، وحال ابنتيها.
على أننا ننصحك، قبل أمر الهجر، وقطع العلاقة بهاتين الفتاتين وحماتك: أن تقوم بإعلام والدهما وأخيهما، المسافرين إلى الخارج، بحقيقة الحال، وأن تقنع الوالد بضرورة عودته، وبقائه في وسط أسرته، ونهوضه بمسؤوليته الواجبة نحوهما. فإن أبى فلتكن المحاولة مع أخيهما، فهما المسئولان ـ حقيقة ـ عن تلك الرعاية والقوامة على البنتين.
وقد يكون من الأنسب في هذه الظروف: أن تكون زوجتك هي التي تقوم بإيصال هذه الرسالة إلى والدها وأخيها. فإن لم تستطع، فمن الممكن أن يقوم بذلك ناصح أمين، ممن تعلم ـ يقينا ـ أنه على معرفة بحقيقة الحال.
ثالثاً:
ليس ما ننصحك به هو من الهجر المحرَّم، فنحن أولاً قلنا بوجوب النصح والوعظ، ثم قلنا إن مثل تلك المعاصي التي تفعلها شقيقات زوجتك من شأنها أن يكون لها أثر سيء عليك وعلى أهل بيتك، وهذا موجب للهجر بالإجماع.
قال ابن عبد البر – رحمه الله -:
وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته، وصلته: ما يفسد عليه دِينه، أو يولِّد به على نفسه مضرة في دينه، أو دنياه، فإن كان ذلك: فقد رُخِّص له في مجانبته، وبُعده، وربَّ صرْمٍ جميلٍ خيرٌ من مخالطةٍ مؤذيةٍ.
قال الشاعر:
إذا ما تقضي الودُّ إلا تكاشرا ... فهجر جميل للفريقين صالح
" التمهيد " (6 / 127) .
رابعاً:
ننبهك إلى ما لحظناه من خلال سؤالك أن علاقتك بشقيقات زوجتك فيها مخالفات شرعية، من حيث النظر، والخلطة، والمصافحة، وما ذكرته عن المصافحة من أنك امتنعت عنها من أجل نقض الوضوء: غير صحيح، بل هي محرَّمة لذاتها، وهي لا تنقض الوضوء بمجردها، وانظر جواب السؤال رقم (8531) .
وخطأ آخر: وهو ظنك أن شقيقات زوجتك لم يفعلن شيئاً من الكبائر! ويبدو أن الكبيرة عندك هي " الزنا "! فحسب، وهذا خطأ، ووجه ذلك: أن تبرجهن، وعلاقتهن برجال أجانب من الكبائر، وتركهن الصلاة ليس من الكبائر فحسب، بل هو من الكفر المخرج من الملة.
خامساً:
والخلاصة:
1. انصح لأم زوجتك وأخواتها بتقوى الله والالتزام بطاعته، في الصلاة، والحجاب، وترك المحرمات، من التبرج، ومصاحبة الأجانب.
2. خفف من زيارتك لبيت حماتك، وعلل ذلك بما هم عليه من حال لا يُرضي.
3. إن لم يُجد ذلك، وتسبب لك علاقتك بهم وزيارتك لهم بالطعن في دينك وعرضك، أو بخوفك على زوجتك وأولادك أن يُفتنوا بهم: وجب عليهم هجرهم، حتى ينصلح حالهم.
4. داوم أنت وزوجتك على الدعاء لأصهارك بالهداية، والتوفيق لما يحب ربنا ويرضاه.
6. وعليك الالتزام بالضوابط الشرعية في العلاقة مع الأجنبيات، حتى لو كن من أقربائك، أو أصهارك، وانظر جواب السؤال رقم: (1121) ففيه تفصيل مفيد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/28)
طبع لصديقه بحثاً فيه مخالفات للشرع لئلا ينفر منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في مجال كتابة الأبحاث العلمية، وقد أحضر لي صديق مسلم بحثاً مكتوباً له؛ لأقوم بكتابته على الحاسب، ثم طباعته، هذا البحث يتحدث عن أعمال أحد الأدباء النصارى، فلم يكن البحث يخلو في محتواه مما يخص عقائد النصارى، ونظرتهم إلى الله، والآلهة، وما إلى ذلك، وقد توسل لي أن أكتبه له بشدة، بسبب ضيق الوقت المقرر لتسليم البحث، فقبلتُ رغبة مني في أن أجعله يتقرب إليَّ أكثر، وأن أدعوه إلى الله، فهو شخص غير ملتزم، ولكنه ينظر إليَّ باعتباري مثالاً للشخص المسلم، فأنا أدعوه على فترات متباعدة، دون أن يشعر عن طريق ما أفعله أمامه، أو الطريقة التي أعامل بها من حولي؛ لأنه سريع النفور من الدعوة، ولو لم أكن قبلتُ بحثه: لقطع علاقته بي، فهل أنا على صواب؟ . وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان صاحبك قد علَّق على ما في بحثه هذا مما يخالف عقائد الإسلام، وبيَّن بطلانها فلا حرج من كتابة هذا البحث ونشره، لأنك بيَّنت أن هذا باطل.
وأما إذا كان البحث مجرد حكاية لما يقوله ذلك الأديب النصراني من غير بيان لما في كلامه من باطل، - وهذا هو الظاهر من سؤالك – فلا يجوز كتابة هذا البحث ولا نشره ولا مساعدته على ذلك.
وكيف يليق بمسلم أن يكتب بيده كلاماً فيه سب الله تعالى وتنقصه؟!
وأقل درجات إنكار المنكر: أن ينكر المسلم بقلبه، وذلك يتضمن كراهة لذلك المنكر وابتعاده عنه وعدم إقراره، وأما اعتذارك عن هذا بأنك أردت تأليف قلبه واستمرار دعوته، فهو اعتذار لا يبيح للمسلم كتابة أعظم المنكرات بيده، وهو الشرك، وقد نهى الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم عن أقل مما فعلت، وكان مقصده من ورائه ما هو أعظم مما قصدت، قال الله تعالى: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) الأنعام/ 52.
قال القرطبي رحمه الله:
" قوله تعالى: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) الآية، قال المشركون: ولا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء - يعنون سلمان، وصهيباً، وبلالاً، وخبَّاباً - فاطردهم عنك، وطلبوا أن يكتب لهم بذلك، فهمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ودعا عليّاً ليكتب؛ فقام الفقراء، وجلسوا ناحية؛ فأنزل الله الآية، ولهذا أشار سعد بقوله في الحديث الصحيح: (فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعاً في إسلامهم، وإسلام قومهم، ورأى أن ذلك لا يفوت أصحابه شيئاً، ولا ينقص لهم قدراً، فمال إليه، فأنزل الله الآية، فنهاه عما همَّ به من الطرد، لا أنه أوقع الطرد " انتهى.
" تفسير القرطبي " (6 / 431) .
وقد عاتب الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم على فعلٍ أقلَّ من فعلك اجتهد فيه لتحصيل مصلحة عظيمة من أجل إسلام بعض رؤساء الجاهلية، فقال تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَن جَاءهُ الأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى. فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى. كَلاَّ) عبس/ 1 – 11.
قال ابن كثير رحمه الله:
" ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً يخاطب بعض عظماء قريش، وقد طمع في إسلامه، فبينما هو يخاطبه، ويناجيه: إذ أقبل ابن أم مكتوم -وكان ممن أسلم قديماً - فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، ويلح عليه، وودَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كفَّ ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل؛ طمعاً، ورغبةً في هدايته، وعبس في وجه ابن أم مكتوم، وأعرض عنه، وأقبل على الآخر، فأنزل الله عز وجل: (عبس وتولى. أن جاءه الأعمى..) " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (8 / 319) .
والذي كان ينبغي لك فعله أن تصدق معه، فتخبره بحكم فعلك لو وافقتَه في طباعة ذلك البحث، وحكم فعله هو في كتابته أصلاً، وبذا يحصل النفع التام، لك، فتسلم أنت من الإثم، وله، فلعله يعيد النظر فيما كتب، ويحذف ما فيه مخالفة للشرع.
ويكون ذلك برفق ولين حتى لا ينفر صاحبك، وتتمكن من الاستمرار من دعوته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/29)
مذيعات وداعيات في قنوات إسلامية ينمصن حواجبهن، فهل يعني هذا جواز فعلهن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن نتف الحواجب حرام شرعاً، وكل العلماء أجمعوا على ذلك، غير أننا نشاهد كل يوم في القنوات الفضائية الدينية مقدمات، وداعيات للإسلام متبرجات، مع نتف الحواجب، ويدعين أن هذا ليس بالحرام، فما حكمكم أنتم في هذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمرأة أن تكشف شيئاً من بدنها أمام الرجال الأجانب عنها، ويدخل في ذلك الوجه والكفان، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11774) .
ويزداد التحريم إذا كانت تضع مساحيق التجميل وتتزين بها ليراها الرجال على تلك الحالة.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (111839) .
ثانياً:
أما نمص الحواجب (نتفها) فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من فعلت ذلك، وهذا يدل على أنه كبيرة من كبائر الذنوب.
وانظري جواب السؤال رقم (2162) .
وبعد وضوح الحكم من كلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فالواجب على المسلم اتباعه، واجتناب ما يسخط الله تعالى، ويوجب لعنته على العبد، وكل امرئ حسيب نفسه.
وهؤلاء المذيعات ـ وغيرهن ـ نسأل الله تعالى لهن الهداية والتوفيق إلى الصواب، وأن يكن قدوة صالحة لغيرهن من النساء.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (21393) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/30)
إمام مسجد لا يرى كفر اليهود والنصارى! ويرد الحديث المخالف لعقله!
[السُّؤَالُ]
ـ[بينما كنت أتكلم مع إمام مسجدنا في بعض الأمور: ذكرت له أن اليهود والنصارى مخلدون في نار جهنم , فكان يخالف ذلك الأمر، ويقول: إنه أعلم بالقرآن مني، فزوجة هذا الإمام نصرانية، وأفضل صديق عنده يهوديّ، ويقول أيضاً: إن الحديث يجب أن يكون منطقيّاً حتى نتبعه، أما إذا كان مخالفاً للمنطق: فلا يؤخذ به، فما حكم هذا الرجل؟ هل هو كافر، أم منافق، أم مبتدع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ندري كيف يجهل مثل الأمر إن كان يقرأ الفاتحة في صلاته، وكيف يجهل أن (المغضوب عليهم) هم اليهود، وأن (الضالين) هم النصارى؟!
ولا ندري كيف يكون أعلم بالقرآن منك وهو يقرأ فيه قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) المائدة/ 17، وقوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) المائدة/ 72، وقوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة/ 73، وقوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/ 30، 31.
فهل قرأ ذلك الإمام تلك الآيات؟ وهل فيها غموض حتى يجهل معناها؟ وهل علم هذا الإمام أن الإجماع قائم لا على كفر اليهود والنصارى فحسب، بل على كفر من شكَّ في كفرهم!
ثم هب أن هذا الإمام لا يعلم ذلك، أو يظن أن اليهود والنصارى الذين يتعامل معهم، أو يصادقهم ولا يكفرهم، لا يشركون بالله، ولا يعتقدون أن المسيح ابن الله، أو غير ذلك من عقائدهم الشركية؛ فماذا يعلم عن موقفهم من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ هل هم مؤمنون به، مصدقون له في دينه، متبعون له في شرعه؟ أو هم كفار به، مكذبون له ولرسالته؟
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) النساء /150-151.
وفي صحيح مسلم (153) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
(وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار) .
قال الإمام النووي رحمه الله:
" َأَمَّا الْحَدِيثُ فَفِيهِ نَسْخُ الْمِلَلِ كُلِّهَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ) : أَيْ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَكُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ؛ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا، فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ." انتهى.
فمثل هذا لا يخفى على موحِّد، إلا أن يكون التوحيد والشرك عنده سواء، وإذا كان لا يرى كفر اليهود والنصارى: فما حكم المسلمين عنده؟! لأن المسلمين عند اليهود والنصارى كفار مخلدون في نار جهنم! فهل يرى رأيهم، ويعتقد اعتقادهم؟! .
والذي نقوله أنا لا نشك في أن ما قاله ردة عن الدين، وكفر بإجماع المسلمين، فإن كان مكلَّفاً يدري ما يقول، وقد علم حكم ذلك في الإسلام، فقد خرج من ملة الإسلام، وكفر باعتقاده ذلك.
1. قال ابن حزم – رحمه الله -:
واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفاراً.
" مراتب الإجماع " (ص 119) .
2. وقال القاضي عياض – رحمه الله -:
ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه: فهو كافر بإظهار ما أظهره من خلاف ذلك.
" الشفا في أحوال المصطفى " (2 / 610) .
3. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
قد ثبت في الكتاب، والسنَّة، والإجماع: أن من بلغته رسالته صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به: فهو كافر، لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد؛ لظهور أدلة الرسالة، وأعلام النبوة.
" مجموع الفتاوى " (12 / 496) .
4. وقال – رحمه الله – أيضاً -:
إن اليهود والنصارى كفار كفراً معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام.
" مجموع الفتاوى " (35 / 201) .
5. وقال الحجاوي - رحمه الله -:
من لم يكفر من دان بغير الإسلام، كالنصارى، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم: فهو كافر.
" كشاف القناع " (6 / 170) .
07 وفي الإقناع ـ أيضا ـ للحجاوي، وشرحه، للبهوتي (6/170) :
" (وقال الشيخ [أي: شيخ الإسلام ابن تيمية] : من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأن الله يُعبد فيها، وأن ما يفعل اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه) فهو كافر، لأنه يتضمن اعتقاد صحة دينهم، وذلك كفر كما تقدم (أو أعانهم على فتحها) أي الكنائس (وإقامة دينهم، و) اعتقد (أن ذلك قربة أو طاعة: فهو كافر) ؛ لتضمنه اعتقادَ صحة دينهم. (وقال) الشيخ (في موضع آخر: من اعتقد أن زيارة أهل الذمة في كنائسهم قربة إلى الله: فهو مرتد. وإن جهل أن ذلك محرم: عُرِّف ذلك؛ فإن أصر: صار مرتدا) ، لتضمنه تكذيب قوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} ". انتهى.
6. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما حكم مَن لم يكفِّر اليهود والنصارى؟ .
فأجاب:
هو مثلهم، مَن لم يكفر الكفار: فهو مثلهم، الإيمان بالله هو تكفير من كفر به، ولهذا جاء في الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من وحَّد الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله) ، ويقول جل وعلا: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .
فلا بد من الإيمان بالله، وتوحيده والإخلاص له، والإيمان بإيمان المؤمنين، ولا بد من تكفير الكافرين، الذين بلغتهم الشريعة ولم يؤمنوا، كاليهود، والنصارى، والمجوس، والشيوعيين، وغيرهم، ممن يوجد اليوم، وقبل اليوم، ممن بلغتهم رسالة الله ولم يؤمنوا، فهم من أهل النار كفار، نسأل الله العافية.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (28 / 46، 47) .
7. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عمَّا زعمه أحد الوعاظ في مسجد من مساجد " أوربا " من أنه لا يجوز تكفير اليهود والنصارى؟ .
فأجاب – بعد أن ساق بعض الآيات السابقة -:
... فمَّن أنكر كفر اليهود والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وكذبوه: فقد كذَّب الله عز وجل، وتكذيب الله: كفر، ومن شك في كفرهم: فلا شك في كفره هو.
ويا سبحان الله! كيف يرضى هذا الرجل أن يقول: إنه لا يجوز إطلاق الكفر على هؤلاء وهم يقولون: " إن الله ثالث ثلاثة "، وقد كفرهم خالقهم عز وجل؟ وكيف لا يرضى أن يكفر هؤلاء وهم يقولون: " إن المسيح ابن الله "، ويقولون: " يد الله مغلولة "، ويقولون: " إن الله فقير ونحن أغنياء "؟! كيف لا يرضى أن يكفر هؤلاء وأن يطلق كلمة الكفر عليهم وهم يصفون ربهم بهذه الأوصاف السيئة التي كلها عيب، وشتم، وسب؟! .
وإني أدعو هذا الرجل، أدعوه: أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يقرأ قول الله تعالى: (ودوا لو تدهن فيدهنون) وألا يداهن هؤلاء في كفرهم، وأن يبين لكل أحد أن هؤلاء كفار، وأنهم من أصحاب النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني من هذه الأمة - أي: أمة الدعوة - ثم لا يتبع ما جئت به - أو قال: لا يؤمن بما جئت به - إلا كان من أصحاب النار) .
فعلى هذا القائل أن يتوب إلى ربه من هذا القول العظيم الفرية، وأن يعلن إعلاناً صريحاً بأن هؤلاء كفرة، وأنهم من أصحاب النار، وأن الواجب عليهم أن يتبعوا النبي الأمي محمَّداً صلى الله عليه وسلم، فإنه مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) ...
وإني أقول: إن كل مَن زعم أن في الأرض ديناً يقبله الله سوى دين الإسلام: فإنه كافر، لا شك في كفره؛ لأن الله عز وجل يقول في كتابه: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ، ويقول عز وجل: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) .
وعلى هذا - وأكررها مرة ثالثة -: على هذا القائل أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يبين للناس جميعاً أن هؤلاء اليهود والنصارى كفار؛ لأن الحجة قد قامت عليهم، وبلغتهم الرسالة، ولكنهم كفروا عناداً ... وهذا أمر لا إشكال فيه، والله المستعان.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (3 / جواب السؤال رقم: 386) باختصار.
وانظر جواب السؤال (6688) ففيه زيادات مهمة.
ثانياً:
وأما قوله: إن الحديث ينبغي رده إذا كان مخالفاً للمنطق: فهي دعوى فارغة، لا تستحق الالتفات لها، فمنطق من نعرض عليه الحديث؟ هؤلاء الذين تزوج منهم، وصادقهم، ومن لم يكفرهم: من منطقهم: الشذوذ، والربا، والزنا، وشرب الخمر، وعبادة الدولار، فأي حديث شريف فيه تحريم الربا، وتحريم الخمر، وحرمة البيع على البيع، وحرمة كسب الحرام، وحرمة الاختلاط، والنظر إلى المحرمات: أي شيء من ذلك سيقبلونه؟
أو من منطق من تأثر ببلاد الكفر وما يراه فيها، أو منطق أهل البدع والضلال، أو منطق من؟!
وإذا كان الرجل يعجبه كلام أهل العقول، فنذكر له هنا نصا مهما، ليس لأحد أئمة أهل الحديث، بل لأحد أصحاب المنهج العقلي، وهو الفيلسوف المعروف: أبو الحسن العامري (ت: 381هـ) ، يقول:
" وليس يُشَك أن أصحاب الحديث هم المعنيّون بمعرفة التواريخ العائدة بالمنافع والمضار، وهم العارفون لرجال السلف بأنسابهم وأماكنهم، ومقادير أعمارهم، ومن اختلف إليهم وأخذ العلم عنهم. بل هم المتحققون لما يصِحّ من الأحاديث الدينية وما يسْقَم، وما يقوى منها وما يضعف؛ بل هم المتجشمون للحِلّ والترحال في أقاصي البلدان وأدانيها، ليأخذوا عن الثقات سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هم المجتهدون أن يصيروا نُقَّاد الآثار، وجهابذة الأخبار، فيعرفوا الموقوف منها والمرفوع، والمسند والمرسل، والمتصل والمنقطع، والنسيب والمُلْصق، والمشهور والمدلس، وأن يصونوا صناعتهم صيانة لو رام أحد أن يفتعل حديثا مُزَوَّرا، أو يغير إسنادا، أو يحرف متنا، أو يروج فيها ما روج في الأخبار الأدبية، كالفتوح والسير والأسمار والوقائع: للحقه من جماعتهم أعنف النكير.
وإذا كان هذا سعيهم، وعليه مدار أمرهم: فمن الواجب أن نعتقد لهم فيما أكَّدوا من العناية أعظم الحق، وأوفر الشكر، وأتم الإحماد، وأبلغ التقريط ". انتهى.
الإعلام بمناقب الإسلام، لأبي الحسن العامري (113) .
وينظر جواب السؤال رقم: (115125) ففيه زيادة بيان.
لكن إذا كان الرجل يشك في كفر اليهود والنصارى، ويجادل عنهم؛ فأي شيء تنتظر منه بعد ذلك؟!
لكن، لأن هذا الرجل مقيم في بلاد الكفر، ونخشى أن يكون قد وقر في قلبه شيء من الشبهة في كفر هؤلاء، أو ألقى عليه بعض أهل الضلالة شيئا من بدعهم وضلالالتهم، لا سيما وقد وجدنا منذ سنوات من يتكلم بذلك الضلال: فبيِّن له ما ذكرناه لك، وذكر بما زعم أنه عارف به من نصوص القرآن والسنة، واعرض عليه نصوص أهل العلم على ذلك: فإن أبى وأصر على موقفه، فليس هذا بمسلم أصلا، فضلا عن أن يكون إماما.
والذي ننصحك به، على كل حال: ألا تصلي خلفه مثل هذا الرجل، جمعة ولا جماعة، ولا فرضا ولا نفلا؛ وابحث لك عن مكان آخر، إمامه سالم من تلك الضلالات.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(8/31)
كيف يتصرف مع أهله الذين يحتفلون بالمولد النبوي ويلمزونه لعدم مشاركته معهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أحتفل بالمولد النبوي، على خلاف بقية الأسرة الذين يحتفلون بذلك، ويقولون: إن إسلامي إسلام جديد، وإنني لا أحب النبي صلى الله عليه وسلم، فهل من نصيحة في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أحسنت ـ أيها الأخ الكريم ـ في تركك الاحتفال بما هو بدعة من بدع العادات التي شاعت بين الناس، ولا تلتفت لمن يطعن باتباعك للنبي صلى الله عليه وسلم، ويلمزك باستقامتك على هدي الإسلام؛ فما من رسول أرسله الله تعالى لقومه إلا سخروا منه، وطعنوا في عقله، ودينه، كما قال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) الذاريات/ 52، فلك في أنبياء الله أسوة، فلتصبر على ما يصيبك من الأذى، ولتحتسب الأجر عند ربك.
ثانياً:
النصيحة لك: بأن تُعرض عن مناقشتهم، ومجادلتهم، إلا أن ترى منهم عاقلاً يسمع، ويستفيد، فيمكنك أن تنتقي أمثال هؤلاء لتوقفهم على حقيقة المولد، وحكمه، وأدلة نقضه، وتبين لهم فضل الاتباع، وشر الابتداع، وإذا رأيتَ مثل هؤلاء: فإليك ما ينفعك في الحوار معهم، والنصح لهم:
1. لنبدأ مع هؤلاء من حيث انتهوا، وهو قولهم لك إن إسلامك إسلام جديد، فنقول: أيهما أقدم ديناً وإسلاماً: من احتفل بالمولد النبوي، أم من لم يحتفل؟ والجواب بلا شك عند كل عاقل منصف: أن من لم يحتفل هو أقدم إسلاماً وديناً، فالصحابة رضي الله عنهم، والتابعون، وأتباع التابعين، ومن بعدهم إلى العصر العبيدي في مصر لم يحتفلوا بهذا المولد، وإنما كان هذا بعدهم، فمن هو صاحب الإسلام الجديد؟! .
2. لنرى من يحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر، آالصحابة رضي الله عنهم، أم من بعدهم من القرون المتأخرة؟ والجواب بلا شك عند عاقل ومنصف أن الصحابة أكثر، وأعظم حبّاً للنبي صلى الله عليه وسلم، فهل احتفلوا بميلاده أم تركوه؟! وكيف سيكون مثل هؤلاء باحتفالهم بميلاد النبي صلى الله وسلم منافسين للصحب الكرام في محبة نبيهم؟! .
3. لنسأل: ما معنى محبة النبي صلى الله عليه وسلك؟ إنها عند كل عاقل ومنصف تعني: الاتباع لهديه، وسلوك طريقه صلى الله عليه وسلم، ولو أن هؤلاء المحتفلين التزموا هدي نبيهم، وسلكوا طريق الاتباع: لوسعهم ما وسع الصحابة المحبين، والمتبعين لنبيهم صلى الله عليه وسلم، ولعلموا أن الخير في اتباع من سلف، والشر في ابتداع من خلَف.
قال القاضي عياض – رحمه الله -: في فصل في علامة محبته صلى الله عليه وسلم -:
اعلم أن مَن أحب شيئاً: آثره، وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً في حبِّه، وكان مدعيّاً، فالصادق في حبِّ النبي صلى الله عليه وسلم: مَن تظهر علامة ذلك عليه، وأولها: الاقتداء به، واستعمال سنته، واتباع أقواله، وأفعاله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه، في عسره، ويسره، ومنشطه، ومكرهه، وشاهد هذا: قوله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله) ، وإيثار ما شرعه، وحض عليه على هوى نفسه، وموافقة شهوته، قال الله تعالى: (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) وإسخاط العباد في رضى الله تعالى ... .
فمن اتصف بهذه الصفة: فهو كامل المحبة لله، ورسوله، ومن خالفها في بعض هذه الأمور: فهو ناقص المحبة، ولا يخرج عن اسمها.
" الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2 / 24، 25) .
4. لننظر في تاريخ ميلاده صلى الله عليه وسلم، هل يثبت فيه شيء؟ ومن ثم لننظر في المقابل هل ثبت تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم؟ إن الجواب عند كل عاقل ومنصف: أنه لم يثبت تاريخ ميلاده، وأنه قد ثبت باليقين تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم.
وإذا نظرنا في كتب السيرة النبوية: سنجد أن كتَّاب السيرة يختلفون حول ميلاده صلى الله عليه وسلم إلى أقوال هي كما يلي:
1. يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول.
2. ثامن ربيع الأول.
3. عاشر ربيع الأول.
4. ثاني عشر ربيع الأول.
5. وقال الزبير بن بكار: ولد في رمضان.
ولو كان يترتب على ميلاده صلى الله عليه وسلم شيء لسأله عنه الصحابة رضي الله عنهم، أو لأخبرهم هو به صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك لم يكن.
وأما وفاته: فلم يُختلف في أنها في الثاني عشر من ربيع أول منة السنة الحادية عشر للهجرة.
ثم لننظر بعدها متى يحتفل هؤلاء المبتدعة؟ إنهم يحتفلون في وقت وفاته لا ميلاده! وقد مشَّى عليهم العبيديون – الذين زوروا نسبهم وسموا أنفسهم " فاطميون " نسبة لفاطمة رضي الله عنها - الباطنية بدعتهم، وقبلوها بسذاجة بالغة، فقد كان أولئك القوم زنادقة، ملحدون، وقد أرادوا الفرح بوقت وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فاخترعوا تلك المناسبة، وأقاموا لها الاحتفالات، وإنما أرادوا الإعراب عن فرحهم، فأوهموا السذَّج من المسلمين أن من وافقهم في هذه الاحتفالات فهو إنما يعبِّر عن محبته صلى الله عليه وسلم، وهكذا نجحوا في خبثهم ومكرهم، ونجحوا مع هؤلاء في تحريف معنى " المحبة "، وجعلوه في قراءة قصائد المولد، وتوزيع الشعير! والحلويات، مع إقامة حلقات الرقص، والاختلاط بين الرجال والنساء، وما يصحف ذلك من معازف، وتبرج، وفجور، عدا عن التوسلات البدعية، والكلمات الشركية التي تقال في تلك المجالس والحلقات.
وقد سبق التوسع في بيان نكارة هذه البدعة في موقعنا في أجوبة الأسئلة: (10070) و (13810) و (70317) فلتنظر.
وينظر كتاب الشيخ صالح الفوزان في نقض هذه البدعة تحت هذا الرابط:
http://www.islamqa.com/ar/ref/books/94
ثالثاً:
اصبر - أخي السائل - على اتباعك لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يغرنك كثرة المخالفين، ونوصيك بطلب العلم، والحرص على نفع الناس، ولا تجعل مثل هذه الأفعال من أهلك سبباً للفرقة بينك وبينهم، فهم يقلدون غيرهم ممن يفتي لهم بجواز هذه الاحتفالات، بل باستحبابها! فعليك التلطف معهم في الإنكار، والحرص على إظهار أحسن الأقوال، والأفعال، والأخلاق، وأرهم أثر الاتباع على سلوكك، وعبادتك، ونسأل الله لك التوفيق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(8/32)
وسائل إعلام بلده تطعن في الإسلام وأحكامه، وكلمة مهمة حول الاختلاط وعمل المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من دولة إسلامية, لذلك فإن 90% من السكان مسلمون، لكن 5% من هذه النسبة يتبعون الأحكام الإسلامية، فأصبح عندنا قراءة الجريدة، ومشاهدة التلفاز: من الأمور التي تدل على الحضارة، لكن وسائل الإعلام هنا من تلفاز، وجريدة , تحاول طمس الإسلام من المجتمع، فيحاولون إثبات خطأ الكتاب والسنَّة، وقام بعض الفتيات المكشوفات الوجه بمناقشة أمور عن الإسلام , فقلن مثل هذه الأمور: يقلن بجواز عمل المرأة مع الرجال، وأن هذا ثابت بالكتاب والسنَّة، ويقلن بجواز اختلاط الرجل بالمرأة للدراسة في نفس الصف، ويقلن إن الأصوليين متطرفون ـ فصار الناس يبصقون على الأصوليون عندنا ـ ويقلن بجواز الربا في الإسلام، فإذا تكلمتُ ودافعت عن الدِّين: فسوف أعدّ متطرفاً، مما يؤدي بي إلى السجن، فما حكم من يحاول هدم الإسلام وذلك بتفسير الكتاب والسنَّة بهذه الطريقة؟ وكيف لي أن أحمي أقاربي، وأهلي من هذا الأمر؛ فهم بعيدون من الدِّين؟ وهل يعدّون كفاراً إذا آمنوا بما يُبث تلفزيونيّاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تكفَّل الله تعالى بحفظ كتابه ودينه، فقال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحِجْر: 9، وإنما أغاظ أعداءَ الدين: انتشارُ الإسلام في الآفاق، وظهور دينه تعالى على الأديان كافة، تحقيقاً لوعد الله تعالى حيث قال: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة/ 33، الصف/ 9
لذا فلا عجب أن يحاول أعداء الإسلام النيل من القرآن والسنَّة والأحكام الشرعية، فقد امتلأت قلوبهم غيظاً على حال أديانهم المحرفة، وأفكارهم البالية، وقوانينهم التافهة، وقد أظهر الله الإسلام في الأرض، وأعلى شأنه، ولا عجب بعد ذلك من معرفة أنه أكثر الأديان نموّاً، وقد دخل فيه وتشرف بالانتساب إليه: قادة، وعلماء، ومفكرون، وأدباء، وساسة، وهذا كله مع ما يصحب هذا الدين من تشويه لأحكامه، وطعن في شرائعه، من المنافقين في داخله، ومن الكفار في خارجه.
ثانياً:
حتى ما يحاول هؤلاء الأعداء الطعن في الإسلام من خلاله: فإنه قد ثبت بيقين عند العقلاء والحكماء أن ما جاء به الإسلام هو الحق، والعدل، والعفاف، والأمن، سواء في قضية اختلاط الرجال بالنساء، أو في عمل المرأة، وها هي المجتمعات الغربية ومقلدوهم من الشرقيين يعانون من هاتين القضيتين أيما معاناة، فالنساء في العالم كله يعانين من التحرش الجنسي بهن أقولاً وأفعالاً، والرجال يعانون من أخذ النساء وظائفهم وهم الذين يُطلب منهم الإنفاق على بيوتهم، بينما تذهب رواتب النساء إلى الصالونات، والملابس، والعطور! .
قال الدكتور مازن مطبقاني – حفظه الله -:
أما التعرض للمضايقات الجسدية، أو التحرش الجنسي: فحدِّث، ولا حرج، فإذا كان الاغتصاب يصعب تحديد حالاته بدقة؛ لأن نسبة كبيرة من النساء لا يبلغن عن حدوثه؛ وذلك لصعوبة إثباته، أو للمضايقات التي يتعرضن لها إذا ما أقدمن على الشكوى: فإن تعرض المرأة للمضايقات الجنسيَّة بلغ حدّاً كبيراً، ومما يلفت الانتباه أن ثلثي الشرطيات البريطانيات يتعرضن للمضايقات الجنسية من زملائهن في العمل، مما أدى إلى قيام إدارة الشرطة بتكليف عالمة نفس بدراسة الوضع واقتراح الحلول المناسبة.
ولكن هل ستقدم عالِمة النفس من المقترحات ما يمنع التحرش الجنسي في إدارة الشرطة؟ أعتقد أن المجتمعات الغربية عموماً بلغت ما يسمونه " نقطة ألّا رجوع "، إلا أن يكتب الله لهم الهداية، فقد بدأ الاختلاط بالزعم أنه " يخفف التوتر الجنسي لدى الطرفين، ويسمو بالعلاقة بينهما إلى مستوى إنساني، فلا يعود أحدهما ينظر إلى الآخر من زاوية جنسيَّة فحسب، وهكذا فالمجتمعات التي تقر الاختلاط تشكو من تفاقم المشكلات الأخلاقية التي تنجم عن العلاقات بين الجنسين.
وقد خصصت مجلة " النيوزويك " الأمريكية Newsweek ملفاً للحديث عن السلوك الجنسي للرجال مع النساء والنساء مع الرجال، وحرصت على تقديم تعريف للاغتصاب، ونظراً للاختلاط الذي تعرفه المجتمعات الغربية منذ مئات السنين: فمن الصعب تحديد ما هو الاغتصاب.
ووصل الأمر بانتشار حالات الاغتصاب إلى أن امرأة تعمل شرطية في شرطة لندن تعرضت للاغتصاب في أحد القاطرات في لندن، في وقت متأخر، وهي في طريق عودتها إلى بيتها، وقد انزعجت الشرطة في لندن من ازدياد حوادث الاغتصاب، لذلك قامت بإصدار بعض التعليمات لمواجهة هذه الحوادث، ومن التعليمات:
أ. الاحتشام في اللباس.
ب. عدم وضع الأيدي في الجيوب حتى تكون المرأة مستعدة للدفاع إذا ما تعرضت للاعتداء.
ج. عدم الجلوس في الحافلات في الطابق العلوي إذا كانت الحافلة خالية، والحرص على الركوب قريباً من السائق.
ولكن أنَّى لهن أن يسمعن موعظة، وقد ذكرني هذا بمحامية أمريكية عجوز استضافها التلفزيون الأمريكي قبل أكثر من عشرين سنة للتحدث في مشكلة الاغتصاب، فذكرت أن النساء هنَّ سبب ما يقع لهن من حوادث اغتصاب، حيث الملابس الفاضحة، والخروج وحيدات دون حماية من رجل، وأضافت أن الرجل مهما كان مكتفياً غريزيّاً: فإن منظر عري النساء يثيره.
كما أن الاختلاط الذي يعيشه الغرب يتسبب إلى حد ما فيما يعانيه الغرب، حتى إن مجلة "المختار Reader's Digest قد نشرت تحقيقاً حول الاختلاط في العمل في مجالات الحياة المختلفة، وما يتسبب فيه من إثارة الغرائز هو أحد أسباب انتشار الجرائم الجنسيَّة، ومما أوردته المجلة في تحقيقها: " أينما يعمل الرجال، والنساء معاً: فإن " الافتتان " يأتي بوحي من واقع الميدان (العمل المختلط) وليس هذا الانجذاب بسبب سيطرة إفرازات زائدة لهرمون " الأدريانين " فحسب، ولكن في أي مكان عمل (مختلط طبعاً) من المعمل إلى المكتبة العامة ".
هذه الفطرة التي فطر الخالق سبحانه وتعالى عليها، وهي الانجذاب بين الجنسين: يريد الغرب كبتها في العمل، وهو ليس بمستطيع، وهذا ما يقوله أحد العاملين بمعهد العلاقات بين الجنسين في مدينة " سانتا باربرا " بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية: " لا يمكننا أن نشرع قانوناً لإبقاء الميول الغريزية خارج نطاق العمل، فهذه الميول جزء من شخصية الفرد، لا تستطيع أن تعطل أداءها بضغطة زر لأنك موجود في العمل ".
ولعل من أسباب هذه الأوضاع أن الحضارة الغربية كما يرى علي عزت بيجوفتش قد " أحالت المرأة إلى موضوع إعجاب، أو استغلال، ولكنها حُرِمَت من شخصيتها، وهو الشيء الوحيد الذي يستحق التقدير، والاحترام، وهذا الموضوع مشهود بشكل مضطرد، وقد أصبح أكثر وضوحاً في مواكب الجمال، أو في بعض مهن نسائية معينة مثل " الموديلات "، وفي هذه الحالات لم تعد المرأة شخصية، ولا حتى كائناً إنسانيّاً، وإنما هي لا تكاد تكون أكثر من حيوان جميل ".
" الغرب من الداخل، دراسات للظواهر الاجتماعية " (ص 55 – 57) .
فها أنت ترى ما جرَّه الاختلاط بين الرجال والنساء على تلك المجتمعات، وماذا صار حال النساء اللاتي يعملن في بيئات مختلطة، أو يتركن بيوتهن، وأزواجهن، وأولادهن، فهدمن بيوتهن، وخانهن أزواجهن، وتشرد أولادهن، ولا عجب بعدها إن علمنا أن ستة ملايين امرأة في أمريكا وحدها تركن أعمالهن ليتفرغن لعمل البيت، ولرعاية الأولاد، والعناية بالزوج، وانظر تعليمات الشرطة البريطانية للنساء بالاحتشام، وعدم الخلوة! فها هو الإسلام يدعون له دون التصريح بتسميته، وللأسف ها هم الزنادقة والمنافقون والجهلة يشككون الناس في الإسلام، ويطعنون به تصريحاً، وتلميحاً، سرّاً، وعلانية.
ثالثاً:
أما وصف وسائل الإعلام الغربية، ومن يقلدها من الإمعات المسلمين المتمسكين بدينهم بالأصوليين، والمتطرفين: فهي تتمة لحلقات ذلك المسلسل السخيف، والذي كان أبطاله طغاة المشركين، وجلاوزة الملحدين، والذين اتهموا الأنبياء وأتباعهم بما ليس فيهم؛ تنفيراً للناس عنهم، وعن دعوتهم، والمسلم ينبغي أن يتوقع هذا من أعداء الدين، ولا ينبغي أن يؤثر ذلك على دعوته، وتبليغه دين الله تعالى، فيكفيه أن سلفه هم الأنبياء عليهم السلام، ويكفيهم أن سلفهم هم أعداء الله، ورسله عليهم السلام، قال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) الذاريات/ 52، بل اسمع ماذا قال رأس الكفر فرعون عن موسى عليه السلام، قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) غافر/ 26.
وانظر لمزيد بيان حول هذه المسألة: جواب السؤال رقم: (9431) .
رابعاً:
وعلى المسلم أخذ كامل حيطته وحذره من أولئك الذين يتهمون المسلمين ظلماً وزوراً، وعليه واجب تكذيب أولئك بأقواله، وأفعاله، فيحتاط من شرهم، وكيدهم، ويرد عليهم قولاً وعملاً بحسب قدرته، واستطاعته، ولا يكلفه الله تعالى فوق طاقته، فبعض البلاد تستبيح حرمات الدعاة إلى الله تعالى، وتسلك معهم سبلاً كثيرة لصدهم عن دعوتهم، ولو أن أهل الخير والصلاح كانوا كثرة في بلادهم لتغير تعامل حكوماتهم معهم، فالدعوة إلى الله، وتكثير سواد أهل الدِّين مما يقوي ظهر الدعوة، ويحمي الدعاة، بإذن الله تعالى.
وأما إذا كانت الظروف الأمنية في بلد الأخ السائل – وغيره – مما لا يستطيع معها إظهار دعوته: فليكتف تقوية إيمانه، وزيادة علمه الشرعي، مع دعوة الخاصة من أقربائه، وأصدقائه، دون الحاجة لإعلان ذلك على رؤوس الملأ.
خامساً:
لا ننصحك بالاهتمام كثيراً بحكم من يستمع لطغاة الإعلام، ويصدِّق قولهم؛ فإنه تعتري أولئك موانع كثيرة تمنع الفقيه من إلحاقهم بالزنادقة، والملحدين؛ لأنه يُلبَّس عليهم في أشياء تُعرض عليهم قد تكون حقيقية – كتفجير، أو قتل – ثم يجعلون ذلك ملصقاً بكل من تمسَّك بدينه، لذا فإننا لا نحبذ لك – ولا لغيرك – الاهتمام بالحكم الشرعي على هؤلاء الناس؛ لاختلافه باختلافهم، علماً، وفهماً، وإدراكاً.
ونرى أن تنصب جهودك – أخي السائل – على دعوتهم – نقصد أهلك وأقرباءك – واستعمال الحكمة في ذلك، مع تقديم مزيد من الأدلة والبراهين على كذب وسائل الإعلام تلك في دعواها، وعلى أنكم على الإسلام الصحيح، وعلى الحق المبين، وأن تكونوا قدوة صالحة لأولئك المدعوين؛ لتكذبوا وسائل الإعلام تلك بأقوالكم، وأخلاقكم، وأفعالكم، فنحن الآن في مقام الدعوة والبيان، ولسنا في مقام القضاء والسلطان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/33)
هل يقرهم على لعب البلوت (الكوتشينة) حتى لا يذهبوا إلى المراقص والملاهي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن إخوانكم نتلقى العلاج في أمريكا، ونسكن بمجمع سكني قرابة عشرين أسرة، ولا يوجد لدينا مسجد بالمجمع، وقد قام أحد المحسنين باستئجار إحدى الشقق لمدة سنة لجعلها مصلى ولاجتماع الإخوان فيها واستئناسهم وإلقاء الدروس عليهم. وبعد الفراغ من صلاة العشاء يقوم بعض الإخوة هداهم الله بلعب الورق (البلوت) في هذه الشقة وقد أنكر عليهم أحد الإخوة بأنه لا يجوز لعبها فكيف بالمصلى. فرد أحدهم وقال إن تركوا هذه اللعبة وجدوا فراغا لديهم يؤدي بهم الذهاب إلى المراقص والنوادي والملاهي الليلية الخليعة. علماً أن بعض من يلعبها يحضر صلاة الفجر. نرجو من فضيلتكم إفتاءنا عن جواز هذه اللعبة في المكان المستأجر والحال ما ذكر؟ ، وهل يجوز اللعب بمثل هذا المصلى الذي أوقفه ذلك المحسن للصلاة والاجتماع وذكر بالله؟ ، وهل يجوز الجلوس معهم وهم يلعبون هذه اللعبة أم لا بد من مفاصلتهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أرى أنه لا يجوز هذا اللعب في هذا الموضع الذي أعد لأداء الصلاة والذي استأجره هذا المحسن، ولا شك أن جنس هذا اللعب مما لا فائدة منه إضاعة للوقت الثمين الذي يجب أن يستغل في تعلم العلم النافع وفى الذكر والدعاء والعبادة والكسب المباح، لكن إذا عرف بأنهم إذا لم يقوموا بهذا اللعب انصرفوا إلى ما هو شر منه كالمسارح وأماكن الرقص والأغاني ومشاهدة النساء العاريات والأفلام الخليعة والصور الفاتنة جاز لهم الانشغال بهذه اللعبة التي تشغلهم عن المعاصي والشرور، وعن أسباب الفتن، فإن بعض الشر أهون من بعض، ولكن لا ينشغلون بها في هذا المكان الذي أعد للصلاة والمذاكرة، بل يرجعون إلى مساكنهم، أو ما يصلح لمثل هذا اللعب كالنوادي والمتنزهات وما أشبهها. والله أعلم" انتهى.
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.
http://www.ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=10991&parent=3345
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/34)
هجر المغتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤل: لي صديق كثيرا ما يتحدث في أعراض الناس، وقد نصحته ولكن دون جدوى، ويبدو أنها أصبحت عادة عنده، وأحيانا يكون كلامه في الناس عن حسن نية، فهل يجوز هجره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الكلام في أعراض المسلمين بما يكرهون منكر عظيم، ومن الغيبة المحرمة، بل من كبائر الذنوب؛ لقول الله سبحانه: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات/12.
ولما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتدرون ما الغيبة؟ فقالوا الله ورسوله أعلم، فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: يا رسول الله، إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته) .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم (أنه لما عرج به مر على قوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم) أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد جيد عن أنس رضي الله عنه، وقال العلامة ابن مفلح: إسناده صحيح، قال: وخرج أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا: (إن من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق) .
والواجب عليك وعلى غيرك من المسلمين عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه؛ لقول النبي: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم في صحيحه.
فإن لم يمتثل فاترك مجالسته؛ لأن ذلك من تمام الإنكار عليه.
أصلح الله حال المسلمين ووفقهم لما فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة " انتهى.
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" للشيخ ابن باز (5/401) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/35)
ما هي الوهابية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الوهابية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الوهابية: لفظة يطلقها خصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على دعوته إلى تجريد التوحيد من الشركيات، ونبذ جميع الطرق إلا طريق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومرادهم من ذلك: تنفير الناس من دعوته وصدهم عما دعا إليه، ولكن لم يضرها ذلك، بل زادها انتشارا في الآفاق، وشوقا إليها ممن وفقهم الله إلى زيادة البحث عن ماهية الدعوة، وما ترمي إليه، وما تستند عليه من أدلة الكتاب والسنة الصحيحة، فاشتد تمسكهم بها
، وعضوا عليها، وأخذوا يدعون الناس إليها، ولله الحمد.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/469) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/36)
الاعتراض على قطع يد السارق، وجعل شهادة المرأة نصف شهادة الرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما ترى فيمن يقول: إن قطع يد السارق وجعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فيه قسوة وهضم لحقوق المرأة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من يقول: إن قطع يد السارق وجعل شهادة المرأة النصف إن في هذا قسوة وهضماً لحق المرأة! أقول: من قال هذا فإنه مرتد عن الإسلام، كافر بالله عز وجل، فعليه أن يتوب إلى الله من هذه الردة، وإلا فليمت كافراً؛ لأن هذا حكم الله عز وجل، وقد قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50، وقد بَيَّن الله الحكمة من قطع يد السارق في قوله: (جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة/38، وبَيَّن الحكمة من جعل شهادة المرأة أو شهادة المرأتين عن رجل واحد في قوله: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) البقرة/282، فعلى هذا القائل أن يتوب إلى الله عز وجل من ردته، وإلا فسيموت كافراً" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 483) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/37)
والدها سبَّ الرب والقرآن ووالدتها متبرجة وهي تكرههم وتسأل النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[للأسف، أمي، وأبي، عقوني أنا وإخوتي، فكلٌّ منهما لم يراع ِ اختيار الشريك المناسب، فأمي تزوجت أبي وهو لا يصلي، وهو تزوجها وهي مقصرة في حجابها، معاصيهما كثيرة، وتتضمن الكبائر والموبقات، لم يعلماني الصلاة، ولا الحجاب، ولا شيء، لكن أحمد الله أن يسر لي أخوات صالحات أرشدنني إلى الطريق، مشكلتي أنني لا أطيق أمي ولا أبي، لا أطيق أن أنظر إليهما، مشكلتي أنني أرفع صوتي عليهما، ولا أساعد أمي في تدبير المنزل، لا كسلاً، بل كرهاً لها، أريد أن أراها تتعب في هذه الدنيا؛ لأنها ستكون السبب في هلاكي، ودخولي نار جهنم (في حال لم أتعرف على أولئك الصالحات) . مشكلتي أنني أخاف من عقوق الوالدين، أحاول أن أفتح صفحة جديدة معهما، لكن لا أستطيع، هما يردانني! نعم، فمرة جاهدت نفسي لأتكلم مع أمي بالحسنى، وأعطيتها قطعة حلوى، فصرخت في وجهي، وقالت: أعطيتيني إياها لأنها سقطت على الأرض؟! حينها صرخت في وجهها، وقلت لها: أنا أكرهك، وأسأل الله أن يفرق بيني وبينك في الدنيا والآخرة! بالفعل أريد فراقهما، فحتى صلاتي لا أخشع بها، لأنني عندما أشرع في صلاتي تأتي أمي وتتكلم معي حتى إذا فرغت من الصلاة سكتت! لذلك أريد أن أسافر للدارسة، وأبتعد عنهما. كيف سأحبهما وهما يعصيان الله، ويأمرانني بذلك؟ كيف أحبهما وقد رفضا تزويجي من شخص صالح لأن معلمتي في المدرسة (معلمة التربية الإسلامية) هي من أتتني به؟! يريدان مني أن أتعرف على شريك حياتي في الجامعة كما فعلت أختي الكبرى! . سؤال آخر وهو الأهم: أبي هل يعد كافراً؟ لأنه ولـ 3 مرات سبَّ الدين، والقرآن في حالات غضب، لا أدري إن كان قد تاب أم لا، مع أن أبي يصلي، ويصوم، ويقرأ القرآن. أفيدوني ماذا أفعل؟ وكيف أتصرف معهما؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما سبُّ الدِّين، أو الرب، أو القرآن، أو النبي صلى الله عليه وسلم: فإنه كفر، وردة عن الدِّين، ولا خلاف بين أهل السنَّة في ذلك.
والتذرع بالغضب في هذا الباب لا ينفع فاعله؛ لأن الغضب في أكثر أحواله لا يكون عذراً للسابّ! فإن كان غضبه غير شديد: فواضحٌ حكمه، وأما إن كان شديداً: فنقول: كيف لم يأتِ على بال هذا الغاضب المغلق غير الرب والدِّين ليسبهما؟! فهلا سبَّ أباه، أو أمَّه، أو رئيس الدولة! وعدم سبِّ أولئك الغاضبين أحداً من محبوبيهم، أو ممن لهم سلطان وقوة: يدل على أنه معه عقله، وأنه لمَّا هان عليه الرب والدِّين لم يجد غيرهما ليتناولهما بالسب والشتم! .
وأما الغضب الذي يُرفع به التكليف عن صاحبه: فإنه غضب لا يدري صاحبه ما يقول، ولا يدري هو في الأرض أم في الفضاء، ولا يدري أقال ما قال في ليل أو نهار، ومثل هذا لا تجري الأحكام العملية عليه، من طلاق، أو يمين، أو نذر، وغيرها.
وينظر في هذا أجوبة الأسئلة: (42505) و (65551) .
فالواجب على والدك اغتنام حياته قبل مماته بالمبادرة إلى التوبة، والكف عن إطلاق لسانه بالسب والشتم لله تعالى، ولكتابه، ولرسوله، وأنه إن لم يفعل هذا: لم تنفعه صلاة، ولا صيام، ولا طاعة، بل سيكون كافراً مرتدّاً.
ثانياً:
أما بخصوص علاقتك بوالديك: فإننا نحث دوماً على ما حثَّ عليه الله تعالى من الإحسان للوالدين، والبر بهم، ولو كانوا كفاراً، يجاهدون أولادهم لإضلالهم، ونؤكد على الحث ونزيد في مقداره من رزقه الله تعالى هداية ورشاداً، فهم أولى الناس برحمة والديهم، وهم أقدر من غيرهم على دعوتهم للحق بما يعرفونه من أخلاق الإسلام وأحكامه.
لذا فإننا نرى لك الصبر على دعوة والديك للهدى، وبذل مزيد من الجهد في التحمل لما يصدر منهم من إساءة، وتأملي ما جرى لكثيرين من أهل الخير، صبروا على أهليهم، ولم يتوانوا في دعوتهم بشتى الوسائل والطرق الشرعية المباحة، فأكرمهم الله تعالى بهداية أهليهم لما هداهم إليه، فصارت الأسرة كلها على ما يحب ربنا ويرضى.
وقد يرى المسلم من أهله ما لا يطيقه من أخلاق وتصرفات ومخالفات، ولو أن كل واحد من دعاة الخير كان موقفه الهجر والترك لهم: لما صلحت أحوالهم، ولكان في ذلك انقطاع حبل الدعوة والنصح لهم، بل إننا نرى أن واجب الدعوة والنصح يزداد على الولد الصالح، وبخاصة إن لم يكن في أسرته من يقوم بهذا الواجب غيره، فمزيدا من الصبر، ومزيدا من التحمل، ولا تنسي الدعوة بالحسنى، وبذل الوسع في حسن الاختيار للكلمات، والأفعال، مع مداومة الدعاء لهم بالهداية والتوفيق.
واستمري مع صحبتك الصالحة، تقوين بها إيمانك، وتستفيدين معها علماً نافعاً، وتسترشدين بآراء العاقلات منهن ما ينفعك في علاقتك مع أهلك.
ولعلهما إن رأيا ذلك منك، ورأيا توددك إليهما، وحرصك على الخير لهما، أو شعرا ـ على الأقل ـ أنك لا تحملين عداوة لهما، لعلهما ـ حينئذ ـ أن تلين قلوبهما لك، ويكفا عن الإساءة إليك، أو يقبلا زواجك بمن جاءك من أهل الخير.
ولا ننصحك بالتعلق بالدراسة الجامعية، والسفر بعيداً عن الأهل، لترتاحي منهم؛ فأنت بذلك كالمستجير من الرمضاء بالنار، فلا بد أنك تعلمين، وأنت الحريصة على دينك، ما في التغرب عن الأهل، والدخول في الدراسة المختلطة من مفاسد كثيرة، خاصة في حال فتاة تريد أن تهرب من بيتها وأسرتها، فاحذري ـ يا أمة الله ـ لا يتلقفنك عدو الله إبليس وجنده، فلكل ساقطة لاقطة، واحذري من حبائل الشيطان.
عصمك الله من كل ما يغضبه ويسخطه، وهداك إلى البر والتقوى، ونسأله ـ سبحانه ـ أن يكتب لك الأجر موفوراً، وأن يعينك على دعوة أهلك، وأن يهديهم لما فيه صلاح حالهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/38)
ماذا يستحب للمريض أن يفعله في مرض موته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مريض مصاب بالسرطان ولم ينجح الأطباء في علاجه، وخرج من المستشفى ليبقى المدة الباقية من عمره عند أهله وحاله يتدرهور يوماً بعد يوم، فبماذا ينصح أن يفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال النووي:
ينبغي للمريض أن يحرص على تحسين خلقه، وأن يجتنب المخاصمة والمنازعة في أمور الدنيا، وأن يستحضر في ذهنه أن هذا آخر أوقاته في دار الأعمال فيختمها بخير، وأن يستحل زوجته وأولاده وسائر أهله وجيرانه وأصدقائه وكل من كانت بينه وبينه معاملة أو مصاحبة أو تعلق، ويرضيهم وأن يتعاهد نفسه بقراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين وأحوالهم عند الموت، وأن يحافظ على الصلوات واجتناب النجاسة وغيرهما من وظائف الدين، ولا يقبل قول من يخذله عن ذلك فإن هذا مما يبتلى به، وهذا المخذل هو الصديق الجاهل، العدو الخفي، وأن يوصي أهله بالصبر عليه وبترك النوح عليه وكذا إكثار البكاء، ويوصيهم بترك ما جرت العادة به من البدع في الجنائز، ويتعاهده بالدعاء له، وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
" المجموع " (5 / 109)(8/39)
دور العم في توجيه ونصح أولاد أخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أن أبوين لهما أولاد يذهبون إلى المدرسة الثانوية، فهل يجوز لأحدهما أن يذهب لتأدية الحج؟ إلى أي مدى يستطيع العم أن يساعد في توجيه أولاد وبنات أخيه، مثلا تذكيرهم بالصلاة، وتوجيههم في كل نواحي الحياة الممكنة لأن الآباء لا يقومون بالالتزام بواجباتهم على أكمل وجه، وثقافتهم لدرجة كبيرة ليست إسلامية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كنتَ أنت العم: فإنه يسرنا جدّاً اهتمامك بأولاد أخيك، وحرصك على رعايتهم والعناية بهم ديناً وخلُقاً، ونرجو الله أن يتقبل منك غيرتك على الدين، وأمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر.
ثانياً:
اعلم أن واجب المسلم أن يقدم النصيحة لمن يستطيع إيصال النصح له، وأن على المسلم أن يبدأ بالأقرب، فالأقرب، كما قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء/ 214، والأمر له أمرٌ لأمَّته.
قال الشوكاني – رحمه الله –: " خصَّ الأقربين لأن الاهتمام بشأنهم أولى، وهدايتهم إلى الحق أقدم " انتهى. " فتح القدير " (4 / 171) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: " ولما أمره بما فيه كمال نفسه: أمره بتكميل غيره، فقال: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الذين هم أقرب الناس إليك، وأحقهم بإحسانك الديني، والدنيوي، وهذا لا ينافي أمره بإنذار جميع الناس، كما إذا أُمر الإنسان بعموم الإحسان، ثم قيل له: " أحسن إلى قرابتك "، فيكون هذا خصوصاً دالاًّ على التأكيد، وزيادة الحق، فامتثل صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الإلهي، فدعا سائر بطون قريش، فعمَّم وخصَّص، وذكَّرهم ووعظهم، ولم يُبْق صلى الله عليه وسلم من مقدوره شيئاً، من نصحهم، وهدايتهم، إلا فَعَله، فاهتدى مَن اهتدى، وأعرض من أعرض " انتهى. " تفسير السعدي " (ص 598) .
ثالثاً:
اعلم أنه ليس للعم ولاية مباشرة على أولاد أخيه إذا كان أبوهم حيا، ولذا فإنه لا يستطيع أمرهم كما يأمر أولاده، ولا أن يستعمل الشدة كما يستعملها مع أولاده، وهم ولا شك أولى من الأجانب أن يأخذوا من اهتمام عمهم، لكن ليسوا هم في الحقيقة مسئوليته المباشرة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " قال الله عز وجل: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) يخاطب النبيَّ عليه الصلاة والسلام، والعشيرة تنقسم إلى قسمين: قسم لك ولاية عليهم مباشِرة، كأولادك وأهلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته) ، وقسم آخر من العشيرة منفصلاً عنه، ولست مسئولاً عنه سؤالاً مباشراً، فأما الأول: فإن مسئوليتك نحوه أبلغ من الثاني، والثاني له عليك مسئولية أبلغ من الأجانب الذين ليس بينك وبينهم قرابة، والجيران أبلغ ممن ليس بجار، فعليك أن تؤدي لكل إنسان حقه، وأن تكون دعوتك بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وأن تستعمل العنف إذا كان أنفع، واللين إذا كان أنفع، فمن المعلوم – مثلاً - أن دعوة الإنسان لأهله الذين له الولاية المباشرة عليهم ليست كدعوته للأجانب، الأولون قد تستعمل معهم الشدة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (واضربوهم عليها لعشر) لكن الآخرين لا تستعمل الشدة، استعمل الرفق واللين، وكم من كلمة لينة جذبت من كان بعيداً عن الحق، والإنسان العاقل يستعمل ما يرى أنه أصلح، فليس هناك ضابط يستوي فيه الناس كلهم " انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (125 / جواب السؤال رقم 16) .
رابعاً:
لا نرى مانعاً من ذهاب أحد الأبوين لأداء مناسك الحج، بل هو ركن من أركان الإسلام، يجب أداؤه على المستطيع منهما، إلا أن الأم بحاجة لمحرَم من الرجال يرافقها في سفرها؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة إلا ومعها محرَم.
وعلى الأب أذا سافر للحج: أن يترك نفقة لأهله، وأن يوصيهم ويذكرهم بما فيه صلاح دينهم.
وليعلم الآباء والأمهات عظَم الأمانة التي هي بين أيديهم، فيجب عليهم تربية أولادهم على طاعة الله، وعلى البعد عن المعاصي، وليعلموا أن الله تعالى سائل كل راع عن رعيته، فمن نصح وأدى الأمانة: فقد فاز، ومن لم ينصح لهم، وضيَّع الأمانة: فقد خسر، ولا ينبغي للأهل التركيز على ذريتهم بأمور الدنيا من الطعام، واللباس، والدراسة، ويغفلون عما هو أهم من ذلك كله، وهو الدِّين، وهو الذي به سعادة المرء دنيا وأخرى.
ونسأل الله تعالى أن يتقبَّل حجَّهم، وأن يعينهم على تربية أولادهم، وأن يجزي عمَّ الأولاد خيراً على اهتمامه بأولاد أخيه، ومحبة الخير لهم، وليحذر من التعامل مع زوجة أخيه على أنها من محارمه، فهي أجنبية، لا يحل له رؤيتها،ولا الخلوة بها، وليكن منتبهاً لمكائد الشيطان ووساوسه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/40)
يريد أن يشاهد الأفلام البوليسية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم أتمنى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم كما لو كنت أراه، إنني أخاف الله فعلا وخصوصا بعد القراءة عن النار، أنا لا أستمع إلى الأغاني مطلقا، ولا أرى الأفلام، مع هذا أريد أن أسألكم، حياتي ستكون مملة جدا إذا لم أر أفلاما فقط عن القتال والعنف ولكنها لا تحتوي على زنا ولا نساء. هل يمكنني أن أشاهد الأفلام البوليسية أو أفلاما فيها نساء محجبات؟ لا أستطيع ترك الأفلام لأنني تعودت عليها من صغري على الأفلام الكرتونية على الأقل للتسلية ولست متزوجا. فهل يمكنني مشاهدة أفلام الأكشن؟ أريد أن أقوم بالدعوة في فترة لاحقة من عمري. أعمل وأدعو، هل يمكنني ذلك؟ لست عالما لكنني أعرف الكثير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
خوفك من الله واتعاظك عند الحديث عن النار يدل على أن فيك خيرا وإيمانا وقابلية أن تكون من المتقين , وكل ذلك من نعم الله عليك , فعليك أن لا تكفر نعمة الخالق الذي وفقك إلى ذلك , بل عليك أن تبادر بالشكر لله , وذلك بالبعد عن المعاصي، وبالتقرب إليه بفعل الطاعات , فلا أضر على النعم من المعاصي، فكم من نعم سلبت من العبد بسبب معصية فعلها غافلا عنها أمام من لا يغفل ولا ينسى سبحانه وتعالى , وعليك أن تعلم أن الحياة المملة هي حياة الضياع والتيه والمعصية.
ثانيا:
متابعة الأفلام التي تحدثت عنها لا تخلو من إضاعة للوقت والمال , هذا بالإضافة إلى ما تشتمل عليه من منكرات كالموسيقى والعري , فننصحك بتجنب مشاهدة هذه الأفلام، التي تنقص الإيمان وتشغل القلب، مع ما قد يكون فيها مما يسخط الله جل وعلا.
وهذا يتعارض مع ما تريده من التوبة والاستقامة، فاعزمها توبة صادقة نصوحا لله تعالى , واترك عنك التسويف , فإنه من الشيطان , فمن يضمن لك أنك ستعيش , ثم توفق للتوبة.
وأما الدعوة إلى الله فشرطها الأساس أن تعلم ما تدعو إليه , وأن تدعو وفق منهج الدعوة السليم , وهو الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل/125.
وليس من شرط الدعوة إلى الله أن يكون الداعي عالماً، بل متى عرفت شيئا من الحق فادع إليه.
ومع ذلك.... فاجتهد في طلب العلم الشرعي حتى تكون دعوتك على بصيرة. قال الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) يوسف/108.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/41)
يسأل عن موقع متخصص في السيرة والسنة النبوية والدفاع عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك موقع اسمه " رسول الله " فما هو رأيكم به؟ http://www.rasoulallah.net وهل أعمل على نشره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بالاطلاع على الموقع، وتصفح أقسامه، تبين لنا أنه موقع نافع، يهتم ببيان سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله ونصرته ورفع لواء سنته والرد على شبهات الطاعنين، وأحقاد الجاهلين، فلا مانع من نشره والدلالة عليه، بل هذا من الخير الذي تؤجر عليه إن شاء الله، ونسأل الله أن يجزي القائمين على الموقع خيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/42)
طالبة علم وترغب الدخول في باب دعوة الشباب بالمراسلة دون علم زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في أواخر العشرينات من عمري، متزوجة، حاصلة على درجة الماجستير من جامعة شرعية أعمل محاضرة في إحدى الجامعات الشرعية غير المختلطة، تربيت في أسرة محافظة، فحفظت كتاب الله ولم أتجاوز الخامسة عشرة، أحمل همّاً كبيراً للدعوة إلى الله، وخاصة لدعوة الشباب، لأني أزعم أنني أعرف شيئاً من توجهاتهم، واهتماماتهم، وأساليب الوصول إليهم، والتأثير فيهم، بحكم كوني واحدة منهم، وبحكم عملي بينهم، واطلاعي على كثير من أحوال الطالبات في الكلية، ومن المعلوم أن من أكثر ما يقبل عليه الشباب هذه الأيام هي القنوات الإلكترونية: المحادثة، وما يسمى بـ " الشات "، وغرف الدردشة التي يتبادلون فيها كل شيء مما يكون غالبا مضيعة للأوقات إن لم يكن خادشاً للحياء، ومنافياً للمبادئ والقيم الإسلامية، ودائماً ما أحدِّث نفسي باستغلال مثل هذه القنوات للوصول إلى الشباب والتأثير فيهم، ودعوتهم إلى الله، وعدم تركهم لأهوائهم، ولمن يريد إفسادهم بكل طريق، فكثير ما يترك المصلحون والصالحون مثل هذه المجالات خوفاً على أنفسهم، وعلى مبادئهم، فيخلو الجو للشيطان، وأعوانه، وكثيراً ما يحصر الدعاة والمصلحون وأصحاب المبادئ جهودهم في الدروس، والمحاضرات، والقنوات، والمنتديات الإسلامية، والجمعيات الخيرية، والمساجد، ودور التحفيظ، مما لا يكاد يحضرها إلا الشريحة المحافظة والملتزمة أصلاً من الشباب، فتزيدهم نوراً على نور، ويبقى الغافلون بلا ناصح أو مذكِّر، فهل يحق لي شرعاً التواصل مع الشباب (الجنسين) عن طريق مثل هذه الوسائل الإلكترونية (عن طريق الكتابة فقط) ومحاولة التأثير فيهم، والوصول إلى قلوبهم، ودعوتهم، وخاصة أن مثل هذه الوسيلة تحتاج إلى كثير من الصبر والتبسط في الحديث للوصول إلى المراد؟ وهل يعتبر ذلك من خيانة الزوج الذي قد لا يحتمل محادثتي لأي شاب - ولو كتابة - وفي أي مجال مهما كان - خاصة وأنه لم يتعود مني الكلام إلا مع محارمي أو مشايخي في الجامعة؟ . أرجوك، أنتظر توجيهك، وإرشادك، فحال شبابنا يؤرقني، وهمُّ الدعوة إلى الله يملأ قلبي، فهل أبدأ؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك حرصك على الدعوة إلى الله، ونسأل الله أن يكتب لك أجر ذلك، وأن يجعلك من الداعيات المخلصات.
ثانياً:
الدعوة إلى الله واجبة على الرجال والنساء، قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/ 104.
ويمكنك الاقتصار على دعوة الفتيات دون الشباب الذكور، – ولو كتابة -؛ للأسباب التالية:
1- أن الأمر فيه فتنة للطرفين، وإذا سلم أحد الطرفين لقوة إيمانه ودينه فإنه لا يُضمن سلامة الطرف الآخر، ومن شأن تلك المحادثات أو الكتابات أن تؤدي إلى إذابة الحواجز بين المرأة والرجل، ولا يُدرى ما يكيد به الشيطان لهما إن كانا سليما النية والقصد، كما لا يُدرى ما يكيده الطرف الآخر إن كان شيطاناً من الإنس، والواجب على المسلم الحذر من كل ما يؤدي إلى فتنته، أو فتنة غيره به.
والواقع يشهد بذلك، فكثير من البيوت قد انهدمت بسبب تلك المحادثات، وقد جرَّت تلك المحادثات فتيات إلى الهاوية، ولا شك أنهن لم يكن يردن ذلك، ولا خطر ببالهن يوماً أن يكون ذلك مصيرهن، ولكنه استدراج الشيطان وخداع النفس.
2- الأمة الإسلامية فيها خير كثير، ويوجد من الدعاة من يغطي جانب دعوة الشباب، وليس الأمر محتاجاً لمن يقوم به من النساء.
3- زوجك لا يرضى بهذا الأمر منك، وإن فعلتِ ذلك دون علمه كان خيانة له ولا شك، وهو أمرٌ لا يقبل مثلُك أن يقع فيه.
ونود أن نقف معك بعد هذا وقفتين:
أ. إننا نرى عالم النساء مليئاً بالمشكلات والمآسي، وهنَّ يحتجن بشدة إلى من يقف معهن من بنات جنسهن لدلالتهن على طريق الاستقامة، فهل انتهيتِ من أولئك النساء حتى فكرتِ في دعوة الشباب؟
ب. هل ترضين أن يقوم زوجك بدعوة النساء للسبب الذي تذكرينه في دعوة الرجال؟ إننا نكاد نجزم أنك – بحسب خبرتك العلمية والدعوية – ستذكرين من مفاسد دعوة الرجال للنساء بالمحادثة أو المكاتبة الشيء الكثير، كما نجزم أنه قد بلغك حوادث مؤلمة لمشكلات حصلت في بيوت إخوة وأخوات جرَّاء تلك الكتابات أو المحادثات، وهو ما يجعل المرء يجزم بأن الشريعة المطهرة لا تفتح الأبواب الموصدة أمام الفتن والشهوات، بل تبقيها محكمة الإغلاق. وهاتان فتويان لأهل العلم تجمع ما سبق بيانه:
1. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"للمرأة مجال للدعوة في بيتها، لأسرتها، من زوج، ومحارم، رجالاً، ونساءً، ولها مجال في الدعوة الإسلامية خارج بيتها للنساء، إذا لم يكن في ذلك سفر بلا زوج ولا محرم، ولم يُخش الفتنة، وكان ذلك بإذن زوجها إن كانت متزوجة، ودعت إلى ذلك الحاجة، ولم ينشأ عن ذلك ضياع ما هو أوجب عليها من حقوق أسرتها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 249، 250) .
2. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
كيف تدعو المرأة إلى الله إذا كان لديها علم وحماس، وتريد أن تدعو إلى الله، فما هي الطريقة التي تتبعها؟ وما هي المجالات التي تستطيع أن تدعو إلى الله فيها؟
فأجاب:
"الطريقة التي تتبعها هي ما أمر الله به في قوله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وأما المجالات: فهي مجامع النساء، كالمدارس، وغيرها، تحضر إليهن، وتدعوهن إلى الله عز وجل، ولكل مقام مقال، بإمكانها أن تعرف هل المقام يقتضي الترغيب أو الترهيب أو الجمع بينهما بحسب الحال، فمجالات عملها إنما هو مجامع النساء فقط، أما مجامع الرجال: فإنه للرجال" انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (شريط 128، وجه ب) .
وللنظر في فتاوى أخرى حول حكم المراسلة بين النساء والرجال: انظري أجوبة الأسئلة: (78375) و (34841) و (23349) و (20949) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/43)
الرد على من زعم أن تخلف المسلمين هو بسبب تمسكهم بدينهم
[السُّؤَالُ]
ـ[يدعي بعض الناس أن سبب تخلف المسلمين هو تمسكهم بدينهم. وشبهتهم في ذلك، أن الغرب لما تخلوا عن جميع الديانات وتحرروا منها، وصلوا إلى ما وصلوا إليه من التقدم الحضاري، فما رأي فضيلتكم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الكلام لا يصدر إلا من ضعيف الإيمان، أو مفقود الإيمان، جاهل بالتاريخ، غير عالم بأسباب النصر، فالأمة الإسلامية لما كانت متمسكة بدينها في صدر الإسلام كان لها العزة والتمكين، والقوة، والسيطرة في جميع نواحي الحياة، بل إن بعض الناس يقول: إن الغرب لم يستفيدوا ما استفادوه من العلوم إلا ما نقلوه عن المسلمين في صدر الإسلام، ولكن الأمة الإسلامية تخلفت كثيراً عن دينها، وابتدعت في دين الله ما ليس منه، عقيدة، وقولاً، وفعلاً، وحصل بذلك التأخر الكبير، والتخلف الكبير، ونحن نعلم علم اليقين ونشهد الله عز وجل أننا لو رجعنا إلى ما كان عليه أسلافنا في ديننا، لكانت لنا العزة، والكرامة، والظهور على جميع الناس. ولهذا لما حَدَّث أبو سفيان هرقل ملك الروم ـ والروم في ذلك الوقت تعتبر دولة عظمى - بما عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه؛ قال: (إن كان ما تقول حقّاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين) . ولما خرج أبو سفيان وأصحابه من عند هرقل، قال: (لقد أمِرَ أمْر ابن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني الأصفر) .
وأما ما حصل في الدول الغربية الكافرة الملحدة من التقدم في الصناعات وغيرها، فإن ديننا لا يمنع منه، لو أننا التفتنا إليه، لكن مع الأسف ضيعنا هذا وهذا، ضيعنا ديننا، وضيعنا دنيانا، وإلا فإن الدين الإسلامي لا يعارض هذا التقدم، بل قال الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال/60. وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/15. وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) ... إلى غير ذلك من الآيات التي تعلن إعلاناً ظاهراً للإنسان أن يكتسب ويعمل وينتفع، لكن لا على حساب الدين، فهذه الأمم الكافرة هي كافرة من الأصل، دينها الذي كانت تدعيه دين باطل، فهو وإلحادها على حد سواء، لا فرق. فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85. وإن كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى لهم بعض المزايا التي يخالفون غيرهم فيها، لكن بالنسبة للآخرة هم وغيرهم سواء، ولهذا أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يسمع به من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يتبع ما جاء به، إلا كان من أصحاب النار، فهم من الأصل كافرون، سواء انتسبوا إلى اليهودية، أو النصرانية، أم لم ينتسبوا إليها.
وأما ما يحصل لهم من الأمطار وغيرها فهم يصابون بهذا ابتلاء من الله تعالى وامتحاناً، وتعجل لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب، وقد رآه قد أثر في جنبه حصير، فبكى عمر. فقال: يا رسول الله فارس والروم يعيشون فيما يعيشون فيه من النعيم، وأنت على هذه الحال. فقال: (يا عمر، هؤلاء قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة) . ثم إنهم يأتيهم من القحط، والبلايا، والزلازل، والعواصف المدمرة ما هو معلوم، وينشر دائماً في الإذاعات، وفي الصحف، وفي غيرها، ولكن من وقع السؤال عنه أعمى، أعمى الله بصيرته فلم يعرف الواقع، ولم يعرف حقيقة الأمر، ونصيحتي له أن يتوب إلى الله عز وجل من هذه التصورات قبل أن يفاجئه الموت، وأن يرجع إلى ربه، وأن يعلم أنه لا عزة لنا، ولا كرامة، ولا ظهور، ولا سيادة إلا إذا رجعنا إلى دين الإسلام، رجوعاً حقيقياً يصدقه القول والفعل، وأن يعلم أن ما عليه هؤلاء الكفار باطل ليس بحق، وأن مأواهم النار، كما أخبر الله بذلك في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه سلم وأن هذا الإمداد الذي أمدهم الله به من النعم ما هو إلا ابتلاء وامتحان وتعجيل طيبات، حتى إذا هلكوا وفارقوا هذا النعيم إلى الجحيم ازدادت عليه الحسرة والألم والحزن، وهذا من حكمة الله عز وجل بتنعيم هؤلاء، على أنهم كما قلت لم يسلموا من الكوارث التي تصيبهم من الزلازل، والقحط، والعواصف، والفيضانات وغيرها، فأسأل الله لهذا السائل الهداية والتوفيق، وأن يرده إلى الحق وأن يبصرنا جميعاً في ديننا إنه جواد كريم" انتهى.
والله أعلم.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (3/33) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/44)
الطريق إلى جمع كلمة المسلمين على الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[التفرق والتمزق والاختلاف يسود الأمة الإسلامية. كيف يمكن جمع كلمة المسلمين على الخير ونبذ الاختلاف والتفرق؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الطريق إلى جمع كلمة المسلمين على الحق ونبذ الخلاف والتفرق هو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام والاستقامة على ذلك والتواصي بذلك والتعاون على البر والتقوى، ورد كل ما يتنازعون فيه إلى كتاب الله سبحانه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحكيمهما في كل شيء، كما قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/59، وقال عز وجل: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) الشورى/10.
وأولو الأمر هم العلماء بدين الله المعروفون بحسن العقيدة والسيرة وأمراء المسلمين، ومتى حصل النزاع في شيء بينهم وجب رده إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم، والرد إلى الله هو الرد إلى القرآن الكريم، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه في حياته وإلى سنته الصحيحة بعد وفاته، وما حكما به أو أحدهما فهو حكم الله عز وجل، فالواجب على جميع المسلمين حكومات وشعوبا، علماء وأمراء أن يتقوا الله عز وجل، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وأن يحكموا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم، عملا بالآيتين السابقتين، وعملا بقوله عز وجل: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65، وبقوله عز وجل: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) العصر/1-3، وعملا بقوله عز وجل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) آل عمران/103.
ونسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح أحوال المسلمين جميعا في كل مكان، وأن يؤلف بين قلوبهم على الحق ويجمعهم على الهدى، وأن يعيذهم جميعا من نزغات الشيطان، ومكائد الأعداء وأن يصلح قادتهم ويولي عليهم خيارهم إنه سميع قريب" انتهى.
والله أعلم.
وينظر للفائدة السؤال (12110) .
"مجموع فتاوى ابن باز" (27/359) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/45)
ما مدى أهمية إظهار التعاطف مع المسلمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى أهمية إظهار التعاطف مع المسلمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ختم الله تعالى الرسالات بدين الإسلام، فجاءت أحكامه وتشريعاته غاية في الحكمة، ومصلحة للفرد والمجتمعات إلى قيام الساعة.
ومن أبرز ما جاءت به الشريعة المطهرة: العلاقة بين المسلمين بعضهم مع بعض، فجاءت التشريعات واضحة بينة تقوي تلك العلاقة، وتحرِّم كل ما يفسدها ويدنسها، ومن تلك التشريعات الربانية في تقوية العلاقات بين المسلمين بعضهم مع بعض: وجوب التواد والتراحم والتعاطف بينهم.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
" ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: هديه إلى أن الرابطة التي يجب أن يُعتقد أنها هي التي تربط بين أفراد المجتمع، وأن يُنادى بالارتباط بها دون غيرها: إنما هي دين الإسلام؛ لأنه هو الذي يربط بين أفراد المجتمع، حتى يصير بقوة تلك الرابطة جميع المجتمع الإسلامي كأنه جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
فربْط الإسلام لك بأخيك: كربط يدك بمعصمك، ورِجلك بساقك، كما جاء في الحديث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: (إن مثل المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم وتوادهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ، ولذلك يكثر في القرآن العظيم إطلاق النفس وإرادة الأخ؛ تنبيهاً على أن رابطة الإسلام تجعل أخا المسلم كنفسه، كقوله تعالى: (وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ) البقرة/84، الآية، أي: لا تخرجون إخوانكم، وقوله: (لولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) النور/ 12، أي: بإخوانكم، على أصح التفسرين، وقوله: (وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ) الحجرات/11، الآية، أي: إخوانكم، على أصح التفسرين، وقوله: (وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ) البقرة/ 188، الآية، أي: لا يأكل أحدكم مال أخيه، إلى غير ذلك من الآيات، ولذلك ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) " انتهى.
" أضواء البيان " (3 / 130، 131) .
ثانياً:
من الأهمية بمكان إظهار ذلك التعاطف مع المسلمين، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، ولهذا الإظهار فوائد شتَّى، منها:
1. أن ذلك يعتبر من كمال الإيمان الواجب.
عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) رواه البخاري (467) ومسلم (2585) .
وبوب عليه النووي بقوله: بَاب تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَعَاضُدِهِمْ.
قال النووي – رحمه الله -:
" قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً) ، وفي الحديث الآخر (مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم) إلى آخره: هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم، والملاطفة، والتعاضد، في غير إثم، ولا مكروه، وفيه جواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام.
قوله صلى الله عليه وسلم (تداعى لها سائر الجسد) أي: دعا بعضه بعضاً إلى المشاركة في ذلك، ومنه قولهم " تداعت الحيطان " أي: تساقطت، أو قربت من التساقط " انتهى.
" شرح مسلم " (16 / 139، 140) .
وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه البخاري (5665) ومسلم (2586) .
قال المناوي – رحمه الله -:
" قال ابن أبي جمرة: الثلاثة وإن تفاوت معناها: بينها فرق لطيف، فالمراد بالتراحم: أن يرحم بعضهم بعضاً لحلاوة الإيمان، لا لشيء آخر، وبالتواد: التواصل الجالب للمحبة كالتهادي، وبالتعاطف: إعانة بعضهم بعضاً " انتهى.
" فيض القدير " (5 / 656) .
وفي رواية – عند مسلم -: (الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ) .
وفي رواية: (الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
" ولهذا كان المؤمن يُسرُّه ما يُسرُّ المؤمنين، ويسوؤه ما يسوؤهم، ومَن لم يكن كذلك: لم يكن منهم! فهذا الاتحاد الذي بين المؤمنين: ليس هو أن ذات أحدهما هي بعينها ذات الآخر، ولا حلت فيه بل، هو توافقهما، واتحادهما في الإيمان بالله ورسوله، وشُعَب ذلك: مثل محبة الله ورسوله، ومحبة ما يحبه الله ورسوله " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (2 / 373، 274) .
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في " فتح الباري شرح صحيح البخاري ": " وهذا التشبيك من النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: كان لمصلحة، وفائدة، لم يكن عبثاً؛ فنه لما شبَّه شد المؤمنين بعضهم بعضاً بالبنيان: كان ذلك تشبيهاً بالقول، ثم أوضحه بالفعل، فشبَّك أصابعه بعضها في بعض؛ ليتأكد بذلك المثال الذي ضربه لهم بقوله، ويزداد بياناً وظهوراً.
ويفهم من تشبيكه: أن تعاضد المؤمنين بينهم كتشبيك الأصابع بعضها في بعض، فكما أن أصابع اليدين متعددة: فهي ترجع إلى أصل واحد، ورجُل واحد، فكذلك المؤمنون وإن تعددت أشخاصهم: فهم يرجعون إلى أصل واحد، وتجمعهم أخوة النسب إلى آدم ونوح، وأخوة الإيمان.." انتهى.
2. ومنها - أي: من فوائد إظهار التعاطف مع المسلمين - إزالة الحواجز التي وُجدت من رواسب الجاهلية، أو الاستعمار، من عصبية للغة، أو لون، أو جنس.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
" ولا ريب أيضا أن الدعوة إلى القومية تدعو إلى البغي والفخر ; لأن القومية ليست ديناً سماويّاً يمنع أهله من البغي والفخر , وإنما هي فكرة جاهلية، تحمل أهلها على الفخر بها، والتعصب لها على من نالها بشيء , وإن كانت هي الظالمة، وغيرها المظلوم , فتأمل أيها القارئ ذلك يظهر لك وجه الحق.
ومن النصوص الواردة في ذلك: ما رواه الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله قد أذهب عنكم عصبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) ، وهذا الحديث يوافق قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ، أوضح سبحانه بهذه الآية الكريمة أنه جعل الناس شعوباً وقبائل للتعارف، لا للتفاخر والتعاظم , وجعل أكرمهم عنده هو أتقاهم , وهكذا يدل الحديث المذكور على هذا المعنى، ويرشد إلى سنة الجاهلية: التكبر، والتفاخر بالأسلاف، والأحساب , والإسلام بخلاف ذلك , يدعو إلى التواضع، والتقوى، والتحاب في الله , وأن يكون المسلمون الصادقون من سائر أجناس بني آدم , جسداً واحداً , وبناءً واحداً، يشد بعضهم بعضاً , ويألم بعضهم لبعض " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 290، 291) .
3. ومنها: القيام على الضعَفة والعجَزة والمساكين، رعايةً، وعنايةً.
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 348) : " ومن ذلك: تولِّي اليتامى، والمساكين، والعجزة عن الكسب، ومن لا يُعرف لهم آباء، بالقيام عليهم، وتربيتهم، والإحسان إليهم؛ حتى لا يكون في المجتمع بائس، ولا مهمل؛ خشية أن تصاب الأمة بغائلة سوء تربيته، أو تمرده، لما أحس به من قسوة المجتمع عليه، وإهماله " انتهى.
5. ومنها: نصرة المظلوم من المسلمين في كل مكان، وإعانته بما يُستطاع، قتالاً معه ضد الظالم المغتصب، أو إعانته بالمال، ومن عجز عن ذلك، فلن يعجز عن دعاء لهم بالنصر والتثبيت والتأييد.
" ولقد قرر العلماء رحمهم الله: أنه لو أصيبت امرأة مسلمة في المغرب بضيمٍ: لوجب على أهل المشرق من المسلمين نصرتها , فكيف والقتل، والتشريد، والظلم، والعدوان، والاعتقالات بغير حق , كل ذلك يقع بالمئات الكثيرة من المسلمين فلا يتحرك لهم إخوانهم، ولا ينصرونهم، إلا ما شاء الله من ذلك! ... " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 163 - 165) .
6. ومنها: قطع طمع أعدائهم بهم.
فلو علم الأعداء من الكفار أن المسلمين يد واحدة، حزنهم واحد، وسرورهم واحد: لما اعتدى ظالم فاجر على مسلم، فضلاً أن يُعتدى على بلدٍ مسلم، تستباح أعراض نسائه، وتُنهب أمواله، ويشرَّد رجاله.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: " فهذه الأحاديث وما جاء في معناها: تدل دلالة ظاهرة على وجوب التضامن بين المسلمين , والتراحم والتعاطف , والتعاون على كل خير , وفي تشبيههم بالبناء الواحد , والجسد الواحد: ما يدل على أنهم بتضامنهم، وتعاونهم، وتراحمهم: تجتمع كلمتهم , وينتظم صفهم , ويسلمون من شر عدوهم " انتهى.
فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 200، 201) .
ثالثاً:
قد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في التطبيق العملي للتعاطف والتراحم:
1. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَآخَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِىِّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ) رواه البخاري (3937) .
ولا ندري أيهما أعجب: الكرم والإيثار من سعد بن الربيع أم عزة النفس والرغبة في الاكتساب بجهد اليد من عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهم.
2. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه – أيضاً - قَالَ: قَالَ الْمُهَاجِرُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قَوْمٍ قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً فِي قَلِيلٍ وَلَا أَحْسَنَ بَذْلًا فِي كَثِيرٍ، لَقَدْ كَفَوْنَا الْمَئُونَةَ، وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ، حَتَّى لَقَدْ حَسِبْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ، قَالَ: (لَا، مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ، وَدَعَوْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ) رواه أحمد برقم (12662) ، والترمذي برقم (2487) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " مشكاة المصابيح " (2/185) .
وللفائدة انظر جواب السؤال رقم (98668) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/46)
هل يُعلم المسلم حديثاً الأحكام دفعة واحدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[المسلم الحديث العهد بالإسلام هل يُعلم شرائع الإسلام وأحكامه دفعة واحدة؟ أم على مراحل؟ وهل يُبدأ معه بأصول الاعتقاد أم بأصول الأحكام الشرعية من الواجبات والمحرمات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ميزان هذا السؤال حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث الدعاة إلى الإسلام، فقد كان عليه الصلاة والسلام يبعث الدعاة إلى الإسلام ويأمرهم أن يبدؤوا أولاً بتوحيد الله، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام والحج عند حلول وقتهما، فقد بعث معاذاً إلى اليمن وأمره أن يدعوهم أولاً إلى توحيد الله عز وجل، فإن أجابوا لذلك فليدعهم إلى الصلاة، فإن أجابوا فليدعهم إلى الزكاة، ولم يذكر الصيام والحج لأنه – أي بعث معاذ رضي الله عنه – كان في غير زمنهما، لأنه بعثه في ربيع الأول من السنة العاشرة، والحج قد بقى عليه مدة، وكذلك الصيام فكان من حكمته صلى الله عليه وسلم أن لا يفاجئ المدعوين بشرائع الإسلام كلها، وهذا من الحكمة الداخل في قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ) النحل/125.
وهل يبدأ معه مباشرة بعد إسلامه بيان الأحكام الفرعية كحكم اللحية والإسبال وغيرها؟
هذا ينبني على ما سبق من أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فيبدأ أولاً بأصول الإسلام حتى إذا استقر الإسلام في نفسه واطمأن إليه قلبه حينئذ نخاطبه بعد ذلك بالأهم فالأهم، وهذه سنة الله تعالى الشرعية والكونية، انظر كيف يبدأ الجنين في التكوين شيئاً فشيئاً، كذلك الفصول الأربعة تكون شيئاً فشيئاً، طلوع الشمس وغروبها يكون كذلك، ولو أننا ذهبنا نأمره بجميع الشرائع أو نعلمه جميع الشرائع لطال الأمد، وربما يكون هذا سبباً في نفوره عن الدين الإسلامي" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/27- 30) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/47)
هل للداعية أن يخلو بالمرأة ليعلمها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للداعية الخلوة بالمرأة للتعليم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الداعية لا يحل له أن يخلو بالمرأة التي يدعوها أو يعلمها، لأن ذلك محرم، ولا تكون وسائل الطاعة والعبادة شيئاً محرماً" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/20) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/48)
تريد الإصلاح في الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أصلح في الأرض، ولكن لا يوجد عندي شهادة جامعية، وأنا جالسة في بيتي، ولست متزوجة لكي أصلح بيتي وأولادي، فبماذا تنصحني أعمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإصلاح في الأرض وظيفة الأنبياء، ومهمة الرسل الأولى، يقوم بها من بعدهم الصالحون والمؤمنون، يبتغون في ذلك رضوان الله تعالى، الذي أمرهم بالخيرات، ونهاهم عن السيئات.
فقد قال عز وجل على لسان نبيه شعيب عليه السلام:
(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود/88.
ثم إن من فضل الله على عباده أن فتح للخير أبوابا لا تعد ولا تحصى، ونصب لمن أراد الإصلاح والصلاح كل سبيل، ولم يَقصُر سبيل الخير على شخص أو مكان أو زمان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ) رواه البخاري (9) ومسلم (35) .
فكل طاعة تقومين بها من صلاة وصيام وزكاة وقراءة للقرآن هي لبنة في صلاح الأرض وعمارتها بالخير، إذ هي سبب لنزول الرحمات وتتابع الخيرات ودفع النقمات، ورب حسنة كانت سببا في نجاة قوم من العذاب والهلاك، بل حتى الاستغفار والذكر باللسان سبب يفتح الله به أبواب البركات.
يقول الله سبحانه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) نوح/10-12
ومن أعظم الإصلاح في الأرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا عرف المسلم أركان الإسلام وفرائضه الظاهرة بلّغَها الناس، وذكر بها الغافلين، وعلمها الجاهلين، وإذا عرف الكبائر والمحرمات الظاهرة حذر منها المسلمين، ووعظ الوالغين فيها من سخط الله وعقابه، يبدأ بِمَن حوله من أهل بيته وجيرانه وأصحابه، وإن قدر على إيصال كلمته إلى غيرهم لم يتوان ولم يُقصِّر، وهو في ذلك يبتغي مرضات الله عز وجل.
فإن عجزت عن شيء من ذلك كله، فأمسكي عن الشر، فهو صدقة منك على نفسك، وإصلاح لنفسك، ولغيرك:
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ.
قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا.
قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟
قَالَ: تُعِينُ صَانِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟
قَالَ: تَكُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ.)
رواه مسلم (84) .
واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن الله يتقبل من عباده كل إصلاح وصلاح إذا كان خالصا لوجهه الكريم، مهما كان صغيرا، خاصة إذا كان فيه إحسان إلى الناس، ومساعدة لهم، وتفريج كرباتهم وقضاء حوائجهم.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) رواه مسلم (2626)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ، يُعِينُ الرَّجُلَ فِى دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) رواه البخاري (2891) ومسلم (1009) .
فوصيتنا لك أن تُفَتِّشي حولك عن أبواب الخير كلِّها: البر بالأقارب والأصحاب والإخوان، والإحسان إلى الجيران، ورعاية الفقراء والأيتام، وعيادة المرضى، ونحوها من الأبواب، فتسلكي منها ما ييسره الله لك، مع حرصك الدائم على مراقبة الله تعالى في نفسك في السر والعلن، والمسارعة نحو الاستزادة من الطاعات والعبادات، ليكون كل يوم يمر عليك أفضل من اليوم الذي يسبقه.
كما نوصيك بالبحث عن العلم النافع، سواء كان علما شرعيا، أم علما دنيويا، ليكون لك بابا من أبواب الخير، وتتمكني به من خدمة المسلمين، وإصلاح شأنهم، واحرصي على اختيار العلم الذي يحتاجه مَن حولك مِن الناس، لتكوني أنت مَن يسد عنهم حاجتهم، فتنالين بذلك الأجر العظيم عند الله تعالى.
نسأل الله سبحانه لنا ولك التوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/49)
تنصحهن فيذكرن لها ماضيها السيئ
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أرتدي الحجاب والحمد لله، وأحفظ سوراً من القرآن الكريم وملتزمة بدين الله تعالى، قبل أن أرتدي الحجاب كنت أرتدي ملابساً ضيقة وأضع على شعري تسريحة وبعض الصبغة ولا أصلي، وممكن أتكلم مع شاب في الطريق، ولا أهتم لكلام الناس، وبعد أن هداني الله سبحانه وتعالى تغير كل شيء، وندمت علي كل ما كنت أفعله. ما أعاني منه الآن: هو أني حين أتحدث إلى فتاة بخصوص الصلاة أو الحجاب أو أعطيها كتاباً يقولون عني: هذه التي تقول هذا الكلام! هل نسيت ما كانت تفعلي؟ ويقذفنني في عرضي، ويقولن عني أسوأ الأشياء والله سبحانه وتعالى يعلم أني بريئة مما ينسب إليَّ، ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحب أن نهنئكِ أيتها السائلة على التوبة والرجوع إلى الله عز وجل، فمن نعمة الله على عبده أن يوفقه للتوبة، ويدله عليها، فكم هم الذين باقون على المعاصي والذنوب، ولم يوفقوا للتوبة، فأنتِ في نعمة، فاشكري الله على تلك النعمة، واسأليه المزيد في ذلك.
ثانياً:
الواجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ وذلك لأنه من أسمى الوظائف الإسلامية، بل هو أشرفها وأعلاها، وهو وظيفة الأنبياء والرسل عليهم السلام، كما قال تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) النساء/165.
وقد جعل الله الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس؛ لقيامها بهذه الوظيفة العظيمة، كما قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران/110.
فالواجب عليكِ هو الاستمرار في نصح ودعوة من علمت أنه على خطأ، ولا تلتفتي إلى كلام المغرضين والمثبطين لكِ، بل اصبري واحتسبي الأجر عند الله، واعلمي أن ما أنتِ عليه هو نوع من أنواع الجهاد، مطلوب فيه تحمل المشاق، والصبر على الأذى فيه، كما قال لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) لقمان/17.
ثالثاً:
ما ذكرتيه من أن بعض من تقومين بنصحه يذكركِ بماضيكِ، فهذا منه نوع من الجهل؛ وذلك لأنه كيف يلام شخص على ذنب قد تاب منه وأقلع عنه! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وإذا كان الله جل وعلا يتوب على من تاب من الشرك، فكيف بمن تاب مما هو دون الشرك من المعاصي والكبائر.
وأيضاً: إذا قيل إنه لا يدعو ولا ينصح من كان له ذنوب ومعاصٍ في السابق، فإنه لن يدعو أحد، ولن ينصح أحد؛ لأنه ليس أحد معصوماً من الذنوب، إلا من عصمه الله، فهؤلاء الصحابة منهم من كان في جاهليته شارباً للخمر قاطعاً للرحم ... وأعظم من ذلك الشرك بالله، ولا يشك عاقل في جلالة قدرهم وعلو مكانتهم، وأنهم خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، فهم لم يتركوا الدعوة بحجة أنهم فعلوا كذا وكذا في الماضي، بل قاموا بالدعوة خير قيام، رضي الله عنهم ورضاهم.
والعبرة بكمال النهاية، لا بنقصان البداية، فالعبرة بما انتهى إليه أمر الإنسان، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ) البخاري (6607) .
والذي يظهر لنا -والله أعلم- أنهم يقولون ذلك فقط من أجل الجدال، وهم يخدعون أنفسهم بأن لهم سبباً يردون من أجله الحق الذي تأمرينهم به، ولو أنصف هؤلاء لتفكروا فيما تأمرينهم به هل هو حق فيقبل؟ أو باطل فيرد؟
بقطع النظر عمن أمر به، فإن الحق يقبل لأجل كونه حقاً، لا من أجل من تكلم به.
وقد يكون ماضيك سبباً لقبول كلامك، وقوة حجتك، لأنك إنما تأمرينهم بما تأمرينهم به وقد جَرَّبت الخير والشر، والحلو والمر، فأنت تأمرينهم بالحق بعد علم ويقين وتجربة، وليس من جَرّب كمن سمع فقط.
وقديماً قال بعض التائبين: "من جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي"!
فاستمري في أمرهم ونصحهم، واحتسبي ما تجدينه من مشقة واستهزاء، نسأل الله تعالى لك مزيداً من التوفيق والحرص على هداية الخلق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/50)
اهتدى حديثاً ويسخر منه أهله وأصدقاؤه، فكيف يتصرف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت من المسرفين في الذنوب والمعاصي، وكان أهون شيء عندي فعل المعصية، كنت من المتعاطين للمخدرات (الحشيش، الحبوب الكبتاجون، الخمر) كنت ممن يزنون، من الله عليَّ فتزوجت، وقبل الزواج تبت من معصية الزنا، ولله الحمد، بقي معي تعاطي المخدرات، وكان سببها الصحبة الفاسدة، وفي يوم من الأيام توفي لي ابن عم يقربني سنّاً، ولكن لم يتزوج، ففكرت في حالي وأنه أصغر مني قد توفي، وكنا في نفس المعصية تعاطي المخدرات، فمنَّ الله عليَّ بالهداية، وتركت كل شيء، حتى الدش - يا شيخ - كسرته، وتغيرت حياتي 180 درجة، أصبحت: أتصدق، أصلي، أدعو للخير، أوزع أشرطة، كتيبات، مطويات، أحضر محاضرات، آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر. المشكلة: واجهت كثيراً من الانتقادات، أولها من الأهل - الوالدة والأخوات - بأنني متشدد، متزمت، يريدون أن يسمعوا الأغاني، وينظروا إلى المسلسلات، وإذا نصحتهم وقلت لهم هذه حرام ما يجوز يردون علي: " لماذا شرع الاستغفار؟ إذا لا تريد تسمع أغاني وتتفرج على التلفزيون اطلع نحن نريد نتفرج ونسمع "، ونفس المشكلة تحصل معي في العمل، طلعت مرة، ومرتين، زوجتي تقعد معهم، وإذا خرجت أخذتها معي، ويطلبون مني أني أخليها تجلس معهم، وأنا أرفض، وزوجتي تستحي من الأهل، وتخاف يصير مشاكل، وإذا تركتها تجلس معهم تقوم تجلس بعيده عن التلفزيون تجلس لحالها وأحيانا أسمع دعوة من الوالدة تقول: " ليت الله ما هداك، آذيتنا! " أعوذ بالله مشكلتي في العمل / أنا أعمل في القطاع العسكري، أصحابي كلهم من الصحبة السيئة، الملتزمون 3 فقط، الملتحون 6، ممن يتغاضون عن أشياء كثيرة، وأن هذا ليس من الدين في شيء، والبقية منهم يشرب الحشيش ويستخدم المخدرات، ومن يغازل النساء، طبعاً الغالبية مدخنون. يا شيخ اتفقوا على الإساءة إليّ، فلا أدخل في مجلس إلا يذكروني بالماضي، ويستهزئون بالملتحين، ويسبونهم، وينعتونهم بـ " الكذابين " و " الإرهابيين "، وأنا تصيبني الغيرة، وأقول لهم: أنتم تسبون إخوانكم، يعني: مسلمين، ما يجوز، حرام تستهزئون باللحية لأنها سنة. يا شيخ أساؤوا لسمعتي، في أغلب المجالس يكثر الانتقادات على الملتحين، ولا يذكرونهم بخير. يا شيخ أحس أني أجرمت في حق إخواني الملتزمين، هل معنى هذا أن التزامي بالشريعة وإطلاق اللحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الزمان: أصبح جريمة لا بد أدفع ثمنها، أو أصير منحرفا مثلهم؟ يا شيخ حتى مديري يقول: أنتم الملتحون حاطكم تحت المجهر، والله أي غلطة ما أغفرها لكم. عملت بعض الحلول: أولاً: قدمت نقل من نفس الإدارة لإدارة أخرى، ولكنها ستطول قليلاً. ثانياً: كل من أساء الأدب بقول أو فعل قطعت علاقتي معه نهائيّاً، وهذا حد من المشكلة كثيراً جدّاً، ولكنه لا يعجبني؛ فقد أصبح الناس تحذر من التعامل معي والخوف من أن يغلطوا عليَّ، فأصبحوا ينفرون منِّي، وينفِّرون الناس. أرجو من فضيلتكم أن تجدوا لي الحل المناسب؛ لأني والله تعبت نفسيّاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هنيئا لك هذه التوبة، يا عبد الله، وهنيئا لك رجوعك إلى ربك، وحمدا لله على سلامتك من طريق الضلال والغواية، ورجوعك إلى طريق الإنابة والهداية، زادك الله هدى، وبرا وتقى، وثبتك على صراطه المستقيم، إلى أن تلقاه على خير ما يحب ويرضى!!
واعلم أخي الفاضل أن الشيطان لن يستسلم بعد توبتك بسهولة، ولن يدعك لحال سبيلك؛ لأنك كنت من جنوده، وخرجت من غير إذنه ولا رضاه! فصرت من جنود الرحمن، وكنت في عصابة أوليائه، وانتقلت إلى طائفة أعدائه، فمنَّ الله عليك بالهداية، وغظتَه وكبتَّه، فمن المنطقي أن يحاول ـ بكل الوسائل ـ أن يعود بك إلى سابق عهدك، فعليك بالمثابرة، والثبات، والصحبة الخيرة الصالحة التي تعينك على الحق.
ونسأل الله أن يتقبل منك غيرتك على الدين، وأمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر، وحب هداية الناس.
ثانياً:
اعلم أخي الفاضل أنه ينبغي النظر إلى قضيتك باعتبارين:
الأول: كونك تائباً مهتدياً.
والثاني: كونك داعياً إلى الله.
1. أما الاعتبار الأول:
فالوصية لك فيه: الصبر على الأذى، والتحمل للسفاهة، مع جواز استعمال الشدَّة إذا لزم الأمر، وذلك إذا تعلَّق الاستهزاء بالدين، وقدرت على منعه وإيقافه.
والشيطان له جنود يرسلهم للكيد والمكر وصد الناس عن الدين، وهؤلاء الجنود ليسوا من الجن كلهم، بل له جنود كذلك من الإنس، وهم الذين يقومون بمهامه في صرف الناس عن الطاعة، ودفعهم لفعل المعاصي، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) الأنعام/ 112.
وقد طمأنك ربك تعالى، وبشرك بالثواب الجزيل يوم القيامة إن صبرت على أذى هؤلاء السفهاء في الدنيا، وذلك بالرفعة في الدرجات يوم القيامة، وقد توعدهم ربنا تعالى بالعقوبة البالغة إن هم ماتوا على سفهاتهم واستهزائهم بالمؤمنن.
قال تعالى: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) البقرة/ 212.
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ. وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ. وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ. وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ. فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ. عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ. هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) المطففين/ 29 – 36.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
يُخبر تعالى عن المجرمين أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين، أي: يستهزئون بهم ويحتقرونهم، وإذا مروا بالمؤمنين يتغامزون عليهم، أي: محتقرين لهم.
(وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) أي: إذا انقلب، أي: رجع هؤلاء المجرمون إلى منازلهم، انقلبوا إليها فاكهين، أي: مهما طلبوا وجدوا، ومع هذا ما شكروا نعمة الله عليهم، بل اشتغلوا بالقوم المؤمنين يحتقرونهم ويحسدونهم.
(وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّون) أي: لكونهم على غير دينهم.
قال الله تعالى: (وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِين) أي: وما بُعث هؤلاء المجرمون حافظين على هؤلاء المؤمنين ما يصدر من أعمالهم وأقوالهم، ولا كلفوا بهم، فلم اشتغلوا بهم وجعلوهم نصب أعينهم، كما قال تعالى: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ. إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ. فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ. إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) المؤمنون/ 108 – 111.
ولهذا قال هاهنا: (فَالْيَوْمَ) يعني: يوم القيامة.
(الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) أي: في مقابلة ما ضحك بهم أولئك.
(عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ) أي: إلى الله عز وجل، في مقابلة من زعم فيهم أنهم ضالون، ليسوا بضالين، بل هم من أولياء الله المقربين، ينظرون إلى ربهم في دار كرامته.
وقوله: (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) ؟ أي: هل جوزي الكفار على ما كانوا يقابلون به المؤمنين من الاستهزاء والتنقص أم لا؟ يعني: قد جوزوا أوفر الجزاء، وأتمه، وأكمله.
" تفسير ابن كثير " (8 / 353، 354) .
فاصبر أخي الفاضل واحتسب الأجر على سفاهة هؤلاء، وداوم على تذكيرهم بحكم فعلهم، وأنهم إن تعرضوا للدين باستهزاء وسخرية فقد خرجوا من ملة الإسلام، ولحقوا بإخوانهم من الكفار والمجرمين، الذين سبق ذكر حالهم في الآيات السابقة.
2. وأما الاعتبار الثاني:
فالوصية فيه أن تسلك الطرق المناسبة لعلاج هؤلاء المرضى، فأنت بهذه الاعتبار لست رجلاً عرف الطريق فسلكه، بل أنت الآن داعية إلى الله، تريد أن تعبر بهؤلاء بحر الظلمات ليصلوا إلى بر الأمان والسلامة، فالوصية لك أن تزيد من العلم الشرعي، والطاعات التي تقربك لخالقك عز وجل، وأن تكون حكيماً في تبليغ رسالة رب العالمين لهؤلاء المرضى، والحكمة هي وضع الشيء في مكانه المناسب، فالأصل في التعامل معهم الرفق واللين، ولا مانع من استعمال الشدة مع بعضهم إن رأيت أن ذلك يردعه.
قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) آل عمران/ 159.
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح، والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم، والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟! .
أليس من أوجب الواجبات، وأهم المهمات، الاقتداء بأخلاقه الكريمة، ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم، من اللين، وحسن الخلق، والتأليف، امتثالاً لأمر الله، وجذباً لعباد الله، لدين الله.
ثم أَمَرَه الله تعالى بأن يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه صلى الله عليه وسلم، ويستغفر لهم في التقصير في حق الله، فيجمع بين العفو والإحسان.
" تفسير السعدي " (ص 154) . وانظر: " تفسير الطبري " (7 / 341) .
وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ! قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ.
رواه البخاري (5678) ومسلم (2165) .
قال النووي – رحمه الله -:
هذا مِن عظيم خلُقه صلى الله عليه وسلم، وكمال حلمه، وفيه: حث على الرفق، والصبر، والحلم، وملاطفة الناس، ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة.
" شرح النووي على مسلم " (14 / 145) .
وقال الشوكاني – رحمه الله -:
في الحديث استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين، إذا لم يترتب عليهم مفسدة.
" نيل الأوطار " (8 / 146) .
ثالثاً:
وبخصوص أهلك:
عليك أن تصبر على أذاهم، وتداوم النصح والتذكير، ولا تيأس من ذلك، واحرص أشد الحرص على هدايتهم، ونوِّع في الأساليب، وتلطف معهم، ولا ترخ الحبل لزوجتك إذا كان في جلوسها مع أهلك معاصٍ أو منكرات، إلا أن تكون تستطيع تغييرها، ولا ينبغي أن يدفعها خجلها منهم إلى أن تُغضب ربها بسماع أو مشاهدة المحرَّمات، كما أن عليها مسئولية كبيرة في الوقوف مع زوجها، ونصرته، وتثبيته على الهداية والطاعة.
ونأسف لقول والدتك تلك المقولة الشنيعة، ولا ندري كيف قالتها ولعلها لا تعلم ما فعله بعض أصحاب المخدرات مع أمهاتهم وأخواتهم! ولا تدري ما فعلوه في إفساد الأسر، والمجتمعات، ولا تدري كم تبذل الأسر من مال ووقت وجهد حتى يصلح الله ولداً من أولادها يتعاطى المخدرات والمسكرات؛ لما رأوه من الأذى والضرر والشر منه.
وبخصوص عملك:
فإن رأينا أنك أحسنت في طلبك النقل إلى مكان آخر خير منه، وخاصة أنك في أول طريق الهداية والتوبة، وتحتاج لصحبة صالحة تدلك على الخير، وتحثك على فعله، وتحذرك من الشر، وتحثك على تركه.
ونعيد أن الأصل في التعامل هو الرفق واللين مع أهلك، وزملاء العمل، وغيرهم، ولا مانع من المخاشنة والشدة مع من يستحقها، إن رأيت في ذلك مصلحة لكف لسانه عن الدين والاستهزاء به.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/51)
حكم الختان لمن دخل في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الختان للمسلم الجديد ومتى يختتن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الختان للمسلم الجديد واجب، كما أنه واجب على المسلم الأصلي، ويجب عليه الاختتان من حين أن يسلم، لكن إن اقتضت المصلحة في تأخير أمره بذلك خوفاً من فراره من الإسلام، لأن الإسلام لم يستقر في قلبه بعد فلا بأس بذلك، لأن المفسدة الحاصلة بتأخير الختان أهون من مفسدة ردته عن الإسلام بعد إسلامه" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/3، 4) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/52)
رواية الحديث بالمعنى
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا أنصح الآخرين عندما أراهم على خطأ وأبين لهم الأدلة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة، ولكن أحيانا أنسى الأحاديث وأذكرها بصيغة مقاربة للصيغة الأصلية أو ذكر جزء من الحديث أو ذكر معناه دون التعرض للمعنى الأصلي، فهل هذا جائز أو يدخل في باب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأنا أحيانا أتراجع عن النصح خوفا من الوقوع في الخطأ، وأن أضل نفسي وغيري والعياذ بالله من الضلال، وبماذا تنصحوني في مثل هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قيام الإنسان بالدعوة إلى الله هذا من أجل الأعمال وأسماها عنده سبحانه وتعالى، كيف لا، وهي وظيفة من اصطفاهم الله من خلقه من الأنبياء والرسل، ومن ورث منهجهم من العلماء والدعاة، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف /108.
وقد امتدح الله سبحانه من سلك تلك الطريق بقوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت /33.
لكن يشترط فيمن تصدَّر لدعوة الناس إلى شيء من أمر الدين أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه، ولا يشترط أن يكون عالما بالدين كله؛ لما روى البخاري (3461) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": " وقال في الحديث: (ولو آية) ، أي: واحدة، ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي، ولو قَلَّ، ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه فلا فرق بين أن يكون عالماً كبيراً يشار إليه، أو طالب علم مُجِدٍّ في طلبه، أو عامياً لكنه علم المسألة علماً يقيناً.. فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (بلغوا عني ولو آية) ولا يشترط في الداعية أن يبلغ مبلغاً كبيراً في العلم، لكنه يشترط أن يكون عالماً بما يدعو إليه، أما أن يقوم عن جهل ويدعو بناء على عاطفة عنده فإن هذا لا يجوز " انتهى.
"فتاوى علماء البلد الحرام" ص 329.
ثانياً:
يجوز للإنسان أن يروى الحديث بمعناه عند جمهور أهل العلم، لمن كان عارفاً باللغة، ويأمن من اللحن وتغيير المعنى الذي به يتغير الحكم، وأن لا يكون ذلك التغيير في الألفاظ المتعبد بها كالأذكار والأدعية المأثورة.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " رواية الحديث بالمعنى، معناه: نقله بلفظ غير لفظ المروي عنه.
وهو يجوز بشروط ثلاثة:
1 - أن تكون مِنْ عارفٍ بمعناه: من حيث اللغة، ومن حيث مراد المروي عنه.
2 - أن تدعو الضرورة إليها، بأن يكون الراوي ناسياً للفظ الحديث حافظاً لمعناه، فإن كان ذاكراً للفظه لم يجز تغييره، إلا أن تدعو الحاجة إلى إفهام المخاطب بلغته.
3 - أن لا يكون اللفظ متعبداً به: كألفاظ الأذكار ونحوها " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين".
فعلى هذا؛ لا بأس أن تروي الحديث بالمعنى إذا لم تكن حافظاً لفظه، شريطة أن لا يكون في كلامك تغيير للمعنى المقصود من الحديث.
وأخيراً، نشكر لك اهتمامك بنصح إخوانك المسلمين، ونبشرك إذا أخلصت النية لله تعالى بالثواب الجزيل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/53)
داعية يسأل عن كتب في موضوع التكفير والحاكمية والاستغاثة بالنبي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقوم بالدعوة، وترد عليَّ أسئلة متعلقة بمسألة التكفير والخروج على الحكام، وكذلك الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلب منه الغوث، فهل يمكن أن تدلني على مراجع فيها الجواب عن مثل هذه الإشكالات، أو الإجابة عليها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يوفق مسعاكَ، وأن ييسر أمرك، وأن يزيدك علماً وهدى وتوفيقاً.
وبخصوص المسألة الأولى: فهذا ما ننصحك به من كتب:
1. " نواقض الإيمان القولية والعملية " الدكتور عبد العزيز عبد اللطيف.
2. " نواقض الإيمان الاعتقادية " الدكتور محمد بن عبد الله الوهيبي.
3. " ضوابط التكفير " الدكتور عبد الله القرني.
4. " الحكم بغير ما أنزل الله، أحواله، وأحكامه " الدكتور عبد الرحمن المحمود.
5. " وجوب تحكيم شرع الله " الشيخ عبد العزيز بن باز.
6. " ظاهرة الغلو والتكفير، الأصول، والأسباب، والعلاج " الدكتور ناصر عبد الكريم العقل.
7. " الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرين " عبد الرحمن بن معلا اللويحق.
وأما بخصوص المسألة الثانية: فإليك ما ننصحك به من كتب:
1. " الواسطة بين الحق والخلق " شيخ الإسلام ابن تيمية.
2. " قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة " شيخ الإسلام ابن تيمية.
3. غاية الأماني في الرد على النبهاني، للألوسي.
04" التوسل أنواعه وأحكامه " الشيخ الألباني.
04 " الرد على شبهات المستعينين بغير الله " أحمد بن إبراهيم بن عيسى.
5. " فتح المجيد شرح كتاب التوحيد " عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.
6. " تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد " سليمان بن عبد الله آل الشيخ.
7. " الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " الشيخ صالح الفوزان.
وكتب الفتاوى المشهورة للمشايخ الأجلاء: محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن إبراهيم، وعبد العزيز بن باز، ومحمد بن صالح العثيمين، وكذا " فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، و " فتاوى اللجنة الدائمة "، فقد احتوت هذه الكتب على الكثير من الفوائد لكل المسائل الواردة في السؤال.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/54)
تشغيل القرآن في غرفة الشات الصوتي التي بها الأغاني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تشغيل القرآن في الشاتات الصوتية التي فيها أغاني وفتح كاميرات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا العمل غير مشروع، وقد يكون سبباً في النفور من القرآن وعدم احترامه، والرغبة في توقف القراءة، هذا مع الانشغال عنه، وعدم الإصغاء له، وربما صاحب ذلك فعل المنكرات أيضا.
وعلى من أراد النصيحة أن يدخل ويبين الحكم الشرعي في الأغاني والصور، ولا يكتفي بقراءة القرآن أو تشغيل المسجل.
قال النووي رحمه الله في "التبيان في آداب حملة القرآن" ص (92) : " ومما يعتنى به ويتأكد الأمر به احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين.
فمن ذلك: اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة إلا كلاما يضطر إليه، وليمتثل قول الله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) ...
ومن ذلك: العبث باليد وغيرها، فإنه يناجي ربه سبحانه وتعالى، فلا يعبث بين يديه.
ومن ذلك: النظر إلى ما يلهي ويبدد الذهن.
وأقبح من هذا كله: النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه كالأمرد وغيره ... وعلى الحاضرين مجلس القراءة إذا رأوا شيئا من هذه المنكرات المذكورة أو غيرها أن ينهوا عنه حسب الإمكان باليد لمن قدر، وباللسان لمن عجز عن اليد وقدر على اللسان، وإلا فلينكر بقلبه والله أعلم " انتهى.
وذكر البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/433) عن ابن عقيل رحمه الله أنه قال بتحريم القراءة في الأسواق يصيح أهلها فيها بالنداء والبيع، ونقل عنه أنه قال: " قال حنبل: كثير من أقوال وأفعال يخرج مخرج الطاعات عند العامة , وهي مآثم عند العلماء , مثل القراءة في الأسواق , يصيح فيها أهل الأسواق بالنداء والبيع، ولا أهل السوق يمكنهم الاستماع، وذلك امتهان " انتهى.
وقد وُجه للجنة الدائمة للإفتاء سؤال هذا نصه:
" يتوفر للمستشفى التخصصي وسائل اتصالات داخلية جيدة تسمح للمخاطب بمقاطعة المكالمة القادمة والانتقال إلى مكالمة أخرى مدة تطول أو تقصر حسبما تدعو الحاجة ثم العودة إلى المكالمة الموقوفة، وخلال فترة الانقطاع المذكورة يمكن للمتكلم أن يستمع إلى مادة مسجلة مناسبة، ولقد رغبنا أن نملأ فترة الانقطاع هذه بمادة دينية، سواء مقاطع من القرآن الكريم أو من الأحاديث الشريفة. وحيث إنه قد يتخلل الانقطاعات أمور دنيوية يدخل فيها الجد والهزل حسب مكانة وظرف المتحدثين فقد رأينا الاستئناس برأي سماحتكم قبل إدخال مثل هذه المواد الدينية.
فأجابت:
" أولا: لا يجوز قطع المكالمة أو وقفها؛ لما في ذلك من الأذى، إلا لمقتض يدعو إلى ذلك، كإساءة المتكلم إساءة لا تزول إلا بقطعها أو طروء أمر ضروري أو أصلح يدعو إلى وقفها أو قطعها.
ثانيا: القرآن الكريم: كلام الله تعالى، فيجب احترامه وصيانته عما لا يليق به من خلطه بهزل أو مزاح يسبق تلاوته أو يتبعها، ومن اتخاذه تسلية أو ملء فراغ مثل ما ذكرت، بل ينبغي القصد إلى تلاوته قصدا أوليا؛ عبادة لله وتقربا إليه، مع تدبر معانيه والاعتبار بمواعظه، لا لمجرد التسلية والتفكه وملء الفراغ، وكذلك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز خلطها بالهزل والدعابات، بل تجب العناية بها، وصيانتها عما لا يليق، والقصد إليها لفهم أحكام الشرع منها والعمل بمقتضاها " انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي......عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/84) .
ولاشك أن ما يجري في الشاتات الصوتية أعظم بكثير مما ورد في سؤال اللجنة، ولهذا نقول: يجب صيانة القرآن عن هذه المواطن، فإن القرآن أعظم من أن يوضع بإزاء الأغاني، وأن يتلى على أسماع اللاهين الغافلين، فضلا عن العاكفين على شيء من المحرمات.
ولا ننصح بالدخول على هذه المواقع والبرامج، إلا للداعية المتزود بالعلم والبصيرة التي تدفع الشبهات، والمتحصن بالإيمان القوي الذي يحجز عن الشهوات.
ولينشغل الإنسان بما ينفعه، وليستفد من المواقع الصالحة النقية، فإن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة، وقد يدخل الداخل لغرض النصح، فما يلبث أن يصبح أحد المفتونين، نسأل الله العافية.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/55)
هل الإشراف على المنتدى أفضل أم قراءة القرآن وفعل الطاعات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مشرفات بمنتدى نسائي ولكن يدخله الرجال بحدود ولأقسام معينة ونجلس بحكم هذا العمل الإشرافي الساعات الطوال نحذف ونعدل ونرتب المواضيع والمنتدى توجهه ولله الحمد إسلامي وهدفه سليم، ولكن هل هذا الوقت الذي نقضيه من الدعوة إلى الله؟ وهل الجلوس لقراءة القرآن أو فعل الطاعات أفضل من هذا الإشراف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعوة إلى الله تعالى من أجل الأعمال الصالحة، والقربات النافعة، والطاعات المتعدّية لنفع الآخرين، ولهذا كان القائم عليها والمنشغل بها سائرا على سبيل الأنبياء والمرسلين، كما قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف/108، وقال سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/33.
وقد جاء في الترغيب في القيام بأمر الدعوة نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) رواه مسلم (2674) .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) رواه الترمذي (2685) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والدعوة إلى الله لها وسائلها المتنوعة، وطرقها الكثيرة، كالكلام المباشر، في الخطب والمواعظ والمحاضرات، وعبر الأشرطة، والكتابة عبر الرسائل، والنشرات، وفي المنتديات.
ومن ذلك: إنشاء المنتديات النافعة، والإشراف عليها، وتوجيه أهلها، والتعليق على ما مقالاتهم ومشاركاتهم، فكل ذلك من وسائل الدعوة إلى الله تعالى، وتعليم الناس الخير.
بل هذه المنتديات أصبحت وسيلة رائدة في التوجيه، والإصلاح، والدعوة والاحتساب، وللقائمين عليها أجر عظيم على قدر نياتهم وأعمالهم، وبذلهم وعطائهم.
وعليه؛ فينبغي أن تحتسبي الوقت الذي تقضينه في متابعة هذه المشاركات والتعليق عليها وتوجيه أصحابها، لكن مع الحذر من أن يشغلك هذا عما هو أهم وأنفع، كالقيام بمسئولية الزوج والأولاد، وتحصيل العلم الشرعي، والمحافظة على قراءة القرآن والأوراد، فإن بعض الناس ينشغل بمتابعة المنتديات عن أعمال أهم، وقربات أعظم، والفقه هو معرفة الأولويات، وتقديم الأهم على المهم.
وما أجمل أن يضرب الإنسان في كل غنيمة بسهم، فيكون له حظ من هذا ومن هذا، يهتم بما ينفع نفسه وما ينفع غيره، يسعى في الارتقاء بنفسه علما وعملا، ويبذل من وقته في نفع الآخرين ودعوتهم وإصلاحهم، فلا يشغله حق عن حق، ولا يصرفه خير عن خير، وبهذا يجعل الله لكلامه تأثيرا، ولنصحه فائدة، لأنه قرن القول بالعمل، وكان شعاره: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود/88.
والنفس تحتاج إلى فقه في التعامل معها، فيغتنم الإنسان فترة إقبالها وحضورها، فتارة يكون ذلك بقراءة القرآن، والإكثار من النوافل، وتارة بحضور مجالس العلم ومطالعة كتبه، وتارة بدخول المنتدى والإشراف عليه، فأفضل العبادة ما صادف حضور النفس وإقبالها وانشراحها، ووافق وقت الحاجة إليها.
ولابن القيم رحمه الله كلام نافع جدا في المفاضلة بين العبادات، نورد شيئا منه، فمن ذلك قوله رحمه الله: " وكذلك حال القلب، فكل حال كان أقرب إلى المقصود الذي خلق له فهو أشرف مما دونه، وكذلك الأعمال، فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصود كان أفضل من غيره، ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال وأفضلها لقرب إفضائها إلى المقصود، وهكذا يجب أن يكون، فإنه كلما كان الشيء أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها، فالعمل المعد للقلب المهيئ له لمعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته وخوفه ورجائه أفضل مما ليس كذلك. وإذا اشتركت عدة أعمال في هذا الإفضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المفضى، ولهذا اشتركت الطاعات في هذا الإفضاء فكانت مطلوبة لله، واشتركت المعاصي في حجب القلب وقطعه عن هذه الغاية فكانت منهيا عنها، وتأثير الطاعات والمعاصي بحسب درجاتها. وها هنا أمر ينبغي التفطن له وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره.
فالغنى الذي بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة.
والشجاع الشديد الذى يهاب العدو سطوته، وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع. والعالم الذى قد عرف السنة والحلال والحرام وطرق الخير والشر، مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح " انتهى من "عدة الصابرين" ص (93) .
وقال أيضا:
" إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن.
والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا: القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل.
والأفضل في أوقات السحر: الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار.
والأفضل في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل: الإقبال على تعليمه والاشتغال به.
والأفضل في أوقات الأذان: ترك ما هو فيه من ورده والاشتغال بإجابة المؤذن.
والأفضل في أوقات الصلوات الخمس: الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه والمبادرة إليها في أول الوقت، والخروج إلى الجامع وإن بعُد كان أفضل.
والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو البدن أو المال: الاشتغال بمساعدته وإغاثة لهفته وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك.
والأفضل في وقت قراءة القرآن: جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه حتى كأن الله تعالى يخاطبك به، فتجمع قلبك على فهمه وتدبره والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك.
والأفضل في وقت الوقوف بعرفة: الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك.
والأفضل في أيام عشر ذي الحجة: الإكثار من التعبد، لا سيما التكبير والتهليل والتحميد فهو أفضل من الجهاد غير المتعين.
والأفضل في العشر الأخير من رمضان: لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء …
وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق، والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد (وهم الذين غلب عليهم عبادة معينة، كقيام الليل أو قراءة القرآن أو الصيام) فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص وترك عبادته فهو يعبد الله على وجه واحد، وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت.
فمدار تعبده عليها، فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى، فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره، فإن رأيت العلماء رأيته معهم، وإن رأيت العباد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم، فهذا هو العبد المطلق الذي لم تملكه الرسوم، ولم تقيده القيود، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادات، بل هو على مراد ربه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه، فهذا هو المتحقق ب (إياك نعبد وإياك نستعين) حقا، القائم بهما صدقا " انتهى من "مدارج السالكين" (1/88) .
وخلاصة الجواب: أن الإشراف على هذا المنتدى هو من الدعوة إلى الله تعالى، فلا ينبغي تركه، ولكن ينبغي أن ينظّم المسلم وقته، فللدعوة إلى الله وقت، ولقراءة القرآن وقت، وللصلاة وقت، وللأهل والأسرة وقت، وهكذا، فيعطي كل ذي حق حقه
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/56)
المصلون في مسجده يفعلون بدعاً ومخالفات فكيف السبيل لنصحهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس في بلد أجنبي كافر، والمسلمون فيها أقلية، ومستضعفون , يوجد بالقرب منِّي مسجد، المصلون فيه يفتقدون الإمام , وهم يُسرُّون حينما أكون إماماً لهم , خاصة أني عربي، وأتقن اللغة العربية , وبعد كل فرض يقومون بالذكر الجماعي، ثم الدعاء الجماعي، وهذا مخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي بدعة , ولكن أخاف إذا نهيتهم عن ذلك أن ينفروا مني، ويغضبوا , ماذا أفعل في هذه الحالة؟ هل يجوز أن ألازمهم من أجل تأليف قلوبهم وتأملاً في إفادتهم، لقد أحسست أنهم يفتقرون للعلم الصحيح والسنَّة، وأرى أني أستطيع إفادتهم ببعض الأمور، عسى الله أن يفتح قلوبهم ويتقبلوا المنهج الصحيح في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أحسنتَ بسؤالك قبل أن تفعل ما يُمكن أن يؤثر سلباً على أولئك المصلين، بل ويرتد أثر ذلك عليك، في صلاتك خاصة، وعموم حياتك.
ومن أعظم صفات الداعية إلى الله: العلم، والحكمة، وبهما يستطيع الداعية تحقيق ما يعجز عنه كثيرون ممن فقدوا نعمة العلم، أو سُلبت منهم الحكمة وحسن التصرف مع المخالفين.
وليست الحكمة تعني التمييع، ولا التنازل عن شيء من الحق، بل هي سلوك طريق يصل بالمرضى من الجهلة والمبتدعة إلى بر العلم والسنَّة.
والداعية الحكيم يعلم أن هؤلاء المصلين يرجعون في فتاواهم إلى أئمة وعلماء يثقون بدينهم وعلمهم، فكيف يريد منهم الانتقال عنهم إليه هكذا مباشرة، ودون مقدمات؟! .
وليعلم الداعية إلى الله أن مفاجأة الناس بالسنَّة التي يجهلونها، والإنكار عليهم بما يفعلونه: قد يسبِّب بغضاً للسنَّة وأهلها من قبَلهم، وهو ما يصنع الحواجز بين الدعاة وبعض الناس في تعليمهم وتبيين السنَّة لهم، ولا يعني هذا ترك نصحهم، وإنما المراد التدرج في دعوتهم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في شرح كلام علي بن أبي طالب: " حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله " رواه البخاري -:
قوله في أثر علي رضي الله عنه: " حدِّثوا النَّاس "، أي: كلِّموهم بالمواعظ وغير المواعظ.
قوله: " بما يعرفون "، أي: بما يمكن أن يعرفوه، وتبلغه عقولهم؛ حتى لا يفتنوا، ولهذا جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: " إنك لن تحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " - رواه البخاري -
ولهذا كان من الحكمة في الدعوة ألا تباغت الناس بما لا يمكنهم إدراكه، بل تدعوهم رويداً، رويداً، حتى تستقر عقولهم، وليس معنى " بما يعرفون "، أي: بما يعرفون من قبل؛ لأن الذي يعرفونه من قبل يكون التحديث به من تحصيل الحاصل.
قوله: " أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟! " الاستفهام للإنكار، أي: أتريدون إذا حدثتم الناس بما لا يعرفون أن يكذب الله ورسوله، لأنك إذا قلت: قال الله، وقال رسوله: كذا وكذا، قالوا: هذا كذب، إذا كانت عقولهم لا تبلغه، وهم لا يكذِّبون الله ورسوله، ولكن يكذبونك، بحديث تنسبه إلى الله، ورسوله، فيكونون مكذِّبين لله ورسوله، لا مباشرة، ولكن بواسطة الناقل.
فإن قيل: هل ندع الحديث بما لا تبلغه عقول الناس وإن كانوا محتاجين لذلك؟ .
أجيب: لا ندعه، ولكن نحدثهم بطريقة تبلغه عقولهم، وذلك بأن ننقلهم رويداً، رويدا، حتى يتقبلوا هذا الحديث، ويطمئنوا إليه، ولا ندع ما لا تبلغه عقولهم، ونقول: هذا شيء مستنكر لا نتكلم به.
ومثل ذلك: العمل بالسنَّة التي لا يعتادها الناس ويستنكرونها، فإننا نعمل بها، ولكن بعد أن نخبرهم بها، حتى تقبلها نفوسهم، ويطمئنوا إليها.
ويستفاد من هذا الأثر: أهمية الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل، وأنه يجب على الداعية أن ينظر في عقول المدعوين، وينزِّل كلَّ إنسانٍ منزلته.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (10 / 774، 775) .
فعليك أن تسلك سبيل الحكمة في دعوة هؤلاء لترك الذِّكر الجماعي، وما يفعلونه من بدع أخرى، وما يتركونه من السنن، ونرى أن تفعل ما يلي:
1. المداومة على صلاة الجماعة بهم إماماً، وأن تتقرب لقلوبهم من خلال الإمامة، ولا تتركها لغيرك فيستولي على صلاتهم واعتقادهم.
2. لا تشارك معهم في ذِكرهم، وبدعهم؛ مع التوكيد على ضرورة بقائك في مجلس الصلاة للإتيان بالذكر الشرعي وحدك.
3. إعطاؤهم الدروس اليومية بجزء يسير من الوقت؛ ليكون طريقاً لقطع بدعتهم؛ وسبيلاً لدعوتهم وتعليمهم.
4. التركيز على تعظيم السنَّة، وتعظيم اتباع الدليل، وذِكر نماذج من الصحابة والتابعين والأئمة الأعلام، وخاصة من ترى أنهم يعظمونهم ويحبونهم.
5. ترك التعرض لبدعتهم مباشرة، وترك التعرض لأئمتهم وعلمائهم الذين يتبعون قولهم من المعاصرين.
6. الاهتمام برؤسائهم وعقلائهم الذين لهم تأثير عليهم، وبذل الجهد معهم أكثر من غيرهم.
7. تفقدهم بين الفينة والأخرى بالهدايا، كالكتب، والأشرطة، والمطويات، مع الاهتمام بإكرامهم بما يتيسر لك من الطعام والشراب.
8. مشاركتهم في مناسباتهم المباحة، والتقرب إليهم بحسن الخلق.
وهذا ليس لك وحدك، بل هو لكل داعية يريد النجاح في مجتمع تكثر فيه البدعة، ويقل فيه تعظيم السنَّة واتباعها.
ولا تنس الاستعانة بالله تعالى في دعوتك، وأن تكون مخلصاً بها، تريد وجه الله تعالى، وأن تجعل نصب عينيك أن هؤلاء مرضى يحتاجون لدواء أنت تملكه، وهم لا يعرفون أنهم مرضى، فكيف ستوصل لهم الدواء بحكمة؟! .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/57)
تدرس في مكان تنتشر فيه المنكرات بين الطالبات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في حيرة من أمري وأريد منك المساعدة. أنا أدرس في دورة للتربية الخاصة في مركز من المراكز وعندما بدأت بالدراسة هناك رأيت العجب العجاب من البنات، اللباس ضيق وقصير وفتحات تصل إلى الأفخاذ ومن الأعلى قد ظهرت الأكتاف وقد خرجت الصدور بل حتى الظهور لم تسلم فقد خرجت هي أيضا وإذا رأيت إلى الحواجب فإنك لا تراها إلا منموصة أو مشقرة. ومديرة المركز لبست أيضا القصير ونمصت الحواجب لا أدري كيف أنكر عليهم وهم أعداد هائلة تصل إلى الأربعمائة , وعندما سألت إحدى الداعيات قالت لي: دعي المكان؟ فأنا أعرفهم وقد حاولت معهم للدعوة ولم يستجيبوا؟ حتى إنهم رفضوا أن أدعو العاملات إلى الإسلام فاتركي المكان. أنا الآن في قمة الحيرة ولا أعلم ما أفعل ولا أظن أن أهلي سيقبلون فكرة انسحابي كما أنني سأشعر بالفشل لأنني لم أدخل الكلية ولكن كان ذلك بإرادتي لأنه لا يوجد التخصص الذي أريد في منطقتنا وأظنه يحقق طموحي فأشعر أن الكل يعتقد أني فاشلة رغم أنني أحب طلب العلم كثيرا لكن لم تهيأ لي الفرص وعندما أترك هذه الدورة أشعر أن الكل سيتحقق لديه هذا المعنى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نرى أن تستمري في دراستك، مع بذل النصيحة قدر الإمكان، والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك بالكلام مع زميلاتك، وبيان حكم النمص، ووجوب ستر العورة، وحدود ما يجوز كشفه وما لا يجوز، وقد لا يتيسر لك الكلام مع جميعهن، لكن اجتهدي قدر طاقتك، وافعلي ما بوسعك، واستعيني بالوسائل النافعة كالمطويات، أو الدلالة على موقع في الإنترنت، أو محاضرة نافعة. وينبغي أن تتعاوني مع المستقيمات من زميلاتك، لتهييء البيئة الدعوية الصالحة، والتأثير على من حولكن.
وأما اليأس من التغيير، فهذا ليس من خلق الداعية، كما أنه مخالف للواقع، فكم من جامعات فيها من الاختلاط والشر ما هو أعظم مما ذكرت، وقد نجحت فيها الدعوة إلى الله تعالى، وآتت ثمارها، بفضل الله تعالى، ثم ببذل الأسباب من الدعاة الصالحين الصابرين.
ونحن نرى جهود المفسدين وسعيهم لتخريب العقول والأفكار ومسخ الفطر، رغم وجودهم في مجتمع محافظ مخالف لهم، لكنهم لم ييأسوا ولم يحكموا على مشروعهم بالفشل قبل تجربته، وأهل الخير أولى منهم بالجد والاجتهاد والصبر والاحتساب، لأنهم يحملون الحق، وينشرون الخير، وهم أصحاب هدف أعلى ورسالةٍ أسمى، ثم هم ينطلقون من خلال البيئة المحافظة، التي تقف من ورائهم وتحيط بهم، فما على الداعية إلا أن يحرك النفوس، ويوقظ ما فيها من حب الله، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ليرى أثر ذلك عاجلا غير آجل.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والعون والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/58)
يغرونه بالمال ليترك الإسلام ويتنصر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم أعمل في مجال الدعوة الإسلامية تم اعتقالي من قبل الحكومة عندنا بحجة أني أعمل لهم إزعاجاً، بسبب أن كل شهر يشهر إسلامه ما لا يقل عن 13 شاب أو فتاة، وخرجت من السجن، والآن أبي وأمي يعاملوني بمنتهى القسوة بدرجة لا يتحملها مخلوق أبدا وكل ما في الأمر أن أبي طردني من البيت، والآن أنا أسكن في مكان يعلم الله به، عرف بعض من الكهنة بذلك فأتوا بشقة لي لكي أسكن فيها لكنى رفضت، الآن يعرضون علي مبلغ من المال لكي أترك الإسلام وأعتنق المسيحية لكنى رفضت، لم يتركوني في حالي وأهلي لا يسألون فيَّ أبدا والضغوط عليَّ من كل مكان، أريد حلاً بالله عليكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقول الله تعالى: (ألم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/2-3.
ويقول تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) آل عمران/142.
وعن أبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ) رواه الترمذي (2450) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فلا بد من الابتلاء والاختبار، ولا بد من الصبر، ولا بد من بذل الثمن النفيس، لتنال أغلى سلعة (الجنة) .
فعليك، بالصبر والاستعانة بالله، والتوكل عليه، واستمر في الدعوة إلى دين الحق، فهذا عمل الأنبياء ووظيفتهم، فيكفيك شرفاً أن تكون من أتباعهم (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) يوسف/108.
ولو أغروك بمال الدنيا كله، فإنه لا يساوي شيئاً إذا ما قورن بالجنة (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى) النساء/77.
وقد أخبرنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أنعم أهل الأرض، وهو من أهل النار، أنه يؤتى به يوم القيامة فيغمس في النار غمسة واحدة، ثم يقال له: هل مَرَّ بك نعيم قط، فيقول: لا والله يا رب، ما أصابني نعيم قط. رواه مسلم (2807) .
ولك أن تتصور حال أنعم أهل الأرض كيف يكون نعيمه! ومع ذلك فكل ذلك النعيم لا يعادل غمسة واحدة في النار، بل تلك الغمسة أنسته كل النعيم السابق، فكيف إذا كان عقابه الخلود في النار. نسأل الله العافية.
فعليك بالصبر والثبات، وأعلنها أمام تلك الغواة (لو وضعتم الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك الإسلام أو الدعوة إلى الله ما تركته أبداً)
وأكثر من سؤال الله تعالى الهداية والثبات.
وعليك بإصلاح ما بينك وبين أهلك بالرفق واللين والحكمة والموعظة الحسنة.
وفقك الله لكل خير وثبّتك على الحق وصرف عنك كل سوء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/59)
هل يجوز لهم التجسس على مشترك في الإنترنت لمعرفة إن كان فاسداً أم لا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص مشترك هو ومجموعة من الأشخاص في شبكة للانترنت وهو المسئول عن هذه الشبكة، وقد اتفقوا في البداية على عدم إساءة استخدام الانترنت. وقد وصل إليه من بعض المشتركين معه أن هناك شخصا يستخدم الانترنت فيما يغضب الله، والسؤال هو: هل يجوز له التجسس على جهاز هذا الشخص ليعلم مصداقية ما وصل إليه من أخبار؛ لأنه لو تبين ذلك فسينذره، فإن لم يرتدع فسيطرده من الشبكة، هل يجوز التجسس عليه مع العلم أن الاستخدام سيكون في حدود المطلوب فقط؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في المسلمين البراءة، ولا يجوز للمسلم أن يتتبع عورات الناس لكشفها وفضحها، وقد ورد الوعيد الشديد في التجسس على المسلمين، وتتبع عوراتهم.
قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا) الحجرات/ 12.
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا) .
رواه البخاري (4849) ومسلم (2563) .
التجسس: البحث عن عيوب الناس وعوراتهم.
التحسس: تتبع الأخبار، أو الاستماع لعورات الناس.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –:
التجسس: طلب المعايب من الغير، أي: أن الإنسان ينظر، ويتصنت، ويتسمع، لعله يسمع شرًّا من أخيه، أو لعله ينظر سوءاً من أخيه، والذي ينبغي للإنسان أن يُعرض عن معايب الناس، وأن لا يحرص على الاطلاع عليها، ... .
فلا ينبغي للإنسان أن يتجسس، بل يأخذ الناس على ظاهرهم، ما لم يكن هناك قرينة تدل على خلاف ذلك الظاهر.
" تفسير سورة الحجرات " (ص 50، 51) .
فيا أخي الفاضل:
لا ينبغي لك فتح باب الشك والريبة والاتهام، ولو فتحتَ الباب على غيرك: فسيصل الشر إليك، ولن تكون بمنأى عن أصحابك الذين تجسست معهم على صاحبك أن يتجسسوا عليك، ومنا أحد إلا وعنده ما يحب من الله أن يستره عليه، فلا تعرِّض نفسك للعقوبة، ولا تفتح على غيرك أبوابا من الشر فتُفتح عليك.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ: لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ: تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ، وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ. رواه الترمذي (2032) .
ويا أخي الفاضل:
هب أنك وقعت قدراً على سوءٍ يفعله أخوك في السرِّ، أتدري ما يجب عليك؟ يجب عليك الستر عليه، وعدم فضحه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبِكَ جُنُونٌ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ أَحْصَنْتَ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ. رواه البخاري (6430) ومسلم (1691) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
ويؤخذ من قضيته: أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز.
وأن مَن اطلع على ذلك: يستر عليه بما ذكرنا، ولا يفضحه، ولا يرفعه إلى الإمام، كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة (لو سترته بثوبك لكان خيراً لك) ، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه، فقال: أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر.
" فتح الباري " (12 / 124، 125) .
وقد وعدك الله تعالى بالستر عليك في حال فعلت هذا.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه مسلم (2580) .
فإن قويت القرائن حول شخص بعينه أنه يُفسد على الناس دينهم وأخلاقهم، كمن يستدرج النساء أو المردان للفاحشة، أو يُظهر للناس أنه من المستقيمين على الجادة، ويوقعهم في شر أعماله من الاحتيال على أموالهم وأعراضهم: فهنا يمكن لطائفة من أهل الخير والعلم أن تتبع هذا لتبرئه مما ينسب إليه، إن كان بريئا، أو لتستتيبه من فعله، فإن أصرَّ على سوء أفعاله: فلهم فضحه، والشكوى عليه لدى من يأخذ للناس حقهم، على أن تكون القرائن مبنية على أسس، وليست مجرد أوهام وخيالات واتهامات فارغة، ولذا اشترط العلماء أن يكون الإخبار عن ذلك من ثقة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
ويستثنى من النهي عن التجسس: ما لو تعين طريقاً إلى إنقاذ نفس من الهلاك مثلا، كأن يخبر ثقةٌ بأنَّ فلانا خلا بشخص ليقتله ظلماً، أو بامرأة ليزني بها: فيشرع في هذه الصورة التجسس، والبحث عن ذلك، حذراً من فوات استدراكه.
" فتح الباري " (10 / 482) .
قال الإمام النووي – رحمه الله -:
قال إمام الحرمين: ... وليس للآمر بالمعروف البحث والتنقير والتجسس واقتحام الدور بالظنون، بل إن عثَر على منكر غيَّره جهدَه.
وقال أقضى القضاة الماوردي: ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يَظهر من المحرمات، فإن غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارة وآثار ظهرت: فذلك ضربان:
أحدهما: أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلاً خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها، فيجوز له في مثل هذا الحال أن يتجسس، ويقدم على الكشف والبحث حذراً من فوات ما لا يستدرك، وكذا لو عرف ذلك غير المحتسب من المتطوعة: جاز لهم الإقدام على الكشف والإنكار.
الضرب الثاني: ما قصر عن هذه الرتبة، فلا يجوز التجسس عليه، ولا كشف الأستار عنه، فإن سمع أصوات الملاهي المنكرة من دار أنكرها خارج الدار: لم يهجم عليها بالدخول لأن المنكر ظاهر، وليس عليه أن يكشف عن الباطن.
" شرح النووي " (2 / 26) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
التجسس لا يجوز، إلا إذا وُجدت قرائن تدل على وجود المنكر، قرائن قوية، ثم لا يجوز أن يتجسس كل واحد؛ لأن هؤلاء الذين على منكر لو خرج واحد منهم ووجد هذا الرجل ربما يقتله.. " انتهى مختصرا.
" لقاءات الباب المفتوح " (230 / السؤال 12) .
ولمزيد من الفائدة: نرجو النظر في جوابي السؤالين: (13318) و (26964) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(8/60)