حلف بالطلاق أن يحلق الابن لحيته!!
[السُّؤَالُ]
ـ[حلف على ابنه أن يحلق لحيته وإلا طلق أمه فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم على الرجل حلق لحيته؛ للأحاديث الصريحة الآمرة بإعفائها، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى) رواه البخاري (5554) ومسلم (259) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) رواه البخاري (5553) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس) رواه مسلم (260) .
قال العلامة ابن مفلح رحمه الله: " وذكر ابن حزم الإجماع أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض " انتهى من الفروع (1/130) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: أنا شاب مسلم وأريد أن أطلق لحيتي ولكن والدي يعارض ذلك بشدة، فهل يجب علي إطلاق اللحية أو طاعة الوالدين؟
فأجابت: " حلق اللحية حرام، لا يجوز فعله لطاعة والد أو رئيس؛ لأن الطاعة في المعروف، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/146) .
وعليه؛ فلا يجوز للأب أن يأمر ابنه بحلقها، ولا يجوز للابن أن يطيعه في ذلك.
وعلى الابن أن يبر أباه ويطيعه في غير ذلك، وأن يبين له أن طاعة الله ورسوله مقدمة على طاعة كل من سواهما.
ثانيا:
إذا كان الأب قد حلف بالطلاق على ابنه أن يحلق لحيته، فإنه يُنظر في نيته فإن أراد التهديد والتخويف وحث الابن على الامتثال، فهذا له حكم اليمين، في أحد قولي العلماء، وهو الذي يفتي به جمع من فقهاء العصر. فيستمر الابن في إعفاء لحيته، ويكفّر الأب كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
وإن كانت نيته إيقاع الطلاق فيما لو لم يحلق الابن لحيته، فإن استمر الابن في الإعفاء وقعت طلقة واحدة. والخطأ هنا ليس خطأ الابن، بل هو خطأ الأب الذي أقحم الطلاق في هذه المسألة، وعاقبة الطلاق راجعة عليه وعلى جميع أسرته، فليتق الله تعالى، وليقف عند حدوده، ولا يجمع بين أمره بالمعصية وبين الإضرار بنفسه وأهله.
وهل للابن أن يحلق لحيته مرةً تفاديا لوقوع الطلاق على أمه أم لا؟
الذي يظهر والله أعلم أنه إن تبين له أن أباه قصد وقوع الطلاق، لا التهديد والتخويف، وكانت هذه هي الطلقة الثالثة، مما يترتب على وقوعها بينونة الأم، فإنه يحلق لحيته لدفع هذه المفسدة الكبرى، فإن حلق لحيته انحلت يمين الطلاق، ثم يعود لإعفاء لحيته. وينبغي أن يعلم الأب حينئذ أنه لا مجال لطاعته في هذا الأمر، وأنه لو حلف بالطلاق مرة أخرى فلن يضر إلا نفسه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1409)
والده لا يوافق على زواجه من فتاة تكبره بعامين
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على شاب ذي دين وخلق في دورة تدريبية منذ أربع سنوات ولكن والده يرفض زواجنا لأنني أكبره بعامين؟ أريد أن أعرف ما رأى الدين في ذلك وماذا نستطيع أن نفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج في زواج الرجل ممن تكبره بعامين أو أكثر، إذا كانت صاحبة دين وخلق، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وهي أكبر منه سنا.
وللأب رأي معتبر في اختيار زوجة ابنه، لحقه في البر والإكرام، ولعامل الخبرة والتجربة التي قد لا تتوفر للابن، لكن موافقة الأب ليست شرطا لصحة النكاح، بخلاف المرأة فإن نكاحها يتوقف على موافقة وليها.
ثانيا:
ينبغي للابن أن يسعى لإقناع أبيه، وأن يبين له رغبته في الزواج منك، فإن استجاب الأب فالحمد لله، وإن أصر على موقفه، فإن الابن سيكون بين أمرين صعبين:
1- بين أن يتنازل عن رغبته، ويحقق مراد والده، وهذا أسلم له في أغلب الأحوال؛ إلا إن كانت طبيعة الأب توحي بأنه لن يرضى لابنه إلا ما يختاره هو بنفسه، مما لا يوافق رغبة الابن، كأن يختار له من داخل العائلة أو القبيلة من لا تصلح له، أو يظهر أن اعتراضه يرجع إلى تدين الفتاة واستقامتها، ففي هذه الحال، سيكون الابن مضطرا لمخالفته، لأنه إن لم يخالفه اليوم، سيخالفه غدا.
2- وبين أن يمضي في رغبته، مخالفا لأبيه - على فرض أنه يستطيع إكمال النكاح بنفسه - وهذا لا ينبغي؛ لما فيه من مخالفة الأب، وإغضابه، ولما فيه من احتمال القطيعة، وحصول النفرة، وفي ذلك مضرة على الابن وأولاده، وعليك أيضا، والمرأة العاقلة لا ينبغي لها أن ترضى بمثل هذا الزواج، إلا في نحو ما ذكرنا، من كون الأب يسلك منهجا في الاختيار سيتعارض غالبا مع رغبة الابن، وأنه لا مفر له من معارضته، فإن بعض الآباء لهم ذوق خاص، أو نظرة خاصة، لا تناسب أبناءهم، ونحن ننصح الآباء أن يدعوا حرية الاختيار لأولادهم، فإن الزواج حياة ممتدة، ومن حق الإنسان أن يختار من سيشاركه هذه الحياة، وأن يكون دور الأب هو النصح والإرشاد، دون الإلزام، ما دام الابن سيختار من تناسبه.
وعلى الابن أن يجتهد في إقناع أبيه، ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1410)
مشكلاته مع أهله سببت له اكتئابا
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ نعومة أظفاري نشأت في حياة بائسة، فقد كان والدي متزوجاً باثنتين زوجته الأولى، وأمي، وقد كان أخي الأكبر مسيطراً سيطرة كاملة على المنزل، وكان جبَّاراً لا أحد يستطيع الكلام في وجوده أو حتى الهمس، ولا أعلم ما هو السر حتى الآن، أما أبي فقد ترك كل شيء له، حتى أمي وزوجة أبي لا يقدرون عليه ولا يستطيعون مناقشته، وعندما أصبحت في الصف الرابع أو الخامس طُلقت والدتي وعشتُ أصنافاً من العذاب والويل - والله -، قمع على أتفه الأسباب، واستعباد، وقلوب قاسية من هذا الأخ ومن زوجة أبي، وضرب حتى يخرج الدم، وأبي لا حياة لمن تنادي، ثم كبرت وتوظفت وكبر إخواني الآخرون، وما زال حتى الآن يراهم ملائكة ويراني لا شيء - تافه وحقير - وهم بدورهم متكبرون وقاطعوني، وقد واصلتهم، ولكني رأيت تعاملهم معي فقاطعتهم، حاولت التقرب منه ولكنه مصمم على عدم العدل في كل تصرفاته، والآن أعاني من هذا الظلم، وأعاني من الاكتئاب ومن ثقتي بنفسي، فما هو الحل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما تعاني منه هو مؤلم، والظلم إذا حصل من القريب كان أشدَّ على النفس من ظلم البعيد، لكنَّ المسلم الذي يحمل اعتقاد أهل السنَّة والجماعة يعلم أن " ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه "، وهو يأخذ بأسباب السعادة، ويفعل ما أمره الله تعالى به دون تقصير، وإذا لم يقدِّر الله تعالى له الخير فيكون ما أصابه ابتلاء ليكفِّر الله تعالى به السيئات ويرفع الدرجات.
ثانياً:
والظلم الذي وقع عليك من والدك، وزوجته، وأخيك، هو مما يحز في النفس وجوده، وهو أمرٌ يدل على استيلاء الشيطان على عقول وقلوب أتباعه الذين يستجيبون لأمر الشر والسوء، ويصدون أنفسهم عن مواطن الخير والفضل.
وما كنتَ تفعله من مواصلتهم مع قطعهم لك هو الذي ينبغي لك المداومة عليه، وقد أخطأتَ في ترك مواصلتهم، والمسلم يحتسب ما يقع عليه من ظلم، ويرجو ثواب صبره عند ربه تبارك وتعالى، وإذا كان هذا الظلم من والدَين أو رحم فإنه لا يقطعهم إلا أن يؤثر قربه منهم على دينه، ولتعلم أن الله تعالى ينصرك ويؤيدك إن كنتَ واصلاً لهم وهم يقطعونك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ.
رواه مسلم (2558) .
وقد جعل الله تعالى ذلك أدبا عاما للمسلم مع الناس: أن يحلم على الجاهل، ويحسن إلى المسيء؛ قال الله تعالى:
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) سورة فصلت
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره (558) :
" أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات، لأجل رضا الله تعالى، وفعل السيئات والمعاصي، التي تسخطه ولا ترضيه. ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم، لا في ذاتها، ولا في وصفها، ولا في جزائها: " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان "؟!!
ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو: الإحسان إلى من أساء إليك فقال: " ادفع بالتي هي أحسن ": أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه؛ فإن قطعك فصله، وإن ظلمك فاعف عنه، وإن تكلم فيك، غائبا أو حاضرا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين. وإن هجرك، وترك خطابك، فطيب له الكلام، وابذل له السلام. فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة: " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " أي: كأنه قريب شفيق!!
" وما يلقاها " أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة " إلا الذين صبروا " نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله. فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟ فإذا صبر الإنسان نفسه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله، لا تفيده شيئا، ولا تزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه ليس بواضع قدره، بل مَنْ تواضع لله رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك متلذذا مستحليا له.
" وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد، الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق." انتهى.
قال ابن حبان البستي – رحمه الله -:
الواجب على العاقل توطين النفس على لزوم العفو عن الناس كافة، وترك الخروج لجازاة الإساءة؛ إذ لا سبب لتسكين الإساءة أحسنُ من الإحسان، ولا سبب لنماء الإساءة وتهييجها أشدُّ من الاستعمال بمثلها.
ولقد أنشدني منصور بن محمد الكريزي:
سألزمُ نفسي الصفح عن كل مذنب وإن كثرت منه إليَّ الجرائم
فما الناس إلا واحد من ثلاثةٍ شريف ومشروف ومثلٌ مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف فضله وأتبع فيه الحقَّ، والحقُّ لازم
وأما الذي دوني فإن قال صنْتُ عن إجابته عِرضي وإن لام لائم
وأما الذي مثلي فإن زلَّ أو هفا تفضَّلتُ إن الحلم للفضل حاكم
" روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " (ص 166) .
ولا يعني أنك إذا واصلتَهم أنك لا تُنكر عليهم أفعالهم ولا تبيِّن لهم أخطاءهم، بل يجب عليك أن تفعل ذلك، وهذا من النصيحة التي أوجبها الله تعالى عليك، حتى يقفوا على أخطائهم، ويصلحوا ما أفسدوه، فإن رأيت تغيرهم للأفضل فهو خير عظيم قدَّمتَه لهم، وإن لم يستجيبوا لنصحك فعليك بتكرار المحاولة مع الاستعانة بالدعاء أن يصلح الله تعالى بالهم وشأنهم، ولا تقطع الصلة بهم بالكلية؛ بل أبق عليها ولو على أدنى مراتبها.
ثالثاً:
وأما ما أصابك من اكتئاب وفقدان ثقة بنفسك فمردُّه إلى ما عانيته من هموم وغموم، لكن لا ينبغي لك الاستسلام لهذا، ويجب أن تعلم أن اكتئابك هذا سيسبب لك أمراضا نفسية وعضوية إن استمررت مستسلماً له، وعليك أن تبدأ بعلاج نفسك لتواجه الحقيقة وهي أن الناس تختلف طبائعها، وأنك تجد الخير والشر عندهم، وأن غيرك يعاني أضعاف ما تعاني منه، فليس أمامك إلا أن تسلك الطرق الشرعية في انشراح الصدر لتنعم بحياة آمنة مطمئنة لا كدر فيها ولا هم ولا غم.
ويمكن أن نلخص لك ما نريد منك أن تفعله في أمور:
1. الرضا بقدر الله تعالى، والسعي في إصلاح والدك وزوجته وأخيك بالتي هي أحسن.
2. المحافظة على ذِكر الله تعالى، ومنها الأدعية الواردة في علاج مثل هذه الأمور.
أ. قال الله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28.
ب. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ " اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي ": إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) .
رواه أحمد (3704) وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (199) .
قال ابن القيم – رحمه الله -:
ومن أسباب شرح الصدر: دوام ذِكْره على كل حال، وفي كل موطن؛ فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر، ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه، وحبسه، وعذابه.
" زاد المعاد " (2 / 22)
3. إشغال الوقت بطلب العلم والدعوة إلى الله تعالى وقراءة سير الصالحين.
4. ترك النظر المحرَّم وفضول المخالطة والأكل والنوم.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
ومنها – أي: أسباب انشراح الصدر -: ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم؛ فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وغموماً وهموماً في القلب، تحصره، وتحبسه، وتضيِّقه، ويتعذب بها، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها.
" زاد المعاد " (2 / 22)
وستجد – إن شاء الله - أن ما بك من هموم وغموم وتكدر معيشة سيزول، وسيكون مكانه انشراح صدر وراحة بال.
ونسأل الله تعالى أن يرفع عنك الهموم والغموم، وأن يصلح أهلك ويهديهم لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق، ونسأله تعالى أن يُعظم لك الأجر، وأن يعينك على ذِكره وشكره وحُسن عبادته.
وللمزيد: انظر أجوبة الأسئلة (21677) و (45847) و (4631) .
وانظر أيضا: في قسم الكتب في موقعنا: علاج الهموم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1411)
والدتها تسيئ معاملتها
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد تفرقة في المعاملة بين الأخوات من قبل الأهل، التحكم والسيطرة من قبل الوالدين في التصرفات والملبس والمأكل، ولا تقل لي إنهم ينصحونني بالزى الإسلامي، بل على العكس (وضع ماكياج لإعجاب العرسان) هم يريدونني أن لا أصرف من مرتبي، أو عدم الذهاب كثيرا للملاجئ والمسنين، وأمي تريدنا أن نذهب لأهلها فقط، وأبي لا يبالي، فَهَمُّه جمع المال والأكل؛ فهو شخصية ضعيفة مع أمي المتسلطة، وأختي الوحيدة تابعة لأمي في كل شيء، وفي المقابل أمي تعاملها أحسن وباهتمام وتكبرها علي، لقد احتسبت الله بيني وبينهم،
أريد فقط أن أعرف ما معنى المعاملة بالإحسان، وكيف أضبط انفعالي معها وهى تكذب؟ وهل قولي لها أنت كاذبة حرام؟ وماذا أفعل عندما يضيق صدري وتبتل وسادتي مما تفعله وتقوله عني أمام الناس؟ والله المستعان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كثيرة هي المشاكل التي تعرض في حياة الأسرة المسلمة، كما أنها متنوعة بتنوع نواحي الحياة المختلفة إلى اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية، ولكن من أخطر أنواع المشاكل تلك التي يعاني فيها الأبناء من تصرفات آبائهم، ذلك أن الواجب أن يقوم الوالدان باحتواء أبنائهم وشملهم بعطفهم ورعايتهم، وتفهم حاجاتهم، ومراعاة نفسياتهم، في حين أن الحال ينعكس في هذا النوع من المشاكل، حيث تتغير وجهة الخطاب لتصبح موجهة إلى الأبناء، كي تتسع صدورهم ونفوسهم لما يعانونه من والديهم.
وفي ذلك دعوة للجيل القادم كي يستفيد من التجربة، فيقوم بدور الأبوة الذي سيسخره الله له، ولن يعذره أحد بالجهل أو قلة المعرفة، كما يمكن أن يعذر به الجيل السابق، فإن تعلم وسائل التربية الإسلامية الصحيحة أمر ميسور اليوم، ولا يعجز عنه إلا عاجز.
وسوف نعترف لك ـ مقدما ـ بأن حديثنا هنا ربما يبدو وكأنه يهون من مشكلة، هي كبيرة في حقيقة الأمر، ونقول لك أختنا الكريمة: لا عيب في ذلك، فإذا قدر أن ذلك التهوين يخفف عنا بعضا من أعباء تلك المشاكل، وإحساسنا بوطأتها، فأهلا به، وهو جزء من العلاج:
فَقُلتُ لَها يا عَزَّ كُلُّ مُصيبَةٍ إِذا وُطِّنَت يَومًا لَها النَفسُ ذلَّتِ
وإذا كان لهذه المشكلة طرفان: أحدهما أنت، والآخر: أسرتك؛ أمك، وأبوك ـ أيضا ـ، ثم أختك؛ فإن حديثنا سوف ينصب في معظمه ـ أيضا ـ عليك، وأنت الشاكية، وأنت المظلومة، كما يبدو لنا من رسالتك؟!!
وإذا بدا ذلك نوعا من الاستسهال في التعامل مع المشكلة، فليكن ـ أختنا الكريمة ـ؛ فلا أنت، ولا نحن نريد تعقيد المشكلة، ولا إلهاب العداوة، إنما نريد الحل، بغض النظر عن طرف الخيط الذي نمسك به؛ فالمهم أن نحل المشكلة، إن استطعنا، أو ـ على أقل تقدير ـ ألا نزيدها تعقيدا!!
لو كان أبوك يسمع لنا لقلنا له: الواجب الأول عليك، والدور الكبير لك، فأنت القيم، وأنت الراعي ومسئول عن رعيتك؛ لكنه لم يسألنا، ولا نظنه يسمع لنا صوتا!!
لو كانت أمك تسمع نداءنا لقلنا لها: اللهَ الله في أبنائكِ، فحقهم واحد، والعدل بينهم واجب:
( ... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) متفق عليه، واللفظ للبخاري
لو كانت أمك تسمع لنا لقلنا لها: (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا) رواه مسلم (1837) .
لقد كان من الممكن أن نقول الكثير، لو كان طرف المشكلة الآخر يسمع لنا!!
لكننا الآن مضطرون إلى أن نوجه حديثنا إلى طرف واحد، هو أنت، وأن نحمل عبء الحل على جانب واحد، هو أنت، فأنت الخيط الذي نملك أن نجذبه، إذا كنا نريد أن نحل العقدة التي تؤرقك!!
وإذا كان واضحا أنك أمام أزمة في التفاهم مع والدتك، وهذه حقيقة يجب أن تبدئي العلاج منها، فلا تحاولي الفرار ورفض الاعتراف وتقبل هذه المشكلة، ويتمثل ذلك بالانفعالات الغضبية التي تصيبك أثناء تعاطيك مع الوالدة، ونحن لا نظن أنها تصدر إلا ممن يحاول الهروب من واقعه، ولم يتفهم ما يواجهه.
والبداية الصحيحة في العلاج تبدأ من الحقيقة التي يقررها القرآن الكريم في قوله تعالى:
(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) الشورى/30، فتغيير كل واقع إنما ينطلق من أصحاب الشأن، وليس من غيرهم، وينطلق فقط حين يتفهمون أن التغيير يبدأ من أنفسهم، وليس من غيرهم.
فلا بد – أختي الفاضلة – أن تتلمسي مواضع الخلل ومكامن النقص في تعاملك مع أسرتك، وتعملي على علاجها أو لنقل – تغييرها -، ولا نقول هذا تجاوزا، إذ ليس بالضرورة أن يكون هذا الخلل سوء خلق منك – لا قدر الله -، لكنه قد يكون خطأ في طريقة التعاطي مع المشكلة والتعامل مع الواقع، وأستطيع مما ذكرت في السؤال التنبيه على شيء من ذلك:
- دائرة المندوبات والمستحبات لا ينبغي أن تجعل مثار شقاق ونزاع، فإن أمر إصلاح ذات البين وتأليف القلوب أعظم من مصلحة فعل تلك المستحبات، فإن كنت تسببت في بعض النزاع لإصارك على القيام بأمور غاية أمرها الندب، فأرجو أن تراجعي مواقفك تلك.
- متابعة الوالدة مصروفات ابنتها ومحاولة ضبطها أمر محمود، والجانب السلبي فيه فقط هو المبالغة في ذلك، وأظن أن هذا الفهم لسياق المشكلة أكثر موضوعية من وضعها في سياق التجبر والتسلط!
- الانفعال السريع والغضب أساس كل مشكلة، ولن يقود إلى علاج أبدا، من أراد تحصيل ما يتمنى فلا بد أن يكتم في قلبه بعض سهام الظلم أو الأذى.
عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ جُرعَةٍ أَعظَمُ أَجرًا عِندَ اللَّهِ مِن جُرعَةِ غَيظٍ كَظَمَهَا عَبدٌ ابتِغَاءَ وَجهِ اللَّهِ) رواه ابن ماجه (4189) وحسنه العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 163) .
ويمكنك الاستفادة من الأجوبة التالية في علاج سرعة الغضب (658) و (45647) .
وأظنك تملكين – والحمد لله – بعض المفاتيح التي يمكن أن تخفف عنك ما أهمك، فقد أنعم الله عليك بالوظيفة، والمال يأسر القلوب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَهَادُوا تَحَابُّوا) .
رواه البخاري في " الأدب المفرد " (208) وحسَّنه العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 53) وابن حجر في " بلوغ المرام " (277) والألباني في " صحيح الأدب المفرد ".
وبالهدية يمكن أن تتملكي قلب والدك ووالدتك وأختك، وراوحي بين أنواع الهدايا: عينية أو نقدية أو بعض أثاث المنزل أو رحلة سياحية إلى مكان جميل، وسيكون لذلك أثر عظيم في نفوسهم إن شاء الله.
وأختك مفتاح حل آخر، إذ يمكنك التفاهم معها والتقرب والتحبب إليها، لتكون عونا لك على ما تواجهين، وخسارتك لها يعني فشلك أنت في ذلك، فلا تحاولي أن تضعي اللوم عليها هي أيضا – وإن كان ذلك هو الواقع – ولكن حين يتهم المرء طريقته فإنه سيسعى حتما لتغييرها إلى الملائم والمناسب، وهنا يكون العلاج.
واعلمي – أختي الفاضلة – أن قلب الوالدة يظل ينبض بالشفقة والرأفة على ولده، مهما أظهر من قسوة وشدة، فحاولي أن تستخرجي كل رحمة في قلب والدتك، بالتحبب والتذلل والمسامحة والمصابرة، ولا أظنك إذا ارتميت في حجر والدتك وقبلت يدها واختلطت دموعك بكلماتك في حبها وشكوى تعب الحياة وألمها إليها: فلا أظنك ترجعين خائبة، بل أرجو أن تعود والدتك خيراً مما كنت تظنين.
يقول الله عز وجل: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/34.
وقد جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِن يَعفُو وَيَغفِر) رواه البخاري (2125) .
وأولى من يعامل بالحسنى ويقابل بالمسامحة هما الوالدان، لما فرض الله لهما من حق عظيم، حتى قال سبحانه وتعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) الإسراء/24.
والخُلُق الحسن يقتضي تحمل الظلم والأذى من الأحبة، فكيف بالوالدين؟!!
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " المؤمن ملجم بلجام، فلا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يجد طعم الذل ".
وخطب علي بن أبي طالب في أصحابه فقال: (كونوا في الناس كالنحلة في الطير، فإنه ليس شيء من الطير إلا يستضعفها، ولو يعلم ما في أجوافها لم يفعل، خالقوا الناس بأخلاقكم وألسنتكم، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم، فإن لامرئ ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب) .
وعن محمد بن الحنفية قال: (ليس بحليم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بُدّاً حتى يجعل الله له فرجا - أو قال: مخرجاً -)
روى هذه الآثار ابن أبي الدنيا في كتابه " مداراة الناس " (37، 27، 41) .
كن كالنخيل عن الأضغان مرتفعا يرمى بطوب، فيلقي أطيب الثمرِ
والمهم – أختي الفاضلة – أن تسعي في تغيير الأساليب التي اعتدت عليها في مخاطبة ومحاورة والدتك، وأن تتفكري في كل فكرة ممكنة تكون منفذا لقلبها، ولا تعجزي أبداً، ولا تقولي حاولت وأسقط في يدي، واستعيني بالله سبحانه وتعالى أولاً وآخراً.
وأخيراً:
لن يكون سوء معاملة والدتك لك نهاية المطاف أبدا، فالدنيا مليئة بالفرص الطيبة، ومليئة بالخيِّرين من أقارب وجيران وأصحاب، يعيش المرء معهم أيامه، ويطوي بقربهم عمره، يحسن إلى الناس كافة، ويخالقهم بخلق حسن، وهذه أعظم رسالة يحملها المسلم في حياته.
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ مِن أَحَبِّكُم إِلَيَّ وَأَقرَبِكُم مِنِّي مَجلِسًا يَومَ القِيَامَةِ أَحَاسِنُكُم أَخلَاقًا) رواه الترمذي (2018) وقال: حسن غريب، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
سئلت اللجنة الدائمة:
السائل يعيش مع والديه في منزل واحد، لكنه دائم الخصومة مع أمه والقطيعة لوالده، وسبب ذلك أن أمه تفضل أخاه الصغير، فتصفه بأقبح الأوصاف، وتشتمه بأقذع الشتائم ولأتفه الأسباب، فصارت عنده عقد نفسية، وتتسامح مع أخيه، ولو أساء أشد إساءة، فصار مدللا خاليا من العقد النفسية، وكذلك والده يسيء إليه كثيرا، لا يرد عليه السلام إلا نادرا، ويضربه أحيانا أمام الناس لأدنى سبب، ولا يضرب أخاه الصغير ولو اشتدت إساءته، فهل يطالب من أساء إليه والداه بما يطالب به سائر الأبناء من البر والصلة، وهل يأثم بإثارة الخصومات مع أنه يجتهد في إبعاد الخصومات، وكثيرا ما يندم بعد وقوعها ويتصدق عنهما دون شعور منهما، فهل يثابان بذلك ويثاب هو أيضا، وهل يخفف ذلك من ذنوبه، مع أن هذه الصدقة قليلة جدّاً؟ .
فأجابت:
قد يكون الوالدان معذوريْن فيما حصل منهما، وقد يكون لديهما اعتبارات في التشديد على واحد من أولادهما دون آخر، ككونه أكبر سنّاً، وأرشد من غيره، فالغلط منه أشد، وكتأديبه ليستقيم فيكون قدوة لإخوانه الصغار، وعلى تقدير إساءتهما لا يجوز للولد أن يقابل سيئتهما بالسيئة، بل يقابلها بالحسنة، عملا بقوله تعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/34، وقوله (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15.
فأمر الولد أن يصاحب والديه بالمعروف ولو جاهداه على أن يشرك بالله غيره، والشرك أكبر الكبائر، وأمره أن يلزم سبيل الله المستقيم، وأخبر بأن جزاء الجميع عنده تعالى يوم القيامة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببر الوالدين، وحذر من عقوقهما وبين أن العقوق من أكبر الكبائر، هذا وتُشكَر على الندم على ما فعلت من إثارة الخصومات والقطيعة، وعلى الصدقة عنهما، ولو أعلنت ذلك لهما كان أرجى إلى الوئام وحنانهما عليك، ويرجى لك ولهما الأجر ومغفرة الذنوب بما قربت من الصدقة عنهما، وإن قَلَّت، فإن الله يضاعف الحسنات، وأما الوالدان فالواجب عليهما تحري العدل بين أولادهما، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) .
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 123 – 125) .
ونسأل الله أن يوفقكِ ويفتح عليك أبواب رحمته وفضله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1412)
حكم العتاقة أو قراءة القرآن للأموات
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي توفي وكان مريضا في الأربع سنين الأخيرة من عمره، توفي من شهر من الآن وعمره 52 سنة وكان مريضا بجلطة لا يستطيع التحرك أو المشي ومرض السكر والضغط أريد أن أعرف هل يوجد له عتاقة صلاة؟ بعض المشايخ يقولون هذا، بمعنى قراءة القرءان عليه عن طريق المشايخ، هم الذين يفعلون ذلك. وبعض الآراء تخالف. أنا أريد الجواب عن هذا السؤال. وهل عليه كفارة عن أيامه الأخيرة أم لا بسبب مرضه الخطير أم له عتاقة صلاة كما يقال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
" قراءة القرآن عبادة من العبادات البدنية المحضة، لا يجوز أخذ الأجرة على قراءته للميت، ولا يجوز دفعها لمن يقرأ، وليس فيها ثواب، والحالة هذه، ويأثم آخذ الأجرة ودافعها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " لا يصح الاستئجار على القراءة وإهدائها إلى الميت، لأنه لم ينقل عن أحد من الأئمة، وقد قال العلماء: إن القارئ لأجل المال لا ثواب له، فأي شيء يهدى إلى الميت؟ " انتهى.
والأصل في ذلك: أن العبادات مبنية على الحظر، فلا تفعل عبادة إلا إذا دل الدليل الشرعي على مشروعيتها، قال تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، وفي رواية: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، أي: مردود على صاحبه، وهذا العمل – وهو استئجار من يقرأ القرآن للميت - لا نعلم أنه فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، والخير كله في اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، مع حسن القصد، قال تعالى: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) ، وقال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، والشر كله بمخالفة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرف القصد بالعمل لغير وجه الله "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة".
فهذه العتاقة لا أصل لها في الشرع، وهي بدعة مذمومة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أرشدنا إليها، ولم يفعلها أحد من أصحابه رضي الله عنهم، وما كان كذلك فلا ينبغي لمؤمن أن يفعله.
ثانيا:
المشروع هو الدعاء للميت، والصدقة عنه، كما روى مسلم (1631) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وَفِيهِ أَنَّ الدُّعَاء يَصِل ثَوَابه إِلَى الْمَيِّت , وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة....وَأَمَّا قِرَاءَة الْقُرْآن وَجَعْل ثَوَابهَا لِلْمَيِّتِ وَالصَّلاة عَنْهُ وَنَحْوهمَا فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور أَنَّهَا لا تَلْحَق الْمَيِّت " انتهى باختصار.
وانظر السؤال رقم (12652)
فأكثر من الدعاء لوالدك، وتصدق عنه بما تستطيع، وإن كان لم يحج أو لم يعتمر، وأمكن أن تحج وتعتمر عنه فافعل، فهذا مما ينفعه بإذن الله.
ومن البر بالأب الميت: إكرام صديقه، وصلة الرحم المتصلة به.
والمرض يجعله الله كفارة لعبده المؤمن، كما يكون سببا لرفع درجته وعلو منزلته إن هو صبر واحتسب، قال صلى الله عليه وسلم: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رواه البخاري (5642) ومسلم (2573) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
نسأل الله أن يرحم أموات المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1413)
أمه لا تحب زوجته فأدى ذلك إلى سكنه عند أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي لا تحب زوجتي، مما أدَّى إلى خروجي من المنزل والعيش مع زوجتي في منزل والديها؛ فما العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس من الضروري أن تعيش مع أهلك، بل قد يكون من الخير لك ولزوجتك ولأمك أن تعيش مع زوجتك خارج بيت والديك، وفي الغالب فإن من يسكن مع أهله – أو حتى قريبا منهم – لا تخلو حياته من منغصات ومشكلات، والعقلاء الذين يزِنون الأمور بميزان الشرع والحكمة قليل، وخاصة من النساء بسبب ما يحصل بينهن من غيرة وتنافس.
وقد يكون في سكنك خارجاً عن أهلك ما يُصلح العلاقة بين أمك وزوجتك، فالبُعد غنيمة في كثيرٍ من الأحيان، فلا داعي للقلق، وربَّ شيء تراه ضارّاً وتغتم له ثم يكون فيه الخير، وقد يتولد الشوق من أمك لك ولأحفادها ببُعدك عنها، وقد يختلف شعورها تجاه زوجتك إذا كانت بعيدة عن ناظريها، ولا تراها إلا قليلاً، وهذا مشاهد ومجرَّب.
وأما إذا أردت الحل لأصل المشكلة، وهي عدم محبة أمك لزوجتك: فلا بدَّ لك من البحث عن أسباب عدم المحبة، ومعرفة موانع وجود المحبة، وهذه بعض الأسباب التي يمكن أن تكون أدَّت لعدم محبة أمك لزوجتك:
1. كثرة الخلطة، وهو ما يولِّد كثرة الكلام، ومن كثُر كلامه كثر لغطه وخطؤه.
2. الغيرة من تعلق زوجتك بها وحبك لها، وهذا موجود بكثرة، فترى أم الزوج تغار من تعلق ابنها بزوجته، وتلبيته لرغباتها، وترى أن هذه الزوجة قد أخذت ابنها منها.
3. سوء تعامل زوجتك مع أمك، فبعض الزوجات لا تحسن التعامل مع أم زوجها، فلا تلبي لها طلباتها، ولا تظهر لها الاحترام والتقدير، فتقع بينهما من المشاكل الشيء الكثير.
4. تقصيرك في حق أمك، وعدمه في حق زوجتك، فلا تستطيع الأم بغض ولدها، بل تجعل ذلك – فيما بدا لها – في السبب وهو زوجته، فتبغضها.
فهذه بعض الأسباب التي قد تولِّد بغض أمك لزوجتك، وإذا تبين لك أنها موجودة كلها أو بعضها: فلا بدَّ لك من معالجتها بالحكمة والحسنى.
وننصحك أن تقوم بهذه الخطوات لتوجِد المحبة بين أمك وزوجتك:
1. السكن بعيداً عن والدتك، وأن تخبر أمك أنك فعلتَ هذا مع عدم رغبتك به من أجلها، ومن أجل أن لا تضغط أمك على نفسها فيسبب لها آلاماً وأمراضاً.
2. أن توصي زوجتك بالإكثار من بعث الهدايا لأمك، سواء المادية منها كاللباس والطعام وغيرهما، أو المعنوية كبعث السلام والسؤال عن صحتها.
3. توسيط عقلاء ممن تحبهم والدتك لتغيير نظرتها تجاه زوجتك، وهنا قد يكون لطرف خارجي من التأثير ما يفوق تأثير ولدها وزوجها عليها.
على أننا نشير هنا إلى أنه ينبغي عليك، ما دمت تركت السكن مع أمك، أن تجتهد في الاستقلال بمسكن خاص بك، بعيد عن أهل زوجتك أيضا، فإن انتقالك إليهم ربما يعمق هوة الخلاف بين الطرفين، ثم إنه لا يكون ـ في العادة ـ مستحبا في استقامة الحياة الزوجية، وربما تولدت عنه آثار سلبية في العشرة بين الزوجين.
ولا تنس دعاء الله تعالى أن يهدي الجميع لما يحب ويرضى، والدعاء بأن يؤلِّف الله تعالى بين القلوب، وأن يصلح بالهم، ويهديهم لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1414)
ترغب بالزواج من شخص ووالدها غير موافق فهل تخالفه وتتزوج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عربية مسلمة أبلغ من العمر 28 سنة، بدأت العمل في إحدى الإدارات الحكومية منذ 6 أشهر، تعرفت على شاب في أوروبا وهو على خلق كبير ويريد الزواج مني بشرط أن أذهب معه إلى مكان إقامته، لكن أبي يقول بأن لدي مستقبلا كبيراً في عملي، وأنا أرى أن المرأة عملها في البيت أن تهتم بأطفالها، ما حكم الشرع إذا خالفتُ رأي أبي، وأنا متأكدة أن الشاب مسلم وعلى خلق، وهو أيضا من نفس البلد الذي أعيش فيه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن من أعظم نعَم الله على الفتاة في هذا الزمان المليء بالفتن أن تُرزق بزوج صالح مستقيم في دينه، يرعى حقوق ربه وحقوق زوجته، والمرأة العاقلة المستقيمة إن تقدَّم لها من يرتضى دينه وخلقه لا ترفضه بحجة دراستها أو وظيفتها؛ لأنها إن رفضت الزواج في هذا السن وتقدم بها العمر، فسوف تتنازل عند الزواج عن كثير مما كانت تحرص عليه، حينما كانت صغيرة مرغوبة لكل خاطب.
ثانياً:
أما عن مخالفة الوالد في شأن الزواج أو عدمه أو في اختيار الزوج: ففيه تفصيل:
فإن كان للأب في معارضته سبب شرعي: فإنه يجب أن يطاع ولا يعصى وتكون معصيته ومخالفة أمره من العقوق الذي هو من كبائر الذنوب.
وإن كان السبب في المعارضة دنيويّاً أو اجتماعيّاً مخالفاً للدين ولمقاصد الشرع: فإنه لا إثم في مخالفته مع الحرص الشديد على رضاه وإقناعه.
مع التنبيه الشديد على ضرورة الاستجابة لرغبة الأب العاقل؛ لأنه أدرى بمصلحة ابنته منها، وأنت إن يسَّر الله لك الزواج ستكونين أمّاً، فكيف سيكون شعورك لو أن رجلاً تقدَّم لابنتك راغبا الزواج بها ورأيتِ أنت وزوجك عدم صلاحيته للزواج من ابنتك؟ وهل سترضين بمخالفة ابنتكِ لكِ ولأبيها؟!
وقد يرى الأب لابنته أحياناً ألاّ تتغرب بعد زواجها وأن تبقى قريبة منه، وذلك لمظنة أن تظلم أو يهضم حقها في حال بعدها عن أهلها وعيشها مع الزوج في الغربة، وهذا الحكم مبني على واقع وخبرة في الحياة ولا شك.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
فقد يخيل إليها أن هذا الشخص يصلح لها في حين أنه لا يصلح، فليس لها أن تخالف أباها ما دام أنه ينظر في مصلحتها.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 242) .
وقلنا في جواب السؤال (6398) :
الأهل هم الأقدر – عادة وغالباً – على تحديد الأفضل لابنتهم ومن يصلح للزواج منها؛ لأن الغالب على البنت هو قلة العلم وقلة الخبرة بالحياة وما يصلح فيها وقد تخدع ببعض الكلمات فتحكم عاطفتها دون عقلها.
لذلك فإن على البنت أن لا تخرج عن رأي أهلها إن عُرف عنهم الدين والعقل.
انتهى
وانظري جواب السؤال رقم (20162) لتقفي على قصة بعض النساء اللاتي خالفن رأي أهلهن وتزوجن بمن يرغبن.
ثالثاً:
: لا بد للمرأة من ولي يزوجها ويباشر عقد النكاح، وهو من أركان العقد الشرعي، ولا يحل للمرأة أن تزوِّج نفسها بغير ولي شرعي، فإن خالفت فالعقد باطل ولا يأخذ صفة عقد النكاح الشرعي الحلال؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (أًيُّمَا امْرَأةٍ نَكَحَت بِغَيْرِ إِذْنِ وَليِّهَا فَنِكاحُها بَاطِلٌ فَنكاحُها بَاطِل فنكاحها باطل ... " الحديث، رواه الترمذي (1102) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وانظري جواب الأسئلة: و (7989) .
رابعاً:
لا يجوز العيش والسكنى في بلاد الشرك والكفر إلا لعذر شرعي ليس فيه إقامة، كعلاج، وتجارة، ودعوة، وما شابه ذلك من الأمور التي لا بد منها، أما أن يعيش في بلادهم ويستقر بينهم فذلك لا يحل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُر المُشْرِكِينَ " رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
خامساً:
وننبه على شيئين وردا في سؤالك، وهما: عملكِ، وتعرفكِ على الشاب الذي يرغب بالزواج منكِ:
أما عمل المرأة فلا شك أن ما ذكرتيه من كون الأصل في عمل المرأة هو أن يكون في بيتها لرعاية حق زوجها وأبنائها، ولكن إن كانت المرأة تعمل خارج بيتها: فلا بدَّ أن يخلو عملها من طبيعة محرَّمة ومن بيئة غير شرعية، فإن كان عملها في بنك ربوي أو مؤسسة تأمين أو محل يقدم المنكرات أو يبيعها: فلا يحل لها العمل فيه.
وإن كانت طبيعة العمل مباحة لكن بيئته ليست كذلك كأن يكون فيه اختلاط غير منضبط مع الرجال، ويفتح باب التعامل معهم، والتعارف عليهم: فلا يجوز لها العمل فيه.
وأما تعرفكِ على الشاب: فإن كان عن طريق محرَّم كالمراسلة أو المحادثة أو ما يسمى برامج التعارف بين الجنسين: فإن هذا يستوجب عليك التوبة والاستغفار؛ لأن محادثة الأجنبي ومراسلته لا تحل لامرأة أجنبية عنه، وهذا سبب موجب لمنعه من التزوج بك.
وقد بيَّنا حكم هذا الفعل في فتاوى متعددة، فانظري أجوبة الأسئلة: (78375)
والخلاصة فيما يتعلق بمشكلتك هذه أنه لا ينبغي لك التعجل في أمر هذا الزواج الذي لا يريده وليك، فإن رأيت أنه ليس لرفض والدك سبب شرعي مقبول، فاجتهدي في إقناعه بالقبول، عن طريق والدتك أو من له رأي عند أبيك من أهلك وأقاربك، لا سيما وأن سنك قد بدأت في الزحف نحو الثلاثين، وهو أمر يوجب على وليك أن يكون همه الأول اختيار الزوج المناسب لك، وليس الوظيفة المناسبة.
وأسأل الله العلي القدير أن يختار لك الخير في أمر دينك ودنياك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1415)
هل يلزمه استئذان والديه للسفر القريب لمدة يومين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي وأمي يعيشون في مدينة وأنا أعيش في مدينة أخرى لظروف العمل، في يوم من الأيام سافرت أنا وزوجتي إلى دولة مجاورة لمدة يومين ورجعنا. ذكر لي أحد أصدقائي بأني بفعلي هذا قد عققت والداي لأني لم أخبرهما قبل أن أذهب، مع العلم أني قد أخبرتهما بذلك وأنا في تلك الدولة. فهل فعلاً أكون قد عققتهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الوالدان أو أحدهما غير محتاج إلى الولد في الخدمة أو التمريض ونحو ذلك، فلا حرج عليه أن يسافر السفر المأمون الذي لا خطر فيه بدون إذنهما، ولا يعد ذلك عقوقا. وإن أخبرهما بسفره، بِرّاً بهما وتطييبا لخاطرهما فهو أولى وأفضل.
وأما السفر الذي لا يؤمن فيه الهلاك، كالسفر للجهاد فإنه لا بد فيه من إذنهما ما لم يكن الجهاد فرض عين.
قال الكاساني رحمه الله في "بدائع الصنائع" (7/98) : " لا يخرج الولد إلى الجهاد إلا بإذن والديه أو أحدهما إذا كان الآخر ميتا ; لأن بر الوالدين فرض عين فكان مقدما على فرض الكفاية.
والأصل أن كل سفر لا يؤمن فيه الهلاك، ويشتد فيه الخطر لا يحل للولد أن يخرج إليه بغير إذن والديه، لأنهما يشفقان على ولدهما فيتضرران بذلك، وكل سفر لا يشتد فيه الخطر يحل له أن يخرج إليه بغير إذنهما إذا لم يضيعهما، لانعدام الضرر. ومن مشايخنا من رخص في سفر التعلم بغير إذنهما، لأنهما لا يتضرران بذلك بل ينتفعان به، فلا يلحقه سمة العقوق " انتهى.
وقال السرخسي رحمه الله في "شرح السير الكبير" (1/197) :
" وكل سفر أراد الرجل أن يسافر غير الجهاد لتجارة أو حج أو عمرة فكره ذلك أبواه، وهو لا يخاف عليهما الضيعة فلا بأس بأن يخرج، لأن الغالب في هذه الأسفار السلامة، ولا يلحقهما في خروجه مشقة شديدة، فإن الحزن بحكم الغيبة يندفع بالطمع في الرجوع ظاهرا، إلا أن يكون سفرا مخوفا عليه منه، فحينئذ حكم هذا وحكم الخروج إلى الجهاد سواء، لأن خطر الهلاك فيه أظهر. والسفر على قصد التعلم إذا كان الطريق آمنا والأمن في الموضع الذي قصده ظاهرا لا يكون دون السفر للتجارة، بل هذا فوقه لقوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) . فلا بأس بأن يخرج إليه وإن كره الوالدان، إذا كان لا يخاف الضيعة عليهما " انتهى.
ونحوه قاله النووي رحمه الله في "المجموع" (8/314) .
والحاصل أنه لا شيء عليك في عدم استئذان والديك في هذا السفر، لأن الغالب فيه السلامة، والظاهر أنهما لا يحتاجان إليك في الخدمة أو غيرها لأنك تعيش في مدينة غير مدينتهما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1416)
سمعة أهلها سيئة وتريد السفر بعيداً عنهم!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حياتي في البيت لا تطاق، ومن كثرة ما حصل من أهلي - أمي، وأبي - كرهت نفسي وكرهتهم، وأدى بي ذلك إلى عقوقهم، ولا أقدر أن أبرَّهم تحت أي ظرف، وأرجو أن الرد يكون غير المحاولة مرة أخرى، سمعتهم سيئة، فيه طلاق لكن بطريقة لا أقدر أن أقولها، أنا قررت أن أبعد عنهم وأسافر مكاناً أعيش فيه وأشتغل بعيداً عن سمعتهم.
أنا منقبة بسبب المشاكل، المكان يشترط عدم وجود النقاب، ولكن فقط محجبة، أنا قررت أسافر وأعيش بعيداً عن كل هذا، أن أكون محجبة أحسن من أن أكون منقبة قد وصلتْ- والعياذ بالله - للكفر!
بالله عليكم أفيدوني، أنا محتاجة أتكلم مع أي أحد، بالله عليكم حلوا مشكلتي، أنا قربت أن أيأس من رحمة ربنا! أنا لو مت والعياذ بالله خايفة أكون كافرة،لأنكم لا تعرفون ما بداخلي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تخلو هذه الدنيا من هموم وغموم، والمسلم يعلم ذلك، بل كل الناس يعلمون ذلك، وكل الناس يعانون من الدنيا نعيمها وبؤسها، رخاءها وشقاءها:
فيومٌ علينا، ويوم لنا ويوما نُساءُ، ويوما نُسرُّ
والفرق بين المؤمن والكافر في ذلك، أن المؤمن يرجو من الله في الشدة والرخاء من الأجر، ما حرم منه الكافر لأجل كفره. قال الله تعالى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء/104
والمؤمن يعلم أن ما يراه في هذه الدنيا من الخير ما هو إلا طرف وبارق منه، وما يراه من الشر في هذه الدار، أيا كان هذا الشر، فهو لفحة من الشر , وطرف منه؛ الخير الحقيقي في الجنة، والشر الحقيقي في النار:
كان شداد بن أوس رضي الله عنه يقول: إنكم لن تروا من الخير إلا أسبابه، ولن تروا من الشر إلا أسبابه؛ الخير كله بحذافيره في الجنة، والشر بحذافيره في النار، وإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، والآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قاهر، ولكل بنون؛ فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا) صفة الصفوة (1/709)
ولأجل هذه الحقيقة، ينسى هذا الخير كله عند أول صبغة لصاحبه في النار، إن كان من أهلها، وينسى هذا الشر كله ـ أيضا ـ عند أول غمسة لصاحبه في الجنة، إن كان من أهلها!!
فتلك حكمة الله تعالى، التي يراها المؤمن فيما يقدره الله تعالى عليه: أن يبتلي عباده بالسراء والضراء: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء/35
إن كلام الإيمان، ودعوى الصدق سهلة على كل أحد؛ لكن بالاختبار، يتبين الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق. قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/2-3.
ولذلك فإن المؤمن يختلف عن غيره من الناس عندما يُبتلى بالسراء والضراء، فهو شاكر في السراء، صابر في الضرَّاء، ولا خير في غير ذلك:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) . رواه مسلم (2999) .
ومن أسمائه تعالى التي سمى بها نفسه: (الحكيم) وفي أفعاله من الحكمة ما يعجز العقل عن الوقوف على أسرارها جميعا، وفيما تبين لنا منها ما يُثَبِّت المؤمن على سبيل التصديق، وباب الصبر والثبات. وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (35914) بعض الحِكَم والمصالح المترتبة على حصول الابتلاء، فلينظر فهو مهم.
وهناك أمور إذا تأملها من أصيب بمصيبة هانت عليه مصيبته وخفت، وقد ذكر ابن القيم في كتابه " زاد المعاد " (4 / 189 – 195) جملة منها، كنا قد ذكرناها في جواب السؤال رقم: (71236) فلينظر؛ فهو مهم.
ثانياً:
برُّك لوالديكِ واجب شرعي، ويحرم عقوقهما حتى ولو كانت أخلاقهما، أو معاملتهما سيئة، وحتى لو كان بينهما ما كان، وقد أمر الله بمصاحبتهما بالمعروف، وإن جاهداكِ على الكفر، كما قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصلتهما والإحسان إليهما حتى ولو كانا كافرين، كما قال لأسماء رضي الله عنها وقد جاءت إليها أمها تزورها وهي كافرة لحاجة فقال لها: " صلي أمَّك " كما رواه البخاري (2477) ومسلم (1003) .
ثالثاً:
ابتعادكِ عن أهلك وسفرك بمفردك، ليس حلا شرعيا للمشكلة، بل هو نوع من لمعالجة الخاطئة، لوضع غير صحيح؛ كالمتسجير من الرمضاء بالنار.
عن ابن عباس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (لاَ يَخْلونَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ إِلاَّ وَمَعَها ذُو مَحْرَم، وَلاَ تُسَافِر المَرْأةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ... )
رواه البخاري (1763) ومسلم (1341) .
فدل هذا الحديث على أن سفر المرأة منفردة، من غير زوج ولا محرم لها، من المحرمات.
ولفظ " السفر " في الحديث عام، وهو شامل للسفر إلى الحج أو العمرة أو طلب العلم، فما تنوين فعله داخل في السفر المنهي عنه في الحديث، فإذا كان السفر إلى بلاد الكفر: فهو أشد حرمة وأعظم خطراً.
رابعاً:
لا يجوز للمرأة أن تتخلى عن حجابها ورمز عفافها وعنوان دينها وحيائها، وطاعة الله تعالى مقدمة على الشهوات والملذات وأمور الدنيا الزائفة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
يجب على المرأة أن تحتجب عن الأجانب في الداخل والخارج، لقوله سبحانه: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) وهذه الآية الكريمة تعم الوجه وغيره، والوجه هو عنوان المرأة وأعظم زينتها، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) وقال سبحانه: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) الآية.
وهذه الآيات تدل على وجوب الحجاب في الداخل والخارج، وعن المسلمين والكفار.
ولا يجوز لأي امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتساهل في هذا الأمر؛ لما في ذلك من المعصية لله ولرسوله؛ ولأن ذلك يفضي إلى الفتنة بها في الداخل والخارج.
" فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 446، 447) .
خامساً:
لا ينبغي لكِ القنوط من رحمة الله تعالى، فما جاء في سؤالك من كلام يدل على أنكِ قد فقدتِ الثقة بنفسك، وقطعتِ الأمل والرجاء بربك تعالى، وودَّ الشيطان لو ظفر منكِ بهذا أن يدوم ويستمر، فإياك أن تنساقي وراء مكائد الشيطان، وإياك أن تقعي في شرَكِه.
نعم، نقرأ في رسالتك الحزن والأسى على الحال الذي وصل إليه أهلك، وما وصلت إليه سمعتهم التي آذتك، والتي سببت لك التفكير في الرحيل عنهم، لكننا نريد التفكير بروية ودون تعجل خشية أن تقعي فريسةً بين أنياب أهل الشر، وبخاصة إذا علموا حال أهلكِ، ووجودك وحيدة بينهم، لذا فيجب عليكِ التخطيط للخلاص من تلك المشكلات دون الوقوع في المحرَّمات.
ونقترح عليكِ عرض مشكلتكِ على أحد أقربائك العقلاء من المحارم عليك مثل العم أو الخال، ليخلصك من مشكلات البقاء بين أهلك، فالانتقال إلى بيت أحد محارمك هو المقدَّم في حل مشكلتك، إذا كانت الحياة معهم على ما وصفت، ولم يكن هناك أمل في صلاحهم، ويمكن بعدها أن ييسر الله لك زوجاً صالحاً، تسعدين بالعيش معه، ويرزقك الله تعالى منه ذرية طيبة.
ولا مانع من أن يسعى أقرباؤك لتتزوجي من رجلٍ صالح، وهم لو فعلوا ذلك لاستحقوا المدح والثناء، بل لا مانع من أن تسعي أنت، عن طريق من تثقين في عقله ودينه، ونصحه لك، أن يبحث لك عن زوج مناسب، أو يذكرك عند شخص معين تتوسمين فيه الصلاح، وتأملين أن يكون مأمونا عليك.
لكننا على أية حال، لا ننصحك بالسفر وحدك، ولا الانتقال لبيت وحدك، بل ننصحك بالسكن مع أحد أقربائك من المحارم، إن أمكن ذلك، على أن تختاري بيتاً صالحاً يصلح أن تعيشي فيه، فإن لم يتيسر فننصحك بالبحث عن أخوات مستقيمات من الطالبات – مثلاً – وتسكنين معهنَّ، فإن لم يتيسر فابحثي عن أخت صالحة تعيش مع أخواتها أو أمها، يصلح أن تكوني بينهن، والمهم في ذلك كله تجنب العيش وحدك، وتجنب السفر، وخاصة لبلاد الكفر، والحرص على وجود بيئة صالحة ملائمة تصلح أن تحافظي على دينك فيها.
ولا يجوز لك الاستسلام لأوهام الشيطان بأنك من اليائسات أو من القريبات للكفر، فكل ذلك يساهم في كثرة الهموم والغموم.
وتأملي معي ـ أيتها الأخت الصابرة إن شاء الله ـ قول الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) البقرة/214، فستعلمين أن الأزمة متى اشتدت، ووصلت هزتها أن تكون زلزالا، فإن الفرج بعدها قريب برحمة أرحم الراحمين.
وتأملي قول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) ، وقوله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4، وقوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (يا غلام؛ أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟ فَقُلْتُ: بَلَى!! َقَالَ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) رواه أحمد (2800) ، وصححه الألباني.
وأخيراً: نوصيك بالدعاء، مع تحري الأوقات الفاضلة كالثلث الأخير من الليل، وكثرة الدعاء في السجود، وأخلصي في دعائك، وتذللي لربك عز وجل أن يهدي والديك، وأن يصلح شأنهما، وأن يوفقك لما يحب ويرضى.
وانظري ـ أيضا ـ كتاب " علاج الهموم " في قسم الكتب من موقعنا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1417)
تبرُّ حماتها أكثر من برِّها لأمها!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أؤجر على برِّي بحماتي؟ وهل قد يعفو الله عني عدم برى بأمي كما ينبغي أن يكون البر، إذا كنت بارة بحماتي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شرع الله تعالى أعدلَ الأحكام وأحسنها، وفيها سعادة الفرد والأسرة والمجتمع، وقد شرع لذلك حقوقاً وواجبات على كل فرد في المجتمع لتتم الحياة ويعرف كلٌّ ما له وما عليه.
وحقوق الزوج على زوجته عظيمة في نفسه وماله وبيته وأهله، فاحترام أهل الزوج وخاصة أبويه من احترام الزوج وحسن عشرته، والمرأة عندما تقوم بواجبات زوجها فهي إنما تطيع ربها وترجو ثوابه.
وبرُّكِ بحماتك أمرٌ تُشكرين عليه، ولا يمكن لأحدٍ أن يُنكر عليكِ، بل إن ما تفعلينه موافق للشرع والعقل، وأنتِ بذلك تكسبين رضى زوجكِ، وتساهمين في إنجاح علاقتك الزوجية، وتخلينها مما يمكن أن يسوءها.
ولكن على المرء أن لا يطيع ربه في جانب وينسى الجوانب الأخرى، فلا يجوز أن يكون برُّكِ بحماتك على حساب برِّك بأمك؛ فإن للوالدين - وخاصة الأم - على أولادهم حقوقاً كبيرة، وانظري في ذلك جواب (5053) ففيه تفصيل لحق الأم على أولادها.
فيجب عليكِ برُّ أمَّكِ والإحسان إليها حتى ولو كانت كافرة، على قدر طاقتك وما تسمح به ظروف حياتك؛ بل لو دعتك إلى الكفر وجاهدت نفسها في سبيل ذلك، كما قال ربنا تبارك وتعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) العنكبوت/8، وقال: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان/15، فكيف يكون حقها عليكِ إن كانت مسلمة موحِّدة؟ .
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: " نعم، صِلي أمك ".
رواه البخاري (2477) ومسلم (1003) .
ومعنى راغبة: أي: تطلب بر ابنتها لها.
فاجمعي بين الخيريْن، وبرِّي أمكِ وحماتك، وإذا تعارض الأمران فلا تقدِّمي على أمكِ حماتك ولا غيرها من النساء، لكن بشرط ألا تفسدي ما بينك وبين زوجك.
ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن يجعلك من الصالحات القانتات.
وانظري جواب الأسئلة (22782) و (5326) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1418)
يريد الزواج وأمه تعارض ذلك لصغر سنه
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 19 سنة. أريد أن أتزوج. ولكن أمي لا تريد لأنها تظن بأنه غير وقت الزواج. هل يجوز لرجل في الإسلام أن يتزوج بدون موافقة والديه؟ وبدون أن يخبرهما حتى تتحسن الأمور إن شاء الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للرجل أن يتزوج بدون موافقة والديه، بخلاف المرأة فإنه يشترط لصحة نكاحها موافقة وليها. لكن من البر وحسن المعاملة استئذان الوالدين وأخذ موافقتهما، وذلك أدعى لحصول الوئام والاتفاق وجمع الشمل.
ثانيا:
ينبغي أن تبين لأمك مدى حاجتك للزواج، وأن تسعى لإقناعها، والحصول على رضاها، فإن استجابت فالحمد لله، وإن أصرت على موقفها، فلا حرج عليك في الزواج من الفتاة التي تريد إذا كانت صالحة متدينة.
ومن الأخطاء الشائعة رفض الوالدين تزويج أبنائهم بحجة الدراسة أو صغر السن، وعدم إدراكهما لما يعانيه الشاب في زمان انتشرت فيه الفتن، وكثرت فيه المغريات، وربما أدى رفضهما إلى انحراف الأبناء، وسلوكهم طرق الغواية والشر، ولهذا ننصح الآباء والأمهات بإعانة أبنائهم وبناتهم على الزواج، وتيسير ذلك والتشجيع عليه؛ امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمن يريد الزواج مع رفض والده، فأجاب:
" هذا السؤال يقتضي أن نوجه نصيحتين؛ النصيحة الأولى لوالدك حيث أصرَّ على منعك من الزواج بهذه المرأة التي وصفتَها بأنها ذات خلق ودين، فإن الواجب عليه أن يأذن لك في تزوجها إلا أن يكون لديه سبب شرعي يعلمه ويبينه حتى تقتنع أنت وتطمئن نفسك، وعليه أن يقدِّر هذا الأمر في نفسه لو كان أبوه منعه من أن يتزوج امرأة أعجبته في دينها وأخلاقها، أفلا يرى أن ذلك فيه شيء من الغضاضة وكبت حريته؟ فإذا كان هو لا يرضى أن يقع من والده عليه مثل هذا فكيف يرضى أن يقع منه على ولده مثل هذا، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) .
فلا يحل لأبيك أن يمنعك من التزوج بهذه المرأة بدون سبب شرعي، وإذا كان هناك سبب شرعي فليبينه لك حتى تكون على بصيرة.
أما النصيحة التي أوجهها إليك أيها السائل: فأنا أقول: إذا كان يمكنك أن تعدل عن هذه المرأة إلى امرأة أخرى: فإرضاءً لأبيك وحثّاً على لمِّ الشمل وعدم الفرقة فافعل.
وإذا كان لا يمكنك بحيث يكون قلبك متعلقا بها وتخشى أيضا أنك لو خطبت امرأة أخرى أن يمنعك أبوك من زواجك بها – لأن بعض الناس قد يكون في قلبه غيرة أو حسد ولو لأبنائه فيمنعهم مما يريدون – أقول: إذا كنتَ تخشى هذا ولا تتمكن من الصبر عن هذه المرأة التي تعلَّق بها قلبك: فلا حرج عليك أن تتزوجها ولو كره والدك، ولعله بعد الزواج يقتنع بما حصل ويزول ما في قلبه، ونسأل الله أن يقدر لك ما فيه خير الأمرين " انتهى من " فتاوى إسلامية " (4/193) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1419)
والدته تتهم زوجته زورا
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تشرح لي مسألة إغضاب الوالدين، حيث يحرم أن أقول لهما مجرد كلمة أف، السبب في سؤالي هذا هو أنني متزوج منذ عدة سنوات ولدي طفلان، ولكن والدتي تشكو دائما من زوجتي، ولا يوجد بينهما تفاهم، وهي تتصل بي وتخبرني أن زوجتي شريرة، وتقول إن زوجتي لا تحترمها، في حين أن زوجتي ليست كذلك، وتقول أيضا إن زوجتي تفعل كذا وتقول كذا وهو ما تنكره زوجتي، وهي لم تعد تقيم معنا، ومع ذلك ما زالت تقول إن زوجتي لا تحترمها، ولا أعتقد أن زوجتي قد أخطأت في شيء في الحقيقة، ولكني متكدر جدا لأنهما لا تستطيعان التفاهم معا، وزوجتي تبتعد عن عائلتي لأنها تخشى أن يتهموها بشيء لم تفعله، وهذا يزيد من غضب أمي؛ لأنها تقول إن زوجتي لا تهتم بها، فماذا أفعل في هذا الموقف بحيث لا أغضب والديّ، ولكن في نفس الوقت لم ترتكب زوجتي شيئا، وتقول لي إنه حرام علي أن لا أقول شيئا عندما يتهمونها بشيء لم تفعله، فهل هذا صحيح؟ أرجو نصحي، ماذا أفعل في هذا الموقف؟ وهل حرام على أمي أن تخبرني بأن أختار بينهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
مشكلتك أيها الأخ الكريم، هي إحدى المعضلات في الحياة الزوجية، وهي مشكلة قديمة معقدة، حتى صارت عند العرب مضرب المثل لمن بينهم من المعاملة والأخذ والإعطاء ما لا غنى بهم عنه، ثم لا تزال المشارة والعداوة بينهم؛ فيقولون: (إن الحماة أولعت بالكَنَّة، وأولعت كنتها بالظِّنة) ؛ فالحماة أخت الزوج وأمه، والكنة امرأة الرجل. والمعنى: أن الكنة إذا سمعت أدنى كلمة قالت: هذا عمل حماتي!! [انظر: المستقصى في الأمثال، للزمخشري 1/77] ؛ فهناك، في واقع الأمر، تربص متبادل من الطرفين، كل بالآخر!!
وفي مثل هذه العلاقات تشتبك كثير من العوامل والمؤثرات التي ينبغي مراعاتها وتفهمها، ثم التدرب على كيفية التعاطي معها للخروج بأفضل النتائج.
ولعلك تدرك أخي الكريم أن الغيرة – التي فطر الله سبحانه وتعالى البشر عليها - هي من أهم تلك العوامل، وخاصة بين الأم والزوجة، فإن الأم التي صحبتك تلك السنوات الطوال، تحفظك وترعاك وتعتني بك، سوف تشعر بأنك لم تعد ملكا خالصا لها، بل سوف تشعر أيضا أن نصيبها منك لم يعد وافيا بحقها عليك، وأن القسمة بينها وبين زوجتك لم تكن عادلة؛ فللزوجة الحب والحنان والتدليل والرعاية، وللأم الصبر على متاعبها على مضض، وإعطاؤها ما تحتاجه، على كره وتأفف، هذا إن كان سيعطيها، فكيف إذا كان عاقا، ومنعها حقوقها؟!! وحينئذ تخلق المشاكل.
والغيرة نار تعمي وتصم، لا تلبث أن تأكل كل سعادة واطمئنان تعيشها الأسرة، وهي أقوى ما تكون إذا أسأنا التعامل معها، ولم نحاول تهذيبها وتخفيف لهيبها.
أقول ذلك ابتداء كي تتفهم معي أمرين اثنين مهمين:
الأمر الأول: كي تدرك حقيقة السبب الذي يدفع والدتك لمثل هذه التصرفات تجاه زوجتك، وتدرك حقيقة عذرها في ذلك، وأنها قد لا تكون تملك من أمرها شيئا، فالمرأة ضعيفة جدا أمام هذا الشعور، ولا تستطيع إخفاءه رغم سعيها الشديد للظهور بمظهر الرضا والقبول، فإذا أدْرَكتَ حقيقة عذر الوالدة، اطمأن قلبك نحوها، وسكنت مشاعرك تجاهها، وأيقنت أن برها وطاعتها وحبها فرض لازم في حقك نحوها، لا ينبغي أن تشك في ذلك لحظة واحدة، مهما بلغ حد المشاكل التي تجرها عليكم نار الغيرة.
أما الأمر الثاني: فهو أن تعلم أنك بالحب وحده يمكنك تغيير الحال الذي بين والدتك وزوجتك، فالوالدة بحاجة إلى اطمئنان زائد بمحبة ابنها لها، وأنه على ما عَهِدَتهُ فيه من مودةٍ واحترام وبر وإحسان، بل ينبغي عليك السعي إلى مضاعفة تلك المشاعر، بتكرار الزيارات والهدايا والحرص على إسعادها بالكلمة وتلبية الرغبات، وحينئذ ستبدأ نفسها بالسكون، وغيرتها بالهدوء، وتختفي تدريجيا تلك المشاكل التي كانت تصنعها.
وإذا كانت الوالدة، من خلال ما يبدو لنا من رسالتك، سريعة في التجني على زوجتك وأم أولادك، فإننا سوف نحاول أن نبدأ العلاج منك ومن زوجتك؛ لأن هذا في واقع الأمر هو الطرف الأسهل والأقرب في المعادلة، ونقول للزوجة الكريمة، قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) رواه مسلم (2588) .
وفي حديث آخر: (وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا)
رواه الترمذي (2325) وصححه الألباني.
فكم من المشاكل ستزول حين تجاهد الزوجة الكريمة نفسها على ذلك الأدب، ابتغاء مرضاة، وإصلاحا لحال زوجها، ومحافظة على عيشه وبيته!!
ولتحاول أن تنزل أم زوجها مكان أمها، في احتمال غضبها، وغفران إساءتها، لا سيما والمسكن منفصل، وهذا يقلل إلى حد كبير من حدوث المشاكل والمصادمات.
وكم ستخف تلك المشكلات، إلى أن تنتهي بإذن الله، إذا استطاعت الزوجة الكريمة أن تتحين الفرص المناسبة لهدية لطيفة تهديها لأمك، حتى وإن كان في النفوس ما فيها. قال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا) رواه أبو يعلى، وحسنه الألباني.
وأما أنت، أيها الأخ الكريم، فيجب أن يتسع قلبك لبر الوالدة وحبها الكبير، مع حب الزوجة والسكون إليها، ونجاحك في ذلك بداية العلاج، وفشلك فيه يعني استمرار المعاناة أو زيادتها، والأمر يحتاج منك إلى شيء من التصبر والتعلم، فإن الإنسان قابل لتعلم بذل مشاعر الود والمحبة كما يتعلم أي صناعة في هذه الدنيا.
وأنت خلال ذلك كله لا بد أن تقف عند الخطوط التي رسمتها لك الشريعة الإسلامية، وذلك في قوله سبحانه وتعالى:
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/23
وقوله سبحانه:
(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15
فتأمل كيف أن شرك الوالدين أو كفرهما – وهي أعظم الذنوب – لا ينبغي أن تحجب الابن عن صحبة والديه بالمعروف، فكيف ببعض المشاكل مع الزوجة؟
وأهم هذه الخطوط التي رسمتها الشريعة أيضا، حفظ حق الزوجة، واحترام مشاعرها ورغباتها، وعدم الجور عليها أو ظلمها لإيفاء حق الوالدة، فلا ينبغي لك أن تطيع والدتك إذا أمرتك بفراق زوجتك، ولا يجوز أن تصدقها فيما تتهم به زوجتك زورا وبهتانا، خاصة إذا كانت الزوجة ذات خلق ودين، فهي أمانة مستودعة في ذمتك، فيجب عليك أن تحفظ هذه الأمانة.
وإذا كان لنا من همسة في أذن الوالدة الكريمة، فنقول لها:
أيتها الأم الكريمة التي حملت ووضعت، وربت وتعبت، وآثرت على نفسها وبذلت، لا تكدري إحسانك لابنك بتنغيص عيشه، وأنزلي هذه الزوجة التي اختارها ابنك لنفسه، وجعل الله له منها الولد، أنزليها منزلة ابنتك، وانظري: كيف تحبين أن تعيش ابنتك مع زوجها وأهلها، فعامليها به، وجاهدي نفسك على الإحسان، كما أمرنا الرب الجليل: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195.
فإذا عجزت عن الإحسان فاعدلي. قال الله تعالى: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الحجرات/9.
وحذار، أيتها الوالدة، من الظلم؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) متفق عليه.
وقد سبق تفصيل بعض الأحكام المتعلقة بذلك في جواب السؤال رقم (7653) ، (44932) ، (47040) .
نسأل الله أن يصلح بالكم، وأن يصلح ذات بينكم، وأن يرزقنا وإياكم الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1420)
يشتكي من سوء معاملة والدته
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أن أمي لا تحبنا – نحن أولادها – لا نجتمع معها إلا وتسبنا وتشتمنا وتحاول أن تعتدي علينا بالضرب، ماذا أفعل؟ هل أقاطعها؟ أنا أزورها بعد فترات متباعدة لعل قلبها يلين، لكن بلا فائدة، ما إن تراني حتى تبدأ في السب والشتم والطرد من البيت، وتفعل نفس الشيء مع إخوتي كيف نصل إلى رضاها؟ حاولنا الكثير والكثير فماذا نفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بر الوالدين من أوجب الواجبات التي تجب للبشر على البشر، لقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) لقمان/14،15.
فأمر الله تعالى بمصاحبة هذين الوالدين المشركين اللذين يبذلان الجهد في أمر ولدهما بالشرك - أمر أن يصاحبهما في الدنيا معروفا.
وطاعة الوالدين واجبة على الولد فيما فيه نفعهما ولا ضرر فيه على الولد، أما ما لا منفعة لهما فيه، أو ما فيه مضرة على الولد فإنه لا يجب عليه طاعتهما حينئذ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الاختيارات " (ص 114) : (ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين ... وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر عليه) انتهى.
وأما هجرك لها فلا ينبغي، فإنها أمك وحقها عليك عظيم، ويمكنك مواصلتها عن طريق الهاتف، أو زيارتها بين الحين والآخر، وتحتسب ما يصيبك منها في هذه الزيارة من السب والشتم ونحو ذلك، كل ذلك تبتغي بذلك مرضاة الله.
ولكن تقليلا للشر والضرر الحاصل عليك من زيارتها يمكنك مباعدة ما بين الزيارتين، ولكن تتعاهدها بالهاتف إن أمكن أو السؤال عن أحوالها فربما تحتاج إليك أو تقع في ضائقة ما.
فإذا فعلت ذلك فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى من تقليل زيارتها ولا تكون عاقا لها، لأنها - وهي صاحبة الحق في بِرِّك لها – لا تريد منك زيارتها، ولا تطالبك بذلك.
وأنت لم تقلل من زيارتها إلا اجتنابا لما يلحقك من الضرر منها.
وللفائدة ينظر جواب السؤالين رقم (2621) ، (3044) .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يهدي والداتك، ويصلح أحوالكم.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1421)
أقرباؤه يؤذون والديه وحصلت مقاطعة بينهم فماذا يصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي امرأة تقيَّة جدّاً، لكني ومنذ طفولتي كنت أشاهد نشوء مشاكل عائلية تقع بينها وبين أقاربي، هؤلاء الأقارب دائما يذكرون افتراءات غير مبنية على أسس ويكذبون دونما حياء أو خجل، إنهم لا يشكرون لوالديّ مساهماتهم التي قدماها للعائلة، لكنهم بالمقابل يتحدثون وراء ظهورنا ويهزؤون مِن تمسك والدتي بدينها، ومع ذلك فإن والدتي لا تزال تريد أن تحافظ على صلة القرابة وكانت تصبر عليهم، وفي بعض الأحيان كانت تشتكي لوالدي وتطلب منه أن يتدخل لكنه لم يفعل أي شيء، وكان يقول: إن ذلك ربما يتسبب في قطع العلاقة معهم للأبد، وكان يطلب منها الصبر، وكانت والدتي تصبر على الإساءة، وكانت تقابلهم بعكس ما كنَّ يعاملنها به، لا لشيء إلا لتفوز برضى الله ورحمته، إلا أنه في الآونة الأخيرة تدهور الوضع، وقام زوج إحدى قريباتي بإهانة والدي، وقرر والدي بعد ذلك أن يقطع العلاقة معهم، كما طلبت عمتي أيضا من والدتي ألا تتصل بهم، وأنا أجد نفسي ضائعا وسط هذا الزخم ولا أعرف كيف أتصرف، والداي طلبا مني الامتناع تماما عن الاتصال بأقاربي، لكني ولأني أعلم أن من يقطع العلاقات العائلية فقد قال الله بأنه سيقطعه يوم القيامة فإني أحادثهم من وقت لآخر، مع أنهم لا يفعلون ذلك معي، لكني أعلم أنه إن اكتشف والداي ما أقوم به فإن ذلك سيؤذيهما وسيغضبان عليَّ، لقد قلت لوالدتي أن تسامحهم وأن تبدأ في الاتصال بهم، وهي تقول إنها تريد ذلك، لكنها لا ترغب أن تمر مجدَّداً بنفس المعاناة وتتعرض للإهانات التي تعرضت لها خلال سنوات، ما هو الأسلوب الصحيح للتعامل مع مثل هذا الوضع؟ هل أبذل جهوداً لأحافظ على الرحم مع أناس أهانوا والدي؟ وكيف نضع حدّاً لهذا الوضع المزري؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يُعظم أجرك وأجر والدتك، وأن يجمع بينكم وبين أقاربكم على خير، وأن يهديهم ويصلح أحوالهم.
وصلة الرحم لها منزلة عظيمة في شرع الله تعالى، وهي تشمل أموراً مادية وأخرى معنوية، والمعنوية منها أهم بكثير، فالمادية مثل الإحسان إليهم بالمال، والمعنوية مثل أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وهذا أعظم ما تكون به الصلة.
وفي حال أن يكون أولئك الأقارب على انحراف وضلال وفساد ويخشى المسلم على نفسه أن ينساق وراءهم أو يتأثر بهم فليهجرهم هجراً جميلاً، وهو الذي لا أذى فيه ولا قطيعة، وعليه الإكثار من الدعاء لهم، والإكثار من وعظهم وتذكيرهم بالمراسلات والهاتف وغير ذلك من الوسائل التي تبقي تلك الصلة دون قطيعة، ودون تأثير منهم عليه.
ثانياً:
وتجب عليك صلة رحمك ولو منعك والدك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (لاَ طَاعَةَ في مَعْصِيَةِ الله، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ) رواه البخاري (6830) ومسلم (1840) .
لكن لا يجوز لكَ إيذاء والدك بإظهار المخالفة له، فيمكنك صلة أقاربك دون إعلامه بهذا، وأن تستمر في محاولة رأب الصدع بينه وبين رحمه، ولكن ننبهك إلى أن تحرص على الأقارب الذين لا يكون منهم إظهار للفسق والفجور، خشية أن تتسبب في تأثير هؤلاء على أهل بيتك، لكن احرص على أهل الدِّين والخير منهم، فمثل هؤلاء تكون الخسارة في قطيعتهم، ويكون الأجر العظيم في الصلة بينهم وبين أهلك.
ثالثاً:
ومن الأمور التي تعين على الصلة بين الأقارب والتي نوجهك لها لتخبر بها أهلك وأقاربك:
1. إعلامهم جميعاً بوجوب صلة الرحم وتحريم قطعها.
2. إعلامهم بحقيقة الصلة، وأنها ليست المكافأة، بل صلة القاطع، ومقابلة الإساءة بالإحسان.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) . رواه مسلم (2558) .
الملّ: الرماد الحار.
قال النووي – رحمه الله -:
" ويجهلون " أي: يسيئون , والجهل هنا القبيح من القول , ومعناه: كأنما تطعمهم الرماد الحار , وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم , ولا شيء على هذا المحسن , بل ينالهم الإثم العظيم في قطعيته , وإدخالهم الأذى عليه.
وقيل: معناه إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل.
وقيل: ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم.
" شرح مسلم " (16 / 115) .
3. الصفح عنهم في حال أن يصدر منهم خطأ، والعفو في حال أن يعتذروا.
4. تخفيف الزيارات وتجنب المزاح، فربما كانت كثرة اللقاءات والزيارات، وما يحصل فيها من تجاوز للشرع، أو تجاوز في المباح هو من الأسباب التي تؤدي للقطيعة.
5. محاولة الابتعاد عن الأقارب في السكن، فربما تسبب تقارب السكن في القطيعة بين الناس، إما بسبب الأولاد وإما بسبب الزوجات أو غيرهما.
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمَّاله: " مروا الأقارب أن يتزاوروا ولا يتجاوروا ".
قال الغزالي - معلقا على كلام عمر -:
" وإنما قال ذلك لأن التجاور يورث التزاحم على الحقوق، وربما يورث الوحشة وقطيعة الرحم ".
" إحياء علوم الدين " (2 / 216) .
وقال أكثم بن صيفي: " تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة ".
6. ترك الاستماع لأهل الفتنة الذين يفرقون بين المرء وأهله، والذين يسوؤهم اجتماع الأسرة الواحدة، وهم النمامون أصحاب الكبائر.
7. استعن بالله تعالى بدعائه في صلاتك وفي آخر الليل أن يهدي الله أقاربك لأحسن الأخلاق والأفعال والأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1422)
يعطي أهله ليشتروا كماليات ويقترض من زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي الشرع في الزوج الذي يعطي من أمواله لأهله ليشتروا أشياء غير أساسية وهو عليه ديون ويقترض من زوجته ليسدد ديونه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يتكرر كثيراً في أسئلة الناس قول " رأي الشرع " و " رأي الدين "، وهذه الألفاظ غير صحيحة المعنى، فالأولى للمسلم اجتنابها.
قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله:
"ومن المصطلحات المولدة الفاسدة:
"رأي الدين": الرأي في أساسه مبني على التدبر والتفكر، ومنها قولهم: " رأي الدين "، " رأي الإسلام "، " رأي الشرع "، وهي من الألفاظ الشائعة في أُخريات القرن الرابع عشر الهجري، وهو إطلاق مرفوض شرعاً؛ لأن الرأي يتردد بين الخطأ والصواب فصار من الواضح منع إطلاقها على ما قضى الله به في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا يقال فيه: " دين الإسلام "، (إِنَّ الدِّينَ عنْدَ الله الإِسلام) والله سبحانه يقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الأحزاب/36.
فتشريع الله لعباده يقال فيه: حكم الله، وأمره، ونهيه وقضاؤه، وهكذا، وما كان كذلك فلا يقال فيه " رأي "، والرأي مدرجة الظن والخطأ والصواب.
أما إذا كان بحكمٍ صادر عن اجتهاد فلا يقال فيه: " رأي الدين "، ولكن يقال: " رأي المجتهد " أو " العالم "؛ لأن المختلف فيه بحق يكون الحق فيه في أحد القولين أو الأقوال.
وانظر بحثاً مهماً في كتاب " تنوير الأفهام لبعض مفاهيم الإسلام " للشيخ محمد بن إبراهيم شقرة ص / 61 – 73" انتهى باختصار يسير.
" معجم المناهي اللفظية " (ص 223، 224) الطبعة الأولى.
ثانياً:
يجب على الأولاد أن ينفقوا على والديهم، وهذا الوجوب ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، وانظر جواب السؤال رقم (111892) .
وهذه النفقة الواجبة للوالدين لها شروط، منها: أن يكون الولد قادراً على الإنفاق، والوالد محتاجاً لعجزه أو فقره أو عدم استطاعته للكسب.
وليعلم هذا الزوج أن أجره عند الله تعالى عظيم إن كان ينفق على والديه المحتاجين للنفقة الضرورية، حتى لو أدى ذلك لاستلافه للمال، أما إن كان والداه غير محتاجين للنفقة الضرورية، وهو ينفق عليهم من أجل شراء سلع كمالية: فالواجب عليه أن ينتبه لنفسه، ولا ينبغي له أن يحمل نفسه ديونا من غير ضرورة أو حاجة ملحة؛ لأن شأن الدين عند الله عظيم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدَّين) فكيف بمن لقي الله تعالى غير مقتول في سبيله؟!
نعم، لو كان عنده فضل مال وأراد أن يوسع على والديه بالنفقة لشراء حاجات مباحة غير ضرورية لكان محسناً لهما غير مسيء لنفسه، أما أن يفعل ذلك بأموال غيره – زوجته أو غيرها – فإنه يكون مسيئاً لنفسه لأنه حمَّلها ما لا طاقة لها به.
وعليه أن يعتذر لهما بألطف عبارة أنه غير قادر على إعطائهم ما يريدون، ويعدهم أنه إن تيسر له مال فائض عن حاجة أبنائه وزوجته الضرورية أنه سيعطيهم.
قال الله تعالى: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) الإسراء/28.
قال ابن كثير رحمه الله:
"أي: إذا سألك أقاربك ومَن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لفقد النفقة (فقل لهم قولاً ميسوراً) أي: عِدْهم وعداً بسهولة ولين إذا جاء رزق الله: فسنصلكم إن شاء الله" انتهى.
" تفسير ابن كثير " (3 / 52) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1423)
هل يأكل من مال أبيه ومصدره من مقهى فيه أمور محرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المال الذي يتم ربحه من المقهى، وأود هنا أن أشرح لكم بعض الأمور وهي:
1- استخدام الدش ولا يستخدم إلا في مشاهدة أغاني الفيديو كليب ومباريات الكرة
2-ألعاب الدومينو- النرد ويلعبها الزبائن على أن يدفع الخاسر ثمن المشروبات كلها وحده أو يدفع نقود للفائز، ويكون للمقهى جزء من هذه النقود.
3- شرب الشيشة بشكل كبير.
4- جلوس الشباب لينظروا للنساء في الطريق اللائي معظمهن متبرجات.
5- المزاح القبيح بين الجالسين على المقهى مع بعضهم باستخدام ألفاظ قذرة.
والسؤال الآن: هل المال العائد من المقهى من الأموال المختلطة؟ وهل لي أن آكل من هذا المال؟ وأنا لا أجد عملاً، مع العلم أن المقهى ملك لأبي وهو الذي يديره.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
استعمال الدش على الوجه المذكور، وشرب الشيشة ولعب القمار، وتبادل الألفاظ القذرة والنظر إلى النساء المتبرجات، كل ذلك من المحرمات الظاهرة، والإثم على من اقترفها أو أعان عليها، أو أقرها ولم ينكرها، ولا شك أن فتح المقهى الذي تمارس فيه هذه الرذائل محرم، وما يأتي من المال في مقابل هذه الأعمال أو التمكين منها محرم أيضا؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140.
قال القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) أي غير الكفر. (إنكم إذا مثلهم) : فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر. قال الله عز وجل: (إنكم إذا مثلهم) فكل من جلس في مجلس معصية، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية " انتهى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وإن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه) رواه أحمد وأبو داود (3026) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5107)
وانظر في تحريم اللعب بالنرد السؤال رقم (14095) ورقم (22305)
وكون الخاسر في هذه الألعاب يدفع نقوداً للفائز أو ثمن المشروبات هو من القمار ولا شك، وانظر السؤال رقم (20962)
ثانيا:
إذا كان لوالدك مورد ماليٌّ آخر، أو كان في المقهى ما يباح بيعه، كالشاي والقهوة ونحو ذلك، فمال أبيك مختلط، اختلط فيه الحلال بالحرام، ولا حرج عليك في الأكل من هذا المال ما دمت محتاجا، والورع ترك ذلك.
جاء في "حاشية الدسوقي" (3/277) : " اعلم أن من أكثر ماله حلال وأقله حرام: المعتمد جواز معاملته ومداينته والأكل من ماله ... وأما من أكثر ماله حرام والقليل منه حلال: فالمعتمد كراهة معاملته ومداينته والأكل من ماله.
وأما من كان كل ماله حراماً وهو المراد بمستغرق الذمة، فهذا تمنع معاملته ومداينته ويمنع من التصرف المالي وغيره " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا كان مكسب الوالد حراماً، فإن الواجب نصحه، فإما أن تقوموا بنصحه بأنفسكم إن استطعتم إلى ذلك سبيلاً، أو تستعينوا بأهل العلم ممن يمكنهم إقناعه أو بأصحابه لعلهم يقنعونه حتى يتجنب هذا الكسب الحرام، فإذا لم يتيسر ذلك فلكم أن تأكلوا بقدر الحاجة ولا إثم عليكم في هذه الحالة، لكن لا ينبغي أن تأخذوا أكثر من حاجتكم للشبهة في جواز الأكل ممن كسبه حرام " انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/452) .
وراجع السؤال رقم (45018) و (21701)
نسأل الله تعالى أن يهدي والدك، ويصلح حاله، وأن يرزقك رزقا حلالا مباركا فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1424)
أسلم وأمه تريد منه الرجوع إلى النصرانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب من اليونان وأبلغ من العمر 18 عاما. وقد أسلمت منذ أسبوعين. وأنا أصلي بشكل عادي خمس مرات في اليوم، وأذهب للمسجد وأدرس القرآن. لكني واجهت بعض المشاكل منذ ذاك. صديقتي قبلت بذلك ونحن نخطط على الزواج في المستقبل. وكذلك فقد قبلت أختي بالأمر. لكن أمي هي المشكلة. فقد دب الفتور في علاقتها معي. فهي تريدني أن أعود للنصرانية مرة أخرى وهي لا تقبل بالإسلام على الإطلاق. لقد قالت لي إن النصارى سينظرون إليّ على أني خائن وسيقول المسلمون إني تابع لهم، لأني ولدت نصرانيا. أنا لم أخبر أبي بأي شيء حتى الآن (فوالداي مطلقان) ، وذلك لأنه لن يقبل بذلك (فهو نصراني أيضا) ولأنه سيتشاجر مع والدتي. أفضل صديق عندي هو مسلم وقد ساعدني كثيرا، لكن والدتي تظن أنه أجبرني على الإسلام، وهذا غير صحيح. لقد درست الإسلام وأدركت أنه الدين الصحيح، وذلك الذي دفعني لاعتناقه. ما هي نصيحتك للتعامل مع أهلي؟ أنا لا أريد أن أخيب أملهما، خصوصا والدتي، لأنها عانت كثيرا بسبب الطلاق. وأشكرك على اهتمامك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نهنئك ونبارك لك، على هذه النعمة التي مَنَّ الله بها عليك، فإنها والله أعظم النعم، وإنه التوفيق الذي نسأل الله أن يدخلك به الجنة، ويجمعك به مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فهنيئا لك , ثم هنيئا لك، أقبلت على الله في هذه السن التي أقبل في مثلها الأخيار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كمصعب بن عمير، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وسعد بن معاذ. نهنئك لأن صحيفتك صارت بيضاء نقية، لم تندس بالذنوب، فقد محى الإسلام ما كان قبله، وأنت الآن تستقبل عمرا جديدا، وحياة سعيدة بإذن الله، ونسأل الله أن يحفظك، ويثبت قلبك، ويهدي والديك وإخوانك وأحبابك.
ثانيا:
نحمد الله أنك بدأت طريق الهداية بالذهاب إلى المسجد، ودراسة القرآن، فإن هذا عنوان الخير، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) رواه البخاري (71) ومسلم (1037) . وعليك أن تبذل الجهد في حفظ القرآن وترتيله وقيام الليل به، وتعلم أحكامه، والعمل بما فيه، فإن الجنة درجات، وإن صاحب القرآن يقال له في الجنة: اقرأ وارتق، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها.
ثالثا:
إن الموقف الذي بدر من أمك تجاهك، لا يُستغرب، فإن معركتك الحقيقية مع الشيطان، وهو لا يرضى بإسلامك، ولا يحب لك الخير، فلا شك أنه سيستعين بأقاربك، ويوسوس لأهلك، حتى يستخدمهم سلاحا ضدك، ويمنعهم من اللحاق بك في موكب الإيمان الحق، فلا تحزن، ولا تيأس، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ليصرف كيده عنك، وكن رفيقا رحيما بأمك، فإنها لو ذاقت طعم الهداية ما وقفت في طريقك، واستعن بالله تعالى في دعوتها، ونصحها، وأكثر من الدعاء لها بالهداية والرحمة، فلعلك توافق ساعة إجابة، فتقر عينك بإسلامهم وصلاحهم.
واعلم أنك لست وحدك في هذا الميدان، فهناك آلاف الناس ممن وفقهم الله لمعرفة الحق، واختيار الإسلام عن رضا وقناعة، وكثير منهم لاقى معارضة وصدودا من أهله، ثم شاء الله بالفتح، وجاء بالفرج، فأسلم البيت كله، بل العائلة كلها، وكان ذلك في ميزان حسنات الابن الموفق، نسأل الله أن يجعلك من هؤلاء وأن يسعدك بإسلام أهلك جميعا.
واعلم أن وجود المعارضة من البيت هو اختبار وابتلاء للمسلم، حتى يظهر صدق إسلامه، وقوة إيمانه، كما قال الله تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/1- 3.
ومن نماذج المؤمنين الصادقين الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، كان برّاً بأمه، فلما أسلم امتنعت أمه عن الطعام والشراب، حتى يرجع عن دينه، فأبى رضي الله عنه، وثبت على إسلامه، ولم تجد أمه فائدة من إضرابها فعادت لطعامها وشرابها، ومما ورد في ذلك قوله رضي الله عنه: (يا أمّه , تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفسا ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي، وإن شئت لا تأكلي. فأكلت) .
انظر: "تفسير ابن كثير" (3/429) .
رابعا:
لقد عالج القرآن هذه المشكلة، لأنها كثيرة الوقوع، لا سيما في الجيل الأول الذي فارق الكفر، واعتنق الإسلام، ولاقى حربا شديدة من قبل الأهل والعشيرة وأقرب الناس، قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/14- 15
فلا مجال لطاعة الوالدين في الكفر، بل لا جال لطاعتهما في المعصية، ولكن هذا لا يمنع من الإحسان إليهما، والقيام على شئونهما، وبذل الغالي والنفيس في سبيل هدايتهما، وهذا دليل على عظمة الإسلام، وأنه دين الرحمة والمحبة، لهذا يدعو أتباعه إلى هداية الناس وإدخالهم في النعمة التي دخلوا فيها.
خامسا:
من اختار طريق الهداية، فلا يلتفت إلى كلام الآخرين، ولا يتعجب من صدوره، فإنه أمر متوقع، وإلا فماذا سيقول عنك النصارى؟ هل سيقولون: إنك اهتديت، وعرفت الحق، وآثرته على الأهل والأقارب؟! الجواب: لا، لن يقولوا ذلك، فلا تلتفت لقولهم: خائن أو غير ذلك، وانظر إليهم بعين الشفقة والحرص على هدايتهم، وابذل الجهد حتى تتعلم وتصبح داعية تنتشلهم مما هم فيه من الضلال والانحراف.
وأما ظنُّ أمك أن المسلمين سيقولون: إنك تابع؛ لأنك ولدت نصرانيا، فهذا ليس صحيحا، بل سنقول: إنك أخ لنا , اخترت الهداية، ورجعت للفطرة التي ولدت عليها، فلقد ولدت على الإسلام والتوحيد، وعلماء النصارى يعلمون أن المولود يولد على الفطرة، ولهذا يسارعون إلى تعميد الطفل، ويعتقدون أنه إذا لم يعمّد سيكون مسلما! وهذا دليل على أن الأصل هو الإسلام، وأن الطفل لو ترك على أصله لكان مسلما.
وليس في الإسلام تبعية لأحد إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم , لأنه النبي الرسول الذي أمرنا باتباعه، وما عدا ذلك فالإسلام يربي أتباعه على الحرية والانعتاق من تسلط الكهنوت والأحبار والرهبان، ولا يحوج العبد إلى واسطة بينه وبين الله تعالى.
وأخيراً.. لقد قلت في سؤالك: إن صديقتك قبلت بإسلامك , وإنكما تخططان للزواج في المستقبل.
وهنا , لابد أن تعلم أن مِنْ حرص الإسلام على عفة أتباعه وطهارة قلوبهم أنه حرم على الرجال اتخاذ الصديقات , ولا يقر الإسلام علاقة بين رجل وامرأة من هذا القبيل إلا إذا كانت في نطاق الزوجية , فإن كانت صديقتك نصرانية , فعليك بدعوتها إلى الإسلام والحرص على هدايتها ففي ذلك خير كثير لكما إن شاء الله تعالى , فإن أبت فأخبرها أن الإسلام قد حرم هذه العلاقة التي بينكما , وأنك لن تقدم رضا أحد كائناً من كان على رضى الرحمن , فإما أن تتزوجا (ويجوز للمسلم أن يتزوج نصرانية) وإما أن تفترقا , إيثاراً لرضى الله سبحانه وتعالى.
وأهم ما نوصيك به هو الإحسان إلى أمك وأبيك وإخوانك وأقاربك، والرفق بهم، وتفهم ما يدور بمشاعرهم، وسؤال الله الهداية لهم، واختيار الوسائل الحكيمة لدعوتهم، ومن ذلك: الكلمة الطيبة، والهدية، والزيارة، ودعوتهم لزيارة المسجد، وإعطاؤهم الكتيب والشريط النافع.
نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، ويوفقك لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1425)
أمه تسيء إليه بعد زواجه
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنة تزوجت من جارتي ويعلم الله أن البنت التي تزوجتها قمة في الأخلاق والأدب والاحترام ولقد سكنت مع أهلي في نفس الشقة وعدد أفراد أسرتي 5 شباب وبنت عمرها 17 سنة، ومنذ أن تزوجت وحال أمي تغير تغيراً كاملاً، إذ بها تنهال علي بالشتائم، وتكيل لي السب أمام زوجتي، وأمام إخوتي، علماً بأنني الأكبر في إخوتي، وتهينني لأتفه الأمور، إذا حاولت أن أتحدث مع إخوتي تأتي وتقلب علي أي شيء أمامي، وتسبني وتطردني من البيت عدة مرات، لا أدري لماذا هذا التغير الذي حصل من أمي العزيزة! رغم أنني لا أبخل عليهم بأي شيء، ولست من النوعية التي تفضل زوجته على أهله، ولكن أمي تتعامل معي بحساسية زائدة. أرجو أن توضحوا لي الأمور لأنني غير قادر على السكن بالإيجار، لأن المرتب بالكاد يكفيني. أرجو أن تفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يوفقك لبر والدتك والإحسان إليها، وأن يصلح حالها، ويؤلف بينكما على طاعته ومرضاته.
وما تعاني منه قد يكون مرده إلى شعور والدتك بالغيرة، أو بفقدانك بعد الزواج، واستيلاء غيرها عليك، وهذا الشعور يلحق بعض الأمهات بعد زواج أبنائها، وهو شعور خاطئ، ينبغي أن تسعى هي للتخلص منه.
وينبغي أن تعينها لتعود إلى سابق حالها، وذلك بأمور:
1- أن تجتهد في الإحسان إليها، وإكرامها، والاهتمام بها، وإشعارها بأنك لا تزال كما كنت حفيا بها، حريصا على تلبية رغباتها.
2- تجنب الثناء على زوجتك أو الاهتمام بها أمام والدتك، مع إعطاء الزوجة حقها من الإحسان والإكرام، لكن بعيدا عن نظر الأم، إلى أن تتحسن حالتها، وتدرك الأمور على طبيعتها.
3- ترغيب الزوجة في التقرب من الأم، بالكلام والاهتمام والإهداء ونحو ذلك.
4- الصبر على ما يصدر منها من سب وشتم وطرد، فإنك مأمور ببرها، ولا يجوز لك أن تقابل إساءتها بمثلها، فإن صبرت على ذلك، فأبشر بالفرج، فإن العاقبة للصابرين، وإن النصر مع الصبر، وإن مع العسر يسرا، وقد قال الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/34. فكلما أساءت إليك بادر أنت بالتلطف والإكرام والإحسان، فإن ذلك كفيل بأن يذهب ما في نفسها إن شاء الله.
5- الدعاء لها بالتوفيق والهداية والاستقامة وصلاح البال والحال، فإنها أحق الناس بدعائك وإحسانك، وإنك مهما قدمت لن تجزيها على معروفها وسابق إحسانها.
6- احرص أن تكون قدوة صالحة لإخوانك، فيأخذوا عنك الطريقة الحسنة في معالجة هذه المشكلة، التي قد تحدث لهم بعد زواجهم، فلتكن مثالا للصبر والإحسان والبر، واحذر أن يستدرجك الشيطان للتأفف أو التضجر أو الإنكار عليها أو توبيخها فإنك لن تجني من وراء ذلك خيرا، قال الله تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/23.
7- ينبغي أن تناقش المشكلة مع أحد إخوانك، فربما خفيت عليك بعض الجوانب، أو بدر منك ما أغضب والدتك دون أن تشعر، فمعرفة السبب تسهل عليك طريق المعالجة.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1426)
ولدٌ يجادلُ والدتَه في أمورِ طعامِهِ وصلاتِهِ
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي سمين جدًا، ويأكل كثيرًا، وكلما نَصَحَتْه والدتي في التقليل من الأكل، وتهدده بأنها سوف لن ترضى عنه إذا لم يسمع كلامها، فيقول: إن الأكل ليس محرمًا، وليس للوالدة أن تمنعه من أمر حلال؟
وأيضًا، هو لا يصلي في المسجد، وكلما قالت له الوالدة: لماذا لا تذهب؟ يقول: إن صلاة الجماعة سنة مؤكدة كما قال الإمام أبو حنيفة.
وأيضًا يؤخر الصلاة بعد الأذان بفترة طويلة، وكلما قلنا له: لماذا لا تصلي في الوقت؟
فيقول: أنا لم أتجاوز الوقت المحدد، فالصلاة لها أوقاتٌ معروفةٌ ليست مقترنةً بالأذان والإقامة. فكيف نجيب عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إنّ مِن أعظمِ ما امتنّ الله سبحانه وتعالى به على عبادِهِ أنْ سخَّر لهم ما في الأرضِ جميعا منه، وأنزل عليهم النعم، وأباح لهم الطيباتِ من المأكلِ والمشربِ والملبس وغيرها.
ولكنه سبحانه وتعالى أيضًا ذم كلَّ من يسرفُ في استعمالِ هذه المباحات، أو يترخصُ فيها ترخصًا يؤذيه، أو يشغله عن ما هو أنفعُ له في دينِه ودنياه.
قال سبحانه وتعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
ثانياً:
من أخطرِ المهلكاتِ لابنِ آدمَ شهوةُ البطن، والبطنُ ينبوع الشهواتِ ومَنِبتُ الأدواء والآفات.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٍ يُقِمْنِ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاْ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (2380) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
أي: يكفي ابن آدم من الطعام ما يقيم صلبه فقط , ولا يزيد على ذلك , فإن أبى وأصَرَّ على الزيادة , فيأكل ما يملأ ثلث بطنه , ويكون ثلث آخر للشراب , ويبقى الثلث للتنفس , ولا يزيد على هذا القدر.
انظر: "تحفة الأحوذي".
وقد كان العقلاءُ في الجاهليةِ والإسلامِ يتمدحونَ بقلةِ الأكل.
قال حاتمُ الطائيُّ:
فإنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ وَفَرْجَكَ نالا مُنْتَهى الذَّمِّ أَجْمَعَا
"فتح الباري" (9/669) .
وإذا أكثر الإنسان من الطعام حتى ضره ذلك، كان هذا حراما.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل كثرةُ الأكلِ حرام؟
فأجابوا:
" نعم، يَحرُمُ على المسلمِ أن يُكثرَ من الأكلِ على وجهٍ يضرُّه؛ لأنّ ذلك من الإسراف، والإسرافُ حرام، لقول الله سبحانه وتعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين) الأعراف/31 " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (22/329) .
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الترهيب من الإكثار من الشبع , وأن ذلك سبب للتألم بالجوع يوم القيامة، فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا، أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه الترمذي (2015) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والْجُشَاء هُوَ صَوْتٌ مَعَ رِيحٍ يَخْرُجُ مِنْ الإنسان عِنْدَ الشِّبَعِ.
وَرَوَاهُ اِبْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ , عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَزَادُوا: فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا , كَانَ إِذَا تَغَدَّى لا يَتَعَشَّى وَإِذَا تَعَشَّى لا يَتَغَدَّى , وَفِي رِوَايَةٍ لابْنِ أَبِي الدُّنْيَا: قَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: فَمَا مَلأَتْ بَطْنِي مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَةً.
انظر: "تحفة الأحوذي".
وسبيلُ ترك الأكلِ الكثير إنما هو بالتدريج، فمن اعتادَ الأكلَ الكثيرَ وانتقلَ دفعةً واحدةً إلى القليل ضعفَ وعظُمت مشقته، فينبغي أن يتدرجَ إليه قليلًا قليلًا، وذلك بأن ينقص قليلا قليلا من طعامِه المعتاد، حتى يصلَ إلى الحدّ المعتدلِ من الطعام.
ثالثاً:
إن كانت صلاةُ الجماعة سنةً مؤكدة، أو كانت الصلاة في أول الوقت فضيلة، فذلك يعني أن نَعَضَّ عليها بالنواجذ ونحرصَ عليها، لا أن نُهمِلَها ونتهاونَ بأدائِها، ولْنحمدِ اللهَ تعالى أن شرعَ لنا سُننَ الهدى ومناسكَ العبادةِ والخير، ولْنأخذِ العبرةَ من حالِ سلفنا من الجيل الأول.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (من سرّه أن يلقَى اللهَ غدًا مسلمًا فليحافِظ على هؤلاء الصلواتِ حيثُ ينادَى بهن، فإنّ اللهَ شرعَ لنبيكم سننَ الهُدى، وإنّهنَّ مِن سننِ الهُدى، ولو أنّكم صلّيتُم في بيوتِكم كما يُصَلّي هذا المتخلِّفُ في بيتِهِ لتركتُم سنةَ نبيِّكم، ولو تركتم سنةَ نبيِّكم لضلَلَتم، وما مِن رجلٍ يتطهرُ فيُحسِنُ الطهور، ثم يَعمِد إلى مسجدٍ مِن هذه المساجد، إلا كتبَ اللهُ له بكلِّ خطوةٍ يخطوها حسنة، ويرفعُه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلومُ النفاق، ولقد كان الرجلُ يؤتى به يهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف) رواه مسلم (654) .
وهذا على فرضِ كونِ صلاةِ الجماعة سنةً مؤكدةً , وقد سبق بيان وجوبها بالأدلة الدالة على ذلك , في أجوبة كثير من الأسئلة , وانظر السؤال رقم: (120) (8918) (10292) (21498) (40113) .
نسألُ اللهَ تعالى أن يوفقَنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1427)
ما حكم العيش مع والدة كافرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العيش مع والدة كافرة ونقل الزوجة لنفس البيت للعيش معها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من أن يعيش الولد مع والدته الكافرة، أو أن تعيش هي معه، وقد يكون هذا سبباً في هدايتها إذا أحسن الولد لها في المعاملة، وأحسن في عرض الإسلام عليها، والبعد عنها قد يكون سبباً في تأخير هدايتها.
والمسلم مأمورٌ بالإحسان إلى والديه وبرهما حتى لو كانوا كفَّاراً، ولا يحل للمسلم أن يعقهما أو يسيء إليهما في القول أو الفعل، على أن ذلك لا يعني أن يطيعها في المعصية أو يداهنها في الكفر الذي تعتنقه.
أ. قال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إليَّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} العنكبوت / 8.
ب. وقال تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} لقمان / 15.
ت. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: " نعم، صِلي أمك ".
رواه البخاري (2477) ومسلم (1003) .
ث. عن سعد بن أبي وقاص: أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال: حلفتْ أم سعد أن لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمتَ أن الله وصاك بوالديك، وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا، قال: مكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابنٌ لها يقال له " عمارة " فسقاها فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية {ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك على أن تشرك بي} وفيها: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً} ... .
رواه مسلم (1748) .
هـ. وهذه فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في حكم طاعة الوالدين في حلق اللحية:
السؤال: عن حكم طاعتك لوالدك في حلق اللحية.
فأجاب الشيخ رحمه الله:
بأنه لا يجوز لك طاعة والدك في حلق اللحية، بل يجب توفيرها وإعفاؤها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين "، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الطاعة في المعروف "، وإعفاء اللحية واجب وليس بسنَّة حسب الاصطلاح الفقهي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، والأصل في الأمر الوجوب، وليس هناك صارف عنه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 377 – 378) .
وانظر جواب السؤالين (5053) و (6401) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1428)
هل يطيع والده ويحلق اللحى في محله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في محل حلاقة، وهذا المحل ملك لوالدي، ولدي أخ منَّ الله عليه بالهداية ويعمل معي بالمحل وإنه الآن متزوج وإنه يرفض حلق اللحية للزبائن لأنه يرى أن هذا حرام شرعاً وأن المال الذي يأتي من حلق اللحية حرام , أنا أعزب أعيش مع والدي، كنت أرفض حلق اللحية للزبائن أولاً، لكن أبي ضغط عليَّ وأغلق المحل، وليس لدي عمل آخر , إن أخي مصر على عدم حلق اللحية فلا يعاني ضغطاً من أبي لأنه في بيت آخر، أنا مرتبط بتجهيز وأقساط فعدت لحلق اللحية وأنا أكرهها ليفتح أبي المحل، فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق في جواب السؤالين (1190) و (8196) حرمة حلق اللحية، وحرمة الإعانة على حلقها، سواء كان بفتح محل لحلق اللحى أم بغير ذلك.
وطاعة الوالدين وبرهما واجبة، إلا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية الله) رواه البخاري (6830) ومسلم (1840) .
وعليه: فلا يجوز فتح محل لحلق اللحية، ويمكنك الاكتفاء بحلق وتقصير الشعر وحف الشوارب دون التعرض للحى الناس، وفي هذا جمع بين الأمرين: فتح المحل وعدم الوقوع في الحرام.
وليعلم والدك أن تحصيل الرزق يجب أن يكون وفق الشرع، وأن الله تعالى يبارك في المال الحلال القليل، ويمحق المال الحرام الكثير، وأنت لستَ مضطراً شرعاً للوقوع في هذه المعصية، وطاعة والدك ليست ملزمة لكَ لما فيها من الأمر بالمعصية.
فاستعن بالله تعالى ولا تستجب لما يدعوك إليه والدك، وابحث عن عمل آخر، أو ابق في محلك من غير أن تحلق اللحى، وسيجعل لك مخرجاً، ويرزقك من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق/2، 3.
واقتد بأفعال خير القرون وهم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فما كانوا ليقدموا دنياهم على دينهم، ولا نفع الدنيا على خير الآخرة، وقد كانوا يسمعون الوحي ينهاهم عن الأمر الحبيب إلى نفوسهم فيسارعون إلى تركه، وكانوا يسمعون الأمر الثقيل على نفوسهم فيسارعون إلى فعله، وأهل المدينة كانوا أهل زرع، وكان لهم نفع في بعض عقودهم، فلما جاءهم النهي عن بعضها قال أحدهم: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعاً وطواعية الله ورسوله أنفع لنا) رواه البخاري (2214) ومسلم (1548) .
ولم يتردد الصحابة عندما حرمت الخمر عن الامتناع عن شربها والكأس في أيديهم، ولم يؤخروا كسر الجرار بل سارعوا إلى ذلك، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " كنتُ أسقي أبا طلحة الأنصاري وأبا عبيدة بن الجراح وأبيّ بن كعب شراباً من فضيخ - وهو تمر - فجاءهم آتٍ فقال: إن الخمر قد حرِّمت فقال أبو طلحة: يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها، قال أنس: فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى انكسرت " رواه البخاري (6826) ومسلم (1980) .
وبمثل هذه الاستجابة سبق أولئك الكرام من جاء بعدهم، والواجب على المسلم أن لا يتردد في ترك ما هو عليه من مخالفة للشرع، وليعلم أن هذا مقتضى إيمانه الذي رضيه لنفسه، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا) الأحزاب/36.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1429)
تزوج أرملة فعارضه أهله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل مسلم تزوجت أرملة لها 4 أولاد دون موافقة أهلي، وأعيش الآن في سعادة، ونقرأ القرآن، ونحافظ على الصلوات، تزوجتها لأنني أريد أن أساعدها في حياتها وتربيتها لأبنائها الأربعة، سبب رفض والداي لزواجي هو لماذا أتحمل عبء شخص آخر، هذا غير الخزي الذي سيلحق بهم من أقاربهم.
شرحت لهم التالي:
أنني سعيد بتحملي لهذه المسئولية وأنني لم أكلف نفسي فوق طاقتها.
لماذا لا أتحمل المتاعب لأساعد امرأة تعاني من مشاكل صحية ونفسية ومالية وأعطيها الحياة من جديد.
أقاربي يهتمون بجمال الزوجة وثروتها فقط ولا يهمهم الدين.
بالرغم من كل التوضيحات لهم، لكنهم رفضوني أنا وزوجتي، وقد تزوجت بالرغم من كل هذا، وأنا سعيد الآن، وأتوب إلى الله دائماً لأنني قسوت على والدي ووالدتي. سمعت أحد المشايخ يقول بأن " الجنة تحت أقدام الأمهات " (أظنني سمعتها هكذا) ، أشعر بالذنب فأرجو أن تخبرني بما يجب فعله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما فعلتَه من زواجك من امرأة ذات عيال وتعاني من مشاكل متعددة هو أمر تُحمد عليه وتؤجر، وخاصة إن كانت صاحبة دين كما هو ظاهر من سؤالك.
فقد رغَّب الشرع للمتزوج أن يبحث عن ذات الدين، فإنها نعمَ الزوجة تكون له، تحفظ نفسها وزوجها، وتربي أولاده على ما يحب ربنا تعالى، وتطيع زوجها ولا تعصيه وزواج البكر مستحب شرعاً، وهو أفضل من زواج الثيب، لكن قد يعرض للثيب ما يجعلها أفضل من البكر كما لو كان في الزواج بها مصلحة لا توجد في البكر، أو كانت تفوق البكر في الدين والخلق.
روى البخاري (4052) ومسلم (715) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ نَكَحْتَ يَا جَابِرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ؟ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَهَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ. فقُلْتُ: إِنَّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ آتِيَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَجِيءَ بِامْرَأَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ. قَالَ فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْ قَالَ لِي خَيْرًا وَفِي رِوَايَةِ: قَالَ: أَصَبْتَ. وَفِي رِوَايَةِ لمسلم: قَالَ: فَذَاكَ إِذَنْ، إِنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا وَمَالِهَا وَجَمَالِهَا فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ.
قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (6/126) :
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ نِكَاحِ الأَبْكَارِ إلا لِمُقْتَضٍ لِنِكَاحِ الثَّيِّبِ كَمَا وَقَعَ لِجَابِرٍ اهـ.
وقال السندي:
(فَذَاكَ) الَّذِي فَعَلْت مِنْ أَخْذ الثَّيِّب أَحْسَن أَوْ أَوْلَى أَوْ خَيْر اهـ.
فقد أصبت وأحسنت في زواجك من هذه المرأة، ولا عليك من كلام الناس بعدها، فقد فعلتَ ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان أكثر نسائه ثيبات.
ولا تشترط موافقة أهلك على زواجك، وخاصة إن كانت معارضتهم لما ذكرتَه عنهم، وقد سبق في جواب السؤال رقم (20152) فتوى الشيخ عبد الله بن حميد في هذه المسألة، فلينظر، فهو مهم.
وعليك أن تتوب وتستغفر من قسوتك على والديك، والواجب عليك التلطف معهما، واسترضاؤهما، ويمكنك بالجدال بالتي هي أحسن أن تتوصل لإقناعهما، فتجمع بين الأمرين: أمر زواجك ممن ترغب، وأمر رضاهما وهو مهم.
ثانياً:
أما حديث " الجنة تحت أقدام الأمهات " فهو غير صحيح بهذا اللفظ.
وقد ورد من حديث ابن عباس وحديث أنس.
أما حديث ابن عباس: فقد رواه ابن عدي في " الكامل " (6 / 347) ، وقال: هذا حديث منكر.
وأما حديث أنس: فقد رواه الخطيب البغدادي، وهو ضعيف.
قال العجلوني:
وفي الباب أيضاً ما أخرجه الخطيب في " جامعه " والقضاعي في مسنده عن أنس رضي الله عنه رفعه " الجنة تحت أقدام الأمهات "، وفيه: منصور بن المهاجر، وأبو النضر الأبار، لا يعرفان.
وذكره الخطيب أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما، وضعَّفه.
" كشف الخفاء " (1 / 401) .
وقال الشيخ الألباني عن حديث ابن عباس إنه موضوع.
وقال:
ويغني عنه: حديث معاوية بن جاهمة أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله أردتُ أن أغزو، وقد جئت أستشيرك فقال: هل لك أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها؛ فإن الجنة تحت رجليها.
رواه النسائي (2 / 54) وغيره كالطبراني (1 / 225 / 2) ، وسنده حسن إن شاء الله، وصححه الحاكم (4 / 151) ، ووافقه الذهبي، وأقره المنذري (3 / 214) . " السلسلة الضعيفة " (593) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1430)
هل من العقوق سفره لطلب الرزق وتركه لوالديه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في 28 من عمري وخطبت منذ حوالي عام والحمد لله، الرزق قليل، ولكن جاءني بإذن الله عقد عمل بإحدى الدول العربية براتب حسن، ولكني أتردد في قبول الوظيفة حيث إني الابن الوحيد لوالدي، والأخ الوحيد لثلاثة بنات، فهل يعتبر سفري من أجل مستقبلي وإتمام زواجي فيه شيء من عقوق الوالدين؟ حيث إنني إن سافرت سأتركهما وحدهما وهما كبار السن، علما بأني إن تزوجت هنا لن أعيش معهما، وهما يمانعان في الانتقال من بيتهما. أسألكم إرشادي لما فيه الخير والصلاح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان أحد والديك أو كلاهما محتاجاً إليك لخدمته ولا يوجد من يقوم بذلك بعد سفرك، فإنك لا تسافر إلا بإذنهما.
فإن أذنا لك في السفر، أو كانا غير محتاجَيْن إليك، إما لكونهما يقدران على خدمة أنفسهما، أو يوجد من يخدمهما غيرك، فلا حرج عليك حينئذ من السفر لإتمام زواجك، وتحصين فرجك، ولو لم يأذنا، ولا يعد سفرك من العقوق.
إلا أنه من الأحسن بلا شك إرضاؤهما، وبيان ما في السفر من مصالح لك، وأنك لن تضيعهما، وسيكون سفرك بقدر حاجتك، ثم تعود إليهما. . . ونحو ذلك.
وقد نص العلماء رحمهم الله على جواز سفر الولد لطلب الرزق بدون إذن والديه، بشرط أن يكون السفر آمناً لا خطورة فيه على الولد، وأن يكونا غير محتاجين إليه.
قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (7/98) أثناء حديثه عن الخروج للجهاد إذا كان فرض كفاية، قال:
" وَلا يُبَاحُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَخْرُجَ إلا بِإِذْنِ مَوْلاهُ , وَلا الْمَرْأَةُ إلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا ; لأَنَّ خِدْمَةَ الْمَوْلَى , وَالْقِيَامَ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، كُلُّ ذَلِكَ فَرْضُ عَيْنٍ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ , وَكَذَا الْوَلَدُ لا يَخْرُجُ إلا بِإِذْنِ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا إذَا كَانَ الآخَرُ مَيِّتًا ; لأَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ.
وَالأَصْلُ أَنَّ كُلَّ سَفَرٍ لا يُؤْمَنُ فِيهِ الْهَلاكُ , وَيَشْتَدُّ فِيهِ الْخَطَرُ لا يَحِلُّ لَلْوَلَدِ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدِيهِ ; لأَنَّهُمَا يُشْفِقَانِ عَلَى وَلَدِهِمَا فَيَتَضَرَّرَانِ بِذَلِكَ , وَكُلُّ سَفَرٍ لا يَشْتَدُّ فِيهِ الْخَطَرُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا إذَا لَمْ يُضَيِّعْهُمَا ; لانْعِدَامِ الضَّرَرِ , وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ رَخَّصَ فِي سَفَرِ التَّعَلُّمِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا ; لأَنَّهُمَا لا يَتَضَرَّرَانِ بِذَلِكَ بَلْ يَنْتَفِعَانِ بِهِ , فَلا يَلْحَقُهُ سِمَةُ الْعُقُوقِ " انتهى.
وقال السرخسي في "السير الكبير" (1/197) :
" وَكُلُّ سَفَرٍ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُسَافِرَ غَيْرَ الْجِهَادِ لِتِجَارَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ أَبَوَاهُ , وَهُوَ لا يَخَافُ عَلَيْهِمَا الضَّيْعَةَ فَلا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ ; لأَنَّ الْغَالِبَ فِي هَذِهِ الأَسْفَارِ السَّلامَةُ , وَلا يَلْحَقُهُمَا فِي خُرُوجِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ , فَإِنَّ الْحُزْنَ بِحُكْمِ الْغَيْبَةِ يَنْدَفِعُ بِالطَّمَعِ فِي الرُّجُوعِ ظَاهِرًا , إلا أَنْ يَكُونَ سَفَرًا مَخُوفًا عَلَيْهِ مِنْهُ. . . فَحِينَئِذٍ حُكْمُ هَذَا وَحُكْمُ الْخُرُوجِ إلَى الْجِهَادِ سَوَاءٌ ; لأَنَّ خَطَرَ الْهَلاكَ فِيهِ أَظْهَرُ " انتهى باختصار يسير.
وقال النووي في "المجموع" (8/314) :
" إذَا أَرَادَ الْوَلَدُ السَّفَرَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ فَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ (يعني: أبا إسحق الشيرازي رحمه الله) فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ الأَبَوَيْنِ , قَالَ: وَكَذَلِكَ سَفَرُ التِّجَارَةِ لأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا السَّلامَةُ " انتهى.
ثانياً:
وأما عدم إقامتك معهما بعد الزواج، مع رغبتهما في بقائك معهما، فلا حرج عليك في ذلك، إن شاء الله تعالى، إذا لم يكن في ذلك تضييع لهما، أو الإضرار بهما.
لاسيما وقد تكون هناك أسباب تدعو إلى ذلك، كضيق المسكن، أو رغبة الزوجة في الانفراد بمسكن مستقل- وهذا حق لها- ونحو ذلك من الأسباب.
مع التنبه على أن انفرادك عنهما لا يعني عدم السؤال عنهما، ولا قضاء حوائجهما وبرهما، بل إن ذلك من أوجب الواجبات عليك لاسيما مع كبرهما، قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23، 24.
وبر الوالدين باب مفتوح إلى الجنة، فاحرص على إرضائهما، والإحسان إليهما، وعدم إغضابهما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1431)
الزواج من نصرانية أسلمت حديثاً ولها ولد
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة ممتازة أسلمت قبل شهرين، كانت متزوجة ولها ولد من زوجها النصراني، يعتبر الزواج الآن باطلاً بعد إسلامها ولديها حق رعاية الطفل، أريد أن أتزوجها وأرعى هذا الطفل ولكن والداي لا يسمحان لي بفعل هذا، أفتخر بأن أقول بأن الله استعملني لهداية هذه المرأة، ولكنني أواجه الآن هذه المشكلة، فوالداي من جهة يعارضان تماماً رغبتي في الزواج من هذه الفتاة لأنها من بلد مختلف وعاداتها وتقاليدها مختلفة وكذلك بسبب وجود طفل لها من زوجها الأول. ومن جهة أخرى فأنا أعلم بأن هذه الفتاة تحتاج للكثير من المساعدة في شؤون حياتها ودينها، وأريد مساعدتها بالزواج منها ورعاية طفلها.
أرجو أن تنصحني حسب القرآن والسنة، هل أمضي قدماً في هذا الزواج أم أتركها كما يريد والداي حتى إذا علمنا أن السبب الوحيد الذي يرفضان لأجله هو أنها من بلد مختلف وتقاليد مختلفة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن للوالدين حقا عظيما على أبنائهما، ولهذا قرن الله الأمر بالإحسان إليهما، بالأمر بعبادته سبحانه، فقال:
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ... ) البقرة / 83.
وقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ... ) النساء/ 36
وقال: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) الأنعام / 151 وقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الاسراء / 23
فبرهما والإحسان إليهما، والسعي في مرضاتهما من أعظم الأعمال، وأفضل الخصال.
ومعلوم أنه لا يجب على الإنسان أن يتزوج امرأة بعينها، فإذا حصل التعارض بين إرضاء والديه، والزواج بامرأة يرغب فيها، قدم رضا والديه ولا شك.
وقد روى الترمذي (1900) وابن ماجه (2089) عن أبي الدرداء أن رجلا أتاه فقال إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها قال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه ". والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وهذا يقوله أبو الدرداء رضي الله عنه في شأن الطلاق، وهو فوق مسألتنا هذه بمراحل، فإن الطلاق شأنه عظيم، ولهذا كان القول الصحيح أنه لا تجب طاعتهما فيه. (انظر: الآداب الشرعية لابن مفلح 1/447) .
وبناء على ما سبق، فينبغي أن تتلطف في إقناع والديك بالزواج من هذه المرأة، فإن أصرا على الرفض، فالنصيحة أن تطيعهما، والمرأة لن تعدم زوجا صالحا يتقدم لها إن شاء الله، ولك أجر هدايتها والحمد لله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1432)
والده يمنعه من صلاة الفجر في المسجد فهل يطيعه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 16 سنة والمسجد قريب جدّاً من بيتنا، ولكن أبي لا يسمح لي أن أصلي الفجر فيه، ويسمح بباقي الصلوات قائلاً إنه يخاف عليَّ أن يحدث لي شيء، لأن بيننا وبين المسجد تقاطعاً، أي: شارعين متداخلين، مع أني كلمته كثيراً وحاولت إقناعه بالآيات والأحاديث، ولكن لا فائدة، فهل أذهب للصلاة من دون علمه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
في البداية - أخي السائل - نود أن نحيي فيك هذه الهمة الطيبة والحرص على الفرائض وصلاة الجماعة، ونسأل الله لك الثبات على الدين والاستقامة، وألا تكون مثل هذه التصرفات من والدك مثبطة لك عن الاستقامة وعمل الخير والهداية، وقبل الجواب على سؤالك فينبغي أن تتذكر أمراً هاماً جداً، وهو:
أن بر الوالدين وطاعتهما فريضة قد وصى الله بها في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومن ذلك قوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/36، وقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23، 24.
واعلم أن طاعة الوالدين ملزمة لك إلا أن يأمرا بمعصية الله تعالى، فحينها لا طاعة لهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري (6830) ومسلم (1840) .
أما عن صلاة الجماعة فهي واجبة، لا يجوز للأب أن يمنع ولده المكلف منها، بل الواجب على الآباء أن يأمروا أبناءهم بها ويرغبوهم فيها ويحثوهم عليها، وإذا أحس الوالد من ولده تقصيراً في هذا الواجب فعليه أن يستشعر المسئولية التي حُمِّلَها، والرعية التي سوف يُسأل عنها أمام الله تعالى يوم الحساب، فيأمر وينهى ويذكر رعيته بما يجب عليهم تجاه ربهم من الواجبات وخطر التهاون فيها.
فإن قصر الوالد في حق أولاده بأن تركهم دون أمر ونهي وترغيب في الخير وترهيب من الشر، فهذا لا يعفيهم من الإثم إن قصروا في الواجبات أو فعلوا المحرمات.
فإن تعدى الأمر عند الوالد بأن ينهى أبناءه عن الواجب الذي أمرهم الله به فعندئذ لا طاعة له في معصية الله أو في ترك ما أوجب الله، فإذا أمر الأب ولده بترك صلاة الجماعة كل أوقاتها أو بعضها فقد أمر بمعصية، فحينئذ لا طاعة له، مع صحبته بالمعروف والإحسان إليه.
أما عن سؤالك هل تخرج سرّاً لصلاة الفجر: فهذا طيب بالنسبة لك، لكنه يسيء إلى والدك من حيث لا تشعر، فوالدك متلبس بمعصية ما دام يمنعك من صلاة الجماعة، حتى لو خرجت سرّاً فالإثم لا يرتفع عنه، لأنه ما يزال آمراً بالمنكر، ناهياً عن المعروف، حتى لو خرجت للصلاة دون علمه، فعليك أن تحاول إقناعه أولاً بالحكم الشرعي ولو عن طريق غيرك إن كان لا يسمع منك أو يعتبرك صغيراً، فإن لم يستجب، فلا حرج عليك أن تخرج بلا إذن منه وبغير علمه، مع أخذ الحيطة والحذر في طريقك للمسجد.
ثانياً:
ونقول لوالدك – هداه الله – إن الله تعالى حمَّلك مسئولية عظيمة، وهي تعليم ونصح أهلك من زوجة وأولاد، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته) .
وقد أمرك الله تعالى أن تقي نفسك وأهلك ناره عز وجل فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6، وقول تعالى – ناصّاً على الأمر بالصلاة -: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) طه/132.
قال ابن القيم رحمه الله:
" فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنُنه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً " انتهى.
" تحفة الودود " (ص 229) .
ونحن نسألك سؤالاً مهمّاً: أين أنت عن صلاة الفجر؟! أليس من الواجب عليك أداؤها جماعة؟! أليس من الواجب عليك أن تكون قدوة لأهلك وأولادك فتصلي في بيت الله تعالى جماعة؟! إنك إن فعلت هذا أدَّيت ما أوجبه الله عليك، وأعنتَ ولدك على صلاته في المسجد، واطمأننتَ عليه إن كنتَ خائفاً من ذهابه وحده.
واعلم أيها الوالد الكريم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن من صلى الفجر فهو في ذمة الله تعالى، فكيف تخاف على من كان في ذمته عز وجل؟!
فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) رواه مسلم (657) .
والذمة هنا الضمان، وقيل: الأمان، كما قال النووي رحمه الله.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لأداء الأمانة، وأن تكون قدوة صالحة لأهلك، وأن تعين ولدك على أداء الصلوات في بيت الله عز وجل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1433)
هل يجوز له الكذب على والديه للخروج لطلب العلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أن مَنَّ الله علي بالإسلام، أحببت أن أخرج لطلب العلم ولكن أبواي منعاني ويعارضان ذلك بشدة، فاضطررت إلي الخروج لطلب العلم في أحد البلاد المجاورة دون إذنهما، ومن ورائهما وكنت إذا تأخرت في المرواح إلى المنزل، يسألاني، فأكذب عليهم، إضافة إلى ذلك أنا أقضي يوماً كاملاً من الأسبوع خارج المنزل على اعتبار أنني أذاكر مع أحد الزملاء، وهكذا أقوم كثيراً بالكذب عليهم ... فسؤالي الأول 1- هل يجوز ذلك (أعني الكذب عليهم) لمعرفتي أن الكذب جريمة بشعة وذنب عظيم ولكنه هو الطريقة الوحيدة للاستمرار في طلب العلم 2- ماذا أفعل إذا عرفا ما كنت أخفيه وواجهاني بالأمر، بالتأكيد سيمنعاني، فهل أنزل على رغبتهما أم أستمر في طلب العلم، علماً بأنهم قد يخرجاني من البيت إذ لم أفعل، وأنا ما زلت طالباً في كلية الطب، ولا أتقن أي عمل أشتغل به خارج المنزل طلباً للرزق فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
طلب العلم الشرعي قربة من أعظم القربات، وعنوان على توفيق الله للعبد ومحبته له؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) رواه البخاري (71) ومسلم (1037) .
وهذا العلم ينقسم إلى فرض عين؛ وإلى فرض كفاية، ففرض العين منه، ما يحتاجه المسلم لتصح عقيدته وعبادته ومعاملته.
وما عدا ذلك فهو نفل في حق الفرد، فرض كفاية على مجموع الأمة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل دراسة العلم الشرعي فرض؟
فأجابوا: "العلم الشرعي على قسمين: منه ما هو فرض على كل مسلم ومسلمة، وهو معرفة ما يصحح به الإنسان عقيدته وعبادته، وما لا يسعه جهله، كمعرفة التوحيد وضده الشرك، ومعرفة أصول الإيمان وأركان الإسلام، ومعرفة أحكام الصلاة وكيفية الوضوء والطهارة من الجنابة ونحو ذلك، وعلى هذا المعنى فُسر الحديث المشهور: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) .
والقسم الآخر: فرض كفاية، وهو معرفة سائر أبواب العلم والدين، وتفصيلات المسائل وأدلتها، فإذا قام به البعض سقط الإثم عن باقي الأمة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12/90) .
ثانيا:
الأصل في الكذب أنه حرام، ولا يباح إلا في حالات خاصة بينتها الشريعة، تحقيقا للمصلحة العظيمة أو دفعا للمضرة، وانظر هذه الحالات في جواب السؤال رقم (47564) .
ثالثا:
الخروج لطلب العلم بغير إذن الوالدين أو مع مخالفتهما، فيه تفصيل:
1- إن كان العلم فرضا متعينا، فلا يشترط إذن الوالدين، وإن منعاه فلا طاعة لهما في ذلك، إلا أن الكذب عظيم، وفي المعاريض مندوحة عنه، قال البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب المعاريض مندوحة عن الكذب. وقال إسحاق: سمعت أنسا: مات ابن لأبي طلحة، فقال: كيف الغلام؟ قالت أم سليم: هدأ نَفسُه، وأرجو أن يكون قد استراح. وظن أنها صادقة".
والتعريض: ضد التصريح، والمراد به التورية، والمندوحة: الفسحة والسعة.
قال الحافظ: " وشاهد الترجمة منه قول أم سليم: هدأ نَفَسُه، وأرجو أن قد استراح؛ فإن أبا طلحة فهم من ذلك أن الصبي المريض تعافى؛ لأن قولها: هدأ، بمعنى سكن. والنفَس مشعر بالنوم، والعليل إذا نام أشعر بزوال مرضه أو خفته، وأرادت هي أنه انقطع بالكلية بالموت، وذلك قولها: وأرجو أنه استراح. فهم منه أنه استراح من المرض بالعافية، ومرادها أنه استراح من نكد الدنيا وألم المرض، فهي صادقة باعتبار مرادها، وخبرُها بذلك غير مطابق للأمر الذي فهمه أبو طلحة، فمن ثَمَّ قال الراوي: وظن أنها صادقة، أي باعتبار ما فهم". انتهى من "فتح الباري" (10/594) .
وقال ابن قتيبة رحمه الله: " فمن المعاريض قول إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم في امرأته: إنها أختي، يريد أن المؤمنين إخوة ". انتهى من "تأويل مختلف الحديث" ص 35.
فلو سئلتَ عن تأخرك مثلا فلك أن تقول: إنك كنت تذاكر أو تدرس مع زميلك، فيُظن أنك تقصد مذاكرة دروس الطب، والواقع أنك تقصد الدروس الشرعية، أو أن تقول: كنت عند زميلي، وتقصد زميلك في طلب العلم، أو أنك مررت على زميلك بالفعل بعد رجوعك من درس العلم، وهذه المعاريض إنما تستعمل عند الحاجة، وأما الإكثار منها بغير حاجة فلا؛ لأن ذلك باب إلى الكذب، وسقوط الهيبة، وانعدام الثقة فيما يقوله المرء.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل طلب العلم المفروض مشترط فيه إذن الأبوين أم لا؟
فأجابوا: طلب العلم الذي يتوقف عليه صحة إيمانك وأداء الفرائض، لا يتوقف على إذن الوالدين، وما كان من العلوم فرض كفاية فاستأذن فيه الوالدين " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12/78) .
2- وإن كان الوالدان يمنعان من حضور حلقات العلم كراهة في العلم الشرعي، فلا إذن لهما ولا طاعة في ذلك، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ... وأما إذا علم كراهة الوالدين للعلم الشرعي فهؤلاء لا طاعة لهما، ولا ينبغي له أن يستأذن منهما إذا خرج؛ لأن الحامل لهما كراهة العلم الشرعي " وانظر تمام كلامه في جواب السؤال رقم (11558) .
3- وإن كان الخروج لطلب العلم يستلزم السفر والغياب عنهما مع حاجتهما إليك لخدمتهما ونحو ذلك، فلابد من إذنهما؛ أما إذا كان طلب العلم في البلد التي أنت بها، ولا يحتاجان إليك فترة غيابك فلا يشترط إذنهما في ذلك.
روى الخلال عن أحمد رحمه الله: " أن رجلا سأله: إني أطلب العلم، وإن أمي تمنعني من ذلك، تريد حتى أشتغل في التجارة؟ قال لي: دارِها وأَرضها، ولا تدع الطلب.
وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/646) : "ذكر صاحب النظم: لا يطيعهما في ترك نفل مؤكدٍ، كطلب علم لا يضرهما به" انتهى.
رابعا: ينبغي أن تعلم أن طرق تحصيل العلم كثيرة، لا سيما في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الأشرطة والاسطوانات والكتب، فمن ذلك:
1-الاستفادة من الكتب والأشرطة والشروح الموجود على الإنترنت.
2-الاستفادة مما يعرض في بعض القنوات الفضائية، كالدروس العلمية النافعة التي تعرضها قناة المجد التعليمية.
3-قراءة الكتب، مع سؤال أهل العلم، عن طريق الإنترنت وغيره، عما أشكل.
وانظر جواب السؤال رقم: (20191) ففيه بيان كيفية طلب العلم.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1434)
هل يحق للابن أو للبنت رفض من اختاره لهما والداهما في الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى أي مدى يحق للوالدين اختيار رفيق حياة ابنهما؟ وما هو الحكم إن هما أجبراها على الزواج من أحد أقاربها ولم يكن هو الاختيار النهائي في ذهنها الذي ترغب في الارتباط به؟ وإلى أي حد تكون مذنبة إن هي رفضت؟ هل يحق لها رفض الشخص الذي قام والداها باختياره لها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن من شروط النكاح رضا الزوجين؛ لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الأيم حتى تستأمر. قالوا: يا رسول الله، كيف إذنها؟ قال: أن تسكت " أخرجه البخاري (5136) ، ومسلم (1419) .
فالرضى معتبر بالنسبة للزوج، وكذلك أيضا بالنسبة للزوجة، فلا يحق للوالدين أن يجبرا ابنهما أو ابنتهما على أن يتزوج زوجا لا يرغبه.
لكن إذا كان الزوج الذي اختاره الوالدان صالحا فإنه ينبغي للولد سواء كان ذكرا أو أنثى أن يطيع والديه في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه " أخرجه الترمذي (1084) ،وابن ماجه (1967) . حسنه الألباني في صحيح الترمذي (865)
لكن إذا كانت هذه الطاعة قد تسبب فرقة بعد ذلك فإنه لا يلزمه أن يطيعهما في ذلك؛ لأن الرضا أساس العلاقة الزوجية، وهذا الرضا لا بد أن يكون وفق الشريعة، وذلك بأن يرضى ذا الخلق والدين.
الشيخ: د. خالد المشيقح
ولا يعتبر الولد عاصياً أو مذنباً إذا لم يطع والديه في ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد، فإن امنتع فلا يكون عاقاً، كأكل ما لا يريد ". الإختيارات (344) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1435)
إذن الوالدين لحج التطوع والفريضة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل له الحج بغير إذن والديه، ويصح حجه، والخروج في طلب العلم، وهل يأثمان
بمنعه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
لهما منعه من حج التطوع، ولا يأثمان بذلكم، وليس لهما منعه من الحج المفروض، ويأثمان بمنعه، ومتى حج بغير إذنهما صح حجه مطلقاً - وإن كان عاصياً في التطوع - وله السفر في طلب العلم بغير إذنهما.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب فتاوى الإمام النووي ص 94(7/1436)
هل للوالد أن يأخذ من مال أولاده ما يشاء ولو كان غنيّاً
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث الشريف في باب حق الأب على الابن قال عليه السلام: (أنت ومالك لأبيك) فهل هذا الكلام ينطبق على البنت التي تعمل براتب جيد، ولو أن والدها ليس بحاجة مادية إليها ما دامت تحت ولايته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث يعم الابن والبنت، ويدل على ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم) رواه الخمسة، لكن يُشترط ألا يكون في ذلك ضرر بيّن على الولد ذكراً كان أو أنثى، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) وما جاء في معناه من الأدلة وأن لا يأخذ الوالد ذلك تكثراًً بل يأخذه لحاجة.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (21/180) .(7/1437)
هل يطيع والديه أم يطبق السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) مهمة جدا. والمثال الذي أسمعه دائما هو أن الفرائض هي مثل جدر البيت، والسنن هي مثل أثاثه. وعليه فإن سؤالي هو: إذا كان الشخص يواجه معارضة من والديه تجاه ارتدائه للملابس الموافقة للسنة، وأكله ونومه حسبما جاءت به السنة.. الخ، فهل يترك من هو في مثل هذا الوضع القيام بتلك السنن إرضاءً لوالديه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليه أن يُقنع أبويه ويبيّن لهما السنة في اللباس والأكل والنوم ونحو ذلك، فإذا أصرّ كلاهما أو أحدهما فله أن يطيعهما في اللباس والأكل والنوم الذي لا يخالف نصا ولا دليلا واضحا حيث أن الأصل في اللباس ونحوه الإباحة، وأنه يرجع في ذلك إلى العادة لأن هذه الأمور من العادات الطبيعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها قبل الإسلام ويفعلها غيره، فلا حرج على المسلم إذا لبس لباس أهل بلده وأكل مما يناسبهم، ووافقهم فيما لا يخالف نصا صريحا سيّما إذا كان الوالدان يأمرانه بذلك.
الشيخ ابن جبرين.
أما إذا أمراه بأمر يخالف الشريعة في اللباس، مثلاً كالإسبال وتطويل اللباس ليجاوز الكعبين أو أمراه أن يأكل بالشمال مثلاً فلا يطعهما في هذا مع استعمال الرفق معهما، والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1438)
أمه تميل إلى زوجة أخيه أكثر من زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي لا تصلي أبدا، وهي تقع في الغيبة وتكرهني لأني واجهتها بتعاليم الدين الإسلامي. ولقد اصطحبتها معي للحج رجاء أن تتبع الطريق المستقيم بإذن الله. والآن، فهي متعلقة كثيرا بأخي الأصغر، وبعد أن تزوج، فقد أصبحت تصرف على زوجته بشكل مستمر. أما زوجتي فإنها تطيعها بهدوء وتقوم بكل أعمال المنزل الروتينية. كما أن والدتي كانت تلعنني دائما. فهل أعاملها بصرامة، أم أن ذلك يخالف تعاليم الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مهما فعلت والدتك من أخطاء تجاهك فينبغي أن تتحمل وتصبر، بل ينبغي أن تستثمر وجودها على قيد الحياة لتعتني ببرها ففي ذلك أجر عظيم. وقد بكى أحد السلف حين مات أحد والديه فقال: كان لي بابان إلى الجنة فأغلق أحدهما. بل قال النبي عليه الصلاة والسلام: " رغم أنف من أدرك والديه أو أحدهما عند الكبر ثم لم يغفر له ". والوالدان يصعب أن يتحكما في عواطفهما، ويحصل منهما كثيرا أن يميلا لبعض الأولاد دون بعض، فعلينا أن نتحمّل ذلك منهم ونصبر، وعما قريب سنكون _ إن طال بنا العمر _ مكانهما.
الشيخ محمد الدويش.
وإذا استمرت أمك على ترك الصلاة فعليك الاستمرار في دعوتها بالحسنى واللين والرفق وتجتهد لها بالدعاء لعل الله أن يهديها.
وتارك الصلاة بالكلية كافر ولكنَّ الوالدين يعاملان معاملة خاصة حتى لو كانا كافرين لقوله تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً) لقمان/15.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1439)
اختلف مع والديه قبل دخول رمضان فبم تنصحونه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من بدأ صيام الشهر الفضيل وهو على خلاف مع والديه على مصاريف البيت التي يحملونه إياها دون مشاركة عادلة من قِبلهم علماً بأنهم يستطيعون المساعدة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله تعالى برَّ الوالدين، ونهى عن عقوقهما، وأمر بمصاحبتها بالمعروف، وكل ذلك واضح مبيَّن في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
انظر أجوبة الأسئلة: (5326) و (30893) و (22782) .
ولم يُشرع الصيام من أجل الجوع والعطش، بل قد ذكر الله تعالى الحكمة العظيمة، والفائدة الجليلة من تشريع الصيام، وهو أن يحصِّل العبد به تقوى الله تعالى.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183.
والتقوى: هي فعل الطاعات وترك المعاصي.
ومن هنا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم كثير من الناس، وأنه لا ينالهم إلا الجوع والعطش.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ".
رواه ابن ماجه (1690) . وصححه ابن حبان (8 / 257) والألباني في " صحيح الترغيب " (10 / 83) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ربَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر ".
رواه الطبراني في " الكبير " (12 / 382) . وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (1084) .
وكما ينبغي للمسلم أن يتحيَّن فرصة إدراك والديه أو أحدهما ليدخل الجنة بسبب ذلك: فإنه ينبغي أن يتحيَّن فرصة رمضان ليتوب ويستغفر ويتقي ربه تعالى ليدخل بسبب ذلك الجنة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: آمين، آمين، آمين، قيل يا رسول الله إنك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين، قال: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، فقال: يا محمد، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، قال: ومن ذُكرتَ عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين.
رواه ابن حبان (3 / 188) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (1679) .
والخلاصة:
أنه يجب عليك أن تحرص على رضا والديك ولو حمَّلاك فوق طاقتك، فإنك إن احتسبتَ ذلك فتح الله لك – إن شاء – أبواباً من الرزق، ولا داعي للتحسس من طلب الأهل مالاً للنفقة، وحيث أنهم لم يطلبوا ذلك المال للحرام والمعصية فهو أمر غير مستنكر.
ويمكنك التكلم معهم - إن كانوا قادرين - بالحسنى، وإفهامهم بحاجتك وعدم قدرتك على أكثر مما تدفع، وكذا يجب عليك أن تساعدهم وتنفق عليهم بما تستطيعه إن كانوا محتاجين.
ودخول شهر رمضان فرصة لإصلاح ما بينك وبينهم، وفرصة للبذل والعطاء، وأكثر الأبواب في البذل والعطاء أجراً هو الإنفاق على الأهل كما في حديث: حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ... ) رواه البخاري (1428) ومسلم (1034) ، فأنفق واحتسب الأجر عند الله، وأبشر بالذي يسرك من ربك تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1440)
أبوهم في حالة خرف وطلق أمهم فهل يقع؟ وهل يضعونه في دار المسنين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي رجل طريح الفراش وعنده من الأمراض ما عنده وأحيانا لا يدرك ما يقول، وأحياناً أخرى تجده يحسب المال بالقرش كما أنه كثير سباب الدين ونظره ضعيف مع العلم بأنه لا يسمع بالمرة، وكثيراً ما يتبول في فراشه ثم يلقى بوله على الأرض وعندما نصل إليه ونسأله يرد مرة بالإنكار ومرة علشان تمسحوا بالعند، وذات مرة توضأت أمي فنادى عليها فذهبت له فرش عليها البول فنهرته أمي فقال لها: سوف أطلقك وبعد قليل قال لها أنت طالق، فماذا عن هذا الطلاق؟ وكيف نتعامل مع هذا الأب وهو وصل إلى حالة سيئة جدّاً ولا يحتمل؟ فهل لنا أن نودعه دار المسنين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر من تصرفات والدكم أنه بلغ مرحلة الخرف، وبها تسقط عنه التكاليف الشرعية، فلا يؤمر بصلاة ولا صيام، ولا يقع منه يمين ولا نذر ولا طلاق.
وإذا استطعتم الصبر على تصرفاته وتحملها فافعلوا، وإن لم تستطيعوا فلا حرج عليكم في الذهاب به إلى دار ترعى المسنين، على أن تستمروا في بره وزيارته، وتلبية احتياجاته المادية والمعنوية قدر استطاعتكم.
واعلموا أن الله تعالى قد أوصاكم بوالديكم خاصة عند الكبَر لشدة الحاجة في ذلك الوقت، وقد نهى الله تعالى عن التضجر والإساءة بالفعل والقول ولو بقول " أف ".
قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23، 24.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
ثم ذكر [الله عز وجل] بعد حقه القيام بحق الوالدين فقال: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي: أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي لأنهما سبب وجود العبد ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر.
{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا} أي: إذا وصلا إلى هذا السن الذي تضعف فيه قواهما ويحتاجان من اللطف والإحسان ما هو معروف: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} وهذا أدنى مراتب الأذى نبه به على ما سواه، والمعنى لا تؤذهما أدنى أذية.
{وَلَا تَنْهَرْهُمَا} أي: تزجرهما وتتكلم لهما كلاما خشنا، {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} بلفظ يحبانه وتأدب وتلطف بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما، وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان.
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أي: تواضع لهما ذلا لهما ورحمة واحتسابا للأجر لا لأجل الخوف منهما أو الرجاء لما لهما، ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد.
{وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا} أي: ادع لهما بالرحمة أحياء وأمواتا، جزاء على تربيتهما إياك صغيراً.
وفهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق، وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه تربية صالحة غير الأبوين فإن له على من رباه حق التربية. " تفسير السعدي " (ص 407، 408) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1441)
أمره والده ببيع السيارة خوفاً عليه من وقوع حادث له فهل يستجيب له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أدرس خارج بلدي وفي بلد مسلم ومعي أولادي، ظروف هذا البلد والمكان الذي أدرس فيه يقتضي أن أمتلك سيارة للتنقل من وإلى الجامعة وغيرها، وقد اشتريت سيارة وأفادتني كثيراً في مجال عملي، إلا أن والدي ما أن سمع الخبر أرسل لي برسالة يطلب مني أن أبيع هذه السيارة فوراً بسبب الزحام في السير وخوفه من وقوع مكروه لا سمح الله لي، علما أن الدراسة صعبة جدّاً بدون توفر وسيلة المواصلات خاصة في هذا البلد مما قد يضطرني إلى ترك الدراسة والعودة إلى الوطن في حالة البقاء بدون مواصلات.
أفيدوني جزاكم الله خيراً في هذه المسألة، وهل يعتبر عدم تنفيذ أوامر الوالد في هذا الناحية عصياناً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يعتبر اقتناء السيارة الآن في كثير من الأحوال من الحاجيات وليس من الكماليات، وإذا كنت تحسن القيادة فلا مسوِّغ لمنع والدك لك من اقتناء سيارة وركوبها.
وأما الحوادث فإنك لن تترك ركوب السيارات من وإلى مكان دراستك، والحوادث لا تفرق بين القائد والمقود.
فالذي يظهر أنه لا يجب عليك طاعة والدك في هذا، وينبغي لك التلطف معه، ومحاولة إقناعه بذلك وعدم مواجهته بمخالفة أمره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1442)
تزوج امرأة غير التي يريدها أبواه
[السُّؤَالُ]
ـ[عقدت النكاح على ابنة عمي في حفل خطوبتنا وكان مقرراً أن نحتفل بزفافنا في تاريخ لاحق. وقد جئت إلى الولايات المتحدة وتزوجت فتاة مسلمة أخرى دون أن أخبر أبويّ. ومضى على زواجنا الآن أربعة أشهر. وقد أخبرت أبوي بذلك فتضايقا وهما يريدان أن أطلق زوجتي وأتزوج ابنة عمي. ولكنهما الآن يقولان أن علي أن أتزوج ابنة عمي سواء أطلقت زوجتي أم لا. غير أنني أعلم أنني لن أستطيع أن أعدل بينهما. وأنا لم ألمس ابنة عمي أبداً، ولكني أعيش مع زوجتي الثانية منذ أربعة أشهر الآن. فكيف أتصرف؟ جزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت زوجتك التي معك الآن ذات دين وخلق فلست ملزما بطلاقها، وإذا كنت مطيقا للعدل بين زوجتين فلبّ طلب أبويك بالزواج من قريبتك المذكورة، داخلا في قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) النساء 3، فإن خفت عدم العدل وظننت عدم القيام به فاكتف بواحدة، سواء الأولى أو الثانية امتثالا لقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء آية 3، واسع بكلّ حال في استرضاء والديك، والله وليّ التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1443)
طلاق الرجل زوجته بأمر والديه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي في طلاق الرجل زوجته وذلك عندما يطلب منه والداه؟ بحجة أن هذه الزوجة كانت تعمل عندهم كخادمة سابقاً , وهل هذا يعتبر من عقوق الوالدين؟ مع العلم أن هذه الزوجة حالياً تعيش معززة مكرمة..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الوالدين هما أحق الناس بالبر والطاعة والإحسان والمعاملة الحسنة، وقد قرن الله سبحانه الأمر بالإحسان إليهما بعبادته حيث قال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) الإسراء/23.
وطاعة الوالدين واجبة على الولد فيما فيه نفعهما ولا ضرر فيه على الولد، أما ما لا منفعة لهما فيه، أو ما فيه مضرة على الولد فإنه لا يجب عليه طاعتهما حينئذ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات ص 114: " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين ... وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر عليه " اهـ.
والطلاق من غير سببٍ يبيحه يكرهه الله تعالى، لما فيه من هدر لنعمة الزوجية، وتعريض الأسرة للضياع والأولاد للتشتت، وقد يكون فيه ظلم للمرأة أيضا، وكون الزوجة كانت خادمة في الماضي ليس سببا شرعيا يبيح الطلاق، لاسيما إذا كانت مستقيمة في دينها وخلقها.
وعلى هذا، لا تجب طاعة الوالدين في طلاق هذه الزوجة ولا يعتبر هذا من العقوق لهما، لكن ينبغي أن يكون رفض الابن للطلاق بتلطف ولين في القول لقول الله تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/23.
سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن حكم طلاق الرجل لزوجته إذا طلب منه أبوه ذلك فقال:
" إذا طلب الأب من ولده أن يطلق زوجته فلا يخلو من حالين:
الأول: أن يبين الوالد سببا شرعيا يقتضي طلاقها وفراقها مثل أن يقول: " طلِّق زوجتك "؛ لأنها مريبة في أخلاقها كأن تغازل الرجال أو تخرج إلى مجتمعات غير نزيهة وما أشبه ذلك. ففي هذا الحال يجيب والده ويطلقها؛ لأنه لم يقل " طلِّقها " لهوى في نفسه ولكن حماية لفراش ابنه من أن يكون فراشه متدنسا هذا الدنس فيطلقها.
الثانية: أن يقول الوالد للولد "طلِّق زوجتك " لأن الابن يحبها فيغار الأب على محبة ولده لها، والأم أكثر غيرة فكثير من الأمهات إذا رأت الولد يحب زوجته غارت جدا حتى تكون زوجة ابنها ضرة لها، نسأل الله العافية. ففي هذه الحالة لا يلزم الابن أن يطلق زوجته إذا أمره أبوه بطلاقها أو أمه. ولكن يداريهما ويبقي الزوجة ويتألفهما ويقنعهما بالكلام اللين حتى يقتنعا ببقائها عنده ولا سيما إذا كانت الزوجة مستقيمة في دينها وخلقها.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذه المسألة بعينها، فجاءه رجل فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي، قال له الإمام أحمد: لا تطلقها، قال: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك؟ قال: وهل أبوك مثل عمر؟
ولو احتج الأب على ابنه فقال: يا بني إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته لما أمره أبوه عمر بطلاقها، فيكون الرد مثل هذا، أي وهل أنت مثل عمر؟ ولكن ينبغي أن يتلطف في القول فيقول: عمر رأى شيئا تقتضي المصلحة أن يأمر ولده بطلاق زوجته من أجله، فهذا هو جواب هذه المسالة التي يقع السؤال عنها كثيرا " اهـ. الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 2/671.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن مطالبة الوالدة من ابنها طلاق زوجته دون سبب أو عيب في دينها بل لحاجة شخصية فأجابت بما نصها: " إذا كان الواقع كما ذكر السائل من أن أحوال زوجته مستقيمة وأنه يحبها، وغالية عنده، وأنها لم تسئ إلى أمه وإنما كرهتها لحاجة شخصية، وأمسك زوجته وأبقى على الحياة الزوجية معها، فلا يلزمه طلاقها طاعة لأمه، لما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: " إنما الطاعة في المعروف " وعليه أن يبر أمه ويصلها بزيارتها والتلطف معها والإنفاق عليها ومواساتها بما تحتاجه وينشرح به صدرها ويرضيها بما يقوى عليه سوى طلاق زوجته ". فتاوى اللجنة الدائمة 20/29.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1444)
والده يريد أن يساعده في عمله التجاري الذي يحتوي بعض المخالفات الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مجال الصوتيات والفيديو من خلال الكمبيوتر والفضائيات (وكلها أعمال شرعية ودعوية بفضل الله) ، ولي خبرة جيدة والحمد لله، وأبي يريدني أن أعمل معه في تجارتنا، ولكن عندي بعض المشاكل؛ أولها: أني لا أجيد العمل التجاري.
وثاني المشاكل: أن التجارة بها بعض الأشياء المخالفة، مثل دفاتر عليها صور لذوات أرواح، ودفاتر موسيقى، وبطاقات عليها صور ذوات أرواح، وورق لعب وماكينة حلاقة (أعيش في بلاد الغالبية فيها ليسوا ملتحين) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن بر الوالدين من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، فقد وصى الله تعالى بهما في كل حال، حتى في حال كفرهما بالله تعالى، قد سبق بيان ذلك في الأسئلة رقم: (22782) (5326) (5053) .
وبخصوص ما ذكرت فاجتهد أن تقنع والدك بعملك الذي تحسنه، وتستطيع أن تنفع فيه، فكل ميسر لما خُلِق له، ومن إصلاح الأعمال، وأداء الأمانة فيها أن يوضع الإنسان في العمل والمكان الذي يناسبه، ومن إضاعة الأعمال والأموال والتفريط في أمانتها أن يُسند العمل إلى غير أهله، ثم اجتهد أن توجد له البديل القوي الأمين، الذي يعينه على تجارته بدلاً منك، ولو أن تتحمل شيئاً من أجرته، فافعل استرضاءً لأبيك، ولو اقتضى الأمر أن تجعل جزءاً من وقت راحتك لصحبة أبيك فيعمله وإيناسه بوجودك فافعل " (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195، (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) البقرة/83
فإذا اجتهدت في ذلك، ولم يكن فيه ما يقنع أباك، فالرأي لك إن شاء الله أن تأخذ إجازة من عملك الذي أنت فيه إن أمكن وتشارك والدك في عمله في هذه الفترة، ولعل الأمور تسير إلى ما تحب في أثنائها، فإن لم تتيسر لك تلك الإجازة فلا يجب عليك أن تترك عملك أو تخرج من مالك أو تطلق زوجتك إرضاءً لأبويك إذا كان في ذلك ضرر عليك، وعدم طاعتهما في ذلك ليس من العقوق، إن شاء الله، راجع السؤال رقم (9594) و (47040)
قال رجل للإمام أحمد: لي جارية وأمي تسألني أن أبيعها
قال تتخوف أن تتبعها نفسك؟ [يعني تخاف أن تبقى نفسك متعلقة بالجارية إذا بعتها] ؟ قال: نعم. قال: لا تبعها. قال: إنها تقول: لا أرضى عنك أو تبيعها.
قال: إن خفت على نفسك فليس لها ذلك [الآداب الشرعية لابن مفلح (1/448)
لكن عليك أيضاً أن تجتهد في استصلاح نفس أبيك وتطييب قلبه، واجتهد أيضاً في تطهير تجارتكم من بيع ما يحرُم بيعه أو ما يغلب على ظنك استعماله في محرم، وإن كنت في تجارتكم وقتاما ً، فلا تبع ذلك وإن أمرك أبوك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
وما ذكرت من الدفاتر التي عليها صور، فهذا مما عمت به البلوى، فإذا كانت هذه الصور مأخوذة فوتوغرافياً، وليست رسماً باليد، فلا حرج في بيع الدفاتر التي عليها مثل تلك الصور – إن شاء الله – لأن المقصود ليس الصورة ذاتها، بل الدفتر، إلا أن تكون الصورة صورة امرأة أو منظراً خليعاً، كما يوجد كثيراً في مثل ذلك، فلا يجوز بيعها لما فيها من إشاعة الفتنة والفساد، ولأن كثيراً من الناس يقصدون اقتناء هذه الصور.
أما بيع دفتر الموسيقى فحرام، لأنه إعانة على المنكر، وكذلك بيع آلات الحلاقة لمن تعلم من ظاهر حاله أنه يستعملها في حلق اللحية، أما إذا كان سيستعملها في أمر مباح فبيعها جائز.
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
يوجد عند أبي محل لبيع الأدوات الكهربائية مثل التلفزيون والفيديو وبعض آلاف العزف وكذلك الساعات الذهبية ويطلب مني الجلوس فيه والبيع، ولكني أرفض هل يُعتبر هذا من العقوق؟ وما هو الواجب؟
فأجاب:
هذا ليس من العقوق، إذا امتنعت عن فعل المحرم الذي يفعله والدك، لكن الواجب عليك أن تنصحه وتقول له هذا حرام وكسبه حرام، فإن اهتدى فهذا هو المطلوب، وإن لم يهتد فالإثم عليه وأنت لك أجر بنصحه لأن الله تعالى يقول لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ليس عليك هداهم..) وإذا قال لك اجلس في الدكان للبيع فلا تبع الأشياء التي تستعمل في محرم، بع الأشياء التي غالباً ما يفعل الناس به الشيء المباح، كالراديو والمسجلات أو الفيديو والتليفزيون فلا تبعه، لأن أكثر الذي يشترون هذه الأشياء يستعملونها في محرم
الباب المفتوح (1/192) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1445)
كيف يبر المسلم والديه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تتلخص في أن أبي وأمي على خلاف دائم ذلك لأن أبي ذو أسلوب لاذع جارح وهو ذو شخصية غامضة كتومة جافة.
أنا وإخوتي نخاف منه كثيرا ولا نتبادل معه أي حوار إلا في حدود سطحية. أحب أن أرضي ربي لأحظى بالجنان وقد قرأت عن أهمية بر الوالدين لهذا فأنا في حيرة بالغة وهي كيف أبر والدي لا أدري لذلك سبيلا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد قرن الله تعالى الإحسان إلى الوالدين بالأمر بعبادته وتوحيده، فقال سبحانه: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) الإسراء / 23.
وقال: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) النساء / 36.
وهذا دليل على أهمية بر الوالدين والإحسان إليهما.
وبر الوالدين يكون بطاعتهما واحترامهما وتوقيرهما، والدعاء لهما، وخفض الصوت عندهما، والبشاشة في وجوههما، وخفض الجناح لهما، وترك التأفف والتضجر عندهما، والسعي في خدمتهما، وتحقيق رغباتهما، ومشاورتهما، والإصغاء إلى حديثهما، وترك المعاندة لهما، وإكرام صديقهما في حياتهما وبعد موتهما.
ومن ذلك ألا تسافر إلا بإذنهما، وألا تجلس في مكان أعلى منهما، وألا تمد يدك إلى الطعام قبلهما، وألا تفضل زوجتك أو ولدك عليهما.
ومن البر: زيارتهما، وتقديم الهدايا لهما، وشكرهما على تربيتك والإحسان إليك صغيرا وكبيرا.
ومن البر: أن تسعى في تقليل الخلاف الواقع بينهما، وذلك بالنصح والتذكير قدر الاستطاعة، والاعتذار للمظلوم منهما، وتطييب خاطره وترضيته بالقول والفعل.
ومهما كان أسلوب والدك معك، فكن متخلقا بما سبق من الآداب، مجانبا لكل ما يغضبه أو يحزنه، ما لم يترتب على ذلك إثم أو معصية لله، فحق الله تعالى مقدم على حقوق العباد.
وسل الله تعالى أن يهديهما، وأن يصلح حالهما، فإنه سبحانه سميع قريب مجيب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1446)
أخوه يتعامل مع والديه فقط بجفاء وغلظه ويُشك بأنه مسحور
[السُّؤَالُ]
ـ[تغير تعامل أخي الأكبر مع والداي وأخوتي جميعاً، فهو لا يتحدث مع أحد منهم ويتلفظ بألفاظ سيئة مع والديه ويستاء منهم، بينما هو لطيف مع بقية الناس، أشك بأن زوجته قد عملت له سحراً، أرجو أن تخبرني إذا كان شعوري صحيحاً أم لا؟ وما هو الحل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله تعالى على الأبناء بر الوالدين، وحرَّم عقوقهما، وقد بيَّنا بعض حقوقهما في جواب السؤال رقم (5053) .
وما تنقله عن أخيك من فعله تجاه والديك هو أمر منكر، وهو من كبائر الذنوب، فالواجب نصحه وتذكيره بما أوجبه الله تعالى عليه تجاه والديه وأرحامه.
ولا يجوز لكم اتهام الآخرين بأنهم سحروا أخاكم، فقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الظن، وأخبر أنه " أكذب الحديث "، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا وكونوا إخواناً "، رواه البخاري (4849) ومسلم (2563) .
والواجب عليكم أن تبحثوا عن أسباب فعله هذا تجاهكم، فقد تكون هناك أسباب يمكنكم الوقوف عليها، وإعانته على تجاوزها.
فإن لم يوجد لذلك أسباب ظاهرة فلا بأس أن يُعرض على من يوثق بدينه وعلمه ليرقيه، ويتبين الأمر، فإن تبين أنه مسحور: فعليكم المداومة على ما يزيل سحره مما ثبت في القرآن والسنَّة.
وفي كل الأحوال: فمثل حالته تحتاج منكم لرويَّة وحكمة في التعامل معه، فسواء كان عاصياً لربه بسوء تعامله مع أهله أم كان مسحوراً فهو مريض، ويحتاج المريض إلى تلطف لإيصال العلاج المناسب لحالته.
ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال جميع المسلمين
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1447)
هل يطيع أباه ويشتري له خمراً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبى يشرب الخمر، ويطلب منى أن أحضر له خمراً، وأنا لا أقدر أن أقول له " لا "؛ لأنه مصدر المال في البيت، فهل أحاسب على تلك الخمر الذي أشتريه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله سبحانه وتعالى على الأبناء بر والديهم وطاعتهم.
قال تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} الأنعام / 151.
وحرَّم عليهم العقوق.
قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما} الإسراء / 23.
وهذه الطاعة واجبة إلا إذا أمرا بشرك أو معصية.
لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والخمر محرَّمة بالكتاب والسنَّة والإجماع.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} المائدة / 90، 91.
وقد لُعن في الخمر عشرة ومنهم المشتري لها.
وعن أنس بن مالك قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له ".
رواه الترمذي: (1259) وابن ماجه (3381) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " رقم (1041) .
والخلاصة: لا يحل لك شراء الخمر لوالدك، ولا طاعة لمخلوق في معصية الله، وحتى لو سبَّب ذلك غضباً منه ودعاءً عليك، فهو آثم على فعله، ولا وزن له في الشرع.
عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَن أرضى الله بسخط الناس كفاه الله، ومَن أسخط الله برضا الناس وكله الله إلى الناس " رواه ابن حبان في " صحيحه " (1 / 115) ، وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2311) .
ونسأل الله تعالى أن يهدي والدك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1448)
والدها أساء معاملتها وأمها فحقدت عليه وأثَّر على علاقتها بزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ عامين، وزوجي - والحمد لله - يتقي الله في معاملتي، إلا أني أواجه عقداً نفسية نتيجة لوالد لم يراع الله بي وبأخوتي وأمي، مما زرع الحقد في قلبي وقلب إخوتي له، ورغم أني تزوجت وابتعدت عن تلك الحياة المأساوية فأنا لا أستطيع سوى أن أحزن لحزن أمي وإخوتي، فهم ما زالوا يعانون مما يؤثر علي في معاملتي لزوجي الذي يحترمني، إلا أن صبره ينفذ حين يراني حزينة معظم وقتي ويعتقد أنني أحب النكد، فماذا أفعل؟ كما أنني وإخوتي لا نستطيع احترام والدنا نتيجة لطريقة معاملته لنا، فماذا نفعل للتخلص من حقدنا له؟ ، واعلم أنا نجاهد لاحترامه، ولكنه لا يحترم أحداً ويعاني من عقدة كره كل من هو أفضل منه، وعنده عقدة حب الظهور والتميز، أي: يُري الناس أنه يملك الكثير رغم أنه لا يملك شيئا بل عليه ديون. أرجو مساعدتي في حل المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما والدكم فالواجب عليكم مداومة نصحه، وتذكيره بما أوجب الله عليه تجاه نفسه وتجاه أسرته.
ولا بدَّ من تنويع طرق النصح، فقد يثقل عليه سماعها منكم، فلا تيأسوا من إيصال الذكرى والموعظة عن طريق أقربائكم أو أصحابه، ويمكنكم إسماعه ما ينفعه من أشرطة الوعظ والتذكير.
ثانياً:
وعليك أن تتقي الله تعالى في زوجكِ، فلا ينبغي أن تنقلي هموم وغموم أهلكِ وتلقيها في بيت زوجك وعلى ظهره، وخاصة أنه يحسن إليكِ ولم تري منه ما يسوؤك، فالواجب عليكِ أن تشكريه وتحسني إليه، وهو ما أمركِ الله تعالى به.
ثالثاً:
لا تخلو نفس من أمراض – إلا من رحم الله ونجاه – فكون والدكِ يحب إظهار نفسه، ويرى ذاته فوق ذوات الناس فإن هذا يوجب الشفقة عليه لا الحقد، وكونه أساء إليكم ولا يزال فإن هذا يوجب الرحمة في قلوبكم عليه، فإنه لو مات ولقي ربه بهذه الأعمال فإنه سيلقاه بذنوب وآثام عظيمة.
لذلك فعليك أنت وإخوتك وأهلكِ أن تعيدوا النظر في علاقتكم مع والدكم وموقفكم منه، فالله عز وجل أمرنا بالإحسان إليهم وبرهم حتى لو دعوْنا إلى الشرك والكفر.
قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15 وهذا إبراهيم عليه السلام يحاور والده المشرك بأدب كما ذكر الله تعالى ذلك عنه في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا. يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا. قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا. قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) مريم/41–47.
فانظروا لأدب هذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكيف يخاطب والده المشرك الذي يهدد ويتوعد ولده المسلم، وفي هذا موعظة بالغة ودرس مفيد لمن ابتلي بمثل هؤلاء الآباء فكيف بمن دونهم؟!
رابعاً:
وأما الحزن الذي أصابكم فلا ينبغي أن يكون معطِّلاً لكم عن أعمالكم، ومثبطاً لكم عن طاعتكم، ومسبِّباً لكم في التقصير فيما أوجبه الله عليكم مثل ما أوجبه الله عليكِ تجاه زوجك، وأوجب عليكم تجاه دعوة والدكم.
ونوصيكم بدعاء وقائي، وآخر علاجي:
أما الدعاء الوقائي فهو:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضَلَع الدين وغلبة الرجال ". رواه البخاري (6008) .
وأما الدعاء العلاجي فهو:
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي: إلا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجاً.
قال: فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
رواه أحمد (3704) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (199)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1449)
أمه تريد منه أن يطلق زوجته الثانية حتى لا يقتدى به في التعدد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة متزوجة من فتره قليلة ولأني الزوجة الثانية لرجل متزوج فأمه تطلب منه أن يطلقني ليس لسوء مني ولكن فقط كي لا يقلده أزواج شقيقاته وتقول إنه لا يهمها الإثم الذي يلحقها من هذا الطلب، المهم أن لا يخالف العرف بالتعدد فما رأي الشرع في ذلك وهل لزوجي أن يطيعها في ذلك الطلب علما بأنني أعيش معه بما يرضى الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس للأم أن تأمر ولدها بطلاق زوجته، لكونه خالف عرف الأسرة أو العشيرة في التعدد، أو خشية أن يقلده أزواج بناتها في ذلك؛ إذ التعدد أمر أباحه الله تعالى، وأباحه رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا يجب على الابن طاعة أبيه أو أمه في طلاق زوجته، لاسيما إذا كان لهذا السبب المصادم لرغبة الشارع في تكثير النسل، وإعفاف المسلمات، وتقليل الفساد.
قال في مطالب أولي النهى (5/320) : (ولا تجب) على ابن (طاعة أبويه ولو) كانا (عدلين في طلاق) زوجته ; لأنه ليس من البر) انتهى.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن: (رجل متزوج وله أولاد , ووالدته تكره الزوجة وتشير عليه بطلاقها هل يجوز له طلاقها؟ الجواب: لا يحل له أن يطلقها لقول أمه , بل عليه أن يبر أمه، وليس تطليق امرأته من برها والله أعلم) اهـ.
الفتاوى الكبرى 3/331
فعلى زوجك أن يبر أمه ويحسن إليها، مع إمساكك والإبقاء عليك، إذ ليس من البر تطليق زوجته.
وينبغي نصح هذه الأم وتذكيرها بوجوب اتباع الشرع والتقيد به، والحذر من اقتراف الإثم، وأن تعلم أن طلاق بناتها أو حصول ضرائر لهن، أو سلامتهن من ذلك، غيب لا يعلمه الله، وما كان مقدرا منه سيكون، فلا وجه لارتكاب الحرام، وتفريق الأسرة.
أما نصيحتنا لك أيها الأخت، فهي أن تسعي جهدك في الإحسان لأم زوجك وكسب حبها، حتى يكون حسن معاملتك لها سبباً مزيلاً عنها فكرة دعوة ولدها إلى تطليقك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1450)
الحج عن الميت أفضل أم الصدقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل أن أحج عن والدي المتوفيين، مع العلم أنهما قد حجا الفريضة؟ أو أصرف ذلك في بناء المساجد والجهاد في سبيل الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" أحسن ما يبر به الوالدان ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا صلة لك فيها إلا بهما، هذه هي التي نص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله السائل: فقال: يا رسول الله، هل عليَّ من بر أبوي شيء بعد موتهما؟ فأجابه بذلك، وأما الحج عنهما والأضحية عنهما والصدقة عنهما فهي جائزة لا شك، ولا نقول: إنها حرام، لكنها مفضولة، إذ إن الدعاء لهما أفضل من هذا، واجعل هذه الأعمال التي تريد أن تجعلها لوالديك اجعلها لنفسك، حج أنت لنفسك، تصدق لنفسك، ضح لنفسك وأهلك، ابذل في المساجد والجهاد في سبيل الله لنفسك، لأنك سوف تكون محتاجاً إلى العمل الصالح كما احتاج إليه الوالدان، والوالدان قد أرشدك النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما هو أنفع وأفضل، هل تظنون أن الرسول صلى الله عليه وسلم غاب عنه أن الأفضل أن تحج وتتصدق؟!
أبداً لا نعتقد أن الرسول غاب عنه ذلك، فلنعلم أن الرسول اختار هذه الأشياء الأربعة: الدعاء، والاستغفار، وإكرام الصديق، وصلة الرحم، لأنها هي البر حقيقة، ولهذا صح عنه أنه قال: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) لم يقل: أو ولد صالح يتصدق عنه، أو يضحي عنه، أو يحج عنه، أو يصوم عنه، مع أن الحديث عن الأعمال، فعدل النبي عليه الصلاة والسلام عن جعل الأعمال للميت إلى الدعاء، ونحن نشهد الله، ونعلم علم اليقين أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لن يعدل إلى شيء مفضول ويدع الشيء الفاضل أبداً، لأنه صلوات الله وسلامه عليه أعلم الخلق، وأنصح الخلق، فلو كانت الصدقة أو الأضحية، أو الصلاة، أو الحج، لو كانت مشروعة لأرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أقول: إنه ينبغي لطلبة العلم في مثل هذه الأمورالتي يكون فيها العامة سائرين على الطريق المفضول ينبغي لطالب العلم أن يبين، وأن يوضح، وأن يقول: ائتوني بنص واحد يأمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتطوع الإنسان لوالديه بصوم أو صدقة، أبداً لا يوجد، لكن قال: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن نصوم الفرض عن الميت، ولكن التطوع أبداً، قلّب في السنة كلها من أولها إلى آخرها هل تجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يتصدق الإنسان عن والديه، أو يصوم تطوعاً عن والديه، أو يحج تطوعاً عن والديه، أو يبذل دراهم في المصالح العامة لوالديه؟ أبداً، لا يوجد، غاية ما هنالك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر هذا الشيء، وإقرار الشيء لا يعني أنه مشروع، فقد أقر سعد بن عبادة حين استأذن منه أن يجعل مخرافه يعني بستانه صدقة لأمه، قال: (نعم) ، وكذلك أقر عليه الصلاة والسلام الرجل الذي قال: إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: "نعم"، لكن هل أمر أمته أن يتطوعوا لله ويجعلوها للأموات؟ هذا لا يوجد، ومن عثر على شيء من ذلك فليتحفنا به، إلا بالشيء الواجب، فالواجب لابد منه " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى ابن عثيمين" (21/267) .(7/1451)
نفقة الوالد على ولده إلى متى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ابن أختي انتقل إلى السكن معي بعد أن كان يعيش في كنف أبيه، وقبلت ذلك على أن يرسل مبلغاً شهريّاً وقدره 500 ريال، وبعد فترة قطع إرسال المبلغ واحتج أن ابنه لا يقوم بخدمته بحكم البعد عنه وأن علينا أن نتكلف بجميع احتياجاته من أكل وشرب وملبس وزواج وسيارة ووو ... وقد رفض والده أن يرسل ملف ابنه ليتعالج بالمجان على حساب الشركة التي يعمل بها، فهل يحق لنا المطالبة شرعا بالنفقة على ابنه الذي يبلغ من العمر 16 عاما وهو يدرس بالمرحلة الثانوية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الرجل أن ينفق على والديه وأولاده إذا احتاجوا وكانوا فقراء.
قال الخرقي – رحمه الله -:
(ويجبر الرجل على نفقة والديه، وولده، الذكور والإناث، إذا كانوا فقراء، وكان له ما ينفق عليهم) .
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
الأصل في وجوب نفقة الوالدين والمولودين الكتاب والسنة والإجماع؛ أما الكتاب فقول الله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، أوجب أجر رضاع الولد على أبيه، وقال سبحانه: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، وقال سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما.
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) متفق عليه.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه) رواه أبو داود (3528) وصححه الألباني في إرواء الغليل.
وأما الإجماع: فحكى ابن المنذر قال: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال، واجبة في مال الولد، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم.
" المغني " (8 / 169، 170) .
وهذه النفقة الواجبة على الأب لها شروط، منها: أن يكون الابن محتاجاً إلى المال ولا يستطيع الاكتساب عاجزاً عن الكسب لصغره أو مرضه أو غير ذلك، وأن يكون الأب قادراً على الإنفاق.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط:
أحدها: أن يكونوا فقراء , لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم، فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به: فلا نفقة لهم؛ لأنها تجب على سبيل المواساة، والموسر مستغن عن المواساة.
الثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم , فاضلا عن نفقة نفسه، إما من ماله وإما من كسبه، فأما من لا يفضل عنه شيء , فليس عليه شيء لما روى جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: (إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه , فإن فضل فعلى عياله فإن كان فضل , فعلى قرابته) وفي لفظ: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) حديث صحيح، وروى أبو هريرة (أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله عندي دينار قال: تصدق به على نفسك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر قال: أنت أبصر) رواه أبو داود (1691) قال الشيخ الألباني: حسن في سنن أبي داود.
ولأنها مواساة فلا تجب على المحتاج كالزكاة.
الثالث: أن يكون المنفِق وارثا لقول الله تعالى: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) ؛ ولأن بين المتوارثين قرابة تقتضى كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم.
" المغني " (8 / 168، 169) .
فالواجب على الأب أن ينفق على ابنه ما يحتاجه حتى يستغنى وقد نص العلماء رحمهم الله على أن من النفقة الواجبة للابن على أبيه أن يزوجه إذا احتاج إلى الزواج.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
قال أصحابنا: وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته , وكان محتاجا إلى إعفافه، وهو قول بعض أصحاب الشافعي.
" المغني " (8 / 172) .
وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
حق الابن على أبيه ينتهي بمجرد استغنائه عنه، إذا كبر واستطاع أن يكتسب لنفسه وأن يستغني بكسبه: فإنه ينتهي حقه على والده في الإنفاق، أما مادام أنه صغير أو كبير ولكنه لم يستغن ولم يقدر على الاكتساب: فإنه يبقى على والده حق الإنفاق عليه حتى يستغني، وذلك بموجب القرابة.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 240) .
فالخلاصة: أنه يجب على الوالد أن يتقي الله فيما استرعاه من رعية، فإن كان قادراً على نفقة ولده في التعليم والعلاج وغير ذلك مما يحتاجه الابن فلا يجوز له التقصير فيها.
والنصيحة لكم قبل رفع القضية إلى المحكمة أن توسطوا أهل الخير والصلاح ليقوموا بنصح الأب ووعظه، والإصلاح بينه وبين ولده، فبذله للنفقة عن طيب نفسي بعيداً عن المحاكم أقرب إلى سلامة قلب الأب ورضاه عن ولده.
والنصيحة كذلك للابن أن يبحث عن عمل يستغني به عن نفقة والده – لاسيما وقد بلغ الابن مبلغ الرجال – ويحاول الجمع بين العمل والدراسة، وهو أمر يسير، قد فعله من قبل كثيرون، ومن يستغن يغنه الله.
فإن تعذر ذلك وأصر الأب على موقفه، فلا بأس في هذه الحال من رفع الأمر إلى القاضي الشرعي ليقوم بإلزام الأب بما يجب عليه شرعاً. وكلما كان الأمر أبعد عن المحاكم والخصومات كان أولى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1452)
قاطعه أهله لأنه تزوج بدون موافقتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الثلاثين، رغبت في الزواج من فتاة أحبها وأتعلق بها وهي على دين وخلق، ولكن اعترضت أمي وأخوتي على زواجي بها لأسباب وظروف ما (من بينها أنهم يريدون لي الزواج بفتاة ذات مركز وثروة أفضل) ، حاولت إقناعهم مرارا ولكني لم أوفق في ذلك وهددوا بمقاطعتي إن أنا تزوجتها، لم أسمع لتهديدهم وتزوجتها بالفعل ونفذ أهلي تهديدهم وقاطعوني مقاطعة تامة.
الحمد لله أنا سعيد مع زوجتي ولكني أشعر بالأسى والمرارة لموقف أهلي وخذلانهم لي في الوقت الذي كنت أحتاجهم بجواري. حاولت إصلاح العلاقات بعد الزواج وتوسيط بعض أهل الخير دون جدوى، والآن بعد مرور ما يقرب من عام أشعر بشدة الجفوة وزيادة الشقاق والقطيعة بيننا، فهل أنا آثم في موقفي هذا وهل يحق لأمي أن تستخدم حقها علي في برها كوسيلة لإرغامي على السير حسب رأيها وسلبي الحق في تقرير مصيري واختيار شريكة حياتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النصيحة للوالدين والإخوة ألا يمنعوا ابنهم من الزواج ممن يحب إذا كانت على دين وخلق.
وعليهم أن يحرصوا على سعادته وراحته، وزواجه بمن لا يحب يجعله بين نارين: فإما أن يطلقها، وإما أن يعيش معها وهو كاره لها وقلبه متعلق بغيرها. وفي ذلك ضرر عليه وعليها، وتعريض الأسرة للانهيار.
وليس من حق الوالدين أن يلزما ولدهما بالزواج ممن لا يحب، ولا يحل لهم أن يقاطعوه إن خالفهم في ذلك.
فإن هجر المؤمن لأخيه المؤمن حرام ما لم يكن هناك سبب شرعي.
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ. رواه البخاري (6065) . ويعظم الإثم في الهجر بغير حق إذا هجر الرجل ابنه أو أمه أو أخاه أو قريبه لأنه يكون قد جمع بين معصيتين وهما: هجر المسلم، وقطيعة الرحم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد، فإن امتنع لا يكون عاقاً كأكل ما لا يريد اهـ الاختيارت (ص 344) .
وعلى هذا فلست بآثم على ما فعلت، ولكن عليك أن تستمر في بر والدتك وصلة إخوانك بما تستطيع، وحاول أن تصلح ما بينك وبينهم، ولتذهب إلى أمك ولتقبل رأسها ويديها فإنها لا تريد -إن شاء الله تعالى- إلا سعادتك، فأخبرها بأنك سعيد في حياتك، واطلب منها الرضى.
وكذلك فافعل مع إخوانك.
فإن استمروا على مقاطعتهم لك، فاستعن بالله واستمر أنت على برهم وصلتهم وتذكر قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. رواه البخاري (5991)
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالكم وجميع المسلمين.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1453)
والداه يرفضان أن يرفع إزاره فهل يطيعهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والداي لا يسمحان لي برفع إزاري، فهل أطيعهما أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمرنا الله تعالى ببر الوالدين في مواضع كثيرة في كتابه الكريم، ومنها: قوله تعالى {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} العنكبوت / 8.
وأعلى الحقوق وأعظمها هو حق الله تبارك وتعالى ثم من بعده حق المخلوقين، وآكدهم وأولاهم بذلك حق الوالدين، ولهذا يقرن الله تعالى بين حقه وحق الوالدين في آيات كثيرة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إيَّاه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً} الإسراء / 23.
فطاعة الوالدين واجبة إلا إذا أمروا بمعصية فلا طاعة لهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل) رواه البخاري (4340) ومسلم (1840) وأحمد (1098) واللفظ له، وإسبال الإزار من كبائر الذنوب، فلا طاعة لهما إذا أمرا به، لكن يمكنك رفع إزارك إلى الحد الأدنى بحيث لا يلامس الكعبين، فلا تكون عصيت ربك بهذا الفعل، ولا تكون مخالفاً لرغبة والديك، إذ ليس شرطاً في تقصير الإزار أن يكون إلى نصف الساق بل يحصل امتثال الشرع أن لا يلامس الإزار الكعبين.
فإن أصرا على إطالة ثوبك إلى ما دون الكعبين فتلطف معهما في العبارة وحاول أن تسايسهم وتداريهم، ولكن لا تعصي الله من أجلهما في إسبال الثوب.
سئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ:
ما حكم الإسبال؟ وهل يجوز أن أطيع والدي إذا أرادوا مني إسبال ثيابي؟.
فأجاب:
الإسبال محرم، بل هو من كبائر الذنوب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة "، وذكر الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم وذكر منهم المسبل، فالمسبل عاص لله ومتعد لحدوده، فواجب عليه أن يتوب إلى الله، فإنه عوقب بأن الله لا ينظر إليه يوم القيامة، وعوقب بتوعده بالنار، مما يدل على أن الإسبال من كبائر الذنوب مع أن الإسبال لا خير فيه، ففيه إفساد للملبس وربما سبب تعثر للمسبل في مشيه كما قال عمر رضي الله عنه للشاب الذي رآه مسبلا - وقد عاد عمر في مرض موته -: " يا غلام ارفع إزارك فإنه أبقى لثوبك وأطوع لربك ".
وأما طاعة الوالدين: فإن الوالدين لا يطاعان في معصية الله، فلو أمراك بالإسبال فاعصهما لأن الإسبال من كبائر الذنوب، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
" فتاوى مجلة الدعوة " العدد: (1741) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1454)
يريد نفع والده الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[دفعت مالاً بالنيابة عن والدي (المتوفى) ، أريد أن أنفع والدي وهو ميت فهل هناك شيء آخر يمكن أن أقوم به غير الإطعام في رمضان؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصدقة عن الميت تنفعه ويصل ثوابها إليه بإجماع المسلمين.
روى مسلم (1630) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالا وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وروى مسلم أيضاً (1004) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا (أي: ماتت فجأة) ، وَإِنِّي أَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَلِي أَجْرٌ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قال النووي رحمه الله:
وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الصَّدَقَة عَنْ الْمَيِّت وَاسْتِحْبَابهَا , وَأَنَّ ثَوَابهَا يَصِلهُ وَيَنْفَعهُ , وَيَنْفَع الْمُتَصَدِّق أَيْضًا , وَهَذَا كُلّه أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ اهـ
وإطعام الطعام من أعمال البر التي رغب فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاسيما تفطير الصائم.
وكذلك من أحسن الأشياء التي تنفع بها والدك وتبره بها الدعاء، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) .
فعليك أن تكثر من الدعاء له في صلاتك وغيرها أن يغفر الله له، ويدخله الجنة، وينجيه من النار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1455)
هل أطيع والدي بترك مصاحبة الأخيار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أمرني والداي بأن أترك أصحابا طيبين وزملاء أخيارا، وألا أسافر معهم لأقضي عمرة، مع العلم بأني في طريقي إلى الالتزام. فهل تجب علي طاعتهم في هذه الحالة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس عليك طاعتهم في معصية الله ولا فيما يضرك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فالذي ينهاك عن صحبة الأخيار لا تطعه، لا الوالدان ولا غيرهما، ولا تطع أحدا في مصاحبة الأشرار أيضا، لكن تخاطب والديك بالكلام الطيب، وبالتي هي أحسن، كأن تقول: يا والدي كذا، ويا أمي كذا، هؤلاء طيبون، وهؤلاء أستفيد منهم، وأنتفع بهم، ويلين قلبي معهم، وأتعلم العلم وأستفيد، فترد عليهم بالكلام الطيب والأسلوب الحسن لا بالعنف والشدة، وإذا منعوك فلا تخبرهم بأنك تتبع الأخيار وتتصل بهم، ولا تخبرهم بأنك ذهبت مع أولئك إذا كانوا لا يرضون بذلك. ولكن عليك أن لا تطيعهم إلا في الطاعة والمعروف.
وإذا أمروك بمصاحبة الأشرار، أو أمروك بالتدخين أو بشرب الخمر أو الزنا أو بغير ذلك من المعاصي فلا تطعهم ولا غيرهم في ذلك، للحديثين المذكورين آنفا وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 126(7/1456)
هل رضا الوالدين دليل على رضا الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي وأمي راضيان عني كل الرضا ولله الحمد , فهل يكون رضاهم من رضا الله سبحانه وتعالى عني أم ماذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حق الوالدين عظيم، فبرّهما قرين التوحيد، وشكرهما مقرون بشكر الله عز وجل , والإحسان إليهما من أجل الأعمال، وأحبها إلى الكبير المتعال.
قال الله عز وجل: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) النساء/ 36.
وقال الله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) الأنعام/ 151.
وقال تبارك وتعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) الإسراء 23، 24.
وقال عز وجل: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) لقمان/ 14.
والأحاديث في هذا كثيرة جداً، منها ما رواه البخاري (527) ومسلم (85) عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وجاء أيضا عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رضى الرب في رضى الوالد , وسخط الرب في سخط الوالد) رواه الترمذي (1821) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (516) .
" (رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ) وَكَذَا حُكْمُ الْوَالِدَةِ بَلْ هُوَ أَوْلَى , وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ: (رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ وَسَخَطُهُ فِي سَخَطِهِمَا) " انتهى من "تحفة الأحوذي" بتصرف.
وقال المناوي في "فيض القدير":
" رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد) لأنه تعالى أمر أن يطاع الأب ويكرم فمن امتثل أمر الله فقد برَّ الله وأكرمه وعظمه فرضي عنه ومن خالف أمره غضب عليه.
وهذا ما لم يكن الوالد فيما يرومه خارجاً عن سبيل المتقين، وإلا فرضى الرب في هذه الحالة في مخالفته، وهذا وعيد شديد يفيد أن العقوق كبيرة، وقد تظاهرت على ذلك النصوص " انتهى بتصرف.
فما ذكرت من أن والديك راضيان عنك فنرجو أن يكون ذلك سببا في رضا الله سبحانه وتعالى عنك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1457)
أسلمت ويريد الزواج بها وأمه ترفض
[السُّؤَالُ]
ـ[أحببت فتاة نصرانية ثم أسلمت وأردت الزواج منها ولكن والدتي لم توافق، والدي متوفى ولا أريد أن أغضب والدتي فقد تعبت من أجلنا كثيراً، صليت الاستخارة ورأيت تلك الفتاة في منامي ثم رأيت فتاة أخرى، لست أدري ما أفعل، هل أعصي والدتي وأتزوجها أم أطيع والدتي وأترك تلك الفتاة مع أنها بحاجة ماسة لي (لأنها مسلمة جديدة) وأخشى إن تركتها أن تعود لحياتها السابقة؟ أظن بأنها لن تفعل ذلك ولكن الظروف تغير حال الإنسان، أرجو أن تقترح علي ما أفعله لأجعل الطرفين راضيين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نقترح عليك أن تستمر في محاولة إقناع والدتك، لتقبل بزواجك من هذه الفتاة، فإن أصرت على رفضها فالخير لك في طاعة والدتك وتلبية رغبتها، والنساء كثير، ولا يلزم الرجل أن يتزوج من امرأة بعينها، لذا كانت طاعة الأم مقدمة هنا، لما في ذلك من البر بها والإحسان إليها. قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الاسراء / 23.
وروى أحمد (15577) أن معاوية بن جاهمة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك فقال هل لك من أم؟ قال: نعم. فقال: الزمها فإن الجنة عند رجلها.. ". قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
ورواه ابن ماجه (2781) بلفظ " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال: ويحك أحية أمك قلت: نعم قال: ارجع فبرها ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال: ويحك أحية أمك، قلت: نعم يا رسول الله، قال: فارجع إليها فبرها ثم أتيته من أمامه فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال: ويحك أحية أمك، قلت: نعم يا رسول الله قال: " ويحك الزم رجلها فثم الجنة " والحديث صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة.
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي طلحة الأسدي قال: كنت جالسا عند ابن عباس فأتاه أعرابيان فاكتنفاه فقال أحدهما: إني كنت أبغي إبلا لي فنزلت بقوم فأعجبتني فتاة لهم فتزوجتها فحلف أبواي أن لا يضماها أبدا , وحلف الفتى فقال: عليه ألف محرر وألف هدية وألف بدنة إن طلقها , فقال ابن عباس: ما أنا بالذي آمرك أن تطلق امرأتك ولا أن تعق والديك , قال: فما أصنع بهذه المرأة؟ قال: ابرر والديك.
وروى مثله عن أبي الدرداء، وإذا كان هذا في تطليق المرأة بعد زواجها، فأولى أن تطاع الأم قبل حصول الزواج.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1458)
المجتمع المسلم ورعاية المسنين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يعامل المسنون في دين الإسلام؟ هل لهم مكانة خاصة، وهل يلاقون رعاية تليق بوضعهم الصحي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن دين الإسلام دين رحمة وعدل.. دين يتمم مكارم الأخلاق وينهى عن سفاسفها.. دين يعطي للإنسان كرامته – إذا التزم بشرع الله -.
ومما لا شك فيه أن الدين الإسلامي قد أعطى للمسنين مكانة خاصة، وقد جاءت في حقهم نصوص شرعية تحث على احترامهم وإكرامهم.
وقد قامت رعاية المسنين في الإسلام على عدة مرتكزات منها ما يلي:
1- الإنسان مخلوق مكرم، ومكانته محترمة في الإسلام..
قال الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) الإسراء/70.
فالمسن له منزلته ومكانته في الإسلام بشكل عام أخذاً من عموم الآية.
2- المجتمع المسلم مجتمع متراحم متماسك..
قال الله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) محمد/29.
وقال تعالى واصفاً المؤمنين: (ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) البلد/17-18.
ويصف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤمنين بأنهم كالجسد الواحد، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه مسلم (2586) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (13) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) رواه الترمذي (1924) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1569) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لأَهْلِ الإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ) رواه أحمد (32370) وأورده الألباني في الصحيحة (1137) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خاب عبد وخسر لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر) . قال الألباني في السلسلة الصحيحة (456) : إسناده حسن اهـ.
3- المجتمع المسلم مجتمع متعاون متكاتف..
روى ابن أبي الدنيا عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحبُّ إليّ من أن اعتكف في هذا المسجد – يعني مسجد المدينة - شهرا. . . ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزول الأقدام) حسنه الألباني في الترغيب والترهيب (2623)
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه مسلم (2699) .
4- المسن له مكانته عند الله إذا استقام على شرع الله
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَإِنَّهُ لا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلا خَيْرًا) رواه مسلم (2682) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ألا أنبئكم بخياركم؟ خياركم أطولكم أعمارا إذا سددوا) قال الألباني في السلسلة الصحيحة (2498) : حسن لغيره اهـ.
(سددوا) أي استقاموا وعملوا بالصالحات
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خياركم أطولكم أعمارا، وأحسنكم أعمالا) صححه الألباني في صحيح الجامع (3263) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الإِسْلامِ لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ) رواه أحمد (1404) وقال الألباني في السلسة الصحيحة (654) : إسناده حسن اهـ.
وروى الترمذي (2329) أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ. وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1899) .
5- توقير الكبير وإكرامه من سمات لمجتمع المسلم
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ. . .) رواه أبو داود (4843) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (4053) .
وجَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا. رواه الترمذي (1919) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1565) .
6- أوجه رعاية الإسلام للمسنين..
1- الأمر ببر الوالدين..
وهذا مظهر من مظاهر رعاية المسنين في الإسلام إذ الغالب أن الوالدين يكونان من كبار السن.
وقد اقترن الأمر ببر الوالدين بالأمر بتوحيد الله والنهي عن الشرك به في آيات كثيرة منها:
قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء /36.
وقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء /23.
وعن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. رواه البخاري (527) .
2- الأمر برعاية صديق الوالدين ولو بعد موتهما واعتبار ذلك من بر الوالدين.
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من البر أن تصل صديق أبيك) . قال الألباني في السلسلة الصحيحة (2303) : صحيح بمجموع طرقه اهـ
روى مسلم (2552) . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ فَقُلْنَا لَهُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّهُمْ الأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ) .
وبلغ الأمر ببعض السلف أنه كان يسافر ليصل صديق أبيه. روى أحمد (26998) عن يُوسُف بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَقَالَ لِي يَا ابْنَ أَخِي مَا أَعْمَدَكَ إِلَى هَذَا الْبَلَدِ أَوْ مَا جَاءَ بِكَ قَالَ قُلْتُ لا إِلا صِلَةُ مَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ وَالِدِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ.
فهذه إحدى صور رعاية المسنين في الإسلام، فحين يزور أفراد المجتمع أصدقاء آبائهم فإنهم يساعدون على دمج المسن في المجتمع والقضاء على العزلة التي يشعر بها، وبالتالي التخفيف من التغيرات الاجتماعية والنفسية التي يمر بها المسن.
بخلاف ما يحدث في المجتمعات غير الإسلامية. فتطالعنا الأخبار بين حين وآخر عما يحدث لبعض المسنين هناك، ومدى العزلة التي يعيشون فيها.
فهذا مسن يبقى متوفياً داخل شقته أربع سنوات ولم تكتشف جثته إلا صدفة. صحيفة الجزيرة عدد (7751) . تاريخ /7/1414 هـ.
وفي تقرير من وزارة الأسرة والشبيبة والكهولة في ألمانيا عام 1993 م جاء فيه أن هناك 440 ألف مسن تعرضوا للإيذاء الجسدي والمعاملة السيئة من أقاربهم وأفراد أسرهم مرة واحدة على الأقل في العام.
وهذه عجوز عاجزة عن الحركة تموت جوعاً في شقتها بسبب ابنها الذي قطع عنها الماء والكهرباء والغاز، حتى اكتشف الجيران أمرها.. ولكن بعد فوات الأوان.
ومات رجل مسن في لندن في شقته وله خمسة أولاد ولم يعلم أحد بموته إلا بعد ستة أشهر.
وهذه امرأة عجوز في ألمانيا لمنزلها حديقة لا تُصدق، لروعة جمالها، وإنها تُعدها ليوم واحد في العام، حينما يأتي أولادها إليها، من شدة محبتها لهم وهم معرضون عنها، زينت لهم هذه الحديقة ذات يوم وصنعت لهم طعاماً نفيساً، ثم فوجئت أنهم اعتذروا عن المجيء، فبكت بكاء، كادت تموت من البكاء.
وفي حي من الأحياء الراقية في طوكيو عُثر على مسن في شقته قد مَرَّ على موته سنة ونصف.
وهذه مسنة عُثر عليها وقد ماتت جوعاً في شقتها.
وأغرب من ذلك هذا المسن الذي تجاوز التسعين عاماً ولم يدر أحد بموته إلا بعد خمسة أيام. ووجه الغرابة أنه مات في دار خاصة بالمسنين في مدينة سابور بجزيرة هوكايدو ولم يشعر أحد من العاملين في الدار بوفاته حتى جاء بعض أقاربه لزيارته فاكتشفوا الأمر.
فالحمد لله على نعمة الإسلام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1459)
هل يبني بيتا أم يعطي أباه ليتزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[أعطي أبي حاجته من مالي - إذا طلب -، وأريد أن أبني بيتا وأبي يريد أن يتزوج، وأنا مستأجر في بيت ويمكن أن أستمر في الإيجار لكن أتمنى أن يكون لي بيت ملك. فهل أقدم بناء بيتي أو يجب عليّ أن أعطي أبي لزواجه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
يجب عليه أن يعطي والده لزواجه خصوصا إذا كان والده في حاجة شديدة للزواج.
سؤال:
وإذا كان الأب يريد أن يبني بيتا وطلب من الولد، فهل يقدِّم بيته أم بيت أبيه؟
الجواب:
يُقدّم بيته على بيت أبيه. انتهى، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(7/1460)
كيفية معاملة الأم الفاسقة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يتعلق بأحد الشباب الصغار من المسلمين. هو ما شاء الله شاب جاد مخلص وعلى علم ملتزم بتعاليم الإسلام وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويحاول بكل جهده اتباع العقيدة الصحيحة. إنه يعيش بمفرده مع أمه المطلقة والتي لا تتبع الإسلام بالكلية وتنهمك في الكثير من الأعمال التي لا تتفق مع الإسلام في شيء …أنا على صلة بالشاب وأمه وهما على تراحم وتواد لكني أرى أن الشاب أحيانا يضيق بتصرفات أمه التي تضعه في مواقف حرجة وأنا لا أستطيع تقديم النصح له بصورة صحيحة.وفيما يلي بعض الأمثلة لهذه المواقف مثل خروج الأم من المنزل لمدة قصيرة فيشعر الابن بالخزي من ذلك لكنه يسير معها خوفا عليها من أن يبادرها أحدا بالكلام، ….الأم كثيرة التعرف على الرجال من الجنس الآخر على الطريقة الغربية، وهي كثيرة الذهاب إلى دعوات العشاء وتجلس على الطاولة التي غالبا ما تكون ممتلئة بالخمر الذي يحتسيه رفاقها وصديقاتها لكنها لا تشرب الخمر على الإطلاق وهناك العديد والعديد من الموضوعات التي يمارسها أصدقاء الأم مثل البدع ويحاول الابن باستمرار دعوة الأم وتوضيح الأمور لها لكنها دائما ما تتهمه بالتعصب والمغالاة أو أنه من العصر الحجري. أرجو تقديم النصيحة لصديقي الذي لم يصاحب أحدا غيري فهو يشعر انه ديوث ويود أن يعرف هل بقاءه مع والدته وهي على هذا النحو من السلوكيات يعد أمرا صحيحا وهو يخشى عليها من أن يتحرش بها أحد من الغرباء نظرا لأنها ترتدي الملابس القصيرة غير الإسلامية وهو لم يخبرني بهذه الأشياء كما أنه لم يفش أسرار الأسرة لكن الأمر بات واضحا لي ولمن حوله. الرجاء المساعدة جزاك الله تعالى خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شكّ أنّ القصّة المذكورة مؤلمة ومؤثّرة وخصوصا عندما يُصاب الإنسان بمصيبة الدّين في أقرب النّاس إليه ويُؤذى أيضا، ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون ولْيعلم هذا الأخ أنّ بر الوالدين من أوجب الواجبات التي تجب للبشر على البشر لقول الله تعالى {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} فأمر بمصاحبة هذين الوالدين المشركين اللذين يبذلان الجهد في أمر ولدهما بالشرك ومع ذلك أمر الله أن يصاحبهما في الدنيا معروفا، وإذا كان كذلك فالواجب عليك نحو والدتك أن تنصحها بالكفّ عن هذه المعاصي وأن تبيّن لها ما في فعلها من الإثم والعقاب فإن استجابت فالحمد لله، وإلا فاهجرها هجراً جميلاً ولا تخالطها مخالطةً تضرك في دينك ولا تؤذيها بل صاحبها في الدنيا بالمعروف وتابع نصيحتها بين الحين والأخر، وهجرك إياها لا يضرك لأنك إنما فعلته غيرةً لله وإنكاراً للمنكر.
أنظر إجابة الشيخ محمد بن عثيمين في فتاوى إسلامية (4/196) واللجنة الدائمة في فتاوى إسلامية (4/204) والشيخ عبد الله بن جبرين في فتاوى المرأة المسلمة (2/957)
وخلاصة القول في مسألة مساكنتك لها أنّه إذا سُكناك معها سيُفيدها في زيادة دين أو إيمان أو التزام بواجب أو بُعد عن محرّم أو التّخفيف منه على الأقل من خلال شعورها بشيء من الرّقابة مثلا أو ردّ أهل السوء عنها وصرفهم، ولم يكن في هذه المخالطة ضرر عليك، فابق معها محتسبا الأجر في كلّ ما تقدّم والله يُثيبك على صبرك، وإن كنت قد أعيتك المحاولة ولم تجد فائدة في إحراز أيّ تقدّم في أيّ مجال مما تقدّم ذكره وكانت المُخالطة لها تسبب ضررا عليك في دينك أو سُمعتك فلا عليك من حرج في هجرها كما تقدّم مع الاستمرار في تفقّدها وقضاء حاجاتها ونصحها بين الفَينة والأخرى، ونسأل الله أن يرزقك الصّبر ويأجرك على جهدك وهو نِعم المولى ونِعم النّصير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1461)
أمها تريد أن تقيم لها حفلة عيد ميلاد فما العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[استطعت أن أعرف أن أمي وهي غير مسلمة تخطط أن تُقيم لي حفلة مفاجئة في تاريخ ميلادي. ما الحكم في هذا؟ إن لم يكن جائزا فكيف لا أسيء لأمي (عند الرفض) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما بالنسبة لهذا العيد الذي يسميه الناس (عيد الميلاد) فقد أفتى فيه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى فقال:
كل شيء يُتخذ عيداً يتكرر كل أسبوع، أو كل عام وليس مشروعاً؛ فهو من البدع، والدليل على ذلك: أن الشارع جعل للمولود العقيقة، ولم يجعل شيئاً بعد ذلك، واتخاذهم هذه الأعياد تكرر كل أسبوع أو كل عام معناه أنهم شبهوها بالأعياد الإسلامية، وهذا حرام لا يجوز، وليس في الإسلام شيء من الأعياد إلا الأعياد الشرعية الثلاثة، عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة.
وليس هذا من باب العادات لأنه يتكرر، ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم فوجد للأنصار عيدين يحتفلون يهما قال (إن الله أبدلكم بخير منهما: عيد الأضحى وعيد الفطر) رواه النسائي 1556 وأبو داود 1134 وصححه الألباني في سلسة الأحاديث الصحيحة برقم 124، مع أن هذا من الأمور العادية عندهم. انتهى نقلاً من شرح كتاب التوحيد 1/382، انظر السؤال رقم (1027) .
ثانياً:
أما كيف تتصرفين مع أمك فالذي أرى أن تصارحيها بحقيقة الأمر، وتعرفيها أن هذا العمل لا يأذن به الله تبارك وتعالى، وأن دين الإسلام يمنع منه، وإذا كان كذلك فأنت لا يمكنك أن تقدمي عليه، وقولي لها لولا أن الله لم يأذن فيه لكنت مسرورة فيه شاكرة لك، ولكن الأمر ليس إليّ ولا إلى أحد البتة وإنما هو إلى الله الذي يقضي ونحن –المسلمين- علينا أن نسلم ولا يجوز لنا أن نناقش في ذلك طالما هو أمر الله العليم الحكيم سبحانه.
أبلغيها كل ذلك بأحسن الأساليب وأرق الطرق، فإن اقتنعت وقدّرت ذلك فالحمد لله، وإلا فاحرصي على أن تكوني خارج البيت وقت هذا الاحتفال حتى لا يضايقك أحد بطلب المشاركة أو تضعف نفسك ولا شيء عليك فيما تقوم به أمك، ورضى الله فوق رضى كل مخلوق، وتأكدي أن أمك إن رفضت هذا الأمر بشدة اليوم فلعل الله أن يُرضيها عنك في المستقبل بإذن الله تعالى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1462)
يريد الزواج ووالده رافض
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي مع والدي فنحن سبعة إخوة وأنا الخامس بينهم، وقد طلبت من والدي أن يزوجني، فأجاب أن أنتظر 4 سنوات، وأنا في طريقي لإنهاء تدريبي إن شاء الله (وسأنتهي من برنامج التدريب) بعد عام من الآن، والبلد الذي أسكنه مليء بالفتن، والله المستعان، وعليه: فأنا أريد أن أعرف ما إذا كان والدي ستلحقه ذنوب لأنه لم يتركني أتزوج، وللمعلومية فكل إخوتي عزاب كذلك، أنا لا أستطيع أن أتحدث معه مرة أخرى في هذا الخصوص لأني عندما أكلمه، فإنه يغضب ثم لا أتمكن من التفوه بأي كلمة وأنا في ذلك الوضع، وأنا لا أريد حقّاً أن أقع في أية معصية – والله - فأنا أريد أن أفعل كل شيء بالطريق الصحيح، لكنه لا يسمح لي بفعل ذلك، أرجوك.. أرجوك.. أرجوك.. أريد منك النصيحة، فأنا – والله - أخاف أن أقع في الأمور المحرمة، فأنا لا أستطيع منع نفسي أكثر من ذلك، والله المستعان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا حظنا في سؤالك أخي الفاضل أنك بارٌّ بأبيك، وهذا أمرٌ تشكر عليه، ونحثك على الاستمرار فيه، وقد أوجب الله ذلك عليك، والنصوص في ذلك أشهر من أن تذكر.
ثانياً:
ولا حظنا في سؤالك – أيضاً – مدى حرقتك على نفسك أن لا تقع في الموبقات المهلكات، وهذا يدل – إن شاء الله – على دينٍ متين عندك، فدِينك هو رأس مالك فإياك أن تفرط فيه فتخسر الدنيا والآخرة، وابق على خوفك هذا من أن تقع في الفاحشة فيحل عليك سخط الله، وتذكر مراقبة ربك لك في الليل والنهار، واعلم أنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويكفيك أن تتصور لو قبض الله روحك وأنت – حاشاك من ذلك – في حال مقارفتك للمعصية، فكيف ستلقى الله تعالى؟
ثالثاً:
ونوصيك بتقوى الله، فهي الحاجز المنيع بينك وبين الفواحش، ونوصيك بغض البصر عن كل ما حرَّم الله، وليس لك إلا النظرة الأولى التي تقع من غير قصدٍ، ونوصيك بعدم الاستماع لما حرَّم الله مما قد يثير الشهوة الكامنة، وبالبعد عن أصحاب السوء، وأصدقاء الفحش الذين لا يريدون لك إلا النار في الآخرة، والعار في الدنيا.
وهذه بعض أسباب الوقوع في الفاحشة، فبمقدار بعدك عنها يكون بُعدك عن الفاحشة.
وبعد ذلك نوصيك بالطاعات، وخاصة الصيام فهو العلاج الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في مثل أحوالك هذه.
عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ". رواه البخاري (4778) ومسلم (1400) .
معنى الباءة: تكاليف الزواج.
ومعنى وِجاء: وقاية.
ونوصيك بقراءة القرآن والإكثار من الدعاء أن يجنبك الله الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونوصيك بالصحبة الصالحة التي تدلك على الخير، وتحثك عليه، وكذا نوصيك بالتمارين الرياضية، والنوم مبكِّراً.
وهذه بعض الأسباب التي يُرجى أن تكون سبباً لابتعادك عن كل ما لا يُرضي ربك تعالى.
وإليك هذه الفائدة النفيسة:
قال ابن مفلح - نقلاً عن ابن عقيل في " الفنون " -: وتسمع قوله {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} وأنت تُحَدِّقُ إلى المحظورات تحديقَ متوسل أو متأسف كيف لا سبيلَ لكَ إليها، وتسمع قوله تعالى {وجوه يومئذِ ناضرة} تهشُّ لها كأنها فيكَ نزلت، وتسمع بعدها {ووجوه يومئذِ باسرة} فتطمئن أنها لغيرك ! ومِن أين ثبت هذا الأمر؟ ومِن أين جاءَ الطمعُ؟ اللهَ اللهَ، هذه خدعةٌ تحول بينك وبين التقوى. أ. هـ.
" الآداب الشرعية " (1 / 151، 152) .
رابعاً:
وأما فعل والدك من منعك من الزواج وتأخيره عليك: فهو خطأ منه، وينبغي عليه أن يتقي الله في أبنائه، وأن يسارع في تزويجهم، وأن يعلم أن حاجة بعض أبنائه وبناته للزواج قد تكون أكثر وأعظم من حاجتهم للطعام والشراب.
وهذه فتوى الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في مثل حال والدك:
قال – رحمه الله -:
" الواجب على أبيك ما دام الله قد أغناه أن ينفق عليك طعاماً وشراباً وكسوة وسكنى، ويجب عليه أيضاً أن يزوجك إذا كنت محتاجاً إلى الزواج، كما قال ذلك أهل العلم،.......
وبهذه المناسبة أود أن أنبه على أمر مهم، وهو أن بعض الآباء وهم أغنياء يطلب منهم أبناؤهم الزواج فيرفضون، قائلين للولد: اسع في الكسب للصرف على نفسك وتزوج فأنت رجل، وما أشبه ذلك، وقد نص أهل العلم أن من وجبت عليه نفقة شخص وجب عليه إعفافه وتزويجه، فليتق الله هؤلاء الآباء، وليقوموا بما أوجب الله عليهم من إعفاف أبنائهم والله الموفق ".
من كتاب " فتاوى منار الإسلام " ج/ 3 ص/619
وأخيراً: نسأل الله لنا ولك الثبات والعفة والمعونة إنه سبحانه نعم المولى ونعم النصير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1463)
طاعة الوالدين في حلق اللحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم وأريد أن أطلق لحيتي ولكن والدي يعارض ذلك بشدة، فهل يجب علي إطلاق اللحية أو طاعة الوالدين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حلق اللحية حرام لا يجوز فعله لطاعة والد أو رئيس؛ لأن الطاعة في المعروف، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/146(7/1464)
يغضب ولا يكلم والديه ولا يصطلح معهما
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ عندما يغضب منَّا لا يكلِّم أحداً قط حتى والديه، وهو أشد مخاصمة لوالديه لاعتقاده بأن معظم أفعالهما خاطئة، وعندما يتكلمان معه لكي يصالحاه لا يصطلح، ولا أدرى كيف نصنع معه، فقد حدث هذا الأمر كثيراً، وكان يرضى بصلح والديه له بعد عناء كبير، أما هذه المرة فلا يريد صلحاً، فكيف نصنع وقد نفد صبرنا عليه وأنا أخوه الأكبر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حق الوالدين حق عظيم، وقد قرن الله عز وجل قرن حق الوالدين بحقه في آيات كثيرة، مثل قوله عز وجل: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} النساء / 36، وقوله عز وجل: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} الإسراء / 23، وقوله سبحانه: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير} لقمان / 14، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهذه الآيات تدل على وجوب برهما، والإحسان إليهما وشكرهما على إحسانهما إلى الولد من حين وجد في بطن أمه إلى أن استقل بنفسه وعرف مصالحه، وبرهما يشمل الإنفاق عليهما عند الحاجة، والسمع والطاعة لهما في المعروف، وخفض الجناح لهما، وعدم رفع الصوت عليهما، ومخاطبتهما بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، كما قال الله عز وجل في سورة بني إسرائيل: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً} الإسراء / 23، 24، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله "، وقال صلى الله عليه وسلم: رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد خرجه الترمذي 1821، وصححه ابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ولفظ الطبراني (في رضا الوالدين) ، والأحاديث في وجوب برهما والإحسان إليهما كثيرة جدا.
وضد البر: هو العقوق لهما، وذلك من أكبر الكبائر؛ لما ثبت في الصحيحين، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ - ثلاثاً – قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور " رواه البخاري (2654) ومسلم (126) ، وفي الصحيحين أيضاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من الكبائر شتم الرجل والديه، قيل: يا رسول وهل يسب الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه " رواه البخاري 5973 ومسلم 130، فجعل صلى الله عليه وسلم التسبب في سب الوالدين سبّاً لهما، فالواجب على كل مسلم ومسلمة العناية ببر الوالدين، والإحسان إليهما، ولا سيما عند الكبر والحاجة إلى العطف والبر والخدمة، مع الحذر كل الحذر من عقوقهما والإساءة إليهما بقول أو عمل. ا. هـ من كلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 306، 307) .
ثانياً:
ذكروا أخاكم بالله وخوفوه عذابه، وبينوا له نصوص الوعيد على من عق والديه ومنزلة البر في الإسلام حتى تقوم عليه الحجة وتبرأ ذمتكم أمام الله، ويجب أن يعلم أنه آثم بعمله القبيح مع والديه واقع فيما حرمه الله عليه، ومع ذلك لا تيأسوا من هدايته ولا تملوا من السعي في الإصلاح بين أخيكم ووالديه..، فإن عجزتم عن ذلك: فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
واحرصوا على تنويع طرق توصيل النصيحة لأخيكم فتارة باسماعه شريطاً مؤثراً وتارة بإهدائه كتاباً نافعاً سهلاً عن هذا الأمر، وعليكم بتذكيره بما يمكن أن يعاقبه الله تعالى بأولاده وأنهم قد يفعلون معه كما يفعل مع والديه الآن، وهكذا ...
ثم إن من طرق العلاج أن تفتشوا في الأسباب التي تدعوه لمثل هذا التصرف ثم السعي في حلها، فقد تبين أن هناك مشكلات نفسية وخاصة لكثيرين من العاقين لوالديهم كتأخر الزواج، أو وجود المنكرات في بيوتهم كانت سبباً في عقوقهم ... الخ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1465)
هل يتزوج بغير رضى والده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يتزوج الرجل بمن يعجبه دينها وخلقها ووالده غير راض عن ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يخطئ الابن في اختياره ذات الدين والخُلُق فهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم للراغب في النكاح، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تُنكح المرأة لأربعٍ: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ".
رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
وإليك نصيحة لوالدك ولك من فضيلة الشيخ ابن عثيمين تتعلق بموضوعك:
قال الشيخ – رحمه الله –:
هذا السؤال يقتضي أن نوجه نصيحتين؛ النصيحة الأولى لوالدك حيث أصرَّ على منعك من الزواج بهذه المرأة التي وصفتَها بأنها ذات خلق ودين، فإن الواجب عليه أن يأذن لك في تزوجها إلا أن يكون لديه سبب شرعي يعلمه ويبينه حتى تقتنع أنت وتطمئن نفسك، وعليه أن يقدِّر هذا الأمر في نفسه لو كان أبوه منعه من أن يتزوج امرأة أعجبته في دينها وأخلاقها، أفلا يرى أن ذلك فيه شيء من الغضاضة وكبت حريته؟ فإذا كان هو لا يرضى أن يقع من والده عليه مثل هذا فكيف يرضى أن يقع منه على ولده مثل هذا، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ".
فلا يحل لأبيك أن يمنعك من التزوج بهذه المرأة بدون سبب شرعي، وإذا كان هناك سبب شرعي فليبينه لك حتى تكون على بصيرة.
أما النصيحة التي أوجهها إليك أيها السائل: فأنا أقول: إذا كان يمكنك أن تعدل عن هذه المرأة إلى امرأة أخرى: فإرضاء لأبيك وحثّاً على لمِّ الشمل وعدم الفرقة فافعل.
وإذا كان لا يمكنك بحيث يكون قلبك متعلقا بها وتخشى أيضا أنك لو خطبت امرأة أخرى أن يمنعك أبوك من زواجك بها – لأن بعض الناس قد يكون في قلبه غيرة أو حسد ولو لأبنائه فيمنعهم مما يريدون – أقول: إذا كنتَ تخشى هذا ولا تتمكن من الصبر عن هذه المرأة التي تعلَّق بها قلبك: فلا حرج عليك أن تتزوجها ولو كره والدك، ولعله بعد الزواج يقتنع بما حصل ويزول ما في قلبه، ونسأل الله أن يقدر لك ما فيه خير الأمرين.
" فتاوى إسلامية " (4 / 193، 194) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1466)
هل للأم أن تمنع أبنتها من الصيام لأجل التغذية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من حق الأم منع ابنتها من صيام التطوع بحجة الحاجة للغذاء؟ وهل يجوز للبنت في هذه الحالة الصوم رغما عن أمها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للوالدين منع الولد سواء كان ابناً أو بنتاً من التطوع، سواء كان بالحج أو الصيام أو الجهاد أو غيرها لا سيما إذا رأى الوالدان أن التطوع بمثل ذلك مما يضرّ بالولد، أو كانت حاجة الوالدين لا يمكن تأديتها إلا بذلك، أما الفرائض فلا، وإذا مُنع الولد من قبل الوالد من التطوع فأجره على الله.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(7/1467)
هل يلزم الولد بطاعة أبيه في مواضع صدقاته
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعطي صدقتي لمؤسسات خيرية ولكن أهلي يعارضون ذلك ويفضلون إعطاء المال للأقارب مع أن أبي يعطيهم مالاً. فهل يمكن أن أتصدق بدون إخبارهم؟ لأن أحد الأحاديث يقول "أنت ومالك لأبيك" أرجو التوضيح
هل يمكن لأبي أن يزكي ويضحي بالنيابة عني لأنه رب العائلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
أود أن أعطي صدقتي لمؤسسات خيرية ولكن أبي يعارض ذلك ويفضل إعطاء المال للأقارب ويريد أن يلزمني بذلك، فهل حديث أنت ومالك لأبيك يدخل فيه أن يتحكّم الأب بمواضع صدقة ولده؟
فأجاب حفظه الله:
لا يدخل في هذا إلا إذا أراد أن يتملكها فلا بأس، ما لم يكن حيلة على منع صدقة ابنه، ولكن مع ذلك أنا أشير على الابن أن يعطيها الأقارب فهو أفضل. انتهى
فليس للأب أن يُلزم ولده بمواضع معينة يضع فيها الصّدقة، ويمنعه من مواضع أخرى ولكن يُستحبّ للابن أن يستجيب لرغبة أبيه ما دام أشار عليه بأمر من البرّ وهو صلة الأقارب بالمال، وإذا كان المال كثيرا وكان هناك من هو أحوج من الأقارب فيمكن أن يعطي بعضه للأقارب وبعضه للمحتاجين الآخرين أو للمشاريع الإسلامية المهمة والنافعة، وأما حديث أنت ومالك لأبيك فقد رواه ابن ماجة رحمه الله تعالى في سننه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالاً وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي فَقَالَ أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيك. " سنن ابن ماجة رقم 2282، قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات على شرط البخاري.
ومعنى قوله (يجتاح) أي يستأصله أي يصرفه في حوائجه بحيث لا يبقى شيء. وانظر في شرح الحديث وما يتعلق به سؤال رقم 4282 والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1468)
مسؤولية الزوجة تجاه والديها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مسؤوليات المرأة المتزوجة تجاه والديها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مسؤولية المرأة المتزوجة تجاه والديها كمسؤولية أي امرأة أخرى، وحقوق الوالدين باقية قبل الزواج وبعده، إلا أن طاعة الزوج تصبح آكد من طاعة الوالدين حين التعارض.
فلو تعارض أمر الوالدين مع أمر الزوج فالمقدم هو أمر الزوج، إلا أن الواجب على الزوج المسلم، والزوجة المسلمة أن يسعيا إلى تلافي تعارض أوامرهما مع أوامر الوالدين، وإلى الحرص على التوافق بينهما وبين والديهما.
ومما ينبغي أن ترعاه المرأة المتزوجة مع والديها: الحرص على زيارتهما بين فترة وأخرى، وإهداؤهما هدايا مناسبة ولو لم تكن ذات قيمة مادية عالية. والحرص على البعد عن إزعاجهما بعبث أطفالها عند زيارتهما، والبعد عن نقل الخلافات الزوجية إليهما.
الشيخ محمد الدويش.
ولو احتاج أبواها إلى نفقة وهي مقتدرة فالواجب عليها أن تنفق عليهما بما تستطيع. وإذا لم يكن لديها مال خاص فشفعت لدى زوجها المقتدر ليساعد والديها فإنها تؤجر على ذلك إن شاء الله وهو من بر أبويها.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1469)
هل للوالدة الحقّ في رفض امرأة أريد الزواج بها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقوق والدتي علي وما هي حقوقي على والدتي؟ مثال: هل لوالدتي أن ترفض زواجي بالمرأة التي اخترتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أن حق الأم على ولدها يتمثل ببرها وحسن صحبتها قال تعالى: {وبالوالدين إحسانا} الإسراء 23. وقال تعالى {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} العنكبوت:8 وقال {أن اشكر لي ولوالديك} لقمان 14.
وعن أبي عمرو الشيباني قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل قال الصلاة على وقتها ثم قال أي قال بر الوالدين ثم قال أي قال الجهاد في سبيل الله) البخاري 5970.
قال ابن حجر في الفتح (10/401) (واقتضت الآية الوصية بالوالدين والأمر بطاعتها ولو كانا كافرين هذا وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في غيرها حديث فضل بر الوالدين حتى ولو بعد موتهما فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ فَقُلْنَا لَهُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّهُمْ الْأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ إن أبر صلة الولد أهل ود أبيه) صحيح مسلم 4629 قال الأُبّي في شرح مسلم (8/496) (يعني إن آكد البر وأفضله إيثار أهل ذو الأب على غيرهم.
وأما حقّ الابن على الأم فيدخل فيه حسن تربيته والعطف عليه والحنان ومن ذلك تمام رضاعه وتعليمه والنفقة عليه في حال عدم وجود الأب.
وأمّا بالنسبة لرفضها الفتاة التي أردتها فلا بد من معرفة أسباب الممانعة والدوافع لذلك لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره وقد تنظر الأم إلى الموضوع من زاوية غير التي تنظر أنت منها إلى تلك الفتاة فإن كانت أسباب الممانعة صادرة من منطلق شرعي كسوء دين المرأة وعن بحث ومشورة في عدم صلاحيتها ومناسبتها لوضعك وظروفك فحينئذ لا بد من طاعتها.
وإن كان الرفض من أجل هوى نفس لا يمتّ للشرع بصلة أو كان التزام الفتاة هو السبب في الممانعة فحينئذ لا تلزم طاعتها ولكن تجتهد في إقناعها ومداراتها ويُمكن توسيط بعض الفضلاء من الناس ممن تثق هي بهم ولهم مكانة عندها للشفاعة لديها للموافقة، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1470)
هل لأبي الحقّ أن يأخذ من مالي ما يشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي يقتبس حديث "أنت ومالك لأبيك" أو "ما يملك الابن ملك للأب" فهل هذا صحيح؟ وهل هذا يعني أنه يحق للأب أن يأخذ ما يشاء حتى لو كان ضد رغبة الابن؟ أعلم أنه واجب على الأبناء مراعاة الآباء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. الحديث: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي فَقَالَ أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ رواه ابن ماجه (2291) وابن حبان في صحيحه (2 / 142) من حديث جابر، و (2292) وأحمد (6902) من حديث عبد الله بن عمرو.
ورواية أحمد عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي قَالَ أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ فَكُلُوهُ هَنِيئًا.
وله طرق وشواهد يصح بها.
انظر: " فتح الباري " (5 / 211) ، و " نصب الراية " (3 / 337) .
2. اللام في الحديث: ليست للملك بل للإباحة.
قال ابن القيم:
واللام في الحديث ليست للملك قطعا.. ومن يقول هي للإباحة أسعد بالحديث وإلا تعطلت فائدته ودلالته. " إعلام الموقعين " (1 / 116) .
3. ومما يدل على أنها ليست للملك أن الابن يرثه أولاده وزوجته وأمه، فلو كان ماله ملكاً لوالده: لم يأخذ المال غير الأب.
وقال الشافعي:
لأنه لم يثبت فإن الله لما فرض للأب ميراثه من ابنه فجعله كوارث غيره وقد يكون أنقص حظا من كثير من الورثة دل ذلك على أن ابنه مالك للمال دونه. " الرسالة " (ص 468) .
4. وليست الإباحة على إطلاقها، بل هي بشروط أربعة:
قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله:
هذا الحديث ليس بضعيف لشواهده، ومعنى ذلك: أن الإنسان إذا كان له مال: فإنَّ لأبيه أن يتبسَّط بهذا المال، وأن يأخذ من هذا المال ما يشاء لكن بشرط بل بشروط:
الشرط الأول: ألا يكون في أخذه ضرر على الابن، فإن كان في أخذه ضرر كما لو أخذ غطاءه الذي يتغطى به من البرد، أو أخذ طعامه الذي يدفع به جوعه: فإن ذلك لا يجوز للأب.
الشرط الثاني: أن لا تتعلق به حاجة للابن، فلو كان عند الابن أمَة يتسراها: فإنه لا يجوز للأب أن يأخذها لتعلق حاجة الابن بها، وكذلك لو كان للابن سيارة يحتاجها في ذهابه وإيابه وليس لديه من الدراهم ما يمكنه أن يشتري بدلها: فليس له أن يأخذها بأي حال.
الشرط الثالث: أن لا يأخذ المال مِن أحد أبنائه ليعطيه لابنٍ آخر؛ لأن ذلك إلقاء للعداوة بين الأبناء، ولأن فيه تفصيلاً لبعض الأبناء على بعض إذا لم يكن الثاني محتاجاً، فإن كان محتاجاً: فإن إعطاء الأبناء لحاجة دون إخوته الذين لا يحتاجون: ليس فيه تفضيل بل هو واجب عليه.
وعلى كل حال: هذا الحديث حجة أخذ به العلماء واحتجوا به، ولكنه مشروط بما ذكرنا، فإن الأب ليس له أن يأخذ من مال ولده ليعطي ولداً آخر.
والله أعلم. " فتاوى إسلامية " (4 / 108، 109) .
وهناك شرط رابع مهم وهو أن تكون عند الأب حاجة للمال الذي يأخذه من ولده، وقد جاء مصرَّحاً بهذا الشرط في بعض الأحاديث.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أولادكم هبة الله لكم {يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور} فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها.
رواه الحاكم (2 / 284) والبيهقي (7 / 480) .
والحديث صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2564) ، وقال:
وفي الحديث فائدة فقهيَّة هامَّة وهي أنه يبيِّن أن الحديث المشهور " أنت ومالك لأبيك " (الإرواء 838) ليس على إطلاقه بحيث أن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء، كلا، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1471)
صاحب قلب نظيف لكنه لا يحترم والديه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان المسلم يصلي ويقوم بالعديد من الأمور الصالحة وكان صاحب قلب نظيف، إلا أنه كان لا يحترم والديه أو لا يهتم بهما، فهل هذا خطأ؟ وهل يعاقب مثله على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يعتبر ذلك خطأ، ويعاقب فاعله، لأن الله تعالى قال: (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) .
الشيخ سعد الحميد.
فكل إيذاء للوالدين بقول أو فعل فهو عقوق يأثم عليه الولد لمخالفة أمر الله ونهيه عندما أمر ببرهما بالقول الحسن والفعل الحسن، قال تعالى: (وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) .
ونهى عن عقوقهما بالقول السيء أو الفعل السيء، قال تعالى: (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما) ، وإذا حصل من الولد ذلك فعليه بالتوبة إلى الله وطلب المسامحة من والديه حتى ينجو من العقوبة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1472)
حق أمي عليّ وحقي على أمي ومدى استقلاليتي
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي بعض الأسئلة عن الوالدين
1- ما هو حق الأم علي؟
2- ما هو حقي على أمي؟
3- ما هي الأشياء التي يمكن أن أعملها (المباحة طبعاً) دون أن يكون لأمي الحق من منعي؟
4- متى يكون للأب القرار الأخير في الموضوع؟
أنا أحب أمي جدا جدا وهي تريد حمايتي حتى أنني أشعر بعض الأحيان بأنني مقيد، أعلم بأنها تفعل هذا من فرط حبها لي فكيف أخبرها بأنني أريد بعض الحرية في اختياراتي في الحياة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: حق الأم على ولدها:
للأم على ولدها حقوق كثيرة وكبيرة لا يحصيها المحصي ولكن نذكر منها:
أ - حبها وتوقيرها في النفس والقلب ما استطاع لأنها أحق الناس بحسن صحبته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك ". رواه البخاري (5626) ومسلم (2548) .
فهي التي جعلت بطنها لك وعاءاً وثديها لك سقاءاً، فحبها لازم ولا بد، والفطرة تدعو إليه، بل إن حب الأولاد لأمهاتهم وحب الأمهات لأولادها فطر الله عليه البهائم والدواب، فبنو البشر أولى بذلك والمسلمون أولى بذلك كله.
ب - الرعاية والقيام على شؤونها إن احتاجت إلى ذلك بل إن هذا ديْن في عنق ولدها. أليست قد رعته طفلاً صغيراً وسهرت عليه وكانت تصبر على أذاه.
قال تعالى {ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً} (الأحقاف / 15) . بل إن ذلك قد يقدّم على الجهاد إن تعارض معه.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد. رواه البخاري (2842) ومسلم (2549) .
ت -عدم الأذية وإسماعها ما تكره من القول أو الفعل.
قال تعالى: {فلا تقل لهما أفٍ} (الإسراء / 23) .
فإذا كان الله تعالى حرَّم قول " أف " للوالدين: فكيف بمن يضربهما؟!! .
ث - النفقة عليها إن أعوزت ولم يكن لها زوج ينفق عليها أو كان زوجها معسراً بل إن النفقة عليها وإطعامها عند الصالحين أحب إليهم من أن يطعموا أبناءهم.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة قال فقال بعضهم لبعض ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه فقال أحدهم اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب فآتي به أبوي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان قال فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون عند رجلي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء قال ففرج عنهم …. ". رواه البخاري (2102) ومسلم (2743) .
يتضاغون: يبكون بصوت عالِ.
ج - الطاعة والائتمار بأمرها إن أمرت بمعروف، أما إن أمرت بشرٍّ كالشرك: فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً} (لقمان / 15) .
ح - أما بعد موتها فيسن قضاء ما عليها من كفارات والتصدق عنها والحج أو الاعتمار عنها.
عن ابن عباس رضي الله عنهما:" أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها، أرأيتِ لو كان على أمك ديْن أكنتِ قاضيته، اقضوا الله فالله أحق بالوفاء". رواه البخاري (1754) .
خ - وكذلك بعد موتها يسنّ برها بصلة من كانت تصله وتحترمه كأقاربها وأصدقائها.
عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ ". رواه مسلم (2552) .
ثانياً: حقوقك على أمك:
أ - القيام على شأنك وأنت طفل وإرضاعك وحضانتك وهذا معلوم من فطرة الناس وهو متواتر عنهم من بدء الخليقة.
قال تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة …..} (البقرة / 233) .
ب - أن تربيك تربيةً صالحةً وهي مسؤولة عنك يوم القيامة أمام الله لأنك من رعيتها وهي راعيتك.
عن عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته". رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
ثالثاً: أما ما يحل لك أن تصنعه دون أن تتدخل أمك في شؤونك من المباحات: فليس لها الحق في اختيار ما تحب من المباحات التي لا سلطة لها عليك بها كالطعام والشراب والملبس والمركب ونحو ذلك.
وكذلك باختيارك الزوجة التي تريد ـ إن كانت صالحة ـ ما دام أنك لم تعصِ الله في ذلك كله، ومع ذلك فيُشرع لك أن ترضيها حتى في اختيار الزوجة إذا أشارت عليك بأمر ليس فيه ضرر عليك.
وأما التدخل في شؤونك من جهة خروجك ودخولك المنزل أو السهر في الليل مع الرفقة الذين تصحبهم: فيجب على الوالدين كليهما أن يراقبا أولادهما في ذلك ليضبطوا الأمر ولا يضيع الأولاد مع رفقة السوء، فإن أكثر ما سبّب للشباب الفساد رفقة السوء، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ". رواه الترمذي (2387) وأبو داود (4833) .
والحديث حسَّنه الترمذي وصححه النووي كما في " تحفة الأحوذي " (7 / 42) .
وكذلك يراقبان ولدهما في وقت رجوعه إلى البيت وإلى أين يخرج لأنه لا يجوز لهما أن يتركا الحبل على غاربه للولد خصوصا إذا لم يكن صاحب استقامة.
وينبغي عليك أن تراعي منزلتهما وتوقيرهما وأخذهما بالصحبة الحسنة حتى وإن ضيقا عليك فيما أباح الله لك، فإنه أمرنا أن نصحب آباءنا بالصحبة الحسنة حتى ولو كانوا كفاراً يدعوننا إلى الشرك فكيف وهما لا يدعوننا إلا إلى شيء يظنان كل الظن أن الخير لنا فيه وإن كان في بعض ما يأمران به تضييق عليك في بعض ما يباح لك. فالأحسن أن تطيعهما وأن تصنع ما يريدان وتنزل عند رغبتها وإن كان لا يجب عليك ولكن من باب التضحية والإيثار فإنهما أحق من يحسن إليهما وقد جعل الله تعالى طاعة الوالدين بعد عبادته مباشرة كما ذكر في كتابه وذلك بيانا لمنزلة بر الوالدين.
رابعاً: يكون للأب القرار الأخير في كل ما هو داخل في مسئوليته تجاهك فهو الذي يقرر مثلا في أيّ مدرسة يدرس ولده الذي تحت نفقته وكذلك يكون للأب القرار في كل تصرّف يتعلّق بملكه مثل استعمالك لسيارته وأخذك من ماله وهكذا.
وأما الولد الكبير المستقل بنفسه ونفقته فإنّه يقرر لنفسه ما يريد مما أباحه الله ويُشرع له إرضاء أبيه ما لم يتعارض ذلك مع طاعة الله وعلى الولد أن يستمر في توقير أبيه مهما بلغ الولد من العمر وذلك من باب البر وحسن العشرة، فقد روي عن ابن عمر أنه قال: " ما رقيت سطح منزل أبي تحته ".
وكذلك إذا أمر الأب ولده بمعروف أو بترك المباح فيُطاع ما لم يكن ضرر على الولد.
خامساً: أما كيف تخبر أمك برغبتك في مزيد من الحرية فإنّ ذلك يكون بالقول والعمل.
أ - أما العمل: فيكون بعد أن تثبت عملا وواقعا لأمك بأنك لم تعد الصبي الذي تعهد وأنك أصبحت رجلاً قادراً على تحمل المسئولية وتتصرف أمامها تصرف الرجال في مواقفك فإن هي رأت منك ذلك مرارا فستثق بك وسيستقيم أمرك عندها ويكبر مقامك في نفس أمك.
ب - أما القول: فيكون بالحجة الواضحة والمناقشة الهادئة والقول اللين وضرب الأمثلة على مواقفك السليمة الصحيحة، ولعل الله تعالى أن يشرح صدرها لتعاملك معاملة الرجل البالغ العاقل الراشد السوي ما دمت كذلك.
ونسأل الله لنا ولك ولوالديك أن يهدينا سبيل الرشاد وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1473)
الطواف وختم القرآن للأموات
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم أحياناً بالطواف لأحد أقاربي أو والدي أو أجدادي المتوفين ما حكم ذلك؟ وأيضاً ما حكم ختم القرآن لهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل ترك ذلك؛ لعدم الدليل عليه، لكن يشرع لك الصدقة عمن أحببت من أقاربك وغيرهم إذا كانوا مسلمين، والدعاء لهم، والحج والعمرة عنهم، أما الصلاة عنهم والطواف عنهم والقراءة لهم، فالأفضل تركه؛ لعدم الدليل عليه.
وقد أجاز ذلك بعض أهل العلم قياساً على الصدقة والدعاء، والأحوط ترك ذلك. وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله.م/8 ص/345.(7/1474)
الواجب الثبات على الحق وعدم الطاعة في معصية الخالق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة والحمد لله وأعمل كل ما يرضي الله وملتزمة بالحجاب الشرعي ولكن والدتي سامحها الله لا تريد مني أن ألتزم بالحجاب وتأمرني أن أشاهد السينما والفيديو.. إلخ، وتقول لي: إذا لم تتمتعي وتنشرحي تكونين عجوزاً ويبيض شعرك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليك أن ترفقي بالوالدة وأن تحسني إليها وأن تخاطبينها بالتي هي أحسن؛ لأن الوالدة حقها عظيم، ولكن ليس لك طاعتها في غير المعروف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) ، وقوله عليه الصلاة والسلام (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهكذا الأب والزوج وغيرهما لا يطاعون في معاصي الله للحديث المذكور، ولكن ينبغي للزوجة والولد ونحوهما أن يستعملوا الرفق والأسلوب الحسن في حل المشاكل وذلك ببيان الأدلة الشرعية ووجوب طاعة الله ورسوله والحذر من معصية الله ورسوله مع الثبات على الحق وعدم طاعة من أمر بمخالفته من زوج أو أب أو أم أو غيرهم.
ولا مانع من مشاهدة ما لا منكر فيه من التلفاز والفيديو وسماع الندوات العلمية والدروس المفيدة والحذر من مشاهدة ما يعرض فيهما من المنكر، كما لا يجوز مشاهدة السينما لما فيها من أنواع الباطل. انتهى.
ولا ينصح بوضع التلفيزيون في البيت أبداً لكثرة ما فيه من الباطل والحرام وقول والدتك لك إذا لم تتمتعي تكونين عجوزاً ويبيض شعرك كلام ساقط وهراء وتشبه بالتخاريف التي يخرف بها الأطفال فلا تلتفتي إلى هذا الكلام والمتعة إذا كانت مباحة كالذهاب إلى الأنهار ورؤية الأشجار والصيد المباح لا بأس بها، أما المتعة المحرمة فيجب تركها مهما كانت.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/314.(7/1475)
مشكلة بين بنت وأمها
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي شخصي ولكنه مهم جدا بالنسبة لي
خلال ال23 سنة الماضية وأنا أواجه إساءة نفسية وبدنية من أمي الحبيبة، خلال كل هذه الفترة وأنا أحاول أن ابتلع ألمي واتحمل، فقط لأنها أمي مهما يكن.
ولكن مع الأسف وبعد أن اصبح عمري 23 سنة ليس لدي الاستطاعة أن أتحمل اكثر من ذلك.
ضربها المستمر وسبها لي جعلني مريضة جدا واصبحت أتعالج من الضغط ونُصحت بان اذهب لطبيب نفساني ولكني لا أريد أن اذهب إلى طبيب نفساني حتى لا يعطيني نصائحه ومشورته المخالفة لتعاليم ديني، أنا امرأة تقية واخاف الله واعلم كم هو علو منزلة الأم في الإسلام وانهم يجب أن يُحترموا مهما يكن، ولكن ماذا عني أنا؟ ماذا فعلت لأجازى بكل هذا؟
مؤخرا اخبرني والدي بأنها مريضة نفسيا ولكن هذا لا يحل مشكلتي.
والذي يحزنني فعلا أنها تسبني كثيرا وتدعو علي بأدعية سيئة كأن أموت فورا بمرض خبيث أو أن ادخل النار واهتمامي الأساسي هو كم سيستجيب الله من هذا الدعاء؟ ما موقف الله مني؟ وما موقف الله منها؟ وماذا افعل ألان؟
أرجو أن تساعدني وتخبرني بحقوقي وواجباتي كابنة مسلمة، هل للامهات أن يفعلوا ذلك فقط لانهم أمهات؟ والجنة تحت أقدامهم؟ وماذا عن الأطفال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وصى الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين، وقرنه بالأمر بعبادته والنهي عن الشرك به، وخص الأم بالذكر في بعض هذه الوصايا للتذكير بزيادة حقها على حق الأب.
قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً) قال ابن عباس: يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب ولا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما بل يكون بين يديهما كالعبد بين يدي السيد تذللاً لهما، وقال تعالى: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً) . قال البغوي رحمه الله: يريد لا تقل لهما ما فيه أدنى تبرم، والأف والتف: وسخ الأظفار، ويقال لكل ما يستثقل ويضجر منه، أف له.
وقال أبو البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته، إلا قوله: (وقل لهما قولاً كريماً) ما هذا القول الكريم؟؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظّ الغليظ.
ولا يختص بر الوالدين بكونهما مسلمين، بل يبرهما وإن كانا كافرين، قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير وإن جاهداك على تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) فإذا أمر الله تعالى بمصاحبة هذين بالمعروف مع هذا القبح العظيم الذي يأمران ولدهما به، وهو الإشراك بالله تعالى، فما الظن بالوالدين المسلمين، سيما إن كانا صالحين، تالله إن حقهما لمن أشد الحقوق وآكدها، وإن القيام به على وجهه أصعب الأمور وأعظمها، فالموفق من هدي إليها والمحروم كل الحرمان من صرف عنها، وقد جاء في السنة من الأحاديث في التأكيد على ذلك ما لا تحصى كثرته، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك. رواه البخاري 13/4 ومسلم 2548.
قال مكحول: بر الوالدين كفارة للكبائر.
فلعيك بالصبر على أمك وما ينالك منها من الأذى الذي يضايقك، فببرك لها وإحسانك لمعاملتها تكسبين رضاها وودها، واحرصي على أن تجتنبي ما يثيرها أو يغضبها وإن كان فيه مصلحة لك من غير أن يلحقك ضرر، والواجب على أمك أن تحسن معاملتها لك، وأن تترك الإساءة لك بالضرب أو الشتم.
أما بالنسبة لما تذكرينه من دعائها عليك، فإن الدعاء إذا كان بغير حق لا يقبل، ولا يجوز لها أن تدعوا عليك بغير حق لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " يستجاب لأحدكم ما لم يدعوا بإثم أو قطيعة رحم " فدل هذا الحديث على أن الدعاء إذا كان متضمناً للإثم فإنه لا يستجاب، ولا شك أن الاعتداء بالدعاء على الولد بغير حق من الإثم.
ونسأل الله تعالى أن يزرقكِ برها ورضاها، وأن يوفقنا جميعا إلى ما يحبه ويرضاه.
وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1476)
ماتت أمه على الكفر فهل يدعو لها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للمسلم أن يدعو لأمه غير المسلمة التي توفيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله عز وجل في كتابه (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} التوبة - 116
قال القرطبي في الأحكام (8/173) هذه الآية تضمنت قطع موالاة الكفار حيهم وميتهم فإن الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز) وقد روى مسلم في صحيحه (916) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن زور قبرها فأذن لي.
فهذا الحديث يبين أن الله عز وجل لم يأذن لنبيه وهو أشرف خلقه بالاستغفار لأمه بعد موتها وهذا هو الذي نهى الله عنه في الآية السابقة وهذا الحديث نص في هذه المسألة وقال الشوكاني في فتح القدير (2/410) وهذه الآية متضمنة لقطع الموالاة للكفار وتحريم الاستغفار لهم والدعاء بما لا يجوز لمن كان كافراً انتهى.
فلو قال قائل إن إبراهيم عليه السلام قال لأبيه الكافر: قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) سورة مريم
فالجواب ما ذكره الله بقوله: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) سورة التوبة
قال ابن عباس رضي الله عنه: لما مات تبيّن له أنّه عدو لله: تفسير ابن كثير
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1477)
ما هي أهمية بر الوالدين في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهمية احترام الوالدين على ضوء الكتاب والسنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أهمية احترام الوالدين:
أولاً: أنها طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً) ، وقال تعالى: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً) وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل افضل قال إيمان بالله ورسوله ثم بر الوالدين.. الحديث. وغيرها من الآيات والأحاديث المتواترة في ذلك.
ثانياً: إن طاعة الوالدين واحترامهما سبب لدخول الجنة كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ. صحيح مسلم 4627
ثالثاً: أن احترامهما وطاعتهما سبب للألفة والمحبة.
رابعاً: أن احترامهما وطاعتهما شكر لهما لأنهما سبب وجودك في هذه الدنيا وأيضاً شكر لها على تربيتك ورعايتك في صغرك، قال الله تعالى: (وأن اشكر لي ولوالديك..) .
خامساً: أن بر الولد لوالديه سببُ لأن يبره أولاده، قال الله تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1478)
حكم قراءة القرآن لآخر حيا أو ميتا
[السُّؤَالُ]
ـ[لي والدة لا تقرأ وأحب أن أبرها وكثيرا ما أقرأ القرآن وأجعل ثوابه لها، ولما سمعت أنه لا يجوز عدلت عن ذلك وأخذت أتصدق عنها بدراهم، وهي الآن حية على قيد الحياة، فهل يصل ثواب الصدقة من مال وغيره إليها سواء كانت حية أو ميتة، أم لا يصل إلا الدعاء، حيث لم يرد إلا ذلك كما في الحديث: (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر: ولد صالح يدعو له) ، وهل الإنسان إذا كان كثير الدعاء لوالديه في الصلاة وغيرها قائما وقاعدا يشهد له الحديث في بأنه صالح ويرجى له خير عند الله؟ أرجو الإفادة ولكم من الله الثواب الجزيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما قراءة القرآن فقد اختلف العلماء في وصول ثوابها إلى الميت على قولين لأهل العلم، والأرجح أنها لا تصل لعدم الدليل. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلها لأمواته من المسلمين كبناته اللاتي، متن في حياته عليه الصلاة والسلام، ولم يفعلها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فيما علمنا، فالأولى للمؤمن أن يترك ذلك ولا يقرأ للموتى ولا للأحياء ولا يصلي لهم، وهكذا التطوع بالصوم عنهم. لأن ذلك كله لا دليل عليه، والأصل في العبادات التوقيف إلا ما ثبت عن الله سبحانه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم شرعيته.
أما الصدقة فتنفع الحي والميت بإجماع المسلمين، وهكذا الدعاء ينفع الحي والميت بإجماع المسلمين، وإنما جاء الحديث بما يتعلق بالميت. لأنه هو محل الإشكال: هل يلحقه أم لا يلحقه فلهذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) لما كان من المعلوم أن الموت تنقطع به الأعمال بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا لا ينقطع، وأما الحي فلا شك أنه ينتفع بالصدقة منه ومن غيره وينتفع بالدعاء، فالذي يدعو لوالديه وهم أحياء ينتفعون بدعائه، وهكذا الصدقة عنهم وهم أحياء تنفعهم.
وهكذا الحج عنهم إذا كانوا عاجزين لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه ينفعهم ذلك، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أن امرأة قالت يا رسول الله: إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه. قال: (حجي عنه) .
وجاءه رجل آخر فقال: يا رسول الله: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر؟ ، قال: (حج عن أبيك واعتمر) ، فهذا يدل على أن الحج عن الميت أو الحي العاجز لكبر سنه أو المرأة العاجزة لكبر سنها جائز، فالصدقة والدعاء والحج عن الميت أو العمرة عنه وكذلك عن العاجز كل هذا ينفعه عند جميع أهل العلم.
وهكذا الصوم عن الميت إذا كان عليه صوم واجب سواء كان عن نذر أو كفارة أو عن صوم رمضان لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) متفق على صحته، ولأحاديث أخرى في المعنى، لكن من تأخر في صوم رمضان بعذر شرعي كمرض أو سفر ثم مات قبل أن يتمكن من القضاء فلا قضاء عنه ولا إطعام لكونه معذورا.
وأنت أيها السائل على خير إن شاء الله في إحسانك إلى والديك بالصدقة عنهما والدعاء لهما، ولا سيما إذا كان الولد صالحا، فهو أقرب إلى إجابة الدعاء، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أو ولد صالح يدعو له) لأن الولد الصالح أقرب إلى أن يجاب من الولد الفاجر، وإن كان الدعاء مطلوبا من الجميع للوالدين، ولكن إذا كان الولد صالحا صار أقرب في إجابة دعوته لوالديه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/348.(7/1479)
خطب فتاة ومات أبوه غير راض عنها وأمه لا تريدها
[السُّؤَالُ]
ـ[تخرجت من الجامعة وعملت في مجال الكمبيوتر ثم قلت لأبى أنى أريد الزواج من فتاه معينة أنا على ثقة أنها على خلق ولكن آبي رفض لأن أخي الأكبر كان قد تزوج فتاه دون رضى والدي ثم حدثت مشاكل وأبى خائف أن يتكرر هذا
.لذا قال لي أن أتزوج بنت عمتي ولكنى رفضت فقال ان لم تتزوجها لن أعطيك الشقة فوافقت ثم لم يحصل نصيب ولم أتزوجها
ثم أردت الزواج من جارة عندها 17 سنه ومن عائلة محترمة ومتدينة ولكن أبى وافق في الأول ثم رفض فسألته عن السبب فلم يذكر السبب وقال انهم ناس في حالهم وان جد البنت رجل لئيم، وعندما قلت لأخوتي أن يتحدثوا مع أبى بخصوص هذه الفتاه ولكن لم يسعفني القدر فقد توفى أبى بعد هذا الموضوع بأسبوع والآن قد مضى خمسة شهور على وفاه أبى وأريد أن أتقدم للزواج من هذه الفتاه بعد مرور السنة على وفاه أبى ولكن أمي رفضت وقالت ان أبوك لم يكن موافقا
أفيدوني أفادكم الله هل أتقدم للزواج من هذه الفتاة أم لا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك أن ترضي أمك، ومن برّها أن تجيبها إلى ما طلبت، لكن إن كان قلبك متعلقاً بتلك الفتاة فعليك أن تُقنع أمك بحيث ترضى بالزواج منها لا سيما إذا لم تذكر مبرراًمقبولاً، فإن ذكرت لك تبريراً مقبولاً فانصرف إلى غيرها ويعوضك الله خيراً منها، فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(7/1480)
تهتم بأخيها المعاق ووالداها يريدان تزويجها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ شديد الإعاقة ويتطلب مساندة طوال الوقت وانتباه ووالدي يريدان تزويجي لأنني بنت وأنا أفهم ذلك ولكن صحتهما لا تساعدهما وسيكون من الصعب جداً أن يتحملوه بدوني. وأهتم أنا كثيراً بأخي ولست مستعدة للزواج مطلقاً (ذهنياً) فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حسناً فعلت حين قمت باعتنائك بأخيك، فهذا إحسانٌ له، وإحسانٌ لوالديك. لكن الزواج سنَّة من سنن الأنبياء شرعه الله لعباده، وفطر خلقه على الميل إليه. وأرى لك الاختيار بين عدَّة حلولٍ هي:
إن كانت لديكم القدرة المالية على استئجار من يتولى رعاية أخيك، فهذا حسن، أو يتم البحث عن بعض المحسنين بحيث يتكفل براتب من يرعاه أو جزء منه.
أن تتزوجي ويسكن أخوك معك، وتتابعين رعايته.
إن أمكن أن تجدي من يقبل بالزواج بشرط أن تبقي مع والديك لرعاية أخيك، ويأتيك زوجك على فتراتٍ في منزلكم أو تخرجي معه لفترات.
_ وإن لم يتيسر أحد هذه الحلول، وشعرت أن تأخيرك عن الزواج لن يسبب فتنةً لك فلا حرج عليك في ذلك، أما إن خشيت على نفسك الفتنة فالزواج أولى لأن فيه صيانةً لدينك، وخدمة أخيك ليست فرضاً في حقك بل هي تبرعٌ وإحسان.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن عبد الله الدويش(7/1481)
يريد والداها أن يزوجاها وعمرها 17 سنة وتحس أنها مازلت صغيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[يريد والداي أن يزوجاني وعمري 17 عاماً أحس أنني ما زلت صغيرة. ما رأيك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المتقدم لزواجك رجلا صالحا وذا خلق، فأرى أن توافقي على الزواج، فالزواج حاجة فطرية لكل من الرجل والمرأة، وهذا العمر مناسب للزواج، وفقك الله ورزقك الزوج الصالح، والذرية الصالحة.
الشيخ محمد الدويش.
وقد تزوجت من هي أصغر منك ونجحت في زواجها والحياة خبرة وممارسة ومع الوقت ستزدادين أهلية لتحمل المسؤوليات وحماية نفسك بالزواج خير من البقاء عرضة للمخاطر من أنواع الشهوات والانحرافات خصوصاً في المجتمعات المنحرفة الضالة كالمجتمع الذي تعيشين فيه واحتسبي الأجر في تكوين أسرة مسلمة وبيت مسلم واحتسبي الأجر في إعفاف رجل مسلم وفقنا الله وإياك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1482)
هل تزور جارتها التي تسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت جارتي شيعية ولا أزورها ولا أكون مطمئنة إذا زرتها، فهل علي إثم إذا لم أزرها؟ مع أنني لا أؤذيها واحترم جوارها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أوصى الله سبحانه وتعالى بالجار فقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) النساء/36.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ) رواه البخاري (5555) .
وقد قسم العلماء الجار إلى ثلاثة أقسام: جار له ثلاثة حقوق , وهو المسلم القريب، وجار له حقان وهو المسلم البعيد أو الكافر القريب، وجار له حق واحد وهو الكافر البعيد.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز: "التفضيل بالقرابة والإسلام والجوار ثلاثة أنواع:
جار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم ذو الرحم، فله حق الإسلام وحق الجوار وحق القرابة.
وجار له حقان وهو الجار المسلم، أو القريب وليس مسلما، فله حق الإسلام وحق الجوار، أو حق الجوار والقرابة إن كان غير مسلم.
وجار له حق واحد وهو الجار الكافر فله حق الجوار فقط" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (7/161) .
ثانيا:
القيام بحق الجار من الشيعة وغيرهم مطلوب شرعا , ودعوتهم إلى الله ونصيحتهم واجب شرعي , وسبيل ذلك هو الإحسان إليهم والتلطف معهم فقد قال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت/34. 35 , ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: رجل عاش مع الرافضة مدة من الزمن، وبعدها انتقل من عندهم إلى منطقة بعيدة ووعدهم أن يزورهم، فهل يجوز له أن يفي بوعده لهم أم لا؟ وهل يجوز له أن يسلِّم عليهم ويقبِّلهم؟ وهل يجوز له أكل طعامهم، وشرب مائهم؟
فأجاب: "الواجب على الإنسان: النصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، ولعامة الناس، هؤلاء الرافضة الذين يسكن معهم يجب عليه أولاً: أن يناصحهم، ويبين لهم الحق، ويبين أن ما هم عليه ليس هو الحق.
ثانياً: إذا عاندوا ولم يقبلوا الحق فإنه يتركهم، ولا يجلس معهم؛ لأنهم مخالفون معاندون. وأما تركهم وما هم عليه من الضلال بدون النصيحة فهذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما أمر الله به، فإن الواجب النصيحة أولاً، فإن هداهم الله للحق فهذا هو المطلوب. وإن لم يهتدوا وأصروا على ما هم عليه من الضلال فإنه يتركهم، ولا يجلس إليهم، ولا يزورهم إذا أبعد عنهم أو أبعدوا عنه" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح".
لكن إذا ترتب على زيارتك لها ضرر أكبر من المأمول من هدايتها فلا يجب عليك ذلك , ولا تأثمين بتركه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1483)
هل يقضي حاجة جاره الكافر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان جاري كافراً فهل يجوز لي أن أقضي حاجته التي يطلبها مني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" هذا يعود إلى ما جرى به العرف، فإذا كان من عادات الجيران أن بعضهم يقضي حاجة الآخر، كما لو نزل الجار إلى السوق وقال له جاره: اشتر لي معك كذا وكذا من فاكهة أو طعام أو نحوها، فلا بأس أن يفعل ذلك مع جاره الكافر، لأن ذلك من إكرام الجار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) .
وأما ما لم تجر به العادة والعرف فيه فهذا ينظر فيه إلى المصلحة " انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/15، 16) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1484)
هل يزور جاره الكافر إذا مرض أو يتبع جنازته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يزور جاره النصراني أو الكافر إذا هو مرض أو يتبع جنازته إذا مات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أما عيادته إذا مرض فلا بأس، لأنه يرجى أن يلين قلبه – أي قلب هذا الكافر – فيسلم، كما جرى ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب اليهودي، حين عاده النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، ودعاه إلى الإسلام، فالتفت الشاب إلى أبيه كأنه يستشيره، فقال له أبوه: أطع محمداً، فتشهد شهادة الحق، ثم مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) .
وأما تشيع جنازته فلا يجوز، لما في ذلك من تعظيمه، واغترار الناس بهذا العمل" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/13، 14) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1485)
كيف يساعد جيرانه العصاة
[السُّؤَالُ]
ـ[في المنطقة التي أعيش فيها أناس كثيرون محتاجون. فهل إذا طلبوا مني بعض المال الذي يتوفر لدي الآن والحمد لله أعطيهم وأنا أعلم بأنهم لن يشتروا به طعاماً فقط وإنما سيشترون المخدرات والمسكرات؟ علماً بأن بعض هؤلاء المحتاجين مسلمون أيضاً. ويقول بعض الناس أنه ينبغي ألا أعطيهم حتى يثبت لدي أنهم لا يشترون أي شيء غير مشروع أو محرم. ويقول آخرون إنني ينبغي أن أستمر في إعطائهم نقوداً على أن أدعوهم بالحكمة. جزاك الله خيراً على إجابتك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكنك أن تشتري لهم ما يحتاجون إليه من طعام وثياب ونحوها، أو يشترون ما هو مباح وأنت تدفع مبلغ الفاتورة، مع الاستمرار في دعوتهم ونصيحتهم ووعظهم لأنّ حقّ الجيران عليك عظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ". متفق عليه. والله الموفّق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1486)
تشك في شخصين أصاباها بالعين فأصبحت تكرههم
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي أصيبت بعين، وبعد القراءة عليها لفترة استمرت ثلاث سنوات ولدى قراء مختلفين حتى شفاها الله على يد أحد القراء، حيث تبين أن بها تلبساً من شخصين أصاباها بالعين، فأصبحت الآن تكرههم، وتكره سماع أخبار عنهم، علماً بأنهم من الأقارب، فما توجيهكم لهذه الحالة،جزاكم الله خيراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يفهم من كلام السائل أن زوجته أصابها مس من الجن، وأنه لما قرئ عليها نطق الجني بأن فلانا وفلانا أصاباها بالعين.
فاعلم – يا أخي – أن الأصل في الجن المشرك أنه كذوب لا يصدق، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ. ذَاكَ شَيْطَانٌ) رواه البخاري (3275) .
قال الحافظ:
"فِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد: أَنَّ الشَّيْطَان مِنْ شَأْنه أَنْ يَكْذِب" انتهى باختصار.
وقال أيضا:
"وَقَوْله فِي آخِره (صَدَقَك وَهُوَ كَذُوب) هُوَ مِنْ التَّتْمِيم الْبَلِيغ , لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْهَمَ مَدْحه بِوَصْفِهِ الصِّدْق فِي قَوْله صَدَقَك اِسْتَدْرَكَ نَفْي الصِّدْق عَنْهُ بِصِيغَةِ مُبَالَغَة، وَالْمَعْنَى: صَدَقَك فِي هَذَا الْقَوْل مَعَ أَنَّ عَادَته الْكَذِب الْمُسْتَمِرّ , وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: قَدْ يَصْدُق الْكَذُوب" انتهى.
ومن مقاصد الشيطان التي يسعى إليها: التفريق بين الناس والوقيعة بينهم.
قال الله تعالى عن السحرة الذين يتعلمون السحر من الشياطين: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) البقرة/102.
فشأن الشياطين: التفريق بين الأحبة، والسعي بالفساد بين الناس، فتقطع الأرحام، وتطلق الزوجات، ويتباغض الناس.
فالذي نراه أنه لا يجوز الاعتماد على إخبار الجن بذلك، وقد يكون أراد بذلك تقطيع الأرحام.
مع التنبيه أن العائن قد يصيب المعيون وهو لا يريد ذلك ولا يشعر به، فلا يلزم من الإصابة بالعين أن يكون العائن خبيثاً يريد الشر بالمعيون، ويكره له الخير.
وعلى هذا، فالنصيحة لزوجتك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتجتهد في مراغمته وإذلاله، فتحسن إلى من أوهمها الشيطان أنهم أساءوا إليها لتقطع بذلك رحمها، ولتحتسب الثواب في ذلك، فإن صلة الأرحام من أفضل الأعمال الصالحة، فإن الله تعالى يصل من وصل رحمه، ويقطع من قطعها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1487)
هل يلزمها حضور وليمة النكاح إذا كان الداعي شخصا تحرش بها
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في موقعك عن فتاة تحرش فيها أحد محارمها وقد حصل لي نفس الموقف وأنا إنسانة متزوجة وزوجي قام بطرد محرمي من المنزل ومنعه من الاتصال على رقم البيت وسؤالي هل أكون عاصية للرسول عليه السلام إذا دعاني على وليمة عرس لابنه أو ابنته ولم أذهب وكذلك زوجي عليه ذنب؟ مع ملاحظة أن زوجي لا يقرب لي وبالتالي لا يقرب لمحرمي وكذلك في حال العزاء نذهب أو لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوليمة إن كانت للنكاح، فإجابتها واجبة على من دعي إليها شخصيا، في قول جمهور الفقهاء.
أما إن كانت الدعوة عامة، لم يعيّن فيها باسمه، فلا يجب عليه حضورها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال ابن عبد البر لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة لمن دعي إليها، إذا لم يكن فيها لهو. وبه يقول مالك، والشافعي، وأبو حنيفة وأصحابه.
لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها) . وفي لفظ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها) ... وإنما تجب الإجابة على من عُيّن بالدعوة، بأن يدعو رجلا بعينه، أو جماعة معينين. فإن دعا الجَفَلَى ; بأن يقول: يا أيها الناس، أجيبوا إلى الوليمة. أو يقول الرسول: أمرت أن أدعو كل من لقيت، أو من شئت. لم تجب الإجابة، ولم تستحب ; لأنه لم يعين بالدعوة، فلم تتعين عليه الإجابة، ولأنه غير منصوص عليه، ولا يحصل كسر قلب الداعي بترك إجابته، وتجوز الإجابة بهذا ; لدخوله في عموم الدعاء " انتهى من "المغني" (7/213) .
لكن إن كنتم تتأذون برؤية هذا الداعي، لم يجب عليكم الحضور.
وقد نص بعض الفقهاء على أنه لو وجد في محل الوليمة من يتأذى به المدعو، لعداوة أو حسد بينهما، كان ذلك عذرا له في عدم الإجابة.
قال في "تحفة المحتاج" (7/430) وهو يذكر شروط وجوب إجابة الدعوة: "وأن لا يكون بالمحل الذي يحضر فيه من يتأذى المدعو به، لعداوة ظاهرة بينهما أو لحسد ٍأو لا يليق به مجالسته كالأراذل " انتهى بتصرف.
فالذي نراه أنه لا يجب عليكما الحضور إلى هذه الوليمة، بل ننصحكم بعدم الحضور تجنباً لتجديد المشكلة، لأن مثل هذا الموقف لن ينساه زوجك بسهولة.
وأما التعزية فلا تجب، ولا يشرع لها الاجتماع، وإنما يعزى أهل الميت عند المقبرة أو حيث وجدوا في المسجد أو الطريق أو غيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1488)
لا تزور أخاها ولا ابنة عمها خشية الأذى منهما فهل هذا من قطيعة الرحم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن صلة الرحم لي أخ أكبر مني أخاف منه لأنه يحاول التحرش بي ولم يستطع، وتحرش بأختي الصغرى، والآن أخاف على ابنتي البالغة من العمر 14 سنة، لذلك لا أزوره في بيته أبداً، وهو متزوج، ولا أختلي به، ولا أدع ابنتي تختلي به، صلة رحمي معه هو سلامي عليه حين زيارته لمنزلنا، وعندما أصادفه في بيت أحد من إخواني، وأنا مطلقة وأعيش في منزل والدي، فهل أكون بذلك وصلت رحمي معه ولم أقطعه؟ لأني لا أريد الذهاب لمنزله. ولي ابنة عم شقيق لوالدي ولا أزورها لأني أتأذى منها، ولكن أسلم عليها في الاجتماعات العائلية والمناسبات، فهل وصلت رحمي؟ وهل هي من رحمي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما ذكرته من تحرش أخيك بك وبأختك الصغرى، أمر تقشعر منه الأبدان، وتنفر منه النفوس، لما فيه من مخالفة الفطرة، والارتكاس إلى عالم البهيمية بل أضل؛ إذ كثير من البهائم لا تفعل هذا ولا تقبله.
وقد أحسنت وأصبت في عدم زيارتك له وعدم اختلائك به، ومنع ابنتك من الخلوة به؛ لأنه شخص غير مؤتمن.
وما ذكرت من السلام عليه عند لقائه، كافٍ في صلة رحم أمثاله من أهل الشذوذ والانحراف، نسأل الله العافية.
ثانياً:
ابنة عمك من جملة الأرحام الذين ينبغي صلتهم والإحسان إليهم، وبذل المودة لهم، لكن هل هي من الرحم التي يجب صلتها أو لا؟ خلاف بين الفقهاء، وبيان ذلك أن الرحم نوعان: رحم مَحْرَم، ورحم غير مَحْرَم.
وضابط الرحم المَحرَم: كل شخصين لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى لم يجز لهما أن يتناكحا، كالآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأجداد والجدات وإن علوا، والأولاد وأولادهم وإن سفلوا، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات.
وأما أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات، فليسوا من الرحم المَحرَم، لجواز التناكح بينهم.
والرحم غير المَحرَم: ما عدا ذلك من الأقارب، كبنت عمك وعمتك، وابن عمك وعمتك، وابن خالك، وبنت خالك، وهكذا.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الرحم التي يجب صلتها: هي الرحم المحرم فقط، وأما غير المَحْرَم، فتستحب صلتها ولا تجب، وهذا قول للحنفية، وغير المشهور عند المالكية، وقول أبي الخطاب من الحنابلة، وحجتهم أنها لو وجبت لجميع الأقارب لوجب صلة جميع بني آدم، وذلك متعذر، فلم يكن بد من ضبط ذلك بقرابة تجب صلتها وإكرامها ويحرم قطعها , وتلك قرابة الرحم المحرم.
والقول الثاني في المسألة: أنه يجب صلة الرحم كلها، لا فرق بين المحرَم وغيره، " وهو قول للحنفية , والمشهور عند المالكية , وهو نص أحمد , وهو ما يفهم من إطلاق الشافعية , فلم يخصصها أحد منهم بالرحم المحرم ". "الموسوعة الفقهية الكويتية" (3/83) .
وينظر: "غذاء الألباب" للسفاريني (1/354) ، "بريقة محمودية" (4/153) .
قال في "سبل السلام" (2/628) : " واعلم أنه اختلف العلماء في حد الرحم التي تجب صلتها فقيل: هي الرحم التي يحرم النكاح بينهما بحيث لو كان أحدهما ذكرا حرم على الآخر. فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال. واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح لما يؤدي إليه من التقاطع.
وقيل: هو من كان متصلا بميراث، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم أدناك أدناك) .
وقيل: من كان بينه وبين الآخر قرابة سواء كان يرثه أو لا.
ثم صلة الرحم كما قال القاضي عياض: درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام , ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لم يسم قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له، لم يسم واصلا.
وقال القرطبي: الرحم التي توصل الرحم عامة وخاصة، فالعامة رحم الدِّين , وتجب صلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة.
والرحم الخاصة تزيد بالنفقة على القريب وتفقِّد حاله والتغافلِ عن زلته " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (72834) .
وسواء كانت ابنة العم من الرحم التي يجب صلتها، أو كانت من الرحم التي يستحب صلتها فقط، فإن كان يلحقك الأذى بمخالطتها وزيارتها، واقتصرت على السلام عليها في الاجتماعات العائلية والمناسبات، فلا حرج عليك، ولا تعدين بذلك قاطعة للرحم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1489)
يزور عمته فتحدث مشكلات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أزور عمتي مع العلم بأنها لا تأنس لوجودي في بيتها وبعد كل زيارة تحدث مشاكل لا أول لها ولا آخر. ومنعا للمشاكل قررت أن لا أزورها ولكني أسلم عليها أينما رأيتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المقصود من الزيارة صلة الرحم وتقوية الأواصر، فإذا كانت سبباً في زيادة القطيعة والخلاف، فالأولى أن تُترك ويُكتفى بالوسائل الأخرى للصلة، ومن ذلك الاتصال الهاتفي ونحوه.
لكن الأولى السعي لعلاج الأسباب التي تؤدي إلى هذا الشعور وهذه المشكلة لدى عمتك. (وانظر سؤال رقم 4631)
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد الدويش.(7/1490)
مقترحات لكيفية إنهاء القطيعة بين أقارب متخاصمين
[السُّؤَالُ]
ـ[قال خالي لوالدتي إنه لا يرغب في رؤية عائلتنا بعد الآن أبدا. فما هو دورنا في هذه الحالة، وأرجو أن تضع في الحسبان أننا لم نفعل أي شيء يغضبه أو يغضب عائلته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بدّ من البحث عن السبب، فليس من المتوقّع أن يحدث مثل هذا الموقف بدون أي سبب، لكن يمكن أن يكون قد خفي عليكم، وإذا لم تكونوا تعمدتم فعل شيء يغضبه فلا تتحملون مسئولية ما حدث من القطيعة، لكن عليكم الصبر، والإحسان إليه وان أساء إليكم فلعله أن يرجع حين يرى حسن خلقكم.
وكثيرا ما تكون مثل هذه المواقف الصّارمة والقاسية آنيّة ومؤقتة وتكون قد نشأت عن ظرف معيّن غضب الشّخص بسببه فإذا سكن غضبه ومرّت فترة من الهدوء عادت الأمور إلى ما كانت عليه أو قريبا من ذلك، وقد تحصل أحداث شديدة ومواقف متشنجة توافق طبيعة نفسية سيئة وحقدا وقابلية للتشبّع بالضغائن فينتج عن ذلك قطيعة طويلة الأمد فلا بدّ في الحالة هذه من التنفيس التدريجي للأطراف بحيث تخفّ حدّة الكراهية مع تذكير القاطع لرحمه بحقّ القرابة وما ذكر الله ورسوله في هذا الأمر والوعيد الشديد لمن قطع رحمه، وإذا وُجد حقّ مأخوذ ظلما من أحد الأطراف وجب السعي إلى إعادته إليه ولا بأس من محاولة ردّ الاعتبار إلى الطرف المظلوم عن طريق الاعتذار والقيام بجلسة مصالحة وما شابه ذلك مما يدخل في قوله تعالى: (فأصلحوا ذات بينكم) ويرجو القائم بالصّلح الأجر المذكور في قوله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) سورة النساء
وقد يكون من الأفضل أحيانا تأخير التدخّل والبدء في حلّ المشكلة إلى حين تهدأ فيه الأمور وتكون النفوس قابلة لفتح الموضوع والسماع للمصلحين والاستجابة لمقترحاتهم.
نسأل الله أن يهدي الجميع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1491)
زيارة الأقارب الذين يوجد في بيوتهم أطباق فضائية
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص اعتاد زيارة أقاربه، وهؤلاء الأقارب عندهم بعض المنكرات في بيتهم مثل ما يسمى بالدش، علماً بأنهم يعرفون أن حكم هذا حرام، فهل يقطع زيارتهم أو أنه يزورهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان له أقارب فإن صلة الأقارب واجبة، حتى وإن كانوا على حال لا ترضى، لأن الله تعالى قال: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير، وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً) ولم يقل: اقتلهما، بل قال: (وصاحبهما في الدنيا معروفاً) .
وكذلك صلة الرحم واجبة حتى مع كون القريب على حال لا ترضى، فيجب عليك أن تصل أقاربك وإن كان عندهم الدش الذي استغله أكثر الناس في المحرم وأضاعوا به أوقاتهم وأموالهم وفسدت به أخلاق كثير من الناس وأفكارهم.
فإن كانوا يشغّلونه على محرم وأنت حاضر، فإنك لا تذهب إليهم حتى لا تشاركهم في المعصية، ومع هذا نشير على الإنسان أن يؤدي حق القريب بالمناصحة، يعني يذهب إليهم ويناصحهم ويبين لهم أن هذا حرام، أي مشاهدة الأشياء المحرمة حرام، حتى يؤدي ما أوجب الله عليه من نصيحتهم والإحسان إليهم.
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /148
وعلى المسلم أن ينتبه لأولاده عند الذهاب إلى مثل هؤلاء الأقارب في أن لا يجلسوا عندما يُعرض من المحرمات وبإمكان المرء المسلم صاحب الإخلاص إذا تحلّى باللباقة أن يصرف أصحاب البيت وغيرهم إلى حديث شيّق أو نشاط مفيد عن مشاهدة هذه المحرّمات وأن يسعى في توفير وعرض وسائل الترفيه والتسلية المباحة (كممارسة بعض الرياضات والألعاب الحسنة وأنشطة الحاسب الآلي المفيدة وغيرها) ليجد الآخرون عوضا عن مشاهدة الحرام أو بعضه على الأقلّ، نسأل الله أن يُصلح أحوال الجميع وهو الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1492)
حقوق الإخوة والأخوات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقوق والإخوة والأخوات والوالدين على الرجل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإخوة والأخوات من الرَّحِم الذي أمر الشرع بصلته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى: أنا الرحمن وهذه الرحم شققتُ لها اسماً من اسمي فمَن وصلها وصلتُه ومَن قطعها بتتُّه " رواه الترمذي (1907) وأبو داود (1694) ، وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (520) ، وقال صلى الله عليه وسلم: " مَن سرَّه أن يُنسأ له في أثره ويوسّع عليه في رزقه فليصِل رحِمه " رواه البخاري (1961) ومسلم (2557) .
ومن الحقوق المشتركة بينهم وبين غيرهم من المسلمين غير أن حقهم فيها آكد: أن تسلِّم عليه إذا لقيتَهم، وتجيبهم إذا دعوْك، وتشمتهم إذا عطسوا، وتعودهم إذا مرضوا، وتشهد جنازتهم إذا ماتوا، وتبر قسمهم إذا أقسموا عليك، وتنصح له إذا استنصحوك، وتحفظهم بظهر الغيب إذا غابوا عنك، وتحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك، ورد جميع ذلك في أحاديث صحيحة.
ومنها: أن لا يؤذي أحداً منهم بفعل ولا قول، قال صلى الله عليه وسلم: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " رواه البخاري (10) ومسلم (40) ، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث طويل يأمر فيه بالفضائل: " فإن لم تقدر فدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدقت بها على نفسك " رواه البخاري (2382) ومسلم (84) .
أما حقوق الوالديْن قد بيَّنا حقوق الأم على الولد في الجواب على سؤال رقم (5053) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1493)
زيارة الأقارب إذا ترتب عليها الوقوع في محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أزور خالتي أو عمتي تجلس بناتها معنا، وأضطر إلى مصافحتهنَّ، وإذا لم أصافحهن عاتبتني عمتي أو خالتي وغضبت علي، فهل يجوز ترك زيارة العمة أو الخالة حتى تكون وحدها أو لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"صله الرحم واجبة شرعاً، والعمة والخالة، ممن يتأكد صلتهما، ما لم يترتب على ذلك مفسدة من حضور بنات العمة أو الخالة، ممن لست محرماً لهن ـ كما في السؤال ـ ولا تتمكن من الإنكار عليهن فيما يخالفن فيه الشرع المطهر، وعليك أن تختار وقتاً مناسباً لزيارة عمتك وخالتك ونحوهما، تأمن فيه من الاختلاط بمن ليس من محارمك. وينبغي لك أن تبين لعمتك أو خالتك ونحوهما الحكم الشرعي، وأنه لا يحل للرجل أن يصافح من ليس من محارمه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. . الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/342) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1494)
زوجها يمنع أولادهما من زيارة أبويها الكافرين
[السُّؤَالُ]
ـ[سألت شيخنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن امرأة تقول أبواي كافران وزوجي يمنع أولادي من رؤيتهما، فهل له حق في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
فأجاب حفظه الله بقوله:
الحمد لله
ليس له حق، ولكن ينبغي عليك مداراته، ويقال للزوج إذا لم يكن على الأبناء خطر في الدين فلا تمنعهم، وبإمكانه أن يتفادى الخطر بأن يحضر الزيارة بنفسه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(7/1495)
هل يُسافر إلى بلاد الكفار ليصل رحمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذهاب لزيارة أصدقاء وأقارب في أمريكا؟ (لإرضاء الله وليس لغرض اللعب والكلام التافه) .
جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السفر إلى بلد الكفر لا يجوز إلى لحاجة نحو الدراسة التي لا توجد في بلاد المسلمين أو لغرض التداوي بشرط أن يكون المسافر له دين يحميه من الشهوات وعلم يحميه من الشبهات، وزيارة الاقارب وصلة الرحم تحصل بأدنى من ذلك فيمكن لكم الاتصال عليهم أو مراسلتهم بأي نوع من أنواع المراسلة أو إرسال السلام والهدايا وما شابه ذلك، ولا يُخاطر الإنسان بالسّفر إلى بلاد الكفار ويرتكب معصية لأجل أمر يُمكن أن يحصل بوسائل أخرى والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1496)
الأرحام المتقطّعة والعلاقات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى صلة الرحم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد دعا الإسلام إلى صلة الرحم لما لها من أثر كبير في تحقيق الترابط الاجتماعي ودوام التعاون والمحبة بين المسلمين. وصلة الرحم واجبة لقوله تعالى: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) سورة النساء آية1. وقوله: (وآتِ ذا القربى حقه والمسكين) سورة الإسراء آيه 26.
وقد حذر تعالى من قطيعة الرحم بقوله: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) سورة الرعد آيه 25. وأي عقوبة أكثر من اللعن وسوء الدار تنتظر الذين يقطعون أرحامهم، فيحرمون أنفسهم أجر الصلة في الآخرة، فضلا عن حرمانهم من خير كبير في الدنيا وهو طول العمر وسعة الرزق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه ". رواه البخاري (5986) ومسلم (2557) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك. قالت: بلى. قال: فذاك لك " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أقرأوا إن شئتم (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) صحيح مسلم بشرح النووي 16/112
إذا عرفنا هذا فلنسأل من هو الواصل للرحم؟ هذا ما وضّحه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: " ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها " رواه البخاري (5645) .
فإذا كانت العلاقة ردا للجميل ومكافأة وليس ابتداء ومبادرة فإنها حينئذ ليست بصلة وإنما هي مقابلة بالمثل، وبعض الناس عندهم مبدأ: الهدية مقابل الهدية، ومن لم يهدنا يحرم، والزيارة مقابل الزيارة، ومن لم يزرنا يقاطع ويهجر، فليست هذه صلة رحم أبدا وليس هذا ما طلبه الشّارع الحكيم، وإنما هي مقابلة بالمثل فقط وليست هي الدرجة العالية التي حثّت على بلوغها الشّريعة. قال رجل لرسول الله عليه وسلم: إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي فقال: " إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ". رواه مسلم بشرح النووي 16/ 115. والملُّ هو الرماد الحار. ومن يطيق أن يلقم الرماد الحار أعاذنا الله من قطيعة الرحم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1497)
إذا ظلم من قبل أهله وإخوانه هل له أن يقتصر في معاملتهم على السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ظلم المرء من قبل أهله، وإخوانه، وأصروا على موقفهم فهل له أن يقلل احتكاكه بهم، فقط سلام، فهل يجوز ذلك أم يعتبر من الهجر المنهي عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلة المرأة لرحمها من الإخوة والأخوات، أمر مؤكد شرعا؛ لما جاء في الكتاب والسنة من الأمر بصلة الرحم، وتحريم قطعها، وهذه الصلة تتحقق بالزيارة والاتصال والسؤال، حسب قدرة الإنسان واستطاعته.
وينبغي ألا تقصري في هذه القُربة العظيمة، وألا يدفعك إلى ذلك جفاء الإخوة أو ظلمهم لك، فإنك مثابة مأجورة على صلتك، ولو قصروا معك، وقد روى مسلم (2558) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) .
ومعنى (تسفهم المل) : أي تطعمهم الرماد الحار. وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم، بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم. وقيل المعنى: أن ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم.
لكن إن كانت مخالطتهم يحصل بها الأذى، وتزيد بها النفرة، فيمكنك الاقتصار على السلام، وتقليل الزيارة والكلام.
والسلام يقطع الهجر المنهي عنه، ويرفع الإثم.
روى البخاري (6237) ومسلم (2561) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا، وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) .
قال ابن عبد البر: " واختلفوا في المتهاجرَيْن يسلم أحدهما على صاحبه أيخرجه ذلك من الهجرة أم لا؟ فروى ابن وهب عن مالك أنه قال: إذا سلم عليه فقد قطع الهجرة، وكأنه والله أعلم أخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) أو من قول من قال: يجزىء من الصَّرْم [القطع] السلام.
وقال أبو بكر الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: إذا سلم عليه هل يجزيه ذلك من كلامه إياه؟ فقال: ينظر في ذلك إلى ما كان عليه قبل أن يهجره، فإن كان قد علم منه مكالمته والإقبال عليه فلا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار.
وقد روى هذا المعنى عن مالك" انتهى من "التمهيد" (6/127) .
وقال النووي في "شرح مسلم": " (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) : أي هو أفضلهما، وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة ويرفع الإثم فيها ويزيله" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1498)
إذا صالحت أختها ولم تقبل فهل يتقبل الله عملها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي لا تكلمني بعد شجار كانت هي الغلطانة علي مع ذلك أنا كلمتها وسلمت عليها فردت علي: أنا لا أريد أن أكلمك. هل أنا أعمالي لا تقبل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم تكن الشحناء بسببك، وسعيت للصلة والوصل، وكان الصدّ من جهتها، فلا شيء عليك، وينبغي أن تستمري في الصلة والإحسان ما أمكنك، وسلي الله تعالى أن يؤلف بينكما وأن يقيكما نزغات الشيطان.
وقد روى مسلم (2565) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) وهذا حديث عظيم يبين خطر القطيعة والشحناء، وأنها من موانع المغفرة.
قال ابن رسلان: " ويظهر أنه لو صالح أحدُهما الآخر فلم يقبل غفر للمصالِح " انتهى نقلا عن شرح الزرقاني على الموطأ (4/335) .
وروى البخاري (6237) ومسلم (2561) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) .
قال ابن عبد البر: " واختلفوا في المتهاجرَيْن يسلم أحدهما على صاحبه أيخرجه ذلك من الهجرة أم لا؟ فروى ابن وهب عن مالك أنه قال: إذا سلم عليه فقد قطع الهجرة، وكأنه والله أعلم أخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) .
وقال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل: إذا سلم عليه هل يجزيه ذلك من كلامه إياه؟ فقال: ينظر في ذلك إلى ما كان عليه قبل أن يهجره فإن كان قد علم منه مكالمته والإقبال عليه فلا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار.
وقد روى هذا المعنى عن مالك، قيل لمالك: الرجل يهجر أخاه ثم يبدو له فيسلم عليه من غير أن يكلمه؟ فقال: إن لم يكن مؤذيا له لم يخرج من الشحناء حتى يكلمه ويسقط ما كان من هجرانه إياه " انتهى من "التمهيد" (6/127) .
وقال النووي في شرح مسلم: " (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) : أي هو أفضلهما، وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة ويرفع الإثم فيها ويزيله. وقال أحمد وابن القاسم المالكي: إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجرته " انتهى.
والحاصل أن سلامك وكلامك مع أختك، يرفع عنك إثم الهجر والقطيعة. ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1499)
خلافات أدت إلى قطيعة الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك خلافات عائلية بين أبي وعمتي مما جعل صلة الرحم تنقطع بيننا، هل في ذلك إثم؟ علما أن العمة تقوم بزيارتنا من جهتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب، والنصوص الكثيرة في الكتاب والسنة التي جاءت في الأمر بصلة الرحم تدل على عظم شأن هذا الموضوع في شريعتنا السمحة، فإن من أعظم مقاصد الشريعة التأليف بين الناس، وحفظ روابط الأخوة والصلة بينهم.
يقول الله سبحانه وتعالى:
(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ) الرعد/21
ومما جاء في السنة النبوية من التشديد في قطيعة الرحم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنْ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) رواه البخاري (5987) ومسلم (2554)
ولو تأمل الناس فيما يسبب قطيعة الرحم بينهم لوجدوه شيئا من حطام الدنيا الزائل، مما لا يغني عند الله شيئا يوم القيامة، أو يكون بسبب ما ينزغ الشيطان بينهم، فيوقع بينهم العداوة والبغضاء بأسباب تافهة لا تستحق الالتفات إليها أصلا.
وذلك مع أن الشريعة تأمر بالصلة ولو كان ثمة سبب معتبر للقطيعة، وتحث المؤمنين على تجاوز الأخطاء والتعامل بالعفو والصفح والمسامحة، وليس بتصيد الأخطاء واكتناز الحقد والبغض والحسد.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
(أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ؟
فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) رواه مسلم (2558)
يقول النووي في "شرح مسلم" (16/115) :
" المَل: الرماد الحار. ويجهلون أي يسيئون. ومعناه كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته، وإدخالهم الأذى عليه. وقيل: معناه أنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم والله أعلم " انتهى.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)
رواه البخاي (5991)
هذه هي الأخلاق التي يدعو لها الإسلام أخي الكريم، ولا ينبغي لأحد أن يتردد في الإنكار على من يقطع أخته أو أمه من صلته، ولا يجوز لك أخي السائل أن توافق والدك في قطيعته لأخته، بل يجب عليك صلتها والإحسان إليها، ومحاولة الإصلاح بينها وبين والدك، وبذل كل الجهود في ذلك.
ويمكنك مراجعة موقعنا في جواب السؤال رقم (4631) ، (7571) ، (75411)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1500)
عدد مرات زيارة المرأة لأهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[كم مرة يجوز للمرأة أن تزور أهلها بالأسبوع؟ وماذا يقول الزوج في هذا الموضوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلة الرحم واجبة لقوله تعالى: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) سورة النساء آية1. وقوله: (وآتِ ذا القربى حقه والمسكين) سورة الإسراء آية 26.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَ مَهْ قَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ فَقَالَ أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَذَلِكِ لَكِ ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) رواه البخاري 6948
وصلة الرحم هي الإحسان للأقارب، وقد تكون مادية أو معنوية وأدنى صلتهم السلام عليهم وعدم هجرهم.
وليس هناك تحديد في الشّرع لعدد مرات زيارة الأقارب ولأنّه يختلف باختلاف أحوال الناس ومشاغلهم وقربهم وبعدهم وظروف عمل الزّوج الذي سيوصل زوجته إلى أهلها وأوقات دوامه وإجازاته، ومن الزوجات من تسكن بقرب أهلها ومنهن من تسكن في بلد غير بلد أهلها فكلّ هذا يؤثّر في الأمر ولكن ينبغي على الزوج أن يعلم أنه لا يجوز له تعمّد قطع الزوجة عن أهلها ومنعها من صلة رحمها، ويجب على الزوجة في المقابل أن لا ترهق زوجها بالأسفار والمصروفات التي لا يتحمّلها وإنما تطلب منه ما هو في حدود قدرته وإمكاناته، والله المسؤول أن يُصلح أحوال الجميع وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1501)
الدعاء بالهداية للقريب الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أفضل دعاء أو آية نقرؤها ليفتح الله قلب شخص مقرب مني للإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أفضل ما يكون في هذه الحالة هو الدّعاء له بالهداية وهذا ما فعله صلى الله عليه وسلم كما جاء في عدد من الأحاديث ومنها:
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا فَقِيلَ هَلَكَتْ دَوْسٌ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ رواه البخاري 2937
وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالَتْ مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ قَالَ فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتْ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ قَدْ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلا يَرَانِي إِلا أَحَبَّنِي رواه البخاري 4546
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ (وذلك في قتالهم قبل أن يُسلموا) فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا رواه الترمذي وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ سنن الترمذي رقم 3877
نسأل الله الكريم ربّ العرش العظيم أن يعجّل بهداية قريبكم للإسلام بمنّه وكرمه، والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1502)
أحكام صلة الرحم للأنثى
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي أسلمت وهي متزوجة وما زال زوجها غير مسلم وهي لا تعرف أنه محرم عليها وزوجي لا يسمح لي أن أزورها فهل هذا يحل؟ إنني أريد أن أزورها وزوجها غير موجود في المنزل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فيما يلي شيء من التفصيل في مسألة صلة المرأة رحمها وماذا تفعل مع الزّوج الممانع:
تَجِبُ صِلَةُ الرّحم حتى على الأُنْثَى بِمَا أَمْكَنَ لَهَا، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجُزْ لِرَجُلٍ مَنْعُ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهِ مِنْ وُصُولِ رَحِمِهِمَا، وَإِنْ مَنَعَهُمَا زِيَارَةً وَأَبَاحَ لَهُمَا سَلامًا بِأَنْ تُرْسِلَهُ فِي كِتَابٍ أَوْ عَلَى لِسَانٍ وَهَدِيَّةً فعلت ذلك وَيَجْزِيهَا أَنْ تُرْسِلَ وَلَوْ سَلامًا وَحْدَهُ بِلا هَدِيَّةٍ، وَإِنْ أَرْسَلَتْهُ وَهَدِيَّةً فَأَفْضَلُ، وَإِنْ مَنَعَهَا هَدِيَّةً وَأَبَاحَ سَلامًا فَلْتُرْسِلْهُ، وَإِنْ أَبَاحَ هَدِيَّةً لا سَلامًا فَلْتُرْسِلْهَا، وَإِنْ أَبَاحَ مَشْيًا إلَيْهِ مَشَتْ.
وَإِنْ مَنَعَهَا مِنْ كُلِّ مَا يُسَمَّى صِلَةً فَلا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، فَلْتَصِلْهُمْ بِمَا يَكُونُ أَقَلَّ كُرْهًا عِنْدَ زَوْجِهَا أَوْ أَبِيهَا مِنْ هَدِيَّةٍ أَوْ إرْسَالِ سَلَامٍ , وَلْتَكْتُمْ ذَلِكَ إنْ خَافَتْ، وَإِذَا اُضْطُرُّوا كشدة فَلْتَصِلْهُمْ بِمَا اُضْطُرُّوا إلَيْهِ وَلَوْ مَنَعَهَا، وتصل رَحِمَهَا بِتَعْزِيَةٍ فِي مُصِيبَةٍ كَمَوْتٍ وَفَقْدٍ وَسَلَبٍ , وَالتَّعْزِيَةُ التَّصْبِيرُ، وَتَهْنِئَةٍ فِي مَسَرَّةٍ أَيْ سُرُورٍ أَوْ فَرَحٍ وَالتَّهْنِئَةُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ أَنْ يَكُونَ مَا فَرِحَ بِهِ هَنِيئًا سَهْلًا خَالِصًا غَيْرَ مُنَغَّصٍ، وَذَلِكَ كَقُدُومِ مُسَافِرٍ وَتَزَوُّجٍ , غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَزَيَّنَ وَتُظْهِرَ زِينَتَهَا لِمَنْ لا تُظْهِرُ لَهُ نَفْسَهَا كَابْنِ الْخَالِ وَابْنِ الْعَمِّ فتبلّغه التهنئة أو التعزية من وراء حائل ودون خضوع بالقول ومع أمن الفتنة أَوْ بِتَبْلِيغٍ مَعَ مُبَلِّغٍ لَهُ وَلا يَلْزَمُهَا تَشْيِيعُ جِنَازَةٍ.
ولا يجوز للِزَوْجٍ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ وُصُولِ رَحِمِهَا وَلَوْ بِالْخُرُوجِ، وَلكنها لا تَخْرُجُ إلا بِإِذْنِهِ، وَكَذَا أَبُوهَا وَتُلاطِفُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا إذَا مَنَعَهَا لتصل إلى تحقيق المقصود الشّرعي بصلة الرّحم. نسأل الله أن يُصلح أحوال الجميع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1503)
هل يجوز الذهاب لاجتماعات العائلة إذا كان فيها بدع
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يكون عند أهلي مناسبة زفاف، أو ختان، أو ميت، في مناسبة الزفاف والختان يعملون طبلاً وزغاريد، والميت النياحة الفاضحة، فهل لي حق الذهاب إليهم أم لا، وهم عندهم هذه البدع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك أن تذهبي إلى اجتماع فيه هذه المنكرات، إلا إذا كنت تقدرين على تغيير هذه البدع بالنصح والإرشاد والموعظة الحسنة، فاذهبي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 365.(7/1504)
أقارب زوجته المسلمة كفار يؤذونها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزوجتي في ورطة بسبب أقاربنا. أنا وهي المسلمان الوحيدان في عائلتينا.
أنا من عائلة مترابطة، حيث الجميع سيكونون بجواري متى احتجت للمساعدة. إنهم يساعدونني ويساندونني كثيرا. أما عائلة زوجتي فإنها ليست قريبة من زوجتي أبدا، وأفرادها ليسوا قريبين من أطفالنا. إخوتها يتحدثون معها وكأنه لا قيمة لها، إنهم يخدعونها ويأخذون مالها بالكذب والغش. رجال عائلتها يشربون ويزنون، أما أخواتها فإنهن يهددنها كثيرا، فهن يطلقن عليها ألفاظاً سيئة إنهن يلمزنها بالكذب في كل شيء، وهن لا يحترمن أي شيء تقوله، وإذا اجتمعن فإنهن لا يقدمن لها دعوة للحضور، كما أن جميع أفراد عائلتها يكرهون الإسلام ويتحدثون بشكل سلبي عنه. فأين يمكننا أن نضع الخط ونقول بأنه يكفي هذا. أعلم بأن الإسلام يعلمنا بأن نحسن إلى أفراد عائلاتنا، لكن كيف للمسلم أن يتعامل مع أفراد عائلته الذين لا يحترمونه وينتقدونه دائما؟ زوجتي تغضب علي عندما أتكلم معها عن عائلتها، مع أنها تعلم حالهم. والأمر الذي يجعلني أغضب بشدة هو أن إخوتها يقولون لها أشياء وهي تجد لهم الأعذار حول الأسباب التي تجعلهم يعاملونها بتلك الطريقة، ولو أني قلت عنها قولا يشابه قولهم عنها، لأقامت علي الدنيا وأقعدتها. أما إن أنا سألتهم لماذا يتخاطبون معها بتلك الطريقة، فإنها تتهمني بإشعال الفتنة. كيف لي أن أتعامل مع هذا الموضوع، أو كيف لزوجتي أن تتعامل مع هذا الموضوع؟ أرجو منكم النصح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
احمد الله أنك من عائلة مترابطة لا تعاني منها ما تعاني زوجتك من عائلتها وتقدير هذه النعمة حق قدرها سيجعلك تشكر ربك وتشفق على زوجتك من حالها مع عائلتها وهذا ما سيدفعك إلى مواساتها والوقوف بجانبها لدفع الظلم عنها وتقوية نفسيتها وهي تتعرَّض لهذا الهجوم، ونصيحتنا لزوجتك أن تصبر على أذى أهلها وتسعى لدعوة أفراد عائلتها الأقلّ شراً والأقرب إلى قبول الحق ثم إذا كانت عائلتها الكافرة تؤذيها فلتقلل من الاختلاط بهم وتجعل زياراتها لهم قصيرة وهادفة وليس المسلم مكلّفاً بأن يخالط أقاربه الكفار الذي لا يتحمل إيذاءهم ولكن يجاهد نفسه في الصبر على أذاهم ودعوتهم إلى الإسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1505)
زوجة الأب هل هي من الرحم التي يجب صلتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي متزوج من غير أمي وهذه المرأة لها ولد من رجل آخر، أبي يحاسبنا أنا وإخوتي على عدم السؤال عن هذه المرأة أي أنه يريد أن نكلمها ونسأل عنها ونعيد عليها في الأعياد ويقول إننا بعدم السؤال عنها نقطع صلة الرحم.. فهل هذا صحيح؟ هل عدم السؤال عنها يعتبر قطيعة رحم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
زوجة الأب إكرامها والإحسان إليها، وصلتها، من إكرام الأب وصلته، لا سيما وهو يدعوكم إلى ذلك، ويحثكم عليه، ويرغب فيه.
ولا تدخل زوجة الأب في الرحم التي يجب صلتها لذاتها، إلا أن يكون بينكم وبينها قرابة، لكن عدم السؤال عنها يعتبر إيذاء للأب، وتقصيرا في صلته.
قال في "سبل السلام" (2/628) : " واعلم أنه اختلف العلماء في حد الرحم التي تجب صلتها فقيل: هي الرحم التي يحرم النكاح بينهما بحيث لو كان أحدهما ذكرا حرم على الآخر. فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال. واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح لما يؤدي إليه من التقاطع.
وقيل: هو من كان متصلا بميراث، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم أدناك أدناك) .
وقيل: من كان بينه وبين الآخر قرابة سواء كان يرثه أو لا.
ثم صلة الرحم كما قال القاضي عياض: درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام , ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لم يسم قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له، لم يسم واصلا.
وقال القرطبي: الرحم التي توصل الرحم عامة وخاصة، فالعامة رحم الدِّين , وتجب صلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة.
والرحم الخاصة تزيد بالنفقة على القريب وتفقِّد حاله والتغافلِ عن زلته " انتهى.
والحاصل: أن زوجة الأب ينبغي إكرامها وصلتها، وتفقد أحوالها، والسؤال عنها، مراعاة لرحم الدين، ولأن صلتها من صلة الأب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1506)
هل يقاطع رحِمه الذين يعملون المعاصي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي مقاطعه أحد الأرحام بسبب تعامله بالربا، ويبيع أراضي لليهود، ومطعمه حرام؟ وهل يجوز طرح السلام عليه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله صلة الأرحام وحرَّم قطيعتها، قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى) النساء/36، وقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) الروم/38، وقال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء/1.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي توجب صلة الأرحام، وتُحرِّم قطيعتها، وقد لعن الله قاطع الرحم؛ قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) محمد/22،23.
فقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب بلا خلاف يُعلم.
ثانياً:
الهجر للمسلم إما أن يكون على أمرٍ من أمور الدنيا، كالشجار بسبب الأولاد، وإما أن يكون بسبب أمرٍ شرعي، كفعل بدعة أو ارتكاب معصية.
فإن كان بسبب أمرٍ دنيوي، فلا يحل الهجر لأكثر من ثلاثة أيام، مع أنه ممنوع أصلاً، وإن كان بسببٍ شرعي فيجوز البقاء على الهجر لأكثر من ذلك، حتى يدع بدعته أو يتوب من معصيته.
وقد يكون الهجر بسبب البدعة أو المعصية، سبباً في أن يزيد في بدعه ومعاصيه، ولا يحقق المصلحة في الهجر؛ فحينئذٍ لا يجوز الهجر؛ لأن الهجر شرع لغاية التأديب والتنفير عن الاستمرار في المخالفة للشرع، فإذا لم يحقق مقصوده فلا يهجر، بل يسلك طرقاً أخرى في الإنكار، كالترغيب والترهيب والموعظة الحسنة أو الهدية، وغير ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وأما هجر التعزير فمثل هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه الثلاثة الذين خُلِّفوا، وهجر عمر والمسلمين لصبيغ، فهذا من نوع العقوبات، فإذا كان يحصل بهذا الهجر حصول معروف أو اندفاع منكر: فهي [يعني: عقوبة الهجر] مشروعة، وإن كان يحصل بها من الفساد ما يزيد على فساد الذنب، فليست مشروعة.
" مجموع الفتاوى " (28 / 216، 217) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – وقد سئل عن الموقف ممن يفعل بعض الكبائر -:
من يتهم بهذه المعاصي تجب نصيحته وتحذيره منها ومن عواقبها السيئة، وأنها من أسباب مرض القلوب وقسوتها وموتها، أما من أظهرها وجاهر بها: فالواجب أن يُقام عليه حدُّها، وأن يُرفع أمره إلى ولاة الأمور، ولا تجوز صحبتهم، ولا مجالستهم، بل يجب هجرهم لعل الله يهديهم ويمنُّ عليهم بالتوبة، إلا أن يكون الهجر يزيدهم شرّاً: فالواجب الإنكار عليهم دائماً بالأسلوب الحسن والنصائح المستمرة حتى يهديهم الله، ولا يجوز اتخاذهم أصحاباً، بل يجب أن يستمر في الإنكار عليهم وتحذيرهم من أعمالهم القبيحة.
" فتاوى إسلامية " (4 / 520) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
فإن كان في الهجر مصلحة أو زوال مفسدة بحيث يكون رادعاً لغير العاصي عن المعصية، أو موجباً لإقلاع العاصي عن معصيته، كان الهجر حينئذٍ جائزاً، بل مطلوباً طلباً لازماً، أو مرغباً فيه، حسب عظم المعصية التي هجر من أجلها ... .
أما اليوم فإن كثيراً من أهل المعاصي لا يزيدهم الهجر إلاّ مكابرة وتمادياً في معصيتهم، ونفوراً وتنفيراً عن أهل العلم والإيمان؛ فلا يكون في هجرهم فائدة لهم ولا لغيرهم.
وعلى هذا فنقول:
الهجر دواء يستعمل حيث كان فيه الشفاء، وأما إذا لم يكن فيه شفاء، أو كان فيه إشفاء - وهو الهلاك -: فلا يستعمل.
فأحوال الهجر ثلاث:
إما أن تترجح مصلحته: فيكون مطلوباً.
وإما أن تترجح مفسدته: فينهى عنه بلا شك.
وإما أن لا يترجح هذا ولا هذا: فالأقرب النهي عنه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة) .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3 / السؤال رقم 385) .
وقال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -:
هجر المؤمن لا يجوز فوق ثلاثة أيام إذا كان على أمر من أمور الدنيا، بل عليه أن يصالح أخاه وأن يُسلِّم عليه إذا لقيه، ومع أنه لا ينبغي ابتداءاً أن يهجر على أمر من أمور الدنيا، ولكن لو حصل شيء من الهجر: فإنه لا يتجاوز ثلاثة أيام، وهذا هو المراد بالحديث: (لا يَحِلُّ لمؤمن أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاث) يعني: إذا كان الهجر على أمر من أمور الدنيا.
أما إذا كان الهجر لأجل معصية ارتكبها ذلك المهجور، وكانت هذه المعصية من كبائر الذنوب، ولم يتركها: فإنه يجب مناصحته وتخويفه بالله عز وجل، وإذا لم يمتنع عن فعل المعصية ولم يتب: فإنه يُهجَر؛ لأن في الهجر تعزيراً له وردعًا له لعله يتوب؛ إلا إذا كان في هجره محذور؛ بأن يُخشى أن يزيدَ في المعصية وأن يترتب على الهجر مفسدة أكبر؛ فإنه لا يجوز هجره في هذه الحالة؛ فهجر العاصي إنما يجوز إذا كان من ورائه مصلة ولا يترتب عليه مضرة أكبر.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 273، 274) .
ثالثاً:
حكم السلام على صاحب البدعة والمعصية حكم الهجر، والأمر يدور على المصلحة وانتفاع المهجور، فإن كان الهجر يحدث فيه تغييراً للأفضل، فيُلحق السلامُ بالهجر فلا يسلَّم عليه، فإن كان الهجر غير مؤثر فيه: تُرك الهجر وتُرك الامتناع عن السلام.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الهجر إذا كان فيه مصلحة بالنسبة للفاسق: فاهجره، وإلا لا تهجره، لو مررت بشخصٍ يشرب الدخان - والدخان معصية وحرام، والإصرار عليه ينزل صاحبه من مرتبة العدالة إلى مرتبة الفسوق -: سلِّم عليه إذا رأيت أن هجره لا يفيد، سلِّم عليه ربما إذا سلمتَ عليه ووقفت معه وحدثته بأن هذا حرام، وأنه لا يليق بك: ربما يمتثل ويطفئ السيجارة ولا يعود، لكن لو أنك لم تسلِّم عليه، كبر ذلك في نفسه وكرهك وكره ما تأتي به من نصيحة، حتى لو أصر على المعصية: سلِّم عليه وانصحه.
" لقاءات الباب المفتوح " (165 / السؤال رقم 8) .
وانظر للأهمية: جواب السؤال رقم (21878) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1507)
أخت زوجها تسبب لهم المشاكل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مُتزوجة وأُمٌ لِثلاثة أولاد , وزوجي يخشى الله , ويبَرُّ والديه , إلاّ أنّ أُختَ زوجي تسبِِّبُ دائما المشاكل بيني وبين زوجي , حيث إنّها تكذِبُ عليه في كثير من الأمور، مِمّا يُؤدي بِنا دائما إلى المُشاجرة، وقد ينعكِس على حياتِنا الزوجية، لكن في الأخير عرَف زوجي الحقيقة بأنّها تَكذب، هذه المرة تعقدت الأمور جدا؛ حيث إنّها وصلت بِها الجرأة إلى السّب والشتم وانتِهاك عرضي وعرضَ زوجي , وحرَّضت والِديه عليه وعليَّ بالبُهتان، لِتُبرِّئ نَفسَها , مع العلم أنّها البنت الوحيدة لديهما , مما يزيد التعلُّق بقولِها , فصدّقاها وكذّبا زوجي، ممّا أدّى إلى تَوَتُر العلاقات بين زوجي ووالِديه، ومعي كذَلِك , ومع هذا كُلُّه فهو يصل والديه , ولإخوته الباقين , إلاّ هيَ.
فهل على زوجي إِثم في قَطعِ صِلة الرَّحم بها؟ وأنا هل تُعتَبر صِلة رَحم لي؟ مع العلم أنِّي حاولت بِعِدّة طُرُق مباشرة أو غير مباشرة التَقرُّب إليها , مَثَلا إهدائها الهدايا , إكرام ضِيافَتِها إلخ، أمّا الآن أُريد الابتعاد عنها لتَجنُب الفِتنة بيني وبين عائلة زوجي , وكي لا أكون عائقا بين زوجي ووالديه، أمّا بالنسبة إلى والديه فأُريد أن أَبقَى على علاقة من بعيد، حيث الاتصال بهما في المُناسبات، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله سبحانه أن يصلح الأحوال، وألا يجعل للشيطان عليكم سبيلا، وأن يهديكم لما فيه الخير والصلاح
وقد أحسنتِ غاية الإحسان في المبادرة بالصلح والتفاهم، وبهذا أديت الواجب عليك، ورفعت عنك الإثم والمؤاخذة، فسعيك مقبول إن شاء الله، وبعد بذل الأسباب في محاولة الإصلاح ودرء المشكلات: قد يكون البعد أفضل علاج، أعني بُعدك عن أخت زوجك والاحتكاك بها، خاصة إذا بلغت الأمور إلى الطعن في الأعراض، وكذا البعد عن والدي زوجك، إذا كانت الصلة تسبب المشاكل، فإن أهل الزوج ليسو من أرحامك الذين تجب عليك صلتهم، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (75057) .
وإنما هم أرحام الزوج، فلا يجوز في حقه هو قطيعتهم، وإن كانوا يؤذونه، ويتطاولون عليه
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُم وَيَقطَعُونِي، وَأُحسِنُ إِلَيهِم وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحلُمُ عَنهُم وَيَجهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ: لَئِن كُنْتَ كَمَا قُلتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيهِم مَا دُمتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم (2558)
قال النووي – رحمه الله -:
معناه: كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شئ على هذا المحسن، بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه، وقيل معناه: إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل، وقيل: ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم. " شرح مسلم " (16 / 115) .
وعليه أن يتحمل كل أذى يناله منهم، ويتحرى وصلهم بالحدود التي لا تزيد المشاكل، ولا تفاقم الأمور، وليستعمل الرفق والتهذيب في معاملة أخته؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يهديها إلى الخير والصلاح، فيحاول نصحها وبيان حقيقة الأمور، وليستعن عليها بمن هو أقرب إليه منها، ولا يعامل والديه إلا بالحسنى، وعليكِ أن تعينيه على ذلك، وتحثيه على صلتهم والإحسان إليهم، وذكريه بقول الله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت/34،35
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة عن مشكلة مشابهة لما عرضت في السؤال فكان جوابهم:
نوصيك ببر والدتك، وطيب الكلام معها، وعدم إظهار التضجر منها، وعليك بمداومة نصيحة أختك بالأسلوب الحسن للكف عن إثارة المشكلات إن كانت غير محقة.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 254) .
ولتكن نيتكِ في بعدكِ عنهم النظر إلى وقت صفاء النفوس، ومراجعة المواقف، حتى يأذن الله تعالى بالمحبة والمودة بينكم، فتعود العلاقات الطيبة إلى أسرتكم، فإن ذلك من أعظم المقاصد التي جاءت الشريعة لتحقيقها بين الناس.
وقد جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (26 / 127) :
أمر الشرع المطهر بغرس المحبة بين المسلمين، وحثهم على التواد والتراحم والتواصل بينهم حتى تستقيم أمورهم، وتصفو نفوسهم، ويكونوا يدا واحدة على من سواهم، وقد حذرهم من العداوة والبغضاء، كما نهاهم عن الهجران والقطيعة بينهم، وجعل الهجر ما فوق الثلاث محرما. ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلتَقيَانِ فَيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا، وَخَيرُهُمَا الذِي يَبدَأُ بِالسَّلَامِ) ، وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِيَّاكُم وَسُوءَ ذَاتِ البَينِ، فَإِنَّها الحَالِقَةُ) أي: تحلق الدِّين.
والواجب على المسلم إذا وقع بينه وبين أخيه شحناء أن يذهب إليه، ويسلم عليه، ويتلطف له في إصلاح ذات بينهما، فإن في ذلك أجرا عظيما، وسلامة من الإثم.
انتهى
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1508)
تحرش المحارم
[السُّؤَالُ]
ـ[تحرش بي عمي من قبل عدة مرات، وبعد ذلك صارحت والدي بما حدث، فلم أجد منه سوى رد فعل لا يقارن بما فعله بي عمي , وأجد والدي الآن على علاقة طيبة جدّاً بعمي، ويدعوه إلى البيات معنا في منزلنا، ويعامله معاملة حسنة جدّاً، وأنا لا أتحمل هذا، فما عقاب والدي؟ وهل إذا شعرت بالكراهية تجاه والدي هل يوجد ذنب عليَّ؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
قد أحسنتِ حين شكوتِ أمر عمكِ إلى والدك، فقد كان تصرفا حكيما يدل على عقل وخلق ودين، نسأل الله تعالى أن يزيدك من فضله ويحفظك بحفظه، ولكن لا تعجلي في الحكم على والدك بالكراهة، أو التشكك في حرصه على حفظك ورعايتك.
نعم الواجب عليه أن يكون أكثر صرامة مع أخيه الذي تكرر منه التحرش، وأقل ما جب عليه فعله هو عدم السماح له بالمبيت في منزلكم، وعدم استئمانه على بيته وأهله وعرضه، بل عدم السماح له بزيارتكم ورؤيتكم، والغيرة الشرعية تقتضي منه توعد أخيه بقطع العلاقة معه، فالأولاد أمانة في عنق والدهم، وهو مسؤول عن حفظ ورعاية هذه الأمانة.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أَلَا كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهلِ بَيتِهِ وَهُوَ مَسئُولٌ عَنهُم) رواه البخاري (2554) ومسلم (1829) .
ولكن قد يقصر بعض الآباء في ذلك بسبب قلة الوعي وسوء تقدير للأمور، أو لثقة زائدة في أخيه، أو شعور بأن أخاه قد تاب وندم، وأن تحرشه إنما كان زلة.
فلا تتعجلي في اتهام والدك والظن بإهماله عرضه وعرض بناته، وتجاوزي ذلك بمصارحته ومحاورته والاستعانة بالوالدة والإخوان، وحاولي إقناعه بخطورة الأمر وأنه لا ينبغي التساهل فيه، خاصة وأنه قد اتخذ موقفا من أخيه، لكنه رد فعل ضعيف كما وصفته أنت في السؤال، وهو على كل حال يدل على حرص من والدك ولو إلى حد ما.
فإن أراد أن يمنح أخاه فرصة أخيرة فلا يكون ذلك بالإذن له بالمبيت عندكم، فإن في ذلك إعانة للشيطان عليه، بل يكون بالبعد عنكم وعن مخالطتكم، وإن أراد أن يبقى على اتصال به فليكن بينهما دون أن يكون لكم أنتم أهل بيته شأن في الموضوع.
فإن أصر والدك – لا قدر الله – على اختلاط أخيه بكم، والتوسعة له في منزلكم، فلا يجوز لك السكوت والرضا حينئذ، ويجب أن تتحلي بالقوة والشجاعة كي تشكي أمر والدك لأقرب الناس إلى أسرتكم ممن ترين فيه الدين والخلق والحكمة، واستعيني بهم على حل المشكلة التي تواجهين، ولا بد أن تجدي من يتفهم الموقف ويكون خير معين لك إن شاء الله.
وعليك أنت خلال ذلك المحافظة على الحجاب الشرعي الكامل، فإن كثيرا من حالات التحرش بين المحارم يكون سببها التساهل في كشف العورات أمامهم، فتجد الفتاة تلبس اللباس الضيق جدّاً، وتكشف ساقيها وذراعيها وأكثر من ذلك، بدعوى أنها تجلس مع محارمها، وهي لا تدري أن الشيطان يسول للنفس كل محرَّم، وأن المحرَم قد يفتن بما يراه من محاسن محارمه، خاصة إذا كان شابّاً عزباً.
وعليك الابتعاد عن المكان الذي يراك فيه عمك هذا، وقطع العلاقة به تماما، فلا تجلسي في مجلس يكون فيه، ولا تلقي عليه السلام، وإن وجدت بيتا من بيوت محارمك من أصحاب الخلق والدين فاخرجي إليه حتى يخرج عمك السيء من منزلكم.
بل إننا ننبهك هنا إلى مسألة مهمة، في حال عدم تصرف التصرف المناسب أمام تلك المشكلة، وعدم مبالاته بالتصرف الشائن لهذا الأخ الخائن؛ ننبهك إلى أنه سوف يكون عليك أن تتحملي مسئولية كبيرة تجاه نفسك ودينك، مسئولية في تعويض ذلك المقدر المفتقد من غيرة والدك، وحسن قوامته عليك، ورعايته لك، خاصة فيما يتعلق بأمر الدين والفضيلة، والحفاظ على حجابك، والبعد عن الاختلاط والخلوة المحرمة.
والله سبحانه وتعالى مطلع على حالك، ويعلم أنك تحبين الفضيلة وتكرهين الرذيلة، وأنك تجاهدين في سبيل درء كل فتنة، وسيكتب لك أجرك إن شاء الله تعالى كاملا موفرا غير منقوص.
قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الأحزاب/35.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1509)
تسببت أختها بخلاف مع زوجها فأقسمت أن لا تكلمها فهل تتراجع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة، ولدي أخت تكبرني وتزوجتْ من بعدي وسافرتْ للخارج مع زوجها، لكنها عندما كانت تأتي لزيارتنا كنت أستقبلها وزوجها في بيتي وفي حضور زوجي، ولم يكن يظهر مني لزوجها إلا وجهي فقط، وذات مرة أرسل لي رسالة يعترف فيها بحبه لي وأنه يريد إقامة علاقة غير شرعية معي، علما بأنني لم أعطه بريدي بل أخذه من أختي، أخبرت زوجي بهذه الرسالة وأقسم أنه سيوسعه ضربا بالحذاء - أكرمكم الله - أمام جميع الخلق بمجرد عودته من الخارج، وقمت أنا بإبلاغ أختي بالموضوع كله، في بادئ الأمر أعربت عن أسفها، ثم طلبت مني أن أسامحها؛ لأنه ليس لها أي ذنب، وقد قمت بذلك أنا وزوجي لوجه الله وعلماً منَّا أنه ليس لها أي ذنب، اتصلتْ في اليوم التالي لتقول لي إن زوجها اعترف لها أنه قد كتب هذه الرسالة وأنه كان يمزح فقط وأقسم لها بذلك، بعد ذلك اتصل زوجها بزوجي وأخبره أنه لم يكتب أي شيء، وأقسم بذلك، وأخبره أنه من المستحيل أن يفعل شيئاً كهذا، وأن لا فكرة لديه عن الرسالة - علماً بأنها كانت باسمه ومن بريده -، ثم حادثتْ أختي زوجي ونفت ما قالته من قبل، وقالت له بأنها هي من قام بكتابة الرسالة حتى تحدث خصاما بين زوجها وزوجي، مبررة ذلك بأن زوجها حين يختلط بزوجي يتحدثان بسخرية عن والدي. فضيلة الشيخ: لقد سمعت أختي وهي تقول لزوجي ذلك لأنه كان يحادثها من مكبر الصوت وهي لا تعلم، فغضبت، وأخذت الهاتف وقلت لها: " أنت لست أختي إلى يوم الدين، وأنا لا أعرفك، ولا أريد أي صلة لك بي وبزوجي، لا أنت ولا زوجك ولا بناتك "، ولم أرها أو أتحدث معها منذ سنة تقريبا، علما بأنها عادت إلى الوطن، وتعيش هنا الآن , فهل عليَّ أي إثم - علما بأني لا أنوي أبدا أن أكلمها أو أراها في المستقبل -؟ . جزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نرجو أن يكون في مثل هذه المشاكل عبرة وعظة للجميع، فكل الذي حصل معكم هو من شؤم المعصية، ونتيجة التساهل في الأحكام الشرعية، وجماع المخالفات يرجع إلى مسألتين: الاختلاط في الزيارات، وكشف وجهك أمام زوج أختك.
والزيارات الأسرية كثيراً ما يتساهل فيها الناس فتجدهم يجلس رجالهم مع نسائهم دون أدنى تحرج، ظانين أن الأمر ليس فيه مخالفة للشرع، وغافلين عن آثاره السيئة، وهذا الاختلاط باب شر كبير يفتحه الناس ليدخلوا منه على مشاكل ومفاسد تسبِّب غضب الرب وتقطِّع أواصر هذه الأسر، فيحصل الإعجاب والمواعدة والمراسلة وقد يتطور الأمر – كما في كثير من الحوادث – إلى الزنا – والعياذ بالله -.
وأما المخالفة الثانية فهي كشفكِ لوجهكِ أمام زوج أختك، والواجب على المرأة أن تستر كامل بدنها ووجهها عن الرجال الأجانب، وبالأخص من له خلطة في بيتها كأقرباء زوجها، أو له كثرة حضور كزوج أختها.
وينظر في المسألتين:
جواب السؤال رقم (1200) ففيه تفصيل الحكم في الاختلاط.
وجواب السؤال رقم (11774) ففيه بيان حكم تغطية الوجه بالأدلة التفصيلية.
ثانياً:
قد تعدت العلاقة بين أسرتك وأسرة أختكِ إلى أكثر من حدها الشرعي حتى تجرأ وأرسل زوج أختكِ – كما ظهر أولاً - رسالة يطلب إقامة علاقة غير شرعية!! وهذا من ثمار التساهل في الأحكام الشرعية كما سبق.
وادعاؤه المزح عذر قبيح، فهو مزح فاحش.
ثالثاً:
إن قطيعتك لأختك وأولادها أمر منكر، ويمينك يمكنك التكفير عنه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم تستطيعي فتصومين ثلاثة أيام.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ) . رواه البخاري (6343) ومسلم (1652) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) . رواه مسلم (1650) .
ويجب على زوجك أيضاً كفارة يمين لأنه أقسم أن يضربه، ثم لم يفعل.
وإنكار زوج أختك ما فعله بعد إقراره عجيب، واعتراف أختك بأنها هي التي أرسلت وتراجعها عن كونها لا تعلم إلى أن تصبح هي المرسلة عجيب، ولا شك أن أحدهما كاذب، فإما أن تكون هي المرسلة وأراد أن يغطي فعلتها، أو يكون هو المرسل وأرادت أن تغطي فعلته بنسبة الأمر إليها، وبكل حال: فمثل هذه العلاقات على هذه الحال ضررها أكثر من نفعها.
رابعاً:
الذي نراه أنه إذا صلح حال أختكِ واعترفت بذنبها وتابت منه توبة صادقة: أنه ليس لك مقاطعتها، بل الواجب عليكِ أن تُرجعي علاقتكِ بها، و (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ، و (كل ابن آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون) ، ولا علاقة لأبنائها بما حصل منها، فأنت خالتهم وهم جزء منك، وفي الحديث الذي رواه البخاري (2335) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الخالة بمنزلة الأم) .
وكذلك الأمر بالنسبة لزوجها، فإن تاب وأناب فلا مانع من إرجاع علاقة زوجك معه، على أن يكون ما حصل عبرة وعظة لكم، وإن رجعت العلاقات بينكم فلا يحل لكِ كشف وجهك أمامه، ولا يحل لكم أن تجلسوا جميعاً معاً، واحرصي على أن تكون مجالستك لأختك مجالسة نفع وخير، تتواصيان فيها على الطاعة، وتجتمعان فيها على ما يرضي الله.
ونسأل الله تعالى أن يهديكم جميعاً لما يحب ويرضى، وأن يصلح قلوبكم، وأن يجنبكم الفتن ومجالس السوء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1510)
هل يجب عليه حضور الوليمة وفيها من يؤذيه بكلامه وحركاته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم رفض دعوة إلى وليمة من أقاربه - وقد اعتاد رؤيتهم دائما- بسبب وجود أشخاص آخرين يؤذونه نفسيا بكلامهم وحركاتهم..؟ وهل يجوز لأخت أن تقلل من الاجتماع بإخوانها الكبار لما ترى من إهمالهم لها وعدم استلطاف وجودها؟ مع العلم أنها لا تؤذيهم أبدا بكلامها وتصرفاتها وهم لا يتصلون بها ولا يعرفون ما حالها إلا عن طريق زوجها أو نسائهم فهل عليها وصلهم وهم على هذه الحال منها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الوليمة إن كانت للنكاح، فإجابتها واجبة على من دعي إليها شخصياً، في قول جمهور الفقهاء.
أما إن كانت الدعوة عامة، لم يعيّن فيها باسمه، فلا يجب عليه حضورها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال ابن عبد البر لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة لمن دعي إليها , إذا لم يكن فيها لهو. وبه يقول مالك , والشافعي , وأبو حنيفة ...
لما روى ابن عمر رضي الله عنهما , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها) . وفي لفظ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها) . وقال أبو هريرة: (شر الطعام طعام الوليمة: يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله) رواه البخاري.
ومعنى قوله: (شر الطعام طعام الوليمة) - والله أعلم - أي طعام الوليمة التي يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء , ولم يُرِدْ أن كل وليمة طعامها شر الطعام.
وإنما تجب الإجابة على من عُيّن بالدعوة , بأن يدعو رجلا بعينه , أو جماعة معينين. فإن دعا وقال: يا أيها الناس , أجيبوا إلى الوليمة، لم تجب الإجابة , ولم تستحب , بل تجوز الإجابة بهذا ; لدخوله في عموم الدعاء " انتهى من "المغني" (7/213) باختصار.
ثانيا:
إذا كان في الوليمة من يتأذى بهم، لم يجب عليه الحضور، ويكون هذا عذراً له لترك الإجابة.
وقد نص بعض الفقهاء على ذلك، وينبغي حينئذ أن يعتذر لصاحب الدعوة، أو يحضر وينصرف سريعا.
قال في "تحفة المحتاج" (7/430) وهو يذكر شروط وجوب الإجابة: " وأن لا يكون بالمكان الذي يحضر فيه من يتأذى المدعو به لعداوة ظاهرة بينهما أو لحسد أو لا يليق به مجالسته كالأراذل " انتهى باختصار وتصرف.
ثالثا:
إذا كانت الوليمة لغير النكاح، فلا تجب إجابتها، ولو عيّن بالدعوة فيها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7 / 218) : " فحكم الدعوة للختان وسائر الدعوات غير الوليمة أنها مستحبة، لما فيها من إطعام الطعام , والإجابة إليها مستحبة غير واجبة، وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه " انتهى.
وعليه فلا حرج عليك في ترك الحضور إلى هذه الولائم، إذا كانت لغير النكاح.
رابعا:
صلة المرأة لرحمها من الإخوة والأخوات، أمر مؤكد شرعا؛ لما جاء في الكتاب والسنة من الأمر بصلة الرحم، وتحريم قطعها، وهذه الصلة تتحقق بالزيارة والاتصال والسؤال، حسب قدرة الإنسان واستطاعته.
وينبغي ألا تقصري في هذه القربة العظيمة، وألا يدفعك إلى ذلك جفاء الإخوة وعدم استلطافهم لك، فإنك مثابة مأجورة على صلتك، ولو قصروا معك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) رواه البخاري (5645) .
أي أن الذي يكافئ أقاربه، فيرد لهد الجميل، ويحسن إليهم إن أحسنوا إليه، ليس هذا واصلاً للرحم، كما أراد الشرع، وإنما صلة الرحم المطلوبة شرعاً أن يحسن إلى أقاربه الذين يسيئون إليه.
لكن إن كان كثرة اللقاء تسبب النفور، فلا حرج في تقليلها، مع دوام الصلة، على فترات متباعدة أو بالهاتف ونحو ذلك.
ولكن الأحسن من ذلك والأولى أن تسعي إلى إزالة ما بينكِ وبين إخوانك من سوء التفاهم، وتبذلي وسعك في تحسين علاقتك معهم، فذلك خير لكم جميعاً في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1511)
هل تلزمها زيارة زوجة أحد أقاربها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسانه أخاف الله - ولله الحمد - وأرجو منكم إفادتي في سؤالي هذا؛ لأني شديدة الحرص إذا كان يلزمني شيء أم لا، من باب خشيتي من خالقي.. هناك امراة من إحدى زوجات الأقارب، وساكنة في نفس المحافظة، وبما أنها زوجة أحد أقاربنا فهي تعتبر منا، ولكن في يوم من الأيام، حدثت مشكلة، ولم أكن أحمل في قلبي عليها شيئا، وأتمنى لها كل خير لها ولأولادها وزوجها، وفي كل مناسبة سواء كانت فرحا أو عيدا أو جمعة عند الأقارب أهنئها وأسلم عليها، ولكن هي لا تزورني في بيتي ولا أزورها ... هل يلحقني إثم؟ هل أعتبر قاطعة رحم؟ وماذا توصوني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله أن يجزيك على حرصك على البعد عن الآثام خير الجزاء، والله سبحانه وتعالى يحب العبد التقي، الذي يراقبه في السر والعلن، ويحاسب نفسه في جميع أموره، فلا يهنأ حتى يطمئن قلبه أنه لم يعص الله، ولم يقع في سخطه وغضبه.
أما ما ذكرتِ من شأن خلافِكِ مع زوجة أحد أقاربك، فقد قمتِ بالخطوة الأولى الصحيحة حين سلمت عليها وهنئتها بكل مناسبة تمر عليكم، وينبغي إتمام الخير والمعروف بزيارتها ولو مرة، حتى لا يبقى في النفس شيء من الضغينة والكراهية، وتقطعين بذلك سبيل الشيطان عليكما، واحرصي على البعد عن كل ما يثير الخلاف والشقاق بينكما، إذ لا يجوز للمسلم أن يخاصم أخاه في أمور الدنيا التافهة، حتى يُستحب لمن ظُلم أن يعفو ويغفر، فكيف بخلاف يبدو أنه في أمور شكلية عادية!!
وزوجة القريب ليست من الأرحام، ولكن صلة هذا القريب - إن كان من الأرحام - تقتضي زيارة زوجته، والسؤال عن حالها، والاهتمام بأمرها.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (26/127) :
" أمر الشرع المطهر بغرس المحبة بين المسلمين، وحثهم على التواد والتراحم والتواصل بينهم حتى تستقيم أمورهم، وتصفو نفوسهم، ويكونوا يدا واحدة على من سواهم، وقد حذرهم من العداوة والبغضاء، كما نهاهم عن الهجران والقطيعة بينهم، وجعل الهجر ما فوق الثلاث محرما.
ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلتَقِيَانِ فَيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا، وَخَيرُهُمَا الذِي يَبدَأُ بِالسَّلَامِ) .
وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إِيَّاكُم وَسُوءَ ذَاتِ البَينِ، فَإِنَّها الحَالِقَةُ) أي تحلق الدين.
والواجب على المسلم إذا وقع بينه وبين أخيه شحناء أن يذهب إليه، ويسلم عليه، ويتلطف له في إصلاح ذات بينهما، فإن في ذلك أجرا عظيما، وسلامة من الإثم " انتهى.
والحاصل: أنك لا تعتبرين قاطعة رحم بهذا، وعليك السعي في إزالة ما بينكما من شحناء.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1512)
تسببت مشاكله مع خاله في رسوبه فهل يطالبه بتعويض مالي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري (24) طبيب، مشكلتي بدأت منذ خمس سنوات مع خالي (45) ، حيث كان عمري (19) سنة حيث كان يأتي إلى بيتنا كل يوم ولمدة ساعات بدون إذن أو استئذان (لمدة عامين متتاليين) لغرض قضاء وقت فراغه، وكان يحدث المشاكل والشجار بين أبي وأمي، وكان هو سبب التوتر في العائلة، وكلما كنت أقول لأمي لماذا لا نطرده؟ كانت تقول: لا يجوز ذلك، إلى أن وصل غضبي إلى أن أترك الامتحان في تلك السنة، ورسوبي في تلك السنة، احتجاجا على تصرفات خالي في بيتنا، ذهب خالي، ولكن المشاكل النفسية وذكريات ترك الامتحان ذلك اليوم لا تغادرني إلى اليوم، وكلما أرى خالي في المناسبات ينتابني غضب شديد.
السؤال:
بماذا تنصحونني؟ وهل لي أن أطالب بتعويض مالي من خالي - ولو يسيراً - لرد اعتباري على المشاكل النفسية الذي أصبت به لتعود العلاقة بيننا وخصوصا أني لا أريد أن أقطع صلة الرحم؟ وما هو موقف الشريعة من هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننصحك بنسيان الموضوع القديم الذي بينك وبين خالك، ونرى أنك أعطيت الأمر أكثر مما يستحق، وكون خالك يدخل البيت من غير استئذان لا يحل له، ولو كان داخلاً لبيت أخته، فالاستئذان في حقه واجب، ورضى والدك بزيارة خالك لبيته هو المعتبر، وقد رضي بذلك بدليل استمرار زيارته طيلة هذه المدة، وتركك للامتحان في تلك السنة ورسوبك فيها أنت تتحمل تبعاته، فلا يخلو بيت من بيوت المسلمين – في الغالب – من مشاكل، والعاقل هو الذي يحسن التصرف إزاءها، ويحرص على حلها، أو التقليل منها، ولا نرى لتصرفك في ترك الدراسة للامتحان أي وجه، فتتحمل أنت تبعاته، ولا ينبغي لك دوام التفكير فيما مضى فتُسبب الآلام النفسية لك ولأهلك، فانس ذلك الأمر، وأقبل على عملك، واستعن بالله، وداوم على صلة الرحم، ونصح المخطئ، ولا تلتفت إلى ما يزينه لك الشيطان من رفع قضية على خالك وأخذ تعويض مالي منه، فبالإضافة إلى أن القضية قد تكون فاشلة في المحاكم، فإنها ستسبب شرخاً وتصدعاً في أسرتكم نربأ بك أن تكون سببه، وينبغي أن يكون جانب الرحمة غالباً على جانب الغضب والانتقام، ونسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، وأن يجمع بينك وبين أسرتك جميعاً على خير.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1513)
أقرباؤه يؤذون والديه وحصلت مقاطعة بينهم فماذا يصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي امرأة تقيَّة جدّاً، لكني ومنذ طفولتي كنت أشاهد نشوء مشاكل عائلية تقع بينها وبين أقاربي، هؤلاء الأقارب دائما يذكرون افتراءات غير مبنية على أسس ويكذبون دونما حياء أو خجل، إنهم لا يشكرون لوالديّ مساهماتهم التي قدماها للعائلة، لكنهم بالمقابل يتحدثون وراء ظهورنا ويهزؤون مِن تمسك والدتي بدينها، ومع ذلك فإن والدتي لا تزال تريد أن تحافظ على صلة القرابة وكانت تصبر عليهم، وفي بعض الأحيان كانت تشتكي لوالدي وتطلب منه أن يتدخل لكنه لم يفعل أي شيء، وكان يقول: إن ذلك ربما يتسبب في قطع العلاقة معهم للأبد، وكان يطلب منها الصبر، وكانت والدتي تصبر على الإساءة، وكانت تقابلهم بعكس ما كنَّ يعاملنها به، لا لشيء إلا لتفوز برضى الله ورحمته، إلا أنه في الآونة الأخيرة تدهور الوضع، وقام زوج إحدى قريباتي بإهانة والدي، وقرر والدي بعد ذلك أن يقطع العلاقة معهم، كما طلبت عمتي أيضا من والدتي ألا تتصل بهم، وأنا أجد نفسي ضائعا وسط هذا الزخم ولا أعرف كيف أتصرف، والداي طلبا مني الامتناع تماما عن الاتصال بأقاربي، لكني ولأني أعلم أن من يقطع العلاقات العائلية فقد قال الله بأنه سيقطعه يوم القيامة فإني أحادثهم من وقت لآخر، مع أنهم لا يفعلون ذلك معي، لكني أعلم أنه إن اكتشف والداي ما أقوم به فإن ذلك سيؤذيهما وسيغضبان عليَّ، لقد قلت لوالدتي أن تسامحهم وأن تبدأ في الاتصال بهم، وهي تقول إنها تريد ذلك، لكنها لا ترغب أن تمر مجدَّداً بنفس المعاناة وتتعرض للإهانات التي تعرضت لها خلال سنوات، ما هو الأسلوب الصحيح للتعامل مع مثل هذا الوضع؟ هل أبذل جهوداً لأحافظ على الرحم مع أناس أهانوا والدي؟ وكيف نضع حدّاً لهذا الوضع المزري؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يُعظم أجرك وأجر والدتك، وأن يجمع بينكم وبين أقاربكم على خير، وأن يهديهم ويصلح أحوالهم.
وصلة الرحم لها منزلة عظيمة في شرع الله تعالى، وهي تشمل أموراً مادية وأخرى معنوية، والمعنوية منها أهم بكثير، فالمادية مثل الإحسان إليهم بالمال، والمعنوية مثل أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وهذا أعظم ما تكون به الصلة.
وفي حال أن يكون أولئك الأقارب على انحراف وضلال وفساد ويخشى المسلم على نفسه أن ينساق وراءهم أو يتأثر بهم فليهجرهم هجراً جميلاً، وهو الذي لا أذى فيه ولا قطيعة، وعليه الإكثار من الدعاء لهم، والإكثار من وعظهم وتذكيرهم بالمراسلات والهاتف وغير ذلك من الوسائل التي تبقي تلك الصلة دون قطيعة، ودون تأثير منهم عليه.
ثانياً:
وتجب عليك صلة رحمك ولو منعك والدك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (لاَ طَاعَةَ في مَعْصِيَةِ الله، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ) رواه البخاري (6830) ومسلم (1840) .
لكن لا يجوز لكَ إيذاء والدك بإظهار المخالفة له، فيمكنك صلة أقاربك دون إعلامه بهذا، وأن تستمر في محاولة رأب الصدع بينه وبين رحمه، ولكن ننبهك إلى أن تحرص على الأقارب الذين لا يكون منهم إظهار للفسق والفجور، خشية أن تتسبب في تأثير هؤلاء على أهل بيتك، لكن احرص على أهل الدِّين والخير منهم، فمثل هؤلاء تكون الخسارة في قطيعتهم، ويكون الأجر العظيم في الصلة بينهم وبين أهلك.
ثالثاً:
ومن الأمور التي تعين على الصلة بين الأقارب والتي نوجهك لها لتخبر بها أهلك وأقاربك:
1. إعلامهم جميعاً بوجوب صلة الرحم وتحريم قطعها.
2. إعلامهم بحقيقة الصلة، وأنها ليست المكافأة، بل صلة القاطع، ومقابلة الإساءة بالإحسان.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) . رواه مسلم (2558) .
الملّ: الرماد الحار.
قال النووي – رحمه الله -:
" ويجهلون " أي: يسيئون , والجهل هنا القبيح من القول , ومعناه: كأنما تطعمهم الرماد الحار , وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم , ولا شيء على هذا المحسن , بل ينالهم الإثم العظيم في قطعيته , وإدخالهم الأذى عليه.
وقيل: معناه إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل.
وقيل: ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم.
" شرح مسلم " (16 / 115) .
3. الصفح عنهم في حال أن يصدر منهم خطأ، والعفو في حال أن يعتذروا.
4. تخفيف الزيارات وتجنب المزاح، فربما كانت كثرة اللقاءات والزيارات، وما يحصل فيها من تجاوز للشرع، أو تجاوز في المباح هو من الأسباب التي تؤدي للقطيعة.
5. محاولة الابتعاد عن الأقارب في السكن، فربما تسبب تقارب السكن في القطيعة بين الناس، إما بسبب الأولاد وإما بسبب الزوجات أو غيرهما.
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمَّاله: " مروا الأقارب أن يتزاوروا ولا يتجاوروا ".
قال الغزالي - معلقا على كلام عمر -:
" وإنما قال ذلك لأن التجاور يورث التزاحم على الحقوق، وربما يورث الوحشة وقطيعة الرحم ".
" إحياء علوم الدين " (2 / 216) .
وقال أكثم بن صيفي: " تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة ".
6. ترك الاستماع لأهل الفتنة الذين يفرقون بين المرء وأهله، والذين يسوؤهم اجتماع الأسرة الواحدة، وهم النمامون أصحاب الكبائر.
7. استعن بالله تعالى بدعائه في صلاتك وفي آخر الليل أن يهدي الله أقاربك لأحسن الأخلاق والأفعال والأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1514)
يرعى عمته ويقوم على شئونها فهل لها أن تهبه دون باقي إخوته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي عمة كبيرة في السن تملك قدراً من المال والعقار ورثتها عن والدها، ومنذ ما يقارب من خمسة عشر سنة قامت بتوكيلي رسميّاً في إدارة أموالها وممتلكاتها وكان ذلك بموافقة والدي، والجدير بالذكر أن عمتي قد عاشت حياة محافظة جدّاً، ولا تعرف الكتابة أو القراءة ولا تستطيع تدبير أمورها دون مساعدتي لها.
وطوال الفترة التي كنت وكيلا عنها كانت تعاملني وكأني ولدها الوحيد وكنت المتصرف في مالها والقائم على إدارة شئونها المعيشية والمرضية وغيره دون بقية إخوتي الاثني عشر الآخرين الذين لا يصلونها إلا في المناسبات الاجتماعية أو الدينية.
توفى والدي فأصبحت أنا وإخوتي الوارثين الشرعيين الوحيدين لها وقد استأذنتها بدون علم إخوتي أو موافقتهم في تسجيل أغلب ممتلكاتها من العقار والمال لي شخصيّاً والبعض الآخر لإحدى أخواتي وابنها الذي هو في الحقيقة زوج ابنتي لكونه يساعدني في تدبير حال معيشتها، وقد وافقتْ على ذلك وقمت بالتسجيل لنفسي ولأختي وابنها، إلا أن إخوتي الآخرين اكتشفوا ذلك مؤخراً وبدأ الجميع في توجيه اللوم لي واتهامي بالتعمد في الإضرار بالعمة وبهم من جراء هذه الفعلة واستغلال عدم أهلية العمة وعدم إدراكها بأمور الحياة وعدم معرفتها لقيمة أملاكها وإساءة استخدام الوكالة التي في حوزتي، إضافة إلى اتهامي بارتكاب مخالفة لحكم الله ورسوله.
فهل يعتبر ذلك تعديّاً على حكم الشرع الشريف فيما قمت به من عملية الهبة، علما أنها تمت بعلم عمتي وموافقتها عليها؟
وهل يجوز لإخواني الآخرين الاعتراض على هذه الهبة؟
أرجو منكم نصحي بما يجنبني التعدي على حدود الله إن كنت مخطأً لتدارك تصحيح ما قمت به والاستغفار منه قبل فوات الأوان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قيامك على شئون عمتك ورعايتك لها من الأعمال الصالحة التي تقربك إلى الله وتزيد في أجورك وتثقِّل موازينك، لكن ذلك مشروط باحتساب عملك لوجه الله تعالى، ولا حرج من أخذك أجرة المثل مقابل تلك الرعاية والعناية.
ولا يحل لك أخذ ما يزيد على هذا بالإحراج أو بالحيلة , قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (1459) .
كما لا يحل لك - ولا لها – قصد الإضرار بالورثة، سواء كان ذلك بالهبة أو الوقف في حال الحياة أو وصية بعد الموت لغير وارث؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه "
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
" وأما إن قصد المضارة بالوصية لأجنبي بالثلث فإنه يأثم بقصده المضارة، وهل ترد وصيته إذا ثبت بإقراره أم لا؟ حكى ابن عطية رواية عن مالك: أنها ترد، وقيل: إنه قياس مذهب أحمد " انتهى.
" جامع العلوم الحِكَم " (1 / 305) .
وقال الشيخ صدِّيق حسن خان رحمه الله:
" ومن وقف شيئا مضارة لوارثه كان وقفه باطلا , لأن ذلك مما لم يأذن به الله سبحانه , بل لم يأذن إلا بما كان صدقة جارية ينتفع بها صاحبها , لا بما كان إثما جاريا , وعقابا مستمرا , وقد نهى الله تعالى عن الضرار في كتابه العزيز عموما وخصوصا , ونهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم عموما , كحديث: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) " انتهى.
" الروضة الندية " (2 / 154) .
ثانياً:
جاء في سؤالك قولك عن إخوتك فيما أنكروه عليك " واستغلال عدم أهلية العمة "! فإذا كان ما قالوه صحيحاً وأن عمتك ليست أهلاً للتصرف في المال , كما لو كانت غير عاقلة , أو كانت سفيهة تضيع الأموال: فإن ما قامت به من هبتك أموالها باطل شرعاً ولا يحل لك تملكه؛ لعدم أهليتها في التصرف في أموالها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" جميع الأقوال والعقود مشروطة بوجود التمييز والعقل، فمن لا تمييز له ولا عقل: ليس لكلامه في الشرع اعتبار أصلا , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد , وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب) فإذا كان القلب قد زال عقله الذي به يتكلم ويتصرف فكيف يجوز أن يجعل له أمر ونهي أو إثبات ملك أو إزالته، وهذا معلوم بالعقل مع تقرير الشارع له ... .
العقود وغيرها من التصرفات مشروطة بالقصود كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ، وقد قررت هذه القاعدة في كتاب " بيان الدليل على بطلان التحليل " وقررت أن كل لفظ بغير قصد من المتكلم لسهو وسبق لسان وعدم عقل: فإنه لا يترتب عليه حكم " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (33 / 107) .
ثالثاً:
أما إذا كانت عمتك عاقلة رشيدة فإن تصرفها في أموالها بالهبة أو الصدقة أو غير ذلك: صحيح.
قال الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله في حكم مطابق لمسألتنا:
" يجوز للزوج في صحته وحياته أن يهدي زوجته ما يشاء مقابل صبرها أو حسن خدمتها أو ما دخل عليه لها من مال أو صداق إذا لم يفعله إضراراً بالورثة الآخرين، ولا يتحدد ذلك بربع المال ولا غيره.
وهكذا بالنسبة للزوجة، لها أن تعطي زوجها ما شاءت من مالها أو صداقها؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) .
ولا يجوز ذلك في حال المرض؛ لكونه يُعتبر وصية لوارث " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (3 / 29) .
وليعلم إخوتك أنه لا يجب على العمة أن تعدل في العطية بين أولاد أخيها، والعدل في العطية إنما يجب إذا كانت العطية للأولاد , أما غيرهم فلا يجب العدل بينهم في العطية.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" يجوز للإنسان أن يفضِّل بعض ورثته على بعض إذا كان هذا التفضيل في حال صحته إلا في أولاده فإنه لا يجوز أن يفضل بعضهم على بعض " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (3 / 30) .
وخلاصة الجواب:
إذا كانت عمتك عاقلة رشيدة ووهبتك هذه الأموال بمحض إرادتها ورضاها من غير إجبار منك أو احتيال , ولم تُرِدْ بذلك الإضرار بالورثة , فهذه الهبة صحيحة , وليست مخالفة للشرع.
أما إذا كانت غير رشيدة أو كانت الهبة بدون رضاها , أو أرادت الإضرار بالورثة , فهذه الهبة حرام ولا تصح , وأموالها ما زالت باقية في ملكها.
ولك في هذه الحالة أن تأخذ منها أجرة مقابل خدمتك لها وإدارتك لأموالها , على أن تكون هذه الأجرة على قدر العمل وليس مبالغاً فيها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1515)
من هم الأرحام الواجب صلتهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وصى الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بصلة الأرحام.
سؤالي هو:
من هم الأرحام الذين يجب صلتهم؟ هل هم من جهة الأب أم الأم أم الزوجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء في حدّ الرحم التي يجب وصلها إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن حد الرحم هو: الرحِم المَحرَم.
والقول الثاني: أنهم الرحم من ذوي الميراث.
والقول الثالث: أنهم الأقارب من النسب سواء كانوا يرثون أم لا.
والصحيح من أقوال أهل العلم هو القول الثالث، وهو: أن الرحم هم الأقارب من النسب – لا من الرضاع – من جهة الأب والأم.
أما أقارب الزوجة فليسوا أرحاماً للزوج , وأقارب الزوج ليسوا أرحاماً للزوجة.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
من هم الأرحام وذوو القربى حيث يقول البعض إن أقارب الزوجة ليسوا من الأرحام؟
فأجاب:
" الأرحام هم الأقارب من النسب من جهة أمك وأبيك، وهم المعنيون بقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال والأحزاب: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) الأنفال/75، والأحزاب/6.
وأقربهم: الآباء والأمهات والأجداد والأولاد وأولادهم ما تناسلوا، ثم الأقرب فالأقرب من الإخوة وأولادهم، والأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سأله سائل قائلاً: من أبر يا رسول الله؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أباك، ثم الأقرب فالأقرب) خرجه الإمام مسلم في صحيحه، والأحاديث في ذلك كثيرة.
أما أقارب الزوجة: فليسوا أرحاماً لزوجها إذا لم يكونوا من قرابته، ولكنهم أرحام لأولاده منها، وبالله التوفيق " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (4 / 195) .
فأقارب كل واحد من الزوجين ليسوا أرحاماً للأخر , ومع ذلك فينبغي الإحسان إليهم , لأن ذلك من حسن العشرة بين الزوجين , ومن أسباب زيادة الألفة والمحبة.
ثانياً:
وصلة الرحم تكون بأمور متعددة، منها: الزيارة، والصدقة، والإحسان إليهم , وعيادة المرضى، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وغير ذلك.
قال النووي رحمه الله:
" صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول؛ فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة تكون بالزيارة، والسلام، وغير ذلك " انتهى.
" شرح مسلم " (2 / 201) .
وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
" وصلة الأقارب بما جرى به العرف واتّبعه الناس؛ لأنه لم يبيّن في الكتاب ولا السنة نوعها ولا جنسها ولا مقدارها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقيده بشيء معين ... بل أطلق؛ ولذلك يرجع فيها للعرف، فما جرى به العرف أنه صلة فهو الصلة، وما تعارف عليه الناس أنه قطيعة فهو قطيعة " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (5 / 215) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1516)
ضابط الرحم التي يجب صلتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ابن عمتي يعتبر من رحمي الذي يجب على صلته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لاشك أن ابن عمتك من جملة الأرحام الذين ينبغي صلتهم والإحسان إليهم، وبذل المودة لهم، لكن هل هو من الرحم التي يجب صلتها؟ فيه خلاف بين الفقهاء، وبيان ذلك أن الرحم نوعان: رحم مَحْرَم، ورحم غير مَحْرَم. وضابط الرحم المَحرَم: كل شخصين لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى لم يجز لهما أن يتناكحا، كالآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأجداد والجدات وإن علوا، والأولاد وأولادهم وإن سفلوا، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات.
وأما أبناء الأعمام والعمات والأخوال والخالات، فليسوا من الرحم المَحرَم، لجواز التناكح بينهم.
والرحم غير المَحرَم: ما عدا ذلك من الأقارب، كابن عمتك، وبنت عمتك، وابن خالك، وبنت خالك، وهكذا.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الرحم التي يجب صلتها: هي الرحم المحرم فقط، وأما غير المَحْرَم، فتستحب صلتها ولا تجب، وهذا قول للحنفية، وغير المشهور عند المالكية، وقول أبي الخطاب من الحنابلة، وحجتهم أنها لو وجبت لجميع الأقارب لوجب صلة جميع بني آدم، وذلك متعذر، فلم يكن بد من ضبط ذلك بقرابة تجب صلتها وإكرامها ويحرم قطعها , وتلك قرابة الرحم المحرم.
واستدلوا كذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا) رواه البخاري ومسلم (1408) واللفظ له. قال الحافظ ابن حجر: "وزاد الطبراني من حديث ابن عباس: (فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد قطعتم أرحامكم) وصححه ابن حبان، ولأبي داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة" انتهى من "الدراية في تخريج أحاديث الهداية" (2/56) .
ووجه الاستدلال بهذا الحديث، ما بينه بعض المالكية رحمهم الله، قال القرافي: "المسألة الثامنة في بيان الواجب من صلة الرحم: قال الشيخ الطرطوشي: قال بعض العلماء: إنما تجب صلة الرحم إذا كان هناك محرمية، وهما كل شخصين لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى لم يتناكحا كالآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأجداد والجدات وإن علوا، والأولاد وأولادهم وإن سفلوا، والأعمام والعمات والأخوال والخالات، فأما أولاد هؤلاء فليست الصلة بينهم واجبة لجواز المناكحة بينهم، ويدل على صحة هذا القول تحريم الجمع بين الأختين والمرأة وعمتها وخالتها لما فيه من قطيعة الرحم، وترك الحرام واجب، وبرهما وترك إذايتهما واجبة، ويجوز الجمع بين بنتي العم وبنتي الخال وإن كن يتغايرن ويتقاطعن، وما ذاك إلا أن صلة الرحم بينهما ليست واجبة " انتهى من "الفروق" (1/147) .
والقول الثاني في المسألة: أنه يجب صلة الرحم كلها، لا فرق بين المحرَم وغيره، "وهو قول للحنفية , والمشهور عند المالكية , وهو نص أحمد , وهو ما يفهم من إطلاق الشافعية , فلم يخصصها أحد منهم بالرحم المحرم". "الموسوعة الفقهية الكويتية" (3/83) .
وينظر: "غذاء الألباب" للسفاريني (1/354) ، "بريقة محمودية" (4/153) .
وفي المسألة أقوال أخرى، قال في "سبل السلام" (2/628) : "واعلم أنه اختلف العلماء في حد الرحم التي تجب صلتها فقيل: هي الرحم التي يحرم النكاح بينهما بحيث لو كان أحدهما ذكرا حرم على الآخر. فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال. واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح لما يؤدي إليه من التقاطع.
وقيل: هو من كان متصلا بميراث، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم أدناك أدناك) .
وقيل: من كان بينه وبين الآخر قرابة سواء كان يرثه أو لا.
ثم صلة الرحم كما قال القاضي عياض: درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام , ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لم يسم قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له، لم يسم واصلا.
وقال القرطبي: الرحم التي توصل الرحم عامة وخاصة، فالعامة رحم الدِّين , وتجب صلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة.
والرحم الخاصة تزيد بالنفقة على القريب وتفقِّد حاله والتغافلِ عن زلته " انتهى.
هذا حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة، لكن لا يخفى عليك أيها الأخ الكريم ما جاء في صلة الرحم من عظيم الثواب، وما جاء في قطيعتها من أليم العقاب، وهذا يدعو إلى تحري صلة الرحم، والحذر من قطيعتها، والاحتياطِ للدين، والخروجِ من الخلاف، فبادر بصلة ابن عمتك، وأحسن إليه قدر استطاعتك، فإن أجر ذلك لا يضيع عند الله.
وانظر جواب السؤال رقم (12292) ، (22706) ، (4631) .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1517)
هل لبس الساعة في اليمنى موافق للسنَّة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك من ينصحني بلبس الساعة في اليد اليمنى بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم حض على التيمن. فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في لبس الساعة في اليد اليمنى أو اليسرى , ويختار الرجل في ذلك الأيسر له، ولا يوصف شيء من ذلك بأنه مخالف للسنة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" لا حرج في لبس الساعة في اليد اليمنى أو اليسرى، كالخاتم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لبس الخاتم في اليمنى واليسرى " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (4 / 255) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" وضع الساعة في اليد اليمنى ليس أفضل من وضعها في اليد اليسرى؛ لأن الساعة أشبه ما تكون بالخاتم، فلا فرق بين أن تضع الساعة في اليمين أو اليسار، لكن لا شك أن وضعها في اليسار أيسر للإنسان، من ناحية التعبئة، ومن ناحية النظر إليها أيضاً، ثم هي أسلم في الغالب؛ لأن اليمنى أكثر حركة فهي أخطر.
والأمر في هذا واسع، فلا يقال: إن السنة أن تلبسها باليمين؛ لأن السنة جاءت في اليمين واليسار في الخاتم، والساعة أشبه شيء به " انتهى.
" الشرح الممتع " (6 / 110) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1518)
حكم المشاركة في الروابط القبلية التعاونية
[السُّؤَالُ]
ـ[أقاربي قاموا بعمل رابطة تعاونية، وقد شارك فيها كل أبناء العائلة، ويقوم مبدأ هذه الرابطة على التعاون فيما بينهم، بحيث لو حصلت أي مشكلة لأحد أبناء العائلة مع عائلة أخرى، فإنهم يقومون بحل هذه المشكلة، والإصلاح بين الطرفين، كما أن لهم اجتماعاً شهريّاً في بيت أحد الأعضاء (على الدور) يلتقون ويسلمون على بعض ويسمعون أخبار بعض وهكذا، ويتم أخذ مبلغ من المال من كل من يشارك في هذه الرابطة شهريّاً إذا كان المشارك يعمل، ويكون المال بحوزة أمين الصندوق، وتكون مصارف هذا المال على الأوجه التالية:
1. إقراض المحتاج من أبناء العائلة وتقسيط المبلغ عليه.
2. المساعدة في دفع الدية أو تعويض لأي إنسان من عائلة أخرى يتم دهسه من قبل أحد أبناء العائلة أو تعرضه لمكروه من قبل أحد أبناء العائلة.
3. إخراج الزكاة من هذا المال على المحتاجين من أبناء العائلة.
4. تقوم الرابطة بعمل غداء بعد دفن أي ميت من أبناء العائلة ودعوة من كان على المقبرة للأكل منه بحجة أن فيهم القادم من بعيد وغير ذلك.
وسؤالي هو: ما حكم المشاركة في مثل هذه الرابطة، وهل تعتبر من التعاون على البر والتقوى؟ وما حكم صنع الطعام لأهل الميت؟ وهل تنصحونا بالمشاركة فيها إذا تبين أن صنع الطعام لأهل الميت بهذه الطريقة حرام ولم يقبلوا نصيحتي بترك هذا الفعل - علماً بأن أقاربي أصبحوا ينظرون إلي نظرة خاصة لأني انسحبت منها حتى يتبين الحكم الشرعي -؟ ، وإذا كانت مثل هذه الرابطة لا تجوز فماذا تنصحون ليتكاتف أبناء العائلة ويتحدوا ولا يتفرقوا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الروابط التي تجمع أفراد القبيلة أو الأسرة أمرٌ مشروع في أصله، ويُرجى أن يكون فيه خير إذا خلا من المحاذير الشرعية.
وقد أمر الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى، قال عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على " الأشعريين " - وهم قوم من اليمن - كانوا إذا قلَّ طعامهم سفراً أو حضراً اجتمعوا فجاء كل واحدٍ منهم بما يملك ثم تقاسموا ما يجمعونه بينهم.
فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم) رواه البخاري (2384) ومسلم (2500) .
قال النووي:
" وفي هذا الحديث فضيلة الأشعريين , وفضيلة الإيثار والمواساة , وفضيلة خلط الأزواد في السفر , وفضيلة جمعها في شيء عند قلتها في الحضر , ثم يقسم " انتهى.
" شرح مسلم " (16 / 62) .
والصناديق التعاونية التي تقيمها القبائل والأسر ويتم جمع اشتراكات من أفرادها، ثم الصرف على المحتاجين حسب الشروط التي يحددونها أمر مشروع وهو يشبه فعل الأشعريين، لكنه استباق لأمر المصيبة قبل وقوعها؛ ليتم التعاون على حلها، فيخف مصاب صاحبها.
ويجب على المشتركين فيها أن يكون قصدهم التعاون فيما بينهم لا الاستفادة والربح , فقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن إحدى هذه الجمعيات , فأجاب:
" اطلعت على بنود الجمعية فلم أر فيها ما يمنع إنشاءها إذا كان مقصود المشترك التعاون دون التعويض والاستفادة من الصندوق , لأنها بنية التعاون تكون من باب الإحسان , وبنية التعويض والاستفادة من الميسر المحرم " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/183) .
ومن المحاذير التي يمكن أن يقع فيها أهل تلك الروابط ما يكون بينهم من العصبية الجاهلية لنسبهم أو لغتهم، وما يكون في اجتماعاتهم من محرمات كشرب الدخان وسماع الغناء – مثلاً – وما يكون من إعانة صاحب المعصية على معصيته، أو الوقوف بجانب الظالم لمجرد أنه منتسب إليهم، وكذا ما يكون من استثمار للأموال المجموعة في مشاريع محرمة أو في بنوك ربوية.
وأما الوقوف بجانب المظلوم أو صاحب الحاجة أو المتضرر من حادث أو مرض أو المساهمة في دفع دية الخطأ أو شبه العمد أو إعانة العزاب على الزواج وأمثال ذلك من أعمال البر والطاعة فهو أمر يشكرون عليه ويستحقون الدعم والمؤازرة.
ثانياً:
وأما صنع الطعام في الجنائز , فإن المشروع أن يصنع أقارب أهل الميت وجيرانهم الطعام لأهل الميت، لأنهم جاءهم ما يشغلهم عن إعداد الطعام لأنفسهم.
فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: لما جاء نعي جعفر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لأهل جعفر طعاماً فإنه قد جاءهم ما يشغلهم) رواه أبو داود (3132) والترمذي (998) وابن ماجه (1610) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
قال المباركفوري:
"والمعنى: جاءهم ما يمنعهم من الحزن عن تهيئة الطعام لأنفسهم فيحصل الهم والضرر وهم لا يشعرون، قال الطيبي: دلَّ على أنه يستحب للأقارب والجيران تهيئة طعام لأهل الميت انتهى، قال ابن العربي في " العارضة ": والحديث أصل في المشاركات عند الحاجة " انتهى.
" تحفة الأحوذي " (4 / 67) .
والمحذور هو صنع أهل الميت العام للمعزين، لقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (كُنَّا نَعُدُّ الاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ) رواه أحمد (6866) صححه الألباني في "أحكام الجنائز".
لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كما لو جاء للتعزية أناس من بعيد فلا حرج من صنع الطعام لهم، على أن يكون ذلك على قدر الحاجة، ولا يكون فيه إسراف ولا مباهاة، ويكون للمسافرين فقط، ولا يُدعى إليه كل من حضر الجنازة كما يفعل البعض.
قال ابن قدامة في "المغني" (3/496) :
" فأما صنع أهل الميت طعاما للناس , فمكروه ; لأن فيه زيادة على مصيبتهم , وشغلا لهم إلى شغلهم , وتشبها بصنع أهل الجاهلية. . .
وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز ; فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة , ويبيت عندهم , ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز:
" أما أهل الميت فليس لهم صنع الطعام للناس؛ أما إذا صنعوا ذلك لأنفسهم أو لضيوف نزلوا بهم فلا بأس " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (13/392) .
ثالثاً:
وقد ذكرت في سؤالك أن المال المجموع تخرج زكاته إلى المحتاجين من أبناء العائلة , وهذا المال لا زكاة فيه، فقد سئل الشيخ محمد بن العثيمين رحمه الله عن مثل هذه الجمعية وإخراج الزكاة من صندوقها فأجاب:
" أموال هذا الصندوق ليس فيها زكاة , لأنها خارجة عن ملك المشتركين فليس لها مالك معين , ولا زكاة فيما ليس له مالك معين " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/184) .
وعلى أهل العلم والاستقامة أن يشاركوا في هذه الروابط لنصحهم وتوجيههم، وتحذيرهم من الوقوع في المعاصي والآثام، وإعانتهم على البر والتقوى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1519)
صلة الرحم واجبة حسب الطاقة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخوات متزوجات ووالدتي متزوجة من زوج غير والدي، حيث إن والدي متوفى، وأعمل عسكريا وأرغب أن أذهب إليهم، ولكن ظروفي لا تسمح، علما بأني متزوج، فإذا ذهبت وتركت أهلي فلا بد أن أجلس لو على الأقل ثلاثة أيام، وفي خلال هذه الأيام سوف أكون مشغولا على زوجتي وأطفالي، فهل أكون قاطعا للرحم، علما أن لي حدود عشرة شهور لم أصلهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" صلة الرحم واجبة حسب الطاقة الأقرب فالأقرب، وفيها خير كثير ومصالح جمة، والقطيعة محرمة ومن كبائر الذنوب؛ لقوله عز وجل: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل قائلا: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال في الرابعة: أباك ثم الأقرب فالأقرب. أخرجه مسلم أيضا، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والواجب عليك صلة الرحم حسب الطاقة، بالزيارة إذا تيسرت، وبالمكاتبة وبالتليفون - الهاتف - ويشرع لك أيضا صلة الرحم بالمال إذا كان القريب فقيرا، وقد قال الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال سبحانه: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) متفق على صحته.
وفق الله الجميع لما يرضيه ".
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى ابن باز (9/414) .(7/1520)
خالتهم تريد إفسادهم فهل يقطعون صلتهم بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة مع خالتي فهي تؤذي عائلتنا وبخاصة والدتي، لا تريد الزواج وعمرها حوالي 40 سنة، تعيش بمفردها وتحضر حفلات وأعراس محرمة، لا ترتدي الملابس الإسلامية، وتتصرف كغير المسلمين، وتختلط بالرجال الأجانب، تتشاجر مع والدتي، وتفعل أشياء سيئة لها ولنا، مصابة بمرض التهاب الكبد وحاولت أن تنقل لي هذا المرض متعمدة بأن تأكل من طعامي أو تشرب من كأسي أو تستعمل أحمر الشفاه الخاص بي وأنا لا أعلم، أخبرتني بأنها لا تحب والدتي ولكنها تصطنع السعادة إذا كانت والدتي موجودة، إذا زرتها تحاول أن تأخذني للأماكن المحرمة التي تذهب إليها، قطعت جميع علاقاتها بأفراد العائلة ما عدانا نحن الأطفال ولكنها تعاملنا بسوء، دائماً تكون في خدمة النساء اللاتي يغتبن الناس وينظرون لها باحتقار ولا تفعل أي شيء لأختها أو أقاربها، وتطلب منا نحن الأطفال بأن نساعدها في خدمة هؤلاء النسوة.
نحن وأمي لا ندري ما نفعل، لا نريد أن نقطع علاقتنا بها ولكن مع ازدياد وجودي معها أشعر بأن إيماني ينقص وتزداد أذيتها لنا، فماذا نفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأمر بصلة الرحم من أوائل ما نزل من التشريع في الإسلام، وقد دلَّ على ذلك أحاديث نبوية ثابتة ومنها:
أ. قصة إسلام عمر بن عبسة: وفيها سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم: وبأي شيء أرسلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أرسلني بصلة الأرحام , وكسر الأوثان , وأن يوحد الله لا يشرك به شيء) رواه مسلم (832) .
ب. وقصة أبي سفيان مع هرقل عندما أرسل إليه فقال: فما يأمركم - يعني: النبي صلى الله عليه وسلم - فقال: يأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة. رواه البخاري (7) ومسلم (1773) .
وقد حذَّر الله تعالى في آيات كثيرة من قطيعة الرحم، ورتَّب على القاطع عقوبات متعددة، ومنها استحقاقه للعنة الله وسوء العاقبة، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) الرعد/25.
وبعض الأقارب يتسببون في الإثم لواصلهم، وخاصة مع عدم قدرته على تغيير المنكر الذي عندهم، فيصرون - مثلاً - على بقاء الغناء وتحتم الاختلاط ومواصلة السب والاستهزاء والغيبة، ومثل هؤلاء يؤثرون في زائرهم وواصلهم، فيجب على المسلم أن ينصح رحِمَه وأقاربه قدر وسعه وطاقته، وهم أولى بهذا النصح من غيرهم، لكن حيث كان ذلك نافعاً فيهم إما يقيناً وإما بغلبة الظن، فإذا رأى منهم إصراراً على المعاصي وخاصة كبائر الذنوب، وكان ذلك مؤثِّراً في إيمانه ودينه يكتفي معهم بالحد الأدنى من صلة الرحم , حتى لا يكون الإنسان قاطعاً للرحم , فبدلاً من الزيارة يكتفي بالاتصال هاتفياً، وإذا زارهم لا يطيل الجلوس , وهكذا.
ولكن هذا بعد استفراغ الوسع والطاقة في نصحهم ووعظهم وردهم إلى الحق , مع الإلحاح على الله تعالى في الدعاء أن يهديهم سواء السبيل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1521)
مشاكل بسبب زوجات إخوتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مشاكل عائلية وبالتحديد مع زوجات إخوتي، مع العلم أنهن أخوات وبنات عمي يخلقن مشاكل بدون أي سبب، مثال: الصغرى والمقيمة معنا لا تتحدث معنا إلا عندما نكلمها ونحن مللنا من هذه الحال، كما يراودني شعور أنها لا تحبنا، أما أختها وزوجة أخي الأكبر منذ أربع سنوات تغيرت علينا وأصبحت تأتي لزيارتنا كأنه واجب، وقامت به بمعني تأتي دون أن تتكلم حتى عودت بناتها على هذه الطريقة وأخذن يسببن لنا مشاكل مع إخواننا حتى قررت أمي أن تقول لأخي الأكبر أن لا تدخل زوجته منزلنا حتى نتجنب مشاكلهن، على العلم أننا لم نشعر بمعنى الحقد تجاههن فهل له علاقة بقطيعة الرحم أفيدونا جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن صلة الرحم واجب عظيم، له منزلة كبيرة في دين الإسلام، ويكفي ذلك قول الله تعالى في الحديث القدسي للرحم:" ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك " رواه البخاري (4552) ومسلم (2554) ، وقد بينا ذلك مفصلا في السؤال رقم (4631)
إذا تبين هذا، فإنه ينبغي عليكم أن تسددوا وتقاربوا قدر استطاعتكم، فحاولوا التفاهم مع أخيكم بخصوص هذا الموضوع، واشرحوا له ما يحصل بين زوجته وبين أمه وبينكم، دون أن تتدخلوا في شؤون زوجته أو أن تجرحوا شعوره، فإن هذا يعظم المشكلة ولا يحلها، فإن لم يتيسر ذلك، فحاولوا أن تحسنوا إلى زوجة أخيكم، فإن الإنسان في العادة يأسره الإحسان، ويقربه الود والعطاء.
فإن لم يفد الأمر، فأخبروا أخاكم أن يقلل من زيارة زوجته لأمه، فيأتي هو مرة بدونها، ومرة معها، حتى تعود المياه إلى مجاريها، وأكثروا من دعاء الله عز وجل أن يصلح تلك الأحوال، وأن يؤلف بين القلوب.
ويمكنكم أيضا أن تذكروا عند أمكم بعض ما تفعله زوجة أخيكم من محاسن، وأن تغضوا الطرف عن المساويء لكي تصلحوا الأوضاع، ولا تكونوا من الذين إذا رأوا عيبا سارعوا بنشره، وإخبار الكل عنه، فإن هذا من باب النميمة، كما أنه يفسد الود، ويقطع الرحم، ويذهب الصفاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1522)
حكم صلة الأم والإخوة من الرضاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أم من الرضاعة وإخوة، فهل عليَّ أن أصلهم وأزورهم كما أزور أمي وإخوتي من النسب علماً أني كنت أزورهم، ولكن قيل لي: إنه لا يلزمني ذلك، وأنا محتار في ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تشبه الأحكام الشرعية المتعلقة بالرضاع تلك المتعلقة بأحكام النسب، فالرضاع لا يوجب النفقة ولا التوارث ولا ولاية النكاح. . . بخلاف النسب.
ويشتركان في تحريم النكاح، وإباحة النظر، والخلوة، والمحرمية في السفر.
وهذا من حكمة الشرع، ولا يمكن أن يجعل الشرع حقوق الأم من الرضاعة والتي ترضع الطفل خمس مرات بتلك التي حملت ووضعت وأرضعت وربَّت، وكانت السبب المحسوس في وجود الولد، وهل ما في قلب الأم من النسب مثل ما في قلب الأم من الرضاعة من حيث الشفقة والرحمة والحرص؟
وقد أشارت الآيات القرآنية إلى ذلك كما قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) لقمان/14، وقال تعالى - بعد أن أمر الولد بالإحسان إلى الوالدين ونهاه عن أدنى ما يمكن أن يصدر عنه من عقوق لهما -: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) .
لذا ذكر بعض العلماء أن على الابن من الرضاعة إكرام وتقدير أمه ووالده من الرضاعة، وليس عليه البر والصلة التي تكون بين الولد ووالديه، وبينه وبين رحِمِه.
وفي الباب بعض الأحاديث الضعيفة نذكرها للفائدة:
1. عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحماً بالجعرانة إذ أقبلت امرأة حتى دنت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه، فجلست عليه، فقلت: من هي؟ فقالوا: هذه أمه التي أرضعته. رواه أبو داود (5144) ، وضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود " (1102) .
وقد بوَّب ابن حبان (10 / 44) على هذا الحديث بقوله " ذكر ما يستحب للمرء إكرام من أرضعته في صباه ".
2. عن عمر بن السائب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه من الرضاعة فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلستْ عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه. رواه أبو داود (5145) ، وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (1120) .
3. عن حجاج بن حجاج الأسلمي عن أبيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما يذهب عني مذمة الرضاع؟ فقال: غرة عبدٍ أو أمة. رواه الترمذي (1153) والنسائي (3329) وأبو داود (2064) ، وضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود " (445) .
" غُرَّة " أي مملوك.
قال السيوطي في شرح النسائي (6/108) :
"المراد بـ " مذمة الرضاع ": الحق اللازم بسبب الرضاع، فكأنه سأل: ما يسقط عني حق المرضعة حتى أكون قد أديته كاملا؟ ، وكانوا يستحبون أن يهبوا للمرضعة عند فصال الصبي شيئا سوى أجرتها" اهـ.
4. وذكر أهل السير أن النساء الأسرى من هوازن لما جُمعوا جاء خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله إنما في الحظائر أمهاتك وخالاتك وحواضنك، فامنُن علينا منَّ الله عليك. وهذه الأحاديث الوارد فيها هو الإكرام والتقدير، وهما من أخلاق الإسلام التي حثَّ عليها لعامة المسلمين. فكان هذا سبب إعتاقهم عن بكرة أبيهم. البداية والنهاية (4/419) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1523)
حكم اجتماع طائفة على طعام، كلٌّ يُحضر معه منه شيئاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في الآونة الأخيرة عادة في أوساط المسلمين لا أدري من أين منشؤها، لكن على ما يبدو أنها جُلبت من الكفار، هذه العادة تسمَّى حفلة الطبق الواحد، خلاصة هذه الحفلة: أن رب البيت - أو المضيّف - يطلب من كل شخص من الضيوف أن يحضر طبقاً مطبوخاً معه إلى الحفلة، فيشترك الجميع في الأكل منه، والغرض من ذلك: أن رب المنزل - أو صاحب الحفلة - لا يبقى عليه إلا الأشياء اليسيرة، وأن لا يُشغَل بالطبخ وغيره، ما جعلني أستنكر هذا النوع من الحفلات: أن ذلك مخالف لسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يُطعم ضيفه من أحسن ما لديه، وكان يحث على إكرام الضيف، والإكرام لا يتأتى إلا عن طريق الطبخ لهم، وإعطائهم أفضل الأطعمة، لا أن يُطلب من الضيف أن يحضر طعامه معه، فما رأي الشرع في مثل هذه الحفلات؟ وهل ترون أنه من المناسب الذهاب والتواصي على الحضور والمشاركة في مثل هذه الحفلات؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن إطعام الطعام من مكارم الأخلاق، ونبل النفوس، وقد حث عليه الشرع، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ رضي الله عنه قَالَ: أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ) رواه الترمذي (2485) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد أوجب الإسلام إكرام الضيف، والقيام بحقه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) رواه البخاري (6018) ومسلم (47) .
والمراد بالضيف الذي يجب إكرامه هو: هو ضيف السفَر، وهو القادم من بلد آخر، وليس الزائر له من جيرانه، أو أصدقائه من بلده؛ وإكرام هذا الثاني (الزائر) مطلوب، ويدخل في عمومات الشريعة التي تحث على فعل الخير، والإحسان إلى الناس، وتحسين الخلق معهم.
فالضيف المسافر هو الذي له حق في طعام المضيف، وهذا لا ينطبق على الزائر الذي يمكن أن تقول له: "ارجع"، كما قال تعالى: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) النور/28.
وانظر جواب السؤال رقم (128791) .
وعليه: فما يفعله أولئك المشار إليهم في السؤال لا حرج فيه.
ثم على فرض أنهم ضيوف يجب إكرامهم فقد رضوا هم بإسقاط حقهم، وأنهم يأتون بالطعام معهم، ولا حرج في ذلك.
ولهذا، لا نرى أن فعلهم هذا يخالف الشرع، أو يناقض المروءة، بل يدل على ترابطهم، وقوة صلتهم، بعضهم ببعض.
ونحن نشكر لك غيرتك على السنَّة، ونسأل الله أن يفقهنا وإياك في دينه، وأن يثبتنا على الحق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1524)
من هو الضيف الذي يجب إكرامه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الضيف الذي يجب إكرامه؟ هل إذا زارني أحد أصحابي أو جيراني يكون ضيفا؟ ويكون له حق الضيف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المضيف أن يكرم ضيفه، ويقوم بحقه، ويدل على ذلك:
ما جاء في الحديث عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزاعِي رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ) قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ) رواه البخاري (5673) ومسلم (48) .
وفي لفظ لمسلم (48) : (الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) .
قال الخطابي رحمه الله:
قوله: (جائزته يوم وليلة) سئل مالك بن أنس عنه فقال: يُكرمه، ويتحفه، ويخصه، ويحفظه، يوماً وليلة، وثلاثة أيام ضيافة.
قلت: يريد أنه يتكلف له في اليوم الأول بما اتسع له من بِر، وألطاف، ويقدِّم له في اليوم الثاني والثالث ما كان بحضرته، ولا يزيد على عادته، وما كان بعد الثلاث: فهو صدقة، ومعروف، إن شاء فعل، وإن شاء ترك.
"معالم السنن" (4/238) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
إن للضيف حقّاً على مَن نزل به، وهو ثلاث مراتب: حق واجب، وتمام مستحب، وصدقة من الصدقات، فالحق الواجب: يوم وليلة , وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المراتب الثلاثة في الحديث المتفق على صحته من حديث أبي شريح الخزاعي – وساق الحديث السابق -.
"زاد المعاد" (3/658) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"والواجب يوم ليلة، والكمال ثلاثة أيام؛ لما روى أبو شريح الخزاعي - وساق الحديث -" انتهى.
"المغني" (11/91) .
والضيف الذي يجب إكرامه، وله حق على المضيف، هو الضيف المسافر، وهو القادم من بلد آخر.
فيجب على من ينزل عليه أن يطعمه ويكرمه، فإن لم يفعل فلهه حق في ماله، وهذا لا ينطبق على الزائر من البلد نفسه، وليس قادماً من السفر، فهذا يمكن أن تقول له: "ارجع"، كما قال تعالى: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) النور/28.
ومما يدل على ما قلناه: ما يوجد في بعض الأحاديث من التصريح بذلك، وأن الحق للضيف إنما هو للمسافر، وليس للمقيم، ومنه:
عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قال: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَمُرُّ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَنَا [أي لا يقدموا لنا حق الضيف] ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (إِنْ أَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ) رواه البخاري (2329) ومسلم (1727) .
وقد اختلف العلماء في حكم الضيافة، وعلى من تجب، ففي "الموسوعة الفقهية" (28/316، 317) :
"وقد ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن الضيافة سنَّة، ومدتها ثلاثة أيام، وهو رواية عن أحمد.
والرواية الأخرى عن أحمد - وهي المذهب - أنها واجبة، ومدتها يوم ليلة، والكمال ثلاثة أيام. وبهذا يقول الليث بن سعد.
ويرى المالكية وجوب الضيافة في حالة المجتاز الذي ليس عنده ما يبلغه ويخاف الهلاك.
والضيافة على أهل القرى والحضر، إلا ما جاء عن الإمام مالك، والمام أحمد - في رواية - أنه ليس على أهل الحضر ضيافة، وقال سحنون: الضيافة على أهل القرى، وأما أهل الحضر فإن المسافر إذا قدم الحضر وجد نزلاً - وهو الفندق - فيتأكد الندب إليها ولا يتعين على أهل الحضر تعينها. انتهى
والراجح – والله أعلم – أن ضيافة المسافر المجتاز – لا المقيم - واجبة، وأن وجوبها على أهل القرى، والأمصار، دون تفريق.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرح قول الحجاوي رحمه الله: "وَتَجِبُ ضِيَافَةُ المُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ فِي الْقُرَى يَوْماً وَلَيْلَةً".
قال: قوله: " وتجب ضيافة المسلم ": " تجب " هذا بيان حكم الضيافة، والضيافة أن يَتلقَّى الإنسان مَن قدم إليه، فيكرمه، وينزله بيته، ويقدم له الأكل، وهي من محاسن الدين الإسلامي، وقد سبقنا إليها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) الذاريات/ 24، أي: الذين أكرمهم إبراهيم، ولا يمتنع أن يقال: والذين أكرمهم الله عزّ وجل بكونهم ملائكة.
فحكم الضيافة واجب، وإكرام الضيف - أيضاً – واجب، وهو أمر زائد على مطلق الضيافة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) ، أي: من كان يؤمن إيماناً كاملاً: فليكرم ضيفه.
... .
قوله: " المجتاز به " يعني: الذي مرَّ بك وهو مسافر، وأما المقيم: فإنه ليس له حق ضيافة، ولو كان المقيم له حق الضيافة: لكان ما أكثر المقيمين الذين يقرعون الأبواب! فلا بد أن يكون مجتازاً، أي: مسافراً ومارّاً، حتى لو كان مسافراً مقيماً يومين، أو ثلاثة، أو أكثر: فلا حق له في ذلك، بل لا بد أن يكون مجتازاً.
قوله: " في القرى " دون الأمصار، والقرى: البلاد الصغيرة، والأمصار: البلاد الكبيرة، قالوا: لأن القرى هي مظنة الحاجة، والأمصار بلاد كبيرة فيها مطاعم، وفنادق، وأشياء يستغني بها الإنسان عن الضيافة، وهذا - أيضاً - خلاف القول الصحيح؛ لأن الحديث عامّ، وكم من إنسان يأتي إلى الأمصار وفيها الفنادق، وفيها المطاعم، وفيها كل شيء، لكن يكرهها ويربأ بنفسه أن يذهب إليها، فينزل ضيفاً على صديق، أو على إنسان معروف، فلو نزل بك ضيف - ولو في الأمصار -: فالصحيح: الوجوب.
"الشرح الممتع على زاد المستقنع" (15/48 – 51) باختصار.
وأما الزائر من البلد نفسه فلا شك أن إطعامه وإكرامه يدخل في عموم الأمر بإطعام الطعام والإحسان إلى الناس، ولكنه ليس هو الضيف الذي أوجب النبي صلى الله عليه وسلم إكرامه، وجعل له حقاً في مال المضيف.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1525)
من دخل على قوم هل يسلم على الكبير أم على الصغير
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخلت على قوم وأردت السلام فهل أبدا بالكبير أم بالصغير؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة تخفى على بعض الناس، فإذا لاقيت أحداً أو دخلت على أحد وتريد السلام (بالمصافحة) أو تقديم الشاي أو القهوة فإنك تبدأ بالأكبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بيده السواك وكان أمامه رجلان فأراد أن يناوله الأصغر فقيل له: كبِّر كبِّر.
بخلاف ما إذا كان عن يمينه صغير وعن يساره كبير وهو جالس بينهما فإنه يبدأ بالأيمن ولو كان صغيراً.
وعلى هذا فلو دخل المجلس فإنه يبدأ بالكبير ثم إذا أعطاه بدأ بمن عن يمينه هو (أي الداخل) وليس عن يمين الكبير.
[الْمَصْدَرُ]
أنظر اللقاء الشهري 13(7/1526)
حكم قيام الطلبة للمدرس
[السُّؤَالُ]
ـ[جرت العادة أن المدرس إذا دخل على الطلبة الفصل يقوم له الطلبة على وجه التحية. ويأمرهم المدرس بذلك، وبعض المدرسين يعاقب الطالب الذي لا يقوم له، ويعتبر ذلك نوعاً من سوء الأدب. فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق بيان حكم القيام للداخل في السؤال رقم (34497) . وهذا الحكم يشمل قيام الطالب للمدرس.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"بلغني أن كثيراً من المدرسين يأمرون الطلبة بالقيام لهم إذا دخلوا عليهم الفصل ولا شك أن هذا مخالف للسنة الصحيحة.
فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن معاوية رضي الله عنه بإسناد صحيح. وروى الإمام أحمد والترمذي بإسناد صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: (لم يكن شخص أحب إليهم ـ يعني الصحابة رضوان الله عليهم ـ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا لا يقومون له إذا دخل عليهم لما يعلمون من كراهيته لذلك) .
فالسنة، عدم القيام للمدرسين إذا دخلوا على الطلبة في الفصول عملاً بهذين الحدثين الشريفين. وما جاء في معناهما.
ولا يجوز للمدرس أن يأمرهم بالقيام لما في حديث معاوية من الوعيد في ذلك، ويكره للطلبة أن يقوموا عملاً بحديث أنس المذكور، ولا يخفى أن الخير كله في اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به وأصحابه رضي الله عنهم، جعلنا الله وإياكم من أتباعهم بإحسان، ووفقنا للفقه في دينه، والثبات عليه" اهـ.
"مجلة البحوث الإسلامية" (26/347) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1527)
حكم القيام للداخل وتقبيله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القيام للداخل وتقبيله ?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
بالنسبة للوقوف للداخل فقد أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية إجابة مفصلة مبنية على الأدلة الشرعية رأينا ذكرها لوفائها بالمقصود، قال رحمه الله تعالى: (لم تكن عادة السلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه عليه السلام، كما يفعله كثير من الناس، بل قال أنس بن مالك: (لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك) . رواه الترمذي (2754) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبه تلقيا له، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام لعكرمة. وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ: "قوموا إلى سيدكم" رواه البخاري (3043) ومسلم (1768) . وكان قد قدم ليحكم في بني قريظة؛ لأنهم نزلوا على حكمه.
والذي ينبغي للناس أن يعتادوا اتباع السلف على ما كانوا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم خير القرون، وخير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يعدل أحد عن هدي خير الورى وهدي خير القرون إلى ما هو دونه. وينبغي للمطاع أن لا يقر ذلك مع أصحابه بحيث إذا رأوه لم يقوموا له إلا في اللقاء المعتاد.
وأما القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقيا له فحسن، وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام، ولو ترك لاعتقد أن ذلك لترك حقه أو قصد خفضه ولم يعلم العادة الموافقة للسنة فالأصلح أن يقام له؛ لأن ذلك أصلح لذات البين وإزالة التباغض والشحناء، وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة فليس في ترك ذلك إيذاء له، وليس هذا القيام المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار) . رواه الترمذي (2755) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعد، ليس هو أن يقوموا له لمجيئه إذا جاء، ولهذا فرقوا بين أن يقال قمت إليه وقمت له، والقائم للقادم ساواه في القيام بخلاف القائم للقاعد.
وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم قاعدا من مرضه وصلوا قياما أمرهم بالقعود، وقال: (لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضها بعضا) وقد نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد لئلا يتشبه بالأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود وجماع ذلك كله الذي يصلح، اتباع عادات السلف وأخلاقهم والاجتهاد عليه بحسب الإمكان.
فمن لم يعتقد ذلك ولم يعرف أنه العادة وكان في ترك معاملته بما اعتاد من الناس من الاحترام مفسدة راجحة فإنه يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، كما يجب فعل أعظم الصلاحين بتفويت أدناهما) . انتهى كلام شيخ الإسلام.
ومما يزيد ما ذكره إيضاحا ما ثبت في الصحيحين في قصة كعب بن مالك لما تاب الله عليه وعلى صاحبيه رضي الله عنهم جميعا، وفيه أن كعبا لما دخل المسجد قام إليه طلحة بن عبيد الله يهرول فسلم عليه وهنأه بالتوبة، ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على جواز القيام لمقابلة الداخل ومصافحته والسلام عليه. ومن ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل على ابنته فاطمة قامت إليه وأخذت بيده وأجلسته مكانها، وإذا دخلت عليه قام إليها وأخذ بيدها وأجلسها مكانه " حسنه الترمذي.
ثانيا:
وأما التقبيل فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على مشروعيته، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فأتاه فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه، والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده فاعتنقه وقبله. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
ومعنى عريانا: أي ليس عليه سوى الإزار، فهذا الحديث يدل على مشروعية فعل ذلك مع القادم. والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي (2732) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قَبَّلَ النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي"، فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لا يَرحم لا يُرحم) متفق عليه.
فهذا الحديث يدل على مشروعية التقبيل إذا كان من باب الشفقة والرحمة. وأما التقبيل عند اللقاء العادي فقد جاء ما يدل على عدم مشروعيته، بل يكتفي بالمصافحة، فعن قتادة رضي الله عنه قال: قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. رواه البخاري.
وعن أنس رضي الله عنه لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد جاء أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة) . رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وعن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا) . رواه أبو داود، ورواه أحمد، والترمذي وصححه. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (5212) .
وعن أنس رضي الل عنه قال: قال رجل: "يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه وصديقه أينحني له؟ قال: لا، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا، قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، كذا قال، وإسناده ضعيف لأن فيه حنظلة السدوسي وهو ضعيف عند أهل العلم، لكن لعل الترمذي حسنه لوجود ما يشهد له في الأحاديث الأخرى. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2728) .
وروى أحمد، والنسائي، والترمذي وغيرهم بأسانيد صحيحة، وصححه الترمذي عن صفوان بن عسال أن يهوديين سألا النبي صلى الله عليه وسلم عن تسع آيات بينات، فلما أجابهما عن سؤالهما قَبَّلا يديه ورجليه، وقالا: نشهد أنك نبي " الحديث.
وروى الطبراني بسند جيد عن أنس رضي الله عنه قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا " ذكره العلامة ابن مفلح في الآداب الشرعية وبالله التوفيق،
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة (1/144-147) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1528)
حكم القيام للقادم
[السُّؤَالُ]
ـ[دخل رجل وأنا في مجلس فقام له الحاضرون، ولكني لم أقم، فهل يلزمني القيام، وهل على القائمين إثم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يلزم القيام للقادم، وإنما هو من مكارم الأخلاق، من قام إليه ليصافحه ويأخذ بيده، ولا سيما صاحب البيت والأعيان، فهذا من مكارم الأخلاق، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة، وقامت له رضي الله عنها، وقام الصحابة رضي الله عنهم بأمره لسعد بن معاذ رضي الله عنه لما قدم ليحكم في بني قريظة، وقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه من بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء كعب بن مالك رضي الله عنه حين تاب الله عليه فصافحه وهنأه ثم جلس، وهذا من باب مكارم الأخلاق والأمر فيه واسع، وإنما المنكر أن يقوم واقفا للتعظيم، أما كونه يقوم ليقابل الضيف لإكرامه أو مصافحته أو تحيته فهذا أمر مشروع، وأما كونه يقف والناس جلوس للتعظيم، أو يقف عند الدخول من دون مقابلة أو مصافحة، فهذا ما لا ينبغي، وأشد من ذلك الوقوف تعظيما له وهو قاعد لا من أجل الحراسة بل من أجل التعظيم فقط.
والقيام ثلاثة أقسام كما قال العلماء:
القسم الأول: أن يقوم عليه وهو جالس للتعظيم، كما تعظم العجم ملوكها وعظماءها، كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يجوز، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلسوا لما صلى بهم قاعدا، أمرهم أن يجلسوا ويصلوا معه قعودا، ولما قاموا قال: كدتم أن تعظموني كما تعظم الأعاجم رؤساءها.
القسم الثاني: أن يقوم لغيره واقفا لدخوله أو خروجه من دون مقابلة ولا مصافحة، بل لمجرد التعظيم، فهذا أقل أحواله أنه مكروه، وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يقومون للنبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليهم، لما يعلمون من كراهيته لذلك عليه الصلاة والسلام.
القسم الثالث: أن يقوم مقابلا للقادم ليصافحه أو يأخذ بيده ليضعه في مكان أو ليجلسه في مكانه، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به، بل هو من السنة كما تقدم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/394.(7/1529)
حكم ركوب المعلمات مع سائق مسافة 80 كيلو مترا يوميا
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى الأخوات معلمة تذهب مع السائق لمسافة 80 كيلو متر من مقر سكنها، إلى القرية التي تعمل بها، مع مجموعة من المعلمات فهل هذا السفر محرم؟ وهي تحتاج الوظيفة ويصعب عليها تركها، فماذا تفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، ولا فرق في ذلك بين السفر الطويل والقصير، فكل ما سمي سفرا منعت منه المرأة إلا مع المحرم؛ للأدلة الصحيحة الدالة على ذلك، ومنها ما في الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) .
وينظر: سؤال رقم (110929) ورقم (101520) .
وأما السفر الذي يترتب عليه أحكام القصر والفطر فهذا مقدر بالمسافة عند الجمهور، وهي ما يقارب 80 كيلو مترا.
وبناء على ذلك فإنه لا يجوز لهذه المعلمة أن تسافر لهذا العمل دون محرم، وعليها أن تسعى لنقل عملها، أو تغيير محل إقامتها إن كانت محتاجة للعمل.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه: " طالبة في الكلية التي تبعد عن المنزل حوالي خمسة وعشرين كيلو أو ثلاثين كيلو، تقول ولا أجد أحدا من محارمي ليسافر معي، وأخشى أن أكون عاصية لله بسفري هذا، ولكنني أحرص على أن أتعلم وأحصل على شهادة جامعية تمكنني من نفع المسلمين وخدمتهم مثل أن أكون طبيبة أو معلمة فهل يجوز لي السفر خاصةً بأن وقت السفر يستغرق من ساعة ونصف إلى الساعتين، أم أني أكون عاصية في مثل هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إنها تكون عاصية إذا سافرت بلا محرم، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تسافر امرأةٌ إلا مع محرم) قال ذلك وهو يخطب الناس يعلمهم فقام رجلٌ وقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (انطلق فحج مع امرأتك) .
ومعلومٌ أن تعلم المرأة لما ينفعها في دينها ودنياها أمرٌ مطلوب، هذا إذا لم تكن الوسيلة إليه محرمة؛ فإن كانت الوسيلة إليه محرمة: حُرّم هذا الأمر، لا لذاته، بل لغيره. فإما أن يذهب بها زوجها، إن كانت متزوجة، وإما أن تتزوج شخصاً ويكون محرماً لها، وإما أن تكتفي بما تسمعه من المسجلات من هذه الدروس، وتطلب أن يكون اختبارها اختبار منازل أي بانتساب " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وينظر الأجوبة: (113653) ، (9644) ، (110929) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1530)
نهي من طال غيابه عن زوجته أن يأتيها فجأة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث: (لا يأتين أحدكم أهله بليل حتى لا يجد ما يكره، فإن وجد ما يكره فليشهدن أربع....) الحديث.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يأت هذا الحديث بهذا اللفظ – فيما نعلم – لكن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى من طال غيابه عن زوجته أن يأتيها فجأة، وجاء تعليل هذا الحكم بعلتين:
الأول:
كي تتجهز الزوجة بالتنظف والتجمل وتهيئة نفسها لاستقبال زوجها بعد غيابه الطويل.
فعن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزَاةٍ، فلما قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فقال: (أَمْهِلُوا حتى نَدْخُلَ لَيْلًا - أَيْ عِشَاءً - كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ) رواه البخاري (5079) ، ومسلم (715) .
قال النووي في "شرح مسلم" (10/54) : "الاستحداد: استعمال الحديدة في شعر العانة، وهو إزالته بالموسى، والمغيبة هي التي غاب عنها زوجها " انتهى.
العلة الثانية:
حتى لا يهدم الرجل بيته باتهامه لزوجته.
فعن جَابِرٍ رضي الله عنهما قال: (نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أو يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ) رواه البخاري (5243) ومسلم (715) .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/123) :
"يقع الذي يهجم بعد طول الغيبة غالبا ما يكره، إما أن يجد أهله على غير أهبة من التنظف والتزين المطلوب من المرأة، فيكون ذلك سبب النفرة بينهما، وقد أشار إلى ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (كي تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة) .
وإما أن يجدها على حالة غير مرضية، والشرع محرض على الستر وقد أشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: (أن يتخونهم ويتطلب عثراتهم) ...
قال ابن أبي جمرة: فيه النهي عن طروق المسافر أهله على غرة من غير تقدم إعلام منه لهم بقدومه، والسبب في ذلك ما وقعت إليه الإشارة في الحديث قال: وقد خالف بعضهم فرأى عند أهله رجلا فعوقب بذلك على مخالفته.
قال الحافظ: وأشار بذلك إلى حديث أخرجه ابن خزيمة عن ابن عمر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطرق النساء ليلا، فطرق رجلان كلاهما وجد مع امرأته ما يكره) وأخرجه من حديث ابن عباس نحوه وقال فيه: (فكلاهما وجد مع امرأته رجلاً) " انتهى بتصرف واختصار.
وقد أنكر ابن العربي رحمه الله أن يكون سبب هذا النهي حتى لا يجد مع امرأته رجلاً، وضَعَّف ما روي في ذلك، فقال رحمه الله:
"وقد سمعت عن بعض أهل الجهالة – غفرها الله لك وسترها عليك - أن معنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم لهم لئلا يفتضح النساء، كما جرى لمن خالف النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي روي لم يصح بحال، ولو صح لما كان دليلا على أن النبي صلى الله عليه وسلم قصده.
فلا يصح لأحد له معرفة بمقاصد الشريعة ومقدار النبي صلى الله عليه وسلم أن يصححه ولا يجيزه" انتهى.
"عارضة الأحوذي" (5/365) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1531)
هل يُجلس مكانه كبيراً للسن ويتعرض لملامسة النساء إذا وقف في الحافلة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء ركوب الأتوبيس، ويكون في معظم الأحيان مزدحماً ازدحاماً شديداً، هل الأفضل أن أبقى جالساً ـ إذا تمكنت من الجلوس ـ عندما أجد عجوزاً يريد الجلوس، أم أقوم ليجلس هو (أو هي) مع ما يتسبب به القيام من ملامسة النساء والاحتكاك بهن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان الواقع كما ذكرت من أن قيامك ينشأ عنه مزاحمة النساء أو ملامستهن له – فاستمر جالساً في مكانك؛ محافظة على نفسك من أسباب الفتنة والوقوع في الشر.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/341) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1532)
لا يذهب بوالدته إلى المسجد الحرام خوفا عليها ولكنها تذهب مع السائق
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص والدته محبة للخير، ولذا تشق على نفسها بكثرة الطاعات من صيام وقيام مما يسبب لها التعب والمرض، وقد نصحها الأطباء فلم تستجب؟ ولذا فإنه لا يوصلها إلى المسجد الحرام إذا طلبت كنوع من الاحتجاج على فعلها، ومع ذلك فهي تلجأ إلى السائق ليقوم بتوصيلها. فما رأيكم في تصرفها وفي تصرفه معها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس من المشروع، بل ولا من المطلوب من المرء أن يتعبد لله تعالى بعبادات تشق عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه يقوم الليل ولا ينام، ويصوم النهار ولا يفطر، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) رواه مسلم (1159) . فالإنسان نفسه عنده أمانة، يجب عليه أن يرعاها حق رعايتها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) . وإذا كان الإنسان في الشيء الواجب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1117) . ولما رفع الصحابة رضي الله عنهم أصواتهم بالذكر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) رواه البخاري (2992) أي: لا تكلفوها، امشوا بطمأنينة، كما يمشي الناس في الربيع، والناس في الربيع يمشون بطمأنينة لا يستعجلون في المشي حتى ترتع الإبل، ولا تتكلف المشي.
فنقول لهذه المرأة – نسأل الله تعالى أن يزيدها من فضله رغبة في طاعته – نقول لها: ينبغي لها أن تتمشى في طاعة الله على ما جاء في شريعة الله عز وجل، وألا تكلف نفسها، وأن تتقي الله في نفسها، وأن لا تشق على نفسها لا بالصيام ولا بالقيام ولا بغيره.
وأما ركوبها مع السائق وحدها فهذا محرم، لأنه لا يجوز للمرأة أن تخلو برجل غير محرم لها في السيارة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) رواه البخاري (5233) وهذا النهي عام، أما السفر فلا تسافر المرأة بلا محرم، ولو كان معها غيرها. فهنا أمران: خلوة وهي حرام في الحضر والسفر، وسفر وهو حرام إلا بمحرم.
فهذه المرأة تقع فيما حرم الله عز وجل لإدراك أمر ليس بواجب عليها.
أما بالنسبة لامتناع الابن عن إيصالها إلى المسجد الحرام فإن هذا إذا كان قصده لعلها تمتنع فهذا طيب، لكن المشكلة أنها مصرة على الذهاب، فأرى أن لا يمتنع ما دامت إذا لم يذهب بها طلبت من السائق أن يذهب معها، وهو غير محرم، فالذي أرى، ألا يمتنع إذا كانت مصممة على الذهاب" انتهى باختصار.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (127- 130) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1533)
حكم سفر الإنسان بمفرده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سفر الإنسان بمفرده؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك في أحاديث، منها:
1- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ) رواه البخاري (2998)
وقد أخرج الإمام أحمد في "المسند" (2/91) هذا الحديث بزيادة فيها:
(أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوَحْدَةِ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ)
إلا أن هذه الرواية تعتبر شاذة، وترجح عليها رواية البخاري لسببين اثنين:
أ - أن رواية البخاري رواها تسعة من أصحاب عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر. كلهم يقتصر على ذكر السفر دون المبيت، وانفرد واحد من تلاميذ عاصم بن محمد وهو عبد الواحد بن واصل بذكر النهي عن المبيت وحده. وهو وإن كان ثقة، إلا أن رواية الثقات أرجح من روايته.
ب - ويدل عليه أن رواية أحمد مروية بالمعنى، إذ لم يذكر الراوي لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف رواية الأكثرين.
ولذلك حكم محققو مسند أحمد (9/467) ومثلهم الشيخ مقبل الوادعي في "أحاديث معلة" (249) بشذوذ رواية عبد الواحد. بخلاف الشيخ الألباني حيث حكم بصحتها، كما في "السلسلة الصحيحة" (60)
وقد ورد النهي عن مبيت الرجل وحده مرسلا عن عطاء، كذا رواه أبو داود في "كتاب المراسيل" (380) وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/726)
وروى الطبراني في "الأوسط" (2079) من طريق محمد بن القاسم الأسدي عن زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل أبدا، ولا نام رجل في بيت وحده)
إلا أنها رواية مردودة بسبب محمد بن القاسم الأسدي، لأنه متهم بالكذب.
كما جاء النهي عن المبيت وحيدا في بعض الآثار الصحيحة: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " لا يسافرن رجل وحده، ولا ينامن في بيت وحده " انتهى.
صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/130)
وسئل الإمام أحمد عن الرجل يبيت وحده؟ قال: أحب إليَّ أن يتوقى ذلك. نقلا عن "الآداب الشرعية" (1/428)
2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ) رواه الترمذي (1674) وقال حديث حسن. وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (6/53) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (62)
وهذه الأحاديث تدل على كراهة الوحدة فيما يخشى المرء فيه على نفسه، من ضعف وهلكة ومشقة، أو ما يخشاه من إغواء الشيطان وإضلاله، فإن الفائدة من وجود الرفقة والصحبة الصالحة لا تقتصر على الإعانة والمساعدة، بل الأهم أنها تثبت على الخير والتقوى، فإن الشيطان من الإثنين أبعد.
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/53) :
" وترجم له ابن خزيمة: " النهي عن سفر الاثنين وأن ما دون الثلاثة عصاة "؛ لأن معنى قوله (شيطان) أي: عاص. وقال الطبري: " هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة، وليس بحرام، فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش، لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف.
والحق أن الناس يتباينون في ذلك، فيحتمل أن يكون الزجر عن ذلك وَقَعَ لحسم المادة، فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك، وقيل في تفسير قوله: (الراكب شيطان) أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان، أو أشبه الشيطان في فعله، وقيل إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه، وكذلك الاثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد من يعينه، بخلاف الثلاثة، ففي الغالب تؤمن تلك الخشية " انتهى.
والظاهر من الحديث أن النهي وارد على من يسافر في الطرق الخالية الموحشة، أما الطرق الآهلة، والتي يأمن فيها المرء ألا تنقطع به السبيل، ولا يعدم معينا ولا أنيسا، فلا يرد الكراهة ولا النهي عنه، ومثله السفر في أيامنا هذه في الطائرات أو السفن أو الحافلات، لأن من فيها كلها يعتبرون رفقة، فلم يتحقق وصف الوحدة المنهي عنه.
يقول الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (متفرقات/الآداب) :
" وهذا يدل على الحذر من سفر الإنسان وحده، ولكن هذا في الأسفار الذي لا يكون طريقها مسلوكاً بكثرة، وأما الأسفار الذي يكون طريقها مسلوكاً بكثرة وكأنك في وسط البلد، مثل طريق القصيم الرياض، أو الرياض الدمام وما أشبه ذلك من الطرق التي يكثر فيها السالكون، ومثل طريق الحجاز في أيام المواسم، فإن هذا لا يعد انفراداً في الحقيقة؛ لأن الناس يمرون به كثيراً، فهو منفرد في سيارته وليس منفرداً في السفر، بل الناس حوله ووراءه وأمامه في كل لحظة " انتهى.
ويقول الشيخ الألباني في تعليقه على هذا الحديث "الصحيحة" (62) :
" ولعل الحديث أراد السفر في الصحارى والفلوات التي قلما يرى المسافر فيها أحدا من الناس، فلا يدخل فيها السفر اليوم في الطرق المعبدة الكثيرة المواصلات. والله أعلم " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1534)
اشتراط المحرم في سفر المرأة ولو كان السفر قصيرا
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نسكن بمنطقة ريفية وفي بعض الأحيان أود زيارة بيت عمي والذي يقع في مدينة تبعد عنا 50كم ويلزمني ذلك استعمال وسائل نقل عمومية مختلطة وأذهب دائما دون محرم لأن أبي يرى أن مصاريف المواصلات مكلفة فإما أن أذهب وحدي أو لا أذهب، وأنا ليس لدي أي مكان آخر أذهب إليه، علما وأني أذهب كل 5 أو 8 أشهر مرة فهل يجوز لي الذهاب من دون محرم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت السنة الصحيحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، وهذا يشمل السفر الطويل والقصير عند جمهور أهل العلم، فكل ما سمي سفرا مُنعت منه المرأة إلا مع محرم.
روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ.فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) .
قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" مبينا أن السفر هنا لا يتقيد بمسافة معينة: "فالحاصل أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو بريدا أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس في صحيح مسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا والله أعلم " انتهى بتصرف.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/339) : " يحرم على المرأة السفر بدون محرم مطلقا، سواء قصرت المسافة أم طالت " انتهى.
وعلى هذا، فإذا كانت هذه المسافة يعتبرها الناس في بلدكم سفراً، فلا يجوز لك السفر من غير محرم، وأنت مأجورة على نيتك إن شاء الله، ولتكن صلتك بعمك بالاتصال الهاتفي، فذلك يكفيك إن شاء الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1535)
حكم الاحتفال بالحاج بعد عودته وتزيين البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاحتفال بالحاج بعد عودته وتزيين البيت له والقول له " حجاً مبروراً " وعمل حفلة خاصة بالحدث؟ هل يعد ذلك من البدع المحدثة مع الدليل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم يرد في تزيين البيت بالأشجار والأضواء لقدوم الحاج شيء في السنَّة النبوية، ولا مِن فعل الصحابة رضي الله عنهم، وقد أفتى بعض المعاصرين من أهل العلم بعدم جواز هذا الفعل، وذكروا للمنع أسباباً، منها:
1. أن هذا الفعل لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهو بدعة.
2. أن فيه شبهة الرياء.
3. أن فيه إسرافاً للمال.
والذي يظهر لنا بالتأمل: أن هذا الفعل جائز، وأن ما ذكره أولئك العلماء الأفاضل لا يقوى لتحريم تزيين البيت لقدوم الحاج، ويمكن الرد على ما قالوه بأمور:
الأول: أن هذا الفعل من العادات، وليس من العبادات، وعليه: فلا وجه للمنع منه بحجة عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه له، إذ المعلوم أن الأصل في العادات: الحل، والإباحة، وعلى من منع منها الدليل.
الثاني: أن غالب ما يُفعل من الزينة إنما هو شيء يسير ليس فيه تكلفة باهظة، وما رأيناه من الناس أنهم يضعون بعض أجزاء من الأشجار الخضراء، ونصب خشبي غالباً ما يكون عندهم أصلاً، ولم نرَ محلاتٍ تتخصص في بيع هذه الأشياء، فدلَّ ذلك أنها ليست ذات تكلفة حتى يُمنع الناس منها، نعم يمكن أن يقال هذا في بعض أهل النعمة والمال، لكن حتى هذا قد يرد عليه بأنهم يملكون المال الذي يجعل ما يفعلونه غير داخل في الإسراف.
الثالث:
أنه لا يلزم الرياء بمجرد هذه الأفعال: فإن الحج ليس من العبادات الخفية حتى يُخشى من مجرد إظهارها الرياء، بل يتطرق الرياء إلى إظهار التبذل ورثاثة الهيئة وترك الزينة، كما يتطرق إلى إظهار الزينة والفرح بقدوم الحاج، والمدار في ذلك على نية الفاعل وما قام بقلبه.
فالظاهر: أن هذا التزيين داخل في العادات، والأصل فيها الإباحة، وليس مع من حرَّمه شيء يقوى لمقابلة القول بالإباحة.
ثانياً:
وأما الاحتفاء والاحتفال بالقادم من الحج، وصنع الطعام له: فالظاهر – أيضاً – جوازه، بل لو صنع القادمُ من الحج نفسه طعاماً ودعا الناس إليه كان جائزاً: فكيف لا يقال بجواز صنع الناس له الطعام؟! .
وقد ثبت في السنَّة النبوية احتفاء الصحابة بقدوم المسافر، سواء كان سفر حج، أو عمرة، أو تجارة، أو غير ذلك.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ – أي: في فتحها - اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِداً بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ.
رواه البخاري (1704) في كتاب العمرة , وبوَّب عليه: باب استقبال الحاج القادمين، والثلاثة على الدابة.
وقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِابْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ. رواه البخاري (2916) .
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِنَا.
قَالَ: فَتُلُقِّيَ بِي وَبِالْحَسَنِ أَوْ بِالْحُسَيْنِ. قَالَ: فَحَمَلَ أَحَدَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْآخَرَ خَلْفَهُ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ. رواه مسلم (2428) .
قال النووي – رحمه الله -:
يستحب النقيعة، وهي طعام يُعمل لقدوم المسافر، ويطلق على ما يَعمله المسافر القادم، وعلى ما يعمله غيرُه له، ... ومما يستدل به لها: حديث جابر رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة من سفره نحر جزوراً أو بقرةً " رواه البخاري.
" المجموع " (4 / 400) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ظاهرة تنتشر في القرى خاصة بعد عودة الحجاج من مكة.
الشيخ:
السنة هذه؟ .
السائل:
كل سنة تقريباً، يعملون ولائم يسمونها " ذبيحة للحجاج " أو " فرحة بالحجاج " أو " سلامة الحجاج "، وقد تكون هذه اللحوم من لحوم الأضاحي، أو لحوم ذبائح جديدة، ويصاحبها نوع من التبذير، فما رأي فضيلتكم من الناحية الشرعية، ومن الناحية الاجتماعية؟ .
الشيخ:
هذا لا بأس به، لا بأس بإكرام الحجاج عند قدومهم؛ لأن هذا يدل على الاحتفاء بهم، ويشجعهم أيضاً على الحج، لكن التبذير الذي أشرت إليه والإسراف هو الذي ينهى عنه؛ لأن الإسراف منهي عنه، سواء بهذه المناسبة، أو غيرها، قال الله تبارك وتعالى: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141، وقال تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) الإسراء/27، لكن إذا كانت وليمة مناسبة، على قدر الحاضرين، أو تزيد قليلاً: فهذا لا بأس به من الناحية الشرعية، ومن الناحية الاجتماعية، وهذا لعله يكون في القرى، أما في المدن فهو مفقود، ونرى كثيراً من الناس يأتون من الحج ولا يقام لهم ولائم، لكن في القرى الصغيرة هذه قد توجد، ولا بأس به، وأهل القرى عندهم كرم، ولا يحب أحدهم أن يُقَصِّر على الآخر.
" لقاءات الباب المفتوح " (154 / السؤال رقم 12) .
ثالثاً:
ولا حرج على المهنئين بسلامة الحاج أن يقولوا من العبارات ما يشاءون، على أن تكون مباحة في الشرع، ودالة على المقصود منها، نحو " تقبل الله طاعتكم " أو " تقبل الله حجكم " أو " حجّاً مبروراً وسعياً مشكوراً "، وقد جاءت أحاديث وآثار ضعيفة فيما يقال للحاج بعد رجوعه، ولا نُثبتها من حيث السند، لكن لا بأس من استعمال ما فيها من أدعية، ومِن ذلك: " قَبِل الله حجَّك، وغفر ذنبَك، وأخلف نفقتَك "، و " تقبل الله نسكك، وأعظم أجرك، وأخلف نفقتك "، والأمر في ذلك واسع – ولله الحمد -.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1536)
السفر إلى البلاد التي تنتشر فيه المنكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السفر إلى البلاد العربية الإسلامية، والتي تنتشر فيها المنكرات والمحرمات حيث إن كثيراً من المتزوجين حديثاً يسافرون إليها لقضاء نزهة أو ما يسمى (شهر العسل) وما الذي يجب على من سافر إليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في جواب السؤال (67587) بيان أن ما يسميه الناس "شهر العسل": من العادات المنكرة التي انتشرت في أوساط المسلمين، ويترتب عليه أضرار تعود على الزوجين معاً.
ثانياً:
وأما السفر إلى البلاد التي تنتشر فيها المنكرات والمحرمات فهو محرم ولا يجوز إلا للحاجة أو الضرورة، وليس السفر من أجل السياحة والترفيه من الضرورة التي تبيح فعل هذا المحرم.
والسفر إلى هذه البلاد التي تنتشر فيها المعاصي والمنكرات، سواء كانت دولاً إسلامية أو غير إسلامية فيه أخطار ومحظورات كثيرة، منها:
1- الجلوس في أماكن اللهو والمعصية كشرب الخمور ولعب القمار ودخول الملاهي والمراقص وعدم الإنكار على أهلها، وهذا فعل لمحرم وترك لواجب يأثم به المسلم.
2- نزع الحياء وخدشه بما يراه من مشاهد فاتنة ومناظر مخجلة وتصرفات بهيمية في تلك الدول.
وقد ذكر فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين مجموعة من هذه المفاسد والمخالفات الشرعية في جوابه لما سئل عن ظاهرة سفر العائلات لدول عربية أو غربية.
فأجاب:
" قد وردت أحاديث كثيرة في تحريم التصوير. . . وهي عامة في كل التصوير منقوشة أو منحوتة أو مرسومة أو مجسدة أو لا ظل لها، وورد الأمر بطمس الصور وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وحيث وُجدت ضرورة في هذه الأزمنة لضبط الحدود والحقوق فقد رخص المشايخ والعلماء في الأشياء الضرورية: كالحفائظ والجوازات، ونحوها لمن أراد السفر لعلاج، أو دراسة ضرورية أو نحوهما، فله أن يصوّر في الجواز لعدم التمكن إلا بذلك، فأما سفر السياحة والفرجة فليس من الضروري، فأرى أنه لا يباح لأجله التصوير، سيما السفر بالنساء والعوائل لأجل النزهة والتمشية فإنه يترتب عليه مفاسد كثيرة، أولها: التصوير للمحارم بحيث يكشف عليهن رجال في الحدود ومداخل الدول مع تحريم كشف المرأة وجهها أمام الرجال الأجانب.
وثانيها: أن هذه الأسفار لا فائدة فيها أصلاً، بل هي إضاعة للوقت الثمين وذهاب للعمر في غير فائدة، وادّعاء أن هذه من باب الاطلاع ومعرفة أحوال البلاد وما تحويه من المنافع ونحوها غير صحيح، فإن المسافرين لها لا يجعلون سفرهم للعبرة والموعظة والتذكر، وإنما يجعلونه لتسريح الأفكار وتقليب الأنظار.
وثالثها: ما في هذه الأسفار من إضاعة المال الذي ينفقه مثل هؤلاء وينتفع به قوم كُفّار هم أعداء للإسلام يقوون به على دعم الكفر والدعاية للأديان الباطلة وحرب الإسلام والمسلمين.
ورابعها: توسّعهم في المباحات التي تشغل عن الطاعات وربما تناول الكثير من المكروهات وقد تجرّهم إلى المحرمات فكثيراً ما نسمع أن أولئك المسافرين يقصدون الإباحية، فيقعون في الزنا وشرب الخمور وسماع الأغاني وحضور مواضع الرقص والطرب ويصرفون في ذلك أموالاً طائلة في مقابلة تناول المحرّمات أو المكروهات ونفع أهل الكفر وحرب المسلمين.
وخامسها: وقوع نساء المؤمنين في مخالفة الشرع حيث إن المرأة المسلمة تخلع جلباب الحياء وتكشف وجهها ورأسها وتبدي زينتها وتقلّد نساء الكفر بحجة أنها لا تقدر على التستر بين نساء متبرجات فتقع في المعصية، وتتشبه بالكافرات أو العاصيات ولا يقدر وليها على ردعها.
وسادسها: أن في السفر إلى تلك البلاد لغير ضرورة وسيلة إلى فعل المعاصي أو احتقار المسلمين وازدرائهم بحيث يسب التعاليم الإسلامية ويُعظم قدر الكفار في القلوب، فننصح المسلم أن يحفظ نفسه وعقله ونساءه وأمواله ودينه ودنياه وأن لا يسافر إلا لضرورة شديدة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على محمّد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
وقد سئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان مجموعة أسئلة عن سفر الشباب بعد الزواج أو في الإجازات بزوجاتهم، وموقف أولياء أمور الفتيات من سفرهن مع أزواجهن، وهذه بعض تلك الأسئلة وجوابه عليها:
السؤال الأول: إذا علم الأب أن ابنه سيسافر للخارج بعد زواجه فهل يجب عليه وجوباً أن يمنعه؟ وما الدليل على ذلك؟
الجواب: يجب على الأب أن يمنع ابنه من السفر إلى الخارج إذا كان سفره لمجرد النزهة إذا كان يقدر على منعه لما في السفر من الضرر على دينه وعلى نفسه. وإن كان لا يستطيع منعه، فعليه بمناصحته وعدم إمداده بالمال لأن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان.
السؤال الثاني: إذا علم والد الزوجة أن زوج ابنته سيسافر بها بعد الزواج مباشرة للخارج فهل يجب عليه أن يمنعها؟ وهل تجب عليها طاعة والدها بعدم السفر أم طاعة زوجها بالسفر للخارج للنزهة والترفيه؟!
الجواب: لأبي الزوجة أن يمنعها من السفر إلى الخارج مع زوجها إذا كان السفر لمجرد النزهة، وعلى الزوجة أن لا تطيع زوجها في ذلك السفر لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ثالثاً:
وما الواجب على من سافر إلى تلك البلاد، إذا كان سفره لضرورة تبيح ذلك كالعلاج ونحوه، فقد قال فضيلة الشيخ صالح الفوزان:
" ونصيحتي لمن يسافرون للخارج ممن يجوز لهم السفر شرعًا أن يتقوا الله ويحافظوا على دينهم ويظهروه ويعتزوا به ويدعوا إليه ويبلغوه للناس، وأن يكونوا قدوة صالحة يمثلون المسلمين تمثيلاً صحيحًا، وأن لا يبقوا في بلاد الكفار أكثر من الحاجة الضرورية " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1537)
زيارة المسجد النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أراد الحاج والمعتمر أن يزور المسجد النبوي فهل ينوي زيارة المسجد أم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وما هي آداب زيارة المسجد النبوي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله -:
" إذا أحب الحاج أن يزور المسجد النبوي قبل الحج أو بعده فلينو زيارة المسجد النبوي لا زيارة القبر؛ فإن شد الرحل على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور وإنما يكون للمساجد الثلاثة المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى كما في الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى " رواه البخاري (1189) ومسلم (1397)
فإذا وصل المسجد النبوي قدم رجله اليمنى لدخوله وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم , ثم يصلي ما شاء.
والأولى أن تكون صلاته في الروضة وهي ما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وحجرته التي فيها قبره لأن ما بينهما روضة من رياض الجنة , فإذا صلى وأراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فليقف أمامه بأدب ووقار وليقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد , اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أشهد أنك رسول الله حقا وأنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده , فجزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبيا عن أمته.
ثم يأخذ ذات اليمين قليلا فيسلم على أبي بكر الصديق ويترضى عنه. ..
ثم يأخذ ذات اليمين قليلا أيضا فيسلم على عمر بن الخطاب ويترضى عنه وإن دعا له ولأبي بكر رضي الله عنهما بدعاء مناسب فحسن.
ولا يجوز لأحد أن يتقرب إلى الله بمسح الحجرة النبوية أو الطواف بها، ولا يستقبلها حال الدعاء بل يستقبل القبلة لأن التقرب إلى الله لا يكون إلا بما شرعه الله ورسوله، والعبادات مبناها على الاتباع لا على الابتداع.
والمرأة لا تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ " رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (843) لكن تصلي وتسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهي في مكانها فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكان كانت ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: صلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم، وقال: إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام " رواه النسائي (1282) وصححه الألباني في صحيح النسائي (1215) .
(فائدة: زُوَّارات بمعنى زائرات، لأن زُوَّارات جمع زُوّار أي زائر. انظر زايارة القبور للنساء ص 17 للشيخ أبو بكر أبو زيد) .
وينبغي للرجل خاصة أن يزور البقيع وهو مقبرة المدينة فيقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم.
وإن أحب أن يأتي (جبل أُحد) ويتذكر ما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تلك الغزوة من جهاد وابتلاء وتمحيص وشهادة ثم يسلم على الشهداء هناك مثل حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس بذلك فإن هذا قد يكون من السير في الأرض المأمور به والله أعلم "
[الْمَصْدَرُ]
كتاب المنهج لمريد العمرة والحج.(7/1538)
حكم قتل الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قتل الخنزير في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم أكل الخنزير بإجماع العلماء، لقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ... ) المائدة/3.
وأما قتل الخنزير فقد ذهب الجمهور إلى جواز قتله، وذهب بعضهم إلى وجوبه، وذهب آخرون إلى استحبابه.
والحجة في ذلك أمران:
الأول: أنه أسوأ من الفواسق التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلها، فيقتل من باب أولى.
والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن عيسى عليه السلام إذا نزل آخر الزمان قتل الخنزير، وأن هذا من العدل الذي سيقيمه من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري (2222) ومسلم (155) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ، حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ) .
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيح في كتاب البيوع: "باب قتل الخنزير".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": " قَوْلُهُ: (بَابُ قَتْلِ الْخِنْزِيرِ) أَيْ هَلْ يُشْرَعُ كَمَا شُرِعَ تَحْرِيمُ أَكْلِهِ؟ وَوَجْهُ دُخُولِهِ فِي أَبْوَابِ الْبَيْعِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ مَا أُمِرَ بِقَتْلِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ , قَالَ اِبْنُ التِّينِ: شَذَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ: لَا يُقْتَلُ الْخِنْزِيرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَاوَةٌ. قَالَ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ قَتْلِهِ مُطْلَقًا " انتهى.
وبوب البخاري أيضا في كتاب المظالم والغصب: " باب كسر الصليب وقتل الخنزير ".
قال الحافظ ابن حجر في شرحه: " وَفِي إِيرَادِهِ هُنَا إِشَارَة إِلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ خِنْزِيرًا أَوْ كَسَرَ صَلِيبًا لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَأْمُورًا بِهِ , وَقَدْ أَخْبَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَيَفْعَلُهُ , وَهُوَ إِذَا نَزَلَ كَانَ مُقَرِّرًا لِشَرْع نَبِيّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلّ جَوَاز كَسْر الصَّلِيبِ إِذَا كَانَ مَعَ الْمُحَارِبِينَ , أَوْ الذِّمِّيِّ إِذَا جَاوَزَ بِهِ الْحَدَّ الَّذِي عُوهِدَ عَلَيْهِ , فَإِذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ وَكَسَرَهُ مُسْلِم كَانَ مُتَعَدِّيًا لِأَنَّهُمْ عَلَى تَقْرِيرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ , وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَعْمِيمِ عِيسَى كَسْر كُلِّ صَلِيبٍ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْجِزْيَةَ , وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ نَسْخًا لِشَرْع نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ النَّاسِخ هُوَ شَرْعُنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا لِإِخْبَارِهِ بِذَلِكَ وَتَقْرِيره " انتهى.
وقال ابن حزم رحمه الله: " وأما الخنازير فروينا من طريق البخاري [وذكر حديث نزول عيسى عليه السلام] فأخبر عليه السلام أن قتل الخنزير من العدل الثابت في ملته التي يحييها عيسى أخوه عليهما السلام " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِل فِيكُمْ عِيسَى بْن مَرْيَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِر الصَّلِيب , وَيَقْتُل الْخِنْزِير , وَيَضَع الْجِزْيَة , وَيَفِيض الْمَال حَتَّى لَا يَقْبَلهُ أَحَد) ... وَفِيهِ دَلِيل لِلْمُخْتَارِ مِنْ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّا إِذَا وَجَدْنَا الْخِنْزِير فِي دَار الْكُفْر أَوْ غَيْرهَا وَتَمَكَّنَّا مِنْ قَتْله قَتَلْنَاهُ , وَإِبْطَال لِقَوْلِ مَنْ شَذَّ مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ فَقَالَ: يُتْرَك إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَاوَة " انتهى.
وفي "فتاوى الرملي رحمه الله" (1/97) : "سئل: هل يندب قتل الخنزير أم لا؟
فأجاب بأنه يندب قتله".
وممن صرح بوجوب قتله ابن بطال، والخطابي رحمهما الله.
قال ابن بطال رحمه الله في شرح البخاري (6 / 344) : " أجمع العلماء على أن بيع الخنزير وشراءه حرام، وأجمعوا على قتل كل ما يُستضر به ويؤذي مما لا يبلغ أذى الخنزير، كالفواسق التى أمر النبي صلى الله عليه وسلم المُحْرِم بقتلها، فالخنزير أولى بذلك، لشدة أذاه، ألا ترى أن عيسى ابن مريم يقتله عند نزوله، فقتله واجب " انتهى.
ونقل الدميري في "حياة الحيوان" عن الخطابي قوله: " وفي قوله: " ويقتل الخنزير " دليل على وجوب قتل الخنازير، وبيان أن أعيانها نجسة، وذلك أن عيسى عليه السلام إنما ينزل في آخر الزمان وشريعة الإسلام باقية " انتهى.
ثالثا:
لا يباح قتل الخنزير في حالين:
الأولى: أن يكون لأهل الذمة ولم يظهروه، فإذا أظهروه جاز قتله.
وفي "الموسوعة الفقهية" (20 / 36) : " اتفق الفقهاء على أن أهل الذمة يقرون على ما عندهم من خنازير إلا أنهم يمنعون من إظهارها , ويمنعون من إطعامها مسلما , فإذا أظهروها أتلفت ولا ضمان. وقيد الشافعية عدم تمكينهم من إظهارها بأن يكونوا بين أظهر المسلمين , أما إذا انفردوا ببلد بأن لم يخالطهم مسلم لم يتعرض لهم " انتهى.
والثانية: أن يترتب على قتل الخنزير مفسدة أعظم من قتله، كأن تحدث فتنة أو ضرر عظيم على المسلمين بسبب قتله؛ والقاعدة: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1539)
هل له قتل الخيول بالسم لأنها تفسد زرعه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أقربائي يملك قطعة أرض مزروعة بالقمح، وبعض الخيول تأتي لتأكل من هذا القمح لكونه في أرض مفتوحة، ولا يعرف لمن تعود ملكية هذه الخيول، وهو منزعج كثيراً من هذا العمل؛ لأن محصوله كله يذهب طعاما للخيول. اقترح عليه بعض الناس أن يسمم الفرس الذي يأتي ويأكل من محصوله، لكونها الطريقة الوحيدة التي يمكنه حماية محصوله من خلالها، خاصة وأن جميع أصحاب الخيول أنكروا أنهم يطعمون خيولهم من محصوله. فهل يحل له أن يسمم الحصان لأنه يضر بمحصوله الزراعي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولا ً:
الواجب على أهل الزرع حفظُ زرعهم وصيانته من المواشي والحيوانات خلال النهار، فإن قصروا في حفظه تَحمَّلوا نتيجة تقصيرهم.
والواجب على أهل المواشي والخيول والجمال حفظها في الليل، فإن قصروا في ذلك لزمهم ضمان ما أتلفته حيواناتهم ليلاً.
ويدل لذلك ما جاء عن مُحَيِّصَةَ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ (بستان) فَأَفْسَدَتْهُ عَلَيْهِمْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ) رواه أبو داود (3569) وصححه الألباني.
قال ابن قدامة المقدسي: "لأن العادة من أهل المواشي إرسالها في النهار للرعي، وحفظها ليلاً، وعادة أهل الحوائط [البساتين] حفظها نهاراً دون الليل، فإذا ذهبت ليلاً كان التفريط من أهلها، لتركهم حفظها في وقت عادة الحفظ، وإن أتلفت نهاراً كان التفريط من أهل الزرع، فكان عليهم" انتهى من "المغني" (10/351) .
وقال ابن عبد البر: "وخبر البراء بن عازب هذا في طرح الضمان عن أهل المواشي فيما أتلفت ماشيتهم من زروع الناس نهاراً، إنما معناه عند أهل العلم: إذا أُطلقت للرعي ولم يكن معها صاحبها، وأما إذا كانت ترعى ومعها صاحبها فلم يمنعها من زرع غيره، وقد أمكنه ذلك حتى أتلفته، فعليه الضمان؛ لأنه لا مشقة عليه في منعها" انتهى من "التمهيد" (11/88) .
وواضح من سؤالك وجود تقصير من صاحب الأرض في حفظ زرعه بترك الأرض مفتوحة من غير حراسة ولا تحويط.
ثانياً:
ما دخل من هذه الحيوانات إلى أرضك، فلك منعها وإخراجها حتى لا تفسد زرعك، ويكون ذلك بأسهل ما يمكن، وليس لك الاعتداء عليها بالقتل؛ لوجود وسائل أخرى يمكن من خلالها تفادي إفسادها، كالزجر، والضرب، وتسوير الأرض.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عَنْ قَوْمٍ دَخَلَ فِي زَرْعِهِمْ جَامُوسَانِ، فَعَرْقَبُوهُمَا [أي قطعوا عروقهما] فَمَاتَا، وَقَدْ يُمْكِنُ دَفْعُهُمَا بِدُونِ ذَلِكَ، فَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ؟
فَأَجَابَ:
"لَيْسَ لَهُمْ دَفْعُ الْبَهَائِم الدَّاخِلَةِ إلَى زَرْعِهِمْ إلَّا بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، فَإِذَا أَمْكَنَ إخْرَاجُهُمَا بِدُونِ الْعَرْقَبَةِ فَعَرْقَبُوهُمَا، عُزِّرُوا عَلَى تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَعَلَى الْعُدْوَانِ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ بِمَا يَرْدَعُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَضَمِنُوا لِلْمَالِكِ بَدَلَهُمَا.
وَعَلَى أَهْلِ الزَّرْعِ حِفْظُ زَرْعِهِمْ بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظُ مَوَاشِيهِمْ بِاللَّيْلِ، كَمَا قَالَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/377) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: "هي كالصائل، يدفع بالأسهل فالأسهل" انتهى من "الفتاوى والرسائل" (8 / 108) .
فعلى هذا، على صاحب المزرعة أن يحفظ مزرعته بالنهار، ولا يحل له قتل الخيول التي تأكل منها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1540)
هل يجوز قتل القطط لدفع أذاها عن المطعم وزبائنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق يمتلك مطعم وقد تكاثرت عنده القطط بحيث صارت تلتهم الطعام وتهجم على الزبائن وحاول التخلص منها بمنوم وإبعادها ولكنها تعود والمطعم مهدد بالغلق بسبب تلك القطط فهل يجوز له في تلك الحالة التخلص منها بالسم أو ما أشبه وجزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان أذاها لا يندفع إلا بما ذكر من تسميمها جاز ذلك، فقد سئل عنه اللجنة الدائمة للإفتاء عن جواز قتل بالسم أو أي مبيدات أخرى، خاصة إذا كانت مؤذية أو تسبب نقل بعض الأمراض.
فأجابوا:
" لا حرج في قتل القطط إذا كانت مؤذية، أو بها أمراض ضارة، إذا لم يتيسر التخلص منها بغير القتل "
انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة (26 / 190) .
وسئلوا أيضاً عن حكم تسميم القطط الموجودة بكثرة في إحدى المستشفيات، لأنها تؤذي المرضى.
فأجابوا:
" إذا كان الواقع كما ذكر من خطر القطط، ولم يمكن حفظ المرضى من أذاها ولا اتقاء شرها والتخلص من خطرها إلا بالقضاء عليها، جاز قتلها بما هو أيسر وأهون في القضاء عليها، من سم أو رمي بالرصاص، أو نحو ذلك ".
فتاوى اللجنة الدائمة (26 / 190)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1541)
قتل الحشرات الموجودة في البيت بغير التحريق بالنار
[السُّؤَالُ]
ـ[الحشرات التي توجد في البيت مثل النمل والصراصير وما أشبه ذلك، هل يجوز قتلها بالماء أو بالحرق أو ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" هذه الحشرات إذا حصل منها الأذى جاز قتلها، لكن بغير التحريق، بل بأنواع المبيدات الأخرى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور) ، وفي لفظ: (والحية) .
فهذه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أذاها، وأنها فواسق يعني مؤذية، وأَذِنَ في قتلها، وهكذا ما أشبهها من الحشرات يقتلن في الحل والحرم إذا وجد منها الأذى، كالنمل والصراصير والبعوض ونحوها مما يؤذي " انتهى.
"مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (5/301) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (3005) ، ورقم (105190) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1542)
وضع طيرا على سطح منزله ليتشمس فمات
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا صوص صغير بالمنزل، وذات يوم أمرني والدي بأن أضعه فوق السطح لكي يتشمس، وبعد ساعة وجدناه قد مات، فما الحكم في ذلك؟ ، وهل يلحق والدي شيء؟ ، مع أن قصد والدي أن الشمس نافعة له، مع أن الوقت قريب من الظهر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاءت الشريعة بالأمر بالرفق بالحيوان، والنهي عن تعذيبه، وعن قتله بلا هدف.
روى البخاري (2466) ومسلم (2244) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَا خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ) .
وروى البخاري (3318) ومسلم (2242) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ) .
فهذه الأحاديث وغيرها تدل على تحريم تعذيب الحيوان، وتحريم إتلافه وترك تذكيته.
وحيث إن والدك أراد نفع الصوص، ولم يقصد قتله أو إيذاءه، فلا شيء عليه، لقول الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1543)
مرطبات الجسم المحتوية على دهون حيوانية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لنا استعمال مرطب للجسم ويحتوي على دهون حيوانية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استعمال مرطب الجسم إذا كان مشتملا على دهون حيوانية إن كانت هذه الحيوانات مأكولة اللحم، ومذكّاة
تذكية شرعية فلا بأس وإلا فلا يجوز.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(7/1544)
إجراء العمليات الجراحية للكلاب!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في السنة الأخيرة بكلية الطب البيطري، وكثيراً ما نعمل عمليات جراحية للكلاب والقطط، وأحياناً تكون هذه العمليات علاجاً لبعض الأورام الخبيثة، أو لأسباب أخرى، لكن الذي لفت انتباهي في هذه الأيام – وللأسف الشديد- أن بعض الناس يقلدون الغرب، فترى أحدهم يأتي بالكلب، ويريد أن تعمل عملية خصي أو استئصال رحم أو مبايض أو قطع ذيل..إلخ، وليس هناك داع لهذه العملية، ولكن فقط لرغبة صاحب القطة أو الكلب، وطبعاً كثير من هؤلاء الناس لا يستخدمون الكلاب للحراسة، وإنما يكون داخل البيت. والسؤال: ما حكم هذه العمليات التي ليس لها ضرورة سوى رغبة صاحب الحيوان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أولاً: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اتخذ كلباً إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية انتقص من أجره كل يوم قيراط) خرجه الشيخان في صحيحيهما، وقال عليه الصلاة والسلام: (من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً نقص من عمله كل يوم قيراط) متفق على صحته. وبهذه النصوص وغيرها يعلم أن ما وقع فيه بعض المسلمين من اقتناء الكلاب لغير مسوغ من المسوغات الثلاثة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يفعل ذلك تشبهاً بالكفار، أو لمجرد التسلية واللهو – أنه محرم، ولا يسوغ بحال.
ثانياً: يجب أن يكون التعامل مع الحيوانات المباحة في مداواتها وتغذيتها بقدر الحاجة، وأن لا تزيد النفقة عليها إلى حد الإسراف والتبذير، فذلك من عمل إخوان الشياطين، كما قال تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/27، وما ذكر في السؤال من كون بعض الناس يعمد إلى شيء من هذه الحيوانات فيجري لها عمليات لا تدعو الحاجة إليها، بل هي إلى اللهو والعبث أقرب – لا شك أنه محرم؛ لكونه تغييراً لخلق الله، أو تمثيلاً بالحيوان، وهذا من عمل الشيطان، كما قال الله تعالى عنه: (لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) النساء/118، 119، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما مُرَّ عليه بحمار قد وسم في وجهه: (لعن الله الذي وسمه) خرجه مسلم في صحيحه، إضافة إلى أن هذه العمليات تبذير وإسراف وإنفاق للمال في غير محله، واللائق بحال المسلم الاقتصاد في صرف الأموال واستعمال المباحات، وأن لا تكون الدنيا أكبر همه ومنتهى أمله، قال الله تعالى في صفات عباده الصالحين: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) الفرقان/67، هذا في الأمور الجازة، فكيف بغيرها؟! والإنسان مسئول يوم القيامة عن كل درهم حصله؛ من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟ .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/164) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1545)
دفن الحيوان بعد موته
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسألكم عن الهوام، مثل الحية، وغيرها من الهوام، إذا قدرني الله عليها وقتلتها، هل أقوم بدفنها، أو أتركها مكشوفة على الأرض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الأمر في ذلك واسع؛ لأنه لم يرد في الشرع نص يدل على مشروعية دفنها، ولا على النهي عن ذلك، والأولى دفنها لئلا يتأذى بها أحد.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/444) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1546)
قتل الحشرات بالصعق الكهربائي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قتل الذباب بالصعق الكهربائي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج من استعمال آلات الصعق الكهربائي المعروفة اليوم في قتل الحشرات والتخلص منها، وذلك لعدة أوجه:
1- المحذور هو القتل بالنار، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللَّهُ) رواه البخاري (3016) ، وَرَأَى النبي صلى الله عليه وسلم قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حرقها بعض الصحابة بالنار فقال: (إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ) رواه أبو داود (2675) وصححه النووي في "رياض الصالحين" (519) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (487) .
وأما الصعق الكهربائي فإنه يختلف عن النار؛ لأن القتل بالكهرباء عبارة عن تفريغ شحنات لتدمير الخلايا، وتكسير الدم بشكل سريع، وإذا زادت قوتها إلى حد كبير أحدثت حرارةً تَظهر على المقتول بتغير لونه وتفحمه، فيبدو كأنه أحرق بالنار، ولكن الواقع أنها الكهرباء وليست النار.
2- الحاجة الظاهرة لهذه الوسيلة النافعة في قتل الحشرات المؤذية.
وقد صدرت فتاوى من أهل العلم المعاصرين في جواز هذه الطريقة في قتل الحشرات:
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم قتل الحشرات بالصعق الكهربائي؟ علما بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بحسن القتلة وحسن الذبحة.
فأجابوا:
"إذا كانت هذه الحشرات مؤذية بالفعل، ولا سبيل للتخلص من أذاها إلا بقتلها بالصعق الكهربائي ونحوه، جاز قتلها بذلك، استثناء من الأمر بإحسان القتلة للضرورة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور) البخاري ومسلم.
ولأمره صلى الله عليه وسلم بغمس الذباب في الشراب، وقد يكون في ذلك قتل له " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (26/192) .
وقال الشيخ ابن عثيمين عن هذه الأجهزة في "فتاوى نور على الدرب" (الحيوانات/ص 2) :
" لا بأس بها لوجوه:
الوجه الأول: أن صعقها ليس فيه إحراق، ولكنه صعق يمتص الحياة، بدليل أنك لو وضعت ورقة على هذه الآلة لم تحترق.
ثانياً: أن الواضع لهذا الجهاز لم يقصد تعذيب البعوض والحشرات بالنار، وإنما قصد دفع أذاها، والحديث (نهى أن يعذب بالنار) ، وهذا ما عذب هذه إلا لدفع أذاها.
الثالث: أنه لا يمكن في الغالب القضاء على هذه الحشرات إلا بهذه الآلة، أو بالأدوية التي تفوح منها الرائحة الكريهة، وربما يتضرر الجسم منها، ولقد أحرق النبي صلى الله عليه وعلى وسلم نخل بني النضير، والنخل عادةً لا يخلو من طير أو حشرة أو ما أشبه ذلك " انتهى.
وفي "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم 59/ سؤال رقم 12) :
" نرى أنه لا بأس به، وأن هذا ليس من باب التعذيب بالنار؛ لأنه حسب ما نعرف عنه أن الحشرة تموت بالصعق الكهربائي، ويدل لهذا أنك لو أتيت بورقة وألصقتها بهذا الجهاز لم تحترق، مما يدل على أن ذلك ليس من باب الاحتراق، لكن من باب الصعق، كما أن البشر لو مس سلك الكهرباء مكشوفاً لهلك بدون احتراق " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1547)
حكم إخصاء الحيوانات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم خصاء الحيوانات كالأغنام والخرفان والأحصنة والبقر وغيرها في الإسلام بهدف التسمين أو أي أسباب أخري؟ وإذا كان يحرم ذلك هل هناك بعض الحالات التي يسمح بها الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خصاء الحيوانات كالأغنام والأبقار لا حرج فيه إذا كان لمصلحة، كالرغبة في سمنها وطيب لحمها، وقد ضحى النبي بالخصي من الغنم، كما روى أحمد وابن ماجه (3122) أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين عظيمين موجوءين. صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والوجاء هو الخصاء، كما قال الخطابي وغيره.
وللفقهاء خلاف في هذه المسألة حاصله ما جاء في "الموسوعة الفقهية" (19/112) : " قرر الحنفية أنه لا بأس بخصاء البهائم؛ لأن فيه منفعة للبهيمة والناس.
وعند المالكية: يجوز خصاء المأكول من غير كراهة؛ لما فيه من صلاح اللحم.
والشافعية فرقوا بين المأكول وغيره، فقالوا: يجوز خصاء ما يؤكل لحمه في الصغر، ويحرم في غيره. وشرطوا أن لا يحصل في الخصاء هلاك.
أما الحنابلة فيباح عندهم خصي الغنم لما فيه من إصلاح لحمها، وقيل: يكره كالخيل وغيرها" انتهى.
وقد ورد في النهي عن إخصاء البهائم والخيل خاصة حديث، لكنه ضعيف.
وذلك لما رواه أحمد (4769) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخصاء الخيل والبهائم. وقال ابن عمر: فيها نماء الخلق. قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: إسناده ضعيف وقد روي موقوفا ومرفوعا وموقوفه هو الصحيح.
وقد كره مالك وغيره خصاء الخيل، وقال: لا بأس بإخصائها إذا أكلت. "المنتقى" للباجي (7/268) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه: " وأما الخصاء فهو جائز إذا كان فيه مصلحة، ولكن يجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع تألم البهيمة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (37/15) .
والحاصل: أن خصاء البهائم مأكولة اللحم لا حرج فيه عند جمهور العلماء، ما دام ذلك لمصلحة، وروعي فيه عدم تعذيب الحيوان.
وراجع السؤال رقم (10502) لمزيد الفائدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1548)
قلع أظافر القط لئلا يؤذي وإخصاؤه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا هرّ في البيت ونحن نبقيه عندنا على أنه حيوان أليف نستمتع بوجوده. وسؤالنا يتعلق بالخصي/استأصال المبايض وقلع أظفار الحيوانات. هل يجوز لنا قلع أظفار يدي القط الأماميتين بشكل دائم من أجل حماية أفراد العائلة وحماية أثاث المنزل من خدش أظفاره؟ وهل يجوز إجراء عملية جراحية له تمنعه من التناسل (مع أنه يمكنه القيام بالأعمال الجنسية لكن لا يمكنه أن يتوالد) ؟ لقد أخبرنا البيطري أنه ما لم تجرى عليه عملية لخصيه , فإنه من المتوقع أن يقوم بتحديد منطقته عن طريق التبول على الأثاث وفي أماكن عديدة داخل البيت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بأس – إن شاء الله – من قلع أظفار القط، لكن بشرط أن يكون ذلك من غير أذى، والطرق الطبية في هذا الوقت كثيرة، وأذية البهائم محرمة.
ثانياً:
منع قطتك من التناسل منع لغريزة فطر الله خلقه عليها، ولا شك أن البهائم حكمها أهون من الإنسان، لكن لا يعني هذا التعدي على خلق الله تعالى.
وإذا تسببت هذه العملية بأذى، أو أحدثت مضاعفات مع القطة فإن هذا الفعل لا يجوز، وتحريم الأذى عام في البشر والبهائم، وهذه بعض الأحاديث الدالة على ذلك:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: عن النَّبيِّ قَالَ: " دَخَلَت امْرأةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرْضِ ".
" خشاش الأرض ": هوامُّها مِن فأرة ونحوها.
رواه البخاري (3140) ومسلم (2242) ، وعندهما عن أبي هريرة كذلك.
وعن جابر بن عبد الله: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ في وَجْهِهِ فقَالَ: " لَعَنَ الله الذي وَسَمَهُ ".
رواه مسلم (2217) .
وقد اختلف العلماء في خصاء غير الآدمي على أقوال:
فالحنفية قالوا: إنه لا بأس بخصاء البهائم؛ لأن فيه منفعة للبهيمة والناس.
والمالكية قالوا: يجوز خصاء المأكول من غير كراهة؛ لما فيه من صلاح اللحم.
والشافعية: فرقوا بين المأكول وغيره، فقالوا: يجوز خصاء ما يؤكل لحمه في الصغر، ويحرم في غيره، وشرطوا أن لا يحصل في الخصاء هلاك.
أما الحنابلة: فيباح عندهم خصي الغنم لما فيه من إصلاح لحمها، وقيل: يكره كالخيل وغيرها.
وقد قال الإمام أحمد: لا يعجبني للرجل أن يخصي شيئاً، وإنما كره ذلك للنهي الوارد عن إيلام الحيوان.
انظر: " المجموع " (6 / 155) ، " الآداب الشرعية " (3/ 144، 145) ، " الفتاوى الهندية " (5 / 358) وفيها التنصيص على خصاء القط بقولهم: (خصاء السنور إذا كان فيه نفع أو دفع ضرر لا بأس به، كذا في " الكبرى ") ، " الفواكه الدواني " (2 / 346) .
لذا نقول: إذا كان في خصاء القط منفعة، ولم يكن فيه هلاكٌ له: فيجوز.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
إذا كانت القطط كثيرة مؤذية، وكانت العمليَّة لا تؤذيها: فلا حرج؛ لأن هذا أولى من قتلها بعد خلقها.. وأما إذا كانت قططاً معتادة ولا تؤذي: فلعلَّ في بقائها تتنامى خيراً.
" فتاوى إسلامية " (4 / 448) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1549)
مصير الحيوانات يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماتت قطتي، البالغة من العمر 20 عاما، مؤخراً. وقامت قريباتي الصغيرات (بنات أخ/أخت) بالسؤال عن ما إذا كانت الحيوانات تدخل الجنة. ولم أتمكن من الجواب على ذلك لأني لا أعرف.
فهل تذهب الحيوانات للجنة/النار؟ وكيف لنا أن نكفّر عن معاملتنا (؟) إذا كنا قد عاملنا الحيوانات بقسوة (خصوصا بعد موتها) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السؤال من شقَّين:
الشِّق الأول:
هو مصير الحيوانات في الآخرة: يقول الله تعالى: (وإذا الوحوش حشرت) التكوير/5
وقال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) الأنعام/38، قال ابن عباس: يحشر كل شيء حتى الذباب.
والحيوانات يوم القيامة يقتص بعضها من بعض، فقد جاء من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ رواه مسلم (البر والصلة والآداب/4679) .
وجاء في الحديث: (يقضي الله بين خلقه الجن والإنس والبهائم، وإنه ليقيد يومئذ الجماء من القرناء، حتى إذا لم يبق تبعة عند واحدة لأخرى قال الله: كونوا ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: {يا ليتني كنت تراباً) قال الشيخ الألباني: صحيح. برقم (1966) انظر السلسلة الصحيحة ج/4 ص/966.
والواجب على المسلم الرفق بالحيوان وأن لا يعذبه، وقد ثبت أن امرأة عذِّبت بسبب هرَّة. فروى البخاري من حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ) (بدء الخلق/3071)
وغفر الله عز وجل لبَغِيٍّ لأنها أحسنت إلى كلب فقد روى البخاري أيضاً من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ) (أحاديث الأنبياء/3208)
ومن حصل منه إيذاء لحيوان فإن عليه بالتوبة إلى الله عز وجل من ذلك، لأنه رب الحيوانات وهو الذي كلفنا بالإحسان إليها (إلا ما كان ضاراً) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1550)
قتل الحيوانات الهَرِمَةْ والمريضة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز القتل الرحيم للحيوانات إن كانت عجوزة أو مريضة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين هذا السؤال فقال:
الحيوان إذا مرِضَ فإنْ كان مما لا يُؤكَل لحْمُه ولا يُرْجَى شِفَاؤُه فلا حرج عليك في أن تقتله، لأن في إبقائِه إلزاماً لك في أمر يكون فيه ضياع مالك، لأنه لا بد أن تنفق عليه، وهذا الإنفاق يكون فيه إضاعة للمال، وإبْقَاؤه إلى أن يَمُوتَ بدون أن تُطْعِمَهُ أو تَسْقِيَه محرّمٌ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " دخلَت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خَشَاشِ الأرض " أما إن كان الحيوان مما يُؤْكل، وبلغت الحال به إلى حد لا يُمْكن الانتفاع به ولا إعطاؤُه لمن ينتفع به فإن حكمه حكم الحيوان مُحرّمُ الأكْلِ، أيْ أنه يجوز له أن يتلفه، سواء بذبحه أو قتله بالرصاص، وافعل ما يكون أريح له لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته "
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين في فتاوى منار الإسلام 3/750.(7/1551)
هل تقتل الحشرات الضارة حرقا
[السُّؤَالُ]
ـ[الحشرات التي توجد في المنزل مثل النمل والصراصير وما أشبه ذلك هل يجوز قتلها بالحرق وإن لم يجز فماذا نفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الحشرات إذا حصل منها الأذى تقتل بالمبيدات الحشرية ولا تقتل بالنار، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْغُرَابُ وَالْحُدَيَّا وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) رواه مسلم 2071، وفي لفظ آخر والحية (سادسة) ، هذه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أذاها وأنها فواسق وقد خرجت عن طبيعة غيرها من عدم الأذى، ولهذا قال: يقتلن في الحل والحرم، وهكذا إذا وُجد الأذى من غيرها كالنمل أو الصراصير أو الخنافس أو غيرها ما يؤذي فإنها تقتل بالمبيدات الحشرية وليس بالنار والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية ابن باز /451(7/1552)
عملية منع الإنجاب في القطط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الخطأ أن نجري على القطط عمليات تمنع الإنجاب؟ فنحن إن تركناها فإنها ستنجب الكثير من الصغار، وسيكون علينا أن نرسلهم (الصغار) إلى جمعية الرفق بالحيوان، التي قد تقتلهم إذا لم تجد من يأخذهم منها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كانت العملية لا تؤذيها فلا حرج، لأن هذا أولى من قتلها بعد خلقها ".
[الْمَصْدَرُ]
فتوى الشيخ ابن عثيمين من كتاب فتاوى إسلامية 4/448.(7/1553)
لا يجوز جعل الحيوانات أهدافاً للتصويب عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت بقتل أرنب برميه بالرصاص بغية التدريب على إصابة الهدف. ثم دفنته بعد ذلك. إنني أشعر بالحرج الشديد لما فعلته. ما الحكم الإسلامي فيما فعلته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن هذا العمل الذي قمت به عمل محرّم شرعاً ولا يجوز، وهذا من تعذيب الحيوان الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم:
1. فقد جاء في الحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ) رواه البخاري (2236) ومسلم (2242) ، قال النووي: الذي يظهر من الحديث أنها إنما دخلت النار بهذه المعصية.
2. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه دخل على يحيى بن سعيد وغلام من بني يحيى رابط دجاجة يرميها فمشى إليها ابن عمر حتى حلَّها، ثم أقبل بها وبالغلام معه فقال: ازجروا غلامكم عن أن يُصبَر هذا الطير للقتل، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل. رواه البخاري (5195) ومسلم (1958) ولفظه " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا ".
ومعنى " تُصبر " أي: تُحبس لتُرمى وتُتخذ هدفاً.
3. وجاء في الحديث الآخر الذي روي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا) رواه مسلم (1957) ، والمراد بالغرض الهدف.
قال النووي:
قوله: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم " وفي رواية: " لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا " قال العلماء: صبر البهائم: أن تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه، وهو معنى: " لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضاً "، أي: لا تتخذوا الحيوان الحي غرضا ترمون إليه كالغرض من الجلود وغيرها، وهذا النهي للتحريم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر التي بعد هذه: " لعن الله من فعل هذا "، ولأنه تعذيب للحيوان، وإتلاف لنفسه، وتضييع لماليته، وتفويت لذكاته إن كان مذكًّى، ولمنفعته إن لم يكن مذكًّى.
" شرح مسلم " (13 / 108) .
فالواجب عليك التوبة النصوح من هذا العمل، والاستغفار، وأن تكثر من الحسنات حتى يغفر الله لك ذنبك. والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1554)
هل الاحتفاظ بسمك الزينة حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاحتفاظ بسمك الزينة حرام؟
كذلك سمعتُ أن الكلب خُلق من القاذورات الموجودة في المكان الذي تشاجر فيه إبليس مع آدم عليه السلام. هل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في أحكام الشريعة النهي عن اقتناء وتربية بعض الحيوانات مثل (الكلب والخنزير) ، لما يترتب على اقنتنائها من أضرار قد نعلم بعضها ونجهل بعضها.
أما ما لم ترد الشريعة بالنهي عن اقتنائه فلا بأس بالاحتفاظ به، وقد ورد في السنة ما يدل على احتفاظ بعض الصحابة بحيوانات مباحة للرعاية والزينة أو اللعب المباح:
كما جاء عن أنس ابن مالك -رضي الله عنه - أنه كان له أخ صغير له نغر يلعب به - وهو طير صغير- فمات طائره فرآه النبي صلى الله عليه وسلم مهموما حزينا فداعبه بما مقتضاه إقراره له على اقتنائه لطائره الصغير هذا فقال له صلى الله عليه وسلم: (يا أبا عمير ما فعل النغير!!) .
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار في هرة (لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) يفهم منه أنها لو أطعمتها لكانت ناجية من هذا الوعيد.
ويُذكر أن أبا هريرة كُني بذلك لهر كان يصحبه.
اذا فاقتناء الحيوانات المباحة مع عدم إهمالها من الأمور المباحة بل لعله أن يكون من أبواب الأجر كما قال صلى الله عليه وسلم: (في كل كبد رطبة أجر) ، وأما إذا اقترن بإهمالها وظلمها فإنه قد يكون بابا من أبواب الإثم والتوعد بالنار كما في حديث التي أهملت هرتها حتى ماتت.
وهنا ننبه الأخ السائل والقارئ أن الإسلام قد سبق المنظمات الغربية والشرقية بإعلانه لسائر الحقوق من حقوق للمرأة وحقوق للحيوانات وحقوق للعامل وحقوق لصاحب العمل وهكذا، بل وأعظم من هذا في بيانه لحق الله على الخلق ولحق الخلق على الله.
وننبه هنا أيضا إلى أن الجنس البشري أولى بالعناية والاهتمام من الحيوانات وأن الأجر فيه أكبر: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) ، (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها، وغير ذلك من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
وعليه فلا بأس باحتفاظك بأسماك الزينة التي ذكرتها في سؤالك مع العناية بإطعامها وتجنيبها أسباب الهلاك والله أعلم.
وأما بالنسبة لخلق الكلب فقد خلقه الله عز وجل كما خلق سائر البهائم والحيوانات ولا يجوز أدعاء خصوصية معينة في مادة خلق الكلب إلا بدليل قال الله تعالى: (وما شهدنا إلا بما علمنا) .
وأما إبليس فإنما أمره الله بالسجود لآدم فأبى واستكبر، ثم كان منه أنه أغوى آدم وأمره بالأكل من الشجرة التي نهي عن الأكل منها؛ ولم يكن هنالك شيء من القاذورات والله أعلم، ولا أعلم شيئا عن المشاجرة التي ذكرت.
ومن الهدي القرآني أن العلم الذي يحتاجه المسلم في دنياه أو آخرته يذكر، وأما العلم الذي لا حاجة له فإن القرآن يعرض عنه معلما للمسلمين أن يشتغلوا بالعلم النافع وأن يعرضوا عما سواه. ومثال ذلك يتضح في إعراض النص القرآني عن ذكر لون كلب أصحاب الكهف، ونوع الخشب الذي صنعت منه سفينة نوح ونحو ذلك مما لا يترتب على العلم به علم أو اعتقاد نافع، ولعل الكلام عن المادة التي خلق منها الكلب أن تكون من هذا القبيل. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1555)
قتل الحيوان حال إفساده
[السُّؤَالُ]
ـ[في عمارتنا قطة متوحشة، هل يجوز قتلها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الهرة أو نحوها معروفة بالإفساد وضارية، فقتلها إنسان في حال إفسادها دفعا جاز، ولا ضمان عليه، كقتل الصائل دفعا. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الإمام النووي 220.(7/1556)
شراء طيور الزينة من أجل صوتها وألوانها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شراء طيور الزينة من أجل التمتع بصوتها، وألوانها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" بيع طيور الزينة مثل الببغاوات والطيور الملونة والبلابل لأجل صوتها جائز؛ لأن النظر إليها وسماع أصواتها غرض مباح , ولم يأت نص من الشارع على تحريم بيعها أو اقتنائها , بل جاء ما يفيد جواز حبسها إذا قام بإطعامها وسقيها وعمل ما يلزمها , ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً , وكان لي أخ يقال له: أبو عمير – قال: أحسبه فطيماً - وكان إذا جاء قال: (يا أبا عُمير ما فعل النُّغير؟) نغر كان يلعب به) الحديث. والنغر نوع من الطيور , قال الحافظ ابن حجر في شرحه (فتح الباري) في أثناء تعداده لما يستنبط من الفوائد من هذا الحديث قال: وفيه. . جواز لعب الصغير بالطير , وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات , وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه , وقص جناح الطير إذ لا يخلو حال طير أبي عمير من واحد منهما , وأيهما كان الواقع التحق به الآخر في الحكم , وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها , لا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) , وإذا جاز هذا في الهرة جاز في العصافير ونحوها.
وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة حبسها للتربية , وبعضهم منع من ذلك , قالوا: لأن سماع أصواتها والتمتع برؤيتها ليس للمرء به حاجة , بل هو من البطر والأشر ورقيق العيش , وهو أيضاً سفه؛ لأنه يطرب بصوت حيوان صوته حنين إلى الطيران , وتأسف على التخلي في الفضاء , كما في كتاب "الفروع وتصحيحه" للمرداوي (4/9) , و"الإنصاف" (4/275) " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/39) .(7/1557)
حكم تشريح الضفادع للأغراض العلميّة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تشريح الضفادع بالنسبة لطلبة الكليات الذين يدرسون ذلك؟
وقد يترتب على عدم تشريحها رسوب الطالب في المادة أو حرمانه من بعض الدرجات التي قد تمنعه من التفوق في الدراسة , فلا يتم تعينه معيداً في الكلية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحكم في هذه المسألة يتطلّب النظر في أمرين مهمّين:
أولاً:
في حكم قتل الضفدع، وكلام أهل العلم في ذلك.
وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على قولين:
الأول: الكراهة، وهو مذهب المالكية، وقولٌ لبعض الشافعية والحنابلة.
انظر: "التمهيد" (15/178) ، "شرح العمدة لابن تيمية" (3/148) .
الثاني: التحريم، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة، وابن حزم واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
انظر: "مشكل الآثار" للطحاوي (2/35) ، "المجموع" (9/29) ، "المغني" (9/338) ، "المحلى" (7/225) , "الفتاوى الكبرى" (2/139) .
والدليل على ذلك ما جاء عن عبد الرحمن بن عثمان رضي الله عنه: أنَّ طَبِيْبًا سَأَلَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عَن ضِفْدَعٍ يَجْعلُها فِي دَوَاءٍ؟ فَنَهَاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِها.
رواه أبو داود (5269) وصححه النووي في "المجموع" (9/34) .
وقد سبق اختيار هذا القول في الموقع، في جواب السؤال (1919) , (10220) .
ثانياً:
إذا دعت الحاجة أو الضرورة لتشريح الضفدع فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى , فقد أجاز العلماء تشريح جثة المسلم لأغراض التحقيق الجنائيّ أوالطبّ الوقائي، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11962) .
فمن باب أولى جواز تشريح الحيوانات – وهي أقل حرمةً من الإنسان – لأغراض البحث العلميّ إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
وقد سبق في الموقع ذكر فتوى مختصرة في ذلك، انظر جواب السؤال رقم (8509) .
ومما ينبغي التنبه له: أن على الطالب أن يحسن إلى الحيوان الذي يقوم بتشريحه , فيقوم بتخديره تخديراً كاملاً , ثم يسرع في قتله بعد الانتهاء من التشريح , وذلك لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: (إنّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَىْ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَه، فَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَه) رواه مسلم (1955) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى الحرم المكي" (1166) :
نحن ندرس في إحدى الجامعات بكلية العلوم قسم الأحياء، وفي أثناء دراستنا نحتاج إلى تشريح بعض الحيوانات، مثل الضفادع والفئران وغيرها، لغرض التعليم والدراسة، فما حكم هذا التشريح؟
فأجاب:
" التشريح إذا دعت الضرورة إليه فلا بأس به، ولكن يجب أن يعمل لهذه الحيوانات ما يجعلها لا تحسّ بالألم وقت التشريح، وكذلك يجب أن يلاحظ أنّ الحيوانات التي تكون نجسةً بعد الموت فإنّه يجب التطهر منها " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1558)
تسبب في موت قطط صغيرة فهل له توبة!؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في عمارة مشتركة، وفي شقتي التي أتردد عليها بين الفينة والأخرى تركت إحدى النوافذ مفتوحة فولدت قطة أربعة من الصغار، وقد تحدثت بخصوص هذه القطة مع والداي فنصحوني أن أحتفظ بها إلى حين أن يكبروا قليلا ليتمكنوا من الفرار والاختباء وآنذاك أخرجهم لكني احتفظت بها فقط لمدة قصيرة جدّاً حتى تمكنت من الإبصار وأولى خطوات المشي، ثم قمت بطردهم من الشقة، وجعلتهم فوق السطح، مع علمي أن أمهم لن تهتدي إليهم، وهذا ما حدث بالفعل. هذا مع علمي اليقين بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم بخصوص المرأة التي دخلت النار في هرة، ومع ذلك تركتهم وغادرت المكان لمدة ثلاثة أيام. ما حدث الآن هو أنه بعد أن عدت وجدت القطط غير موجودة وأمهم تبحث عنهم، والظاهر أنهم سقطوا في قناة الصرف الصحي للعمارة. فما حكمي في هذه النازلة لأني كان بإمكاني أن أتفادى ذلك وأحتفظ بهذه القطط ولن يكلفني ذلك شيئا ولأني خالفت نصيحة والداي، فهل أنا آثم؟ وماذا أعمل لأكفر عن خطئي فأفيدوني رحمكم الله، ولكم جزيل الشكر والثواب، فنفسيتي منهارة، فلم أعد أحس بطعم الحياة، فأنا أنتظر الموت فقط لأرتاح من هذا الإحساس، فأنا طول الوقت أفكر في هذه القطط وأقول لم تؤذني وقتلتها فأنا سأدخل النار كتلك المرأة في الحديث الشريف. وأصبحت عبوسا ومعنوياتي في الحضيض كل شيء أفعله بفتور كبير ولا أحس بالفرحة في أي شيء، تمنيت لو أن الزمان يرجع للوراء , أحس بضياع كبير وبأني مشلول ماديّاً ومعنويّاً وبأني لن أنسى هذا الحادث وآلامه دنيا وآخرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الله تعالى قد أمر بالرفق في كل شيء، ففي الحديث: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) رواه البخاري (5678) ومسلم (2165) .
وروى مسلم (2592) عن حديث جرير رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يحرم الرفق يحرم الخير) .
واعلم أنه من كان عنده شيء من الدواب فيجب عليه أن يحميها ويطعمها ويسقيها، ولا يجوز له أن يعرضها للهلاك، وفي الحديث الذي أشرت إليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن امرأة دخلت النار بسبب هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض، أي حشراتها. رواه البخاري (2365) ومسلم (904) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ (أي: ترفرف بأجنحتها) فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا) رواه أبو داود (2675) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
والحمرة – بتشديد الميم وتخفيفها -: طائر صغير كالعصفور.
فحاصل المسألة: أن من استرعاه الله شيئاً من هذه الدواب كأن تكون في حرزه أو يربيها ويبقيها لحاجته وجب عليه رعايتها والإحسان إليها والرفق بها.
وبناء عليه: فإنه يجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من أمور:
أولها: معصية والديك اللذين أمرك الله ببرِّهما، وبطاعتهما فيما لا معصية فيه.
الثاني: أن هذه القطط كانت في حرزك وقصرت في رعايتها حتى أدى ذلك إلى هلاكها.
ثالثها: أنك فجعت أمها بالتفريق بينها وبين أولادها، ثم بموت صغارها.
ولا شك - أخي - أن شعورك بالذنب بهذه الصورة التي ذكرت يدل على حياة قلبك وصدق شعورك بالندم على ما فعلت.
لكنك أيضا ربما بالغت في ذلك حتى وصل بك الأمر إلى اليأس والقنوط، وهذا لا شك أنه لا يجوز فالله تعالى يقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53، فأين أنت عن سعة رحمة الله التي وسعت كل شيء، وعن قبول الله تعالى لعباده التائبين حتى من كبار الذنوب؟
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم قتل عابداً فكمل به المائة ثم تاب توبة صادقة فقبل الله توبته – وهي في الصحيحين – فأين أنت منه؟ إنه قتل مائة نفسٍ وتاب وقبل الله منه، فلا يقعنَّ منك يأس ولا قنوط من عفو الله ورحمته، وأقدم على العمل الصالح وتذكر دائما قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) هود/114.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1559)
تركت الطيور حتى ماتت فهل تأثم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن كنا نربي عصافير، وكانت أمي تطعمهم، وكانت تسمع أنه من الغلط أن تأتي بجانب الطيور أثناء الدورة، وكلفتني بإطعامهم، وكنت أخاف منهم في بعض الأوقات لأنهم يعضون، وكنت أنسى أوقاتاً إلى أن نسيتهم تماما، فماتوا، فكيف نكفر عما فعلنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا أصل للاعتقاد بعدم جواز قربان الطيور أثناء الدورة الشهرية للمرأة، وليس هناك علاقة بين الأمرين، فالواجب التخلي عن مثل هذه الاعتقادات، وللحائض أحكام خاصة ليس منها مثل هذا الأمر ولا قريب منه.
وقد اتفق العلماء على جواز قيام المرأة وهي حائض بذبح الحيوانات.
انظر: "المغني" (13/311) .
ثانياً:
الواجب على من كان عنده هذه الطيور أو غيرها من البهائم أن يقوم على رعايتها، فإذا كان لا يستطيع ذلك فعليه الاعتذار عن القيام بهذه المهمة، أو بيعها أو ذبحها إن كان مما يؤكل.
وقد ورد الوعيد الشديد فيمن حبس حيواناً ولم يطعمه أو يسقيه حتى مات.
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله:
" ومن ملك بهيمة لزمه القيام بها , والإنفاق عليها ما تحتاج إليه , من علفها , أو إقامة من يرعاها ; لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض) متفق عليه. فإن امتنع من الإنفاق عليها , أُجْبِر على ذلك فإن أبى أو عجز , أُجْبِر على بيعها , أو ذبحها إن كانت مما يذبح " انتهى. " المغني " (8 / 205) .
وقال الشوكاني – تعليقا على شرح حديث " حبس الهرة " -:
" وقد استدل بهذا الحديث على تحريم حبس الهرة وما يشابهها من الدواب بدون طعام ولا شراب؛ لأن ذلك من تعذيب خلق الله , وقد نهى عنه الشارع ... قال النووي: والأظهر أنها كانت مسلمة (يعني: هذه المرأة) وإنما دخلت النار بهذه المعصية " انتهى. "نيل الأوطار" (7/7) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (5/119، 120) :
" يجوز حبس حيوان لنفع , كحراسة وسماع صوت وزينة , وعلى حابسه إطعامه وسقيه لحرمة الروح " انتهى.
وسبق في جواب السؤال رقم (48008) :
" يجوز الاحتفاظ بطيور الزينة ومثيلاتها في أقفاص خاصة من أجل منظرها أو صوتها، بشرط تقديم الطعام والشراب لها " انتهى.
وانظري الجواب بتفصيله هناك ففيه زيادات وفوائد.
ثالثاً:
إن كان عذركِ في عدم إطعام تلك الطيور حتى ماتت هو النسيان لها وعدم التعمد فهو عذر شرعي، نسأل الله أن يعفو عنكِ بسببه، قال الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286. وقد أجاب الله تعالى دعوة المؤمنين هذه فقال: (قد فعلت) كما رواه مسلم (126) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5.
وحيث إنك لم تتعمدي قتلها فلا حرج عليك إن شاء الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1560)
هل يجوز الاحتفاظ بالطيور داخل القفص؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاحتفاظ بالطيور داخل القفص؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز الاحتفاظ بطيور الزينة ومثيلاتها في أقفاص خاصة من أجل منظرها أو صوتها، بشرط تقديم الطعام والشراب لها.
وقد ثبت في الصحيحين – البخاري (5778) ومسلم (2150) - أنه كان لأخي أنس بن مالك لأمه يقال له " أبو عمير " كان له طائر وكان اسمه " النغير " فمات الطائر وحزن عليه الصبي، فمازحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " يا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ".
والنُّغَيْرُ: طائر صغير يشبه العصفور، وقيل: هو البلبل.
وقد استُدل بهذا الحديث على جواز حبس الطائر؛ لعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أبي عمير. انظر " فتح الباري " (10 / 548) .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما الحكم فيمن يجمع الطيور ويضعها في قفص وذلك لكي يتسلى بها أولاده؟ .
فأجاب:
لا حرج في ذلك إذا أعد لها ما يلزم من الطعام والشراب؛ لأن الأصل في مثل هذا الأمر الحل، ولا دليل على خلاف ذلك فيما نعلم، والله ولي التوفيق. " فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 1793) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
بيع طيور الزينة - مثل الببغاوات والطيور الملونة والبلابل - لأجل صوتها جائز؛ لأن النظر إليها وسماع أصواتها غرض مباح، ولم يأت نص من الشارع على تحريم بيعها أو اقتنائها، بل جاء ما يفيد جواز حبسها إذا قام بإطعامها وسقيها وعمل ما يلزمها، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أنس قال: " قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمًا وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ.... الحديث، والنُّغَر نوع من الطيور، قال الحافظ ابن حجر في شرحه " فتح الباري " في أثناء تعداده لما يستنبط من الفوائد من هذا الحديث قال: وفيه ... جواز لعب الصغير بالطير، وجواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح اللعب به، وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات، وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه، وقص جناح الطير إذ لا يخلو طير أبي عمير من واحد منهما، وأيهما كان الواقع التحق به الآخر في الحكم، وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " دخلت امرأة النَّارَ في هرة حبستها لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ " أخرجه البخاري في الصحيح، وإذا جاز هذا في الهرة جاز في العصافير ونحوها.
وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة حبسها للتربية، وبعضهم منع ذلك، قالوا: لأن سماع أصواتها والتمتع برؤيتها ليس للمرء به حاجة، بل هو من البطر والأشر ورقيق العيش، وهو أيضاً سفه لأنه يطرب بصوت حيوان صوته حنين إلى الطيران، وتأسف على التخلي في الفضاء، كما في كتاب " الفروع وتصحيحه " للمرداوي (4 / 9) ، و " الإنصاف " (4 / 275) .
" فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 38 – 40) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1561)
هل يطعم الحيوانات طعاماً منتهي الصلاحية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يأثم الإنسان إذا أطعم حيواناً كالكلب أو القطة طعاماً انتهت صلاحيته أو زائداً عنده كاللحم أو الحليب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان لا يضرها فلا بأس من إطعامها ذلك.
ومن المعلوم أن قدرة مثل هذه الحيوانات على تحمل الأطعمة المتغيرة أقوى من الإنسان، وقد رزقها الله من الحواس ما تعرف به ما يصلح لها مما لا يصلح لها، بالإضافة إلى أن مثل هذه المعلبات يكون فيها وقت احتياط في الغالب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1562)
أخذ المساعدة وطلبها من الدولة ومن الكنيسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في أمريكا ونأخذ بعض الخدمات المجانية خصوصًا أننا نعتبر من محدودي الدخل ولكن بعض هذه الخدمات كالأكل مثلا ممكن نأخذها من الكنائس، هل هذا يجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في قبول المساعدة من الدولة أو الجهات القائمة على التبرعات ولو كانت الكنيسة، ما لم يدع ذلك إلى التنازل عن شيء من الدين، أو الإقرار لشيء من المنكر، أو التأثير على الأولاد ونحوهم، لكن التعفف عن ذلك والاستغناء عنه أولى، فإن اليد العليا خير من اليد السفلى، لا سيما في الأخذ من الكنيسة التي لها مآربها المشبوهة فيما تعطيه للمسلمين غالبا.
روى البخاري (1428) عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ) .
وروى البخاري (1429) ومسلم (1033) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ وَالْمَسْأَلَةَ: (الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، فَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ) .
وطلب الصدقة من الناس مذموم، ولو كان السؤال لمسلم، إلا إذا كان السائل مضطرا للسؤال؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ الْمَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ) وصححه الترمذي والألباني في صحيح الترمذي.
ورواه أبو داود (1639) بلفظ: (الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ، فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ، إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا) .
قال في "سبل السلام" (1/548) : " (كدٌّ) أي: خدش وهو الأثر، وأما سؤاله من السلطان فإنه لا مذمة فيه ; لأنه إنما يسأل مما هو حق له في بيت المال، ولا منّة للسلطان على السائل ; لأنه وكيل، فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يعطيه من حقه الذي لديه" انتهى.
وروى البخاري (1475) ومسلم (1040) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ) .
وروى مسلم (1041) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ) .
ومعنى: (مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا) أي: أنه يسأل الناس ليجمع المال الكثير من غير أن يكون محتاجاً إليه.
وفي هذه الأحاديث زجر بليغ، وتنفير واضح عن المسألة، إلا المضطر الذي لا يجد بداً من السؤال.
وعليه؛ فما لم تكونوا بحاجة ماسة للمساعدة فتعففوا عن طلبها، وإذا كنتم في حاجة إليها فلا حرج عليكم من طلبها وأخذها.
ونسأل الله أن يغنيكم من فضله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1563)
تفصيل القول في هجاء المسلم والكافر والمبتدع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم هجاء المشركين والفسَّاق؟ أرجو التفصيل، فقد أعجبني تفصيلكم في سؤال عن حكم الرثاء في الإسلام، فقد كانت إجابة شافية، ومؤصلة، ومعزوة. وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
" الهجاء " ضد " المدح "، وقد اتفق الفقهاء على أن الأصل في عرض المسلم أنه مصون، وأنه لا يجوز هجوه من غير أن يكون مستحقّاً لذلك.
ففي " الموسوعة الفقهية " (42 / 159، 160) :
"وقد استدل الفقهاء على عدم جواز هجو المسلم بقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الأحزاب/ 58، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَْلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِْيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الحجرات/ 11، وَقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) – متفق عليه -، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ بِاللَّعَّانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ) – رواه الترمذي، وصححه الألباني –" انتهى.
ثانياً:
ذهب الشافعية إلى جواز هجو المبتدع، والمعلن بفسقه، وذهب الحنفية إلى جواز هجو المنافق.
قال الشربيني الشافعي رحمه الله:
"ومثله في جواز الهجو: المبتدع، كما ذكره الغزالي في " الإحياء "، والفاسق المعلِن، كما قاله العمراني، وبحَثه الإسنوي" انتهى.
"مغني المحتاج" (4/430) .
وفي "الموسوعة الفقهية" (42/159) :
"ذهب الفقهاء إلى عدم جواز هجو المسلم، واستثنى الشافعية المبتدع، والفاسق المعلِن بفسقه، فيجوز هجوهم، وعند الحنفية: يجوز هجو المسلم المنافق" انتهى.
وكلما ازداد قبح البدعة، وبُعدها عن الصراط المستقيم: تحتم على أهل السنَّة كشف عوارها، وتبيين ضلالها، وهو من الجهاد في سبيل الله باللسان.
قال ابن القيم رحمه الله في بيان شرِّ بدعة التعطيل، والتأويل، وذم أهليهما -:
"فكشْف عورات هؤلاء، وبيان فضائحهم، وفساد قواعدهم: مِن أفضل الجهاد في سبيل الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: (إِنَّ رُوحَ القُدُسِ مَعَكَ مَا دُمْتَ تُنَافِحُ عَنْ رَسُولِهِ) ، وقال: (أُهْجُهُم - أَوْ هَاجِهِم - وَجِبْرِيلُ معك) ، وقال: (اللهمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ مَا دَامَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِكَ) ، وقال عن هجائه لهم: (والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ فِيهم من النَّبْل) ، وكيف لا يكون بيان ذلك من الجهاد في سبيل الله: وأكثر هذه التأويلات المخالفة للسلف الصالح من الصحابة، والتابعين، وأهل الحديث قاطبة، وأئمة الإسلام الذين لهم في الأمَّة لسان صدق: يتضمن من عبث المتكلم بالنصوص، وسوء الظن بها من جنس ما تضمنه طعن الذين يلمزون الرسول، ودينه، وأهل النفاق، والإلحاد؛ لما فيه من دعوى أن ظاهر كلامه إفك، ومحال، وكفر، وضلال، وتشبيه، وتمثيل، أو تخييل، ثم صرْفها إلى معانٍ يعلم أن إرادتها بتلك الألفاظ من نوع الأحاجي، والألغاز، لا يصدر ممن قصْدُه نصح، وبيان، فالمدافعة عن كلام الله ورسوله، والذب عنه: من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله، وأنفعها للعبد" انتهى.
"الصواعق الرسلة" (1/301، 302) .
ثالثاً:
أما الكافر، والمشرك، والمرتد: فظاهر النصوص تدل على جواز هجائهم، بل قد دلَّت سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم على أن ذلك من الجهاد في سبيل الله.
عَنْ أَنَس بن مالك أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) . رواه أبو داود (2504) والنسائي (3069) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"عيب ديننا، وشتم نبيِّنا: مجاهدة لنا، ومحاربة، فكان نقضاً للعهد، كالمجاهدة، والمحاربة بالأَوْلى.
يبين ذلك: أن الله سبحانه قال في كتابه: (وَجَاهِدُوا بِأَمْوالِكم وَأَنْفِسكم فِي سَبيلِ الله) التوبة/41، والجهاد بالنفس: يكون باللسان، كما يكون باليد، بل قد يكون أقوى منه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جَاهِدُوا المُشْرِكين بِأَيْدِيكُم وَأَلْسِنَتِكُم وَأَمْوالِكُم) رواه النسائي وغيره، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت: (أهْجُهُم وَهَاجِهِم) ، (وكان يُنصب له منبر في المسجد ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره، وهجائه للمشركين) – رواه البخاري تعليقا، ورواه أبو داود والترمذي متصلاً، وحسنه الألباني -، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهمَّ أَيِّدْهُ بِرُوح القُدُس) – متفق عليه -، وقال: (إِنَّ جِبرائيلَ مَعَكَ مَا دُمْتَ تُنَافِحُ عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم) – وهو الحديث قبل السابق -، وقال: (هِيَ أَنْكَى فِيهُم مِن النَّبْل) – رواه مسلم – " انتهى.
"الصارم المسلول" (1/213) .
وينبغي أن يكون ذلك ردّاً على هجاء أولئك الكفار للإسلام، أو لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وقد دلَّ النص القرآني على عدم جواز ابتدائهم بالسب، والهجاء؛ خشيةً من تعرضهم لله تعالى، أو لدينه، أو لرسوله صلى الله عليه وسلم، بالسب والشتم، فقال الله تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/ 108.
ومما يدل على جواز هجاء الكفار والمشركين ردّاً عليهم: ما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت رضي الله عنه: (اهْجُهُمْ - أَوْ قَالَ: هَاجِهِمْ - وَجِبْرِيلُ مَعَكَ) رواه البخاري (5801) ومسلم (2486) .
قال العيني رحمه الله:
"قوله (اهجهم) : أمرٌ مِن هجا، يهجو، هجواً، وهو نقيض المدح.
قوله (أو هاجهم) : شك من الراوي، من المهاجاة، ومعناه: جازهم بهجوهم.
قوله (وجبريل معك) : يعني: يؤيدك، ويعينك عليه" انتهى.
"عمدة القاري" (15/134) .
وفي "مغني المحتاج" (4/430) :
"محل تحريم الهجاء إذا كان لمسلم فإن كان لكافر أي غير معصوم جاز، كما صرح به الروياني وغيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر حسَّان بهجو الكفار، بل صرح الشيخ أبو حامد بأنه مندوب.
وظاهر كلامهم: جواز هجو الكافر غير المحترم [يعني غير المعصوم] المعين" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (42/160) :
"ذهب الفقهاء إلى جواز هجو الكافر غير المعصوم، وكذا المرتد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حسان بن ثابت رضي الله عنه بهجو الكفار" انتهى.
وفي ذِكر جبريل عليه السلام في الحديث دون غيره من الملائكة حكمة بالغة.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
"وإنما خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم جبريل، وهو روح القدس، بنصرة من نصره، ونافح عنه؛ لأن جبريل صاحب وحي الله إلى رسله، وَهُوَ يتولى نصر رسله، وإهلاك أعدائهم المكذبين لهم، كما تولى إهلاك قوم لوط، وفرعون، في البحر.
فمَن نصر رسول الله، وذب عنه أعداءه، ونافح عنه: كان جبريل معه، ومؤيِّداً له، كما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) التحريم/4" انتهى.
"فتح الباري" لابن رجب (2/509) .
وبالتأمل في سبب ورود الحديث: يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حسان بن ثابت بهجاء المشركين ردّاً على طعنهم، لا أن ذلك كان ابتداءً.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وفي الحديث: جواز سب المشرك، جواباً عن سبه للمسلمين , ولا يعارض ذلك مطلق النهي عن سب المشركين لئلا يسبوا المسلمين: لأنه محمول على البداءة به , لا على من أجاب منتصراً" انتهى.
"فتح الباري" (10/547) .
وفي "حاشية السندى على صحيح البخارى" (4/141) :
"وقوله: (بِرُوحِ القُدُس) هو جبريل، في ذلك إشارة إلى أن هجو الكفار من أفضل الأعمال، ومحله: إذا كان جواباً، كما هنا، وإلا فهو منهي عنه لآية: (وَلاَ تَسُبُّوا الذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دِونِ اللهِ) " انتهى.
فالخلاصة:
1. تحريم هجاء المسلم من حيث الأصل.
2. جواز هجاء الكافر، والمشرك، والمرتد.
3. مراعاة أن يكون هجاء الكافر ردّاً عليه، لا ابتداء من المسلم.
4. أن يكون الناظم للهجاء على قدر من البلاغة والفصاحة؛ لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت دون غيره، ولما قد يسببه نظم الجاهل والضعيف من سخرية الشعراء والفصحاء.
5. جواز ابتداء المبتدع، والمعلِن بفسقه، بالهجاء.
6. مراعاة عدم الشطط في الهجاء، وعدم التعدي على العرض، وعدم القذف.
7. من هجا مسلماً بغير حق: فإنه يستحق التعزير.
ففي "الموسوعة الفقهية" (42/162) :
"للإمام أن يعزِّر مَن يهجو الناس بغير حق؛ وذلك لأن هذا النوع من الهجاء محرم، وفعله معصية، وكل معصية ليس فيها حد: وجب فيها التعزير" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1564)
ترك الزّواج استحياء من النّساء وإزالة الشّهوة الجنسيّة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 18 سنة، لا أريد أن أتزوّج لأنّني خجول جدّا جدّا، وقد تعقدت من النّساء أخجل منهنّ بشكل رهيب جدّا، وأريد أن أزيل الشّهوة الجنسيّة سواء بعمليّة جراحيّة أيضا، أنا أقسمت بالله أن لا أتزوّج هل عليّ إثم إذا لم أتزوّج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوّلاً:
طوبى لك على ما رزقك الله به من هذه الخصلة الحميدة والصّفة الجليلة التي حثّ الشّرع المطهّر على التّحلّي بها، فقد ورد في فضل الحياء أحاديث كثيرة منها: ما رواه عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ) رواه البخاريّ (24) ومسلم (36) .
قال الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين رحمه الله في "شرح رياض الصالحين" (4/29 – 30) : "الحياء: انكسار يكون في القلب، وخجل لفعل ما لا يهتمّ به النّاس، أو ما لا يستحسنه النّاس.
الحياء من الله والحياء من الخلق من الإيمان، الحياء من الله يوجب للعبد أن يقوم بطاعة الله، وأن ينتهي عمّا نهى الله، والحياء من النّاس يوجب للعبد أن يستعمل المروءة، وأن يفعل ما يجمّله ويزيّنه عند النّاس، ويتجنّب ما يدنّسه ويشينه، فالحياء من الإيمان" انتهى.
ومع فضيلة الحياء وأهمّيته، فلا ينبغي أن يكون سببا لترك ما أمر به الإسلام ودعا إليه؛ لأنّ الحياء إنّما يطلب ويُحمد إذا كان معينا على امتثال أوامر الله ورسوله، قال الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) الأحزاب/54:
"فالأمر الشّرعيّ، ولو كان يُتَوَهَّم أنّ في تركه أدبًا وحياء، فإنّ الحزم كلّ الحزم اتّباع الأمر الشّرعيّ، وأن يَجزم أنّ ما خالفه ليس من الأدب في شيء" انتهى. تيسير الكريم الرّحمن (ص 670) .
والانصراف عن الزّواج بالكلّيّة والرّغبة عنه خلاف السّنّة، وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فقد روى البخاري (5063) ومسلم (1401) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ! قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: (أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ، إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) .
فالنكاح لا ينافى كمال الحياء، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، ومع ذلك فقد تزوج صلى الله عليه وسلم.
وروى البخاري (5074) ومسلم (1402) عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قال: (رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاخْتَصَيْنَا) .
فلا يجوز إزالة الشهوة سواء كان ذلك بعملية جراحية أو غيرها.
قال في "الفواكه الدواني" (1/137) : "وأما لو استعملت دواء لقطعه (الحيض) أصلا فلا يجوز لها حيث كان يترتب عليه قطع النسل، كما لا يجوز للرجل استعمال ما يقطع نسله أو يقلله" انتهى.
وورد سؤال إلى اللّجنة الدّائمة للبحوث العلميّة والإفتاء عن حكم إجراء عمليّة خصي لقطع الشّهوة، فأجابت:
"لا يجوز لك الإقدام على إجراء عمليّة لقطع الخصيتين؛ لنهي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عثمان بن مظعون عن الاختصاء" انتهى.
فتاوى اللّجنة الدّائمة (18/34) .
وسبق بيان حكم من حرّم النّكاح على نفسه في جواب السؤال رقم (87998) .
ثانياً:
أما اليمين التي حلفتها، فقد حلفت على ترك السّنّة والخير، فالمطلوب منك أن تكفر عن يمينك كفارة يمين، وتتزوج متى يسر الله لك الزواج؛ لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه: (وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ َيمِينِكَ وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) رواه البخاري (6722) ومسلم (1652) .
وكفارة اليمين هي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله، أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. وقد سبق بيانها تفصيلا في جواب السؤال رقم (45676) .
ثالثاً:
أما حكم ترك الزّواج، فإنّ الزّواج يختلف حكمه بحسب الإنسان وقدرته المادية والبدنية، ومدى احتياجه له، فتارة يجب، وتارة يستحب، وتارة يكره، وانظر جواب السؤال رقم (36486) .
فالنّصيحة لك أن تصبر ولا تستعجل وتقطع بأنّك لا تستطيع الزّواج، فإنّ لعامل السّنّ تأثيرا كبيرًا فيما أنت فيه من شدّة الحياء، ومع تقدّم السّنّ فإنّه ستخفّ هذه الشّدّة ويكون الأمر في حدود المعتاد، واجتهد أيضا في الدّعاء والتّضرّع إلى الله أن يخفّف عنك، وأن يوفّقك للزّواج السّعيد، ويحسن أيضا لعلاج هذا الأمر استشارة أهل الخبرة والاستفادة من تجاربهم ونصائحهم وإرشاداتهم.
نسأل الله عزّ وجل أن ييسّر أمرك ويوفّقك لكلّ خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1565)
ما مدى أهمية إظهار التعاطف مع المسلمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى أهمية إظهار التعاطف مع المسلمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ختم الله تعالى الرسالات بدين الإسلام، فجاءت أحكامه وتشريعاته غاية في الحكمة، ومصلحة للفرد والمجتمعات إلى قيام الساعة.
ومن أبرز ما جاءت به الشريعة المطهرة: العلاقة بين المسلمين بعضهم مع بعض، فجاءت التشريعات واضحة بينة تقوي تلك العلاقة، وتحرِّم كل ما يفسدها ويدنسها، ومن تلك التشريعات الربانية في تقوية العلاقات بين المسلمين بعضهم مع بعض: وجوب التواد والتراحم والتعاطف بينهم.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
" ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: هديه إلى أن الرابطة التي يجب أن يُعتقد أنها هي التي تربط بين أفراد المجتمع، وأن يُنادى بالارتباط بها دون غيرها: إنما هي دين الإسلام؛ لأنه هو الذي يربط بين أفراد المجتمع، حتى يصير بقوة تلك الرابطة جميع المجتمع الإسلامي كأنه جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
فربْط الإسلام لك بأخيك: كربط يدك بمعصمك، ورِجلك بساقك، كما جاء في الحديث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: (إن مثل المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم وتوادهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ، ولذلك يكثر في القرآن العظيم إطلاق النفس وإرادة الأخ؛ تنبيهاً على أن رابطة الإسلام تجعل أخا المسلم كنفسه، كقوله تعالى: (وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ) البقرة/84، الآية، أي: لا تخرجون إخوانكم، وقوله: (لولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) النور/ 12، أي: بإخوانكم، على أصح التفسرين، وقوله: (وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ) الحجرات/11، الآية، أي: إخوانكم، على أصح التفسرين، وقوله: (وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ) البقرة/ 188، الآية، أي: لا يأكل أحدكم مال أخيه، إلى غير ذلك من الآيات، ولذلك ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) " انتهى.
" أضواء البيان " (3 / 130، 131) .
ثانياً:
من الأهمية بمكان إظهار ذلك التعاطف مع المسلمين، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، ولهذا الإظهار فوائد شتَّى، منها:
1. أن ذلك يعتبر من كمال الإيمان الواجب.
عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) رواه البخاري (467) ومسلم (2585) .
وبوب عليه النووي بقوله: بَاب تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَعَاضُدِهِمْ.
قال النووي – رحمه الله -:
" قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً) ، وفي الحديث الآخر (مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم) إلى آخره: هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم، والملاطفة، والتعاضد، في غير إثم، ولا مكروه، وفيه جواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام.
قوله صلى الله عليه وسلم (تداعى لها سائر الجسد) أي: دعا بعضه بعضاً إلى المشاركة في ذلك، ومنه قولهم " تداعت الحيطان " أي: تساقطت، أو قربت من التساقط " انتهى.
" شرح مسلم " (16 / 139، 140) .
وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه البخاري (5665) ومسلم (2586) .
قال المناوي – رحمه الله -:
" قال ابن أبي جمرة: الثلاثة وإن تفاوت معناها: بينها فرق لطيف، فالمراد بالتراحم: أن يرحم بعضهم بعضاً لحلاوة الإيمان، لا لشيء آخر، وبالتواد: التواصل الجالب للمحبة كالتهادي، وبالتعاطف: إعانة بعضهم بعضاً " انتهى.
" فيض القدير " (5 / 656) .
وفي رواية – عند مسلم -: (الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ) .
وفي رواية: (الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
" ولهذا كان المؤمن يُسرُّه ما يُسرُّ المؤمنين، ويسوؤه ما يسوؤهم، ومَن لم يكن كذلك: لم يكن منهم! فهذا الاتحاد الذي بين المؤمنين: ليس هو أن ذات أحدهما هي بعينها ذات الآخر، ولا حلت فيه بل، هو توافقهما، واتحادهما في الإيمان بالله ورسوله، وشُعَب ذلك: مثل محبة الله ورسوله، ومحبة ما يحبه الله ورسوله " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (2 / 373، 274) .
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في " فتح الباري شرح صحيح البخاري ": " وهذا التشبيك من النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: كان لمصلحة، وفائدة، لم يكن عبثاً؛ فنه لما شبَّه شد المؤمنين بعضهم بعضاً بالبنيان: كان ذلك تشبيهاً بالقول، ثم أوضحه بالفعل، فشبَّك أصابعه بعضها في بعض؛ ليتأكد بذلك المثال الذي ضربه لهم بقوله، ويزداد بياناً وظهوراً.
ويفهم من تشبيكه: أن تعاضد المؤمنين بينهم كتشبيك الأصابع بعضها في بعض، فكما أن أصابع اليدين متعددة: فهي ترجع إلى أصل واحد، ورجُل واحد، فكذلك المؤمنون وإن تعددت أشخاصهم: فهم يرجعون إلى أصل واحد، وتجمعهم أخوة النسب إلى آدم ونوح، وأخوة الإيمان.." انتهى.
2. ومنها - أي: من فوائد إظهار التعاطف مع المسلمين - إزالة الحواجز التي وُجدت من رواسب الجاهلية، أو الاستعمار، من عصبية للغة، أو لون، أو جنس.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
" ولا ريب أيضا أن الدعوة إلى القومية تدعو إلى البغي والفخر ; لأن القومية ليست ديناً سماويّاً يمنع أهله من البغي والفخر , وإنما هي فكرة جاهلية، تحمل أهلها على الفخر بها، والتعصب لها على من نالها بشيء , وإن كانت هي الظالمة، وغيرها المظلوم , فتأمل أيها القارئ ذلك يظهر لك وجه الحق.
ومن النصوص الواردة في ذلك: ما رواه الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله قد أذهب عنكم عصبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) ، وهذا الحديث يوافق قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ، أوضح سبحانه بهذه الآية الكريمة أنه جعل الناس شعوباً وقبائل للتعارف، لا للتفاخر والتعاظم , وجعل أكرمهم عنده هو أتقاهم , وهكذا يدل الحديث المذكور على هذا المعنى، ويرشد إلى سنة الجاهلية: التكبر، والتفاخر بالأسلاف، والأحساب , والإسلام بخلاف ذلك , يدعو إلى التواضع، والتقوى، والتحاب في الله , وأن يكون المسلمون الصادقون من سائر أجناس بني آدم , جسداً واحداً , وبناءً واحداً، يشد بعضهم بعضاً , ويألم بعضهم لبعض " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 290، 291) .
3. ومنها: القيام على الضعَفة والعجَزة والمساكين، رعايةً، وعنايةً.
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 348) : " ومن ذلك: تولِّي اليتامى، والمساكين، والعجزة عن الكسب، ومن لا يُعرف لهم آباء، بالقيام عليهم، وتربيتهم، والإحسان إليهم؛ حتى لا يكون في المجتمع بائس، ولا مهمل؛ خشية أن تصاب الأمة بغائلة سوء تربيته، أو تمرده، لما أحس به من قسوة المجتمع عليه، وإهماله " انتهى.
5. ومنها: نصرة المظلوم من المسلمين في كل مكان، وإعانته بما يُستطاع، قتالاً معه ضد الظالم المغتصب، أو إعانته بالمال، ومن عجز عن ذلك، فلن يعجز عن دعاء لهم بالنصر والتثبيت والتأييد.
" ولقد قرر العلماء رحمهم الله: أنه لو أصيبت امرأة مسلمة في المغرب بضيمٍ: لوجب على أهل المشرق من المسلمين نصرتها , فكيف والقتل، والتشريد، والظلم، والعدوان، والاعتقالات بغير حق , كل ذلك يقع بالمئات الكثيرة من المسلمين فلا يتحرك لهم إخوانهم، ولا ينصرونهم، إلا ما شاء الله من ذلك! ... " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 163 - 165) .
6. ومنها: قطع طمع أعدائهم بهم.
فلو علم الأعداء من الكفار أن المسلمين يد واحدة، حزنهم واحد، وسرورهم واحد: لما اعتدى ظالم فاجر على مسلم، فضلاً أن يُعتدى على بلدٍ مسلم، تستباح أعراض نسائه، وتُنهب أمواله، ويشرَّد رجاله.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: " فهذه الأحاديث وما جاء في معناها: تدل دلالة ظاهرة على وجوب التضامن بين المسلمين , والتراحم والتعاطف , والتعاون على كل خير , وفي تشبيههم بالبناء الواحد , والجسد الواحد: ما يدل على أنهم بتضامنهم، وتعاونهم، وتراحمهم: تجتمع كلمتهم , وينتظم صفهم , ويسلمون من شر عدوهم " انتهى.
فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 200، 201) .
ثالثاً:
قد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في التطبيق العملي للتعاطف والتراحم:
1. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَآخَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِىِّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ) رواه البخاري (3937) .
ولا ندري أيهما أعجب: الكرم والإيثار من سعد بن الربيع أم عزة النفس والرغبة في الاكتساب بجهد اليد من عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهم.
2. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه – أيضاً - قَالَ: قَالَ الْمُهَاجِرُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قَوْمٍ قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً فِي قَلِيلٍ وَلَا أَحْسَنَ بَذْلًا فِي كَثِيرٍ، لَقَدْ كَفَوْنَا الْمَئُونَةَ، وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ، حَتَّى لَقَدْ حَسِبْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ، قَالَ: (لَا، مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ، وَدَعَوْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ) رواه أحمد برقم (12662) ، والترمذي برقم (2487) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " مشكاة المصابيح " (2/185) .
وللفائدة انظر جواب السؤال رقم (98668) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1566)
يصلي ويصوم ويقوم الليل ولكنه يسئ لزوجته وجيرانه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تقولون في شخص يصلي في المسجد، ويقيم الليل، ويصوم أيام الاثنين والخميس، والثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر، ولكنه مع ذلك عديم الأخلاق مع زوجته التي يتشاجر معها كل يوم، ومع جيرانه ومعارف زوجته، وأناس آخرين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مكارم الأخلاق من أعظم الغايات التي بُعث النبي صلى الله عليه وسلم لتحقيقها في الناس، فقد أرسله الله سبحانه وتعالى ليقيم في الناس الدين الحق والحياة العادلة المقسطة، بعد أن نظر الله تعالى إلى أهل الأرض فمقتهم ومقت ما هم عليه من شرك وجهل وسوء خلق، إلا بقايا من أهل الكتاب.
وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المقصد العظيم من مقاصد بعثته بأداة الحصر " إنما "، ليلقي في قلب السامع أن جميع العقائد والأحكام التي جاء به الشرع الحنيف إنما تصب في هذا الهدف، وهو إقامة الأخلاق الحسنة، وإقامة العدل والإحسان.
يقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ)
رواه أحمد في "المسند" (2/318) وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/45)
ولا شك أن من أعظم المشكلات التي يعاني منها بعض المسلمين اليوم: الفصام بين جانبي العبادات والأخلاق، حيث أصبحت الممارسة العملية للعبادات – لدى بعض الناس - أشبه بالعادات أو " الطقوس " التي تؤدَّى بأشكالها دون العناية بآثارها في النفوس والقلوب، مع أن أركان الإسلام الأربعة – التي هي أهم العبادات – كان من غاياتها تهذيب النفوس وتحسين الأخلاق.
فالصلاة مثلا: يقول الله عز وجل فيها: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/45
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا - غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ.
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا - وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ)
رواه أحمد في "المسند" (2/440) وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/321) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/190)
وكذلك الشأن في فرض الصيام، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الخلق الحسن هو ثمرة الصيام المقبول، فمن لم يجد هذه الثمرة، لم ينفعه صيامه عند الله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (1903)
والزكاة أيضا إنما شرعت تزكية للنفس، وتطهيرا لها من أدران الآثام والأوزار وغوائل القلب.
يقول الله عز وجل: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة/103
وكذلك الركن الخامس من أركان الإسلام، الحج، يقول الله عز وجل عنه: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197.
ولو رحنا نسوق منزلة الأخلاق الكريمة في تشريعات الإسلام من الكتاب والسنة لطال بنا المقام جدا، حتى عقد ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (2/307) فصلا بعنوان: " الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين ".
لكن يكفي أن نتأمل كيف أن مكارم الأخلاق من المقاصد الأساسية لتشريع أركان الإسلام، ففي ذلك دلالة على عظيم منزلة هذا المقصد، وضرورة المحافظة عليه، وجعله نصب عيني كل مسلم موحد لله عز وجل.
فالواجب عليكم أن تذكروا ذلك الشخص الذي يؤذي زوجته وجيرانه بتقوى الله تعالى، وأن الله عز وجل لا يرضى أفعاله تلك، بل يسخط لأذى الجار والزوجة والأقارب، فأين هي آثار القيام والصيام على قلبه وخلقه وجوارحه؟!
واستعملوا معه الرفق في النصح، فحرصه على العبادة بذرة خير إن شاء الله، وقد روى الإمام أحمد في "المسند" (2/447) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ؟ قَالَ: إِنَّهُ سَيَنْهَاهُ مَا يَقُولُ)
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/261) : رجاله ثقات. وقال شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد في "تحقيق المسند" (15/483) : إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1567)
عند كثرة الأعراس هل يلزمه إجابة كل دعوة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كثرت الأعراس والاحتفالات فهل يجب علي إجابة الدعوة، علماً أن الرجال فيهم المسبل والحليق، وأحيانا بعض المدخنين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من حق المسلم على المسلم إجابة دعوته؛ لما روى البخاري (1164) ومسلم (4022) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ) .
وظاهر السنة وجوب إجابة دعوة المسلم إلى وليمته، وإلى ذلك ذهب جماهير أهل العلم، وبهذا تعلم أنه إذا وجهت لك دعوة خاصة وجب عليك الحضور، ولم يجز لك التخلف إلا لعذر شرعي يبيح لك ذلك، كأن تكون مريضا أو محتاجا لسفر أو ملازمة أهل، أو أن يكون في محل الدعوة منكر لا تقدر على إزالته، أو كان الداعي المجاهر بالمعصية كحلق اللحية والتدخين يتأثر بعدم حضورك ويدعوه ذلك للتوبة، وأما إن كان غيابك وهجرك لا يؤثر فيه، فيلزمك الحضور، أداء للواجب الشرعي.
وقد سبق تفصيل القول في شروط إجابة الدعوة، فراجع جواب السؤال رقم (22006) ، وذكرنا في جواب السؤال رقم (45789) أنه لا يجوز حضور حفلات الأعراس المشتملة على منكرات.
ثانيا:
ما ذكره السائل من أن هذه الأعراس يوجد فيها المسبل والحليق، وأحيانا بعض المدخنين،
لا يظهر لنا أنه مانع من إجابة الدعوة؛ فإن هذه المعاصي ليس لها تعلق بمكان الإجابة، أو بنفس الدعوة.
وهناك فرق بين أن تكون الدعوة في المكان المعد للمعصية، أو المكان الذي يوجد فيه هذا الفعل المحرم، كالمقهى، ومكان القمار، والمكان الذي تحلق فيه اللحى، ونحو ذلك، وبين أن تكون الدعوة في مكان يوجد فيه بعض العصاة أو الفساق.
وليُعلم أن هذه المعاصي عم بها البلاء في كل مكان، ولا نعلم أحدا من أهل العلم قال بمشروعية الابتعاد عن الحليق أو المسبل في وسائل المواصلات، والمحلات، وأماكن الدارسة....
قال المرداوي رحمه الله في الإنصاف (8/318-319) :
" وَمَنَعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ إجَابَةِ ظَالِمٍ وَفَاسِقٍ وَمُبْتَدِعٍ , وَمُفَاخِرٍ بِهَا , أَوْ فِيهَا , وَمُبْتَدِعٍ يَتَكَلَّمُ بِبِدْعَتِهِ إلَّا لِرَادٍّ عَلَيْهِ. وَكَذَا إنْ كَانَ فِيهَا مُضْحِكٌ بِفُحْشٍ أَوْ كَذِبٍ كَثِيرٍ فِيهِنَّ , وَإِلَّا أُبِيحَ إذَا كَانَ قَلِيلًا.
وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَخُصَّ بِهَا الْأَغْنِيَاءَ , وَأَنْ لَا يَخَافَ الْمَدْعُوُّ الدَّاعِيَ , وَلَا يَرْجُوهُ , وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَحَلِّ مَنْ يَكْرَهُهُ الْمَدْعُوُّ , أَوْ يَكْرَهَ هُوَ الْمَدْعُوَّ.
قَالَ فِي التَّرْغِيبِ , وَالْبُلْغَةِ: إنْ عَلِمَ حُضُورَ الْأَرَاذِلِ , وَمَنْ مُجَالَسَتُهُمْ تُزْرِي بِمِثْلِهِ: لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ [ابن تيمية] رحمه الله , عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ: وَقَدْ أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله الْوُجُوبَ. وَاشْتَرَطَ الْحِلَّ , وَعَدَمَ الْمُنْكَرِ. فَأَمَّا هَذَا الشَّرْطُ: فَلَا أَصْلَ لَهُ كَمَا أَنَّ مُخَالَطَةَ هَؤُلَاءِ فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ لَا تُسْقِطُ الْجَمَاعَةَ. وَفِي الْجِنَازَةِ: لَا تُسْقِطُ حَقَّ الْحُضُورِ. فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَهَذِهِ شُبْهَةُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ. هُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّكَبُّرِ , فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.
نَعَمْ , إنْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ مُحَرَّمٍ: فَقَدْ اشْتَمَلَتْ الدَّعْوَةُ عَلَى مُحَرَّمٍ. وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا: فَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَكْرُوهٍ. وَأَمَّا أنْ كَانُوا فُسَّاقًا , لَكِنْ لَا يَأْتُونَ بِمُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ , لِهَيْبَتِهِ فِي الْمَجْلِسِ: فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَحْضُرَ , إذَا لَمْ يَكُونُوا مَنْ يُهْجَرُونَ , مِثْلَ الْمُسْتَتِرِينَ. أَمَّا إنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ مَنْ يُهْجَرُ: فَفِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَشْبَهُ: جَوَازُ الْإِجَابَةِ , لَا وُجُوبُهَا. انْتَهَى.
وانظر: الفروع، لابن مفلح (5/297) .
وحتى التدخين الذي يصل ضرره إلى غير المدخن، بالإمكان منعه وقت العرس، أو منعه حيث يجتمع الناس، ويمكن للمدعو أن ينتحي جانبا عن المدخن. فإن تأذى بذلك، ولم يستطع أن يبتعد عنه، وهو أمر بعيد نوعا ما، أمكنه الانصراف، مع إعلام صاحب العرس بعذره.
ثالثا:
ما ذكره السائل من كثرة الأعراس، فلا يظهر لنا أنه عذر يبيح التخلف؛ فمن المعلوم أن هذه الكثرة ليست مما يبلغ ـ عادة ـ حدة المشقة الموجبة للعذر، وغايتها أن تكثر ـ نسبيا ـ في موسم معين، كالصيف مثلا، ولا يظهر لنا أن دعوتين وثلاث دعوات، ونحوا من ذلك، في أسبوع مما يشق على الإنسان تلبيته، ما دام ذلك أمرا طارئا، وليس ذلك مما يضر به في طلب معاشه أو معاده.
وإنما يُتصور المشقة في كثرة الدعوات: إن كان المدعو قاضيا، أو حاكما، أو عالما، أو داعية، أو نحو ذلك، مما تتوجه إليه أنظار عامة الناس، ويكون محلا لدعوتهم [وهو ما يعرف بالشخصيات العامة] ، حتى لو لم يكن بينه وبين من يدعوه حرمة، أو صلة نسب، أو جوار، بل ولو لم يكن يعرفه المدعو أصلا؛ فعادة كثير من الناس ـ حينئذ ـ أن يدعو أمثال هؤلاء؛ إما محبة لأن يشاركوه عرسه، خاصة إن كانوا من أهل الخير والصلاح، أو تباهيا بوجودهم عنده، كما هو الواقع كثيرا.
وفي مثل هذه الحال: لا يتحتم على المدعو أن يجيب الدعوة، خاصة إن شغلته عما هو أولى به من العلم أو الحكم أو الدعوة.
قال ابن مفلح ـ رحمه الله ـ في آداب القاضي:
" وَيَعُودُ الْمَرْضَى , وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: وَيُوَدِّعُ الْغَازِيَ وَالْحَاجَّ , وَهُوَ فِي الدَّعَوَاتِ كَغَيْرِهِ , وَلَا يُجِيبُ قَوْمًا وَيَدَعُ قَوْمًا بِلَا عُذْرٍ , ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ , وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ يُكْرَهُ لَهُ مُسَارَعَتُهُ إلَى غَيْرِ وَلِيمَةِ عُرْسٍ , وَيَجُوزُ: وَفِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ , وَقَدَّمَ: لَا يَلْزَمُهُ حُضُورُ وَلِيمَةِ عُرْسٍ , وَذَكَرَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ: إنْ كَثُرَتْ الْوَلَائِمُ صَانَ نَفْسَهُ " انتهى. الفروع (6/451) . وانظر: الإنصاف، للمرداوي (11/215) .
وقال البهوتي رحمه الله:
" (وَلَهُ حُضُورُ الْوَلَائِمِ) كَغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِحُضُورِهَا (فَإِنْ كَثُرَتْ الْوَلَائِمُ تَرَكَهَا) كُلَّهَا , (وَاعْتَذَرَ إلَيْهِمْ) وَسَأَلَهُمْ التَّحْلِيلَ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بِذَلِكَ عَنْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ (وَلَا يُجِيبُ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ) ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَسْرٌ لِقَلْبِ مَنْ لَا يُجِيبُهُ (إلَّا أَنْ يَخْتَصَّ بَعْضَهَا بِعُذْرٍ يَمْنَعُهُ , مِثْل أَنْ يَكُونَ فِي إحْدَاهُمَا مُنْكَرٌ , أَوْ فِي مَكَان بَعِيدٍ أَوْ يَشْتَغِلُ بِهَا زَمَنًا طَوِيلًا , وَالْأُخْرَى بِخِلَافِهَا فَلَهُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا لِظُهُورِ عُذْرِهِ) " انتهى. كشاف القناع (6/318) .
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله:
" وَلَهُ تَخْصِيصُ إجَابَةِ مَنْ اعْتَادَ تَخْصِيصَهُ، وَيُنْدَبُ إجَابَةُ غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ إنْ عَمَّمَ الْمُولِمُ النِّدَاءَ لَهَا وَلَمْ يَقْطَعْهُ كَثْرَةُ الْوَلَائِمِ عَنْ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَيَتْرُكُ الْجَمِيعَ " انتهى. مغني المحتاج (4/392) .
بل في بعضها يترجح عليه أن يترك الإجابة، لا سيما إن غلب على ظنه قصد المفاخرة والمباهاة فيها، كما سبق لصاحب الإنصاف نقله عن ابن الجوزي.
قال الحطّاب رحمه الله:
" قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يُفْعَلُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ فِي بَعْضِ الْأَعْرَاسِ أَوْ الْوَلَائِمِ أَوْ الْأَعْيَادِ مِنْ طَعَامٍ رَفِيعٍ أَوْ حَلَاوَةٍ، وَقَصْدِ بَعْضِ النَّاسِ بِهَا الْمُفَاخَرَةَ وَعَرْضِهِ فَقَطْ، لَا أَكْلِهِ: فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ أَكْلِهِ " انتهى. مواهب الجليل (4/6) .
وقال الملا علي القاري، رحمه الله:
" وقد دعي بعض العلماء فلم يجب فقيل له أن السلف كانوا يدعون فيجيبون قال كان ذلك منهم للموافاة والمواساة وهذا منكم للمكافأة والمباهاة " انتهى. مرقاة المفاتيح (10/166) .
والحاصل أن إجابة دعوة المسلم واجبة، ما دامت لم تشتمل على معصية، أو مانع من الحضور، على ما سبق تفصيله، وأن وجود بعض العصاة في الدعوات ليس مانعا من الإجابة، وهذا شأن عامة مجتمعات الناس، وما يحصل من التكرار عادة: ليس مانعا من الإجابة، إلا أن يكون الشخصية له خصوصية تجعله محلا للدعوة من عامة الناس، بما يشق عليه، أو يشغله عما هو أولى به من أمر معاشه ومعاده: فهنا يباح له التخلف عن الإجابة، ولو قدم عذره لصاحب الدعوة: كان أحسن، وأصلح لذات البين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1568)
اكتساب الأخلاق الفاضلة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أكتسب الأخلاق الحسنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الخلق الحسن صفة سيد المرسلين وأفضل أعمال الصديقين، وهو - على التحقيق - شطر الدين وثمرة مجاهدة المتقين ورياضة المتعبدين، والأخلاق السيئة هي السموم القاتلة والمخازي الفاضحة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا بُعِثتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخلَاقِ) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (273) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (45)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ: (تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ)
رواه الترمذي (2004) وقال صحيح غريب. وصححه الألباني في صحيح الترمذي
لذلك كانت العناية بضبط قوانين العلاج لأمراض القلوب وطرق اكتساب الأخلاق الفاضلة من أهم الواجبات، إذ لا يخلو قلبٌ من القلوب من أسقام لو أُهلمت تَراكمت وترادفت، ولا تخلو نفس من أخلاق لو أطلقت لساقت إلى الهلكة في الدنيا والآخرة.
وهذا النوع من الطب يحتاج إلى تأنُّقٍ في معرفة العلل والأسباب، ثم إلى تشمير في العلاج والإصلاح، كي ينال الفلاح والنجاح، يقول تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) الشمس/9،
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بحسن الخلق ويقول: (الَّلهُمَّ حَسَّنتَ خَلْقِي فَحَسِّن خُلُقِي) رواه ابن حبان في صحيحه (3/239) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (75)
ثانيا:
إذا عرف العبد عيوب نفسه أمكنه العلاج، ولكنَّ كثيرا من الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم، يرى أحدُهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه، فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق:
الأول: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، مُطَّلعٍ على خفايا الآفات يأخذ عنه العلم والتربية والتوجيه معاً.
الثاني: أن يطلب صديقا صدوقا بصيرا متدينا، فينصبه رقيبا على نفسه ليلاحظ أحواله وأفعاله، فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه الباطنة والظاهرة ينبهه عليه، فهكذا كان يفعل الأكياس والأكابر من أئمة الدين، كان عمر رضي الله عنه يقول: رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي.
الطريق الثالث: أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه، فإن عين السخط تبدي المساويا، ولعل انتفاع الإنسان بعدو مُشاحن يذكِّرُهُ عيوبَه أكثرُ من انتفاعه بصديقٍ مداهنٍ يُثنى عليه ويمدحه ويخفى عنه عيوبه.
الطريق الرابع: أن يخالط الناس، فكل ما رآه مذموما فيما بين الخلق فليطالب نفسه به وينسبها إليه، فإن المؤمن مرآة المؤمن، فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه، قيل لعيسى عليه السلام: مَن أدَّبك؟ قال: ما أدبني أحد، رأيت جهل الجاهل شَينًا فاجتنبته.
ثالثا:
والخُلُق عبارة عن هيئة النفس وصورتها الباطنة، وكما أن حسن الصورة الظاهرِ مطلقا لا يتم بحسن العينين دون الأنف والفم والخد، بل لا بد من حسن الجميع ليتم حسنُ الظاهر، فكذلك في الباطن أربعة أركان لا بد من الحسن في جميعها حتى يتم حسن الخلق، فإذا استوت الأركان الأربعة واعتدلت وتناسبت حصل حسن الخلق، وهو:
قوة العلم، وقوة الغضب، وقوة الشهوة. وقوة العدل بين هذه القوى الثلاث.
أما قوة العلم فحسنها وصلاحها في أن تصير بحيث يسهل بها إدراك الفرق بين الصدق والكذب في الأقوال، وبين الحق والباطل في الاعتقادات، وبين الجميل والقبيح في الأفعال، فإذا صلحت هذه القوة حصل منها ثمرة الحكمة، والحكمة رأس الأخلاق الحسنة.
وأما قوة الغضب: فحسنها في أن يصير انقباضها وانبساطها على حد ما تقتضيه الحكمة.
وكذلك الشهوة: حسنها وصلاحها في أن تكون تحت إشارة الحكمة، أعني إشارة العقل والشرع.
وأما قوة العدل: فهو ضبط الشهوة والغضب تحت إشارة العقل والشرع.
فالعقل مثاله مثال الناصح المشير. وقوة العدل هي القدرة، ومثالها مثال المنفذ الممضي لإشارة العقل، والغضب هو الذي تنفذ فيه الإشارة.
فمن استوت فيه هذه الخصال واعتدلت فهو حسن الخلق مطلقا، وعنها تصدر الأخلاق الجميلة كلها.
ولم يبلغ كمال الاعتدال في هذه الأربع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس بعده متفاوتون في القرب والبعد منه، فكل من قرب منه في هذه الأخلاق فهو قريب من الله تعالى بقدر قربه من رسول الله.
رابعا:
وهذا الاعتدال يحصل على وجهين:
أحدهما: بجود إلهي وكمال فطري.
والوجه الثاني: اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة، وأعني به حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه) رواه الخطيب وغيره من حديث أبي الدرداء، وحسنه الألباني.
فمن أراد مثلا أن يحصل لنفسه خلق الجود، فطريقه أن يتكلَّفَ تعاطيَ فعل الجواد، وهو بذل المال، فلا يزال يطالب نفسه ويواظب عليه تكلفا مجاهدا نفسه فيه حتى يصير بذلك طبعا، ويتيسر عليه فيصير به جوادا.
وكذا من أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع، وقد غلب عليه الكبر، فطريقهُ أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة وهو فيها مجاهد نفسه ومتكلف إلى أن يصير ذلك خلقا له وطبعا فيتيسر عليه.
وجميع الأخلاق المحمودة شرعا تحصل بهذا الطريق، ولن ترسخ الأخلاق الدينية في النفس، ما لم تتعود النفس جميع العادات الحسنة، وما لم تترك جميع الأفعال السيئة، وما لم تواظب عليه مواظبة من يشتاق إلى الأفعال الجميلة ويتنعم بها، ويكره الأفعال القبيحة ويتألم بها.
ويعرف ذلك بمثال:
وهو أن من أراد أن يصير الحذق في الكتابة له صفةً نفسية حتى يصيرَ كاتبًا بالطبع فلا طريق له إلا أن يتعاطى بجارحة اليد ما يتعاطاه الكاتب الحاذق ويواظب عليه مدة طويلة يحاكي الخط الحسن، فيتشبه بالكاتب تكلفا، ثم لا يزال يواظب عليه حتى يصير صفةً راسخةً في نفسه فيصدر منه في الآخر الخط الحسن طبعا.
وكذلك مَن أراد أن يصير فقيهَ النفس، فلا طريق له إلا أن يتعاطى أفعالَ الفقهاء وهو التكرار للفقه، حتى تنعطف منه على قلبه صفةُ الفقه فيصيرَ فقيهَ النفس.
وكذلك من أراد أن يصير سخيًّا عفيفَ النفسِ حليما متواضعا، فيلزمه أن يتعاطى أفعال هؤلاء تكلفا حتى يصير ذلك طبعا له؛ فلا علاج له إلا ذلك.
وكما أن طالب فقه النفس لا ييأس من نيل هذه الرتبة بتعطيل ليلة ولا ينالها بتكرار ليلة، فكذلك طالب تزكية النفس وتكميلها وتحليتها بالأعمال الحسنة لا ينالها بعبادة يوم ولا يحرم عنها بعصيان يوم، ولكن العطلة في يوم واحد تدعو إلى مثلها، ثم تتداعى قليلا قليلا حتى تأنس النفس بالكسل.
خامسا:
مثال النفس في علاجها بمحو الرذائل والأخلاق الرديئة عنها وجلب الفضائل والأخلاق الجميلة إليها مثالُ البدن في علاجه بمحو العلل عنه وكسب الصحة له وجلبها إليه.
وكما أن الغالب على أصل المزاج الاعتدال، وإنما تعتري المعدة المضرة بعوارض الأغذية والأهوية والأحوال، فكذلك كل مولود يولد معتدلا صحيح الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، أي بالاعتياد والتعليم تكتسب الرذائل.
وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملا وإنما يكمل ويقوى بالتنشئة والتربية بالغذاء، فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم.
وكما أن البدن إن كان صحيحا فشأن الطبيب تمهيد القانون الحافظ للصحة، وإن كان مريضا فشأنه جلب الصحة إليه، فكذلك النفس منك إن كانت زكية طاهرة مهذبة فينبغي أن تسعى لحفظها وجلب مزيد قوة إليها واكتساب زيادة صفائها، وإن كانت عديمة الكمال والصفاء فينبغي أن تسعى لجلب ذلك إليها.
وكما أن العلة المغيرة لاعتدال البدن الموجبة المرض لا تعالج إلا بضدها، فإن كانت من حرارة فبالبرودة، وإن كانت من برودة فبالحرارة، فكذلك الرذيلة التي هي مرض القلب علاجها بضدها، فيعالج مرض الجهل بالتعلم، ومرض البخل بالتسخي، ومرض الكبر بالتواضع، ومرض الشره بالكف عن المشتهى تكلفا.
وكما أنه لا بد من الاحتمال لمرارة الدواء وشدة الصبر عن المشتهيات لعلاج الأبدان المريضة، فكذلك لا بد من احتمال مرارة المجاهدة والصبر لمداواة مرض القلب، بل أولى، فإن مرض البدن يخلص منه بالموت، ومرض القلب - والعياذ بالله تعالى - مرض يدوم بعد الموت أبد الآباد.
فهذه الأمثلة تُعَرِّفُك طريق معالجة القلوب، وتُنبهك على أن الطريق الكلي فيه سلوك مسلك المضاد لكل ما تهواه النفس وتميل إليه، وقد جمع الله ذلك كله في كتابه العزيز في كلمة واحدة، فقال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) النازعات/40-41
وأخيرا:
الأصل المهم في المجاهدة الوفاء بالعزم، فإذا عزم على ترك شهوة فينبغي أن يصبر ويستمر، فإنه إن عَوَّدَ نفسه ترك العزم أَلِفَت ذلك ففسدت، وإذا اتفق منه نقضُ عزمٍ فينبغي أن يُلزِمَ نفسه عقوبةً عليه، وإذا لم يخوف النفس بعقوبة غلبته وحسنت عنده تناول الشهوة فتفسد بها الرياضة بالكلية.
هذه المباحث مستخلصة من كتاب "إحياء علوم الدين" للغزالي (3/62-98) مع تصرف وزيادة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1569)
هل يراعي ذوق الناس وعرفهم فيسبل المسلم ثوبه؟ وهل في البنطال إسبال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لبس السروال تحت الكعب في مجتمعاتنا الحاضرة من غير مخيلة؟ إذ أن رفعه فوق الكعب يفسد منظر الشخص، ويلفت انتباه الغير، أرجو ألا تروا في سؤالي مجادلة أو ازدراء، إنما هو استفسار جاد، وهذا الأمر يهمني كثيراً، خصوصا في مجال العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم أخي السائل أن أحكام الشريعة المطهرة لم تأتِ لتجعل المسلم ذليلاً أو أضحوكة بين الناس، بل جاءت بما فيه الخير للناس جميعاً في دينهم ودنياهم، وتأمَّل في أحوال العالم تجد صدق هذا القول، فقد فشت مخالفات الأمم للإسلام في حياتهم الدنيوية كثيراً، وانظر – على سبيل المثال – آثار الاختلاط بين النساء والرجال على أحوال الأمم، وانظر آثار إباحة الخمور، وانظر آثار التبرج والسفور، وانظر آثار الحرية الزائفة على تلك الأمم، إنهم أكثر الأمم إصابة بالقلق، والاكتئاب، إنهم أكثر الأمم انتحاراً، إنهم أكثر الأمم ضرباً للزوجات وقتلاً لهنَّ، والأمثلة كثيرة جدّاً، وما نقوله موثق من إحصائيات أنفسهم، وليس هذا مجال تفصيل ذلك، وإنما هي إيماءة لما نريد إيصاله لك ولغيرك من القراء الذين قد يوسوس لهم الشيطان بقبح القيام ببعض الشعائر الثابتة في الإسلام، ولا نراك – إن شاء الله – من أولئك، ولكن لا يمنع هذا من التنبيه عليه، والإشارة إليه.
ثانياً:
واعلم أخي الفاضل أنه لا ينبغي للمسلم مراعاة الناس وأعرافهم إذا تعلَّق الأمر بواجب أمره الله تعالى به، أو بمحرَّم نهاه الله تعالى عن فعله.
نعم، يمكن للمسلم مراعاة أحوال الناس وأعرافهم في باب المستحبات، والمباحات، والمكروهات، أما باب الواجبات والمحرمات: فلا يجوز له البتة التنازل عنهما من أجل الناس.
ويستدل بعض الناس خطأ بحديث عائشة في ترك النبي صلى الله عليه وسلم لهدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم عليه السلام، فيجعلونه دليلاً على التنازل عن الواجبات، وهو خطأ ظاهر، ولو كان هذا واجباً عليه صلى الله عليه وسلم ما تركه من أجل تأليف قلوب الناس، بل كان جائزاً، وإليك الحديث كاملاً، وكلام أهل العلم حوله.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال لهَا: يَا عَائِشَةُ لوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِليَّةٍ لأَمَرْتُ بِالبَيْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَأَلزَقْتُهُ بِالأَرْضِ وَجَعَلتُ لهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا فَبَلغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ.
رواه البخاري (1509) ومسلم (1333) .
وفي لفظ عندهما: (فأخافُ أنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهم) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومعلوم أن الكعبة أفضل وقف على وجه الأرض، ولو كان تغييرها وإبدالها بما وصفه واجباً: لم يتركه، فعُلم أنه كان جائزاً، وأنه كان أصلح، لولا ما ذكره من حدثان عهد قريش بالإسلام، وهذا فيه تبديل بنائها ببناء آخر، فعُلم أن هذا جائز في الجملة، وتبديل التأليف بتأليف آخر هو أحد أنواع الإبدال.
" مجموع الفتاوى " (31 / 244) .
وقال – رحمه الله -:
فترك الأفضل عنده لئلا ينفر الناس، وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأم بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم: كان قد أحسن.
" مجموع الفتاوى " (22 / 268، 269) .
وقال – رحمه الله -:
وقد ينتقل – أي: النبي صلى الله عليه وسلم - عن الأفضل إلى المفضول؛ لما فيه من الموافقة، وائتلاف القلوب، كما قال لعائشة (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولجعلت لها بابين) ، فهنا تركَ ما هو الأولى؛ لأجل الموافقة، والتأليف الذي هو الأدنى من هذا الأولى.
" مجموع الفتاوى " (26 / 91) .
ثالثاً:
وبخصوص إسبال الثياب عموماً، والسروال خصوصاً: ينبغي التنبيه على أمور:
1. إسبال الثياب حتى تلامس الكعبين من كبائر الذنوب، وليس تحريم الإسبال مقيَّداً بالكِبْر، بل هو محرَّم لذاته، وهو نفسه من الكِبْر، فإذا أضيف إليه كِبْر قلبي: كان الإثم أكبر.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قال ابن العربي رحمه الله: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول " لا أجره خيلاء "؛ لأن النهي قد تناوله لفظا، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكماً أن يقول " لا أمتثله؛ لأن تلك العلة ليست فيَّ ": فإنها دعوى غير مسلَّمة، بل إطالته ذيله دالة على تكبره ا. هـ ملخصاً.
وحاصله: أن الإسبال يستلزم جرَّ الثوب، وجرُّ الثوب يستلزم الخيلاء، ولو لم يقصد اللابس الخيلاء، ويؤيده: ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه: (وإياك وجر الإزار؛ فإن جر الإزار من المَخِيلة) .
" فتح الباري " (10 / 264) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
(وإياك والإسبال فإنه من المَخِيلة) ، فجعل الإسبال كلَّه من المَخِيلة؛ لأنه في الغالب لا يكون إلا كذلك، ومَن لم يسبل للخيلاء: فعمله وسيلة لذلك، والوسائل لها حكم الغايات.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 383) .
وينظر في ذل جواب السؤال رقم (762) ففيه بيان أدلة تحريم الإسبال.
2. لا يحل لأحدٍ أن يقسِّم الدين إلى لبٍّ وقشور، ويجعل هؤلاء المقسِّمون إسبال الإزار وحلق اللحية من القشور! وهذا خطأ وسببه الجهل بحكم الشرع، وهذا الفعلان من كبائر الذنوب، فانظر لتهوين هؤلاء المقسمين من ارتكاب الكبائر بقولهم السوء ذاك.
وانظر الرد عليهم في جواب السؤال رقم (12808) .
3. الإسبال ليس فقط في الثوب، بل في الإزار والسراويل والبناطيل والعباءات، وكل ما يلبسه المسلم من ثياب.
4. وننبه إلى أن الذي يُلبس إلى نصف الساق هو الإزار، أما الثوب والبنطال فلا يُلبسان كذلك، بل يُلبسان فوق الكعبين، ولا يحل أن يلمسا الكعبين.
وقد بيَّنا هاتين المسألتين (4 و 5) في جواب السؤال رقم: (10534) فلينظر.
5. لا يحل لبس البنطال – وهو المقصود فيما ظهر لنا من قول السائل " السروال " إذا كان ضيقاً يصف العورة.
ولينظر جواب السؤال رقم: (69789) .
وأخيراً:
7. إسبال البنطال من كبائر الذنوب، وعليه: فلا اعتبار لذوق الناس ورأيهم في تقصيره وفقاً للسنَّة النبويَّة، كما بينَّا في أول الجواب، ونعجب – حقيقة – ممن ينظر لهذا التقصير على أنه مفسد لمنظر المسلم، ولا يرى تقصير ثياب النساء إلى نصف الفخذ كذلك، ولا يرى البناطيل الضيقة المقززة التي يلبسها بعض الشباب كذلك، ولا يرى البناطيل الساحلة! التي خرج بها علينا بعض الشباب كذلك، ولا يرى قصات الشباب والشابات التي تشبهوا بها بالحيوانات كذلك – قصة الأسد، وعُرف الديك، والبطة، والفأر -.
وعلى الأخ الذي يلتزم تقصير الثوب أن لا يبالغ في ذلك، فحكم إسبال الثياب محرَّم، وليس فيه مجال مراعاة للناس، أما المبالغة في التقصير فهي التي فيها المجال، وعلى الإخوة الذين يلتزمون هذا الهدي أن لا يعرِّضوا أنفسهم للسخرية، وأن لا يفتحوا مع الناس هذه المسألة على حساب غيرها، وأن لا يجعلوا بينهم وبين الناس حاجزاً بمثل هذه الأفعال التي وسَّعت فيها الشريعة، ويمكنهم مراعاة أعراف بلدانهم، ولو أطال ثيابه إلى ما قبل الكعبين بقليل من أجل منع الناس من السخرية، ومن أجل عدم وضع حواجز بينه وبين الناس: لرُجي أن يؤجر أكثر من أجر تقصير ثيابه بأكثر مما فعل.
فإسبال البنطال إلى ما تحت الكعبين من المحرمات التي لا يراعى فيها ذوق الناس وعرفهم، وليس للمكلف أن يخالف في هذا من أجل الناس، أما حد التقصير: فلو راعى المكلَّف عرف بلده، ونظرة الناس له: لكان أفضل له وأسلم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
اللباس إلى نصف الساق سنَّة، وإلى ما تحت نصف الساق سنَّة، الممنوع: أن يكون أسفل من الكعبين، فإن الصحابة رضوان الله عليهم وهم أجلُّ قدراً ممن بعدهم، وأحب للخير لمن بعدهم: كانت ألبستهم تصل إلى الكعب، أو إلى ما فوقه يسيراً، كما قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: " يا رسول الله، إن أحد شقي إزاري يسترخي عليَّ إلا أن أتعهده "، وهذا يدل على أن إزاره ينزل عن نصف ساقه؛ لأنه لو كان إلى نصف ساقه واسترخى عليه حتى يصل إلى الأرض لزم من ذلك انكشاف عورته من فوق، وهذا هو المعروف بين الصحابة.
فإذا رأيت مثلاً: أن الناس يكرهون اللبس إلى نصف الساق أو أعلى، وأنك لو لبست كما يلبس الناس في غير إسراف ولا مخيلة أدعى لقبول كلامك: الحمد لله، اترك هذا الذي تريد أن تفعله؛ تأليفاً للقلوب؛ وقبولاً للكلام، ولهذا أجد الناس الآن تلين قلوبهم للناصح إذا كان لباسه على العادة، لكنه ليس محرَّماً، أكثر مما تميل إلى الذين يرفعون لباسهم إلى نصف الساق أو أكثر، والإنسان قد يدع المستحب لحصول ما هو أفضل منه، هذا وأرى أنه إذا قال له والداه: أنزل ثوبك إلى أسفل من نصف الساق: أرى أنه يطيعهما في هذا الحال؛ لأنه كله سنَّة، والحمد لله، كلٌّ عمل به الصحابة رضي الله عنهم.
" لقاءات الباب المفتوح " (83 / السؤال رقم 14) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1570)
نشر رسائل الآخرين وأحاديثهم
[السُّؤَالُ]
ـ[فما حكم من يقوم بنشر أغراض الآخرين (الشخصية) سواءا أكانت مذكرات أو رسائل أو حديث دار معه في مجلس ... الخ. فيقوم بنشرها أمام الناس أو أمام فئة معينة دون إذن من صاحبها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا استودعه إياها على أنها سر فلا يجوز له إفشاؤها لقوله صلى الله عليه وسلم "المجالس بالأمانة " وكذلك إذا كان يترتب على نشرها ضررٌ على أخيه المسلم فلا يجوز ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم "" لا ضرر ولا ضرار " وكذلك إذا كان نشرها يترتب عليه فضيحة لأخيه المسلم العاصي المستتر بستر الله فلا يجوز نشرها أيضاً وأما إذا كان يترتب على نشرها مصلحة شرعية ومنفعة لصاحبها أو للناس ولم يشترط صاحبها كتمانها فلا بأس بنشرها حينئذٍ بل قد يؤجر على ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1571)
الحذر من الإشاعات وقت الأزمات
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد بعض الكتَّاب وخاصة في الإنترنت ينشرون أخباراً بلا تثبت، مما يتسبب في ربكة المسلمين، وإدخال الوهن إلى قلوبهم.. كادعاء سقوط مدينة من مدن المسلمين أو قتل قائدٍ من قادتهم أو غير ذلك مما يُسبب الإحباط ويفت في العزيمة ... وكل ذلك بلا تثبت ولا تأكد من صحة الخبر.. بل إن بعضهم يكتب في نهاية مقاله: " هكذا بلغني ولكني لست متأكداً من صحة الخبر "!!
فما نصيحتكم لهؤلاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أنه في وقت الفتن تنشط الدعاية وتكثر الإِثارة وهنا يأتي دور الإِشاعة.
ومن المعلوم أن التثبت مطلب شرعي لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) . وفي قراءة أخرى (فتثبتوا)
وقد حذر الشارع أشد التحذير من نقل الشخص لكل ما يسمعه فعن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم في المقدمة 6 صحيح الجامع 4482.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع) السلسلة الصحيحة 2025.
"قَالَ النَّوَوِيّ: فَإِنَّهُ يَسْمَع فِي الْعَادَة الصِّدْق وَالْكَذِب فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ , وَالْكَذِب الإِخْبَار عَنْ الشَّيْء بِخِلَافِ مَا هُوَ وَلا يُشْتَرَط فِيهِ التَّعَمُّد ".
وعن المغيرة بن شعبة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) رواه البخاري 2231.
قال الحافظ ابن حجر:
(قَوْله: (وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ) . . . قَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ:. . . وفي معني الحديث ثلاثة أوجه:
أولها: الإِشَارَة إِلَى كَرَاهَة كَثْرَة الْكَلام لأَنَّهَا تُؤَوِّل إِلَى الْخَطَأ. . .
ثَانِيهَا: إِرَادَة حِكَايَة أَقَاوِيل النَّاس وَالْبَحْث عَنْهَا لِيُخْبِر عَنْهَا فَيَقُول: قَالَ فُلان كَذَا وَقِيلَ كَذَا , وَالنَّهْي عَنْهُ إِمَّا لِلزَّجْرِ عَنْ الاسْتِكْثَار مِنْهُ , وَإِمَّا لِشَيْءٍ مَخْصُوص مِنْهُ وَهُوَ مَا يَكْرَههُ الْمَحْكِيّ عَنْهُ.
ثَالِثهَا: أَنَّ ذَلِكَ فِي حِكَايَة الاخْتِلاف فِي أُمُور الدِّين كَقَوْلِهِ: قَالَ فُلان كَذَا وَقَالَ فُلان كَذَا , وَمَحَلّ كَرَاهَة ذَلِكَ أَنْ يُكْثِر مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لا يُؤْمَن مَعَ الإِكْثَار مِنْ الزَّلَل , وَهُوَ مَخْصُوص بِمَنْ يَنْقُل ذَلِكَ مِنْ غَيْر تَثَبُّت , وَلَكِنْ يُقَلِّد مَنْ سَمِعَهُ وَلا يَحْتَاط لَهُ. قُلْت: وَيُؤَيِّد ذَلِكَ الْحَدِيث الصَّحِيح (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم) اهـ بتصرف يسير.
وعن أبي قلابة قال: قال أبو مسعود لأبي عبد الله أو قال أبو عبد الله لأبي مسعود: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زعموا؟
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بئس مطية الرجل زعموا " السلسلة الصحيحة 866.
قال العظيم آبادي: " (بِئْسَ مَطِيَّة الرَّجُل) : الْمَطِيَّة بِمَعْنَى الْمَرْكُوب (زَعَمُوا) : الزَّعْم قَرِيب مِنْ الظَّنّ أَيْ أَسْوَأ عَادَة لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذ لَفْظ زَعَمُوا مَرْكَبًا إِلَى مَقَاصِده فَيُخْبِر عَنْ أَمْر تَقْلِيدًا مِنْ غَيْر تَثَبُّت فَيُخْطِئ وَيُجَرَّب عَلَيْهِ الْكَذِب قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ.
ولذلك حرص سلفنا الصالح على التثبت والحذر من الإشاعات:
قال عمر رضي الله عنه: (إياكم والفتن فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف) .
ولقد سطَّر التاريخ خطر الإِشاعة إذا دبت في الأمة وإليك أمثلة من ذلك:
1- لما هاجر الصحابة من مكة إلى الحبشة وكانوا في أمان، أُشيع أن كفار قريش في مكة أسلموا فخرج بعض الصحابة من الحبشة وتكبدوا عناء الطريق حتى وصلوا إلى مكة ووجدوا الخبر غير صحيح ولاقوا من صناديد قريش التعذيب. وكل ذلك بسبب الإِشاعة.
2- في غزوة أحد لما قتل مصعب بن عمير أُشيع أنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: قُتل رسول الله فانكفأ جيش الإِسلام بسبب الإِشاعة، فبعضهم هرب إلى المدينة وبعضهم ترك القتال.
3- إشاعة حادثة الإِفك التي اتهمت فيها عائشة البريئة الطاهرة بالفاحشة وما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه من البلاء، وكل ذلك بسبب الإِشاعة.
إذاً ما هو المنهج الشرعي في التعامل مع الأخبار؟
هناك ملامح في التعامل مع الأخبار نسوقها باختصار:
1) التأني والتروي:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (التأني من الله والعجلة من الشيطان) السلسلة الصحيحة 1795.
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
2) التثبت في الأخبار:
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين َ) وفي قراءة (فتثبتوا)
سبب نزول الآية:
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات، وأنه لما أتاهم الخبر فرحوا، وخرجوا ليتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة.
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضباً شديداً، فبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد، فقالوا: يا رسول الله: إنا حُدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أن يكون إنما رده كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله!
وأن رسول الله استعتبهم، وهمّ بهم، فأنزل الله عز وجل عذرهم في الكتاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين} الحجرات/6.
أنظر السلسلة الصحيحة (3085) .
معنى التثبت: تفريغ الوسع والجهد لمعرفة حقيقة الحال ليعرف أيثبت هذا الأمر أم لا.
والتبين: التأكد من حقيقة الخبر وظروفه وملاباساته.
يقول الحسن البصري: "المؤمن وقاف حتى يتبين".
وختاماً: نوصي الجميع بالتثبت وعدم التسرع في نقل الأخبار حتى يتأكد من صحتها، حتى لو كان الخبر ساراً، لأنه إذا تبين خطأ الناقل فستسقط عدالته عند الناس ...
ويكون عرضة للاستخفاف ممن له هوى في نفسه ... وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ...
وللاستزادة: استمع لمحاضرة بعنوان (وقفات مع الأخبار والإشاعات) على هذا الرابط:
http://www.islamicaudiovideo.com/index.php?subjref=689&v=35
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1572)
الموقف من الشائعات والأخبار على شبكة الانترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو العلاج لظاهرة الشائعات على شبكة الإنترنت وما هو موقف المسلم من الأخبار التي يقرؤها هنا وهناك وما يُكتب في ساحات الحوار وخصوصا أن بعضها بشائر وأنباء سارة للمسلمين لكن المصدر مجهول.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعيش اليوم، واقع كثير من الإشاعات التي تسوق الأماني على شكل أخبار، تنشرها مواقع ومنتديات على شبكة الإنترنت؛ لتبثها للناس على أنها بشائر، فتتلقفها قلوب الطيبين على أنها حقائق لا تقبل الشك، جاءت من مصادر موثوقة، ولئن ثبت وقوع شيء من ذلك فقد بقي الكثير منه ركاماً من الشائعات يستطيع من شاء أن يقول لنا: إن هذا إلا اختلاق!
إن المتأمل يدرك أن كثيراً من وسائل الإعلام العالمية، وتبعاً لذلك العربية بالغت في تغطية بعض الأحداث، وتدخلت في تحليلها بطريقة غير موضوعية تنم عن انحياز سافر، وفقدان للموضوعية مكشوف، وتتشفى بالتزيد والتهويل، وما هو عنها بغريب، فإن المصداقية في هذه الوسائل غير متوفرة، خصوصاً حين تتدخل عواطفها ورغباتها.
دع عنك أن الموضوعية الإعلامية أصبحت إحدى ضحايا هذه الحرب القائمة وتنكرت الدوائر الغربية للدروس المثالية التي كانت تلقنها الآخرين.
لكن هذا لا يعني المجادلة في الحقائق المادية، ولا نكران الأوضاع الحسية القائمة، ولا مقابلة ذلك الانحياز السافر بمبالغات وظنون.
وهنا نقف أمام حقائق نذكر بها أنفسنا، والخيرين الذين يتلقفون هذه الأخبار ويبشرون بها غيرهم بنيات طيبة وقلوب سليمة، ونعظ بها أولئك الذين اختلقوا هذه الإشاعات وتولوا ترويجها.
(1) أن علينا أن نكون يقظين في تلقي هذه الأخبار، وألا يشفع لقبولها ملاقاتها لرغباتنا وأمانينا، فلنا منهجية في التثبت ينبغي أن تكون مطردة فيما نحب ونكره، فليس صحيحاً أن نشكك في الخبر المصور من أرض المعركة، ونثير تساؤلات الشك والريبة حوله مع أن منتهاه الحسّ، في حين ينشر خبر عبر رسائل الجوالات مصدره بعض مواقع الإنترنت، وإذا كان هناك من يتقبل مثل هذه الأخبار، فليعلم أن الناس لن يصدقوه، فليحذر أن يجعل نفسه عرضة للتكذيب، وقديما قيل "من تتبع غرائب الأخبار كُذِّب".
(2) علينا أن نَحْذر من جهالة المصدر، وليس خبر أهم من أخبار السنة النبوية ومع ذلك فليس من منهج المسلمين قبولها من المجاهيل، ولذا فلا بد من تلقي الأخبار من مصدر موثوق، فإن لم يكن موثوقاً فلا أقل من أن يكون معلوماً، بحيث ينال شرف الصدق، وتلحقه معرة الكذب (وبئس مطية الرجل زعموا) .
(3) إذا كان هناك من استجازوا اختلاق هذه الإشاعات بأنواع التأولات فإن علينا أن نرفض جعل أنفسنا رواحل لنقلها، نُصَدَّقها ثم نُسَوِّقها، (فمن حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) .
(4) مما يتأوله هؤلاء الذين يختلقون تلك الإشاعات أنها من الكذب في الحرب وهو مباح، ويتجاهلون ولا يجهلون أن القدر المباح من الكذب في الحرب هو الذي يضلل الأعداء وليس الذي يُسَوَّق الوهم ويُغَرِر بالمسلمين.
(5) إذا كنا خسرنا جوانب من المعركة، فإن علينا ألا نخسر الصدق الذي هو رأس مالنا في التعامل مع الناس، وسيطول استغراب الناس وعجبهم إذا اكتشفوا أن هذه الأخبار الكاذبة كانت تنقل إليهم عبر وسيط صالح، ومن جُرَّب عليه الكذب، أو نَقْل الكذب وتَصديقَه فلن يكون محلاً للثقة بعد.
(6) وكما سيفجع الطيبون فيرتابوا في الراوي الذي كان الصلاح يظهر عليه، لأنه كان يحدثهم بهذه الأخبار ويؤكدها لهم، فكذلك سيشمت آخرون، لهم موقف من هؤلاء الشباب ليقولوا: هذه أخبارهم، وهذه مصداقيتهم! وسيجد كل من شَرِق بالصحوة فرصة في تعميم هذا الخطأ، ووصف طلائع الصحوة كلَّها بهذا السلوك، فاللهَ اللهَ أن نُفَرِّح شامتاً، أو نضع في فم كاشح حجة.
(7) لئن كان الصدق فضيلة إسلامية، ومروءة عربية، فإن الكذب فاحشة حرمها الإسلام، وأنف منها مشركو العرب حتى قال أبو سفيان – وهو مشرك - (لولا أن يأثر الناس عليّ كذبا لكذبت عليه) يعني هرقل، فلم يكن يقبل أن يوجد في تاريخه كذبة ولو كانت على عدوه محمد صلى الله عليه وسلم عند هرقل (ملك الروم) . وإننا نخشى من التوسع في رواية هذه الإشاعات أن تنجلي حقيقتها بغير ذلك فَيَأْثِرَ الناس علينا كذباً كثيراً.
(8) إن اختلاق الإشاعات وسرعة تصديقها مهرب نفسي أمام واقع لا يرضاه المرء ولا يستريح إليه، وقديماً قال أبو الطيب:
طَوَى الجزيرةَ حتى جاءني خبرٌ
فَزِعْتُ فيه بآمالي إلى الكَذِب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أمَلاً
شَرِقْتُ بالدمع حتى كاد يشرقُ بي
فتجد النفس سلوتها في تكذيب مالا يروق لها واختلاق الإشاعات وترويجها، إلا أنها - في النهاية - ترضخ لسلطان الحقيقة القاهر، ولكن هذه الحيلة النفسية لا تصلح أن تكون مهرباً لأتباع محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي علمهم فضيلة الصدق وأمرهم بتحريه فقال: " إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ".
(9) إن تسويف الإحساس بالواقع، والتقنع بأغطية الوهم، وأعظمها تصديق الشائعات وترويجها، سيضاعف فداحة الخسائر وأعظمها خسارة القيم، ألا وإنَّ الصدق أعلاها وأغلاها "فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم".
(10) إن الاعتراف بالحقيقة أولى الخطوات في معالجة الأزمات وتجاوزها، كما أن مغالطتها وسترها أعظم أسباب تكريسها وتجديدها ومعاودتها.
(11) وكما نتواصى بعدم نقل هذه الأخبار، فإن علينا تبصير من ينقلونها بطيبةٍ وحسن قصد، ومواجهتهم بالحقيقة، وعدم مجاملة المشاعر على حساب العقل والنقل، وانتشالهم من قلق المغالطة، إلى وضوح الحقيقة، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة.
(12) يقول سيد قطب – رحمه الله – (الحقيقة في كل شيء تغلب المظهر في كل شيء حتى لو كانت حقيقة الكفر) .
وبعد فكم تمنيت ألا يكون الحديث على هذا النحو، ولكن القذاة في عيني، وقد آثرت الصدق في الحديث عن الصدق، فإن أحب الحديث إلى الله أصدقه (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) .
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الوهاب بن ناصر الطريري.(7/1573)
حكم قول التخلق بأخلاق الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر بعض الخطباء في أثناء خطبة الجمعة أن علينا " الاتصاف بصفات الله والتخلق بأخلاقه " هل لهذه الجملة محمل صحيح وهل سبق أن قالها أحد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا التعبير غير لائق، ولكن له محمل صحيح وهو الحث على التخلق بمقتضى صفات الله وأسمائه وموجبها، وذلك بالنظر إلى الصفات التي يحسن من المخلوق أن يتصف بمقتضاها، بخلاف الصفات المختصة بالله كالخلاق والرزاق والإله ونحو ذلك. فإن هذا شيء لا يمكن أن يتصف به المخلوق، ولا يجوز أن يدعيه، وإنما المقصود: الصفات التي يحب الله من عباده أن يتصفوا بمقتضاها كالعلم والقوة والرحمة والحلم والكرم والجود والعفو. وأشباه ذلك، فهو سبحانه عليم يحب العلماء، قوي يحب المؤمن القوي أكثر من حبه للمؤمن الضعيف، كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء، عفو يحب العفو. . إلخ، لكن الذي لله سبحانه من هذه الصفات وغيرها أكمل وأعظم من الذي للمخلوق، بالمقاربة بينهما؛ لأنه سبحانه ليس كمثله شيء في صفاته وأفعاله، كما أنه لا مثل له في ذاته، وإنما حسب المخلوق أن يكون له نصيب من معاني هذه الصفات يليق به ويناسبه على الحد الشرعي، فلو تجاوز الكرم الحد صار مسرفا، ولو تجاوز في الرحمة الحد عطل الحدود والتعزيرات الشرعية، وهكذا لو زاد في العفو على الحد الشرعي وضعه في غير موضعه، وهذه الأمثلة تدل على سواها، وقد نص العلامة ابن القيم رحمه الله على هذا المعنى في كتابيه: (عدة الصابرين) (والوابل الصيب) ، ولعله نص على ذلك في غيرهما كالمدارج وزاد المعاد وغيرهما.
وإليك نص كلامه في العدة والوابل:
قال في العدة صفحة 310:
ولما كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة كان أحب خلقه إليه من اتصف بصفة الشكر، كما أن أبغض خلقه إليه من عطلها أو اتصف بضدها، وهذا شأن أسمائه الحسنى، أحب خلقه إليه من اتصف بموجبها، وأبغضهم إليه من اتصف بضدها، ولهذا يبغض الكفور والظالم والجاهل والقاسي القلب، والبخيل والجبان والمهين واللئيم، وهو سبحانه جميل يحب الجمال، عليم يحب العلماء، رحيم يحب الراحمين، محسن يحب المحسنين، ستير يحب أهل الستر، قادر يلوم على العجز، والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف، عفو يحب العفو، وتر يحب الوتر، وكل ما يحبه من آثار أسمائه وصفاته وموجبها، وكل ما يبغضه فهو مما يضادها وينافيها) ا. هـ
وقال في الوابل الصيب صفحة 543 من مجموعة الحديث:
والجود من صفات الرب جل جلاله، فإنه يعطي ولا يأخذ، ويطعم ولا يطعم، وهو أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، وأحب الخلق إليه من اتصف بمقتضيات صفاته، فإنه كريم يحب الكرماء من عباده، وعالم يحب العلماء، وقادر يحب الشجعان، وجميل يحب الجمال) . انتهى.
وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية، وحصول للفائدة، وأسأل الله سبحانه أن يوفقنا جميعا للفقه في دينه والقيام بحقه إنه سميع قريب.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 251(7/1574)
ما هي حالات إخلاف الوعد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن إخلاف الوعد من صفات المنافقين، لكن إذا لم يتمكن المسلم من الوفاء بوعده لسبب خارج عن إرادته، فهل يعتبر فعل أمراً محرماً واتصف من صفات المنافقين، أو يكون معذوراً..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الوفاء بالوعد والعهد من صفات المؤمنين، وأن إخلافهما من صفات المنافقين، كما جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أربع مَن كنَّ فيه كان منافقاً، ومن كانت فيه خصلة من أربعة: كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلفَ، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر – رواه البخاري (2327) ومسلم (58) -.
والمؤمن الذي يواعد الناس ويخلف وعده إما أن يكون معذوراً أو لا يكون كذلك، فإن كان معذوراً فلا إثم عليه، وإن لم يكن معذوراً: كان آثماً.
ولم يأتِ نصٌّ – فيما نعلم – يجمع ما استثني من تحريم إخلاف الوفاء بالوعد والعهد، لكن يمكن أن يكون إخلاف الوعد أو العهد في حالات يُعذر فيها المؤمن، منها:
أ. النسيان.
وقد عفا الله تعالى عن النسيان في ترك واجب أو فعل محرَّم، كما قال الله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال الله تعالى: " نعم " – رواه مسلم (125) من حديث أبي هريرة -، وفي رواية: " قد فعلت " – رواه مسلم (126) من حديث ابن عباس -.
فمن واعد شخصاً ثم نسي الوعد أو نسي وقته: فلا حرج عليه.
ب. الإكراه على إخلاف الوعد.
والإكراه: أحد الموانع التي تجيز للمسلم التخلف عن الموعد، كمن حُبس أو مُنع من الوفاء بالوعد أو هُدّد بعقوبة تؤلمه.
فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".
رواه ابن ماجه (2045) ، وللحديث شواهد كثيرة، وقد صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (1836) .
ج. الوعد على فعل محرَّم أو ترك واجب.
فمن وعد شخصاً على أن يفعل له محرماً، أو يترك واجباً فإنه لا يجوز الوفاء به.
ويمكن الاستدلال بحديث عائشة – ويُسمَّى حديث بريرة – وهو في الصحيحين - وقد وعدت عائشة – رضي الله عنها – أهل بريرة على أن يكون ولاء بريرة لهم على حسب طلبهم مع أن عائشة – رضي الله عنها – هي التي ستعتقها، ولم تفِ بهذا الوعد؛ لأنهم خالفوا الشرع وهم يعلمون أن " الولاء لمن أعتق "، فكيف تعتقها عائشة ويكون ولاء بريرة لهم؟ .
قال الشافعي:
... فلما بلغهم هذا: كان مَن اشترط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصياً، وكانت في المعاصي حدود وآداب، وكان من آداب العاصين: أن تعطل عليهم شروطهم لينكلوا عن مثلها، وينكل بها غيرهم، وكان هذا من أحسن الأدب.
" اختلاف الحديث " (ص 165) .
د. حصول طارئ مع صاحب الموعد من مرض أو وفاة قريب أو تعطل وسيلة النقل ... الخ.
وهي أعذار كثيرة، تدخل في قوله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1575)
ما معنى قولهم: سيئة هذا الرجل تغوص في بحر حسناته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذه العبارة: (سيئة هذا الرجل تغوص في بحر حسناته) ؟ وهل هي عبارة إرجاء، وادعاء لعلم الغيب أن حسنات هذا الرجل قد قبلت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تطلق هذه العبارة وما في معناها على رجل صالح أو عالم زل في مسألة، أو وقع منه ما لم يحمد عليه، أو كانت له هفوة حفظت عنه، فيراد بهذه العبارة الدفاع عنه، وعدم النيل منه للهفوة أو الزلة؛ لأنه معروف بالستر والصلاح، أو بالعلم، ومحامده المحفوظة أكثر بكثير من مذامه أو أخطائه.
فإنه قد يأتي من يتتبع زلات العلماء، ويتنقصهم بها، فيقال له: إن سيئة هذا العالم مغمورة في بحر حسناته.
وهذا كما قال الذهبي رحمه الله في ترجمة شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وقد انفرد بفتاوى نيل من عرضه لأجلها، وهي مغمورة في بحر علمه، فالله تعالى يسامحه ويرضى عنه، فما رأيت مثله، وكل أحد من الأمة فيؤخذ من قوله ويترك فكان ماذا؟ " انتهى.
"تذكرة الحفاظ" (4/192) .
كما قال عكس ذلك في ترجمة الحجاج الثقفي:
"وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله" انتهى.
"سير أعلام النبلاء" (4/ 343) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"الحسنات لما غلبت السيئات ضعف تأثير المغلوب المرجوح، وصار الحكم للغالب دونه لاستهلاكه في جنبه كما يستهلك يسير النجاسة في الماء الكثير، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث" انتهى.
"طريق الهجرتين" (ص 563) .
وقال أيضا:
"المصائب لا تستقل بمغفرة الذنوب، ولا تغفر الذنوب جميعها إلا بالتوبة أو بحسنات تتضاءل وتتلاشى فيها الذنوب، فهي كالبحر لا يتغير بالجيف" انتهى.
"مدارج السالكين" (1/312) .
وقال أيضا:
"من قواعد الشرع والحكمة أيضا: أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل له مالا يحتمل لغيره، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره؛ فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى خبث، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم) وهذا هو المانع له صلى الله عليه وسلم من قتل من حس عليه وعلى المسلمين [يعني: تجسس، ونقل أخباره إلى الأعداء] وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدرا، فدل على أن مقتضى عقوبته قائم، لكن منع من ترتب أثره عليه ما له من المشهد العظيم، فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات.
وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم: أن من له ألوف من الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها ... كما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع
وقال آخر:
فإن يكن الفعل الذي ساء واحدا فأفعاله اللاتي سررن كثير" انتهى.
"مفتاح دار السعادة" (1/176-177) .
وليست هذه العبارة وأمثالها من الإرجاء في شيء؛ فإن أصل بدعة الإرجاء في قولهم: إن الإيمان تصديق بالقلب فقط، وبعضهم يزيد على ذلك الإقرار باللسان، ولا يشترط له العمل الصالح، ولا تضره المعصية مهما كانت.
كما أن هذه العبارة وأشباهها ليست من ادعاء الغيب؛ فإن الناس يشهدون على الرجل بصلاحه أو فساده بما يظهر لهم من فعله، وليس هذا من ادعاء علم الغيب، إنما الغيب فيما له عند الله، وهل قبلت عماله أو ردت عليه؟ وهل هو من أهل الجنة أو من أهل النار؟ ونحو ذلك.
والمقصود من هذه العبارة أن حسنات الرجل الظاهرة كثيرة، تستهلك فيها هفوته أو هفواته اليسيرة، كما تستهلك النجاسة اليسيرة في الماء الكثير، وليس معناها أن حسناته قد قبلت منه؛ فإن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1576)
لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يخافون من ربهم مع تبشيرهم بالجنة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا كان الصحابة المبشَّرون بالجنة يخافون الله أشد الخوف، على الرغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشرهم بالجنة، بل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كان أخوفهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم خير هذه الأمة وأفضلها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ومِن المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتاب والسنَّة , وما اتفق عليه أهل السنَّة والجماعة من جميع الطوائف: أن خير قرون هذه الأمة في الأعمال، والأقوال، والاعتقاد , وغيرها من كل فضيلة: أن خيرها: القرن الأول، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه , وأنهم أفضل من الخلَف في كل فضيلة، من علم وعمل، وإيمان، وعقل، ودين، وبيان، وعبادة , وأنهم أولى بالبيان لكل مشكل، هذا لا يدفعه إلا مَن كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام , وأضله الله على علم، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " مَن كان منكم مستنّاً فليستنَّ بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد أبرُّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ".
وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله في رسالته: " هم فوقنا في كل علم، وعقل، ودين، وفضل، وكل سبب ينال به علم، أو يدرك به هدى ".
" مجموع الفتاوى " (4 / 157، 158) .
ثانياً:
عبادة الله تعالى تتضمن الخوف، والرجاء، والمحبة له سبحانه تعالى؛ وهذا هو كمال الإيمان.
قال ابن القيم رحمه الله:
وسبب هذا: اقتران الخوف من الله تعالى بحبِّه، وإرادته , ولهذا قال بعض السلف: " مَن عبد الله تعالى بالحب وحده: فهو زنديق , ومن عبده بالخوف وحده: فهو حروري – أي: من الخوارج - , ومن عبده بالرجاء وحده: فهو مرجئ , ومن عبده بالحب والخوف والرجاء: فهو مؤمن.
وقد جمع الله تعالى هذه المقامات الثلاثة بقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَه) الإسراء/ 57، فابتغاء الوسيلة هو محبته، الداعية إلى التقرب إليه، ثم ذكر بعدها الرجاء والخوف , فهذه طريقة عباده، وأوليائه.
" بدائع الفوائد " (3 / 522) .
ثالثاً:
لا يستغرب أن يكون الصحابة أشد الناس خوفاً من الله، فكلما ازداد العبد إيماناً: ازداد خوفه من الله، ألا ترى أن الله تعالى أثنى على أنبيائه، ورسله بهذه الصفة، قال تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) الأحزاب/ 39،
وقال عن الملائكة الكرام: (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) الأنبياء/ 28، وقال: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) النحل/ 50.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِالمَلإ الأَعْلَى وَجِبْريلُ كَالحِلْسِ البَالِي ِنْ خَشْيَةِ الله عزَّ وَجَلَّ) رواه الطبراني في " الأوسط " (5 / 64) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2289) .
والحلس البالي: الثوب البالي.
وهكذا كان حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال عن نفسه: (إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا) رواه البخاري (20) ومسلم (1108) .
قال ابن القيم رحمه الله:
والمقصود: أن الخوف من لوازم الإيمان، وموجباته، فلا يتخلف عنه، وقال تعالى: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) المائدة/ 44 , وقد أثنى سبحانه على أقرب عباده إليه بالخوف منه، فقال عن أنبيائه بعد أن أثنى عليهم ومدحهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا) الأنبياء/ 90، فالرغَب: الرجاء , والرغبة، والرهَب: الخوف، والخشية.
وقال عن ملائكته الذين قد أمَّنهم من عذابه: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) النحل/ 50، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني أعلمكم بالله وأشدكم له خشية) ، وفي لفظ آخر: (إني أخوفكم لله وأعلمكم بما أتقي) – رواه مسلم -، وكان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء – رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " -.
وقد قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فاطر/ 28، فكلما كان العبد بالله أعلم: كان له أخوف، قال ابن مسعود: وكفى بخشية الله علماً.
ونقصان الخوف من الله: إنما هو لنقصان معرفة العبد به؛ فأعرف الناس: أخشاهم لله , ومن عرف الله: اشتد حياؤه منه، وخوفه له، وحبه له , وكلما ازداد معرفة: ازداد حياء، وخوفاً، وحبّاً، فالخوف من أجلِّ منازل الطريق , وخوف الخاصة: أعظم من خوف العامَّة , وهم إليه أحوج، وهم بهم أليق، ولهم ألزم.
" طريق الهجرتين " (423، 424) .
فعلى ذلك فلما كان الصحابة أعلم، وأتقى لله، وأعرف به: استلزم ذلك عظم خوفهم منه تعالى، مع الرجاء، والمحبة، وهكذا حال الأنبياء الذين هم أعرف، وأعلم، وأتقى لله تعالى من غيرهم من الناس.
ويمكن تلخيص أسباب خوف النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام ممن بشِّر بالجنة، بما يلي:
1. أنهم عرفوا معنى عبادة ربهم تعالى، وكان خوفهم من الله تعالى هو تحقيق لركن من أركانها، مع تحقيق ركني الرجاء، والمحبة.
2. أنهم كانوا علماء بالله تعالى، ومن كان بالله أعلم كان منه أخوف.
3. بحثاً عن مزيد ثواب، وعظيم أجر، من ربهم تعالى، قال تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) الرحمن/ 46.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الخوف، والرجاء، والمحبة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1577)
معنى الذل والافتقار وكيف يحققهما العبد المسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب "مدارج السالكين" لابن القيم: يحكى عن بعض العارفين: دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام، فلم أتمكن من الدخول، حتى جئت باب الذل، والافتقار، فإذا هو أقرب باب إليه، وأوسعه، ولا مزاحم فيه، ولا معوق، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته: فإذا هو سبحانه قد أخد بيدي، وأدخلني. " مدارج السالكين ". فما هو الذل، والافتقار، المقصود هنا الذي يوصل لهذا المقام العظيم؟ يعني: هل يوجد في عبادة بعينها أكثر من أي عبادة؟ فوالله محتاجون، ضعفاء إيماناً. والله المستعان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحكمة من خلق الإنسان هي: عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/ 56.
وأركان العبادة هي: كمال الذل والخضوع، مع كمال المحبة، لله تعالى.
قال ابن القيم رحمه الله:
وعبادة الرحمن غاية حبه ** مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ** ما دار حتى قامت القطبان
" النونية " (ص 35) .
وقال ابن القيم رحمه الله أيضاً -:
والعبادة تجمع أصلين: غاية الحب، بغاية الذل والخضوع , والعرب تقول: " طريق معبَّد " أي: مذلَّل، والتعبد: التذلل والخضوع، فمن أحببتَه ولم تكن خاضعاً له: لم تكن عابداً له , ومن خضعت له بلا محبة: لم تكن عابداً له، حتى تكون محبّاً خاضعاً.
" مدارج السالكين " (1 / 74) .
وانظر جواب السؤال رقم: (48973) .
فتحقيق الذل إذاً يكون بتحقيق العبودية لله تعالى وحده، والعبد ذليل لربه تعالى في ربوبيته، وفي إحسانه إليه.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
فإن تمام العبودية هو: بتكميل مقام الذل والانقياد، وأكمل الخلق عبودية: أكملهم ذلاًّ لله، وانقياداً، وطاعة، والعبد ذليل لمولاه الحق بكل وجه من وجوه الذل، فهو ذليل لعزِّه، وذليل لقهره، وذليل لربوبيته فيه وتصرفه، وذليل لإحسانه إليه، وإنعامه عليه؛ فإن مَن أحسن إليك: فقد استعبدك، وصار قلبُك معبَّداً له، وذليلاً، تعبَّدَ له لحاجته إليه على مدى الأنفاس، في جلب كل ما ينفعه، ودفع كل ما يضره.
" مفتاح دار السعادة " (1 / 289) .
قد يظهر الذل في عبادة أعظم منه في عبادة أخرى , وأعظم العبادات التي فيها عظيم الذل والخضوع لله هي: الصلاة المفروضة , والصلاة ذاتها تختلف هيئاتها وأركانها في مقدار الذل والخضوع فيها، وأعظم ما يظهر فيه ذل العبد وخضوعه لربه تعالى فيها: السجود.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
لفظ " السجود "، فإنه إنما يستعمل في غاية الذل والخضوع، وهذه حال الساجد.
" جامع الرسائل، رسالة في قنوت الأشياء " (1 / 34) .
ثانياً:
أما الافتقار إلى الله فهو مقام عالٍ يصل إليه العبد من طرق كثيرة، لعل أبرزها: العبودية، والدعاء، والاستعانة والتوكل.
1. فإذا تحصَّل العبدُ على مقام الذل لربه تعالى: ظهر مقام الافتقار، وعلم أنه لا غنى له عن ربه تعالى، بل صار مستغنٍ بربه عن غيره، فكمال الذل، وكمال الافتقار: يَظهران في تحقيق كمال العبودية للرب تعالى.
قال ابن القيم رحمه الله:
سئل محمد بن عبد الله الفرغاني عن الافتقار إلى الله سبحانه، والاستغناء به، فقال: " إذا صح الافتقار إلى الله تعالى: صحَّ الاستغناء به، وإذا صح الاستغناء به: صحَّ الافتقار إليه، فلا يقال أيهما أكمل: لأنه لا يتم أحدهما إلا بالآخر ".
قلت: الاستغناء بالله هو عين الفقر إليه، وهما عبارتان عن معنى واحد؛ لأن كمال الغنى به هو كمال عبوديته، وحقيقة العبودية: كمال الافتقار إليه من كل وجه، وهذا الافتقار هو عين الغنى به.
" طريق الهجرتين " (ص 84) .
2. ومما يظهر فيه مقام الافتقار إلى الله تعالى: الدعاء، وخاصة بوصف حال الداعي، كما قال موسى عليه السلام: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) النمل/ 24، وكما قال تعالى عن أيوب عليه السلام: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأنبياء/ 83 , وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكِلْنِى إِلَى نَفْسِى طَرْفَةَ، عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِى شَأْنِى كُلَّهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ) رواه أبو داود (5090) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
والمقصود هنا: الكلام أولاً في أن سعادة العبد في كمال افتقاره إلى ربه، واحتياجه إليه، أي: في أن يشهد ذلك، ويعرفه، ويتصف معه بموجب ذلك، من الذل، والخضوع، والخشوع، وإلا فالخلق كلهم محتاجون، لكن يظن أحدهم نوع استغناء، فيطغى، كما قال تعالى (كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَِآهُ اسْتَغْنَى) .
" مجموع الفتاوى " (1 / 50) .
3. ومما يظهر فيه مقام الافتقار إلى الله تعالى: حين يستعين العبد بربه ويتوكل عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
إذا تبين هذا: فكلما ازداد القلب حبّاً لله: ازداد له عبودية، وكلما ازداد له عبودية: ازداد له حبّاً، وفضَّله عما سواه، والقلب فقير بالذات إلى الله من وجهين: من جهة العبادة الغائية، ومن جهة الاستعانة والتوكل، فالقلب لا يصلح، ولا يفلح، ولا ينعم، ولا يسر، ولا يلتذ، ولا يطيب، ولا يسكن، ولا يطمئن، إلا بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات: لم يطمئن، ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث هو معبوده، ومحبوبه، ومطلوبه، وبذلك يحصل له الفرَح، والسرور، واللذة، والنعمة، والسكون، والطمأنينة.
وهذا لا يحصل له إلا باعانة الله له؛ فإنه لا يقدر على تحصيل ذلك له إلا الله، فهو دائماً مفتقر إلى حقيقة: (إياك نعبد وإياك نستعين) .
" العبودية " (ص 97) .
والعبد مفتقر إلى الله تعالى في كل شيء، في خلقه ووجوده وفي استمراره وحياته، وفي علومه ومعارفه، وفي هدايته وأعماله، وفي جلب أي نفع له، أو دفع أي ضرر له، وهذا هو معنى: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
نسأل الله تعالى أن يغنينا بالافتقار إليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1578)
كيف نمتثل قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نمتثل هذه الآية ونطبقها في حياتنا، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نزلت هذه الآية تعلم الصحابة رضوان الله عليهم بعض الآداب في تعاملهم مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وتحذرهم من التشبه بحال المنافقين الذين لا يراعون خلقاً ولا أدباً.
قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/62.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
"هذا أدب أرشد الله عبادَه المؤمنين إليه، فكما أمرهم بالاستئذان عند الدخول، كذلك أمرهم بالاستئذان عند الانصراف، لا سيما إذا كانوا في أمر جامع مع الرسول صلوات الله وسلامه عليه، من صلاة جمعة أو عيد أو جماعة أو اجتماع لمشورة ونحو ذلك - أمرهم الله تعالى ألا ينصرفوا عنه والحالة هذه إلا بعد استئذانه ومشاورته، وأن من يفعل ذلك فهو من المؤمنين الكاملين.
ثم أمر رسوله صلوات الله وسلامه عليه إذا استأذنه أحد منهم في ذلك أن يأذن له إن شاء؛ ولهذا
قال: (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلِّم، فإذا أراد أن يقوم فليسلِّم، فليست الأولى بأحق من الآخرة) رواه الترمذي وقال: حسن" انتهى باختصار.
"تفسير القرآن العظيم" (6/88) .
وقال العلامة السعدي رحمه الله:
"هذا إرشاد من الله لعباده المؤمنين، أنهم إذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم على أمر جامع، أي: من ضرورته أو من مصلحته أن يكونوا فيه جميعاً، كالجهاد، والمشاورة، ونحو ذلك من الأمور التي يشترك فيها المؤمنون، فإن المصلحة تقتضي اجتماعهم عليه وعدم تفرقهم، فالمؤمن بالله ورسوله حقاً لا يذهب لأمر من الأمور، لا يرجع لأهله، ولا يذهب لبعض الحوائج التي يشذ بها عنهم إلا بإذن من الرسول أو نائبه من بعده، فجعل موجب الإيمان عدم الذهاب إلا بإذن، ومدحهم على فعلهم هذا، وأدبهم مع رسوله، ووليّ الأمر منهم، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) .
ولكن هل يأذن لهم أم لا؟ ذكر لإذنه لهم شرطين:
أحدهما: أن يكون لشأن من شئونهم، وشغل من أشغالهم، فأما من يستأذن من غير عذر فلا يؤذن له.
والثاني: أن يشاء الإذن فتقتضيه المصلحة، من دون مضرة بالآذن، قال: (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) ، فإذا كان له عذر واستأذن، فإن كان في قعوده وعدم ذهابه مصلحة برأيه، أو شجاعته، ونحو ذلك، لم يأذن له، ومع هذا إذا استأذن وأذن له بشرطيه، أمر الله رسوله أن يستغفر له، لما عسى أن يكون مقصراً في الاستئذان، ولهذا قال: (وَاسْتَغْفِرْ لَهُم اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لهم الذنوب ويرحمهم، بأن جوز لهم الاستئذان مع العذر" انتهى.
"تيسير الكريم الرحمن" (576) .
ثانياً:
أما في زماننا هذا فيمكننا الاستفادة من الآية وامتثالها بطرائق عدة، من أهمّها:
1- الالتزام بأحكام الشريعة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ففي ذلك استئذان معنوي منه صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم رحمه الله: "فإذا جَعل من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهباً إذا كانوا معه إلا باستئذانه، فأولى أن يكون مِن لوازمه أن لا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه وإذنه، يُعرَف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه" انتهى من "إعلام الموقعين" (1/51) .
2- استئذان وليّ الأمر أو المسؤول قبل الانصراف من الأمر الجامع الذي هو من مصالح المسلمين. ولذلك بوب الإمام البخاري في صحيحه بقوله: " باب استئذان الرجل الإمام؛ لقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) " انتهى.
وسبق في كلام السعدي رحمه الله أن هذه الآية في حكم الاستئذان من الرسول صلى الله عليه وسلم ووليّ الأمر.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (3/155) : "أقيمت الولايات رعاية للمصالح وحفاظا عليها، واستئذان من له الولاية في حدود ولايته أمر لا بد منه؛ لتستقيم الأمور وتحسم الفوضى، وهذا باب واسع، منه: إذا غزا الأمير بالناس لم يحلّ لأحد ممن معه أن يخرج من المعسكر ليحضر
الزاد والعتاد، ولا أن يبارز أحداً من العدو، ولا أن يحدث حدثاً إلا بإذنه؛ لأن الأمير أعرف بحال الناس، وحال العدو، ومكامنهم ومواضعهم وقربهم وبعدهم، فإذا خرج خارج بغير إذنه لم يأمن أن يصادف كميناً للعدو أو طليعة لهم فيأخذوه، أو يرحل الأمير بالمسلمين ويتركه فيهلك، ومن كان مع الجيش في الغزو فأراد الجيش أن ينتقل من موقع لآخر، وأراد بعض الجند التخلف لأمر ما، لا يحل لأحد منهم التخلف عن المسير مع الجيش، إلا بإذن. وإذا جمع الإمام أو الأمير أولي الرأي لاستشارتهم في أمر من الأمور، فليس لأحد منهم أن ينصرف بغير استئذان؛ لأنه قد يحتاج إلى رأيه؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) ،
والآية ليست خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الولاة خلفاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رعاية المصالح العامة فتنطبق عليه الآية" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1579)
كيف يحقق التجار التوكل على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة كيفية التوكل عند التجارة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التوكل على الله في عموم حاجات المسلم من علامات إيمان المرء، ويتأكد ذلك في التوكل على الله في الرزق، وتحصيله.
قال أبو حاتم بن حبَّان – رحمه الله -:
الواجب على العاقل: لزوم التوكل على من تكفل بالأرزاق؛ إذ التوكل هو نظام الإيمان [النظام: هو السلك الذي تنظم فيه حبات العقد] ، وقرين التوحيد، وهو السبب المؤدي إلى نفي الفقر، ووجود الراحة، وما توكل أحدٌ على الله جل وعلا من صحة قلبه، حتى كان الله جلَّ وعلا ـ بما تضمَّن من الكفالة ـ أوثق عنده بما حوته يده: إلا لم يكِلْه الله إلى عباده، وآتاه رزقه من حيث لم يحتسب.
وأنشدني منصور بن محمد الكريزي:
توكلْ على الرحمن في كلِّ حاجةٍ ... أردتَّ فإن الله يقضي ويَقْدُرُ
متى ما يُرِدْ ذو العرش أمراً بعبده ... يُصِبْه، وما للعبد ما يتخَيَّر
وقد يَهلك الإنسانُ من وجه أَمْنِه ... وينجو بإذن الله من حيث يَحْذَر
" روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " (ص 153، 154) .
أما كيفية التوكل في التجارة، فينبغي على العبد أن يلتفت إلى ما يلي:
أ. أن يعتقد أن الله تعالى قد قسم الأرزاق بين خلقه، وقدَّر ذلك في الأزل.
قال أبو حاتم بن حبَّان – رحمه الله -:
العاقل يعلم أن الأرزاق قد فُرغ منها، وتضمنها العلي الوفي، على أن يوفرها على عباده في وقت حاجتهم إليها، والاشتغال بالسعي لما تضمن، وتكفل: ليس من أخلاق أهل الحزم، إلا مع انطواء صحة الضمير على أنه وإن لم يسع في قصده: أتاه رزقه من حيث لم يحتسب.
" روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " (ص 155) .
ب. أن يقطع العلائق في تحصيل رزقه بينه وبين غير الله تعالى.
قال أبو حاتم بن حبَّان – رحمه الله -:
التوكل هو: قطع القلب عن العلائق برفض الخلائق، وإضافته بالافتقار إلى محوِّل الأحوال، وقد يكون المرء موسراً في ذات الدنيا، وهو متوكل صادق في توكله، إذا كان العُدْم والوجود عنده سيين لا فرق عنده بينهما، يشكر عند الوجود، ويرضى عند العدم، وقد يكون المرء لا يملك شيئاً من الدنيا بحيلة من الحيل، وهو غير متوكل، إذا كان الوجود أحب إليه من العدم، فلا هو في العدم يرضى حالته، ولا عند الوجود يشكر مرتبته.
" روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " (ص 156) .
ج. أن يكون قلب الطالب للرزق معتمداً على الله تعالى ربِّه، مع بذل الأسباب، والسعي في تحصيلها.
ومما يدل على أن التوكل فيه أخذ بالأسباب: ما جاء عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) .
رواه الترمذي (2344) وابن ماجه (4164) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال ابن كثير - رحمه الله -:
فالسعي في السبب لا ينافي التوكل - وذكر حديث (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ... ) -، فأثبت لها رواحاً، وغدوّاً، لطلب الرزق، مع توكلها على الله عز وجل، وهو المسَخِّر، المسيِّر، المسبِّب.
" تفسير ابن كثير " (8 / 179) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رمه الله -:
فعلى العبد أن يكون قلبه معتمداً على الله، لا على سببٍ من الأسباب، والله ييسر له من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة.
" مجموع الفتاوى " (8 / 528) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
التوكل يجمع شيئين: أحدهما: الاعتماد على الله، والإيمان بأنه مسبب الأسباب، وأن قدره نافذ، وأنه قدر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى.
الثاني: تعاطي الأسباب؛ فليس من التوكل تعطيل الأسباب، بل التوكل يجمع بين الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله، ومن عطلها فقد خالف الشرع والعقل.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 427) .
وانظر تتمة كلام الإمامين، والتفصيل في المسألة في جواب السؤال رقم: (118262) .
د. حسن الظن بالله تعالى، والالتجاء إليه بالدعاء، والسؤال، والطلب.
يقول شيخ الإسلام: ينبغي للمهتم بأمر الرزق أن يلجأ فيه إلى الله ويدعوه , كما قال سبحانه فيما يؤثر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ) – رواه مسلم -.
وانظر كلاما متيناً لشيخ الإسلام ابن تيمية في جواب السؤال رقم: (21575) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1580)
من هو الضيف الذي يجب إكرامه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الضيف الذي يجب إكرامه؟ هل إذا زارني أحد أصحابي أو جيراني يكون ضيفا؟ ويكون له حق الضيف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المضيف أن يكرم ضيفه، ويقوم بحقه، ويدل على ذلك:
ما جاء في الحديث عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزاعِي رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ) قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ) رواه البخاري (5673) ومسلم (48) .
وفي لفظ لمسلم (48) : (الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) .
قال الخطابي رحمه الله:
قوله: (جائزته يوم وليلة) سئل مالك بن أنس عنه فقال: يُكرمه، ويتحفه، ويخصه، ويحفظه، يوماً وليلة، وثلاثة أيام ضيافة.
قلت: يريد أنه يتكلف له في اليوم الأول بما اتسع له من بِر، وألطاف، ويقدِّم له في اليوم الثاني والثالث ما كان بحضرته، ولا يزيد على عادته، وما كان بعد الثلاث: فهو صدقة، ومعروف، إن شاء فعل، وإن شاء ترك.
"معالم السنن" (4/238) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
إن للضيف حقّاً على مَن نزل به، وهو ثلاث مراتب: حق واجب، وتمام مستحب، وصدقة من الصدقات، فالحق الواجب: يوم وليلة , وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المراتب الثلاثة في الحديث المتفق على صحته من حديث أبي شريح الخزاعي – وساق الحديث السابق -.
"زاد المعاد" (3/658) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"والواجب يوم ليلة، والكمال ثلاثة أيام؛ لما روى أبو شريح الخزاعي - وساق الحديث -" انتهى.
"المغني" (11/91) .
والضيف الذي يجب إكرامه، وله حق على المضيف، هو الضيف المسافر، وهو القادم من بلد آخر.
فيجب على من ينزل عليه أن يطعمه ويكرمه، فإن لم يفعل فلهه حق في ماله، وهذا لا ينطبق على الزائر من البلد نفسه، وليس قادماً من السفر، فهذا يمكن أن تقول له: "ارجع"، كما قال تعالى: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) النور/28.
ومما يدل على ما قلناه: ما يوجد في بعض الأحاديث من التصريح بذلك، وأن الحق للضيف إنما هو للمسافر، وليس للمقيم، ومنه:
عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قال: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَمُرُّ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَنَا [أي لا يقدموا لنا حق الضيف] ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (إِنْ أَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ) رواه البخاري (2329) ومسلم (1727) .
وقد اختلف العلماء في حكم الضيافة، وعلى من تجب، ففي "الموسوعة الفقهية" (28/316، 317) :
"وقد ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن الضيافة سنَّة، ومدتها ثلاثة أيام، وهو رواية عن أحمد.
والرواية الأخرى عن أحمد - وهي المذهب - أنها واجبة، ومدتها يوم ليلة، والكمال ثلاثة أيام. وبهذا يقول الليث بن سعد.
ويرى المالكية وجوب الضيافة في حالة المجتاز الذي ليس عنده ما يبلغه ويخاف الهلاك.
والضيافة على أهل القرى والحضر، إلا ما جاء عن الإمام مالك، والمام أحمد - في رواية - أنه ليس على أهل الحضر ضيافة، وقال سحنون: الضيافة على أهل القرى، وأما أهل الحضر فإن المسافر إذا قدم الحضر وجد نزلاً - وهو الفندق - فيتأكد الندب إليها ولا يتعين على أهل الحضر تعينها. انتهى
والراجح – والله أعلم – أن ضيافة المسافر المجتاز – لا المقيم - واجبة، وأن وجوبها على أهل القرى، والأمصار، دون تفريق.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرح قول الحجاوي رحمه الله: "وَتَجِبُ ضِيَافَةُ المُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ فِي الْقُرَى يَوْماً وَلَيْلَةً".
قال: قوله: " وتجب ضيافة المسلم ": " تجب " هذا بيان حكم الضيافة، والضيافة أن يَتلقَّى الإنسان مَن قدم إليه، فيكرمه، وينزله بيته، ويقدم له الأكل، وهي من محاسن الدين الإسلامي، وقد سبقنا إليها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) الذاريات/ 24، أي: الذين أكرمهم إبراهيم، ولا يمتنع أن يقال: والذين أكرمهم الله عزّ وجل بكونهم ملائكة.
فحكم الضيافة واجب، وإكرام الضيف - أيضاً – واجب، وهو أمر زائد على مطلق الضيافة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) ، أي: من كان يؤمن إيماناً كاملاً: فليكرم ضيفه.
... .
قوله: " المجتاز به " يعني: الذي مرَّ بك وهو مسافر، وأما المقيم: فإنه ليس له حق ضيافة، ولو كان المقيم له حق الضيافة: لكان ما أكثر المقيمين الذين يقرعون الأبواب! فلا بد أن يكون مجتازاً، أي: مسافراً ومارّاً، حتى لو كان مسافراً مقيماً يومين، أو ثلاثة، أو أكثر: فلا حق له في ذلك، بل لا بد أن يكون مجتازاً.
قوله: " في القرى " دون الأمصار، والقرى: البلاد الصغيرة، والأمصار: البلاد الكبيرة، قالوا: لأن القرى هي مظنة الحاجة، والأمصار بلاد كبيرة فيها مطاعم، وفنادق، وأشياء يستغني بها الإنسان عن الضيافة، وهذا - أيضاً - خلاف القول الصحيح؛ لأن الحديث عامّ، وكم من إنسان يأتي إلى الأمصار وفيها الفنادق، وفيها المطاعم، وفيها كل شيء، لكن يكرهها ويربأ بنفسه أن يذهب إليها، فينزل ضيفاً على صديق، أو على إنسان معروف، فلو نزل بك ضيف - ولو في الأمصار -: فالصحيح: الوجوب.
"الشرح الممتع على زاد المستقنع" (15/48 – 51) باختصار.
وأما الزائر من البلد نفسه فلا شك أن إطعامه وإكرامه يدخل في عموم الأمر بإطعام الطعام والإحسان إلى الناس، ولكنه ليس هو الضيف الذي أوجب النبي صلى الله عليه وسلم إكرامه، وجعل له حقاً في مال المضيف.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1581)
هاشمية من آل البيت تشعر بتميزها عن الناس وتعاملهم بما لا يليق!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي مشكلة وهي: أنا هاشمية، ويرجع نسبي إلى " جعفر الطيار "، وعندما أذهب إلى أناس ليسوا من آل البيت، أو يقوم أحد بخطبتي ليس من آل البيت: أحس أنهم أقل منِّي، وما أقدر أتحدث إليهم، وإذا يوجد مجلس: أخرج منه، ولكن والدي، ومن حولي من أهلي ينصحوني، هل هذا الشيء يعد تفاخراً، وجاهلية، ولكن الله قال في كتابه العزيز (وجعلناكم شعوبا وقبائل) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلمي ـ يا أمة الله ـ أن أصل الناس جميعاً واحد، وكل خلق الله من البشر فأبوهم آدم، وأمهم حواء، وقد ذكَّرنا الله تعالى بهذا في مواضع من كتابه، وكذا جاء ذلك في السنَّة النبوية، ومن الحكَم في ذلك: ترك التفاخر بالأنساب، والتطاول على الناس، وازدراؤهم.
وما جعل الله تعالى الناس شعوباً وقبائل إلا لأجل أن يعرف بعضهم بعضاً بتميز القبيلة والجنس، كالتميز بالاسم، لا لأجل التفاخر بعربيته، أو بقبيلته، أو بجنسه، أو بلغته.
وكون الإنسان هاشميّاً لا يرفعه عند ربه تعالى، وليس هو مجال المفاضلة بين الناس؛ لأن نسب الإنسان وهبي من الله ليس كسبيّاً، والكافر من بني هاشم سيكون حطب جهنم، والعبد الأعجمي المسلم قد يكون مأواه الفردوس الأعلى.
وقد جمع الله تعالى تلك الأشياء الثلاثة في سياق واحد، وآية واحدة، هي نفس الآية التي وردت في سؤالك، لكن يبدو أنك لم تتأمليها بما يكفي لفهمها.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/ 13.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
" لمَّا كان قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى) يدل على استواء الناس في الأصل؛ لأن أباهم واحد، وأمهم واحدة، وكان في ذلك أكبر زاجر عن التفاخر بالأنساب، وتطاول بعض الناس على بعض: بيَّن تعالى أنه جعلهم شعوباً، وقبائل لأجل أن يتعارفوا، أي: يعرف بعضُهم بعضاً، ويتميز بعضهم عن بعض، لا لأجل أن يفتخر بعضهم على بعض، ويتطاول عليه، وذلك يدل على أن كون بعضهم أفضل من بعض، وأكرم منه: إنما يكون بسبب آخر غير الأنساب، وقد بيَّن الله ذلك هنا بقوله: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) فاتضح من هذا: أن الفضل، والكرم، إنما هو بتقوى الله، لا بغيره من الانتساب إلى القبائل، ولقد صدق من قال:
فقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب
وقد ذكروا أن سلمان رضي الله عنه كان يقول:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم
وهذه الآيات القرآنية، تدل على أن دين الإسلام سماوي صحيح، لا نظر فيه إلى الألوان، ولا إلى العناصر، ولا إلى الجهات، وإنما المعتبر فيه: تقوى الله جل وعلا، وطاعته، فأكرم الناس، وأفضلهم: أتقاهم لله، ولا كرم، ولا فضل لغير المتقي، ولو كان رفيع النسب " انتهى.
" أضواء البيان " (7 / 417، 418) .
ثانياً:
ولا يشك مسلم أن الله تعالى قد فضَّل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بفضائل متعددة، وأوجب علينا محبتهم، ورعايتهم، لكن ننبه على أن ذلك للمؤمن منهم، لا لكل منتسب إليهم، وأن هذه الفضائل لا تدعو للتفاخر، بل تدعو لشكر المنعِم عز وجل، واحترام الآخرين، وتقدير تلك المحبة والرعاية منهم.
وفي جواب السؤال رقم (121948) بينَّا تلك الفضائل لآل البيت، فلتنظر.
ولما كان الفخر بالأنساب من كبائر الذنوب: وجب عليك التنبه لنفسك في موقفك مع الآخرين، وطريقة تعاملك معهم، وقد ورد النهي عن التفاخر بالأنساب في أحاديث كثيرة:
1. منها: حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآْبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ) رواه الترمذي (3270) ، وأبو داود (5116) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
والعبية - بضم العين وكسرها -: الكبر والفخر، الجِعلان: دويبة سوداء، كالخنفساء تدير الخراء بأنفها.
قال المباركفوري – رحمه الله -:
" قال الخطَّابي: معناه: أن الناس رجلان: مؤمن تقي فهو الخيِّر الفاضل، وإن لم يكن حسيباً في قومه، وفاجر شقي فهو الدني وإن كان في أهله شريفاً رفيعاً. انتهى.
وقيل: معناه أن المفتخر إما مؤمن تقي، فإذن لا ينبغي له أن يتكبر على أحد، أو فاجر شقي فهو ذليل عند الله، والذليل لا يستحق التكبر، فالتكبر منفي بكل حال " انتهى نقلاً من " تحفة الأحوذي " (10 / 317) .
2. ومنها: حديث أبي مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَْحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَْنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ) رواه مسلم (934) .
قال عبد الرؤوف المناوي – رحمه الله -:
" (أربع) أي خصال أربع كائنة.
(في أمتي من أمر الجاهلية) أي: من أفعال أهلها.
(الفخر في الأحساب) أي: الشرف بالآباء، والتعاظم بمناقبهم.
(والطعن في الأنساب) أي: الوقوع فيها بنحو قدح، أو ذم.
(والاستسقاء بالنجوم) أي: اعتقاد أن نزول المطر بنجم كذا.
(والنياحة) أي: رفع الصوت بندب الميت، وتعديد شمائله.
فالأربع: محرَّمات، ومع ذلك لا تتركها هذه الأمة، أي: أكثرهم، مع العلم بتحريمها " انتهى.
" التيسير بشرح الجامع الصغير " (1 / 273) .
فأعيدي النظر في طريقة تعاملك مع الناس، ولا يحل لك ازدراء أحد من الناس، وما أنتِ فيه من نعمة من انتسابك لأهل البيت ليس لك فيه كسب، وإنما الفضل الحقيقي بما تعملينه، وتكسبينه من الصالحات:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ) رواه مسلم (2699) .
قال النووي رحمه الله:
" مَعْنَاهُ: مَنْ كَانَ عَمَله نَاقِصًا , لَمْ يُلْحِقهُ بِمَرْتَبَةِ أَصْحَاب الْأَعْمَال , فَيَنْبَغِي أَلَّا يَتَّكِل عَلَى شَرَف النَّسَب , وَفَضِيلَة الْآبَاء , وَيُقَصِّر فِي الْعَمَل " انتهى من شرح صحيح مسلم.
وإن بقيتِ على حالك هذه: صارت تلك النعمة نقمة، وخسرتِ أشياء كثيرة، فتضيع عليك حسناتك، وتأخذين سيئات غيرك، وهذا هو عين الإفلاس:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ؛ التَّقْوَى هَاهُنَا ـ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاَ مَرَّاتٍ ـ. بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) .
وليكن قدوتك سيد آل البيت جميعاً، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف كان يعامل الكبار، وكيف كان رحيماً بالصغار، وكيف كان يصبر على الأعراب، ويقدِّم العجمي – كسلمان الفارسي لدينه – وليس في منهج حياته اعتبار لنسبه في تعامله مع الآخرين، وهذه حياته بين يديك، قلبي صفحاتها، وتأملي معانيها، واستغرقي في أحوالها: فلن تجدي حرفاً منها يماثل، ولا يقارب ما أنت عليه من حال.
نسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن ييسر أمرك، ويهدي قلبك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1582)
معنى "الصدق مع الله" وكيف يحققه المسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[للعبادة أركان ثلاثة، أحدها: " الصدق مع الله "، فكيف يكون الصدق مع الله؟ إني أتطلع للمعالي، وأريد أن ألِمَّ بأكبر قدر من العلم الشرعي، وأريد أن أكون داعية، وقد رزقني الله مواهب عديدة تحتاجها الدعوة، ونشر العلم، وأريد أن أقوى على القيام، والصيام، قد أتممت حفظ كتاب الله، والآن في طريقي لأثبِّت حفظي، وأتقن التلاوة، وأتعلم العلم الشرعي، وعندي مشاريع، وأفكار عدة لخدمة كتاب الله، ونصرة الدين، ولكن خطواتي بطيئة؛ لتعدد المهام، وكثرة العوائق، خاصة من الأهل والمجتمع الذي حولي - وكم أعاني منهم - ولضعف بنيتي الصحية، وعدم قدرتي على بذل مجهود كبير، وإن بذلت: جلست أياما لا أستطيع أن أحرك شيئاً، إني دائما أضع جدولا لجميع المهام، وأحاول أن أسير عليه، ولكني لا أقدر بسبب الظروف المتغيرة، إني أعيش وحدي، لا أجد أختاً تشاركني أهدافي، ولا قائداً يمسك بي ويتابعني لأحقق طموحاتي، أبحث كثيراً، ولكن لا أجد، لا أعلم ما سبب تباطئي خطواتي، أهو الصدق مع الله هذا الركن الذي قد أكون لم أحققه بعد أم ماذا؟ يحزنني كثيراً، ويؤلمني، تأخري في الوصول لأهدافي، فإن كان ثم نصيحة: فلا تبخلوا بها عليَّ فإني بأمس الحاجة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
" الصدق مع الله " أجل أنواع الصدق، ويكون المسلم صادقاً مع ربِّه تعالى إذا حقَّق الصدق في جوانب ثلاثة: الإيمان والاعتقاد الحسَن، والطاعات، والأخلاق، فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، والصادق فيه هو من حققه على الوجه الذي أراده منه ربه تعالى، ومنه الصدق في اليقين، والصدق في النية، والصدق في الخوف منه تعالى، وليس كل من عمل طاعة يكون صادقا حتى يكون ظاهره وباطنه على الوجه الذي يحبه الله تعالى.
وقد بَينَّ الله تعالى الصادقين في آية واحدة، وهي قوله عز وجل: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْس) ِ ثم قال سبحانه بعد هذه الأوصاف كلها: (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة/ 177.
قال ابن كثير رحمه الله:
اشتملت هذه الآية الكريمة على جُمَل عظيمة، وقواعد عميمة، وعقيدة مستقيمة.
" تفسير ابن كثير " (1 / 485) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
(أُولَئِكَ) أي: المتصفون بما ذُكر من العقائد الحسنة، والأعمال التي هي آثار الإيمان، وبرهانه ونوره، والأخلاق التي هي جمال الإنسان وحقيقة الإنسانية: فأولئك هم (الَّذِينَ صَدَقُوا) في إيمانهم؛ لأن أعمالهم صدَّقت إيمانهم، (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) لأنهم تركوا المحظور، وفعلوا المأمور؛ لأن هذه الأمور مشتملة على كل خصال الخير، تضمناً، ولزوماً؛ لأن الوفاء بالعهد يدخل فيه الدين كله، ولأن العبادات المنصوص عليها في هذه الآية: أكبر العبادات، ومن قام بها: كان بما سواها أقوم، فهؤلاء هم الأبرار، الصادقون، المتقون.
" تفسير السعدي " (ص 83) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
ومن فوائد الآية: أن ما ذُكر هو حقيقة الصدق مع الله، ومع الخلق؛ لقوله تعالى: (أولئك الذين صدقوا) ؛ فصِدْقهم مع الله: حيث قاموا بهذه الاعتقادات النافعة: الإيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، وأنهم أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وبذلوا المحبوب في هذه الجهات، وأما صدقهم مع الخلق: يدخل في قوله تعالى: (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) ، وهذا من علامات الصدق، ولهذا قال تعالى: (أولئك الذين صدقوا) فصدقوا في اعتقاداتهم، وفي معاملاتهم مع الله، ومع الخلق.
" تفسير سورة البقرة " (2 / 293، 294) .
ثانياً:
اعلمي أختي السائلة: أن الصدق مع الله تعالى ليس شيئاً نتجمل به، ونقنع به أنفسنا وندع العمل، بل الصدق مع الله يكون في النية، ويكون في العمل إذا قمنا به، وتيسرت أسبابه، والصادق مع ربه تعالى يبلغ بصدق نيته ما يبلغ العامل إن تعذر عليه القيام بالعمل.
فعن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) . رواه مسلم (1909) .
قال ابن القيم رحمه الله:
ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربَّه في جميع أموره، مع صدق العزيمة، فيصدقه في عزمه، وفي فعله، قال تعالى: (فإذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا الله لَكَانَ خَيْراً لَهُم) فسعادته في صدق العزيمة، وصدق الفعل، فصدق العزيمة: جمعها، وجزمها، وعدم التردد فيها، بل تكون عزيمة، لا يشوبها تردد، ولا تلوُّم، فإذا صدقت عزيمته: بقي عليه صدق الفعل، وهو استفراغ الوسع، وبذل الجهد فيه، وأن لا يتخلف عنه بشيء من ظاهره، وباطنه، فعزيمة القصد تمنعه من ضعف الإرادة والهمة، وصدق الفعل يمنعه من الكسل، والفتور، ومَن صدَق الله في جميع أموره: صنع الله له فوق ما يصنع لغيره، وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص، وصدق التوكل، فأصدَقُ الناس: مَن صح إخلاصُه، وتوكله.
" الفوائد " (ص 186، 187) .
ثالثاً:
قد يحتار المسلم بم يبدأ؟ وكيف يرتب أمره في يومه وليلته؟ وهذا لا ينبغي أن يكون عائقاً أمام القاصد لفعل الخير، من طلب العلم، أو الدعوة إلى الله، فمثل تلك الفوضى يمكن للمسلم أن يتخلص منها بترتيب ساعات يومه، فيجعل الجزء الأول من نهاره لحفظ القرآن، ويرتب باقي يومه بين طلب العلم عن طريق الأشرطة، وقراءة الكتب، وحضور مجالس العلم، وبين أداء الواجبات التي في ذمته، زوجاً كان أو زوجة، عاملاً كان أو متفرغاً.
والذي ننصحكِ به أختنا السائلة: أن تبدئي ولا تؤجلي، وأن تصدقي في النية حتى ييسر الله لك أموركِ.
ولمزيد الفائدة انظري جواب السؤال رقم (105308) .
ونسأل الله أن يعينك على طاعته، وأن يوفقك، ويسددك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1583)
هل يجوز الذهاب لوليمة عرس سبقتها منكرات وآثام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تقام في بلدنا حفلات الزفاف بحيث يكون فيها معازف، وغناء، وألعاب نارية، حتى وقت متأخر من الليل، وفي اليوم التالي تقام وليمة عرس، نحن نقاطع الحفلة التي فيها المنكرات، ولكن اختلفنا بشأن الذهاب إلى الوليمة، بعضنا يقول: إن الذهاب إلى الوليمة يكون تأييداً لهم على منكرهم، والبعض يقول: إن المنكر انتهى، والوليمة ليس فيها منكرات، لذا يجب إجابة الدعوة، هل يجوز الذهاب إلى وليمة من أقام المنكرات، مع العلم أن الوليمة لا يصاحبها معازف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد بينَّا في جواب السؤال رقم: (22006) حكم إجابة الدعوة، ورجحنا وجوب الإجابة، وذكرنا الشروط التي يجب تحققها لثبوت الوجوب، ومن تلك الشروط:
" ألا يكون هناك منكر في مكان الدعوة، فإن كان هناك منكر، وهو يستطيع إزالته: وجب عليه الحضور لسببين: إجابة الدعوة، وتغيير المنكر، وإن كان لا يمكنه إزالته: حرم عليه الحضور ".
انتهى
وهذا الشرط المذكور في الجواب هو في حال كون المنكر موجوداً وقت الوليمة، وهذا مما لا ينبغي أن يُختلف فيه.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
إذا دعي إلى وليمة فيها معصية، كالخمر، والزمر، والعود، ونحوه، وأمكنه الإ ن كار، وإزالة المنكر: لزمه الحضور، والإنكار.
وإن لم يقدر على الإنكار: لم يحضر، وإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر: أزاله، فإن لم يقدر: انصرف.
" المغني " (7 / 279) .
وأما الوارد في السؤال فهو فيما لو كانت المنكرات قد سبقت الوليمة بيوم أو يومين، كما هو الحال في الأعراس في بعض الدول، حيث يحتفل النساء في ليلة، ثم الرجال والنساء في الليلة التي تليها، ثم تكون الوليمة في اليوم الثالث، وغالباً ما تكون بعد صلاة الجمعة، والذي نراه في هذه الحال أنه لا يجوز لأحدٍ أن يحضر تلك الوليمة إن كان قد سبقتها منكرات وآثام، والعرس وحدة واحدة، والوليمة جزء منه، وينبغي النظر إليه بهذا الاعتبار، وثمة اعتبار آخر، وهو أن حضور المسلم للطعام فيه إقرار لهم بما فعلوه قبلها من منكرات، والأصل أن مثل هؤلاء يهجرون لفعلهم المنكر، فكيف لأحد أن يشاركهم طعامهم بعد أن عصوا ربهم وجاهروا بذلك على يومين أو أكثر؟! .
نعم، يوجد من يقول بأنه ليس ثمة منكر وقت الوليمة، وأنه لا يشاهِد، ولا يَسمع شيئاً من المنكرات أثناء تناول الوليمة، لكن لا ينبغي أن نغض الطرف عن فعل أصحاب العرس في لياليهم التي عصوا فيها الرب تعالى، وهو متوعدون بالعقوبة عليها، والمسلم يجب أن يكون له موقف من تلك المنكرات، وأهلها، وإن ذهابه لتناول الطعام ليزري به؛ حيث يقول أهل تلك الأعراس: " إن من أنكر علينا معاصينا سيشاركنا في الطعام! وسيحضر في فقرة العرس الأخيرة! "، وهذا ما يُقال من قبل أولئك العصاة، مع تندر، واستهزاء بأهل الفضل والخير، وأنهم أهل طعام! .
والحنفية مع تساهلهم في حضور الوليمة إن كان المنكر في المنزل، غير مشاهد، ولا مسموع، لكنهم أبوا أن يكون أهل الدِّين من الحاضرين لتلك الوليمة.
ففي " الموسوعة الفقهية " (45 / 240) :
وأما الحنفية: فقد صرحوا بأنه لو كان المنكر في المنزل: فإنْ قدر المدعو على المنع: فعل، وإلا صبر، مع الإنكار بقلبه، هذا إن لم يكن مقتدى به، فإن كان مقتدى به، ولم يقدر على المنع: فإنه يخرج، ولا يقعد؛ لأن فيه شينَ الدِّين.
انتهى
سئل الشيخ محمد بن عبد العزيز المسند – حفظه الله -:
أحياناً أدعى إلى وليمة بعدها تقام بدعة، مثل ضرب الدفوف، أو سهرة غناء أناشيد، وهذا بعد الوليمة بكثير، فهل يجوز تلبية مثل هذا؟ .
فأجاب:
لا يجوز تلبية مثل هذه الولائم، إلا لمن في حضوره إزالة لهذا المنكر، أو تخفيف له، أمّا الاكتفاء بالحضور دون إنكار: فهو نوع من الإقرار، لكن ينبغي أن يكون الإنكار بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، فلا يصل إلى درجة العراك، أو الشتائم، والسباب.
" الأسئلة الجزائرية " (السؤال رقم 26، رقم الفتوى: 24563) .
http://www.islamlight.net/almesnad/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=24563
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1584)
أسلمت دون أهلها فهل تبر أهلها مع أذيتهم لها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت وأنا صغيرة وقد طردني والدي من المنزل فانتقلت إلى أحد الدول الإسلامية مع زوجي للعيش هناك، وأنا اتصل على والدتي دائماً فهل علي إثم بترك اتصالي على والدي مع العلم أنه يتكلم علي بأنها عاهرة ويقوم بتهديدي وعائلتي بالقتل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن هداكِ للإسلام، ولا شك أن فضل الله عليكِ عظيم إذ اختاركِ من بين أهلكِ لتكوني أولهم دخولاً في هذا الدين، ونسأل الله أن تكوني سبباً لدخولهم فيه كذلك.
وما فعلته من دعوة أهلك إلى الإسلام هو ما أوجبه الله تعالى عليكِ، وهم أولى من غيرهم بالدعوة وتبيين الحق لهم.
قال الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} يوسف / 108، وقال تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} الشعراء / 214.
وينبغي على الداعية إلى الله تعالى أن يرفق في دعوته ويتلطف في عرضها، وبخاصة إذا كانوا من أهله، فقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين ومصاحبتهم في الدنيا بالمعروف حتى لو كانوا كفاراً، ويدعونه إلى الكفر.
قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} النحل / 125، وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} العنكبوت / 8.
ومن لم يستجب منهم: فإنما ضلاله على نفسه، وليس يلحق الداعي من إثمه شيء.
قال تعالى: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء / 15.
وما فعلته من هجرتكِ إلى " إحدى الدول الإسلامية " وزواجك هو عين الصواب، فلا يستطيع المسلم أن يحافظ على دينه غالباً إذا كان في بيئة تعاديه وتحاربه، ويكون غريباً بينهم، وخاصة إذا كانت امرأة ليس لها حول ولا قوة إلا بالله تعالى، ويدل على هذه المشقة ما فعله والدكِ من طردك من البيت عندما علم بإسلامك.
واتصالك بوالدتكِ والسؤال عنها وعن والدكِ أمرٌ تُشكرين عليه، وهو مما أوجبه الله تعالى عليك، وحق الوالدين عظيم، فلا تقطعي صلتك بهم وإن أساؤوا إليك وحاولي الاتصال بوالدك والتلطف معه في الكلام لعل ذلك يكون من أسباب هدايته ويزيل ما في قلبه من قسوة عليك.
وأما ما يهددكِ به والدكِ: فلا تلتفتي له ولا تهتمي به، فلن يصيبك وزوجك وعائلتك إلا ما كتب الله لكم، فخذوا بالأسباب واستعينوا بالله تعالى فهو خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين.
وما قذفكِ به واتهمكِ بفعله: هو مما يدخل في أذية الكافر للمسلم، وقد قُذف عرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باتهام زوجته وأمنا أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – بالزنا، وقيل عنه ساحر وكاهن ومجنون، وهكذا قيل لإخوانه الأنبياء عليهم السلام، فاصبري على هذا وثقي بالله تعالى أنه سيفرج كربك ويزيل همك، فاستعيني به، وداومي على دعائه واللجوء إليه فهو نعم النصير ونعم المعين.
ونسأل الله تعالى أن يثبتك على دينه وأن يزيدك هدى وبصيرة وعلماً.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1585)
مريض وورَّى في معاملة التوظيف أنه معافى فهل يترك وظيفته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يعمل الآن في وظيفة، ولم يصدق في سؤال: "هل يعاني من مرض مزمن"؟ عندما تقدم لهذا العمل، بل ورَّى بقوله " لم يعاني "؛ لأنه حقيقة لم يعاني، هو مصاب بفيروس التهاب الكبد فقط، وهو مرض مزمن، ولم يجد منه أية معاناة، فهل تنصحه بترك العمل، خاصة وأن صاحب العمل لو يعلم بمرضه ربما لا يسمح له بالبقاء في عمله؟ وهل تنفعه التورية أم أنه يعتبر غير صادق في بياناته؟ وهل يلزمه شيء في المدة السابقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاءت الشريعة المطهرة بالأمر بكل خلُق قويم، وحذَّرت من كل خلق ذميم.
ومن الأخلاق القويمة التي أمر بها ربنا تعالى: الصدق، وحذرنا من ضده وهو الكذب.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/ 119.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الصِدقَ يَهدي إلى البّر، وإنّ البرّ يهدي إلى الجَنّةِ، وإنّ الرجُلَ ليَصدُقُ حتّى يُكتَبَ عِندَ الله صِدّيقا، وإنّ الكَذِبَ يهدي إلى الفُجورِ، وإنّ الفُجورَ يَهدي إلى النّار، وإنّ الرَجُلَ ليَكذِبُ حتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ كَذابا) رواه البخاري (5743) ومسلم (2607) .
ولعلَّك رأيت الكذب نافعاً لك، ورأيت الصدق مضرّاً لك، لذا فعلت ما فعلت من كتم المرض أن تدونه في معاملة التوظيف، وهو ما حذَّر منه سلف الأمة.
قال بعض الصالحين: عليك بالصدق حيث تخاف أن يضرك، فإنه ينفعك، ودع الكذب حيث ترى أنه ينفعك، فإنه يضرك.
فعلى المؤمن أن يزيِّن حياته بالصدق، والصادق لن تجده إلا متصفاً بصفات الكمال الأخرى.
قال ابن القيم رحمه الله:
"فالصدق بريد الإيمان ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه، بل هو لبه وروحه، والكذب بريد الكفر والنفاق ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه ولبه، فمضادة الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد، فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرد أحدهما صاحبه ويستقر موضعه" انتهى.
" زاد المعاد " (3 / 590) .
ثانياً:
التورية هي أن يُفهم المتكلمُ سامعَه شيئاً غير الذي في نفسه، ويكون الكلام محتملاً.
ولا يجوز للمسلم استعمال التورية إلا لتحقيق مصلحة شرعية، أو دفع مفسدة، أو لحاجة ماسة، ولا يحل له استعمالها في كل حين، ولا لأخذ ما ليس من حقه.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما هي التورية؟ وما الفرق بينها وبين الكذب؟ .
فأجاب:
"التورية: أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره، والكذب: صريح في أنه تكلم بخلاف الواقع. السائل: السامع ربما يفهم شيئاً آخر.
الشيخ: لا يهم، هذا هو بُعد التورية، أن يفهم السامع من خطابك خلاف ما تريد، التورية قد يحتاج الإنسان إليها.
أما الظالم: فلا تصح توريته، ولا تحل، والحكم فيها أنها على حسب ما يعتقده خصمه، ولهذا جاء في الحديث: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) فإذا قال الظالم بهذا التأويل، لم ينفعه، والمظلوم ينفعه.
ومَن ليس بظالم ولا مظلوم: من العلماء من قال: إن التورية جائزة، ومنهم من قال: إنها غير جائزة، والراجح: أنها غير جائزة، وأن الإنسان يجب أن يكون صريحاً؛ لأن الإنسان إذا اعتاد التورية ثم ظهر الأمر على خلاف ما ظهر من كلامه: اتهمه الناس بالكذب، وأساءوا فيه الظن، لكن إذا كان مظلوماً: فهذه حاجة، والظلم قليل بالنسبة للحوادث.
والخلاصة: التورية للمظلوم: جائزة، وللظالم: غير جائزة، ولمن ليس ظالماً ولا مظلوماً: على خلافٍ بين العلماء، والراجح: أنها حرام" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (161 /السؤال رقم 9) باختصار.
وانظر جوابي السؤالين: (27261) و (45865) .
ثالثاً:
الظاهر أن صاحب العمل يسأل هذا السؤال حتى لا يكون الموظف مصاباً بمرض يُقعده عن وظيفته، أو يكثر من تأخره وغيابه، أو يؤثر في حسن أدائه للعمل.
وبما أنك تعلم أن صاحب العمل لو علم بإصابتك بهذا المرض فإنه لا يسمح لك بالبقاء فيه، فالذي ننصحك به هو مصارحة صاحب العمل بهذا المرض، ثم يقرر بعد ذلك ما يراه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1586)
حكم إجابة الدعوة، وشروط ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا أدعى إلى حضور عزيمة صغيرة أو مناسبة كبيرة.. ما العمل إذا كانت هذه الاجتماعات غالبا فيها غيبة وهمز وتفاخر وتنافس على الملابس وهمز لمن تلبس ملابس بسيطة (مثلي) وقد يكون بها نميمة كما أن لدي أعمال منزلية (لا أرغب في استقدام خادمة , وكل من تحضر هذه المناسبات تقريبا لديها خادمة فتجد فراغا في الوقت) .
وزوجي وبيتي محتاج لي , كل دقيقة أبذلها في بيتي لها أثر إن شاء الله وهو رسالتي الأولى كما أنني أتمنى وقتا إضافيا لكي أقرأ القرآن أو كتاب نافع ولا أريد الدخول في اجتماعات دنيا أرى مضارها تطغى على فوائدها إن كان لها فوائد أرشدوني ما هو التصرف المناسب؟ وما هو العذر المناسب لعدم الحضور إن كان يحق لي ذلك؟
وما العمل إن كانت صاحبة العزيمة تحقد علي وتفرح إذا رأتني في موقف محرج وتتكلم علي هل يجب علي حضور دعوتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فقد ورد في صحيح البخاري (1164) ومسلم (4022) أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ ".
وقد قسم العلماء الدعوة التي أُمر المسلم بإجابتها إلى قسمين:
الأول: الدعوة إلى وليمة العرس، فجماهير العلماء على وجوب إجابتها إلا لعذر شرعي، وسيأتي ذكر بعض هذه الأعذار ـ إن شاء الله ـ.والدليل على وجوب الإجابة ما رواه البخاري (4779) ومسلم (2585) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ "
الثاني: الدعوة لغير وليمة العرس على اختلاف أنواعها، فجماهير العلماء يرون أن إجابتها مستحبة، ولم يخالف إلا بعض الشافعية والظاهرية، فأوجبوها، ولو قيل بتأكد استحباب الإجابة لكان قريبا.والله أعلم.
لكن العلماء اشترطوا شروطا لإجابة الدعوة، فإذا لم تتحقق هذه الشروط لم يكن حضور الدعوة واجبا ولا مستحبا، بل قد يحرم الحضور، وقد لخص هذه الشروط الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال:
1- ألا يكون هناك منكر في مكان الدعوة، فإن كان هناك منكر وهو يستطيع إزالته وجب عليه الحضور لسببين: إجابة الدعوة، وتغيير المنكر، وإن كان لا يمكنه إزالته حرم عليه الحضور.
2- أن يكون الداعي للوليمة ممن لا يجب هجره أو يُسنّ. [كأن يكون مجاهرا بفسق أو معصية، وهجره قد ينفع في توبته من ذلك]
3- أن يكون الداعي مسلما، وإلا لم تجب إجابته لقوله صلى الله عليه وسلم: " حق المسلم على المسلم.. "
4- أن يكون طعام الوليمة مباحا، يجوز أكله.
5- أن لا تتضمن إجابة الدعوة إسقاط واجب أو ما هو أوجب منها فإن تضمن ذلك حرمت الإجابة.
6- أن لا تتضمن ضررا على المجيب مثل أن يحتاج إلى سفر أو مفارقة أهله المحتاجين إلى وجوده بينهم، أو نحو ذلك من أنواع الضرر. (القول المفيد 3 / 111 بتصرف) .
وزاد بعض العلماء:
7- أن يخص الداعي المدعو بالدعوة، بخلاف ما لو دعا الحاضرين في مجلس عام لحضور وليمته، وهو أحد هؤلاء، فلا يلزمه الحضور عند الأكثر.
وبهذا يتبين لك أن حضور مثل هذه الدعوات لا يلزمك بل قد يحرم عليك، إذا كنت لا تستطيعين تغيير المنكر أو يترتب على حضورك تضييع حق زوجك أو حق أولادك من تربيتهم ورعايتهم الواجبة عليك، ثم أنت أيضا لا تسلمين من شرهم وضررهم، وهذا عذر يسقط عنك حضور الدعوة الواجبة، فكيف بما هو دونها.
ولابد أن تنبه المرأة أيضاً بأنها لابد من أن تستأذن زوجها للخروج إلى المناسبة التي دُعيت إليها وعليك أن تنصحي هؤلاء الأخوات بالحرص على الاستفادة من وقتهن ومجالسهن فيما يعود عليهن بالنفع الديني أو الدنيوي، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا من مغبة المجالس التي لا يذكر الله تعالى فيها فقال صلى الله عليه وسلم: " مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ " رواه الترمذي (3302) وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وصححه الأباني كما في صحيح الترمذي (3 / 140) .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تِرَةً: يَعْنِي حَسْرَةً وَنَدَامَةً
وفي سنن أبي داود (4214) وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً " وصححه النووي في رياض الصالحين (321) وتابعه الألباني رحمهما الله.
فأبلغي إليهم هذه النصيحة إما مشافهة أو كتابة، ولو زدت على ذلك بأن دعوتهم في منزلك، واغتنمت الاجتماع لعقد حلقة ذكر بالإضافة إلى بعض الأمور المباحة المحببة إلى نفوسهن لعل الله أن يجعلك سببا في أن تسني لهم هذه السُنة الحسنة في الاستفادة من مثل هذه المجالس. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1587)
الحياء من الله تعالى، صُوَره، وأنواعه، وآثاره
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف - يا شيخ - أستحي من الله؟ فالله يراني في الخلاء، وعند قضاء الحاجة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إنه يجب علينا أن نستحي من الله كما نستحي من الرجل الصالح منا، فمَن أستحي منه مِن البشر لا أريده أن يراني على هذه الأوضاع التي ذكرتها سابقاً، فأخجل منه مِن أن يطلع على عورتي ويراني كذلك، ولكن هذا يستحيل مع الله، فكيف أستحي من الله؟ وهل لهذا الحياء ثواب عند الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سؤالك أخي الفاضل في محله، وهو يدل على انتباه، ونباهة، فنسأل الله أن يزيدك هدى وتوفيقاً، وأن تكون من حملة العلم والدعاة إلى الله.
وجواباً عليه نقول:
1. الحياء لغةً مصدر حيي، وهو: تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذمّ، وفي الشّرع: خلق يبعث على اجتناب القبيح من الأفعال والأقوال، ويمنع من التّقصير في حقّ ذي الحق.
" الموسوعة الفقهية " (18 / 259) .
2. الحديث الذي ورد في سؤالك هو:
عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ.
رواه الإمام أحمد في " الزهد " (46) ، والبيهقي في " شعب الأيمان " (6 / 145) والطبراني في " المعجم الكبير " (7738) ، وصححه الألباني في " الصحيحة " (741) .
قال المناوي – رحمه الله -:
(أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة وأبْين دلالة بأوجز إيجاز، وأوضح بيان، إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح، وذوي الهيئات والفضل؛ أن يراه وهو فاعله، والله مطلع على جميع أفعال خلقه، فالعبد إذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه: تجنَّب جميع المعاصي الظاهرة، والباطنة، فيا لها مِن وصية، ما أبلغها، وموعظة ما أجمعها " انتهى.
" فيض القدير " (3 / 74) .
ولذلك قال بعض السلف: خف الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه على قدر قربه منك!!
قال الراغب الأصفهاني ـ رحمه الله ـ:
(حق الإنسان إذا همَّ بقبيح أن يتصور أجل من في نفسه حتى كأنه يراه، فالإنسان يستحي ممن يكبر في نفسه، ولذلك لا يستحي من الحيوان، ولا من الأطفال، ولا من الذين لا يميزون، ويستحي من العالم أكثر مما يستحي من الجاهل، ومن الجماعة أكثر ما يستحي من الواحد.
والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة: البشر، وهم أكثر من يستحي منه، ثم نفسه، ثم الله تعالى، ومن استحى من الناس ولم يستحي من نفسه: فنفْسه عنده أخس من غيره، ومن استحى منها ولم يستح من الله: فلعدم معرفته بالله، فالإنسان يستحيي ممن يعظمه، ويعلم أنه يراه أو يسمع نجواه، فيبكته؛ ومن لا يعرف الله فكيف يعظمه، وكيف يعلم أنه مطلع عليه؟ "
انتهى. "الذريعة إلى مكارم الشريعة" ص (289) .
3. وما ذكرتَه أخي الفاضل ليس له دخل بالحياء في أصل صورته؛ لأنه لا قضاء للحاجة، ولا جماع، ولا اغتسال إلا بكشف عورة، وهذا أمرٌ معلوم، لكن قد يفعل ذلك بعض من نزع الحياء من قلبه، فتراه يتمشى في البيت وهو عريان! أو يعبث بعورته أثناء قضائه لحاجته، أو تراه يغتسل ولا يبالي بمن يراه من الناس، وهكذا تختلف صور أولئك الذين يقضون حاجتهم، أو يغتسلون بحسب ما في قلوبهم من الحياء.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، قَالَ: إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِياً، قَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ.
رواه الترمذي (2794) وأبو داود (4017) وابن ماجه (1920) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وقوله في الحديث: (فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَيَا مِنْهُ) " أَيْ: فَاستتر [يعني: مما أمر الله بالاستتار منه] ، طَاعَة لَهُ وَطَلَبًا لِمَا يُحِبّهُ مِنْك وَيُرْضِيه؛ وَلَيْسَ الْمُرَاد فَاسْتَتِرْ مِنْهُ؛ إِذْ لَا يُمْكِن الِاسْتِتَار مِنْهُ جَلَّ ذِكْرُهُ وَثَنَاؤُهُ "
قاله السندي في حاشية ابن ماجة.
وقد سئل ابن عباس، رضي الله عنهما، عن قول الله عز وجل: (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) هود/5، فَقَالَ: (أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ) . رواه البخاري (4681) .
يعني: أنهم كانوا يكرهون أَنْ يَقْضُوا الْحَاجَة فِي الْخَلَاء وَهُمْ عُرَاة.
كان الصدِّيق يقول: استحيوا من الله؛ فإني أذهب إلى الغائط فأظل متقنعا بثوبي حياءً من ربي عز وجل!!
وكان أبو موسى إذا اغتسل في بيت مظلم لا يقيم صلبه حياء من الله عز وجل.
" فتح الباري " لابن رجب (1 / 52) .
ولكن هذا قدر زائد، ومكرُمة عالية، لا يؤمر بها كل الناس، والإخلال بمثل هذا المقام، لا يخل بأدب ولا دين، مادام المرء قد حفظ عورته، كما أمره نبيه صلى الله عليه وسلم، وأعطى الحياء حقه؛ فلم يقدم على قبيح في الشرع، ولا مرذول في الأدب والأخلاق.
وللفائدة:
ففي المسألة حديث مشهور، لكنه ضعيف، ينهى عن التعري عند قضاء الحاجة، وعند الجماع، وهو: (إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ؛ فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ) رواه الترمذي (2800) ، وفيه ليث بن أبي سليم، وكان قد اختلط، وضعفه الألباني في " إرواء الغليل " (64) .
وانظر:
جواب السؤال رقم (45514) هل يجوز للزوجين التجرد من الثياب وقت الجماع بدون أي غطاء؟ .
وجواب السؤال رقم (6894) هل يجوز الاستحمام عرياناً؟ .
وجواب السؤال رقم (21388) النوم عارياً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1588)
خلافات مع زوجها، وتسأل كيف تصبح زوجة صالحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أمريكية، وقد أسلمتُ حديثاً، وقد نشأت على ألا أسمح لرجل بأن يتحكم فيِّ، والمشكلة الآن هي أن زوجي ليس أمريكياً ونحن نتصادم كثيراً، أنا أعلم أكثر منه فيما يخص القوانين والأمور اليوميَّة، ولغته الإنجليزيَّة ليست جيِّدة إلى تلك الدرجة، لذلك فأنا أحتاج أن أشرح له في بعض الأحيان؛ لأنه قد تعود على الأحوال في بلاده هو وعلى حضارتها، وأنا أتولى القيام بالحديث في الغالب إذا كنا في أماكن عامة، وهذا يغضبه كثيراً، لكني أشعر أن تلك هي الطريقة الوحيدة لنتمكن من إتمام الأمور بطريقة صحيحة في الغالب، ونحن الآن نختلف كثيراً، وأنا لا أعرف كيف أصبح " الزوجة " المطلوبة إسلاميّاً، فأنا لا أزال في طور التعلم، ومشكلتي العظمى تكمن هنا، فكيف لي أن أغير ذلك؟ وكيف أقلل من المشكلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله أن وفقكِ للإسلام وهداكِ له، وهذه أعظم نعمة من الله تعالى على عبده.
ونعلمكِ أن الله تعالى قد جعلَ لكِ حقوقاً على زوجكِ، وأوجب عليكِ واجباتٍ تجاهه – ويمكنكِ مراجعة السؤال رقم (10680) لتقفي عليها -.
فعليكِ القيام بما أوجبه الله عليكِ من حقوق تجاه زوجكِ، وقد عظَّمت الشريعة حقوق الزوج لما له من أهمية عظيمة في بناء البيت المسلم، ولما أوجبه الله تعالى عليه من القيام بمصالح أسرته ورعايتها.
والمرأة المسلمة ينبغي أن تكون عاقلة حكيمة في تصرفاتها مع زوجها، فالإنسان – عادةً – تأسره الكلمة الطيبة، وتقيِّده المعاملة الحسنة، فإذا كان هذا من شريكة حياته ورفيقة دربه كان ذلك أبلغ في التأثير، كما أن على المرأة العاقلة أن تبتعد عن كل ما يسيء لزوجها من تصرفات، وأن تتخلص من كل ما يزعجه من أفعال، وأن لا تحاول فرض شخصيتها عليه، فالرجل له القوامة وعليه المسئولية، وإشعاره بالنقص في مواقف معينة قد يجره إلى الغضب وإلى عدم إحسان التصرف، وقد قال بعضهم: " الزوجة المثالية هي التي تجيد فن التوافق الزوجي، وتوازِن بين طاعة الزوج واحترامه، وبين تعبيرها عن شخصيتها السوية الناجحة ".
وكلامك مع الناس عنه – لأنه لا يحسن لغة قومك – يجوز شرعاً، لكن كما سبق لا بدَّ أن تكوني حكيمة في مثل هذا التصرف والفعل، فإنك مع قيامك بمثل هذه الأقعال لا تشعريه بالنقص وبعدم الأهميَّة بل ارجعي إليه عند الكلام مع الناس، وشاوريه ولا تتخذي قرارات بوجوده إلا بعد إذنه، وليكن ذلك أمام مَن تكلمين ليشعر بقيمته وبقدره , ويمكنكِ أن تُظهري له تفوقه عليكِ في لغته وتشعريه بذلك، وأنكما تكمِّلان بعضكما بعضاً، فعاونيه على تعلم لغتك، وليعاونك على تعلم لغته.
هذا الذي ننصحك به وهو ما يمكن أن يوقف غضبه أو يمنعه من مثل هذه التصرفات، والأمر لا يعدو أن يكون مجرد مداراة لوقت معيَّن حتى يتمكن من اللغة ويستطيع القيام بشؤون نفسه وحده.
ثانياً:
ولكي تكوني زوجة صالحة لا بدَّ لك من معرفة ما أوجبه الله عليكِ فتفعليه، ولا بدَّ من معرفة ما كان عليه النساء الفاضلات من أخلاق وحسن تعامل مع الزوج، والأمر يحتاج منك لمجاهدة ومكابدة حتى تتعودي، لكن ذلك ليس مستحيلاً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحلم بالتحلُّم، ومَن يتحر الخير يُعْطَه، ومَن يتقِّ الشرَّ يُوقَه " – رواه الدارقطني في " الأفراد " وهو حديث حسن، كذا قال الألباني في " صحيح الجامع " (2328) - ومن هذه الصفات والأخلاق ما أوصتْ به أمٌّ عاقلةٌ ابنتَها قبل الزواج، وهي وصايا جامعة، نسأل الله أن يعينك على تحقيقها، قالت الأم لابنتها:
أي بنيّة إنك فارقتِ بيتكِ الذي منه خرجتِ، وعشكِ الذي فيه درجتِ إلى رجلٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه، فكوني له أَمَةً يكن لكِ عبداً، واحفظي له خصالاً عشراً تكن لك ذخراً:
أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواضع أنفه وعينه، فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم إلا أطيب ريح.
وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه؛ فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مُغضبة.
وأما السابعة والثامنة: فالاحتفاظ بماله والإرعاء على حشمه وعياله.
وأما التاسعة والعاشرة: فإن ملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
ثالثاً:
وعلى الزوج أن يتقي الله ربَّه، ولا يبخس حق امرأته، وليؤد لها حقوقها التي أوجبها الله عليه، ولا بدَّ أن يعلم أن الناس درجات، وأن ما يعرفه هو يجهله كثيرون، وما يجهله هو يعرفه كثيرون، ولأَن تكون معه امرأته تترجم له وتدله على ما ينفعه وتبين له الطريق خيرٌ من أن يكون معه شخص آخر لا يثق بأمانته، والعلم لا يحصل إلا بالتعلم، وطريق العلم يكون بالجد والاجتهاد.
ونصيه بالحرص على أن يملك نفسه عند الغضب، وأن لا يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله تعالى فهذا هو الغضب المحمود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1589)
وعد والدته بإعطائها مالاً تضعه في بناء مسجد، ثم ماتت
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت والدتي مني مبلغاً من المال تضعه مساهمة في بناء مسجد يُقام بقريتنا ولم يكن عندي في ذلك الوقت المال الزائد عن حاجتي حتى ألبي طلبها، فوعدتها مستقبلاً أن أعطيها إن شاء الله، ثم سافرت إلى خارج بلدي لطلب الرزق الحلال، وفي هذه الأثناء قدَّر الله على والدتي بمرض توفيت على أثره، فهل يبقى ذلك الوعد مني لها ديناً في ذمتي وعليَّ أن أدفع ما وعدتها به إلى ذلك المسجد المعين أم يجوز ولو لغيره من المساجد التي تحتاج إلى مال، أم أنه لا يبقى ذلك الوعد ديناً في ذمتي وبالتالي أكون معافىً منه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، يجب عليك، أو ينبغي لك ويتأكد عليك أن تفي بوعدك، وأن تدفع هذه الدراهم في المسجد الذي ترغب والدتك أن تدفعها فيه، وقد وعدتها بذلك، فمن برها والإحسان إليها أن تنفذ هذا الوعد، لعل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله وأن ينفعها به، وهذا من برها ومن الإحسان إليها، فإن كان المسجد الذي تريده الوالدة قد استغنى وتم تكاليفه فإنك تدفعه في مسجد أخر، لكن كما ذكرنا لا ينبغي لك أن تفرط في هذا الوعد، وأن لا تدفع هذه الدراهم، بل ينبغي لك ويتأكد في حقك أن تُنفِّذ هذا الوعد براً بوالدتك.
والله أعلم" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/708) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1590)
ما هو الزهد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الزهد، هل الزهد لبس الثياب المرقعة، وصيام الدهر، والابتعاد عن المجتمع، أو غير ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس الزهد لبس المرقع من الثياب، ولا اعتزال الناس والبعد عن المجتمع، ولا صيام الدهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سيد الزاهدين، وكان يلبس الجديد من الثياب، ويتزين للوفود وفي الجمع والأعياد، ويخالط الناس، ويدعوهم إلى الخير ويعلمهم أمور دينهم، وكان ينهى أصحابه رضي الله عنهم عن صيام الدهر، وإنما الزهد التعفف عن الحرام، وما يكرهه الله تعالى، وتجنب مظاهر الترف والإفراط في متع الدنيا، والإقبال على عمل الطاعات، والتزود للآخرة بخير الزاد، وخير تفسير له سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العملية.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/369) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1591)
كيف تعامل زوجة أخيها سيئة الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زوجة أخ لا تحترم أحد أبدا وتسكن معنا في البيت فهل لي أن أقول لها شيئا يغير من طباعها؟ وإذا لم تستمع لي فماذا افعل؟ هل أسلم عليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكلمة الطيبة تفتح مغاليق القلوب وتزيل الغشاوة عنها وتصفي النفوس، والتسامح والعفو والنصح يعيد المودة بين الناس، وحين يبذل المرء الكلمة الطيبة ويتغاضى عن الإساءة يكبر في عيون الناس ويجعل المسيء يعتذر عن إساءته أو يتوقف عن التمادي فيها. ولاشك أن بعض الناس قد اختار طريقاً في التعامل مع الآخرين لا يحب - هو نفسه - أن يعامله به أحد ويظن أن القوة والمواجهة والتحدي هو الذي يجعل الناس يحترمونه، ومع اندفاعه واستمراره في ارتكاب الخطأ ونظراً لما يواجهه من نقد شديد وتوجيه جارح يتيه في دوامة الحقد وثورة الانتقام فلا يدري الصواب من الخطأ والحق من الباطل ويقف المرء عاجزاً عن توجيهه ونصحه فأي كلمة تعني له بدء المواجهة، واستمرار العداوة، فهو في موقع الرصد والتربص، فالأسلم هنا أن نجعل بين هذا الشخص وبين تعاملنا معه وقفة مراجعة نعتزله فيها فترة وجيزة نحاول فيها أن نبدد مخاوفه من المواجهة والنقد والمحاسبة ونزرع الكلمة الطيبة والطمأنينة والابتسامة ونشعره بالصفح والمودة، قال الله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) ولا نعني بالعزلة أن نقطع كل الروابط ونمتنع عن رد السلام والحديث معه، وإنما نجتنب الاحتكاك والخلطة به حتى نجد فرصة سانحة تكون فيها النفس مستعدة لتقبل النصح والتوجيه فنبدأ بذكر محاسنه وما نرجوه له من الخير وما نأمله منه ثم نضع النصيحة في أسلوب مهذب محبب لا يجرح ولا يقدح ولا يُمل ونحتسب ذلك عند الله ونصبر ونسامح ونعطي من أخلاقنا وحسن تعاملنا صورة يقتدي بها من نود نصحه وتوجيهه. ولنستمع إلى توجيه الحقّ سبحانه لرسوله (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)
فالاندفاع في التوبيخ والتجريح والنقد وعدم اختيار الوقت المناسب غالباً ما يأتي بنتائج عكسية والتواضع ولين الجانب يزيل الحواجز ويمنع التعدي والخصومة، ففي الحديث الصحيح عن عياض رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد) رواه مسلم 2865.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1592)
هل يشتغل بطهارة القلب أم بنوافل الأعمال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أَيُّمَا أَوْلَى مُعَالَجَةُ مَا يَكْرَهُ اللَّهُ مِنْ قَلْبِك مِثْلُ: الْحَسَدِ وَالْحِقْدِ وَالْغِلِّ وَالْكِبْرِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَرُؤْيَةِ الأَعْمَالِ وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْقَلْبِ مِنْ دَرَنِهِ وَخُبْثِهِ؟ أَوْ الاشْتِغَالُ بِالأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ: مِنْ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَأَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ: مَنْ النَّوَافِلِ وَالْمَنْذُورَاتِ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الأُمُورِ فِي قَلْبِهِ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ: وَأَنَّ لِلأَوْجَبِ فَضْلا وَزِيَادَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيمَا يَرْوِيه عَنْهُ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم: {مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ} ، ثُمَّ قَالَ: {وَلا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ} وَالأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ لا تَكُونُ صَالِحَةً مَقْبُولَةً إلا بِتَوَسُّطِ عَمَلِ الْقَلْبِ فَإِنَّ الْقَلْبَ مَلِكٌ وَالأَعْضَاءُ جُنُودُهُ، فَإِذَا خَبُثَ الْمَلِكُ خَبُثَتْ جُنُودُهُ ; وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ} وَكَذَلِكَ أَعْمَالُ الْقَلْبِ لا بُدَّ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي عَمَلِ الْجَسَدِ وَإِذَا كَانَ الْمُقَدَّمُ هُوَ الأَوْجَبُ [سَوَاءٌ] سُمِّيَ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَدْ يَكُونُ مَا يُسَمَّى بَاطِنًا أَوَجَبَ مِثْلُ تَرْكِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ فَإِنَّهُ أَوَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَوَافِلِ الصِّيَامِ وَقَدْ يَكُونُ مِمَّا سُمِّيَ ظَاهِرًا أَفْضَلَ: مِثْلُ قِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ تَرْكِ بَعْضِ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَخْطُرُ فِي الْقَلْبِ مِنْ جِنْسِ الْغِبْطَةِ وَنَحْوِهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَمَلِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ يُعِينُ الآخَرَ وَالصَّلاةُ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَتُورِثُ الْخُشُوعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الآثَارِ الْعَظِيمَةِ: هِيَ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ وَالصَّدَقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (مجموع الفتاوى 6/381)
فلا فصل بين صلاح الباطن وإصلاح الظاهر.
والعبادات الظاهرة التي يمارسها الإنسان بجوارحه فإنها – إذا أراد بها وجه الله – تؤثر إيجاباً في باطنه ولا شك.
ومن أمثلة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْر " رواه النسائي (2386) وصححه الألباني في صحيح النسائي (2249)
ووحر الصدر: غيظة وحقده وحسده.
ومن العلاجات المهمة لأمراض القلب التدبر والتفكر في نصوص الوعيد على من ترك هذه الأمراض ترتع في قلبه كقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر " رواه مسلم (91) .
وحديث قول النار: " أُوثرت بالمتكبرين " رواه البخاري (4850) ومسلم (2846)
وحديث: " يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال " رواه الترمذي (2492) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2025) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ " رواه الترمذي (2510) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2038)
فمن تأمل بعين البصيرة مثل هذا الوعيد على هذه الأمراض القلبية فإنه ولا شك سيجاهد نفسه في تطهير قلبه منها، ويستعين على ذلك بأعمال الجوارح ويدعو ربه أن ينقي قلبه من الغلِّ والحسد والحقد وغيرها كما قال تعالى عن دعاء المؤمنين: {ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا} .
والله أعلم وصلى اله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1593)
تنازلت له شقيقته عن حصتها ثم ندمت
[السُّؤَالُ]
ـ[تنازَلَت شقيقتي عن حصتها لي في محل بعد وفاة والدينا، وهي الآن نادمة تريد العدول عن تنازلها، هل يحق لها ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خطابنا معك – أخانا الكريم – سيعتمد لغة مكارم الأخلاق ومحاسِن الشِّيَم، ويتكئ على ما نظنه فيك – إن شاء الله – من الكرم والجود وعالي المروءة، فإن ما نعرفه من ديننا العظيم يدعونا لحثك على البر والصلة ومقابلة الإحسان بالإحسان، إذ هي أختك التي تربَّت معك، وجمعت بينك وبينها رحمٌ واحدة، ولها الحق العظيم عليك في رعايتها وتدبير شؤونها والسعي في إسعادها، فأَوْلى بك أن تُكرِمها فتعيدَ إليها ما تنازلت عنه، وتقابلَها بإحسانها الأول إحسانا أعظم وأكبر، فتُقيلها تبرَّعها كي يقيل الله عثرتك يوم القيامة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ)
رواه أبو داود (3460) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي لفظ في "السنن الكبرى" للبيهقي: (مَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
قال ابن عبد السلام: " إقالة النادم من الإحسان المأمور به في القرآن، لما له من الغرض فيما ندم عليه " انتهى. نقلا عن المناوي في "فيض القدير" (6/79) .
بل نقول لك أخانا السائل: قد كان الأَوْلى والأفضلَ منك أن تَردَّ إلى أختك ما تبرَّعَت به حال ما شعرت أنها قد ندمت، ولا تضطرَّها إلى طلب ذلك بلسانها، حتى لا توقعها في الحرج والمشقة.
يقول مَعْمَر – وهو من خيار التابعين -:
" مِن أقبح المعروف أن تُحوِجَ السائل إلى أن يسأل وهو خجلٌ منك، فلا يجيئ معروفُك قدر ما قاسى من الحياء، وكان الأَوْلى أن تتفَقَّد حال أخيك وترسلَ إليه ما يحتاج، ولا تُحوِجَه إلى السؤال " انتهى.
وهكذا ينبغي أن يكون الأمر بين الإخوة، فمالُهُم واحد، وفَرَحُهم واحد، وحُزنُهم واحد.
وتذكر دائما ما لك عند الله تعالى من أجر عظيم، إذا كنت عند رغبة أختك، وأعدت إليها ما ندمت عليه، ففرجت عنها ضيق صدرها، وحفظت لها برها وصلتها، خاصة إذا كان ندمها على تنازلها بسبب ضيق حال، وفقرٍ طرأ عليها، فعليك حينئذ مد يد العون إليها، فتمنحها ما يوسع عليها، وتكافئها على تنازلها الأول، والله سبحانه وتعالى يقول: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن/60.
الآثار السابقة منقولة عن "علو الهمة" للسيد العفاني (2/612-651) (5/288-302)
أما إذا كان تنازلها الأول عن حياء اضطرها إليه خوف ملامة من المجتمع الذي قد يظلم المرأة في ميراثها، أو خوف قطيعة يُحدثُها لها إخوانها إن هم رأوا منها إصرارا على حقها، فحينئذ يحرم عليك أكل ذلك المال، ويجب إرجاعه إليها، فقد نص الفقهاء على أن ما أخذ بالحياء فهو سحت.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/263) :
" صرّح الشّافعيّة والحنابلة أنّه: إذا أخذ مال غيره بالحياء، كأن يسأل غيره مالاً في ملأ فدفعه إليه بباعث الحياء فقط، أو أهدي إليه حياءً هديّةً يعلم المُهدَى له أنّ المُهدِي أهدى إليه حياءً، لم يملكه، ولا يحلّ له التّصرّف فيه، وإن لم يحصل طلب من الآخذ، فالمدار مجرّد العلم بأنّ صاحب المال دفعه إليه حياءً، لا مروءةً، ولا لرغبة في خير.
ومن هذا: لو جلس عند قوم يأكلون طعاماً، وسألوه أن يأكل معهم، وعلم أنّ ذلك لمجرّد حيائهم، لا يجوز له أكله من طعامهم " انتهى.
والحاصل: أنه ينبغي لك أن ترد إلى أختك ما كانت تنازلت عنه، إبقاءً على المودة بينكما، وصلة للرحم.
ونسأل الله تعالى أن يعوضك خيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1594)
مساعدة المرأة الكبيرة في بيتها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أسلمت امرأة كبيرة في سنها , فهل يجوز لشاب مسلم أن يدخل بيتها ليساعدها في تنظيف البيت وغسل ثيابها والطبخ لها وما إلى ذلك؟ وهل يجوز الدخول إلى بيتها بقصد تعليمها الإسلام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بد أن نعلم أن الشارع نهى عن الدخول على النساء الأجنبيات والدليل على ذلك:
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت ".
رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) .
والحمو هم أقارب الزوج من الأجانب.
وعن ابن عباس رضي الله عنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافر إلا ومعها ذو محرم ".
رواه البخاري (2844) ومسلم (1341) .
ثانياً:
أنه مما هو معلوم أن لكل ساقطة لاقطة، ومعنى هذا الكلام: أن المرأة حتى ولو كانت كبيرة فإن الشيطان قد يزينها في أعين الشاب أو الرجل الكبير أو العكس، وقد يستدرجه للوقوع في الفاحشة، وفي ذلك قصص كثيرة.
ثالثاً:
الأوْلى أن يوكل بعض الشباب زوجته أو أخته أو ابنته، أو تُوكَّل بعض الأخوات في هذا العمل الخير، وهذا أفضل من أن يخدمها رجل، والمرأة مع المرأة أفضل في التعامل وأدعى للاستفادة من الرجل وخصوصا فيما يتعلق بأحكام النساء، وأما إذا لم يوجد فيجوز أن تخدمها ولكن بشرط عدم الخلوة فيذهب معك أخ أو أكثر ويكون بضوابط شرعية من حجاب وغيره ويكون المكث عندها بقدر الحاجة.
ورابعاً:
جزاكم الله على هذا العمل الصالح خير الجزاء، ونسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق لنا ولكم ولجميع المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1595)
النبي صلى الله عليه وسلم وبناء المجتمع الإسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف وإلى أي حد نجح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في إنشاء مجتمع مستقر في المدينة عام 632 ميلادي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لاشك أن المجتمع الذي أنشأه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هو مثال للمجتمعات الآمنة المستقرة، وقد ظهر ذلك جليّاً منذ أن وطىء النبي صلى الله عليه وسلم بقدمه المدينة وبدأ في تكوين الدولة، ويرجع أمن واستقرار المجتمع هذا إلى عدة أسباب وعوامل، منها:
أولاً:
بناؤه صلى الله عليه وسلم للمسجد في المدينة أوّل قدومه مما ساعد في إيجاد مرجع يُلجأ إليه حين النوازل، ومكان يجتمع فيه المسلمون يسأل بعضهم عن بعض، ويعرف بعضهم أحوال بعض، فيعاد مريضهم، وتتبع جنازة ميتهم، ويعان مسكينهم، ويزوج أعزبهم.
وهذه بعض الأحاديث في ذلك:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: لمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أمر ببناء المسجد، وقال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. رواه البخاري (2622) ومسلم (524) .
عن البراء بن عازب: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال: نزلت فينا معشر الأنصار، كنا أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته وكان الرجل يأتي بالقِنو والقنوين فيعلقه في المسجد وكان أهل الصفة – وفي رواية ابن ماجه " فقراء المهاجرين " - ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط من البسر والتمر فيأكل، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف وبالقنو قد انكسر فيعلقه، فأنزل الله تبارك تعالى {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: لو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطاه لم يأخذه إلا على إغماض أو حياء، قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده. رواه الترمذي (2987) وابن ماجه (1822) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2389) .
القِنو: العذق الذي فيه الرطب. الشيص: النخل غير الملقح. الحَشَف: تمر يابس فاسد.
ثانياً:
إيخاؤه صلى الله عليه وسلم بين المهاجرن والأنصار، وقد قوَّى هذا الفعل بين أفراد المجتمع المدني بما لم يُسمع بمثله، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين العجمي والعربي، وبين الحر والمولى، وبين القرشي ومن دونه من أهل القبائل، فصار المجتمع لحمة واحدة، وجسداً واحداً، فلم يستغرب بعدها أن يطلب الأنصاري من المهاجر أن يتقاسم معه ماله نصفين، وأن يعرض الأنصاري على المهاجر إحدى نسائه ليطلقها له ويتزوجها، وكان المهاجر يرثُ الأنصاريَّ لقوة ما بينهم من العلاقة، ثم نسخ التوارث بينهما بآية المواريث، ورُغِّب الأنصار أن يوصوا لهم بشيء، فبمثل هذا المجتمع تضرب الأمثال.
وهذه بعض الأحاديث في ذلك:
1- عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: لمَّا قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالاً فأقْسِم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويتَ نزلتُ لك عنها، فإذا حلَّت تزوجتَها، قال: فقال له عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع، قال: فغدا إليه عبد الرحمن فأتى بأقط وسمن، قال: ثم تابع الغدو فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجتَ؟ قال: نعم، قال: ومن؟ قال: امرأة من الأنصار، قال: كم سقت؟ قال: زنة نواة من ذهب – أو نواة من ذهب - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوْلِم ولو بشاة. رواه البخاري (1943) .
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المهاجرون لمَّا قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت {ولكل جعلنا موالي} نسخت ثم قال {والذين عقدت أيمانكم} إلا النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له. رواه البخاري (2170) .
ثالثاً:
شرعت الزكاة في السنة الثانية للهجرة، فصارت المواساة بين الأغنياء للفقراء مما جعل اللحمة تزداد بين المجتمع المدني، وأواصر الأخوة في الله تقوى أكثر من ذي قبل، بل تعدى الأمر من إيتاء الزكاة إلى صدقة التطوع.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه " بيرحاء "، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما أُنزلت هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إلي " بيرحاء " وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذُخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخٍ ذلك مال رابح، ذلك مال ربح، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. رواه البخاري (1392) ومسلم (998) .
وقد ظهرت علامات التآلف بين المسلمين في المدينة، وعرف المهاجرون حق إخوانهم الأنصار عليهم، وفي ذلك بعض الأحاديث ومنها:
عن أنس قال: لما قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ أتاه المهاجرون، فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قوماً أبذلَ مِن كثيرٍ ولا أحسنَ مواساةً مِن قليلٍ من قومٍ نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنإ، حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم. رواه الترمذي (2487) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2020) .
وقد ألّف الله بين قلوب أهل المجتمع المدني، وكان الحب في الله تعالى من شعارات القوم، وقد أوجبه الله عليهم، وجعله من علامات كمال الإيمان.
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ". رواه البخاري (13) ومسلم (45) .
عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى ".
رواه البخاري (5665) ومسلم (2586) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1596)
أهمية الصدق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهمية الصدق في الإسلام في العلاقات الشخصية وعلاقات العمل على حد سواء؟ وهل هناك حالات يعتبر فيها الكذب عملاً "مقبولاً"؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصدق هو: قول الحق الذي يواطئ فيه اللسان القلب، وهو أيضاً: القول المطابق للواقع والحقيقة من حيث اللغة.
ولما كان الصدق ضرورة من ضرورات المجتمع الإنساني، وفضيلة من فضائل السلوك البشري ذات النفع العظيم، وكان الكذب عنصر إفساد كبير للمجتمعات الإنسانية، وسبب لهدم أبنيتها، وتقطيع روابطها وصلاتها، ورذيلة من رذائل السلوك ذات الضرر البالغ؛ أمر الإسلام بالصدق ونهى عن الكذب.
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ، قال ابن كثير رحمه الله 2/414: أي: اصدقوا والزموا الصدق تكونوا من أهله، وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجاً من أموركم ومخرجاً أ. هـ.
وقال سبحانه: (فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ (أي يبالغ فيه ويجتهد) حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا. " رواه مسلم 4721.
فدل هذا الحديث على أن الصدق يهدي إلى البر، والبر كلمة جامعة تدل على كل وجوه الخير، ومختلف الأعمال الصالحات، والفجور في أصله الميل والانحراف عن الحق، والفاجر هو المائل عن طريق الهداية، فالفجور والبر ضدان متقابلان.
وعن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دع ما يريبك إلى مالا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة " رواه الترمذي 2520 والنسائي 8/327 وأحمد 1/200.
وجاء من حديث أبي سفيان رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل حين قال: فماذا يأمركم، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو سفيان، قلت: يقول: " اعبدوا الله وحده لا تشركوا بالله شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق والعفاف والصلة " رواه البخاري 1/30 ومسلم 1773.
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " رواه البخاري 4/275 ومسلم 1532.
والصدق يشمل الصدق مع الله بإخلاص العبادة لله والصّدق مع النّفس بإقامتها على شرع الله والصّدق مع النّاس في الكلام والوعود والمعاملات من البيع والشراء والنكاح فلا تدليس ولا غش ولا تزوير ولا إخفاء للمعلومات وهكذا حتى يكون ظاهر الإنسان كباطنه وسره كعلانيته.
أما بالنسبة للكذب فإنه محرم عظيم ويتفاوت في القبح والإثم وأشنع صوره الكذب على الله والرسول لأنه افتراء في الدين، وتجرؤ عظيم على الله، ولذلك كان من صفات النبي صلى الله عليه وسلم صفة الصدق في تبليغ ما أمره الله بتبليغه، ولهذا قال تعالى: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) وقال تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) ، ونظير ذلك الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " متفق عليه.
والأصل في الكذب عدم الجواز، ولكن توجد حالات جاء الشرع بجواز الكذب فيها تحقيقاً للمصلحة العظيمة أو دفعاً للمضرة:
فمن تلك الحالات أن يتوسط إنسان للإصلاح بين فريقين متخاصمين إذا لم يمكنه أن يصلح إلا بشيء منه لحديث أم كلثوم رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيَنْمي (أي يبلّغ) خيراً أو يقول خيراً ". رواه البخاري 2495
ومن تلك الحالات حديث الرجل لامرأته، وحديث المرأة لزوجها في الأمور التي تشدّ أواصر الوفاق والمودّة بينهما وما قد يصاحب ذلك الكلام من المبالغات كما جاء في حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلا فِي ثَلَاثٍ يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ. " رواه الترمذي 1862 وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وانظر صحيح مسلم 4717.
وإن من أعظم صور الصدق والكذب الصدق في العهد والوعد والكذب فيهما، فالصدق في الوعد وفي العهد من فضائل الأخلاق التي يتحلى بها المؤمنون، ويشترك الوعد والعهد بأن كلاً منهما إخبار بأمر جزم المخبر بأن يفعله لا سيما إن كان الوعد والعهد في حقوق الله تعالى كما قال تعالى مثنياً على بعض عباده: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) وقال تعالى: (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) وقال تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص والصدق في الأقوال والأعمال.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1597)
هل كان الطفل يتسلق على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من سنة النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) انه كان يسمح للأطفال بالتعلق عليه وهو يصلي، وأين أحصل على ذلك (الدليل) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها.
وفي رواية: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامه بنت أبي العاص على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها.
الشيخ عبد الكريم الخضير.
وروى النسائي (1141) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلاتَيْ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلاةِ، فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلاتِهِ [أي في أثناء صلاته] سَجْدَةً أَطَالَهَا، قَالَ أَبِي: فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ، قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ. وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي [أي ركب على ظهري] فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ. صحيح النسائي (1093) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1598)
والدتها تطلبها لرؤيتها وهي لا تستطيع السفر إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في بلد غربي منذ 11 عاما بعيدا عن والديّ، وقد توفي أبي، وأمي وأخواتي الأربع يقمن في العراق، ولدي 8 أطفال سنهم يتراوح بين سنتين وثلاث عشرة سنة، وأمي مسنة ومريضة وهي تتصل بي دائما وتطلب مني أن أعود لبلدي لأراها قبل أن تموت، والعودة صعبة لأني لا أستطيع أن أترك أطفالي وحدهم، وزوجي لا يوافق على عودتي وتركي أولادي وحدهم، وليس لي محرم أسافر معه، وأنا أرسل لأمي نقودا، وأتصل بها كثيرا وأبكي دائما، وأنا أعلم أن عليّ أن أرضي أمي، ولكني لا أستطيع أن أترك أطفالي في بلد كافر، وزوجي يعمل بالنهار والليل، وليس لي أقارب هنا، ولا أدري ماذا أفعل، هل أطيع أمي وأترك أولادي وأعود إلى بلدي دون إذن زوجي؟ أم أطيع زوجي وأبقى مع أولادي؟ أرجو الإجابة بأسرع ما يمكن والسلام عليكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله تعالى المعافاة التامة لوالدتك، وأن يجمع بينكما على الخير والسعادة والعافية في الدنيا والآخرة.
وأبشرك – أختي الكريمة – بأن الله سبحانه وتعالى حين يعلم منك حب الوفاء لوالدتك والسعي لتحقيق مرضاتها وطلب رضاها والعمل على برها سيكتب لك ثواب ذلك كله بمنه وكرمه وفضله.
ومفتاح الأمر الصبر، إذ به تنال الرغبات وتفرج الكربات، فلعل الله سبحانه وتعالى ابتلاكم بهذا الفراق كي يرى منكم الصبر والتصبر، ثم يكون فرجه بأن ييسر أمر اجتماعكم من حيث لم تحتسبوا، وينعم عليك بقرب والدتك ولو بعد حين.
إلا أنه لا يفوتني تنبيهك على بعض الأحكام الشرعية المهمة في هذا الشأن:
1- التذكير والتأكيد على حرمة سفر المرأة من غير محرم.
قال البغوي:
" لم يختلفوا في أنَّه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم " انتهى.
نقله في "فتح الباري" (4/76)
وقد سبق بيان ذلك في موقعنا في أجوبة الأسئلة الآتية:
(9370) ، (25841) ، (47029) ، (52703) ، (82392)
2- من حق الزوج أن يمنع زوجته من السفر لزيارة والديها إذا كان يترتب على سفرها بعض المفاسد، مثل الخوف على الأبناء، أو الخوف على حياة الزوجة إذا عدم الأمان في البلد الذي ستسافر إليه، أو عدم توفر محرم وانشغال الزوج بعمله، وحينئذ لا يجوز للمرأة أن تخالف زوجها فتسافر من غير إذنه، وقد نقل ابن المنذر الإجماع: على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الأسفار كلها. وإنما اختلفوا في السفر لحج الفريضة. انظر "فتح الباري" (4/77) ، هذا في الأسفار التي يترتب عليها المفاسد السابقة.
فإن أمنت جميع هذه المفاسد، وتوفر المحرم، فلا يجوز للزوج حينئذ أن يمنعها من بر والديها وزيارتهم بما يحقق المقصود، فإن بر الوالدين من أوجب الواجبات، ولا شك أن من البر زيارة الوالدة المريضة التي تسأل ابنتها أن تراها قبل أن يحل أجلها وقد طال غيابها عنها.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (19/110) :
" ولا ينبغي للزّوج منع زوجته من عيادة والديها وزيارتهما؛ لأنّ في منعها من ذلك قطيعةً لهما، وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/387) :
" يجب على الزوج أن يحسن عشرة زوجته، امتثالا لقول الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ومن العشرة بالمعروف الإذن للزوجة بزيارة أهلها وإيصالها إليهم، ولا يكون سوء التفاهم لا سيما في الأمور الدنيوية حائلا دون ذلك، أما إذا كان يترتب على زيارة الزوجة لأهلها مفسدة فإن للزوج أن يمنع الزوجة من الزيارة؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " انتهى.
فإن أصر الزوج على منع زوجته من زيارة الوالدين، فهل يجوز لها أن تخالفه وتخرج لزيارتهم؟ اختلف في ذلك أهل العلم على قولين سبق ذكرهما في موقعنا في جواب السؤال رقم (83360) .
ونحن لا نختار للمرأة أن تخالف زوجها فتخرج من بيته بغير إذنه، لما في ذلك من المفاسد العظيمة على البيت والأسرة والعلاقة بين الزوجين، ودرء هذه المفسدة أولى من جلب المصلحة في زيارة الوالدين، خاصة وأن التأني ومحاولة التفاهم مع الزوج كي يسمح ويساعد في سفر المرأة لرؤية والدتها أمر قريب ممكن، ومع حسن الأدب والحوار والخطاب بالخير والحسنى يلين الله القلوب بإذنه، ويعطفها إلى الوفاق إن شاء الله تعالى.
وانظري سؤال رقم (1426) (10680)
3- ونذكركم أيضا بما سبق تقريره في موقعنا تحت رقم (11793) ، (14235) ، (27211) من التحذير من الإقامة في بلاد الكفار، لما في ذلك من المفاسد العظيمة على الدين والأخلاق، نرجو الاطلاع عليها والاستفادة منها، فإن دين المسلم رأس ماله، ولا يجوز له أن يفرط فيه فيضيع نفسه وأبناءه مقابل دراهم يتلقاها من بلاد الكفر والرذيلة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1599)
ينكرون عليه تطبيق السنَّة ويدَّعون أنها تفرق المسلمين!
[السُّؤَالُ]
ـ[قال إمام مسجدنا في خطبة الجمعة بأنه لا ينبغي التشدد بالسنة النبوية؛ لأن السنَّة تفرق بين المسلمين , ونحن يجب علينا أن نتحد، واستدل بأَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا. هل هذا صحيح - مع العلم بأننا متبعون للسنَّة، وهو يسمي المتبع للسنَّة متشدداً؟ . أفيدونا بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد قال إمامكم منكراً من القول وزوراً، وكان الواجب عليه أن يتقي الله ربَّه، وأن يحفظ لسانه عن الكلام فيما يغمسه في الإثم.
والسنَّة النبوية هي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله، فكيف تكون السنَّة مفرِّقة بين المسلمين؟! وما الذي يوحدهم إن كانت السنَّة تفرقهم؟!
ولو صدق ذلك الإمام لقال: إن السنة هي التي تجمع الناس، وتلم شتاتهم.
قال الإمام أبو المظفر السمعاني رحمه الله: " وكان السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطريق النقل، فأورثهم الاتفاق والائتلاف، وأهل البدعة أخذوا الدين من طريق المعقولات، فأورثهم الافتراق والاختلاف.. " الانتصار لأهل الحديث ص (47) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به، باطنا وظاهرا، وسبب الفرقة ترك حظ مما أمر العبد به، والبغى بينهم!!
ونتيجة الجماعة رحمة الله ورضوانه وصلواته وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه،
ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنته وسواد الوجوه وبراءة الرسول منهم. "
مجموع الفتاوى (1/17) .
وقال ـ رحمه الله ـ أيضا:
" ما كان مأثورا حصلت له الألفة وما كان معروفا حصلت به المعرفة كما يرى عن مالك رحمه الله أنه قال: إذا قل العلم ظهر الجفاء وإذا قلت الآثار كثرت الأهواء "
درء التعارض (1/149) .
وكيف يسمَّى المتبع للسنَّة متشدِّداً والمسلم مأمورٌ باتباعها والاقتداء بهدي صاحبها وهو النبي صلى الله عليه وسلم؟! وماذا يقول هذا الإمام عن أفعال الصحابة رضي الله عنهم عندما اتبعوا سنة نبيهم صلى الله عليه خير اتباع؟! وماذا سيكون حكمه على هذه الواقعة:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى - وَقَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا.
رواه أبو داود (650) ، وصححه الألباني.
فهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد ألقوا نعالهم في الصلاة لمجرد رؤيتهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم يخلع نعله، فكيف لو كان الأمر سنَّةً عنه صلى الله وسلم، أو كان هدياً له؟! .
ثانياً:
إن لمز متبعي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم واتهامهم بالتشدد أو التطرف هو من الإيذاء والبهتان، وقد توعد الله تعالى من يفعل ذلك، فضلاً أنه يكون متشبهاً بالمشركين الذين سبقوه إلى هذا الفعل.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/58.
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ. وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ. وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ) المطففين/29 – 32.
قال الشيخ العثيمين – رحمه الله -:
" (وَإِذَا رَأَوْهُمْ) أي: رأى المجرمون المؤمنين قَالُوا:
(إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ) ضالون عن الصواب، متأخرون، متزمتون، متشددون، إلى غير ذلك من الألقاب، ولقد كان لهؤلاء السلف خلفٌ في زماننا اليوم، وما قبله، وما بعده، فمن الناس من يقول عن أهل الخير: إنهم رجعيون، إنهم متخلفون، ويقولون عن الملتزم: إنه متشدد، متزمّت، وفوق هذا كله من قالوا للرسل: إنهم سحرة أو مجانين، قال الله تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) الذاريات/52، فورثة الرسل من أهل العلم والدين سينالهم من أعداء الرسل ما نال الرسل؛ من ألقاب السوء والسخرية، وما أشبه ذلك، ومن هذا تلقيب أهل البدع والتعطيل لأهل الإثبات من السلف بأنهم حَشوَّية، مُجسِّمة، مُشبِّهة، وما أشبه ذلك من ألقاب السوء التي ينفرون بها الناس عن الطريق السوي.
" لقاءات الباب المفتوح " (اللقاء رقم 30) .
ثالثاً:
التشدد المذموم في الدِّين هو جعل المستحب واجباً، أو جعل المكروه محرَّماً، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه من الغلو في الدين، كما أنه حذَّر من التشدد فيه، وليس معنى الغلو والتشدد تطبيق السنة، بل تغيير أحكامها، والتشدد في إيجاب الأمر أو تحريمه وليس هو كذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في شرح حديث (لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ) -:
" ففيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشدد في الدين بالزيادة عن المشروع، والتشديد تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب ولا مستحب بمنزلة الواجب والمستحب في العبادات، وتارة باتخاذ ما ليس بمحرم ولا مكروه بمنزلة المحرم والمكروه في الطيبات، وعلل ذلك بأن الذين شددوا على أنفسهم من النصارى شدد الله عليهم لذلك، حتى آل الأمر إلى ما هم عليه من الرهبانية المبتدعة.
وفي هذا تنبيه على كراهة النبي صلى الله عليه وسلم لمثل ما عليه النصارى من الرهبانية المبتدعة، وإن كان كثير من عبادنا قد وقعوا في بعض ذلك متأولين معذورين، أو غير متأولين ولا معذورين.
وفيه أيضا تنبيه على أن التشديد على النفس ابتداء يكون سببا لتشديد آخر يفعله الله إما بالشرع وإما بالقدر، فأما بالشرع: فمثل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخافه في زمانه من زيادة إيجاب أو تحريم كنحو ما خافه لما اجتمعوا لصلاة التراويح معه، ولما كانوا يسألون عن أشياء لم تحرم، ومثل أن من نذر شيئا من الطاعات وجب عليه فعله وهو منهي عن نفس عقد النذر، وكذلك الكفارات الواجبة بأسباب.
وأما القدر: فكثيراً ما قد رأينا وسمعنا من كان يتنطع في أشياء فيبتلى أيضا بأسباب تشدد الأمور عليه في الإيجاب والتحريم؛ مثل كثير من الموسوسين في الطهارات: إذا زادوا على المشروع، ابتلوا بأسباب توجب حقيقة عليهم أشياء فيها عظيم مشقة ومضرة."
" اقتضاء الصراط المستقيم " (103، 104) .
وقال الشيخ العثيمين – رحمه الله ـ في شرح حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ) رواه النسائي (3059) وابن ماجه (3029) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " -:
وفي هذا الحديث يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من الغلو، ويبرهن على أن الغلو سبب للهلاك؛ لأنه مخالف للشرع؛ ولإهلاكه للأمم السابقة؛ فيستفاد منه تحريم الغلو من وجهين:
الوجه الأول: تحذيره صلى الله عليه وسلم، والتحذير نهي وزيادة.
الوجه الثاني: أنه سبب لإهلاك الأمم كما أهلك من قبلنا، وما كان سببا للهلاك كان محرما.
.. والناس في العبادة طرفان ووسط؛ فمنهم المفرط، ومنهم المفرط، ومنهم المتوسط.
فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وكون الإنسان معتدلا لا يميل إلى هذا ولا إلى هذا: هذا هو الواجب؛ فلا يجوز التشدد في الدين والمبالغة، ولا التهاون وعدم المبالاة، بل كن وسطا بين هذا وهذا.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (9 / 367، 368) .
رابعاً:
الحديث الذي استدل به إمامكم: فهذا الحديث رواه البخاري (1333) ومسلم (14) وليس في صحته إشكال، لكنه أُتي من سوء فهمه له، ولو وقف على رواياته وكلام أهل العلم لما استدل به على ما فهمه منه، فقد جاء في رواية عند البخاري (وعَلَّمَهُ شَرَائِعَ الإسْلام) وهذه اللفظة تشمل باقي الفرائض، وتشمل المندوبات.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قوله: (فَإِذَا هُوَ يَسْأَل عَن الإِسْلام) أي: عن شرائع الإسلام , ويحتمل أنه سأل عن حقيقة الإسلام , وإنما لم يذكر له الشهادة لأنه علم أنه يعلمها، أو علم أنه إنما يسأل عن الشرائع الفعلية , أو ذكرها ولم ينقلها الراوي لشهرتها , وإنما لم يذكر الحج إما لأنه لم يكن فرض بعد أو الراوي اختصره , ويؤيد هذا الثاني ما أخرجه المصنِّف – أي: البخاري - في الصيام من طريق إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل في هذا الحديث قال: " فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام " , فدخل فيه باقي المفروضات بل والمندوبات ... .
قوله: (وَذَكَرَ رَسُولُ الله صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الزَّكَاةَ) في رواية إسماعيل بن جعفر قال: " أخبرني بما فرض الله عليَّ من الزكاة , قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام " , فتضمنت هذه الرواية أن في القصة أشياء أجملت , منها بيان نصب الزكاة؛ فإنها لم تفسر في الروايتين , وكذا أسماء الصلوات , وكأن السبب فيه شهرة ذلك عندهم , أو القصد من القصة بيان أن المتمسك بالفرائض ناج وإن لم يفعل النوافل ... .
فإن قيل: أما فلاحه بأنه لا ينقص فواضح , وأما بأن لا يزيد فكيف يصح؟ أجاب النووي بأنه أثبت له الفلاح لأنه أتى بما عليه، وليس فيه أنه إذا أتى بزائد على ذلك لا يكون مفلحا , لأنه إذا أفلح بالواجب ففلاحه بالمندوب مع الواجب أولى.
" فتح الباري " (1 / 108) .
ونرجو من الإمام أن يتأمل لفظة " وعلمه شرائع الإسلام "، كما نرجو أن يتأمل نهاية ما نقلناه عن الحافظ ابن حجر، والذي أقرَّ فيه كلام الإمام النووي، بأن الفلاَح يكون أولى لمن جاء بالواجبات وأضاف إليها المندوبات.
خامساً:
نوصيكم بالمحافظة على أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما نوصيكم بالمحافظة على تطبيق السنن والمستحبات، دون غلو وتشدد، وتعليم ذلك للناس بحكمة وحسن أسلوب، ولا يجوز لكم تنفير الناس بالتشدد فيما فيه سعة، أو بجعل المستحبات واجبات، أو بالتشدد في النكير على الناس، وخاصة خاصتهم كإمام المسجد أو المفتي أو من له منزلة عند الناس، واستمعوا لهذه النصيحة الجامعة من عالم فاضل.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
يجب عليك الالتزام بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمحافظة عليها، وألا تلتف إلى عذل من يعذلك، أو يلومك في هذا، أما أن الوالدين يلومانك في تمسكك بالسنة ويريدان منك التساهل في ذلك: فلا تطعهما في هذا الأمر، خصوصاً إذا كانت هذه السنن من الواجبات التي يجب التمسك بها، لا في المستحبات، وإذا لم يصل الأمر إلى التشدد، أما إذا كان الأمر بلغ بك إلى حد التشدد: فلا ينبغي لك، ولكن ينبغي الاعتدال والتوسط في تطبيق السنن، والعمل بها، من غير غلو وتشدد، ومن غير تساهل ولا تفريط، هذا هو الذي ينبغي عليك، وعلى كل حال أنت مثاب - إن شاء الله - وعليك بالتمسك بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإقناع من يلومك في هذا، خصوصًا الوالدين، عليك أن تتبعهما وأن ترغبهما في السنن وتبين لهما ما في ذلك من الثواب والخير، فلعله أن يزول عنهما هذا الاعتراض أو هذا الاستغراب، ولعله أيضاً أن يكون هذا العمل سبباً في التزامهما أيضاً بالسنن والاقتداء، وتكون أنت داعية إلى الله عز وجل، ولا شك أن الإنسان الذي يدعو إلى الله يجب أول ما يدعو أقاربه وأقرب الناس إليه، والوالدان من أقرب الناس إليك.
فعلى كل حال إذا كان تمسكك بالسنن لا ينتهي إلى حد الإفراط والغلو: فهو أمر محمود، وعليك أن تستمر عليه، وأن تدعو إليه والديك وغيرهما، والله أعلم.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (2 / 301، 302) .
وأخيرا: كما أن من التشدد المذموم أن ننزل المستحب منزلة الأمر الواجب، أو المكروه منزلة المحرم، أو نلزم أنفسنا بما لم يلزمنا الله تعالى به؛ فكذلك من الجهل بأصول الشريعة أن نهدر الأصل العام العظيم، وهو وجوب الألفة والمحبة بين المسلمين، والاجتماع على حبله المتين، وصيانة عرض المسلم من السلب والعيب، فضلا عن العدوان والأذى والضرب، من الجهل أن نهدر ذلك كله لأجل أن هذا تمسك بأمر مستحب، وغيره لا يراه مستحبا، أو لا يلتزم به، وبالمقابل العدوان على عرض المسلم أو حقه لأجل أنه أخل بأمر يستمسك به غيره، وبمثل ذلك ينال العدو اللعين مراده من المؤمنين؛ فكيف لو كان ذلك في بلاد المهجر والغربة، حيث يرانا غيرنا صورة لديننا.
روى الإمام مسلم في صحيحه (2812) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فأما صفة الصلاة: ومن شعائرها مسألة البسملة؛ فإن الناس اضطربوا فيها نفيا وإثباتا: في كونها آية من القرآن، وفي قراءتها، وصنفت من الطرفين مصنفات يظهر في بعض كلامها نوع جهل وظلم مع أن الخطب فيها يسير. وأما التعصب لهذه المسائل ونحوها فمن شعائر الفرقة والاختلاف الذي نهينا عنها ; إذ الداعي لذلك هو ترجيح الشعائر المفترقة بين الأمة وإلا فهذه المسائل من أخف مسائل الخلاف جدا لولا ما يدعو إليه الشيطان من إظهار شعار الفرقة ... "
ثم قال: " ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات، لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت، لما في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر، ثم صلى خلفه متما، وقال: الخلاف شر. "
مجموع الفتاوى (22/405-4079) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1600)
الدعاء لمن أحسن إليك بـ (جزاك الله خيرا)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شكر من تأخذ منه المال بمثل: " جزاك الله خيرا " فيه محذور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الخلق الكريم يقتضي مكافأة من يؤدي إليك المعروف، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، فقال: (مَن صَنَعَ إِليكُم مَعرُوفًا فَكَافِئُوه، فَإِن لَم تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوا بِهِ فَادعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوا أَنَّكُم قَد كَافَأتُمُوهُ) رواه أبو داود (1672) وصححه الألباني.
وإحسان المكافأة يعني اختيار ما يدخل الفرح والسرور على صاحب المعروف، فكما أنه أدخل على قلبك المسرة، فينبغي أن تسعى لشكره بالمثل، قال تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن/60.
فإن قصرت الحيلة عن مكافأته بهدية، أو مساعدة في عمل، أو تقديم خدمة له، ونحو ذلك، فلا أقل من الدعاء له، وقد يكون هذا الدعاء من أسباب سعادته في الدنيا والآخرة.
ومن أفضل صيغ الدعاء لمن أدى إليك معروفا ما جاءت به السنة:
فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا. فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ) .
رواه الترمذي (1958) والنسائي في "السنن الكبرى" (6/53) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد ورد هذا الدعاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم في سياق حديث طويل وفيه قوله: (وَأَنتُم مَعشَرَ الأَنصَارِ! فَجَزَاكُمُ اللَّهُ خَيرًا، فَإِنَّكُم أَعِفَّةٌ صُبُرٌ) رواه ابن حبان (7277) والحاكم (4/79) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3096) : وهو كما قالا.
كما كانت هذه الجملة من الدعاء معتادة على ألسنة الصحابة رضوان الله عليهم:
جاء في مصنف ابن أبي شيبة (5/322) : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو يعلم أحدكم ما له في قوله لأخيه: جزاك الله خيرا، لأَكثَرَ منها بعضكم لبعض) .
وهذا أسيد بن الحضير رضي الله عنه يقول لعائشة رضي الله عنها: (جزاك الله خيرا، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجا، وجعل للمسلمين فيه بركة) رواه البخاري (336) ومسلم (367) .
وفي صحيح مسلم (1823) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه، وقالوا: جزاك الله خيرا. فقال: راغب وراهب) . أي راغب فيما عند الله من الثواب والرحمة، وراهب مما عنده من العقوبة.
ومعنى " جزاك الله خيرا" أي أطلب من الله أن يثيبك خيرا كثيراً.
"فيض القدير" (1/410) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (4/22) :
" والمكافأة تكون بحسب الحال، من الناس من تكون مكافأته أن تعطيه مثل ما أعطاك أو أكثر، ومن الناس من تكون مكافأته أن تدعو له، ولا يرضى أن تكافئه بمال، فإن الإنسان الكبير الذي عنده أموال كثيرة، وله جاه وشرف في قومه إذا أهدى إليك شيئا فأعطيته مثل ما أهدى إليك رأى في ذلك قصورا في حقه، لكن مثل هذا ادع الله له، (فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) ، ومن ذلك أن تقول له: (جزاك الله خيرا) ، وذلك لأن الله تعالى إذا جزاه خيرا كان ذلك سعادة له في الدنيا والآخرة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1601)
علاقة الذنوب والمعاصي والأخلاق بالعقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الوقوع في الذنوب دليل على فساد في العقيدة أو شبهة في العقيدة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأخلاق الحسنة – وهي التي تكون في ذاتها طاعة، أو تؤدي إلى طاعة - من الدِّين، بل هي الدِّين، وقد أثنى الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه على خُلُق عظيم، وفسر ابنُ عباس الخلق هنا بالإسلام.
قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم/4.
قال ابن عباس رضي الله عنهما:
أي: " إنك على دين عظيم، وهو الإسلام ". رواه الطبري في " تفسيره " (12 / 179) .
فالصحيح أنه لا انفكاك للخلُق عن الدِّين، قال الفيروزآبادي في كتابه " بصائر ذوي التمييز " (2 / 568) : واعلم أن الدين كلّه خلُق، فمن زاد عليك في الخلُق زاد عليك في الدِّين. انتهى.
ومما لا شك فيه أن للعقيدة ارتباطاً وثيقاً بالسلوك والأخلاق، سلباً وإيجاباً، ويتبين ذلك من خلال أمور، منها:
1. أن المسلم الذي يعتقد أن الله تعالى يسمعه ويبصره ويطلع على سريرته، ويقوى هذا الجانب فيه لا يصدر منه من الأخلاق والأفعال ما يفعله من ضعف اعتقاده في هذه الأمور.
ومما يدل على ذلك:
أ. قوله تعالى (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء/128.
ب. وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء/135.
ج. وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء/58.
2. ومنها: أن المسلم الذي يؤمن بوعد الله تعالى ووعيده يدفعه اعتقاده ذاك للقيام بما هو محبوب لله تعالى، والابتعاد عن كل ما هو مبغوض له عز وجل.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) . رواه الترمذي (1162) وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ وأبو داود (4682) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومن المعلوم أن أحبَّ خلقه إليه المؤمنون، فإذا كان أكملهم إيمانا أحسنهم خلقا: كان أعظمهم محبة له أحسنهم خلقا، والخُلُق الدين كما قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى? خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، قال ابن عباس: على دين عظيم، وبذلك فسره سفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، كما قد بيَّناه في غير هذا الموضع. " الاستقامة " (ص 442) .
وقال المباركفوري – رحمه الله -:
قوله: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً) بضم اللام ويسكن؛ لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان.
" تحفة الأحوذي " (4 / 273) .
3. ومنها: أن قوة الإيمان تدفع للقيام بالأعمال الصالحة، وتمنع من التدنس برجس المعاصي والآثام.
ومما يدل على ذلك:
أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) .
رواه البخاري (2334) ومسلم (57) .
ب. عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ) .
رواه البخاري (5670) .
ج. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الإِيمَانِ) .
رواه البخاري (24) ومسلم (36) .
قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رحمه الله: الإِيمَانُ يَبْدُو فِي الْقَلْبِ ضَعِيفًا ضَئِيلا كَالْبَقْلَةِ ; فَإِنْ صَاحِبُهُ تَعَاهَدَهُ فَسَقَاهُ بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَأَمَاطَ عَنْهُ الدَّغَلَ وَمَا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَنْمُوَ أَوْ يَزْدَادَ وَيَصِيرَ لَهُ أَصْلٌ وَفُرُوعٌ وَثَمَرَةٌ وَظَلَّ إلَى مَا لا يَتَنَاهَى، حَتَّى يَصِيرَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ. وَإِنْ صَاحِبَهُ أَهْمَلَهُ وَلَمْ يَتَعَاهَدْهُ جَاءَهُ عَنْزٌ فَنَتَفَتْهَا، أَوْ صَبِيٌّ فَذَهَبَ بِهَا، وَأَكْثَرَ عَلَيْهَا الدَغَلَ فَأَضْعَفَهَا، أَوْ أَهْلَكَهَا أَوْ أَيْبَسَهَا؛ كَذَلِكَ الإِيمَانُ!!
وَقَالَ خيثمة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الإِيمَانُ يَسْمَنُ فِي الْخِصْبِ وَيَهْزُلُ فِي الْجَدْبِ؛ فَخِصْبُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَجَدْبُهُ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي!! [نقله ابن تيمية في كتاب "الإيمان" ص (213) ]
4. ومنها: أن الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره يمنع من أخلاق سيئة كثيرة، ومعاصي توعد الشرع عليها أشد الوعيد، كالتسخط، وشق الثياب، وتمزيق الشعر، والنياحة، كما أن هذا الإيمان يدعو صاحبه للتحلى بفضائل الأخلاق ومعاليها، كالصبر، والرضا، والاحتساب.
عَنْ صُهَيْبٍ الرومي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) . رواه مسلم (2999) .
وفي سنن أبي داود (4700) : قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ!!
قَالَ: رَبِّ، وَمَاذَا أَكْتُبُ؟!!
قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ!!)
يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي!!) صححه الألباني.
5. ومنها: أن الشرع حث على كثيرٍ من الطاعات مؤكدا عليها بارتباطها بالإيمان بالله واليوم الآخر، وحرَّم معاصٍ وموبقات مذكِّراً بالإيمان بالله واليوم الآخر.
ومما يدل على ذلك:
أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) .
رواه البخاري (5672) ومسلم (47) .
ب. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلاثِ لَيَالٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) .
رواه البخاري (1036) ومسلم (1338) – واللفظ له -.
ج. عَن أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) .
رواه البخاري (1221) ومسلم (1486) .
6. ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن في سنَّته أن فساد الاعتقاد – كالنفاق – يؤدي إلى فساد الأخلاق والأعمال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) .
رواه البخاري (33) ومسلم (59) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (المخالفون لأهل الحديث هم مظنة فساد الأعمال؛ إما عن سوء عقيدة ونفاق، وإما عن مرض في القلب وضعف إيمان؛ ففيهم من ترك الواجبات واعتداء الحدود والاستخفاف بالحقوق وقسوة القلب ما هو ظاهر لكل أحد، وعامة شيوخهم يُرمون بالعظائم، وإن كان فيهم من هو معروف بزهد وعبادة، ففي زهد بعض العامة من أهل السنة وعبادته ما هو أرجح مما هو فيه!!
ومن المعلوم أن العلم أصل العمل، وصحة الأصول توجب صحة الفروع، والرجل لا يصدر عنه فساد العمل إلا لشيئين: إما الحاجة وإما الجهل؛ فأما العالم بقبح الشيء الغني عنه فلا يفعله؛ اللهم إلا من غلب هواه عقله، واستولت عليه المعاصي، فذاك لون آخر وضرب ثان!!) مجموع الفتاوى (4/ 53) .
نسأل الله تعالى أن يصلح شأننا كله، وأن يهدينا لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1602)
والدتها تسيئ معاملتها
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد تفرقة في المعاملة بين الأخوات من قبل الأهل، التحكم والسيطرة من قبل الوالدين في التصرفات والملبس والمأكل، ولا تقل لي إنهم ينصحونني بالزى الإسلامي، بل على العكس (وضع ماكياج لإعجاب العرسان) هم يريدونني أن لا أصرف من مرتبي، أو عدم الذهاب كثيرا للملاجئ والمسنين، وأمي تريدنا أن نذهب لأهلها فقط، وأبي لا يبالي، فَهَمُّه جمع المال والأكل؛ فهو شخصية ضعيفة مع أمي المتسلطة، وأختي الوحيدة تابعة لأمي في كل شيء، وفي المقابل أمي تعاملها أحسن وباهتمام وتكبرها علي، لقد احتسبت الله بيني وبينهم،
أريد فقط أن أعرف ما معنى المعاملة بالإحسان، وكيف أضبط انفعالي معها وهى تكذب؟ وهل قولي لها أنت كاذبة حرام؟ وماذا أفعل عندما يضيق صدري وتبتل وسادتي مما تفعله وتقوله عني أمام الناس؟ والله المستعان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كثيرة هي المشاكل التي تعرض في حياة الأسرة المسلمة، كما أنها متنوعة بتنوع نواحي الحياة المختلفة إلى اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية، ولكن من أخطر أنواع المشاكل تلك التي يعاني فيها الأبناء من تصرفات آبائهم، ذلك أن الواجب أن يقوم الوالدان باحتواء أبنائهم وشملهم بعطفهم ورعايتهم، وتفهم حاجاتهم، ومراعاة نفسياتهم، في حين أن الحال ينعكس في هذا النوع من المشاكل، حيث تتغير وجهة الخطاب لتصبح موجهة إلى الأبناء، كي تتسع صدورهم ونفوسهم لما يعانونه من والديهم.
وفي ذلك دعوة للجيل القادم كي يستفيد من التجربة، فيقوم بدور الأبوة الذي سيسخره الله له، ولن يعذره أحد بالجهل أو قلة المعرفة، كما يمكن أن يعذر به الجيل السابق، فإن تعلم وسائل التربية الإسلامية الصحيحة أمر ميسور اليوم، ولا يعجز عنه إلا عاجز.
وسوف نعترف لك ـ مقدما ـ بأن حديثنا هنا ربما يبدو وكأنه يهون من مشكلة، هي كبيرة في حقيقة الأمر، ونقول لك أختنا الكريمة: لا عيب في ذلك، فإذا قدر أن ذلك التهوين يخفف عنا بعضا من أعباء تلك المشاكل، وإحساسنا بوطأتها، فأهلا به، وهو جزء من العلاج:
فَقُلتُ لَها يا عَزَّ كُلُّ مُصيبَةٍ إِذا وُطِّنَت يَومًا لَها النَفسُ ذلَّتِ
وإذا كان لهذه المشكلة طرفان: أحدهما أنت، والآخر: أسرتك؛ أمك، وأبوك ـ أيضا ـ، ثم أختك؛ فإن حديثنا سوف ينصب في معظمه ـ أيضا ـ عليك، وأنت الشاكية، وأنت المظلومة، كما يبدو لنا من رسالتك؟!!
وإذا بدا ذلك نوعا من الاستسهال في التعامل مع المشكلة، فليكن ـ أختنا الكريمة ـ؛ فلا أنت، ولا نحن نريد تعقيد المشكلة، ولا إلهاب العداوة، إنما نريد الحل، بغض النظر عن طرف الخيط الذي نمسك به؛ فالمهم أن نحل المشكلة، إن استطعنا، أو ـ على أقل تقدير ـ ألا نزيدها تعقيدا!!
لو كان أبوك يسمع لنا لقلنا له: الواجب الأول عليك، والدور الكبير لك، فأنت القيم، وأنت الراعي ومسئول عن رعيتك؛ لكنه لم يسألنا، ولا نظنه يسمع لنا صوتا!!
لو كانت أمك تسمع نداءنا لقلنا لها: اللهَ الله في أبنائكِ، فحقهم واحد، والعدل بينهم واجب:
( ... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) متفق عليه، واللفظ للبخاري
لو كانت أمك تسمع لنا لقلنا لها: (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا) رواه مسلم (1837) .
لقد كان من الممكن أن نقول الكثير، لو كان طرف المشكلة الآخر يسمع لنا!!
لكننا الآن مضطرون إلى أن نوجه حديثنا إلى طرف واحد، هو أنت، وأن نحمل عبء الحل على جانب واحد، هو أنت، فأنت الخيط الذي نملك أن نجذبه، إذا كنا نريد أن نحل العقدة التي تؤرقك!!
وإذا كان واضحا أنك أمام أزمة في التفاهم مع والدتك، وهذه حقيقة يجب أن تبدئي العلاج منها، فلا تحاولي الفرار ورفض الاعتراف وتقبل هذه المشكلة، ويتمثل ذلك بالانفعالات الغضبية التي تصيبك أثناء تعاطيك مع الوالدة، ونحن لا نظن أنها تصدر إلا ممن يحاول الهروب من واقعه، ولم يتفهم ما يواجهه.
والبداية الصحيحة في العلاج تبدأ من الحقيقة التي يقررها القرآن الكريم في قوله تعالى:
(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) الشورى/30، فتغيير كل واقع إنما ينطلق من أصحاب الشأن، وليس من غيرهم، وينطلق فقط حين يتفهمون أن التغيير يبدأ من أنفسهم، وليس من غيرهم.
فلا بد – أختي الفاضلة – أن تتلمسي مواضع الخلل ومكامن النقص في تعاملك مع أسرتك، وتعملي على علاجها أو لنقل – تغييرها -، ولا نقول هذا تجاوزا، إذ ليس بالضرورة أن يكون هذا الخلل سوء خلق منك – لا قدر الله -، لكنه قد يكون خطأ في طريقة التعاطي مع المشكلة والتعامل مع الواقع، وأستطيع مما ذكرت في السؤال التنبيه على شيء من ذلك:
- دائرة المندوبات والمستحبات لا ينبغي أن تجعل مثار شقاق ونزاع، فإن أمر إصلاح ذات البين وتأليف القلوب أعظم من مصلحة فعل تلك المستحبات، فإن كنت تسببت في بعض النزاع لإصارك على القيام بأمور غاية أمرها الندب، فأرجو أن تراجعي مواقفك تلك.
- متابعة الوالدة مصروفات ابنتها ومحاولة ضبطها أمر محمود، والجانب السلبي فيه فقط هو المبالغة في ذلك، وأظن أن هذا الفهم لسياق المشكلة أكثر موضوعية من وضعها في سياق التجبر والتسلط!
- الانفعال السريع والغضب أساس كل مشكلة، ولن يقود إلى علاج أبدا، من أراد تحصيل ما يتمنى فلا بد أن يكتم في قلبه بعض سهام الظلم أو الأذى.
عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ جُرعَةٍ أَعظَمُ أَجرًا عِندَ اللَّهِ مِن جُرعَةِ غَيظٍ كَظَمَهَا عَبدٌ ابتِغَاءَ وَجهِ اللَّهِ) رواه ابن ماجه (4189) وحسنه العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 163) .
ويمكنك الاستفادة من الأجوبة التالية في علاج سرعة الغضب (658) و (45647) .
وأظنك تملكين – والحمد لله – بعض المفاتيح التي يمكن أن تخفف عنك ما أهمك، فقد أنعم الله عليك بالوظيفة، والمال يأسر القلوب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَهَادُوا تَحَابُّوا) .
رواه البخاري في " الأدب المفرد " (208) وحسَّنه العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 53) وابن حجر في " بلوغ المرام " (277) والألباني في " صحيح الأدب المفرد ".
وبالهدية يمكن أن تتملكي قلب والدك ووالدتك وأختك، وراوحي بين أنواع الهدايا: عينية أو نقدية أو بعض أثاث المنزل أو رحلة سياحية إلى مكان جميل، وسيكون لذلك أثر عظيم في نفوسهم إن شاء الله.
وأختك مفتاح حل آخر، إذ يمكنك التفاهم معها والتقرب والتحبب إليها، لتكون عونا لك على ما تواجهين، وخسارتك لها يعني فشلك أنت في ذلك، فلا تحاولي أن تضعي اللوم عليها هي أيضا – وإن كان ذلك هو الواقع – ولكن حين يتهم المرء طريقته فإنه سيسعى حتما لتغييرها إلى الملائم والمناسب، وهنا يكون العلاج.
واعلمي – أختي الفاضلة – أن قلب الوالدة يظل ينبض بالشفقة والرأفة على ولده، مهما أظهر من قسوة وشدة، فحاولي أن تستخرجي كل رحمة في قلب والدتك، بالتحبب والتذلل والمسامحة والمصابرة، ولا أظنك إذا ارتميت في حجر والدتك وقبلت يدها واختلطت دموعك بكلماتك في حبها وشكوى تعب الحياة وألمها إليها: فلا أظنك ترجعين خائبة، بل أرجو أن تعود والدتك خيراً مما كنت تظنين.
يقول الله عز وجل: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/34.
وقد جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِن يَعفُو وَيَغفِر) رواه البخاري (2125) .
وأولى من يعامل بالحسنى ويقابل بالمسامحة هما الوالدان، لما فرض الله لهما من حق عظيم، حتى قال سبحانه وتعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) الإسراء/24.
والخُلُق الحسن يقتضي تحمل الظلم والأذى من الأحبة، فكيف بالوالدين؟!!
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " المؤمن ملجم بلجام، فلا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يجد طعم الذل ".
وخطب علي بن أبي طالب في أصحابه فقال: (كونوا في الناس كالنحلة في الطير، فإنه ليس شيء من الطير إلا يستضعفها، ولو يعلم ما في أجوافها لم يفعل، خالقوا الناس بأخلاقكم وألسنتكم، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم، فإن لامرئ ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب) .
وعن محمد بن الحنفية قال: (ليس بحليم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بُدّاً حتى يجعل الله له فرجا - أو قال: مخرجاً -)
روى هذه الآثار ابن أبي الدنيا في كتابه " مداراة الناس " (37، 27، 41) .
كن كالنخيل عن الأضغان مرتفعا يرمى بطوب، فيلقي أطيب الثمرِ
والمهم – أختي الفاضلة – أن تسعي في تغيير الأساليب التي اعتدت عليها في مخاطبة ومحاورة والدتك، وأن تتفكري في كل فكرة ممكنة تكون منفذا لقلبها، ولا تعجزي أبداً، ولا تقولي حاولت وأسقط في يدي، واستعيني بالله سبحانه وتعالى أولاً وآخراً.
وأخيراً:
لن يكون سوء معاملة والدتك لك نهاية المطاف أبدا، فالدنيا مليئة بالفرص الطيبة، ومليئة بالخيِّرين من أقارب وجيران وأصحاب، يعيش المرء معهم أيامه، ويطوي بقربهم عمره، يحسن إلى الناس كافة، ويخالقهم بخلق حسن، وهذه أعظم رسالة يحملها المسلم في حياته.
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ مِن أَحَبِّكُم إِلَيَّ وَأَقرَبِكُم مِنِّي مَجلِسًا يَومَ القِيَامَةِ أَحَاسِنُكُم أَخلَاقًا) رواه الترمذي (2018) وقال: حسن غريب، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
سئلت اللجنة الدائمة:
السائل يعيش مع والديه في منزل واحد، لكنه دائم الخصومة مع أمه والقطيعة لوالده، وسبب ذلك أن أمه تفضل أخاه الصغير، فتصفه بأقبح الأوصاف، وتشتمه بأقذع الشتائم ولأتفه الأسباب، فصارت عنده عقد نفسية، وتتسامح مع أخيه، ولو أساء أشد إساءة، فصار مدللا خاليا من العقد النفسية، وكذلك والده يسيء إليه كثيرا، لا يرد عليه السلام إلا نادرا، ويضربه أحيانا أمام الناس لأدنى سبب، ولا يضرب أخاه الصغير ولو اشتدت إساءته، فهل يطالب من أساء إليه والداه بما يطالب به سائر الأبناء من البر والصلة، وهل يأثم بإثارة الخصومات مع أنه يجتهد في إبعاد الخصومات، وكثيرا ما يندم بعد وقوعها ويتصدق عنهما دون شعور منهما، فهل يثابان بذلك ويثاب هو أيضا، وهل يخفف ذلك من ذنوبه، مع أن هذه الصدقة قليلة جدّاً؟ .
فأجابت:
قد يكون الوالدان معذوريْن فيما حصل منهما، وقد يكون لديهما اعتبارات في التشديد على واحد من أولادهما دون آخر، ككونه أكبر سنّاً، وأرشد من غيره، فالغلط منه أشد، وكتأديبه ليستقيم فيكون قدوة لإخوانه الصغار، وعلى تقدير إساءتهما لا يجوز للولد أن يقابل سيئتهما بالسيئة، بل يقابلها بالحسنة، عملا بقوله تعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/34، وقوله (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15.
فأمر الولد أن يصاحب والديه بالمعروف ولو جاهداه على أن يشرك بالله غيره، والشرك أكبر الكبائر، وأمره أن يلزم سبيل الله المستقيم، وأخبر بأن جزاء الجميع عنده تعالى يوم القيامة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببر الوالدين، وحذر من عقوقهما وبين أن العقوق من أكبر الكبائر، هذا وتُشكَر على الندم على ما فعلت من إثارة الخصومات والقطيعة، وعلى الصدقة عنهما، ولو أعلنت ذلك لهما كان أرجى إلى الوئام وحنانهما عليك، ويرجى لك ولهما الأجر ومغفرة الذنوب بما قربت من الصدقة عنهما، وإن قَلَّت، فإن الله يضاعف الحسنات، وأما الوالدان فالواجب عليهما تحري العدل بين أولادهما، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) .
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 123 – 125) .
ونسأل الله أن يوفقكِ ويفتح عليك أبواب رحمته وفضله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1603)
بين النفاق والمداراة
[السُّؤَالُ]
ـ[1. أود معرفة الخط الفاصل بين النفاق والمجاملة؛ ذلك أني ألمس في الكثير من الأحيان ازدواجية في سلوك الناس وتصرفاتهم تبعا للمصلحة والأهواء، ويقال: إن الأمر مجرد مجاملة فهل هذا صحيح؟
2. وهل يمكن أن يشوب الصداقة الحقة بعض النفاق؛ ذلك أن لي صديقة لم تحمل لي من الود ما كنت اعتقده، كانت لها مكانة في قلبي لا ينازعها عليها أحد، واكتشفت أخيرا أن مكانتي لديها لا تساوي شيئا مطلقا، وسلوكها معي لسنوات تحكمه الأقنعة الزائفة، كنت أعتقد، وكان الكل يجزم قطعا، أن الصداقة بيننا قوية، وإلى الآن لست أدري كيف لي أن أتبرأ من هذه الصداقة بعد أن علمت بحقيقتها.
3. فهل سلوك هذه الصديقة يعد نفاقا؟
4. وما جزاء نفاق الأصدقاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كثيراً ما يخلط بعض الناس بين مفاهيم النفاق والمداراة والمداهنة، وسبب ذلك غياب معاني الأخوة والصحبة الصادقة في الذهن والواقع، فلم تعد قلوبهم تفرق بين الحق والباطل، وبين الإحسان والإساءة.
أولاً:
إذا أُطلق لفظ النفاق فإنه يستوحي معانيَ الشر كلها، ولم يكن النفاق يوما محمودا ولو من وجه ما، ويعرِّفُه علماء السلوك بأنه إظهار الخير للتوصل إلى الشر المضمر.
فالمنافق لا يبتغي الخير أبدا، وإنما يسعى للإضرار بالناس وخيانتهم وجلب الشر لهم، ويتوصل إلى ذلك بإظهار الخير والصلاح، ويلبَسُ لَبوس الحب والمودة.
يقول سبحانه وتعالى في التحذير من صحبة المنافقين:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ. هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) آل عمران/118-119.
وهكذا كل من يصاحب الناس فيظهرُ لهم الخير والمودة، وفي حقيقة أمره إنما يسعى في أذاهم، ويتمنى النيل منهم، ويطلبُ الشرَّ لهم.
ثانياً:
أما المُدَارِي (وهو المُجَامِلُ أيضا) فلا يُضمِرُ الشر لأحد، ولا يسعى في أذية أحد في ظاهر ولا في باطن، ولكنه قد يظهر المحبة والمودة والبِشر وحسن المعاملة ليتألف قلب صاحب الخلق السيء، أو ليدفع أذاه عنه وعن غيره من الناس، ولكن دون أن يوافقه على باطله، أو يعاونَه عليه بالقول أو بالفعل.
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -:
وقيل لابن عقيل في فنونه: أسمع وصية الله عز وجل (ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ، وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقا , فكيف لي بطاعة الله تعالى والتخلص من النفاق؟ .
فقال ابن عقيل: " النفاق هو: إظهار الجميل , وإبطان القبيح , وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر, والذي تضمنتْه الآية: إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن ".
فخرج من هذه الجملة أن النفاق إبطان الشر وإظهار الخير لإيقاع الشر المضمر، ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر: فليس بمنافق، لكنه يستصلح، ألا تسمع إلى قوله سبحانه وتعالى (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ، فهذا اكتساب استمالة , ودفع عداوة , وإطفاء لنيران الحقائد , واستنماء الود، وإصلاح العقائد , فهذا طب المودات، واكتساب الرجال. " الآداب الشرعية " (1 / 50، 51) .
ولذلك كانت المداراة من الأخلاق الحسنة الفاضلة، وذكر العلماء فيها من الآثار والأقوال الشيء الكثير.
قال ابن بطال رحمه الله: المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة. "
فتح الباري " (10 / 528)
وقد أنشأ البخاري رحمه الله في صحيحه بابا بعنوان: (باب المداراة مع الناس) وقال فيه:
" ويُذكَرُ عن أبي الدرداء: إِنَّا لنُكَشِّرُ في وجوهِ أقوامٍ وإنَّ قُلوبَنا لَتَلعَنُهُم ".
ومعنى " لنكشر ": من الكشر، وهو ظهور الأسنان، وأكثر ما يكون عند الضحك، وهو المراد هنا.
وأسند في هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها:
(أَنَّهُ استَأذَنَ عَلَى النّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: ائذَنُوا لَهُ فَبِئسَ ابنُ العَشِيرَةِ أَو بِئسَ أَخُو العَشِيرَةِ. فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الكَلَامَ. فَقُلتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قُلتَ مَا قُلتَ ثُمَّ أَلَنتَ لَهُ فِي القَولِ؟ فَقَالَ: أَيْ عَائِشَةُ! إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنزِلَةً عِندَ اللَّهِ مَن تَرَكَهُ أَو وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحشِهِ)
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -:
وقول أبي الدرداء هذا ليس فيه موافقة على محرَّم، ولا في كلام , وإنما فيه طلاقة الوجه خاصة للمصلحة وهو معنى ما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها: يَا عَائِشَةُ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ النَّاسُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ.
قَالَ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " وَغَيْرِهِ: " فيه مداراة من يتقى فحشه، ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثنى عليه في وجهه، ولا في قفاه، إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام ".
وقد ذكر ابن عبد البر كلام أبي الدرداء في فضل حسن الخلق.
" الآداب الشرعية " (1 / 50) .
وقد كتب أهل العلم فصولا في " المداراة " حتى أفرد ابن أبي الدنيا جزءً بعنوان " مداراة الناس "، وكان مما أسنده فيه في (ص / 48 و 50) :
عن حميد بن هلال قال: أدركتُ الناس يَعُدُّون المداراة صدقة تُخرج فيما بينهم.
وعن الحسن قال: التودد إلى الناس نصف العقل ". انتهى.
وقال حنبل إنه سمع أبا عبد الله – أي: أحمد بن حنبل - يقول:
والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق، وأمر بمعروف بلا غلظة، إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه.
" الآداب الشرعية " (1 / 191) .
وسئل الشيخ ابن باز - رحمه الله -:
في بعض الظروف تقتضي المجاملة بأن لا نقول الحقيقة، فهل يعتبر هذا نوعا من الكذب؟
فأجاب:
هذا فيه تفصيل: فإن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل: لم تجز هذه المجاملة، أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل، إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال، ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد، ولا إسقاط حق لأحد: فلا أعلم حرجاً في ذلك.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 280) .
ثالثاً:
ومن المهم أيضا التفريق بين المداراة المحمودة، وبين المداهنة المذمومة، فقد يخلط الناس بينهما في حمأة اختلاط المفاهيم والأخلاق في هذه الأزمان.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغَلِطَ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها، والمداهنةَ محرَّمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها: معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة: هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وتركُ الإغلاظِ عليه حيث لا يُظهِر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك.
" فتح الباري " (10 / 528) .
رابعاً:
كثير من الأصحاب والأصدقاء – ويكثر ذلك في معشر النساء - يخطؤون في فهم الوجه الصحيح لصحبتهم، فينحون نحو المغالاة الظاهرة التي تدفعهم إلى التعلق الشديد، في حين يكون الطرف المقابل لا يرى كل تلك المعاني المبالغة، بل يقصد صحبة طيبة متزنة اقتضاها الحال والمقام، وحينئذ يصدم من كان يُعَلِّقُ على تلك الصحبة آمالا لا تكاد تحملها الجبال، فنحن بحاجة إلى ترشيد المودة التي قد تأسر قلوبنا تجاه أناس نحبهم، كي لا نُفاجأ يوما، فنظن قصورا من المعاني هدمت، وهي لم تكن مبنيةً يوما.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لا يكن حُبُّكَ كَلَفًا ولا بغضك تَلَفًا ".
وفي المقابل نحن بحاجة إلى تعميق معاني الأخوة، الأخوة التي تقتضي الوفاء والصدق والإخلاص، وترفع التكلف والمجاملة والمداراة. وقديما قالوا: " إِذَا صَحَّتِ المَوَدَّةُ سَقَطَ التَّكَلُّفُ "
جاء في " لسان العرب " (11 / 123) :
" وجامَل الرجلَ مُجامَلةً: لم يُصْفِهِ الإِخاءَ، وماسَحَه بالجَمِيل " انتهى.
ولا شك أن مثل هذه المجاملة مذمومة، إذ ليس لها محل في سياق الأخوة والصحبة الصالحة، وإن وقعت المجاملة أحيانا بين الأصحاب فإنما تكون بحسب المقام فقط، درءا لفتنة أو حفظا لمودة، أما أن تكون المجاملة شعار تلك الصداقة، فذلك تشويه لجميع معاني الأخوة الصادقة.
قال علي رضي الله عنه: شر الأصدقاء من تكلف لك، ومن أحوجك إلى مداراة، وألجأك إلى اعتذار.
وقيل لبعضهم: من نصحب؟ قال: من يرفع عنك ثقل التكلف، وتسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ.
وكان جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما يقول: أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه. " إحياء علوم الدين " (2 / 181) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1604)
هل يحل له أخذ باقي المواد المصروفة له في العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم في شخص يعمل في أحد فروع شركة أمريكية، وقد خصصت له مكاناً يعمل به ومعه موظف يساعده في العمل، وهذا المكان تخصص له الشركة مخصصاً تموينيّاً من الشاي والسكر وغيرها من المشروبات الساخنة في صورة جافة، وما يحدث أن يفيض من هذا المخصص كميات معينة كل شهر، ولا يمكن إعادتها، فهل يجوز لهذا الشخص استعمالها في منزله مع أسرته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت هذه المواد المصروفة من قبَل الشركة للموظفين على سبيل التمليك لهم: فلا حرج عليهم في أخذ ما زاد منها إلى بيوتهم، وخاصة إذا كانت هذه المواد لا يمكن إعادتها، فيتعين – هنا – أخذها حتى لا يكون ذلك من تضييع المال بغير وجه حق.
أما إذا كانت الشركةتصرف هذه الأشياء لاستعمالها في الشركة فقط، ولا تسمح لأحد أن يأخذ منها شيئا، فلا يجوز لأحد من الموظفين أن يأخذ منها لبيته.
وحينئذ لابد من سؤال المسئولين في الشركة لمعرفة حقيقة الأمر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1605)
نعم، كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تؤكد ما إذا كانت عائشة رضي الله عنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي: (كان خلقه القرآن) . لقد أمضيت ساعات وأنا أبحث عن الدليل لكن دون جدوى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نعم، ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ذلك في وصف النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد جاء في حديث طويل في قصة سعد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة، وأتى عائشة رضي الله عنها يسألها عن بعض المسائل، فقال:
(فَقُلتُ: يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ! أَنبئِينِي عَن خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَت: أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ؟
قُلتُ: بَلَى.
قَالَت: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ القُرآنَ.
قَالَ: فَهَمَمْتُ أَن أَقُومَ وَلَا أَسأَلَ أَحَدًا عَن شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ ... الخ) رواه مسلم (746)
وفي رواية أخرى:
(قُلتُ: يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ! حَدِّثِينِي عَن خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
قَالَت: يَا بُنَيَّ أَمَا تَقرَأُ القُرآنَ؟ قَالَ اللَّهُ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) خُلُقُ مُحَمَّدٍ القُرآنُ)
أخرجها أبو يعلى (8/275) بإسناد صحيح.
قال النووي رحمه الله تعالى في "شرح مسلم" (3/268) :
" معناه: العمل به، والوقوف عند حدوده، والتأدب بآدابه، والاعتبار بأمثاله وقصصه، وتدبره، وحسن تلاوته " انتهى.
وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/148) :
" يعني أنه كان يتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه، فما مدحه القرآن كان فيه رضاه، وما ذمه القرآن كان فيه سخطه، وجاء في رواية عنها قالت: (كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ، يَرضَى لِرِضَاه، وَيَسخَطُ لِسَخَطِهِ) " انتهى.
وقال المُناوي في "فيض القدير" (5/170) :
" أي ما دل عليه القرآن من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده إلى غير ذلك.
وقال القاضي: أي خلقه كان جميع ما حصل في القرآن، فإنَّ كُلَّ ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحَلَّى به، وكل ما استهجنه ونهى عنه تَجَنَّبَه وتَخَلَّى عنه، فكان القرآن بيان خلقه ... " انتهى.
ثانيا:
ومن حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا – خاصة في هذه الأيام التي يتعرض فيها شخصه الكريم لحملة الكذب والتشويه – أن نَذكُرَ شيئا من شمائله الكريمة، وصفاته الحميدة، ليعلم العالَم أن في شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم أطهر شخص وأعظم نفس وأكرم قلب.
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (2/430-442) :
" بيان جملة من محاسن أخلاقه التي جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار، فقال:
كان أحلم الناس، وأشجع الناس، وأعدل الناس، وأعف الناس، لم تمسَّ يده قط يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه، وكان أسخى الناس، لا يبيت عنده دينار ولا درهم، وإن فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفَجَأَهُ الليلُ لم يأو إلى منزله حتى يتبرَّأَ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله، لا يُسأَلُ شيئا إلا أعطاه، ثم يعود على قوت عامه فيؤثِرُ منه حتى إنه ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء، وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم معهن، وكان أشد الناس حياء، لا يثبت بصره في وجه أحد، ويجيب دعوة العبد والحر، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويكافئ عليها، ولا يأكل الصدقة، ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه، وينفذ الحق وإن عاد ذلك عليه بالضرر أو على أصحابه، وَجَدَ مِن فُضَلاء أصحابه وخيارهم قتيلا بين اليهود فلم يَحِفْ عليهم ولا زاد على مُرِّ الحق، بل وداه بمائة ناقة وإنَّ بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد يتقوون به، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، ولا يتورع عن مطعم حلال، لا يأكل متكئا ولا على خِوان، لم يشبع من خبزٍ ثلاثةَ أيام متوالية حتى لقي الله تعالى، إيثارا على نفسه لا فقرا ولا بخلا، يجيب الوليمة، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس، أشد الناس تواضعا، وأسكنهم في غير كبر، وأبلغهم من غير تطويل، وأحسنهم بِشْرًا، لا يهوله شيء من أمور الدنيا، ويلبس ما وجد، يردف خلفه عبده أو غيره، يركب ما أمكنه، مرة فرسا، ومرة بعيرا، ومرة بغلة، ومرة حمارا، ومرة يمشي حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة، يعود المرضى في أقصى المدينة، يحب الطيب، ويكرة الرائحة الرديئة، يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، لا يجفو على أحد، يقبل معذرة من اعتذر إليه، يمزح ولا يقول إلا حقا، يضحك من غير قهقهة، يرى اللعب المباح فلا ينكره، يسابق أهله، وترفع الأصوات عليه فيصبر، وكان له عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس، ولا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى أو فيما لا بد منه من صلاح نفسه، لا يحتقر مسكينا لفقره وزمانته [الزمانة: المرض المزمن] ، ولا يهاب ملكا لملكه، يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء مستويا.
ومما رواه أبو البختري قال: ما شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من المؤمنين بشتيمة إلا جعل لها كفارة ورحمة، وقال: (إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا) ، وكان إذا سئل أن يدعو على أحد، مسلم أو كافر، عدل عن الدعاء عليه إلى الدعاء له، وما ضرب بيده أحدا قط، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم، وقد وصفه الله تعالى في التوراة قبل أن يبعثه، فقال: محمد رسول الله، عبدي المختار، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، وكان من خلقة أن يبدأ من لقيه بالسلام، ومن قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر، ولم يكن يُعرَف مجلسه من مجلس أصحابه، قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/159
قد جمع الله له السيرة الفاضلة والسياسة التامة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، نشأ في بلاد الجهل والصحارى في فقره وفي رعاية الغنم، يتيما لا أب له ولا أم، فعلمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق، والطرق الحميدة وأخبار الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز في الآخرة والغبطة والخلاص في الدنيا، ولزوم الواجب وترك الفضول، وفقنا الله لطاعته في أمره والتأسي به في فعله آمين يا رب العالمين " انتهى بشيء من الاختصار.
ولا يحسبن أحد أن ما سبق من قبيل الكلام الإنشائي الخطابي، بل كل جملة فيه جاء في المسانيد والصحاح والسنن عشرات الأحاديث الصحيحة المسندة مما يدل عليه ويشهد له، ولكن آثرت عدم ذكرها اختصارا، ومن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى كتاب (الشمائل المحمدية) للإمام الترمذي.
رابعا:
وفي النهاية أنصحك أخي السائل أن تستعين في بحثك بجهاز الحاسوب والبرامج الحديثية الميسرة، وهي كثيرة بحمد الله، فإنها تختصر عليك الوقت والجهد، كما أنك تستطيع من خلالها الوصول إلى الحديث الذي تريد ومعرفة حكمه، وأنصحك بشراء بعض الكتب الشاملة،مما تجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وترتبها على المواضيع، ومن أعظمها وأوسعها وأيسرها كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي، وكذلك (الترغيب والترهيب) للإمام المنذري، فقد رتب أحاديثه على الموضوعات، وجمع من جميع كتب السنة ما يتعلق بالموضوع الذي يتحدث عنه، وقد خدمه أهل العلم بالتحقيق وبيان الصحيح من الضعيف، منهم الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.
أسأل الله تعالى لك الأجر على جهدك وبحثك، وأسأله سبحانه أن يوفقنا وإياك لما فيه الخير.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1606)
مشكلة الحماس أول التوبة ثم الفتور بعدها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يتوب الإنسان يبدأ بداية قوية ويقول: إن الشيطان يأمرني بالتخفيف، ويزيد من الطاعات، ثم تبرد الهمة فيقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ، وتخف الطاعات حتى يعود كما كان.
وسؤالي: ما هي النصيحة؟ هل يبدأ بداية قوية أم بالتدريج حتى يثبت عليه ويزيد عليه بعد مدة أو يأخذ بالمقولة " إذا هبت رياحك فاغتنمها "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن نعمة الهداية والتوبة من أعظم نعَم الله تعالى على المسلم، وتغيير حاله للأحسن مما يقرِّبه إلى الله تعالى أكثر، وفي العادة يُقبل التائب على الطاعة إقبالاً عظيماً يحاول فيها تعويض ما فاته من العمر الذي قضاه في المعصية والضلال.
وهذا الأمر طبيعي بالنسبة لكل صادق في توبته، وقد ذكَره نبينا صلى الله عليه وسلم، وبيَّن ما يحصل بعده من برود وفتور في الهمة، وهذا أمر طبيعي أيضاً، لكن الخطر على صاحب هذه التوبة أن يكون فتوره وبروده في تناقص مستمر إلى أن يرجع إلى حاله الأول، ولذا كان من الواجب الانتباه إلى هذا الأمر، وعلى التائب الطائع إذا فترت همته أن يقف عند الاعتدال والتوسط، والتزام السنة؛ ليحافظ على رأس ماله، ويحسن الانطلاق مرة أخرى إلى الطاعة بقوة ونشاط؛ لأن الانطلاق من التوسط خير من الانطلاق من الصفر.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ) . رواه ابن حبان في "صحيحه" (1/187) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (56) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ، وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فَلا تَعُدُّوهُ) رواه الترمذي (2453) وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (57) .
قال المباركفوري رحمه الله:
" قوله (إن لكل شيء شِرَّةً) أي: حرصا على الشيء ونشاطا ورغبة في الخير أو الشر.
(ولكل شِرَّةٍ فَتْرَةً) أي: وهْناً وضعفاً وسكوناً.
(فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ) أي: جعل صاحب الشرة عملَه متوسطاً، وتجنب طرفي إفراط الشرة وتفريط الفترة.
(فَارْجُوهُ) أي: ارجو الفلاح منه؛ فإنه يمكنه الدوام على الوسط , وأحب الأعمال إلى الله أدومها.
(وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ) أي: اجتهد وبالغ في العمل ليصير مشهوراً بالعبادة والزهد وسار مشهوراً مشارا إليه.
(فَلا تَعُدُّوهُ) أي: لا تعتدوا به ولا تحسبوه من الصالحين لكونه مرائيا , ولم يقل فلا ترجوه إشارة إلى أنه قد سقط ولم يمكنه تدارك ما فرط " انتهى.
" تحفة الأحوذي " (7 / 126) .
ولكي يتجنب المسلم الإفراط والتفريط فعليه بالقصد، وهو التوسط، فلا يبالغ في فعل العبادة والطاعة؛ لئلا يملَّ فيترك، ولا يتركها كسلاً وتهاوناً لئلا يستمرئ الترك فلا يرجع، وكلا الأمرين ذميم، ومن توسط في الأمر سلك، ومن سلك وصل إلى ما يحبه الله ويرضاه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ. قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلا أَنَا، إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا، وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنْ الدُّلْجَةِ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا) . رواه البخاري (6098) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قوله: (سددوا) معناه: اقصدوا السداد أي: الصواب.
قوله " وقاربوا " أي: لا تُفْرِطُوا (أي تشددوا) فتُجهدوا أنفسكم في العبادة، لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل فَتُفَرِّطُوا (أي تقصروا) .
قوله " واغدوا وروحوا وشيئا من الدلجة ": والمراد بالغدو السير من أول النهار , وبالرواح السير من أول النصف الثاني من النهار , والدلجة: سير الليل، يقال: سار دلجة من الليل أي ساعة، فلذلك قال: (شيء من الدلجة) لعسر سير جميع الليل.
وفيه إشارة إلى الحث على الرفق في العبادة , وعبر بما يدل على السير لأن العابد كالسائر إلى محل إقامته وهو الجنة.
قوله " والقصدَ القصدَ " أي: الزموا الطريق الوسط المعتدل , واللفظ الثاني للتأكيد " انتهى باختصار.
"فتح الباري" (11/297،) .
والخلاصة: ندعوك للتفكر في الأحاديث السابقة، والتأمل في معناها، واعلم أن التوبة بحاجة إلى شكر، وأعظم الشكر أن تداوم على بقائها، ولا يكون ذلك إلا بالمداومة على العمل والطاعة، واعلم أن (أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) رواه البخاري ومسلم، فلا تبدأ بقوة ولا تفتر بالمرَّة، بل اقتصد في الطاعة، وهذا في مقدورك، وكلما رأيت من نفسك نشاطا فاجعله في طاعة الله، وكلما رأيتَ فتوراً ومللاً فارجع إلى التوسط، ونسأل الله أن ييسر أمرك، ويهديك لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1607)
حكم المشاركة في الروابط القبلية التعاونية
[السُّؤَالُ]
ـ[أقاربي قاموا بعمل رابطة تعاونية، وقد شارك فيها كل أبناء العائلة، ويقوم مبدأ هذه الرابطة على التعاون فيما بينهم، بحيث لو حصلت أي مشكلة لأحد أبناء العائلة مع عائلة أخرى، فإنهم يقومون بحل هذه المشكلة، والإصلاح بين الطرفين، كما أن لهم اجتماعاً شهريّاً في بيت أحد الأعضاء (على الدور) يلتقون ويسلمون على بعض ويسمعون أخبار بعض وهكذا، ويتم أخذ مبلغ من المال من كل من يشارك في هذه الرابطة شهريّاً إذا كان المشارك يعمل، ويكون المال بحوزة أمين الصندوق، وتكون مصارف هذا المال على الأوجه التالية:
1. إقراض المحتاج من أبناء العائلة وتقسيط المبلغ عليه.
2. المساعدة في دفع الدية أو تعويض لأي إنسان من عائلة أخرى يتم دهسه من قبل أحد أبناء العائلة أو تعرضه لمكروه من قبل أحد أبناء العائلة.
3. إخراج الزكاة من هذا المال على المحتاجين من أبناء العائلة.
4. تقوم الرابطة بعمل غداء بعد دفن أي ميت من أبناء العائلة ودعوة من كان على المقبرة للأكل منه بحجة أن فيهم القادم من بعيد وغير ذلك.
وسؤالي هو: ما حكم المشاركة في مثل هذه الرابطة، وهل تعتبر من التعاون على البر والتقوى؟ وما حكم صنع الطعام لأهل الميت؟ وهل تنصحونا بالمشاركة فيها إذا تبين أن صنع الطعام لأهل الميت بهذه الطريقة حرام ولم يقبلوا نصيحتي بترك هذا الفعل - علماً بأن أقاربي أصبحوا ينظرون إلي نظرة خاصة لأني انسحبت منها حتى يتبين الحكم الشرعي -؟ ، وإذا كانت مثل هذه الرابطة لا تجوز فماذا تنصحون ليتكاتف أبناء العائلة ويتحدوا ولا يتفرقوا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الروابط التي تجمع أفراد القبيلة أو الأسرة أمرٌ مشروع في أصله، ويُرجى أن يكون فيه خير إذا خلا من المحاذير الشرعية.
وقد أمر الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى، قال عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على " الأشعريين " - وهم قوم من اليمن - كانوا إذا قلَّ طعامهم سفراً أو حضراً اجتمعوا فجاء كل واحدٍ منهم بما يملك ثم تقاسموا ما يجمعونه بينهم.
فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم) رواه البخاري (2384) ومسلم (2500) .
قال النووي:
" وفي هذا الحديث فضيلة الأشعريين , وفضيلة الإيثار والمواساة , وفضيلة خلط الأزواد في السفر , وفضيلة جمعها في شيء عند قلتها في الحضر , ثم يقسم " انتهى.
" شرح مسلم " (16 / 62) .
والصناديق التعاونية التي تقيمها القبائل والأسر ويتم جمع اشتراكات من أفرادها، ثم الصرف على المحتاجين حسب الشروط التي يحددونها أمر مشروع وهو يشبه فعل الأشعريين، لكنه استباق لأمر المصيبة قبل وقوعها؛ ليتم التعاون على حلها، فيخف مصاب صاحبها.
ويجب على المشتركين فيها أن يكون قصدهم التعاون فيما بينهم لا الاستفادة والربح , فقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن إحدى هذه الجمعيات , فأجاب:
" اطلعت على بنود الجمعية فلم أر فيها ما يمنع إنشاءها إذا كان مقصود المشترك التعاون دون التعويض والاستفادة من الصندوق , لأنها بنية التعاون تكون من باب الإحسان , وبنية التعويض والاستفادة من الميسر المحرم " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/183) .
ومن المحاذير التي يمكن أن يقع فيها أهل تلك الروابط ما يكون بينهم من العصبية الجاهلية لنسبهم أو لغتهم، وما يكون في اجتماعاتهم من محرمات كشرب الدخان وسماع الغناء – مثلاً – وما يكون من إعانة صاحب المعصية على معصيته، أو الوقوف بجانب الظالم لمجرد أنه منتسب إليهم، وكذا ما يكون من استثمار للأموال المجموعة في مشاريع محرمة أو في بنوك ربوية.
وأما الوقوف بجانب المظلوم أو صاحب الحاجة أو المتضرر من حادث أو مرض أو المساهمة في دفع دية الخطأ أو شبه العمد أو إعانة العزاب على الزواج وأمثال ذلك من أعمال البر والطاعة فهو أمر يشكرون عليه ويستحقون الدعم والمؤازرة.
ثانياً:
وأما صنع الطعام في الجنائز , فإن المشروع أن يصنع أقارب أهل الميت وجيرانهم الطعام لأهل الميت، لأنهم جاءهم ما يشغلهم عن إعداد الطعام لأنفسهم.
فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: لما جاء نعي جعفر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لأهل جعفر طعاماً فإنه قد جاءهم ما يشغلهم) رواه أبو داود (3132) والترمذي (998) وابن ماجه (1610) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
قال المباركفوري:
"والمعنى: جاءهم ما يمنعهم من الحزن عن تهيئة الطعام لأنفسهم فيحصل الهم والضرر وهم لا يشعرون، قال الطيبي: دلَّ على أنه يستحب للأقارب والجيران تهيئة طعام لأهل الميت انتهى، قال ابن العربي في " العارضة ": والحديث أصل في المشاركات عند الحاجة " انتهى.
" تحفة الأحوذي " (4 / 67) .
والمحذور هو صنع أهل الميت العام للمعزين، لقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (كُنَّا نَعُدُّ الاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ) رواه أحمد (6866) صححه الألباني في "أحكام الجنائز".
لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كما لو جاء للتعزية أناس من بعيد فلا حرج من صنع الطعام لهم، على أن يكون ذلك على قدر الحاجة، ولا يكون فيه إسراف ولا مباهاة، ويكون للمسافرين فقط، ولا يُدعى إليه كل من حضر الجنازة كما يفعل البعض.
قال ابن قدامة في "المغني" (3/496) :
" فأما صنع أهل الميت طعاما للناس , فمكروه ; لأن فيه زيادة على مصيبتهم , وشغلا لهم إلى شغلهم , وتشبها بصنع أهل الجاهلية. . .
وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز ; فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة , ويبيت عندهم , ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز:
" أما أهل الميت فليس لهم صنع الطعام للناس؛ أما إذا صنعوا ذلك لأنفسهم أو لضيوف نزلوا بهم فلا بأس " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (13/392) .
ثالثاً:
وقد ذكرت في سؤالك أن المال المجموع تخرج زكاته إلى المحتاجين من أبناء العائلة , وهذا المال لا زكاة فيه، فقد سئل الشيخ محمد بن العثيمين رحمه الله عن مثل هذه الجمعية وإخراج الزكاة من صندوقها فأجاب:
" أموال هذا الصندوق ليس فيها زكاة , لأنها خارجة عن ملك المشتركين فليس لها مالك معين , ولا زكاة فيما ليس له مالك معين " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/184) .
وعلى أهل العلم والاستقامة أن يشاركوا في هذه الروابط لنصحهم وتوجيههم، وتحذيرهم من الوقوع في المعاصي والآثام، وإعانتهم على البر والتقوى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1608)
هل تؤجر المرأة على عملها في البيت ولو لم تنو الاحتساب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا عملت المرأة في بيتها دون احتساب نية أجر العمل عند الله تؤجر على عملها أم لا يحسب لها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عمل المرأة في بيتها عمل عظيم تساهم به في نشر المودة والرحمة في بيتها، ولها اليد الطولى في المساهمة في تربية أولادها، وهي مُعينة لزوجها على عمله وعلى دعوته وطلبه للعلم.
وهذا العمل – شأنه في ذلك شأن سائر الأعمال – لا تثاب عليها المرأة إلا إذا أخلصت فيه النية لله تعالى.
وهذه بعض النصوص المؤيدة لهذا مع نقل طائفة من أقوال أهل العلم:
1. ذكر البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان باباً عدَّد فيه واجبات شرعية، وذكر فيه احتساب الأجر على فعله.
قال البخاري رحمه الله:
بَاب مَا جَاءَ إِنَّ الأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَدَخَلَ فِيهِ الإِيمَانُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلاةُ وَالزَّكَاةُ وَالْحَجُّ وَالصَّوْمُ وَالأَحْكَامُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) عَلَى نِيَّتِهِ، نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا صَدَقَةٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) .
"صحيح البخاري" (1/29) "كتاب الإيمان".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قوله: " باب ما جاء " أي: باب بيان ما ورد دالاًّ على أن الأعمال الشرعية معتبرة بالنية والحسبة.
"فتح الباري" (1/135، 136) .
2. عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة) . رواه البخاري (55) ومسلم (1002) .
فنفقة الرجل على زوجته وأولاده واجب شرعي، ولا يثاب عليها إلا إن قصد الاحتساب.
قال القرطبي:
أفاد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة سواء كانت واجبة أو مباحة , وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر , لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة.
"فتح الباري" (1/136) .
وقال ابن حجر:
ويستفاد منه أن الأجر لا يحصل بالعمل إلا مقرونا بالنية. . .
وقال الطبري ما ملخصه: الإنفاق على الأهل واجب , والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده , ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة , بل هي أفضل من صدقة التطوع. "فتح الباري" (9/498) .
وقال النووي رحمه الله:
(يحتسبها) معناه: أراد بها وجه الله تعالى، فلا يدخل فيه من أنفقها ذاهلا (أي غفل عن النية، ولم ينو الاحتساب) , ولكن يدخل المحتسب.
وطريقه في الاحتساب: أن ينفق بنية أداء ما أمر به من النفقة والإحسان.
"شرح مسلم" (7/88، 89) باختصار وتصرف.
3. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرتَ عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك) رواه البخاري (56) ومسلم (1628) .
قال ابن الحاج المالكي رحمه الله:
وينبغي له أن لا يخلي نفسه من أن يلقم زوجته اللقمة واللقمتين، لقوله عليه الصلاة والسلام: (حتى اللقمة يضعها في فم امرأته) فقد حصل له الثواب مع أن وضع اللقمة في فم امرأته له فيها استمتاع، وينبغي له أن يحتسب في ذلك كله أعني: إحضار الطعام والإطعام.
"المدخل" (1/224) باختصار.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
(وإنك لن تنفق نفق تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها) علق حصول الأجر بذلك (أي بابتغاء وجه الله) وهو المعتبر.
"فتح الباري" (5/367) .
والخلاصة:
أن عمل المرأة في بيتها تثاب عليه إذا احتسبت ثواب ذلك عند الله تعالى، وأخلصت النية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1609)
الطاعة في الصغر وهل تتسلط عليه الشياطين إذا أكثر من الطاعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صغير في سني وأحب أن أتعبد الله بعد الساعة 12 بعد منتصف الليل خاصة أثناء الصيام، لكن هناك من يقول لي إنه عندما يكثر المسلم من الصلاة أو عبادة الله فإن الجن والشيطان يحاولون منعه، فهل هذا صحيح؟
وأسأل أيضاً: عندما يقوم الشاب بالتعبد لله وهو صغير فإن ذلك يشبه الذهب بالنسبة له، سأكون في غاية الامتنان لك إذا أوضحت لي هذا الأمر بشيء من الاستطراد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إننا لنسرُّ كثيراً عندما نقف على مثل هذه النماذج الطيبة لشباب الإسلام، فبينما الصغار يفكرون في اللهو واللعب، ويقضون أوقاتهم فيما لا ينفع تأتينا هذه النماذج الطيبة لشباب يحبون التعبد لله، ويطلبون العلم، ويدعون إلى الله عز وجل، ويحرصون على حفظ القرآن والسنَّة، فهنيئاً لك هذه الهمة، ونسأل الله أن يثبتك على دينه وأن يحفظك، وأن يجعلك قرة عين لوالديك.
واعلم أيها الابن الفاضل أن الشيطان إذا رأى إقبال العبد على ربه تعالى فإنه يحاول صدَّه، وقد أخذ الشيطان العهد على نفسه لهذه المهمة الخبيثة، لكن الله تعالى أعلمنا أن لا سبيل له على عباده المخلَصين.
قال تعالى: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) الحجر/39 – 42.
واعلم أن الشيطان لا يملك إلا دعوة الناس للضلال، وتزيينه لهم، وليس له سلطان عليهم يجبرهم به على ما يريد، فاللوم إنما يكون على من استجاب له.
قال تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) إبراهيم/22.
وطاعة الله عز وجل سدٌّ منيع أمام كيد الشيطان ووسوسته، وذِكر الله تعالى حصن حصين يحفظ الله تعالى به الذاكر من مكر الشيطان وغوايته.
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ. قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟!) رواه الترمذي (3423) وأبو داود (5095) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولا سبيل للشيطان على قلب عرف الله، وعلى جوارح ذلَّت لله تعالى، بفعل طاعته، وترك معصيته، وإن نور الطاعة ليحرق الشياطين كما تحرق الشهب إخوانهم.
قال ابن القيم رحمه الله:
" الطاعة تنوِّر القلب وتجلوه وتصقله وتقويه وتثبته حتى يصير كالمرآة المجلوة في جلائها وصفائها فيتلألأ نوراً، فإذا دنا الشيطان منه أصابه من نوره ما يصيب مسترق السمع من الشهب الثواقب، فالشيطان يفرق من هذا القلب أشد من فرق الذئب من الأسد " انتهى. " الجواب الكافي " (ص 64) .
ثانياً:
وأما التعبد لله تعالى في الصغر فهو علامة خير لصاحبه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل عظيم للشاب الذي ينشأ في طاعة الله عز وجل وهو أنه يكون في ظل الله يوم القيامة، يوم تكون الشمس فوق رؤوس الخلائق.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ. . . وذكر منهم: وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ) رواه البخاري (1423) ومسلم (1031) .
ومن حفظ جوارحه في صغره عن المعصية حفظها الله له في كبَره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وهو غلام صغير: (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ) رواه الترمذي (2516) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
" ومَنْ حفظ الله في صباه وقوته: حفظه الله في حال كبَره وضعف قوته، ومتَّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله، وكان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله، فوثب يوماً وثبةً شديدةً فعوتب في ذلك، فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغَر فحفظها الله علينا في الكبَر، وعكس هذا: أن بعض السلف رأى شيخاً يسأل الناس فقال: إن هذا ضعيف ضيَّع الله في صغره فضيَّعه الله في كبَره " انتهى.
" جامع العلوم والحكَم " (1 / 186) .
فاستعن بالله على طاعته واسأله المزيد من فضله، ولا تلتفت إلى المثبطات والمعوقات عن هذا الطريق، واحذر شياطين الإنس والجن، ونسأل الله أن يعينك لى ذِكره وشكره وحسن عبادته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1610)
حكم التخاصم وفضل الإصلاح بين المتخاصمين
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا في الفصل زميلتان متخاصمتان في رمضان، ومنذ فترة طويلة وهم على ذلك الحال، والعلاقة بيني وبينهم ليست قوية، أريد أن أصلح بينهما لأحصل على أجر الإصلاح بين الناس، وأريد رسالة أكتبها إليهما، ولكني أخشى المواجهة، أرجو أن تنال رسالتي اهتمامكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن ما تحرصين عليه أيتها الأخت لهو من مكارم الأخلاق.
قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الأنفال/1.
وقال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء/114.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإصلاح بين الناس أفضل من تطوع الصيام والصلاة والصدقة.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ) قَالَ الترمذي: وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ: (هِيَ الْحَالِقَةُ. لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ) . رواه أبو داود (4273) والترمذي (2433) . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد أجاز الشرع المطهر الكذب من أجل هذا الأمر العظيم، فيجوز لكِ أن تنقلي لكلا الطرفين المتخاصمين مدح الطرف الآخر وثناءه عليه، رغبةً في الإصلاح، وليس هذا من الكذب المحرم.
عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا) . رواه البخاري (2495) .
ثانياً:
الهجر بين المسلمين من المحرمات، ويمكنك تذكير الطرفين بالنصوص الدالة على هذا، ومنها:
من القرآن الكريم:
أ. قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال/46.
ب. وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران/103.
ومن السنة النبوية:
أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) رواه البخاري (6065) ومسلم (2559) .
ب. عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ) . رواه البخاري (5727) ومسلم (2560) .
ج. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا رَجُلا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) . رواه مسلم (2565) .
قال النووي:
" (أَنْظِرُوا هَذَيْنِ) أي: أَخِّرُوهُمَا حَتَّى يَرْجِعَا إِلَى الصُّلْح وَالْمَوَدَّة ". انتهى.
د. عن أبي خراش السلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ) . رواه أبو داود (4915) .
وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2762) .
فهذه النصوص تدل على تحريم هجر المسلم لأخيه، بترك السلام عليه والإعراض عنه أكثر من ثلاثة أيام، ما لم يكن الهجر بسبب شرعي ويترتب عليه مصلحة فإنه يجوز أكثر من ثلاثة أيام.
انظر السؤال (21878) .
فعليك أن تذكري المتخاصمتين بهذه الآيات والأحاديث، وتحاولي التقريب بين وجهات النظر، والحث على نبذ الفرقة والخلاف، ويمكنك مخاطبة كل واحدة منهما مباشرة كما يمكنك كتابة هذه النصوص في ورقة ودفعها لهما لقراءتها.
ونسال الله أن يوفقك لما فيه الخير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1611)
الحياة الإسلامية أفضل حياة ولكن في بعض الأحيان أشعر أنه لا يمكنني المواصلة على هذا الطريق
[السُّؤَالُ]
ـ[الحياة الإسلامية هي أفضل حياة يمكن أن يحياها الإنسان، ولكن في بعض الأحيان يكون الأمر صعباً وأشعر بأنه لا أمل في المواصلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد أحسنت أيها الأخ السائل ـ بارك الله فيك ـ حين قررت أن الحياة الإسلامية هي أفضل حياة يمكن أن يحياها الإنسان؛ فهذه حقيقة عظيمة قل من يدركها من بني البشر، فضلاً عن أن يقتنع بها، وقد بين الله تعالى ذلك في غير موضع من كتابه.
قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل/97.
كما بين سبحانه أن من أعرض عن الإيمان بالله وذكره فقد عرض نفسه لحياة الضنك والشقاء كما قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آيتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) طه/124 ـ 127
فإذا علمت ذلك ـ أخي الكريم ـ واستقر في قلبك، واطمأنت به نفسك، ثم علمت أن الله تعالى ما خلق هذا الكون بأرضه وسمائه وبحاره وأنهاره، وجباله وسهوله ووهاده وصحاراه؛ إلا من أجلك أنت أيها المخلوق الضعيف الفقير؛ كما قال سبحانه: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ً) البقرة/29، ثم علمت أن الحكمة العظمى من وجودك في هذه الدار إنما هي عبادة ربك وخالقك وبارئك الذي أحسن كل شيء خلقه (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56.
وأنه سبحانه ما خلق الموت والحياة إلا ليختبر عباده ويبتليهم في أدائهم لهذه العبادة، وقيامهم بحق الله فيها (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك/2، ثم تكرم سبحانه على عباده فوعد المحسنين في هذه الدار، بأن لهم عنده في تلك الدار جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ كما وعد المسيء المفرط في حقه سبحانه بأن له نارا تلظى، لا يموت فيها ولا يحي، وجعل فيها من أنواع النكال والعذاب ما يشيبُ الوليد سماعُه فضلا عن رؤيته ومعاينته نسأل الله لنا ولك السلامة منها.. آمين.
فإذا عرفت هذا معرفة قلب ويقين؛ علمت أن الفوز بهذا النعيم العظيم، والنجاح في هذا الامتحان الخطير، لا يكون إلا على جسر من التعب والمشقة التي تحتاج إلى صبر وتحمل ومعاناة. لكنها مشقة سرعان ما تنقضي، ومعاناة عن قريب تنتهي؛ ليعقبها راحة أبدية ونعيم سرمدي فما عسى أن تساوي مشقة ساعة، ولحظة ألم؛ إذا ما قورنت بنعيم الدهر ولذة الأبد.. نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليك بفضله وجنته.. آمين.
ثم اعلم أخي ـ وفقك الله لهداه ـ أنه كلما اشتدت غربة الدين وقل المتمسكون بالحق ـ كما هو الحال في زماننا هذا ـ صعب على النفس الثبات عليه؛ وشق عليها مخالفة الكثرة الكاثرة من الخلق. ولذا فقد اقتضت حكمة الله تعالى وكرمه مضاعفة أجور المؤمنين الصادقين الثابتين على الحق؛ الذين قدموا رضاه على ما سواه، وضحوا في سبيل ذلك بالغالي والنفيس. ففي صحيح مسلم (145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاء) .
وفي سنن الترمذي (3058) عن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (.. َإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ) . وفي رواية: (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3172) .
فدلت هذه الأحاديث العظيمة وغيرها على أن الناس في آخر الزمان يكثر فيهم أهل الشر والفساد، ويقل فيهم أهل الخير والتقوى والصلاح، وذلك لكثرة الفتن، وانتشار المعاصي والمغريات حتى يصبح المتمسك بالدين غريباً بينهم؛ بل ربما صار غريبا بين أهله وذويه.
كما دلت على أن التمسك بالدين ليس بالأمر السهل بل هو كحال القابض على الجمر، وأن المعين على ذلك بعد توفيق الله هو الصبر على هذا الطريق حتى يلقى العبد ربه غير مفرط ولا مبدل فيلقى رباً راضياً غير غضبان يوفيه أجره مضاعفا أضعافاً كثيرة. فمن علم هذا حق العلم هان عليه ما يلقى في سبيل ما ينتظره عند ربه بمشيئة الله تعالى وكرمه وفضله.
وهذا الذي قلناه إذا كانت تشعر بصعوبة الأمر على نفسك، وخوفك من أن يضعف صبرك، وتزل قدمك عن طريق الثبات.
فأما إن تشعر أنه لا أمل لك في العمل على نشر هذه الحياة الإسلامية التي تحياها، فيمن حولك، وإعادتهم إليها، كما هو الواجب عليك لشدة ما تلاقي من الممانعة والمحربة، وعوامل الهدم لبنائك، فأعلم أن كل خطوة تخطوها في ذلك الطريق نصر، وصدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وإنك لا تدري متى تعمل الكلمة التي تقولها في نفس من سمعها، فلعلها تنفعه، ولو بعد حين، ولا ينبغي أن ينقطع رجاؤك في ذلك النفع يوماً (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الأعراف/164.
واحذر من دبيب اليأس إلى قلبك، فإنه: (لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) يوسف/87، واحذر من القنوط فإنه ضلالة: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ) الحجر/56.
واعلم أن خطاك لن تضيع، فما دمت على الطريق، فنقطتك التي ينتهي إليها أجلك هي محطة الوصول لك (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) النساء/100، ثم يأتي الدور على من بعدك، ليحمل عنك الراية ويكمل باقي الطريق، وكم في هذه الأمة من بقايا: (لا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في سنن ابن ماجة 1/5.
وكن على ثقة بوعد الله لهذه الأمة بالنصر والتمكين: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ) الأنبياء/ 105 – (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 32، (ويمكنك الرجوع إلى محاضرة: لا تيأس فالنصر قادم، موقع الصوتيات والمرئيات) .
فأوصيك أيها الأخ الكريم بالثبات على الدين وعدم التزحزح عنه رغم كثرة الفتن والمغريات، وكثرة العوائق والمثبطات، واعلم أن العاقبة للمتقين.
وعليك بالحرص على جميع الوسائل التي تعينك على الثبات على دين الله، وستجد في هذا الموقع رسالة في بيان طرق ووسائل الثبات على الدين أنصحك بمراجعتها والاطلاع عليها.
وفي ختام هذه الكلمات أحب أن أتركك ـ أخي الكريم ـ مع هذه الآيات العظيمة من كتاب الله تعالى والتي أنزلها على عبده محمد صلى الله عليه وسلم لتكون شفاء لقلوب المؤمنين، ودواء لأمراضها؛ فاقرأها قراءة تدبر وتأمل، وإذا تيسر لك مراجعة تفسيرها في أحد التفاسير المختصرة كتفسير الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي أو تفسير ابن كثير رحمه الله ـ فهذا حسن ـ
قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) البقرة/214.
وقال جل شأنه: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين َ) العنكبوت/1 ـ 3 وقال عز وجل: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ) العنكبوت/9 ـ10.
وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج/11.
وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) فصلت/30.
وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الاحقاف/13 ـ 14
إلى غير ذلك من الآيات التي تحث على التمسك بالدين وتبين ما أعد الله للمؤمنين الصاقين، وكتاب الله مليء بالآيات التي تقرر هذا المعنى وتوضحه وتبينه أبلغ بيان فأنصحك ـ أخي ـ بالإقبال على قراءة القرآن قراءة تدبر وتعقل، وستجد فيه بإذن الله خير معين لك على الصبر وعدم الممل أو اليأس أو استطالة الطريق، فهذه الدار الدنيا سرعان ما تفنى وتزول ثم يلقى العبد ما قدمه عند ربه إن خيراً فخير وإن شراً فشر (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) آل عمران/30.
أسأل الله أن يشرح صدرك للخير وأن يثبتك عليه حتى تلقاه، وأن يصرف عنك السوء والشر إنه سميع قريب. والله تعالى أعلى وأعلم.
وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1612)
عندها إشكال في إجابة سؤال حول محادثة النساء للرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرت في السؤال رقم 6453 حول العلاقة بين الجنسين ما نصه: " فالمحادثة - بالصوت أو الكتابة - بين الرجل والمرأة في حدِّ ذاته من المباحات، لكن قد تكون طريقاً للوقوع في حبائل الشيطان. ومَن علم مِن نفسه ضعفاً، وخاف على نفسه الوقوع في مصائد الشيطان، وجب عليه الكف عن المحادثة، وإنقاذ نفسه.ومن ظنَّ في نفسه الثبات واليقين، فإننا نرى جواز هذا الأمر في حقِّه لكن بشروط " والحمد لله فقد فهمت المقصود إلى هذا الجزء، لكن أشكل علي الجزء الآخر "1-يجب ألا يسمح بالخروج كثيراً عن الموضوع مثار النقاش، أو أن يكون لغرض الدعوة إلى الإسلام ".
وسؤالي هو: حسب الشريعة ما هي الأمور التي تعتبر من المواضيع التي يباح الحديث حولها في المقام الأول؟ مثلاً: نحن نعلم أن الإسلام هو موضوع يجوز الحديث حوله، لكن ما هي الأمور الأخرى التي يمكننا تناولها في النقاش - إن وُجدت -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (1497) ، ومما جاء فيه:
" فالكلام مع المرأة الأجنبية إنما يكون لحاجة، كاستفتاء وبيع وشراء أو سؤال عن صاحب البيت ونحو ذلك وأن يكون مختصرا دون ريبة لا في موضوعه ولا في أسلوبه.
أمّا حصر الكلام مع المرأة الأجنبية في الأمور الخمسة الواردة في السؤال - وهي: أن يسأل عن حال أسرتها، والأغراض الطبية، وفي البيع والشراء، ولسؤالها للتعرف عليها عند الزواج، وللدعوة إلى الإسلام - ففيه نظر إذ إنّها قد تصلح للمثال لا للحصر، بالإضافة إلى الالتزام بالشروط الشرعية في الكلام معها حتى فيما تدعو الحاجة إليه من الدّعوة أو الفتوى أو البيع أو الشراء وغيرها. والله تعالى أعلم "
وفي جواب السؤال رقم (1121) :
" والمرأة غير ممنوعة من الكلام مع الأجنبي عند الحاجة، كأن تباشر معه البيع وسائر المعاملات المالية لأنها تستلزم الكلام من الجانبين، كما أن المرأة قد تسأل العالم عن مسألة شرعية أو يسألها الرجل كما هو ثابت ذلك بالنصوص من القرآن والسنة، وبهذه الضوابط السابقة يكون كلامها لا حرج فيه مع الرجل الأجنبي. وكذلك يجوز تسليم الرجل على النساء، والنساء على الرجال على الراجح، ولكن ينبغي أن يكون هذا السلام خالياً مما يطمع فيه مرضى القلوب، بشرط أَمن الفتنة، وملاحظة ما تقدّم من الضوابط.
أما إذا خيفت الفتنة من جرّاء السلام فيحظر سلام المرأة ابتداءً، وردها للسلام، لأن دفع الفتنة بترك التسليم دفع للمفسدة، ودفع المفاسد أولى من جلب المنافع.
يراجع " المفصل في أحكام المرأة " عبد الكريم زيدان (3 / 276) . والله أعلم
وبهذا يُعلم أننا لا نقصد الكلام العام من غير حاجة، ولا الإكثار من الكلام الخاص، بل يكون ذلك بقدر الحاجة للجواب.
والتفصيل في الكلام المباح أو في المسائل الشرعية دون حاجة يؤدي إلى إزالة أو إذابة الحواجز بين الطرفين، ويجرِّئ كل واحد منهما على الآخر، وقد يؤدي ذلك إلى ما لا تُحْمَد عقباه.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1613)
يرغب بالزواج منها وهي لا تلبس النقاب فهل يُقْدِم أم يبحث عن غيرها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عربي أعيش على تقاليدنا العربية الملتزمة أو ما يسمى بحسن الخلق والأدب الجم، ولكن هذا الالتزام لا يمت للالتزام الإسلامي بصلة، حيث لا يتعارض الالتزام بالتقاليد عندنا مع الموسيقى والاختلاط والتعامل مع البنوك الربوية وهكذا، تقدمت لخطبة فتاة من نفس المحيط الذي أعيش فيه وأسرتها من أصدقاء العائلة منذ زمن بعيد والجميع يبارك زواجنا لما هو معروف عنا نحن الاثنين من حسن الخلق، مشكلتي - للأسف - بدأت منذ بدأت أقرأ عن أحكام الزواج في الإسلام وبدأت ألتزم بداية من التقليل في الاختلاط والمواظبة على الصلاة في المسجد وإطلاق لحيتي وعدم التعامل مع البنوك وعدم سماع الموسيقى وما إلى ذلك، فالأسرتان الآن يعتبرونني متشددا إلا من رحم ربي، وأصبحوا يخيفون الفتاة مني مع أنها تحبني حبّاً شديداً وصرحت بهذا للجميع مراراً، الفتاة تريد الالتزام ولكنها لا تطيق بعض الأشياء مثل ارتداء النقاب أو تغطية الوجه، وبالطبع تعتبر هذه الأشياء من مظاهر التشدد والمغالاة في الدين بالنسبة للأهل. فهل أترك ذات الأخلاق الحميدة والأدب الجم والتي تحرص على صلاتها وأذكار الرسول - عليه أفضل الصلاة والسلام - وتحاول الالتزام والتي تحبني وتعلن هذا ولا تريد التخلي عني ولكنها لا تطيق بعض الأمور المتعلقة بدينها مثل تغطية الوجه، وأبحث عن أخرى ملتزمة ولكني لا أعلم أهلها ولا سلوكها وسيكون حكمي عليها بالسمع فقط ممن يعرفون أسرتها وسلوكهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله العظيم أن يثبتنا وإياك على دينه , وأن يرزقنا وإياك الزيادة في الطاعة والاستقامة.
أما بالنسبة لما سألت عنه فالأحسن لك هو الاقتران بتلك الفتاة التي يميل لها قلبك، وهي على الأمر نفسه، وليس فيها ما يعيب مما يدعوك لتركها، وكل ما في الأمر أنها تحتاج لقليل من الرعاية والعناية والتربية الإسلامية الحقة على تقبل أوامر الله تعالى والانقياد لها.
وقد يأتي بعد الزواج كثير من هذا، وبخاصة إذا أحسنتَ صحبتها وعشرتها، وإذا أبدلتَ بيئتها إلى بيئة خير منها، وهو ما ننصحك به ونحثك عليه.
ولا يوجد مانع يمنع المرأة المحبة لدينها والمطيعة لزوجها من الاستجابة لأمر الله فيما يتعلق بلباسها، وبخاصة أن هذا مما يزيد زوجها لها حبّاً واحتراماً.
وقد يكون رفضها للنقاب بسبب ما يفتريه بعض الجهال وأهل الأهواء من أن النقاب عادة جاهلية موروثة لم يأت به الإسلام , فعليك أن تبين لها حكم ستر المرأة وجهها , بالأدلة من الكتاب والسنة , وأن هذا الحكم قد اتفق العلماء على مشروعيته.
وذكِّرها بالصحابيات اللاتي سارعن إلى شق أكسيتهن لتتلفع الواحدة منهن بها لتغطي وجهها بعد نزول آية الحجاب، واجعلها تحرص على الصحبة الصالحة، وأعلمها أن الدنيا زائلة، وقريباً يلقى كل واحدٍ منا ربَّه بعمله.
ولا ينبغي لك ولا لها أن تهتما بما يقوله أهلكما ويحكمون به، فمثل تلك البيئات التي لا تَعلم أحكام الإسلام ولا تُفرِّق بين الانقياد للشرع والتنطع فيه: لا يُعتبر رأيها ولا يُقبل حكمها على مَن التزَم طريق الصلاح والاستقامة.
وإذا لم تستجب زوجتك لحكم الشرع في تغطية وجهها: فاصبر عليها، وحاول أن يصل إليها أمر الشرع من غير طريقك، وذلك كامرأة أخرى من الداعيات أو عن طريق الأشرطة والكتب لعلماء تثق بعلمهم ودينهم.
واستعن بالله تعالى، وداوم على دعائه بطلب التوفيق والإعانة وإقامة بيتٍ على ما يحب ربنا ويرضى عنه.
وأطلعها على جواب السؤال: (21134) ففيه: وجوب النقاب من الكتاب والسنة.
ولتنظر أنت جواب السؤال: (20343) ففيه: وجوب نصيحة الزوج لزوجته وطرق ذلك.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1614)
تتمسك بالسنة وتتهم بالتعنت، وتريد النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[وُلدت مسلمة، وكنت أجهل كل شيء باستثناء الصلاة، وبفضل الله فقد استيقظت الآن وأخذت أتصرف وفقا للقرآن والسنة ما أمكنني ذلك، لكني فقدت جميع صديقاتي الآن، وهن مسلمات أيضا؛ فهن غير متمسكات كثيراً بالدين، ولا يكترثن به كثيرا، وأنا وزوجي أصبحنا غريبين في بلادنا، صديقاتي امتنعن عن الاتصال بي وبوالدي، زوجي وأخواته يناديننا وهابيون، وكذلك بنت خالي، وأمي قالت إنها لا تملك الكثير من الوقت وهي لا تأبه طالما أن جميع أبنائها في خير ويصلون، أغلب الناس يسخرون من حجابي، والأمر محزن وصعب، أعني: أني أعيش في جزيرة صغيرة بالمحيط الهندي والجميع مسلمون ودولتي هي " جمهورية المالديف "، أنا أشعر بالوحدة الشديدة والحزن هنا، هل تخبرني كيف أتصرف - فأنا أشعر بالوحدة الشديدة وأني بمفردي والوضع مؤلم جدّاً أن يفقد المرء كل أصدقائه السابقين -؟ . أرجو أن تقدم لي نصيحة جيدة تتعلق بالكيفية التي أتصرف بها في هذا الوضع، لقد حاولت كثيراً أن أخبر أهلي أيضا عن السنَّة لكن جميع الأجوبة التي حصلت عليها كانت: لقد فقدت دينك، أنت وهابية، إنها الطريقة الوهابية. وأسأل الله أن يثيبكم جميع على العمل الذي تقومون به.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يفرِّج كربك وييسر أمرك، وأن يعينك على طاعته وحسن عبادته، واعلمي أن الغربة التي تعيشينها علامة خير لك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء " رواه مسلم (145) ، ولـ " طوبى " معاني كثيرة ومنها: الخير والكرامة، وشجرة عظيمة في الجنة، والفرح والسرور، وغيرها كثير، وكلها أقوال محتملة في تفسيرها.
قال السندي – رحمه الله -:
" غريباً " أي: لقلة أهله، وأصل " الغريب ": البعيد من الوطن.
" وسيعود غريباً ": قلة من يقوم به، ويعين عليه، وإن كان أهله كثيراً.
" للغرباء " القائمين بأمره.
و" طوبي " فُعلى من " الطيب " وتفسر بالجنة، وبشجرة عظيمة فيها.
وفيه تنبيه على أن نصرة الإسلام والقيام بأمره يصير محتاجاً إلى التغرب عن الأوطان، والصبر على مشاق الغربة كما كان في أول الأمر.
" شرح سنن ابن ماجه " (شرح حديث 3986) .
ثانياً:
لكِ في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد جاء قومه بالنور فأبوا إلا البقاء في ظلمات الكفر والجهل، واتهموه بأنه ساحر وكاهن ومجنون، وصبر على دعوتهم، ولم يملَّ من تكرارها، ونوَّع بين الدعوة الفردية والجماعية، والدعوة السرية والعلنية، حتى نجح نجاحاً مبهراً، وهكذا الدعاة بعده دعوا إلى الكفار إلى الإسلام، ودعوا العصاة إلى الطاعة، ودعوا المبتدعة إلى السنة، فلاقى كثيرون ضنكاً وهمّاً وصعوبة، فلم يكن ليمنعهم هذا من الاستمرار على الدعوة، ولولا ذلك ما وصل الإسلام إلى بلدكم " جزر المالديف "! .
فاعتبري بهؤلاء القدوات، وافعلي فعلهم، واصبري صبرهم؛ لتنالي رضا الله تعالى، وما تسمعينه من لمزٍ ونسبة إلى " الوهابية " قد قاله من كان قبلهم، ولا يزال السفهاء يرددونه مع دعاة السنَّة، وليس ذلك بضارِّهم ولا بمُوقِفهم عن تبليغ دين الله تعالى.
ثالثاً:
ومع الصبر على هذه الدعوة ننصحك بانتقاء العقلاء من النساء، ومن أقاربك لتبليغهم دين الله تعالى، وتذكيرهم بحقيقة الشرائع الإسلامية، فإن الناس الذين رضوا بالانتساب إلى الدين لا يمنعهم سلوك طريق السنَّة، لكن عندهم موانع تحول دون وصولهم إلى طريق الحق؛ من علماء الضلالة ودعاة البدعة، وفتن الشبهات والشهوات، وغير ذلك. وعندنا ـ نحن ـ تقصير في تبليغهم حقيقة الدين، أو ليس عندنا طرق حكيمة في هذا التبليغ.
فعليكِ بالرفق والتؤدة والصبر، وانتقي عقلاء القوم، وتلطفي في توجيههم وتبليغهم، ونوِّعي بين الشريط المسموع، والمحاضرة المرئية، والكتاب المقروء، ولعلك أن تجدي من النتائج ما تسرين به.
ثالثاً:
احرصي على أن يكون منطلق هذه الدعوة بيتكم، فابدئي مع زوجك وأبنائك لتنطلقي من هذا البيت المبارك إلى الناس جميعاً، وتذكري أن أمَّنا " خديجة بنت خويلد " هي أول من أسلم من هذه الأمة مطلقاً، وهي أول من نصر النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة، ودعت بناتها إلى الإسلام، فكان بيتها أول البيوت إسلاماً، ومنه انطلقت دعوة الخير لتعم أرجاء الأرض، فكوني مثلها، واقتدي بفعلها.
وفي جواب رقم (9380) تجدين المزيد من الوصايا والنصائح فنرجو الاطلاع عليك، وهو مغنٍ عن التكرار ها هنا.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1615)
حديث: (اللهم أحيني مسكيناً)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أحيني مسكيناً) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الترمذي (2352) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . وقَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ورواه ابن ماجه (4126) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وقد ضعفه كثير من أهل العلم، وعلى فرض صحته فالمراد بالمسكنة هنا التواضع والإخبات، وليس المراد قلة المال.
قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/75) :
" فأمَّا الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي سعيد أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (اللهم أحيني مسكيناً. . . الحديث) فإنَّه حديث ضعيف، لا يثبت من جهة إسناده، لأن فيه يزيد بن سنان أبا فروة الرَّهاويّ وهو ضعيف جداً، والله أعلم.
وقد رواه التّرمذيّ من وجه آخر عن أنس. . . ثم قال: هذا حديث غريب.
قلت (ابن كثير) : وفي إسناده ضعف، وفي متنه نكارة، والله أعلم " انتهى.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي "التَّلْخِيصِ" (3/109) بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ:
" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ , وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا , وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ " انتهى.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذا الحديث فقال:
" هذا يُرْوَى، لكنه ضعيف لا يثبت، ومعناه: أحيني خاشعا متواضعا، لكن اللفظ لم يثبت " انتهى. "مجموع الفتاوى" (18/357) .
وقال أيضاً (18/326) :
" هذا الحديث قد رواه الترمذي، وقد ذكره أبو الفرج (ابن الجوزي) في الموضوعات، وسواء صح لفظه أو لم يصح: فالمسكين المحمود هو المتواضع الخاشع لله ; ليس المراد بالمسكنة عدم المال، بل قد يكون الرجل فقيراً من المال وهو جبار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: ملك كذاب، وفقير مختال، وشيخ زان) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد) فالمسكنة خلق في النفس، وهو التواضع والخشوع واللين ضد الكبر. كما قال عيسى عليه السلام: (وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً) مريم/32. ومنه قول الشاعر:
مساكين أهل الحب حتى قبورهم عليها تراب الذل بين المقابر
أي: أذلاء " انتهى.
وفي "لسان العرب" (13/216) :
" وأَصل المسكين في اللغة الخاضع، وأَصل الفقير المحتاج.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم أَحْيِني مِسْكيناً) أَراد به التواضع والإِخْبات، وأَن لا يكون من الجبارين المتكبرين. أي: خاضعاً لك يا رب ذليلاً غير متكبر، وليس يراد بالمسكين هنا الفقير المحتاج " انتهى.
ونقل الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (3/109) عن البيهقي أنه قال عن هذا الحديث:
" وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ الْمَسْكَنَةَ الَّتِي يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الْقِلَّةِ , وَإِنَّمَا سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ الَّتِي يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الإِخْبَاتِ وَالتَّوَاضُعِ " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1616)
حكم صلة الأم والإخوة من الرضاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أم من الرضاعة وإخوة، فهل عليَّ أن أصلهم وأزورهم كما أزور أمي وإخوتي من النسب علماً أني كنت أزورهم، ولكن قيل لي: إنه لا يلزمني ذلك، وأنا محتار في ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تشبه الأحكام الشرعية المتعلقة بالرضاع تلك المتعلقة بأحكام النسب، فالرضاع لا يوجب النفقة ولا التوارث ولا ولاية النكاح. . . بخلاف النسب.
ويشتركان في تحريم النكاح، وإباحة النظر، والخلوة، والمحرمية في السفر.
وهذا من حكمة الشرع، ولا يمكن أن يجعل الشرع حقوق الأم من الرضاعة والتي ترضع الطفل خمس مرات بتلك التي حملت ووضعت وأرضعت وربَّت، وكانت السبب المحسوس في وجود الولد، وهل ما في قلب الأم من النسب مثل ما في قلب الأم من الرضاعة من حيث الشفقة والرحمة والحرص؟
وقد أشارت الآيات القرآنية إلى ذلك كما قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) لقمان/14، وقال تعالى - بعد أن أمر الولد بالإحسان إلى الوالدين ونهاه عن أدنى ما يمكن أن يصدر عنه من عقوق لهما -: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) .
لذا ذكر بعض العلماء أن على الابن من الرضاعة إكرام وتقدير أمه ووالده من الرضاعة، وليس عليه البر والصلة التي تكون بين الولد ووالديه، وبينه وبين رحِمِه.
وفي الباب بعض الأحاديث الضعيفة نذكرها للفائدة:
1. عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحماً بالجعرانة إذ أقبلت امرأة حتى دنت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه، فجلست عليه، فقلت: من هي؟ فقالوا: هذه أمه التي أرضعته. رواه أبو داود (5144) ، وضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود " (1102) .
وقد بوَّب ابن حبان (10 / 44) على هذا الحديث بقوله " ذكر ما يستحب للمرء إكرام من أرضعته في صباه ".
2. عن عمر بن السائب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه من الرضاعة فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلستْ عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه. رواه أبو داود (5145) ، وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (1120) .
3. عن حجاج بن حجاج الأسلمي عن أبيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما يذهب عني مذمة الرضاع؟ فقال: غرة عبدٍ أو أمة. رواه الترمذي (1153) والنسائي (3329) وأبو داود (2064) ، وضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود " (445) .
" غُرَّة " أي مملوك.
قال السيوطي في شرح النسائي (6/108) :
"المراد بـ " مذمة الرضاع ": الحق اللازم بسبب الرضاع، فكأنه سأل: ما يسقط عني حق المرضعة حتى أكون قد أديته كاملا؟ ، وكانوا يستحبون أن يهبوا للمرضعة عند فصال الصبي شيئا سوى أجرتها" اهـ.
4. وذكر أهل السير أن النساء الأسرى من هوازن لما جُمعوا جاء خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله إنما في الحظائر أمهاتك وخالاتك وحواضنك، فامنُن علينا منَّ الله عليك. وهذه الأحاديث الوارد فيها هو الإكرام والتقدير، وهما من أخلاق الإسلام التي حثَّ عليها لعامة المسلمين. فكان هذا سبب إعتاقهم عن بكرة أبيهم. البداية والنهاية (4/419) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1617)
كيف يعرف العبد أن ربه راض عنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من شيءٍ يدل العبد أن ربه راضٍ عنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من علامة رضا الرب عن عبده: أن يوفقه لفعل الخيرات، واجتناب المحرمات، ومصداق هذا قول الله عز وجل: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} ، وقوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} .
أما إذا خُذل العبد عن فعل الطاعات واجتناب المحرمات - والعياذ بالله - فإن ذلك دليل على عدم رضا الله عن العبد.
وقد بيَّن الله في كتابه أيضاً أن علامة رضا الله عن العبد وعلامة هدايته أن يشرح صدره للهدى والإيمان الصحيح، وعلامة الضلال والبعد عن الصراط المستقيم الضيق والحرج في الصدر قال الله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيِّقاً حرجاً كأنما يصعَّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} الأنعام / 125.
قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه ... } قال: " يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به ".
تفسير ابن كثير (2 / 175) .
وأيضاً من علامة محبة الله للعبد ورضاه عنه أن يحببه إلى عباده روى البخاري (3209) ومسلم (2637) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله العبد نادى جبريل أن الله يحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض.
قال النووي:
(ثم يوضع له القبول في الأرض)
أي: الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه، فتميل إليه القلوب وترضى عنه، وقد جاء في رواية (فتوضع له المحبة) . اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1618)
نصيحة للنساء اللاتي يقضين كثيراً من أوقاتهن في إعداد الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[تقضي كثير من النساء غالباً كثيراً من وقتها في المطبخ مشغولة بإعداد الأنواع المختلفة من الأطعمة، مما يضيع عليها كثيراً من الوقت، فهل من توجيه للمرأة المسلمة في ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن يكون المؤمن حريصاً على اغتنام وقته وعدم تضييعه وكثير من النساء، كما ورد في السؤال ـ تضيع وقتها في إعداد الأنواع المختلفة من الأطعمة، وتقضي في ذلك ساعات وساعات.
وينبغي للمؤمن أن يقلل طعامه وألا يكون همه التمتع بما يشتهيه من الأطعمة وغيرها ولو كانت مباحة.
دخل عمر بن الخطاب على ابنه عبد الله فوجده يأكل لحماً، فقال: ما هذا اللحم! فقال: اشتهيته. فقال عمر: أوكلما اشتهيت شيئاً أكلته! كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كلّ ما اشتهاه! فرضي الله تعالى عنهم.
فعلى المسلم أن يقتصر على قدر حاجته من الطعام ولا يتوسع في هذا.
ثم الوقت الذي تقضيه المرأة المسلمة في إعداد الطعام يمكنها أن تستفيد منه في ذكر الله تعالى أو قراءة القرآن أثناء عملها، مع أن عملها في إعداد الطعام إذا نوت به نية صالح وهي خدمة زوجها وأولادها كان ذلك طاعة تثاب عليها.
قال الشيخ عبد العزيز آل الشيخ:
"خدمتها في بيتها عبادة لله، وقيامها بواجب بيتها وأولادها عبادة لله، فهي في عبادة إن شاء الله، وعليها أن تغتنم وقتاً لذكر الله، وذكر الله ولو عند إصلاح الطعام جائز والحمد لله" اهـ.
مجلة البحوث (58/81) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1619)
كيف يعرف الزوجةَ المرأة الودود والولود قبل الزواج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في حديث نبوى شريف " تزوجوا الودود الولود " إلى آخر الحديث، كيف يعرف المرء المرأة الودود والمرأة الولود قبل الزواج؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال ولكنها لا تلد، أفأتزوجها؟ فنهاه، ثم أتاه الثانية، فقال مثل ذلك فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال مثل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم. رواه أبو داود (2050) ، والنسائي (3227) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " آداب الزفاف " (ص 132) .
ويمكن معرفة المرأة الولود بأحد طريقين:
الأولى: من النظر في حال أمها وأخواتها.
والثانية: أن تكون تزوجت قبل ذلك، فيُعلم ذلك من زواجها المتقدم.
قال الشيخ عبد العظيم آبادي في "عون المعبود" (6/33) (تَزَوَّجُوا الْوَدُود) : أَيْ الَّتِي تُحِبّ زَوْجهَا (الْوَلُود) : أَيْ الَّتِي تَكْثُر وِلادَتهَا.
وَقَيَّدَ بِهَذَيْنِ لأَنَّ الْوَلُود إِذَا لَمْ تَكُنْ وَدُودًا لَمْ يَرْغَب الزَّوْج فِيهَا , وَالْوَدُود إِذَا لَمْ تَكُنْ وَلُودًا لَمْ يَحْصُل الْمَطْلُوب وَهُوَ تَكْثِير الأُمَّة بِكَثْرَةِ التَّوَالُد , وَيُعْرَف هَذَانِ الْوَصْفَانِ فِي الأَبْكَار مِنْ أَقَارِبهنَّ إِذْ الْغَالِب سِرَايَة طِبَاع الأَقَارِب بَعْضهنَّ إِلَى بَعْض اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1620)
أنواع التواضع وأقسامه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من نفسي ميلاً إلى الكبر على الناس والتعالي عليهم وأحب أن أكون متواضعاً فأرجو أن تذكروا لي شيئاً من فضل التواضع وأنواعه لعل الله أن يشرح صدري له.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التواضع أعظم نعمة أنعم الله بها على العبد، قال تعالى: {فبما رحمة من الله لنتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} آل عمران / 159، وقال تعالى: {وإنك لعلى خلقٍ عظيم} القلم / 4، وهو قيامه صلى الله عليه وسلم بعبودية الله المتنوعة، وبالإحسان الكامل للخلق، فكان خلُقه صلى الله عليه وسلم التواضع التام الذي روحه الإخلاص لله والحنو على عباد الله، ضد أوصاف المتكبرين من كل وجه.
" المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ السعدي " (5 / 442، 443) .
وللتواضع أسباب لا يكون المسلم متخلقّاً به إلا بتحصيلها، وقد بيَّنها الإمام ابن القيم بقوله:
التواضع يتولد من العلم بالله سبحانه، ومعرفة أسمائه وصفاته، ونعوت جلاله، وتعظيمه، ومحبته وإجلاله، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها، وعيوب عملها وآفاتها، فيتولد من بين ذلك كله خلق هو " التواضع "، وهو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل والرحمة بعباده، فلا يرى له على أحدٍ فضلاً، ولا يرى له عند أحدٍ حقّاً، بل يرى الفضل للناس عليه، والحقوق لهم قِبَلَه، وهذا خلُق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبُّه، ويكرمه، ويقربه.
" الروح " (ص 233) .
وقد جاء في ثواب التواضع الفضل الكبير، ومنه:
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما نقصت صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله ".
رواه مسلم (2588) وبوَّب عليه النووي بقوله " استحباب العفو والتواضع.
قال النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم: " وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ": فيه وجهان: أحدهما: يرفعه في الدنيا , ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة , ويرفعه الله عند الناس , ويجل مكانه.
والثاني: أن المراد ثوابه في الآخرة , ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا.
قال العلماء: وقد يكون المراد الوجهين معا في جميعها في الدنيا والآخرة، والله أعلم.
" شرح مسلم " (16 / 142) .
والتواضع يكون في أشياء، منها:
1. تواضع العبد عند أمر الله امتثالاً وعند نهيه اجتناباً.
قال ابن القيم:
فإن النفس لطلب الراحة تتلكأ في أمره، فيبدو منها نوع إباء هرباً من العبودية، وتتوقف عند نهيه طلباً للظفر بما منع منه، فإذا وضع العبد نفسه لأمر الله ونهيه: فقد تواضع للعبودية.
" الروح " (ص 233) بتصرف.
2. تواضعه لعظمة الرب وجلاله وخضوعه لعزته وكبريائه.
قال ابن القيم:
فكلما شمخت نفسُه: ذَكَر عظمة الرب تعالى، وتفرده بذلك، وغضبه الشديد على من نازعه ذلك، فتواضعت إليه نفسه، وانكسر لعظمة الله قلبه، واطمأن لهيبته، وأخْبت لسلطانه، فهذا غاية التواضع، وهو يستلزم الأول من غير عكس. (أي يستلزم التواضع لأمر الله ونهيه، وقد يتواضع لأمر الله ونهيه من لم يتواضع لعظمته)
والمتواضع حقيقة: من رزق الأمرين، والله المستعان.
" الروح " (ص 233) .
3. التواضع في اللباس والمشية.
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بينما رجل يجرُّ إزاره من الخيلاء خُسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ".
رواه البخاري (3297) .
ورواه البخاري (5452) ومسلم (2088) من حديث أبي هريرة، ولفظ البخاري: " بينما رجل يمشي في حلُّة تعجبه نفسه مرجِّل جمَُّته إذ خَسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة ".
يتجلجل: ينزل في الأرض مضطرباً متدافعاً.
مرجل جمته: الترجيل هو تسريح الشعر ودهنه.
والجمة: هي الشعر المتدلي من الرأس إلى المنكبين.
4. التواضع مع المفضول فيعمل معه ويعينه.
عن البراء بن عازب قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل معنا التراب يوم الأحزاب ولقد رأيته وارى التراب بياض بطنه يقول: لولا أنت ما اهتدينا نحن ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا إن الألى وربما قال الملا قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا أبينا يرفع بها صوته.
رواه البخاري (6809) ومسلم (1803) .
5. التواضع في التعامل مع الزوجة وإعانتها.
عن الأسود قال: سألتُ عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله - تعني: خدمة أهله -، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.
رواه البخاري (644) .
قال الحافظ ابن حجر:
وفيه: الترغيب في التواضع وترك التكبر، وخدمة الرجل أهله.
" فتح الباري " (2 / 163) .
6. التواضع مع الصغار وممازحتهم
عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خلُقاً، وكان لي أخ يقال له " أبو عمير " - قال: أحسبه فطيماً - وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير ما فعل النغير.
رواه البخاري (5850) ومسلم (2150) .
قال النووي:
" النُّغيْر " وهو طائر صغير.
و" الفطيم " بمعنى المفطوم.
وفي هذا الحديث فوائد كثيرة جدّاً منها: ... ملاطفة الصبيان وتأنيسهم , وبيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من حسن الخلُق وكرم الشمائل والتواضع.
" شرح مسلم " (14 / 129) .
7. التواضع مع الخدم والعبيد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتى أحدَكم خادمُه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه وليَ حرَّه وعلاجَه.
رواه البخاري (2418) و (5144) ومسلم (1663) .
ومعنى " ولي حرَّه وعلاجه ": أي عانى مشقة صُنع الطعام والقيام على تقديمه، وفي رواية مسلم " وليَ حرَّه ودخانه ".
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتواضعين لعظمته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1621)
اكتشفت أن زوجها يمارس اللواط وتريد الطلاق ولا تريد فضحه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت من رجل، ولقد اتضح أنه ليس من أهل الصلاح وأنه يأتي ما حرمه الله ويتعدى حدوده، أولا اكتشفت أنه يشاهد القنوات الإباحية، وعند مناصحته ينكر وجودها في المنزل ويقوم بسحب كرت التشفير من الريسيفر، وبعد عدة أيام كنت خارج المنزل عند جارات لي وأخبرني أن لا نزل إلى المنزل إلا أن يتصل علي!! ولما تأخر عن الاتصال نزلت ودخلت المنزل وفوجئت به يخرج من غرفة اسقبال الضيوف وهو في حال لا يعلم به إلا الله، ولما رأيت حالتة أسرعت إلى غرفة استقبال الضيوف، قلت: إذن سأجد امرأة في الغرفة، فوجدت إنه والعياذ بالله كان يمارس اللواط مع أحد أصدقائه وعندما واجهته بأني أريد الطلاق، قال إن شاء الله بكره راح أوصلك عند أمك. وخرج وعندما أتى في الصباح قام يصرخ في وجهي ويقذفني بالسوء ويقول إني أنا فضحته وأدخلت رجال في منزله أثناء غيابه ((لما كان في العمل)) . وأنا والدي متوفى، وكنت أعتبر أباه في مقام والدي، وعندما أخبرت والده بما رأيت من ولده. صرخ في وجهي، وقال لا تتدخلي أبداً حتى لو رأيتيه يفعل بأحد أو يفعل به فقلت له قل لولدك يطلقني، فقال: خليك كذا معلقة لغاية ما ولدي يموت وأنت على ذمته. ويقول لي: حتى لو رحتي المحكمة عندك إثبات ملموس على أفعال ولدي!! وأنا الآن أريد أطلب الطلاق، ولا أريد الموضوع يوصل المحكمة، ولا أريد أفضحه، بحكم العشره اللي كانت بيننا، وأنا أخاف الله فيه!! هل يجوز أن أذهب للمحكمة وأقول ما يفعله، وآخذ حقي في الطلاق؟ ولا أريد أن يتعلق برقبتي دم أحد ولا روح أحد؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله جل جلاله أن يثبتك على الهدى والصلاح، وأن يجبر كسرك، ويعظم أجرك في مصابك.
ولا شك أن ما حدث هو مصيبة بكل المقاييس، مصيبة في هذا الزوج الذي أعرض عن الطيب الطهور الذي أحله الله له من أهله، وراح يتلوث بالنجس والقاذورات، وانتكست فطرته حتى راح يفعل ما يفعل مع الرجال.
ثم كانت المصيبة مضاعفة بالعصبية الجاهلية من والده؛ وبدلا من أن يأنف أن يكون ولده بهذه الحال، تعصب له، وقال ما قال؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
ولو كانت هذه الفعلة زلت عارضة لرجل سيرته تدل على الصلاح، لقلنا: لعله أن يتوب وينيب، لكن الرجل مغموس في الخنا والقاذورات، كما يبدو من حاله. هذا مع أن من ابتلي بهذه الفعلة الشنعاء، فعلة قوم لوط، قلما يوفق لخير أو صلاح بعدها.
قال ابن القيم رحمه الله، في ذكره لمفاسد تلك الفعل الشنعاء:
" فَإِنّهُ يُحْدِثُ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالنّفْرَةَ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُسَوّدُ الْوَجْهَ وَيَظْلِمُ الصّدْرَ وَيَطْمِسُ نُورَ الْقَلْبِ وَيَكْسُو الْوَجْهَ وَحْشَةً تَصِيرُ عَلَيْهِ كَالسّيمَاءِ يَعْرِفُهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى فِرَاسَةٍ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُوجِبُ النّفْرَةَ وَالتّبَاغُضَ الشّدِيدَ وَالتّقَاطُعَ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَلَا بُدّ. وَأَيْضًا: فَإِنّهُ يُفْسِدُ حَالَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَسَادًا لَا يَكَادُ يُرْجَى بَعْدَهُ صَلَاحٌ، إلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ بِالتّوْبَةِ النّصُوحِ " انتهى.
"زاد المعاد" (4/235) .
وأما عن طلبك للطلاق منه: فلا حرج عليك فيه؛ وإنما الممنوع للمرأة أن تطلب الطلاق من غير بأس بزوجها، أما وقد منه، ووجد فيه البأس، كل البأس، فلا حرج عليك في سعيك للطلاق منه؛ فمثل هذا غير أمين عليك وعلى دينك وعرضك، ويخشى أن يجلب لك السوء والأمراض من أفعاله الخبيثة.
فإن قبل طلاقك هكذا، من غير محكمة ولا مشكلات: فبها ونعمت، وإلا فارفعي أمرك للقاضي الشرعي، وإن استدعى طلب طلاقك أن تقصي ما حدث: فلا حرج عليك فيه إن شاء الله؛ فإن الشكاية إلى القاضي، والتظلم، ممن المواضع التي نص أهل العلم على جواز ذكر الخصم بما فعل، وإباحة غيبته، فيما يتعلق بأمر الخصومة.
قال الإمام النووي رحمه الله:
"اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو ستة أسباب:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم للسلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: فلان ظلمني بكذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب؛ فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما. " انتهى.
"رياض الصالحين" (432) .
وأما تنفيذ الحكم فيه، وإقامة الحد عليه، فهذا يرجع إلى رأي المحكمة، وما يقوم عندها من البينة بذلك، وإذا كنت قد شهدت بما علمت، فلا تعلق لدمه برقبتك، إن شاء الله، هذا إذا ثبت ذلك لدى القاضي، وأقام حكم الله فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1622)
طالب علم يعلم النساء، وتربطه بإحداهن علاقة خاصة!!
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلدنا طالب علم له قدم في العلم وهو يحثنا على العلم والتقوى واتباع السنة والتأدب مع أهل العلم ونحسبه على منهج سلفي حق، وما يعلمنا في الدين شيئا إلى وله سند من كتاب أو سنة ويذم التقليد وإن كان تقليدنا له، ونحسبه يتقي الله في التعامل معنا كنساء سواء في الفتاوى أو غيرها، ويمكننا أن نخدم دعوتها بعض الخدمات من نشر علمه وكذا، لكن وللأسف علمت من امرأة أحسبها صادقة أنه كان على علاقة غير صحيحة بها وذلك في السر، أؤكد ذلك في السر، وحكت أنه يحاول أن يجعل الأمر يأخذ شكلا شرعيا من الزواج لكن ظروفه تمنعه لكنه وللأسف على الرغم من ذلك لم يقطع كلامه معها ويقول انه يحاول أن يهيء الظروف فهل نمتنع عن طلب العلم عنه وعن التعامل معه خاصة وقد أخذ الشيطان يوسوس لي ويقول لي أنه يقول ما لا يعمل ويشككني في كل شيء يقوله، أم نقول أن لكل إنسان خطأ وقد يكون مغلوب على هذا الذنب خاصة وقد علمناه يتقي الله في تعامله معنا، وخاصة أن هذا سر لا يعلمه إلا أشخاصا معدودين وأظن أنه لا يعلم بعلمي بهذا أصلا وليس معصوم إلا الأنبياء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الحق أن نقول إنه لا أحد من معصوم من المعاصي جميعها، بل لكل أحد خطؤه وذنبه فيما بينه وبين ربه، وهكذا حال بني آدم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ) رواه مسلم (2749) .
لكن من الحق أيضا أن نقول: إن شأن عباد الله ليس كالذي يعمله هذا الطالب الذي يعلم النساء دينهن!!
إن الله تعالى قال عن عباده المتقين: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) الأعراف /200-202.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب، تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب الله عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر الله تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.
وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم، فإنهم إذا وقعوا في الذنوب، لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب، ولا يقصرون عن ذلك، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغواء، لأنها طمعت فيهم حين رأتهم سلسي القياد لها، وهم لا يقصرون عن فعل الشر " انتهى.
"تفسير السعدي" (313) .
فأي الصنيعين فعل هذا الطالب يا ترى؛ هل فعل ما يفعله المتقون إذا أذنبوا؛ لقد كان عليه أن يتذكر، ويبصر نفسه وما جنت يداه، أن يكون هو معلم الناس الخير، ويعطيه الناس الأمان على بناتهم، ويستأمنه النساء على أديانهن، ثم هو يفعل ما يفعل:
وراعي الشاةِ يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئابُ؟!!
لقد كان عليه أن يعلم من أين أتي، وبأي شيء افتتن، فيغلق عن نفسه باب الفتنة، ويسد على الشيطان مسالكه إليه؛ لقد كان عليه أن يشتغل بدعوة الرجال وتعليمهم، ويدع ذلك لغيره، لكنه مع ذلك استمر، واستمر في علاقته واتصالاته، وكل هذه منكرات، كان عليه أن يدعها، وأن يدع ذلك الباب كله: باب تعليم النساء، والاتصال بهن ما دام قد أصابته الفتنة:
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) رواه البخاري (4808) ومسلم (6881)
لقد كان على هذا الطالب أن يبصر مواقع الفتن، وأن يعلم من أين أتي، وأن استمراره في التعرض لذلك تغرير بنفسه، ومخاطرة بدينه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لما قدم المهاجرون المدينة كان العزاب ينزلون دارا معروفة لهم متميزة عن دور المتأهلين، فلا ينزل العزب بين المتأهلين، وهذا كله لأن اختلاط أحد المصنفين بالآخر سبب الفتنة، فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب " انتهى.
"الاستقامة" (1/361) .
وأما أن ذلك كان سرا؛ فهل كان يسعه غير ذلك؛ أم تريدينه أن يتمشى في الشوارع مع فتاته التي تعلق بها؟!!
فاسمعي هذا الحديث، فما أخوفنا عليه من أن يصيبه ما فيه:
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
(لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) . رواه ابن ماجة (4245) وصححه الألباني.
وليس من شك في أن النصيحة لك الآن، وقد علمت بذلك الأمر، أن تقطعي علاقتك بدرسه، وتدعي الحضور له، وبأمكانك أن تعوضي ما فاتك منه بدروس أهل العلم الثقات، ولو كان ذلك عن طريق المواقع الإلكترونية الموثوقة، والأشرطة، والكتب النافعة..، وسبل العلم كثيرة وميسرة والحمد لله.
بل يجب عليك أن تنصحي صديقتك بقطع علاقته بهذا الطالب، والتوبة إلى الله تعالى مما يفعلان؛ فإن أراد بعد ذلك زواجا شرعيا، فليقدم عليه في وضح النهار، كما يفعل أهل الدين والمروءات، من غير أن يتلصص على الحرمات، وأن يفعل ما يفعله أهل الهوى والغواية.
ولو أمكن أن تصله رسالة بأن يتوقف عن درسه للنساء بالمرة، ولو بالإشارة إلى أن بعض الناس قد عرف أمره، من أجل أن يكف عما يفعل، وأن ينتبه إلى خطورة ما يأتيه فهو أمر طيب؛ لكن شريطة ألا يكون في ذلك نشر للخبر عند من لا يعرفه، ولا إشاعة للقيل والقال، بل ستر المؤمن على أخيه واجب شرعي، لا سيما إذا كان يترتب على ظهور ذلك وانتشاره مفاسد عديدة، وإساءة لأهل الدين والالتزام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1623)
حكم معالجة غير منتفع بالتأمين الصحي ببطاقة شخص آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[أشتغل في شركة تخول لموظفيها الاستفادة من التأمين عن المرض عن طريق شركة تأمين خاصة، والعقد يشملنا أنا، وزوجتي، وأولادي. مرضت أخت زوجتي، وأرادت أن تنتحل اسم زوجتي لكي تتمكن من الاستفادة من هذا التأمين. هل يجوز هذا العمل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين التجاري (وهو الذي تقصد شركات التأمين من ورائه الربح) محرم بجميع صورة، سواء كان تأميناً صحياً أو تأميناً على الحياة أو الممتلكات.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (8889) و (10805) و (109250) .
وإذا التزمت الشركة التي يعمل بها الموظف بتكاليف علاجه هو وأسرته، ثم اشتركت هذه الشركة مع شركة تأمين تجاري، فلا حرج على الموظف من الانتفاع بهذا التأمين، والإثم في ذلك على من قام بالتعاقد مع شركة التأمين.
وأما علاج شخص ببطاقة شخص آخر فذلك لا يجوز لأنه يشتمل على عدة محاذير. ومنها:
1- أنه نوع من الكذب والتزوير.
2- احتمال حدوث وفاة لمتلقي العلاج، فهل سيتم استخراج شهادة وفاة باسم الشخص الآخر؟
3- الخلل في الملف الطبي للمريض؛ وذلك بإدخال أسماء أمراض في الملف الطبي للمنتفع، مما لا وجود له في الحقيقة، مما قد يترتب عليه مفاسد تشخيصية، وعلاجية في مستقبل الأيام.
4- احتمال كشف الأمر من قبل الجهات المعالِجة، مما يترتب عليه عقوبات على ذلك المزور.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
عندنا بعض المسلمين الذين يدرسون، أو الذين يعيشون في " أمريكا "، وأحوالهم المادية ضعيفة جدّاً، وأحياناً تصيبهم أمراض خطيرة، أو أمراض علاجها باهظ التكاليف، وهم لا يستطيعون تسديد هذا المبلغ للمستشفى، ولا يستطيع أحد، أو لا يريد أن يتحمل تكاليف هذا المريض، ففي هذه الحالة: هل يمكن لنا أن نساعده بأن نجعله يذهب إلى المستشفى باسمنا، يعني: كأنه الشخص الذي عنده " أنشورس "، ويتعالج به، أو نتركه هكذا بدون مساعدة؟ مثال على أن التكاليف باهظة: إذا نام شخص في المستشفى تحت الرعاية لمدة أسبوع: تأتي الفاتورة، وقيمتها أكثر من أربعة آلاف دولار.
فأجابوا:
"أولاً: التأمين الصحي من التأمين التجاري، وهو محرم.
ثانياً: إعطاء بطاقة التأمين لشخص آخر لم يسجل ليتعالج بها: فيه تزوير، وكذب، وهذا لا يجوز، ولكن يشرع لكم أن تساعدوه من أموالكم حسب المستطاع" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 298) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1624)
حكم ما يُسمى بـ " حرية الكلام "، و " حرية الرأي "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأي الإسلام في حرية الكلام وحرية الرأي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
معرفة الحكمة من وجود الإنسان فيه الجواب على هذا السؤال , فإنَّ مَن علم المقصد من خلقه ووجوده: يعلم أنَّ فعله، وكلامه، ورأيه، منضبط بما أراده الله، ورضيه , وأما الماديون، ودعاة التفسخ والانحلال: فينطلقون من مبدأ: قل ما تشاء، وافعل ما تشاء، واعبد ما تشاء.
فالحكمة من خلق الإنسان ووجوده على الأرض: أن يعبد الله وحده لا شريك له، وأن يستسلم لأوامر الله تعالى، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات/ 56 – 58، وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) المؤمنون/ 115،116.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
أي: (أَفَحَسِبْتُمْ) أيها الخلق، (أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) أي: سدى، وباطلا، تأكلون، وتشربون، وتمرحون، وتتمتعون بلذات الدنيا، ونترككم لا نأمركم، ولا ننهاكم، ولا نثيبكم، ولا نعاقبكم؟ ولهذا قال: (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) لا يخطر هذا ببالكم، (فَتَعَالَى اللَّهُ) أي: تعاظم وارتفع عن هذا الظن الباطل، الذي يرجع إلى القدح في حكمته (الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)
" تفسير السعدي " (ص 560) .
فمن علم أنه عبد لله: فلا بد أن يتقيد بما أمر الله به، وينتهي عما نهى الله عنه , وهذا ينافي دعوة حرية الكلام، والرأي، والأفعال , فالله لا يرضى من العبد التكلم بكلمة الكفر , أو أن يتكلم بالفسق، والفجور , أو أن يدعو إليها , وأما دعاة الحرية: فالأمر سيان عندهم، تكلم بما شئت، واعمل ما شئت , في حق الله، وفي حق الدين.
ثانياً:
لا شك أن الإسلام عظَّم خطورة الكلمة التي يتكلم بها المرء , قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/ 18.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري (6113) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – أيضاً - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (5672) ومسلم (47) .
قال النووي رحمه الله:
وقد ندب الشرع إلى الإمساك عن كثير من المباحات؛ لئلا ينجر صاحبها إلى المحرمات، أو المكروهات , وقد أخذ الإمام الشافعي رضي الله عنه معنى الحديث فقال: " إذا أراد أن يتكلم: فليفكر , فإن ظهر له أنه لا ضرر عليه: تكلم , وإن ظهر له فيه ضرر، أوشك فيه: أمسك ".
" شرح مسلم " (2 / 19) .
ثالثاً:
إن حرية الكلام ليست مطلقة ـ حتى عند دعاتها ـ بل مقيدة بأمور، منها:
1. القانون.
ومن العجب أن ترى اجتماع دول الغرب على تجريم من يشكك في محرقة اليهود، بل يحاكمون من يثبتها لكن يشكك في أرقام قتلاها! دون أن يسمحوا لأهل التاريخ، ولأهل الفكر، أن يبحثوا القضية، ويتم مناقشتها وفق الأدلة والبراهين، ولا يزال بعض الكتَّاب والمفكرين قابعين في سجون تل البلدان بسبب موقفهم من ثبوت المحرقة، أو موقفهم من المبالغة في عدد قتلاها من اليهود.
ومنها: العرف، والذوق العام، والاصطدام بحرية الآخرين.
فإن كنا قد اتفقنا على تقيد حرية الكلام والتعبير عن الرأي، فليكن الحكم في ذلك، لحكم الله، الذي هو أعدل الأحكام وأحسنها، ولا يكون الحكم لقانون من وضع البشر، يعتيريه ما يعتري غيره من أنظمة البشر من الهوى والظلم والجهل.
وإنه لتناقض عند هؤلاء أن يكون القانون يُلجم أفواههم عن الكلام عن محرقة اليهود، وأخبار جنودهم القتلى في أرض المسلمين – بينما يستنكرون علينا أن نمنع من يسب الله أو رسوله أو دينه أو يقذف المحصنات المؤمنات أو غير ذلك مما حرم الله النطق به؛ لما يترتب عليه من مفاسد ومضار.
إن المسلم مطلوب منه أن لا يسكت على الخطأ والزلل، وعليه واجب التذكير والنصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر , وهذا منافٍ لدعوة حرية الكلام , فمن تكلم بكلام محرم، فالواجب منعه من هذا الكلام، ونهيه عن هذا المنكر.
والإسلام لا يمنع الناس من التعبير عن آرائهم فيما يجري حولهم في السياسة والاقتصاد، والمسائل الاجتماعية، ولا يمنع من الكلام في نقد الأخطاء، ونصح المخطئين، وكل ذلك ينبغي أن يكون مقيَّداً بشروط الشرع، وآدابه، فلا تهييج للعامة، ولا دعوة للفوضى، ولا اتهام للأبرياء، ولا قذف للأعراض، وغير ذلك مما هو معروف من أحكام الشرع التي تضبط هذه المسائل.
وقد وجدنا أن أكثر أصحاب دعاوى حرية الكلام، والرأي: مقصدهم من ذلك: حرية التطاول على الدِّين الإسلامي، وشرائعه , فيصلون إلى مقصدهم من خلال ـ حرية الرأي ـ.
فتطاولوا على حكم الله بدعوى حرية الكلام , وطعنوا في القرآن والسنَّة بدعوى حرية الكلام , ودعوا إلى الزنا والفجور والخنا بدعوى حرية الكلام.
وقد تبع هؤلاء بعض المنافقين في بلاد الإسلام، الذين يطعنون في أحكام الشريعة الإسلامية، ويطعنون في القرآن وفي السنة النبوية الصحيحة.
والواجب على حكام المسلمين الأخذ على أيدي هؤلاء، ومنعهم من هذا المنكر، حفاظاً على دين الأمة، وقياماً بما أوجب الله عليهم من حماية الدين والدفاع عنه.
والحاصل: أننا ـ نحن المسلمين ـ ليس عندنا ما يسمى بـ "حرية الرأي" أو "حرية التعبير" وإنما عندنا الخضوع لحكم الله تعالى، وعدم الخروج عن شرعه، فمن تكلم بالحق وجب أن يعان، ومن تكلم بالباطل وجب أن يمنع.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز أن يكون هناك ما يسمَّى بـ " حرية الرأي "، أي: يُفتح المجال لأهل الخير، وأهل الشر، كلٌّ يدلي بدلوه في المجتمع؟ .
فأجاب:
"هذا باطل، لا أصل له في الإسلام، بل يجب أن يُمنع الباطل، ويُسمح للحق، ولا يجوز أن يُسمح لأحد يدعو إلي الشيوعية، أو الوثنية، أو يدعو إلى الزنا، أو القمار، أو غير ذلك، سواء بالأسلوب المباشر، أم غير المباشر، بل يُمنع، ويؤدب، بل إن هذه هي: " الإباحية المحرمة " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (4 / 367، 368) .
وانظر لمزيد الفائدة جوابي السؤالين: (98134) و (9410) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1625)
من غش في الامتحان وستره الله هل يلزمه أن يفضح نفسه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من غش في الامتحان وستره الله هل يلزمه أن يفضح نفسه؟ السؤال: من قبل عدة أيام دخلت علينا إحدى المعلمات وبعد أن أنهت شرح درسها..وقبل تسلمينا أوراق الاختبار، قامت بالدعاء على كل من غشت أو ساعدت في الغش إحدى الطالبات بأن يفضحها الله أمامها.. وأن يسد طريقها إلى الجامعه، وإن دخلت الجامعة لا يبارك الله لها في أوقاتها واستمرت في الدعاء بكل ما يخص المستقبل، وقالت إنها لن تسامحنا إلى يوم القيامة فيا فضيلة الشيخ..هل هذا حق لها علي..أن لا أغش..؟ علما بأنني في السنة الأخيرة ولم يسبق لي الغش بإرادتي في هذه المادة بالذات.. فقط مرة واحدة سمعت الجواب من إحدى الطالبات التي تربطني بها أي علاقة مجرد زميلة في الفصل..فكتبت الجواب..أعلم ان الغش حرام فهل علي الاعتراف..إن كان الله قد ستر علي فلم أفضح نفسي؟ علما بأنني فعلا خائفة.. فمنتهى أملي أنا أدخل الجامعة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم الغش في الامتحانات وغيرها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) رواه مسلم (101) .
ومن وقع في شيء من ذلك فليتب إلى الله تعالى، ولا يلزمه فضح نفسه، بل ينبغي أن يستتر بستر الله تعالى، ويندم على ذنبه، ويعزم على عدم العود إليه، وقد روى مسلم (2590) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
وهذا من البشارة للتائب الذي ستره الله تعالى في الدنيا، أن الله سيستره في الآخرة، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فقال فيما رواه أحمد (23968) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ لَا يَجْعَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ فَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُمْ وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا رَجَوْتُ أَنْ لَا آثَمَ لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) والحديث صححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم (1387)
بل أمر صلى الله عليه وسلم بهذا الستر فقال: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل) والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (663) .
وعليه:
فمن وقع منه غش في امتحاناته فليتب منه، ولا يعود إليه، وليستر على نفسه.
وإذا كنت لم تسألي زميلتك، بل سمعت الجواب منها دون طلب منك، فلا يعد هذا غشا، ولا بأس عليك ـ إن شاء الله ـ في كتابة ما سمعت، من غير طلب منك، ولا سعي إليه.
وأما دعاء المعلمة على من غش، كما ذكر في السؤال، فالذي يبدو لنا أن فيها تعديا على غيرها، وليس الغش حقا لها، ولا هو متعلقا بشخصها، بل الغش هنا حق لله تعالى، فلا يتعلق به مسامحتها من عدم ذلك، ولو اقتصرت على الدعاء بأن يظهرها الله أمامها: لكان له وجه، لكنها تعدت في الدعاء أكثر مما ينبغي لها في مثل هذا المقام، ولعلها أرادات ترهيب التلميذات، وتنفيرهم من الغش.
والله يغفر لنا ولها، ولسائر المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1626)
كيف يتصرف من يعلم بعلاقة محرمة لامرأة متزوجة مع أجنبي عنها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة متزوجة، وهي على علاقة برجل آخر غير زوجها، تكلمه وتخرج معه، وهناك امرأة أخرى تعرف بهذا، وهي تعرف أقارب زوج تلك المرأة، فماذا تفعل؟ هل تخبر والدة الزوج؟ أو الزوج نفسه بما تعرف عن زوجته؟ أم ماذا تفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
في مثل هذه المسائل نشدد على وجوب الجزم قبل الحكم، ونعني به: الجزم بوجود علاقة محرَّمة قبل الحكم على المرأة بالخيانة، فكثيراً ما يحدث إساءة للظن بوجود علاقات محرمة، ولا يكون الأمر كذلك، فالأصل في المسلم: البراءة، ولا يحل وصفه بما لا يليق، ولا الحكم عليه بالفجور والخيانة إلا أن يثبت ذلك ببينة شرعية، أو يعترف الشخص بفعل تلك المحرَّمات.
فإذا ثبت على تلك المرأة ما ورد في السؤال فالذي ينبغي فعله معها هو:
1- تذكيرها بالله، ونصحها بترك الحرام، وتخويفها بالفضيحة في الدنيا والآخرة – إن أمكن ذلك - فإن تركتْ ما هي عليه من حال سيء، وانقلبت إلى حال الهداية والعفاف فقد حصل المقصود.
2- فإن أصرَّت على ما هي عليه، فلابد من إخبار زوجها بذلك، ولكننا نختار أن يُخبَر أهلُها أولاً، فلعلَّ ذلك يردعها عن معصيتها، وتحافظ به على بيتها، وأولادها.
3- فإن لم ينفع ذلك، أو لم يكن لها أهل يستطيعون التأثير عليها فينبغي إخبار زوجها، ودون تردد، ثم ينظر هو في الأصلح له ولها ويفعله.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أنا سائق مصري، محتار في تصرف زوجة كفيلي؛ حيث إنها تأخذ حاجات من المنزل، وتأمرني - أنا السائق - أن أنزل بها إلى السوق، ثم تدخل بعض الدكاكين، ثم تدخل إلى المكاتب الداخلية، وتتصل بالتلفونات ساعة ونصف، أو أكثر، أو تستخدم تلفون الشارع، ويقول: إنها تهدده بالطرد، وبإلصاق التهم به، فهل يخبِر زوجَها بذلك؛ لأنه لا يرضى هذا التصرف منها، وهو رجلٌ مسلم؟ .
فأجاب:
"حقيقة الأمر: أن هذا التصرف الذي أشرتَ إليه إذا كان حقّاً: فإنه تصرفٌ سيء، ولا يرضاه أحدٌ من المسلمين، ونحن نشكرك على هذه الغيرة على صاحبك الذي أنت عنده، بل وعلى هذه الغيرة على زوجته أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (انصُر أخاكَ ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله، هذا الظالم فكيف نصْرُ المظلوم؟ فقال: أن تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه) فأنت ناصحٌ لكفيلك، ولزوجته أيضاً، وعليك في هذه الحال - إذا لم يُفِد معها النصح -: أن تخبر زوجها بذلك؛ لتخرج من المسئولية، وأنت إذا أخبرته بذلك: فلن يضيرك شيءٌ إن شاء الله؛ لأن الله تكفل بأنَّ مَن اتقى الله تعالى جعل له مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (شريط رقم 43) .
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله:
تقبض " الهيئة " أحياناً على رجل وامرأة في خلوة محرمة، وتقوم " الهيئة " بالستر على المرأة، وإحالة الرجل إلى الجهات المختصة , فهل الستر على المرأة هذا أمرا جائز أم لا؟ مع ذكر ما يدل على ذلك , جزاكم الله خيراً.
فأجاب:
"إذا كان هذه المرأة لأول مرة عثر عليها، ولم يُسمع عنها إلا سمعة حسنة , قد خدعها هذا الرجل – مثلاً -، أو احتاجت إلى من يُركبها، فأركبها ليوصلها إلى بيتها، ولكنه تجاوز ذلك، وذهب بها، ولم ترض: عُرف بذلك أنها ليست من أهل هذه المنكرات: يعفى عنها.
وكذلك إذا كان عُرف أنها صاحبة منكر، وأنها تريد الفاحشة، ولكن هذا لأول مرة: ترتب على الرفع بأمرها وإخبار زوجها طلاق، أو مفاسد: فيؤخذ عليها التعهد، ويُستر عليها، ويبيَّن لها أنها إذا عادت مرة ثانية: يحصل فضيحتها، ونحو ذلك.
وأما إذا كانت ذات عادة متكررة: فنرى أن إبلاغ زوجها، أو إبلاغ أبيها بذلك هو الأولى؛ حتى لا تفسد زوجها، ولا تفسد نفسها، ولا تفسد سمعة أهلها" انتهى.
http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=9&book=162&toc=7894&page=6914
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1627)
إذا سأل طالب الطب في الاختبار المريض عن مرضه هل يكون غشاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في امتحان الجلدية العملي يطلب منا معرفة المرض عند المريض عن طريق النظر إليه ومباح لنا أن نسأله بعض الأسئلة البسيطة مثل هل تشتكي من حكة أو متى بدأ المرض وهل يوجد أماكن أخرى مصابة إلى غيرها من الأسئلة التي تساعدني في التشخيص. لكن هناك من زملائي من يريد أن يسأل المريض عن مرضه إذا كان غير متأكد من تشخيصه كأن يقول له: هل هذه سعفة يا حاج وهو شاكك أن تكون سعفة أو ثعلبة؟ وإذا قال له: نعم يكتب الإجابة وإذا قال له: لا، يغير الإجابة. فهل هذا نوع من الغش؟ لأنه غَيَّر الإجابة على أساس كلام المريض أم لا؟ ملحوظة: هذا امتحان ولن يفيد أو يضر المريض في شيء.... بمعنى أن المريض يشخصه ويعالجه الأطباء المتخصصون هو فقط يأتي لأجل أن نمتحن عليه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الغش حرام، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من الغاشين فقال: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم (102) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" الغش في جميع المواد حرام ومنكر؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) أخرجه مسلم في صحيحه. وهذا لفظ عام يعم الغش في المعاملات وفي النصيحة والمشورة وفي العلم بجميع مواده الدينية والدنيوية، ولا يجوز للطالب ولا للمدرس فعل ذلك، ولا التساهل فيه، ولا التغاضي عنه؛ لعموم الحديث المذكور، وما جاء في معناه، ولما يترتب على الغش من المفاسد والأضرار والعواقب الوخيمة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24 / 61-62) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" من نجح بالغش فليس بناجح في الحقيقة، ثم إنه يترتب على غشه أنه سينال بشهادته مرتبة لا تحل إلا بالشهادة الحقيقية المبنية على الصدق، والإنسان إذا لم ينجح إلا بالغش فإنه لم ينجح في الحقيقة، ثم إنه سيكون فاشلاً إذا تولى منصباً يتولاه من حصل على الشهادة التي غش فيها؛ إذ إنه ليس عنده علم فيبقى فاشلاً في أداء مهمته، ولا فرق في ذلك بين مادة وأخرى، فجميع المواد لا يجوز فيها الغش " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (13/130) .
وسؤال الطالب للمريض عن تشخيص مرضه نوع من الغش، ويجعل الاختبار لغواً لا فائدة منه، ويعطي للطالب من الدرجات أو النجاح ما لا يستحقه.
فالواجب على الطالب أن يكون أميناً، ويستحضر مراقبة الله له، واطلاعه عليه، ولا يسأل المريض عن مرضه، وإنما يسأله عن الأعراض التي يشعر بها، ثم يقوم هو بتشخيص المرض.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1628)
أب يجاهر بفجوره أمام أسرته ولا ينفق عليهم، فكيف يتصرفون معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في أب له من الأولاد اثنان من سن 15 - 18، ولا يصرف عليهم، ولا على منزله منذ أكثر من عشر سنوات؛ حيث إن الأم هي المتكفلة بهم، رغم أنه يعمل، ويعيش معهم في نفس المنزل، وقد أفسد في ابنه الصغير 15 سنة ما لا يمكن إصلاحه، ويقيم علاقات غير شرعية مع سيدات، ووصل به الأمر إلى إرسال ابنه الصغير لهم بالنقود، ومحادثتهن أمام أبنائه على الهاتف، وحيث إنه حاولت أخواته، والكثير من الأقارب محادثته، لكنه لا يرضي أن يسمع لأي شخص، كبير، أو صغير، فما حكم المعاملة بينه وبين أبنائه، وزوجته؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أساء هذا الأب لنفسه حين فرَّط في الأمانة التي أوكل الله تعالى له حفظها، ورعايتها، والعناية بها، فزوجته وأولاده من رعيته التي سيسأله الله تعالى عنها، حفظها، أم أضاعها، والويل له – ولغيره ممن هو مثله – إن لم يتدارك نفسه، ويرجع إلى دينه، ويعتني بهذه الأمانة لينجو يوم القيامة من إثم التضييع، والتفريط.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ... ) رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
وعن مَعْقِلِ بْنِ يسار المُزنيِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّةَ) وفي رواية: (فَلَمْ يَحُطْها بِنَصِيحَةٍ إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) رواه البخاري (6731) ومسلم (142) .
ثم إن ذلك الأب لم يكتف بالإهمال في الإنفاق على أسرته – وهو أمر أوجبه الله عليه – بل إنه جعل نفقته تلك على المحرمات من شهواته الدنيَّة، فبدلاً من إنفاقها على زوجته التي أحلها الله له، وأوجب نفقتها عليه: جعل تلك النفقة في النساء الساقطات، وبدلاً من أن يضع المال في نفقة أبنائه: جعله في الفواحش، والمحرمات.
ثانياً:
الواجب على أسرة ذلك الأب بذل الوسع في نصحه، ووعظه، وعدم تركه فريسة للشيطان، وأن يصحب ذلك تلطف في الأسلوب، ولين في الكلام، وها هو إبراهيم عليه السلام يضرب لنا أروع الأمثلة في خطاب الابن الصالح مع الأب الكافر الفظ الغليظ، فاستمع لإبراهيم عليه السلام يقول لأبيه: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيّاً. يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً) مريم/ 43 - 45، واستمع لرد ذلك الوالد الفظ كيف كان، (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) مريم/ 46، فماذا كان رد الابن الصالح على هذه الغلظة، وذلك التهديد؟ (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) مريم/ 47.
وإننا لنرجو أن يكون استعمال الأسلوب الحسن نافعاً مع ذلك الأب، مع كثرة الوعظ، والتذكير له؛ لأنه يعيش في غفلة مهلكة، ولا يمكن لمثله أن يكون سعيداً في قلبه، فلعله يأتيه وقت يجد لكلامكم أثراً طيِّباً في تغيير حاله للأحسن.
ولا يجوز لأبنائه وزوجته أن يطيعوه فيما حرَّم الله تعالى، وعليهم بذل الوسع في القضاء على كل طريق يصل من خلالها لارتكاب المحرمات، وما لا يستطيعونه من ذلك: فلا إثم عليهم فيه وهم غير مكلفين إلا بما في وسعهم.
وإذا لم يُجْدِ النصح معه نفعاً، وكان له تأثير سيء على أبنائه، ويُخشى من تعدي السوء إلى أفراد أسرته: فالذي ننصح به هو الانفصال عنه بالكلية ـ إن أمكن ـ، وخاصة أنه لا ينفق على أسرته، فليس هناك حاجة للبقاء معه إذا انغلقت طرق إصلاحه، وأوصدت أبواب هدايته، بل لا يصدر منه إلا الشر المتعدي لتلك الأسرة.
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله:
قال الإمام أحمد: يأمر أبويه بالمعروف، وينهاهما عن المنكر.
وقال أيضاً: إذا رأى أباه على أمر يكرهه: يعلِّمه بغير عنف، ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي.
وقال أيضاً: إذا كان أبواه يبيعان الخمر: لم يأكل من طعامهم، وخرج عنهم.
وقال أيضاً: إذا كان له أبوان لهما كرم يعصران عنبه ويجعلانه خمراً يسقونه: يأمرهم، وينهاهم، فإن لم يقبلوا: خرج من عندهم، ولا يأوي معهم.
"الآداب الشرعية" (1/476) .
نسأل الله أن يهدي والدهم للحق، وأن يجمع بينه وبين أسرته على خير.
وانظر – لمزيد فائدة – أجوبة الأسئلة: (120070) و (104976) و (95588) و (27281) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1629)
زوج أختها يبعث لها رسائل نصية عبر الجوال وزوجها يكره ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن زوج أخت زوجتي يبعث برسائل نصية عن طريق الجوال إلى زوجتي، فغضبت وطلبت من زوجتي أن تغير رقم جوالها وتُكلم أختها بأن يكف زوجها عن مراسلة زوجتي، فردت عليّ زوجتي بأنه بمثابة أخوها وأنه محترم وأنها لم تر منه خلقا سيئا قط، فأخذتني الغيرة والعناد فقلت لها وأنا منفعل: ((خلاص خليكِ معاه)) ، وأقصد منها: (اذهبي له فأنا لم أعد أغار عليكِ) ، لقد تبادر في ذهني أن أطلقها ولكن لما قلت هذه الجملة لم أكن أقصد الطلاق، فأنا أخاف من الطلاق قبل الدخول بعد ما علمت أنه لا رجعة فيه إلا بعقد ومهر جديدين، وربما سبب لي موضوع الطلاق أنني صرت أدقق في كلامي معها أحيانا خشية أن يقع الطلاق وتجدني سرعان ما أتدارك كلامي وأبعده عن شبهة الطلاق، المهم بعدما قلت هذه الجملة تذكرت أن زوجتي ممكن تطلق بهذه الكلمة، ثم تذكرت بأن طلاق الكناية يقع بدون نية في حال وجود القرينة والتي هي هنا (الغضب) ، فتوترت وخفت واحمر وجهي، ومازلت أفكر هل ممكن أن تطلق مني زوجتي بهذه السهولة وبهذه السرعة، وربما صابني شيء من الوسواس من كثرة التفكير في نيتي حين التلفظ بتلك الجملة، فمرةً أُرجح وقوع الطلاق ومرةً أخرى أنفيه. أنا في حيرةٍ من أمري، أفتوني مأجورين واقطعوا شكي باليقين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قولك لزوجتك: " خلاص خليكِ معاه " يحتمل الطلاق وغيره - بل احتماله لغير الطلاق أظهر - وهو من ألفاظ الكناية التي لا يقع بها الطلاق إلا مع وجود النية، سواء وجدت قرينة أم لا على الراجح.
قال في "زاد المستقنع": " ولا يقع بكنايةٍ طلاقٌ إلا بنية مقارنة للفظ، إلا حال خصومة، أو غضب، أو جواب سؤالها " انتهى باختصار.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " هذه ثلاث أحوال يقع بها الطلاق بالكناية بلا نية. فقوله: " خصومة " يعني مع زوجته، فقال: اذهبي لأهلك، يقع الطلاق وإن لم ينوه، لأن لدينا قرينة تدل على أنه أراد فراقها.
وقوله: " أو غضب ": أي حال غضب ولو بدون خصومة، كأن يأمرها أن تفعل شيئا فلم تفعل فغضب، فقال: اذهبي لأهلك، يقع الطلاق وإن لم ينوه.
وقوله: " أو جواب سؤالها ": يعني: قالت: طلقني، قال: اذهبي لأهلك، يقع الطلاق ...
ولكن الصحيح أن الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية، حتى في هذه الأحوال؛ لأن الإنسان قد يقول: اخرجي أو ما أشبه ذلك، غضبا، وليس في نيته الطلاق إطلاقا ... " انتهى من "الشرح الممتع" (13/75) .
وينبغي أن تحذر من الوسوسة والاستجابة لها في الطلاق وغيره، فإنها داء وشر.
ثانيا:
غيرتك على أهلك أمر محمود، ورغبتك في توقف زوج أختها عن مراسلتها حق مشروع لك، وعلى الزوجة أن تستجيب لذلك، فإن زوج أختها أجنبي عنها وليس كأخيها كما يقال، فلا يجوز أن يخلو بها أو يصافحها أو تكشف عن شيء من بدنها أمامه، ولا يجوز أن تخضع معه بالقول، بل تتكلم بكلام جاد فصل عند الحاجة إلى ذلك، والرسائل عبر الجوال وغيره يحصل فيها نوع من التساهل وعدم الانضباط وقد تؤدي للفتنة ولو كان الرجل صالحا، ولهذا صرح جماعة من أهل العلم بتحريم المراسلة بين الرجل والمرأة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبيَّة عنه؛ لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسِل أنه ليس هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ويغريها به.
وقد أمر صلى الله عليه وسلم مَن سمع الدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه.
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير، ويجب الابتعاد عنها، وإن كان السائل يقول إنه ليس فيها عشق ولا غرام " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/578) .
وقال الشيخ عبد الله الجبرين رحمه الله– وقد سئل عن المراسلة مع المرأة الأجنبيَّة -: " لا يجوز هذا العمل؛ فإنه يثير الشهوة بين الاثنين ويدفع الغريزة إلى التماس اللقاء والاتصال، وكثيراً ما تحدث تلك المغازلة والمراسلة فتناً وتغرس حبَّ الزنى في القلب مما يوقع في الفواحش أو يسببها، فننصح من أراد مصلحة نفسه وحمايتها عن المراسلة والمكالمة ونحوها، حفظاً للدين والعرض، والله الموفق " انتهى من المصدر السابق.
فنصيحتنا لزوجتك أن تغير رقم هاتفها، أو تطلب من أختها إعلام زوجها بضرورة التوقف عن هذه المراسلة، سدا للذريعة، ومنعا للفتنة، ومراعاة لحق الزوج في غيرته على أهله ومحافظته على عرضه.
ويظهر لنا أيضاً: أن زوجتك تتساهل في الكلام مع زوج أختها، أو الجلوس معه، ولهذا تعرَّف عليها وعلى رقم هاتفها وصار يراسلها، وهذا أمر محرم، كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1630)
حكم خضاب الرجل أصابعه بالحناء
[السُّؤَالُ]
ـ[في تونس من التقاليد خلال حفل الزواج أن تقام حفلة للرجل يتم فيها وضع الحناء له على أصابع يده اليمنى، خاصة الإصبع الصغرى. فما حكم ذلك؟ خاصة أني مقبل على زواج وأريده إن شاء الله على السنة وليس فيه ما قد يفسده من الأمور التي تخالف ما يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خضاب اليدين والرجلين بالحناء من زينة النساء، وليس من زينة الرجال: فروى أبو داود (4166) والنسائي (5089) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَوْمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ بِيَدِهَا كِتَابٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، فَقَالَ: (مَا أَدْرِي أَيَدُ رَجُلٍ أَمْ يَدُ امْرَأَةٍ؟ قَالَتْ: بَلْ امْرَأَةٌ. قَالَ: لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً لَغَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ - يَعْنِي بِالْحِنَّاءِ) . حسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال في "عون المعبود":
" وَفِي الْحَدِيث شِدَّة اِسْتِحْبَاب الْخِضَاب بِالْحِنَّاءِ لِلنِّسَاءِ " انتهى.
وقال السندي:
" (لَوْ كُنْت اِمْرَأَة) أَيْ: لَوْ كُنْت تُرَاعِينَ شِعَار النِّسَاء لَخَضَّبْت يَدك " انتهى.
فلا يجوز للرجل أن يتزين بزينة النساء، فقد (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ) رواه البخاري (5885) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وروى أبو داود (4928) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا بَالُ هَذَا؟ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ! فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إِلَى النَّقِيعِ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يستحب للنساء والرجال تغيير الشيب بلون غير السواد، لقوله صلى الله عليه وسلم:
(غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد) سواء غَيَّره بالحناء أو غيره من الألوان الأخرى غير السواد، أما الخضاب بالحناء للزينة فهو من خصائص النساء ولا يجوز للرجال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، وأما استعمال الحناء بوضعه على بعض الجسم للعلاج من المرض - إذا كان فيه فائدة - فهو جائز للرجال والنساء " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/108) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم تخضيب الرجال بالحناء في مناسبات الزواج؟
فأجاب:
"يحرم على الرجل أن يختضب بالحناء في مناسبة الزواج أو غير مناسبة الزواج؛ وذلك لأن الخضاب بالحناء من خصائص النساء، فإذا فعله الرجل كان متشبها بالمرأة، وتشبه الرجل بالمرأة من كبائر الذنوب، كما أن تشبه المرأة بالرجل من كبائر الذنوب ...
وخلاصة الجواب: أن خضاب الرجل بمناسبة الزواج أو غيره محرم، بل من كبائر الذنوب؛ لما فيه من المشابهة بالنساء " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (11/ 415-416) .
أما خضاب الشعر بالحناء للرجال فلا بأس به؛ لما رواه الترمذي (1753) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُيِّرَ بِهِ الشَّيْبُ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ) . وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1631)
التعليق على ما يحدث في المنتديات من الطعن في الأنساب وإثباتها بغير بينة
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه الأيام يكثر الكلام في المنتديات على أن العائلة ليست من القبيلة الفلانية، وتردُّ العائلة بأنها من القبيلة، وتنفي، فهل ذلك يعتبر من الطعن في الأنساب، وهل التقصي عن النسب بغرض تقطيع الرحم التي بين العائلات محرم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التفاضل عند الله إنما يكون بالإيمان والتقوى، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات/ 13.
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أحمد (38/474) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2700) .
ثانياً:
مِن أمور الجاهلية التي حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم الفخر بالأنساب، والطعن في الأنساب.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّم، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَاب) رواه الترمذي (3890) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترمذي".
"والجُعَل": حشرة صغيرة سَوْدَاءُ يُقَالُ لَهَا الْخُنْفُسَاءُ.
ومعنى (يُدَهْدِهُ) : أَي: يُدَحرِجُه بِأَنْفِهِ.
وَ (الخِرَاءُ) : وَهو العذْرَةُ.
و (عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) : أَي: نَخْوَتَهَا، وَكِبْرَهَا.
وعن أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ) رواه مسلم (1550) .
وعَن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ) رواه مسلم (67) .
والطعن في الأنساب يشمل معنيين:
1- نفي نسب الرجل عن أبيه أو قبيلته.
2- شتم الأباء أو القبيلة، وذكر معايبهم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"الطعن في النسب: معناه التعيير بالنسب، أو أن ينفي نسبه، فمثلا يقول في التعيير: أنت من القبيلة الفلانية التي لا تدفع العدو، ولا تحمي الفقير، ويذكر فيها معايب، أو: مثلا يقول: أنت تدعي أنك من آل فلان، ولست منهم" انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (6/264) .
ثالثاً:
لا يحل للإنسان أن يدَّعي أباً غير أبيه، ولا قبيلة غير قبيلته، وفي الوقت نفسه لا يحل له الانتفاء من أبيه، أو من نسبه.
فعَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) رواه البخاري (6385) ومسلم (63) .
قال ابن دقيق العيد رحمه الله:
يدل على تحريم الانتفاء من النسب المعروف والاعتزاء إلى نسب غيره، ولا شك أن ذلك كبيرة لما يتعلق به من المفاسد العظيمة.
"إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (1/419) .
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ [نسب] فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (3317) ومسلم (61) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وفي الحديث: تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والإدعاء إلى غيره، وقُيِّد في الحديث بالعلم، ولا بد منه في الحالتين، إثباتاً، ونفياً؛ لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء، المتعمد له.
"فتح الباري" (6/541) .
رابعاً:
يجوز تعلم النسب من أجل زيادة الروابط والصلة بين الأسر، والقبيلة، فهذا مقصود شرعي حثت عليه الشريعة المطهرة، كما أن عكسه محرَّم، وهو نفي النسب عن الآخرين من أجل تقطيع الرحِم، فهذه نية آثمة يضاف إثمها إلى إثم الطعن في النسب.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ) رواه الترمذي (1979) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
(مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ) يَعْني: زِّيَادَةَ فِي الْعُمُرِ.
قال ابن عبد البر رحمه الله:
ولعمْري ما أنصف القائل: "إن عِلْم النسب عِلْم لا يَنفع، وجَهالة لا تضر"؛ لأنه بَيِّن نفعُه لما قدّمنا ذكره؛ ولما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كُفْرٌ بالله تبرُّؤ من نسب وإن دق، وكفر بالله ادعاء إلى نَسب لا يُعرف) - رواه أحمد وابن ماجه، وحسَّنه الأرناؤط والألباني -.
وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مثلُه.
"الإنباه عن قبائل الرواة" (ص 1) .
وعن جبير بن مطعم أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول على المنبر: (تعلموا أنسابكم، ثم صِلوا أرحامكم، والله إنه ليكون بين الرجل وبين أخيه الشيء، ولو يعلم الذي بينه وبينه من داخلة الرحم: لأوزعه ذلك عن انتهاكه) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (72) وحسَّنه الألباني في "صحيح الأدب المفرد".
خامساً:
الناس مؤتمنون على أنسابهم , فلا يحل لأحدٍ أن ينفي نسب أحدٍ دون بينة شرعية، وقد كثر في المنتديات مثل هذا النفي لأنساب الناس؛ عصبية، وجهلاً، والميزان عند بعض الناس الجنسية! فيظنون أن من كان من جنسية غير بلدهم أنه مدعٍ، وكاذب، إذا انتسب لقبيلة عريقة، أو لأهل البيت، ويغفلون أن تقسيم الأمة إلى دويلات لم يكن إلا حديثاً على أيدي المستعمرين، وأن القبائل العريقة قد هاجر بعض منهم إلى دول الإسلام لطلب الرزق، أو بسبب مصاهرة، أو جلاء بسبب دم، وخوفاً من الثأر، وكل ذلك محتمل، والأصل فيمن ادعى نسباً أنه مؤتمن على ذلك، ما لم تكن يثبت أنه كاذب.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أُثر عن الإمام مالك رحمه الله قول: "الناسُ مُؤْتَمَنُونَ على أنسابهم"، فهل هذا يعني عدم تكذيب من نَسَبَ نفسه إلى قبيلة معينة؛ لأنه هو المَعْنِيُّ بذلك وحده؟ .
فأجاب:
إذا اشتهر أن هذا الرجل ينتسب إلى القبيلة الفلانية: فلا حاجة إلى إقامة بيِّنة خاصة؛ لأن الاشتهار في هذا يكفي، فهو من الأمور التي يُشهَد عليها بالاستفاضة.
نقلها الشيخ خالد الجريسي في كتابه "العصبية القبلية من المنظور الإسلامي" (132) .
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله السؤال السابق – فأجاب:
معنى كلامه رحمه الله – يعني: الإمام مالكاً - أن الإنسان إذا انتسب إلى قبيلة، وانتمى إليها: فإنه يقبل ذلك منه، إذا كان محل ثقة، وصدق، وأمانة، ولا يشترط موافقة جميع تلك القبيلة؛ فقد يكون ممن نزح عنها، وقد بقي متمسكًا بنسَبه، حتى يعرف من هو أقرب إليه في الميراث، والولاء، ونحو ذلك، فإذا تسمّى إنسانٌ بأنه من قبيلة بني فلان: فإنه مأمونٌ على نفسه، ما لم يكن هناك دليل على خطئه، ونحوه.
المصدر السابق (136) نقلاً عن "الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية" (1460، 1461) .
وعلى هذا فلا يجوز أحد أن يطعن في نسب أحد، إلا إذا أقام البينة على ما يقول.
ولا يجوز أن يكون هدفه من ذلك: تقطيع الأرحام والصلات بين الناس، أو التشفي أو التعالي على الناس.
مع ضرورة حرص الجميع على الإيمان وتقوى الله تعالى، فبهذا يكون تفاضل الناس عند الله تعالى، فرُبَّ رجلٍ من أهل البيت نسباً، ولكنه فاجر فاسق، وربَّ رجلٍ أعجمي ليس من العرب وهو عند الله تقي.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يتقونه حق تقاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1632)
الجمع بين حديثي (لأعلمن أقواماً يأتون بحسنات) و (كل أمتي معافى إلا المجاهرين)
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نستطيع الجمع بين الحديثين الشريفين: (أناس من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال كجبال تهامة فيجعلها الله هباء منثوراً) ، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين إذا خلو بمحارم الله انتهكوها) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وبين قوله صلى الله عليه وسلم (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نص الحديثين موضع الإشكال:
أ. عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا) قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) .
رواه ابن ماجه (4245) ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه ".
الهباء في الأصل: الشَّيءُ المُنْبَثُّ الَّذي تَراه في ضَوْء الشمسِ.
محارم الله: هي كل ما حرَّمه الله تعالى من المعاصي، الصغائر، والكبائر.
ب. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) .
رواه البخاري (5721) ومسلم (2990) .
ثانياً:
قد استشكل كثير من الناس الجمع بين هذين الحديثين، وتعددت أماكن سؤالهم عن ذلك الجمع، ونذكر ما تيسر من أوجه الجمع بينهما، سائلين الله تعالى التوفيق، فنقول:
إن الذي دعا إلى استشكال الحديثين هو ما حواه معناهما مما ظاهره التعارض، فإن الحديث الأول ليس فيه أن أصحاب المعاصي قد جاهروا بمعاصيهم، وبمقتضى الحديث الثاني فهم " معافوْن "، فكيف تحبط أعمالهم، ويتوعدون بالسخط والعذاب؟! ومن هنا جاء الإشكال في ظاهر الحديثين، فذهب العلماء في الجمع بينهما مذاهب شتَّى، ومن ذلك:
1. القول بتضعيف حديث ثوبان، وقد علَّله بعضهم فضعَّف سنده بالراوي " عقبة بن علقمة المعافري "، وحكم على متنه بالنكارة.
أ. ويرد على تضعيف سنده:
بأن الراوي عقبة بن علقمة وثَّقه كثيرون، وممن وثقه: ابن معين، والنسائي، ومن حكم على رواياته بالرد فإنما هو إذا روى عنه ابنه " محمد "، أو روى هو عن " الأوزاعي "، وهذا قول الأئمة المحققين في حاله، وليست روايته في هذا الحديث عن الأوزاعي، ولا رواه عنه ابنه محمد، فالسند حسن على أقل أحواله.
ب. ويرد على نكارة متنه بأن له نظائر معروفة، كما في قوله تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) النساء/ 108.
وهو وإن لم يكن فيه حبوط أعمال أولئك بلفظ الآية، إلا أنه يُعرف ذلك بمعناها.
قال ابن كثير رحمه الله:
هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس؛ لئلا ينكروا عليهم، ويجاهرون الله بها؛ لأنه مطّلع على سرائرهم، وعالم بما في ضمائرهم، ولهذا قال: (وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) تهديد لهم، ووعيد.
" تفسير ابن كثير " (2 / 407) .
2. أن حديث ثوبان في المنافقين، وحديث أبي هريرة في المسلمين، فلا تعارض بينهما، لا سيما إذا حملنا النفاق هنا على النفاق العملي الذي لا ينافي أخوة الإيمان.
والواقع أن المتأمل في حال بعض من يقع في المنكرات هذه الأيام من أهل الخير والصلاح الظاهر، وباعتراف من يتوب منهم يجد عجباً، من ارتكاب ذنوب " الخلوات " بشكل يمكن إطلاق وصف " انتهاك " عليه! فمن هؤلاء من تكون خلواته في مشاهدة الفضائيات الفاسدة، والنظر في الإنترنت إلى مواقع الجنس الفاضح، واستعمال أسماء مستعارة للمحادثة والمراسلة مع الأجنبيات، ثم تجد هؤلاء لهم نصيب في الظاهر من الاستقامة، في اللباس، والصلاة، والصيام، ومن هنا كان هذا الحديث محذِّراً لهؤلاء أن يكون حالهم حال المنافقين، أو أن يكونوا أعداء لإبليس في الظاهر، أصدقاء له في السرِّ، كما قال بعض السلف.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
الكبيرة السادسة والخمسون بعد الثلاثمائة: إظهار زي الصالحين في الملأ، وانتهاك المحارم، ولو صغائر في الخلوة: أخرج ابن ماجه بسند رواته ثقات عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأعلمنَّ أقواماً مِن أمتي يأتون....) .
لأن من كان دأبه إظهار الحسن، وإسرار القبيح: يعظم ضرره، وإغواؤه للمسلمين؛ لانحلال ربقة التقوى، والخوف، من عنقه.
" الزواجر عن اقتراف الكبائر " (2 / 764) .
3. قوله صلى الله عليه وسلم (إِذَا خَلوا بِمَحَارِمِ الله) لا يقتضي خلوتهم في بيوتهم وحدهم! بل قد يكونون مع جماعتهم، ومن على شاكلتهم، فالحديث فيه بيان خلوتهم بالمحارم، لا خلوتهم مع أنفسهم في بيوتهم، فليس هؤلاء بمعافين، والمعافى الذي في حديث أبي هريرة الذي يظهر لنا أنه يفعل المعصية الغالبة عليه وحده، ولذا جاء في الحديث أنه شخص بعين، وأن ربَّه قد ستره، (يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ) ، وحديث ثوبان فيه الجمع (قوْم) و (خَلَوا) .
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:
الذي يبدو أن (خلوا بمحارم الله) ليس معناها " سرّاً "، وإنما: إذا سنحت لهم الفرصة انتهكوا المحارم، فـ " خلَوا " ليس معناها " سرّاً "، وإنما من باب " خلا لكِ الجو فبيضي واصفري ".
" سلسلة الهدى والنور " شريط رقم (226) .
7. وصف هؤلاء المذكورون في حديث ثوبان بأنهم "ينتهكون" محارم الله، وهو وصف يدل على استحلالهم لذلك، أو مبالغتهم فيها في هذه الحال، وأمنهم من مكر الله، وعقوبته، وعدم مبالاتهم باطلاعه عليهم. فلذا استحقوا العقوبة بحبوط أعمالهم، وليس الوعيد على مجرد الفعل لتلك المعصية، ولعله لذلك سأل ثوبان رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يجلِّي حال أولئك، وأن يصفهم؛ خشية أن يكونوا منهم، وهم لا يدرون، ومثل هذا إنما هو طلب لمعرفة حال قلوب أولئك العصاة، وليس لمعرفة أفعالهم مجردة.
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله:
أي: أن عندهم استهتاراً، واستخفافاً بالله عز وجل، فهناك فرق بين المعصية التي تأتي مع الانكسار، والمعصية التي تأتي بغير انكسار، بين شخص يعصي الله في ستر، وبين شخص عنده جرأة على الله عز وجل، فصارت حسناته في العلانية أشبه بالرياء، وإن كانت أمثال الجبال، فإذا كان بين الصالحين: أَحْسَنَ أيما إحسانٍ؛ لأنه يرجو الناس ولا يرجو الله، فيأتي بحسنات كأمثال الجبال، فظاهرها حسنات، (لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) فهم في السر لا يرجون لله وقاراً، ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى، بخلاف من يفعل المعصية في السر وقلبه منكسر، ويكره هذه المعصية، ويمقتها، ويرزقه الله الندم، فالشخص الذي يفعل المعصية في السر وعنده الندم، والحرقة، ويتألم: فهذا ليس ممن ينتهك محارم الله عز وجل؛ لأنه - في الأصل - معظِّم لشعائر الله، لكن غلبته شهوته، فينكسر لها، أما الآخر: فيتسم بالوقاحة، والجرأة على الله؛ لأن الشرع لا يتحدث عن شخص، أو شخصين، ولا يتحدث عن نص محدد، إنما يعطي الأوصاف كاملة.
مِن الناس مَن إذا خلا بالمعصية: خلا بها جريئاً على الله، ومنهم من يخلو بالمعصية، وهو تحت قهر الشهوة، وسلطان الهوة، ولو أنه أمعن النظر وتريث: ربما غلب إيمانُه شهوتَه، وحال بينه وبين المعصية، لكن الشهوة أعمته، والشهوة قد تعمي وتصم، فلا يسمع نصيحة، ولا يرعوي، فيهجم على المعصية فيستزله الشيطان، قال تعالى: (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) آل عمران/ 155، فإذا حصل الاستزلال من الشيطان، فزلت قدم العبد، لكن في قرارة قلبه الاعتراف بالمعصية، والله يعلم أنه لما وقع في المعصية أنه نادم، وأنه كاره لها، حتى إن بعضهم يفعل المعصية وهو في قرارة قلبه يتمنى أنه مات قبل أن يفعلها: فهذا معظِّم لله عز وجل، ولكنه لم يرزق من الإيمان ما يحول بينه وبين المعصية، وقد يكون سبب ابتلاء الله له أنه عيَّر أحداً، أو أنه عق والداً، أو قطع رحمه، فحجب الله عنه رحمته، أو آذى عالماً، أو وقع في أذية ولي من أولياء الله، فآذنه الله بحرب، فأصبح حاله حال المخذول، مع أنه في قرارة قلبه لا يرضى بهذا الشيء ... .
فالذي يعصي في السر على مراتب: منهم من يعصي مع وجود الاستخفاف، فبعض العُصاة تجده لما يأتي إلى معصية لا يراه فيها أحد: يذهب الزاجر عنه، ويمارسها بكل تهكم، وبكل وقاحة، وبكل سخرية، ويقول كلمات، ويفعل أفعالاً، ولربما نصحه الناصح، فيرد عليه بكلمات كلها وقاحة، وإذا به يستخف بعظمة الله عز وجل، ودينه، وشرعه، لكنه إذا خرج إلى الظاهر صلى، وصام، وإذا خلا بالمعصية لا يرجو لله وقاراً - والعياذ بالله - فليس هذا مثل من يضعف أمام شهوة، أو يفتن بفتنةٍ يراها، ويحس أن فيها بلاء، وشقاء، ويقدم عليها، وقلبه يتمعر من داخله، ويتألم من قرارة قلبه، ثم إذا أصاب المعصية ندم.
... .
فهذا الحديث – أي: حديث ثوبان - ليس على إطلاقه، وإنما المراد به: من كانت عنده الجرأة - والعياذ بالله -، والاستخفاف بحدود الله.
" شرح زاد المستقنع " (رقم الدرس 332) .
نسأل الله أن يحبب إلينا الإيمان، وأن يزينه في قلوبنا، ونسأله أن يبغِّض إلينا الكفر، والفسوق، والعصيان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/1633)
ظاهرة تعلق النساء بالمنشدين، بصورهم، وأصواتهم، الأسباب، والعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أمر يؤرقني كثيراً، وهو أنني مشترك في كثير من منتديات " الإسلامية، والتي فيها أقسام للنشيد الإسلامي "، وهي إسلامية – يفترض –، أكاد أجن من كثرة الأسماء والتعليقات التي أقرؤها، والتي تدل على شدة تعلق الفتيات والنساء، وفتنتهن بهؤلاء المنشدين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن تشريع الله تعالى للأحكام فيه حكَم جليلة، ومقاصد عظيمة، وفوائد نافعة، وهو سبحانه وتعالى أعلم بعباده، وهو أعلم بما ينفعهم فحثهم عليه، وبما يضرهم فنهاهم عنه.
ومن نعَم الله علينا أنه سبحانه أراد لنا الخير , وأراد لنا العفة، والطهارة الباطنية والظاهرية، وأراد لنا السلامة من الآفات، قال تعالى: (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) المائدة/ 6.
وحتى تتحقق الطهارة التي أرادها الله لعباده: فإنه شرع أحكاماً من تمسك بها تطهَّر، ومن تركها تلوَّث بقدر تركه، وتهاونه في الاستقامة عليها، ومن ذلك: أنه تعالى حرَّم خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية، وحرَّم الاختلاط بين الجنسين؛ وحرَّم نظر الرجال إلى النساء الأجنبيات , ونظر النساء إلى الرجال الأجانب، كما قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) النور/ 30، 31.
ولا شك في تحريم هذا النظر، لا سيما إذا اقترن بشهوة، وإعجاب.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(ذَلِكَ) الحفظ للأبصار والفروج، (أَزْكَى لَهُمْ) أطهر، وأطيب، وأنمى لأعمالهم؛ فإنَّ من حفظ فرجَه، وبصرَه: طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش، وزكت أعماله، بسبب ترك المحرم، الذي تطمع إليه النفس، وتدعو إليه، فمن ترك شيئا لله: عوَّضه الله خيراً منه، ومن غض بصره عن المحرم: أنار الله بصيرته؛ ولأن العبد إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته، مع داعي الشهوة: كان حفظه لغيره أبلغ، ولهذا سماه الله حفظاً، فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه، وعمل الأسباب الموجبة لحفظه: لم ينحفظ، كذلك البصر والفرج، إن لم يجتهد العبد في حفظهما: أوقعاه في بلايا ومحن.
" تفسير السعدي " (ص 565) .
وقال ابن القيم - رحمه الله -:
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولِّد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تَقْوَى فتصبر عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده ".
" الجواب الكافي " (ص 106) .
وهذا هو واقع من يتعلق قلبها بمغنٍّ، أو لاعب، أو ممثل، أو يتعلق قلبه بمغنية، أو ممثلة، فإن حالهم لا يخفى، فقلوبهم امتلأت بالحسرات، وقد أدمنوا التفكير في اللقاء، والمشاهدة لصورة معشوقهم، وقد يموت بسبب كمده، وحزنه، وكم وقع أولئك في الكبائر لأجل هذه التعلق القلبي، وحال تلك الأوساط العفنة غير مستور.
والذي يؤلمنا أشد الإيلام: أن تنتقل تلك الأمراض ذاتها بين بعض الملتزمات من الأخوات، وقد توصل الشيطان إلى إيقاعهن في ذات الفتنة التي أوقع غيرهن من التعلق باللاعبين، والممثلين، والمغنين، ولكن لأنهن ملتزمات – في الظاهر – فإنه أوقعهن في التعلق بالمنشدين! والحال هو الحال، بل هو أسوأ؛ لأنه صادر من مدعية للالتزام، والاستقامة، وانظر إليها كيف رضيت لنفسها بلقب " عاشقة فلان "! وانظر إلى الأخرى كيف نذرت نفسها لتجميع صور معشوقها على جوالها حتى بلغ عددها (300) صورة، وهلم جرا!!
وقد تجرأ هؤلاء على تلك المعاصي بسبب عدم وجود الواعظ الداخلي الذي ينهاهم عن الفحشاء والمنكر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مبيِّنا خطورة الافتنان بأصحاب الخلقة الجميلة -:
ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله، وضعف الإيمان , والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة , وعن قوم لوط المشركين، والعاشق المتيم يصير عبداً لمعشوقه، منقاداً له، أسير القلب له.
"مجموع الفتاوى" (15 / 293) ، وينظر: "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" (1 / 64) .
وما قاله أولئك العلماء الأعلام في عشق الصور يقصد به " التعلق بالهيئة "، والتصور لها في الذهن دوماً، ولم يكن في زمانهم هذه الصور المطبوعة على أوراق بأبهى الألوان، وأحسن الأشكال، وبحركات مختلفة للمصوَّر المعشوق! ولا شك أن هذه الصور داخلة في كلامهم رحمهم الله، وقد نقلنا في أكثر من إجابة عن العلماء المعاصرين تحريم الصور الفوتوغرافية لذوات الأرواح، وخاصة إذا ترتب على تلك الصور فتنة، فهذا مما لا خلاف في حرمته بين أحدٍ من أهل العلم.
وانظر جواب السؤال رقم: (112019) لمعرفة حكم التصوير الفوتوغرافي.
ثانيا:
من أسباب فتنة النساء بالمنشدين – كذلك -: الصوت الحسن، وهو هنا صوت "المنشد" والذي لا يختلف كثيراً عن " المغني "، وتحصل الفتنة في هيئته، وفي حركاته، وفي المؤثرات المستعملة مع نشيده، مما يكون له أبلغ الأثر في افتتان النساء.
ولذلك أنكر العلماء النشيد المعاصر الذي انتشر حتى صار فتنة من فتن العصر، فبعد أن كانت الأناشيد ذات معان إيمانية، أو جهادية، أو علمية: صارت الآن – في كثير منها – مشابهة لأغاني الفسَّاق، من حيث ترقيق الصوت، ووضع صورة المنشد على غلاف الشريط، وعمل الفيديو كليب معها، وأحسنهم حالاً من يستعمل المؤثرات التي تشبه في صوتها وأثرها الآلات الموسيقية، ولم يعُد للمعاني أي اعتبار، بل يُبحث عن اللحن والمؤثرات.
وقد سبق الكلام عن ذلك في جوابي السؤالين: (91142) و (129938) .
ثالثا:
كما حذَّرنا النساء من مغبة الوقوع فيما حرَّم الله عليهم، من النظر المحرم، والتعلق المحرَّم، والعشق المحرَّم: فإننا نحذِّر المنشدين المعاصرين، وأنهم يتحملون وزراً كبيراً بما يحدث من تعلق النساء بهم، فنشيدهم أقرب لأغاني الفساق، ولباسهم وحركاتهم في النشيد تدفع النساء للفتنة بهم، مع ما يضعه بعضهم من مساحيق التجميل! ، ولا شك أن ظهورهم بهذه الطريقة لا يجوز.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وأبلغ من ذلك: أنه – أي: عمر بن الخطاب - نفى مَن شبَّب به النساء، وهو " نصر بن حجاج "، لمَّا سمع امرأة شببت به، وتشتهيه , ورأى هذا سبب الفتنة، فجزَّ شعره؛ لعل سبب الفتنة يزول بذلك، فرآه أحسن الناس وجنتين، فأرسل به إلى البصرة، ثم إنه بعث يطلب القدوم إلى وطنه ويذكر ألا ذنب له، فأبى عليه، وقال: " أمَا وأنا حي: فلا "؛ وذلك أن المرأة إذا أُمرت بالاحتجاب، وترك التبرج، وغير ذلك مما هو من أسباب الفتنة بها ولها: فإذا كان في الرجال من قد صار فتنة للنساء: أُمر أيضا بمباعدة سبب الفتنة، إما بتغيير هيئته , وإما بالانتقال عن المكان الذي تحصل به الفتنة فيه؛ لأنه بهذا يحصن دينه، ويحصن النساء دينهن.
" الاستقامة " (1 / 362) .
خامساً:
من رامت من الأخوات النجاة بنفسها، ودينها، من تلك الفتنة الطاغية، من التعلق بالصور، وأصحابها، وأصواتهم، ورامت المحافظة على قلبها من الأمراض: فلتتخلص مما معها من صور لذلك المنشد وغيره، ولتقطع السماع له بالكلية – حتى لو قرأ القرآن! -، ولتغيِّر من لقبها الفاحش، والذي عبَّرت فيه عن مكنونها تجاهه، ولتبدأ ببرنامج تجلية لقلبها، بسماع القرآن، ودروس العلم، مع التعجيل بالزواج؛ فإنه الحل الشرعي لصرفها عن التعلق المحرم، ولتملأ حياتها بالنافع المفيد، وبعدها فسيكون في قلبها البغض لتلك الصور، وتلك المعاصي، وليكن ذلك قبل أن يفوت عليها الوقت.
وهذه وصايا، ونصائح، من شيخ الإسلام ابن تيمية، لمن أراد إبراء نفسه من سهام إبليس.
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عمن أصابه سهم من سهام إبليس المسمومة؟ .
فأجاب:
مَن أصابه جرح مسموم: فعليه بما يخرج السم، ويبرئ الجرح بالترياق، والمرهم، وذلك بأمور، منها:
الأول: أن يتزوج، أو يتسرَّى؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نظر أحدكم إلى محاسن امرأة فليأت أهله فإنما معها مثل ما معها) ، وهذا مما ينقص الشهوة، ويضعف العشق.
الثاني: أن يداوم على الصلوات الخمس، والدعاء، والتضرع وقت السحر، وتكون صلاته بحضور قلب، وخشوع، وليكثر من الدعاء بقوله: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك وطاعة رسولك "؛ فإنه متى أدمن الدعاء، والتضرع لله: صرف قلبه عن ذلك، كما قال تعالى (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) يوسف/ من الآية 24.
الثالث: أن يبعد عن مسكن هذا الشخص، والاجتماع بمن يجتمع به، بحيث لا يَسمع له خبراً، ولا يقع له على عين ولا أثر، فإن " البُعد جفا "، و " متى قلَّ الذِّكر ضعف الأثر في القلب "، فليفعل هذه الأمور، وليطالع بما تجدد له من الأحوال.
" مجموع فتاوى ابن تيمية " (32 / 5، 6) .
سادساً:
1. على الأخ السائل أن يَحْذر من تلك المنتديات، إذا كان يخشى من الافتتان، أو التأثر بها، وليقتصر على المنتديات التي تخلو من تلك المخالفات؛ وكذلك عليه أن لا ييأس من واجب النصح والتذكير؛ فالدين النصيحة.
2. والنصيحة لمسئولي تلك المنتديات، والمشرفين عليها: أن يتقوا الله تعالى , وأن يعلموا أن الله سائلهم عما استرعاهم عليه، فعليهم أن يجنبوا منتدياتهم وسائل الفتنة، وأسبابها، من عرضٍ لتلك الصور , وتلك " المقاطع " - الكليبات - والتي يترتب عليها مفاسد كثيرة.
والله نسأل أن يثبتنا، وإياكم , وأن يصرف عنا وعنكم الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1634)
انتكاسة شاب ملتزم بعد خطبته، الأسباب، والعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مقبل على الزواج من إحدى قريباتي التي التقيت بها لأول مرة عندما ذهبت لخطبتها، برغبة شديدة، ومباركة من أهلي , وقد كنت - تقريباً - موافقاً عليها قبل أن أراها , وقد زادت رغبتي في الزواج منها عندما شاهدتها لأول مرة، حيث شعرت بقبول قلبي الشديد لها؛ حيث كان أحد أصحابي الملتزمين قد أوعز لي بأهمية النظرة الأولى , وقد برزتْ أمامي بملابس بيتها، كاشفة شعرها، ويديها، وشيئاً من صدرها , وكانت تلبس البنطال , وكان ذلك بوجود أهلها , وكان من أبرز ما بهرني بها: جمالها - ما شاء الله - , وأدبها الكبير , وحياؤها , وسمعتها الطيبة بكل ما سبق، عند كل من سألته من أهلي عنها , ومما شجعني على الزواج منها: اشتهار والدها برجولته , وقراره الحازم , وكذلك أخلاق أمها التي لم أجد أحسن منها فيما أعلم من النساء. حالي قبل الزواج: أنا شاب ملتزم، وألقَّب بين غالب الناس بـ " الشيخ " خاصة في عملي كمهندس. صاحب لحية على السنَّة، حوالي أكثر من قبضة بقليل، أكره مساسها، إلا شيئاً بسيطاً. لا ألبس البنطال إلا في عملي فقط، دائما بالثوب. ثوبي كله على السنَّة فوق الكعب. أحفظ القرآن، وملتزم بحلقات لذلك. أكره سماع الأغاني، والمسلسلات، والأفلام , وأكره كل ذلك، في الأعراس، وغيرها، وحتى في نغمات الجوال. لا أحب ما يسمَّى بـ " الأناشيد الإسلامية " , ولا أعترف بجوازها , وأكره محترفها. أحارب البدع القولية، والفعلية، ما استطعت. أكره التصوير كله، سواء كان فيديو، أو فوتوغرافيا , وأكره تخليد الذكرى به. أحترم المنقبات , ولا أوافق أبداً وأبداً على أن تكون زوجتي غير ذلك , وبالنقاب الكامل الذي لا يظهر أي شيء منها أبداً. أحاول بكل وسيلة أن أَظهر بكل مظاهر الالتزام. حالي الآن بعد الخطبة، وقبل الزواج: أكره أن ألقب بـ " الشيخ " , وقد أوعزتُ إلى أكثر من يعملون معي بهذا , ولكن دون ذكر سبب صريح لذلك , وتضايقت من أمي لأنها وصفتني بذلك عند أهل زوجتي قصرت لحيتي شيئا فشيئا , وأرغب في تقصيرها أكثر من ذلك , ولكن أخشى الناس وكلامهم. أصبحت أحاول لبس البنطال أكثر , وخاصة الرياضي , وأحاول اعتماد ذلك حيث أظن زوجتي تحب ذلك. طولت ثوبي – الدشداشة - ولكنها باقية فوق الكعب، أما البنطال: فصار طويلاً، لا يراعي كعباً، ولا غيره , وأرى ذلك يوافق عادات الناس التي لا تؤثر كثيراً على الالتزام. أحب لو أني أسمع الأغاني , ولا أمنع أحداً من أهلي، أو غيرهم من سماعها، وأعطيت زوجتي الإذن بذلك , ولكن طلبت منها عدم المبالغة , وتركت تقدير ذلك لها , وفي حفلة خطوبتي: سمحتًُ بكثير من الأغاني، بخلاف ما كنت أدندن عليه ولفترة طويلة من تشددي في ذلك. وزد على هذا: دخلتُ عند النساء في خطبتي، حتى مجرد الاعتراض على ذلك لم أبده، بل فرحت كثيراً عندما أبدت زوجتي فخرها بذلك أمام زميلاتها اللواتي لم يتوقعن ذلك مني. أصبحت أحضر أي عرس أدعى إليه , ولا أنكر المنكر حتى بقلبي! وأحب بعض النغمات في الجوال. أرى أن بعض البدع القولية والفعلية مبالغة فيما لا داعي له , وقدر المستطاع لا أنكر حتى إن رأيت زوجتي تشرب باليسرى، فاستحسنت ذلك بنفسي. أحب التصوير، وأحاول إشاعة عدم إنكاري لهذا بين الناس , وأكرر على زوجتي كثيراً رغبتي في كثرة التصوير في عرسنا، وهي سعيدة بهذا. لا أحب أن تكون زوجتي منقبة , ولكني لم أصرح بهذا لها , ولكني أظنها فهمت ذلك مني حيث كانت قد وافقت على النقاب على مضض؛ فمنحتها فرصة أخرى للتفكير، مع أني اشترطت عليها ذلك وقت الخطبة، فوافقت هي وأمها، ثم أحسستُ منها كره ذلك، فكرهته. في أحد مكالماتي لها قالت: أحب أن أكون مثل الناس الذين أعايشهم، فأحسست بنقص شديد؛ لأني كنت ضد الناس في كثير من المواقف. كل هذا الانقلاب حدث في حوالي شهرين! ماذا حدث لي؟ ما الحل؟ أين الحق؟ لا أعرف، أو لا أكترث كثيراً إن عرفت! لماذا لا أعرف؟ أنا في حيرة عظيمة، حيث يأتيني أحيانا قليلة هاجس الفشل والضعف أمام كل الناس , وأرغب في الرجوع لسابق عهدي. هل لزواجي العامل الأكبر في ذلك، أم ماذا؟ أفيدوني، أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. أخي الكريم والله إنا لنستشعر منك محبة الدين، والاستقامة , وقد أثلجت صدورنا في بداية السطور من حبك للطاعات، والقربات، ثم - والله - أحسسنا بحزن، ومرارة، لما صار بك الحال بعد خِطبتك، فنسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك , وأن ينير لك دربك , وأن يصرف عنك استدراج الشيطان.
2. وكل من يقرأ سردك للأحداث التي جرت معك، وما صرت إليه من حال بعد حالك الأول: يجزم أنك وقعت في " فتنة "، ولعلك لا تخالفنا في ذلك، وما حصل معك من تغيير في الحال، والأحكام: هو دليل على حصول الفتنة في حياتك، وقد تنبه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان لمثل هذا، وهو الخبير بالفتن، وأهلها؛ لعلو مكانته من النبي صلى الله عليه وسلم، حتى صار أميناً على سرِّه، مع اهتمامه بأحاديث الفتن أن يعيها، ويحفظها، فماذا قال ذلك الصحابي الجليل عن مثل حالك أيها السائل؟ .
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: مَن أحب أن يعلَم أصابتْه الفتنة أوْ لا: فلينظر، فإن رأى حلالاً كان يراه حراماً، أو يرى حراماً كان يراه حلالاً: فليعلم أن قد أصابته.
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 88) والحاكم في " المستدرك " (4 / 514) .
وهذا هو عين ما حصل معك من تقلب حالك في أحكام: قصر الثوب، واللحية، والموسيقى، والنقاب للمرأة، والاختلاط، وإنكار المنكر، وغير ذلك مما تعلمه، ولا نعلمه.
بل لا نظن أنك تحتاجنا أن نقيم لك الأدلة على أن ما صار إليه حالك، والعياذ بالله، هو ضلالة بعد هدى، وانتكاسة بعد صلاح حال، نسأل الله أن يردك إلى ما يحب، وأن يصلح لك شأنك:
دَخَلَ أَبُو مَسْعُودٍ البدري رضي الله عنه عَلَى حُذَيْفَةَ، فَقَالَ: اعْهَدْ إِلَىَّ!!
فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ يَأْتِكَ الْيَقِينُ؟
قَالَ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّى!!
قَالَ: فَاعْلَمْ أَنَّ الضَّلاَلَةَ حَقَّ الضَّلاَلَةِ، أَنْ تَعْرِفَ مَا كُنْتَ تُنْكِرُ، وَأَنْ تُنْكِرَ مَا كُنْتَ تَعْرِفُ، وَإِيَّاكَ وَالتَّلَوُّنِ فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ وَاحِدٌ!!
رواه عبد الرزاق في مصنفه (11/249) والبيهقي في السنن الكبرى (10/42) .
لذا: فالواجب عليك أن تعلم الداء الذي أصابك، ثم تنقذ نفسك من آثاره السيئة، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم، ونحن على ثقة بأنك إن صدقتَ مع ربك تعالى في حب النجاة مما أنت فيه من فتنة، أنه تعالى سينجيك من تلك الفتن، ويأخذ بيدك إلى برِّ الأمان.
3. وإذا أردت النجاة من تلك الفتن: فاعلم أنك بحاجة لدوافع قوية تدفع بها تلك الشرور التي دخلت في قلبك، وعقلك، ونحن نوصيك بأشياء نرجو أن يكون لها حظ عندك في العمل، لا بمجرد العلم بها، ومن ذلك:
أ. الدعاء، فاختر آخر الليل لتقوم بين يدي ربك تعالى تناجيه بالعبادة، وتدعوه بأن ينجيك من الفتن، ما ظهر منها، وما بطن، وأن يحبب إليك الإيمان، ويزينه في قلبك، وعلى جوارحك، وأن يكرِّه إليك الكفر، والفسوق، والعصيان.
ب. العلم، وفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، كما يروى عن ابن عباس، فاحرص على تعلم دينك؛ فإن من شأن العلم الشرعي النافع أن يحفظ أهله من الزلل؛ لما يعلمونه من قصَر هذه الحياة، وعدم بقائها، وأن الموت حق لا ريب فيه.
ج. الطاعات، والأعمال الصالحة، وإنك لو تأملت نفسك لرأيت أن بداية التقصير والفتنة عندك في حياتك قد سبقها تقصير في طاعة الله، والقيام بالأعمال الصالحة، فارجع لأحسن من سابق عهدك، واجعل لنفسك ورد قراءة للقرآن والأذكار، وورد أعمال صالحة تقوم بها في ليلك، ونهارك.
د0 الصحبة الصالحة، فللصحبة الصالحة التقية الطيبة أثرها البالغ في حياة الشخص واستقامته، وقد قال الله تعالى في كتابه: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) الكهف/28.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ) . رواه الإمام أحمد في مسنده (21524) ، وقال محققوه: حسن لغيره.
هـ. الخوف من سوء الخاتمة، وأنت تعلم بأنه ليس كل مسلم يوفق لحسن الخاتمة، بل المسلم يموت على ما يعيش عليه، فاحذر من فوات وقت التوبة عليك، فلا تدري متى كتب الله عليك الموت، والدنيا دار عمل، لا جزاء، وغدا تقبل على دار جزاء، لا عمل.
4. اعلم أيها الأخ السائل: أنه لا سعادة تعدل سعادة الإيمان، والقرب، من الرحمن , ولذة الطاعة والعبادة؛ فالتقي هو السعيد , والمستقيم هو المطمئن المستريح؛ وكل سعادة خلت من إيمان وتقوى: فوالله إنها بهرج، وزخرف، وغرور، عن قريب تزول.
5. الأصل أن الزواج مكمل لدين المرء لا منقص له , كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن رَزَقهُ الله امْرَأَةً صَالِحةً فَقدْ أَعَانَه الله على شَطْرَ دِينِهِ فَلْيتقِّ الله فِي الشَّطْر الثاني) .
(مَن رَزَقَهُ اللَّهُ امرَأَةً صَالِحَةً فَقَد أَعَانَهُ عَلَى شَطرِ دِينِهِ، فَليَتَّقِ اللَّهَ فِي الشَّطرِ الثَّانِي)
رواه الحاكم في "المستدرك" (2 / 175) والطبراني في " الأوسط " (1 / 294) ، وحسَنه الألباني في " صحيح الترغيب " (2 / 192) .
ومما يعين على ذلك: اختيار الزوجة الصالحة لتكون شريكة لك في بناء أسرة طيبة، مع إعانتها لك على طاعة ربك، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) رواه مسلم (1467) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
قال النووي - رحمه الله -:
وفي هذا الحديث: الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم.
" شرح مسلم " (10 / 52) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
وقال صلّى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، وجمالها، وحسبها، ودينها، فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يمينك) لما فيها من صلاح الأحوال، والبيت، والأولاد، وسكون قلب الزوج، وطمأنينته، فإن حصل مع الدين غيرُه: فذاك، وإلاَّ فالدِّين أعظم الصفات المقصودة، قال تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ) النساء/ 34.
" بهجة قلوب الأبرار " (ص 91) .
ولمعرفة صفات المرأة ذات الدين: انظر جواب السؤال رقم: (96584) .
والزوج المتزوج من امرأة صالحة فإنه يجد منها تشجيعاً إن فعل طاعة، ويجد منها نصحاً وتذكيراً إن هو انحرف عن طريق الهداية، ولعل الضعف الذي أصابك بعد الخطبة إن لم تكن خطيبتك هي سببه: فإنها لم تدلك على الخير، ولم تنصحك بما هو صواب من أفعالك، بل كان منها مباركة لما وقعت فيه من مخالفات، وكان منها تشجيع على التخلي عن صفات الخير، وأنت بذلك تدفع ثمن اختيارك، ولا ندري عن ميزانك في الاختيار، وأنت ادعيت أنك كنت ملتزماً، فكيف قبلتَ أنها تلبس البنطال أمامك، وأمام أبيها، أو أشقائها، وغير خافٍ أن البنطال مفصِّل للعورة، ولا يجوز إظهاره أمام محارم المرأة، فضلاً عن إظهاره أمام من جاء يخطبها! .
6. حقيقة الجمال هي جمال الأخلاق الظاهرة والباطنة، والجمال الظاهر يزول مع الأيام , ولكن الذي يبقى هو جمال الروح، والأخلاق، والدين، والاستقامة، فليست الحياة الزوجية قائمة - فقط - على الجمال، والإعجاب، بل لا بدَّ للمسلم العاقل أن ينظر بعين بصيرته إلى ما هو أبعد من ذلك، من إعانة على طاعة الله , وإلى حفظ بيته في غيابه، وإلى تربية أولاده تربية إسلامية، وإلى غير ذلك.
7. وعلى ذلك أخي السائل: إذا كان سبب انتكاستك وتحول حالك , هو قلة التزام خطيبتك , وأن تغير حالك بعد الخطبة بسبب محاولة إرضائها والحصول على حبها وقربها: فاعلم أنك موهوم، ولن تشعر براحة البتة، بل سوف يزداد الأمر عندك ألماً، وحسرةً، وكدراً بعد الزواج , وخاصة بعد أن تنال مطلوبك منها , والذي رغبك في زواجك منها، ثم سوف تتحول هذه الرغبة إلى كره , ومقت , وألم , ومحاولة الخلاص منها؛ إذا بقي في قلبك داع يطلب أن تكون ما كنت عليه قبل الزواج.
وأما إذا زال من قلبك استحسان ما كنت عليه من الطاعة، ولم تبق نفسك تنازعك إلى العودة إلى ربها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأحسن الله عزاء المسلمين فيك!!
8. فالنصيحة لك - أخي السائل - أن تصلح نفسك أولاً، لتعود إلى سابق عهدك، بل أفضل، ولا تظنن نفسك أنك على هدى، وطريق مستقيم، بل ما ذكرتَه لنا كافٍ للحكم عليك بوقوعك في فتنة عظيمة، وما ذكرتَه لنا يدل أن الأمر عندك لم يقف عند حدٍّ، بل هو مستمر، وهذا خطير جدّاً عليك، فيُخشى أن يكون انتقالك من فتنة إلى أختها، ومن معصية إلى مثلها: أن تقع في فتنة الدين – لا قدَّر الله -، ولا تظنن هذا بعيداً عنك، ولا عن غيرك، فالشيطان أحرص ما يكون على هذه الفتنة، وهو لا يترك المسلم لينجح معه في هذه الفتنة حتى النزع الأخير.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لِرَبِّهِ بِعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي بَنِي آدَمَ مَا دَامَتْ الْأَرْوَاحُ فِيهِمْ فَقَالَ اللَّهُ فَبِعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَبْرَحُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي) .
رواه أحمد (17 / 344) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب " (1617) .
وانظر جواب السؤال رقم: (23425) ففيه بيان خطر المعصية، وأثرها على صاحبها.
9. ثم بعد أن تصلح حالك: حاول تقريب خطيبتك إلى حياة الالتزام، والطاعة، فإن لمست منها استجابة: وإلا ففي خلاصك منها راحة، إن شاء الله , وسلامة لدينك، واستقامتك. ولا يلزم من ذلك طعن بها، أو في أهلها , ولكن الرجل العاقل الملتزم يبحث عما يعينه على طاعة الله , ويقربه من رضى الرحمن، فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: " أُنْزِلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا أُنْزِلَ، لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ، فَقَالَ: (أَفْضَلُهُ: لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ) رواه الترمذي (3094) وحسَّنه، وابن ماجه (1856) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال المباركفوري - رحمه الله -:
(وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه) أي: على دينه، بأن تذكره الصلاة، والصوم، وغيرهما من العبادات، وتمنعه من الزنا، وسائر المحرمات.
" تحفة الأحوذي " (8 / 390) .
وعن سعد بن أبي وقاص قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاَثَةٌ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاَثَةٌ، مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ السُّوءُ وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ) . رواه أحمد في مسنده (1 / 168) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1914) .
نسأل الله أن يوفقك لطاعته , وأن يعينك على الالتزام بأوامره , وأن يرزقك الزوجة الصالحة التي تعينك على أمر دينك ودنياك , وأن يصرف عنك كيد الشيطان واستدراجه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1635)
ظاهرة الإيمو
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك ظاهرة غريبة بدأت تنتشر في المجتمعات العربية والإسلامية هذه الأيام بين الشباب فهم يلبسون ملابس غريبة وقاتمة، وتسمى ظاهرة " الإيمو " فما رأيكم في هذه الظاهرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
"الإيمو" ظاهرة بدأت أوائل التسعينيات , وهي عبارة عن فرَق موسيقية كانت تغني أغاني عاطفية؛ كان لها أثر في جذب الأطفال، والشباب، الذين يشعرون بالحرمان، والهجران , فانبثق عن ذلك فرقة تُعنى خاصة بأغاني الأطفال , وقد سميت باسم فرقة (Weezer) اشتهرت أغانيها بين الأطفال، والشباب، حتى حصل قائد هذه الفرقة على لقب "آلهة الإيمو" , وقد تميزت هذه الفرق وأتباعها بلباس معين، وشكل معين مميز، فالملابس ضيقة، والشعور داكنة محترقة , والمكياج خاص , وقد اكتنف هذه الفرقة جو من الغموض والسرية ظهر بعد ذلك في حادثة أثارت الرأي العام؛ وهي حادثة انتحار فتاة تدعى "هنا بوند"، تنتسب لهذه الفرقة , وقد تبين أن لهذه الموسيقى - "الإيمو" - سبب في إقدامها على الانتحار.
فقد تبين خلال التحقيق أن هذه الفتاة كانت تناقش روعة الانتحار في صفحتها على الإنترنت؛ بل شرحت لوالديها بأن إيذاءها لنفسها كان فقط جزءً من كونها "إيمو".
وعلى إثر هذه الحادثة: خرجت تقارير تبيّن خطر فرق " الإيمو " , وأثرها على الأطفال، والمراهقين , وخصوصاً من يعيش اليتم والحرمان , فقامت بعض الدول بمنع هذه الفرق , وحظرت أي شكل من أشكال "الإيمو".
ثم تطورت هذه الفرق الموسيقية إلى اتجاه سلوكي , حتى صارت السمة البارزة لهذه الفرقة: إيذاء النفس، بتشريط، وتقطيع الجسم، عند المعصم، أو الذراع، أو الساق، أو البطن، أو القيام بحرق الجسم بسيجارة، أو كبريت مشتعل.
والدافع لهذا الإيذاء: محاولة لتحمل الألم العاطفي، أو الضغط الشديد من قبَل والديهم - مثلاً - أو المشاكل في العلاقات والحب.
وقد تكون نتيجة لمشاعر قوية لا يعرف الشخص كيف يعبر عنها، كالغضب، والألم، والعار، والاستياء، أو الإحباط، أو لفراغ روحي تكون نهايته الإيذاء والانتحار.
ثانياً:
لا شك أن هذه الظاهرة نتيجة مؤكدة لما يعيشه من حرم نور الإيمان، والهداية , وتوكيداً لما بيَّنه الله سبحانه وتعالى في كتابه من الوعيد لما أعرض عن صراطه , قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) طه/ 124- 126.
قال ابن كثير رحمه الله:
" (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق، حَرج؛ لضلاله، وإن تَنَعَّم ظاهره، ولبِس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء؛ فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين، والهدى، فهو في قلق، وحيرة، وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة" انتهى.
"تفسير ابن كثير" (5/323) .
ولمعرفة مزايا دين الإسلام: ينظر جواب السؤال رقم: (219) .
ثالثاً:
هذه الظاهرة تبين خطورة الموسيقى، وأثرها على الإنسان، حتى يخرج عن المألوف من الطباع، وتقوده إلى الجنون، والانتحار , ولا عجب في ذلك، فهي تصنع ما تصنعه المسكرات حتى كان يسميها السلف "خمرة العقل".
قال يزيد بن الوليد: يا بني أمية، إياكم والغناء؛ فإنه يُنقص الحياء، ويَزيد في الشهوة، ويهدم المروءة , وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السُّكر.
انظر: "إغاثة اللهفان" لابن القيم (1/246) .
قال ابن القيم رحمه الله:
"ومن المعلوم: أن الغناء من أعظم الدواعي إلى المعصية، ولهذا فُسِّر صوت الشيطان به" انتهى.
"إغاثة اللهفان" (1/255) .
ولمعرفة أقوال العلماء في " الموسيقى ": ينظر جواب السؤال (5011) .
رابعاً:
علاج الهم، والكرب، واليأس، والإحباط: يكون بطاعة الله سبحانه، والالتجاء إليه , وليس في معصيته , فراحة القلب، وسروره، وزوال همومه، وغمومه، والحياة الطيبة، والابتهاج: لا يمكن اجتماعها كلها إلا لأهل الإيمان، وطاعة الرحمن، قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/ 28، وقال تعاى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) الأنعام/ 82.
ولمعرفة أسباب السعادة، والأمور التي يدفع بها المرء عن نفسه الهم، والحزن: يراجع جواب السؤال: (22704) .
خامساً:
لا شك أن الله حرَّم إيذاء النفس، وحرَّم الانتحار , وجعل الانتحار من كبائر الذنوب , ووعد فاعله بالعذاب الشديد، قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) النساء/ 29، 30.
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِى عَبْدِى بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) رواه البخاري (3276) ومسلم (113) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهْوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ تَحَسَّى سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسَمُّهُ فِي يَدِهِ، يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ، يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَداً) رواه البخاري (5442) ومسلم (109) .
سادساً:
هذه الظاهرة تبين أثر تضيع الوالدين لأولادهم , وعاقبة الإهمال لهم، حتى يلجأ الأطفال في البحث عن أفعال لنسيان الحرمان، والإهمال , والبحث عن بدائل لحنان، وحب الأهل.
قال ابن القيم رحمه الله:
"فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنُنه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً" انتهى.
"تحفة الودود" (ص 229) .
والله سبحانه نسأله أن يحفظنا وإياكم، وأولادنا، وذرارينا من كل سوء , وأن يهدي كل ضال من المسلمين ويعيده إلى طريق الاستقامة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1636)
هل صح حديث في الوضوء عند الغضب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صح حديث في الوضوء عند الغضب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى الإمام أحمد في "المسند" (29/505) وأبو داود (4784) من طريق إبراهيم بن خالد، قال حدثنا أبو وائل صنعاني مرادي، عن عروة بن محمد، عن أبيه عن جده عطية بن عروة السعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ)
وهذا الحديث ضعيف، ضعفه النووي رحمه الله في "الخلاصة" (1/122) ، وضعفه محققو مسند أحمد في طبعة الرسالة، وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" وهذا إسناد ضعيف، عروة بن محمد وأبوه هما عندي مجهولا الحال، ولم يوثقهما غير ابن حبان على قاعدته! [يعني: في توثيق المجهولٍ] وقد قال الحافظ في الأول: "مقبول" يعني عند المتابعة، وقال في أبيه: "صدوق". ولو أنه عكس لكان أقرب إلى الصواب عندي، فإن هذا قال الذهبي فيه: "تفرد عنه ولده الأمير عروة " فكيف يكون صدوقا، سيما ولم يوثقه من يعتبر توثيقه؟ وأما عروة فقد روى عنه جماعة لكنه لم يوثقه غير ابن حبان كما ذكرنا، فبقي على الجهالة" انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (581) .
وقال رحمه الله:
" الحديث روي عن معاوية بلفظ: (الغضب من الشيطان، والشيطان من النار، والماء يطفئ النار، فإذا غضب أحدكم فليغتسل) .
رواه أبو نعيم في "الحلية" (2/130) وابن عساكر (16/365/1) عن الزبير بن بكار: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ياسين بن عبد الله بن عروة عن أبي مسلم الخولاني عن معاوية بن أبي سفيان أنه خطب الناس وقد حبس العطاء شهرين أو ثلاثة، فقال له أبو مسلم: يا معاوية إن هذا المال ليس بمالك ولا مال أبيك، ولا مال أمك، فأشار معاوية إلى الناس أن امكثوا، ونزل فاغتسل ثم رجع فقال: أيها الناس إن أبا مسلم ذكر أن هذا المال ليس بمالي ولا مال أبي ولا مال أمي، وصدق أبو مسلم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكر الحديث) اغدوا على عطاياكم على بركة الله عز وجل.
قلت: وهذا إسناد ضعيف أيضا، ياسين بن عبد الله بن عروة لم أجد له ترجمة. وعبد المجيد بن عبد العزيز فيه ضعف، قال الحافظ: " صدوق يخطيء، وكان مرجئا، أفرط ابن حبان فقال: متروك". قلت: لفظ ابن حبان (2/152) : "منكر الحديث جدا، يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك" انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (582) .
ولكن معنى الحديث مقبول وصحيح من جهة الطب؛ لأن الغضب يصاحبه فوارن الدم، والماء يطفئ هذه الفورة ويكسر حدتها، ولذلك ما زال الفقهاء يذكرون الوضوء كعلاج للغضب، ولم ينكر ذلك أحد منهم، وقد ذكره أيضا العلامة ابن القيم في كتاب "الوابل الصيب" في فصل: "فيما يقال ويفعل عند الغضب" انتهى. كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع كثيرة، إلا أن ذلك لا يعني تصحيح الحديث، ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن المنذر رحمه الله:
"إن ثبت هذا الحديث فإنما الأمر به ندبا ليسكن الغضب، ولا أعلم أحدا من أهل العلم يوجب الوضوء منه" انتهى.
" الأوسط " (ص/189) .
وقال الدكتور محمد نجاتي:
"يشير هذا الحديث إلى حقيقة طبية معروفة، فالماء البارد يهدئ من فورة الدم الناشئة عن الانفعال، كما يساعد على تخفيف حالة التوتر العضلي والعصبي، ولذلك كان الاستحمام يستخدم في الماضي في العلاج النفسي" انتهى.
"الحديث النبوي وعلم النفس" (ص/122) .
ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم: (658) (45647) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1637)
التظاهر بفهم الكلام حتى لا يطلب من المتحدث إعادته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإجابة بالإيماء أو بقول "حسنا, ما من مشكلة" كما يحدث عندما يتظاهر المرء بفهم ما يقوله الآخرون بينما الأمر ليس كذلك على الإطلاق، هل تعد هذه الإجابة كذباً؟ وما حكم القيام بذلك؟ فمن غير المحبذ غالبا إضاعة وقت الآخرين بجعلهم يعيدون صياغة ما سبق وقالوه لأن هذا الأمر سيصيبهم بالإحباط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للإنسان أن يقبل على من يحدثه، ويصغي إليه، ولا يلتفت، ولا ينشغل بشيء آخر، فهذا من أدب المحادثة، ومن تمسك به فهم قول محدثه، ولم يحتج إلى طلب إعادة حديثه.
ولا عيب في طلب إيضاح الكلام الغامض والخفي، فقد يكون هذا من عيب المتحدث حيث لم يفصح عن مراده، أو عيبا في السامع، ولا يضره حينئذ طلب الفهم، فهذا خير من التظاهر بشيء ليس عنده، وخير من معاتبة صاحبه له فيما بعد بأنه أقره على كلامه والواقع أنه لم يفهمه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) رواه البخاري (4921) ومسلم (2130) .
وهذا المتشبع يكذب على نفسه وعلى غيره، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلابس ثوبي) فله ثوبان من الزور المخالف للحقيقة.
ومن أكثر من الإيماء والتظاهر بالموافقة، اعتاد ذلك، وصار طبعا فيه، وحال بينه وبين فهم أكثر الكلام المفهوم، والعادة أن الناس يدركون ذلك منه، ويعدونه نقصا وعيبا فيه، وإن لم يشعر بذلك.
فلا ينبغي للإنسان أن يرضى لنفسه بالغباوة، ولا بالكبر الذي يمنع من السؤال والاستيضاح.
لكن إذا كان الكلام غير مهم، ولا يشتمل على محظور، وتركت طلب إعادته شفقة على المتكلم من الإحباط – كما ذكرت -، أو مراعاة لشعوره حتى لا يرى أنه لا يحسن الكلام، أو حرصاً على الوقت، حتى لا يضيع فيما لا فائدة منه، فلا حرج في الإيماء والتظاهر بالفهم حينئذ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1638)
حكم طلب توقيع المؤلفين على كتب من تأليفهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يفعله بعض الناس من التوقيع على الكتب، وكتابة الإهداء للراغبين في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله، فقال:
ما يفعله بعض المؤلفين من التوقيع على نسخ كتب من تأليفهم بطلب من مالكيها ظاهرة جديدة؛ وهي لا شك وافدة، وليس لها معنى معقول، فليست النسخ المراد التوقيع عليها هدية من المؤلف فيوقع عليها للدلالة على ذلك، بل نسخة الكتاب مملوكة لطالب التوقيع، فلا يظهر لهذا التوقيع وجه إلا التقليد فيما لا معنى له، وكأن الذين يفعلون ذلك يتبركون بوضع المؤلف اسمه على نسخهم وهذا مستبعد إلا أن يكون المؤلف ممن يعتقد فيه على طريقة الصوفية. ولكن الذي يظهر أن التوقيع لا يطلب من كل مؤلف بل ممن له شهرة ليفخر بذلك طالب التوقيع، أو يكون المؤلف محبوباً له فيكون ذلك التوقيع ذكرى، ومن المعلوم أن التنافس في طلب التوقيع من المؤلف قد يُورثه عجباً.
وبناء على ما سبق: فأقل أحوال مثل هذا الفعل الكراهة؛ لما فيه من التشبه، ولأنه لا معنى له، ولما قد يورث المؤلف في نفسه من العجب، وكذا ما يورث طالب التوقيع من تعظيم للمؤلف والنسخة الموقع عليها والله أعلم " انتهى كلام الشيخ حفظه الله.
على أن التسابق من المعجبين والمعجبات إلى المؤلف والمؤلفة للتوقيع كما يحدث في معارض الكتب؛ قد يفتح باب الفتنة بين الجنسين أيضاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1639)
قول أبي بكر رضي الله عنه إن العبد إذا داخله العجب بزينة الدنيا مقته ربه عزوجل
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب " مواعظ الصحابة "، للمؤلف صالح أحمد الشامي، تحت عنوان: " العجب بزينة الدنيا " هذا نصه: قالت عائشة رضي الله عنها: لبست مرة درعاً لي جديداً، فجعلت أنظر إليه، وأعجبت به، فقال أبو بكر: ما تنظرين؟ إن الله ليس بناظر إليك!! قلت: ومم ذلك؟ قال: أما علمت أن العبد إذا داخله العُجب بزينة الدنيا مقته ربه عز وجل حتى يفارق تلك الزينة؟ قالت: فنزعته فتصدقت به. فقال أبو بكر: عسى ذلك أن يكفر عنك. (تهذيب حلية الأولياء1/60) السؤال هو: هل لهذا القول الذي قاله أبو بكر أصل من السنة النبوية الصحيحة؟ وهل هو صحيح عن أبي بكر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القصة المذكورة رواه أبو نعيم الأصبهاني في " حلية الأولياء " (1/37) قال: حدثنا أحمد بن السندي، ثنا الحسن بن علوية، ثنا إسماعيل بن عيسى، ثنا إسحاق بن بشر، ثنا ابن سمعان، عن محمد بن زيد، عن عروة بن الزبير، عن عائشة.
فذكر القصة كما وردت في السؤال.
وهذا إسناد ضعيف جدا، بسبب إسحاق بن بشر، وهو أبو حذيفة البخاري، معروف بالرواية عن عبد الله بن زياد بن سمعان، ويروي عنه تصانيفَه إسماعيل بن عيسى البغدادي، كما في " المتفق والمفترق " (رقم/191) ، وإسحاق بن بشر هذا متروك متهم بالكذب عند جميع المحدثين، انظر " ميزان الاعتدال " (1/! 84) " للذهبي.
وأما مضمون هذا الأثر ونحوه من الآثار الضعيفة، أو الموضوعة، فأقل ما يقال فيه: أنه لا ينبغي قبوله وأخذه على ظاهره إلا إذا صح إسناده، وشهد لمعناه بالاعتبار الأصول الثابتة؛ فكيف بما فيه من نكارة لا تخفى؛ ومعارضة لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمجرد محبة الثوب الحسن الجميل والإعجاب به: ليس من الذنوب التي تحتاج إلى تكفير، ولا هو العجب والكبر المحرم في شيء.
روى مسلم في صحيحه (91) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ) .
قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً؟!
قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ؛ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ) .
فتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعب على المرء أن يحب الثوب الحسن، ويختاره، بل جعله من الجمال المحبوب، وبين الكبر الحقيقي المانع من دخول الجنة.
ولقد يبدو لنا أن هذه الجملة المنكرة، هي المراد الأول من وضع هذه القصة، ولأجل ذلك احتاج واضعه أن يختمه بقول أبي بكر في آخره!!
فالقصة برمتها باطلة، سندا ومعنى.
وأما ذم الكبر، أو العجب، أو ذم الانشغال بالدنيا، والإسراف في المباحات، فكل ذلك مقرر في النصوص الصحيحة، لا يحتاج إلى مثل هذه المبالغات، والقصص الواهية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1640)
إذا جعل حالته في الماسنجر (في الخارج) وهو في بيته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيمن يغيرون حالاتهم ويتحدثون عنها في مواقع مثل موقع الفيس بوك. على سبيل المثال كأن يظهر حالته على أنه مشغول أو في العمل أو ذاهب للمدرسة، ما رأيكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم أن يكون صادقا في جميع أخباره، سواء تحدث عن نفسه أو عن غيره، بالقول أو بالكتابة؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119.
وروى البخاري (6094) ومسلم (2607) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) .
فما يكتبه الإنسان عن نفسه وحالته عبر الماسنجر أو غيره من المواقع ووسائل الاتصال، يلزم فيه الصدق، فلا يجوز أن يكتب عن نفسه إنه في الخارج أو في المدرسة مثلا، والواقع أنه في بيته؛ لأن هذا من الكذب؛ فإذا نسي تغيير الحالة (من خلال الأزرار أو الكتابة) غيّرها عندما يتيسر له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1641)
هل له أن يشجع علاقة بين مسلم وكافرة حفظاً لها من الشر ودعوةً لها للخير؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة غير مسلمة، لها صديق مسلم، وأود أن تعتنق الإسلام، وعلى الرغم من أن مسألة الصداقة بين الرجل والمرأة مرفوضة إلا أني أشجعهما على البقاء مع بعض لسببين: الأول: أن هناك شابّاً آخر غير مسلم، وهو شاذ، يريد أن ينصب لها فخّاً، ويوقعها في شباكه، وأنا لا أحب أن تقع في شرَكه، والسبب الثاني: أن هذا الشاب المسلم قد يستطيع مع مرور الأيام أن يؤثر عليها فتُسلم، فما العمل لكي تبتعد عن ذلك الشاب غير المسلم؟ وما هي الطريقة الأنسب لدعوتها إلى الإسلام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحن وإن كنا نقدر لك حرصك على الخير، وقصدك لما فيه نفع تلك المرأة: لكننا نرى أنك لم توفق للصواب في تشجيعك الصداقة بينها وبين ذلك المسلم؛ وكم من مريد للخير لا يصيبه، والواجب أن يكون الحكم الشرعي هو منطلقنا في أفعالنا، ولا أن نحكم عواطفنا المخالفة لشرع شرع الله.
فأنت تعلم أن العلاقة المحرمة بين الرجل والمرأة يعتريها كثير من المخالفات، وقد تؤدي إلى الوقوع في كبائر الذنوب، فكيف يمكن لمثل هذه العلاقة أن تكون سبباً في حصول الخير لأصحابها؟
فالعلاقة بين النساء والرجال خارج نطاق الزواج الشرعي حكمها التحريم.
وأيضاً: خوفك على هذه المرأة يعارضه تعريض أخيك المسلم للفتنة، فتكون هذه المرأة سبباً لفتنة أخيك، فتجره إلى الموبقات والفواحش.
فأنت الآن ترتكب أمراً محرماً لمجرد توقع حصول مصلحة، قد تحصل وقد لا تحصل، ومثل هذا لا يجوز في الشرع.
ثانياً:
يمكنك أخي السائل أن تؤدي رسالتك العظيمة في حفظ تلك المرأة من الشر، وفي دعوتها للإسلام، عن طريق امرأة - مثلها - مسلمة، وتكون قريبة منها، تدعوها للخير، وتحذرها من الشر.
وعن الطرق التي تسلكها الأخت المسلمة في دعوة تلك المرأة: انظر: جواب السؤال رقم (69876) .
والخلاصة:
لا يجوز لك تشجيع تلك العلاقة المحرَّمة، بل الواجب عليك نصحهما بأن هذه العلاقة محرمة في الإسلام، ولا أحد يعلم الغيب إلا الله، فقد يكون ذلك سبباً في إسلامها لما ترى من تعظيم الإسلام للمرأة، وحفاظه عليها.
ونسأل الله تعالى لك التوفيق، ولها الهداية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1642)
الإصرار على المعصية الصغيرة يجعلها كبيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك نوعان من المعاصي في الإسلام، الأولى: معصية كبيرة، والأخرى: معصية صغيرة … وسؤالي هو: هل الاستمناء ومشاهدة الأفلام الإباحية يعد من الكبائر أم من الصغائر؟ وما هي العقوبة على تلك المعصية في النار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على كلّ مؤمن الابتعاد عن هذه الصور والأفلام التي تثير الشهوة وتحمل على عمل المعصية كالاستمناء أو الزنا حتى يكون ذلك البعد وسيلة للوقاية من المحرمات. ولا شك أن مشاهدتها والإصرار عليها يكون ذنباً كبيراً لأنه لا صغيرة مع الإصرار، فمن يصرّ عليها يعتبر واقعاً في ذنبٍ كبير لاستمرار الإصرار عليها بخلاف من رآها مرّة واحدة كصدفة أو نحوه فهذه تعتبر صغيرة، فكذلك الاستمناء إذا حصل مرّة واحدة لتخفيف حدّة الشهوة لعل ذلك أن يعفو الله عنه لأنه من الصغائر، أمّا الإصرار فهو من الكبائر.
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(7/1643)
له مشاركات نافعة في الإنترنت وينظر أحياناً لمحرمات فهل يبقى فيه أم يخرج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طويلب علم، لي أنشطة دعوية لا بأس بها على الشبكة العنكبوتية، مشرف في إحدى المنتديات الطبية الإسلامية، لكني أزل أحياناً في خضم بحثي بالشبكة برؤية ما يحرم، وكلما تبت إلى الله عدت إلى هذا الذنب. سؤالي: هل الأفضل الإقلاع تماماً عن الشبكة العنكبوتية، وتركها، مع ترك الخير الذي أقدمه في هذه الشبكة، أم الأفضل علاج نفسي، وعلاج قلبي، ومحاولة الإقلاع عن الذنب كليةً؟ فأنا محتار بين الأمرين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد لا يكون الحل نصحك بترك الشبكة العنكبوتية لأن هناك الفضائيات، والمجلات.
نعم، يمكن أن تجد في " الإنترنت " ما لا تجده فيما ذُكر، لكن كلامنا على أصل فعلك للمعصية، وأن إغلاق طريقٍ ليس منعاً لفعل المعصية.
والحل في مثل هذا: أن يزداد خوفك من الله وتعظيمك الله حتى يمنعك ذلك من الوقوع فيما حرم الله.
وعليك أن تكثر من ذكر الموت، حتى يكون ذلك دافعاً لك للاستعداد له.
فالواجب عليك: هو علاج نفسك من فعل معصية النظر المحرَّم حيثما كانت الصورة.
ومن أنفع الأدوية: المبادرة إلى الزواج إن استطعت ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْج) رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) .
وأما بخصوص بقائك داخل الشبكة العنكبوتية أو لا: فإن في ذلك تفصيلاً:
أ. إن كنتَ تعتقد – أو يغلب على ظنك – ترك معصية النظر المحرَّم بالكلية بخروجك من الشبكة: فاقطع علاقتك بها، حتى تحصِّن نفسك، وتعالجها، وتعلم أنه لن يكون لك فيها إلا مساهمات الخير.
واهتمامك بإصلاح نفسك مقدم على اهتمامك بإصلاح الآخرين.
ب. وإن كنت تعتقد - أو يغلب على ظنك – أنك لن تترك معصية النظر المحرَّم، وأنك ستنشغل بمتابعة التافه من برامج الفضائيات، والنظر في الصحف، والمجلات: فالنصيحة لك أن تبقى داخل الشبكة، على أن تجاهد نفسك حق الجهاد أن تبتعد عن كل محرَّم يشاهد، ويُسمع، وفي اعتقادنا أنك لو تحصر نفسك في متابعة مواقع معينة نافعة، علمية، وأخبارية، وتحصر نفسك في الالتزام بمواعيد محددة في غرف صوتية في " البال توك " تقدِّم فيها النافع المفيد، وتستمع لما فيه زيادة في علمك وإيمانك: في اعتقادنا أنك لن تجد الوقت الذي تنتقل فيه إلى الضار، السيء، المحرَّم، من المواقع.
فبادر فوراً إلى التوبة الصادقة من كل ذنبٍ فعلتَه، واندم على ما فرَّطت في جنب الله، واعقد العزم على عدم العوْد لتلك الذنوب، وأقبل على الله بقلبٍ سليم طاهر، واسأله التوفيق، والسداد، وتطهير جوارحك من الحرام، واشكر نعَم الله عليك بتصريفها فيما يحب ربك ويرضاه منك.
وانظر جواب السؤال رقم (20229) ففيه تفصيل مهم حول " وسائل غض البصر ".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1644)
هل يباح له الغش حتى يتخلص من الدراسة المختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ممن ابتلاني الله تعالى بالدراسة المختلطة وأسعى للتخلص منها بالنجاح في آخر العام فهل يجوز لي أن أنقل في الامتحانات حتى أنجح؟ وهل يجوز لي أن أعين على ذلك ولو لم يكن قصد المعان التخلص من الاختلاط؟ فإن لم يجز الغش في الامتحان في هذه الدراسة المختلطة فهل آثم إن لم أبلغ عمن فعله؟ مع أني أشعر أني لست مؤهلا لذلك لكوني تحت أبواي فقد يسبب تبليغي نزاعات قد أدخلهما فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخي العزيز نشكر لك سعيك إلى التخلص من هذا الوضع الذي تعاني منه، إلاّ أنّ الخطأ لا يعالج بمثله، وقد قال الفقهاء رحمهم الله: (الضرر لا يزال بضرر مثله) .
فالغش حرام اتّفاقا؛ لقول المصطفى –صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) . رواه مسلم (101) . فهذا عام يشمل الغش في الامتحانات وغيرها.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن حكم الغش في الاختبارات الدراسية؟ فقال: " الغشّ محرّم في الاختبارات كما أنه محرّم في المعاملات، فليس لأحد أن يغشّ في الاختبارات في أي مادة، وإذا علم الأستاذ بذلك فهو شريكه في الإثم والخيانة والله المستعان ". ينظر: دروس للشيخ عبد العزيز بن باز - (2 / 33) .
وقال أيضاً في "مجموع فتاوى ابن باز" (24 / 61) : " الغش في جميع المواد حرام ومنكر؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا» أخرجه مسلم في صحيحه. وهذا لفظ عام يعم الغش في المعاملات وفي النصيحة والمشورة وفي العلم بجميع مواده الدينية والدنيوية، ولا يجوز للطالب ولا للمدرس فعل ذلك، ولا التساهل فيه، ولا التغاضي عنه؛ لعموم الحديث المذكور، وما جاء في معناه، ولما يترتب على الغش من المفاسد والأضرار والعواقب الوخيمة.
وإذا كان الغش حراماً فلا يجوز أن تعين غيرك عليه؛ لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِن لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم (49) .
أمّا إذا رأيت طالبا يغشّ في الاختبارات، ولم تشارك أنت في هذا الغش، الواجب عليه منعه من ذلك المنكر إذا رأيته أو إبلاغ المراقب عنه، وكل ذلك مقيّد باستطاعتك، خاصة في وقت الامتحان الذي يغلب انشغال الإنسان فيه بنفسه وإجابته عن إحداث مشكلة مع غيره.
فإن خشيت من ذلك ضرراً لا يحتمله مثلك، أو انتشار الضرر وآثاره إلى أهلك فلا حرج عليك إن شاء الله، في الإعراض عنه، والانشغال بأمرك وترك ذلك إلى مسؤول المراقبة قال الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله:
وهنا مسألة يسأل عنها بعض الطلاب، يقول: إذا رأيت هذا الطالب يغش أو يحاول أن يغش، فهل يلزمني أن أخبر عنه، أو أقول: المسألة موكولة لغيري وفي ذمة غيري
الجواب: يلزمه أن يخبر به؛ لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، هذا الطالب الكسول الفاشل في الدراسة إذا غش سوف يغلب الطالب المجتهد الناجح، وهذا ظلم، وإزالة الظلم واجبة، فيجب أن تخبر لكن كيف الطريق؟ لكن قد يكون الطالب ضعيفاً أمام الطالب الذي غش فيخشى أن يؤذيه، فنقول: من الممكن أن يكون الإخبار عن طريق كتابة ورقة صغيرة يعطيها للمراقب من غير أن يشعر به، وإذا لم يمكن هذا فبعد انتهاء الامتحان يذهب إلى المسئول في المدرسة ويخبره، وإذا أخبره برأت ذمته، وأما السكوت على أمر منكر وظلمٍ للآخرين فإن هذا لا يجوز، هذا ما يتعلق بالامتحانات ... ". انتهى من اللقاء الشهري (4/1)
وينظر: جواب السؤال رقم (95776) و (106521) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1645)
يشتري السلع وقت توفرها ثم يبيعها إذا ارتفع سعرها، فهل هذا احتكار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وجد بعض الناس عندنا يحتكرون السلع الاستهلاكية وقت الوفرة خاصة ثم يقومون بتخزينها حتى تتصاعد أسعارها ويغلو ثمنها فيبيعونها بما يشتهون. فبماذا ينصح الإسلام مثل هؤلاء؟ وما موقف الشرع من كسبهم هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المحتكر هو الذي يشتري السلع وقت مضايقة الناس، وقد جاء في الأحاديث لعن ذلك والوعيد فيه والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ) وقال: (مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ) يعني فهو آثم.
قال العلماء: هم الذين يشترون السلع من الطعام ونحوه مما يحتاجه الناس في وقت الشدة ويخزنه ليشتد الغلاء حتى يبيع بأكثر، هذا لا يجوز، وهو منكر وصاحبه آثم، ويجب على ولي الأمر إذا كان في البلاد ولي أمر ينفذ أمور الشرع أن يمنعه من ذلك، وأن يلزمه بيع الطعام بسعر المثل. بسعر الوقت الحاضر الموجود في الأسواق ولا يمكنه من خزانته، هذا إذا كان في وقت الشدة.
أما الذي يشتري الطعام أو غير الطعام مما يحتاجه الناس في وقت الرخاء وكثرته في الأسواق وعدم الضرر على أحد ثم إذا تحركت السلع باعه مع الناس بدون أن يؤخره إلى شدة الضرورة، بل متى تحركت وجاءت الفائدة باعه فلا حرج عليه. وهذا عمل التجار من قديم الزمان وحديثه" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1442) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(7/1646)
إذا سمع الطالب جواب سؤال في الاختبار بدون قصد فهل يكتبه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في اختبار العملي في الطب، يطلب منا معرفة المرض الذي عند المريض، وأحيانا يخبر المريض بالمرض الذي عنده بدون أن يسأله الطالب، فهل يجوز له أن يكتبه أم يعتبر غشاً لأنه لم يعرفه بنفسه؟ وكذلك إن سمعه من أي شخص وهو لم يسأله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الطالب يعرف تشخيص المرض، وأخبره به المريض بلا سؤال منه، فلا حرج على الطالب أن يكتب ما عرفه، ولا يعتبر ذلك غشا، لأنه كان يعرف الجواب قبل أن يخبره به المريض.
أما إذا كان لا يعرف تشخيص المرض، لكن المريض أخبره عنه دون أن يسأله، أو عرف تشخيصه من بعض الزملاء دون تعمد منه، كأن يكون تطرق إلى سمعه، فعليه في هذه الحالة أن يخبر الطبيب المشرف على الامتحان، ويطلعه على حقيقة الحال. هذا هو الورع، وهذا هو الأفضل.
وإن استفاد مما سمعه، وكتبه في الاختبار فنرجو ألا يكون عليه حرج في ذلك، لأنه لم يتعمد ذلك، ولم يقصده، وقد سمعنا شيخنا محمد بن العثيمين رحمه الله يُسأل عن الطالب في قاعة الاختبار، يسمع بلا قصد منه إجابة سؤال ممن حوله من الطلبة لم يكن يعرفه، فهل يجوز له كتابته أم لا؟
فأجاب، بأن ذلك جائز، لأنه لم يتعمد الإثم والمخالفة، وجعل ذلك شبيهاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصائم: (إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ) رواه البخاري (1933) ومسلم (1155) . وعند الدارقطني: (فإنما هو رزق ساقه الله إليه) . قال ابن القيم: هذا إسناد صحيح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1647)
ابتليت بمعصية وتريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة وزوجي يعاملني جيداً تعرفت على فتاة في العمل ولم يكن لدي صديقة غيرها لأنني أعيش في الغرب تعلقت بها كثيراً إلى أن قادتني إلى ممارسة السحاق وقد ندمت وفي كل صلاة أدعو الله أن يتوب علي، مع أن زوجي يشبع رغبتي الجنسية، لكني أضعف كل مرة وألجأ إليها. زوجي لا يعلم بهذا، ولكي أعاقب نفسي أردت أن أقول له، لكن أنظر إليه ولا أستطيع، أنا لم أترك الصلاة عسى ربي يهدني، أشعر بذنبي كثيراً، أبكي كثيراً لكي يغفر لي ربي لكنى أعود للذنب، أنا كنت حاملاً وسقط جنيني، وأعرف أنه من غضب الله علي. ساعدني أرجوك، أريد العزم على عدم العودة. هل لي مغفرة؟ هل علي حد؟ هل صلاتي مقبولة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يهديك ويتوب عليك.
ننصحك بعدم إخبار زوجك بهذا الأمر، واجتهدي في التوبة منه والإقلاع عنه.
استحضري مراقبة الله لك واطلاعه عليك ونظره إليك في كل وقت، فذلك أقرب لأن تستحي منه، وتعظميه.
عليك بكثرة ذكر الموت والآخرة والحساب، فمن أكثر من ذكر الموت فلابد أن يستعد له بصالح الأعمال والتوبة من المعاصي.
اقطعي علاقتك كلياً بهذه الفتاة فوراً، وإن استطعت أن تنقلي من العمل فلابد من ذلك، فاستمرار العلاقة بينكما يعني عدم التوبة، ويعني استمرار المعصية.
بل نقول لك: إن استطعت أن تنقلي من المدينة كلها فافعلي ولا تتردي.
فلا علاج لمثل هذا الداء إلا بالبعد عن تلك الفتاة تماماً.
أما قبول الصلاة فذلك أمره إلى الله، ولكن إياك أن تتركي الصلاة، بل اجتهدي في الإكثار منها، ومن قراءة القرآن، فلعل ذلك يكون سبباً لتوبة الله عليك وهدايتك.
استمعي إلى المحاضرات الوعظية للعلماء والدعاة المعروفين بالثقة والدين والأمانة والعلم.
تفكري في حلم الله عليك كيف يحلم عنك وأنت تستمرين في معصيته، ولو شاء لأخذك على تلك المعصية، فكانت خاتمة سيئة، وتفكري في ستر الله لك، ماذا تفعلين لو علم زوجك وعلم الناس بما تفعلينه، ستكون فضيحة كبرى، كيف ستكون حياتك بعدها؟ فبادري بالتوبة قبل أن يبادرك الله بالموت أو العقاب، وحينئذٍ لا ينفع الندم.
وباب التوبة مفتوح، والله تعالى يقبل عبده التائب ويفرح بذلك، ويغفر له ويتوب عليه، مهما كان ذنبه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
نسأل الله تعالى لك الهداية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1648)
هل تستجاب توبة من ابتلي بالعادة السرية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تستجاب توبة من ابتلي بالعادة السرية وقد قرأت في الإنترنت حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (سبع لا ينظر إليهم الخالق يوم القيامة، ولا يزكيهم، ويدخلهم النار: الفاعل، والمفعول به، والناكح بيده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة من دبرها، والجامع بين المرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره، والمؤذي جاره حتى يلعنه) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نص الحديث المقصود في السؤال كالآتي:
(سبعة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا يجمعهم مع العالمين، يدخلون النار أول الداخلين، إلا أن يتوبوا، إلا أن يتوبوا، إلا أن يتوبوا ممن تاب الله عليه: الناكح يده، والفاعل، والمفعول به، ومدمن الخمر، والضارب أبويه حتى يستغيثا، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه، والناكح حليلة جاره) .
وقد روي هذا الحديث عن اثنين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أولا: عن أنس بن مالك رضي الله عنه:
رواه أبو علي الحسن بن عرفة في جزء حديثي له (رقم/41) ، ومن طريقه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (2/144) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (7/329) ، والآجري في " ذم اللواط " (رقم/54) قال ابن عرفة: حدثني علي بن ثابت الجزري، عن مسلمة بن جعفر، عن حسان بن حميد، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
وهذا إسناد ضعيف جدا.
قال الذهبي رحمه الله:
" مسلمة بن جعفر، عن حسان بن حميد عن أنس، في سب الناكح يده: يُجهَل هو وشيخه. وقال الأزدي: ضعيف " انتهى.
" ميزان الاعتدال " (4/108)
وقال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله:
" قال المؤلف: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حسان يعرف، ولا مسلمة " انتهى.
" العلل المتناهية " (2/144) .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" هذا حديث غريب، وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (5/463) .
وقد نص على تضعيفه أيضا: ابن الملقن في " البدر المنير " (7/662) ، وابن حجر في " التلخيص الحبير " (3/1216) ، والألباني في " إرواء الغليل " (8/58) .
ثانيا: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه:
رواه الآجري في " ذم اللواط " (رقم/53) ، وعنه ابن بشران في " الأمالي " (رقم/477) وغيره.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" هذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة وشيخه الإفريقي، فإنهما ضعيفان من قبل حفظهما، وقد أورد المنذري في " الترغيب " (3 / 195) قطعة من الحديث، وقال: رواه ابن أبي الدنيا والخرائطي وغيرهما، وأشار لضعفه " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/319)
والحاصل: أنه لم يثبت حديث خاص في لعن من ابتلي بالعادة السرية، أو بيان جزائه عند الله، وإنما يقرر العلماء حرمة هذه القاذورة من وصف الله عز وجل لكل طريق لتفريغ الشهوة ـ غير الزواج وجماع الأمة ـ: أنه من الاعتداء، وذلك في قوله تعالى: (والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون/5-7.
ولا شك أن العادة السرية، ونكاح اليد، مما هو "وراء ذلك "؛ فهو من العدوان.
وقد استدل بهذه الآية على تحريم نكاح اليد الإام مالك والإمام الشافعي، رحمهما الله.
قال الشنقيطي رحمه الله:
" الذي يظهر لي أن استدلال مالك، والشافعي وغيرهما من أهل العلم بهذه الآية الكريمة، على منع جلد عميرة الذي هو الاستمناء باليد استدلال صحيح بكتاب الله، يدل عليه ظاهر القرآن، ولم يرد شيء يعارضه من كتاب ولا سنة " انتهى.
" أضواء البيان " (5/317) .
وأما باب التوبة فمفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، لا يحول دونه حائل، ولا يمنع منه مانع، والله يقبل التوبة من عباده جميعا، ويغفر الذنوب جميعا، وإذا كان المشرك التائب المعلن إسلامه يغفر الله له ما سلف، فكيف بالمؤمن الذي ضعف أمام الشهوة ثم آب وأناب إلى الله عز وجل.
يقول الله تعالى:
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) الزمر/53-54.
على أن الحديث المذكور، على فرض أن يكون صحيحا ـ يشهد لصحة توبة ناكح يده، إذا تاب إلى الله تعالى.
وانظر جواب السؤال رقم: (329) في تحريم العادة السرية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1649)
تحريم الجلوس على موائد الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس في إحدى جامعات اليابان وتعقد في هذه الجامعة عدة اجتماعات وندوات وحفلات يكون الخمر موجودا بها. فهل علي إثم لوجودي في مكان به خمرة مع العلم أنني أحرص على عدم الجلوس بجانبها ولا أشربها بحمد الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز الجلوس مع قوم يشربون الخمر إلا أن تنكر عليهم، فإن قبلوا وإلا فارقتهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر) . خرجه الإمام أحمد والترمذي بإسناد حسن، ولأن الجلوس معهم وسيلة إلى مشاركتهم في عملهم السيئ أو الرضا به، وقد قال الله عز وجل في سورة الأنعام: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، وقال عز وجل: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) ، والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (23/60) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1650)
كيف يتصرف مع أخته التي اكتشف أن لها علاقة محرَّمة مع أجنبي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت علاقة محرَّمة لأختي الكبيرة بشاب أجنبي عنها عن طريق الإنترنت، وأظن أن السبب الأول هو: الفراغ العاطفي الذي تعاني منه أختي من جهة أمي وأبي، ومن جهتي أنا، والثاني: هو أنها خائفة من تأخر زواجها، أو عدمه - حسب ظني -. كما أني قد اكتشفت لها علاقة محرمة من قبلُ، وحذرتها من الوقوع في هذا مرة ثانية، وعاهدتني على أن لا تعود لهذا، علماً أن أختي تعمل في مكان مختلط، وتكلم الأجانب كأنهم إخوة لها. الرجاء منكم نصحنا لما هو خير، وما الواجب عليَّ فعله لمواجهة هذا البلاء العظيم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن هذا أمر محزن ومؤلم، والمسلم لا يرضى الفحش في أهل بيته، ولا يقبل به، وإذا كان هذا الفحش صادراً من أنثى في الأسرة: كان أشد إيلاماً على النفوس الشريفة من أهل بيتها.
وكثيراً ما نسمع ونرى من تصرفات حمقاء خرقاء، من بعض من يظن نفسه مصيباً في فعله، فيسارع إلى قتل أخته، أو ابنته، إن علم بوجود علاقة بينها وبين رجل أجنبي، وقد لا تكون تتعدى المراسلات والمكالمات، نعم فعلها محرَّم، ونعم غيرته حسنة طيبة في أصلها، لكن تصرفه كان مخالفاً للشرع، وليس حكم من كلمت أجنبيّاً، أو راسلته أنها تُقتل.
وقد بينَّا هذه المسألة بتفصيلٍ وافٍ في جواب السؤال: (8980) .
ولذا فنحن نشكر لك غيرتك المحمودة، ونشكر لك توجهك بالسؤال لنا، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لأن تصيب الحق والصواب في تصرفك معها، ونسأله تعالى أن يهديها، وأن يصلح حالها.
وملخص ما نذكره هنا هو قطع الأسباب التي أدَّت بها في أن تقع بذلك المنكر، فلا تمكنوها من الاتصال بالآخرين، لا عن طريق الإنترنت، ولا عن طريق الهاتف، بل يجب أن تحمى عن افتراس الرجال لها، وافتتانهم بها، وافتتانها بهم.
ثم ينبغي أن تكون هذه الاحتياطات الإضافية مصحوبة بتقوية الوازع الإيماني عندها، وتعريفها بحكم مثل هذه العلاقات في الشرع، وخطرها على دين المسلم، وتقوية مراقبتها لربها، وتعظيمها لشرعه وحرماته.
ولتفصيل الموقف الشرعي من هذه الأخت، ولمعرفة الأسباب التي تؤدي بالنساء للوقوع في هذا المنكر، ولمعرفة العلاج الناجع معها: انظر جواب السؤال رقم: (111665) .
ونضيف هنا مما لم نذكره هناك: أن تحاول أنت وأهلك بكل ما أوتيتم من قوة وحكمة أن توقفوا أختك عن العمل والخروج من المنزل بمفردها.
فإن لم يمكن منعها من العمل بالكلية، فامنعوها من العمل في بيئة مختلطة تتمكن فيها من الاتصال بالرجال؛ لما يترتب على الاختلاط من مفاسد، ومحاذير، وقد رأيتم أنتم في أختم هذه الآثار المدمرة.
وقد سبق بيان ذلك في أجوبة الأسئلة: (1200) و (60221) و (39178)
و (22397) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1651)
حكم لبس " الميني عقال "!
[السُّؤَالُ]
ـ[إن مما لفت انتباهي خلال تجولي في عالم الإنترنت: انتشار موضة " الميني عقال "، وهي عبارة عن أساور يلبسها البنات، والشباب، وعلى حد زعمهم: أنها تعبِّر عن الهوية السعودية؛ لأنها تأخذ شكل العقال، وفي طرفه قطعة صغيرة من قماش الشماغ! ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل لبس هذا النوع من الأساور يجوز أم لا يجوز؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نأسف أن يصل الحال بالشباب الممتلئ نشاطاً وحيوية ما نراه في شوارعنا، وأسواقنا، وجامعاتنا، في لبسهم، وهيئتهم، ومشيتهم، فضلاً عن سلوكهم وأخلاقهم.
وقد عُرف عن الشباب الخليجي لباسهم المميز من الثوب الساتر، والشماغ – أو الغترة – التي تغطي الرأس، وغالباً ما يُلبس " العقال " ليثبت الشماغ على الرأس.
وعندما يكون الفراغ الروحي مسيطراً على طائفة من أولئك فإنهم يبتدعون ما يظنونه يملأ ذلك الفراغ، فترك طائفة منهم لبس الثوب، وجعل بدلا منه البنطال، وتركوا الشماغ والعقال وكشفوا شعورهم وقد أغرقوها بالجل! ونصبوا شعيرات منها تقف هنا وهناك! .
ومن آخر ما ابتدعوه أنهم صغَّروا " العقال " و " الشماغ " جدّاً، وبدلاً من أن يكونا على الرأس: صارا أسورة في أيديهم! وأطلقوا عليه " الميني عقال " – أي: العقال الصغير -، حتى يجمعوا بين لبس البنطال – الضيق أو الساحل – وبين لبس العقال، والعجيب أنهم جعلوا لذلك اللباس التافه شعار " أقدر "! ظانين أنه يصب في " تشجع الشباب على البحث عن ذاتهم، وقدراتهم، وطاقتهم الداخلية "!! وكتبوا عليه أيضاً " اعقل وتوكل "! فصار هذا " الميني عقال " علامة على أن لابسه من الشباب، وأنه يمتلء حيوية، وأنه يفعل ما يشاء، وبعض من سوَّق له أراد أنه يحمل رمزاً وطنيّاً! حتى قال بعض الحمقى منهم إننا نتعرف على لابسه أنه من " السعودية "! إن رأيناه في بلد أجنبي، فيكون ذلك وسيلة للتقارب بيننا! ثم انتقل إلى دول خليجية أخرى، فادعوا أنه شعار ليعرف بعضهم بعضاً أن لابسه " خليجي "!
وإذا كان هذا صحيحاً، فلماذا يلبسونه في بلادهم؟!
وهذا يعمق مفهوماً غير شرعي، ويقوي التعصب لما لم يشرعه الله تعالى، بل لما ذمه من التفرق والتشتت.
وهلا كان تميزهم بلباسهم الشرعي القديم الذي تخلوا عنه لأجل موافقة الغرب؟! وهلاَّ كان تميزهم بدينهم، وصلاتهم، وحسن أخلاقهم؟!
فلبس هذا "الميني عقال" يدل على الفراغ الذي يعاني منه هؤلاء الشباب، وأنه لا يعرفون معالي الأمور ولا يشتغلون بها، وإنما يشغلون أنفسهم بسفاسف الأمور وتفاهاتها.
ولبس هذا العقال ينطوي على مفاسد، منها: أن المعصم إنما توضع فيه الزينة للنساء لا للرجال، وقد (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ) رواه البخاري (5546) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أمّا السوار، والقلادة في العنق، وما أشبه ذلك: فهذا نحرِّمه من وجهٍ آخر، وهو التشبه بالنساء، والتخنث، وربما يساء الظن بهذا الرجل، فهذا يحرم لغيره لا لذاته.
" الشرح الممتع " (6 / 108) .
وانظر جواب السؤال رقم: (6697) .
ومنها: أن في لبس " الميني عقال " دعوة إلى التعصب، وهو نوع من إحياء الجاهلية، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بما فيه خير الناس، فجمعت الناس على إله واحد، ونبي واحد، ودين واحد، وقرآن واحد، وقبلة واحدة، وأذابت ما فيه تعصب للون، أو الجنس، أو العِرق.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
إن الواجب - يا إخواني - ألا نكون وطنيين، وقوميين، أي: ألا نتعصب لقومنا، ولوطننا؛ لأن التعصب الوطني قد ينضم تحت لوائه المؤمن، والمسلم، والفاسق، والفاجر، والكافر، والملحد، والعلماني، والمبتدع، والسنَِّي، وطن يشمل كل هؤلاء، فإذا ركزنا على الوطنية فقط: فهذا لا شك أنه خطير؛ لأننا إذا ركزنا على الوطنية: جاء إنسان مبتدع إلى إنسان سنِّي، وقال له: " أنا وإياك مشتركان في الوطنية، ليس لك فضل عليَّ، ولا لي فضل عليك "! ، وهذا مبدأ خطير في الواقع، والصحيح هو التركيز على أن نكون مؤمنين.
ونبيِّن – أيضاً - أن التعصب للوطن، وكون الجامع بيننا هو الوطنية: ليس بصحيحٍ أبداً، ولا يستقيم الأمر إلا أن يكون الجامع بيننا الإيمان: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/ 10، والآية نزلت في المدينة، وكان في المدينة يهود قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها، ومع ذلك فلم يدخلوا في الآية مع أنهم مواطنون؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي.
فهذه مسألة خطيرة، فالمبدأ الصحيح أن الذي يجمع بيننا هو الإسلام، والإيمان، وبهذا نكسب المسلمين في كل مكان.
" لقاء الباب المفتوح " (48 / السؤال رقم 6) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1652)
حكم التدخين عن طريق " الأرجيلة " – الشيشة – وبيان مضار ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشيشة حرام؟ وماذا لو أن الشخص لم يستخدم أي نوع من أنواع التبغ، وإنما يستخدم ماء الورد، فهل ما تزال حراماً كذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مما لا شك فيه أن " الدخان " من أخبث السموم التي تكالب كثير من الناس على تناوله، غير عابئين بما يسببه من الأمراض، والتي تؤدي إلى موت كثيرين منهم، وقد ذكرت " منظمة الصحة العالمية " في تقريرها لعام 2008 م: أنّ تعاطى " التبغ " يقتل بالفعل 5.4 مليون نسمة سنويّاً! ، أي: بمعدل 14.000 شخصاً تقريباً كل يوم! ، وأنه ما لم تتخذ إجراءات عاجلة: فإن التبغ سيقتل 10 مليون شخص سنويّاً بحلول عام 2020 م!
وفي جواب السؤالين: (7432) و (10922) بيان تحريم زراعة، وتجارة، وتناول هذه النبتة الخبيثة.
ثانياً:
" التبغ " – ومثله " الجراك " و " المعسِّل " - الذي يدخَّن عن طريق " الشيشة " – الأرجيلة – لا يختلف عن تبغ السجائر العادية الملفوفة بالورق، بل فيه من السوء ما ليس في السجائر.
جاء في موقع " جمعية مكافحة التدخين " في البحرين ما نصه:
مكونات الشيشة:
لا تختلف هذه المكونات عن مكونات تبغ السجائر، ودخانها , حيث إن بها ما لا يقل عن 4000 مادة سامَّة , أهمها: النيكوتين، وغاز أول أكسيد الكربون، والقطران، والمعادن الثقيلة، والمواد المشعة، والمسرطنة، والمواد الكيميائية الزراعية، ومبيدات الحشرات، وغيرها الكثير من المواد السامَّة.
تدَّعي بعض شركات إنتاج التبغ إزالة كل أو معظم مادة القطران من تبغ الشيشة , كما أنه يضاف إلى تبغ الشيشة العديد من المواد المنكهة مجهولة التركيب , ونجهل مقدار ضررها.
ما يقال عن التدخين عن طريق الشيشة - أو النارجيلة - باستخدام التبغ، أو الجراك، أو المعسِّل بأنه خالي من الخطر: غير صحيح البتة، فقد أثبتت إحدى الدراسات على مدى أربع سنوات في المملكة العربية السعودية بأن المعسِّل هو عبارة عن تبغ خالص , مع كميات كبيرة من الأصباغ، والألوان، والنكهات التي تخلط من غير أي رقابة صحية، وثبت أنها تسبب مختلف الأمراض والسرطانات.
ويحتوي " الجراك " على 15 % من التبغ الذي يخلط ببعض العسل، والفواكه، والمضافات الكيمائية التي تطبخ، وتخمَّر.
انتهى
ثالثاً:
يعتقد بعض السذَّج من الناس أن تناول هذه النبتة عن طريق " الأرجيلة " – الشيشة – حلال! لأن الدخان يمرُّ عبر ماء الأرجيلة! وهذا بعيد جدّاً عن الصواب، وأما أهل الخبرة فيقولون:
1. تدخين رأس واحد للأرجيلة يعادل تدخين عشرة سجائر على الأقل.
2. الاحتراق الجزئي للمعسِّل يزيد من المواد السامة في الأرجيلة.
3. استعمال الأرجيلة من قبل أشخاص متعددين يزيد من انتقال الأمراض المعدية بينهم.
4. الماء لا يُفلتر المواد السامة والمسرطنة التي يحتويها تبغ الأرجيلة.
وجاء في موقع " جمعية مكافحة التدخين " في البحرين ما نصه:
هناك اعتقاد لدى الكثيرين بأن تدخين " الشيشة " أقل ضرراً من السيجارة , وذلك بسبب الاعتقاد السائد بأن مرور الدخان من خلال الماء الموجود في الشيشة يعمل على ترشيح الدخان من المواد الضارة وبالتالي تقليل الضرر الناجم عن تدخين الشيشة، وقد تبيَّن خطأ هذا الاعتقاد من خلال تحليل الدخان الخارج من فم مدخن الشيشة على أنه يحتوي على نفس المواد الضارة، والمسرطنة الموجودة في دخان " السجائر "، كما أثبتت الدراسات أن التدخين بالشيشة:
1. يسبِّب الإدمان.
2. يقلل من كفاءة أداء الرئتين لوظائفهما , ويسبب انتفاخ الرئة " الإنفزيما "، والالتهاب الشعبي المزمن، وهذا المرض يحد من قدرة الإنسان على بذل أي مجهود كلما تفاقم.
3. يؤدي إلى حدوث سرطانات الرئة، والفم، والمرئ، والمعدة.
4. يؤدي إلى ارتفاع تركيز غاز أول أكسيد الكربون في الدم.
5. يؤدي إلى تناقص الخصوبة عند الذكور، والإناث.
6. يساعد على ازدياد نسبة انتشار " التدرن الرئوي " عند مستخدمي الشيشة.
7. عند النساء المدخنات للشيشة أثناء الحمل يؤدي إلى تناقص وزن الجنين , كما يعرض الأجنَّة إلى أمراض تنفسيَّة مستقبلاً، أو إلى حدوث الموت السريري المفاجئ بعد الولادة.
8. انبعاث الروائح الكريهة مع النفَس، ومن الثياب، كذلك من التأثيرات الأخرى، كَبَحَّة الصوت , واحتقان العينين , وظهور تجاعيد الجلد والوجه خصوصاً في وقت مبكر.
9. هذا علاوة على كون تدخين الشيشة يعتبر أحد أهم ملوثات الهواء في غرف المنازل، وقريباً من المقاهي حيث يوجد عدد كبير من المدخنين.
انتهى من الرابط السابق.
ولذا كان تحريم استعمال التدخين عن طريق الأرجيلة – الشيشة – هو المتعيّن.
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله -:
عن الفرق بين شرب الدخان بورقه الملفوف، وشرب الجراك في الشيشة ... إلخ؟ .
فأجاب الشيخ رحمه الله بتقرير تحريم التدخين، ثم قال:
إذا ثبت هذا: فلا فرق بين شربه في أوراقه المعدة له، وفي غيرها، كالشيشة الخبيثة، وسواء كان ورق الدخان المشروب خالصاً، أو مخلوطاً بغيره كالجراك: فإنه مخلوط بالدخان الخبيث، والأسماء لا تغير الحقائق، وإذا خلط الشيء المحرم بغيره: فتحريمه باق بحاله، وفي الحديث: (يأتي في آخر الزمان أناس يشربون الخمر ويسمونها بغير اسمها) – رواه أحمد، وصححه الألباني في " الصحيحة " (414) -.
" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (12 / 90) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
الشيشة، والنرجيلة، والدخان: من الخبائث، وهي محرمة؛ لما فيها من الأضرار على البدن، والمال، قال الله تعالى في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ضرر ولا ضرار) ، فلا يجوز استعمال هذه الأمور، ولا بيعها، ولا ترويجها.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (26 / 351) .
رابعاً:
أما سؤالك عن استعمال الشيشة من غير وضع " تبغ " بل " ماء ورد " فقط: فهو ما لا نعرفه، ولا نتخيل وجوده، فما هي المادة المحترقة؟ وماذا ستستنشق؟ والحكم على الشيء فرع عن تصوره، فنرجو توضيح الأمر في مرة قادمة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1653)
كانت تفعل العادة السرية ولا تغتسل وتصوم وتصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم أن يفتيني في أمري الذي قد بعثت به إلى الكثير ولم أجد منهم >الرد وقد عشت في قلق دائم فأرجو منكم فتواى كنت في سن صغيرة افعل العادة السيئة منذ عمري 12سنة ولم أكن اعرف معناها أو حتى ما هي وفي سن 14سنة عرفت أنها العادة السرية السيئة ولكن لم أكن اعرف حكمها فقط أنها خطرة وأنها تسبب أمراض ولم أكن في هذه السن أصلي ولكني أصوم دون صلاة. وفي سن 15سنة بدأت أصلي وأصوم ولا أسمع الأغاني ولكني لازلت أفعل العادة السرية ولا أعرف حكمها أيضا وإذا فعلتها لم أكن اغتسل وكنت أصلي بعدها وأصوم وقد فعلتها في ظهر رمضان مرتان لا أدري، وفي سن 18 قرأت في كتاب أنها محرمة ويجب الغسل بعدها ولكني لم أستطع التوبة منها واستمر فعلي لها حتى بعد الزواج والآن تبت إلى الله توبة نصوحاً وعمري 27سنة السؤال ما حكم ما فعلته وما علي فعله؟ وما حكم صومي وصلاتي عندما كنت أفعلها ولم أكن أغتسل ثم أقوم للصلاة وما حكم صيامي وما كفارة ما فعلت وما حكم صيام اليومين الذين فعلت فيهما العادة في ظهر رمضان وما هي الكفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم الاستمناء أو ما يسمى بـ "العادة السرية" لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم 329،
وإذا خرج المني بذلك وجب الغسل.
وليس في فعل الاستمناء كفارة، لكن تجب التوبة منه، وذلك بالإقلاع عنه، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه.
ثانيا:
إذا كانت ممارستك للعادة السرية يصحبها خروج المني، فهذا مبطل للصوم، ولا تصح معه الصلاة إلا أن تغتسلي.
وإذا لم يكن يصحبها خروج المني فصلاتك وصومك صحيحان.
ثالثا:
من استمنى وهو جاهل بوجوب الغسل منه وبكونه مبطلا للصوم، فهل يلزمه قضاء الصلاة والصوم؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء، والجمهور على وجوب القضاء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجب، وينظر جواب السؤال رقم (50017) .
والأحوط أن تقضي صوم اليومين، إذا كان قد خرج المني.
وأما الصلاة فينبغي أن تكثري من النوافل والأعمال الصالحة، ولا نرى لزوم قضائها.
رابعا:
ينبغي أن تعلمي أن البلوغ له علامات، وأن الفتاة قد تبلغ قبل سن الخامسة عشرة، إذا حاضت، أو ظهر عليها شيء من علامات البلوغ الأخرى، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (20475) ورقم (21246) .
وما جرى معك يؤكد أهمية طلب العلم الشرعي، وهو أمر ميسر في هذا الزمن والحمد لله.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/1654)
هاشمية من آل البيت تشعر بتميزها عن الناس وتعاملهم بما لا يليق!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي مشكلة وهي: أنا هاشمية، ويرجع نسبي إلى " جعفر الطيار "، وعندما أذهب إلى أناس ليسوا من آل البيت، أو يقوم أحد بخطبتي ليس من آل البيت: أحس أنهم أقل منِّي، وما أقدر أتحدث إليهم، وإذا يوجد مجلس: أخرج منه، ولكن والدي، ومن حولي من أهلي ينصحوني، هل هذا الشيء يعد تفاخراً، وجاهلية، ولكن الله قال في كتابه العزيز (وجعلناكم شعوبا وقبائل) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلمي ـ يا أمة الله ـ أن أصل الناس جميعاً واحد، وكل خلق الله من البشر فأبوهم آدم، وأمهم حواء، وقد ذكَّرنا الله تعالى بهذا في مواضع من كتابه، وكذا جاء ذلك في السنَّة النبوية، ومن الحكَم في ذلك: ترك التفاخر بالأنساب، والتطاول على الناس، وازدراؤهم.
وما جعل الله تعالى الناس شعوباً وقبائل إلا لأجل أن يعرف بعضهم بعضاً بتميز القبيلة والجنس، كالتميز بالاسم، لا لأجل التفاخر بعربيته، أو بقبيلته، أو بجنسه، أو بلغته.
وكون الإنسان هاشميّاً لا يرفعه عند ربه تعالى، وليس هو مجال المفاضلة بين الناس؛ لأن نسب الإنسان وهبي من الله ليس كسبيّاً، والكافر من بني هاشم سيكون حطب جهنم، والعبد الأعجمي المسلم قد يكون مأواه الفردوس الأعلى.
وقد جمع الله تعالى تلك الأشياء الثلاثة في سياق واحد، وآية واحدة، هي نفس الآية التي وردت في سؤالك، لكن يبدو أنك لم تتأمليها بما يكفي لفهمها.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/ 13.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
" لمَّا كان قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى) يدل على استواء الناس في الأصل؛ لأن أباهم واحد، وأمهم واحدة، وكان في ذلك أكبر زاجر عن التفاخر بالأنساب، وتطاول بعض الناس على بعض: بيَّن تعالى أنه جعلهم شعوباً، وقبائل لأجل أن يتعارفوا، أي: يعرف بعضُهم بعضاً، ويتميز بعضهم عن بعض، لا لأجل أن يفتخر بعضهم على بعض، ويتطاول عليه، وذلك يدل على أن كون بعضهم أفضل من بعض، وأكرم منه: إنما يكون بسبب آخر غير الأنساب، وقد بيَّن الله ذلك هنا بقوله: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) فاتضح من هذا: أن الفضل، والكرم، إنما هو بتقوى الله، لا بغيره من الانتساب إلى القبائل، ولقد صدق من قال:
فقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب
وقد ذكروا أن سلمان رضي الله عنه كان يقول:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم
وهذه الآيات القرآنية، تدل على أن دين الإسلام سماوي صحيح، لا نظر فيه إلى الألوان، ولا إلى العناصر، ولا إلى الجهات، وإنما المعتبر فيه: تقوى الله جل وعلا، وطاعته، فأكرم الناس، وأفضلهم: أتقاهم لله، ولا كرم، ولا فضل لغير المتقي، ولو كان رفيع النسب " انتهى.
" أضواء البيان " (7 / 417، 418) .
ثانياً:
ولا يشك مسلم أن الله تعالى قد فضَّل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بفضائل متعددة، وأوجب علينا محبتهم، ورعايتهم، لكن ننبه على أن ذلك للمؤمن منهم، لا لكل منتسب إليهم، وأن هذه الفضائل لا تدعو للتفاخر، بل تدعو لشكر المنعِم عز وجل، واحترام الآخرين، وتقدير تلك المحبة والرعاية منهم.
وفي جواب السؤال رقم (121948) بينَّا تلك الفضائل لآل البيت، فلتنظر.
ولما كان الفخر بالأنساب من كبائر الذنوب: وجب عليك التنبه لنفسك في موقفك مع الآخرين، وطريقة تعاملك معهم، وقد ورد النهي عن التفاخر بالأنساب في أحاديث كثيرة:
1. منها: حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآْبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ) رواه الترمذي (3270) ، وأبو داود (5116) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
والعبية - بضم العين وكسرها -: الكبر والفخر، الجِعلان: دويبة سوداء، كالخنفساء تدير الخراء بأنفها.
قال المباركفوري – رحمه الله -:
" قال الخطَّابي: معناه: أن الناس رجلان: مؤمن تقي فهو الخيِّر الفاضل، وإن لم يكن حسيباً في قومه، وفاجر شقي فهو الدني وإن كان في أهله شريفاً رفيعاً. انتهى.
وقيل: معناه أن المفتخر إما مؤمن تقي، فإذن لا ينبغي له أن يتكبر على أحد، أو فاجر شقي فهو ذليل عند الله، والذليل لا يستحق التكبر، فالتكبر منفي بكل حال " انتهى نقلاً من " تحفة الأحوذي " (10 / 317) .
2. ومنها: حديث أبي مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَْحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَْنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ) رواه مسلم (934) .
قال عبد الرؤوف المناوي – رحمه الله -:
" (أربع) أي خصال أربع كائنة.
(في أمتي من أمر الجاهلية) أي: من أفعال أهلها.
(الفخر في الأحساب) أي: الشرف بالآباء، والتعاظم بمناقبهم.
(والطعن في الأنساب) أي: الوقوع فيها بنحو قدح، أو ذم.
(والاستسقاء بالنجوم) أي: اعتقاد أن نزول المطر بنجم كذا.
(والنياحة) أي: رفع الصوت بندب الميت، وتعديد شمائله.
فالأربع: محرَّمات، ومع ذلك لا تتركها هذه الأمة، أي: أكثرهم، مع العلم بتحريمها " انتهى.
" التيسير بشرح الجامع الصغير " (1 / 273) .
فأعيدي النظر في طريقة تعاملك مع الناس، ولا يحل لك ازدراء أحد من الناس، وما أنتِ فيه من نعمة من انتسابك لأهل البيت ليس لك فيه كسب، وإنما الفضل الحقيقي بما تعملينه، وتكسبينه من الصالحات:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ) رواه مسلم (2699) .
قال النووي رحمه الله:
" مَعْنَاهُ: مَنْ كَانَ عَمَله نَاقِصًا , لَمْ يُلْحِقهُ بِمَرْتَبَةِ أَصْحَاب الْأَعْمَال , فَيَنْبَغِي أَلَّا يَتَّكِل عَلَى شَرَف النَّسَب , وَفَضِيلَة الْآبَاء , وَيُقَصِّر فِي الْعَمَل " انتهى من شرح صحيح مسلم.
وإن بقيتِ على حالك هذه: صارت تلك النعمة نقمة، وخسرتِ أشياء كثيرة، فتضيع عليك حسناتك، وتأخذين سيئات غيرك، وهذا هو عين الإفلاس:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ؛ التَّقْوَى هَاهُنَا ـ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاَ مَرَّاتٍ ـ. بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) .
وليكن قدوتك سيد آل البيت جميعاً، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف كان يعامل الكبار، وكيف كان رحيماً بالصغار، وكيف كان يصبر على الأعراب، ويقدِّم العجمي – كسلمان الفارسي لدينه – وليس في منهج حياته اعتبار لنسبه في تعامله مع الآخرين، وهذه حياته بين يديك، قلبي صفحاتها، وتأملي معانيها، واستغرقي في أحوالها: فلن تجدي حرفاً منها يماثل، ولا يقارب ما أنت عليه من حال.
نسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن ييسر أمرك، ويهدي قلبك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1655)
يطلق مخطوبته التي ارتكب معها بعض المحرمات حتى لا يفكر بالرجوع إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[خطبت فتاه وصار بيني وبينها بعض القبلات، مما أدى إلى كراهيتي لها ثم تركتها وخطبت أخرى ولكن الإحساس بالذنب ظل يطاردني وكلما زاد قلت لنفسي بصوت واضح على الخطيبة الأولى هي طالق.. طالق حتى لا يحق لي الرجوع لها وكي أثبت نفسي مع الثانية ولكن يشاء الله أن تفسخ الخطوبة بالثانية لمشاكل عائليه وفكرت في الرجوع للأولى ولكنى قد طلقتها قبل أن أكتب عليها فهل يجوز لي العودة إليها كي أكفر عن ذنبي أم أنها لا تحل لي]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجب على المسلم أن يتقي الله في بنات المسلمين ونسائهم، وأن لا يتعدى حدود الله، فمن تعدى حدود الله فقد ظلم نفسه، ولا يؤمن الرجل حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وحتى يكره له ما يكره لنفسه، ولا تجد رجلا في العالمين ذا دين ومروءة وعقل يرضى لنفسه أن يخطب أحدهم ابنته أو أخته ثم يصنع معها ما لا يحل له من التقبيل والخلوة المحرمة ونحو ذلك.
فليتق الله كل امرئ في محارم الله، وحرمات المسلمين.
ثانيا:
لا بد أن تعلم أخي المسلم أن الخاطب أجنبي عن المخطوبة؛ لأن الخطبة مجرد وعد بالزواج، وليست زواجا، ولا يحل له من مخطوبته شيء مما يحل له من امرأته، وإنما هي أجنبية عنه تماما.
قال ابن قدامة في "المغني" (7/74) :
" لَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا ; لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِغَيْرِ النَّظَرِ , فَبَقِيَتْ عَلَى التَّحْرِيمِ ; وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْخَلْوَةِ مُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ , فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ , فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ} وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا نَظَرَ تَلَذُّذٍ وَشَهْوَةٍ , وَلَا لِرِيبَةٍ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ يَنْظُرُ إلَى الْوَجْهِ وَلَا يَكُونُ عَنْ طَرِيقِ لَذَّةٍ " انتهى.
وقال الشيخ العثيمين:
" المرأة المخطوبة كغير المخطوبة في النظر إليها، والتحدث إليها والجلوس معها؛ أي إن ذلك حرام على الإنسان، إلا النظر بلا خلوة إذا أراد خطبتها. وإذا كان الرجل يريد أن يستمتع بالجلوس إلى مخطوبته والتحدث إليها فليعقد النكاح.
وخلاصة القول أنه يحرم على الخاطب أن يتحدث مع مخطوبته في الهاتف، أو يخلو بها في مكان، أو يحملها في سيارته وحده، أو تجلس معه ومع أهله وهي كاشفة الوجه " انتهى باختصار
"فتاوى نور على الدرب" (10/87) مختصرا.
ثالثا:
حيث إن المخطوبة أجنبية، لا تحل له إلا بالعقد، فتطليقها قبل العقد لغو وليس بشيء، لأن الطلاق لم يصادف محله، وقد روى أبو داود (2190) وابن ماجة (2047) وأحمد (6893) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا طَلَاقَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ) .
وإسناده حسن، وله شواهد، انظر: "إرواء الغليل" (7/151)
وقال البخاري في صحيحه (5/2017) :
" بَاب لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) َقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ) انتهى.
والخلاف في هذه المسألة مشهور:
قال ابن رشد:
" وأما تعليق الطلاق على الأجنبيات بشرط التزويج مثل أن يقول: إن نكحت فلانة فهي طالق فإن للعلماء في ذلك ثلاثة مذاهب: قول إن الطلاق لا يتعلق بأجنبية أصلا عم المطلق أو خص، وهو قول الشافعي وأحمد وداود وجماعة، وقول إنه يتعلق بشرط التزويج عم المطلق جميع النساء أو خصص، وهو قول أبي حنيفة وجماعة، وقول إنه إن عم جميع النساء لم يلزمه، وإن خصص لزمه، وهو قول مالك وأصحابه " انتهى.
"بداية المجتهد" (2/67)
والصواب في ذلك ما تقدم؛ أنه لا طلاق قبل النكاح، وهو قول جمهور السلف.
قال ابن عبد البر:
" قول من قال لا يلزم طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك لا إذا خص ولا إذا عم:
ثبت ذلك عن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وسعيد بن المسيب وشريح والحسن وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وعلي بن حسين وأبي الشعثاء جابر بن زيد والقاسم بن عبد الرحمن ومجاهد ومحمد بن كعب القرظي ونافع بن جبير بن مطعم وعروة بن الزبير وقتادة ووهب بن منبه وعكرمة.
وبه قال سفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود ومحمد بن جرير الطبري " انتهى مختصرا.
الاستذكار - (6 / 188- 189)
وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجل حلف بالطلاق أنه ما يتزوج فلانة، ثم بدا له أن ينكحها، فهل له ذلك؟
فأجاب: " له أن يتزوجها ولا يقع بها الطلاق إذا تزوجها عند جمهور السلف وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما " انتهى.
مجموع الفتاوى - (ج 32 / ص 170) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة:
أن رجلا حلف أنه كلما تزوج امرأة فهي طالق، أو كل امرأة يتزوجها فهي كذا؟
فأجابت اللجنة:
" تعليق الطلاق قبل النكاح لا يقع على الصحيح من قولي العلماء؛ لما روى الترمذي وحسنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طلاق قبل نكاح " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/192)
على أن محل الخلاف المذكور هنا، هو فيما لو قال: إن تزوجت فلانة، فهي طالق، أو: أيما امرأة تزوجتها فهي طالق؛ وأما إن طلق امرأة أجنبية عنه، دون أن يعلق تطليقها بنكاحه إياها، فهو لغو، من غير شك، ولا يتعلق به طلاق أصلا.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" الطلاق قبل العقد لا يقع؛ لأنه لا يصح إلا من زوج، والخاطب الذي لم يعقد النكاح ليس زوجا، فلا يصح طلاقه ولا يقع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق)
انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/191)
والخلاصة: أن ما ذكرته من تلفظك بالطلاق في حق مخطوبتك السابقة، لغو ليس له أثر في نكاحها، ولا يمنعك ذلك من العودة إلى نكاحها، متى رغبت بذلك، وبدا لك أن ذلك من الخير.
رابعا:
كونك تريد العودة إليها كي تكفر عن ذنبك، فإن سبيل تكفير الذنب ليس هو العودة إليها، وإنما هو الاستغفار والتوبة إلى الله، والندم على ما وقع منك، والحرص على المحافظة على حرمات المسلمين، ثم لا شك أن رجوعك إليها إن كان في ذلك المصلحة لك ولها، لا شك أن به تطييبا لخاطرها، ومراعاة لحالها، على أن يكون هذا الرجوع بسبيل الاستقامة والتوبة عما بدر من قبل، كما أن عليها الاستغفار والتوبة أيضا مما كان منها، وعلى أن تتعلم أنت وهي من ذلك الدرس: كيف أن الشيطان يسعى بالإنسان للوقوع في المعصية، ثم يسعى به إلى إلقاء البغضاء في قلوب أهلها. وتأمل بيان الله عز وجل لنا حال المودات والصداقات بين أهل المعاصي، كيف يكون أمرها: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) الزخرف/67.
ولقد يكون السبب في ورطتها معك أنها سعت لإرضائك، حتى تتم زاجها بك، ونسيت سخط رب العالمين.
كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ؟
فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ: (سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ؛ مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ) .
رواه الترمذي (2414) مرفوعا، وموقوفا على عائشة، والصواب وقفه، كما قال الدارقطني رحمه الله، وغيره. انظر: العلل، للدارقطني (14/183) .
ولذلك قالوا:
" أول من يزهد في الغادر: من غَدر له الغادر. وأول من يمقت شاهد الزور: من شهد له به. وأول من تهون الزانية في عينه: الذي يزني بها ".
"الأخلاق والسير"، لابن حزم (75) .
والخلاصة:
أنه لا حرج في رجوعك إلى مخطوبتك السابقة، على أن يسبق ذلك: توبة منك ومنها، عما بدر منكما، وعلى أن تتعلما من ذلك الدرس الماضي، ثم تبادر بإتمام الزواج في أقرب وقت ممكن لك.
ثم شيء نصارحك به: أننا لمسنا منك وسواسا ظاهرا، ونخشى عليك أن يؤثر ذلك في حياتك، وهذا هو الذي دفعك للتلفظ بذلك؛ فاحذر باب الوسواس، لا ينغص عليك عيشك، ولا يفسد عليك دنياك وأخراك.
وراجع إجابة السؤال رقم (98452) – (87496)
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1656)
حكم النظر إلى النساء المتبرجات بقصد أو بغير قصد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النظر إلى النساء المتبرجات: بقصد، أو بغير قصد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إن النظر بقصد لا يجوز، لقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/2، وقد جعل الله سبحانه وتعالى العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته، وفي الصحيح (أن الفضل بن عباس رضي الله عنهما دفع يوم النحر من مزدلفة إلى منى فمرت ظعن [أي: نساء] يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه إلى الشق الآخر) . قال ابن القيم في "روضة المحبين": هذا منع - أي للنظر إلى الأجنبيات- وإنكار بالفعل، فلو كان النظر جائزاً لأقره عليه، قال: وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، واللسان يزني وزناه النطق، والرجل تزني وزناها الخطى، واليد تزني وزناها البطش، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) . فبدأ بزني العين لأنه أصل زنا اليد والرجل والقلب والفرج. ونَبَّه بزني اللسان بالكلام على زنى الفم بالقُبَل. وجعل الفرج مصدقاً لذلك إن حقق الفعل، أو مكذباً له إن لم يحققه. قال: وهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصي بالنظر، وأن ذلك زناها، ففيه رد على من أباح النظر مطلقاً. ا. هـ.
وأما النظر بغير قصد من الناظر فلا يعاقب عليه إذا لم يتعمده القلب، فإذا أتبعه نظراً آخر أثم، روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن جرير رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن بريدة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: (يا عليّ، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة) قال الترمذي: حسن غريب. ففي هذين الحديثين دليل على أنه إذا صرف النظر في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم. وفي (باب نظر الفجأة، وما كره من النظر) من (كتاب الورع) للإمام أحمد بن حنبل رواية أبي بكر أحمد بن محمد المروذي عنه ما نصه: قلت لأبي عبد الله [يعني: الإمام أحمد] : رجل تاب وقال: لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية، غير أنه لا يدع النظر، قال: أي توبة هذه؟! قال جرير: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري) " انتهى.
"فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله" (10/16-18) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1657)
التحايل على قوانين الدول الكافرة بدعوى الطلاق من أجل الحصول على المال
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في السويد وهناك كثير من الرجال هنا يطلقون زوجاتهم في المحكمة على الورق دون أن يلفظوا لفظة الطلاق، وهذا لكي يحصلوا على شقتين وراتبين منفصلين، ثم يعيشون في بيت واحد، ويؤجرون البيت الآخر، فهل يقع الطلاق في هذه الحالة؟ وإذا كان لا يقع فهل يجوز للمسلم أن يعيش ويتحايل على القانون في هذه البلاد بدلاً من أن نظهر لهم أخلاق الإسلام الكريمة وندعوهم إلى الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كتب الإنسان الطلاق كتابة مستبينة واضحة ونوى الطلاق، فإن الطلاق يقع باتفاق الفقهاء رحمهم الله؛ لأن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق , فأشبهت النطق ; ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب , بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ الرسالة , فبلغ بالقول مرة , وبالكتابة أخرى.
وأما إن كتب الطلاق ولم ينو بذلك الطلاق فلا يقع طلاقه عند جمهور العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (10/504) : " فأما إن كان كتب ذلك من غير نية , ففي إحدى الروايتين عن أحمد: يقع، وهو قول الشعبي , والنخعي , والزهري , والحكم ; لما ذكرنا.
والثانية: لا يقع إلا بنية، وهو قول أبي حنيفة , ومالك , ومنصوص الشافعي ; لأن الكتابة محتملة , فإنه يقصد بها تجربة القلم , وتجويد الخط , وغم الأهل , فلم يقع من غير نية " انتهى بتصرف.
وانظر: "بدائع الصنائع" (4/239) ، "الشرح الكبير" (2/384) للدردير؛ "مغني المحتاج" (3/284) ؛ "الإنصاف" (22/230) .
فعلى هذا؛ لا يقع الطلاق بكتابته على الورقة في المحكمة ما دام أنه لم يقصد بذلك الطلاق.
وانظر جواب السؤال رقم (72291) (72860) .
ثانياً:
الواجب على المسلم أينما كان أن يكون أميناً صادقاً في أقواله وأفعاله وتعاملاته وتصرفاته مع الآخرين، ولو كانوا غير مسلمين، فلا يجوز له الكذب والغش، فإن ذلك من كبائر الذنوب، قال صلّى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيِه كَانَ مُنَافِقًا خَاِلصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) رواه البخاري (34) ومسلم (58) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنَ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) مسلم (102) .
والتحايل على النظام بادّعاء الطلاق من أجل الحصول على منفعة مادية من الشقة والراتب، غِش وكذب وتزوير لا يجوز، ولو كان في دولة كافرة، ما دام أنه يقيم في تلك الدولة بأمان رسمي من الدولة.
فما دامت تلك الدولة قد أمَّنته، وتحميه وتحافظ عليه وعلى أمواله، فالواجب عليه أن يكون أميناً تجاه تلك الدولة، فلا يجوز له خيانتها أو غشها.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: "إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان، فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم، أو يبلغوا مدة إقامتهم، وليس لهم ظلمهم أو خيانتهم" انتهى.
"الأم" (4/263) .
فالواجب على من يقيم في بلاد غير المسلمين أن يلتزم شرع الله ويتحلى بآداب الإسلام وأخلاقه الفاضلة، كي يظهر لغير المسلمين فضل الإسلام وعظمته، حتى يأخذوا عنه انطباعا حسنا، لا أن يخالف تعاليم الإسلام ويرتكب ما نهى عنه، فيسيء بذلك إلى نفسه والإسلام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1658)
رأت جدَّها القدوة الحسنة لها في موقف مشين مع الخادمة، فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 16 عاماً، ورأيت موقفاً من شخص كان لا يماثله أحد في نصحه، وفي توجيهه، كان قمة في الأخلاق، يغبطه الجميع بعلمه، وحكمته، هذا الشخص هو جدي، والذي يبلغ من العمر70 عاماً، رأيته في وضع مزرٍ مع خادمته، بحيث لا أعلم كيف أصف لك ما رأيت، بل أصابني الذهول، وانصدمت، ولم أتمالك أعصابي، تمنيت أن أموت ولم أر هذا الموقف، وكان الموقف الذي رأيته قد حصل تكراراً بينهم، والسؤال: ماذا أعمل؟ وماذا أفعل؟ فأنا أرحم جدتي التي هي زوجته، فهي إنسانة رائعة، وزوجة مخلصة، وأخاف عليها، فهي مريضة، فأنا في تفكير مستمر، وهم دائم لا أهنأ بأكل، ولا شرب، ولا نوم، هل ما رأيته حلال أم حرام أم سحر؟ ولمن أبوح لهذا السر الخطير؟ مع العلم أن معاملته مع الخدم رائعة، فهو يلبي لهم جميع طلباتهم، لا يقصر أبداً. أريد حلاًّ عاجلاً، أرجوك، فأنا لم أذق من يومها طعماً للراحة أبداً. وجزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليُعلم أن ما فعله جدُّك هو من قبائح الذنوب، وأيّاً ما وصل إليه من درجات في علاقته الجنسية مع تلك الخادمة: فإنه يعدُّ منكراً مغلَّظاً، ويستوجب إثماً أشد من إثم غيره؛ وذلك لكونه شيخاً كبيراً، بل وله زوجة! وقد جاء في الشرع المطهَّر ما يؤكد هذا المعنى ويوضحه، وهو أنه حيث تقل دواعي المعصية من فاعلها: فإنه يزداد إثماً إذا تجرأ عليها وفعلها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ) .
رواه مسلم (107) .
قال النووي – رحمه الله -:
وأما تخصيصه صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى " الشيخ الزاني، والملِك الكذاب، والعائل المستكبر " بالوعيد المذكور: فقال القاضي عياض: سببه: أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بُعدها منه، وعدم ضرورته إليها، وضعف دواعيها عنده، وإن كان لا يُعذر أحدٌ بذنب، لكن لما لم يكن إلى هذه المعاصي ضرورة مزعجة، ولا دواعي معتادة: أشبه أقدامهم عليها المعاندة، والاستخفاف بحق الله تعالى، وقصد معصيته، لا لحاجة غيرها؛ فان الشيخ لكمال عقله، وتمام معرفته بطول ما مرَّ عليه من الزمان، وضعف أسباب الجماع، والشهوة للنساء، واختلال دواعيه لذلك عنده ما يريحه من دواعي الحلال في هذا، ويخلي سرَّه منه، فكيف بالزنى الحرام؟! وإنما دواعي ذلك: الشباب، والحرارة الغريزية، وقلة المعرفة، وغلبة الشهوة؛ لضعف العقل، وصغر السن ... .
" شرح مسلم " (2 / 117) .
وقال المناوي – رحمه الله -:
ولهذا قيل: مَن لم يرعوِ عند الشيب، ولم يستح من العيب، ولم يخش الله في الغيب: فليس لله فيه حاجة، شيبٌ، وعيبٌ.
" فيض القدير " (3 / 437) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فهؤلاء الثلاثة اشتركوا في هذا الوعيد، واشتركوا في فعل هذه الذنوب مع ضعف دواعيهم؛ فإن داعية الزنا في الشيخ ضعيفة، وكذلك داعية الكذب في الملك ضعيفة؛ لاستغنائه عنه، وكذلك داعية الكبر في الفقير، فإذا أتوا بهذه الذنوب مع ضعف الداعي: دلَّ على أن في نفوسهم من الشر الذي يستحقون به من الوعيد ما لا يستحقه غيرهم.
وقلَّ أن يشتمل الحديث الواحد على جُمَل إلا لتناسب بينهما، وإن كان قد يخفى التناسب في بعضها على بعض الناس، فالكلام المتصل بعضه ببعض يسمَّى حديثاً واحداً.
" مجموع الفتاوى " (18 / 14) .
ثانياً:
من الواجب عليكِ الآن وقد رأيتِ من جدك معصية منكرة:
1. أن تنصحي جدكِ، وتعِظيه، وتخوفيه بالله رب العالمين، وتذكريه بوجوب حفظ نفسه، وخشية العار في الدنيا والآخرة، وهذا هو واجب شرعي عليكِ، لا يسعك تركه والتخلي عنه، ولتدَعي الذهول، والصدمة، وتمني الموت، فهذا لا تنتفعين به أنتِ، ولا يستفيد منه جدُّك، بل عليك المبادرة بفعل ما ذكرناه لك تجاهه، بل عليك السعي في إقناعه بإخراج هذه الخادمة من البيت، ونقلها لعمل آخر، أو ردها إلى أهلها، لينقطع عنه دابر الفتنة والفساد.
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ) . رواه مسلم (55) .
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. رواه البخاري (501) ومسلم (56) .
2. والأمر نفسه تفعلينه مع الخادمة، مع تهديدها بإخبار أهلك عنها، وطردها من البيت، فلعلها هي من تغوي ذلك الشيخ الكبير.
3. ومن مهماتك أيضاً: الانتباه لعدم وقوع خلوة في البيت بينه وبينها، والحيلولة دون حصوله بما تملكينه من قدرة.
4. ويجب عليك الستر على جدك والخادمة، وإعطاؤهما فرصة للتوبة، والإنابة؛ فإن الله تعالى يحب الستر.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( ... ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه البخاري (2310) ومسلم (2580) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه مسلم (2590) .
قال النووي – رحمه الله -:
قال القاضي: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يستر معاصيه، وعيوبه عن اذاعتها في أهل الموقف، والثاني: ترك محاسبته عليها، وترك ذِكرها.
قال: والأول أظهر؛ لما جاء في الحديث الآخر (يقرره بذنوبه يقول: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم) .
" شرح مسلم " (16 / 143) .
فإن أصرَّ على فعل المعصية، ولم يرعو بالنصح والتذكير: فبإمكانك أن تخبري جدتك فقط بفعله؛ أو إن كان له أحد من أبنائه، بإمكانه أن يؤثر عليه، ويمنع ذلك المنكر، والدك ـ مثلا ـ أو أحد أعمامك؛ فهو أفضل، حرصا على عدم صدمة جدتك. والمهم ـ على كل حال ـ هو ردعه عن اكتساب الإثم.
5. ويجب عليكم إن كان جدك صاحب شهوة ويرغب بالزواج: أن تعينوه على ذلك، ففي الزواج ستر له، وقضاء لشهوته، ونقترح عليك أن تخبري بذلك والدك، ليعرض عليه الزواج قبل إخباره بأنهم يعلمون منه فعل تلك المعصية، فلعله بالزواج أن يستغني عن مواجهته، وإحراجه.
ثالثاً:
ونحن نشكر لك غيرتك على حرمات الله أن تنتهك، ونشكر لك حب الخير لأهلك أن لا يأتي واحد منهم ما يُغضب ربه تعالى، ولعل هذه الحادثة أن تكون خيراً لجدك؛ وذلك بأن يُحدث توبة صادقة، وأن ينتبه لنفسه، وسنِّه، فيزداد من فعل الخيرات، وأداء الطاعات، وليس الأمر سحراً، ولا تخييلاً، إنما هي شهوة يؤججها فيه الشيطان، ولعل مرض زوجته مما أثَّر في إقباله على ذلك المنكر، وفي مثل هذا السن نرجو أن يكون للنصيحة والموعظة أثرهما البالغيْن عليه، ولعله يستحيي منكِ وهو القدوة الحسنة.
وانظري جواب السؤال رقم: (111911) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1659)
هل يزوِّر في عمره من أجل التقاعد المبكر في شركته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة " أرامكو "، ويوجد نظام " تقاعد مبكر " لمن يصل عمره خمسون عاما، بحيث يحصل على العلاج مدى الحياة، فهل يجوز تغيير العمر بطلب زيادة العمر عن طريق الأحوال المدنية، وإعادة التسنين، بدون دفع، أو تحديد عمر معين، لكن الهدف الحصول على العلاج؛ لأن التقاعد قبل الخمسين لا يوجد معه علاج؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الكذب وتغيير العمر من أجل الحصول على العلاج المجاني الذي تقدمه الشركة، فهذا داخل في الكذب والغش، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم (101) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) رواه البخاري (6094) ومسلم (2607) .
والواجب على المؤمن أن يكون صادقاً في أقواله وأفعاله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1660)
كانت تسخر وتستهزئ بمن حولها وتخشى أن تبتلى وتعاقب
[السُّؤَالُ]
ـ[اسأل عن الاستهزاء بالناس، أنا تقريبا نصف كلامي استهزاء وسخرية بالناس، مثلا كنت استهزئ بفتاة كانت كبيره بالسن وما تزوجت فكنت أعايرها أمامها بالعنوسة وكنت اقصد اجرحها لأنه كانت بيني وبينها مشاكل كثير 00 واستهزئ أحيانا إما بشكل احد أو مستوى احد أو أبناءهم أو أي شي 00 وقبل فتره قريبه قرأت موضوعاً عن الاستهزاء وعقوبته وأنها ترجع للشخص بالدنيا بنفس العيب اللي استهزاء فيه وقرأت هذي الجملة (من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله) وبعدها أصابني رعب كبير واستغفرت ربي وصرت أحاول أن ابتعد عن ذلك. فسؤالي هو: ما هي الطريقة سواء إذا كانت الاستغفار أو صدقه أو كفارة أو أي شيء آخر لأني أخاف من عقوبة ربي ويصيبني مثل الأشخاص الذين استهزأت بهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز الاستهزاء بالناس أو السخرية بهم أو تعييرهم بعيب أو ذنب؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الحجرات/11.
وقال تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الهمزة/1.
والهمز يكون بالإشارة، واللمز يكون بالقول، واللماز هو العيّاب الطعان، والويل: واد في جهنم.
وفي هاتين الآيتين الكريمتين: تحريم السخرية، وتحريم اللمز والهمز، وتحريم التنابز بالألقاب، والإخبار بأن ذلك فسوق وظلم، وتوعّد فاعل ذلك بالويل، وإرشاد العباد إلى أمر عظيم وهو أن الخيرية عند الله تعالى ليست بالهيئة والشكل والمظهر، فقد يسخر الإنسان ممن هو خير منه وأفضل، عند الله تعالى.
ثم من الذي يسلم من العيوب، حتى يعيب غيره؟!
ولو فرض وجود إنسان لا عيب له ظاهر، فهذا حري به أن يحمد الله تعالى، وأن يشكره على نعمته، لا أن يسخر من عباده وخلقه.
ومن الذي يأمن تبدل الحال، وتغير المآل، فقد يمسي الجميل قبيحا، والغني فقيرا، والضاحك باكيا.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية الحجرات: " ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الكِبْر بطر الحق وغَمْص الناس) ويروى: (وغمط الناس) والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقِر له؛ ولهذا قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) ، فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء.
وقوله: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي: لا تلمزوا الناس. والهمَّاز اللَّماز من الرجال مذموم ملعون، كما قال تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الهمزة/1، فالهمز بالفعل، واللمز بالقول، كما قال: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) القلم/11 أي: يحتقر الناس ويهمزهم طاعنًا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة وهي: اللمز بالمقال؛ ولهذا قال هاهنا: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) ، كما قال: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) النساء/29 أي: لا يقتل بعضكم بعضا.
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومقاتل بن حَيَّان: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي: لا يطعن بعضكم على بعض.
وقوله: (وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ) أي: لا تتداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها " انتهى.
وقد بين نبينا صلى الله عليه وسلم أن الإيمان يحمل صاحبه على حسن الخلق، والتواضع للناس، وترك أذاهم بالقول والفعل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ) رواه الترمذي (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وأرشد صلى الله عليه وسلم إلى ما يقوله الإنسان إذا رأى مبتلا، فقال: (مَنْ رَأَى
صَاحِبَ بَلاءٍ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا إِلا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ) رواه الترمذي (3431) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ثانيا:
الحديث الذي أشرت إليه، وهو حديث: (من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله) حديث غير صحيح، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13731) .
ولكن الاستهزاء بالناس محرم، ويُخشى على صاحبه أن يسلب النعمة، وأن يعاقب فيصاب بمثل ما استهزأ به من ذنب أو عيب.
ثالثا:
التوبة من هذه الذنوب المتعلقة بالآخرين: إنما تكون بالتحلل من أصحابها، مع الندم عليها، والعزم على عدم العود لها مستقبلا.
ومن علمت باستهزائك بها فلابد من الاعتذار لها وطلب لعفو والمسامحة، ومن لم تعلم فلا تخبريها بما وقع منك، ولكن.. أكثري من الدعاء والاستغفار لها والثناء عليها.
وأكثري من الصدقة بالمال والأعمال الصالحة، فإن الصدقة تكفر الخطيئة، والحسنات يذهبن السيئات.
ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، ويغفر ذنبك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1661)
وسائل إعلام بلده تطعن في الإسلام وأحكامه، وكلمة مهمة حول الاختلاط وعمل المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من دولة إسلامية, لذلك فإن 90% من السكان مسلمون، لكن 5% من هذه النسبة يتبعون الأحكام الإسلامية، فأصبح عندنا قراءة الجريدة، ومشاهدة التلفاز: من الأمور التي تدل على الحضارة، لكن وسائل الإعلام هنا من تلفاز، وجريدة , تحاول طمس الإسلام من المجتمع، فيحاولون إثبات خطأ الكتاب والسنَّة، وقام بعض الفتيات المكشوفات الوجه بمناقشة أمور عن الإسلام , فقلن مثل هذه الأمور: يقلن بجواز عمل المرأة مع الرجال، وأن هذا ثابت بالكتاب والسنَّة، ويقلن بجواز اختلاط الرجل بالمرأة للدراسة في نفس الصف، ويقلن إن الأصوليين متطرفون ـ فصار الناس يبصقون على الأصوليون عندنا ـ ويقلن بجواز الربا في الإسلام، فإذا تكلمتُ ودافعت عن الدِّين: فسوف أعدّ متطرفاً، مما يؤدي بي إلى السجن، فما حكم من يحاول هدم الإسلام وذلك بتفسير الكتاب والسنَّة بهذه الطريقة؟ وكيف لي أن أحمي أقاربي، وأهلي من هذا الأمر؛ فهم بعيدون من الدِّين؟ وهل يعدّون كفاراً إذا آمنوا بما يُبث تلفزيونيّاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تكفَّل الله تعالى بحفظ كتابه ودينه، فقال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحِجْر: 9، وإنما أغاظ أعداءَ الدين: انتشارُ الإسلام في الآفاق، وظهور دينه تعالى على الأديان كافة، تحقيقاً لوعد الله تعالى حيث قال: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة/ 33، الصف/ 9
لذا فلا عجب أن يحاول أعداء الإسلام النيل من القرآن والسنَّة والأحكام الشرعية، فقد امتلأت قلوبهم غيظاً على حال أديانهم المحرفة، وأفكارهم البالية، وقوانينهم التافهة، وقد أظهر الله الإسلام في الأرض، وأعلى شأنه، ولا عجب بعد ذلك من معرفة أنه أكثر الأديان نموّاً، وقد دخل فيه وتشرف بالانتساب إليه: قادة، وعلماء، ومفكرون، وأدباء، وساسة، وهذا كله مع ما يصحب هذا الدين من تشويه لأحكامه، وطعن في شرائعه، من المنافقين في داخله، ومن الكفار في خارجه.
ثانياً:
حتى ما يحاول هؤلاء الأعداء الطعن في الإسلام من خلاله: فإنه قد ثبت بيقين عند العقلاء والحكماء أن ما جاء به الإسلام هو الحق، والعدل، والعفاف، والأمن، سواء في قضية اختلاط الرجال بالنساء، أو في عمل المرأة، وها هي المجتمعات الغربية ومقلدوهم من الشرقيين يعانون من هاتين القضيتين أيما معاناة، فالنساء في العالم كله يعانين من التحرش الجنسي بهن أقولاً وأفعالاً، والرجال يعانون من أخذ النساء وظائفهم وهم الذين يُطلب منهم الإنفاق على بيوتهم، بينما تذهب رواتب النساء إلى الصالونات، والملابس، والعطور! .
قال الدكتور مازن مطبقاني – حفظه الله -:
أما التعرض للمضايقات الجسدية، أو التحرش الجنسي: فحدِّث، ولا حرج، فإذا كان الاغتصاب يصعب تحديد حالاته بدقة؛ لأن نسبة كبيرة من النساء لا يبلغن عن حدوثه؛ وذلك لصعوبة إثباته، أو للمضايقات التي يتعرضن لها إذا ما أقدمن على الشكوى: فإن تعرض المرأة للمضايقات الجنسيَّة بلغ حدّاً كبيراً، ومما يلفت الانتباه أن ثلثي الشرطيات البريطانيات يتعرضن للمضايقات الجنسية من زملائهن في العمل، مما أدى إلى قيام إدارة الشرطة بتكليف عالمة نفس بدراسة الوضع واقتراح الحلول المناسبة.
ولكن هل ستقدم عالِمة النفس من المقترحات ما يمنع التحرش الجنسي في إدارة الشرطة؟ أعتقد أن المجتمعات الغربية عموماً بلغت ما يسمونه " نقطة ألّا رجوع "، إلا أن يكتب الله لهم الهداية، فقد بدأ الاختلاط بالزعم أنه " يخفف التوتر الجنسي لدى الطرفين، ويسمو بالعلاقة بينهما إلى مستوى إنساني، فلا يعود أحدهما ينظر إلى الآخر من زاوية جنسيَّة فحسب، وهكذا فالمجتمعات التي تقر الاختلاط تشكو من تفاقم المشكلات الأخلاقية التي تنجم عن العلاقات بين الجنسين.
وقد خصصت مجلة " النيوزويك " الأمريكية Newsweek ملفاً للحديث عن السلوك الجنسي للرجال مع النساء والنساء مع الرجال، وحرصت على تقديم تعريف للاغتصاب، ونظراً للاختلاط الذي تعرفه المجتمعات الغربية منذ مئات السنين: فمن الصعب تحديد ما هو الاغتصاب.
ووصل الأمر بانتشار حالات الاغتصاب إلى أن امرأة تعمل شرطية في شرطة لندن تعرضت للاغتصاب في أحد القاطرات في لندن، في وقت متأخر، وهي في طريق عودتها إلى بيتها، وقد انزعجت الشرطة في لندن من ازدياد حوادث الاغتصاب، لذلك قامت بإصدار بعض التعليمات لمواجهة هذه الحوادث، ومن التعليمات:
أ. الاحتشام في اللباس.
ب. عدم وضع الأيدي في الجيوب حتى تكون المرأة مستعدة للدفاع إذا ما تعرضت للاعتداء.
ج. عدم الجلوس في الحافلات في الطابق العلوي إذا كانت الحافلة خالية، والحرص على الركوب قريباً من السائق.
ولكن أنَّى لهن أن يسمعن موعظة، وقد ذكرني هذا بمحامية أمريكية عجوز استضافها التلفزيون الأمريكي قبل أكثر من عشرين سنة للتحدث في مشكلة الاغتصاب، فذكرت أن النساء هنَّ سبب ما يقع لهن من حوادث اغتصاب، حيث الملابس الفاضحة، والخروج وحيدات دون حماية من رجل، وأضافت أن الرجل مهما كان مكتفياً غريزيّاً: فإن منظر عري النساء يثيره.
كما أن الاختلاط الذي يعيشه الغرب يتسبب إلى حد ما فيما يعانيه الغرب، حتى إن مجلة "المختار Reader's Digest قد نشرت تحقيقاً حول الاختلاط في العمل في مجالات الحياة المختلفة، وما يتسبب فيه من إثارة الغرائز هو أحد أسباب انتشار الجرائم الجنسيَّة، ومما أوردته المجلة في تحقيقها: " أينما يعمل الرجال، والنساء معاً: فإن " الافتتان " يأتي بوحي من واقع الميدان (العمل المختلط) وليس هذا الانجذاب بسبب سيطرة إفرازات زائدة لهرمون " الأدريانين " فحسب، ولكن في أي مكان عمل (مختلط طبعاً) من المعمل إلى المكتبة العامة ".
هذه الفطرة التي فطر الخالق سبحانه وتعالى عليها، وهي الانجذاب بين الجنسين: يريد الغرب كبتها في العمل، وهو ليس بمستطيع، وهذا ما يقوله أحد العاملين بمعهد العلاقات بين الجنسين في مدينة " سانتا باربرا " بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية: " لا يمكننا أن نشرع قانوناً لإبقاء الميول الغريزية خارج نطاق العمل، فهذه الميول جزء من شخصية الفرد، لا تستطيع أن تعطل أداءها بضغطة زر لأنك موجود في العمل ".
ولعل من أسباب هذه الأوضاع أن الحضارة الغربية كما يرى علي عزت بيجوفتش قد " أحالت المرأة إلى موضوع إعجاب، أو استغلال، ولكنها حُرِمَت من شخصيتها، وهو الشيء الوحيد الذي يستحق التقدير، والاحترام، وهذا الموضوع مشهود بشكل مضطرد، وقد أصبح أكثر وضوحاً في مواكب الجمال، أو في بعض مهن نسائية معينة مثل " الموديلات "، وفي هذه الحالات لم تعد المرأة شخصية، ولا حتى كائناً إنسانيّاً، وإنما هي لا تكاد تكون أكثر من حيوان جميل ".
" الغرب من الداخل، دراسات للظواهر الاجتماعية " (ص 55 – 57) .
فها أنت ترى ما جرَّه الاختلاط بين الرجال والنساء على تلك المجتمعات، وماذا صار حال النساء اللاتي يعملن في بيئات مختلطة، أو يتركن بيوتهن، وأزواجهن، وأولادهن، فهدمن بيوتهن، وخانهن أزواجهن، وتشرد أولادهن، ولا عجب بعدها إن علمنا أن ستة ملايين امرأة في أمريكا وحدها تركن أعمالهن ليتفرغن لعمل البيت، ولرعاية الأولاد، والعناية بالزوج، وانظر تعليمات الشرطة البريطانية للنساء بالاحتشام، وعدم الخلوة! فها هو الإسلام يدعون له دون التصريح بتسميته، وللأسف ها هم الزنادقة والمنافقون والجهلة يشككون الناس في الإسلام، ويطعنون به تصريحاً، وتلميحاً، سرّاً، وعلانية.
ثالثاً:
أما وصف وسائل الإعلام الغربية، ومن يقلدها من الإمعات المسلمين المتمسكين بدينهم بالأصوليين، والمتطرفين: فهي تتمة لحلقات ذلك المسلسل السخيف، والذي كان أبطاله طغاة المشركين، وجلاوزة الملحدين، والذين اتهموا الأنبياء وأتباعهم بما ليس فيهم؛ تنفيراً للناس عنهم، وعن دعوتهم، والمسلم ينبغي أن يتوقع هذا من أعداء الدين، ولا ينبغي أن يؤثر ذلك على دعوته، وتبليغه دين الله تعالى، فيكفيه أن سلفه هم الأنبياء عليهم السلام، ويكفيهم أن سلفهم هم أعداء الله، ورسله عليهم السلام، قال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) الذاريات/ 52، بل اسمع ماذا قال رأس الكفر فرعون عن موسى عليه السلام، قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) غافر/ 26.
وانظر لمزيد بيان حول هذه المسألة: جواب السؤال رقم: (9431) .
رابعاً:
وعلى المسلم أخذ كامل حيطته وحذره من أولئك الذين يتهمون المسلمين ظلماً وزوراً، وعليه واجب تكذيب أولئك بأقواله، وأفعاله، فيحتاط من شرهم، وكيدهم، ويرد عليهم قولاً وعملاً بحسب قدرته، واستطاعته، ولا يكلفه الله تعالى فوق طاقته، فبعض البلاد تستبيح حرمات الدعاة إلى الله تعالى، وتسلك معهم سبلاً كثيرة لصدهم عن دعوتهم، ولو أن أهل الخير والصلاح كانوا كثرة في بلادهم لتغير تعامل حكوماتهم معهم، فالدعوة إلى الله، وتكثير سواد أهل الدِّين مما يقوي ظهر الدعوة، ويحمي الدعاة، بإذن الله تعالى.
وأما إذا كانت الظروف الأمنية في بلد الأخ السائل – وغيره – مما لا يستطيع معها إظهار دعوته: فليكتف تقوية إيمانه، وزيادة علمه الشرعي، مع دعوة الخاصة من أقربائه، وأصدقائه، دون الحاجة لإعلان ذلك على رؤوس الملأ.
خامساً:
لا ننصحك بالاهتمام كثيراً بحكم من يستمع لطغاة الإعلام، ويصدِّق قولهم؛ فإنه تعتري أولئك موانع كثيرة تمنع الفقيه من إلحاقهم بالزنادقة، والملحدين؛ لأنه يُلبَّس عليهم في أشياء تُعرض عليهم قد تكون حقيقية – كتفجير، أو قتل – ثم يجعلون ذلك ملصقاً بكل من تمسَّك بدينه، لذا فإننا لا نحبذ لك – ولا لغيرك – الاهتمام بالحكم الشرعي على هؤلاء الناس؛ لاختلافه باختلافهم، علماً، وفهماً، وإدراكاً.
ونرى أن تنصب جهودك – أخي السائل – على دعوتهم – نقصد أهلك وأقرباءك – واستعمال الحكمة في ذلك، مع تقديم مزيد من الأدلة والبراهين على كذب وسائل الإعلام تلك في دعواها، وعلى أنكم على الإسلام الصحيح، وعلى الحق المبين، وأن تكونوا قدوة صالحة لأولئك المدعوين؛ لتكذبوا وسائل الإعلام تلك بأقوالكم، وأخلاقكم، وأفعالكم، فنحن الآن في مقام الدعوة والبيان، ولسنا في مقام القضاء والسلطان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1662)
اكتشف زوجها علاقة لها سابقة مع عشيق صورها وهي عارية، فماذا يصنعون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أكملت الدراسة الجامعية، عندما كنت في الدراسة: كان معنا شاب بالفصل، تقرَّب إليَّ إلى أن جعلني أحبه في السنة الأخيرة من الدراسة، وكان يريد الزواج، وفعلاً تقدم لخطبتي، لكن أهلي رفضوا، وحاول عدة مرات، ولكن دون جدوى، فازداد تمسكي به، وكنا نتكلم بالهاتف ساعات، وبدأنا نمارس الجنس بالهاتف! وبعدها اتفقنا على لقاء في بيتنا، بعد خروج الأهل إلى الدوام، ونحن نتغيب، ونبقى وحدنا بالبيت، فمكَّنته من نفسي، لكن من الخلف! وصوَّرني وأنا عارية بموافقتي! لكي يحتفظ بها للذكرى؛ لأنه لم يقطع الأمل مني، كنت غائبة عن وعيي، وبعد فترة سافر، وتقدم رجل متدين، وطيب، فقبلتُ به؛ لأني ندمت على ما فعلت، فتزوجت منه، ولكن الفاجعة هو أني لم أكن بكراً، ففي البداية قلنا - أنا وزوجي - يمكن الغشاء مطاطي، والغشاء ليس دليل للعذرية، فتقبل الأمر زوجي، ولكن اتضح أنه يبحث، وأخذ إيميلي، وفتحه، كنت نسيت مسح الرسائل المرسلة مني للعاشق، فعرف أن لي علاقة غير شرعية، فجنَّ جنونه، فقرر أن يطلقني، ولكن لأنه متدين قرر ذلك بعد كم شهر؛ لكي يسترني، ولكن هو يحبني، واعترفت له بكل شيء، وأخبرته أنه لم يأتني من الأمام، وأني تبت، فبقيت معه، وأصبح لنا طفل، والآن يريد أن يطلقني، وهو حائر؛ لأن أهله يحبونني، وهو يحبني، ولكنه يخاف من عشيقي الأول، لربما يفضحني بالتصوير الذي عنده، بالرغم أن عشيقي الأول يحبني، وهو متفهم لوضعي، ويتصور أن أهلي أجبروني. وبارك لي، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المأساة متكررة، ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة؛ لأن هؤلاء لم يلتفتوا لشرع الله تعالى فيعظموه، ولم يأبهوا بالنواهي فيتركوها، فأبوا إلا أن يكونوا ألعوبة بيد إبليس يحركها كيف يشاء.
هذه السائلة وقعت في معاصٍ متعددة، أولها: دخول الجامعة المختلطة، ولطالما حذر العلماء الربانيون من هذه الفتنة، وبينوا ما فيها من مفاسد، وما تسببه من آثام، وقليل من يستجيب لهذا الحكم، وكثير لم يخرج منها إلا بمرض قلب، أو موت حياء، أو فاحشة يحمل همها إلى قبره، أو تلويث عرض له، ولأهله، لا يزول مع تعاقب الليل والنهار.
وثاني هذه المعاصي: العلاقة المحرمة مع ذلك الذئب البشري، ثم الخلوة المحرمة في بيتها، ونعجب كيف تصل الأمور بفتاة أن يكون عرضها أهون شيء عندها، فتكون هي الداعية لذلك الذئب ليفترسها في بيتها، فتخون دينها، وأهلها الذين ائتمنوها.
وثالث هذه المعاصي: اللواط، وهو كبيرة من كبائر الذنوب.
ورابعها: التصوير، وليت الأمر اقتصر على صورة لوجهها، بل رضيت أن تظهر عارية بالكامل! فإنا لله وإنا إليه راجعون!
وهذه الآثام والمعاصي ليست بالهينة، وأضرارها متعدية، وآلامها مبرحة، ولذا لا نعجب أن يعاقب الله تعالى هذه الفتاة؛ لتعديها على شرع الله تعالى، وإن تابت وصدقت في توبتها فإنما يكون ذلك من الابتلاء، فلعل غيرها ممن يقرأ قصتها هنا أن يرعوي، وأن يكف عن معصية ربه تعالى، وأن يجعل بينه وبين نار جهنم وقاية يقي نفسه بها، ذكوراً وإناثاً.
ونصيحتنا لهذه السائلة:
1. الاستمرار بالتوبة الصادقة، والإكثار من الأعمال الصالحة.
2. مداومة الإحسان لزوجها، والعشرة له بالمعروف.
3. دعاء الله بصدق وإخلاص أن يكشف عنها الغمة، وأن يهديها لما يحب ويرضى.
ونصيحتنا للزوج:
1. أن يقبل توبة زوجته، فالمعصية قديمة، والتوبة تجب ما قبلها، وما من أحد إلا وله ذنب يحب أن يُستر، ويُغفر، فليكن منه قبول لتوبتها، يستر ذنبها، ويتجاوز عنه، كما يحب أن يستر الله ذنبه، ويتجاوز عنه، وهي ليست خائنة له، ولو أنها فعلت ما فعلت أثناء الحياة الزوجية لحقَّ له أن يتشدد في أمرها، أما وقد كان ذلك أيام مراهقتها، ورضي هو بالتزوج من فتاة جامعية وهو يعلم حال الجامعات المختلطة، وأصبحت الآن تائبة، وصارت أم طفل له: فالمرجو أن يكون ذلك كله شافعاً عنده ليبقيها في ذمته، وينسى ما كان منها، ويكفيها حسرة ذنبها، وألم معصيتها، فلا يزيد عليها عذاب الطلاق والفراق.
2. أن يقدِّر المفاسد والمصالح في ذلك الطلاق والفراق، فهو سيخسر تائبة من ذنبها، وسيفرق بينه وبين ابنه، وهو يحبها، وأهله يحبونها، ففي اعتقادنا أن المفاسد كثيرة، وسيبقى متندماً على ذلك الطلاق لو حصل منه، ولا يدري الإنسان فقد يبتلى ويُمتحن بمثل ما يعامل الناس، فليحذر.
3. وهمسة في أذن الزوج: لم يكن لك التجسس على بريد زوجتك، ولا تقليب صفحات رسائلها، وكونك زوجاً لها لا يبيح لك ذلك، فهي خصوصيات لها، وليس لها تعلق بحياتك الزوجية، وليس من هدي الإسلام تتبع الناس في خصوصياتهم، وفضحهم، ومن هدي الإسلام الستر على أصحاب الذنوب المخفية، وعدم فضحهم والتشهير بهم، ولو أنك لم تعص الله في هذا، ما كنت علمتَ الذي علمتَ مما لا يؤثر على حياتك الزوجية.
ونرجو الله أن يكون ذلك الخبيث قد أتلف تلك الصور المشينة، وأن يهديه، ويصلح باله، ونرجو إن استمر الجمع بينكما أن لا تفكرا في موضوع الصور، ودعوا ذلك لرب العالَمين، فهو يتولى التائبين، والصالحين، وهو يكفيكم شرَّ تلك المعصية والمصيبة.
وهذه رسالة للآباء والأمهات:
اتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في أولادكم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/ 6، فهلاَّ استجبتم لربكم عز وجل، وتركتم ما أنتم عليه من غفلة عما يجري مع أولادكم، وتركتم حثهم على الدراسة أو العمل في أماكن الفتنة، والفساد، وهلاَّ أخلصتم له النصيحة، وأحسنتم لهم التربية؟! إن تقصيراً منكم في جانب من جوانب التربية سيجعلكم تعيشون في ندم، وهم، وغم، طيلة عمركم، وإن تفريطاً منكم في تربية أولادكم سيجعلكم تعيشون خزياً، وعاراً، لا ينمحي مع الأيام والليالي.
إن القصص المؤلمة كثيرة، وإن كلامنا نابع من حبنا للناس أن يطهروا أنفسهم، وأولادهم، وقد سمعنا، وقرأنا ما تشيب له رؤوس الولدان، فنرجو أن تكون مثل هذه القصص موعظة لنا لننتبه لأولادنا، واللَّهُ (خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) يوسف/ من الآية64.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1663)
كيف يتصرف مع والده الذي يترك الصلاة ويشرب الخمر ويتناول المخدرات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم هجري لأبي لأنه لا يصلي، وإذا صلى يصلي بالبيت، ويتعاطى الحبوب، والمسكر، بالرغم من نصحي له باستمرار، ولا يقدِّر أني شاب ملتزم؟ وهل عليَّ إثم في عدم إعطائه فلوساً عندما يطلبني، لأني أعلم أنه سوف يصرفها فيما يغضب الله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يهدي والدك للحق، وفعل الصواب، وأن يخلصه من المنكرات والآثام، ونسأله تعالى أن يُعظم لك الأجر على صبرك، وتحملك، وعلى غيرتك على الشرع.
واعلم – أخي السائل – أن ما تحكيه عن والدك أمر جلل، وتركه للصلاة كفر يخرج به من الملة، وليس الأمر كذلك لو أنه صلى في البيت؛ فإن ترك صلاة الجماعة في المسجد أمر يترتب عليه الإثم العظيم، ويجعل صاحبه تحت الوعيد.
ولا يشك مسلم في حرمة الخمر، وسوء أثرها على البدن، والعقل، وخطر آثارها على البيت والمجتمع، والأمر أشد – حكماً، وأثراً – إذا كان يتناول معها الحبوب المخدرة، كما ذكرت عن والدك، فقد جمع أنواع الخبائث في المسكر، هداه الله، ورده إلى طاعته.
وبسبب هذه الحال التي وصل لها والدك: فإن عليك أن تفكر مليّاً بدعوته، وهدايته، وأن تعوِّد نفسك على الصبر على ذلك، ومزيد من التحمل؛ وذلك لأسباب:
1. أنه من حق والدك عليك: أن تدعوه للاستقامة، وأن تبذل ما في وسعك لئلا يموت على تلك الحال السيئة.
2. كما أن من حق أهلك عليك: أن تنقذهم من خطر والدك، وأن تنتشلهم من براثن معاصيه ومنكراته، ولا يمكن أن يكون – غالباً – مثل هذا في بيت فيه زوجة وأولاد: إلا وينتقل من شره وسوء تصرفاته وقبح أفعاله لهم، وقد يفتن بمنكراته تلك بعض من في البيت من أهلك، فلهذا صار من حقهم عليك أن تجعل بينهم وبين الفتنة بوالدهم حاجزاً منيعاً.
واعلم – أخي السائل – أنه ليس بالهجر تُحل مثل تلك المشكلات؛ لأن مثل ذلك الهجر الذي تذكره في سؤالك هو إراحة لك، وتخلصٌ من حملٍ ثقيل، وهمٍّ وغمٍّ عظيمين عليك، وليس في الهجر مصلحة للمهجور ليرتدع، ويرعوي عن أفعاله، ومنكراته، فكن على علم بهذا، وإياك أن تفعل ما ترتاح به ليشقى أهلك بسببه.
ولو كنَّا نرى خطراً عليك بمنكرات والدك، وأنك قد تفتن بتلك المعاصي لكان للهجر لتلك البيئة التي يعيش فيها وجه من الصواب، لكن يظهر لنا من التأمل في سؤالك أنه ليس ثمة خطر عليك من منكرات والدك وأفعاله السيئة.
نعم، يمكنك ترك الإنفاق عليه، والامتناع عن إعطائه المال؛ لئلا يستعمله في شراء المحرَّمات، بل يحرم عليك بذل شيء من المال وأنت تعلم أنه يستعمله في المحرَّمات، والله تعالى أمرنا بالتعاون على البر والتقوى، ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان فقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/من الآية2، ولا شك أن إعطاء والدك من المال ما يشتري به تلك المحرمات يعد من التعاون على الإثم والعدوان، وفي الوقت نفسه لا تعاقب أهلك بترك الإنفاق عليهم، بل تعاهدهم بالنفقة، كما تتعاهدهم بالنصح، والتوجيه، والإرشاد.
وابذل ما تستطيعه من وسائل شرعية مباحة في دعوة والدك وهدايته، ومن ذلك:
1. انظر من يمكنه التأثير عليه من أقربائه، أو جيرانه، أو أصدقائه، العقلاء، الأمناء، واجعلهم يسعون معك في ثنيه عن تصرفاته المنكرة، وكف نفسه عن ارتكاب الموبقات.
2. ولك أن تفصل أهلك – والدتك وأشقاءك – عنه، فتجعلهم في بيت خاص مستقل، فلعلَّ ذلك أن يؤثر فيه، فيترك ما يغضب ربه، ويوجب له الوعيد.
3. وعليك أن تقف موقفاً شديداً من قرناء السوء الذين يحثون والدك ويشجعونه على ارتكاب تلك المنكرات، ولو كان بالشكوى عليهم، أو تهديدهم بها، مع الغلظة بالقول والفعل.
4. كما ننصحك بالتعاون مع الإخوة في " هيئة الأمر بالمعروف " في منطقتك؛ فإن لهم خبرات واسعة في هذا الباب، ولديهم طرق شتى في تخليص أصحاب المعاصي والمنكرات من أفعالهم ومعاصيهم.
5. واحرص – أنت ووالدتك وأشقاؤك – على الدعاء له بالهداية، والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى، وأن يعجل في تركه للحرام، ولا تغفلوا عن هذا السلاح العظيم؛ فإن القلوب بين يدي الله تعالى يقلبها كيف يشاء، وقد يرى الله تعالى منكم صدقاً، وإخلاصاً، في الدعاء، فيعجل بهداية والدكم، ويقر أعينكم برؤيته على أحسن حال.
والنظر إلى والدك يكون بعينين: بعين القدَر فترحمه، وتشفق عليه؛ لارتكابه للمنكرات، وبعين الشرع فتبغض أفعاله وموبقاته.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
وَاجْعَلْ لِقَلْبِكَ مُقْلَتينِ كِلاَهُمَا ... للحَقِّ في ذَا الخَلْقِ نَاظِرَتَانِ
فانظُرْ بِعينِ الحُكمِ وَارحَمهُم بِهَا ... إذْ لا تُرَدُّ مَشِيئةُ الدَّيَّانِ
وانظُرْ بِعَيْنِ الأمرِ واحْمِلْهُمْ عَلَى ... أحْكَامِهِ فَهُمَا إذاً نَظَرانِ
وَاجْعَلْ لِوجْهكَ مُقْلَتَينِ كِلاَهُما ... مِنْ خَشْيِةِ الرَّحمنِ بَاكيَتَانِ
لَوْ شَاءَ رَبُّك كُنْتَ أيضاً مِثْلَهُمْ ... فَالقَلْبُ بَيْنَ أصَابِعِ الرَّحْمَنِ
" الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية " (ص 19، 20) .
وقد سبق في موقعنا الجواب عن مشكلات تشبه مشكلة والدك، وكتبنا فيها ما يمكن أن تستفيد منه، بالإضافة لما سبق من الجواب أعلاه، فانظر أجوبة الأسئلة: (95588) و (104976) و (27281) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1664)
خلوة الطبيب مع الممرضة في غرفة الكشف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيب في غرفة الكشف ترافقني ممرضة في نفس الغرفة، وحتى يحضر مريض يحصل بيننا حديث في أمور شتى، فما هو رأي الشرع في هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز لك الخلوة بالمرأة، ولا يجوز أن يخلو ممرض أو طبيب بممرضة أو طبيبة، لا في غرفة الكشف، ولا في غيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) [رواه الترمذي (1171) وصححه الألباني في صحيح الترمذي] .
، ولما يفضي إليه ذلك من الفتنة إلا من رحم الله، ويجب أن يكون الكشف على الرجال للرجال وحدهم، وعلى النساء للنساء وحدهن" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 431) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1665)
حقيقة المسلسلات المدبلجة وعظيم خطرها على المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[مما لا شك فيه أن القنوات الفضائية وما تعرضه من عادات وتقاليد تخالف ديننا الإسلام محرمة شرعاً , ولكن فضيلة الشيخ سمعت أن مشاهدة المسلسلات المدبلجة هي أشد حرمة من غيرها، وأنها تبطل الصلاة 40 يوماً , أرجو من فضيلتكم إفادتنا بما أنكم بعد الله وبعد الرسول عليه الصلاة والسلام أعلم به منا , وجزاكم الله خيراً وجعله في موازين حسناتكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا فرق من حيث الحكم بين المسلسلات العربية، وبين تلك المدبلجة، وما يوجد من مخالفات في منكرات في الأولى: فإنه يوجد في الثانية، وبعض المسلسلات العربية تفوق تلك المدبلجة بالفساد والسوء، وإنما التنافس بينها في أيهما أكثر إفساداً للمسلمين، وارتكاباً للمعاصي والمنكرات.
ولعلَّ من ذهب إلى أن مشاهدة هذه المسلسلات أشد حرمة إنما نظر إلى ما تواطأت هذه المسلسلات على نشره، من تبرج سافر، وقصص غرامية ملتهبة، وقبلات فاضحة، وخيانة للأزواج والزوجات، ومع ما في حلقاتها من طول قد تصل في بعض الأحيان إلى (300) حلقة!! : إلا أنك قد تجد المفتونين بها من الذكور والإناث يحرصون على متابعتها، ويعرفون أوقات عرضها وإعادتها، ولم يكتفِ أساطين الفساد في الأرض بالمسلسلات المكسيكية والإسبانية والفرنسية حتى أضافوا إليها التركية، وفتنوا بها الذكور والإناث، فالويل لهم إن لم يتوبوا ويكفوا عن نشر الفواحش والمنكرات في البلاد وبين العباد، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النور/ 19.
سئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
ما حكم مشاهدة المسلسلات التي تذاع بالتلفزيون؟ .
فأجاب:
على المسلم أن يحفظ وقته فيما يفيده وينفعه في دنياه وآخرته؛ لأنه مسؤول عن هذا الوقت الذي يقضيه بماذا استغله، قال تعالى: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ) فاطر/ 37، وفي الحديث: أن المرء (يسأل عن عُمُره فيما أفناه) .
ومشاهدة المسلسلات: ضياع للوقت، فلا ينبغي للمسلم الانشغال بها، وإذا كانت المسلسلات تشتمل على منكرات: فمشاهدتها حرام، وذلك مثل النساء السافرات، والمتبرجات، ومثل الموسيقى، والأغاني، ومثل المسلسلات التي تحمل أفكاراً فاسدة، تخل بالدين والأخلاق، ومثل المسلسلات التي تشتمل على مشاهد ماجنة تفسد الأخلاق؛ فهذه الأنواع من المسلسلات لا تجوز مشاهدتها.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 346، السؤال رقم 516) .
وقال – حفظه الله -:
مشاهدة المسلسلات والأفلام الأجنبية فيها خطورة شديدة على العقيدة، والأخلاق؛ لأنها لا تخضع للرقابة، والذين يقومون بإعدادها لا يتقيدون بأحكام الإسلام، ولا شك أنها إذا اشتملت على مواد فاسدة: فإنها تؤثر فيمن يشاهدها سواءً، فعليك باجتنابها، والحذر منها، ولا تُدخلها بيتك.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 61، السؤال رقم 90) .
ومن يمكِّن أهله – وخاصة بناته – من مشاهدة تلك المسلسلات والأفلام فإنما هو غاش لرعيته، آثم في تصرفه، وهو يوشك أن يرى أثر تلك المشاهدات حسرة، وندامة، وخسارة، فهل هو بعينه يرى ابنه متعلقاً بتلك الممثلة الجميلة، يحتفظ بصورتها، ويعلقها، وها هو يرى ابنته متعلقة بذلك الممثل الوسيم، وتعلق صورته في غرفتها، وهل يظن الأب الغافل أن الأمر ينتهي عند التعلق القلبي والتعليق للصور؟ إن الأمر له عواقبه الخطيرة، لو كانوا يعقلون.
وهناك خطبة جمعة حول تلك المسلسلات للشيخ سلطان العويد بعنوان (المسلسلات المدبلجة) :
ثانياً:
أما الزعم بأن مشاهدة تلك المسلسلات المدبلجة يبطل الصلاة أربعين يوماً: فهو من الكذب على شرع الله، ومثل هذه الأحكام لا تصدر إلا بوحي من رب العالمين، وقد سبق في جواب السؤال رقم: (21227) أن نقل بعض السائلين عن أحد الجهلة أنه أوجب كفارة صيام أربعين يوماً على متابعة تلك المسلسلات! وليس يعني هذا التهوين من شأنها، فقد تكون آثام تلك المسلسلات أعظم بكثير مما زعموه، ولكنَّ الشأن هنا هو في نسبة تلك الكفارات لشرع الله تعالى من غير دليل.
فعلى الآباء والأمهات أن يقوا أنفسهم أولاً نار الله تعالى، وأن يتقوا الله تعالى فيما جعله الله تعالى أمانة في أعناقهم، وليحذروا من تمكين الفساد في بيوتهم، سماعاً، ومشاهدة، وقد يسَّر الله تعالى بدائل كثيرة مباحة في تلك القنوات التي تبث الخير، وتنشر الفضيلة، وتقوي الإيمان، وتزرع الحياء، وتغرس العفاف، مع ما فيها من برامج ترفيهية للأطفال مباحة، وأخرى تثقيفية للكبار، وهي إن لم تكن موجودة ليس لهم حجة في تمكين تلك القنوات الفاسدة في بيوتهم، فكيف وقد وجدت؟! .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1666)
كيف يتخلص من العجب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتخلص الإنسان من العجب بطريقة عملية؟ فأحياناً عندما أفعل شيئاً - سواء طاعة، أو فعل خير - أشعر بشيء من العجب، وذلك يضايقني كثيراً، فكيف أتخلص من ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يرزقنا جميعا الإخلاص في السر والعلن.
اعلم أخي السائل أن العجب آفة يعاني منها الكثير من الناس، وتكمن خطورتها في الانصراف عن الثناء على الله إلى الثناء على النفس، وهي تتعارض مع واقع الانكسار والتذلل المستحب في طاعة المولى عز وجل.
وقد قرر علماء السلوك والأخلاق أن سبب العجب في الحقيقة هو الجهل المحض أو الغفلة أو الذهول، فإذا صاحب ذلك إطراء الناس للشخص وكثرة ثنائهم عليه، مع ضعف مراقبة الله عز وجل وقلة الورع والخشية، اجتمعت على المرء هذه الآفة الشديدة فأهلكته إلا أن يتداركه الله برحمته.
قال ابن القيم رحمه الله: " جهله بنفسه وصفاتها وآفاتها وعيوب عمله، وجهله بربه وحقوقه وما ينبغي أن يعامل به يتولد منهما رضاه بطاعته وإحسان ظنه بها، ويتولد من ذلك من العجب والكبر والآفات ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة من الزنا وشرب الخمر والفرار من الزحف ونحوها " انتهى.
"مدارج السالكين" (1/175) .
وللعلماء في بيان طرق التخلص من هذه الآفة كتابات عديدة، من أوسعها وأفضلها وأدقها ما كتبه العلامة ابن حزم الأندلسي رحمه الله، ونحن ننقله هنا بشيء من الاختصار الذي يحقق المقصود ولا يخل به إن شاء الله تعالى:
قال رحمه الله:
" من امتُحن بالعجب فليفكر في عيوبه، فإن أُعجب بفضائله فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنيئة، فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه فليعلم أن مصيبته إلى الأبد، وأنه لأتم الناس نقصاً، وأعظمهم عيوباً، وأضعفهم تمييزاً.
وأول ذلك أنه ضعيف العقل، جاهل، ولا عيب أشد من هذين؛ لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغالَبَها وسعى في قمعها، والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه.
واعلم يقيناً: أنه لا يسلم إنسي من نقص، حاشا الأنبياء صلوات الله عليهم، فمن خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط، وصار من السخف والضعة والرذالة والخسة وضعف التمييز والعقل وقلة الفهم بحيث لا يتخلف عنه متخلف من الأرذال، وبحيث ليس تحته منزلة من الدناءة، فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها، وعن عيوب غيره التي لا تضره في الدنيا ولا في الآخرة.
وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة إلا الاتعاظ بما يسمع المرء منها، فيجتنبها ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله تعالى وقوته.
وأما النطق بعيوب الناس فعيب كبير لا يسوغ أصلاً، والواجب اجتنابه إلا في نصيحة من يتوقع عليه الأذى بمداخلة المعيب، أو على سبيل تبكيت المعجَب فقط في وجهه، لا خلف ظهره.
ثم تقول للمعجَب: ارجع إلى نفسك، فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك، ولا تُمَيِّل [أي: توازن وتقارن] بين نفسك وبين من هو أكثر عيوباً منها فتستسهل الرذائل وتكونَ مقلِّداً لأهل الشر، وقد ذم تقليد أهل الخير، فكيف تقليد أهل الشر! لكن ميِّلْ بين نفسك وبين من هو أفضل منك، فحينئذ يتلف عجبك، وتفيق من هذا الداء القبيح الذي يولد عليك الاستخفاف بالناس، وفيهم بلا شك من هو خير منك، فإذا استخففت بهم بغير حق، استخفوا بك بحق؛ لأن الله تعالى يقول: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) .
فإن أعجبت بعقلك: ففكر في كل فكرة سوء تحل بخاطرك، وفي أضاليل الأماني الطائفة بك، فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ.
وإن أعجبت بآرائك: فتفكر في سقطاتك، واحفظها ولا تنسها، وفي كل رأي قَدَّرته صواباً فخرج بخلاف تقديرك وأصاب غيرك، وأخطأت أنت، فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك بصوابه، فتخرج لا لك ولا عليك، والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك، وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم.
وإن أعجبت بعملك: فتفكر في معاصيك وفي تقصيرك وفي معاشك ووجوهه، فو الله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك، ويُعَفِّي على حسناتك، فليطل همك حينذ، وأبدل من العجب تنقصاً لنفسك.
وإن أعجبت بعلمك: فاعلم أنه لا خصلة لك فيه، وأنه موهبة من الله مجردة، وهبك إياها ربك تعالى، فلا تقابلها بما يسخطه، فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها، تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت.
ولقد أخبرني عبد الملك بن طريف، وهو من أهل العلم والذكاء واعتدال الأحوال وصحة البحث، أنه كان ذا حظ من الحفظ عظيم، لا يكاد يمر على سمعه شيء يحتاج إلى استعادته، وأنه ركب البحر فمر به فيه هول شديد أنساه أكثر ما كان يحفظ، وأخل بقوة حفظه إخلالاً شديداً، لم يعاوده ذلك الذكاء بعد.
وأنا أصابتني علة فأفقت منها وقد ذهب ما كنت أحفظ إلا ما لا قدر له، فما عاودته إلا بعد أعوام.
واعلم أن كثيراً من أهل الحرص على العلم يجِدّون في القراءة والإكباب على الدروس والطلب ثم لا يرزقون منه حظاً، فليعلم ذو العلم أنه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه، فصح أنه موهبة من الله تعالى، فأي مكان للعجب ها هنا! ما هذا إلا موضع تواضع وشكر لله تعالى، واستزادة من نعمه، واستعاذة من سلبها.
ثم تفكر أيضاً في أن ما خفي عليك وجهلته ـ من أنواع العلم الذي تختص به، والذي أعجبت بنفاذك فيه ـ: أكثر مما تعلم من ذلك، فاجعل مكان العجب استنقاصاً لنفسك واستقصاراً لها، فهو أولى.
وتفكر فيمن كان أعلم منك، تجدهم كثيراً، فلتهن نفسك عندك حينئذ.
وتفكر في إخلالك بعلمك، وأنك لا تعمل بما علمت منه، فعلمك عليك حجة حينئذ، ولقد كان أسلم لك لو لم تكن عالماً، واعلم أن الجاهل حينئذ أعقل منك وأحسن حالاً وأعذر، فليسقط عجبك بالكلية.
ثم لعل علمك الذي تعجب بنفاذك فيه من العلوم المتأخرة التي لا كبير خصلة فيها، كالشعر وما جرى مجراه، فانظر حينئذ إلى مَن عِلمُهُ أجل من علمك في مراتب الدنيا والآخرة، فتهون نفسك عليك.
وإن أعجبت بشجاعتك فتفكر فيمن هو أشجع منك، ثم انظر في تلك النجدة التي منحك الله تعالى فيم صرفتها، فإن كنت صرفتها في معصية فأنت أحمق؛ لأنك بذلت نفسك فيما ليس ثمناً لها، وإن كنت صرفتها في طاعة، فقد أفسدتها بعجبك، ثم تفكر في زوالها عنك بالشيخوخة وأنك إن عشت فستصير من عدد العيال، وكالصبي ضعفاً.
على أني ما رأيت العجب في طائفة أقل منه في أهل الشجاعة، فاستدللت بذلك على نزاهة أنفسهم ورفعتها وعلوها.
وإن أعجبت بجاهك في دنياك: فتفكر في مخالفيك وأندادك ونظرائك، ولعلهم أخساء وضعفاء سقاط، فاعلم أنهم أمثالك فيما أنت فيه، ولعلهم ممن يُستحيا من التشبه بهم لفرط رذالتهم وخساستهم في أنفسهم وأخلاقهم ومنابتهم، فاستهن بكل منزلة شاركك فيها من ذكرت لك، وإن كنت مالك الأرض كلها، ولا مخالف عليك؟!!
واعلم أن عجبك بالمال حمق؛ لأنه أحجار لا تنتفع بها إلا أن تخرجها عن ملكك بنفقتها في وجهها فقط، والمال أيضاً غاد ورائح، وربما زال عنك، ورأيته بعينه في يد غيرك، ولعل ذلك يكون في يد عدوك، فالعجب بمثل هذا سخف، والثقة به غرور وضعف.
وإن أعجبت بحسنك ففكر فيما يولد عليك مما نستحي نحن من إثباته، وتستحي أنت منه إذا ذهب عنك بدخولك في السن، وفيما ذكرنا كفاية.
وإن أعجبت بمدح إخوانك لك: ففكر في ذم أعدائك إياك، فحينئذ ينجلي عنك العجب؛ فإن لم يكن لك عدو: فلا خير فيك، ولا منزلة أسقط من منزلة من لا عدو له، فليست إلا منزلة من ليس لله تعالى عنده نعمة يحسد عليها، عافانا الله.
فإن استحقرت عيوبك: ففكر فيها لو ظهرتْ إلى الناس، وتمثل إطلاعهم عليها، فحينئذ تخجل، وتعرف قدر نقصك إن كانت لك مُسكة من تمييز.
وإن أعجبت بنسبك: فهذه أسوأ من كل ما ذكرنا؛ لأن هذا الذي أعجبت به لا فائدة له أصلاً في دنيا ولا آخرة، وانظر هل يدفع عنك جوعة، أو يستر لك عورة، أو ينفعك في آخرتك. وإن أعجبت بقوة جسمك: فتفكر في أن البغل والحمار والثور أقوى منك وأحمل للأثقال.
وإن أعجبت بخفتك: فاعلم أن الكلب والأرنب يفوقانك في هذا الباب، فمن العجب العجيب، إعجاب ناطق بخصلة يفوقه فيها غير الناطق.
واعلم أن رياضة الأنفس أصعب من رياضة الأسد، لأن الأسد إذا سجنت في البيوت التي تتخذ لها الملوك، أمن شرها، والنفس وإن سجنت لم يؤمن شرها " انتهى باختصار.
"الأخلاق والسير وأثرها في مداواة النفوس" (ص/29-34) ، وانظر: "بريقة محمودية" (2/237)
وانظر جواب السؤال رقم: (12205)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1667)
عمَّتها تعتقد اعتقادات كفرية، وتعمل أعمالاً جاهلية؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية أود الاعتذار لأن الرسالة ستكون طويلة، ولكن ثقتي في سعة صدوركم لتقديم الفائدة كبيرة إن شاء الله، وأود أن تساعدوني بطريقتكم الدعوية لإعادة عمتي للنهج الصحيح للقرآن والسنة. عمتي في الخمسينات من عمرها، ولديها 4 بنات، تزوجت أولاهن في الصيف الفائت، وهي تفعل العديد من الأشياء المنافية للقرآن والسنة، وما يخرج أحيانا من الملة والعياذ بالله، كما نسمع ونتعلم من علمائنا الأفاضل. 1- فعمتي تذهب للمنجمين والعرافين للاستعلام عن أي مشكلة تقع فيها بدعوى معرفة الأسباب الحقيقية وراء المشكلة. 2- أيضا هي تعتقد بنفع وضر الأولياء الصالحين، ولديها وليٌّ نسبت نفسها وبناتها له، وتسعى لتطبيق عاداته أو طريقته كما يقولون، وتذبح له الذبائح، وتخشى منه إذا أخلت ببعض طرقه أن يعاقبها، وتفاصيل ذلك كثيرة، ولكني لا أريد الإطالة. 3- هناك أيضا ظاهرة اجتماعية وهي عبارة عن تعويذة وتسمى هنا (الصفيحة) وهي كالآتي: تقوم الأم قبل بلوغ بناتها بجرحهم 7 جروح خفيفة على مستوى الركبة، ثم تقوم بغمس 7 حبات زبيب، وتقوم البنت بأكلها، ولا أدري إن كان يصاحب ذلك كلام أو لا، هذه التعويذة تجعل الفتاة منيعة من ناحية الاعتداءات الجنسية كما يزعمون، ولا تقوم الأم بنزع هذه التعويذة إلا يوم زواج البنت بنفس الطريقة في المرة الأولى ليتمكن زوجها من الدخول بها، وإذا حدث ونسيت ذلك فلن يستطيع الزوج أن يفعل شيئاً مهما حاول حتى تستدعى الأم وتقوم بفك التعويذة، والحديث منسوب لعمتي التي قامت بها لجميع بناتها، وتبرر صحة هذه العادة بالعديد من الحالات التي نسيت الأم فتح التعويذة ولم ينجح الأزواج بالدخول بزوجاتهم إلا بعد فكها، ولما سألتها هل لديها عنها أصل في القرآن والسنة فربما كانت حراماً قالت لي أكل شيء تحرمونه، هذه عادة معروفة والعديد من الناس يفعلونها ومعروفة بنجاعتها. 4- كل هذا بالإضافة لمشاهدة الأفلام والفيديو كليب بجميع أنواعه و" ستار أكاديمي "، وما إلى ذلك من البرامج التليفزيونية، وأيضا تعلق الصور بالبيت والتحف الفخارية على شكل عرائس وحيوانات، وحضور حفلات الأعراس الممتلئة بالمعاصي، فهي أيضاً قامت بتزويج ابنتها بهذه الطريقة. المحير أنها تصلي وتذهب كل جمعة للمسجد للصلاة، وتقرأ القرآن، وتتصدق، ولكنها ترفض التسليم بتحريم ما تفعله كلما خاض بعض الأقارب الموضوع معها، وتقول: كل شيء تريدون تحريمه، ثم أنا أخاف - وتعني بذلك من الولي -. أنا أريد التحدث معها منذ مدة، ولكني أجلت ذلك لأدعم كلامي بفتاوى من العلماء مدعمة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأشهر تفاسير العلماء كي لا أدع لها مجالاً للتشكيك فيما أقول، فأرجو من فضيلتكم المساعدة لأني سأطبع إجابتكم وأقدمها لها عند حديثي معها كدليل وحجة، وأود نصيحتك في كيفية التحدث معها. وجزاكم الله كل خير، وكلل مسعانا هذا بالنجاح إن شاء الله فهو ولي ذلك والقادر عليه، وهدانا جميعا لما يحب ويرضى، فكما قال عليه الصلاة والسلام بما معناه لأن يهدي بك الله عبداً خيراً لك من حمر النعم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك أختنا السائلة هذه الغيرة على دين الله، ونسأل الله أن يجزيك خير الجزاء عليها، وأن يكلل مسعاكِ في دعوة عمتك بالنجاح، فيهديها الله، ويجعل أعمالها في ميزان حسناتك.
ثانياً:
ولا يخفى عليكِ أختنا الفاضلة انتشار التصوف والقبورية في أرجاء الأرض، فبعض الدول الإسلامية يوجد فيها حوالي 3 آلاف قبر يُعظَّم! وزبائن القبور والمشاهد والأوثان في العالَم الإسلامي يعدون بمئات الملايين! وللأسف أنهم يُحسبون على المسلمين، ويُحسب فعلهم على الإسلام، ولا ندري – حقيقة – كيف لمسلم يشهد الشهادتين يفعل مثل هذا، وهو يعلم ما جاء به نبيه من تحطيم الأصنام، ونقض لعقائد الجاهلية، والتي بعضها أقل كفراً من عقائدهم التي ينسبونها للإسلام، فالجاهليون كانوا إذا أصابهم الضر في البحر دعوا الله مخلصين له في الدعاء، لعلمهم أنه لا ينجيهم من كربهم إلا الله، ومشركو زماننا من أهل القبور والأوثان وتعظيم الأولياء يدعون وليهم في السراء والضراء! .
ثالثاً:
قال الإمام البغوي – رحمه الله -:
الكاهن: هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان، ويدَّعي معرفة الأسرار، ومطالعة علم الغيب، وكان في العرب كهنة يدعون معرفة الأمور، فمنهم من كان يزعم أن له رئيساً من الجن، وتابعة، تُلقي إليه الأخبار، ومنهم مَن كان يدَّعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه.
والعرَّاف: هو الذي يدَّعي معرفة الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها، كالمسروق مَن الذي سرقها، ومعرفة مكان الضالة، وتُتهم المرأة بالزنى، فيقول من صاحبها، ونحو ذلك من الأمور، ومنهم مَن يسمِّي المنجم كاهناً.
" شرح السنَّة " (12 / 182) .
وإتيان العرافين والكهَّان من كبائر الذنوب، وهذا في مجرد الإتيان، وأما من جاءهم مصدِّقاً لهم: فهو كفر مخرج من الملة؛ لمضادة ذلك للإيمان بالله تعالى أنه لا يعلم الغيب إلا هو، ومن باب أولى أن يكون حكم اكاهن والعرَّاف: الكفر المخرج من ملة الإسلام.
عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيٍّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) . رواه مسلم (2230) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
رواه الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (936) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وينظر تفصيل ذلك في جوابي السؤالين: (8291) و (60431) .
رابعاً:
النفع والضر بيد الله، وبأمره عز وجل، وقد كان الكفار في الجاهلية يعتقدون في أصنامهم أنها تنفع مَن عَبَدها، وتضر من كفر بها، فردَّ الله عليه اعتقادهم هذا في أكثر من موضع من كتابه، وبيَّن أن هذا سفه في العقول، فهم الذين نحتوها وصنعوها، فكيف يعتقدون فيها النفع والضر، وهم الذين يلجئون إلى الله وحده لا شريك له في الشدائد، وتضل عنهم آلهتهم ومعبوداتهم في تلك الشدة، فأنَّى يكون لها النفع والضر في الدنيا فضلاً عن الآخرة؟! .
قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) يونس/ 18.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -:
يقول تعالى ذِكره: ويَعبُد هؤلاء المشركون الذين وصفتُ لك يا محمد صفتهم، من دون الله الذي لا يضرهم شيئًا، ولا ينفعهم، في الدنيا، ولا في الآخرة، وذلك هو الآلهة، والأصنام التي كانوا يعبدونها.
(ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) ، يعني: أنهم كانوا يعبدونها رجاء شفاعتها عند الله.
قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وآله: (قل) لهم (أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض) ، يقول: أتخبرون الله بما لا يكون في السموات، ولا في الأرض؟ ؛ وذلك أن الآلهة لا تشفع لهم عند الله في السموات، ولا في الأرض، وكان المشركون يزعمون أنها تشفع لهم عند الله، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وآله: قل لهم: أتخبرون الله أن ما لا يشفع في السموات ولا في الأرض يشفع لكم فيهما؟ وذلك باطلٌ لا تُعلم حقيقته وصحته، بل يَعلم الله أن ذلك خلاف ما تقولون، وأنها لا تشفع لأحد، ولا تنفع ولا تضر.
(سبحان الله عما يشركون) ، يقول: تنزيهاً لله وعلوًّاً عما يفعله هؤلاء المشركون، من إشراكهم في عبادته ما لا يضر ولا ينفع، وافترائهم عليه الكذب.
" تفسير الطبري " (15 / ص 46، 47) .
وقد بيَّن الله تعالى عجز الأوثان والأصنام أن تكشف الضر عن أحد، أو تمنع وقوع الخير لأحدٍ.
قال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنعام/ 17.
وقال: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يونس/ 107.
وقال عز وجل: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فاطر/ 2. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: (وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) .
رواه الترمذي (2516) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ومن ينتسب للإسلام فلا نعجب إن كانت منزلة الولي عنده كمنزلة الأصنام عند الجاهليين، ولا نعجب إن رأيناهم يصرفون عباداتهم لهم، كالنذر، والذبح، والخوف، والخشية، والرجاء، وغير ذلك مما لا ينبغي للموحِّد أن يصرفه إلاَّ لربه وإلهه عز وجل.
ومثل هؤلاء لا تنفعهم صلاتهم، ولا صيامهم، ولا حجهم ما داموا على ذلك؛ لأنهم نقضوا توحيد الألوهية، فصرفوا ما يجب صرفه لله تعالى وحده: صرفوه لأوليائهم، وأوثانهم، كما أنهم نقضوا توحيد الربوبية باعتقادهم في أوليائهم من الأفعال ما لا يقدر عليه إلا الله، كالنفع، والضر، والسخط، والرضا، والثواب والعقاب، كل ذلك من أفعال الله تعالى وحده، لا يشاركه فيه أحد.
وهذا الولي المزعوم ليس من الصالحين، بل هو من أولياء الشيطان الذي يخوف به الشيطان الناس، ليوقعهم في الشرك الأكبر، ولو فُرض أن هذا الولي كان من الصالحين، وأن هذا الذي غلا في شأنه، واعتقد فيه هذه العقائد الجاهلية، لم يكن بعلم الولي ولا إرادته: لم يغير ذلك من حكم التابع شيئاً، ولا ينفعه عند الله شيئاً، وإن كان المتبوع الصالح بريئاً منه ومن شركه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فكل مَن غلا في حيٍّ، أو في رجل صالح، كمِثل عليٍّ رضي الله عنه، أو " عدي "، أو نحوه، أو فيمن يَعتقد فيه الصلاح، كالحلاج، أو الحاكم الذي كان بمصر، أو يونس القتي، ونحوهم، وجعل فيه نوعاً من الإلهية، مثل أن يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده، أو يقول إذا ذبح شاة: باسم سيدي، أو يعبده بالسجود له، أو لغيره، أو يدعوه من دون الله تعالى، مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي، أو ارحمني، أو انصرني، أو ارزقني، أو أغثني، أو أجرني، أو توكلت عليك، أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك، أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى: فكل هذا شرك، وضلال، يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل؛ فإن الله إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب، لنعبد الله وحده لا شريك له، ولا نجعل مع الله إلهاً آخر.
" مجموع الفتاوى " (3 / 395) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
ومعلوم أن الخوف من تلك الأصنام من أشنع أنواع الكفر والإشراك بالله، وقد بيَّن جل وعلا في موضع آخر، أن الشيطان يخوِّف المؤمنين أيضاً، الذين هم أتباع الرسل، من أتباعه وأوليائه من الكفار، كما قال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين) .
"أضواء البيان " (6 / 464) .
خامساً:
أما التعويذة المذكورة في السؤال: فهي من الخرافات، ولا أصل لها في شرع الله تعالى، ولا في واقع الناس، وسبع حبات من الزبيب لا تمنع المرأة من الفجور بها، ولا تمنع الزوج من جماع زوجته بمجردها، اللهم إلا أن يقترن بها شيء من السحر، الذي يفعله شياطين الإنس ليمنعوا الزوج عن زوجته، والزوجة عن زوجها، فهذا ليس من التعاويذ ولا التمائم في شيء، وإنما هو من فعل مردة الشياطين والسحرة.
سادساً:
بخصوص مشاهدة الأفلام، والوقوف على ما فيها من مفاسد وآثام: انظري أجوبة الأسئلة: (3633، 332 4، 1107، 13003، 85232) .
وبخصوص برنامج " ستار أكاديمي ": انظري جواب السؤال رقم: (43775) ففيه بيان من " اللجنة الدائمة " في التحذير منه.
وننصحك أخيراً: بمداومة نصح عمتك، وعدم السآمة من ذلك، وأن تداومي على الدعاء لها، وتحرَّي من أجل ذلك الأوقات والحالات الفاضلة، فلعل الله أن يستجيب دعاءك، وأن يهديها لما فيه صلاح حالها واعتقادها.
سابعاً:
ننبهك ـ أختنا الكريمة ـ أخيراً إلى أن ما جاء في الدعاء الكريم الذي ختمت به سؤالك، وقلت: " وكلل مسعانا هذا بالنجاح إن شاء الله "، فإن ذكر المشيئة هنا مخالف لأدب الدعاء، بل ينبغي للإنسان أن يدعو الله عز وجل بما أحب من خير الدنيا والآخرة، من غير أن يقرن ذلك بالمشيئة، بل يجزم في مسألته، ويتضرع إلى ربها في جوابها.
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ وَليَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا مُكْرِهُ لَهُ) . رواه البخاري (7477) ومسلم (2679) .
قال النووي رحمه الله:
" قَالَ الْعُلَمَاء: عَزْم الْمَسْأَلَة الشِّدَّة فِي طَلَبهَا , وَالْجَزْم مِنْ غَيْر ضَعْف فِي الطَّلَب , وَلَا تَعْلِيق عَلَى مَشِيئَة وَنَحْوهَا , وَقِيلَ: هُوَ حُسْن الظَّنّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِجَابَة.
وَمَعْنَى الْحَدِيث: اِسْتِحْبَاب الْجَزْم فِي الطَّلَب , وَكَرَاهَة التَّعْلِيق عَلَى الْمَشِيئَة , قَالَ الْعُلَمَاء: سَبَب كَرَاهَته أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّق اِسْتِعْمَال الْمَشِيئَة إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّه عَلَيْهِ الْإِكْرَاه , وَاَللَّه تَعَالَى مُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ , وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الْحَدِيث: فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِه لَهُ , وَقِيلَ: سَبَب الْكَرَاهَة أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظ صُورَة الِاسْتِغناء عن الْمَطْلُوب وَالْمَطْلُوب مِنْهُ " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1668)
يحرم بيع السلعة دون بيان العيب الذي فيها ولو باعها لكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أريد بيع سيارتي لغير مسلم، وكنت أعلم بوجود عيب بها، فهل يجب علي إخبار من يريد شراءها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من باع شيئا فيه عيب لزمه بيان العيب، سواء باعه لمسلم أو لكافر، وإلا كان غاشا آثما.
وقد روى البخاري (2079) ومسلم (1532) عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَوْله: (صَدَقَا) ، أَيْ: مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ فِي السَّوْمِ وَمِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي فِي الْوَفَاءِ , وَقَوْله (وَبَيَّنَا) ، أَيْ: لِمَا فِي الثَّمَن وَالْمُثَمَّن مِنْ عَيْبٍ فَهُوَ مِنْ جَانِبَيْهِمَا وَكَذَا نَقْصُهُ. وَفِي الْحَدِيث حُصُول الْبَرَكَة لَهُمَا إِنْ حَصَلَ مِنْهُمَا الشَّرْط وَهُوَ الصِّدْق وَالتَّبْيِين , وَمَحْقُهَا إِنْ وُجِدَ ضِدُّهُمَا، وَهُوَ الْكَذِب وَالْكَتْم , وَهَلْ تَحْصُلُ الْبَرَكَةُ لِأَحَدِهِمَا إِذَا وُجِدَ مِنْهُ الْمَشْرُوط دُون الْآخَرِ؟ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِيهِ" انتهى من "فتح الباري".
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/108) : " من علم بسلعته عيبا , لم يجز بيعها , حتى يبينه للمشتري، فإن لم يبينه فهو آثم عاص، نص عليه أحمد ; لما روى حكيم بن حزام , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا , فإن صدقا وبينا بورك لهما , وإن كذبا وكتما محق بركة بيعهما) متفق عليه، وقال عليه السلام: (المسلم أخو المسلم , لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا إلا بينه له) " انتهى.
وقال أيضاً: (4/113) : " معنى دلَّس العيب: أي كتمه عن المشتري , مع علمه به. أو: غطاه عنه , بما يوهم المشتري عدمه ... وسواء في هذا ما علم به فكتمه , وما ستر , فكلاهما تدليس حرام " انتهى.
وحديث: (المسلم أخو المسلم ... ) رواه ابن ماجه (2246) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، وتحريم الغش لا يختص بالمسلم، بل يحرم الغش مع المسلم والكافر، والتقييد بالمسلم هنا خرج مخرج الغالب.
قال السبكي رحمه الله في تكملة المجموع (11/306) : " وإطلاق المصنف رحمه الله [الرافعي] والأصحاب والشافعي حرمة التدليس ووجوب البيان يتناول ما إذا كان المشتري مسلما أو كافرا، ولفظ الأحاديث التي ذُكرت واستدل بها المصنف رحمه الله إنما تدل على المسلم للمسلم , وهذا ورد في الخطبة على خطبة أخيه , والسوم على سومه، وجمهور العلماء رحمهم الله على أنه لا فرق في ذلك بين المسلم والكافر ... وأما التقييد في هذه الأحاديث فإنه خرج على الغالب ولا يكون له مفهوم , أو أن المقصود التهييج والتنفير عن فعل هذه الأمور مع من يشاركه في الإسلام والآخرة , ويثبت عمومه بدليل آخر. والله أعلم " انتهى.
وقال أيضاً: "والأحاديث في تحريم الغش ووجوب النصيحة كثيرة جدا وحكمها معلوم من الشريعة , وكتمان العيب غش" انتهى من المجموع (11/303) .
فيلزمك بيان العيب الذي تعلمه في سيارتك، سواء بعتها لمسلم أو كافر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1669)
من يوزع هذه الرسالة 25 مرة سيحصل له كذا وكذا!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسل إلي أحد الإخوة رسالة محتواها ما يلي: الرجل الذي رسم الكاريكاتير المسيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم مات بحروق وهو واقف، وحكومة الدنمارك متكتمة على الخبر، فأرجو يا جماعة الخير أن تنشروا الخبر فهنالك أخت فلسطينية رأت في المنام أن الذي ينشر الخبر يفرحه الله بعد أربع ساعات، وهناك رجل اسمه الدكتور عبد الله مصطفى قال: " شهدت بعيني محمد صلى الله عليه وسلم في منامي وأوصاني كلاما على الناس وعلى من يقرأ هذه الرسالة أن يوزعها على الناس وينتظر أربعة أيام فسوف يفرح فرحا شديداً وإذا لم يوزعها فسوف يحزن حزنا شديدا، وهذه أمانة في ذمتنا إلى يوم القيامة أرجوك أخي وزع هذه الرسالة على 25 شخص " انتهى. فما فما قولكم في تلك الرسالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا من الكذب والدجل الرخيص السمج، الذي يقدم عليه أفاكون مختلقون لا يتقون الله تعالى ولا يخافونه، ولا يعلمون عقوبة من يكذب في رؤياه، وقد انتشر هذا الأسلوب الرديء في ترويج بعض الرسائل الفارغة التافهة، فيقال: من نشرها حصل له كذا وكذا، ومن لم ينشرها عوقب بكذا وكذا، وكأن نشرها واجب يأثم الإنسان ويعاقب عليه، وهذا الإيجاب لا مستند له في الشريعة، وليس لأحد أن يحلل أو يحرم أو يوجب على الناس شيئاً إلا بدليل صحيح، كما أن هذه الرسائل يغلب عليها الضعف والركاكة والتفاهة، ولا يبعد أن يكون واضعوها ممن لا يدينون بالإسلام أصلا، ويريدون السخرية من أهله، أو يكونوا من الجهلة الذين يستحلون الكذب بحجة أنه لنشر الخير، كما كان يكذب بعض الرواة قديما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: نحن نكذب له ولا نكذب عليه!
وقد جاء في شأن الكذب في الرؤيا ما روى البخاري (7042) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ) .
وروى البخاري (3059) عن وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ، أَوْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ) .
فالحذر الحذر من الكذب في الرؤيا، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن نشر الكذب وترويجه.
وأما كون الرسام المسيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم مات بالحرق، فلم نقف عليه، ولا يستبعد ذلك، فإن عادة الله تعالى في المتنقص من نبيه صلى الله عليه وسلم هي تعجيل عقوبته وأخذه في الدنيا، مع ما ينتظره من العذاب الأليم في الآخرة.
ولو صح هذا الخبر، لما كان لزاما على كل من علمه أن ينشره، لا مرة ولا خمسا وعشرين مرة، فضلا أن يقال إن من لم ينشره سيعاقب بكذا وكذا، فهذا كما قلنا كذب قبيح، ودجل رخيص، يجب الحذر والتحذير منه، حتى يكف الناس عن هذا الأسلوب في الدعاية والترويج.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1670)
أعطتهن المدرسة أوراقا للاستعداد للامتحان على ألا يخبرن الإدارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 13 سنة، أعاني من الوسواس في أمور الدين والعقيدة. وفي اختبارات هذا الفصل الدراسي الذي انتهى سلمتنا معلمة من المعلمات أوراقا تخص المادة وقالت: ذاكروا من هذه الأوراق ولا تذاكروا من الكتاب ولا تخبروا أحدا عنها، حتى الإدارة والطالبات اللاتي في الدفعات السابقة ولا تخبروا مركز الإشراف التربوي - الذي هو بجانب المدرسة - مشكلتي أن لدينا بنات في الفصل أشك أنهم غير مسلمات، لأني قد سمعتهم يرددون أغنية فيها كلمات شركية، وهناك فتاة أخرى أتذكر في السنة الماضية أنها قالت لي: هناك قناة أعلنت أنه في اليوم الفلاني ستحدث كارثة وكانت الفتاة خائفة ومصدقة بذلك وأنا أيضا صدقت. ولكن عندما تذكرت الآن علمت أن ذلك في علم الغيب ويجب ألا نصدق مثل هذا، وهذه الفتاة في فصلي الآن وأنا أعتبرها غير مسلمة، لذلك قلت لنفسي: لن أتستر عليهم وسأخبر الإدارة عن تلك الأوراق وفعلا أخبرت الإدارة وأخبروني أنه ليس لديهم مانع في ذلك، ثم ظللت أتذكر كلام المعلمة (لا تخبروا مركز الإشراف) فقلت: إني يجب أن أخبر مركز الإشراف، ولعدم استطاعتي قررت أني سأغيب عن هذا الاختبار وغبت وبعدها اتصلت أمي بالمدرسة وأخبرتهم عن سبب غيابي، وأنا لا أظن أنهم أخبروا مركز الإشراف عن الأوراق، والآن سأختبر في يوم السبت أي غدا اختبار هذه المادة وأرجو من الله ألا أختبرها غدا حتى يتسنى لكم أن ترسلوا لي الإجابة قبل موعد الاختبار فأنا لا أدري هل أختبر أم لا؟ وإذا لم يعلم مركز الإشراف بذلك فهل علي شيء؟ ولدي سؤال: هل علي أن أخبر عن أي فتاة رأيت عليها أنها تشرك بالله، أخبر عن أي مخالفة تخالف نظام المدرسة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكرك على غيرتك وحرصك، ونسأل الله تعالى لك المزيد من الصلاح والتوفيق.
ثانيا:
الواجب أن تحذري من الحكم على مسلم أو مسلمة بالكفر أو الشرك، فإن هذا أمر عظيم، ولا يصلح لكل أحد، والتكفير له شروط وضوابط لا يحسنها إلا أهل العلم، فلابد من التحقق من وقوع الكفر الأكبر المخرج من الملة، ثم التحقق من توفر شروط التكفير في حق الشخص المعين، وأنت لم تبيني الكلمات الشركية التي تضمنتها الأبيات، فربما أخطأت في حكمك عليها، كما أن الفتاة التي نقلت خبر القناة مصدقة له، قد تكون جاهلة جهلا تعذر به. ولك في نفسك عبرة، فإنك قد صدقت الخبر المنقول عن القناة أيضا، ثم تبت من ذلك لما علمت أن هذا من الغيب، وهكذا غيرك قد يكون جاهلا أو غافلا فإذا نبه تنبه ورجع.
والأصل أن من ثبت إسلامه بيقين، لم يجز إخراجه منه إلا بيقين أيضا. والواجب عليك أن تبيني لزميلاتك ما ترينه من الشرك في الأبيات، وأن تُحَذِّري من تصديق الكهان والمنجمين، فهذا هو واجبك ودورك، وأما أمر التكفير فمرجعه إلى أهل العلم.
وقد روى البخاري (6104) ومسلم (60) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) .
وروى البخاري (6045) ومسلم (61) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْفُسُوقِ وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ) .
ثالثا:
لا حرج عليك في دخول الاختبار، ولا تفوتي على نفسك فرصة الامتحان، لما في ذلك من المفسدة والمضرة عليك.
رابعا:
إذا رأيت من تقع في مخالفة شرعية، فإنك تقدمين لها النصح والتوجيه، فإن لم يزل المنكر بذلك، جاز لك الاستعانة بإدارة المدرسة لإزالته.
وقد ذكرت في مطلع سؤالك أنك تعانين من الوسواس، فاحذري أن يقودك ذلك إلى تكفير أخواتك المسلمات بالشبهة والظن.
واعلمي أن علاج الوسوسة سهل، وهو بالإكثار من الصالحات، ومخالفة الوسوسة وعدم الالتفات إليها، وانظر جواب السؤال رقم (39684) .
والنصيحة لك أن تحسني معاملتك مع زميلاتك ومدرساتك، ولا يكون كل همك الإبلاغ عنهن في كل شيء تظنين أنه مخالفة، وقد يكون ذلك الظن خطأ منك، كما تبين لك بعد إخبارك إدارة المدرسة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1671)
بيع كاميرات التصوير لمن يستخدمها في التصوير المحرَّم
[السُّؤَالُ]
ـ[يبيع زوجي كاميرات "الديجيتال"، (وهذا هو عمله الذي يتكسب منه) . وبعض زبائنه هم ممن يلتقطون الصور العارية. فهل يجوز له أن يبيع الكاميرات لمثل هؤلاء المصورين وهو يعلم الغرض الذي سيستخدمونها من أجله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز بيع كل ما يستعمل على وجه محرَّم، أو يغلب على الظنّ ذلك ومنها كاميرات التصوير لمن يستخدمها في المحرمات، يراجع جواب سؤال رقم 10668 في حكم التصوير، ولا شك أن بيعها لمن يلتقطون الصور العارية أشد حرمة لقول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة/2، ولا شك أن التقاطهم الصور بها من أسباب انتشار الفاحشة والفساد في المجتمعات، ومن يبيع لهم تلك الكاميرات لا شك أنهَّ يعينهم على نشر الفاحشة. والمعاونة على الحرام حرام.
وبيع كاميرات الديجيتال (التي لا تصدر صور ثابتة) على من يصوِّر الأمور الطيبة (ذات النفع العظيم) كالمحاضرات الإسلامية والخطب أو المباحات كالأشجار والأنهار ومناظر الطبيعة فلا بأس به والواجب على كل تاجر مسلم تقوى الله عز وجل والنصح لإخوانه المسلمين، فلا يبيع إلا ما فيه خير ونفع لهم، ويترك ما فيه ضرر وشرٌّ عليهم، وفي الحلال ما يغنيه عن الحرام. قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب) الطلاق/ 2-3. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1672)
رب البيت يسب الله ودينه! فماذا يصنع أهله وأولاده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يكفر بالله، وعندما يكفر يخرج للحديقة، ويقول: أنا أريد أن أرى السماء عندما أكفر , يعتقد أن العرب شعوب لا تستحق الحياة، والغرب أفضل منهم , ويعتبر الحج تبذيراً للمال، والكعبة كومة أحجار، الناس يدورون حولها، وغيرها من ألفاظ الكفر التي أخاف ترديدها. إذا زجره أولاده: ازداد كفره، وإذا انتظروا هدوؤه: فإنه لا يقول استغفر الله، بل يقول: أنتم أغضبتموني، لكنه يصلي ويصوم! . أهله أناس يخافون الله، ويخافون أن يشملهم الله بعذاب من عنده بسبب ألفاظ الكفر التي يقولها أبوهم، الزوجة هل تطلق منه إن كان يكفر لكنه يصوم ويصلي؟ وأولاده كيف يتصرفون معه إن كان مصرّاً على الكفر عند حصول أي مشكلة بالبيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: (لَيْسَ أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ) رواه البخاري برقم (6099) .
ولولا حلم الله على من سبَّه وشتمه لعاجلهم بالعقوبة، كأن يمسخهم قردة وخنازير، أو يحرق ألسنتهم، أو يسلبهم عقولهم فيسيرون في الطرقات لا يدرون ما يفعلون، وكل هذه نعم من الله تعالى أنعمها على عبيده، ولو شاء لعطلها عنهم، ولكن الله تعالى يمهلهم، ويؤخرهم، فلعل أحداً منهم أن يتوب ويرجع لربه تعالى.
وليُعلم أن حكم ذلك الساب البغيض هو الخروج من الملة، وأنه بسبِّه ذاك صار مرتداً، حبطت أعماله الصالحة كلها، وفُسخ عقد زواجه، فحرمت عليه امرأته المسلمة، وأنه إن مات على تلك الحال ولم يدخل في الإسلام: فلا يُغسَّل، ولا يكفَّن، ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، كما أنه لا يرث، ولا يورث، وأما كونه يصلِّي: فإن هذا ليس بشافع ولا بنافع، ولا بمانع، فلا تشفع له صلاته عند ربه تعالى، ولا في عدم ترتب أحكام الردة عليه، ولا تنفعه صلاته عند ربه؛ لأن الله تعالى سيحبطها، ويحبط أعماله الصالحة جميعها، ولن تمنعه صلاته من أن يكون مع المرتدين، ومنهم.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في "فتاوى الشيخ ابن باز" (28 / 216 , 217) : " لو أن إنساناً يسبُّ الله ورسوله، أو يسبُّ دين الله، أو يستهزئ بدين الله، أو بالجنَّة، أو بالنَّار: فإنه لا ينفعه كونه يصلي، ويصوم، إذا وجد منه الناقض من نواقض الإسلام: بطلت الأعمال، حتى يتوب إلى الله من ذلك.
هذه قاعدة مهمة، قال تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/ 88، وقال سبحانه: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) الزمر/ 65 , 66 " انتهى.
وسئل رحمه الله: لقد سمعت من بعض العلماء المسلمين أن الرجل إذا سب الدين طلقت عليه امرأته، ويلزم له التوبة والاستغفار وعقد قران جديد، وكثيراً ما يحدث هذا الأمر، خاصة وقت الغضب الشديد، فما مدى صحة هذا الكلام؟ .
فأجاب: " سبَّ الدين: ردة عن الإسلام، وكذلك سبُّ القرآن، وسب الرسول: ردة عن الإسلام، وكفر بعد الإيمان، نعوذ بالله، لكن لا يكون طلاقاً للمرأة، بل يفرق بينهما من دون طلاق، فلا يكون طلاقاً، بل تحرم عليه؛ لأنها مسلمة، وهو كافر، وتحرم عليه حتى يتوب، فإن تاب وهي في العدة: رجعت إليه من دون حاجة إلى شيء، أي: إذا تاب، وأناب إلى الله: رجعت إليه، وأما إذا انتهت العدة وهو لم يتب: فإنها تنكح من شاءت، ويكون ذلك بمثابة الطلاق، لا أنه طلاق، لكن بمثابة الطلاق؛ لأن الله حرَّم المسلمة على الكافر، فإن تاب بعد العدة، وأراد أن يتزوجها: فلا بأس، ويكون بعقٍد جديدٍ أحوط؛ خروجاً من خلاف العلماء، وإلا فإنَّ بعض أهل العلم يرى أنها تحل له بدون عقدٍ جديدٍ، إذا كانت تختاره، ولم تتزوج بعد العدة بل بقيت على حالها، ولكن إذا عقد عقداً جديداً فهو أولى؛ خروجاً من خلاف جمهور أهل العلم، فإن الأكثرين يقولون: متى خرجت من العدة: بانت منه، وصارت أجنبية لا تحل إلا بعقدٍ جديدٍ، فالأولى والأحوط أن يعقد عقداً جديداً، هذا إذا كانت قد خرجت من العدة قبل أن يتوب، فأما إذا تاب وهي في العدة: فهي زوجته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الذين أسلموا بعد إسلام زوجاتهم على أنكحتهم قبل خروج زوجاتهم من العدة " انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (1 / 106، 107) ط دار الوطن.
وحكم الاستهزاء بشيء من شعائر دين الله تعالى هو ردة أيضاً، ولا خلاف بين العلماء من أهل السنَّة في حكم سبِّ الله تعالى ورسوله ودينه، ولا في حكم الاستهزاء بشيء من شعائر دين الله تعالى.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله –:
الحكم فيمن سبَّ الدين الإسلامي: أنه يكفر؛ فإن سبَّ الدين، والاستهزاء به: ردة عن الإسلام، وكفر بالله عز وجل، وبدينه، ... .
انتهى
وانظر تتمة الفتوى في جواب السؤال رقم: (42505) .
وانظر - في حكم سب الله تعالى - أجوبة الأسئلة: (71174) و (79067) و (14305) و (65551) .
وانظر - في حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم - جواب السؤال رقم: (22809) .
ثانياً:
هذا، وليُعلم أن زعمه أن أولاده أغضبوه: ليس بعذرٍ شرعي له، بل هو يدل على غاية الاستهانة بالله تعالى، ودليل ذلك أن الذي يغضب، ويغلق عليه بسبب الغضب: لا يتذكر إلا ربَّه تعالى ليسبه ويشتمه! فلماذا لم يتذكر أمه ليسبها؟! لم يتذكر حاكمه ليسبه؟! إنه لما كان محبَّاً، أو معظِّماً، أو خائفاً لهؤلاء: لم يخطروا بباله عند غضبه ليسبهم، وهو يدل على ما قلناه، وهو أن هؤلاء قد سبُّوا ربهم تعالى تنفيساً عما في قلوبهم من زيغ ودخن، واستهانة برب العالمين.
ويجب عليكِ هجره حتى يعود لدينه وإسلامه، ولا يحل لك تمكينه منك، فهو ليس زوجاً لك، إلا أن يعود لدينه، وعلى الأولاد معاملته معاملة المرتد، لا يُبدأ بالسلام، ولا يود، ولا يُحب، ومع ذلك فعليهم الترفق في دعوته، وإظهار الخلق الحسن له، لعله يتوب، أو يئوب إلى رشده.
وانظري جواب السؤال رقم: (96576) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1673)
برنامج "عيش سفاري"، حقيقته، وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز المشاركة في برنامج "عيش سفاري"؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يسعدنا جدّاً أن يكون السائل من الشباب الذي يبحث عن الحق، ويتحرى قبل الفعل، والأخ السائل لم يتجاوز الحادي عشر من عمره، وهو يسأل عن دينه، وعما يحبه ربه تعالى، وعما يبغضه، وإننا لنفرح بذلك أشد الفرح، وندعو لك بالتوفيق والسداد، وندعو لوالديك اللذين أحسنا تربيتك بكل خير، ونسأل الله أن يقر أعينهما بك.
ثانياً:
برنامج " عيش سفاري " برنامج ساقط هابط، يساهم في إفساد الأطفال.
وهو أول برنامج " واقعي " في العالم العربي، وبعد ما استنفذوا طاقاتهم في تدمير أخلاق الشباب والشابات ببرامج "التلفزيون الواقعي" مثل "ستار أكاديمي" وغيره: جاءوا الآن ليفسدوا الجيل الصاعد من الشباب، فأنشئوا لهم هذا البرنامج، وخصصوه للشباب من سن 11 إلى 13! ، وينتقون مجموعة من الفتيان والفتيات من دول عربية وإسلامية، ويقومون بالذهاب بهم إلى دول كافرة، ليعتمدوا على أنفسهم، وليتم التنافس بينهم في مسابقات ذهنية وبدنية.
وقد تمَّ تصوير الموسم الأول من البرنامج في "جنوب أفريقيا"، وتم تصوير الموسم الثاني منه في "تايلاند"، وسيتم اختيار ستة عشر مشتركاً في الموسم الثالث، والذي تقرر تصويره في "أستراليا"! .
ثالثاً:
أصل فكرة البرنامج قائمة على إفساد هذا الجيل، وإذابة الحواجز بين الذكور والإناث، والدعوة للصداقة والاختلاط بين الجنسين، وهذا السن تظهر عليه علامات البلوغ، ويكون باباً للوقوع في الفتن، وخاصة إن علمنا لبس أولئك الفتيان والفتيات من اللباس الضيق والقصير، وفيه إظهار العورات وتحجيمها، من ملابس النوم، إلى ملابس الرياضة، إلى ملابس السباحة! وكل ذلك بعيداً عن رقابة الأهل، وبعيداً عن الوازع الديني والإيماني، فليس هناك وقت للصلاة، فضلا عن الحث عليها، وليس هناك توجيهات إيمانية، ليُعلم أن المقصود هو الفتنة، ونشر الرذيلة والفساد.
والواجب على المسلمين جميعاً مقاطعة هذا البرنامج التافه، وعدم تسليم أبنائهم وبناتهم لمثل هؤلاء المفسدين، وعليهم أن يحرصوا على تربية بناتهم على الحياء، والعفاف، وهذا البرنامج يعلِّم البنت أن تصاحب فتى ذكراً، وتلبس أمامه لباس الرياضة، ولباس البحر، مما يذيب الحواجز التي تمنع من إفساد دين وأخلاق المسلم.
وهذا البرنامج لم يكتف صانعوه بإفساد من خرجت القرعة بذهابه معهم إلى تلك البلدان، حتى نقل كثيراً من وقائع تلك الرحلات للأسر المسلمة، فتعلقت قلوب الفتيان والفتيات به، حتى بلغ الراغبون بالاشتراك عشرات الألوف! هذا فضلاً عن تعلق كثيرين بالفتيات اللاتي ظهرن في ذلك البرنامج، وخاصة بعد عرضهن في فراش النوم! وفي ثياب الرياضة والسباحة! ومن تأمل في زماننا هذا ورأى كثرة المهيجات للشهوة، وكثرة طرق الفساد والإفساد، ورأى قلة الداعين للخير، علم أن هذا البرنامج – وأشباهه – يشكِّل خطراً على الأسرة المسلمة.
وإننا لنعجب من أولئك الآباء الذين يرسلون أعراضهم للسفر مع فئة من الناس لا تتقي الله في أعراض المسلمين.
ونسأل الله أن يحفظ على المسلمين أعراضهم، وأن يهدي ضالهم، إنه سميع مجيب.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1674)
يريد التزوج بنصرانية ويريد ما يقنعها بتحريم اقتناء الكلب في البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يسمح بإدخال الكلب البيت؟ أعرف أنه مذكور في الحديث، وأنا أقبله لأنني مسلم، لكن كيف أبرر لزوجتي النصرانية التي سأتزوجها؟ أريد نقاطا قوية عن السبب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قبل الإجابة عن هذه المسألة لا بدَّ أن تعلم أخي السائل أن نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم قد رغَّبك بحسن اختيار الزوجة، والزوجة الصالحة يأمنها الزوج على أولاده، وبيته، وماله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
وليست هذه الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم للاختيار بين المسلمة والكتابية، بل للاختيار بين المسلمات أنفسهن، فإذا كانت ليست كل مسلمة يوصى بنكاحها: فأولى أن لا يوصى بنكاح غير المسلمة من اليهوديات والنصرانيات، ولم يكن أمر الزواج بهن يتعدى المباح، ولا شك أن الزواج بمسلمة صالحة مما يعين المسلم على طاعة ربه تعالى، ومما يساهم في إصلاح الذرية.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"فالديِّنة تعينه على طاعة الله، وتُصلح مَن يتربى على يدها من أولاده، وتحفظه في غيبته، وتحفظ ماله، وتحفظ بيته، بخلاف غير الديِّنة فإنها قد تضره في المستقبل، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فاظفر بذات الدين) ، فإذا اجتمع مع الدِّين جمالٌ ومالٌ وحسبٌ: فذلك نور على نور، وإلا فالذي ينبغي أن يختار الديِّنة" انتهى.
" الشرح الممتع " (12 / 13) .
ثانياً:
الزواج بالكتابيات – اليهوديات والنصرانيات – جائز مباح من حيث الأصل، ولا ينبغي أن يُختلف فيه؛ إذ هو نص كتاب الله تعالى، ولكن يجب على المسلم الالتفات إلى شروط تلك الإباحة، والنظر في عواقب ذلك الزواج، ومن شروط التزوج بالكتابيات: أن تكون حقيقةً نصرانية أو يهودية؛ إذ يوجد في ديار الكفر الكثيرات ممن لا دين لها، أو من تكون على البوذية، أو غيرها من الديات الوثنية. والشرط الثاني: أن تكون عفيفة، ليست بزانية، ولا تصاحب الرجال الأجانب، كما أن من الشروط أن تكون الولاية على الأولاد للمسلم، وأن ينشأ عقده وفق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) المائدة/5.
ومع هذا الجواز بتلك الشروط فإن ترك التزوج بها أولى.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية - يهودية أو نصرانية - إذا كانت محصنة، وهي الحرة العفيفة؛ لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ... ) .
وترك الزواج بها أولى وأحوط للمؤمن؛ لئلا تجره وذريته إلى دينها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (18/314, 315) .
وانظر جواب السؤال رقم: (2527) .
وأما عواقب الزواج من كتابيات: فكثيرة، وقد ذكرنا طرفاً منها في أجوبة الأسئلة: (12283) و (20227) و (44695) .
ثالثاً:
أما بخصوص اقتناء الكلاب في البيوت وتحريم ذلك: فإنه قد وردت النصوص الصحيحة الصريحة بذلك، وأنه لا يحل اقتناؤها إلا لصيد، أو حراسة ماشية، أو زرع، والمسلم يعلم أن الشريعة لم تحرم عليه شيئاً إلا من أجل مفسدته ومضرته.
وما على المسلم إلا الاستجابة لما يأمره به ربه تعالى بفعله، أو ينهاه عنه، وهو يعلم علم اليقين أنه لا تشريع إلا بحكمة بالغة، والأحكام الشرعية منها ما هو تعبدي محض، لا نعلم حكمته، ومنها ما هو معقول المعنى، ولا مانع من تلمس الحكمة في الأحكام معقولة المعنى، لكن يبقى التعبد لله بالفعل والترك هو الذي ينبغي على المسلم أن لا يغفل عنه.
وينظر جواب السؤال رقم: (9603) ففيه فوائد مهمة.
ونحن نجزم أن تحريم اقتناء الكلب هو في مصلحة المسلم، وأن اقتناءه فيه مضرة وسوء وشر، ومن تلك المفاسد في اقتنائه: ما يسببه من أمراض تنتقل عن طريقه، سواء من إناء شرب منه، أو في برازه الذي يلوث بيت المقتني له، وهذا ما يمكنك إخبار تلك النصرانية به إن تزوجتها.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابٍِ) رواه مسلم (279) .
وقوله (طهور) يدل على تنجس الإناء بولوغ الكلب فيه، وهو ما أثبته العلم الحديث، والذي لم نشك لحظة في صدقه، وليس يطهر الإناء إلا الماء والتراب دون ما عداهما من مواد التنظيف والتطهير، وهذا ما أثبته العلم الحديث أيضاً، وهو يؤكد أن هذا الدِّين ليس هو إلا وحي أوحي به للنبي صلى الله عليه وسلم.
وانظر جواب السؤال رقم: (20939) .
وقد ثبت وجود أمراضٍ كثيرة تصيب الإنسان الذي يقتني الكلب، أو يلمسه، أو يقبِّله، وقد ذكرنا بعضها في جواب السؤال رقم: (69840) فانظره فهو مهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1675)
تخاف الزنى فهل تستمني بالعضو الصناعي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سألتني جارة لي أن أسألكم عن حكم استعمال عضو ذكري صناعي في قضاء الشهوة حيث إن زوجها مريض بعيب خلقي يمنعه من الإنجاب والانتصاب مما يسبب لها الحرج في طلب المعاشرة منه، وهى تخاف أن تقع في الزنا ولا تريد الطلاق من زوجها، مما أداها إلى استعمال أولا العادة السرية ثم شراء هذا العضو الصناعي، فهي تسأل عن حكم استعمال هذه الأشياء وهى لا تريد الطلاق وفى نفس الوقت تريد قضاء غايتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستمناء محرم؛ لأدلة سبق بيانها في الجواب رقم 329.
والزوج مأمور شرعا بإعفاف زوجته، فإن عجز عن الوطء فعليه تمكينها من قضاء شهوتها، بالمداعبة ونحوها، ولها أن تستمني بيده، أو يستعمل هو قضيبا صناعيا، وبهذا تندفع حاجتها إلى الاستمناء المحرم، ولا حرج عليها أن تطالبه بذلك، فإن لها حقا في الاستمتاع وإعفاف النفس.
فإن لم تندفع شهوتها بذلك، وخشيت على نفسها الوقوع في الزنى، أبيح لها الاستمناء، سواء كان ذلك بيدها أم بعضو صناعي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أما ما نزل من الماء بغير اختياره فلا إثم عليه فيه ; لكن عليه الغسل إذا أنزل الماء الدافق. وأما إنزاله باختياره بأن يستمني بيده: فهذا حرام عند أكثر العلماء ; وهو أحد الروايتين عن أحمد ; بل أظهرهما. وفي رواية أنه مكروه ; لكن إن اضطر إليه مثل أن يخاف الزنا إن لم يستمن أو يخاف المرض: فهذا فيه قولان مشهوران للعلماء ; وقد رخص في هذه الحال طوائف من السلف والخلف , ونهى عنه آخرون. والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/439) .
وقال المرداوي في "الإنصاف" (10/252) : " فائدتان: إحداهما: لا يباح الاستمناء إلا عند الضرورة ...
الثانية: حكم المرأة في ذلك حكم الرجل. فتستعمل شيئا مثل الذكر عند الخوف من الزنا. وهذا الصحيح , قدمه في الفروع. وقال ابن عقيل: ويحتمل المنع وعدم القياس" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للزوجين أن يتحدثا عن الجنس بالهاتف ويستثيرا بعضهما حتى ينزل أحدهما أو كلاهما بدون استعمال اليد لأنه محرم؟ يحصل هذا لأن زوجي يسافر دائما ولا نرى بعضنا إلا كل 4 أشهر.
فأجاب: لا بأس، نعم يجوز هذا.
السائل: ولو كان باستعمال اليد.
الجواب: استعمال اليد فيه نظر، ولا يجوز إلا إذا خاف على نفسه الزنا.
السائل: وبدون استعمال اليد لا مانع.
الجواب: نعم بدون استعمال اليد لا مانع، يتصور أنه معها لا بأس في ذلك " انتهى.
والحاصل أنه إذا خشي الإنسان على نفسه من الوقوع في الزنا، خشيةً حقيقية، جاز له الاستمناء، من باب ارتكاب أخف المفسدتين، وحرم عليه التساهل في ذلك واعتياده وفعله كلما أراد المتعة واللذة، بل لا يفعله إلا إذا خاف على نفسه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1676)
كيف تجتنب ظن السوء بالناس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن أن نتجنب الظن بالناس، وخاصة المسلمين، وهل يجب دائما أن نظن خيرا، فأنا أستغرب من أفعال بعض المسلمين التي تنافي عقيدتنا، فصرت أشك في أفعال الناس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينبغي للمسلم أن يلتفت كثيرا إلى أفعال الناس، يراقب هذا، ويتابع ذاك، ويفتش عن أمر تلك، بل الواجب عليه أن يُقبل على نفسه فيصلحَ شأنها، ويُقوِّمَ خطأها، ويرتقي بها إلى مراتب الآداب والأخلاق العالية، فإذا شغل نفسه بذلك، لم يجد وقتا ولا فكرا يشغله في الناس وظن السوء بهم.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تتبع أمور الناس وعوراتهم، حرصا منه صلى الله عليه وسلم على شغل المسلم نفسه بالخير، وعدم الوقوع فيما لا يغني من الله شيئا، فقال:
(يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ! لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِع اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ)
رواه أبو داود (4880) ، قال العراقي في "تخريج الإحياء" (2/250) : إسناده جيد. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
والغالب أنَّ الباعث على اغتياب المسلمين وتتبع عوراتهم تزكيةُ النفس والعجب بها أولا، وسوء الظن بالناس ثانيا، إذ لولا أنه يرى لنفسه فضلا على سائر الناس، ويعتقد فيهم الذنب والفسق والمعصية لم يقع في الغيبة، ولم تشغله العورات والعثرات كي تملأ قلبه ووجدانه، وتغدو وسواسا يؤرقه في جميع البشر، حتى يظنَّ السوءَ بزوجته وأبنائه وإخوانه.
يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات/12.
فإذا استجاب المسلم لظن السوء، وبدا ذلك في سلوكه وتصرفاته وأقواله، أو تمادى معه حتى استقر في قلبه، ولم تكن له بينة قاطعة ودليل ظاهر على ذلك، فقد وقع في الإثم، واستحق العقوبة عند الله تعالى.
أما إذا جاهد تلك الظنون الفاسدة، وحاول درءها ودفعها بصرف الفكر عنها، فليس عليه إثم حينها.
يقول الإمام النووي رحمه الله:
" اعلم أن سوء الظن حرامٌ مثل القول، فكما يحرم أن تُحَدِّث غيرَك بمساوئ إنسان، يحرم أن تحدث نفسك بذلك وتسيئ الظن به، قال الله تعالى: (اجتنبوا كثيرا من الظن) ، وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث) ، والأحاديث بمعنى ما ذكرته كثيرة، والمراد بذلك عقد القلب وحكمه على غيرك بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل)
قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر. قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطر من غير تعمد لتحصيله، ثم صرفه في الحال، فليس بكافر، ولا شئ عليه.
وسبب العفو ما ذكرناه من تعذر اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراما، ومهما عرض لك هذا الخاطر بالغيبة وغيرها من المعاصي، وجب عليك دفعه بالإعراض عنه، وذكر التأويلات الصارفة له عن ظاهره " انتهى.
"الأذكار" (344-346) باختصار.
أما إذا قامت البينات القاطعة، والأدلة الظاهرة على تلبس أحد المسلمين بسوء، وكانت هناك مصلحة تقتضي التحذير منه بعد التثبت، فلا حرج حينها، ولكن الضرورة تقدر بقدرها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وليس كل الظن إثما، فالظن المبني على قرائن تكاد تكون كاليقين لا بأس به، وأما الظن الذي بمجرد الوهم فإن ذلك لا يجوز، فلو فرضنا أن رجلا رأى مع رجل آخر امرأة، والرجل هذا ظاهره العدالة، فإنه لا يحل له أن يتهمه بأن هذه المرأة أجنبية منه؛ لأن هذا من الظن الذي يأثم به الإنسان. أما إذا كان لهذا الظن سببٌ شرعي فإنه لا بأس به ولا حرج على الإنسان أن يظنه، والعلماء قالوا: يحرم ظن السوء بمسلم ظاهره العدالة " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (4/537) .
ولكننا نحذر جميع إخواننا المسلمين من تسويل الشيطان هذه المعصية بدعوى وجود القرائن والأدلة، وينبغي إذا دخل الشيطان إلى قلب المسلم من هذا المدخل أن يدفعه ما استطاع، وليصرف قلبه عن الاسترسال معه، كما يمكن الاستعانة بالنصائح الآتية في علاج هذا الوسواس:
1. الإقبال على عيوب النفس، والاشتغال بتقويمها وإصلاحها، فإن من عرف عيوب نفسه تواضع لله وللناس، وظن النقص بنفسه وليس بالناس.
2. استحضار الآيات والأحاديث التي سبق ذكرها، والتي تبين خطورة هذا الأمر والعقاب الشديد عليه.
3. النظر في جوانب الخير في الناس كلهم، فالغالب أن الإنسان فيه من الخير كما فيه من السوء والشر، فلا يجوز إلغاء الحسنات التي قد تكون أكثر وأعظم من السيئات التي في ذلك الشخص، وقد أمر الله تعالى بالعدل والقسط، فمن الظلم الحكم على الشخص من غير موازنة عادلة بين حسناته وسيئاته.
يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله:
" إذا وقع في قلبك ظن السوء، فهو من وسوسة الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق، وقد قال الله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) ، فلا يجوز تصديق إبليس، فإن كان هناك قرينة تدل على فساد، واحتمل خلافه، لم تجز إساءة الظن.
ومن علامة إساءة الظن أن يتغير قلبك معه عما كان عليه، فتنفر منه، وتستثقله، وتفتر عن مراعاته وإكرامه والاغتمام بسيئته، فإن الشيطان قد يقرب إلى القلب بأدنى خيالٍ مساوئَ الناس، ويلقي إليه: أن هذا من فطنتك وذكائك وسرعة تنبهك، وإن المؤمن ينظر بنور الله، وإنما هو على التحقيق ناطق بغرور الشيطان وظلمته، وإن أخبرك عدل بذلك، فلا تصدقه ولا تكذبه لئلا تسيء الظن بأحدهما، ومهما خطر لك سوء في مسلم، فزد في مراعاته وإكرامه، فإن ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك فلا يلقي إليك مثله، خيفة من اشتغالك بالدعاء له، ومهما عرفت هفوة مسلم بحجة لا شك فيها، فانصحه في السر، ولا يخدعنك الشيطان فيدعوك إلى اغتيابه، وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور باطلاعك على نقصه فينظر إليك بعين التعظيم، وتنظر إليه بالاستصغار، ولكن اقصد تخليصه من الإثم وأنت حزين كما تحزن على نفسك إذا دخلك نقص، وينبغي أن يكون تركه لذلك النقص بغير وعظك أحب إليك من تركه بوعظك " انتهى.
نقلا عن "الأذكار" للإمام النووي (ص/345) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1677)
تزوجها عرفياً ثم تركها وهرب
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على شاب، وخدعني بأنه يريد الزواج مني، ولكن لا يستطيع إعلان ذلك الآن ولا التقدم لأهلي، وتزوجني عرفياً وكتبنا ورقة بذلك، ثم ذهب وتركني. فهل أنا زوجته فعلاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نزال نسمع مثل هذه المآسي، فإلى متى تظل بناتنا غافلات لا يدرين ما يريده أولئك المجرمون؟
كل واحدة منهن تقول: إنني واثقة من نفسي، وواثقة من هذا الشاب، إنه ليس كغيره، ثم إذا نال منها ما يريد تركها وهرب.
عشرات القصص بل مئات بل أكثر، فيها هذه المآسي، تتكرر، ولا تزال تتكرر.
لقد كان الشرع حكيماً لما منع المرأة من التبرج وإظهار زينتها أمام الرجال الأجانب عنها.
وكان حكيماً لما منع المرأة من مخالطة الرجال الاختلاط المستهتر الذي لا يأتي إلا بالشر.
وكان حكيماً لما منع المرأة من الكلام مع رجل أجنبي عنها من غير حاجة أو داع لذلك.
وكان حكيماً لما سد الطريق أمام الغاوين والذين في قلوبهم مرض، فأَمَرَ المرأةَ بالحجاب، والتستر، والبعد عن مجامع الرجال ما أمكنها ذلك، وحَرَّم لمس المرأة للرجل الأجنبي عنها، وحرم خلوته بها، وحرم التكسر والميوعة في الكلام – وغير ذلك كثير.
كل ذلك حفاظاً عليها وعلى عفتها، وعلى المجتمع بأسره من الرذيلة والفاحشة، حتى يسود العفاف والطهر والحياء.
ولما خالفت المرأة كل ذلك، وقعت فريسة لذئاب لا يراعون لله حرمة، فلا دين ولا خُلق يمنعهم من شيء، ثم تندم المرأة ... ولكن بعد فوات الأوان، وقت لا يمكن للندم أن يعيد ما فات.
لقد كان الشرع حكيماً لما منع المرأة من تزويج نفسها، بل اشترط أن يتولى ذلك وليها، فإنه أقدر منها على اختيار الزوج المناسب لها، وحتى لا تنخدع المرأة، ويتلاعب بها المجرمون.
وزواج المرأة بلا ولي، حكم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه زواج باطل، فقال صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) رواه الترمذي (1102) وأبو داود (2083) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1840) .
فإذا انضم إلى ذلك التواصي بكتمانه، فلا يتم إعلانه ولا إعلام الناس به، فهو الزنا الذي لا يرتاب أحد فيه، ولا يغني مجرد ورقة يتم كتابتها، فهذه الورقة لا قيمة لها، ولا تغير الحرام إلى حلال.
فما يسميه الناس "نكاحاً عرفياً" ويكون بدون علم الولي، ولا شهود، ولا إعلان، هو نكاح باطل، وهو زنا، وليس بنكاح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وأما " نكاح السر " الذي يتواصون بكتمانه، ولا يشهدون عليه أحداً: فهو باطل عند عامة العلماء، وهو من جنس السفاح، قال الله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) النساء/24.
" مجموع الفتاوى " (33 / 158) .
وقال أيضاً:
"إذا تزوجها بلا ولي، ولا شهود، وكتما النكاح: فهذا نكاح باطل باتفاق الأئمة، بل الذي عليه العلماء أنه (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) ، (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) ، وكلا هذين اللفظين مأثور في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال غير واحد من السلف: لا نكاح إلا بشاهدين، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، ومالك يوجب إعلان النكاح.
و" نكاح السرِّ " هو من جنس نكاح البغايا" انتهى
" مجموع الفتاوى " (32 / 102، 103) .
فعلى هذا؛ فما تم بينكما ليس بزواج شرعي، ولست زوجة لهذا الرجل.
وقد سبق بيان حكم النكاح العرفي في جواب السؤال رقم (45513) و (45663) .
وفي جواب السؤال رقم (7989) تجدين الأدلة على بطلان النكاح بلا ولي.
وأخيراً ... ندعوك إلى التوبة إلى الله تعالى والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إلى ذلك، والعزم على إصلاح العمل والاستقامة على شرع الله، فإن الله تعالى وعد من تاب من المعاصي، وأصلح العمل، وعده بالتوبة والمغفرة، قال الله تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/39، وقال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82، نسأل الله تعالى أن يوفقك للتوبة وأن يتقبل منك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1678)
حكم التفكير في الحرام دون عمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التفكير بفعل الأشياء المحرمة.. كأن يفكر شخص أن يسرق مثلاً أو يفكر في أن يزني وهو يعلم من حاله أنه لن يفعل ذلك لو تيسرت له السبل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ما يقع في نفس الإنسان من الأفكار، كأن يفكر في الزنا أو السرقة أو شرب المسكر أو نحو ذلك. ولا يفعل شيئاً من ذلك فإنه يعفى عنه، ولا يلحقه بذلك ذنب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (من هم بسيئة فلم يفعلها لم تكتب عليه) وفي لفظ: (كُتبت له حسنة، لأنه تركها من جرائي) متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، والمعنى: أن من ترك السيئة التي هَمَّ بها من أجل الله كتبها الله له حسنة، وإن تركها لأسباب أخرى لم تكتب عليه سيئة، ولم تكتب له حسنة، وهذا فضل من الله سبحانه ورحمة لعباده، فله الحمد والشكر، لا إله غيره، ولا رب سواه.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (5/424) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1679)
مريض وورَّى في معاملة التوظيف أنه معافى فهل يترك وظيفته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يعمل الآن في وظيفة، ولم يصدق في سؤال: "هل يعاني من مرض مزمن"؟ عندما تقدم لهذا العمل، بل ورَّى بقوله " لم يعاني "؛ لأنه حقيقة لم يعاني، هو مصاب بفيروس التهاب الكبد فقط، وهو مرض مزمن، ولم يجد منه أية معاناة، فهل تنصحه بترك العمل، خاصة وأن صاحب العمل لو يعلم بمرضه ربما لا يسمح له بالبقاء في عمله؟ وهل تنفعه التورية أم أنه يعتبر غير صادق في بياناته؟ وهل يلزمه شيء في المدة السابقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاءت الشريعة المطهرة بالأمر بكل خلُق قويم، وحذَّرت من كل خلق ذميم.
ومن الأخلاق القويمة التي أمر بها ربنا تعالى: الصدق، وحذرنا من ضده وهو الكذب.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/ 119.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الصِدقَ يَهدي إلى البّر، وإنّ البرّ يهدي إلى الجَنّةِ، وإنّ الرجُلَ ليَصدُقُ حتّى يُكتَبَ عِندَ الله صِدّيقا، وإنّ الكَذِبَ يهدي إلى الفُجورِ، وإنّ الفُجورَ يَهدي إلى النّار، وإنّ الرَجُلَ ليَكذِبُ حتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ كَذابا) رواه البخاري (5743) ومسلم (2607) .
ولعلَّك رأيت الكذب نافعاً لك، ورأيت الصدق مضرّاً لك، لذا فعلت ما فعلت من كتم المرض أن تدونه في معاملة التوظيف، وهو ما حذَّر منه سلف الأمة.
قال بعض الصالحين: عليك بالصدق حيث تخاف أن يضرك، فإنه ينفعك، ودع الكذب حيث ترى أنه ينفعك، فإنه يضرك.
فعلى المؤمن أن يزيِّن حياته بالصدق، والصادق لن تجده إلا متصفاً بصفات الكمال الأخرى.
قال ابن القيم رحمه الله:
"فالصدق بريد الإيمان ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه، بل هو لبه وروحه، والكذب بريد الكفر والنفاق ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه ولبه، فمضادة الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد، فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرد أحدهما صاحبه ويستقر موضعه" انتهى.
" زاد المعاد " (3 / 590) .
ثانياً:
التورية هي أن يُفهم المتكلمُ سامعَه شيئاً غير الذي في نفسه، ويكون الكلام محتملاً.
ولا يجوز للمسلم استعمال التورية إلا لتحقيق مصلحة شرعية، أو دفع مفسدة، أو لحاجة ماسة، ولا يحل له استعمالها في كل حين، ولا لأخذ ما ليس من حقه.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما هي التورية؟ وما الفرق بينها وبين الكذب؟ .
فأجاب:
"التورية: أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره، والكذب: صريح في أنه تكلم بخلاف الواقع. السائل: السامع ربما يفهم شيئاً آخر.
الشيخ: لا يهم، هذا هو بُعد التورية، أن يفهم السامع من خطابك خلاف ما تريد، التورية قد يحتاج الإنسان إليها.
أما الظالم: فلا تصح توريته، ولا تحل، والحكم فيها أنها على حسب ما يعتقده خصمه، ولهذا جاء في الحديث: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) فإذا قال الظالم بهذا التأويل، لم ينفعه، والمظلوم ينفعه.
ومَن ليس بظالم ولا مظلوم: من العلماء من قال: إن التورية جائزة، ومنهم من قال: إنها غير جائزة، والراجح: أنها غير جائزة، وأن الإنسان يجب أن يكون صريحاً؛ لأن الإنسان إذا اعتاد التورية ثم ظهر الأمر على خلاف ما ظهر من كلامه: اتهمه الناس بالكذب، وأساءوا فيه الظن، لكن إذا كان مظلوماً: فهذه حاجة، والظلم قليل بالنسبة للحوادث.
والخلاصة: التورية للمظلوم: جائزة، وللظالم: غير جائزة، ولمن ليس ظالماً ولا مظلوماً: على خلافٍ بين العلماء، والراجح: أنها حرام" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (161 /السؤال رقم 9) باختصار.
وانظر جوابي السؤالين: (27261) و (45865) .
ثالثاً:
الظاهر أن صاحب العمل يسأل هذا السؤال حتى لا يكون الموظف مصاباً بمرض يُقعده عن وظيفته، أو يكثر من تأخره وغيابه، أو يؤثر في حسن أدائه للعمل.
وبما أنك تعلم أن صاحب العمل لو علم بإصابتك بهذا المرض فإنه لا يسمح لك بالبقاء فيه، فالذي ننصحك به هو مصارحة صاحب العمل بهذا المرض، ثم يقرر بعد ذلك ما يراه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1680)
تحب شخصا وتفكر فيه وتريد لبس الحجاب فهل يمكنها ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عندي رغبة كبيرة في الحجاب وأتمنى من الله أن يوفقني في هذا، لكن عندي سؤال يحيرني هو أنني أحب شخصا بمعنى ما تحمله كلمة حب، ولا أستطيع التوقف عن التفكير فيه ولو لحظة والله حتى في الصيام أفكر فيه، تجمعنا علاقة حب ما الحكم إذا تحجبت ولا أزال أفكر فيه؟ أظنني لا أستطيع التوقف عن التفكير فيه ربما ستقول أن نتزوج، لكن نحن في تقليدنا عندي أخواتي لازم يتزوجن أولا؛ ماذا أفعل إلى حين ذلك أمانة عليك أن تعطيني جوابا أنا حائرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الواجب على كل مؤمنة بالله واليوم الآخر أن تلبس الحجاب الذي يسترها عن نظر الأجانب، فتلك فريضة محكمة أنزلها الله في كتابه، كما قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب/59
وقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) النور/31
ولمعرفة صفة الحجاب الشرعي، ينظر سؤال رقم (6991)
ثانيا:
لا يجوز لامرأة أن تقيم علاقة مع أجنبي عنها، ولو كانا في نيتهما الزواج في نهاية الأمر؛ لأن الله تعالى حرم الخلوة بالأجنبية، والنظر إليها، ولمسها، وحرم خضوعها بالقول، وهذه العلاقات لا تنفك عن شيء من هذه المحرمات.
وينظر: سؤال رقم (84089) .
وأما إن وقع في قلب امرأة حب رجل سمعت عنه، أو رأته، دون أن تباشر بنفسها عملا محرما نحوه من نظر أو كلام أو غيره، فإنها لا تؤاخذ على هذا الحب، وعليها أن تشغل نفسها بالتفكير فيما ينفعها في دينها ودنياها، وأن تحذر من الوقوع في المعصية، وأن تتجنب كل سبيل يؤدي إلى الفتنة.
وقولك: تجمعنا علاقة حب، يفهم منها أن بينكما علاقة قائمة، وليس مجرد شعور من جهتك، فإن كان الأمر كذلك فاتقي الله تعالى، واحذري غضبه وانتقامه، واعلمي أنك تقدمين على أسباب الهلاك والهلكة، فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل، وإنه سريع العقاب، شديد الانتقام.
وما يصوره لك الشيطان من صعوبة التخلص من هذه العلاقة، إنما هو مجرد أوهام وظنون، فإن العلاقة يؤججها الكلام واللقاء، فلو قطعت الصلة به، وتركت الحديث معه، وتجنبت رؤيته، لأمكنك الصبر عنه وتناسيه، حتى ييسر الله لك الزواج منه أو من غيره.
ولهذا نقول: إن علاج مشكلتك ميسور بإذن الله، وذلك باتباع الخطوات التالية:
1- قطع كل صلة بهذا الشخص، لقاء أو كلاماً، ولو كان من أقرب الناس إليك، فتجنبي رؤيته، وتجنبي الحديث معه، ولتُرِيهِ من نفسك أنك مؤمنة عفيفة تخاف من الله تعالى، وتحذر العلاقات المحرمة.
2- إن كان هذا الشاب صالحا مستقيما - ومن استقامته أن يدع العلاقات المحرمة – وأمكن أن يجد وسيلة للزواج بك، عن طريق التقدم إلى أهلك، وإقناعهم بأمر الزواج، وتدخّل من يصلح تدخله في هذا الأمر، ليتم، فهذا حسن. وإذا لم يمكن ذلك، فما عليكما إلا الصبر والعفة والبعد عما حرم الله تعالى.
3- ارتداؤك الحجاب فريضة لازمة لك، لا علاقة لها بهذه المسألة، وتركك الحجاب معصية وإثم يلحقك كلما تركتيه، فبادري بلبس الحجاب، وبادري أيضا بقطع العلاقة المحرمة، ولا يكن تقصيرك في هذه المسألة حاملا لك على التقصير والمعصية في مسألة الحجاب، فإن العاقل لا يجمع ذنبا إلى ذنب، ولا يقرن تفريطا بتفريط، بل يبادر بفعل ما يمكن فعله من الواجبات، وترك ما يمكن تركه من المحرمات.
4- نوصيك بترك الفراغ والبطالة، والإقبال على ما ينفعك، والانشغال بأعمال الطاعات من حفظ القرآن، وطلب العلم، وتحصيل الصحبة النافعة، فإن الشيطان مع الوحدة والفراغ والبطالة، والنفس إن لم تشغليها بالطاعة شغلتك بالمعصية، كما نوصيك بترك ما يثير الشهوة ويحرك النفس إلى الحرام، كالنظر في الأفلام والمسلسلات والصور، عافنا الله وإياك من كل سوء ومكروه.
5- اعلمي أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ففوضي أمرك إلى الله، وأقبلي عليه، وانطرحي بين يديه، وقولي: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك، وسليه سبحانه أن يملأ قلبك إيمانا ويقينا ورضى، وأن يقيك شر نفسك ونزغات الشيطان.
نسأل الله تعالى أن يحفظك بحفظه، وأن يوفقك لطاعته، وأن يصرف عنك الفتن ما ظهر منا وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1681)
والدها بخيل، ويكره زيارتها له، ويعاقب أمها إن جاءت للزيارة
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي حريص جدّاً على المال، إلى درجة أنه يكره الضيف، لكنه في الأيام الأخيرة صار يكره قدومنا نحن - بناته - إلى البيت، رغم أننا كنا نزوره، ونطلب من والدتنا أن لا تضيفنا شيئاً؛ لأنه بعد ذلك سيعاقبها! بمنع النفقة عليها، وعلى أختي، ورغم ذلك كنا نذهب إلى زيارته، وفي يوم من الأيام طردني أنا وأختي (نحن متزوجتان، وزوجانا يحترمانه) وهو يسبب لنا الحرج معهما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أحسنت أنت وأختك بصلة والديكما، وزيارتهما، والسعي نحو الأكمل في برِّهما، وهي وصية الله للأولاد، وهذه الوصية تشمل الوالدين اللذين بلغا من السوء والشر والفساد أن يجاهدا أولادهم حتى يتركوا دينهم، فكيف من كان أقل من ذلك سوء وشرّاً وفساداً؟! وقد أحسن من عمل بما يعلم.
قال الله تبارك وتعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/ 14، 15.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
(وَإِنْ جَاهَدَاكَ) أي: اجتهد والداك، (عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا) ولا تظن أن هذا داخل في الإحسان إليهما؛ لأن حق الله مقدَّم على حق كل أحد، و " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".
ولم يقل: " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما " بل قال: (فَلا تُطِعْهُمَا) أي: بالشرك، وأما برُّهما: فاستمر عليه، ولهذا قال: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي: فلا تتبعهما.
" تفسير السعدي " (ص 648) .
فعلى الأولاد – ذكوراً وإناثاً – أن يعقلوا وصية الرب تعالى، وأن يعلموا أن اتصاف والديهم بالدعوة إلى الكفر ليس بمبيح لهم العقوق، والإيذاء بالقول والفعل، فأن يكون عندهما من الأخلاق والصفات دون ذلك: أولى أن تبقى صلتهم بهم، ويستمر برهم لهم.
ثانياً:
مما لا شك فيه أن البخل صفة ذميمة، وأن الحرص على جمع المال بِنَهم، وعدم إنفاقه في وجوهه الشرعية: من الصفات القبيحة التي لا يليق بمؤمن أن يتخلق بها، وقد يصيبه من الإثم ما يصيبه إن كانت تلك الوجوه من النفقة واجبة عليه، كالزكاة، والإنفاق على الزوجة، وعلى الأولاد قبل أن يصيروا مكتسبين.
وقد جاء ذم البخل وأهله في هذه الشريعة المطهرة، ومن ذلك:
1. قال سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) النساء/ 37.
2. وقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) الليل/ 5 – 10.
3. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفاً) .
رواه البخاري (1374) ومسلم (1010) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وأما الدعاء بالتلف: فيحتمل تلف ذلك المال بعينه، أو تلف نفس صاحب المال، والمراد به: فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها.
قال النووي: الإنفاق الممدوح: ما كان في الطاعات، وعلى العيال، والضيفان، والتطوعات.
وقال القرطبي: وهو يعم الواجبات، والمندوبات، لكن الممسك عن المندوبات: لا يستحق هذا الدعاء، إلا أن يغلب عليه البخل المذموم، بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه، ولو أخرجه.
" فتح الباري " (3 / 305) .
فاتصاف والدك بالبخل والحرص على فتات الدنيا: خلق ذميم، وكراهيته لبناته من أجل ذلك البخل والحرص: يدل على تمكن تلك الصفات القبيحة فيه، ومنعه النفقة على زوجته وابنته: من المحرَّمات، وهو أمر يبيح لوالدتك الأخذ من ماله دون علمه وإذنه؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة - زوج أبي سفيان، وقد اشتكت عدم نفقته عليها -: (خُذُي مَا يَكْفِيكِ وَوَلدَكِ بِالمَعْرُوف) رواه البخاري (5049) ومسلم (1714) .
وأنتِ وأختكِ عليكما مراعاة صفات البخل والحرص عند والدكما، وعدم التسبب لوالدتك بالأذى والضرر، ومثل هذه الصفات عنده تقتضي منكما عدم تكليفه نفقات الضيافة، والتي تسبب لهم الحمى والقهر، والمعلوم عن هؤلاء البخلاء والحريصين محبة الأخذ وليس الإعطاء، فلو أحضرتما معكما ند الزيارة من الهدايا، والأطعمة، وما تيسر من الأغراض: لرأى في زيارتكما سعداً وفرحاً وسروراً، ولتمنى أن تكثر منكما هذه الزيارات، وفي الوقت نفسه: تعالجون ما عنده من حرص وبخل، بالكلمة الحسنة، والرفق، واللِّين، وبذلك تجمعون بين صلته، وصلة والدتكما، وعدم التسبب بالقطيعة لكما، ولا بمنع النفقة عن أمكما وأختكما، لكن بحيث لا يشق ذلك على زوجيكما، أو يسبب لكما حرجا معهما.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1682)
وعد رجلاً بتزويجه ابنته ثم زوجها بآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل كان وعد رجلاً بأن يزوجه ابنته، ثم زوجها رجل آخر. فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أما الذي زوج ابنته على رجل، وقد وعد آخر قبله أن يزوجه إياها، وأخلف وعده، فإخلاف الوعد من أخلاق المنافقين، ولا يجوز إخلاف الوعد. والإثم على الأب، وأما الزوج فلا إثم عليه إذا كان لم يعلم" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله.
"الدرر السنية" (7/166) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1683)
اتهمه بعض زملائه بعِرضه فما عقوبتهم؟ وكيف يتصرف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مضاف في أحد القطاعات العسكرية، ولي فيه تقريبا 13 سنة، وفي أحد الأيام إذا أفاجأ وأندهش، وتصيبني الرعشة، ولم أستطع أن أصدِّق الذي يجري من حولي، حيث أطلق عليَّ إشاعة - والعياذ بالله العظيم منه، ومن أن أكون منهم – مفادها: (أني خنيث) !! ولا حول ولا قوة إلا بالله، مرَّت الأيام، والأشهر، وأنا لم أستطع أن أحرِّك ساكناً، والله العظيم أنني أتحسر على نفسي كل ثانية، وعلى ما وصلت إليه سمعتي التي كانت أعظم شيء في حياتي، علماً أنه كل يوم تنتشر الإشاعة، وتزيد إلى حد أني لا أستطع أن أتكلم مع الغير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أين أجد الحل؟ وأنا كل ما كلمت أحداً يقول: تصبر، أو لا تجيب، وكيف العمل علماً أن عمري 33 عاماً، ومتزوج، ولدي أولاد، ... وأقسم بالله العظيم قسماً أحاسب عليه يوم القيامة أني بريء من كل هذا، والله على ما أقول شهيد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال بعض السلف: " ما على وجه الأرض شيء أَحوج إلى طول حَبْس من اللسان "! والحقيقة أنه محبوس في الفم، داخل بوابة الأسنان، وتطبق عليه بوابتان أخريان وهما الشفتان! ومع ذلك فإنه ينطلق رغم تلك الحراسة الشديدة فيوقع صاحبه في الإثم، وقد يوقعه في الكفر.
ومن نفائس الحكَم: " الكلام أسيرُك، فإذا خرج من فيكَ: صرتَ أنت أسيره ".
وقد جاء التحذير من إطلاق اللسان فيما حرَّم الله تعالى من الولوغ في أعراض الناس، وفي الغيبة، والنميمة، والسب، والقول على الله بغير علم، وعموم معاصي اللسان وآفاته.
قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/ 18.
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ) .رواه البخاري (6109) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري (6113) .
وبخصوص الطعن في عرضكَ أخي السائل: اعلم أن الله تعالى يملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفلته، وأنك تؤجر على صبرك وتحملك للأذى، وأنهم يأثمون، ويستحقون الحدَّ في الدنيا على قذفهم لك، ويستحقون العذاب في الآخرة، وهم من المفلسين الذين تؤخذ حسناتهم فتُعطى للمظلوم، ويؤخذ من سيئاته فتُلقى عليهم.
فما فعله أولئك من اتهامك بالفحشاء منكر من القول وزور، وقد ارتكبوا آثاماً عظيمة، ومن أبرزها: البهتان والقذف، والغِيبة، وكلها من كبائر الذنوب:
1. أما البهتان: فقد قال الله تعالى في التحذير منه: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/ 58.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) رواه مسلم (2598)
وفي " الموسوعة الفقهية " (21 / 270) :
البهتان في اللّغة: القذف بالباطل، وافتراء الكذب، وهو اسم مصدرٍ، فعله: بهَتَ، من باب نَفَع.
وفي الاصطلاح: أن يتكلّم خلف إنسانٍ مستورٍ بما ليس فيه.
انتهى
وفي (31 / 330، 331) :
البهتان في اللّغة: القذف بالباطل وافتراء الكذب..، وفي الاصطلاح: ذكرك أخاك بما ليس فيه.
والفرق بين الغيبة والبهتان هو: أنّ الغيبة: ذِكر الإنسان في غَيبته بما يكره، والبهتان: وصفه بما ليس فيه، سواء أكان ذلك في غيبته أم في وجوده.
انتهى
2. وأما القذف: فهو من كبائر الذنوب، وفيه الحد ثمانون جلدة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/4-5.
قال ابن كثير - رحمه الله -:
فأوجب على القاذف إذا لم يقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام: أحدها: أن يُجلد ثمانين جلدة، الثاني: أنه ترد شهادته أبداً، الثالث: أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله، ولا عند الناس.
" تفسير ابن كثير " (3 / 292) .
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصنة من النساء.
" فتح الباري " (12 / 188) .
وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ. رواه مسلم (2581) .
3. وأما الغيبة: فتحريمها بيِّن في كتاب الله تعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لي صديق كثيراً ما يتحدث في أعراض الناس , وقد نصحته ولكن دون جدوى , ويبدو أنها أصبحت عادة عنده , وأحيانا يكون كلامه في الناس عن حسن نية، فهل يجوز هجره؟ .
فأجاب:
الكلام في أعراض المسلمين بما يكرهون: منكر عظيم , ومن الغِيبة المحرمة، بل من كبائر الذنوب؛ لقول الله سبحانه: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات / 12؛ ولما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتدرون ما الغيبة؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم , فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته , وإن لم يكن فيه فقد بهَتَّه) .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه (لما عرج به مر على قوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم , فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم) أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد جيد عن أنس رضي الله عنه , وقال العلامة ابن مفلح: إسناده صحيح , قال: وخرَّج أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا أن (من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق) .
والواجب عليك وعلى غيرك من المسلمين عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم في صحيحه، فإن لم يمتثل: فاترك مجالسته؛ لأن ذلك من تمام الإنكار عليه) .
" فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 401، 402) .
والذي ننصحك به: هو احتساب هذه المصيبة عند الله، والدفاع عن نفسك بتبرئتها أمام من سمعها، وبيان كذب وافتراء أولئك الأفاكين، ونظن أن ابتعادك عن مكان عملك وسكوتك عن بيان كذبهم قد يؤكد صحة كلامهم عند كثير من زملائك، وإذا رغبت بالانتقال من مكان عملك بعد تبرئة نفسك وتبيين كذبهم فلك ذلك، لكن لا تنتقل قبل ذلك، وننصحك أيضاً بتثبيت اتهامهم لك أمام القضاء الشرعي، والمطالبة بإقامة الحد عليهم.
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله -:
شخصان اغتاب أحدهما الآخر، ليقع اللوم عليه، ويبرئ نفسه أمام الآخرين، لكن الشخص الثاني يخشى الله من آثام الغيبة، فمثلاً زوجان تشاجرا، واختلفا، فذهبت الزوجة لأهلها واغتابت زوجها بما حصل منه، وما فعله، وذلك أمام أهلها، ثم قام أهلها بدورهم يغتابون الرجل - زوج ابنتهم - أمام الآخرين، وهكذا إلى أن يفضحوا الرجل، سواء كان فيه هذا الشيء أو لم يكن فيه، لكن الرجل زوج المرأة لما سمع عن زوجته ما حصل منها من الغيبة والظلم منها ومن أهلها أمام الناس وسماعهم: أراد أن يدافع عن نفسه بالمثل، ويخبر الناس بما حصل منها، لكن خشي الله من آثام الغيبة والظلم، فهل يسكت ويسلم أمره إلى الله، ولا يبالي بما حصل؟ .
فأجاب:
لا شك أن الغيبة حرام، وهي ذكرك أخاك بما يكره، ولو كنت صادقاً فيما تقول، أما إن كذبت عليه بما ليس فيه: فهذا من البهتان العظيم، والظلم الكبير، وإثمه أكبر من إثم الغيبة، فعلى هذا يجوز للزوج أن يبرئ نفسه مما كذبوا عليه أمام الناس، حتى يعلم الجمهور عدم صحة ما قيل فيه، وتبرأ ساحته، ويصون عرضه عن الكذب؛ فإنه لو سكت: لصدَّق الناس ما نُسب إليه، وظنوه حقّاً، وانتشرت له سمعه سيئة، كما أن على من علم ذلك نصح الزوجة وأهلها عن مجرد الغيبة والكذب والبهتان، وعن إفشاء الأسرار بين الزوجين، وبيان أن هذا من الظن، والظن أكذب الحديث، وهكذا يجب السعي في الإصلاح بينهما، وجمع الكلمة، وإزالة ما في القلوب من الشحناء والعداوة والبغضاء، رجاء أن تصلح الحال، وتعود الصحبة كما كانت.
" اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين " (النكاح / السؤال 359) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1684)
النظر إلى الأطفال أو صورهم بشهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مشاهدة صور الأطفال (الذكور غير البالغين) عاريين حرام؟ وهل النظر بشهوة إلى وجه وصدر الأطفال (الذكور غير البالغين) حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرم الله سبحانه وتعالى الزنا وفاحشة اللواط، وحرم كل ما هو وسيلة إلى ذلك، وأمر الله تعالى المؤمنين بغض البصر عن المحرمات، وعما يُخشى أن يوقع في الحرام، فقال الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30.
ومشاهدة صور الأطفال عرايا لا بد أن تصحبه شهوة في الغالب، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اتفاق العلماء على تحريم النظر إلى وجه الصبي إذا كان على وجه الشهوة.
فقال رحمه الله: "الصبي الأمرد المليح بمنزلة المرأة الأجنبية في كثير من الأمور، ولا يجوز تقبيله على وجه اللذة، بل لا يقبله إلا من يؤمن عليه: كالأب والإخوة.
ولا يجوز النظر إليه على هذا الوجه [يعني بشهوة] باتفاق للناس، بل يحرم عند جمهورهم النظر إليه عند خوف ذلك" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/202) .
فلا يجوز النظر إلى صور الأطفال وهم عرايا، ولا يجوز النظر إلى صدورهم ووجوههم إذا كان ذلك مصحوباً بشهوة.
وانظر جواب السؤال رقم (94836) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1685)
تزعم أن زوجها ملتزم وقد اعترف لها بأنه يزني! فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة متزوجة منذ 16 سنة، ولدي 3 أطفال، زوجي يصلي الصلاة في أوقاتها، ويقوم لصلاة الفجر، ويقرأ القرآن، ويصوم التطوع، باختصار: تصرفاته تبين لي أنه رجل ملتزم، وأنا أثق فيه ثقة عمياء، نكوِّن بيتاً يضرب به المثل في التفاهم والتعاون، وفجأة تأتيني صاعقة، وهو أنه زاني من الدرجة الأولى! وأنه حاول عدة مرات مع الخادمة عندنا في البيت، ولكنها كانت ترفض، وحاول مع صديقات أختي عندما نذهب إلى بيت الوالدين، وكانت له علاقة مع سيدة متزوجة، وزوجها بأرض المهجر، وكل هذه الأخبار صحيحة لأنه اعترف. أنا لا أعرف كيف أتصرف، ولكني أصبحت أكرهه، ولا أتصور أنني سأقدر على العيش معه، أفكر كثيراً في الطلاق، ولكن أولادي، ماذا أفعل؟ . ملحوظة: أنا مالكة البيت، والسيارة، ولي راتب شهري لا بأس به، ملتزمة أكثر منه، لا أستمع للموسيقى، وكنت أمنعه كذلك، ومتحجبة، وأوقظ أولادي - 14 و 11 سنة - لصلاة الفجر، ولله الحمد، ولا نتفرج إلا على القنوات الإسلامية، والحمد لله، ونحن بيت ملتزم على قدر المستطاع، وما فعلته هو أني طردته من المنزل، وأخذت السيارة، وأريد أن أعرف التصرف الذي يرضي الله عز وجل في هذا الموقف، لقد سبق لي أن أرسلت سؤالاً، ولم أتوصل بالجواب، وهو يتعلق بمنزلي لأنني اشتريته بقرض ربوي، ولم أكن وقتها على علم بحرمته، فالمدة المتبقية لاستكمال القرض هي 7 سنوات، هل يجب أن أبيعه وأكتفي بكراء منزل آخر، أو ماذا، خصوصا وأنا في هذه الظروف؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بدَّ من تبيين حقيقة مهمة، وهي أن بعض من يدَّعي الالتزام لا يكون له حظ منه إلا في مظهره الخارجي فقط، بل وحتى هذا المظهر الخارجي فإنك تجد التساهل الكبير فيه، فراحوا يتوسعون بالصبغ بالسواد، والتخفيف من اللحية، وإسبال الإزار...... إلخ.
ولو فُرض أن أولئك استقاموا على الشريعة في منظرهم الخارجي فإنك تجد الخواء في الداخل والباطن، وإذا علمتَ هذا لم تتعجب من أن تجد مثل هؤلاء يأكلون أموال الناس بالباطل، أو يعاملون نساءهم بوحشية، أو تراهم يمدون أبصارهم وأسماعهم نحو الحرام من النساء والغناء، وكل هذا بسبب النقص في استقامة قلوبهم على دين الله.
ثانياً:
فتنة النساء هي أضر فتنة على الرجال، وهي أول فتنة كانت لبني إسرائيل، لذا فإن الشريعة المطهرة قد جاءت أحكامها واضحة وصريحة في تحريم الخلوة بالنساء الأجنبيات، وتحريم النظر إليهن، وتحريم مصافحتهن، والاختلاط بهنَّ، وغير ذلك من الخطوات التي تؤدي بالمسلم للوقوع في فاحشة الزنا، ومن تجرأ على شرع الله فأطلق لنفسه العنان في أن تفعل ما تشتهي وتهوى وقع على أم رأسه، وقادته الخطوة إلى أختها، حتى تصل به إلى الهاوية.
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) . رواه البخاري (4808) ومسلم (2740) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) رواه مسلم (2742) .
وعلى الزوجة التي تعلم من زوجها وقوعه فيما حرَّم الله مع النساء الأجنبيات أن تسارع إلى تذكيره بتقوى الله، وأن تخوفه من أليم عذابه، وأن تقطع الطريق على الشيطان أن يقوده إلى الرذائل والفواحش، وأن تبحث عن الأسباب التي أدَّت به إلى الوقوع في هذه المحرمات فتعالجها، فلا تبق خادمة في بيتها، ولا تمكنه من النظر إلى صاحباتها، أو الخلوة بهن، أو الحديث معهن، كما عليها أن تبحث في نفسها فقد تكون مقصرة في حقه في الفراش، ولا تشبع رغبته بسبب عملها، أو انشغالها، أو ضعف شهوتها، وهذا كله لا يعني أنه يحل له ما فعله – إن ثبت عنه – فالزنا من كبائر الذنوب، وهو متزوج، وعقوبته الرجم حتى الموت، وإنما نريد علاج واقع أمامنا، وليس هناك من يعين الأمة على حفظ أعراضها من قوانين وأنظمة وأحوال، بل كل ما في الدنيا يصب في تأجيج الشهوة، وإطلاق العنان لأهلها لتفريغها حيث شاءوا، ونظرة إلى الفضائيات، وعامة وسائل الإعلام تعرِّف الجاهل صدق قولنا.
ومن المهم أن تنظري في جواب السؤال رقم (7669) ففيه بيان كيف تتعامل الزوجة مع زوج يشاهد الأفلام الجنسية ولا يُعطيها حقّها.
ثالثاً:
اتخاذ خادمات في البيوت له مفاسد لم تعد تخفى على أحد، وكم تسبب وجود الخادمات في كثير من المشكلات في بيوت المسلمين، ووقع كثيرون في المعاصي الصغيرة والكبيرة بسبب ذلك.
ويرجى النظر في جواب السؤال رقم (26282) ففيه زيادة بيان حول مفاسد إحضار الخادمات، وشروط جواز ذلك.
رابعاً:
الذي ننصحك به تجاه زوجك بعد أن اعترف لك أنه وقع في الزنا:
1. أن تعظيه، وتخوفيه بالله تعالى أن يتوب ويستغفر ويندم على ما فات من فعاله القبيحة.
2. فإن لم يستجب لهذا، ولم يكف عن ملاحقة النساء، ويترك الزنا: فاطلبي الطلاق منه، فإن لم يرض به: فارفعي أمرك للقضاء ليتم تطليقك منه، فإن لم يتم هذا الفراق إلا بالخلع: فخالعيه، وادفعي ما يطلبه للفكاك منه، وتخليص نفسك من سوئه وشرِّه.
واعلمي أن خطر الزوج الزاني لا يلتصق به وحده، بل يتعداه إلى أولاده، وإليك أنتِ! إلى أولاده بسكوته عما يفعلونه من محرمات ومنكرات، وقد يكون بإشراكهم في أفعاله القبيحة، ويتعداه إليكِ أنتِ بما يمكن أن يؤثر زناه على حالك.
فقد يتلاعب الشيطان بالمرأة ويزين لها أن تقع في الحرام هي الأخرى مغايظةً لزوجها، ومقابلة له على فعله.
فإن هي استجابت للشيطان في ذلك فقد خسرت خسراناً مبيناً.
وانظري كلاماً لشيخ الإسلام رحمه الله في ذلك في "مجموع الفتاوى" (32/120، 121) .
وخلاصة القول: إما أن يتوب توبة صادقة، وإما أن تسعي لمفارقته، بطلاق، أو خلع.
واستعيني بالله تعالى دعاءً، وتضرعاً لهدايته أو التخلص منه، واستعيني بعقلاء أقاربك لتخليصك منه إن لم يتب من ذنبه، وإياكِ أن تجعلي أولادكِ مانعاً من فراقه، فبفراقه تحافظين عليهم، وتحمينهم من سوئه وشرِّه، وبفراقه تستطيعين تربيتهم بعيداً عن مكامن الشر ودواعي الفتنة.
خامساً:
وأما بخصوص بيتك الذي اشتريتيه بقرضٍ ربوي: فكلما تعجلت في سداد هذا القرض والتخلص منه فهو الأولى، ولكن لا يجب عليك ذلك، فلا يلزمك بيع الشقة لتعجيل سداد القرض، وتكفيك التوبة والندم على ما فات والعزم على عدم العودة إلى ذلك.
وانظري جواب السؤالين (85562) و (22905) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1686)
غير مرتاح مع زوجته مع أنها قائمة بجميع واجباتها!
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت - ولله الحمد - قبل 6 أشهر، ولكن أشعر بأنني غير مرتاح مع زوجتي، ليس بسبب تقصيرها في حقي، بل هي قائمة بكل واجباتها من ناحيتي ومن ناحية البيت، وأهلي، ولكن المشكلة أنها ليست المرأة التي تمنيتها، حيث إنني أعجب جدّاً بالمرأة الفارعة الطول، وزوجتي قصيرة تقريباً طولها " 152سم "، وأنا طولي " 160 سم"، ولكن أحس أنني أنجذب إلى حد الجنون للمرأة التي تفوقني في الطول، مما يجعلني أفكر في بعض الأحيان أن أطلق زوجتي أو أن أتزوج امرأة تكون أطول مني، وهذا جعلني غير مركِّز في عملي، وشارد الذهن، وقليل الإنتاج، على عكس ما كنت عليه في الجامعة، حيث كنت من الطلبة المتفوقين. ألوم نفسي كثيراً عندما أنزل مع زوجتي السوق، وأشاهد امرأة جدّاً طويلة، أحس أنني متندم على زواجي من زوجتي ويتعكر مزاجي، وعلى قولهم " أفك خلقي في زوجتي". في بعض الأحيان أقوم بالدخول على مواقع في الإنترنت تعرض صوراً ومقاطع فيديو لنساء جدا طويلات فأعجب بهن جدّاً، بل إني في بعض الأحيان أجامع زوجتي، وأنا أتخيل صورهن في عقلي. زوجتي هذه جدّاً طيبة، وتقدر لي ظروفي الصعبة، وطباخة ماهرة، وتحسن القيام بأمور البيت وهي التي دائماً، تبدأ بالمصالحة عندما نتخالف، حتى عندما أكون المخطئ، وتحاول دائماً أن تلبس الكعب العالي لتشبع رغبتي في الطول، ولكن أحس الكعب العالي لا ينفع معها لأنها جدّاًَ قصيرة. أنا الآن محتار، فزوجتي غمرتني بطيبتها وافتخارها بي بين صاحباتها وأقاربها، لا أدري ماذا أفعل، أريد أن أركز في عملي، وأصبح متميزاً، كما كنت عليه أيام الجامعة، أريدك أن ترشدني وأن تدعو الله لي بأن يدخل حب زوجتي في قلبي، وأن أجدها أجمل امرأة في عيني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه المشكلة من أغرب المشكلات التي وصلتنا! ولا ندري ما هو الذي جعلك تقدِّم الطول على الدين، والخلق، وحسن العشرة، وحسن التدبير، وجودة الطبخ من زوجتك الفاضلة، ونخشى أن يبتليك الله تعالى فتطلق هذه المرأة الفاضلة فتتزوج بامرأة طويلة لا تتصف بأي صفة من صفات زوجتك هذه فتندم أشد الندم.
واعلم أن الله تعالى قد أوجب عليك عشرة زوجتك بالمعروف، وإمساكها بإحسان، فلا يحل لك ما تفعله بها، ولا يجوز لك اختراع مشكلات لتتحرش بها فتضايقها أو تهينها بالقول أو الفعل، فإما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، ولعلك تبحث عن ضالتك في امرأة طويلة، وتترك هذه المرأة الفاضلة لتتزوج بمن يقدِّر دينها وخلقها وحسن تدبيرها لبيت الزوجية، فاحذر من ابتلاء الله، أو عقوبته.
ثانياً:
عليك أن تتأمل هذه الأحاديث:
1. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) رواه مسلم (1467) .
ولم يقل: " خير متاعها المرأة الطويلة "!
2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
ولم يقل: " تنكح المرأة لطولها "! ولا قال: " فاظفر بذات الطول "!
ثالثاً:
تأمل معنا كلام أهل العلم فيمن تزوج بالمرأة الصالحة:
1. قال المناوي رحمه الله:
"قال القاضي: المرأة الصالحة أنفع من الذهب؛ فإن الذهب لا ينفع إلا بعد الذهاب، وهي ما دامت معك رفيقتك، تنظر إليها تسرك، وتقضي إليها عند الحاجة وطرك، وتشاورها فيما يعن لك فتحفظ سرك، وتستمد منها في حوائجك فتطع أمرك، وإذا غبتَ تحامي مالك، وترعى عيالك، ولو لم يكن إلا أنها تحفظ بَذرك، وتربي زرعك: لكفى به فضلاً" انتهى.
" فيض القدير " (1 / 465) .
2. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"فقوله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع) يعني: شيء يُتمتع به، كما يَتمتع المسافر بزاده، ثم ينتهي.
(وخير متاعها المرأة الصالحة) إذا وفق الإنسان لامرأة صالحة في دينها، وعقلها: فهذا خيرُ متاع الدنيا؛ لأنها تحفظه في سره، وماله، وولده، وإذا كانت صالحة في العقل أيضاً: فإنها تدبر له التدبير الحسن في بيته، وفي تربية أولادها، إنْ نظر إليها: سرَّته، وإن غاب عنها: حفظته، وإن وَكل إليها أمرَه: لم تخنه، فهذه المرأة هي خير متاع الدنيا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) يعني: عليك بها؛ فإنها خير من يتزوجه الإنسان، فذات الدين وإن كانت غير جميلة الصورة: لكن يجمِّلها خلُقها، ودِينُها.
(فاظفر بذات الدين تربت يداك) " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (2 / 127، 128) طبعة ابن الهيثم.
رابعاً:
انظر كيف أثَّر مرضك هذا على نفسك ودينك، فبالإضافة إلى احتقار ما تتصف به زوجتك من أخلاق فاضلة: فإن أضفت إليه إهانتها والتحرش بها، وأضفت إليه النظر المحرَّم إلى النساء الأجنبيات، ولم تكتف بذلك حتى دخلتَ مواقع فاسدة فاجرة لتقضي نهمتك لا من النظر إلى الطويلات بل إلى ذات المنكر والفاحشة، ثم رحت تتخيل تلك الفاجرات أثناء جماعك لزوجتك العفيفة الطاهرة! .
فلا ندري – حقيقة – كيف تمكن الشيطان منك، وكيف سوَّل لك الوقوع في هذه المحرمات من أجل توهم وخيال لا قيمة له عند العقلاء، أرباب الفطر السليمة.
وفي اعتقادنا أنك لا تقبل الزواج بامرأة مفتونة بالرجال الطوال، وتفعل مثل فعلك في كل تفاصيله، فتخيل ذلك للحظة أن يقع من امرأة متزوجة، فكيف تحكم عليها؟ وهو الحكم نفسه الذي تحكم به على نفسك.
والذي يظهر لنا أن ما تشعر به هو من تلاعب الشيطان بك، يريد أن يوقع كره امرأتك في قلبك ليفرق بينكما، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تطعه فيما يوسوس به لك.
فاحذر من عقوبة الله، واحذر من سخطه، واحذر من أن تفقد زوجتك العفيفة الطاهرة بسبب أفعالك ومعاصيك، واعلم أن الجمال جمال الدين والخلق، وأن فتنتك هذه لو عرضت على عقلاء قومك لسخروا منك، فلا تجعل نفسك ألعوبة بيد الشيطان، واقطع النظر إلى النساء في الشارع، وفي وسائل الإعلام، واقطع النظر في المواقع الفاجرة، واحذر من خاتمة السوء أن تموت عليها.
ونسأل الله أن يُطهِّر قلبك، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأفعال، وأن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك، وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1687)
نذرت أن تترك سماع الأغاني ثم سمعتها
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى صديقاتي نذرت قبل عدة أشهر أنها إذا نجحت في امتحان من الامتحانات ستترك سماع الأغاني، والحمد لله نجحت وتركت سماع الأغاني لعدة أشهر، ولكنها في الفترة الأخيرة عادت إلى سماعها. هل عليها التكفير كلما سمعت الأغاني أم التكفير مرة واحدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليها ترك سماع الأغاني سواء نذرت ذلك أم لم تنذر، ويتأكد عليها تركها من أجل النذر، وعقوبة مخالفة النذر عظيمة، قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) التوبة/75-77.
فيجب عليها التوبة إلى الله تعالى من سماع الأغاني، والتوبة من عدم الوفاء بالنذر.
وسماع الأغاني والمعازف تفسد القلب، حتى يقع في النفاق، ولهذا قال من قال من السلف: الغناء ينبت النفاق في القلب.
وصدقوا، والواقع شاهد بهذا، فإن من يسمع الأغاني يحب سماعها، ويفضلها على سماع القرآن الكريم وتلاوته، وهذا من النفاق، وكلما زاد من السماع زاد من النفاق.
وقد يعجل الله تعالى العقاب لسامعي الغناء والمعازف في الدنيا، وهو عقاب شديد.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ) رواه الترمذي (2138) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فالأمة مهددة بهذه العقوبات إذا ظهرت المعازف والقينات (المغنيات) .
وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن جماعة يذهبون إلى أصل جبل، يسمعون المعازف ويشربون الخمر، فيخسف الله بهم الجبل، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة. رواه البخاري. ورواه ابن ماجه بلفظ (4020) : (لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
فعلى المؤمن أن يجتنب ما يغضب الله تعالى.
وأما بالنسبة للكفارة، فيجب عليها كفارة واحدة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1688)
إذا لعن أحد الزوجين الآخر لم يقع بذلك طلاق أو تحريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صفة الرجل إذا لعن زوجته أو الزوجة إذا لعنت زوجها، هل أحد منهم يحرم على الثاني من ناحية الزواج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يحرم كل منهما على الآخر بلعنه، ولا يقع بذلك طلاق، ولكن لعنه إياها ولعنها إياه من كبائر الذنوب فيجب عليهما أن يتوبا ويستغفرا الله مما حصل منهما ويستسمح كل من لعنه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/62) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1689)
لا يستطيع أن يغض بصره بسبب كثرة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في دولة غير إسلامية ـ ولا أستطيع أن أغض بصري بسبب كثرة النساء المتبرجات حولي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"غض البصر نوعان: نوع يستطيعه الإنسان ولا يعذر بتركه، وهو عدم اتباع نظره النساء وتعمد رؤيتهن، وهذا شيء يستطيعه، وهو واجب عليه، أعني عدم اتباع نظره وتعمد رؤيتهن، لأنه في مقدوره، ولا فرق بين أن يكون في بلد يكثر فيه السفور أو يقل.
والنوع الثاني: لا يستطيعه الإنسان، وهو النظر المباغت، يرى المرأة فلا يتبع نظره إليها ولا يتعمد، بل هو ماش في طريقه، فهذا لا يضره، ولا يأثم به، لأنه في غير مقدوره، وهذا والله أعلم هو السر في قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) النور/30، حيث جاء بـ "من" الدالة على التبعيض، إذ بعض الغض لا يجب، وهو ما لا يدخل في مقدور الإنسان، أو ما تدعو الضرورة إليه، كنظر الطبيب ونحوه، أو الحاجة كنظر الخاطب" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (145، 146) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1690)
حكم رضى المدرس بالغش في الامتحانات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الرضا بوقوع غش في الامتحانات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغش في الامتحانات محرم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) رواه مسلم (101) .
فلا يجوز ممارسته، ولا الإعانة عليه ولا إقراره؛ ولا الرضا بوقوعه، لأنه منكر، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِن لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم (49) .
وينظر جواب السؤال رقم (45433) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1691)
حكم تلميح المدرس للطلاب بأسئلة الامتحانات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمدرس التلميح أو التصريح بأسئلة الامتحان للطلبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمدرس التصريح أو التلميح بأسئلة الامتحانات، لأن ذلك من الغش الممنوع، والامتحان موضوع لبيان مستوى الطلاب، وقدراتهم، ومدى استفادتهم من الشرح والدراسة، كما تعتبر نتائج الطلاب دليلا - بوجهٍ ما - على مجهود المدرس ومستواه، فليس له أن يتعمد تحسين مستوى هذه النتائج، بإعطاء الطلاب أسئلة الامتحان، وليعلم أنه مؤتمن على هذه الأسئلة، وأن إفشاءها من خيانة الأمانة.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1692)
التحذير من خلوة المدرس بالطالبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم خلوة المدرس بالطالبة أثناء الدرس الخصوصي سواء كان في المنزل أو غيره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز خلوة الرجل بالمرأة أو الفتاة المراهقة التي تشتهى؛ سواء كان ذلك لدرس خاص أو غيره، في المنزل أو غيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ) رواه البخاري (3006) ومسلم (1341) .
وضابط الخلوة: هو اجتماعهما في مكان يأمنان فيه من اطلاع الغير عليهما.
والقصص التي تُحكى عن بعض المدرسين والطالبات يندى لها الجبين، وتوجب على ولي أمر الفتاة مزيداً من الحرص والاحتياط.
وسبب ذلك - والله أعلم -: أن الفتاة غالباً تكون في سن المراهقة أو الشباب، حيث تقوى الشهوة، ويسهل انخداعها، وليس عندها من كمال العقل والتجربة ما يجعلها تُقَدِّر الأمور تقديراً صحيحاً، وتتحكم في نزواتها، مع أن طول المعاشرة والمخالطة بين المدرس والطالبة – إذ تمتد سنة أو أكثر – يعمل على زوال الحياء والاحتشام بينهما شيئاً فشيئاً، مما يسهل الوقوع فيما حرم الله تعالى.
فمن اضطر لإحضار مدرس لابنته، فيجب أن يجلس معهما أحد أثناء الدرس، كأخيها مثلاً، أو يجعل مكان الدرس في مكان مفتوح في البيت كالصالة مثلاً، ولا يكون في غرفة تغلق عليهما.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1693)
منتديات يكثر فيها الحديث الفاحش ونشر الأسرار الزوجية!
[السُّؤَالُ]
ـ[بما أن موقعكم هذا يفد إليه الآلاف المؤلفة من الناس، ودائماً ما نرى فتاواه منقولة إلى مواقع ومنتديات كثيرة جدّاً في شبكة الإنترنت، فإنني أطلب منكم تفصيل الحكم، والقول في مسألة متفشية في منتديات الإنترنت العربية، وهي كالآتي: كثر انتشار المنتديات الإلكترونية التي تهتم بأمور الزوجية، والعلاقة بين الزوجين، من حقوق، وواجبات، ونصائح، ونحو ذلك، بل إن الكثير من المنتديات العامة أو المتخصصة في مجالات علمية، أو رياضية، أو تقنية بحتة أصبح يجد فيها الزائر قسماً خاصاً بقضايا الأسرة، والزواج، وحقوقه، وآدابه، لكن المشكلة الحاصلة في كثير من تلك المنتديات والأقسام هي التعرض لأسرار الحياة الزوجية، وبالتحديد الأمور الجنسية بين الزوجين، فترى نساءً يكتبن عن ما يحدث بينهن وبين أزواجهن في الفراش، بلا حياء، وتجد المزح، والضحك، والتبسّط في النقاش بين أعضاء المنتديات - رجالاً ونساءً - حول المواضيع الجنسية، ولقد قرأت بنفسي أموراً لا يليق المقام بذكرها، وأستحيي من بيانها، والأسوأ من ذلك: أن بعضهم يتسمّى بأسماء إسلامية شرعية - إن صح التعبير - كـ " المجاهد " أو " فتاة الإسلام " أو نحو ذلك، وقد تجد على تواقيعهم آيات قرآنية، وأحاديث نبوية! فهذه تقول " زوجي يفعل بي كيت وكيت "، وهذه تسأل " ما أفضل طريقة لفعل كذا وكذا؟ "، فيدخل أحد الأعضاء الذكور ويرد عن سؤالها " دعي زوجك يفعل بك كذا.. "، ثم يسمّي أموراً (طبعاً باللغة العربية الفصحى وليس العامية المبتذلة) ويسهب في الشرح، ثم يأتي سيل التعليقات، والنقاشات من الآخرين، وأحياناً يصرّح بعضهم بالمعصية دون أن يشعر فيقول: إنه شاهد هذه الحركة المعينة في مقطع!! أو أن تنصح مشرفة القسم مثلاً الأعضاء بمشاهدة شريط فيديو معيّن يساعد على الجماع، والمواضيع كثيرة، والردود أكثر، وبحذاقة، وتفنن، ورتابة، ونشاط شديد، وكأننا لم نخلق إلا لقضاء شهواتنا، إنه - والله - عالم كبير، يعجّ بإثارة الغرائز والشهوات وقلّة الحياء. أنا لا أتحدث عن منتديات ومواقع العهر والفساد الأخلاقي التي يتم حجبها من المسئولين، بل عن منتديات عادية مصرّح بها، ومفتوحة، وفيها أناس عقلاء، وبعضهم ربما على تقوى، أعلمُ أنه لا عيب في تعلّم هذه الأمور لمن هو مقبل على الزواج، لكن المشكلة أن كثيراً من هؤلاء الأعضاء ليسوا متزوجين، ولا ينوون الزواج عن قريب، ودائماً ما يصرّحون بذلك في ردودهم بطلب الدعاء لهم.. إلخ، وحتى المتزوجون يفضحون أسرار الزوجية، وربما من دون شعورهم بذلك، ألا يمكن تعلّم هذه المسائل عبر المواقع الإلكترونية الطبيّة المحترمة؟ أو الكتب المتخصصة؟ أو بعض مواقع الفتاوى مثل موقعكم هذا؟ يوجد بعض المواقع - ولله الحمد - يكون فيها طبيب، أو شخص متخصص ترسل إليه الأسئلة على شكل خاص، ثم يتم الإجابة عنها، ووضعها في الموقع ليطلع الناس عليها دون الحاجة إلى النقاشات غير الضرورية بين الأعضاء والناس العامة. أرجو التفصيل الوافي للحكم الشرعي فيما ذكرت، وإرسال نصيحة لكل من يعمل ويشرف ويشارك في تلك المنتديات. وأسأل الله أن ينفع بإجابتكم، وأن تنتشر في شبكة الإنترنت؛ حتى يعرف الناس الصواب من الخطأ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك غيرتك أيها الأخ السائل الفاضل، ونسأل الله تعالى أن يكتب لك أجر ما نكتب وننصح به، و (الدال على الخير كفاعله) .
وما تقوله أخي الفاضل صحيح، وهو موجود – وللأسف – بكثرة في المنتديات، ولا يمكن لأحدٍ أن يوقف ذلك السيل العارم بالحديد، والقوة، ولا خير من تنمية الوازع الديني عندهم، فهو الذي يمكن أن يردع هؤلاء المخالفين للشرع عن فعلهم، وهو الذي يمكن أن يكُف أصابعهم عن كتابة ما لا يليق شرعاً وعرفاً.
ثانياً:
في رأينا أنه ثمة أسبابا تدعو أولئك المشاركين في تلك الكتابات لكتابة ذلك الفحش والسوء، ومنها:
1. عدم استشعار رقابة الله تعالى، فترى أحدهم يكتب مع إغفاله لرقابة ربه تعالى على حركة أصابعه، وعلى نيته في باطنه.
2. الفراغ العاطفي لدى هؤلاء، فلا زوجة يعف نفسه بها، ولا زوج يعفها ويكفيها.
3. الفراغ من المسئوليات، وكثرة الأوقات الفارغة.
4. الجهل بالأحكام الشرعية، والجهل يؤدي إلى المعصية، والمعصية تؤدي إلى النار.
5. تهييج المشاركين والمشارِكات للاصطياد الماكر.
6. صحبة السوء، والتنافس على القُبح.
ثالثاً:
أما علاج هذه الظاهرة: فيتمثل في أمور، منها:
1. تقوية جانب رقابة الله تعالى للعبد، ويتجلى ذلك بتوضيح مفهوم الإحسان، والتعريف بصفات الله تعالى كالرقيب، والبصير، والسميع، مع تقوية جانب الحياء من الله تعالى، ومن ملائكته الكرام.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
الإحسان إذا باشر القلب: منعه عن المعاصي؛ فإنَّ مَن عبدَ الله كأنه يراه: لم يكن كذلك إلا لاستيلاء ذِكره، ومحبته، وخوفه، ورجائه على قلبه، بحيث يصير كأنه يشاهده، وذلك سيحول بينه وبين إرادة المعاصي، فضلا عن مواقعتها، فإذا خرج من دائرة الإحسان: فاته صحبة رفقته الخاصة، وعيشهم الهنيء، ونعيمهم التام.
" الجواب الكافي " (ص 47) .
2. بيان الحكم الشرعي لكتابة الفحش، والسوء، وأن الشريعة المطهَّرة حرَّمت ذلك، مع تحريم نشر القبيح من الكلام، والإعانة على القبيح من الأفعال.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ) .
رواه الترمذي (2002) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
3. بيان الحكم الشرعي لنشر أسرار الفراش في الحياة الزوجية.
عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا) .
رواه مسلم (1437) .
قال النووي – رحمه الله -:
وفي هذا الحديث: تحريم إفشاء الرجل ما يجرى بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك، وما يجرى مِن المرأة فيه، من قول، أو فعل، ونحوه.
" شرح النووي " (10 / 8) .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
يغلب على بعض النساء نقل أحاديث المنزل وحياتهن الزوجية مع أزواجهن إلى أقاربهن وصديقاتهن، وبعض هذه الأحاديث أسرار منزلية لا يرغب الأزواج أن يعرفها أحد، فما هو الحكم على النساء اللاتي يقمن بإفشاء الأسرار ونقلها إلى خارج المنزل أو لبعض أفراد المنزل؟ .
فأجاب:
إن ما يفعله بعض النساء مِن نقل أحاديث المنزل والحياة الزوجية إلى الأقارب والصديقات أمر محرَّم، ولا يحل لامرأة أن تفشي سرَّ بيتها، أو حالها مع زوجها إلى أحدٍ من الناس، قال الله - تعالى -: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن (شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها) .
" فتاوى إسلامية " (3 / 211، 212) .
وقال – رحمه الله -:
والصواب في هذه المسألة – أي: التحدث بجماع الزوجة - أنه حرام، بل لو قيل: إنه من كبائر الذنوب لكان أقرب إلى النص، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته.
" الشرح الممتع " (12 / 419) .
ومعنى يفضي: أي يصل إليها بالمباشرة والمجامعة كما في قوله تعالى: " وقد أفضى بعضكم إلى بعض " سورة النساء الآية 21.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا عسى أحدكم أن يخلو بأهله يغلق باباً، ثم يرخي ستراً، ثم يقضي حاجته، ثم إذا خرج حدَّث أصحابه بذلك؟!
ألا عسى إحداكن أن تغلق بابها وترخي سترها، فإذا قضت حاجتها حدثت صواحبها؟ فقالت امرأة سفعاء الخدين: والله يا رسول الله إنهن ليفعلن، وإنهم ليفعلون، قال: فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثَل شيطان لقي شيطانة على قارعة الطريق، فقضى حاجته منها، ثم انصرف، وتركها.
قال الألباني: رواه البزار، وله شواهد تقوِّيه.
" صحيح الترغيب " (2023) .
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَلْ فِيكُمْ رَجُلٌ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ أَغْلَقَ بَابَهُ وَأَرْخَى سِتْرَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُحَدِّثُ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ بِأَهْلِي كَذَا، وَفَعَلْتُ بِأَهْلِي كَذَا؟ فَسَكَتُوا فَأَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ؟ فَجَثَتْ فَتَاةٌ كَعَابٌ عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهَا، وَتَطَاوَلَتْ لِيَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْمَعَ كَلاَمَهَا، فَقَالَتْ: إِي وَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَيُحَدِّثُونَ، وَإِنَّهُنَّ لَيُحَدِّثْنَ، قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ إِنَّ مَثَلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانٍ وَشَيْطَانَةٍ لَقِيَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالسِّكَّةِ، قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ.
رواه أبو داود (2174) .
قال الشوكاني – رحمه الله -:
والحديثان يدلان على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع؛ وذلك لأن كون الفاعل لذلك من أشر الناس، وكونه بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون: من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينهما الراجعة إلى الوطء ومقدماته، فإن مجرد فعل المكروه لا يصير به فاعله من الأشرار فضلا عن كونه من شرهم، وكذلك الجماع بمرأى من الناس لا شك في تحريمه، وإنما خص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي سعيد الرجل فجعل الزجر المذكور خاصا به ولم يتعرض للمرأة: لأن وقوع ذلك الأمر - في الغالب - من الرجال.
قيل: وهذا التحريم إنما هو في نشر أمور الاستمتاع، ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع، وإفشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الوقاع، وأما مجرد ذكر نفس الجماع فإن لم يكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه؛ لأنه خلاف المروءة، ومن التكلم بما لا يعني، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ".
" نيل الأوطار " (6 / 237) .
وقد أطلنا في هذه المسألة لأنها عمدة السؤال، وهي أكثر المسائل انتشاراً في المنتديات، وهو الحديث عن الجماع، وتفصيل فعل ذلك في الفراش، وإذا كان حديث الزوجة عن فعل زوجها من كبائر الذنوب، فكيف يكون حكم من نشر تفصيل ذلك في واقعة زنى؟!
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور:19) .
روى البخاري (6069) ومسلم (2990) من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وَالْمَجَانَة مَذْمُومَة شَرْعًا وَعُرْفًا , فَيَكُون الَّذِي يُظْهِر الْمَعْصِيَة قَدْ اِرْتَكَبَ مَحْذُورَيْنِ: إِظْهَار الْمَعْصِيَة وَتَلَبُّسه بِفِعْلِ الْمُجَّان " ...
وقَالَ اِبْن بَطَّال رحمه الله: فِي الْجَهْر بِالْمَعْصِيَةِ اِسْتِخْفَاف بِحَقِّ اللَّه وَرَسُوله وَبِصَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ , وَفِيهِ ضَرْب مِنْ الْعِنَاد لَهُمْ , وَفِي السِّتْر بِهَا السَّلَامَة مِنْ الِاسْتِخْفَاف , لِأَنَّ الْمَعَاصِي تُذِلّ أَهْلهَا , وَ [السلامة] مِنْ إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فِيهِ حَدّ وَمَنْ التَّعْزِير إِنْ لَمْ يُوجِب حَدًّا , وَإِذَا تَمَحَّضَ حَقّ اللَّه فَهُوَ أَكْرَم الْأَكْرَمِينَ وَرَحْمَته سَبَقَتْ غَضَبه , فَلِذَلِكَ إِذَا سَتَرَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَفْضَحهُ فِي الْآخِرَة , وَاَلَّذِي يُجَاهِر يَفُوتهُ جَمِيع ذَلِكَ.. وَأَيْضًا فَإِنَّ سِتْر اللَّه مُسْتَلْزِم لِسِتْرِ الْمُؤْمِن عَلَى نَفْسه , فَمَنْ قَصَدَ إِظْهَار الْمَعْصِيَة وَالْمُجَاهَرَة بِهَا أَغْضَبَ رَبّه فَلَمْ يَسْتُرهُ , وَمَنْ قَصَدَ التَّسَتُّر بِهَا حَيَاء مِنْ رَبّه وَمِنْ النَّاس مَنَّ اللَّه عَلَيْهِ بِسِتْرِهِ." انتهى من فتح الباري.
فلعلَّ هؤلاء أن يقفوا على الحكم الشرعي، فينتهوا عن نشر القبيح من الكلام، والوصف للمحرَّم من الأفعال.
3. تحذير رب الأسرة من ترك الحبل على غاربه لأولاده الذكور والإناث لأن يشاركوا فيما يشاؤون من منتديات، وتفعيل دور الأسرة في التوجيه، والتربية، والرقابة.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/ 6.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) .
رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
4. تحذير الفتيات من ذئاب المنتديات، حيث يدخل الواحد فيهم متصنعاً للوقار، أو للفهم والمعرفة، أو لعذب الكلام، أو لحسن معاملة النساء، فيوقع الكثيرات في شراكه، ويصيدهن بشباكه، ويحرص الخبيث على تشويقهن، وتهييجهن، حتى يقع منهنَّ ما لا يُحمد عقباه.
5. التشجيع على الزواج بذِكر الحكم الشرعي بوجوبه على من كان قادراً، وبالزواج يُملأ جانب العاطفة الذي يفتقده هؤلاء، فيحاولون ملأه بالكلام المجرد، المهيج للشهوة، والداعي للفتنة.
6. التحذير من صحبة السوء، وأن هذه الصداقة السيئة ستنقلب ندامة في الدنيا، وعداوة في الآخرة.
ونسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين، وأن يحفظ علينا أعراضنا وأوقاتنا وطاعاتنا، وعسى الله أن يهدي بما ذكرناه أصحاب المواقع، والمنتديات، والمشرفين عليها، والكاتبين فيها، وليعلم كل واحد من أولئك أنه مخاطب بما سبق بيانه، وأنه يتحمل إثم كل مشاركة سيئة فيها إثم وفحش، وأنه يكسب إثم كل بيت يُهدم، وعرض يُنتهك، ونفسٍ تُفتن.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1694)
شروح صحيح البخاري المختصرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن كتاب شرح صحيح البخاري، أريد أسهل كتاب لشرح الصحيح، ومختصر، وسهل لغير طالب العلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شروح صحيح البخاري كثيرة ومتنوعة، وهي في أغلبها متخصصة يصعب استيعابها على غير المتخصصين في دراسة العلوم الشرعية، سبب ذلك صعوبة الطريقة التي كتب فيها البخاري صحيحه، حيث اهتم كثيرا بتعدد الطرق وتكرار الحديث وكثرة التبويبات، مما فرق على القارئ أو الحافظ ذهنه وشتت عليه فكره.
ولذلك جاء العلامة أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي (893هـ) فاختصر صحيح البخاري من الأسانيد والمكررات، وسمى مختصره "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، وقد طبع بتحقيق إبراهيم بركة طبعة جيدة فيها شرح مختصر لهذه الأحاديث.
فمن أراد أن يقرأ صحيح البخاري من غير المتخصصين فعليه بمختصر الزبيدي له، وليحرص على قراءته والاستفادة منه، ثم ليحاول تفهم الأحاديث الموجودة فيه من كتب الشروح المختلفة، ومن أيسرها:
1- كتاب "أعلام السنن" للعلامة الخطابي (388هـ) ، وهو شرح مختصر للصحيح.
2- حاشية العلامة السندي، على صحيح البخاري، وهي حاشية مختصرة جدا، وفيها فوائد نافعة.
3- "عون الباري شرح التجريد الصريح" لصديق حسن خان (1307هـ) ، وهو شرح لمختصر الزبيدي، اعتمد فيه على فتح الباري، فهو كالملخص له.
وهذه الشروح من أخصر شروح الصحيح وأسهلها، فهي تعتني بمعاني الألفاظ والعبارات والفوائد المستنبطة من الحديث، ولا تعرج على الأسانيد ومشكلات المسائل والدقائق، ولا يصعب قراءتها على عامة الناس في الأغلب، وإن كانت أحيانا تخوض في بعض التفصيلات اللغوية وغيرها، فعلى القارئ أن يتجاوز ما يصعب فهمه عليه.
على أنه الأقرب من هذه الشروح، لغير المتخصص، أن يستعين ببعض الشروح الصوتية لهذه الكتب، ومنها شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، للصحيح.
وشرح الشيخ عبد الكريم الخضير، حفظه الله، لمختصر الزبيدي.
نسأل الله أن ييسر للكتاب من يقربه إلى عامة الأمة، ويزيد نفع الناس به.
وانظر عن صحيح الإمام البخاري ومؤلفه (20153) ، (21523)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1695)
إثم الاعتداء على ملك الغير وحكم الصلاة في الأرض المغصوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[قضية تؤرقني كثيرا ومنذ أمد بعيد، والدي وأخوه لهما أرضان متجاورتان، سكن والدي ولم يسكن عمي، بقيت أرض عمي بياضا لم تسكن، بدأ الوالد يزحف شيئا فشيئا على أجزاء من أرض أخيه، توفي العم وبقي الوالد ولله الحمد بصحة وعافية، ولكن ما زال يتوسع في الأخذ من أرض العم، أبناء العم الذين هم الورثة سكتوا ولم يُبْدوا أي شيء. يغضب الوالد غضبا شديدا عندما أكلمه بهذا الموضوع لأني أحاول به أن يتخلص منها بشراء أو برجوع عنها، ولا يرضى بهذا البتة، مازلت أسكن مع الوالد بهذه الأرض سؤالي هو: هل يأثم الوالد بفعله هذا وهل يعتبر متعديا على حقوق الغير؟ هل لمثل هذه الأرض أثر على قبول العبادة التي تؤدى عليها كالصلاة ونحوها؟ هل آثم لو جاريت الوالد بالسكنى فيها على ما فيها من شبهةٍ؟ وما هو التصرف الصحيح في مثل هذه الحالة؟ علما بأن بداية هذه المشكلة قديمة؟ وهل سكوت صاحب الحق يفهم منه أنه قد سامح بذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز الاعتداء على حق الغير، أرضا كانت أو غيرها، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459) .
وقد جاء في شأن الأرض وعيد شديد لمن اقتطع منها شيئا بغير حق، فقد روى البخاري (3198) ومسلم (1610) واللفظ له عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) .
وروى أحمد عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَيُّمَا رَجُلٍ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ كَلَّفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْفِرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَ سَبْعِ أَرَضِينَ، ثُمَّ يُطَوَّقَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (240) .
وروى مسلم (1978) عن عَلِيٌّ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ) .
ومنار الأرض: علاماتها وحدودها.
فالواجب على أبيك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرد الحق إلى أهله، وسكوت الورثة عن فعله لا يعني رضاهم به، لكن لعلهم يراعون حق القرابة، ولا يريدون إثارة المشاكل.
وينبغي أن تستمر في نصحه وتذكيره، ولو استعنت ببعض أهل الخير والصلاح كان حسنا، كأن تشير على خطيب الجامع أن يتكلم على الظلم وأكل المال بالباطل ويشير إلى الاعتداء على أرض الغير، فإن هذا المنكر مما تساهل فيه بعض الناس.
ثانيا:
الأرض المغصوبة لا يحل البقاء فيها، ويلزم الخروج منها، والصلاة عليها محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى عدم صحتها كما هو مذهب الحنابلة، ومنهم من يرى صحتها مع الإثم، وهو مذهب الجمهور.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولا أعلم دليلاً أثريّاً يدلُّ على عدم صحَّة الصَّلاة في الأرض المغصوبة، لكن القائلين بذلك علَّلوا بأن الإنسان منهيٌّ عن المقام في هذا المكان؛ لأنه مُلْك غيره، فإذا صَلَّى فصلاتُه منهيٌّ عنها؛ والصَّلاة المنهيُّ عنها لا تصحُّ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ) ولأنها مضادَّة للتعبُّد، فكيف يُتعبَّد لله بمعصيته؟ " انتهى من "الشرح الممتع" (2/248) .
ثالثا:
لا يجوز أن تجاري والدك في السكنى على ما غصب من الأرض، بل لا يجوز أن تطيعه لو أمرك بذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأما الجزء المملوك لوالدك فلا حرج عليك ولا عليه في سكناه والانتفاع به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1696)
حكم تأثيث المكاتب بأثاث فخم وهل يدخل في الإسراف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بخصوص العمل، فطبيعة الشركة التي أملكها تحتم أن تكون المكاتب فخمة جدّاً، وتعكس طابع العمل، وسيتم تجهيزها بمئات الألوف، علماً بأن الغرض الأساسي من تلك الشركة هو أن أتمكن من التفرغ لطلب العلم، فهل إن قمت بذلك يعد إسرافاً. وإن كانت طبيعة العمل تحتم أن يلبس الشخص ملابس أنيقة جدّاً (مثل البدل الأنيقة، والغالية، والساعة، والحذاء الغالي.. الخ) ، فما العمل؟ علماً بأني قد أطلب ذلك من العاملين في الشركة لدي، وقد أقوم بدفع بدلات لهم مقابل ذلك، وكله بحكم طبيعة العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الذي يظهر لنا أن ما تنفقه الشركات على تأثيث مكاتبها، والاهتمام بمظهرها وأناقتها: ليس فيه حرج لذاته، إلا أنه يُجتنب في هذا أمور:
الأول: أن يكون في ذلك إسراف، وذلك بتجاوز الحد عن قدرة الشركة المالية، أو يكون ذلك التأثيث وتلك الأناقة زائدة عن الحاجة لها في الشركة، والاعتدال في الأمور المباحة مطلوبة.
والثاني: أن يكون ذلك بقصد التشبع بما لم تُعط من أجل اصطياد الزبائن، وإيهامهم بقوة الشركة المادية، ومن المعلوم أن مثل هذا التأثيث والأناقة أنها رسالة لمن يرى ذلك، ليحكم من خلال ما يراه على قوة الشركة، ووجود الأعمال لديها، ولا يكون الأمر كذلك في واقع الحال، بل يُفعل ذلك من أجل الإيهام والتغرير بالزبائن.
والثالث: أن تجتنب التماثيل وتعليق صور ذوات الأرواح على الجدران، ويجوز تعليق صور الأشجار والأنهار وعموم ما ليس له روح.
وانظر جوابي السؤالين: (7918) .
والرابع: تجنب تعليق آيات من القرآن الكريم.
وانظر في ذلك جواب السؤال رقم (254) .
ثانياً:
وأما بخصوص لباس الموظفين: فإنه لا مانع أن تكون ملابسهم وأحذيتهم وساعاتهم أنيقة ومميزة، لكن على أن لا يكون فيها مخالفات شرعية، ومنها:
1. أن تكون ملابسهم موافقة للشروط الشرعية، فلا تكون من لباس الكفار الخاصة بهم، ولا تكون ضيقة تصف، ولا شفافة تشف، ولا تكون ثيابا فيها إسبال.
وفي جواب السؤال رقم (36891) جملة من أحكام اللباس فلتنظر.
وينظر جواب السؤال رقم (69789) لمعرفة ماهية ثياب الكفار المنهي عنها، وحكم لبس البدلة.
وتنظر أدلة تحريم الإسبال في جواب السؤال رقم: (762) .
وفي جواب السؤال رقم: (72878) تجد أحكام اللباس من حيث لونه.
2. أن لا تكون الساعات ذهبية.
وينظر في ذلك جواب السؤال (652) وفيه حكم لبس الساعات المطلية بالذهب.
3. أن لا يكون تجاوزٌ للحد في أثمانها، فلا مانع أن تكون أنيقة، لكن لا ينبغي تجاوز الحد فيها من حيث عددها، ومن حيث أثمانها.
وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون ثياب المسلم حسنة، ونعاله حسنة، بل إنه أثنى على ذلك.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ) رواه مسلم (91) .
وأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يلبس المرء ما يشاء إذا اجتنب الإسراف والمخيلة.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ) .
رواه النسائي (2559) وابن ماجه (3605) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي ".
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ.
رواه البخاري عنه في صحيحه، في كتاب اللباس (5 / 2180) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
والذي يجتمع من الأدلة: أنَّ مَن قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه، مستحضراً لها، شاكراً عليها، غير محتقر لمن ليس له مثله: لا يضره ما لبس من المباحات، ولو كان في غاية النفاسة، ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة مِن كِبْر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، فقال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس) ، وقوله (وغَمْط) بفتح المعجمة وسكون الميم ثم مهملة: الاحتقار.
" فتح الباري " (10 / 259، 260) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1697)
حكم التصفيق في الحفلات وغيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تصفيق الرجال في الحفلات أو المحاضرات إذا أعجبهم شيء، أو أرادوا تحية المتكلم في المحاضرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم يرد الشرع بالتصفيق في شيء من العبادات إلا للمرأة في الصلاة، إذا حدث ما يقتضي التنبيه عليه، لما رواه البخاري (684) ومسلم (421) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) .
فما يفعله بعض الصوفية في حلقاتهم وموالدهم من التصفيق عند الأذكار والأوراد، لا شك أنه بدعة ضلالة، وهو مشابه لفعل المشركين عند الكعبة، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35.
والمكاء: الصفير. والتصدية: التصفيق.
ثانياً:
أما تصفيق الرجال في الحفلات ونحوها مما ليس عبادة، فأقل أحواله الكراهة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما حكم التصفيق في الحفلات؟
فأجاب "التصفيق في الحفلات ليس من عادة السلف الصالح، وإنما كانوا إذا أعجبهم شيء سبحوا أحيانا، أو كبروا أحيانا، لكنهم لا يكبرون تكبيرا جماعيا، ولا يسبحون تسبيحا جماعيا، بل كل واحد يكبر لنفسه، أو يسبح لنفسه، بدون أن يكون هناك رفع صوت، بحيث يسمعه من بقربه، فالأولى الكف عن هذا أي التصفيق، ولكننا لا نقول بأنه حرام لأنه قد شاع بين المسلمين اليوم، والناس لا يتخذونه عبادة، ولهذا لا يصح الاستدلال علي تحريمه بقوله تعالي عن المشركين: (وما كانت صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فإن المشركين يتخذون التصفيق عند البيت عبادة، وهؤلاء الذين يصفقون عند سماع ما يعجبهم أو رؤية ما يعجبهم لا يريدون بذلك العبادة.
وخلاصة القول أن ترك هذا التصفيق أولى وأحسن ولكنه ليس بحرام" انتهى.
ينظر موقع الشيخ ابن عثيمين على الانترنت
وذهب بعض العلماء إلى تحريمه، لما فيه من مشابهة المشركين، والنساء.
قال الشوكاني في "نيل الأوطار": "قوله: (إنما التصفيق للنساء) يدل على منع الرجال منه مطلقاً" انتهى.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ما حكم التصفيق للرجال في المناسبات والاحتفالات؟ .
فأجاب:
التصفيق في الحفلات من أعمال الجاهلية، وأقل ما يقال فيه الكراهة، والأظهر في الدليل تحريمه؛ لأن المسلمين منهيون عن التشبه بالكفرة، وقد قال الله سبحانه في وصف الكفار من أهل مكة: (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35.
قال العلماء المكاء الصفير، والتصدية التصفيق.
والسنة للمؤمن إذا رأى أو سمع ما يعجبه أو ما ينكره أن يقول: سبحان الله أو يقول: الله أكبر، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، ويشرع التصفيق للنساء خاصة إذا نابهن شيء في الصلاة أو كن مع الرجال فسهى الإمام في الصلاة، فإنه يشرع لهن التنبيه بالتصفيق، أما الرجال فينبهونه بالتسبيح كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يعلم أن التصفيق من الرجال فيه تشبه بالكفرة وبالنساء وكل ذلك منهي عنه. والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/151) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد:
"لا يُشرع التصفيق في شيء من أمور الدين إلا في موضع واحد للحاجة: وهو للمرأة داخل الصلاة إذا عرض عارض كسهو الإمام في صلاته، فإنه يستحب لمن اقتدى به تنبيهه: فالرجل ينبه الإمام بالتسبيح، والمرأة تنبه الإمام بالتصفيق؛ وهذا لثبوت السنة به عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) .
ثم حدث في الأمة التعبد بالتصفيق لدى بعض المبتدعة عند قراءة الأذكار، والأوراد، والأحزاب، وفي الموالد، والمدائح في البيوت، والمساجد، وغيرها، ويظهر أنه منذ القرن الرابع، فإن الحافظ عبيد الله بن بطة المتوفي سنة 387 أنكر عليهم ذلك، وقد تتابع إنكار العلماء عليهم، وتهجينهم، وتبديعهم، فمن الذين لهم مقام صدق في ذلك الحافظ ابن الجوزي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وغيرهم، قديماً، وحديثاً، مقررين بالإجماع: أن التعبد بالتصفيق: بدعة ضلالة، وخروج على الشرع المطهر، فيجب اجتناب التعبد به ويجب منعه.
ثم في أثناء القرن الرابع عشر تسلل إلى المسلمين في اجتماعاتهم واحتفالاتهم، التصفيق عند التعجب؛ تشبهاً بما لدى المشركين من التصفيق للتشجيع، والتعجب.
وإذا كان التصفيق في حالة التعبد: بدعة ضلالة، كما تقدم، فإن اتخاذه عادة في المحافل، الاجتماعات؛ للتشجيع، والتعجب، تشبه منكر، ومعصية يجب أن تُنكر، وذلك لما يلي:
معلوم أن هدى النبي صلى الله عليه وسلم عند التعجب، هو الثناء على الله تعالى وذكره بالتكبير، والتسبيح، والتهليل، ونحوها، والأحاديث في هذا كثيرة شهيرة في كتاب السنة، ترجم لبعضها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه فقا: "باب التكبير والتسبيح عند التعجب "، وأدخلها العلماء في كتب الأذكار منهم النووي رحمه الله تعالى في: "كتاب الأذكار" فقال: "باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوها"، وعلى هذا الهدي المبارك درج سَلَفُ هذه الأمة من الصحابة رضي الله عنهم فمن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا والحمد لله، وفي هذا استمرار حال المسلم بتعظيم الله، وتمرين لسانه على ذكر الله تعالى.
إذا عُلِمَ ذلك، فإنه لا نعلم من المرويات عن المقتدى بهم من أئمة الهدى، التَّصْفِيْقَ في مثل هذه الحال، فضلاً عن ورود شيء من ذلك في السنة، وعليه، فإن التصفيق في احتفالات المدارس، وغيرها: إن وقع على وجه التعبد، فهو بدعة محرمة شرعاً، لأن التصفيق لم يتعبدنا الله به، وهو نظير ما ابتدعه بعض المتصوفة من التصفيق حال الذكر والدعاء، كما تقدم.
وإن وقع التصفيق المذكور على وجه العادة، فهو منكر محرم؛ لأنه تشبه (بالكفار) .
ولا نعرف دخول هذه العادة في تاريخ المسلمين إلا في أثناء القرن الرابع عشر، حين تَفَشَّى في المسلمين كثير من عادات الكافرين والتشبه بهم.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "والتصفيق منكر، يطرب، ويُخرج عن الاعتدال، وتنزه عن مثله العقلاء، ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من: "التصدية" وهي التي ذمهم الله عز وجل بها فقال (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35، فالمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، ثم قال: وفيه أيضاً تشبه بالنساء، والعاقل يأنف من أن يخرج من الوقار، إلى أفعال الكفار والنسوة" انتهى.
فعلى العبد المسلم أن يتقي الله فيما يأتي ويذر، وأن يتثبت فيما ينسبه إلى الشرع المطهر" انتهى من "تصحيح الدعاء" (ص 86-89) باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1698)
هل الحسد موجود؟ وما معناه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الحسد في الإسلام موجود أم غير موجود؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الحسد تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من شر الحاسد إذا حسد، قال الله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) سورة الفلق كاملة، ومعنى إذا حسد: إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه، وحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود.
والحسد على درجات:
الأولى: أن يحب الإنسان زوال النعمة عن أخيه المسلم، وإن كانت لا تنتقل إليه، بل يكره إنعام الله على غيره ويتألم به.
الثانية: أن يحب زوال النعمة عن غيره لرغبته فيها؛ رجاء انتقالها إليه.
الثالثة: أن يتمنى لنفسه مثل النعمة من غير أن يحب زوالها عن غيره، وهذه الدرجة جائزة وليست من الحسد في شيء بل هي غبطة.
والحاسد يضر نفسه من ثلاثة وجوه:
أحدها: اكتساب الذنوب؛ لأن الحسد حرام.
الثاني: سوء الأدب مع الله تعالى، فإن حقيقة الحسد كراهية إنعام الله على عبده، واعتراض على الله في فعله.
الثالث: تألم قلبه من كثرة همه وغمه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/29) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1699)
حكم الكذب الذي لا يوقع أحداً في مضرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الكذب الذي لا يوقع أحداً في مضرة أبداً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يحرم الكذب مطلقاً، إلا ما استثناه الشارع، وليس ما ذكر منها؛ لعموم الأدلة، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119، وفي الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) . وعن عبد الله بن مسعود أيضاً أنه قال: الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، اقرأوا إن شئتم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119، ثم قال: هل تجدون لأحد فيه رخصة؟
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/51) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1700)
والده يشرب الخمر، فكيف يتصرف معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي إليكم أسري، واجتماعي بنفس الوقت، أبي – يا شيخ حفظكم الله - مبتلى بالمسكر (الخمر) منذ زمن , وكلما رأيته بهذه الحالة أنقهر، وأغتم مما أراه، وإذا نصحته وقلت له إن هذا الشيء لا يجوز وحرام: يزعل مني، ويحاول إسكاتي، مما يجعلني أتصادم معه في الكلام، وأحياناً أسبه وكأنه واحد من أعدائي , علما بأن أمي متوفية - رحمها الله - منذ سنتين، وجدتي التي هي أم أبي مريضة في المستشفى بسبب جلطة دماغية عافانا الله وإياكم منها , ومما يزيد الأمر سوءً أن أبي - هداه الله – لا يستطيع المشي إلا على العكاز، ولمسافة قريبة فقط؛ لأنه منذ صغره وهو أعرج، وعمره الآن 60 سنة، وكما قلت لكم أنني نصحته أكثر من مرة ولكن لا فائدة من الكلام، حيث إن أصحابه نصحوه، ولكن لا حياة لمن تنادي , كذلك يعاني من مرض السكر، والضغط , وأنا لا أريد العقوق به، ولكن ما الذي يجب أن أعمله تجاهه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شرب الخمر حرام، وهو من كبائر الذنوب، وقد دلَّ على تحريمه الكتاب، والسنَّة، والإجماع، ولا خلاف بين العلماء في تحريمه.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/ 90، 91.
وللخمر مفاسد على الدين، والبدن، والعقل، والمال، والعرض، ولذا فإن كثيراً من الصحابة رضي الله عنهم حرّموا شربها على أنفسهم في الجاهلية: ومنهم أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، قالت عائشة رضي الله عنها: " حرَّم أبو بكر الخمرة على نفسه، فلم يشربها في جاهلية، ولا إسلام، وذلك أنه مرَّ برجل سكران يضع يده في العذرة ويدنيها من فيه، فإذا وجد ريحها صرف عنها، فقال أبو بكر: إن هذا لا يدري ما يصنع ".
ومنهم: عثمان بن مظعون، حيث روي عنه قوله: " لا أشرب شراباً يذهب عقلي، ويضحك بي مَن هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد ".
ومنهم: قيس بن عاصم، حيث روي عنه قوله – في سبب تحريم شرب الخمر على نفسه -: " لأني رأيته متلفة للمال، داعية إلى شرّ المقال، مذهبة بمروءات الرجال ".
ويتعرض شارب الخمر يعرِّض نفسه لمفاسد وعقوبات في نفسه، إن لم يتدارك نفسه بتوبة صادقة: هلك، وانظر بعض هذه المفاسد والعقوبات في جواب السؤال رقم (38145) .
ثانياً:
أما ما يجب عليه تجاه المنكر الذي يفعله والدك فإنه يتلخص بما يلي:
1. المداومة على نصحه، ووعظه، بتبيين حرمة شربه للخمر، والعقوبات المترتبة على فعله.
2. التلطف في المعاملة، والإحسان له بالقول والفعل.
3. عدم إعانته على شراء الخمر، لا من حيث جلبه له، ولا من حيث إعطاؤه من المال ما يشتري به من ذلك المنكر.
4. عزله عن الأسرة، أو عزل الأسرة عنه في حال سكره؛ لئلا تؤثر مخالطته لهم على سلوكهم وأخلاقهم، خاصة إذا كان في الأسرة من يمكن أن يتأثر به؛ ولكي يأمنوا شرَّ أفعاله إذا سكر.
5. رفع الأمر لمن يأخذ على يده بالعقوبة، من حاكم، أو قاضٍ، أو جهات مسئولة.
6. الدعاء له بأن يهديه الله ويخلصه من فعل الحرام.
وهذه بعض الفتاوى في الموضوع، نسأل الله أن تكون نافعة في بيان المقصود.
أ. سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم الإسلام في المسلم الذي يشرب الخمر، ولا يقبل النصح، ويعلل ذلك بقوله: " إنه هو الوحيد الذي سيحاسبه الله "، ولا يسمح لأحد أن يتدخل في شئونه، فهل يجوز للمسلمين أن يتعاملوا معه أو لا؟
فأجابوا:
يجب على مَن عرف الحق من المسلمين أن يبلغه قدر طاقته، وأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر حسب استطاعته، فإن قُبلت نصيحته: فالحمد لله، وإلا رفع أمر مَن ارتكب المنكر أو فرَّط في الواجبات إلى ولي الأمر العام، أو الخاص، ليأخذ على يد المسيء حتى يرتدع، ولا ينتشر الشر، ودعوى من يشرب الخمر ويصر على ذلك أنه لا يحاسبه على شربها غير الله: ليست بصحيحة إذا كان يشربها علناً، فإن مَن يراه يشربها مكلف بالإنكار عليه حسب استطاعته، فإن لم يقم بالواجب عليه نحو من يرتكب المنكر: عوقب على تفريطه في واجب البلاغ والإنكار، فليس شرب إنسان الخمر علناً مما يختص جرمه بالشارب، بل يعود ضرره على المجتمع في الدنيا، وخطره يوم القيامة على الشارب، والمفرط في الإنكار عليه، وفي الأخذ على يده، وعلى مَن عرف من المسلمين حال المجرم أن يهجره في المعاملات، ولا يخالطه إلا بقدر ما ينصح له، وما يضطر إليه فيه، وليجتهد ما استطاع في إبلاغ ذلك إلى ولاة الأمور ليقيموا عليه الحد؛ ردعاً له، ولغيره؛ وقطعا لدابر الشر والفساد؛ وتطهيراً للمجتمع من ذلك الوباء.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجن الدائمة " (22 / 81، 82) .
ب. وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -:
أنا موظف في إحدى الدوائر الحكومية، وأستلم راتبا وقدره (2981) ريالاً، ولي أب يريد أن أعطيه من الراتب الذي أستلمه، وأنا لا أقدر؛ لأنني اشتريت سيارة، وأسدد أقساطها، وكل قسط (2000) ريال، ولي أخت تعطيه شهريا (850) ريالاً، ويوجد عنده محل يبيع ويشتري المواد الغذائية، ويريد مني نقوداً، وأنا لا أقدر، مع أنه يشرب الخمر! ويريد أن أعطيه نقوداً، فهل يجوز أن أعطيه نقوداً مع أنه يمكن أن يشتري خمراً بالنقود التي أعطيه إياها؟ وإذا لم أعطه نقوداً يطردني من البيت، ويقول:" إن لم تعطني نقوداً فاخرج من البيت "، وأخواتي لا يعطيهم نقوداً إلا بعد مشقة كبيرة.
أفيدوني في هذا السؤال، أفادكم الله، وأسكنكم فسيح جناته؟ .
فأجابوا:
إذا كان الواقع كما ذُكر من أنه يشرب الخمر، وكان عنده ما يكفيه لحاجته المباحة: فصاحبه في الدنيا بالمعروف، وأحسن إليه بما تيسر لك، مما لا يتمكن من صرفه في محرم؛ مثل أن تعطيه كسوة، أو كيس أرز، أو شيئاً مما يكون أثاثاً للبيت؛ من سجادة، أو أواني، وتبش في وجهه، وتكلمه كلاماً ليِّناً سمحاً، ونحو ذلك من المعروف والإحسان، مع نصيحته بترك شرب الخمر، وسائر المحرمات.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 173، 174) .
ج. وسئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
أنا شاب هداني الله للإيمان - والحمد لله - متزوج حديثًا، وأتقاضى راتباً شهريّاً، وقد استأجرت بيتًا، وسكنت فيه مع زوجتي؛ وذلك لصغر بيت أهلي، وأعطي أهلي جزءًا من راتبي، وبعضه لوالدي الذي يشرب الخمر يوميّاً! فهو مدمن عليها! لذلك فإن ضميري يؤنبني بأني بذلك أشجعه على شراء الخمر، علماً أنه يتقاضى راتباً يعطي منه لوالدتي نصفه والباقي يصرفه على شراء الخمر، والسجائر، ولعب القمار – أحياناً -، خصوصاً وأنا بحاجة إلى هذا المبلغ لتكوين نفسي، وكذلك فإن أختي الكبيرة تعطيه من راتبها، فما حكم إعطائنا له تلك المبالغ؟ أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب:
يجب على المسلم أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من المعاصي، ولاسيما الكبائر، كشرب الخمر، ولعب القمار، وغير ذلك مما حرم الله سبحانه وتعالى، فيجب على هذا الوالد، وعلى كل عاصٍ: أن يتوب إلى الله، ويبادر بالتوبة، وألا يتجارى مع الهوى، والشيطان، فيُهلك نفسه، فيقع في غضب الله، وسخطه، والواجب عليكم أن تناصحوه، وأن تكرروا له النصيحة، وتغلظوا عليه، وإذا كان هناك سلطة إسلامية: فيجب عليكم أن ترفعوا شأنه إليها للأخذ على يده، وإعانته على نفسه.
وأما بالنسبة لما تعمله أنت، وأنك هداك الله للإسلام: فهذه نعمة عظيمة، ونسأل الله لنا ولك الثبات، ثم ما تعمله من توزيع راتبك على حوائجك، وعلى أهلك، وعلى والدك: فهذا شيء تشكر عليه، ونرجو الله أن يتقبل منا ومنك.
وأما بالنسبة لكون والدك يشرب الخمر، ويستعين بما تعطيه على ذلك: فإذا تحققت أن والدك يستعين بما تدفعه إليه على معصية الله: فلا تعطه؛ لأن الله جل وعلا يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 2.
فإذا تحققت من أن والدك يستعين بما تعطيه إياه على معصية الله: فإنك تمنع عنه العطاء؛ لعله يتوب إلى الله، ويرتدع عما هو عليه.
وعلى كل حال: الوالد له حق، لكن إذا كان بالحالة التي ذكرتها، وأنه يستعين بما تدفعه إليه على شرب الخمر، ولعب القمار، وغير ذلك: فإنك لا تعطيه شيئًا يعينه على المعصية.
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح بن فوزان " (4 / ص 261، السؤال 266) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1701)
كتابة التقارير والأبحاث للطلاب أو أخذها من الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في موقعكم فتوى تحرم عمل التقارير للطلاب مقابل مبلغ من المال. ولكني أتساءل لو كان الأستاذ يعلم بأن الطلاب يعملون التقارير عند أشخاص آخرين، وهؤلاء الأشخاص يسحبون المواضيع من الإنترنت، بل بعض الأساتذة يقول للطلاب أن يسحبوا من الإنترنت. ففي هذه الحالة هل يكون هذا حراما أيضا؟ لأني عملت تقارير للطلاب من قبل، ولكن بعد قراءتي للفتوى توقفت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التقارير أو الأبحاث التي تطلب من الطلاب، الهدف منها تدريبهم على البحث، واختبار قدراتهم في ذلك، وتعويدهم على الرجوع للمصادر وغير ذلك، فيجب أن يقوم بها الطلاب أنفسهم، ولا يجوز إعدادها لهم، بمقابل أو بغير مقابل، لما في ذلك من الغش والكذب وإفساد النشء، وتخريج الضعفة الذين لا يحسنون التعامل مع هذه المصادر.
ويجوز للطالب أن يستفيد من الأبحاث الأخرى، وأن يأخذ من الإنترنت، وأن يستعين ببعض زملائه، في بعض الجزئيات، شأن عامة الباحثين، أما أن يأخذ البحث تاما من غيره، فهذا هو الغش والزور، سواء أخذه من طالب أو من الإنترنت، والأستاذ الذي يقر ذلك أو يشجع عليه، مشارك في الإثم.
وينظر جواب السؤال رقم (95893) .
وقد أحسنت في التوقف عن عمل التقارير للطلاب، ونسأل الله أن يعفو عما مضى، وأن يأجرك، ويرزقك من رزقه الحلال الواسع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1702)
المتسولون، مَن يُعطى منهم، ومَن يُمنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كثر موضوع المتسولين، وخاصة الأطفال، ويلجأ معظمهم إلى بعض الحيل حتى تعطيهم المال، مثلاً: يدَّعي بعضهم أنه أعمى ولا يرى، مع أن عينيه سليمتان، وهكذا، كيف أتعامل معهم؟ هل أعطيهم مالاً أم ماذا؟ مع العلم أني لا أعرف هل هم صادقون أم لا؟ ولا يمكنني التأكد هل هم فعلا يحتاجون إلى المال أم يلجئون إلى الحيل لجمع المال، وإذا ساعدت من هم محتالون - وأنا لا أعرف ذلك - هل آخذ ذنباً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لأحدٍ أن يسأل الناس مالاً وهو غير محتاج، أو وهو قادر على التكسب، وقد أبيح لأصنافٍ أن يسأل الرجلُ منهم الناس، وهم: الفقير المُعدم، ورجل تحمل ديْناً، ورجل أصابته جائحة في ماله، وفي كل تلك الأحوال: لا يجوز السؤال بأكثر من الحاجة، وبشرط عدم وجود ما يملكه لدفع حاجته، وعدم قدرته على التكسب لقوام معيشته.
قال علماء اللجنة الدائمة:
يجوز سؤال الناس شيئاً من المال للمحتاج الذي لا يجد ما يكفيه، ولا يقدر على التكسب، فيسأل الناس مقدار ما يسد حاجته فقط، وأما غير المحتاج، أو المحتاج الذي يقدر على التكسب: فلا يجوز له المسألة، وما يأخذه من الناس في هذه الحالة حرام عليه؛ لحديث قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: تحملتُ حمالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) ثم قال: (يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سداداً من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكلها صاحبها سحتاً) رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، وأبو داود؛ وحديث: (من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً) ؛ وحديث: (إن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي) رواه الخمسة إلا ابن ماجه والنسائي.
والواجب: مناصحته، وعلى العلماء بيان هذا للناس في خطب الجمعة وغيرها، وفي وسائل الإعلام، ونهر السائل المنهي عنه في قوله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) الضحى/ 10 المراد به: زجره ورفع الصوت عليه، وهو يشمل السائل للمال، والسائل عن الأحكام الشرعية، لكن هذا لا يمنع إرشاد السائل المخطئ في سؤاله، ومناصحته بالحكمة والموعظة الحسنة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل شيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 377) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –:
ما حكم الدين في التسول؟ .
فذكر حديث قبيصة السابق، ثم قال:
" فهذا الحديث قد أوضح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنواع المسألة المباحة، وأن ما سواها محرم، فمن كان عنده ما يسد حاجته من راتب وظيفة، أو تجارة، أو غلة وقف، أو عقار، أو كسب يدوي من نجارة، أو حدادة، أو زراعة، أو نحو ذلك: حرمت عليه المسألة.
أما من اضطر إليها: فلا حرج عليه أن يسأل بقدر الحاجة، وهكذا من تحمل حمالة لإصلاح ذات البين، أو النفقة على أهله وأولاده، فلا حرج عليه أن يسأل لسد الغرامة.
" مجموع فتاوى ابن باز " (14 / 320) .
ثانياً:
ما نراه كثيراً في الشارع، أو في المساجد من متسولين يسألون الناس أموالهم: ليسوا جميعاً محتاجين على الحقيقة، بل قد ثبت غنى بعضهم، وثبت وجود عصابات تقوم على استغلال أولئك الأطفال للقيام بطلب المال من الناس، ولا يعني هذا عدم وجود مستحق على الحقيقة، ولذا نرى لمن أراد أن يعطي مالاً لأحد هؤلاء أن يتفرس فيه ليرى صدقه من عدمه، والأفضل في كل الأحوال تحويل هؤلاء على لجان الزكاة والصدقات لتقوم بعملها من التحري عن أحوالهم، ومتابعة شئونهم حتى بعد إعطائهم.
فمن علمتَه أنه ليس بحاجة، أو غلب على ظنك هذا: فلا تعطه، وإذا علمتَ أنه بحاجة، أو غلب على ظنك هذا: فأعطه إن شئت، ومن استوى عندك أمره: فلك أن تعطيه، ولك أن تمنعه.
ومن أعطى أحداً ممن يجوز له إعطاؤه ظانّاً أنه محتاج: فله الأجر على صدقته تلك، حتى لو تبين فيما بعد أنه غير محتاج، وحتى لو كان المال المُعطى له زكاة مال فإنها تجزئه ولا يُلزم بتكرار أدائها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ) .
رواه البخاري (1355) ومسلم (1022) .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله –:
إذا غلب على ظن الإنسان أنَّ الذي أعطاه مستحق للزكاة: أجزأه، سواء كان متسولاً، أو كانت هيئته هيئة الفقير: فإنه يجزئه؛ حتى لو بان بعد ذلك أنه غني، فإنه يجزئ، ولهذا لما تصدق الرجل على غني وأصبح الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على غني، قيل لهذا المتصدق الذي ندم على تصدقه على الغني: " أما صدقتك فقد قبلت "، والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها، لا يلزمنا أن نبحث عن الإنسان حتى نصل إلى حد اليقين، هذا شيء متعذر، أو متعسر، إذا غلب على ظنك أن هذا من أهل الزكاة: فأعطه، وإذا تبين أنه ليس من أهلها: فزكاتك مقبولة، والحمد لله.
" اللقاء الشهري " (71 / السؤال رقم 9) .
وانظر أجوبة الأسئلة: (5154) و (46241) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1703)
خطيبته تجالس رجلاً أجنبياً عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب اسمي رائد خطبت فتاة اسمها نورا – ما ذكرت الأسماء إلا لأثبت للفتاة أنني سألتكم- لدي مسألة شرعية أود السؤال عنها: خطيبتي لها خمس أخوات اثنتان منهن متزوجات من أبناء عمهن وتسكن إحداهن في الشقة المقابلة لهم مباشرة. في مساء أحد الأيام زارت خطيبتي بيت زوج أختها المقابل لمنزل والدها -هو ابن عمها- مع أختيها، وقضوا حسب قولها وقتا ممتعا من المرح والمزاح والحديث الذي يسري عن القلب والضحك والسرور والسعادة والانبساط ولكن عندما أخبرتني ضقت مما سمعت إذ إنني شعرت بأنه ليس من حقها شرعا أن تذهب لبيت زوج أختها وتقضي الوقت وتضحك وتفعل ما فعلت من مرح وسعادة لسببين: الأول: أنه حصل بدون علمي وبدون موافقتي. والثاني: أنني أشعر أن الفتاة عليها التزام بيتها سواء كان بيتها عند والدها أو بيت زوجها. إضافة إلى أنني لا أحب هذا النوع من الاختلاط الذي لا تحكمه أية ضوابط شرعية في الحديث أو النظر فأين غض البصر في جلسة كهذه ملؤها الضحك والمزاح، كما أنني أعلم أن صوت المرأة عورة فكيف إذا ضحكت حتى ولو بصوت منخفض، فالضحك ضحك، حاولت جاهدا أن أقنعها أن هذا شيء يجب اجتنابه ولكن لا فائدة، أجابتني أن ما فعلته ليس حراماً أو عيباً، إن زوج أختي مثل أخي، عدمت الوسيلة إلا من الله تعالى بالدعاء لها، ثم منكم، أفيدوني أي الرأيين الصائب، من هو المحق ومن هو المخطئ، أريد إجابة شرعية تكون فصلا بيني وبينها عند الله، حيث إنها أصرت على تكرار ما حدث لمرات أخرى بحجة أن هذا ليس عيباً أو حراماً، الآن أصبحت مشتتا ولا أعرف أهو حرام أم لا، أهي آثمة أم لا، هل أنا مساءل عن هذا الأمر عنها أمام الله أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، واختلاطهم في المجالس، وارتكابهم ما ينافي الحياء من الضحك والمزاح، هذا كله من الأمور التي حرمتها الشريعة؛ لأنّ ذلك من أسباب الفتنة، وثوران الشهوات، ومن الدّواعي للوقوع في الفواحش والآثام.
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (1200) .
ثانياً:
أخت الزوجة تعدُّ أجنبيّة عن زوج أختها، فلا يحل له النظر إليها، ولا الخلوة بها، ولا مصافحتها.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/420) :
" زوج الأخت ليس من محارم المرأة، ويعتبر أجنبيا عنها، لا يحل لها أن تكشف وجهها له، ولا تصافحه، ولا تخلو به، ولا أن تسافر معه، شأنه شأن الرجال الأجانب، لكن إذا جلست معه مع وجود محرم من محارمها ومع احتجابها وتسترها وتحفظها فلا بأس " انتهى.
وانظر جواب السؤال: (32689) .
ثالثاً:
يجب التنبه إلى أن المرأة المخطوبة تعتبر أجنبية عن الخاطب، فلا يجوز له أن يخلو بها، ولا أن يحادثها إلا فيما يتعلق بموضوع الزواج مع وجود محرم معهما، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13704) و (77236) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1704)
حكم الكذب لدفع الظلم وحماية المال
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في إجابة السؤال رقم 45713 بأنه يشرع للإنسان أن يتخلص من هذه الرسوم المحرمة بكل وسيلة ممكنة لا يترتب عليها ضرر أو مفسدة أعظم، ولو كان ذلك بالحيلة أو بدفع مبلغ للتخلص من الظلم الواقع عليه. والسؤال هو كيف لي أن أقدر الضرر؟ السؤال الثاني: في بلدنا يوجد قرار يمنح الحق للطلبة المقيمين في الخارج لأكثر من سنة بأن يقوموا باستيراد سيارة من الخارج وتكون سنة الصنع غير محددة بزمن معين في الوقت الذي يتم فيه تحديد العمر للسيارات المستوردة من قبل المواطنين المقيمين في البلد وهو 7 سنوات فقط وبالتالي يكون سعر السيارة أعلي بكثير من السيارة التي يقوم الطلبة باستيرادها وهنا بدأ التحايل على الجمارك بأن يقوم بعض المواطنين بتزوير ما يفيد بأنه مقيم في الخارج أو يدرس في الخارج لأكثر من عام وبالتالي يستطيع استيراد سيارة بسعر أقل وجمرك أقل , فهل يجوز لي أن اشترى مثل هذه الرسائل المزورة لأتمكن من استيراد سيارة وبسعر أرخص وبالتالي دفع جمرك أقل. ويوجد بعض المخلِّصين الجمركيين تقوم بإعطائهم مبلغاً من المال ويقومون هم بإكمال كافة الإجراءات من ضمنها توفير الرسالة التي تفيد بأنك مقيم في الخارج وبالتالي تصبح قادراً على إتمام إجراءات استيراد السيارة فهل يجوز هذا النوع من التحايل لغرض التجارة أو الامتلاك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تقدير الضرر والمفسدة يعتمد على معرفة النظم والقوانين المعمول بها في البلد، ومدى التساهل أو التشدد في تطبيقها، فقد يتخلص الإنسان من الضريبة بدفع جزء من المال للقائمين على تحصيلها، وهو يعلم أنه في حال اكتشاف الأمر لن يناله عقاب أو مضرة، أو أنه يمكن تلافي ذلك ببعض الوسائل، وقد يكون الأمر على العكس من ذلك، بحيث ينال عقابا مضاعفا، فهذا يختلف باختلاف البلدان والأنظمة.
ومرادنا بالوسيلة الممكنة: الوسيلة المباحة، التي منها دفع المال، لرفع الظلم، كما بَيَّن أهل العلم، فإن الإثم هنا يكون على الآخذ، لا على الدافع، وينظر: جواب السؤال رقم: (25758) ورقم (72268) .
ثانيا:
لا ينبغي الإقدام على الكذب، لرفع هذا الظلم، بل يلجأ إلى استعمال المعاريض إن أمكن.
قال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/11) في بيان حكم الكذب: " قال ابن الجوزي وضابطه: أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان ذلك المقصود مباحا , وإن كان واجبا فهو واجب.... ويجب الكذب إذا كان فيه عصمة مسلم من القتل ".
إلى أن قال: " ومهما أمكن المعاريض حرم، وهو ظاهر كلام غير واحد، وصرح به آخرون لعدم الحاجة إذاً ... " انتهى.
فإن لم يمكن استعمال المعاريض، جاز الكذب لدفع الظلم واستنقاذ المال.
قال ابن القيم رحمه الله في فوائد قصة الحجاج بن عِلاط رضي الله عنه: " ومنها: جواز كذب الإنسان على غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المسلمين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت المسلمين من ذلك الكذب. وأما ما نال مَنْ بمكة من المسلمين من الأذى والحزن فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب ولا سيما تكميل الفرح والسرور وزيادة الإيمان الذي حصل بالخبر الصادق بعد هذا الكذب، فكان الكذب سببا في حصول هذه المصلحة الراجحة " انتهى من "زاد المعاد" (3/306) .
وقصة الحجاج بن علاط رواها أحمد بإسناد صحيح، وجاء فيها: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالًا، وَإِنَّ لِي بِهَا أَهْلًا، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَهُمْ، فَأَنَا فِي حِلٍّ إِنْ أَنَا نِلْتُ مِنْكَ أَوْ قُلْتُ شَيْئًا، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ، فَأَتَى امْرَأَتَهُ حِينَ قَدِمَ، فَقَالَ: اجْمَعِي لِي مَا كَانَ عِنْدَكِ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ اسْتُبِيحُوا، وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ، قَالَ: فَفَشَا ذَلِكَ فِي مَكَّةَ) الحديث.
فخدع كفار قريش بهذا الكذب، واستطاع أن يخلص ماله.
وقال الغزالي في الإحياء (3/138) : " فللرجل أن يحفظ دمه وماله الذي يؤخذ ظلما، وعرضه، بلسانه وإن كان كاذبا " انتهى.
وقال أيضاً: " إلا أنه ينبغي أن يحترز منه [يعني الكذب] ما أمكن، لأنه إذا فتح باب الكذب على نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغني عنه وإلى ما لا يقتصر على حد الضرورة، فيكون الكذب حراما في الأصل إلا لضرورة " انتهى.
وقال الدردير في "الشرح الصغير" (1/744) : " يكون الكذب واجباً لإنقاذ نفس معصومة أو مال معصوم من ظالم " انتهى.
وقال الخادمي في "بريقة محمودية" (3/178) بعد ذكر ما رخص فيه الشرع من الكذب في الحرب وللصلح بين اناس وبين الزوجين: " وألحق بهذه الثلاثة بدلالة النص أو القياس دفع ظلم الظالم كمن أخفى مسلما عن ظالم يريد ظلمه، أو أخفى ماله وسئل عنه، وجب الكذب بإخفائه، وكذا نظائره.
والحاصل: أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب وإلا جاز الكذب، ثم إن كان المقصود مباحا فالكذب مباح، وإن واجبا فواجب، كما نقل عن رياض الصالحين للنووي، ويؤيده قاعدة للوسائل حكم المقاصد " انتهى.
وهذا مقيد أيضا بأن يغلب على الظن عدم ترتب مفسدة أكبر أو مضرة أعظم في حال اكتشاف الأمر.
وفي "الموسوعة الفقهية" (34/205) : " ومحل الوجوب (أي وجوب الكذب إذا كان المقصود واجبا) ما لم يخش التبيّن ويعلم أنه يترتب عليه ضرر شديد لا يحتمل " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1705)
التحذير من اتخاذ الصديقات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اتخاذ صديقة (جيرل فريند) له تأثير سيء على المجتمع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتخاذ الصديقة أمر محرم دل على تحريمه القرآن والسنة واتفاق العلماء، هذا إذا لم يكن قد وقع الصديقان في الفاحشة، فقد قال الله سبحانه (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30.
وأمر بذلك المؤمنات فقال: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) النور/31، وأمر الله النساء بالحجاب أمام الرجال الأجانب فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب/59، وحرم عليهن التبرج فقال: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) الأحزاب/33 ومنعهن من إلانة القول للأجنبي حتى لا يجر ذلك لما لا تحمد عقباه فقال: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) الأحزاب/32.
وحرم النبي صلى الله عليه وسلم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري (4832) ومسلم (2391) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) رواه الترمذي (1091) وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لاتحل له) رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045) .
وكل هذه الأوامر والنواهي لحفظ الإنسان من أن يستدرجه الشيطان فيوقعه في الفاحشة الكبيرة التي قال الله عنها: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) الإسراء/32، والتي قال عنها جل شأنه في سورة الفرقان: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68-70.
ولا يخفى على عاقل ما ينتج عن اختلاء الرجل بالمرأة من هتك الأعراض والوقوع في الفاحشة التي ينجم عنها اختلاط الأنساب وتفكك الأسر وانتشار الأوبئة والأمراض، وضياع المرأة باتخاذها وسيلة مؤقتة لقضاء الشهوة وكثرة أولاد الزنى الذين ينشأوون ناقمين على المجتمع لا يشعرون بالانتماء إليه فيعيثون في الأرض الفساد إلى غير ذلك من المفاسد التي تلحق بالفرد والمجتمع نتيجة اتخاذ الصديقات والأخدان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1706)