نوى أن يسمي ابنه اسما فهل عليه شيء إذا غَيَّرَ هذا الاسم
[السُّؤَالُ]
ـ[رزق أخي بطفل وكان ينوي قبل ولادته أن يسميه عبد المتين. لكن بعد الولادة غضب منه أبي وطلب منه أن يسميه اسماً آخر فماذا يفعل؟ سمعت أنك إذا نويت شيئاً ولم تفعله فإنه يجب عليك أن تصوم 3 أيام أو تطعم مساكين لبضعة أيام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النيِّةُ الحَبِيسَةُ في النفسِ لَيْسَت يَمِيناًَ، ولا نَذْراً، ولذلك لا يَتَرَتَّبُ على أخيك شيءٌ إذا سَمَّى ابنه اسما حسناً يَبُرُّ فيه بأبيه.
[الْمَصْدَرُ]
لإسلام سؤال وجواب(7/1090)
يريد تسمية ابنه نجيب، ومن له الحق في تسمية المولود
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقنا الله بمولود ذكر واختلفنا أنا وزوجي في التسمية فزوجي يريد أن يسميه (نجيب على اسم والده) وذلك بناء على طلب مسبق من أبيه. وأنا لا أريد هذا الاسم لأنني أرى أن من حقي أن أشارك في اختيار اسم ابني لا أن يفرض هذا الاسم علي من أي كان. ألا يعطى الأم كل ما تمر به من عذاب أثناء الحمل والولادة والرضاعة وكل عملية التربية ألا يعطيها ذلك بعض الحق في أن تختار اسم مولودها. كما أنني أخشى أن يؤثر هذا الاسم على معاملتي لابني فكيف سأناديه باسم لا أحبه. لا أدري إن كان لابيه الحق الشرعي في هذا الاختيار وهل من الجائز تهميش رأيي قد تبدو وجهة نظري ضعيفة ولكنني أبحث عن الحق ولا أريد أن أظلم نفسي أو ابني أو زوجي. وفي كل الأحوال فأنا سأرتضي برأي الشرع إن شاء الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: أحسنتِ بالرضا بحكم الشرع في جميع الحالات.
وثانياً: بارك الله لكم في المولود وأنبته نباتاً حسناً.
وثالثاً: نص العلماء على أن تسمية الولد من حق الأب وإليه ينسب ويقال فلان بن فلان أو فلانة بنت فلان.
رابعاً: أنه لا يشترط أن تحصل الأم على بعض تعبها أو مقابله في الدنيا والأفضل لها أن تأخذه في الآخرة.
خامساً: أنه يستحب مع هذا كله للأب أن يحاول التوفيق بين جميع الرغبات ما أمكن ويشاور الأم وعند التعارض هو الذي يقرر.
سادساً: بر الأب بأبيه هو فعل جيد حسن ومقصد طيب وخصوصاً مع كبر سنه واذا فاته برّه في هذا الولد فقد يفوته في المستقبل أما إذا برّه في هذا الولد فيؤجر عليه ويكون من إرضاء الزوجة مثلا أن يسمح لها بتسمية الولد الذي بعده
ونسأل الله أن يرزقكم المزيد.
سابعاً: أن اسم نجيب في ذاته هو اسم حسن ومشتق من النجابة
وهو صيغة مبالغة على وزن فعيل والنجابة في اللغة هي النبوغ والتفوق والتقدم على الغير وفيها معنى الذكاء والفطنة
وقال الفيروز آبادي في القاموس (ص136) : " النجيب: الكريم النسيب "
والنَّجْبُ: السخي الكريم
وهذا الاسم مما يتفاءل به للمولود.
نسأل الله أن يحفظه وينبته نباتاً حسنا ويبلغكم فيه أكثر مما تؤملون
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1091)
هل على النصرانية أن تسمي ولدها من صديقها المسلم باسم إسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان طفلي سيصبح مسلماً، هل لا بد له من إتخاذ اسماً إسلاميّاً أم من الممكن أن يكون الاسم غربياً؟ أنا لست مسلمة بعد، ولكن صديقي مسلم، لا أود أن أبدو وقحة ولكني لا أحب الكثير من الأسماء الإسلامية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ينبغي لصديقك المسلم أن تكون له صديقة، وإذا كان يرغب بالزواج منكِ فلا بأس حتى لو كنتِ غير مسلمة لكن بشرط أن تكوني من أهل الكتاب: نصرانية أو يهودية، ونسأل الله أن يهديك للإسلام ويوفقك لاعتناقه وستشعرين بالسعادة وسيكون تغييراً في حياتك للأحسن إن شاء الله.
ثانياً:
لا يشترط أن يكون لابنك اسمٌ إسلاميٌّ وإن كان هو الأفضل، لكن لا ينبغي أن يكون اسماً قبيحاً أو اسماً لكافر يتميز به كعبد المسيح.
والاسم له عندنا دلالات عظيمة.
قال ابن القيم وهو أحد علماء المسلمين الكبار:
لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها؛ فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح والخفة والثقل واللطافة والكثافة وكما قيل:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
" زاد المعاد " (2 / 336) .
وطالما أن ولدك سيكون مسلماً – وكذا أنتِ إن شاء الله – فنرجو أن لا تتسببي في جعله سخرية أو محطاً لأنظار الآخرين بكون اسمه يخالف اسم المسلمين.
وطالما أنه لم يأتِ بعد فإن تسميته باسم حسنٍ هو بأيديكم إذ قد يصعب عليكم وعليه تغييره بعدما يكبر.
ثالثاً:
ويمكنكم انتقاء أسماء جيدة وطيبة للبنين والبنات من كتابٍ للشيخ بكر أبو زيد واسمه " تسمية المولود ".
ويرجى مراجعة السؤال رقم (7180) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1092)
هل تسمية الولد محمداً تجعله مميزاً
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والد زوجي قبل 6 سنوات، سمينا ولدنا محمد إبراهيم تخليداً لذكراه وبسبب هذا فالجميع يقولون لا تعنفوا هذا الولد ولا تنادوه كما تنادي أي أم ولدها بل يجب أن نناديه باحترام ولكنني أريد أن أنادي ولدي كأي أم وليس بصيغة الاحترام، أنا الآن لا أستطيع أن أوبخه، هل الاسم يؤثر على شخصية الأطفال وقدرهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا حرج عليكم من تسمية ولدكم باسم والد زوجك، وهذا يدل على احترام وحب من الابن لأبيه، وخاصة أن اسمه يحمل اسم نبيِّيْن.
ثانياً:
لا يعني تسمية الولد باسم نبي أو صحابي أنه لا يُعنَّف ولا يوبَّخ فضلاً عن تسميته باسم والد الزوج! ولكِ أن تناديه مثل أي أم تنادي ولدها دون تكلف لصيغة الاحترام.
ولا يمنع تسمية الولد باسم محبوب إلى الله أو باسم نبي من الأنبياء من أن يعاقب عند الخطأ أو يوبَّخ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأولياء بتعليم أبنائهم الصلاة وهم أبناء سبع سنين وأن يضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين إذا لم يطيعوا، ولم يستثنِ النبي صلى الله عليه وسلم من اسمه " محمد " أو غيره من الأسماء من هذا الحكم.
وقد ثبت في وقائع كثيرة توبيخ وتعنيف وضرب الصحابة والتابعين لأبنائهم وقد كان الكثير منهم يحمل اسم " محمد " أو " عبد الله " أو " عبد الرحمن ".
ثالثاً:
والمعروف أن للاسم – غالباً - تأثيراً على المسمى، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير الاسم القبيح إلى اسم حسن.
قال ابن القيم:
لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها؛ فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح والخفة والثقل واللطافة والكثافة كما قيل:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
" زاد المعاد " (2 / 336) .
رابعاً:
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – عن صحة حديث: " من كان اسمه محمَّداً فلا تضربه ولا تشتمه " فقال:
هذا الحديث مكذوب وموضوع على الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس لذلك أصل في السنة المطهرة، وهكذا قول من قال: " من سمَّى محمَّداً فإنه له ذمة من محمد ويوشك أن يدخله بذلك الجنة "، وهكذا من قال: " من كان اسمه محمَّداً فإن بيته يكون لهم كذا وكذا " فكل هذه الأخبار لا أساس لها من الصحة، فالاعتبار باتباع محمد، وليس باسمه صلى الله عليه وسلم، فكم ممن سمِّيَ محمدا وهو خبيث؛ لأنه لم يتبع محمَّداً ولم ينقد لشريعته، فالأسماء لا تطهر الناس، وإنما تطهرهم أعمالهم الصالحة وتقواهم لله جل وعلا، فمن تسمى بأحمد أو بمحمد أو بأبي القاسم وهو كافر أو فاسق لم ينفعه ذلك، بل الواجب على العبد أن يتقي الله ويعمل بطاعة الله ويلتزم بشريعة الله التي بعث بها نبيه محمدا، فهذا هو الذي ينفعه، وهو طريق النجاة والسلامة، أما مجرد الأسماء من دون عمل بالشرع المطهر فلا يتعلق به نجاة ولا عقاب.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 370) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1093)
عند تسمية البنت فاطمة لا يلزم أن نضيف إليها أي لقب أو وصف آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتوجب علينا عند تسمية طفلة فاطمة أن نضيف اسما آخر كأن نقول غلام فاطمة أو كنز فاطمة أو نور فاطمة ... الخ. أم أنه يكفي إطلاق اسم فاطمة على الطفلة دون أي زيادة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكنك تسمية ابنتك فاطمة دون أن تضيف إليها أي لقب آخر وأما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا إذا ذكرناها قلنا فاطمة رضي الله عنها لأنها من الصحابة وقد رضي الله عنهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1094)
معنى اسم عائشة
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى اسم عائشة أرغب في التعرف على ما يعنيه اسمي عند المسلمين. أنا أدعى "إيشا"، وقد أخبرتني صديقة أنه اسم إسلامي. وسأكون مقدرة حقا إن كان بإمكان أي شخص أن يخبرني عما يعنيه هذا الاسم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعل هذا الاسم هو (عائشة) واسم عائشة اسم جميل، هو اسم لإحدى الصحابيات الجليلات، فهذا الاسم هو اسم أمّ المؤمنين وأحب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إليه وهي (عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما) والله أعلم.
ومعنى عائشة في اللغة: مأخوذ من الفعل عاش والعيش هو الحياة يُقال أعاشه الله عيشة راضية، ورجل عايش له حالة حسنة، وعائشة تطلق على النساء.
انظر مختار الصحاح ج/1 ص/195
والقاموس المحيط ج/ 1 ص/ 773.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1095)
حكم التسمي بأسماء من الآيات
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يسمون أبناءهم بأسماء من الآيات كأفنان وآلاء - إلخ فما رأي سماحتكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس في ذلك بأس وهذه مخلوقات، الآلاء هي النعم، والأفنان هي الأغصان، والناس صاروا يتنوعون في الأسماء ويبحثون لأبنائهم وبناتهم عن أسماء جديدة.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/417.(7/1096)
حكم التسمي بملاك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تسمية البنت باسم ملاك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ عبد الرحمن البراك - حفظه الله عن تسمية البنت بـ ملاك فقال: الأولى تركه، وذلك لأمرين:
1 - أن المراد بملاك الملَك، وفي هذا مبالغة في تسمية المسمى بهذا الاسم.
2 - أنه اسم معروف عند النصارى، وهم الذين يعبرون عن الملَك ب (ملاك) ، والأسماء الحسنة التي لا شبهة فيها كثيرة، فيستغنى بها عما فيه إشكال، وشبهة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك.(7/1097)
حكم الانتساب إلى غير الأب
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة غيرت اسم أسرتها إلى اسم أسرة زوجها قبل أن تسلم. والآن بعد إسلامها فارقت ذلك الرجل وهي تريد أيضاً أن تغير اسمها رسمياً إلى اسم إسلامي لتأكيد هويتها الإسلامية. كما أنها تريد أن تغير اسمها الأخير إلى اسم أسرتها مرة أخرى، غير أنها تود أن تتخذ اسم أمها قبل الزواج (أي اسم جدها لأمها) بدلاً من اسم أبيها، وذلك لوجود خلاف بينهما ولأنها تقول أنه لم تكن له علاقة بتربيتها. فهل يجوز لها أن تتخذ اسم أمها قبل الزواج؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنّ ما تريد هذه المرأة فعله من تغيير اسمها إلى اسم إسلامي وإلغاء انتسابها إلى زوجها السّابق هو أمر في محلّه تماما، ولكن لا يجوز لها إطلاقا أن تنتسب إلى غير أبيها الشّرعي - مهما كان السّبب - قال الله تعالى: (ادعوهم لآبائهم) وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: مَنْ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ.. فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ". رواه ابن ماجة 2599 وهو في صحيح الجامع 6104 والله الموفّق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1098)
يريد أن يسمي ابنه وبنته عرفة وِمنى!!
[السُّؤَالُ]
ـ[ستضع زوجتي مولوداً قريباً. هل يمكنكم تزويدنا باسم موقع يعرض أسماء إسلامية جيدة؟ ما رأيكم في اسم منى (أحد مشاعر الحج) للبنت؟ وما رأيكم في اسم نمرة (اسم مسجد عرفة) للابن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك كتاب جيد للشيخ بكر أبو زيد بعنوان " تسمية المولود "، ذكر فيه أمورا مهمة تتعلق بهذا الموضوع بالإضافة للأسماء. والذي ننصحك به أن تحرص على الأسماء المحبوبة شرعا كعبد الله، وعبد الرحمن وباقي أسماء الصحابة والصحابيات، والأسماء المعروفة عند العرب وهي كثيرة، وفيها غُنية عن التجديد في الأسماء الذي قد يُدخل الإنسان أحيانا في بعض المنهيات من حيث لا يشعر.
الشيخ سعد الحميد.
ومن الغريب حقّا أن يعمد الإنسان إلى أسماء أماكن العبادة والمشاعر فيسمي بها أولاده ولو جرينا على ما اقترحته في سؤال لقلنا سموا بناتكم مكة ومزدلفة وعرفة!!! فاترك هذا يا أخي وخذ من الأسماء الشّرعية المعروفة مما سمّى به الصّحابة والسّلف والعلماء أولادهم والله يرزقنا وإياك ذرية طيبة وهو سميع الدعاء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1099)
يحرم إضافة نسب الزوجة إلى نسب زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من الأخوات في مجتمعنا اتخذن أسماء أزواجهن دون أن يدركن أن عليهن أن يحتفظن بأسماء آبائهن. فهل يجب عليهن أن يغيرن أسماءهن إلى أسماء آبائهن مرة أخرى أم أنه يجوز لهن أن يحتفظن بأسماء أزواجهن؟
كذلك، إذا ولد شخص من الزنا فهل ينبغي أن يحمل اسم عائلة أبيه أو اسم عائلة أمه؟ وما الدليل على ذلك؟ جزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للإنسان أن ينسب إلى غير أبيه، وموافقة الكفار في إضافة نسب الزوجة إلى نسب زوجها وحذف نسب أبيها هو حرام وزور وإهانة للمرأة، فيجب على من فعلت ذلك التوبة إلى الله وإعادة الحق إلى نصابه بالانتساب الى أبيها الشرعي، وأما ولد الزنا فإنه ينسب إلى أمه ولا يضاف إلى نسب الزاني.
(للمزيد يُنظر السؤال رقم 1942، 284) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1100)
ما هو السبب في أنّ الزوجة لا تُضاف إلى نسَب زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت ردك على السؤالين رقم 2537 و4362 الخاص باحتفاظ الزوجة باسم والدها بعد زواجها. وآية سورة الأحزاب التي ذكرتها تنص على أن الطفل (أو الطفلة) الذي يتبنى يجب أن يحمل اسم والده (اسم زوج الأم الأول) . لكن كيف نطبق ذلك على زوجة غيرت اسمها (بكل بساطة) بسبب الزواج؟ هي لا تدعي أنها تنتسب إلى زوجها، لكنها تحمل اسمه فقط. إذا كان السبب هو النسل، فأرجو أن تذكر الدليل من القرآن والسنة.
شكرا لك على مساعدتك وتوضيحك. وجزاك الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن آثار مشابهة الغرب في التسمية كثيرة، ومنها ما توارد الناس - الآن - على حذفه بين أسمائهم وأسماء آبائهم، وهو لفظة " ابن "، أو " ابنة"، وكان هذا سببه - أولا - تبنِّي بعض الأسر لأولاد، أضافوا أسماءهم إلى أسمائهم، فصار يقال لهم (فلان فلان) ، ويقال لأولادهم الحقيقيين (فلان بن فلان) ، ثم توارد الناس - في القرن الرابع عشر - على إسقاط لفظة (ابن) و (ابنة) ، وهو الأمر المرفوض لغة وعادة وشرعاً. فإلى الله المشتكى.
ومن الآثار - كذلك - نسبة الزوجة إلى زوجها.
والأصل: أنها تكون (فلانة بنت فلان) ، لا (فلانة زوجة فلان) ! ، والله تعالى يقول {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} [الأحزاب / 5] ، وكما أن هذا الأمر يكون في الدنيا فإنه يكون كذلك في الآخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الغادر يرفع له لواء يوم القيامة، يقال هذه غدرة فلان بن فلان ". رواه البخاري (5709) ، ومسلم (3265) .
قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله: وهذا من أسرار التشريع، إذ النسبة إلى الأب أشد في التعريف، وأبلغ في التمييز، لأن الأب هو صاحب القوامة على ولده وأمِّه في الدار وخارجها، ومِن أجله يظهر في المجامع والأسواق، ويركب الأخطار في الأسفار لجلب الرزق الحلال والسعي في مصالحهم وشؤونهم، فناسبت النسبة إليه لا إلى ربات الخدور، ومَن أمرهن الله بقوله {وقرْن في بيوتكن} [الأحزاب / 33] . أ. هـ " تسمية المولود " (ص 30، 31) .
وعليه: فإنه ليست هناك علاقة نسب بين الزوج والزوجة فكيف تُضاف إلى نَسَبه، ثم هي قد تُطلَّق، أو يموت زوجها، فتتزوج مِن آخر، فهل تستمر نسبتها في التغير كلما اقترنت بآخر؟
يُضاف إلى ذلك: أن لنسبتها إلى أبيها أحكاماً تتعلق بالميراث والنفقة والمحرمية، وغيرها، وإضافة نسبها إلى الزوج ينسف ذلك كله ثم الزّوج منتسبٌ إلى أبيه فما علاقتها بنسب أبي زوجها!! ، هذه مغالطة للعقل والواقع، وليس في الزوج ما يفضله على زوجته حتى تنتسب هي له، بينما هو ينتسب إلى أبيه!
لذا وجب على كل من خالفت ذلك فانتسبت لزوجها أن تعيد الأمر إلى جادته وصوابه.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1101)
تسمية المولود بـ أبي بكر
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي عربي الأصل وأنا أمريكية، ونحن في انتظار المولود الأول، ولله الحمد. وإذا كان المولود صبيا فإن زوجي يرغب في تسميته بأبي بكر. وأنا أشعر أن هذا الاسم جميل جدا. وأنا لست متمكنة من اللغة العربية، لكني فهمت أن كلمة أبو تعني "والد"، مثلا أبو نوح تعني والد نوح. فإذا كنا سنسمي الطفل بأبي بكر، فهل يعني ذلك أنه "الوالد لطفل اسمه الموضوع: هل كان لذلك الصحابي الجليل أسماء غير "أبو بكر" و"الصديق"؟ هل يعد اسم "أبو بكر" مناسبا للطفل؟ أرجو أن تعذروني في جهلي. بالإضافة إلى ذلك، فبما أنني أمريكية، فإنه قد يكون لصوت الاسم وقع في نفسي، إلا أن هذا من الأمور التي يمكن التغلب عليها. أنا أرغب في أن أعمل ما يرضى عنه الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. كما أنني أرغب في إسعاد زوجي ولا أريد أن تحدث مشاكل من جراء هذا الأمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، اسمه: عبد الله بن عثمان بن عمرو القرشي، وكنية أبيه: أبو قحافة.
= والكنية: هي ما بُدئَ بلفظ " أب " أو " أم ".
= وهي غالبًا ما تكون باسم الابن الأكبر.
= وقد تكون لقباً مجرَّداً، ومثله ما في السؤال مِن كنية " أبي بكر "، إذ لم يكن من أولاده مَن اسمه " بكر "! .
وقد تكون نسبةً لشيء يختصُّ بالرجل، كما في كنية " أبي هريرة "، حيث كنَّاه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمَّا كان يُكثِر من حمل " هرَّة " - قطَّة -.
ومثله كذلك " أبو تراب " وهي كنية عليٍّ رضي الله عنه، وقد كنَّاه بها النبي صلى الله عليه وسلم، لمَّا رأى التراب قد ملأ ظهره وكتفيه.
وعليه: فلا مانع مِن تكنية المولود بـ " أبي بكر "، باعتباره لقباً!
والمشهور أن اسم أبي بكر هو " عبد الله "، وأما ما جاء مِن تسميته " عتيق ": فالصحيح أنه من صفاته لا مِن أسمائه،: " الاستيعاب " لابن عبد البر (8 /963) ، و " الإصابة " (4 / 170 - 171) .
= ومِن أولاده: عبد الله وعبد الرحمن ومحمد، وعائشة وأسماء وأم كلثوم.
ولو أنكما سميتما ابنكما عبد الله لأنّه أحب الأسماء إلى الله وكنّيتماه أبا بكر لأجل السنّة الواردة في تكنية الصّغار ولتنمية معاني الرجولة في نفسه فسيكون ذلك حلا جيدا للغاية، وفقنا الله وإياكم لكلّ خير
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1102)
لا بأس بتسمية البنت (ميرة)
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يحب الاسم "ميرا" كثيرا، وهو يريد أن يسمي طفلتنا بذلك الاسم في المستقبل. هل التسمي بذلك الاسم مقبول في الإسلام؟ أرجو أن توجهنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الميرة في اللغة العربية معناها الطعام، وعليه فلا مانع من التسمية بهذا الاسم، وللأهمية يُراجع السؤال رقم (7180) في آداب التسمية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1103)
اختيار اسم "حصة " للمولودة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان اسم حصة في الحقيقة اسماً لشخص وبذلك المعنى الصحيح، فهل يجوز لي تسمية طفلي بذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن منظور في لسان العرب في مادة حصص: الحِصّة النّصيب من الطعام والشّراب والأرض وغير ذلك، والجمع حِصَص.. وحاصّه: قاسمه فأخذ كل واحد منهما حصّته. انتهى. فإذا أردتِ وزوجك تسمية ابنتكما "حصة " فلا مانع من ذلك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1104)
معنى كلمة سمير
[السُّؤَالُ]
ـ[ولدي اسمه سمير وأود معرفة معنى كلمة سمير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سمير فعيل من سَمَرَ وهو المسامرة أي الحديث بالليل وابنا سمر: الليل والنهار، لأنه يُسمَر فيهما، ويقال السمير: الدهر وابناه: الليل والنهار ا. هـ
[الْمَصْدَرُ]
الصحاح للجوهري (2/688) مادة سمر(7/1105)
لا تعرف عائلة أبيها فهل تنتسب إلى عائلة والدتها
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت بأن المرأة يجب أن لا تغير اسم عائلتها لاسم عائلة زوجها بعد الزواج وذلك لأنه كادعاء النسب لعائلة أخرى هي لا تنتمي إليها، ويجب أن تبقي على اسم عائلة والدها.
أفهم هذا ولكن ماذا أفعل إذا كنت لا أعلم اسم عائلة والدي فهل أُبقي اسم عائلة والدتي؟ (حاليا أنا أستعمل اسم عائلة والدتي) ، أنوي تغيير اسمي الأول لاسم إسلامي فهل أغير اسم عائلتي كذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
انتساب الإنسان إلى غير أبيه أو إلى قوم ليس هو منهم؛ حرام، كما في الحديث الصحيح:
عن أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر.. ". رواه البخاري (3371) ومسلم (61) .
وفي لفظ للبخاري: " ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب ... ".
ويترتّب على النّسبة المكذوبة مفاسد في اختلال المحرمية والإرث والحضانة والولاية في النكاح وغير ذلك.
وأمّا ما يجب فعله فقد عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله:
لا يمكن أن تنتسب إلى غير أهلها ولا يجوز ذلك، وعليها أن تغير اسمها.
وإذا لم تكن تعرف اسم أبيها ولا عائلة والدها فإنها تسمي نفسها باسم عام كفاطمة بنت عبد الله أو فاطمة بنت عبد الرحمن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1106)
آداب تسمية الأبناء
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تسمية ابني، فما الآداب الشرعية في ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن مسألة الأسماء من المسائل المهمة في حياة الناس، إذ الاسم عنوان المسمى ودليل عليه وضرورة للتفاهم معه ومنه وإليه، وهو للمسمى زينة ووعاء وشعار يُدعى به في الآخرة والأولى، وتنويه بالدين، وإشعار بأنه من أهل هذا الدين، وهو في طبائع الناس له اعتباراته ودلالاته، فهو عندهم كالثوب، إن قَصُر شان، وإن طال شان.
والأصل في الأسماء الإباحة والجواز، غير أن هناك بعض المحاذير الشرعية التي ينبغي اجتنابها عند اختيار الأسماء منها:
- التعبيد لغير الله عز وجل، سواء لنبي مرسل أو ملك مقرب، فلا يجوز التعبيد لغير الله عز وجل مطلقا، ومن الأسماء المعبدة لغير الله عبد الرسول، عبد النبي، عبد الأمير، وغيرها من الأسماء التي تفيد التعبيد أو الذلة لغير الله عز وجل. وهذه الأسماء يجب تغييرها لمن تسمى بها أو سماه أهله بها، قال الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: كان اسمي عبد عمرو - وفي رواية عبد الكعبة -، فلما أسلمت سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن. رواه الحاكم 3/306 ووافقه الذهبي.
- التسمية باسم من أسماء الله تبارك وتعالى، التي اختص بها نفسه سبحانه، كأن يسمي الخالق أو الرازق أو الرب أو الرحمن ونحوها مما اختص بها الله عز وجل، أو باسم لا يصدق وصفه لغير الله عز وجل مثل ملك الملوك، أو القاهر ونحوه، وهذا النوع من الأسماء يحرم التسمي به ويجب تغييره. قال الله عز وجل: (هل تعلم له سميا) .
- التسمي بأسماء الكفار الخاصة بهم، الدالة عليهم دون غيرهم، مثل عبد المسيح وبطرس وجرجس ونحوها من الأسماء الدالة على ملة الكفر.
- التسمي بأسماء الأصنام أو الطواغيت المعبودة من دون الله، كالتسمي بشيطان ونحوه.
وكل ما سبق من الأسماء لا يجوز التسمي به بل هو حرام، وعلى من تسمى به أو سماه به غيره أن يغيره.
- يكره التسمي بما تنفر النفوس من معناه من الأسماء، إما لما يحمله من معنى قبيح أو مثير للسخرية، كما أن فيه مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بتحسين الأسماء، ومثال ذلك اسم حرب، ورشاش، وهيام وهو اسم مرض يصيب الإبل ونحوها من الأسماء التي تحمل معان قبيحة وغير حسنة.
- يكره التسمي بأسماء فيها معان رخوة أو شهوانية، ويكثر هذا في تسمية الإناث، مثل بعض الأسماء التي تحمل أوصافا جنسية أو شهوانية.
- يكره تعمد التسمي بأسماء الفساق من المغنيين والمغنيات والممثلين والممثلات ونحوهم، فإن كانوا يحملون أسماء حسنة فيجوز التسمي بها لكن لأجل معانيها الحسنة وليس لأجل التشبه بهم أو تقليدهم.
- يكره التسمي بأسماء فيها معان تدل على الإثم والمعصية، مثل سارق وظالم، أو التسمي بأسماء الفراعنة والعصاة مثل فرعون وهامان وقارون.
- ويكره التسمي بأسماء الحيوانات المشهورة بالصفات المستهجنة، مثل الحمار والكلب والقرد ونحوها.
- تكره التسمية بكل اسم مضاف إلى الدين والإسلام، مثل نور الدين وشمس الدين وكذلك نور الإسلام وشمس الإسلام، لما فيها من إعطاء المسمى فوق حقه، وقد كان علماء السلف يكرهون تلقيبهم بهذه الألقاب، فقد كان الإمام النووي رحمه الله تعالى يكره تلقيبه بمحيي الدين، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كان يكره تلقيبه بتقي الدين وكان يقول: لكن أهلي لقبوني بذلك فاشتهر.
- وتكره الإضافة إلى اسم الله عز وجل غير عبد الله، وذلك مثل حسب الله، ورحمة الله ونحوه. وكذلك الإضافة إلى لفظ الرسول.
- ويكره التسمي بأسماء الملائكة، وكذلك بأسماء سور القرآن مثل طه ويس ونحوها، وهذه الأسماء هي من الحروف المقطعة وليست من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم. انظر تحفة المودود لابن القيم رحمه الله تعالى ص109.
وهذه الأسماء المكروهة، إنما يكره التسمي بها ابتداء، أما من سماه أهله بذلك وقد كبر ويصعب عليه تغييرها فلا يجب عليه التغيير.
ومراتب الأسماء أربعة:
المرتبة الأولى: اسميْ عبد الله وعبد الرحمن، وذلك لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) رواه مسلم في صحيحه 1398.
المرتبة الثانية: سائر الأسماء المعبدة لله عز وجل: مثل عبد العزيز وعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الإله وعبد السلام وغيرها من الأسماء المعبدة لله عز وجل.
المرتبة الثالثة: أسماء الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ولاشك أن خيرهم وأفضلهم وسيدهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن أسمائه كذلك أحمد، ثم أولوا العزم من الرسل وهم إبراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم الصلاة والسلام، ثم سائر الأنبياء والمرسلين عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.
المرتبة الرابعة: أسماء عباد الله الصالحين، وعلى رأسهم صحابة نبينا الكريم، فيستحب التسمي بأسمائهم الحسنة اقتداء بهم وطلبا لرفعة الدرجة.
المرتبة الخامسة: كل اسم حسن ذو معنى صحيح جميل.
ويحسن مراعاة بعض الأمور عند تسمية الأبناء منها:
1 - معرفة أن هذا الاسم سيكون ملازما له طوال حياته وقد يسبب له من الضيق والإحراج ما يجعله يضيق بوالده أو والدته أو من سماه بهذا الاسم.
2 - عند النظر في الأسماء لاختيار أحدها، ينبغي تقليبه على وجوه عدة، فينظر في الاسم في ذاته، وينظر إليه من حيث كونه طفلا صغيرا ثم شابا يافعا ثم شيخا كبيرا وأبا، ومدى مناسبة الاسم إذا تكنى به، ومدى ملاءمته لاسم أبيه وهكذا.
3 - التسمية حق مشروع للوالد لأنه هو الذي سينسب إليه، لكن يستحب للوالد أن يشرك الأم في اختيار الاسم ويأخذ برأيها إن كان حسنا إرضاء لها.
4 - يجب نسبة الولد لأبيه ولو كان متوفيا أو مطلِّقا أو نحوه، ولو لم يرْعَه ولم يره البتة، ويحرم مطلقا نسبة الولد لغير أبيه، إلا في حالة واحدة، هي أن يكون الولد أتى من سفاح والعياذ بالله، فإنه ينسب حينئذ لأمه ولا تجوز نسبته لأبيه..
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1107)
تغيير النسب لأجل الحصول على جنسية دولة ذات مزايا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يغيّر الإنسان نسبه ليحصل على جنسية دولة فيها مزايا، مثل أن يضيف نفسه إلى اسم عمه - الذي يحمل الجنسية المرغوبة - كأحد أولاده، أو أخيه أو إلى خاله أو إلى أحد أقاربه، فيحصل بذلك على تلك الجنسية وكل ما يترتب عليها من رواتب وغير ذلك من المصالح، مع أنه لديه جنسية ولديه أوراقه، وليس عنده أي مشكلة إلا أنه يفعل ذلك للحصول على بعض المصالح المادية، فما حكم هذا العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا العمل محرم، ولا يحل لإنسان أن ينتسب إلى غير أبيه، لأنه يترتب عليه الكذب، ويترتب عليه الميراث، ويترتب عليه المحرمية، ويترتب عليه كل ما يترتب على النسب، ولهذا جاءت النصوص بالوعيد على من انتسب إلى غير أبيه، " (كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ.. فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. " رواه ابن ماجة 2599 وهو في صحيح الجامع 6104، وهذا العمل أيضاً من كبائر الذنوب بل يجمع بين كبيرتين، وهما الكذب لأكل المال بالباطل والانتساب إلى غير أبيه.
والواجب على الإنسان أن يعود إلى الحق في هذه المسألة، وأن يمزق الجنسية غير الحقيقية ويعود إلى أوراقه الأصلية المثبوت فيها نسبه الحقيقي، هذا الواجب عليه، وإني لأعجب أن يُقدم الإنسان على هذا العمل المحرم من أجل طمع الدنيا، وقد قال تعالى: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلها مذموماً مدحوراً) ، فعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله، وعفا الله عما سلف، وما أخذه بهذه الجنسية من الأموال، فإن الله تعالى يقول: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله) يقول هذا في آكل الربا، وما دونه من باب أولى. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1108)
هل يؤثر الاسم على شخصية صاحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[في مكان ما على الموقع، قرأت أن أسماء "السور" أو "الملائكة" ليست للتسمي بها، وأريد أن أعرف إن كان ذلك صحيحا.
والجزء الثاني من سؤالي هو:
هل للاسم تأثير على شخصية الفرد، وإذا كان له تأثير، فكيف؟
لقد قال لي أحدهم: "غير اسمك ... الخ، فإن ذلك قد يكون جيدا بالنسبة لك.." هل هذا صحيح؟ وإذا كان كذلك، فأنا أرجو أن تقدم لي بعض الأسماء الجيدة التي نسيها الناس، أو التي ليست مستخدمة الآن (ويكون لها معاني جيدة) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التسمي بما لا يشتمل على محظور، وله معنى صحيح لا بأس به بحيث لا يتضمن تزكية للمسمى به وإلا فقد غيّر النبي عليه الصلاة والسلام بعض الأسماء لقبحها وعدم سلامة ألفاظها ومعانيها. وليس للاسم تأثير
على شخصية المسمى به إلا من باب التفاؤل به، وعلى هذا الأساس فينبغي أن يسمي الإنسان ولده بالأسماء المستحسنة ويترك ما قبح منها فيسمي عبد الله، وعبد الرحمن، ومحمد، وأحمد وغيرها، ويترك ما يُستقبح منها كصعب أو غيرها.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(7/1109)
هل يجوز التسمي بـ (عُزَيْر)
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي طفل وهو في شهره السابع وقد أسميناه بـ"عزير". وقد أخبرنا أحدهم بأنه اسم يهودي لكني سمعت أنه وارد في القرآن، وعليه، فهل يجوز أن نبقي اسمه أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عزير اسمٌ يهودي ولكنه وارد في القرآن الكريم في مَعرِض ذمّ اليهود في قوله تعالى: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم) .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في (البداية والنهاية) : المشهور أن عزيرا نبي من أنبياء بني اسرائيل. فعلى هذا لا بأس بالتسمي به إن خلا الأمر من ميل قلبي إلى اليهود، وتأثر بهم بسبب المجاورة لهم والخلاف في نبوته بين أهل العلم معروف مشهور.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(7/1110)
إضافة المرأة لاسم زوجها بعد الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أستعرض صفحتكم ومررت على سؤال رقم 2537 والذي كان يتحدث عن حكم تغيير لقب المرأة وقلت إنه حرام. أرجو أن تذكر الأدلة من الكتاب والسنة على هذا الحكم إن استطعت. شكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يظهر أن مراد السائل بتغيير لقب المرأة انتسابها إلى زوجها بعد الزواج وهذا ممنوع ومحرم في الشرع لأنه لا يجوز لأحد أن ينتسب إلى غير أبيه سواء أكان رجلاً أم امرأة قال تعالى: " ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله من ادعى إلى غير أبيه " رواه الإمام أحمد وغيره. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1111)
هل لمن سلم عليه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فضل معين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي حين كان عمره (10) سنين في قريتنا رأى النبي الله صلي الله عليه وسلم، وسلَّم عليه، وعلى عمِّي، وأمي، وأخي، وعليَّ أنا، وكان صفته كما ذكر في الحديث، كما قال أخي، وأخبره صلى الله عليه وسلم عن كنز بجانب الطريق الذي بجانب بيتنا. سؤالي حفظكم الله: هل مَن سلَّمَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تمسه النار، كما سمعت من بعض الناس، وما هو الكنز.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام - إذا وقعت على صورته الحقيقية - فهي رؤيا حق وصدق كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم: (23367)
ثانيا:
إذا رأى الرائي في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورته الحقيقية، ورآه في حالٍ مُبَشِّرٍ بالخير أو متكلِّمٍ به: فلا شك أن ذلك مِن عاجل البشرى، ويُرجى لصاحبها الخير من ورائها، إن شاء الله.
أما إن رآه على حال الغضب منه، والإنكار عليه، أو بما يُؤَوِّلُه المعبِّرُ العارف الصادقُ أنه أمارة شرٍّ في الرائي: فيجب عليه حينئذ أن يتَّعظ بهذه الرؤيا، ويتدارك ما فرط وقصر.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" إن رآه مقبلا عليه مثلا فهو خير للرائي وفيه – أي وخيرٌ فيه -، وعلى العكس فبالعكس ... - فمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم فقد - رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي به، فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى في تأويلها، ولا يهمل أمرها؛ لأنها إما بشرى بخير، أو إنذار من شر، إما ليخيف الرائي، وإما لينزجر عنه، وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه.... " انتهى.
" فتح الباري " (12/384)
ثالثا:
بذلك نعلم خطأ دعوى أنَّ كلَّ مَن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على أي حال كانت هذه الرؤيا أنه قد حرمه الله على النار، وبشره بدخول الجنة، فهذا فَضْلٌ غيبيٌّ لا يجوز تصديقه إلا إذا جاء به دليل خاص من الكتاب والسنة الصحيحة، وقد بحثنا عنه فلم نقف إلا على حديثين يَستدل بهما بعض الناس، ولا يصح الاستدلال بهما على ذلك:
أما الحديث الأول:
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لَا تَمَسُّ النَّارُ مُسْلِمًا رَآنِي أَوْ رَأَى مَنْ رَآنِي)
رواه الترمذي (3858) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم. ولكنه حديث ضعيف، وعبارة الترمذي تشير إلى تضعيف هذا الوجه، وضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف الترمذي ".
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" وأما الحديث: (من رآني فقد حرمت عليه النار) فهذا لا أصل له، وليس بصحيح " انتهى. باختصار.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 445) و (25 / 126) .
وأما الحديث الثاني:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي)
رواه البخاري (6993) ، ومسلم (2266) ولفظه: (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ - أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ - لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي)
فذهب بعض العلماء – كما ذكره القاضي عياض وجها في تأويل الحديث - أن في قوله صلى الله عليه وسلم: (فسيراني في اليقظة) بشرى لكل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، أنه سيكون معه صلى الله عليه وسلم في الجنة، ويراه هناك، وسينال شفاعته يوم القيامة.
والأقرب للصواب في تأويل الحديث هو ما توضحه رواية الإمام مسلم رحمه الله، حيث جاء فيها (لكأنما رآني في اليقظة) ، يريد بذلك صلى الله عليه وسلم تأكيد أن من رآه في المنام على صورته الحقيقية لا ينبغي له التشكك في صورته ووجهه، كأنما رآه في اليقظة، وهذا اللفظ هو الأكثر في روايات الحديث.
ينظر: " فتح الباري " (12/383) ، " السلسلة الصحيحة " (رقم/2729) .
وأما رواية (فسيراني في اليقظة) ، فقد فسرها العلماء بما يتوافق مع ألفاظ الأحاديث الأخرى.
قال الإمام النووي رحمه الله:
" قال العلماء: إن كان الواقع في نفس الأمر: (فكأنما رآني) فهو كقوله صلى الله عليه وسلم: (فقد رآني) أو (فقد رأى الحق) كما سبق تفسيره.
وإن كان: (سيراني في اليقظة) ففيه أقوال:
أحدها: المراد به أهل عصره، ومعناه أنَّ مَن رآه في النوم ولم يكن هاجر، يوفقه الله تعالى للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عيانا.
والثاني: معناه أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة؛ لأنه يراه في الآخرة جميع أمته: مَن رآه في الدنيا ومَن لم يره.
والثالث: يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته " انتهى.
" شرح مسلم " (15/26) ، وينظر: " فتح الباري " (12/385) ، فيض القدير، للمناوي (6/133) .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (1/484) :
" معنى الحديث على هذه الرواية: أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على صورته التي كان عليها في الدنيا فسيرى تأويل رؤياه، ووقوع ما أشارت إليه من الخبر في دنياه؛ لأن رؤياه على صورته حق؛ لما دل عليه قوله آخر الحديث: (فإن الشيطان لا يتمثل بي) " انتهى.
والحاصل: أننا نرجو أن تكون الرؤيا التي رآها الأخ السائل من مبشرات الخير له، ولكل من سلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ولكننا لا نجزم بتحريم أحد على النار بسبب هذه الرؤيا، كما لا نجزم في تفسير الكنز المذكور في المنام بشيء معين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1112)
حكم أخذ الأجرة على تعبير الرؤى والمنامات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أخذ الأجرة على تعبير الرؤى والمنامات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لمن أعطاه الله موهبة تعبير الرؤى والمنامات أخذ الأجرة على هذا العمل، وذلك لأمور:
أولاً:
أن تعبير الرؤى منفعة غير معلومة ولا منضبطة، والأجرة لا تكون إلا في مقابل عمل له منفعة مقصودة معلومة، وهو في ذلك يشبه القضاء.
قال ابن قدامة عن القضاء: "فأما الاستئجار عليه فلا يجوز، قال عمر رضي الله عنه: لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرا، وهذا مذهب الشافعي، ولا نعلم فيه خلافا ... ؛ ولأنه عمل غير معلوم" انتهى.
"المغني" (11/377) .
ثانياً:
أقرب ما يقاس عليه تعبير الرؤى هو: الفتوى، وقد ذهب جمهور العلماء إلى منع المفتي من أخذ الأجرة على فتواه سواء كان الإفتاء في حقه فرض عين أو كفاية.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (32 /42) :
"وَأَمَّا الأُْجْرَةُ، فَلاَ يَجُوزُ أَخْذُهَا مِنْ أَعْيَانِ الْمُسْتَفْتِينَ عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، قَال الْحَنَابِلَةُ: لأَِنَّ الْفُتْيَا عَمَلٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل الْقُرْبَةِ، وَلأَِنَّهُ مَنْصِبُ تَبْلِيغٍ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلاَ تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَال لَهُ: لاَ أُعَلِّمُكَ الإِْسْلاَمَ أَوِ الْوُضُوءَ أَوِ الصَّلاَةَ إِلاَّ بِأُجْرَةٍ، قَالُوا: فَهَذَا حَرَامٌ قَطْعًا، وَعَلَيْهِ رَدُّ الْعِوَضِ، وَلاَ يَمْلِكُهُ، قَالُوا: وَيَلْزَمُهُ الإِْجَابَةُ مَجَّانًا لِلَّهِ بِلَفْظِهِ أَوْ خَطِّهِ إِنْ طَلَبَ الْمُسْتَفْتِي الْجَوَابَ كِتَابَةً، لَكِنْ لاَ يَلْزَمُهُ الْوَرَقُ وَالْحِبْرُ" انتهى.
وقال ابن القيم:
"أما أخذه الأجرة فلا يجوز له، لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله، فلا تجوز المعاوضة عليه" انتهى.
"إعلام الموقعين" (4/231) .
وتعبير الرؤى نوع من الإفتاء.
قال الشيخ السعدي:
"علم التعبير من العلوم الشرعية، ويثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وتعبير المرائي داخل في الفتوى، لقوله للفتيين: (قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) وقال الملك: (أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ) وقال الفتى ليوسف: (أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ ... ) ، فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم" انتهى.
"تفسير السعدي" (1/407) .
ثالثاً:
لا يصح قياس أخذ الأجرة على التعبير بأخذ الأجرة على الرقية؛ لأن الرقية من باب العلاج والمداواة، وهذه يصح الاستئجار عليها بالاتفاق.
رابعاً:
استدلال البعض على الجواز بما جاء في كتاب "مجمع الأنهر" (3/533) في الفقه الحنفي في معرض كلامه عن أخذ الأجرة على الطاعات قال: "بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَالْفِقْهِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ، وَالنُّجُومِ [أي علم معرفة دلالات النجوم على الجهات والأوقات] ، وَالطِّبِّ، وَالتَّعْبِيرِ، وَالْعُلُومِ الْأَدَبِيَّةِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ فِي الْجَمِيعِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ" انتهى.
فهذا الاستدلال غير دقيق؛ لأن المقصود تعليم "علم التعبير" لا تعبير الرؤى، بدليل قرنه بتعليم الفقه والكتابة والطب والعلوم الأدبية.
ويوضح ذلك ما جاء في "الفتاوى الهندية" (4/448) من كتب الحنفية من قوله: "وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِتَعْلِيمِ وَلَدِهِ الْكِتَابَةَ، أو النُّجُومَ، أو الطِّبَّ، أو التَّعْبِيرَ، جَازَ بِالِاتِّفَاقِ".
والفرق بين تعليم علم التعبير وتعبير الرؤى، كالفرق بين تعليم العلم الشرعي والإفتاء بالحكم الشرعي.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى: ما حكم أخذ الأجرة لتعبير الرؤى؟
فأجاب:
"نرى أنه لا يجوز، وذلك لأن تعبير الرؤيا يعتمد الظن، ولا يجوز للمُعبِّر الجزم بالتعبي؛ لاحتمال أن يكون لها تعبير آخر غير ما يتبادر إلى ظن المعبر، فلا حاجة إلى أخذ الأجرة على ذلك". انتهى من موقع الشيخ.
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?parent=786&subid=711&view=vmasal
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1113)
الاشتغال بالعلم الشرعي أفضل من الاشتغال بتأويل الأحلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أحس أنني قادر على تفسير الأحلام، وأنني أعرف معانيها، كيف أتبين من الأمر، وكيف أُطَوِّرُ نفسي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النصيحة التي يمكن أن نقدمها لأخينا السائل في هذا المقام - وقد رأينا في سؤاله انطلاقة سليمة في الفهم والتعلم – أن يتوجه اهتمامه إلى العلم النافع والعمل الصالح، وأن يحرص على التفقه في الدين، ومعرفة أحكام الشريعة، والاطلاع على ما كتبه علماء الإسلام، فذلك أولى من الحرص على تفسير الأحلام، ومحاولة تحسين هذه المعرفة، فقد غدا تأويل الأحلام مهنة وصنعة لها سوقها الذي يترأسه طائفة من الناس، بحق أو بباطل، يميلون بعقول وقلوب المسلمين والمسلمات نحو الظنون والأوهام والخرافات.
والذي ينبغي للمسلم أن يشغل نفسه من العلم النافع والعمل الصالح بما هو أهم وأفضل.
فإن العمر قصير لا يتسع لجميع العلوم، فليأخذ المسلم بالأهم فالأهم من العلوم.
وطلب العلم الشرعي والتفقه في الشرع وتعليمه للناس، والدعوة إليه، من أفضل ما يقوم به المسلم، ويعبد به ربه، فليحرص المسلم على ذلك، فهو أفضل ما أنفقت فيه الأعمار.
قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله:
" وقد أُلَّف في تعبير الأحلام عدة مؤلفات، منها ما ينسب إلى ابن سيرين، ومنها ما ينسب إلى غيره، ولا خير في الاشتغال بها، وكثرة النظر فيها؛ لأن ذلك قد يشوّش الفكر، وربما حصل منه القلق والتنغيص من رؤية المنامات المكروهة، وقد يدعو بعض من لا علم لهم إلى تعبير الأحلام على وفق ما يجدونه في تلك الكتب، ويكون تعبيرهم لها بخلاف تأويلها المطابق لها في الحقيقة، فيكونون بذلك من المتخرصين القائلين بغير علم، ولو كان كل ما قيل في تلك الكتب من التعبير صحيحًا ومطابقًا لكل ما ذكروه من أنواع الرؤيا لكان المعبرون للرؤيا كثيرين جدًا في كل عصر ومصر، وقد علم بالاستقراء والتتبع لأخبار الماضين من هذه الأمة أن العاملين بتأويل الرؤيا قليلون جدًّا، بل إنهم في غاية الندرة في العلماء، فضلاً عن غير العلماء، وذلك لأن تعبير الرؤيا علم من العلوم التي يختص الله بها من يشاء من عباده، كما قال تعالى مخبرًا عن يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه قال ليوسف عليه الصلاة والسلام: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) يوسف/6، وقال تعالى مخبرًا عن يوسف أنه قال للفتيين اللذين دخلا معه السجن: (لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) ، وقال تعالى مخبرًا عن يوسف أيضًا أنه قال: (رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) يوسف/101، والمراد بتأويل الأحاديث تعبير الرؤيا قاله غير واحد من المفسرين " انتهى.
"الرؤيا" (ص/212-213) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1114)
فتنة الناس بالمنامات والرؤى، وهل تقع الرؤيا عند أول تعبير لها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستفسار عن موضوع " تفسير الأحلام " عندي شخص مقرب لي يفسر الأحلام، والناس يتصلون عليه دائماً، استفساري: ما حكم ذلك من الناحية الشرعيَّة؟ ، وما حكم تفسير الأحلام أيضاً في بعض الصحف والمجلات، ونشرها؟ هل تفسير الأحلام يجعل الرؤية تتحقق كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شُغل الناس في هذا الزمان برؤاهم وأحلامهم، واقتطعوا من أوقاتهم الشيء الكثير، بحثاً عن تعبير، وتلمساً لتأويل، وفي المقابل أشغل المعبرون الناسَ بالتعبير، وتنوعت وسائل إيصال ذلك التعبير بين الصحف، والجوالات، والفضائيات، فأشغل بعضهم بعضاً، وصار كل واحدٍ يبحث عن الآخر، ووقعت الفتنة، فالباحثون عن التعبير أقلقهم ما يرونه في منامهم، وسبحوا في فضاء التأملات والأماني، وتلقاهم المعبرون، وأشهرهم صنفان:
1. معبرون تجار، سحبوا ما في جيوب الحالمين من أموال، مقابل التعبير.
2. باحثون عن الشهرة.
ومن تأمل حال الطرفين علم مدى السوء الذي وصلت له الأمور، من تضييع للأوقات، وتعلق بأوهام وخيالات، واتكاء على المنامات مع ترك الواجبات في اليقظة.
قال الشيخ عبد المحسن العباد – حفظه الله -:
" لا ينبغي للإنسان أن يُشغل نفسه بالرؤى، لكن إذا حصلت له رؤيا، وأمكنه تعبيرها: فإنه يعبرها، وإن لم يعبرها ووثق في أحد، وسأله: عبرها له، وإن كان فيها شيء لا يعجبه: فيأخذ بالآداب التي أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أن يشغل نفسه بالرؤى وتعبيرها: فإنه قد يشتغل بذلك عن غيره مما هو أهم منه، والعلماء ما كانوا يحرصون على الاشتغال بالرؤى ... .
فهذا يحتاج إلى وقت، ليبحث، ويقرأ عن فلان، وعن فلان، ولهذا نجد الآن بعض المعبرين الذين تصدوا للتعبير سوقهم رائجة، والناس يشغلونه أكثر مما يشغلون العلماء في مسائل الدين، وفي مسائل الفقه، والأمور التي يحتاجون إليها في أمور دينهم " انتهى.
" شرح سنن أبي داود " شريط رقم (359) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم: (115945) .
ثانياً:
قد افتتن كثير من المعبرين في زماننا هذا، فراحوا يبحثون عن الوسائل المعاصرة لتبليغ تعبيراتهم للناس، فأشغلوهم، وأكلوا أموالهم، أو تسلقوا على مناماتهم لبلوغ الشهرة وانتشار الصيت، وكثير منهم جاهل أصلاً في هذا الباب، ومن كان منهم عالِماً فإنه يعلم أن التعبير يختلف في الرؤيا الواحدة من شخص لآخر، وأن معرفة المعبِّر به، ورؤيته له لها دورٌ كبير في صحة التعبير، فكيف سيصيب هؤلاء وهم لا يعرفون الرائي هل هو ذكر أم أنثى، وهل هو متزوج أم أعزب، وهل هو مسلم أم كافر! .
وفي " حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب " – من كتب المالكية - (2 / 660) :
" فلا يجوز له تعبيرها بمجرد النظر في كتاب التفسير، كما يقع الآن، فهو حرام؛ لأنها تختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال، والأزمان، وأوصاف الرائين، ولذلك سأل رجلٌ ابنَ سيرين بأنه رأى نفسه أذَّن في النوم، فقال له: تسرق، وتُقطع يدك، وسأله آخر وقال له مثل هذا، فقال له: تحج! فوجد كلٌّ منهما ما فسره له به، فقيل له في ذلك، فقال: رأيتُ هذا سُمَيَّتُهُ حسنة، والآخر سُمَيَّتُهُ قبيحة " انتهى.
قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ – حفظه الله -:
" أما المعبِّرون: فالواجب عليهم تقوى الله عز وجل، والحذر من الخوض في هذا الباب بغير علم؛ فإن تعبير الرؤى: فتوى؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) يوسف/ 43.
ومعلوم أن الفتوى بابها العلم، لا الظن، والتخرص، ثم أيضاً: تأويل الرؤى ليس من العلم العام الذي يحسن نشره بين المسلمين ليصححوا اعتقاداتهم وأعمالهم، بل هي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم مبشرات، وكما قال بعض السلف: الرؤيا تسر المؤمن، ولا تغره هذا، وإن التوسع في باب تأويل الرؤيا - حتى سمعنا أنه يخصص لها في القنوات الفضائية، وكذلك على الهواتف، وفي الصحف، والمجلات، والمنتديات العامة من المنتجعات، وغيرها أماكن خاصة بها؛ جذباً للناس، وأكلاً لأموالهم بالباطل -: كل هذا شرٌّ عظيم، وتلاعب بهذا العلم الذي هو جزء من النبوة، قيل لمالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كلُّ أحدٍ؟ فقال: أبالنبوة يُلعب؟! وقال مالك: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيراً أخبر به، وإن رأى مكروهاً: فليقل خيراً، أو ليصمت، قيل: فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه لقول من قال: إنما على ما أولت عليه؟ فقال: لا، ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة.
فيجب على المسلمين التعاون في منع هذا الأمر، كلٌّ حسب استطاعته، ويجب على ولاة الأمور السعي في غلق هذا الباب؛ لأنه باب شر، وذريعة إلى التخرص، والاستعانة بالجن، وجر المسلمين في ديار الإسلام إلى الكهانة، والسؤال عن المغيبات، زيادة على ما فيها من مضار لا تخفى، من إحداث النزاعات، والشقاق، والتفريق بين المرء وزوجه، والرجل وأقاربه وأصدقائه، كل هذا بدعوى أن ما يقوله المعبر هو تأويل الرؤيا، فيؤخذ على أنه حق محض لا جدال فيه، وتُبنى عليه الظنون، وهذا من أبطل الباطل، كيف وصدِّيق هذه الأمة، بل خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين لمَّا عبر الرؤيا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أصبتَ بعضاً وأخطأت بعضاً) ، ونحن لا نعلم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم خير القرون وأحرصهم على هدي نبينا صلى الله عليه وسلم وأتقاهم لله وأخشاهم له، لا نعلم أنهم عقدوا مجالس عامة لتأويل الرؤى، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وإني إبراءً للذمة، ونصحاً للأمة: لأحذر كل من يصل إليه هذا البيان، من التعامل مع هؤلاء، أو التعاطي معهم، والتمادي في ذلك، بل الواجب مقاطعتهم، والتحذير من شرهم، عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وألزمنا وإياكم كلمة التقوى، ورزقنا اتباع سنة سيد المرسلين واقتفاء آثار السلف الصالحين، وحشرنا وإياكم في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً " انتهى.
مقال " تأويل الرؤى والحذر من التوسع فيها " ضمن " مجلة البحوث الإسلامية " (67 / 16 – 18) .
ثالثاً:
أما بخصوص وقوع الرؤيا بالتعبير: ففي المسألة أحاديث أشهرها:
1. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اعْتَبِرُوهَا بِأَسْمَائِهَا، وَكَنُّوهَا بِكُنَاهَا، وَالرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ) .
رواه ابن ماجه (3915) ، والحديث ضعفه كثيرون؛ ففي إسناده: يزيد بن أبان الرقاشي، وهو ضعيف.
2. عَنْ أَبِى رَزِينٍ العُقيلي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ) قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: (وَلاَ يَقُصُّهَا إِلاَّ عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ) .
رواه الترمذي (2278) وأبو داود (5020) وابن ماجه (3914) ، وحسَّنه ابن حجر في " فتح الباري " (12 / 432) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وقد رأى بعض العلماء أن هذه الأحاديث منكرة المتن – مع ما في أسانيدها من كلام -، ولذلك ذهبوا إلى تضعيفها، وأنها مخالفة لحديث أبي بكر الصدَّيق عندما أخطأ في بعض التعبير أمام النبي صلى الله عليه وسلم.
والصواب: أن الحديث الثاني حسن، أو صحيح، وأنه ليس في متنه نكارة، وأن معناه: أن الرؤيا يقع تعبيرها إذا عبَرها من أصاب، لا من أخطأ.
ومن عظيم فقه البخاري رحمه الله أنه بوَّب على حديث أبي بكر رضي الله قولَه: " باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب ".
وروى الحديث وفيه قول أبي بكر رضي الله عنه: فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَصَبْتَ بَعْضاً وَأَخْطَأْتَ بَعْضاً) .
رواه البخاري (6639) ومسلم (2269) .
وهذا المعنى هو الذي ذهب إليه جماهير العلماء والشرَّاح.
قال الزمخشري: " ليس المعنى أن كل من عبَرها وقعت على ما عَبَر، ولكن إذا كان العابر الأول عالماً بشروط العبارة، فاجتهدَ، وأَدَّى شرائطها، ووُفق للصواب، فهي واقعةٌ على ما قال، دونَ غيره " انتهى.
" الفائق في غريب الحديث والأثر " (3 /281) .
وفي فوائد حديث أبي بكر قال النووي – رحمه الله -: " وأن الرؤيا ليست لأول عابر على الإطلاق، وإنما ذلك إذا أصاب وجهها " انتهى.
" شرح مسلم " (15، 30) .
وقال ابن بطَّال – رحمه الله -:
" وقال أبو عبيد وغيره من العلماء: تأويل قوله: (الرؤيا لأول عابر) : إذا أصاب الأول وجه العبارة، وإلا فهي لمن أصابها بعده، إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب فيما يرى النائم، ليوصل بذلك إلى مراد الله بما ضربه من الأمثال في المنام، فإذا اجتهد العابر وأصاب الصواب في معرفة المراد بما ضربه الله في المنام: فلا تفسير إلا تفسيره، ولا ينبغي أن يسال عنها غيره، إلا أن يكون الأول قد قصر به تأويله فخالف أصول التأويل، فللعابر الثاني أن يبين ما جهله، ويخبر بما عنده، كما فعل النبي عليه السلام بالصدِّيق فقال: (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً) ، ولو كانت الرؤيا لأول عابر سواء أصاب أو أخطأ: ما قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (وأخطأتَ بعضاً) " انتهى.
" شرح صحيح البخاري " (9 /560، 561) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1115)
افتتان كثير من الناس بالرؤى، وأحوال المعبرين، ونصيحة للرائين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الموقف الشرعي من المنامات وتفسيرها؟ وهل تفسير الأحلام عِلم أم موهبة لدى الشخص؟ هناك مفسرون للأحلام ولكن آثار الصلاح لا تظهر فيهم، مثل وجود اللحية، وغيرها، فما رأيكم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
افتتن كثير من الناس هذه الأيام بالمنامات، وتعلقت قلوبهم بتعبيرها، وراحوا يبذلون الأوقات والأموال من أجل البحث عن أحدٍ يعبر لهم رؤيا رآها، وقد أنشئت من أجل ذلك الزوايا في الصحف والمجلات، والبرامج في القنوات الفضائية، والمواقع في الإنترنت، ووضع بعض المعبرين أرقاماً له خاصة يدفع المتصل مالاً من أجل أن يعرف تعبيراً لرؤياه، ويقتسم هذا المال ذلك المعبر وشركة الاتصالات! في فوضى كبيرة، تحتاج لوعي يعرف فيه المسلمون الحق من الباطل.
1. أما من حيث التعبير: فإن الرؤيا يختلف تعبيرها من شخص لآخر، ومن حالٍ للرائي من آخر، ومن بيئة لأخرى، ومن يعبِّر دون أن يعلم حال هذا الرائي وبيئته فإن خطأه سيكون أكثر من صوابه.
قال الشيخ العثيمين – رحمه الله -:
إن من المهم ألا نعتمد على ما يوجد في بعض الكتب ككتاب " الأحلام " لابن سيرين، وما أشبهها؛ فإن ذلك خطأ؛ وذلك لأن الرؤيا تختلف بحسب الرائي، وبحسب الزمان، وبحسب المكان، وبحسب الأحوال، يعني: ربما يرى الشخص رؤيا فنفسرها له بتفسير، ويرى آخر رؤيا هي نفس الرؤيا فنفسرها له بتفسير آخر غير الأول؛ وذلك لأن هذا رأى ما يليق، وهذا رأى ما يليق به، أو لأن الحال تقتضي أن نفسر هذه الرؤيا بهذا التفسير ...
ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد قبل الواقعة - أو في أثنائها - رأى في المنام أن في سيفه ثلمة، ورأى بقراً تنحر، ففسرها بأنه يُقتل أحدٌ من أهل بيته، وأنه يُقتل نفر من أصحابه، فالثلمة هي أنه يقتل أحد من أهل بيته؛ لأن الإنسان يحتمي بقبيلته، ويحتمي بسيفه، فلما صار في السيف ثلمة: فمعنى ذلك: أنه سيكون ثلمة في أهل بيته، ووقع كذلك، فقد استشهد حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم في " أحد "، أما البقر التي تنحر: فالذين قتلوا من الصحابة رضي الله عنهم في " أحد " نحو سبعين رجلا، وإنما رآه بقراً: لأن البقر فيها منافع كثيرة، فهي أنفع ما يكون من بهيمة الأنعام للحرث، وللسمن، وللنماء، ولللبن، وفيها مصالح كثيرة، والصحابة رضي الله عنهم كلهم خير، ففيهم خير كثير لهذه الأمة، ولو لم يكن من خيرهم إلا أن الله سبحانه وتعالى وفقهم لحمل الشريعة إلى الأمة: لكان ذلك يكفيهم، إذ أنه لا طريق لنا إلى شريعة الله إلا بواسطة الصحابة رضي الله عنهم.
" شرح رياض الصالحين " (4 / 377) .
2. وأما من حيث المعبِّر: فقد اختلف العلماء في التعبير هل هو علم وهبي أم كسبي، ومعنى الوهبي أنه يكون هبة من الله تمكِّن صاحبها من القدرة على التعبير، وأما " الكسبي ": فهو أنه يمكن لأحد أن يتعلم قواعدها وضوابطها ليكون من المعبِّلرين، والذي نراه أنه علم وهبي في أصله، وقد ينمو ويزيد بالنظر والممارسة.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –:
ما رأيكم فيمن يقول: إن تفسير الأحلام يعود لملَكة الشخص، فهل هناك ضوابط شرعية في تفسير الرؤى والأحلام؟ .
فأجاب:
هي صحيحة، تعبير الرؤيا ليس مكتسباً , لكنه شيء يقذفه الله في قلب الإنسان , ولهذا تجد بعض المعبِّرين جهَّالاً لا يعرفون شيئاً من الدين، ومع ذلك يعبرون , ومع التمرن يكون مكتسباً.
وليس هناك قواعد يمشي عليها الإنسان؛ لأنه قد يخطئ خطأً كثيراً في التطبيق , إذ قد تكون صورة الرؤيا واحدة وتختلف اختلافاً عظيماً بحسب الرائي، وبحسب الحال، ولكن الذي أنصح به إخواننا ألا يهتموا بهذا الأمر كثيراً؛ لأنهم إذا اهتموا بهذا كثيراً: لعب بهم الشيطان في منامهم , فيأتيه كل ليلة يريه رؤيا تفزعه , ثم يطلب من يؤولها، أو من يعبرها , والإعراض عن هذا أحسن بكثير , وإذا رأى ما يكره: فلا يحاول أن تعبَّر له , بل يفعل كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم: يتفل عن يساره ثلاث مرات، ويقول: (أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت) ولا يخبر أحداً بهذا , وحينئذٍ لا تضره شيئاً , قال الصحابة رضي الله عنهم: " كنا نرى الرؤيا في المنام ونمرض منها , فلما حدَّثنا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث استرحنا "، إذا رأيت ما تكره: فافعل هذا , ولا تحرص على ملاحقة الرؤى.
" لقاءات الباب المفتوح " (205 / السؤال رقم 8) .
3. وأما من حيث الرائي: فإننا ننصح المسلمين أن لا يضيعوا أوقاتهم وأعمارهم وأموالهم في تتبع تعبير ما يرون، فقد تكون أحلاما من الشيطان لإدخال الحزن إلى قلبه، وقد تكون من حديث النفس مما لا تعبير له، وما يرام من رؤيا صالحة فلا ينبغي أن ينشغل بتعبيرها، وليشتغل بما كلفه الله به من طاعات، والرؤيا تسر المؤمن ولا تحزنه، وتفرحه، ولا تغرُّه، فلينظر لتقصير نفسه في الأوامر فيصلحها، ولينظر لطاعته لربه فيزيدها، وإذا أصرَّ على التعبير فلينظر ثقة في دينه، مزكًّى في سلوكه وأخلاقه ليعرضها عليه، ولا ينشغل بذلك انشغالاً يضيع عليه وقته وعمره.
وانظر تفصيل وافياً في الرؤى وأقسامها وتفصيلاتها في جوابي السؤالين: (6537) و (25768) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1116)
ترى في المنام أحلاماً مزعجة، وتَتَخَيَّل الجِماع في النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرى في المنام أناساً يطاردونني، وفي بعض الأحيان يكونون أشخاصا من أفراد عائلتي، وأحيانا لا أعرفهم. قد يبدو ذلك غريبا لكن هذا هو الذي يحدث. وأجدني، في مثل هذه الأحلام، أطير في السماء للفرار ممن يطاردني، وقد نجحت في ذلك. فهل يعني هذا أن الله يأخذ روحي ويجعلها تطير فعلا؟ كما أني رأيت في المنام مؤخرا أن رجلا لا أعرفه كان يجامعني. وقد صدمت من هول ذلك الحلم. فهل أخذ الله روحي عندها، أم أن ذلك كان من ألاعيب الشيطان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الرؤى وأشباهها من المَرائي المكروهة هي من الشيطان والمشروع للمسلم إذا رأى ما يكرهه أن ينفث عن يساره ثلاث مرات وأن يتعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى ثلاث مرات، ثم ينقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحداً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُلُمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لا تَضُرُّهُ) رواه البخاري (بدء الخلق/3049) .
وإذا رأت المرأة في منامها أن هناك من يجامعها، فهذا أمر طبيعي، فالمرأة تحتلم كما يحتلم الرجل، والاحتلام هو تخيل العملية الجنسية في المنام، فقد جاء في الحديث:
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ) رواه البخاري (العلم/127) .
قال الشيخ البسام معنى " احتلمت ": (عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، والمراد هنا: إذا رأت المرأة في نومها مثل ما يرى الرجل من صورة الجماع وتمثيله. وعلى المرأة إذا رأت ذلك في منامها فإذا نزل منها شيء من أثر هذا الاحتلام وجب عليها أن تغتسل، أما إذا كان الاحتلام مجرداً عن الإنزال فلا يوجب الغسل، لقوله عليه الصلاة والسلام: " إذا رأت الماء ") والله أعلم.
انظر توضيح الأحكام 1/297
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1117)
فسخ الخطبة بسبب رؤيا منام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز فسخ الخطوبة بعد سنتين لأن الخطيب رؤي في حلم سيء بعد الاستخارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم ينطلق في أحكامه وفهمه لواقعه ومعايشته لتجارب زمانه من منطلقات العقل والحكمة، والأسباب التي أمر الله سبحانه وتعالى بمراعاتها والأخذ بها، وبذلك جاءت الشريعة الإسلامية، تأمر بالنظر والتفكر واستعمال موازين العقل والتجربة، ثم الحكم بعد ذلك على الأشخاص أو الأعمال.
يقول الله سبحانه وتعالى:
(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة/242
وليس في شريعتنا أبدا الركون إلى الرؤى والأحلام والمنامات، لا في معايش الدنيا ولا في أحكام الدين، فإن المعرفة المتحصلة عن طريق الرؤى والمنامات غير منضبطة ولا متيقنة، بل يداخلها الشك والريبة، ولا يمكن أن تُرجع الشريعة الناس في معارفهم إلى مصادر موهومة لا تحقق أدنى مستويات العلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ) رواه مسلم (2263)
فالشيطان له نصيب مما يراه الإنسان في منامه، كما للنفس نصيب أيضا، وتمييز ذلك قد لا يكون واضحا في جميع الأحيان، فكيف يطمئن المسلم إلى منام رآه ثم يبني عليه اختياره وهو يعلم أن الشيطان قد يكون له منه أوفر حظ ونصيب؟!
ومن ذلك أمر الزواج أيضا، فقد حدد لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصفات التي ينبغي أن ينبني عليها الحكم بالقبول أو الرفض فيمن يتقدم للخطبة فقال:
(إذا جاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)
رواه الترمذي (1085) وقال حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
فجعل الخلق والدين هو المقياس الذي ينبغي أن يتحاكم إليه الناس في رفضهم أو قبولهم، وينبغي للسائلة الكريمة ألا تلتفت إلا إليه، ولا تستجيب لما تراه في منامها من أمور قد يكون للشيطان فيها نصيب، يريد بها التفريق بين الزوجين وإحداث الشقاق والنزاع.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم 5/سؤال رقم 17) ما يلي:
خطب رجل امرأة، فرأته في المنام حالق اللحية، فهل توافق عليه أم لا؟ وفي اليقظة ظاهره طيب، لم يحلق اللحية، وهو شخص ملتزم ولا نزكي على الله أحدا ً.
فأجاب رحمه الله:
" المرأة التي رأت الرجل الذي خطبها في المنام حالق اللحية وهو في الواقع ليس بحالق لها لا يضرها ما رأت في المنام، ولا ينبغي أن يمنعها من التزوج به ما دام مستقيماً في دينه وخلقه " انتهى.
ثم يجب التنبه إلى أن الاستخارة لا علاقة لها برؤيا المنام – كما يظن كثير من الناس -، فإن المقصود من الاستخارة هو سؤال الله تعالى تيسير خير الأمرين، والالتجاء إليه سبحانه في الإرشاد إلى أحسن الأمور، والاستخارة دعاء إذا استجاب الله له يسر الأمر الذي اختاره المستخير – بعد التفكير والتأمل – ولا يرتبط الدعاء من قريب أو بعيد برؤيا المنام.
فالنصيحة للأخت السائلة الكريمة أن تراجع أمرها، ولا تسعى في خراب رابطتها الزوجية بمجرد رؤيا منامية، بل ينبغي أن تحكم الدين والعقل في أمر خطيبها، ثم تتخذ بعد ذلك الموقف المناسب.
وانظري جواب السؤال رقم (25793) ، (34726)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1118)
الفرق بين الحلم والرؤيا، وهل هناك رؤى تحذيرية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يرى النائم أحلاماً تحذيرية؟ لقد عاودتني مؤخراً بعض الأحلام، حيث كان هناك من يريد أن يؤذي أحد أفراد عائلتي جسديّاً، وعن طريق تشويه سمعته، وهنا كنت أستيقظ من نومي، لم أخبر أحداً في عائلتي بالأمر، لكني أطلب من الله الحماية؛ لأنه مع أن هناك من قد يكون يكيد لعائلتي، إلا أني أعرف أن الله هو المدبر سبحانه، فإذا أخبرت أحد أفراد عائلتي أني أخاف أن يكون هناك من يكيد له، فهل فيه محظور؟ كما أرجو أن تدعو الله أن يحمينا. أرجو ألا أكون قد ارتكبت محظوراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من كل مكروه وسوء، وأن يصرف عنا وعنكم كيد شياطين الإنس والإنس، إنه هو خير حافظا، وهو أرحم الراحمين.
وأما ما يراه النائم في نومه فهو ثلاثة أنواع: رؤيا، وهي من الله تعالى، وحلُم وهو من الشيطان، وحديث النفس.
فالرؤيا: هي مشاهدة النائم أمراً محبوباً، وهي من الله تعالى، وقد يراد بها تبشير بخير، أو تحذير من شر، أو مساعدة وإرشاد، ويسن حمد الله تعالى عليها، وأن يحدث بها الأحبة دون غيرهم.
والحلُم: هو ما يراه النائم من مكروه، وهو من الشيطان، ويسن أن يتعوذ بالله منه ويبصق عن يساره ثلاثا، وأن لا يحدِّث به، فمن فعل ذلك لا يضره، كما يستحب أن يتحول عن جنبه، وأن يصلي ركعتين.
وقد يكون ما يراه النائم ليس رؤيا ولا حلما، وإنما هو حديث نفس، ويسمى " أضغاث أحلام "، وهو عبارة عن أحداث ومخاوف في الذاكرة والعقل الباطن، يعيد تكوينها مرة أخرى في أثناء النوم، كمن يعمل في حرفة ويمضي يومه في العمل بها وقبل نومه يفكر فيها، فيرى ما يتعلق بها في منامه، وكمن يفكر في معشوقه فيرى ما يتعلق به، ولا تأويل لهذه الأشياء.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاثة فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه ... " رواه مسلم (2263) .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ": أن رؤيا المؤمن تقع صادقة؛ لأنها أمثال يضربها الملك للرائي، وقد تكون خبراً عن شيء واقع، أو شيء سيقع فيقع مطابقاً للرؤيا، فتكون هذه الرؤيا كوحي النبوة في صدق مدلولها، وإن كانت تختلف عنها، ولهذا كانت جزءاً من ستة وأربعين جزءاً من النبوة.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / 327)
فرؤيا المؤمن وصفت في الأحاديث بأنها " صادقة " و " صالحة " و " من الله "، ومعنى " صادقة " سبق في كلام الشيخ ابن عثيمين أنها تقع صادقة، ومعنى " صالحة " أنها تكون بشارة أو تنبيها على غفلة، ومعنى كونها " من الله " أي: من فضله ورحمته، أو من إنذارهوتبشيره، أو من تنبيهه وإرشاده.
ووصف الحلم بأنه " تحزين " وأنها " من الشيطان "، ومعنى " تحزين " أي: لكي يحزنه ويكدِّر عليه حياته، ومعنى " من الشيطان " أي: أنه من إلقائه وتخويفه ولعبه بالنائم.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في بيان هذا النوع -:
إفزاع من الشيطان، فإن الشيطان يصور للإنسان في منامه ما يفزعه من شيء في نفسه، أو ماله، أو في أهله، أو في مجتمعه؛ لأن الشيطان يحب إحزان المؤمنين كما قال الله تعالى: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله} ، فكل شيء ينكِّد على الإنسان في حياته ويعكِّر صفوه عليه: فإن الشيطان حريص عليه، سواء ذلك في اليقظة أو في المنام؛ لأن الشيطان عدو كما قال الله تعالى {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً} .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / 329) .
وقد دلَّنا النبي صلى الله عليه وسلم على ما نفعله إذا رأى الإنسان في نومه ما يكرهه فقام على إثره، وهي: التفل عن اليسار، والتعوذ من الشيطان، وتغيير الجنب، والصلاة إن شاء وأن لا يحدث بها الناس.
وننبه إلى أمرٍ مهم وهو أن الإنسانَ إذا كان صالحاً مستقيماً على طاعة الله تعالى، فإنه لا يضره أن يرى نفسه أو يُرى على حالةٍ لا تسر، وإذا كان سيئاً عاصياً في يقظته فإنه لا ينفعه أن يرى نفسه أو يُرى على أحسن حال.
قال ابن مفلح:
قال هشام بن حسان: كان ابن سيرين يسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أن يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة , فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم.
" الآداب الشرعية " (3 / 451) .
وقال:
قال المروذي: أَدخلت إبراهيم الحميدي على أبي عبد الله وكان رجلا صالحا فقال: إن أمي رأت لك كذا وكذا وذكرت الجنة، فقال: يا أخي إن " سهل بن سلامة " كان الناس يخبرونه بمثل هذا , وخرج سهل إلى سفك الدماء وقال: الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره.
" الآداب الشرعية " (3 / 453) .
والخلاصة:
أنه قد تكون في الرؤيا تحذير للإنسان وتنبيه له أو لغيره من غفلة يعيشها، أو معصية يرتكبها، أو خاتمة سوء إن استمر على م هو عليه من انحراف وضلال، وهذا لا يكون في الحلم الذي هو من تحزين الشيطان وتنكيده، بل يكون من الله بفضله ورحمته، فيمكن للإنسان إذا رأى في منامه ما يوجب تنبيه وتحذير الآخرين أن يفعل ذلك، وكذا لو رأى ما ينبهه ويحذره هو.
ولك أن تحذِّر قريبك من مكيدة محتملة، أو سوء متوقع لكن دون أن تخصص له أحداً بعينه، فإن كان ما تخشى شره، فقد أخذتم حذركم، ولم يضركم شيء، إن شاء الله، وإن تخلف ما تخشون، ولم تكن الرؤيا على ما خفتم وقوعه، لم يضركم شيء، ما دمتم لم تتكلموا في حق أحد بسوء، ولم تعتدوا على أحد.
وانظر – للمزيد – حول الرؤى والأحلام جواب السؤال رقم (6537) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1119)
تعلق التميمة، وعلاج الكوابيس
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق عندما كان صغيراً لم يكن يستطيع النوم ويرى كوابيس، كان أبوه يأخذه لرجل من الأولياء، وقد صنع له هذا الرجل قلادة من أشياء كالصناديق الصغيرة تحتوي على كتابات مقدسة.
هل هذا جائز في الإسلام؟ عمره الآن 24 سنة فماذا تنصحه أن يفعل لكي يتخلص من هذه الكوابيس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز الذهاب إلى الكهنة والعرافين، والمشعوذين، ومن ذهب إليهم وسألهم عن شيء لم تُقْبِل منه صلاة أربعين يوماً، ومن صدَّقهم بأنهم يعلمون الغيب أو يكشفون الضر ويجلبون النفع فهو كافر كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يجوز تعليق الخرز والتمائم، وقد جاء الوعيد الأكيد في السنة الصحيحة لمن فعل ذلك.
عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد فقالوا: يا رسول الله بايعتَ تسعة وتركت هذا، قال: إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها فبايعه وقال: من علق تميمة فقد أشرك. رواه أحمد (16969) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (492) .
وفي جواب السؤال رقم (10543) تجد تفصيل الأحاديث الواردة في التمائم، وفيه بيان حكم العلماء في التميمة المعلقة من القرآن وحكم التمائم من غيرها.
وفيه – عن الشيخ سليمان بن عبد الوهاب -:
هذا اختلاف العلماء في تعليق القرآن وأسماء الله وصفاته فما ظنك بما حدث بعدهم من الرقى بأسماء الشياطين وغيرهم وتعليقها بل والتعلق عليهم والاستعاذة بهم والذبح لهم وسؤالهم كشف الضر وجلب الخير مما هو شرك محض وهو غالب على كثير من الناس إلا من سلم الله. اهـ.
وعن الشيخ حافظ حكمي:
وإن تكن - أي: التمائم - مما سوى الوحيين بل من طلاسم اليهود وعبَّاد الهياكل والنجوم والملائكة ومستخدمي الجن ونحوهم أو من الخرز أو الأوتار أو الحلق من الحديد وغيره فإنها شرك - أي: تعليقها شرك - بدون ميْن - أي: شك -. اهـ
ثانياً:
وفي جواب السؤال رقم (9577) تجد سُبل الوقاية من الكوابيس والمنامات المزعجة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1120)
رؤية الله عز وجل في المنام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يدعي أنه قد رأى رب العزة في المنام؟ وهل كما يزعم البعض أن الإمام أحمد بن حنبل قد رأى رب العزة والجلال في المنام أكثر من مائة مرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وآخرون أنه يمكن أنه يرى الإنسان ربه في المنام، ولكن يكون ما رآه ليس هو الحقيقة؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى / 11 فليس يشبهه شيء من مخلوقاته، لكن قد يرى في النوم أنه يكلمه ربه، ومهما رأى من الصور فليست هي الله جل وعلا؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، فلا شبيه له ولا كفو له.
وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله في هذا أن الأحوال تختلف بحسب حال العبد الرائي، وكل ما كان الرائي من أصلح الناس وأقربهم إلى الخير كانت رؤيته أقرب إلى الصواب والصحة، لكن على غير الكيفية التي يراها، أو الصفة التي يراها؛ لأن الأصل الأصيل أن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى.
ويمكن أن يسمع صوتا ويقال له كذا وافعل كذا، ولكن ليس هناك صورة مشخصة يراها تشبه شيئا من المخلوقات؛ لأنه سبحانه ليس له شبيه ولا مثيل سبحانه وتعالى، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه في المنام، من حديث معاذ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه، وجاء في عدة طرق أنه رأى ربه، وأنه سبحانه وتعالى وضع يده بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه، وقد ألف في ذلك الحافظ ابن رجب رسالة سماها: " اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى " وهذا يدل على أن الأنبياء قد يرون ربهم في النوم، فأما رؤية الرب في الدنيا بالعيان فلا.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن يرى أحد ربه حتى يموت، أخرجه مسلم في صحيحه. ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال: (رأيت نورا) وفي لفظ (نور أنى أراه) رواهما مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن ذلك فأخبرت أنه لا يراه أحد في الدنيا؛ لأن رؤية الله في الجنة هي أعلى نعيم المؤمنين، فهي لا تحصل إلا لأهل الجنة ولأهل الإيمان في الدار الآخرة، وهكذا المؤمنون في موقف يوم القيامة، والدنيا دار الابتلاء والامتحان ودار الخبيثين والطيبين، فهي مشتركة فليست محلا للرؤية؛ لأن الرؤية أعظم نعيم للرائي فادخرها الله لعباده المؤمنين في دار الكرامة وفي يوم القيامة، وأما الرؤيا في النوم التي يدعيها الكثير من الناس فهي تختلف بحسب الرائي - كما قال شيخ الإسلام رحمه الله - بحسب صلاحهم وتقواهم؛ وقد يخيل لبعض الناس أنه رأى ربه وليس كذلك، فإن الشيطان قد يخيل لهم ويوهمهم أنه ربهم، كما روي أنه تخيل لعبد القادر الجيلاني على عرش فوق الماء، وقال أنا ربك وقد وضعت عنك التكاليف، فقال الشيخ عبد القادر: اخسأ يا عدو الله لست بربي؛ لأن أوامر ربي لا تسقط عن المكلفين، أو كما قال رحمه الله، والمقصود أن رؤية الله عز وجل يقظة لا تحصل في الدنيا لأحد من الناس حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما تقدم في حديث أبي ذر، وكما دل على ذلك قوله سبحانه لموسى عليه الصلاة والسلام لما سأل ربه الرؤية. قال له: (لَنْ تَرَانِي ... الآية) الأعراف / 143، لكن قد تحصل الرؤية في المنام للأنبياء وبعض الصالحين على وجه لا يشبه فيها سبحانه الخلق، كما تقدم في حديث معاذ رضي الله عنه، وإذا أمره بشيء يخالف الشرع فهذا علامة أنه لم ير ربه وإنما رأى شيطانا، فلو رآه وقال له: لا تصل قد أسقطت عنك التكاليف، أو قال ما عليك زكاة أو ما عليك صوم رمضان أو ما عليك بر والديك أو قال لا حرج عليك في أن تأكل الربا. . . فهذه كلها وأشباهها علامات على أنه رأى شيطانا وليس ربه. أما عن رؤية الإمام أحمد لربه لا أعرف صحتها، وقد قيل: إنه رأى ربه، ولكني لا أعلم صحة ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6/367(7/1121)
يريد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أحسن طريقة لرؤية النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المنام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يوجد طريقة في الشرع يسلكها من يريد أن يرى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، ويجدر هنا التنبيه على أمور متعلقة بالسؤال:
1. لا بدَّ لمن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه أن يراه على صورته الحقيقية وفي أي مرحلة زمنية من عمره صلى الله عليه وسلم، وعليه فمن أدَّعى أنه رأى نوراً أو رجلاً ذا لحية بيضاء كاملة أو رجلاً يلبس بنطالاً مثلا: فهذه كلها ليست أوصافاً للنبي صلى الله عليه وسلم، فليس هو النبي صلى الله عليه وسلم، والشيطان لا يتمثَّل بالصورة الحقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم وأما بغيرها فيمكن له ذلك.
عن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي ". قال البخاري: قال ابن سيرين: إذا رآه في صورته.
رواه البخاري (6592) ومسلم (2266) .
وكان ابن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: صف لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها قال: لم تره "، وسنده صحيح.
وروى الحاكم عن عاصم بن كليب حدثني أبي قال: " قلت لابن عباس: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، قال: صفه لي، قال: ذكرت الحسن بن علي فشبهتُه به، قال: قد رأيتَه " وسنده جيد.
انظر فتح الباري (12 / 384) .
2. لا ينبغي للمسلم أن يشغل نفسه بالرؤى والأحلام ويبني عليها أموره وشئونه، وينسى يقظته التي طالبه الله تعالى بالأحكام والطاعات فيها.
3. والمسلم المتبع للسنَّة يرى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بقلبه، وكلما كان أكثر اتباعاً له كلما رآه أكثر، فإذا خرج من بيته أو ذهب لمسجده أو توضأ ذكر ما كان يقوله رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا صلى أو حج اتبع سنته، وإذا باع أو اشترى أو تعامل مع الناس مشى على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وإذا كان في بيته مع أهله وأولاده كان هديه هدي نبيه صلى الله عليه وسلم.
وهذا الذي ينبغي للمسلم أن يحرص عليه ويسعى لتحصيله.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1122)
هل يشعر النائم بنفسه وهو يحلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يمكنك أن تقول عن الأحلام، إذا كان الشخص يحلم وفي نفس الوقت علم أنه يحلم وهو نائم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يمكن للنائم أن يشعر بنفسه وأن يعلم أنه يحلم؛ وذلك لأن النائم أشبه بالميت، وقد سمي النوم موتاً في الكتاب والسنة:
قال الله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الزمر / 42.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فبيَّن أنه يتوفى الأنفس على نوعين:
فيتوفاها حين الموت، ويتوفى الأنفس التى لم تمت بالنوم، ثم إذا ناموا: فمن مات فى منامه: أمسك نفسه، ومن لم يمت: أرسل نفسه، ولهذا كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: " باسمك ربي وضعتُ جنبى وبك أرفعه، فإن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ".
" مجموع الفتاوى " (4 / 275) .
وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} الأنعام / 60.
عن حذيفة بن اليمان قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: " باسمك أموت وأحيا، وإذا قام قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ".
رواه البخاري (5953) . ومسلم (2711) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
قال النووي:
المراد بـ " أماتنا ": النوم، وأما النشور فهو الإحياء للبعث يوم القيامة , فنبَّه صلى الله عليه وسلم بإعادة اليقظة بعد النوم الذي هو كالموت على إثبات البعث بعد الموت , قال العلماء: وحكمة الدعاء عند إرادة النوم أن تكون خاتمة أعماله كما سبق , وحكمته إذا أصبح أن يكون أول عمله بذكر التوحيد والكلم الطيب. " شرح مسلم " (17 / 35) .
وعليه: فلا يمكن للنائم أن يعلم أنه يحلم، وهو في حال نومه ليس معه عقله الذي في اليقظة ولا تجري عليه أحكام اليقظة بالطبع، ولذلك كان النائم معذوراً في ترك الواجبات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَن نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها " رواه البخاري (572) ومسلم (684) – واللفظ له -.
قال الحافظ ابن حجر:
قال أبو إسحاق الزجاج: ... وسمى النوم " موتاً "؛ لأنه يزول معه العقل والحركة تمثيلاً وتشبيهاً قاله في " النهاية ".
" فتح الباري " (11 / 14) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1123)
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث أني رأيت في منامي محمَّداً صلى الله عليه وسلم، لكنه كان في صورة فتى أو صغير، وبالطبع فإن صورته لم تكن تشابه ما قرأته عن صفاته صلى الله عليه وسلم، لكني أتمنى أن الذي رأيته في المنام هو النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأني سألته صلى الله عليه وسلم: "هل أنت (حقّاً) محمد صلى الله عليه وسلم؟ "، فقال صلى الله عليه وسلم: "نعم"، فمن يمكنه أن يقول ذلك عن نفسه غيره هو صلى الله عليه وسلم؟
وفي المرة الثانية، كان هناك صوت مثل الأيام القديمة، عندما يأتي شخص إلى قصر الملك، وقال الصوت: " محمد صلى الله عليه وسلم! " وأتى رجال في غاية الوسامة، أعمارهم بين 40 إلى 45، وأروني ورقة، وانتهى الحلم بهذا.
فكيف أعرف ما إذا كان الذي رأيته في المنامين هو النبي صلى الله عليه وسلم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليُعلم أنه يمكن أن يرى الإنسانُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام، وأن الشيطان لا يتمثَّل بصورة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لا يتمثَّل بصورته الحقيقيَّة، أما في صورةٍ أخرى فيمكن للشيطان أن يأتي ويزعم أنَّه النبي صلى الله عليه وسلم.
عن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " مَن رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي ".
رواه البخاري (6592) ومسلم (2266) .
زاد البخاري: قال ابن سيرين إذا رآه في صورته.
وفي رواية عند أحمد (3400) : " فإن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي ".
قال الحافظ ابن حجر:
وقد رويناه موصولاً من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب - وهو من شيوخ البخاري - عن حماد بن زيد عن أيوب قال: كان محمَّد - يعني: ابن سيرين - إذا قصَّ عليه رجلٌ أنَّه رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: صِف لي الذي رأيتَه، فإن وَصف له صفةً لا يعرفها قال: لم تره، وسنده صحيح، ووجدتُ له ما يؤيِّده فأخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب حدثني أبي قال: قلتُ لابن عباس رأيتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم في المنام، قال: صِفه لي، قال ذكرتُ الحسن بن علي فشبَّهتُه به، قال: قد رأيتَه، وسنده جيد.
" فتح الباري " (12 / 383، 384) .
وأما من يقول إنه صلى الله عليه وسلم يأتي بكل صورة، ويستدل على ذلك بما أخرجه ابن أبي عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن رآني في المنام فقد رآني فإنِّي أُرى في كل صورة ": فحديث ضعيف.
قال الحافظ ابن حجر:
وفي سنده صالح مولى التوأمة، وهو ضعيف؛ لاختلاطه، وهو مِن رواية مَن سمع منه بعد الاختلاط.
" فتح الباري " (12 / 384) .
ثانياً:
وما جاء في السؤال من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وهو فتى أو صغير: فممكن لكن بالشرط السابق وهو أن تكون هي صورته في سنِّه ذاك.
قال الحافظ ابن حجر:
وقوله " لا يستطيع " يشير إلى أن الله تعالى وإن أمكنه مِن التصور في أي صورة أراد؛ فإنه لم يمكنه من التصور في صورة النَّبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذهب إلى هذا جماعة، فقالوا في الحديث: إن محل ذلك إذا رآه الرائي على صورته التي كان عليها.
ومنهم مَن ضيَّق الغرض في ذلك حتى قال: لا بدَّ أن يراه على صورته التي قبض عليها حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة.
والصواب: التعميم في جميع حالاته بشرط أن تكون صورته الحقيقية في وقت ما، سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو آخر عمره.
" فتح الباري " (12 / 386) .
ثالثاً:
وإذا تبين هذا فإنه يمكن أن يأتي الشيطان للإنسان في منامه ويدَّعي أنه النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء على غير صفته الحقيقية التي خلقه الله عليها في جميع مراحل حياته.
ووجود صوت مثل الأصوات القديمة أو وجود رجال وسيمين أو وجود من يقول " محمد صلى الله عليه وسلم ": فكل ذلك ليس له علاقة برؤية النبي صلى الله عليه وسلم على الحقيقة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1124)
رأت في المنام أنها مع حبيبها , وأهلها يرفضون!!
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى صديقاتي تحب رجلاً منذ 4 أو 5 سنوات وقد استخارت قبل 7 أشهر وتكرر نفس الحلم:
رأت نفسها تمشي مع من تحب في حديقة مليئة بالأشجار الغليظة وهذه الأشجار مليئة بالزهور المتدلية وهما يمشيان على طريق من العشب، ثم تستيقظ وهي مرعوبة، رأت هذا الحلم حوالي الساعة 3 أو 4 صباحاً.
كما يبدو من الحلم بأن الزواج سيتم ولن يكون هناك مشاكل، ولكن أهلها رفضوا هذا الزواج.
ما معنى هذا الحلم؟ وهل رأته بسبب الاستخارة أم فقط بسبب التفكير بالشخص الذي تحبه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: أنصح الأخت أن تقرأ عن حكم الحب بين الرجل والمرأة في الإسلام من دون زواج (1114 , 20949)
ثانياً: الأحلام والرؤى على ثلاثة أقسام:
1- رحمانية: وهي من الله عز وجل يبشر بها عباده الصالحين في الحياة الدنيا بعد انقطاع الوحي.
2- شيطانية: يتسلط فيها الشيطان على ابن آدم ليحزن الذين آمنوا، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوقاية من شره، وأخبرنا أنها لا تضر المؤمن المتأدب بأدب النبوة (25768)
3- حديث النفس: وهو ما يراه النائم من خواطر وأفكار تعكس ما يجري له في حياته اليومية كما في السؤال الوارد.
والذي يظهر: أن الأخت متعلقة بهذا الرجل وتريد الزواج منه، ولكن لرفض أهلها هذا الزواج، فهي ترى نفسها في الحلم مع محبوبها كما تحب أن تراه حقيقة في حياتها.
ختاماً، أنصح الأخت الكريمة بتقوى الله عز وجل وطاعة والديها بالمعروف اللذين يفترض أن يكونا أحرص على اختيار الزوج المناسب لها من أهل الاستقامة والأمانة.
وكذلك سؤال الله عز وجل أن يرزقها زوجاً صالحاً تقر به عينها يوفق الله بينهما ويرزقهما ذرية صالحة تكون لهم عوناً في الدنيا وذخراً في الآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
د. خالد بن عوض بازيد استشاري الطب النفسي.(7/1125)
الرؤى والأحلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن يكون بإمكانكم مساعدتي في حيرتي، صليت الاستخارة قبل خمسة أيام، سألت الله إن كان باستطاعتي أن أحول رجلاً غير مسلم إلى مسلم وأن أُريه طريق الصواب لحبي للإسلام ولله، أنا مهووس بهذه الفكرة لأنها أمنيتي في الحياة ولو لمرة واحدة في حياتي لأني أحب الله كثيرا من كل قلبي. لقد سألت الله في صلاة الاستخارة إن كان حلمي سيتحقق وأيضا سألته الهداية لذلك.
لكن حلمت اليوم صباحا أني وابن عمي نقضي إجازتنا في فندق و (لا حول ولا قوة إلا بالله) وجدت أننا نمسك بخمر لونه أخضر وأننا مشتاقين لتذوقه وتذوقناه بالفعل (لا حول ولا قوة إلا بالله) . وبعد فترة قصيرة رأيت أخي الأكبر يدخل فخفت أنا وابن عمي جدا. ثم رأيت أختي الكبرى في سلوار أسود ويجري خلفها كلب بني اللون يجري خلفها.
عندما كنت أحلم كنت فعلا خائفاً وخفت أن أكون قد ارتكبت إثما وعندما استيقظت وكنت مستلقيا على الجهة اليسرى شعرت بالارتياح كونه مجرد حلم. كانت الساعة الخامسة والنصف وعندها كان علي الإسراع لصلاة الفجر وعندما كنت أصلي كنت سعيدا للغاية وشعرت بداخلي بإحساس جميل وأن هذا الشعور يؤكد لي أن الله معي ويعلم ما في نفسي. لم أشعر بهذا الإحساس من قبل ولا أعرف معنى ذلك، هل علي أن أستمع إلى الحلم أم إلى قلبي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أن ما يراه النائم في المنام ينقسم إلى قسمين:
1- الرؤى.
2- أضغاث الأحلام.
وأضغاث الأحلام تنقسم بدورها إلى قسمين كذلك:
1- تخويف الشيطان.
2- أحاديث النفس.
ويمكن أن يقال أن ما يراه النائم ينقسم إلى أقسام ثلاثة:
1- الرؤيا من الله.
2- تخويف الشيطان.
3- أحاديث النفس.
يدل على هذا التقسيم ما ثبت في صحيح مسلم برقم 2263 من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَالرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ:
فَالرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ
وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ
وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ ... ) .
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلاثٌ:
مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ، وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ، وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) صحيح سنن ابن ماجه 3155.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: (الرُّؤْيَا ثَلاثٌ: فَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا تُعْجِبُهُ فَلْيَقُصَّ إِنْ شَاءَ وَإِنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ وَلْيَقُمْ يُصَلِّي) صحيح سنن ابن ماجه 3154.
وإليك جملة من الأحاديث الصحيحة التي فيها إرشاد إلى أدب الرائي تجاه ما يراه في منامه:
1- عن أبي قتادة قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لا تَضُرُّهُ) رواه البخاري 3292.
2- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا أُعْرَى مِنْهَا غَيْرَ أَنِّي لا أُزَمَّلُ حَتَّى لَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ) رواه مسلم 2261.
3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَتَحَوَّلْ وَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْأَلِ اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا) . صحيح سنن ابن ماجه.
4- عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ) رواه مسلم 2262.
5- وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم الفرق بين الرؤيا وبين الحلم فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ) رواه البخاري 7045. فتبين أن الرؤيا الطيبة السارة من الله وأن الرؤيا السيئة التي يكرها الإنسان فإنها حلم من الشيطان فعليه أن يستعيذ من شرها.
6- عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ... فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ) رواه مسلم 2263.
7- عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ، فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: (لا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ) رواه مسلم 2268.
ويمكن أن يستخلص الإنسان أهم الآداب المتعلقة لمن رأى ما يكره في منامه من هذه الأحاديث فأهم الآداب:
1- أن يعلم أن هذا الحلم إنما هو من الشيطان يريد إحزانه فليرغم الشيطان ولا يلتفت إليه.
2- ليستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
3- ليستعذ بالله من شر هذه الرؤيا.
4- أن ينفث عن يساره ثلاثا، والمتأمل في روايات هذا الأدب من الأحاديث يلحظ أنه قد ورد الأمر بالنفث والتفل والبصق فلعل المراد أن ينفخ العبد مع شيء يسير من الريق.
5- أن لا يحدث بها أحدا.
6- أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه فإن كان على جنبه الأيسر تحول للأيمن والعكس بالعكس.
7- أن يقوم فيصلي.
فإن التزم العبد هذه الآداب فيُرجى له أن لا تضره هذه الرؤيا المكروهة كما ورد في النصوص والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1126)
يحلم بقريبه الميت يلاحقه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كان لي قريب يكرهني في حياته ولا يطيقني وكان يضربني وقد توفاه الله. . وفي هذه الأيام أحلم أحلاماً مزعجة، أراه يلاحقني أنا وابنتي الصغيرة لكني أهرب منه ولا يستطيع الإمساك بي، أرجو إرشادي إلى ما يريحني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الرؤيا وأشباهها من المرائي المكروهة من الشيطان، والمشروع للمسلم إذا رأى ما يكره أن ينفث عن يساره ثلاث مرات، وأن يتعوذ بالله من الشيطان، ومن شر ما رأى (ثلاث مرات) ثم ينقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يكره فلينفث عن يساره ثلاث مرات، وليتعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى ثلاث مرات ثم لينقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحداً، وإذا رأى ما يحب فليحمد الله، وليخبر بها من يحب)
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/359.(7/1127)
آداب الرؤى وتفسير الأحلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شيئا عن تفسير الأحلام في الإسلام..... لديّ كتاب لابن سيرين وأريد معلومات إضافية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. الرؤيا الصادقة وهي من أجزاء النبوة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. (البخاري 6472 ومسلم 4201)
2. والرؤيا مبدأ الوحي. (البخاري 3 وسلم 231)
3. وصدقها بحسب صدق الرائي، وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا. (مسلم 4200)
4. وهي عند اقتراب الزمان لا تكاد تخطىء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لبعد العهد بالنبوة وآثارها فيكون للمؤمنين شيء من العوض بالرؤيا التي فيها بشارة لهم أو تصبير وتثبيت على الدّين. (البخاري 6499 وسلم 4200)
ونظير هذا الكرامات التي ظهرت بعد عصر الصحابة ولم تظهر عليهم لاستغنائهم عنها بقوة إيمانهم واحتياج من بعدهم إليها لضعف إيمانهم.
5. والأحلام ثلاثة أنواع منها رحماني ومنها نفساني ومنها شيطاني وقال النبي صلى الله عليه وسلم "الرؤيا ثلاثة رؤيا من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث به الرجل نفسه في اليقظة فيراه في المنام". (البخاري 6499 ومسلم 4200)
6. ورؤيا الأنبياء وحي فإنها معصومة من الشيطان وهذا باتفاق الأمة ولهذا أقدم الخليل على تنفيذ أمر الله له في المنام بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام.
7. وأما رؤيا غير الأنبياء فتُعرض على الوحي الصريح فإن وافقته وإلا لم يعمل بها. وهذا مسألة خطيرة جدا ضلّ بها كثير من المُبتدعة من الصوفية وغيرهم.
8. ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحرّ الصدق وأكل الحلال والمحافظة على الأمر الشرعي واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم وينام على طهارة كاملة مستقبل القبلة ويذكر الله حتى تغلبه عيناه فإن رؤياه لا تكاد تكذب البتة.
9. وأصدق الرؤى رؤى الأسحار فإنه وقت النزول الإلهي واقتراب الرحمة والمغفرة وسكون الشياطين وعكسه رؤيا العَتَمة عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية.
انظر لما سبق " مدارج السالكين " (1 / 50 - 52) .
وقال الحافظ ابن حجر:
10. جميع المرائي تنحصر على قسمين:
أ. الصادقة، وهي رؤيا الأنبياء ومَن تبعهم مِن الصالحين، وقد تقع لغيرهم بندور (أي نادرا كالرؤيا الصحيحة التي رآها الملك الكافر وعبّرها له النبي يوسف عليه السلام) والرؤيا الصّادقة هي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم.
ب. والأضغاث وهي لا تنذر بشيء، وهي أنواع:
الأول: تلاعب الشيطان ليحزن الرائي كأن يرى أنه قطع رأسه وهو يتبعه، أو رأى أنه واقع في هَوْل ولا يجد من ينجده، ونحو ذلك.
والثاني: أن يرى أن بعض الملائكة تأمره أن يفعل المحرمات مثلا، ونحوه من المحال عقلاً.
الثالث: أن يرى ما تتحدث به نفسه في اليقظة أو يتمناه فيراه كما هو في المنام، وكذا رؤية ما جرت به عادته في اليقظة، أو ما يغلب على مزاجه ويقع عن المستقبل غالبا وعن الحال كثيراً وعن الماضي قليلاً.
انظر: " فتح الباري " (12 / 352 - 354) .
11. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها: فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره: فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره ". رواه البخاري (6584) ومسلم (5862) .
- وعن أبي قتادة قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الرؤيا الصالحة من الله، والحلُم من الشيطان، فمَن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا وليتعوذ من الشيطان فإنها لا تضره".
رواه البخاري (6594) ومسلم (5862) .
والنفث: نفخ لطيف لا ريق معه.
- وعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ".
رواه مسلم (5864) .
قال ابن حجر: فحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا الصالحة ثلاثة أشياء:
أ. أن يحمد الله عليها.
ب. وأن يستبشر بها.
ج. وأن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره.
وحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا المكروهة أربعة أشياء:
أ. أن يتعوذ بالله من شرها.
ب. ومن شر الشيطان.
ج. وأن يتفل حين يهب من نومه عن يساره ثلاثا.
د. ولا يذكرها لأحد أصلاً.
هـ. ووقع (في البخاري) في باب القيد في المنام عن أبي هريرة خامسة وهي الصلاة ولفظه فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصّه على أحد وليقم فليصلّ ووصله الإمام مسلم في صحيحه.
و. وزاد مسلم سادسة وهي: التحول من جنبه الذي كان عليه.....
وفي الجملة فتكمل الآداب ستة، الأربعة الماضية، وصلاة ركعتين مثلا والتحوّل عن جنبه إلى النوم على ظهره مثلا.
انظر: " فتح الباري " (12 / 370) .
21. وفي حديث أبي رزين عند الترمذي ولا يقصها إلا على وادّ بتشديد الدال اسم فاعل من الوُدّ أو ذي رأي وفي أخرى ولا يحدِّث بها إلا لبيبا أو حبيبا وفي أخرى ولا يقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح قال القاضي أبو بكر بن العربي أما العالم فإنه يؤولها له على الخير مهما أمكنه وأما الناصح فإنه يرشده إلى ما ينفعه ويعينه عليه وأما اللبيب وهو العارف بتأويلها فإنه يعْلِمه بما يعوّل عليه في ذلك أو يسكت وأما الحبيب فان عرف خيرا قاله وإن جهل أو شك سكت.
انظر: " فتح الباري " (12 / 369) .
قال الإمام البغوي:
13. واعلم أن تأويل الرؤيا ينقسم أقساماً، فقد يكون بدلالة من جهة الكتاب، أو من جهة السنة، أو من الأمثال السائرة بين الناس، وقد يقع التأويل على الأسماء والمعاني، وقد يقع على الضد والقَلْب (أي العكس) . أ. هـ " شرح السنة " (12 / 220) .
قلت: وذكر رحمه الله أمثلة، ومنها:
= فالتأويل بدلالة القرآن: كالحَبْل، يعبَّر بالعهد، لقوله تعالى {واعتصموا بحبل الله} .
= والتأويل بدلالة السنة: كالغراب يعبر بالرجل الفاسق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه فاسقاً.
= والتأويل بالأمثال: كحفر الحفرة يعبَّر بالمكر، لقولهم: من حفر حفرة وقع فيها.
= والتأويل بالأسماء: كمن رأى رجلا يسمى راشداً يعبَّر بالرُشْد.
= والتأويل بالضد والقلب: كالخوف يعبر بالأمن لقوله تعالى {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً} .
14. أما كتاب " تفسير المنام " المنسوب لابن سيرين: فقد شكك كثير من الباحثين في نسبته إليه، وعليه: فلا يجزم بتلك النسبة لهذا الإمام العلَم. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1128)
سُبل الوقاية من الكوابيس والمنامات المزعجة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نتخلص من المنامات المزعجة (الكوابيس) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. ما يراه النائم في منامه مما يزعجه ويؤرقه إنما هو من الشيطان، وما يراه النائم عموما لا يعدو أن يكون رؤيا صالحة وهي من الله، وحديث نفْس وهو ما كان يخطر على قلبه ويفكر فيه بعقله، والثالث حُلُم وهو من الشيطان.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاثة فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه … ". رواه مسلم (2263) .
2. وقد دلَّنا النبي صلى الله عليه وسلم على ما نتخلص به من تأثير الشيطان أثناء النوم، ويكون ذلك بقراءة آيات من القرآن والأدعية المأثورة قبل النوم.
أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكَّلني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذتُه فقلت: لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم … فقال: إذا أويتَ إلى فراشكَ فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صدقك وهو كذوب ذاك شيطان ". رواه البخاري (3101) .
ب. عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الآيتان مِن آخر سورة البقرة مَن قرأهما في ليلة كفتاه ". رواه البخاري (3786) ومسلم (807) .
قال النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم: " الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه " قيل: معناه كفتاه من قيام الليل، وقيل: من الشيطان، وقيل: من الآفات.
ويحتمل: من الجميع.
" شرح مسلم " (6 / 91، 92) .
ج. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ {قل هو الله أحد} وبالمعوذتين جميعاً، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغتْ يداه مِن جسده، قالت عائشة: فلمَّا اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به. رواه البخاري (5416) ومسلم (2192) .
د. عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر. رواه مسلم (2713) .
هـ. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو بكر: يا رسول الله مُرني بشيءٍ أقوله إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ، قال: قل " اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شرِّ نفسي ومِن شرِّ الشيطان وشِركه " قال: قُله إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ وإذا أخذتَ مضجعك.
رواه الترمذي (3392) وأبو داود (5067) .
3. كما دلَّنا النبي صلى الله عليه وسلم على ما نفعله إذا رأى الإنسان في نومه ما يكرهه فقام على إثره، وهي: التفل عن اليسار، والتعوذ من الشيطان، وتغيير الجنب، والصلاة إن شاء.
أ. عن أبي قتادة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الرؤيا الصالحة من الله والحُلُم من الشيطان، فإذا حَلَمَ أحدكم حُلُماً يخافه فليبصق عن يساره، وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره ". رواه البخاري (3118) ومسلم (2261) .
ب. وعن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه".
رواه مسلم (2262) .
ج. عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ".. فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس ".
رواه مسلم (2263) .
فيرجى إن التزم المسلم ما وصَّى به النبي صلى الله عليه قبل النوم أن لا يقربه شيطان.
وإذا التزم ما وصَّى به عند فزعه واستيقاظه أن يزول عنه الهم والغم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1129)
وقع في حب فتاة وله علاقة معها ويريد الاحتفال بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[لي علاقة رومانسية مع فتاة أُحبها كثيراً، وكذلك أرجو من الله أن نتزوج قريباً إن شآء الله. وسؤالي هو: لنا في التاريخ يوم محدد ويوافق هذااليوم 15من شهر رمضان المبارك في كل سنة، نسميه (يوم فرحنا وحبّنا) ، فهل لنا أن نحتفل بهذا اليوم كيوم فرح، اعتباراً ليوم البركة..!!؟ وهل لنا أن نطلب من المد عوين بالحفلة أن يدعو الله لنا ليجمعنا بالخير والسعادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنك تسأل عن حكم احتفالكم بذلك العيد؛ ألا سألت يا عبد الله عن حكم علاقتك (الرومانسية) بفتاة أجنبية عنك؟!
فهذا هو المنكر الأساس في أمرك يا عبد الله؛ تلك العلاقة المحرمة بقتاة أجنبية عنك، وسوف تبقى أجنية عنك، وسوف يبقى تعلقك بها محرما: حتى تكون زوجا لك؛ فلا يحل لك الخلوة بها، ولا مخالطتها، ولا النظر إليها، أو التمتع بحديثها، فهي أجنبية عنك، أيها الرجل. فاتق الله في نفسك ودينك، ولا تخدعن نفسك بأوهام الفرح والبركة..!!
أي فرح، وأية بركة، وأنت متلبس بمعصية الله، أنت وفتاتك.
وينظر: جواب السؤال رقم (47405) ، ورقم (59907) ، وفي قسم "العلاقة بين الجنسين" من الموقع أجوبة كثيرة حول ذلك.
فإذا عرفت أن هذه العلاقة الرومانسية، بفتاة أجنبية عنك: هي علاقة محرمة من الأصل، فكل ما بني على باطل فهو باطل مثله!!
بل نزيدك ونقول: لو كانت علاقة الحب التي تتحدث عنها بزوجتك الحلال: لكان الاحتفال بهذا اليوم الذي تسأل عنه: بدعة منكرة؛ فليس لنا عيد إلا: عيد الفطر وعيد الأضحى، وعيدنا الأسبوعي: يوم الجمعة.
اشغل نفسك بدلا من عيد الحب، بالتعجيل بزواجك، إن كنت قد تعلقت نفسك بها، وكانت تصلح لك زوجة مسلمة، تقيم معك أمر الله.
نسأل الله أن يجنبنا وإياكم الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
وانظر حول الاحتفال بعيد الحب جواب السؤال رقم (73007) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1130)
صوت المرأة في أعمال الجرافيك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في مجال الجرافيك والرسوم المتحركة والإعلانات للأطفال والكبار أيضا، وهو مجال الجرافيك ثلاثي الأبعاد، وفي هذا المجال يتم عمل بعض التحريك للفم يدويا لشخصيات بواسطه برنامج معين على الكمبيوتر، ثم يتم بعد ذلك تركيب أصوات بشرية للرجال أو للنساء على حركات الفم حسب الشخصية التي عليها العمل، وأحيانا يكون هناك أصوات للنساء بشيء من النعومة أو الضحك مثلا، بجانب النبرة العادية للصوت. وسؤالي هنا: هل يمنع هنا العمل في هذه الأعمال على أساس أن صوت المرأة عورة وأنه يجب خلو أي عمل من صوت المرأة الذي به ضحك أو نعومة في الحديث مهما كان السبب وراء هذا العمل حتى لو كان فيه استفاده للمشاهد من وراءه وحتى لو كان للاطفال وممكن أن يشاهده الكبار ايضا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف العلماء في حكم التصوير الفوتوغرافي؛ فذهب بعض أهل العلم إلى تحريمه، واستدل بعموم الأحاديث الواردة في تحريم التصوير، وتحريم مضاهاة خلق الله.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز التصوير الفوتوغرافي، وأنه ليس من مضاهاة خلق الله، بل هو حبس لصورة المرئي، كما تنعكس هذه الصورة في المرآة ونحوها.
ومن رخص في التصوير الفوتوغرافي اشترط لجوازه ألا يتدخل المصور في تغيير ملامح الصورة عن وضعها الأصلي بشيء، وإنما تبقى على حالها.
وينظر جواب السؤال رقم (82366) .
وأما الرسوم المتحركة فقد سبق ـ أيضا ـ بيان ترخيص بعض أهل العلم فيها، وأنها ليست من الصور المحرمة، خاصة ما ينتج منها للأطفال، لورود الرخصة في لعب الأطفال بالعرائس ونحوها.
وينظر جواب السؤال رقم (71170) .
ثانيا:
اختلف العلماء في حكم صوت المرأة: هل هو عورة أولا؟
والقول الراجح في ذلك أن صوت المرأة ليس بعورة في ذاته، وإنما تمنع المرأة منه عن الرجال الأجانب، ويمنع الرجال من استماعه: إذا كان على وجه يحصل به فتنة وتلذذ، وإخراج له عن طبيعته، أو تبسط وضحك ونحو ذلك مما يكون سببا للفتنة.
جاء في الموسوعة الفقهية:
" إنْ كَانَ صَوْتَ امْرَأَةٍ، فَإِنْ كَانَ السَّامِعُ يَتَلَذَّذُ بِهِ، أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فِتْنَةً حَرُمَ عَلَيْهِ اسْتِمَاعُهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَحْرُمُ، وَيُحْمَل اسْتِمَاعُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَصْوَاتَ النِّسَاءِ حِينَ مُحَادَثَتِهِنَّ عَلَى هَذَا، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَرْخِيمُ الصَّوْتِ وَتَنْغِيمُهُ وَتَلْيِينُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ إثَارَةِ الْفِتْنَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْل فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} " انتهى.
"الموسوعة الفقيهة الكويتية" (4/90) .
وينظر جواب السؤال رقم (26304) ، ورقم (1121) .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" تحدث المرأة مع صاحب المتجر التحدث الذي بقدر الحاجة وليس فيه فتنة لا بأس به، كانت النساء تكلم الرجال في الحاجات والأمور التي لا فتنة فيها وفي حدود الحاجة.
أما إذا كان مصحوبًا بضحك أو بمباسطة أو بصوت فاتن؛ فهذا محرم لا يجوز.
يقول الله سبحانه وتعالى لأزواج نبيه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [سورة الأحزاب: آية 32] ، والقول المعروف ما يعرفه الناس وبقدر الحاجة، أما ما زاد عن ذلك؛ بأن كان على طريق الضحك والمباسطة، أو بصوت فاتن، أو غير ذلك، أو أن تكشف وجهها أمامه، أو تكشف ذراعيها، أو كفيها؛ فهذه كلها محرمات ومنكرات ومن أسباب الفتنة ومن أسباب الوقوع في الفاحشة " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان".
وبناء على ذلك: فلا يجوز تركيب صوت فيه خضوع بالقول، من نعومة أو ضحك أو نحو ذلك، لما يترتب عليه من الفتنة والفساد.
ويترجح جانب المنع أكثر: إذا كان الصوت لامرأة معروفة، يمكن لمن سمعه أن يميز صاحبته، أو كانت الصورة ـ أيضا ـ لامرأة معينة، فمثل ذلك تقوى الفتنة به، ويفتح باب الفتنة بهذه المرأة والتعلق بها. مع ما فيه من التدليس بتركيب الصوت على صورة ليست لصاحبته.
وبالإمكان أن تتحقق الفائدة المرجوة، إن شاء الله، بدون الوقوع في شيء من هذه المحظورات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1131)
هل يجوز تصوير الطلبة والطالبات صورة جماعية للذكرى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في أن يتجمع شباب من الجنسين من أبناء كلية واحدة لأخذ صورة جماعية للذكرى مع العلم أنها من التقاليد الموجودة في الكلية ويرى الكثير أنها غير مخالفة للدين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلاط الشباب بالشابات في المدارس والكليات والجامعات وأماكن العمل ووسائل المواصلات.... إلخ من أعظم أسباب الفساد، التي تفضي إلى انتشار الرذيلة، وانعدام الحياء.
قال ابن القيم رحمه الله:
"ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر , وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة , كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا , وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.
فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعا لذلك " انتهى مختصرا.
"الطرق الحكمية" (ص 407-408) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"اختلاط الرجال والنساء في التعليم حرام ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة وانتشار الفساد وانتهاك المحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشر والفساد الخلقي لهو من أوضح الدلائل على تحريمه " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12 / 181-182) .
والواجب على من ابتلي بالدراسة في الجامعات المختلطة أن يتقي الله عز وجل ويغض بصره، وأن لا يصاحب الطالبات، وأن ينشغل بنفسه وأمر دراسته، ولو أمكنه التحول من هذه الكلية المختلطة إلى كلية منضبطة لا اختلاط فيها فهو أتقى لربه، وأحفظ لدينه.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" الطالب في الجامعات والمدارس المختلطة يجب عليه أن يحذر ذلك (يعني الاختلاط) وأن يلتمس مدرسة وجامعة غير مختلطة ; لأن وجود الشباب بجوار الفتيات وسيلة لشر عظيم , وفساد كبير , والواجب على المؤمن عند الابتلاء بهذه الأمور أن يتقي الله حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا , وأن يغض بصره , ويحذر من النظر إليها أو إلى محاسنها ومفاتنها , بل يلقي بصره إلى الأرض , ولا ينظر إليها , ومتى صادف شيئا من ذلك غض بصره " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (5 / 313) .
وانظر أدلة تحريم الاختلاط مستوفاة في إجابة السؤال رقم: (1200) .
ثانيا:
يحرم تصوير ذوات الأرواح، سواء كان إنسانا أو حيوانا أو طائرا، ولا فرق بين أن يكون ذلك بالنحت أو الرسم على الثوب أو الورق أو كان بالتصوير الشمسي والفوتوغرافي، ويستثني من ذلك ما يباح للحاجة أو الضرورة.
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ) متفق عليه.
وعَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ) متفق عليه.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1 / 666) :
" لا يجوز تصوير ذوات الأرواح بالكاميرا أو غيرها من آلات التصوير، ولا اقتناء صور ذوات الأرواح ولا الإبقاء عليها إلا لضرورة كالصور التي تكون بالتابعية أو جواز السفر، فيجوز تصويرها والإبقاء عليها للضرورة إليها " انتهى.
وجاء فيها أيضا (1 / 671) :
" تصوير ذات الأرواح بالكاميرا وغيرها حرام، وعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله ويستغفره ويندم على ما حصل منه ولا يعود إليه " انتهى.
وللاستزادة: راجع جواب السؤال رقم (22660) ، (8954) .
ويتأكد التحريم حينما تكون صورا لطلبة وطالبات، والطالبات في كامل زينتهن، وقد أمر الله تعالى المؤمنين بغض البصر فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) النور/30، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يصرف بصره عن المرأة الأجنبية عنه، فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي) رواه مسلم (2159) .
قال النووي رحمه الله:
" (الْفُجَاءَة) وَيُقَال: (الْفَجْأَة) هِيَ الْبَغْتَة.
وَمَعْنَى نَظَر الْفَجْأَة: أَنْ يَقَع بَصَره عَلَى الْأَجْنَبِيَّة مِنْ غَيْر قَصْد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِي أَوَّل ذَلِكَ , وَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِف بَصَره فِي الْحَال , فَإِنْ صَرَفَ فِي الْحَال فَلَا إِثْم عَلَيْهِ , وَإِنْ اِسْتَدَامَ النَّظَر أَثِمَ لِهَذَا الْحَدِيث , فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِف بَصَره مَعَ قَوْله تَعَالَى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) " انتهى.
فعلى هذا، لا يجوز التقاط مثل هذه الصورة ولا الاحتفاظ بها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1132)
هل يجوز لوالدها منعها من المسجد لرفضها الدراسة المختلطة في الجامعة ببلاد الغرب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لوالدي الحق في أن يمنعني من الذهاب إلى المسجد للتدريس وحضور المحاضرات بسبب أني رفضت إكمال دراستي الجامعية في مكان مختلط هنا في إحدى جامعات الغرب؟ يقوم بفعل ذلك كوسيلة ضغط لأعاود دراستي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن طاعة الوالدين وبرهما من أعظم القربات، قال الله عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء/23.
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . متفق عليه.
إلا أن طاعة الوالدين إنما تكون إذا أمرا بمعروف، لا منكر.
روى الإمام أحمد (1098) عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) صححه الألباني في "الصحيحة" (179) وأصله في الصحيحين، ولفظه: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) .
قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله:
"أجمع العلماء على أن من أمر بمنكر لا تلزم طاعته، قال الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) " انتهى.
"التمهيد" (23 / 277)
والدراسة في بلاد الغرب في جامعة مختلطة ليست من المعروف الذي يجب أن يطاع فيه الوالدان، وإنما هي من المنكر الذي يجب عدم طاعتهما فيه، ولكن بسلوك طريق الأدب والرفق والحرص على عدم السخط والغضب.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل يجوز للأخوات أن يدخلن ويتعلمن في المدارس والجامعات المختلطة، حيث لا يوجد في بلاد الغرب إلا التعليم المختلط، ولكن الأخوات يلتزمن بالزي الإسلامي مع مضايقات الكفار؟
فأجابوا:
"اختلاط الرجال والنساء في التعليم حرام ومنكر عظيم؛ فما فيه من الفتنة وانتشار الفساد وانتهاك المحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشر والفساد الخلقي لهو من أوضح الدلائل على تحريمه، وإذا انضاف إلى ذلك كونه في بلاد الكفار كان أشد حرمة ومنعا، وتعلم المرأة بالمدارس والجامعات ليس من الضرورات التي تستباح بها المحرمات، وعليها أن تتعلم بالطرق السليمة البعيدة عن الفتن " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12 / 181-182) .
وسئلوا أيضاً: ما حكم الإسلام في خروج المرأة لتعلم العلم الدنيوي، مع أنها تتحمل في هذا الخروج بعض المعاصي مثل: خلع النقاب، والاختلاط بالرجال، وتضيع الوقت فيما لا ينفع. مع العلم أن والدي يأمرني بالذهاب إلى الجامعة، فلما أصريت على عدم الذهاب غضبوا علي غضبا شديدا جدا، فهل علي أن أطيعهم في هذا الأمر؟ وإذا لم أطعهما فهل في هذه الحالة أأثم؟ فأجابوا:
"خلع الحجاب محرم، والاختلاط بالرجال في التعليم محرم، ولا تجب طاعة الوالدين في معصية الله تعالى، ولا إثم عليك في ذلك" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (17 / 262) .
ثانياً:
لا يجوز لولي المرأة أن يمنعها من الخروج إلى المسجد، ما دامت تخرج ملتزمة بالآداب والأحكام الشرعية، ولا يترتب على خروجها مفسدة أو فتنة، وذلك لما رواه البخاري (900) ومسلم (442) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ) .
ويتأكد هذا النهي إذا كان الأب إنما يمنع ابنته عقاباً لها على فرارها من معصية الله (كالتعليم الجامعي المختلط في بلاد الغرب) .
فهذا عقاب لها على أنها أطاعت الله تعالى، وهذا لا شك أنه لا يجوز.
والذي ننصحك به هو الرفق، ومعالجة الأمر بالحكمة والموعظة الحسنة، مع كمال حسن الأدب حين التحدث إليه، ولا بأس من الاستعانة بمن يمكنه أن يجلي للوالد حقائق الأمور، ويبصره بحكم الشريعة في مثل تلك القضايا، ويذكره بالله تعالى، من أهل النصح والعقل ممن يمكن للوالد تقبل نصحه وكلامه.
والله يسددكم ويرعاكم ويحفظكم من كل سوء، إنه سميع قريب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1133)
هل يجوز للمرأة المنتقبة أن تكون معلمة وداعية في قناة فضائية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ظهور المرأة على القنوات الفضائية لإعطاء الدروس، كما يحدث الآن في إحدى القنوات الفضائية الإسلامية، علماً بأنها تكون بكامل حجابها – أي: منقبة -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
القنوات الفضائية الإسلامية الجادة لا شك أنها وسيلة نافعة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى , وليست كل قناة تدعي أنها إسلامية فهي كذلك؛ لأن منها ما تجاوز الحد في كثرة المخالفات الشرعية، كظهور النساء في برامج مع الرجال، والصدح بالمعازف، وبعضها أدخل التمثيليات والمسلسلات العربية، وغير ذلك من المنكرات.
ثانياً:
لا بأس أن تقوم المرأة بالدعوة إلى الله تعالى، والتعليم، وتدريس القرآن، لكن على أن يتم ذلك في بنات جنسها، وهناك ضوابط ينبغي توفرها، فلينظر – للوقوف عليها - جواب السؤال رقم: (117074) .
ثالثاً:
الأصل في التصدي لتعليم أحكام الشرع أن يكون الرجل هو المعلِّم، لما جعل الله تعالى له من القيام بمنصب إمامة الناس، والقضاء، وغير ذلك، ولهذا لم يرسل الله تعالى رسولاً إلا رجلاً، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) يوسف/109، لأن الرجل أقدر على القيام بالدعوة إلى الله وتحمل المشاق في سبيل ذلك.
وخروج المرأة على القنوات الفضائية لدعوة عموم الناس: مخالف للأدلة الشرعية، ومخالف لهدي أمهات المؤمنين وهن خير نساء الأمة، رضي الله عنهن.
أما مخالفة ذلك للأدلة الشرعية؛ فقد أمر الله تعالى النساء بالبقاء في البيوت، فقال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب/33، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المرأة في بيتها خيراً لها من صلاتها في مسجد الكعبة، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبروزها للدعوة ليراها الملايين مخالف لذلك.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) رواه أبو داود (567) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله:
(وبيوتهن خير لهن) : أي: صلاتهن في بيوتهن خير لهن من صلاتهن في المساجد لو علمن ذلك , لكنهن لم يعلمن، فيسألن الخروج إلى المساجد، ويعتقدن أن أجرهن في المساجد أكثر، ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل: الأمن من الفتنة , ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج، والزينة.
"عون المعبود" (2/193) .
ولتطبق المرأة ذلك على تعليمها للنساء، فيكون ذلك في بيتها، فإن لم يمكن: ففي بيت غيرها من النساء، ولا يكون ذلك في المسجد، لأنه مكان تجمع الرجال في الغالب، فمن باب أولى وأحرى ألا يكون ذلك على قناة فضائية يراها الرجال كما تراها النساء.
ولهذا لما طلبت النساء من النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يعلمهن فيه، فواعدهن في بيتٍ يأتيهن فيه، ولم يواعدهن في المسجد! ولهذا أنكر الشيخ الألباني رحمه الله ما تفعله بعض الداعيات من تجميع النساء في المساجد، فكيف يكون الأمر لو كان خروج تلك الداعية في "مقر فضائية" يعج بالرجال؟!
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه جَاءَ نِسْوَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقْدِرُ عَلَيْكَ فِي مَجْلِسِكَ مِنْ الرِّجَالِ، فَوَاعِدْنَا مِنْكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ. قَالَ: مَوْعِدُكُنَّ بَيْتُ فُلَانٍ، وَأَتَاهُنَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلِذَلِكَ الْمَوْعِدِ. رواه أحمد (12/ 313) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2680) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
"وأمَّا ما شاع هنا في دمشق في الآونة الأخيرة من ارتياد النساء للمساجد في أوقات معينة ليسمَعْن درساً من إحداه، ممن يتسمَّون بـ " الداعيات " زعمن! : فذلك من الأمور المحدثة، التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد السلف الصالح، وإنما المعهود أن يتولى تعليمهن العلماء الصالحون، في مكان خاص، كما في هذا الحديث، أو في درس الرجال حجزة عنهم في المسجد إذا أمكن، وإلا غلبهن الرجال، ولم يتمكنَّ من العلم، والسؤال عنه، فإن وجد في النساء اليوم من أوتيت شيئاً من العلم، والفقه السليم المستقى من الكتاب والسنَّة: فلا بأس من أن تعقد لهن مجلساً خاصّاً، في بيتها، أو بيت إحداهن، ذلك خير لهن، كيف لا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الجماعة في المسجد: (وبيوتهن خير لهن) ؟! ، فإذا كان الأمر هكذا في الصلاة التي تضطر المرأة المسلمة أن تلتزم فيها من الأدب والحشمة ما لا تكثر منه خارجها، فكيف لا يكون العلم في البيوت أولى لهن؟! لا سيما وبعضهن ترفع صوتها، وقد يشترك معها غيرها، فيكون لهن دوي في المسجد قبيح ذميم، وهذا مما سمعناه، وشاهدناه، مع الأسف.
ثم رأيت هذه المحدَثة قد تعدت إلى بعض البلاد الأخرى، كعمَّان، مثلا، نسأل الله السلامة من كل بدعة محدثة" انتهى.
"السلسلة الصحيحة" (6/179) .
ويمكننا هنا أن نذكر بعض المحاذير والمخالفات الشرعية التي تؤدي إليها خروج المرأة في الفضائيات ولو كانت ترتدي النقاب:
1. أنه يلزم من ظهورها في الفضائيات: خروجها من بيتها، وتعرضها للاختلاط مع الرجال , من مصور، ومخرج للبرنامج، وغيرهم , ممن لهم دور في إخراج حلقات برنامجها , وهذا بحد ذاته اختلاط قبيح؛ إذ فيه محادثة، واقتراب أجساد، وهو مناف للأصل الشرعي وهو قرار المرأة في بيتها، وبعدها عن أماكن وجود الرجال.
2. أن في خروجها في الفضائيات أو أجهزة الإعلام سماع مئات الآلاف أو الملايين من الرجال صوتها من غير حاجة، وهذا لا يمكن أن يقول بجوازه عالم، فإن العلماء اختلفوا في صوت المرأة هل هو عورة أم لا؟ ولكنهم لا يختلفون أنها لا ترفع صوتها حتى يسمعها الرجال الأجانب عنها بلا حاجة، وقد منعها الرسول صلى الله عليه وسلم من تنبيه الإمام في الصلاة إذا أخطأ بالقول، وإنما تصفق، فقال صلى الله عليه وسلم: (التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) رواه البخاري (1204) ومسلم (421) .
وقد منع العلماء المرأة أن ترفع صوتها بالتلبية في الحج أو العمرة، حتى لا يسمعها الرجال الأجانب عنها.
قال ابن عقيل رحمه الله: يكره سماع صوتها بلا حاجة.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: سماع صوت المرأة مكروه.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: ينبغي للمرأة أن تخفض صوتها إذا كانت في قراءتها إذا قرأت بالليل.
انظر: "الإنصاف" (8/31) .
3. في ظهورها على الفضائيات: تعريضها للسخرية، والاستهزاء بها خاصة، وبعموم المنتقبات عامة، وسيكون برنامجها وقتاً للتسلية للمستهزئين بالشرع.
4. عدم تناسب بعض البرامج مع النقاب، كمن تدرس التجويد وهي بنقابها، وهي محتاجة في تدريسها لإظهار الشفتين، واللسان، حتى يتعلم النساء طريقة النطق الصحيحة، فصار تدريسها لذلك العلم غير مؤدٍ لمقصوده.
5. هناك ضعف واضح في أولئك النسوة في التعليم، كما هو مشاهَد، والرجال بلا شك أقدر على القيام بالتعليم منهن.
6. يُخشى أن يكون هذا مقدمةً للتنازل عن النقاب، والمسلم مأمور بالابتعاد عن مواطن الفتنة. 7. الزعم بأن المرأة أعلم بمشكلاتها، وأقدر على طرح قضاياها: غير صحيح، فقد ثبت أن الرجل هو الأقدر على ذلك، والأعلم؛ لمخالطته لصنوف من الناس، ووقوفه على ما لم تقف عليه المرأة، ثم لو فرض أنها الأعلم بمشكلاتها، والأقدر على طرح قضاياها: فليست هي الأقدر على حلها، وهذا مشاهد، ومعلوم.
8. ليس هناك داعٍ لتقديم رسالة للغرب أن المرأة عندنا لها مكانتها، وأنها تشارك الرجال في أعمالهم، فالغرب لن يرضى بمتحجبة، فضلاً عن منتقبة، وإنما نقدم رسالة الإسلام للغرب بما عليه المسلمات من العفاف، والحشمة.
فلما سبق: نرى عدم جواز خروج المرأة في قناة فضائية، ولو كانت بحجابها الكامل، ولو لم يكن في عملهن إلا الاختلاط بالرجال لكان كافياً في منعه، فكيف وقد انضاف إلى ذلك أشياء أُخَر؟! .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1134)
هل تلبس الحجاب أمام أخي زوجها المريض عقلياً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أعيش مع عائلة مشتركة تتكون من زوجي ووالديه وأخويه والذي يعاني أحدهما من تأخر في النمو العقلي، وهو لا يعمل ولا يشارك في أية أنشطة معقدة بل يقضي معظم الوقت في البيت، وأنا أدرك أن زوجي وأخاه يتوجب عليهما مراعاته لبقية حياته. وسؤالي: هو هل يجب علي أن ارتدى كامل ملابسي أمام هذا الأخ المريض أم لا؟ وهل يمكنكم إخباري بالأحكام العامة والحدود الإسلامية التي يجب مراعاتها عند العيش مع عائلة مشتركة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المرأة ستر جميع بدنها عن الرجال الأجانب، ويدخل في ذلك الوجه والكفان على الراجح من قولي العلماء، وينظر: سؤال رقم (11774) .
وإخوان الزوج وأقاربه – غير آبائه وأبنائه – هم أجانب عنها، يلزمها الستر أمامهم، بل يتأكد ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ الله، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ) رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) .
قال الليث بن سعد: الحمو: أخ الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَمو الْمَوْت) فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْف مِنْهُ أَكْثَر مِنْ غَيْره , وَالشَّرّ يُتَوَقَّع مِنْهُ , وَالْفِتْنَة أَكْثَر لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُول إِلَى الْمَرْأَة وَالْخَلْوَة مِنْ غَيْر أَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ , بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيّ. وَالْمُرَاد بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ. فَأَمَّا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء فَمَحَارِم لِزَوْجَتِهِ تَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا , وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ , وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْأَخ , وَابْن الْأَخ , وَالْعَمّ , وَابْنه , وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ. وَعَادَة النَّاس الْمُسَاهَلَة فِيهِ , وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ , فَهَذَا هُوَ الْمَوْت , وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ " انتهى.
وعليه؛ فإذا كنت تعيشين مع عائلة زوجك فإن عليك ارتداء الحجاب أمام إخوانه وأبنائهم، مع تجنب الخلوة بواحد منهم، وتجنب استعمال الطيب في وجودهم.
وليس لك أن تصافحي من هو أجنبي عنك، ولك أن تتحدثي إليهم عند الحاجة دون خضوع بالقول، كما قال تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأحزاب/32.
ثانياً:
إذا كان أخو الزوج مصاباً بتأخر عقلي بحيث لا يدرك أمور النساء ولا يميل إليهن وليست له شهوة، فإنه يكون من (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ) فتكشف المرأة أمامه ما تكشفه لمحارمها، وهو ما يظهر منها غالباً كالرأس والوجه والذراعين والقدمين.
وإن كان يفطن لأمور النساء ويميل إليهن، فهو كغيره من الرجال، يلزم التحجب أمامه.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ومن ذهبت شهوته من الرجال لكِبَر، أو عُنّةٍ، أو مرض لا يُرجى برؤه، والخصيّ..، والمخنث الذي لا شهوة له، فحكمه حكم ذوي المحرم في النظر، لقوله تعالى: (أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ) ، أي: غير أولي الحاجة إلى النساء، وقال ابن عباس: هو الذي لا تستحي منه النساء، وعنه: هو المخنث الذي لا يكون عنده انتشار [أي مقدرة على الانتصاب] .
وعن مجاهد وقتادة: الذي لا أرب له في النساء.
فإن كان المخنث ذا شهوة ويعرف أمر النساء فحكمه حكم غيره، لأن عائشة قالت: دخل على أزواج النبي صل الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة من الرجال فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة، أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أرى هذا يعلم ما ههنا، لا يدخلنّ عليكم هذا) فحجبوه" انتهى من "المغني" (7/463) .
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: الشخص المتخلف عقلياً البالغ هل يجب على النساء أن يتحجبن عنه؟
فأجاب:
"إذا كان التخلف شديداً، بحيث لا يعقل ولا يفهم، ولا يدرك المعاني وليس له الشهوة التي تبعثه إلى النظر واللمس ونحو ذلك، ولا همة له نحو النساء، بل هو كالطفل أو أقل حالة، فلا حاجة إلى التحجب عنه، ويدخل في قوله تعالى: (أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ) النور/31. أما إذا كان يعقل بعض هذه الأشياء، وله ميل إلى النساء، ويظهر من كلامه أنه يحس بشهوة، فلا يمكن من دخوله على النساء، ويلزمهن التحجب عنه، لقصة ذلك المخنث الذي قال لأخي أم سلمة: إذا فتحتم الطائف فإني سأدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرى هذا يعرف ما ها هنا لا يدخل عليكن) رواه البخاري وغيره، والله أعلم" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن جبرين".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1135)
هل له أن يدعو بفسخ خطبة فتاة من غيره ليتزوجها هو؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي هو أني أعرف فتاة تدرس معي بالكلية وهى زميلتي أيضا في نفس الدفعة وقد أحببتها لالتزامها الديني وطاعتها الحميدة لوالديها بالمقارنة مع الأخريات وكنت أفكر في طلب يدها من والديها عندما تحين اللحظة المناسبة ولكن فجأة انقلبت الأمور في غير صالحي وتمت خطبتها لأحدهم اعتباطا (خطبة مرتبة) الأمر الذي آلمني قليلا بل في الحقيقة آلمني كثيرا لأنني لم أرد أن أخسر هذه الفتاة الطيبة فدائما ما كنت أرغب في زوجة بهذه المواصفات ولهذا فقد سألت الله أن يغير من هذا القدر من أجلي ولصالحي في الدنيا والآخرة فهي دائما ما كانت تساندني في الأفعال الطيبة التي قمت بها كجمع الصدقات لفقراء المسلمين وإلقاء محاضرات إسلامية قصيرة في الكلية وسط جماعة صغيرة ... إلخ. وأنا أعتقد حقا أنى إذا تزوجتها فإن التزامي الديني سيتحسن كثيرا بدعمها لي ولكن خطر لي أيضا بأن الله لا يقبل دعاء يشتمل على قطع صلة الرحم لكن على حد علمي فإن الخطبة ليست من الإسلام في شيء أليس كذلك؟ فهي بدعة. وعلى هذا فإني أرى أنه ما زال بإمكاني الدعاء بما يتوافق مع مصلحتي والله أعلم، لأن أمره نافذ في للأبد وحكمه في عادل لكن الله نفسه طالبنا بالدعاء بتغيير القدر والاستعانة به بالصبر والصلاة والدعاء المستمر ولهذا فإن جل ما أريد معرفته هو هل أنا مخطئ في تفكيري؟ وأنا لا تربطني بها رابطة شديدة القوة تؤثر على التزامي الديني أو أية أمور أخرى. وشكرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تجوز الدراسة في الجامعات المختلطة، لمن وجد بديلاً شرعياً لا اختلاط فيه، ومن ابتلي بالدراسة في جامعة مختلطة فالواجب عليه أن يغض بصره، ويحفظ جوارحه من معصية الله تعالى.
وانظر جواب السؤال رقم (70223) .
ولهذا فإن علاقتك بهذه الفتاة، غير جائزة، وإن كانت من أجل الدعوة إلى الله، أو التعاون على البر، فإن الشيطان يغر الإنسان ويخدعه فقد تبدأ العلاقة بهذا، ثم تنتهي إلى شيء آخر.
وانظر لكيفية استدراج الشيطان للإنسان في جواب السؤال رقم (60269) .
وعلى هذا، فهذه الفتاة، إما أن تتقدم لها زوجاً، وإما أن تقطع علاقتك بها، وقد تعذّرقدمك لها الآن بسبب أنها مخطوبة، فليس أمامك إلا قطع علاقتك بها، طاعة لله تعالى، وفراراً من معصيته وغضبه.
ثانياً:
قولك: إن الخطوبة ليست من الإسلام في شيء وأنها بدعة.
ليس كذلك، فالخطبة مشروعة وليست بدعة، وقد دل على مشروعيتها أحاديث كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) رواه النسائي (3240) .
فالخطبة مشروعة في الإسلام، وبنى عليها الرسول صلى الله عليه وسلم أحكاماً شرعية، منها: هذا الحكم الوارد في هذا الحديث وهو أنه يحرم على المسلم أن يتقدم لخطبة امرأة سبقه إليها رجل وتقدم لخطبتها.
فإذا ما تركها هذا الخاطب أو تركته هي، وتم فسخ الخطوبة فلا حرج على أي مسلم أن يتقدم لخطبتها، لأنها ليست مخطوبة الآن، أما قبل فسخ الخطبة فلا يحل لأحد التقدم لها.
قال ابن قدامة في "المغني" (7/109) :
"لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إفْسَادًا عَلَى الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ , وَإِيقَاعَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ النَّاسِ , وَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ , إلَّا أَنَّ قَوْمًا حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى الْكَرَاهَةِ , وَالظَّاهِرُ أَوْلَى" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إذَا أُجِيبَ إلَى النِّكَاحِ وَرَكَنُوا إلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ , ... وَتَجِبُ عُقُوبَةُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ , وَأَعَانَ عَلَيْهِ , عُقُوبَةً تَمْنَعُهُمْ وَأَمْثَالَهُمْ عن ذَلِكَ" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (32/9) .
ثالثاً:
قولك: وأنا أرى أن جميع الأدعية التي أدعوها تتحقق (والحمد لله) بإحساني الدعاء.
هذا مما يوجب عليك مزيداً من شكر الله وطاعته، لأن الله تعالى هو الذي وفقك لإحسان الدعاء، تفضلاً منه وكرماً، ثم زاد فضله عليه وتقبل دعاءك.
رابعاً:
أما دعاؤك بأن الله تعلى يغير أمر خطبتها ويجعلها لك أنت، فهذا اعتداء في الدعاء لا يجوز، ففيه اعتداء عليها وعلى خطيبها حيث رضي كل واحد منهما بالآخر.
وإذا كان الحسد محرماً، وهو تمني زوال النعمة من الغير، فما تفعله أنت أشد من الحسد، لأن الحاسد لا يسعى في إزالة النعمة، وإنما يتمنى ذلك بقلبه فقط، وأنت تسعى لإزالتها بدعائك.
فالواجب عليك أن تنشغل عن هذه الفتاة بما ينفعك في الدنيا والآخرة، ولا يدري الإنسان ما الخير له؟
قال الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/216.
وقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19.
فلا تدري إذا تزوجتها سيكون ذلك خيرا لك أم لا؟
فقد يكون الله تعالى صرفها عنك لمصلحتك، وإرادةً للخير لك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1136)
هل يعمل في قسم به امرأة ليحقق جملة من المصالح العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل كمهندس في الصحة والبيئة والسلامة في شركة من أفضل شركات الغاز في دولة خليجية، ومشكلتي في البداية أنني أعمل مع امرأة نصرانية عربية وهي المسؤولة عن تطويري لأصبح في المستقبل خبير القسم إن شاء الله (وهذا ما قاله لي مدير القسم بأني سأصبح مكانها من 3 إلى 5 سنوات) الحمد لله يسر الله لي أن لا أقابلها إلا مرة في الأسبوع وهذا من رحمة الله بي ويعلم الله أني ما صبرت معها إلا أني أريد إخراجها من الشركة بدل أن أخرج ويحضروا كافراً آخر السؤال: هل أنا مأجور على ذلك في أن أبقى معها لإخراجها علما أنها ليست بالمرأة الفاتنة؟ وهل أبقى في العمل أم أخرج؟ سؤالي الآخر هو أني أحفظ من كتاب الله حوالي عشر أجزاء ولله الحمد وخاطبتني وزارة الأوقاف أكثر من مرة حتى أكون إماماً لأحد المساجد في المنطقة وكما تعلم في سؤالي الأول أني أشكو من المرأة التي أجالسها أسبوعياً فقط للخطط المستقبلية للقسم وسرد ما عملت في الأسبوع الماضي. فهل لي أن أصبح إماماً؟ لأني أخاف من النفاق بأن أكون إماماً وفي نفس الوقت تعمل في قسمي امرأة أفيدوني جزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل والدراسة؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد ومحاذير، وينظر: سؤال رقم (1200) و (97231) .
والرجل هو المطالب بالعمل والكد والإنفاق على أهله ومن يعول، واقتحام المرأة مجال عمل الرجال أمر حادث نتج عن التقليد المذموم لأهل الكفر والفسق ممن لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا إلا ما أشربته أهواؤهم، ولهذا يتعين السعي في منع هذا الاختلاط، وصرف النساء إلى الأعمال والمجالات الخاصة بهن.
وأمام ما ابتلي به المسلمون من هذه الفتنة لا يمكن القول بوجوب خروج الرجال الصالحين من أعمالهم ووظائفهم، وترك المجال للنساء، فإن هذا – لو أمكن تحقيقه – لأدى إلى مفاسد كثيرة قد تربو على مفسدة الاختلاط، والشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولهذا أفتى جماعة من أهل العلم بجواز تولي بعض الوظائف الممنوعة لتخفيف الشر ما أمكن، وينظر أمثلة ذلك في جواب السؤال رقم (69859) .
ويبقى النظر في حال الموظف الذي يرخص له في البقاء في العمل المختلط، فإن هذا ينبني على حجم المصالح المرجوة، وعلى مقدرة الموظف على الالتزام بالضوابط الشرعية، والتحرز من المخالفات، وضبط النفس أمام الشهوات، ويختلف هذا باختلاف طبيعة الإنسان وسنّه وكونه عزبا أو متزوجا، ويختلف باختلاف القدر الموجود من الشر والفتنة.
وعليه نقول:
إن كانت المصالح المرجوة من بقائك في العمل وتوليك مهام الخبير مستقبلا، والاستغناء عن هذه الموظفة وعن غيرها من النساء، أمورا حقيقية ظاهرة، وكنت قادرا على ضبط نفسك وغض بصرك والتحرز من الخلوة، ولم تجد في قلبك ميلا لهذه المرأة أو غيرها، فلا حرج في بقائك في هذا العمل، وأنت مثاب على ما تنويه من الخير والإصلاح.
وإن كانت المصالح المرجوة ليست ظاهرة، أو لا أهمية لها، أو كنت ترى من نفسك ضعفا، وتخاف التأثر والميل، فلا شك أن السلامة والبعد أولى لك، بل هذا هو الأصل المعتمد في هذه المسألة.
ثانيا:
لا حرج في توليك الإمامة، ولعل الله أن ينفع بك أهل منطقتك، وأن تكون الإمامة عونا لك على الازدياد من الخير، والمحافظة على الآداب والفضائل، والتحرز عن النقائص والرذائل، فإن هذا المنصب الشريف له أهميته ومكانته، ويستوجب من صاحبه أمورا لا تطلب من غيره.
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1137)
الحب والمراسلة قبل الزواج ودعوى عدم القدرة على قطع العلاقة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما يسمونه حب قبل الزواج هو حلال أم حرام وإذا كان حباً طاهراً ليس فيه نوع من المقابلات أو أي شي من هذا النوع فقط مراسلة عن طريق الإيميل وكتابي، لا صوت ولا غيره، بس في أشياء جذبتني أني أحبه وقعت في حبه أنا عارفة بتقولي علاقتك حرام ولازم تقطعينها، بس أنا بقولك جربت كثيراً بس ما قدرت لأنه حب صادق ما فيه كذب ولا نفاق، هو نيته زواج، ويمكن تقولي يلعب عليك، بس أنا أقولك تقدر تعرف إذا شخص يلعب ولا صادق معك في مشاعره، أنا أريدك تعطيني حلاً وإذا بتقولي اقطعي علاقتك من الحين أقولك: ما أقدر، يا ليت تقولي شيء ثاني غير اقطعي علاقتك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحب قبل الزواج منه ما هو مباح لا يد للإنسان فيه، ومنه ما هو محرم، لأنه يقوم على علاقة محرمة، يفعلها الإنسان باختياره، فالأول كأن تسمع المرأة برجل صالح أو يكون لها جار أو قريب، فيقع في قلبها حبه، وتود لو تتزوج منه، ولا تزيد على ذلك مراسلة أو اتصالا، فهذا حب يعذر فيه صاحبه؛ لأنه لا يد له فيه، ولم يقرنه بشيء محرم.
قال ابن القيم رحمه الله: "إذا حصل العشق بسبب غير محظور: لم يُلَم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له: فهذا لا يلام على ذلك، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره، على أن عليه مدافعته وصرفه " انتهى من " روضة المحبين " ص 147
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلق فاضل وذات علم فيرغب أن يتزوجها، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلق فاضل وعلم ودين فترغبه، لكن التواصل بين المتحابين على غير وجه شرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق والظهور، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، ويقول إنه يرغب في زواجها، بل ينبغي أن يخبر وليها أنه يريد زواجها، أو تخبر هي وليها أنها تريد الزواج منه، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل: فهذا محل فتنة " انتهى من " لقاءات الباب المفتوح" (26 / السؤال رقم13) .
وأما النوع المحرم فهو ما جلبه الإنسان على نفسه بطريقة محرمة، كتعمد النظر، أو كان لا يد له فيه لكن قارنه بعد ذلك عمل محرم، كالمراسلة التي لن تسلم من كلمات الإعجاب والحب والخضوع بالقول، وهذه المراسلة من أعظم أبواب الفساد التي فتحت على الناس في هذه الأزمان، وقد سبق بيان تحريمها في أجوبة كثيرة، منها جواب السؤال رقم (34841) ، ورقم (45668) .
وأما دعوى عدم مقدرتك على قطع هذه العلاقة، فهذا ما يقوله كل مدمن على المعصية، يصور له الشيطان عجزه عن ترك معصيته، ولا شك أنه سيشعر بكثير من الألم في مبدأ الأمر، لكن إن أقبل على ربه، وسأله وتضرع إليه، واستحضر شدة عذابه وعقابه، أمكنه أن يفلت من أسر المعصية، وأن يتحرر من ربقة الذنب، وما أكثر من كان مدمنا على الخمر ثم تاب، ومن كان مقيما على الزنا ثم أقلع، فالأمر يحتاج إلى صدق التوبة، وقوة العزيمة، وزيادة الإيمان.
وأما الحديث عن رغبته وصدقه في الزواج منك، وأن الإنسان يميز بين الحب الصادق وغيره، فأنت تخلطين بين أمرين، فقد يكون الرجل صادقا في محبته لك، بل عاشقا متيما، لكنه لا يفكر لحظة في الزواج منك، وهذا هو الغالب على هذه العلاقات المحرمة، فإن الرجل يعشق المرأة من خلال كلامها ومراسلتها واهتمامها به، كما قد يحصل لها مثل ذلك أيضا، لكن الزواج منها مسألة أخرى، فقد لا يكون مؤهلا للزواج أصلا، وقد تكون ظروفه المعيشية لا تساعده على الزواج من هذه المرأة بعينها، وقد يراها ساقطة منحرفة لا تؤمن على بيت وعرض، وهذا هو الغالب، فإن المرأة التي تخون أهلها وتجرؤ على مراسلة أجنبي عنها، يمكن أن تخون زوجها، لأنها عرفت طريق العلاقات، وتبادل الرسائل والكلمات.
ونحن نقول لك أختنا الكريمة: سواء رغب هذا الإنسان في الزواج منك أو لم يرغب، فإن هذا لا يبيح لك أن تقعي فيما حرم الله من مراسلته، ونقول أيضا: إن إصرار هذا الشاب على مراسلتك دليل على فسقه وفجوره وانحرافه، وإلا.. فهل يرضى هذه المراسلة لأخته؟ وما يؤمنّك أن يكون هذا الشاب زوجا صادقا معك – إن تزوجك - فقد تكون له علاقات مع غيرك، فهذا شأن المنحرفين الذين جربوا هذا الطريق.
فأفيقي من الوهم، واحذري غضب الجبار سبحانه، واحمدي الله على نعمة الستر، واعلمي أن الموت يأتي بغتة، وأن عذاب الآخرة لا يقارن بشيء من عذاب الدنيا.
أقبلي على صلاتك وذكرك، وأكثري من سؤال ربك، وتضرعي إليه أن يصرف عنك هذا البلاء، وأن يطهر قلبك من الأمراض والأدواء، فإنه ما خاب من أمّله، ولا ضاع عبدٌ سأله.
واعلمي أن هذا الطريق قد سلكه كثيرات قبلك، وكن يثقن بأنفسهن جداً، ويثقن بالشاب الذي يمنيهن بالزواج جدا جداً، ومع ذلك.. فقد انهارت تلك الثقة، وانكشف المستور في لحظة حضرها الشيطان، ثم تخلى عنها ذلك الفاجر بعدما أخذ ما يريد.
فإياك أن تكوني كالذبيحة تساق إلى موتها وهي لا تشعر.
وإننا لنخاف عليك أن تخسري أعز ما تملكين، وحينها لن ينفعك الندم، ولن يرد ذلك ما فات، وللأهمية راجعي جواب السؤال رقم (84102) ، ورقم (84089) .
نسأل الله تعالى أن يطهر قلبك، وأن يصرف عنك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1138)
شاب مسلم في بلد كافر يرفض الدراسة المختلطة ويرغب بالهجرة من تلك البلاد!
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغمني والداي على الذهاب إلى مدرسة مختلطة، ضقت بها ذرعاً، فكنت أهرب، وأذهب إلى المسجد لسماع بعض الدروس، والمكوث فيه، كردة فعل، اتصلتْ المدرسة على البيت فلم يجدوني، فاتصلوا بالشرطة، ومن ثم انهالت عليَّ النصائح بضرورة الدراسة، وأن ما فعلته خطأ ... الخ. أسئلتي هي: هل حقّاً أن ما فعلته خطأ؟ فكل ما فعلته هو الذهاب إلى المسجد، وكيف أقنع والداي أن الاختلاط حرام، واللذان يتحججان بأنه ليس هناك خيار آخر إلا هذه المدرسة؟ وهل يجوز لي أن أهاجر من هذه البلاد – كندا - إلى بلاد الإسلام دون علمهما؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
في البداية نسأل الله أن يثبتك على طاعته، وكم فرحنا أن تكون هذه الرسالة من شاب عمره خمسة عشر عاماً! عنده حب الاستقامة، ويغار على دينه، ويخاف على نفسه من الفتنة، ومتعلق قلبه ببيت الله تعالى، وكم يوجد في سنِّك ممن يلهو ويفرِّغ قوة شبابه في المحرمات، ليس في بلاد الكفر، بل حتى في بلاد المسلمين.
ثانياً:
اعلم – أخانا الشاب – أنه لا يجوز للمسلم أن يدرس في مدْرسة، ولا جامعة مختلطة في بلاد المسلمين، فكيف في بلاد الغرب؛ وذلك لما يترتب على ذلك من مفاسد، ومحاذير، لا تخفى على أحد.
وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (1200) تفصيل الحكم في الاختلاط.
ثالثاً:
إذا وجد البديل للدراسة المختلطة فلا تجوز الدراسة في المدارس المختلطة ولا تجب طاعة الوالدين في الدراسة المختلطة؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ طَاعَةَ في مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ في الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) .
وإذا لم يوجد البديل المباح لهذه الدراسة المختلطة، وأصرَّ والداك على تلك المدرسة، فالنصيحة لك أن تصبر على ما تراه، حتى يفرِّج الله كربك، واجتهد بقدر الإمكان في البعد عن مواطن الاختلاط في المدرسة، واحرص على صحبة صالحة تعينك على أمر دينك.
وانظر جواب السؤال رقم (72448) .
رابعاً:
أما الهجرة من بلاد الكفر التي لا يستطيع المسلم أن يؤدي فيها شعائر الإسلام , وما أوجبه الله عليه: فهي واجبة عليه، فأغلى ما يملكه الإنسان هو دينه؛ فتجب المحافظة عليه , وعدم التفريط فيه، ولا يُعذر المسلم إلا أن يكون مُستَضعفاً، عاجزاً غير قادر على الهجرة.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/97.
وقد سبق الجواب عن حكم الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وأقوال العلماء في ذلك، في جواب السؤال: (96532) .
ونظراً لأنه لا توجد الآن الدولة التي ترضى باستقبال هؤلاء المهاجرين، صار أمر الهجرة صعباً للغاية.
وانظر جواب السؤال رقم (13363) .
فالحقيقة.. الأمر محيِّر عندنا، وما نستطيع أن ننصحك به، هو:
أن تبقى بين أهلك، تلتزم ورداً من القرآن، ولا تترك الصلاة في المسجد، وأن تحرص على صحبة صالحة، وأن تتجنب مواطن الفتنة بقدر الإمكان.
واعلم أن بعض الصحابة كانوا صغاراً – كابن عباس – ولم يستطيعوا الهجرة إلى المدينة، وظلوا بين الكفار، ولم يؤثر ذلك عليهم، حتى فرَّج الله عنهم، وصار ابن عباس بعدها علَماً ف العلم، وإماماً يُقتدى به، فاصبر حتى ترى من الله فرَجاً.
ونسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1139)
على علاقة هاتفية محرَّمة ويخيرها بين قبوله زوجاً أو رجوعه للمعاصي!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بنت، أخاف الله كثيراً، تعرفت على شاب عبر الهاتف بقصد الزواج، وهو كذلك، لكن هناك مشكلة، هو يتكلم في " الحب "، و " الغرام "، إنه يقول: " قولي لي " أحبك "، وإلا لن أتزوج بك، أنتِ لا تحبيني "، وهو لا يعرف عن الدّين، ويريد أن يتوب، يسألني أيضاً عن العلاقات الجنسية بين الرجل فيما تجوز وما لا تجوز، وأنا هذا الشيء رفضته، لكن في مرات أجيب عليه! لأني أحبه، هل يجوز أن أستمر معه وهو في هذا يتكلم معي في حبه؟ وكان له علاقات جنسية مع بنات، وعندما عرفني تاب عنها، وقال: إن لم تتزوجي بي سأرجع إليها، وتكوني أنتِ السبب، وأنا خائفة إن تركته أن يذهب، ويرجع إلى المعاصي، وأكون مذنبة في ذلك، وهل أضحي وأتزوجه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك مراسلتك لنا، وحرصك على معرفة الصواب مما ستتخذينه من قرار، ونسأل الله أن يوفقنا لدلالتك على ما ينفعك وما هو خير لك.
ثانياً:
نعتب عليك في البداية وقوعك في معصية العلاقات المحرمة عبر الهاتف، وهو ما جرَّك للكلام في الحب، والغرام، واستثارة الشهوات الكامنة عند الطرفين، وقد كانت مثل هذه العلاقات المحرمة سبباً لوقوع كثير من الناس في فاحشة الزنا.
وقد نهانا الله تعالى عن اتباع خطوات الشيطان، فقال: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) البقرة/ 168. فالشيطان يصل بالإنسان إلى ما يريده بالتدريج، خطوة خطوة، وهو الطريق الذي تسيرين فيه الآن، فلا شك أنك في بادئ الأمر كنت تتحرجين من الكلام في الهاتف مع شاب غريب عنك، ثم حصلت عندك الجرأة وفعلت ذلك، ثم كنت تتحرجين من الكلام معه في الأمور الجنسية، ثم بدأت تجاوبينه في ذلك، وبالقطع سيطلب منك مقابلته وستمتنعين عن ذلك، لكن بعد تكراره للطلب، فسوف تقابلينه.... إلخ مما يعني أنك تنحدرين إلى الهاوية وأنت لا تشعرين.
إن أخوف ما نخافه عليك - إن لم يتداركك الله برحمته، وتعودي إلى رشدك – أن ترسلي إلينا بعد فترة أنك وقعت في.... وفقدت أغلى ما تملكين، وتسألين ما المخرج؟ وكيف تتصرفين؟
ابنتي ... إنك ذكرت عن نفسك أنك تخافين الله كثيراً، ونرجو أن تكوني صادقة في ذلك، ولكن هذا الذي تفعلينه يتعارض مع خشيتك الله، فلو كنت تخافينه فعلاً، لتركت هذا الفعل المحرم، ولاجتهدت في الاستقامة على أوامر الله.
وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم القيامة: (وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا قَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) رواه البخاري (6421) ومسلم (1031) . فالخوف من الله هو الذي منعه من الوقوع في تلك الفاحشة.
ابنتي.. إنه ليحزننا كثيراً أنك تساقين إلى هلاكك وأنت لا تشعرين، وتُخدعين بكلام الحب والغرام والوعد بالزواج، وهذا الكلام قد خُدعت به كثيرات مثلك، ثم لما افترسها ذلك الذئب تخلى عنها، وتركها تواجه الفضيحة بمفردها، ثم ذهب يبحث عن فريسة أخرى يخدعها بالكلام نفسه.
وقد جاءتنا عشرات الأسئلة بذلك، وبعض السائلات تسألنا عن حكم الإجهاض، وأخرى لا تدري ماذا تفعل......
إننا نؤكد عليك وأنت في بداية طريق الشيطان أن تعودي فوراً، عودي إلى طريق الله، عودي إلى طاعته، والفرار من معصيته، عودي إلى طريق العفة والطهارة، وفي النهاية ... عودي إلى طريق الجنة، (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الذاريات/50.
قفي لحظة لتفكري ... لو أن ابنتك تعرضت لمثل هذا الموقف، وأخبرتك بهذا بصراحة، كما صارحتينا أنت، فماذا تقولين لها؟
لا يعترينا شك أن نصيحتك لها ستكون واضحة، وصريحة بالأمر بقطع العلاقة نهائياً مع هذا الشاب، وأن مثل هذا الشاب ليس جديراً بأن يكون زوجاً صالحاً، بسبب علاقاته الآثمة التي لا مانع عنده من العودة إليها، بل نحن نشك في تركه إياها فعلاً، وقد يكون تركها فترة إلى حين تمكنه من فريسته الجديدة.
وهذا هو ما ننصحك به، قطع العلاقة نهائياً مع هذا الشاب، فالاستمرار معه عابته معروفة، ولك عبرة في مئات بل آلاف القصص التي مثل حالتك، وقد كانت كل واحدة منهن تخدع نفسها، ويخدعها الشيطان بأن هذا الشاب ليس كغيره، وأن قصده شريف، الزواج.
ونرجو أن لا تترددي في قطع علاقتك بهذا الشاب، للأسباب التالية:
1- أن ما تقومين به الآن هو عمل محرم، فعليك تركه خوفاً من عذاب الله.
وانظري جواب السؤال رقم (34841) .
2- قد ثبت بما لا مجال للشك فيه: أن الزواج عن طريق الهاتف، والإنترنت، بل وعموم العلاقات المحرمة قبل الزواج: أن مصيره إلى الفشل، وأنه سبب للهموم، والغموم، والشكوك، التي تصاحب الزوجين، إن لم يحصل طلاق، وأنتِ قد أغناك الله باستقامتك على دينه، فلا تتورطي فيما تندمين عليه في قابل الأيام.
وانظري جواب السؤال: (84102) و (84089) .
3- أن هذا الرجل الذي يتجرأ على فعل المحرمات الآن، ولا يبدو منه أثر توبة، وخوف من الله: ليس بالذي يصلح زوجاً لك، يرعاك، ويحافظ عليك، ويربي أولادك، فلا تجعلي من حياتك محط تجربة لشيء فاسد ترينه أمام عينيك، وفي الرجال من أهل الاستقامة والدِّين من هو أليق وأفضل بأن يكون زوجاً لك، ومثل هذا الشاب لا يؤسف عليه، وعنده من النساء غيرك ما يتسلى به عنك، ولا تظني للحظة أنه يريدك زوجة عفيفة، مصونة، مكرمة، بل يريد هذا وأمثاله العبث، والتسلية، وعند إرادة الزواج حقيقة يبحث عمن ليس لها ماضٍ، ولا تخاطب الرجال الأجانب، وباختصار يبحث عن غيرك! .
وأما خداعه لك بأنك إذا لم تتزوجيه عاد إلى ماضيه السيئ، فلا يضرك ذلك شيئاً، وكل إنسان مسؤول ومحاسب على فعله، استقام أم انحرف، ولست مسؤولة عن إصلاحه.
فالحذر من استمرار العلاقة أو المكالمات الهاتفية معه، والحذر من الاغترار بكلامه، والحذر من قبوله زوجاً.
هذه نصيحتنا، وهذه وصيتنا، ونسأل الله أن يلهمك رشدك، ويوفقك لك خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1140)
لكي تتقن التخصص لا بد من العمل في مستشفى مختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[عمل المرأة طبيبة في عيادتها للنساء ليس فيه اختلاط؛ ولكن لكي تتعلم التخصص الطبي نفسه وتصبح ماهرة فيه لابد من قضاء عدة سنوات بعد الكلية من التعلم في المستشفيات والذي لابد فيه من الاختلاط بالأطباء وملازمتهم حتى تتقن هذا التخصص، فهل ذلك يجوز باعتبار أنها ستعمل بعد ذلك في العيادة فقط بدون العمل في المستشفي؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك في الحاجة الماسة لوجود طبيبات ماهرات خاصة في التخصصات الطبية المتعلقة بالنساء، ومما يؤسف له أن أغلب المستشفيات لا تخلو من الاختلاط بين الرجال والنساء، وهذا من الأمور المحرمة التي سبق بيانها، كما في السؤال (69859) .
فإذا تعذر على المرأة تعلم التخصص الطبي الذي تحتاجه، أو يحتاجه الناس إلا في أماكن مختلطة؛ رخص لها في ذلك؛ شريطة أن تلتزم بالأحكام والآداب الشرعية من الحجاب الساتر، وغض البصر، وعدم الخلوة بأحد الرجال، والابتعاد عن المحادثات الجانبية التي تخرج عن طبيعة العمل، وعدم التبسط في الكلام مع الرجال.
على أن الذي ننصح به ابتداء: أن من لم يُبتل بهذه الدراسة، وما زال في الخيار، فإنه يتحرى أبعد الأمور عن المحاذير الشرعية، خاصة وأن مقدار الكفاية وسد الحاجة سوف يقوم به غيره، فعليه هو أن يحتاط لنفسه.
وأما من شرع في ذلك فعلاً، فنرجو أن لا يكون عليه حرج في إتمام ما بدأ، خاصة إذا كان قد قطع فيه شوطاً كبيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1141)
حاول أخوه أن يعتدي على زوجته في غيابه فهجره وقاطعه
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أن تزوجت تركت زوجتي في بيت الأسرة وذهبت للعمل في دولة أخرى. ولدي أخ أصغر مني تعتبره هي أيضاً كأخيها ولكنها أخبرتني منذ مدة أنه حاول أن يعتدي عليها، ولكنها نجت بحمد الله. بعد هذه الحادثة لم أعد أتكلم إليه وقطعت علاقتي معه نهائياً، ولكن بقية الأسرة يلومونني على ذلك، ويقولون إنه ما زال أخي ولا يجوز لي أن أهجره كما أنه يقول: إنها تكذب وأنه لم يعتد عليها. فما رأي الشرع في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على المرأة أن تستر جميع بدنها عن الرجال الأجانب، وأن تحذر وتتجنب الخلوة بأحد منهم ولو كان أخا لزوجها، أو ابنا لعمها أو خالها؛ بل ينبغي أن يكون الحذر من التساهل مع هؤلاء أكثر وأشد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ الله، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ) رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) . قال الليث بن سعد: الحمو: أخ الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَمو الْمَوْت) فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْف مِنْهُ أَكْثَر مِنْ غَيْره , وَالشَّرّ يُتَوَقَّع مِنْهُ , وَالْفِتْنَة أَكْثَر لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُول إِلَى الْمَرْأَة وَالْخَلْوَة مِنْ غَيْر أَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ , بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيّ. وَالْمُرَاد بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ. فَأَمَّا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء فَمَحَارِم لِزَوْجَتِهِ تَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا , وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ , وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْأَخ , وَابْن الْأَخ , وَالْعَمّ , وَابْنه , وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ. وَعَادَة النَّاس الْمُسَاهَلَة فِيهِ , وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ , فَهَذَا هُوَ الْمَوْت , وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (13261) ورقم (47764) .
والتساهل في معاملة أقارب الزوج سبب لكل شر وبلية في هذا الباب.
وما يقوله كثير من الناس من أن أخا الزوج بمنزلة الأخ للزوجة، وتعاملهم بناء على ذلك، خطأ فادح، ولا نظن أن ما حدث مع زوجتك إلا أثراً من آثار هذا التصور الخاطئ والتساهل الممنوع.
ولهذا؛ فالواجب الالتزام بما أوجب الله من الحجاب وعدم الخلوة والتبرج والخضوع بالقول أمام جميع الأجانب مهما كان قربهم من الزوج.
ثانياً:
لاشك أن ما قام به أخوك – إن ثبت - عمل منكر قبيح، ولشناعته تأنف منه أصحاب النفوس السوية، بل تجري الفطرة على صيانة حريم الأخ والذود عن عرضه والتضحية في سبيل ذلك، ولكن مع انتشار الفساد، وكثرة المنكرات والفتن التي يتعرض لها الشباب قل هذا الوازع الفطري.
وأما هجر الأخ: فلا يظهر أن الاستمرار فيه يؤدي إلى مصلحة، لا سيما وهو ينكر ما ادعته زوجتك عليه، ولا يخفى ما له من حق الصلة، ولهذا نرى أن تدع هجره وأن تعود لصلته مع الاحتياط التام في تعامل زوجتك معه، والتشديد في ذلك.
نسأل الله أن يحفظك وأهلك من كل سوء وشر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1142)
هل تدرس في جامعة مختلطة أم تقيم في مدينة بلا محرم وتدرس في جامعة غير مختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بين مطرقة البقاء دون محرم في بلد عربي مسلم، للدراسة في جامعة غير مختلطة (في الحقيقة عمي بالرضاعة في نفس البلد والمدينة والحي، لكنه مقصر في وصلنا) وبين سندان أن أكون مع أهلي في بلد عربي مسلم (أقل محافظة) للدراسة في جامعة مختلطة، بها من المنكرات والفظائع ما بها، فأيهما أختار؟ للأسف ليس بإمكاني أن أبقى مع أهلي دون أن أذهب للجامعة المختلطة، لأن كل الجامعات في هذا البلد مختلطة، كما أن أبي يرفض رفضاً تاما وقطعيا أن أجلس في البيت، وأترك الدراسة، حيث إن والداي للأسف ليسوا ملتزمين، ماذا أفعل جزاكم الله خيراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم الاختلاط في أماكن العمل والدراسة لما يؤدي إليه من مفاسد ومحاذير، وينظر جواب السؤال رقم (1200) ورقم (103044) .
ولا يجوز لولي الفتاة أن يدعوها لهذه الدراسة المختلطة، فإن هذا من التفريط وتضييع الأمانة، بل الواجب أن يمنعها من الحرام، وأن يجنبها الآثام، وأن يغار عليه ويصون عرضها.
ثانياً:
لا يجوز للمرأة أن تسافر دون محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) رواه البخاري (1862) .
وروى مسلم (1339) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) .
وأما بقاؤها في مدينة بلا محرم، فليس محظورا، إذا أمنت على نفسها وراقبت الله تعالى في خروجها ودخولها، وتجنبت مخالطة الرجال.
وعليه؛ فإذا سافر معك محرم وأوصلك إلى بلد الدراسة، وبقيت هناك في مكان آمن، وتقيدت بالضوابط الشرعية في خروجك للجامعة، فلا حرج عليك.
ولو فرض امتناع المَحرم من السفر معك ذهاباً وإياباً، وأصر أهلك على الدراسة في أحد الخيارين المذكورين ولم يكن بد من ذلك، فالقاعدة: أنه يختار أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما.
فعليك أن تختاري أقل الأمرين شراً، وهذا يحتاج إلى النظر والتأمل في الخيارين، فقد يكون سفرك أقل شراً، إذ به تسلمين من الاختلاط، ولكن فيه من الشر أنك ستكونين منفردة عن أهلك في بلد غريب، فإن أمكن الاتصال بعمك من الرضاع، ويقوم هو بالاطمئنان عليك، ومساعدتك.... إلخ فهو خير.
وينبغي أن تحرصي على زيادة إيمانك، وتقوية صلتك بالله تعالى، والبحث عن الرفقة الصالحة، والانشغال بالأعمال الفاضلة كحفظ القرآن الكريم، والمداومة على نوافل الصلاة والصوم.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1143)
الدراسة والتدريس في المدارس المختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة تسبب لي كثرة التفكير والحيرة. منذ شهرين تقريبا استطعت اجتياز امتحانات التدريس بالثانوي وأنا الآن في مدرسة تكوين الأساتذة تخصص إنجليزية. أدرس في قسم مختلط مؤلف من 15 طالب و 15 طالبة. وبعدها سيتم تعييني في إحدى الثانويات في بلادنا. هذه الثانويات بدورها مختلطة. ما يحيرني في الحقيقة أنني أعلم أن الاختلاط محرم، وأن الرجل مأمور بغض بصره، لكن أقول في نفسي إن بلادنا ليست كالبلاد الإسلامية الأخرى وأنه يجب على أهل الدين والاستقامة المزاحمة في هذه المناصب حتى يقطعوا الطريق على أهل البدع والمعاصي. الآن أنا لا أدري هل أنا مأجور على ما أفعل أم أن الشيطان يزين لي هذا الفعل ويوهمني أنني حريص على نشر الدعوة ونفع المسلمين وإرشادهم إلى العقيدة الصافية والمنهج السليم. أنا مقتنع بأنه لا يجوز تدريس الرجل الأجنبي للنساء بدون حائل لكن ألا يكون عملي ضروريا بحيث أن العلمانيين والصوفية وغيرهم يسيطرون على جل المجالات في البلاد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
من الأمور التي ابتلي بها المسلمون في هذا العصر: انتشار الاختلاط في الجامعات والمستشفيات وأغلب المرافق العامة والوظائف الحكومية.
وقد سبق بيان تحريم الاختلاط والمفاسد المترتبة عليه في السؤال (1200) ، وأن الواجب على المسلم اجتناب الدراسة والعمل في الأماكن المختلطة.
إلا أن البلاد التي ابتلي أهلها بوجود الاختلاط في غالب مجالات الحياة، خاصة مراكز التعليم، وأماكن العمل والوظائف، بحيث صار من المشقة الكبيرة على المسلم أن ينأى بنفسه عنها، يُرَّخص لهم ما لا يرخص لغيرهم ممن حفظهم الله من هذه الأمور.
وهذا الترخيص مبناه على القاعدة الفقهية التي تقول: " ما حرم سداً للذريعة يباح للحاجة والمصلحة الراجحة ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم، إذا عارضتها حاجة راجحة أُبيح المحرَّم". انتهى "مجموع الفتاوى" (29/49) .
وقال: " ما كان من باب سد الذريعة إنما يُنهى عنه إذا لم يُحتج إليه، وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به فلا ينهى عنه ". انتهى " مجموع الفتاوى" (23/214) .
وقال ابن القيم: " ما حُرِّم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم، وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال حرم لسد ذريعة التشبيه بالنساء الملعون فاعله، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة ". انتهى " إعلام الموقعين" (2 / 161) .
وقال الشيخ ابن عثيمين: " وما كان تحريمه تحريم وسيلة فإنه يجوز عند الحاجة ". انتهى من " منظومة أصول الفقه " صـ 67.
والذي يظهر، والله أعلم، أن مثل هذه البلاد التي عم فيها البلاء يرخص فيها لأهلها من الدراسة والعمل مع وجود الاختلاط، ما لا يُرخص لغيرهم كما سبق، ولكن ذلك مشروط بعدد من الشروط، وهي:
أولاً: أن يسعى بادئ الأمر للبحث عن مكان لا اختلاط فيه قدر استطاعته.
ثانياً: أن يلتزم بالأحكام الشرعية من غض البصر، وعدم التبسط في الكلام والمحادثة، فوق حاجة العمل أو الدراسة.
سئل الشيخ ابن عثيمين عن شاب لم يجد إلا مدرسة مختلطة؟ فقال: " يجب عليك أن تتطلب مدرسةً ليس هذا وضعها فإن لم تجد مدرسةً إلى بهذا الوضع وأنت محتاجٌ إلى الدراسة فإنك تقرأ تدرس وتحرص بقدر ما تستطيع على البعد عن الفاحشة والفتنة بحيث تغض بصرك وتحفظ لسانك ولا تتكلم مع النساء ولا تمر إليهن ". فتاوى نور على الدرب (1/103) . (13/127)
ثالثاً: إذا لاحظ الإنسان أن نفسه تنزلق إلى الحرام، وتفتتن بمن معه من النساء، فسلامة دينه مقدمة على كل المصالح الأخرى، فلا بد من مفارقة المكان حينئذ، ويغنيه الله عز وجل من فضله.
وللاستزادة بإمكانك مراجعة جواب السؤال (45883) (69859) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1144)
نصائح وتوجيهات مهمة لأخت تحب شيختها أكثر من والديها!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شعور طالبة العلم تجاه شيختها بالحب، والاحترام، أكثر من حب الوالدين هو من العقوق؟ وماذا تنصحون بخصوص هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن شعور الطالبة بالحب والتقدير لشيختها أمر طيب، وإن بذل الاحترام لها من الأخلاق الجليلة في شرع الله تعالى، ولكن لا نرى مجالاً للمقارنة بين حبِّ الطالبة لشيختها مع حبها لوالديها؛ ذلك أن حب الوالدين فطري، ومنبعه ليس كمنبع حب الشيخة المتولد من سبب دفعها لذلك الحب.
ولكننا نلمح في السؤال أمراًً خطيراً، ويتمثل ذلك في أمرين:
الأول: أننا نخشى على ذلك " الحب " بين الطالبة وشيختها أن يتطور إلى " إعجاب "، وهو داء عظيم ابتليت به فئام من الناس، فتعلق الطالب بأستاذه، والعكس، وتعلقت الفتاة بمدرستها، والعكس، ونتج عن ذلك مفاسد لا حصر لها، وكنا قد نبهنا على هذا الداء، وذكرنا مفاسده، وآثاره السيئة، وكيفية علاجه في جواب السؤال رقم (104078) فلينظر؛ ليحذر من الوقوع في هذا الداء.
والثاني: أننا نخشى أن يتطور ذلك " الحب " بين الطالبة وشيختها إلى " التعظيم "، و " التقديس "، وهو ما يحصل في الجماعات الصوفية، وخاصة ما يطلق عليه جماعة " القبيسيات " في دمشق، أو " الطبَّاعيات " في الأردن، أو " السَّحَريات " في لبنان، أو " بيادر السلام " في الكويت، وكلها أسماء لمسمى واحد، وهي جماعة صوفية نسائية، تتبنى الطريقة النقشبندية، وتجتمع على تعظيم الشيخة! وتقديسها، وتتربى الفتيات والنساء المنتسبات لهذه الجماعة على تقديم شيختهن على الوالدين، وعلى الأزواج، وهو ما سبَّب فتناً كثيرة في بيوت تلك المنتسبات، وأدى لطلاقهن.
وقد صدرت فتوى مطولة بخصوص تلك الجماعة من علماء اللجنة الدائمة، نقتطف منها:
1. الطرق الصوفية، ومنها النقشبندية: كلها طرق مبتدعة مخالفة للكتاب والسنة.
2. الطرق الصوفية لم تقتصر على كونها بدعة - مع ما في البدعة من الضلال -، ولكن داخلها كثير من الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في مشائخ الطرق والاستغاثة بهم من دون الله.
3. ومن ذلك ما ورد في السؤال من قولهم: " مَن لا شيخ له: فشيخه الشيطان "، و " مَن لم ينفعه أدب المربي: لم ينفعه كتاب ولا سنَّة "، و " مَن قال لشيخه: لمَ؟ : لمْ يفلح أبداً "، وهذه كلها أقوال باطلة، مخالفة للكتاب والسنَّة؛ لأن الذي يقبل قوله مطلقاً بدون مناقشة، ولا معارضة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4. فالواجب: الحذر من الصوفية، ومَن يتبعها، رجالاً، ونساءً، ومِن توليهم التدريس، والتربية، ودخولهم في الجمعيات النسائية وغيرها؛ لئلا يفسدوا عقائد الناس، والواجب على الرجل: منع موليته من الدخول في تلك الجمعيات، أو المدارس التي يتولاها الصوفية، أو يدرسون فيها؛ حفاظاً على عقائدهن، وحفاظاً على الأسَر من التفكك، وإفساد الزوجات على أزواجهن.
5. والذي ننصح به للنسوة المذكورات هو التوبة إلى الله، والرجوع إلى الحق، وترك هذا المذهب الباطل، والحذر من دعاة السوء، والتمسك بمذهب أهل السنَّة والجماعة، وقراءة الكتب النافعة المشتملة على العقيدة الصحيحة، والاستماع للدروس والمحاضرات والبرامج المفيدة التي يقوم بإعدادها العلماء المستقيمون على المنهج الصحيح، كما ننصح لهن بطاعة أزواجهن وأولياء أمورهن في المعروف.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة لدائمة " المجموعة الثانية (2 / 74 – 79) .
فننصح الأخت السائلة أن تقتصد بحب شيختها، وأن تكون محبتها لها مبنية على الشرع، فتحبها لاستقامتها، ويكون ذلك بقدَر، من غير غلو ولا إفراط، وإذا رأت أن محبتها بدأت تنحرف عن مسارها الشرعي الصحيح إلى ما ذكرناه من " إعجاب "، أو " تعظيم ": فلتسارع لعلاج نفسها، ولتقوِّم تلك المحبة، فإن لم تستطع: فلتتركها، ولن تكون آثمة، بل الإثم – حينئذٍ – في الاستمرار بتلك العلاقة.
ولتعلمي أيتها السائلة، أن لأبويك عليك حقاً، وأي حق، وأن لزوجك عليك حقاً، وأي حق، وأن لأبنائك عليك حقاً، وأن لمعلمتك عليك حقاً، فأعطي كل ذي حق حقه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1145)
حكم وضوء الطلاب والطالبات في الجامعة في مكان واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[في مسجد الجامعة التي أدرس فيها عدد حنفيات المواضيء محدود، لذلك يصادف أحياناً أن الأولاد والبنات يتوضئون في نفس المكان، وفي نفس الوقت فهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم الاختلاط في المدارس والجامعات وغيرها؛ لما يترتب عليه من مفاسد وشرور، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (1200) ورقم (50398) .
ومن ابتلي بهذه الدراسة فليجتنب مخالطة النساء ما استطاع، وليغض من بصره كما أمر الله.
ثانيا:
وضوء الذكور والإناث في محل واحد لا يجوز؛ لما يقتضيه الوضوء من كشف الذراعين والقدمين وجزء من الشعر، ومهما تحفظت الفتاة فإنه لابد أن ينكشف منها شيء من ذلك، ومعلوم أنه يلزمها ستر ذلك عن الرجال الأجانب، وأنه لا يجوز للرجل نظر ذلك منها، فوضوؤهم في مكان واحد تعريض لهم جميعا للوقوع في الإثم.
قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/30، 31
وهذا الاجتماع، وإن كان اجتماعا لأجل عبادة عظيمة، إلا أنه سبب واضح من أسباب الفتنة، ولا ينبغي لأحد أن يركن إلى إيمانه وتقواه ويأمن فتنة النساء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) رواه مسلم (2742) .
وقال: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) رواه البخاري (5096) ومسلم (2740) .
ولهذا ينبغي أن يحدد وقت يتوضأ فيه الفتيات، ويمنع دخول الرجال إلى محل وضوئهم في هذا الوقت، أو يقسم المكان ويجعل فيه حاجز يمنع رؤية الفتيات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1146)
حكم " الخِصاء "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدِّين في الناس " المخصيين "؟ وما هي القوانين التي تطبق عليهم؟ وهل يصلُّون مع الرجال أم مع النساء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الخِصاء: هو سل الخصيتين، وهما البيضتان من أعضاء التناسل، وقد يطلق هذا اللفظ ويراد به: سل الخصيتين، والذَّكَر.
وفرَّق بعض العلماء بين الأمرين فقال: إن قطعت أنثياه – الخصيتان - فقط: فهو خصي، وإن قُطع ذكَرُه: فهو مجبوب.
وتعمدُ فعلِ ذلك من قبل الإنسان لنفسه، أو لغيره: من كبائر الذنوب.
وفي " الموسوعة الفقهية " (19 / 120، 121) :
إن خصاء الآدمي حرام، صغيراً كان، أو كبيراً؛ لورود النهي عنه على ما يأتي.
وقال ابن حجر: هو نهي تحريم، بلا خلاف في بني آدم.
ومن النهي الوارد في ذلك:
ما روى عبد الله بن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك. رواه البخاري (4787) ومسلم (1404) .
وحديث سعد بن أبي وقاص: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا. – رواه البخاري (4786) ومسلم (1402) -.
قال ابن حجر تعقيباً على هذه الأحاديث:
والحكمة في منع الخصاء: أنه خلاف ما أراده الشارع من تكثير النسل ليستمر جهاد الكفار، وإلا لو أذن في ذلك: لأوشك تواردهم عليه، فينقطع النسل، فيقل المسلمون بانقطاعه، ويكثر الكفار، فهو خلاف المقصود من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
كما أن فيه من المفاسد: تعذيب النفس، والتشويه، مع إدخال الضرر الذي قد يفضي إلى الهلاك، وفيه إبطال معنى الرجولية التي أوجدها الله فيه، وتغيير خلق الله، وكفر النعمة، وفيه تشبه بالمرأة، واختيار النقص على الكمال.
انتهى
" فتح الباري " (9 / 119) .
ثانياً:
الخصي الذي يفقد شهوته في النساء بالكلية يدخل في " غيرِ أولي الإربة من الرجال "، وهم الذي يجوز لهم الاطلاع على زينة المرأة، كما يطلع عليها محارمها.
قال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/ 31.
قال ابن العربي المالكي – رحمه الله -:
قال أشهب: سئل مالك أتلقي المرأة خمارها بين يدي الخصي؟ وهل هو من غير أولي الإربة؟ فقال: نعم، إذا كان مملوكاً لها، أو لغيرها ; فأما الحرُّ: فلا، وإن كان فحلاً كبيراً وغْداً، تملكه، لا هيئة له، ولا منظرة: فلينظر إلى شعرها.
" أحكام القرآن " (6 / 73) .
وخالف في ذلك الحنفية – على قول عندهم -، لكن الراجح: ما ذهب إليه الجمهور.
وفي " الموسوعة الفقهية " (3 / 8) :
الرأي الراجح عند الحنفية: أن الخصي، والمجبوب، والشيخ، والعبد، والفقير، والمخنث، والمعتوه، والأبله، في النظر إلى الأجنبية: كالفحل - أي: كصاحب الإرْبة -؛ لأن الخصي قد يجامِع، ويثبت نسب ولده، والمجبوب يتمتع وينزل، والمخنث فحل فاسق، وأما المعتوه، والأبله: ففيهما شهوة، وقد يحكيان ما يريانه.
وقال المالكية، والشافعية، والحنابلة - وهو رأي للحنفية -: حكم غير أولي الإربة حكم المحارم في النظر إلى النساء، يرون منهن موضع الزينة، مثل الشعر، والذراعين، وحكمهم في الدخول عليهن: مثل المحارم أيضاً؛ لقوله تعالى: (أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال) .
انتهى
سئل علماء اللجنة الدائمة: ما معنى " التابعين غير أولي الإربة من الرجال "؟ .
فأجابوا:
المراد بغير أولي الإربة: من يتبع أهل البيت، لطعام، ونحوه، ولا حاجة له في النساء؛ لكونه عنِّيناً، أو أبله ضعيف العقل، لا ينتبه إلى ما يثير الشهوة من زينة أو جمال، أو رجلاً كبير السن أضعفه الكبر حتى صار لا همَّ له في النساء، ونحو ذلك ممن ذهبت حاجتهم إلى النساء لعلة ما من العلل، فأُمن جانبهم، ولم تُخش منهم الفتنة، فللنساء أن يبدين لهم من الزينة ما يجوز لهن أن يبدينها لمحارمهن المذكورين في الآية، ومن في حكمهم، من النساء، والأطفال الصغار الذين لم يبلغوا مبلغاً من الإدراك أن يعرفوا عورات النساء ويتأثروا بها.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 264، 265) .
ومن ظُنَّ أنه من غير أولي الإربة من الرجال فتبين خلاف ذلك: أُلحق بالفحول من الرجال، ومُنع من النظر إلى زينة الأجنبية.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُخَنَّثٌ فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِى الإِرْبَةِ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ و، َهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً قَالَ: إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ أَرَى هَذَا يَعْرِفُ مَا هَا هُنَا، لاَ يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُنَّ) ، قَالَتْ: فَحَجَبُوهُ.
رواه مسلم (2181) .
قال النووي – رحمه الله -:
وأما دخول هذا المخنث أولاً على أمهات المؤمنين: فقد بيّن سببه فى هذا الحديث بأنهم كانوا يعتقدونه من غير أولى الإربة، وأنه مباح دخوله عليهن، فلما سُمع منه هذا الكلام: عُلم أنه من أولى الإربة، فمنعه صلى الله عليه وسلم الدخول.
ففيه: منع المخنث من الدخول على النساء، ومنعهن من الظهور عليه، وبيان أن له حكم الرجال الفحول الراغبين فى النساء في هذا المعنى، وكذا حكم الخصي، والمجبوب ذَكرُه.
" شرح مسلم " (14 / 163) .
ثالثاً:
أما بخصوص لباسهم الإحرام، وصلاتهم، وغير ذلك من الأحكام: فلهم حكم الرجال، فلا يدخلوا مصليات النساء، ولا يصلون بهن، ولا يصلون بجانبهن، ويلبسون ما يلبس الرجال في الإحرام، ولا خلاف ين العلماء في ذلك.
قال ابن المنذر – رحمه الله -:
وأجمعوا: أن أحكام الخصي، والمجبوب، في ستر العورة في الصلاة، والإمامة، وما يلبسه في حال الإحرام، وما يصيبه من الميراث، وما يسهم له في الغنائم: أحكام الرجال.
" الإجماع " (ص 78) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1147)
هل تترك العمل كمعيدة في الجامعة لأجل الاختلاط
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا اعمل معيدة بالجامعة. من قبل تعييني وأنا رافضة له، بسبب أنه عمل مختلط، وصعب فيه تجنب الرجال. وخاصة وأنه لا حاجة لي فيه ماديا أو أدبيا. ولكن أهلي أجبروني وأقنعوني بأنها فرصة وجود أفراد ملتزمين دينيا في أماكن مثل هذه بدلا من غيرهم، وأن اعتبر عملي طريقة للدعوة إلى الله. والآن، وبعد مرور أربعة أعوام، واكتشافي لحقيقة الأمر؛ فلم أتمكن من تجنب الاختلاط، ووجدت الغيبة ظاهرة أمام عيني، وقلة الإمكانيات للقيام بالبحث العلمي، واضطراري للخروج خارج مدينتي لإجراء التجارب في معمل يتوفر فيه الإمكانيات، مما يلزم سفري بدون محرم حيث إن زوجي مسافر، ووالدي وأخي ليس لديهم الوقت للسفر معي ... أريد أن أتقدم باستقالتي، وأعيش حياتي كامرأة مسلمة، نظم لها الإسلام حياتها ويسرها لها ... ولكن هناك صوتا يقول لا تنسحبي بدون الماجستير، حتى لا يقال: فشلت!! ولكني لا أجد من الحرج أن أقول: فشلت في أمر بحياتي؛ فليس على المرء أن ينجح دائما!! فما رأي فضيلتكم؛ هل أكمل المسير؟ أم انسحب بهدوء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يبارك فيك ـ أيتها الأخت الكريمة ـ وأن يحفظك من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا وإياك الإخلاص لله، في السر والعلن، والثبات على صراطه المستقيم.
وقد سبق منا بيان أنه يحرم الاختلاط في العمل والدراسة وغيرهما؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد ومحاذير لا تخفى، وينظر: سؤال رقم (112188) .
وتفكيرك في ترك العمل والبعد عن الاختلاط والتضحية بالوظيفة والمنزلة في سبيل تحصيل الدين يدل على رجاحة عقلك وحسن تفكيرك وإيثار الباقي على الفاني. ولا شك أن حفظ الدين مقدم على تحصيل المال والجاه، وكون الإنسان مطيعا لربه، حسن الصلة به، هو النجاح الحقيقي، فلا يضره أن يقال عنه غير ذلك. قال تعالى: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران/185
وليكن نصيبك من ربك، وحرصك على رضاه، كما قال القائل:
فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ
وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ
إِذا نِلتُ مِنكَ الوُدَّ فَالمالُ هَيِّنٌ وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابُ
وأما كلام الناس: فدعيهم ـ يا أمة الله ـ يتكلمون؛ ومتى كان الناس يتكلمون؟!
واعلمي ـ يا أمة الله ـ أنه:
(مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ) ، كما قالت أمك: أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها.
[سنن الترمذي (2414) ] .
ولا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم؛ لما جاء من النهي عن ذلك، كما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا) .
والحاصل أن عملك هذا قد اشتمل على أمرين محرمين، وهما الاختلاط، وما يقتضيه من السفر بلا محرم، وقد ذكرت أنه لا حاجة لك في هذا العمل، ماديا أو أدبيا.
وعليه فيلزمك تركه طاعة لله تعالى وابتغاء مرضاته، وينبغي أن تعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَعْطَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ) رواه أحمد (20739) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وإنا لنرجو الله تعالى أن يبدلك من حلاوة الإيمان، ونعيم السكن في بيت الزوجية، وقرة العين بالزوج والولد: ما يعوضك عما بذلتيه لله، وينسيك ألم الصراع الذي تجدينه.
واعلمي أن قرار المرأة في بيتها، وقيامها على شئون زوجها وأولادها، عمل عظيم يحتاج إلى اجتهاد وبذل، كما إنه يحتاج إلى تحصيل العلم الشرعي النافع، وهو أمر يغفل عنه كثير من النساء، مع تنوع الوسائل المعينة على ذلك، عن طريق الإنترنت والقنوات وحلقات العلم في المساجد، وهو شرف لا يدانيه شرف، وحسب طالب العلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) رواه الترمذي (2682) وأبو داود (3641) ، وابن ماجه (223) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1148)
مشاركة النساء في الغرف الصوتية الدعوية وما يترتب عليها من مفاسد
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ يدخل بعض النساء والفتيات للغرف الصوتية الدعوية لا لغرض الدعوة بل بحثاً عن زوج، وتحاول استمالة الإخوة الدعاة بطرق كثيرة، فمثلاً: تحاول أن تسأله عن أمر ما أو مسألة وذلك حتى توقعه في علاقة فيتبادلون كلمات الإعجاب، وذلك رغبة منها في الزواج، وقد تعرض لذلك عدد من الإخوة الدعاة، وانتكس حاله، والأدهى من ذلك هو أن بعض الإخوة جزاهم الله خيراً عندما ينتبهون من غفلتهم يقطعون تلك العلاقات فتقوم قائمة هؤلاء النسوة فيما بعد بالتحدث في عرض هؤلاء الدعاة رغم أنهن تعمدن فتنتهم، فما نصيحتكم لمثل هؤلاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للمرأة أن تشارك في المنتديات العامة وفق ضوابط وشروط سبق بيانها في جواب السؤال رقم 82196
ومنها: " " تجنب إعطاء البريد، أو المراسلة الخاصة مع أحد من الرجال، ولو كان ذلك لطلب مساعدة؛ لما تؤدي إليه هذه المراسلة من تعلق القلب وحدوث الفتنة غالبا ".
ولهذا فنصيحتنا للنساء أن يتقين الله تعالى، وأن يتجنبن المراسلة الخاصة وعبارات الثناء والإعجاب وأن يعلمن أن حرصهن على الزواج لا يبيح لهن ذلك، وما يدريهن فربما فتن المتحدث بكلام المرأة وتعاملها ولم يخطر بباله أن يتزوج منها، وربما فتنت هي، وتمادت في الحرام، وأغراها الشيطان بالاستمرار ولو علمت عدم إمكانية الزواج.
ولهذا كان الصواب منع المحادثة الخاصة والمراسلة بين الرجل والمرأة، لما يترتب عليها من البلاء والشر.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم 34841 ورقم 120268.
ثانيا:
نصيحتنا للرجال أن يتقوا الله تعالى، وأن يحذروا فتنة النساء، وألا يركن أحد منهم إلى علمه أو تقواه أو ثقته بنفسه، وحسبه قول نبينا صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) رواه مسلم (2742) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) رواه البخاري (5096) ومسلم (2740) .
وينبغي للداعية وطالب العلم أن يتعامل بحذر مع الأسئلة والاتصالات والمشاركات التي ترد إليه، وأن يكون متيقظ القلب لما قد تشتمل عليه من الإغراء أو الإعجاب، وأن يئد الفتنة في مهدها، وأن يكون قدوة للرجال والنساء، فإذا ما رأى مخالفة أنكرها، ونصح وبَيَّن، وإذا ما شعر بتساهل المرأة أوقفها عند حدها، وقطع حديثها، وتجاهل اتصالها أو مشاركتها، مستشعراً مراقبة الله تعالى له، واطلاعه على باطن أمره، حامدا ربه على نعمة العلم والفهم، مدركا أن الله قد يبتلي أمثاله بسلب العلم، وطمس البصيرة، كما جرى لبعض علماء بني إسرائيل، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الأعراف/175، 176.
والواقع يشهد أن بعض الصالحين أو من يُرى كذلك، إنما جاء انحرافهم من قبل التساهل في الحديث مع النساء، عبر الإنترنت وغيره، وإذا خسر الإنسان دينه فما عساه أن يربح ويكسب!
وينظر للاعتبار جواب السؤال رقم 98107 ورقم 66266.
وينبغي للقائمين على هذه الغرف الدعوية أن يقوموا بالحسبة، وأن يعينوا إخوانهم على الابتعاد عن مواطن الفتن، وأن يمنعوا مشاركة من يُخشى شره من النساء أو الرجال، وألا يستضيفوا إلا من عرف بالصلاح والتقوى حتى لا تصبح هذه الغرف مجالا للظهور والتمشيخ والترأس.
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، وأن يصرف عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1149)
من مفاسد مشاركة المرأة للرجال في إدارة المواقع الدعوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في موقع دعوي يتخفى صاحبه تحت اسم مستعار على أنه رجل دين ويتقي الله، كان يحادثني على الماسنجر ساعات تطول بحجة الموقع وبدأ يخوض في مسائل شخصية، لا أطيل عليكم، بدأ يلفق لي التهم الواحدة تلوى الأخرى، بالإضافة للتحطيم المعنوي، مثلاً يقول: (أنا فرضتك على المجموعة والكل هنا لا يحبك. البنات يخافون منك. أنا أشك أنكِ رجل ولولا الحياء لطلبت سماع صوتك ... ) وأنا واعية وأفهم أساليب الشباب فلم أفسح له المجال مطلقاً لنيل مراده، واستمر الحال مدة عام أو تزيد، وفي يوم تفاجأت بأنه يخبرني أنه يعرف حقيقة مشاعري نحوه وأني أحبه! ، وقد أشاع بطريقته هذا الكلام بين أوساط الفتيات في الموقع! ، صدمت لهذا وتلفظت عليه وأنهيت علاقتي به واستمريت في عملي بالموقع. بدأ يقف بوجهي في العمل ويعترض على كل ما أقوم به ويحرجني مع الكثير (أي يكسر كلمتي مهما كان الأمر مهم ولصالح الموقع) اعترض طريقي وضيق عليّ حتى كرهت العمل وتوقفت تماماً، والآن يريد إخراجي من الموقع فهل يحق له كل هذا؟ مع أني من أول المؤسسين وثاني المنتسبين له بعده، فبماذا تنصحوني؟ أحس بقهر كبير وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للمرأة أن تشارك في المنتديات العامة وفق ضوابط سبق بيانها في جواب السؤال رقم (82196) ومنها:
" تجنب إعطاء البريد، أو المراسلة الخاصة مع أحد من الرجال، ولو كان ذلك لطلب مساعدة؛ لما تؤدي إليه هذه المراسلة من تعلق القلب وحدوث الفتنة غالبا ".
وهذه المراسلة طريق من طرق الشر التي ينخدع بها بعض الناس، وإذا سلم أحد الطرفين منها لقوة إيمانه ودينه فإنه لا يضمن سلامة الطرف الآخر، ومن شأن تلك المحادثات أو الكتابات أن تؤدي إلى إذابة الحواجز بين المرأة والرجل، ولا يُدرى ما يكيد به الشيطان لهما إن كانا سليما النية والقصد، كما لا يُدرى ما يكيده الطرف الآخر إن كان شيطاناً من الإنس، والواجب على المسلم الحذر من كل ما يؤدي إلى فتنته، أو فتنة غيره به.
ولهذا فنصيحتنا لك أن تدعي العمل في هذا المنتدى فوراً، وأن تقطعي كل صلة بهذا الرجل، وألا تأسي على فوات ما حصلت عليه في الموقع من مكانة وتميز، فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
ويمكنك المشاركة فيه وفي غيره كتابة ونصحاً وتوجيهاً دون أن يكون لك علاقة بإدارة الموقع، وهذا أسلم لدينك، وأتقى لربك، كما يمكنك التعاون مع بعض الصالحات للعمل في منتدى نسائي، تواصلين فيه عطاءك.
ونسأل الله تعالى أن يحفظك بحفظه، وأن يرد عنك كيد الكائدين.
وينظر: للفائدة جواب السؤال رقم (92824) ورقم (34841) ورقم (120268) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1150)
اتصلت على مدرسها لتهنئة فجاء بيتها يراودها عن نفسها
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقة لي، قصتها بدأت وهي في الثانوية وكانت تحب مدرسا ولم تبح له وأنا نصحتها كثيرا جدا وقلت لها بأن هذه مشاعر مراهقة لا أكثر المهم خلصنا دراسة والمدرس تزوج وهى أيضا تزوجت منذ أشهر وفى العيد الماضي اتصلت بالمدرس كي تعيد عليه هو وعائلته وفوجئت بأنه اعترف لها بأنه كان يحبها ولكن كبريائه منعه من البوح لها وقال لها إنه لو كان عرف لها تليفون كان اتصل بها وعرف منها عنوان بيتها بعد إلحاح شديد وقال لها إنه مسافر ولازم يشوفها لآخر مرة وهي رفضت وبعد ما قفلت التليفون معاه بقليل رن جرس الباب فتحت فوجدته ولم تتمالك أعصابها فدخل وحاول أكثر من مرة أنه يفعل معها المعصية فرفضت وطردته، وهو قد سافر، المهم أنها من وقت هذا الموقف تشعر بالندم وغير قادرة تنظر في وجه زوجها وخائفة إن لا يغفر الله لها، ولا تدري هل تقول لزوجها أولا، انصحوني بماذا أقول لها كي أساعدها في حل مشكلاتها؟ وهل هي تعتبر خائنة لزوجها ولا تستحق العيش معه أم أن الله حليم غفار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا شك أن صديقتك أخطأت في حق ربها وحق زوجها مرات، وذلك أولا: باتصالها بهذا المدرس ثم بعدم قطع الاتصال الهاتفي مع مدرسها حين بدأ يذكر لها حبه القديم، فإن هذا من الكلام المحرم الذي لا يجوز أن يكون بين رجل وامرأة لا تحل له، وثانيا: بإعطائه عنوان منزلها، فإن هذا خطأ في جميع الأحوال، إذ أقل ما يتوقع هو أن يزورها ولو في حضور زوجها، ومثل هذه الزيارات التي تقابل فيه المرأة الرجل، زيارات محرمة وإن استهان بها كثير من الناس، وثالثا: لأنها فتحت بابها ومكنت رجلا أجنبيا من دخول بيتها، وهي مؤتمنة على عرضها وبيتها، ومن حق زوجها عليها ألا تخونه في ذلك، وألا تُدخل بيته من لا يحل له الدخول، كما في الحديث: (وَلَكُم عَلَيْهنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَداً تَكْرَهونَهُ) رواه مسلم (1218) .
ثانيا:
نحمد الله تعالى أن انتهى الأمر إلى ما ذكرت، وصرف الله عنها كيد الفاجر، وإلا فإن من يتبع خطوات الشيطان يوصله إلى ما هو أسوأ من ذلك مما يهلك دينه ودنياه، نسأل الله العافية.
وما جرى لصديقتك هو أثر من آثار الدراسة المختلطة، التي لم يفتأ الصالحون ينادون بمنعها؛ لما يترتب عليها من الفساد والشر.
ثالثا:
الواجب على صديقتك أن تتوب إلى الله تعالى من هذه الأخطاء والذنوب، وذلك بالندم على فعلها، والعزم على عدم العودة إليها، ومقاطعة ذلك الفاجر مقاطعة تامة.
وعليها أن تستر نفسها، ولا تخبر زوجها ولا غيره بذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل) والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 663.
وروى مسلم (2590) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
وهذا من البشارة للتائب الذي ستره الله تعالى في الدنيا، أن الله سيستره في الآخرة.
نسأل الله أن يتقبل توبتها، ويصلح حالها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1151)
تدرس في جامعة مختلطة وتريد تركها ولبس النقاب مع رفض والديها
[السُّؤَالُ]
ـ[خطبت فتاة تدرس معي في الكلية , أكملت أنا دراستي، وأنا بصدد أن أجمع من فضل الله كي نتزوج، لكن هي لا تزال تدرس. وكنا قد نوينا أن تنتقب بعد زواجنا، لكن مع المضايقات الشديدة لمظاهر الالتزام، والله يا شيخنا الجليل يعاكسونها في طريق الدراسة، ومع شدة توقنا للمرور إلى انتقابها: أصبحنا في حيرة كبيرة، خاصة في ظل الفتنة , ... والأمر كما تعلم ... وبما أنها في صدد ختم دراستها، فقد قوبل عزمها على الانقطاع عن الدراسة وانتقابها، بالرفض الشديد من والديها. أرجو منك أن تفتينا؛ فنحن نثق فيك جدا، خاصة أن دراستها تستلزم الذهاب إلى الكلية، بشكل منتظم. 2ـ الأمر الثاني: أنا اعمل الآن في شركة خاصة لتصميم مواقع الويب، والحمد لله، لم تصادفني مشاكل سوى أننا نستخدم ـ غالب الأحيان ـ برامج للكمبيوتر، وكل ما أخشاه: أن يكون كسبي فيه من الحرام، والعياذ بالله، مع عدم قدرة الشركة على شراء حقوق تنصيب هذه البرامج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يحفظكم ويرعاكم ويزيدكم إيمانا وهدى، ونقول: أحبك الله الذي أحببتنا له.
ثانيا:
الواجب على المرأة أن تستر جميع بدنها عن الرجال الأجانب لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (11774)
ثالثا:
يحرم الاختلاط بين الرجال والنساء في التعليم وغيره؛ لما يقتضيه من الوقوع في كثير من المحظورات، ولما يترتب عليه من المفاسد، وانظر: السؤال رقم (1200) ورقم (103044) .
رابعا:
نظرا للأوضاع التي يعيشها المسلمون في بلدك، والحرب المعلنة على النقاب والحجاب، ونظرا لما ذكرت من رفض الوالدين لترك ابنتهما للدراسة، وكونها في ختام دراستها، فنرجو ألا يكون عليها بأس في مواصلة دراستها، مع اجتهادها في تقليل الشر ما أمكن؛ فلا تتحاور مع الرجال، ولا تعطي أحدا مجالا للحديث معها، أو التعرف عليها، ولا تخرج للجامعة إلا فيما يلزم الخروج إليه.
وينظر: سؤال رقم (113431)
خامسا:
لا يجوز نسخ الأقراص التي لم يأذن أصحابها في نسخها، وذلك مراعاةً لحق الاختراع، وهو حق معتبر لا يجوز الاعتداء عليه، والتزاما بالشرط الذي تعاقد عليه المتعاقدان، إلا أن تكون الأقراص لشركة من دولة تحارب المسلمين، فلا حرج حينئذ، أو أن يكون النسخ للاستعمال الشخصي، لا سيما عند عدم توفر الأصل أو عدم القدرة على دفع ثمنه.
وينظر: سؤال رقم (72848)
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1152)
طالبة منتقبة تدرس صيدلة فهل تُظهر يديها أمام الطلاب والمدرسين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل دراستي للصيدلة تتطلب مني خلع القفازين، فماذا أعمل؟! هل أخلعهما، أم أني أترك الدراسة، أم أواجه المدرس، والمدرسة، وزملاء العمل، وأرفض نزعهما مع تحمل كافة المسؤولية التي قد تقع لأن الأنابيب الزجاجية قد تنزلق من بين يدي - وقد لا تنزلق -؟! . أعانكم الله على الحق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بدَّ أن تعلمي أن الدراسة المختلطة بين الرجال والنساء: لا تجوز، سواء في مدرسة، أو معهد، أو جامعة.
ومثله يقال في العمل المختلط بين الرجال والنساء.
وقد ذكرنا أدلة تحريم الاختلاط في جواب السؤال رقم (1200) ، وبيَّنا حكم العمل المختلط في جواب السؤال رقم (39178) ، وتجدين ضوابط عمل المرأة في جواب السؤال رقم: (22397) ، وفي جواب السؤال رقم (6666) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط، فلتنظر هذه أجوبة هذه الأسئلة.
وفي حكم الدراسة المختلطة: انظري أجوبة الأسئلة: (110267) و (40233) و (45883) .
ثانياً:
وإذا كانت الدراسة مختلطة محرمة، أو كان العمل مختلطاً محرَّماً: لم يكن ذلك عذراً للمرأة أن تكشف وجهها، أو يديها، أمام الطلاب، أو المدرسين، أو الزملاء! .
قال ابن القيم - رحمه الله -:
العورة عورتان: عورة النظر، وعورة في الصلاة؛ فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق، ومجامع الناس كذلك.
" إعلام الموقعين " (2 / 80) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
المرأة الحرة عورة، يحرم عليها كشف وجهها وكفيها بحضرة الرجال الأجانب منها، سواء كانت في الصلاة، أو في حالة إحرام، أو في غير ذلك من الحالات العادية؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وإذا كان هذا في حالة الإحرام المطلوب فيه كشف وجه المرأة: ففي غيرها أولى؛ لعموم قوله عز وجل: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الآية.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 256) .
وعلى ذلك، فمن ابتليت بشيء من الاختلاط في العمل أو الدارسة، ولم يمكنها ترك ذلك، أو كان ما بقي لها منه شيء يسير: أن تبحث عن قفازات طبية، لا تُظهر اليدين، ولا تنزلق معها الأنابيب، ولا يزال الأطباء والصيادلة والباحثون يستعملون مثل هذه القفازات، بل لعلهم أن يكونوا مُلزمين بلبسها، أو أنها تخلع القفازات دون أن يكون معها أو بجانبها من يراها من الرجال، وإذا قدر أنه قد حصل لها شيء من الضرر المادي، أو تحمل خسارة أو إتلاف، من جراء التزامها بالنقاب أو القفازين، فلتصبر على ذلك، ولعل الله أن يجعله كفارة لذنبها، ورفعة لدرجتها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1153)
زوجها طبيب نفسي يعالج النساء مع وجود طبيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لزوجي معالجة النساء لأنه طبيب نفسي مع العلم بوجود طبيبة يمكنها القيام بذلك؟ أرجوكم أفيدوني لأنه دائما يتهمني بالغيرة، وأنا والله أريد أن أعرف الحلال من الحرام، وأكون أنا وهو على الطاعة دائماً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن يكون علاج المرأة على يد طبيبة، لما يقتضيه العلاج من نظر وفحص، لكن إذا دعت الحاجة إلى ذهاب المرأة إلى طبيب، كما إذا لم يوجد غيره، أو كان أمهر وأحذق، فلا حرج حينئذ، وعلى الطبيب أن يراعي ما يلي:
1- عدم الخلوة مع المريضة، فيشترط حضور محرمها معها، كأب أو أخ أو زوج، وإن حضرت مع امرأة تحصل بوجودها الحشمة، كأمها مثلا، فلا حرج، لأن الخلوة تنتفي بذلك.
2- ألا ينظر إلا لما تدعو إليه الحاجة، وأن يتقي الله تعالى في ذلك، ويوقن بأن الله يراه، ويحصي عمله.
3- ألا يمس من بدنها إلا ما تدعو إليه الحاجة في الفحص، وإن أمكن الفحص مع حائل على اليد، لزمه ذلك.
4- أن يقتصر كلامه مع المريضة على قدر الحاجة.
فإذا راعى زوجك هذه الأمور، فلا حرج عليه في معالجته للنساء.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم ذهاب المرأة إلى طبيب يعالجها مع وجود طبيبة في نفس الاختصاص؟
فأجاب: "إذا كان الاختصاص واحداً والحذق (المهارة) متساوياً بين الرجل والمرأة فإن المرأة لا تذهب إلى الرجل، لأنه لا داعي لذلك ولا حاجة، أما إذا كان الرجل أحذق من المرأة، أو كان اختصاصه أعمق فلا حرج عليها أن تذهب إليه، وإن كان هناك امرأة؛ لأن هذه حاجة، والحاجة تبيح مثل هذا " انتهى من "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 693) .
ومن قرارات مجمع الفقه الإسلامي: " الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم. على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته، وألا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة " انتهى نقلا عن مجلة المجمع (ع 8، ج1 ص 49) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (69859)
ثالثا:
غيرة المرأة على زوجها أمر محمود، يدل على حبها له، لكن إن زادت أضرت بها وبزوجها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يحصل بيني وبين زوجي خصام في أكثر الأحيان وذلك بسبب غيرتي عليه، فأنا أغار عليه وأراقب نظراته، وإذا لمحت منه أي نظرة أو اشتبهت فيها غرت عليه، وهو يحتج عليَّ دائماً بأن الغيرة المحبوبة إلى الله هي الغيرة في محارم الله، وأما الغيرة التي تقع مني فهي تسبب الطلاق، ولم أقتنع بكلامه لأنني أعتقد أن من حقي أن أغار عليه حتى ولو لم يقصد، علماً أنه ملتزم ولا أشك فيه، وجهني بما تراه وفقك الله؟
فأجاب: "أوجه هذه السائلة أن تخفف من غيرتها، وإلا فإن من طبيعة المرأة أن تغار على زوجها، وهذا دليل على محبتها له، ولكني أقول: الغيرة إذا زادت صارت غبرة وليست غيرة، ثم تتعب المرأة تعباً شديداً، لذلك أشير على هذه المرأة أن تخفف من غيرتها، وأشير على الرجل أيضاً أن يحمد الله على أن هيأ له امرأة صالحة تحبه، لأن هذا -أعني: التحاب بين الزوجين- مما يجعل الحياة بينهما سعيدة، وإلا فإن الغيرة أمر فطري لا بد منه. أرسلت إحدى أمهات المؤمنين إلى النبي عليه الصلاة والسلام طعاماً في إناء، وهو في بيت إحدى نسائه، فلما دخل الخادم بالطعام والإناء فرحاً به يهديه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن من امرأة أخرى، هذه المرأة التي هو في بيتها غارت فضربت يد الخادم وسقط الإناء وتكسر وتبعثر الطعام، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوبخها، بل قال: (غارت أمكم) أو كلمة نحوها، أخذ الطعام والإناء وأخذ طعام المرأة التي هو في بيتها وإناءها وقال: (إناء بإناء، وطعام بطعام) وأرسله مع الخادم، لأن الخادم إذا رجع وقال: إن المرأة هذه فعلت كذا وكذا سوف تتكدر المرسلة، فإذا جاءها إناء ضرتها وطعام ضرتها سوف تبرد، وهذا من حكمة الرسول عليه الصلاة والسلام. المهم أن الغيرة بين النساء أمر لا بد منه، وأرى أن من نعمة الله على الزوج أن تكون المرأة تحبه إلى هذا الحد، ولكني أقول للمرأة: خففي من الغيرة لئلا تشقي على نفسك وتتعبي، وأقول للرجل: احمد ربك على هذه النعمة،
ولا يزداد ذلك إلا رغبة في أهلك ومحبة لهم. أما مسألة الطلاق فلا تذكره أبداً عند المرأة، الرجل إذا ذكر الطلاق عند المرأة صار هذا الشبح أمام عينها نائمة ويقظانة، وهذا غلط، ولهذا من السفه أن بعض الناس يذكر كلمة الطلاق لامرأته، حتى ولو للتهديد. يا أخي: هددها بغير هذا، تهددها بالطلاق فيبقى الشيطان دائماً يعمل في قلبها حتى تؤدي النهاية إلى الفراق والعياذ بالله " انتهى من "اللقاء الشهري" (31/13) .
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1154)
متزوجة وترغب التزوج بآخر زواج متعة!
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على مريضة بأمريكا مع زوجها، ومن شدة إعجابي به أطلب منه أن يؤمني بالصلاة، ويصطحبني إلى المسجد، ولكي لا يفارقني طلبت منه أن يصوم معي الأيام البيض، ورفض أمام زوجته، أُصرّ، وأتصل، ويصدني، هل يجوز أن أطلب منه أن يتزوجني متعة، علماً بأني مرافقة لزوجي المريض في أمريكا أيضاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
والله لا ندري هل هذا السؤال له واقع في الوجود أم هو محض خيال من باعثه، ولا ندري هل هو من عبث مرسله أم هو حقيقة فعلاً، وإن كان حقيقة ليس من نسج الخيال: فنحن أمام جهل وانحراف عن الجادة غير عاديين، امرأة متزوجة وتطلب من رجل يتزوجها متعة! هل هذا يمكن أن يصدر من مسلمة؟
وتبدأ المشكلة من خيانة المرأة لدينها، وزوجها، فقد زين لها الشيطان ذلك الأجنبي عنها، فوقع في قلبها الإعجاب به، ثم سوَّل لها لتجعل من العبادة طريقاً للوصول إليه، والتقرب منه! فأرادته إماماً لها! وصائماً معها! لتتوصل بذلك إلى فعل الفاحشة تحت مسمى "نكاح المتعة"!!
وكل هذا والزوج الغافل يظن أن امرأته العفيفة جاءت ترافقه في علاجه، وتسهر على راحته، وتؤدي بعض ما أوجب الله عليها من العشرة بالمعروف له.
ياهذه! نكاح المتعة ليس نكاحا صحيحا، بل هو زنى، وقد حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وانظري جواب السؤال رقم (1373) .
فالواجب على هذا المرأة الآن:
1. قطع علاقتها بذلك الرجل الأجنبي عنها فوراً، ودون تردد، أو تلكؤ، ولتحذر من تغليف علاقتها المحرمة بغلاف العبادة والطاعة؛ فإن هذا يزيدها إثماً.
2. زواج المتزوجة من غيرها لا يجيزه دين، ولا عرف، ولا قانون، ولا عقل، فمجرد تفكير المتزوجة به يدل على خلل يجب عليها تداركه، إما في دينها، أو عقلها.
3. الالتفات للعناية بزوجها، وعدم إطلاق بصرها فيما حرَّم عليها، ولتعلم أنها في قيامها على خدمة زوجها والعناية به تحصِّل أجوراً عظيمة من ربها تعالى، فلتحرص على هذا الباب من الخير، ولتتق الله ربها فيما تفعل، وتترك.
4. الرجوع بزوجها حال الانتهاء من العلاج فورا.
ونسأل الله تعالى لها الهداية والوقاية من الفتن.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1155)
معجبة برجل متدين، وبينهما مراسلات تهنئة ومواعظ، فكيف تتصرف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة تخرجت من الجامعة قبل 4 سنوات، والحمد لله ملتزمة بالحجاب، وحفظ القرآن، وأحب الإسلام كثيراً، وأرغب في أن أكون على علم بكل تفاصيل ديني، أنا نشأت في عائلة محافظة، وخلال جميع مراحل حياتي لم أختلط مع الشباب، وحتى في العمل، ولم يدخل رقم " موبايل " شاب إلى موبايلي، ودائماً كنت أدعو الله أن يرزقني الله زوجاً صالحاً، يساعدني على تعلم الشريعة والقرآن، ويساعدني على الالتزام، ورفضت كل من تقدم لي من الشباب لأنهم لم يكونوا بمستوى التدين الذي كنت أحلم به. ومشكلتي تبدأ عندما فتحت مكتباً هندسيّاً، وصرت أعمل فيه لأساعد أهلي، حيث تعرفت على شاب كان يتردد إلى مكتبي لبعض أشغاله، وهو يدرس الماجستير بعلم الحديث، وهو من الأوائل في تخصصه، فسألته إن كنت أستطيع الاعتماد عليه لبعض الأسئلة المتعلقة بالشرع، فطلب مني رقم تلفوني كي يخبرني بالجواب، فأعطيته الرقم؛ لأنني واثقة من نفسي، ومنه، فهو من أهل الشريعة، ولا أخفي أنني أعجبت بشخصيته الإسلامية كثيراً، فقلما ترى شابّاً يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ويترك لحيته في مجتمعي، وبعدها خابرني، وردَّ لي الجواب، وقال إنك تستطيعين الاتصال كلما احتجت لشيء، وبعدها أرسلت له رسالة لأشكره، وأهنئه بمناسبة شهر رمضان، فردَّ على رسالتي، وبعدها صار يرسل لي بين كل فترة وأخرى رسائل تشتمل على نصائح، ودعاء، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وصرت أرد عليه بالمثل، مع أنني كنت أفرح برسائله كثيراً، وكانت تحسسني بأنه يتذكرني، ويفكر فيَّ، وكنت أدعو الله أن يجعله من نصيبي، وكنت أقول إنه ربما يتخرج، ويتقدم لخطبتي. لا أدري لماذا تعلقت به، وكلما تقدم لي شاب كنت أرفضه، وأقارن بينهما وخاصة بمسألة التدين، ولكنني في بعض الأحيان كنت أقول بأن تبادل الرسائل معه حرام، وكنت أتوقف عن ذلك، لكنه كان يراسلني بالأسبوع رسالة، فكنت أرجع وأقول: إنه لو كان حراماً فهو من أهل العلم، فكيف يرضى بذلك؟ وأنا لا أعرف إن كان متزوجاً، أو لا، إلا أنني أظن أنه لو كان متزوجاً ما كان ليراسلني، فأنا أعرف المجتمع الذي أعيش فيه. وأنا الآن لا أدري ماذا أفعل؟ وكيف لي أن أعرف إن كان متزوجاً أو لا؟ أو إن كان يريدني أو لا؟ وإن كانت مراسلته لي حرام؟ وهل أبقى أنتظره؟ ولا يوجد من يساعدني ممن أثق بهم، وأنا أعلم أن ظروفه المادية ليست جيدة، وكنت أقول: إن هذا هو السبب لأنني على قدر من الجمال مما يجعل الكثيرين يتقدمون لي، انصحوني، أرجوكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تتنوع طرق الشيطان وأساليبه في الإيقاع بفريسته، وها هي العبارات نفسها تتكرر في كل حادثة: " أثق بنفسي "، " أثق به "، " من أجل العلم والفائدة "، " تهنئة بقدوم رمضان، والعيد "، ثم يكون بعد ذلك التعلق القلبي، ثم كلمات الإعجاب، ثم العشق، وقد يستمر الأمر إلى ما هو أشنع من ذلك، وأشد تحريماً.
لقد أخطأت حين أعطيت رقم جوالك لرجل أجنبي عنك، وأخطأت حين أرسلت له رسالة شكر ثم رسالة تهنئة، وأخطأت حين سمحت له باستمرار مراسلتك.
وقد بيَّنا حكم المراسلة والمحادثة بين الجنسين في فتاوى متعددة، فانظري أجوبة الأسئلة: (78375) و (26890) ، (82702) .
وأمامك طريقان لإنهاء هذه المشكلة، والكف عن الاستمرار في المعصية، وهما:
أن تعرضي عليه الزواج منك، ولكن بطريقة تحفظ لك كرامتك وحياءك.
وقد ذكرنا كيفية ذلك في جواب السؤال رقم (99737) فارجعي إليه.
أو ترسلي إليه رسالة بأنك أخطأت حين سمحت له باستمرار مراسلتك، وأنك غير راضية بذلك، وأنك قد قررت قطع تلك المراسلة.
وحينئذ إما أن يصارحك هو بموضوع الزواج منك، أو يرضى بقطع المراسلة فيكون قد حصل المقصود على أيٍّ من الاحتمالين.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1156)
وعدها بالزواج ثم تدين واستقام ورآها لا تصلح له
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل لم يكن ملتزماً بالدين واعتاد النظر إلى جارته غفلة منه وهو يظن لا شيء عليه خاصة لحال المجتمع الذي يعيش فيه، واستمر على هذه الحال فترة من الزمن دون أن يحدثها مباشرة ولكنه تعلق وتعلقت به، ويوم أن هداه الله تعالى أدرك أن ما كان عليه إثم ومنكر فقرر أن يقطع هذه العلاقة فأخبر هذه الفتاة بالأمر دون أن يحدثها مباشرة ووعدها بالزواج بعد أن تتم دراستها، ومع مرور الزمن ازداد تدين هذا الشخص وأصبح يرى أن هذه الفتاة لا تصلح له كزوجة بالمقاييس الشرعية منبتها سيء – أمها - فقرر ألا يتزوجها، وهو الآن محتار في أمره فهل له الحق أن لا يتزوجها وفي أن يخلف وعده لها؟ وهل عليه إثم في هذه الحالة؟ وإلا فكيف حل مسألته هذه؟ مع العلم أن أحد الشباب كان يرغب في خطبة هذه الفتاة فلما علم برغبة الشخص السائل الزواج بها أعرض عن ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي لهذا الشاب أن يحمد الله تعالى على توفيقه وهدايته وصرفه عن طرق الحرام والمنكر، ولا يلزمه الزواج بهذه الفتاة ولو كان قد وعدها بذلك؛ فإن الإنسان يباح له أن يفسخ الخطبة إذا وجد المبرر لذلك، كما لو تبين له أن الفتاة لا تناسبه، فكيف إذا لم تكن الخطبة قد تمت.
وعليه أن يبحث عن ذات الدين والخلق والمنبت الحسن، وأن يقطع علاقته بهذه الفتاة وبكل أجنبية عنه.
ونسأل الله له التوفيق والثبات.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1157)
حكم العمل مع وجود الاختلاط
[السُّؤَالُ]
ـ[ي هو في مسألة الاختلاط أريد أن أعرف ثمنه هل هو حرام أم لا؟ لأن هناك من يقول: إن ثمنه حرام، لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، رغم أنه تقريباً لا يمكن وجود غيره للظروف المعاشة في الجزائر -- الاختلاط 100 % -- فما رأيكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل أو الدراسة أو غيرها؛ لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم 1200، ورقم 50398.
وأما الحديث الذي أشرت إليه، فقد رواه أحمد (2964) وأبو داود (3488) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا عِنْدَ الرُّكْنِ، قَالَ: فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَضَحِكَ، فَقَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ثَلَاثًا، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) .
ولفظ أحمد: (وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ شَيْئًا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) .
ورواه ابن حبان في صحيحه (4938) والدارقطني في السنن بلفظ: (إن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه) والحديث صححه الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود.
وهذا الحديث ينطبق على من أخذ الأجرة على نفس الاختلاط، لا على من عمل عملا مباحا، لكن كان العمل مختلطا، فإن الأجرة إنما تؤخذ هنا على العمل.
ولكن الاختلاط محرم كما سبق، وعلى المرء أن يبحث عن عمل آخر يسلم فيه من الوقوع في الحرام، فإن لم يجد، فليتق الله تعالى، ويغض بصره عن النساء، ويتجنب الخلوة والمصافحة، وكذلك الحديث معهن ما أمكن، حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا.
وانظر جواب السؤال رقم 69859.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1158)
محادثة الرجال عبر الماسنجر لاختيار الزوج المناسب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم هذه المواقع في الإنترنت، أنا فتاة أبلغ من العمر 26 وأدخل إلى هذه المواقع بنية البحث عن رجل ذي أخلاق ومسؤولية، ويتم التعرف عليهم من خلال إضافتهم إلى المسنجر والتحدث معهم لمعرفة طباعهم وسلوكياتهم، وإن لمست عدم جدية الطرف الآخر: حذفتهم من القائمة، وكأن شيئا لم يكن؛ فأنا جادة في الحصول على زوج، وإذا تم الاتفاق بين الطرفين فسأسمح له بزيارة الأهل لخطبتي؛ فما حكم الإسلام في ذلك؟ أرجو الرد سريعا فأنا في حيرة من أمري، ولا أريد أن أغضب ربي وشكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المقصود هو دخول مواقع التزويج على الإنترنت، فقد سبق بيان الضوابط التي يجب مراعاتها في ذلك، ومنها: " ألا يتاح المجال للمراسلة بين الجنسين؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد " وينظر: سؤال رقم 85099
وسواء كان الدخول إلى هذه المواقع أو إلى غيرها، فالذي لا نشك فيه هو منع المحادثة الخاصة بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه، سواء كان ذلك في الماسنجر أو في البالتوك أو غيرهما من برامج المحادثة. وأما المشاركة في المنتديات العامة فتجوز بضوابط.
وكم جَرَّت هذه المحادثات الخاصة على أهلها من شر وبلاء، حتى أوقعتهم في عشق وهيام، وقادت بعضهم إلى ما هو أعظم من ذلك، والشيطان يخيل لكل من الطرفين، من أوصاف الطرف الآخر ما يوقعهما به في التعلق المفسد للقلب والعقل.
إن البحث في غرف المحادثات: هو بحث عن الأوهام، في عالم مجهول!!
وإذا كنت أنت صاحبة نية صالحة، وتريدين العفاف، فإنك لا تعلمين عن الطرف الآخر شيئا، فربما تظاهر أحدهم بالأدب والوقار والجد في البحث عن زوجة، وهو كاذب مخادع، يسعى إلى تطمين الفتاة وكسب ثقتها، ثم لا يلبث الشيطان أن يزينه في عينها، ويغريها بمحبته، فيبدأ التساهل في الضوابط، ثم الانحدار شيئا فشيئا نحو المعصية.
ومن جملة المفاسد الظاهرة في هذه المحادثات: اعتياد المرأة على مخاطبة الرجال ومحادثهم وإضافتهم إلى الماسنجر، وهذه كلها خطوات من خطوات الشيطان، يصطاد بها أهل الغفلة الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وكم من فتاة فقدت عفافها وطهرها، وانغمست في أوحال الرذيلة، بسبب مكالمة أو محادثة، لم تكن تظن أن تبلغ بها هذا المبلغ.
قال الله تعالى محذرا عباده: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21
فلتعلمي ـ يا أمة الله ـ أن المحادثة بين الرجل والمرأة هي واحدة من هذه الخُطوات، تفتحين بها ـ أعاذك الله وعصمك ـ طريقا مظلما من الشر والفساد!!
وأما أنك سوف تعرفين طباع الرجل وسلوكه من خلال المحادثة، فهذا مجرد ظن حالم، لا حقيقة له، فإن الذئاب البشرية – وما أكثرها في عالم الانترنت – قادرة على الظهور بكل لباس، والتقنع بكل قناع، وهيهات أن تعرفي حقيقة محدثك، ولو استمرت المحادثة شهورا لا أياما.
وأما قولك: " وإن لمست عدم جدية الطرف الآخر حذفتهم من القائمة وكأن شيئا لم يكن " فهذا وهم آخر، فإنك لا تملكين قلبك ومشاعرك، وما أسرع تأثر القلب بالكلام الجميل، والأسلوب المهذب، وعبارات الشكر والتقدير، بل ما أسرع تأثره باعتياد المحادثة، والتعلق بمن يحادثه، ولو كان في أمور عادية تافهة، فها هي العفيفة المخدرة التي لا تعرف الرجال، أصبحت تنتظر كل ليلة الحديث مع رجل!
وسوف تأخذ القضية مظهرا من أوهام الجدية: إن المسألة ليست مجرد كلمة من المرأة تنتظر جوابها من الرجل، هل يقبلها زوجة أم لا، أو هل تقبله أم لا، إنما هو حديث يراد منه التعرف على الطباع والسلوك، ومن حق الرجل أن يطيل معك الحديث، ويكرر المحادثة، بزعم الوثوق من هذه الطباع، ولن يتم ذلك إلا بالتحدث هنا وهناك، وإلا فلو كان حديثا جادا، لن يخرج أحد منه بفائدة!!
ولهذا فليس لدينا شك في تحريم هذه المحادثات، التي هي نوع من اتخاذ الأخدان، أو سبيل إليه، وفيها شبه ظاهر بالخلوة المحرمة، لأمن الطرفين من اطلاع الغير عليهما، وهي باب إلى العشق والفجور والإثم والمعصية، والواقع المشاهد، ثم ما يرد إلينا من الأسئلة والمشكلات في هذا الباب: خير دليل وبرهان.
ولمزيد من الفائدة: راجعي السؤال رقم (82196) و (92824)
نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، ويجنبنا وإياك الفتن؛ ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1159)
منتدى يستضيف نساء ورجالاً ويسألهم الكتَّاب أسئلة عامة، ووقفة مع آية الحجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد رأيكم في مسألة مهمة، في أحد المنتديات الإسلامية تم الإعلان عن عمل حوارات، ولقاءات مع شخصيات على المنتدى، منهم طلاب علم، اللقاءات نظامها كالآتي: يتم تحديد اليوم على المنتدى , ثم يدخل الأعضاء في هذا اليوم ليوجهوا أسئلة مباشرة للعضو المستضاف , والأسئلة يكون أغلبها شخصيَّة، مثل كيف تقضي وقت فراغك؟ ما هي هواياتك؟ كيف نشأت؟ صفة حسنة تتصف بها؟ موقف طريف مرَّ بك؟ هذه الأسئلة توجه من قبل الأعضاء - رجالاً ونساءً - إلى العضو المستضاف، والذي يكون أيضا رجلاً أو امرأةً , وتجعلهم يستشفون شخصية المستضاف، ويكوِّنون عنه صورة مثالية إلى حدٍّ كبير، وكما هو المعلوم أن رواد المنتدى منهم شباب، وفتيات، ومثل هذه الأسئلة إذا وجهها رجل لامرأة وأجابته: قد يفتن بها، ويكوِّن عنها صورة في خياله , والعكس صحيح , وأيضاً قد يتسلل الرياء إلى النفس , فلا أحد يحب أن يظهر إلا بأحسن صورة. قمت أنا بالرد عليهم، وتوضيح هذه النقطة لهم قلت إنه إذا كانت لقاءات النساء في منتدى خاص بهم , أي: النساء يوجهن الأسئلة للعضوة المستضافة في قسم خاص بهن , وبالمثل للرجال: هذا يقلل من الفتن، ويغلق باباً من أبواب الشيطان، جادلني شخص منهم وقال إنه إذا فكرنا بهذا المنطق فلا بد أن نغلق الجامعات لأنها سبب للفتن، وأيضا لا ننقل سير الأعلام والنبلاء، حتى لا يفتن الناس بهم، وأيضاً: يمكن أن يحدث حسد بين النساء في حوارهن مع هذه الفتاة طالبة العلم، إذن: لا نسمح لهن أيضا بالحوار معها؛ لأن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، واستدل بجواز مثل هذه الحوارات بأن قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمدح الصحابة، ولم يخف بوصول هذا المدح للنساء ليفتنوا به، قلت له: إن الوضع يختلف؛ لأن الفتنة بين الرجال والنساء إذا تم توجيه أسئلة مباشرة مثل هذه بينهم: أرجح، وأقوى في الحدوث، من الحسد بين النساء إذا تمت هذه الحوارات في منتدى خاص بهن، وأمر الشرع بسد أبواب الفتن، واستدللت بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والآية الكريمة (وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) ، وهنا ثار هذا الرجل، واتهمني بتحريف القرآن، والاستدلال بالآية في غير موضعها؛ لأن الآية تتحدث عن الحجاب، وأنا أفسرها على أنها دليل لسد الشرع لمداخل الشيطان بأن أمر خير خلق الله بعد الأنبياء، وهم الصحابة، وزوجات النبي صلي الله عليه وسلم أنهم إذا طلبوا منهم متاعاً أن يكون ذلك من وراء حجاب؛ للحرص على طهارة قلوبهم. الآن: هل أنا فعلا مخطئة بالاستدلال بالآية الكريمة في هذا الموضع؟ . السؤال الثاني: ما حكم هذه الاستضافات التي هي أساس المشكلة، وهل أنا مخطئة في رأيي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بحكم اتصالنا بالناس واتصال الناس بنا: وقفنا على مصائب، وقبائح، في المنتديات بما تشيب له رؤوس الولدان، ولم تفرق تلك المصائب والقبائح بين من ظاهره الالتزام، أو عكسه، فالجميع في هذه الفتنة سواء، بل إن مداخل الشيطان على الملتزمين متعددة، ومتنوعة؛ لإيقاعهم في شرَك المعصية، والفتنة.
وقد أوضحنا موقفنا هذا، وذكرنا ما نعتقد من الحكم الشرعي في مشاركة المرأة في المنتديات، ومناقشة الرجال فيها، في جواب السؤال: (82196) فليُنظر.
كما بينَّا في جواب السؤال رقم: (92824) بعضاً من مفاسد تلك المشاركات النسائية.
وما جاء في السؤال لا يختلف عما نحذِّر منه، فأي حاجة للرجال لاستضافة امرأة وسؤالها عن مسائل شخصية؟ وأي حاجة للنساء لمعرفة ذلك عن رجل أجنبي عنها، مع ما يكون مع ذلك من مزاح، وتعليقات، وإبداء إعجاب، ومراسلات خاصة، ومن نفى وجود ذلك: فهو متوهم، يعيش في غير العالَم الموجود.
لذا فإننا نرى أن مثل هذه الاستضافات، والحوارات، والأسئلة، تكون لكل جنس مع جنسه، فالمرأة مع بنات جنسها، والرجل مع الرجال، على أن تكون الأسئلة بعيدة عن الأمور الشخصية التي يُفهم منها تعلق، أو مزيد إعجاب، كما تتجنب الأسئلة التي تتعلق بالطاعات الخاصة التي يفعلها المستضاف بينه وبين ربه، فيزول بذلك ما ذُكر في السؤال من احتمال التعلق، أو التسبب في الكذب، أو الرياء.
ومفاسد الاختلاط في الحديث والمشاركات سواء الكتابية، أو الصوتية – في البالتوك – لم تعُد تخفى على أحدٍ، وما ذُكر في السؤال من طريقة في الكتابة في تلك الاستضافات لا نراها جائزة.
بل لكثرة الكذب والغش والتدليس في ذلك، وإمكان أن يدخل الرجل، باسم مستعار، يوهم أنه امرأة، والعكس، فلا نرى للمسلمة الصيِّنة إلا البعد التام عن مثل هذه الحوارات، التي إن سلمت من كل شر وفساد، فيكفيها وبالا ما فيها من إضاعة الزمان في غير نفع ولا طائل!
ثانياً:
أما الاستدلال بقوله تعالى (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/ 53 فهو استدلال صحيح لكلا الطرفين، ولا منافاة بينهم، فيستدل بها على وجوب الحجاب على عموم النساء، وحيث إن هذا الحكم لم يأت في الآية في صورة التعبد المحض، والأمر المجرد، وإنما ورد معللا بعلة، وهي طهارة القلب، فإن الاستدلال بها على المنع من كل ما يسبب مرضاً للقلب، والحث على كل ما يطهره، هو استدلال صحيح.
وهذه العلة في الآية قرينة قوية للاستدلال بالآية على وجوب الحجاب على عموم النساء، وأنه ليس خاصّاً بأمهات المؤمنين، ولا أن المخاطب بها هم الصحابة فقط، بل هم عموم المسلمين.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْألُوهُنَّ مِن وراء حِجَابٍ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) : قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمّنها: أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، وتكون في نفس الآية قرينة تدلّ على عدم صحة ذلك القول، وذكرنا له أمثلة في الترجمة، وأمثلة كثيرة في الكتاب لم تذكر في الترجمة، ومن أمثلته التي ذكرنا في الترجمة هذه الآية الكريمة، فقد قلنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: ومن أمثلته: قول كثير من الناس إن آية " الحجاب "، أعني: قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ) خاصة بأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى: (ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن، وقلوب الرجال من الريبة منهنّ، وقد تقرّر في الأصول: أن العلّة قد تعمّم معلولها ...
وبما ذكرنا: تعلم أن في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه صلى الله عليه وسلم، وإن كان أصل اللفظ خاصًّا بهن؛ لأن عموم علّته: دليل على عموم الحكم فيه ... .
" أضواء البيان " (6 / 242، 243) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1160)
يقوم بتعليم بعض الأخوات القرآن من وراء حجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في بلد أوروبي، وأقوم بتعليم الأخوات القرآن الكريم، فتقرأ علي بعض الأخوات البالغات القرآن الكريم وأنا أقوم بتصحيح التلاوة لهن، حيث أستمع لهن من وراء حجاب، فهل في ذلك حرج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأولى أن تتولى امرأة تعليم النساء وإقراءهن القرآن في المسجد أو البيت، فذلك أسلم وأبعد عن الفتنة.
فإن لم يتيسر ذلك، وأمكن الاكتفاء بالحفظ عن طريق المسجل أو الكمبيوتر، مع تعاون هؤلاء الأخوات على أمر المراجعة والمتابعة، فهذا حسن، وهو أولى من الجلوس إلى رجل يحفظهنّ.
وإذا دعت الحاجة إلى قيام رجل بتدريسهن وتعليمهن، لعدم وجود المعلمة، وتعذر تصحيح القراءة عن طريق المسجل أو الكمبيوتر، فلا حرج في ذلك إذا روعيت الضوابط التالية:
1- أن يكون تدريسه لهن من وراء حجاب.
2- أن لا يكون خضوع بالقول من إحداهن.
3- أن يكون الكلام مع المحفظ على قدر الحاجة فقط.
4- أن ينسحب المحفظ من هذا العمل إذا شعر بميل قلبه أو تلذذه بصوت إحداهن.
5- ينبغي أن يكون المعلم كبير السن، متزوجا، معروفا بالصلاح والاستقامة.
ونسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1161)
حكم إرسالها رسائل دعوية للجنسين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم إرسال رسائل إلكترونية إصلاحية ذات طابع دعوي، أي أنها تهدف إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استناداً إلى مراجع وكتب إسلامية بنية الإصلاح، علماً أن هذه الرسائل تكون موجهة للجنسين أي ذكور وبنات فهل هناك مانع لذلك؟ ، وهل تبادل مثل هذه الرسائل بين الشباب فيه نوع من الاختلاط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إرسال الرسائل الدعوية المشتملة على المواعظ والآداب والتوجيهات الإسلامية والأحكام الشرعية، من الأعمال العظيمة النافعة، التي يعم بها الخير، ويكثر فيها الأجر، مع سهولة العمل ويسره، وهذا من فضل الله تعالى ومنته، فإن الرسالة الواحدة يمكن أن ترسل إلى آلاف الناس، في دقائق معدودة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) رواه مسلم (4831) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ) رواه الترمذي (2657) وأبو داود (3660) وابن ماجه (230) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقال: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) رواه البخاري (3461) .
لكن يشترط التأكد من صحة ما ينشر، والحذر من ترويج الباطل والمحدثات، وينظر جواب السؤال رقم (95218) .
وتبادل هذه الرسائل بين الجنسين ليس من الاختلاط، لكن فيه تفصيل:
فإن كانت الرسائل توجه إلى من لا يعرفك من الرجال، فلا حرج في ذلك، وكذا لو كانت لمن يعرفك من أهلك وأقاربك، ولم يترتب عليها لقاء أو محادثات وعلاقات، بل اقتصر الأمر على إرسال هذه الرسائل الدعوية، فلا حرج في ذلك.
وأما إن كانت هذه الرسائل ذريعة لاتصال الرجال بك، أو مراسلتهم لك، وإقامة العلاقات معهم، واللقاء بهم، فهذا حينئذ باب إلى الفتنة والشر، وهو من استدراج الشيطان للإنسان وخداعه له، فإنه يقدم له الشر في قالب الخير، ويستدرجه بهذه المقدمات التي يظنها إحسانا وصلاحا، ليوقعه فيما يفر منه من الحب والتعلق وإقامة العلاقات المحرمة، فلتحذري من خطوات الشيطان، ولتقتصري على إرسال الرسائل دون فتح المجال للعلاقات وتبادل المراسلات أو المكالمات، فإذا رأيت من نفسك ضعفا وتعلقا بأحدهم فتوقفي عن مراسلته، واحذري خداع نفسك، فإن الله تعالى لا تخفى عليه خافية.
نسأل الله لنا ولك والتوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1162)
خالها الشاب كلما رآها قبلها وعانقها فمنعها زوجها من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي لها خال شاب 25 عاماً اعتاد أن يقبلها ويحتضنها كلما قابلها، فطلبت منها ألا تقبله أو تحتضنه أو تدخله بيتي في غيابي، فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقبيل المحارم، كتقبيل الرجل أمه أو أخته أو بنته، لا حرج فيه، وكذلك تقبيل عمته وخالته إن أمنت الفتنة، وكان التقبيل تقبيل رحمة ومودة لا تقبيل مزاح ولعب فضلا عن التقبيل بشهوة.
وتقبيل الرجل لابنة أخيه أو ابنة أخته الصغيرة لا حرج فيه أيضا، وأما الشابة والمتزوجة، فلا ينبغي ذلك، إلا أن تكون كبيرة لا يخشى من تقبيلها؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ويخشى من التقبيل أن تثور الشهوة، أو يوسوس له الشيطان ما لا يجوز.
وإذا كان الرجل شابا، وابنة أخته شابة أيضا، فتقبيلها واحتضانها عمل قبيح، وهو مظنة إثارة الشهوة وحصول الشر والفساد، ولهذا فقد أحسنت في منعها من ذلك، ويلزمها طاعتك، وعدم استقباله في البيت حال غيابك، والتساهل في هذا الأمر دليل ضعف الغيرة، وكم جر من مفاسد وآلام وأحزان، لا سيما في هذا الزمان، مع ضعف التدين، وقلة الاحتياط، وليس هذا اتهاما للمَحرم، بل إعانة له على الخير، وحماية له من المفسدة والشر، وقد جاءت الشريعة بدرء المفاسد، وجلب المصالح، وسد الطرق المفضية إلى الفتنة.
ومما ينبغي إنكاره ما شاع في بعض المجتمعات من تقبيل الشباب بعضهم بعضا إذا التقوا، وزاد بعضهم فجعل يقبل محارمه كلما رآهم، وأسوأ من ذلك كله تقبيل ابنة العم والعمة، وابنة الخال والخالة، وهذا أثر من العادات الدخيلة التي وفدت على المسلمين، وإلا فالمسلمون لا يعرفون التقبيل على هذا النحو، وتقبيل بنت العم والعمة والخال والخالة محرم ظاهر؛ لأنهن أجنبيات لا تحل مصافحتهن فضلا عن تقبيلهن.
وقد روى الترمذي (2728) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ) ، والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هناك ظاهرة تقبيل الشباب بعضهم البعض على الخدود في كل ملتقى، وفي كل يوم، وانتشرت هذه الظاهرة مع الشيوخ وفي المسجد وفي الصف، هل هذا مخالف للسنة أم لا حرج فيه أم بدعة أم معصية أم جائزة؟
فأجابت: " المشروع عند اللقاء: السلام والمصافحة بالأيدي، وإن كان اللقاء بعد سفر فيشرع كذلك المعانقة؛ لما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا) ، وأما تقبيل الخدود فلا نعلم في السنة ما يدل عليه " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/128) .
وينظر جواب السؤال رقم (60351) ورقم (114193) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1163)
ما حكم تدريس المرأة للرجال إذا كانت في غاية الاحتشام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تدريس المرأة للرجال إذا كانت في غاية الاحتشام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمرأة أن تعمل في مجال التدريس إذا توفرت الشروط التالية:
1- أن يكون العمل في مجال نسائي خالص، لا اختلاط فيه، فلا يجوز لها أن تدرس أو تعمل في جامعة مختلطة.
2- ألا يؤدي عملها إلى سفرها بلا محرم.
3- ألا يكون في خروجها إلى العمل ارتكاب لمحرم، كالخلوة مع السائق، أو وضع الطيب بحيث تظهر رائحته للرجال الأجانب عنها.
4- ألا يكون في ذلك تضييع لما هو أوجب عليها من رعاية بيتها والقيام بشئون زوجها وأولادها.
وقد سبق أن بينا أدلة تحريم الاختلاط ومفاسده، في جواب السؤال رقم (1200) ، وهذه المفاسد لا تزول باحتشام المرأة في ملبسها، فحيث وجدت المرأة بين الرجال، وجدت هذه المفاسد غالبا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1164)
تزوجها لينسى خطيبته، وحكم المراسلات بين الجنسين
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لي زوجي: إنه يريد أن ينهي زواجنا لأنه يريد أن يعيش بمفرده، ثم بعد أيام أخبرني بأن خطيبته السابقة أرسلت له رسالة عن طريق البريد الإلكتروني، وسمح لي بقراءة رسالة خطيبته، وتفاجأت بوجود العديد من الرسائل كانا يتبادلانها ولكنه لم يخبرني وقرأت في الرسائل كلامهما لبعضهما وفيه أشياء فاحشة، وكان يتصل عليها كل يوم من العمل ويقول لها بأنه لن يفقدها مرة ثانية، وقال بأنه تزوجني لسببين: الأول: أنه لا يريد أن يتزوجني أحد غيره. والثاني: أنه تزوجني لينساها ولكنه لم يستطع وبقي يبحث عنها منذ زواجنا حتى وجدها. وأيضاً: قد بدأت صديقاته اللاتي كن يدرسن معه في الجامعة من مراسلته. أعلم بأن له الحق في الزواج من أربع نساء. ولكن هل يجوز له اتخاذ صديقات فتيات وخصوصاً أنهن جميعاً غير مسلمات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جعل الله تبارك وتعالى الزواجَ من آياته، وجعل بين الزوجين مودة ورحمة، وجعل الزوجين كلاًّ منهما لباساً للآخر، والأصل في الزواج الدوام والاستمرار، فلا يجوز لأحد الزوجين مخالفة الحكمة من الزواج.
وكان الواجب على زوجك تقوى الله تعالى والنية الحسنة قبل الشروع في الزواج، وما دام قد تزوجك برضاك وتوافرت بقية شروط صحة النكاح فإن زواجكما صحيح لا غبار عليه.
كما أنه يحرم عليه إقامة علاقات مع أجنبيات عنه، ومراسلتهن، فكيف إذا انضم لهذه المراسلات الفاحش من القول ككلمات الغرام والهيام، انظري جواب السؤال رقم (23349) .
وأما بالنسبة لكِ: فلماذا لا تصارحين زوجك وتناصحينه فلعله يعود إلى رشده، أو تطلبين من أهل الخير والصلاح التدخل ونصيحته في ذلك.
وإذا لم يستطع نسيانها فيجوز له شرعاً الزواج بها إذا كانت كتابية مع شرط التوبة من العلاقات المحرمة والعودة إلى العفة.
ويعصم بذلك نفسه من الوقوع في المحرمات. فإن الله تعالى أباح للرجل المسلم أن يتزوج بالنساء العفيفات من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) .
وعليك بالصبر ولا تتعجلي الفراق، فلعل بقاءك معه وصبرك عليه ودوام مناصحته يكون سبباً في هدايته، ورجوعه إلى رشده.
فإن أبى إلا الفراق والبقاء على الحرام فمثل هذا لا يؤسف عليه ولا يُحرص على البقاء معه.
وفي كل الأحوال نسأل الله لنا ولكِ وله الخير والتوفيق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1165)
هل تكشف وجهها أمام طلاب في عمر 11 سنة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة ألبس النقاب وأنا معلِّمَةٌ في المدرسة؛ وتلاميذي عمرهم ?? سنة. هل عليّ أن أغطي وجهي في الصف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت الأدلة الشرعية الصحيحة على وجوب ستر المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (11774) .
وأما الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم ففيهم تفصيل: فإن كانوا ممن ظهروا على عورات النساء، لم يجز الكشف أمامهم، وإن لم يبلغوا ذلك جاز؛ لقوله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) النور/31.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " وقوله: (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) يعني: لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهنّ، من كلامهن الرخيم، وتعطفهن في المشية وحركاتهن، فإذا كان الطفل صغيرًا لا يفهم ذلك، فلا بأس بدخوله على النساء. فأما إن كان مراهقا أو قريبا منه، بحيث يعرف ذلك ويدريه، ويفرق بين الشوهاء والحسناء، فلا يمكن من الدخول على النساء " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والطفل إذا ظهر على عورة المرأة وصار ينظر إليها ويتحدث إليها كثيراً، فإنه لا يجوز للمرأة أن تكشف أمامه، وهذا يختلف باختلاف الصبيان من حيث الغريزة وباختلاف الصبيان من حيث المجالسة، لأن الصبي ربما يكون له شأن في النساء إذا كان يجلس إلى أناس يتحدثون بهن كثيراً، ولولا هذا لكان غافلاً لا يهتم بالنساء.
المهم أن الله حدد هذا الأمر بقوله: (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) النور/31، يعني أن هذا مما يحل للمرأة أن تبدي زينتها له إذا كان لا يظهر على العورة ولا يهتم بأمر النساء " انتهى من "مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة" ص 148.
وينظر جواب السؤال رقم (14259) و (103604) .
والغالب على الأطفال في هذه الأزمنة أنهم إذا بلغوا هذه السن أصبحوا يميزون بين الجميلة وغير الجميلة، بل يعرفون معاني الحب والتعلق، ويصرحون بذلك، ومنهم من يسعى لإقامة علاقة محرمة مع زميلته أو جارته، وذلك من كثرة ما يشاهدونه في التلفاز والقنوات وأفلام الكرتون، فنوصيك بستر وجهك أمامهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1166)
تشك في وجود علاقة بين الخادمة والسائق فهل تخبر أهلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شغالتنا أحس أنها لها علاقة بالسائق ورأيتها أكثر من مرة تفتح الشباك وتكلمه ماذا أفعل؟ أقول لأهلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكلام عن الخادمات والنتائج السيئة من إحضارهن وإدخالهن لبيوت المسلمين كثير، وقد بينا محاذير وجودهن، وشروط استقدامهن في جواب السؤال رقم (26282) .
وينبغي أن يعلم أهل البيت أن هذه الخادمة امرأة أجنبية، يُتعامل معها كما يُتعامل مع سائر الأجنبيات، فليس لها أن تكشف على الرجال والبالغين والمراهقين من أهل البيت، وليس لها أن تخلو بواحد منهم، كما أنها إن كانت أجنبية عن السائق، فليس له أن يخلو بها في بيت أو سيارة، وليس لها أن تكشف أمامه، وعلى أهل البيت أن يحولوا دون وقوع شيء من ذلك، وينبغي أن يجتهدوا في إحضار سائق مع زوجته، أو خادمة مع زوجها، لتجنب كثير من المفاسد والمحاذير.
ومن المشاهد وقوع التساهل في التعامل مع الخادمات، والسماح للخادمة بالخلوة بالسائق في البيت أو في السيارة ولو في بعض الطريق، وهذا منكر يترتب عليه شرور ومفاسد، فإن هذه الخلوة – وإن قلّت- فإنه يمكن فيها الإغراء والاتفاق والمواعدة، والفضائح والمخازي التي تنتج عن ذلك معلومة لا تخفى على أكثر الناس. وينظر جواب السؤال رقم (10374) .
ولهذا فإن نصيحتنا أن تعملي مع أهلك على منع خلوة السائق بالخادمة، ومنع اتصاله بها لأي غرض من الأغراض، وإذا رأيت شيئاً من الريبة في تصرفاتهما فأعلمي أهلك، وذكريهم بما يجب عليهم من إنكار المنكر وعدم إقراره، وأنهم مسؤولون أمام الله تعالى عن ذلك، وليسعوا فيما ذكرنا أولاً من إحضار خادمة مع محرمها.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1167)
هل تذهب مع أخي زوجها وزوجته لزيارة مريضة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الذهاب مع أخي زوجي وأمه وزوجته وأخته للذهاب لزيارة مريضة من قريباتنا حتى لو كان المشوار غير بعيد في نفس المدينة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التنقل داخل المدينة لا يشترط له المحرم، وإنما يشترط له الأمن والبعد عن أسباب الفتن، ويشترط له عدم حصول الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه.
والخلوة تنتفي بوجود امرأة أخرى موثوقة.
وعليه؛ فلا حرج في الذهاب مع أخي زوجك بصحبة أمه أو أخته أو زوجته لزيارة قريبتك، ولو كان بسيارة، لانتفاء الخلوة بذلك.
روى البخاري (1862) ومسلم (1341) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ)
قال النووي رحمه الله:
"قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَعَهَا ذُو مَحْرَم) يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد مَحْرَمًا لَهَا , وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد مَحْرَمًا لَهَا أَوْ لَهُ , وَهَذَا الِاحْتِمَال الثَّانِي هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِد الْفُقَهَاء , فَإِنَّهُ لَا فَرْق بَيْن أَنْ يَكُون مَعَهَا مَحْرَم لَهَا كَابْنِهَا وَأَخِيهَا وَأُمّهَا وَأُخْتهَا , أَوْ يَكُون مَحْرَمًا لَهُ كَأُخْتِهِ وَبِنْته وَعَمَّته وَخَالَته , فَيَجُوز الْقُعُود مَعَهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَال" انتهى من "شرح صحيح مسلم".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا كان هناك من يحمل البنات أو المدرّسات، لا يركب معه امرأة وحدها أبداً؛ لأن ذلك خلوة محرمة، ولكن تركب اثنتان فلا بأس، فإذا قال: كل امرأة في بيتها كيف تركب امرأتان؟ نقول: الحمد لله.. إذا كانت المرأتان متقاربتين في البيوت فلتأت إحداهما إلى الأخرى وتركبان مع السائق اثنتين، هذا إذا لم يكن مع السائق أحد من النساء من محارمه، فإن كان معه أحد من النساء من محارمه فهذا كافٍ" انتهى من "اللقاء الشهري" (58/1) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1168)
دراستها مختلطة، ووالدها يرفض أن تتركها؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في جامعة مختلطة مع العلم أنه هنا في الجزائر كل الجامعات مختلطة بعد أن من الله علي بالحجاب أصبحت أرى أنني أسيء للمتحجبات لأن الجامعة مختلطة، ولأن فرعنا أساسا يحوي على تقريبا70 بالمائة ذكور، والباقي إناث، وأحيانا يلزم علينا الأستاذ التعامل مع الذكور في المشاريع، مما يحتم علي الكلام معهم وأحيانا أحتاج إلى أشياء فاطلبها منهم، مع العلم أنني لا أستطيع الانقطاع عن الدراسة وهذا بسبب رفض الوالدين. فأرجو من فضيلتكم أن تبين لي: ما هي حدود التعامل مع الرجال أي الحدود التي بينتها الشريعة؟ وهل أنا في حكم المضطر نظرا لرفض الوالد والوالدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق الحديث في أجوبة عديدة عن حكم الاختلاط في العمل وفي أماكن الدراسة، ويمكنك مراجعة ذلك في جواب السؤال رقم (1200) و (103044) .
وأما بالنسبة إلى مشكلتك، فإن لم يمكنك ترك الدراسة بسبب ظروفك الاجتماعية، فالواجب عليك أن تبحثي عن فرع آخر للجامعة، أو كلية أخرى في نفس الفرع تكون فرص التعامل فيها مع الذكور، والاختلاط بهم أقل؛ فقاعدة الشرع أنه إذا لم يمكن دفع المفسدة تماماً، فالواجب التقليل منها بقدر الإمكان.
وأما إذا لم يكن بإمكانك ذلك التحويل الذي أشرنا عليك به، فالواجب عليك مع محافظتك على الحجاب التام، وغض البصر، وعفة الكلام في كل الأحوال – أن تقللي من فرص الاختلاط بالذكور، وإذا احتجت شيئاً، فاطلبيه من الإناث , وحاولي أن تتفاهمي مع أستاذك أن يجعل مشروعك مع زميلات لك.
فإن لم يكن ذلك ممكنا، فسوف تكون مسؤوليتك في التحفظ والتقلل من الاختلاط بالذكور أكثر، فإياك والخلوة مع أحد، ولو من أجل الدراسة، وليكن تعاملك مع الذكور في أضيق الحدود.
وإذا أمكنك الامتناع عن هذه المخالطة في بعض الأوقات أو في بعض الأعمال فافعلي، وليكن تعاملك جاداً لا يسمح بالتعارف، ولا الخروج عن موضوع الدراسة.
فإن وجدت في نفسك ميلاً إلى أحد أو وجدت من أحدٍ ميلاً إليك، فانتقلي عن هذه المجموعة إلى مجموعة أخرى، ولو نقصت درجاتك، أو قل تحصيلك الدراسي بصورة يمكن احتمالها.
وافتقري إلى الله أن يحميك ويجنبك الفتن ما ظهر منها وما بطن، واستعيني بالصبر والصلاة والصيام وذكر الله.
ويمكنك مراجعة جواب السؤال (72448) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1169)
ضوابط زيارة العائلة وجلوس الأهل في مجلس مختلط
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت في كثير من فتاواكم عن حكم اختلاط النساء بالرجال، ولكن للأسف لم أستطع تمييز الحكم بشكل صحيح، لأني قرأت في بعض الفتاوى أنه حرام مطلقا، وفي بعضها الآخر تم زيادة كلمة الاختلاط بشروطه، أو مع مراعاة آداب أو شروط الاختلاط، لذلك أرجو منكم الإفادة وتبيين الحكم والشروط في حال وجودها، لأني سوف أتزوج قريبا بإذن الله وامرأتي ملتزمة والحمد لله، ولكن من عادات عائلتي أن نجتمع كل يوم أو يومين مع بعضنا أي العائلة كلها عند بيت جدي، فهل يجب علي تجنب الذهاب مع أهلي إلى هناك مع امرأتي، أم آخذ امرأتي وتجلس معهم بحجاب شرعي وشروط أخرى، أرجو تبيان ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
أولا:
الاختلاط بين الرجال والنساء محرم؛ لما يترتب عليه من المفاسد الكثيرة، وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط في جواب السؤال رقم (1200) ورقم (97231) وفيه بيان أن الاختلاط لا ينفك غالبا عن حصول النظر المحرم أو اللمس أو الخلوة أو تعلق القلب أو الخضوع بالقول، وهذا هو موجب التحريم، وليس مجرد اجتماع الرجال مع النساء في مكان واحد، كما يجتمعون في المسجد أو في الطواف.
ثانيا:
لا يجوز للمرأة أن تضع حجابها أمام إخوان زوجها أو أبنائهم، أو أعمام الزوج أو أبنائهم؛ لأنهم ليسوا محارم لها، فهم أجانب بالنسبة لها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: (الحمو الموت) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) قال الليث بن سعد: الحمو: أخ الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَمو الْمَوْت) فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْف مِنْهُ أَكْثَر مِنْ غَيْره , وَالشَّرّ يُتَوَقَّع مِنْهُ , وَالْفِتْنَة أَكْثَر لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُول إِلَى الْمَرْأَة وَالْخَلْوَة مِنْ غَيْر أَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ , بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيّ. وَالْمُرَاد بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ. فَأَمَّا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء فَمَحَارِم لِزَوْجَتِهِ تَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا , وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ , وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْأَخ , وَابْن الْأَخ , وَالْعَمّ , وَابْنه , وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ. وَعَادَة النَّاس الْمُسَاهَلَة فِيهِ , وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ , فَهَذَا هُوَ الْمَوْت , وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ " انتهى.
وعليه؛ فإذا ذهبت زوجتك إلى بيت عائلتك، وفي البيت من لا يجوز أن تكشف أمامه، فإنها تظل بحجابها، ولا حرج أن تجلس في مجلس العائلة إذا انتفت المحاذير المشار إليها، من النظر والخلوة والمصافحة والخضوع بالقول، والأولى أن يكون جلوسها مع النساء في مجلس خاص بهن، ليتسنى لها رفع حجابها، والكلام فيما تريده دون حرج.
وأما ما يفعله بعض الناس من تمكين النساء من الجلوس مع الرجال الأجانب عنهن، وحصول التساهل في الكلام والضحك والمصافحة والنظر والحجاب، فهذا محرم، وقد جر على أهله مفاسد كثيرة لا تخفى.
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1170)
حكم الكلام الجنسي في الهاتف وتخيله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسلتُ سابقاً سؤالاً، وهو عن التكلم بأمور الجنس بالهاتف، وتخيل ذلك، ولكن أرسلتم مشكورين عدة روابط لا تحتوي على الإجابة المناسبة، وسؤالي هل يعتبر ذلك زنا؟ وما كفارته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكلام الجنسي في الهاتف إما أن يكون مع الزوجة أو مع غيرها من الأجنبيات.
فإن كان مع الزوجة فهو جائز، لكن بشرطين:
1- ألا يسمع أحد هذا الكلام.
2- أن يأمن كل من الزوجين من الوقوع في شيء محرم بعد هذا الكلام، - كالاستمناء – فقد لا يملك الزوج أو الزوجة نفسه بعد هذه المحادثة، فيصرف شهوته بالاستمناء، ولا شك أن المباح يكون محرماً إذا ترتب عليه الوقوع في شيء محرم، وقد نقلنا فتوى للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في ذلك، في جواب السؤال رقم (108872) .
وأما إذا كان الكلام مع غير الزوجة، فلا شك في تحريمه، وهل يرضى عاقل أن يُفعل هذا مع زوجته أو أخته أو ابنته؟ فكذلك الناس لا يرضونه لنسائهم.
ويُخشى على من يفعل ذلك أن يعاقبه الله تعالى ويبتليه في أقرب الناس إليه.
وفي هذا يقول الإمام الشافعي:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنا دين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
من يزن يزن به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيبا فافهم
من يزن في بيت بألفي درهم في بيته يُزنى بغير الدرهم
وأما تسمية ذلك زنى، فقد سماه كذلك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: (الْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ) رواه مسلم (2657) .
ولكن ليس هو الزنى الحقيقي الذي هو الجماع ويُوجب إقامة الحد.
وأما كفارة ذلك: فالتوبة، وهي الرجوع إلى الله تعالى وإلى طاعته، والإقلاع عن معصيته، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى.
فمن تاب تاب الله عليه.
ومن استمر على المعصية وأصر عليها، فيُخشى عليه أن يظلم قلبه ويسود، وينتكس، ولا يزال العبد ينتهك حرمات الله تعالى حتى يغضب الله عليه، فيخسر دنياه وأخراه، وإن ربك لبالرمصاد.
وأما تخيل ذلك، فيقال فيه ما سبق، إن كان يتخيل زوجته، فهو مباح من حيث الأصل، إلا إذا أدى إلى وقوعه في شيء محرم فيكون محرماً.
وإن كان هذا التخيل مع امرأة أجنبية عنه فهو محرم وقد سبق بيان في جواب السؤال رقم (84066) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1171)
حكم تعلم النساء قراءة القرآن على يد رجل في غرفة على الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تتعلم القرآن الكريم مع مجموعة من الأخوات على يد شيخ في غرفة على الإنترنت؟ وهل يجوز لها الحفظ أثناء الدورة الشهرية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأولى والأسلم أن يكون تعلمكن للقرآن على يد امرأة؛ لما في ذلك من البعد عن الفتنة وأسبابها، فإن لم يتيسر ذلك، وأمكن الاكتفاء بالحفظ عن طريق المسجل أو الكمبيوتر، مع تعاون هؤلاء الأخوات على أمر المراجعة والمتابعة، فهذا حسن، وهو أولى من التعلم على يد رجل.
ثانياً:
إذا دعت الحاجة إلى قيام رجل بتدريس النساء وتعليمهن، إما لعدم وجود معلمة، أو لكونه مجوداً متقناً، يعلمهن أحكام التلاوة، فلا حرج في ذلك إذا روعيت الضوابط التالية:
1- أن يكون المعلم كبير السن، معروفاً بالصلاح والاستقامة.
2- أن لا يكون هناك خضوع بالقول من إحداهن.
3- أن يكون الكلام مع المحفظ على قدر الحاجة فقط.
4- أن ينسحب المحفظ من هذا العمل إذا شعر بميل قلبه أو تلذذه بصوت إحداهن.
5- ألا تكون هناك محادثة خاصة بينه وبين واحدة من النساء أثناء الدرس أو بعده.
وينبغي التنبه إلى أن صوت المرأة ليس عورة على الراجح من قولي العلماء، بشرط ألا تلين وتخضع بالقول.
قال في "كشاف القناع" من كتب الحنابلة (5/15) : "وصوت الأجنبية ليس بعورة، قال في الفروع وغيره: على الأصح، ويحرم التلذذ بسماعه، ولو كان بقراءةٍ، خشيةَ الفتنة، وتُسرُّ بالقراءة إن كان يسمعها أجنبي" انتهى بتصرف.
وقال في "مغني المحتاج" من فقه الشافعية (4/210) : "وصوت المرأة ليس بعورة , ويجوز الإصغاء إليه عند أمن الفتنة , وندب تشويهه إذا قُرع بابها فلا تجيب بصوت رخيم , بل تغلظ صوتها بظهر كفها على الفم" انتهى.
ثالثاً:
يجوز للحائض قراءة القرآن وحفظه وترديده عن غيب، دون مس للمصحف، كما يجوز لها مس المصحف بحائل، ومس كتاب التفسير وقراءة القرآن منه.
وينظر جواب السؤال سؤال رقم (2564) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1172)
نصيحة لطالبة جامعية بترك جامعتها المختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في الجامعة، قبلت في الجامعة في " كلية الهندسة "، ولكني لم أرتح فيها؛ لأني أشعر أن معظم الوظائف الخاصة بالهندسة تتطلب الاختلاط بالرجال، إلى أن قدمت تحويلاً إلى " كلية العلوم "، وفكرت في المواد مثل الرياضيات، والكيمياء، والفيزياء، فوجدتها كلها مواد لا أتذكر فيها ربي، على الرغم من أنني أرتاح عند دراستها، وفكرت أنها ستكون على نمط واحد، وستكون مملة، ثم فكرت في دراسة " الأحياء "، على الرغم من أنني أشعر بالفشل في هذه المادة منذ المدرسة، واخترتها لكي أتعرف أكثر عن خلق الله، وفيها أحس بالتغير في المنهج، ومنه أزداد إيمانا كلما فكرت في خلق الله، وكنت آمل الكثير في دراسة " الأحياء "، واستخرت قبل تحويلي، لكني وجدت نفسي لا أستفيد منه، وأحيانا أتأثر بالعلم، وبالأفكار الغربية، على الرغم من أنني كنت أريد أن أدرس الدكتوراة، والماجستير، لكنني الآن لا أفكر حتى في تكملة الجامعة، فصرت كثيراً أترك القرآن بسبب كثرة الأشغال، والدراسة، وكذلك أتأثر بالبنات مما صرن فيه من كثرة تبرج، وسفور، فصرت مشوشة ذهنيّاً، ولا أعرف هل ما أنا فيه صح أم خطأ، فمنذ أن دخلت الجامعة صرت أخاف أكثر على نفسي؛ لأنني لا أختلط بالرجال منذ الصغر، لكن في الجامعة رأيت أنواعاً من المدرسين، فغيرت عباءتي، والتزمت بالحجاب الشرعي، ولا يظهر من جسمي شيء غير عيني لأرى بها ما يكتب على السبورة، فماذا تنصحني أن أفعل على الرغم أن في الجامعة يوجد حلقات تحفيظ قرآن؟ وهل تعتقد أن الدراسة باللغة الانجليزية تأثر فينا؟ فصرت لا أحب أن أتعلم الانجليزي على الرغم من أن الجامعة معظمها باللغة الانجليزية، والسبب: لأننا أبدلنا الكثير مثل " السلام عليكم ورحمة الله " بكلمة " هاي "، وصار البنات يتفاخرن بالتحدث باللغة الانجليزية، والآباء يشجعون على تعلم اللغة الانجليزية أكثر مما يشجعون على الصلاة وغيرها، فصرت أكره من يتحدث كثيراً بالإنجليزية وهو عربي، والوقت الذي لا يحتاج التكلم باللغة الانجليزية، فماذا تنصحني أن أفعل جزاك الله خيراً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدراسة المختلطة بين الشباب والشابات فيها الكثير من المفاسد، والآثار السيئة على الدِّين والأخلاق، وقد سقط كثيرون وكثيرات في حبال شياطين الإنس والجن، والمآسي أكثر من أن تُحصر في مثل هذا المقام، وأشهر من أن تُذكر لمن التحق بتلك الجامعات والمؤسسات المختلطة.
والذي يفتي به علماؤنا هو تحريم الدراسة المختلطة، ومن تأمل أصول الشريعة، وعرف ما جاءت به من أحكام جليلة، ورأى واقع الاختلاط في الجامعات والمعاهد: لم يتردد في أن ما قالوه هو الحق، ولكنها المكابرة في قبول ذلك الحق، أو الضعف نتيجة قوة الضغط من الأسرة والمجتمع، وبخاصة أن الدراسة في تلك الجامعات تأتي في وقت أوج الشهوة وقوتها، وينتقل الطالب من عالم إلى عالَم آخر، يرى فيه كل جنس الجنس الآخر في أبهى زينته، وأجمل حلته، ويحصل النظر والكلام والمزاملة والمصادقة، وإذا صادف هذا الأمر ضعفاً في الإيمان: حصلت التهلكة، وينجي الله من يشاء.
1. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أنوي العمل في مدرسة يدرُس فيها الطلاب والطالبات جميعاً، وهم فوق الخامسة عشرة من العمر، وهذا هو السبيل الوحيد للحصول على المال الذي أستطيع به مواصلة دراستي الجامعية العليا؟ .
فأجاب:
لا يجوز الاختلاط بين الطلبة والطالبات في الدراسة، بل يجب أن يكون تدريس البنين على حدة، وتدريس البنات على حدة؛ حماية للجميع من أسباب الفتنة، ولا يجوز لك العمل في المدارس المختلطة؛ حماية لدينك، وعرضك؛ وحذراً من أسباب الفتنة، وقد قال الله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق / 2، 3، وقال عز وجل: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/ 4.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (24 / 41) .
2. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أنا طالبة في كلية الطب، منَّ الله علي بعد التحاقي بالكلية وهداني إلى صراطه المستقيم فغطيت وجهي، والتزمت بكتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فله الحمد سبحانه، ولكن دارستي بالكلية تستلزم مني الوقوع في كثير من المنكرات، أهمها: الاختلاط بالجنس الآخر منذ خروجي من البيت، وحتى عودتي إليه، وذلك في الكلية حيث إنها مختلطة، أو في وسائل المواصلات، وفي الشارع، لعدة سنوات حتى التخرج، وأنا الآن أريد أن أقّر في البيت، وأترك الدراسة، لا لذات الدراسة، ولكن للمنكرات التي ألاقيها، ووالدي ووالدتي يؤكدان عليَّ بمواصلة الدراسة، وأنا الآن متحيرة هل أدخل بطاعتي لهما وممن يعنيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس) أم أن عدم طاعتي لهما في هذا الأمر تعتبر عقوقاً؟ .
فأجاب:
إذا كان الحال على حسب ما وصفت هذه المرأة بالنسبة لدراستها: فإنه لا يجوز لها أن تواصل الدراسة مع هذا المنكر الذي وصفته لنا في رسالتها، ولا يلمها أن تُطيع والديها في الاستمرار بهذه الدراسة؛ وذلك لأنّ طاعة الوالدين تبع لطاعة الله عز وجل، وطاعة الله هي العليا، وهي المقدَّمة، والله تبارك وتعالى ينهى المرأة أن تكشف وجهها للرجال، وأن تختلط بهم هذا الاختلاط على الوجه الذي وصفت هذه المرأة في كتابها، وإذا تيسر لها أن تحوِّل دراستها إلي جامعات أخرى في حقل آخر لا يحصل به هذا الاختلاط: فهو أولى، وأحسن، وإذا لم يحصل: فإنها تبقى في بيتها ورزق الله تعالى واسع.
" فتاوى نور على الدرب " (شريط رقم 60، وجه أ) .
فالذي ننصحك به هو الخروج من هذه الجامعة المختلطة، ولا بأس من الدراسة في المعاهد والكليات النسائية – وحتى هذه لا تخلو من مفاسد، لكنها أهون -، وفي رأينا أن دراسة المرأة سبب لتأخير زواجها، وقد يعقب الدراسة عملٌ، وهو يزيد في التأخير، ولا شيء أفضل للمرأة من بيتها تربي فيه ولدها، وتطيع ربها، وتحسن عشرة زوجها، ويمكنها طلب العلم الشرعي وهي آمنة مستقرة في بيتها.
ونسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى.
وانظري جواب السؤال رقم: (72448 & 45883) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1173)
تحب شخصا وتفكر فيه وتريد لبس الحجاب فهل يمكنها ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عندي رغبة كبيرة في الحجاب وأتمنى من الله أن يوفقني في هذا، لكن عندي سؤال يحيرني هو أنني أحب شخصا بمعنى ما تحمله كلمة حب، ولا أستطيع التوقف عن التفكير فيه ولو لحظة والله حتى في الصيام أفكر فيه، تجمعنا علاقة حب ما الحكم إذا تحجبت ولا أزال أفكر فيه؟ أظنني لا أستطيع التوقف عن التفكير فيه ربما ستقول أن نتزوج، لكن نحن في تقليدنا عندي أخواتي لازم يتزوجن أولا؛ ماذا أفعل إلى حين ذلك أمانة عليك أن تعطيني جوابا أنا حائرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الواجب على كل مؤمنة بالله واليوم الآخر أن تلبس الحجاب الذي يسترها عن نظر الأجانب، فتلك فريضة محكمة أنزلها الله في كتابه، كما قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب/59
وقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) النور/31
ولمعرفة صفة الحجاب الشرعي، ينظر سؤال رقم (6991)
ثانيا:
لا يجوز لامرأة أن تقيم علاقة مع أجنبي عنها، ولو كانا في نيتهما الزواج في نهاية الأمر؛ لأن الله تعالى حرم الخلوة بالأجنبية، والنظر إليها، ولمسها، وحرم خضوعها بالقول، وهذه العلاقات لا تنفك عن شيء من هذه المحرمات.
وينظر: سؤال رقم (84089) .
وأما إن وقع في قلب امرأة حب رجل سمعت عنه، أو رأته، دون أن تباشر بنفسها عملا محرما نحوه من نظر أو كلام أو غيره، فإنها لا تؤاخذ على هذا الحب، وعليها أن تشغل نفسها بالتفكير فيما ينفعها في دينها ودنياها، وأن تحذر من الوقوع في المعصية، وأن تتجنب كل سبيل يؤدي إلى الفتنة.
وقولك: تجمعنا علاقة حب، يفهم منها أن بينكما علاقة قائمة، وليس مجرد شعور من جهتك، فإن كان الأمر كذلك فاتقي الله تعالى، واحذري غضبه وانتقامه، واعلمي أنك تقدمين على أسباب الهلاك والهلكة، فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل، وإنه سريع العقاب، شديد الانتقام.
وما يصوره لك الشيطان من صعوبة التخلص من هذه العلاقة، إنما هو مجرد أوهام وظنون، فإن العلاقة يؤججها الكلام واللقاء، فلو قطعت الصلة به، وتركت الحديث معه، وتجنبت رؤيته، لأمكنك الصبر عنه وتناسيه، حتى ييسر الله لك الزواج منه أو من غيره.
ولهذا نقول: إن علاج مشكلتك ميسور بإذن الله، وذلك باتباع الخطوات التالية:
1- قطع كل صلة بهذا الشخص، لقاء أو كلاماً، ولو كان من أقرب الناس إليك، فتجنبي رؤيته، وتجنبي الحديث معه، ولتُرِيهِ من نفسك أنك مؤمنة عفيفة تخاف من الله تعالى، وتحذر العلاقات المحرمة.
2- إن كان هذا الشاب صالحا مستقيما - ومن استقامته أن يدع العلاقات المحرمة – وأمكن أن يجد وسيلة للزواج بك، عن طريق التقدم إلى أهلك، وإقناعهم بأمر الزواج، وتدخّل من يصلح تدخله في هذا الأمر، ليتم، فهذا حسن. وإذا لم يمكن ذلك، فما عليكما إلا الصبر والعفة والبعد عما حرم الله تعالى.
3- ارتداؤك الحجاب فريضة لازمة لك، لا علاقة لها بهذه المسألة، وتركك الحجاب معصية وإثم يلحقك كلما تركتيه، فبادري بلبس الحجاب، وبادري أيضا بقطع العلاقة المحرمة، ولا يكن تقصيرك في هذه المسألة حاملا لك على التقصير والمعصية في مسألة الحجاب، فإن العاقل لا يجمع ذنبا إلى ذنب، ولا يقرن تفريطا بتفريط، بل يبادر بفعل ما يمكن فعله من الواجبات، وترك ما يمكن تركه من المحرمات.
4- نوصيك بترك الفراغ والبطالة، والإقبال على ما ينفعك، والانشغال بأعمال الطاعات من حفظ القرآن، وطلب العلم، وتحصيل الصحبة النافعة، فإن الشيطان مع الوحدة والفراغ والبطالة، والنفس إن لم تشغليها بالطاعة شغلتك بالمعصية، كما نوصيك بترك ما يثير الشهوة ويحرك النفس إلى الحرام، كالنظر في الأفلام والمسلسلات والصور، عافنا الله وإياك من كل سوء ومكروه.
5- اعلمي أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ففوضي أمرك إلى الله، وأقبلي عليه، وانطرحي بين يديه، وقولي: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك، وسليه سبحانه أن يملأ قلبك إيمانا ويقينا ورضى، وأن يقيك شر نفسك ونزغات الشيطان.
نسأل الله تعالى أن يحفظك بحفظه، وأن يوفقك لطاعته، وأن يصرف عنك الفتن ما ظهر منا وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1174)
أخته تحادث رجلاً أجنبيّاً ووالداها لا ينكران عليها فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص له أخت تكلم شابّاً على الهاتف، ونصحها، فلم تستجب، فقال لأبويهما، فلم يُنكرا عليها، وهو لا يحب الدياثة، وهو غيور جدّاً، فماذا يمكن أن يفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
"الغيْرة من الغرائز البشريّة الّتي أودعها الله في الإنسان تبرز كلّما أحسّ شركة الغير في حقّه بلا اختيار منه، أو يرى المؤمن حرمات الله تنتهك.
والغيرة على حقوق الآدميّين الّتي أقرّها الشّرع مشروعة، ومنها غيرة الرّجل على زوجته أو محارمه، وتَرْكُها مذمومٌ، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من غيْرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير منّي) وفي رواية: (إنّه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير منّي) .
وإنّما شرعت الغيرة لحفظ الأنساب، وهو من مقاصد الشّريعة، ولو تسامح النّاس بذلك لاختلطت الأنساب، لذا قيل: كلّ أمّة وُضعَت الغيْرة في رجالها: وُضعَت الصّيانة في نسائها، واعتبر الشّارع من قتل في سبيل الدّفاع عن عرضه شهيداً، ففي الحديث: (من قتل دون أهله فهو شهيد) .
ومَن لا يغار على أهله ومحارمه: يُسمَّى: " ديّوثاً "، والدّياثة من الرّذائل الّتي ورد فيها وعيد شديد، وما ورد فيه وعيد شديد يعدّ من الكبائر عند كثير من علماء الإسلام، جاء في الحديث: (ثلاثة لا ينظر الله عزّ وجلّ إليهم يوم القيامة: العاقّ لوالديه، والمرأة المترجّلة، والدّيّوث) - رواه النسائي (2561) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي.
انتهى من " الموسوعة الفقهية " (31 / 321 - 323) مختصراً.
وقال ابن القيم رحمه الله:
"أصل الدِّين: الغيرة، ومَن لا غيْرة له: لا دين له، فالغيرة تحمي القلب، فتحمي له الجوارح، فتدفع السوء والفواحش، وعدم الغيرة: تميت القلب، فتموت الجوارح، فلا يبقى عندها دفع البتة، ومَثَل الغيرة في القلب مَثَل القوة التي تدفع المرض وتقاومه، فإذا ذهبت القوة وَجد الداءُ المحلَّ قابلاً، ولم يجد دافعاً، فتمكَّن، فكان الهلاك" انتهى.
" الجواب الكافي " (ص 45) .
فنحن مع هذا الأخ السائل الذي لا يزال قلبه حيّاً، ولا تزال الغيرة تجد مكاناً لها في قلبه، ونحثه على التمسك بها.
ثانياً:
حتى ينجح في حل مشكلة أخته: عليه أولاً أن يبحث في الأسباب الدافعة لها لأن تفعل هذه المعصية، وتتجرأ على محادثة رجل أجنبي في بيت أهلها، ونحن نرى أن من أسباب فعل تلك المعصية:
1. الفراغ العاطفي، فقد تكون محرومة من عطف أمها، أو والدها، أو منهما جميعاً، ثم وجدت ذلك الذئب الذي أوهمها بأنه من يستطيع إشباع تلك العاطفة.
2. ضعف الإيمان، ولو أن هذه الأخت عرفت الله تعالى بأسمائه وصفاته، وعرفت ما يترتب على المعاصي من أوزار: لتوقفت عن المعصية، أو لكان ذلك حائلاً بينها وبين فعلها ابتداء.
3. فراغ الوقت، فكثير من الفتيات تجد الفراغ في يومها وليلتها لأن تقرأ روايات الحب والعشق، ولأن تطالع الفضائيات، وتحادث في الهاتف، ولو أنها شُغلت بما ينفعها من أعمال: لضاقت عليها ساعات يومها.
4. النظر إلى المحرمات، وهو ما يهيِّج الشهوة، ويدعو لتقليد تلك الممثلة الفاجرة، أو تجرب تلك التجربة المفعمة بعاطفة الحب والغرام.
5. الخلوة، وهي الداء القاتل، والتي تمكِّن الشيطان من أن يكون أنيسها، وونيسها، في وحدتها.
6. التمكين من أجهزة الاتصالات، وهو سبب مباشر لفعل معصية المحادثة والتعرف على ذلك الرجل الأجنبي.
وعلاج المشكلة يحتاج من ذلك الأخ أن يفكِّر في هذه الأسباب – وقد يكون هناك غيرها – ويحاور عقلاء أهله لعلاجها أو القضاء عليها، من غير إحداث شرٍّ أكبر منه.
ثالثاً:
ننصح الأخ السائل أن يوجِّه رسائل تذكرة لأخته، كتابية كانت أو شفوية، ولتكن محتوية على المسائل التالية:
1. أنها ستصبح بتلك المحادثات المحرَّمة سلعة رخيصة عند ذلك الذئب، وأنه لا يتزوج هؤلاء بمثلك؛ لأنهم يخافون من خيانتك لهم! .
2. أنك بتلك المحادثات تلطخين سمعتك وسمعة ومكانة أهلك في المجتمع.
3. أنها بتلك المحادثات سيزداد عندها بغض الخير والطاعة، وسيزداد عندها حب الشر والمعصية.
4. أنها ستصل لمرحلة كراهية الأهل والتفكير في هجرهم.
5. وليوجَّه لها هذا السؤال: " هل تقبلين هذا لابنتك؟ "، ماذا لو أن ابنتك أحبَّت شخصاً، وبدأت بمراسلته والحديث معه، هل تعلمين كيف ستكون حياتك لو أن ذلك الذئب سلبها عرضها – لا قدَّر الله – فتفكري في نفسك أن تكوني أنت الضحية، وتفكري في حال أهلك كيف سيكون لو أنك تستمرين في الحديث مع ذلك الذئب.
والذي ننصح بفعله في مثل هذه الحالة:
1. مداومة النصح لها، وعدم اليأس من هدايتها.
2. تعريفها على صاحبات الخير والصلاح من بنات جنسها.
3. تحريك الوالدين تجاهها، لنصحها، وتذكيرها، والأخذ على يدها.
4. مكالمة ذلك الذئب الفاسد، وتخويفه، وتهديده.
5. التعجل في تزويجها.
6. الحرص على دعاء الله تعالى أن يهديها، ويجنبها الفتن.
هذا ما نراه، ونسأل الله تعالى أن يوفق أخاها لما فيه رضاه، وأن يهدي أخته لما يحب ويرضى، وأن يحبب إليا الإيمان ويزينه في قلبها، وأن يبغِّض إليها الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعلها من الراشدين.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1175)
متى تأخذ الفتاة الصغيرة حكم البالغة بالنسبة للرجال الأجانب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للفتيات الصغار، متى لا نسلم عليهن، ونغض أبصارنا عنهن، عند أي سن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق أهل العلم على حرمة النظر إلى الفتاة الصغيرة ومصافحتها إن صاحب ذلك شهوة ولذة.
أما مع عدم الشهوة فقد ضبط بعض الفقهاء الأمر ببلوغ الفتاة حدًّا تُشتهى به في العادة، فإن بلغت هذا الحد حرم النظر إليها ومصافحتها، وإن لم تبلغ حداً تشتهى فيه فلا حرج من مصافحتها والنظر إليها، وهذا مذهب المالكية، والأصح عند الشافعية.
وضبط الحنفية والحنابلة - في المعتمد عندهم - الأمرَ إلى سن العاشرة، فقالوا إذا بلغت الصغيرة سنَّ العاشرة أصبحت عورتها كعورة الحرة البالغة، ولا يجوز النظر إليها ولا لمسها ومصافحتها.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (31/52) :
" يرى الحنفية أنه إلى عشر سنين يعتبر في عورته – الصغير والصغيرة - ما غلظ من الكبير، وتكون عورته بعد العشر كعورة البالغين.
ويرى المالكية (أن) المشتهاة عورتها كعورة المرأة بالنسبة للنظر والتغسيل.
والأصح عند الشافعية حل النظر إلى صغيرة لا تشتهى؛ لأنها ليست مظنة الشهوة، إلا الفرج فلا يحل النظر إليه.
والحنابلة قالوا – إن كان الصغير أنثى في العاشرة من عمرها – فعورتها بالنسبة للأجانب من الرجال جميع بدنها " انتهى بتصرف.
وانظر: "حاشية ابن عابدين" (1/407، 408) ، "البحر الرائق" لابن نجيم الحنفي (1/285) ، "مغني المحتاج" (3/130) ، "حاشية العدوي" (1/185، 336) ، "كشاف القناع" (1/266) ، "المغني" (7/462) .
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول بأنها تأخذ حكم الكبيرة إذا بلغت حداً تشتهى، وإن لم تبلغ عشر سنين.
فقال رحمه الله: "الطفلة الصغيرة ليس لعورتها حكم، ولا يجب عليها ستر وجهها ورقبتها، ويديها ورجليها، ولا ينبغي إلزام الطفلة بذلك، لكن إذا بلغت البنت حدا تتعلق بها نفوس الرجال وشهواتهم فإنها تحتجب دفعا للفتنة والشر، ويختلف هذا باختلاف النساء، فإن منهن من تكون سريعة النمو جيدة الشباب، ومنهن من تكون بالعكس" انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم: (20475) ، (43485)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1176)
هل يجوز لها الدراسة في مكان مختلط في بلاد كافرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل حفظك الله لي سؤال حول الدراسة في الدول الأوروبية وهو: ما حكم الدراسة في معهد مختلط علما بأنني مرافقة لزوجي، ومدة بعثته خمس سنوات، وأنا أريد كسب اللغة ودراسة الماجستير بعد ذلك، وملتزمة بالحجاب الكامل الفضفاض، لا أُخرج إلا عيني مع تحرزي الشديد، وأكمامي طويلة لا يخرج إلا أطراف الأصابع، جلوسي في القاعة يكون بجانب النساء، وعدد الطلاب لا يتجاوز (12) طالبا، ومحتاجة للغة للتخاطب مع من حولي وفي مجال الدعوة حتى أستطيع توضيح الإسلام لهم، خاصة وأنهم كثيراً ما يسألونني عن السر في ارتداء الحجاب. أرجو الإجابة، فأنا بانتظارها؛ لأنني أكملت السنة والأربعة أشهر في الغربة وأنا أبحث عن فتوى لسؤالي؛ لأنني أريد الدراسة، ولكن تحت فتوى شرعية منكم. والله يحفظكم ويرعاكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك - بدايةً – حرصك على تحري الصواب وموافقة الشرع في أفعالك، وهذا الذي ينبغي على كل مسلم فعله، على أن يكون ذلك قبل الإقدام على ما يريد القيام به، من تجارة، أو سفر، أو وظيفة؛ لأن مقتضى الصدق في الاتباع أن يسأل عن حكم فعله قبل الإقدام عليه.
ثانياً:
سؤالك فيه مسألتان، لا مسألة واحدة، أما الأولى: فهي السفر إلى بلاد الكفر، وأما الثانية: فهي الدراسة المختلطة في تلك البلاد.
وقد سبق في فتاوى متعددة حكم السفر لمثل تلك البلاد، والإقامة فيها، وقد بينَّا أن الأصل فيها التحريم، وأنه يجوز في حالات، وضمن شروط، وليس من الجواز أن يذهب المسلم لدراسة علوم تتوفر في بلده، أو في غيرها من دول الإسلام.
انظري أجوبة الأسئلة: (27211) و (14235) و (3225) .
وعليه: فالأصل هو عدم ذهاب زوجك أصلاً للدراسة في تلك الديار، فإذا أصرَّ على الذهاب، ويمكنه المحافظة على نفسه لقوة دينه، أو لقصر مدة إقامته هناك: فلا داعي لذهابك معه؛ لأنه ليست ثمة حاجة ولا ضرورة، فإن صعب عليك البقاء في بلدك، أو تخافين على نفسك الفتنة من الوحدة، أو كان يخاف هو على نفسه الفتنة في تلك البلاد: ففي هذه الحال تُعذرين في مرافقته.
ثالثاً:
أما بخصوص دراستك في مكان مختلط في تلك البلاد: فإنه محرَّم ولا شك، ولو كانت دراستك المختلطة في بلدٍ مسلم لم تكن جائزة، فكيف أن تكون بتلك الديار؟! .
سئل علماء اللجنة:
هل يجوز للأخوات أن يدخلن ويتعلمن في المدارس والجامعات المختلطة، حيث لا يوجد في بلاد الغرب إلا التعليم المختلط، ولكن الأخوات يلتزمن بالزي الإسلامي، مع مضايقات الكفار؟ .
فأجابوا:
اختلاط الرجال والنساء في التعليم: حرام، ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة، وانتشار الفساد، وانتهاك المحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشرِّ والفساد الخلقي لهو من أوضح الدلائل على تحريمه، وإذا انضاف إلى ذلك كونه في بلاد الكفار: كان أشد حرمةً ومنعاً، وتعلُّم المرأة بالمدارس والجامعات ليس من الضرورات التي تستباح بها المحرمات، وعليها أن تتعلم بالطرق السليمة البعيدة عن الفتن، وننصحها بأن تستفيد من الأشرطة السليمة التي صدرت من علماء السنَّة، كما ننصحها وغيرها بالاستفادة من " نور على الدرب " في إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 181، 182) .
وقالوا:
لا يجوز للطالب المسلم أن يدرس في فصول مختلطة بين الرجال والنساء؛ لما في ذلك من الفتنة العظيمة، وعليك التماس الدراسة في مكان غير مختلط؛ محافظة على دينك، وعِرضك، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) .
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 173) .
وحتى لو وافق زوجك على دراستك، فإن هذا لا يبيح لكِ تلك الدراسة المختلطة.
قال علماء اللجنة:
الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها: من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تَدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 156) .
فهذه فتاوى العلماء التي رغبت بمعرفتها قبل إقدامك على الالتحاق بذلك المعهد المختلط، وقد عرفتِ أنه لا يجوز لك ذلك، ولا ينفعك لبسك للحجاب كاملاً مع وجود أولئك الطلاب في القاعة، ويمكنك تعلم اللغة الإنجليزية عن طريق مدرسة تأتيك لبيتك، أو عن طريق أشرطة الصوت والفيديو والكتب، وهو متيسر جدّاً في الأسواق، كما يمكنك الانتساب لإحدى الجامعات أو المعاهد، وتقديم الامتحان بالمراسلة أو مع وجود زوجكِ، فتجمعين بين تحقيق هدفك في تعلم اللغة والحصول على شهادة، مع الحفاظ على الستر والنفس من أذية سفهاء القوم وشواذهم.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه.
وانظري أجوبة الأسئلة: (1200) و (33710) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1177)
ترافق زوجها المبتعث للدراسة في دولة غربية وتريد الدراسة في أماكن مختلطة!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أعيش في بريطانيا، مع زوجي المبتعث، والدولة تتكفل بتعليم أسرة المبتعث، أنا حاصلة على شهادة جامعية، وأرغب في إكمال دراستي العليا للأسباب التالية: 1. العزلة، فأنا من ذك النوع الانطوائي، بالإضافة إلى أنني لا أحب تضييع الوقت في القيل والقال في أغلب اجتماعات النساء. 2. جميع أولادي يدرسون، ويذهبون مع أبيهم من الصبح ولا يعودون إلا العصر. 3. عندي رغبة شديدة للدراسة، حاولت أكثر من مرة في السعودية ولم يحالفني القبول. 4. أنا أعمل مدرسة في منطقة من مناطق المملكة أكثر من 8 سنوات، وبدأت أفكر أكمل تعليمي العالي؛ لعلي أجد عملاً في المدينة التي يعيش ويعمل بها زوجي في المملكة، وأترك مهنة التدريس. 5. القبول ميسر، وفرصة، فالبلد يشجع على العلم، فكل الناس جاءت تدرس من كل أنحاء العالم. المشكلة هي أن زوجي يرفض التحاقي بمعاهد اللغة؛ بحجة وجود رجال، وسعوديون بالتحديد، وأنت تعلم أن الجامعات تشترط اللغة أولا، وتعلم أننا في بلد لا يطبق الإسلام , بحثت في الإنترنت وفي المعاهد والكليات عن " فصل " ليس فيه رجال فأخبروني أنهم لا يضمنون 100% أن الفصل نساء، وللعلم أنا إنسانة أتقي الله، وأنا ملتزمة بحجابي الكامل، وأغطي وجهي، ولو درست في فصل مختلط: فإنني سوف أحافظ على ذلك، وإذا لزم الأمر كشفت وجهي وقت الدرس فقط. أرجو إفادتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلمي – حفظك الله – أن طاعة زوجك واجبة عليكِ، ويتحقق الوجوب فيما لو كان أمركِ بطاعة واجبة، أو نهاك عن معصية ظاهرة، وقد وُعدت الزوجة بالأجر الجزيل على طاعة زوجها.
فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) . رواه أحمد (1664) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (1931) .
ولا شك أن ما أمركِ به زوجك هو المتعين عليك فعله، ولا يسعك خلافه، والاختلاط بين الرجال والنساء في أماكن التعليم والعمل من المحرَّمات التي لا تخفى آثارها السيئة على كلا الجنسين.
وما نقوله لكِ نقوله لزوجك أيضاً، فكثير من الرجال يظن أن الاختلاط محرَّم على النساء دون الرجال، والحكم واحد في الجنسين، ويتعيَّن المنع إن كان الاختلاط في دول الكفر التي لا يجوز – أصلاً – الإقامة فيها بحجة الدراسة، إلا إذا كان هذا العلم لا يجده في بلاد المسلمين، وهي بالإضافة لكفرها فإن فيها من الفساد الأخلاقي الشيء الكثير.
ثانياً:
ليس هناك مانع شرعي من أن تدرس المرأة، وتطلب العلم، وإنما الذي حظره الشرع هو ما يكون في بيئات العلم من الاختلاط والسفور والمعاصي الظاهرة والباطنة.
قال علماء اللجنة الدائمة – في دراسة المرأة -:
"يجب عليها عيناً أن تتعلم ما لا بد منه لإصلاح شؤون دينها، وأداء حق ربها وأسرتها..... فإن تيسر لها ذلك دون خروج إلى المسجد ونحوه: فالحمد لله، وإلا فلها الخروج إلى معهد، أو مدرسة لتعلم ما وجب عليها لتوقُّف صحة دينها وصلاح دنياها عليه" انتهى باختصار.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 177) .
وقالوا أيضاً:
"دراسة المرأة للعلوم الشرعية وغيرها مما تحتاج إليه المرأة، أو يعينها على معرفة أمور دينها: مشروعة، إذا لم يترتب عليها محذور شرعي، أما إذا ترتب عليها محذور شرعي كالاختلاط بالرجال غير المحارم، وعدم الحجاب: فإنها لا تجوز؛ لأن هذه أمور محرمة؛ ولأن ذلك يؤدي إلى الفساد" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 170، 171) .
ثالثاً:
الاختلاط في أماكن الدراسة لا يبيح للمرأة ولا للرجل أن يدخل تلك المواقع، وبخاصة في بلاد الكفر؛ حيث تكثر الفتن والمهالك، ومن أراد الحفاظ على دينه وعرضه فليتجنب تلك الأماكن التي يختلط فيها الرجال بالنساء، وإلا فإنه يسلك طريقاً لا يسلم فيه إلا القليل، ولو التزمت المرأة بحجابها فإنه لا يبيح لها الدخول لتلك الأماكن للدراسة، وإذا كانت تلك الأماكن في بلاد الكفر: تحتَّم المنع؛ لما يسببه دخولها من تعرض السفهاء لها ولدينها ولحجابها.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل يجوز للأخوات أن يدخلن، ويتعلمن في المدارس، والجامعات المختلطة، حيث لا يوجد في بلاد الغرب إلا التعليم المختلط، ولكن الأخوات يلتزمن بالزي الإسلامي مع مضايقات الكفار؟
فأجابوا:
"اختلاط الرجال والنساء في التعليم حرام، ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة، وانتشار الفساد، وانتهاك المحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشرِّ والفساد الخلقي لهو من أوضح الدلائل على تحريمه، وإذا انضاف إلى ذلك كونه في بلاد الكفار: كان أشد حرمةً ومنعاً، وتعلُّم المرأة بالمدارس والجامعات ليس من الضرورات التي تستباح بها المحرمات، وعليها أن تتعلم بالطرق السليمة البعيدة عن الفتن" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 181، 182) .
وقالوا أيضاً:
"لا يجوز للطالب المسلم أن يدرس في فصول مختلطة بين الرجال والنساء؛ لما في ذلك من الفتنة العظيمة، وعليك التماس الدراسة في مكان غير مختلط؛ محافظة على دينك، وعِرضك، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 173) .
والخلاصة:
أطيعي زوجكِ في الامتناع عن الدراسة المختلطة، واصبري حتى ترجعي لبلدك، واستثمري وقت فراغك في طلب العلم، سماعاً، وقراءة، وابذلي جهداً على بنات جنسك من المسلمات تعليماً لهنَّ وإرشاداً، ومن الكافرات دعوة لهنَّ وهداية، ونسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1178)
حدود الاختلاط المسموح به بين أفراد العائلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حدود الاختلاط بين أفراد العائلة؟ وأقصد الاختلاط بين النساء والرجال فنحن عائلة فيها ترابط وهم لا يتفهمون نقطة الاختلاط، فتجد أن أبناء الخالة يعتبرون بنات خالتهم مثل أخواتهم، ولكن في حدود يعنى حدود السلام بإلقاء السلام فقط، وليس باليد، وفي حدود الكلام المحترم غير المخل فهل هذا يجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاءت الشريعة بضوابط واضحة تضبط علاقة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، وتحول دون وقوع الفتنة له أو لها، ومن ذلك:
1- تحريم الخلوة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وفي رواية: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة، ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشطان) رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في غاية المرام (180) .
2- تحريم المصافحة واللمس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045) .
3- تحريم نظر الرجل إلى المرأة؛ لقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النور/30، 31.
وفي صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري) .
وأما نظر المرأة إلى الرجل من غير شهوة، فجائز على الراجح.
4- تحريم الخضوع بالقول من قبل المرأة؛ لقوله تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأحزاب/32.
5- وجوب ستر العورة، وعورة المرأة أمام الرجال الأجانب، جميع بدنها بما فيه الوجه والكفان، وينظر جواب السؤال رقم (11774) .
وهذه الضوابط تنطبق على تعامل المرأة مع كل رجل أجنبي عنها، ولو كان قريبا كابن العم وابن الخالة، بل ينبغي التحرز والاحتياط في التعامل مع القريب؛ لأن اعتياد رؤيته ودخوله وخروجه، مما يساعد على وقوع الفتنة إذا لم تراع الضوابط السابقة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: (الحمو الموت) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) .
الحمو: أخو الزوج وابن عمه وما أشبهه من أقارب الزوج.
وأما مجرد إلقاء السلام من غير مصافحة، أو الكلام عند الحاجة مع عدم الخضوع بالقول، أو الوجود في مكان واحد، مع الستر وانتفاء الخلوة، فهذا لا حرج فيه.
وفي بعض المجتمعات يبدو تمسك المرأة بهذه الضوابط غريبا، لقلة العلم، وكثرة المترخصين، فعليها أن تصبر، وأن تبين وتوضح قدر استطاعتها.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1179)
منتديات يكثر فيها الحديث الفاحش ونشر الأسرار الزوجية!
[السُّؤَالُ]
ـ[بما أن موقعكم هذا يفد إليه الآلاف المؤلفة من الناس، ودائماً ما نرى فتاواه منقولة إلى مواقع ومنتديات كثيرة جدّاً في شبكة الإنترنت، فإنني أطلب منكم تفصيل الحكم، والقول في مسألة متفشية في منتديات الإنترنت العربية، وهي كالآتي: كثر انتشار المنتديات الإلكترونية التي تهتم بأمور الزوجية، والعلاقة بين الزوجين، من حقوق، وواجبات، ونصائح، ونحو ذلك، بل إن الكثير من المنتديات العامة أو المتخصصة في مجالات علمية، أو رياضية، أو تقنية بحتة أصبح يجد فيها الزائر قسماً خاصاً بقضايا الأسرة، والزواج، وحقوقه، وآدابه، لكن المشكلة الحاصلة في كثير من تلك المنتديات والأقسام هي التعرض لأسرار الحياة الزوجية، وبالتحديد الأمور الجنسية بين الزوجين، فترى نساءً يكتبن عن ما يحدث بينهن وبين أزواجهن في الفراش، بلا حياء، وتجد المزح، والضحك، والتبسّط في النقاش بين أعضاء المنتديات - رجالاً ونساءً - حول المواضيع الجنسية، ولقد قرأت بنفسي أموراً لا يليق المقام بذكرها، وأستحيي من بيانها، والأسوأ من ذلك: أن بعضهم يتسمّى بأسماء إسلامية شرعية - إن صح التعبير - كـ " المجاهد " أو " فتاة الإسلام " أو نحو ذلك، وقد تجد على تواقيعهم آيات قرآنية، وأحاديث نبوية! فهذه تقول " زوجي يفعل بي كيت وكيت "، وهذه تسأل " ما أفضل طريقة لفعل كذا وكذا؟ "، فيدخل أحد الأعضاء الذكور ويرد عن سؤالها " دعي زوجك يفعل بك كذا.. "، ثم يسمّي أموراً (طبعاً باللغة العربية الفصحى وليس العامية المبتذلة) ويسهب في الشرح، ثم يأتي سيل التعليقات، والنقاشات من الآخرين، وأحياناً يصرّح بعضهم بالمعصية دون أن يشعر فيقول: إنه شاهد هذه الحركة المعينة في مقطع!! أو أن تنصح مشرفة القسم مثلاً الأعضاء بمشاهدة شريط فيديو معيّن يساعد على الجماع، والمواضيع كثيرة، والردود أكثر، وبحذاقة، وتفنن، ورتابة، ونشاط شديد، وكأننا لم نخلق إلا لقضاء شهواتنا، إنه - والله - عالم كبير، يعجّ بإثارة الغرائز والشهوات وقلّة الحياء. أنا لا أتحدث عن منتديات ومواقع العهر والفساد الأخلاقي التي يتم حجبها من المسئولين، بل عن منتديات عادية مصرّح بها، ومفتوحة، وفيها أناس عقلاء، وبعضهم ربما على تقوى، أعلمُ أنه لا عيب في تعلّم هذه الأمور لمن هو مقبل على الزواج، لكن المشكلة أن كثيراً من هؤلاء الأعضاء ليسوا متزوجين، ولا ينوون الزواج عن قريب، ودائماً ما يصرّحون بذلك في ردودهم بطلب الدعاء لهم.. إلخ، وحتى المتزوجون يفضحون أسرار الزوجية، وربما من دون شعورهم بذلك، ألا يمكن تعلّم هذه المسائل عبر المواقع الإلكترونية الطبيّة المحترمة؟ أو الكتب المتخصصة؟ أو بعض مواقع الفتاوى مثل موقعكم هذا؟ يوجد بعض المواقع - ولله الحمد - يكون فيها طبيب، أو شخص متخصص ترسل إليه الأسئلة على شكل خاص، ثم يتم الإجابة عنها، ووضعها في الموقع ليطلع الناس عليها دون الحاجة إلى النقاشات غير الضرورية بين الأعضاء والناس العامة. أرجو التفصيل الوافي للحكم الشرعي فيما ذكرت، وإرسال نصيحة لكل من يعمل ويشرف ويشارك في تلك المنتديات. وأسأل الله أن ينفع بإجابتكم، وأن تنتشر في شبكة الإنترنت؛ حتى يعرف الناس الصواب من الخطأ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك غيرتك أيها الأخ السائل الفاضل، ونسأل الله تعالى أن يكتب لك أجر ما نكتب وننصح به، و (الدال على الخير كفاعله) .
وما تقوله أخي الفاضل صحيح، وهو موجود – وللأسف – بكثرة في المنتديات، ولا يمكن لأحدٍ أن يوقف ذلك السيل العارم بالحديد، والقوة، ولا خير من تنمية الوازع الديني عندهم، فهو الذي يمكن أن يردع هؤلاء المخالفين للشرع عن فعلهم، وهو الذي يمكن أن يكُف أصابعهم عن كتابة ما لا يليق شرعاً وعرفاً.
ثانياً:
في رأينا أنه ثمة أسبابا تدعو أولئك المشاركين في تلك الكتابات لكتابة ذلك الفحش والسوء، ومنها:
1. عدم استشعار رقابة الله تعالى، فترى أحدهم يكتب مع إغفاله لرقابة ربه تعالى على حركة أصابعه، وعلى نيته في باطنه.
2. الفراغ العاطفي لدى هؤلاء، فلا زوجة يعف نفسه بها، ولا زوج يعفها ويكفيها.
3. الفراغ من المسئوليات، وكثرة الأوقات الفارغة.
4. الجهل بالأحكام الشرعية، والجهل يؤدي إلى المعصية، والمعصية تؤدي إلى النار.
5. تهييج المشاركين والمشارِكات للاصطياد الماكر.
6. صحبة السوء، والتنافس على القُبح.
ثالثاً:
أما علاج هذه الظاهرة: فيتمثل في أمور، منها:
1. تقوية جانب رقابة الله تعالى للعبد، ويتجلى ذلك بتوضيح مفهوم الإحسان، والتعريف بصفات الله تعالى كالرقيب، والبصير، والسميع، مع تقوية جانب الحياء من الله تعالى، ومن ملائكته الكرام.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
الإحسان إذا باشر القلب: منعه عن المعاصي؛ فإنَّ مَن عبدَ الله كأنه يراه: لم يكن كذلك إلا لاستيلاء ذِكره، ومحبته، وخوفه، ورجائه على قلبه، بحيث يصير كأنه يشاهده، وذلك سيحول بينه وبين إرادة المعاصي، فضلا عن مواقعتها، فإذا خرج من دائرة الإحسان: فاته صحبة رفقته الخاصة، وعيشهم الهنيء، ونعيمهم التام.
" الجواب الكافي " (ص 47) .
2. بيان الحكم الشرعي لكتابة الفحش، والسوء، وأن الشريعة المطهَّرة حرَّمت ذلك، مع تحريم نشر القبيح من الكلام، والإعانة على القبيح من الأفعال.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ) .
رواه الترمذي (2002) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
3. بيان الحكم الشرعي لنشر أسرار الفراش في الحياة الزوجية.
عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا) .
رواه مسلم (1437) .
قال النووي – رحمه الله -:
وفي هذا الحديث: تحريم إفشاء الرجل ما يجرى بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك، وما يجرى مِن المرأة فيه، من قول، أو فعل، ونحوه.
" شرح النووي " (10 / 8) .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
يغلب على بعض النساء نقل أحاديث المنزل وحياتهن الزوجية مع أزواجهن إلى أقاربهن وصديقاتهن، وبعض هذه الأحاديث أسرار منزلية لا يرغب الأزواج أن يعرفها أحد، فما هو الحكم على النساء اللاتي يقمن بإفشاء الأسرار ونقلها إلى خارج المنزل أو لبعض أفراد المنزل؟ .
فأجاب:
إن ما يفعله بعض النساء مِن نقل أحاديث المنزل والحياة الزوجية إلى الأقارب والصديقات أمر محرَّم، ولا يحل لامرأة أن تفشي سرَّ بيتها، أو حالها مع زوجها إلى أحدٍ من الناس، قال الله - تعالى -: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن (شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها) .
" فتاوى إسلامية " (3 / 211، 212) .
وقال – رحمه الله -:
والصواب في هذه المسألة – أي: التحدث بجماع الزوجة - أنه حرام، بل لو قيل: إنه من كبائر الذنوب لكان أقرب إلى النص، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته.
" الشرح الممتع " (12 / 419) .
ومعنى يفضي: أي يصل إليها بالمباشرة والمجامعة كما في قوله تعالى: " وقد أفضى بعضكم إلى بعض " سورة النساء الآية 21.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا عسى أحدكم أن يخلو بأهله يغلق باباً، ثم يرخي ستراً، ثم يقضي حاجته، ثم إذا خرج حدَّث أصحابه بذلك؟!
ألا عسى إحداكن أن تغلق بابها وترخي سترها، فإذا قضت حاجتها حدثت صواحبها؟ فقالت امرأة سفعاء الخدين: والله يا رسول الله إنهن ليفعلن، وإنهم ليفعلون، قال: فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثَل شيطان لقي شيطانة على قارعة الطريق، فقضى حاجته منها، ثم انصرف، وتركها.
قال الألباني: رواه البزار، وله شواهد تقوِّيه.
" صحيح الترغيب " (2023) .
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَلْ فِيكُمْ رَجُلٌ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ أَغْلَقَ بَابَهُ وَأَرْخَى سِتْرَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُحَدِّثُ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ بِأَهْلِي كَذَا، وَفَعَلْتُ بِأَهْلِي كَذَا؟ فَسَكَتُوا فَأَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ؟ فَجَثَتْ فَتَاةٌ كَعَابٌ عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهَا، وَتَطَاوَلَتْ لِيَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْمَعَ كَلاَمَهَا، فَقَالَتْ: إِي وَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَيُحَدِّثُونَ، وَإِنَّهُنَّ لَيُحَدِّثْنَ، قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ إِنَّ مَثَلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانٍ وَشَيْطَانَةٍ لَقِيَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالسِّكَّةِ، قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ.
رواه أبو داود (2174) .
قال الشوكاني – رحمه الله -:
والحديثان يدلان على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع؛ وذلك لأن كون الفاعل لذلك من أشر الناس، وكونه بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون: من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينهما الراجعة إلى الوطء ومقدماته، فإن مجرد فعل المكروه لا يصير به فاعله من الأشرار فضلا عن كونه من شرهم، وكذلك الجماع بمرأى من الناس لا شك في تحريمه، وإنما خص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي سعيد الرجل فجعل الزجر المذكور خاصا به ولم يتعرض للمرأة: لأن وقوع ذلك الأمر - في الغالب - من الرجال.
قيل: وهذا التحريم إنما هو في نشر أمور الاستمتاع، ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع، وإفشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الوقاع، وأما مجرد ذكر نفس الجماع فإن لم يكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه؛ لأنه خلاف المروءة، ومن التكلم بما لا يعني، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ".
" نيل الأوطار " (6 / 237) .
وقد أطلنا في هذه المسألة لأنها عمدة السؤال، وهي أكثر المسائل انتشاراً في المنتديات، وهو الحديث عن الجماع، وتفصيل فعل ذلك في الفراش، وإذا كان حديث الزوجة عن فعل زوجها من كبائر الذنوب، فكيف يكون حكم من نشر تفصيل ذلك في واقعة زنى؟!
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور:19) .
روى البخاري (6069) ومسلم (2990) من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وَالْمَجَانَة مَذْمُومَة شَرْعًا وَعُرْفًا , فَيَكُون الَّذِي يُظْهِر الْمَعْصِيَة قَدْ اِرْتَكَبَ مَحْذُورَيْنِ: إِظْهَار الْمَعْصِيَة وَتَلَبُّسه بِفِعْلِ الْمُجَّان " ...
وقَالَ اِبْن بَطَّال رحمه الله: فِي الْجَهْر بِالْمَعْصِيَةِ اِسْتِخْفَاف بِحَقِّ اللَّه وَرَسُوله وَبِصَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ , وَفِيهِ ضَرْب مِنْ الْعِنَاد لَهُمْ , وَفِي السِّتْر بِهَا السَّلَامَة مِنْ الِاسْتِخْفَاف , لِأَنَّ الْمَعَاصِي تُذِلّ أَهْلهَا , وَ [السلامة] مِنْ إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فِيهِ حَدّ وَمَنْ التَّعْزِير إِنْ لَمْ يُوجِب حَدًّا , وَإِذَا تَمَحَّضَ حَقّ اللَّه فَهُوَ أَكْرَم الْأَكْرَمِينَ وَرَحْمَته سَبَقَتْ غَضَبه , فَلِذَلِكَ إِذَا سَتَرَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَفْضَحهُ فِي الْآخِرَة , وَاَلَّذِي يُجَاهِر يَفُوتهُ جَمِيع ذَلِكَ.. وَأَيْضًا فَإِنَّ سِتْر اللَّه مُسْتَلْزِم لِسِتْرِ الْمُؤْمِن عَلَى نَفْسه , فَمَنْ قَصَدَ إِظْهَار الْمَعْصِيَة وَالْمُجَاهَرَة بِهَا أَغْضَبَ رَبّه فَلَمْ يَسْتُرهُ , وَمَنْ قَصَدَ التَّسَتُّر بِهَا حَيَاء مِنْ رَبّه وَمِنْ النَّاس مَنَّ اللَّه عَلَيْهِ بِسِتْرِهِ." انتهى من فتح الباري.
فلعلَّ هؤلاء أن يقفوا على الحكم الشرعي، فينتهوا عن نشر القبيح من الكلام، والوصف للمحرَّم من الأفعال.
3. تحذير رب الأسرة من ترك الحبل على غاربه لأولاده الذكور والإناث لأن يشاركوا فيما يشاؤون من منتديات، وتفعيل دور الأسرة في التوجيه، والتربية، والرقابة.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/ 6.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) .
رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
4. تحذير الفتيات من ذئاب المنتديات، حيث يدخل الواحد فيهم متصنعاً للوقار، أو للفهم والمعرفة، أو لعذب الكلام، أو لحسن معاملة النساء، فيوقع الكثيرات في شراكه، ويصيدهن بشباكه، ويحرص الخبيث على تشويقهن، وتهييجهن، حتى يقع منهنَّ ما لا يُحمد عقباه.
5. التشجيع على الزواج بذِكر الحكم الشرعي بوجوبه على من كان قادراً، وبالزواج يُملأ جانب العاطفة الذي يفتقده هؤلاء، فيحاولون ملأه بالكلام المجرد، المهيج للشهوة، والداعي للفتنة.
6. التحذير من صحبة السوء، وأن هذه الصداقة السيئة ستنقلب ندامة في الدنيا، وعداوة في الآخرة.
ونسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين، وأن يحفظ علينا أعراضنا وأوقاتنا وطاعاتنا، وعسى الله أن يهدي بما ذكرناه أصحاب المواقع، والمنتديات، والمشرفين عليها، والكاتبين فيها، وليعلم كل واحد من أولئك أنه مخاطب بما سبق بيانه، وأنه يتحمل إثم كل مشاركة سيئة فيها إثم وفحش، وأنه يكسب إثم كل بيت يُهدم، وعرض يُنتهك، ونفسٍ تُفتن.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1180)
يحب فتاة ويتساءل: لماذا يرفض المجتمع هذا الحب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بصراحة أحب فتاة، لم أتعرف عليها، لكن هي قريبة لي، كنت أجلس معها أيام صغري، وانقطعت العلاقه بيننا عندما كبرت، ولم أتواصل معها أبدا بعد ما كبرت، وقصدي من الحب هو الزواج. سؤالي: هل هذا الحب محرم، ولماذا يرفض المجتمع هذا الحب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بداية نشكرك على مصارحتك، ثم على حرصك على معرفة الحكم الشرعي في أمر مهم يتعلق بكثير من الشباب إن لم يكن بأكثرهم.
" فالحب " الذي يقع بين الناس، سواء في الجنس الواحد أو بين الجنسين إذا لم تكن أسبابه محرمة، ويؤدي إلى نتائج محرمة، فلا حرج فيه، وهو شيء يجده الإنسان في قلبه لا يستطيع دفعه.
قال ابن حزم:
" وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل " انتهى. "طوق الحمامة" (ص/4) .
غير أن الشريعة قيدت وضبطت أمرين مهمين يتعلقان بالحب، وهما:
الأمر الأول: أسباب الحب ومقدماته، فغالبا ما ينشأ الحب بسبب اختلاطٍ وتمازجٍ أو تبادلِ نظرٍ أو حديثٍ أو مجالسةٍ بين المتحابين، وهي أعمال داخلة تحت القدرة والتكليف، جاءت الشريعة بسدها وتحريمها ابتداء بين الجنسين، فحرمت النظر والخضوع في القول والخلوة واللمس، وأوجبت العفة وعدم الاختلاط والحجاب والتقوى في السر والعلن، فمن تجاوز حدود الله في هذه الأسباب أثم، ولحقه اللوم في كل ما يستتبع هذه التجاوزات من تعلق محرم وحب آثم.
قال ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (11/10) :
" فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه " انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله في "روضة المحبين" (147) :
" إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له، فهذا لا يلام على ذلك، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره، على أن عليه مدافعته وصرفه " انتهى.
الأمر الثاني: النتائج والتوابع التي يمليها الحب بين المتحابين، إذ يبدأ القلب بالدفع نحو الاقتراب من المحبوب بكل طريقة، وتبدأ النفس بالوسوسة لبلوغ الغاية بالوصال مع المحبوب، بالاتصال بالكلام أو النظر أو تبادل الهدايا والحديث العاطفي أو الوقوع في الإثم والفاحشة، فإذا تسلح القلب بالتقوى، وعمرت النفس بالإيمان، فلم تَخُضْ في هذه المسالك، ولم تستجب لتلك المهالك، فقد حفظت حدود الله وشرعه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (10/133) :
" فأما إذا ابتُلى بالعشق وعف وصبر، فإنه يثاب على تقواه لله، فمن المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقولا وعملا، وكتم ذلك فلم يتكلم به، حتى لا يكون في ذلك كلام محرم، إما شكوى إلى المخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوع طلب للمعشوق، وصبر على طاعة الله وعن معصيته، وعلى ما فى قلبه من ألم العشق، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة، فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر، ومن يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاءات الباب المفتوح" (2/125) :
" قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلق فاضل وذات علم فيرغب أن يتزوجها، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلق فاضل وعلم ودين فترغبه، لكن التواصل بين المتحابين على غير وجه شرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق والظهور، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، ويقول إنه يرغب في زواجها، بل ينبغي أن يخبر وليها أنه يريد زواجها، أو تخبر هي وليها أنها تريد الزواج منه، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل فتنة " انتهى.
فالحاصل: أن المرفوض في الحب هو الأسباب والنتائج المحرمة، ولما كان الغالب على الخائضين في الحب في هذا الزمان أنهم لا يراعون حرمات الله ولا يتقون عذابه، ويستبيحون في سبيل حبهم المزعوم كل صغير وكبير، رفض كثير من الناس هذا المعنى " الحب "، وأصبح مسلكا مذموما في المجتمعات المحافظة، والحمد لله.
أما الذي وقع الحب في قلبه من غير سبب محرم منه، ولا أدى إلى الوقوع في محرم، فلا يلام على ذلك، لكن ينبغي أن يسارع في السعي نحو الزواج، كي يحفظ دينه وعفته ولا يعرض نفسه للفتن.
نسأل الله تعالى أن يحفظ شباب وفتيات المسلمين من كل سوء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1181)
حكم إنشاء مركز تدريب إعلامي مختلط
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المشاركة في إنشاء مركز تدريب إعلامي، وكما هو معروف إن هذا المجال يشارك فيه الرجال والنساء سويا في التدريب ويصعب فصلهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاختلاط بين الرجال والنساء في الدراسة والعمل محرم؛ لما يشتمل ويترتب عليه من المحاذير والمفاسد، وينظر جواب السؤال رقم (1200) و (97231) .
وعليه؛ فلا يجوز إنشاء مركز تدريب إعلامي مختلط، والواجب فصل الرجال عن النساء، هذا إذا غلب على الظن انتفاع النساء بهذه الدراسة، واستعمالهن لها في المباح، وأما إذا غلب على الظن أنهن يتدربن ليعملن في المجالات المحرمة، فلا يجوز إلحاقهن بالمركز مطلقا؛ إنكارا للمنكر، ودرءا للفساد وانتشاره. قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) أخرجه مسلم (4831) .
وقال صلى الله عليه وسم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم (49) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1182)
خطيبته تجالس رجلاً أجنبياً عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب اسمي رائد خطبت فتاة اسمها نورا – ما ذكرت الأسماء إلا لأثبت للفتاة أنني سألتكم- لدي مسألة شرعية أود السؤال عنها: خطيبتي لها خمس أخوات اثنتان منهن متزوجات من أبناء عمهن وتسكن إحداهن في الشقة المقابلة لهم مباشرة. في مساء أحد الأيام زارت خطيبتي بيت زوج أختها المقابل لمنزل والدها -هو ابن عمها- مع أختيها، وقضوا حسب قولها وقتا ممتعا من المرح والمزاح والحديث الذي يسري عن القلب والضحك والسرور والسعادة والانبساط ولكن عندما أخبرتني ضقت مما سمعت إذ إنني شعرت بأنه ليس من حقها شرعا أن تذهب لبيت زوج أختها وتقضي الوقت وتضحك وتفعل ما فعلت من مرح وسعادة لسببين: الأول: أنه حصل بدون علمي وبدون موافقتي. والثاني: أنني أشعر أن الفتاة عليها التزام بيتها سواء كان بيتها عند والدها أو بيت زوجها. إضافة إلى أنني لا أحب هذا النوع من الاختلاط الذي لا تحكمه أية ضوابط شرعية في الحديث أو النظر فأين غض البصر في جلسة كهذه ملؤها الضحك والمزاح، كما أنني أعلم أن صوت المرأة عورة فكيف إذا ضحكت حتى ولو بصوت منخفض، فالضحك ضحك، حاولت جاهدا أن أقنعها أن هذا شيء يجب اجتنابه ولكن لا فائدة، أجابتني أن ما فعلته ليس حراماً أو عيباً، إن زوج أختي مثل أخي، عدمت الوسيلة إلا من الله تعالى بالدعاء لها، ثم منكم، أفيدوني أي الرأيين الصائب، من هو المحق ومن هو المخطئ، أريد إجابة شرعية تكون فصلا بيني وبينها عند الله، حيث إنها أصرت على تكرار ما حدث لمرات أخرى بحجة أن هذا ليس عيباً أو حراماً، الآن أصبحت مشتتا ولا أعرف أهو حرام أم لا، أهي آثمة أم لا، هل أنا مساءل عن هذا الأمر عنها أمام الله أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، واختلاطهم في المجالس، وارتكابهم ما ينافي الحياء من الضحك والمزاح، هذا كله من الأمور التي حرمتها الشريعة؛ لأنّ ذلك من أسباب الفتنة، وثوران الشهوات، ومن الدّواعي للوقوع في الفواحش والآثام.
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (1200) .
ثانياً:
أخت الزوجة تعدُّ أجنبيّة عن زوج أختها، فلا يحل له النظر إليها، ولا الخلوة بها، ولا مصافحتها.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/420) :
" زوج الأخت ليس من محارم المرأة، ويعتبر أجنبيا عنها، لا يحل لها أن تكشف وجهها له، ولا تصافحه، ولا تخلو به، ولا أن تسافر معه، شأنه شأن الرجال الأجانب، لكن إذا جلست معه مع وجود محرم من محارمها ومع احتجابها وتسترها وتحفظها فلا بأس " انتهى.
وانظر جواب السؤال: (32689) .
ثالثاً:
يجب التنبه إلى أن المرأة المخطوبة تعتبر أجنبية عن الخاطب، فلا يجوز له أن يخلو بها، ولا أن يحادثها إلا فيما يتعلق بموضوع الزواج مع وجود محرم معهما، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13704) و (77236) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1183)
حضور المرأة اختبار التجويد على مشايخ في غرفة مغلقة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تسأل تقول أنها ستتقدم لاختبار في أحكام التجويد لكتاب الله إن شاء الله، وسوف تختبر منفردة في غرفة مع ثلاثة شيوخ أفاضل، فما حكم هذا الفعل هل هو جائز؟، مع العلم أنه لا يوجد نساء يقمن مقام هؤلاء الشيوخ الأفاضل الثلاثة في هذا الامتحان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج فيما ذكرت من حضور المرأة اختبار التجويد أمام ثلاثة من الشيوخ، بشرط أن يكون كلامها فيما تدعو إليه الحاجة، ومن غير خضوع بالقول، والأولى أن يتم اختبارها عن طريق النساء، أو يكون اختبارها في حضور محرم لها، لكن إذا لم يتيسر ذلك فلا حرج، وذلك لأمرين:
الأول: أن وجود المرأة مع جماعة من الرجال، مع انتفاء الريبة، لا حرج فيه عند بعض أهل العلم؛ لما روى مسلم (2173) عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ (أي: زوجته) فَرَآهُمْ فَكَرِهَ ذَلِكَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: (لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " الْمُغْيِبَة هِيَ الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجهَا. وَالْمُرَاد: غَابَ زَوْجهَا عَنْ مَنْزِلهَا , سَوَاء غَابَ عَنْ الْبَلَد بِأَنْ سَافَرَ , أَوْ غَابَ عَنْ الْمَنْزِل , وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَد. لأَنَّ الْقِصَّة الَّتِي قِيلَ الْحَدِيث بِسَبَبِهَا وَأَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ غَائِب عَنْ مَنْزِله لَا عَنْ الْبَلَد.
ثُمَّ إِنَّ ظَاهِر هَذَا الْحَدِيث جَوَاز خَلْوَة الرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ , وَالْمَشْهُور عِنْد أَصْحَابنَا تَحْرِيمه , فَيَتَأَوَّل الْحَدِيث عَلَى جَمَاعَة يَبْعُد وُقُوع الْمُوَاطَأَة مِنْهُمْ عَلَى الْفَاحِشَة لِصَلَاحِهِمْ , أَوْ مُرُوءَتهمْ , أَوْ غَيْر ذَلِكَ. وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْو هَذَا التَّأْوِيل " انتهى.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " لا يجوز ركوب المرأة مع سائق ليس محرماً لها وليس معهما غيرهما؛ لأن هذا في حكم الخلوة، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يخلونَّ رجل بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرَم " رواه البخاري (5233) ومسلم (1341) ، وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يخلونَّ رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما". أما إذا كان معهما رجل آخر أو أكثر أو امرأة أخرى أو أكثر: فلا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك ريبة؛ لأن الخلوة تزول بوجود الثالث أو أكثر " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2 /556) .
وينظر: فتاوى الشيخ ابن باز (5/78) .
الثاني: أن صوت المرأة ليس بعورة على الصحيح.
قال في "مغني المحتاج" من كتب الشافعية (4/210) : " وصوت المرأة ليس بعورة , ويجوز الإصغاء إليه عند أمن الفتنة , وندب تشويهه إذا قُرع بابها فلا تجيب بصوت رخيم , بل تغلظ صوتها بظهر كفها على الفم " انتهى.
وفي " كشاف القناع" من كتب الحنابلة (5/15) : " وصوتها أي الأجنبية ليس بعورة، ويحرم التلذذ بسماعه ولو كان بقراءة خشية الفتنة " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/202) : " صوت المرأة نفسه ليس بعورة، لا يحرم سماعه إلا إذا كان فيه تكسر في الحديث، وخضوع في القول، فيحرم منها ذلك لغير زوجها، ويحرم على الرجال سوى زوجها استماعه؛ لقوله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقّيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الََّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) " انتهى.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1184)
تحبُّ رجلاً عن طريق الإنترنت وتقدَّم لها صاحب دِين للزواج وتطلب المشورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً أريد أن أحييكم على مجهوداتكم الجبارة من خلال موقعكم المميز، جزاكم الله خيراً، وجعل هذا في ميزان حسناتكم يوم القيامة. لقد لجأت إليكم لا لأشكو همِّي فالشكوى لغير الله مذلة، وإنما لأطلب النصح من أب، وأخ، وشيخ فاضل، وأتمنى أن توجهوني لما فيه رضا الله عز وجل، ولما فيه صلاحي في الدنيا والآخرة، أنا فتاة مطلقة، تعرفت منذ 7 أشهر إلى شاب عن طريق الانترنت، حسب ما أعرفه عنه خلال هذه المدة أنه إنسان محترم، ذو خلق، ومتدين، يعيش في بلد أوربية، أحس أنني أحبه، وهو أيضا، لكنه لا يستطيع التقدم لخطبتي حاليّاً؛ نظراً لظروفه، حيث إنه ما زال غير مستقر في البلد الذي يعيش فيه، حيث إنه ومنذ أكثر من 5 سنوات يعيش في هذه البلاد بإقامة طالب، وهذا ما يمنعه من الزواج؛ لأنه إن تزوج فليس له الحق في اصطحاب زوجته معه، ولا يعرف إلى أي مدى قد يطول هذا الأمر، ربما لسنوات، الله أعلم. حدث مؤخراً أن تقدم لخطبتي شاب على مستوى من الأخلاق والدِّين، لا نسأل عنه أحداً إلا قال فيه خيراً. انصحني شيخنا الفاضل ماذا يتوجب عليَّ فعله، أحس أنني أحب الشخص الذي أعرفه منذ مدة، وأهلي يريدون تزويجي من الشاب المتقدم لخطبتي، هم لم يفرضوه عليَّ، لكنهم لا يجدون سبباً مقنعا لأرفضه، ولا أستطيع إخبارهم عن علاقتي بالشخص الآخر. أرجو يا شيخنا الفاضل أن توجهني وتنصحني بما آتاكم الله من علم، لما فيه مرضاة الله عز وجل، وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي أن تعلمي أنكِ وقعتِ في آثام متعددة من المراسلة والمحادثة المتكررة مع رجل أجنبي عنكِ، ومعرفتكِ عنه أنه متدين، ومحترم، وذو خلق، وكذا معرفة ظروفه المعيشية: كل ذلك يؤكد أن هذه العلاقة المحرَّمة قد استمرت لفترة طويلة، ولا ندري ما هو التدين الذي يتحلى به ذلك الشاب، ولا ندري كيف تصفينه بأنه محترم وصاحب خلُق، وهو يرضى لكِ ما لا يرضاه لأخته ولا ابنته!
والواجب عليكِ – وعليه بالطبع – الآن التوبة من تلك العلاقة، والمبادرة الفورية بقطعها، وحتى تكون توبتك صادقة فإنه يجب عليك الكف فوراً عن تلك العلاقة، والندم على ما حصل منكِ، والعزم على عدم العودة لها أو لمثلها.
وتجدين حكم هذه العلاقة في أجوبة متعددة، وانظري – مثلاً -: (34841) و (23349) و (21933) .
ثانياً:
وبما أنكِ قد علمتِ ظروف ذلك الشاب، وأنه لا يستطيع التقدم لخطبتكِ: فهذا يحتِّم عليك قطع العلاقة معه؛ لأنها – بالإضافة لحكمها الشرعي – فليس مأمولا منها أن تنتهي بالزواج، على الأقل في المستقبل المنظور، وإنما هي مجرد أوهام، يضيع العمر بالجري وارءها: كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً!!
قال الإمام أحمد رحمه الله: " من أحالك على غائب فما أنصفك ".
نقله ابن تيمية في الفتاوى (27/102) .
ثالثاً:
لا نظن عاقلاً على وجه الأرض يمكن أن ينصحك بعدم قبول المتقدم لخطبتكِ على (أمل) ! أن تتحسن ظروف ذلك الشاب ليخطبكِ؛ وذلك لأمور، منها:
أ. أن ذلك الشاب مجهول، ولا يَعرف أحد حقيقته، وأما الثاني فإنه معلوم لكِ ولأسرتكِ.
ب. أن ظرف الأول قطعي في عدم قدرته على خطبتك، وتحسن أحواله مظنون، وفي عالم الغيب، وأما الثاني: فإن ظرفه الحالي مقطوع به بقدرته على التزوج.
ج. أن الأول يعيش في دولة كافرة، ولا يحل لك الذهاب إليها، والعيش بها، والأمر كذلك بالنسبة له، وأما الثاني: فهو يعيش في بلد عربي مسلم، وبينهما فروق من حيث الحكم الشرعي، ومن حيث صلاحية البلديْن لإقامة شعائر الدين، وسلامة الاعتقاد، والحفاظ على الأسرة والأولاد.
رابعاً:
اعلمي أنه ليس لكِ عذر في عدم الموافقة على الخاطب الذي تقدم لخطبتك، فلا تتردي بالموافقة، والعمر تمر ساعاته عليكِ ـ وأنت في هذه الأوهام ـ بما يضرك لا بما ينفعك، وبما يؤثمك لا بما يؤجرك، فصد هذا الخاطب يعني رضاك بالبقاء على علاقة آثمة لا يعلم إلا الله تعالى: متى تنتهي، وإلى أي حال تنتهي؟!!
وهذا ما لا نتمنى حصوله منك، وقد رضيتِ برأينا ومشورتنا، ونحن نشكرك على ثقتك بنا، فلا تردي نصيحتنا، واقبليها طيبة بها نفسك، وسترين أثر ذلك على قلبك وبدنك، ويكفيك أنك تتخلصين بذلك من إثم تلك العلاقة، وسترين معنى العلاقة الشرعية بعد عقدك وقبولك بالخاطب، وستتذوقين طعم الحب الشرعي الطاهر، وسترين أي جناية كنتِ ترتكبينها بحق نفسك، وسيتبين لك أن تلك " العلاقة الإلكترونية " مع ذلك الشاب لا قيمة لها، وليست حبّاً، إنما هي أوقات تصرف في المعصية والتسلية، وعندنا مئات بل آلاف النماذج من تلك العلاقات الإلكترونية التي ضيعت نساء كثيرات أعراضهن من خلالها! ومَن تزوجت منهن فقد باء زواجها بالفشل، فلا تفكري في حبٍّ موهوم، ولا تعيشي في خيالات، واجعلي همَّك في طاعة ربك تعالى، وفي العيش في الواقع المرئي، لا الخيال المتهم، واتركي ذلك الماضي بسوآته، ولا يشغلنك منه إلا التوبة النصوح إلى الله تعالى، وإصلاح العمل فيما بقي:
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك، وأن يخلصك من الآفات والشرور، وأن يطهر قلبك، وأن يعجل لك بالخير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1185)
أقام علاقة مع فتاة متزوجة ويريد أن يسعى في تطليقها ويتزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب، لم أقم أي علاقة مع فتيات من قبل، وأخاف الله، ولم أقم بالشات من قبل، ولكن بالصدفة قمت تعرفت على فتاة بريطانية من النت، ووجدت فيها العديد من الصفات التي أتمناها، واكتشفت أنها - من قبل معرفتي بها - قد أسلمت، وتزوجت من شخص لا يراعي الله فيها، فهو لا يصلى، ولم يعلمها الصلاة، ويجبرها على الخروج معه ومع أصدقائه، ويخرج مع فتيات، وسمح لابن عمه بالإقامة معهم، ويضربها لأتفه الأسباب، ويسبها دائما بألفاظ خارجة لدرجة أنها تعتقد أن ضرب المرأة من الإسلام، وقد حاولت معها ومعه - لأنه يعرف أنى أكلمها- إلا أنه يتمادى، وبصراحة: فقد أحببت تلك الفتاة! وأشفق عليها من الحياة مع إنسان لا يراعي الله فيها، ولا يعلمها دينها، بالرغم من رغبتها الشديدة في تعلم الإسلام، وقد علمتها الصلاة بإرسال ملفات بالانجليزية، المشكلة الآن أنى أريد الزواج منها، فهل يحق لي أن أنصحها بالطلاق! أقر أنى قد أخطأت من البداية بكلامي معها، فهل هذا ينطبق عليه قول " ما بني على باطل فهو باطل "، و " ما نبت من الحرام فالنار أولى به " , أي: لو تزوجتها، وبنيت معها أسرة ملتزمة فهذا مبنى على خطأ لا يشفع لي عند الله، لقد قررت قطع علاقتنا مؤقتاً - مع العلم أني لم أقابلها- حتى أعلم الحكم الشرعي، وهي على استعداد لترك كل شيء هناك، وتأتى لنتزوج، ونكوِّن أسرة ملتزمة، وهل فعلي للخير بنية أن ييسر الله زواجي منها نية باطلة تبطل هذه الأعمال، أنا - والله - أخشى الله، والله يعلم أن نيتي أن أعلمها الإسلام، ولا أنوي التغرير بها، وأنا متأكد من نيتها، وحتى أمها غير المسلمة ترى أن نتزوج، مع العلم أنهما متزوجان في مسجد، وليس طبقا للقانون، وقرأت فتاوى تقول بأنه ما دام لا يصلي فالزواج يبطل، وأنه من حقها الطلاق لأنه يضربها ويسيء لصورة الإسلام، فهل من حقي أن أخبرها بذلك - لأنها عندما تسألني لا أجيب - مخافة أن يحاسبني الله على تخريب هذه الأسرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نرى أن عندك من الخير ما تستحق أن نثني عليك من أجله، فخوفك من الله أن تكون لك علاقات محرمة مع أجنبيات مراسلة، ومحادثة، وقطعك للعلاقة مع تلك الفتاة انتظار معرفة الحكم الشرعي: كل ذلك يدل على خير وصلاح، ونحن نحثك على أن تتزود من التقوى للدار الآخرة، ونسأل الله أن يحبب إليك الإيمان وأن يزينه في قلبك، وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان.
وأما علاقتك مع هذه المرأة؛ فالواجب الحتمي عليك الآن هو قطع علاقتك بها، وعدم مراسلتها، ولا محادثتها، ولا يسعك غير هذا، وأما سوء العشرة بينها وبين زوجها، فلعل الله أن يهديه ويحافظ على الصلاة، ويحسن عشرتها، ويلقي الله المحبة بينهما بعد الكراهية، ولعل كلامك معها سبب لازدياد سوء العشرة بينها وبين زوجها، حيث تقارن بين حسن كلامك معها، وسوء خلق زوجها، فيحملها ذلك على عدم الصبر على زوجها، وزيادة كراهيتها له.
ونخشى أن يشملك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أفسد امرأة على زوجها فليس منا) رواه أحمد وأبو داود (5170) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (324) .
وأما كون العقد يبطل بسبب ترك زوجها للصلاة، فهذا يختلف الحكم فيه بين كونه تاركاً للصلاة عند العقد عليها، أو كان مصلياً ولكنه ترك الصلاة بعد العقد.
وقد بينا حكم ذلك في جواب السؤال رقم (4131) .
وعلى كل حال؛ فهي التي تبحث عن حكم ذلك، وتسأل كيف تتصرف؟ وهي التي تحل مشكلاتها مع زوجها، وهي ـ أيضا ـ التي تحرص على ألا تعصي الله تعالى، ولا تطيعه فيما يأمرها به من المعصية، مثل الإقامة مع رجل أجنبي، والخروج معه في وجود أصدقائه، وما أشبه ذلك.
وعلى كل حال؛ فهي التي تسعى في إصلاح الخلل الموجود في حياتها؛ فإما أن تستقيم الحياة بينهما بالمعروف، قدر الإمكان، وإما أن يتفرقا، والله يغني كلا من سعته بمنه وفضله.
فاحذر ـ أيها الأخ الكريم ـ من الشيطان أن يفتح لك بابا للمعصية من خلال اهتمامك بحكم ترك زوجها للصلاة، وبحكم ضربها والإساءة إليها، فمثل هذا الأمر متكرر في بيوت كثيرة، فهل يحل لك تتبع أولئك الأزواج في بيوتهم، والحديث مع نسائهم بحجة نصحهن وبيان الحكم الشرعي لهن؟! والشيطان له طرقه في إيقاع أهل المعاصي، وله طرقه في إيقاع أهل الطاعات، فاحذر من الشيطان أن يوقعك في حباله بحجة النصح وتبيين الحكم الشرعي.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يهديك سواء السبيل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1186)
حكم تبسم المرأة لمسلمي الجاليات من الرجال تأليفا لهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تبسم المرأة لأحد مسلمي الجاليات من الرجال بغرض إشعارهم بأنهم منا ونحن منهم لأن البعض يضطهدهم وما حكم تبسم المرأة للرجل أو العكس عموما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال الأجانب، لأدلة كثيرة سبق ذكرها في جواب السؤال رقم (11774) ، وعلى هذا لا يتأتّى لها هذا التبسم أصلا.
ثانيا:
دلت الأدلة الشرعية الكثيرة على منع ما يفضي إلى فتنة الرجل بالمرأة أو العكس، ومن ذلك منع المصافحة، والخلوة، والخضوع بالقول، وخروج المرأة متعطرة بحيث يشم ريحها، ومنع نظر الرجل إلى المرأة، ومنع نظر المرأة إلى الرجل إذا كان بشهوة.
وينظر جواب السؤال رقم (84089) للوقوف على أدلة ذلك.
وتبسم المرأة في وجه الرجل لحصول الغرض الذي ذكرت من التأليف والإحسان، يقتضي نظر كل منهما للآخر، وهو منهي عنه؛ لقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/30، 31
وهذا التبسم قد يُحدث في القلب أثرا لا يقل عن أثر الخضوع بالقول، فتحصل الفتنة التي حذر الله منها بقوله: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأحزاب/32.
وقد سئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء": ما حكم المرأة التي تبتسم أمام أجنبي، ولكن بدون إظهار أسنانها فقط وبدون صوت؟
فأجابت: " يحرم على المرأة أن تكشف وجهها وأن تبتسم للرجل الأجنبي؛ لما يفضي إليه ذلك من الشر. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي.. عبد الله بن غديان " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/25) .
وأما مسلمو الجاليات الذين ذكرت، فإنه ينبغي للمسلمين إكرامهم وتأليفهم والعناية بهم، دون الوقوع في شيء محظور، فالرجال يتولّون الرجال، والنساء يعتنين بالنساء، وستجدين كثيرا من المسلمات من هؤلاء يحتجن إلى رعايتك وإحسانك.
زادنا الله وإياك توفيقا وسدادا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1187)
بعض المنتديات قد يسبب فتنة بين الجنسين
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في العادة في المنتديات الإسلامية قسم يسمى "قسم الاستراحة" تجمع فيه فوائد الطرائف والشوارد والنوادر وهدفه إدخال السرور للنفس يشارك فيه إخوة أفاضل وأخوات فاضلات نحسبهم على خير ولا نزكي على الله أحدا. لاحظنا في هذه المنتديات وبالتحديد في هذا القسم أنه قد بدأ الاختلاط ببعض الردود واستخدام عبارات مثل "هههه" " وأضحك الله سنك " بين الطرفين. بالإضافة إلى بعض الصور المضحكة التي لا تخالف الشرع كصور أطفال في مواقف مضحكة أو صور طبيعية فيها ما يضحك تكون مدرجة في المشاركات واستخدام الوجوه التعبيرية أيضا في الردود أو العناوين وكذلك نوعية المواضيع التي تطرح؛ ورأينا أنه يمكن أن يصبح باباً للفتنة والاختلاط. نقترح ضبط هذا القسم في هذه المنتديات بحيث يحقق الهدف وهو إدخال السرور للنفس كأن يقتصر القسم على الإخوة فقط دون الأخوات مع إمكانية اطلاع الأخوات على القسم والمشاركات لكن بدون أن تشارك فيه بموضوع أو رد على مشاركة، فقط يمكنها القراءة. مع العلم أننا لا نعرف بالتحديد هل الكل أخوات أم لا؟ لأن العلاقة تكون عبر الإنترنت ومن خلال الاسم فقط. فهل يوجد طريقة نستطيع بها ضبط هذا القسم في هذه المنتديات سواء بإلزام المشاركين بمواضيع معينة أو ردود معينة على المواضيع أو تحديد جنس دون آخر للاشتراك به، مع العلم أن الكل يستطيع قراءة المواضيع بالإضافة للضيوف غير المسجلين في الموقع؛ والهدف منه إدخال السرور على النفس، يعني هل يوجد في ديننا الإسلامي بهذا التجمع الطيب من أخوة أفاضل وأخوات فضليات مواضيع معينة يمكن أن تفيدونا بها حفظكم الله بحيث يمكن أن نشارك بها ونحقق الهدف وهو إدخال السرور للنفس؟ أم انه باب للفتنة والأولى سده؟ فما هو توجيهكم لنا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغالب على ما يسمى بمنتديات الاستراحة التساهل وعدم الانضباط في التعليق والتعبير، وإذا كان المنتدى يشارك فيه الرجال والنساء، كان هذا بابا للفتنة ولا شك، فيقع الإعجاب والتعلق، ثم محاولة التواصل عبر البريد وغيره، ولهذا نرى سد هذا الباب بأن يجعل منتدى الاستراحة مقصورا على الرجال، وأن يجعل للنساء منتدى خاصا بهم لهذا الغرض، إن وجدن حاجة إليه.
ومَنْ احتال من المشاركين الرجال في المنتدى ودخل على أنه امرأة أو العكس، فإثم ذلك الكذب عليه وحده، وأما أنتم فلا حرج عليكم إن شاء الله تعالى ما دمتم قد أعلنتم إعلاناً واضحاً: أنه لا يُسمح للنساء بالمشاركة في منتدى الرجال، وكذلك لا يُسمح للرجال بالمشاركة في منتدى النساء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1188)
خرجت من بيت زوجها وطلب منها عشيقها التزوج منه وهي على ذمة الأول!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 26 سنة، تطلقت منذ فترة أسبوع، بعد أن تركت منزل الزوجية منذ سنة، وأنا عند أهلي مع طفلي، وعمره سنتان الآن، وفي بداية زواجي الذي كان عن حب سكنت معه في منزل والدته، وبدأتْ والدته بالتدخل في كل شيء، وطلب مني العمل لأساعده على أعباء الحياة وتسديد القرض الذي أخذه لزواجنا، وبالفعل وجدت وظيفة، وعملت، وساعدته، وكان شَرطي الوحيد أن نسكن وحدنا بعيداً عن تدخل والدته المستمر، ووعدني بذلك، وكانت والدته هي من يتحكم بكل شيء في البيت، وزوجي كان لا يستطيع أن يعترض وإلا فإنها ستطلب منه الخروج من المنزل، وهي تعمل كذلك، أما بالنسبة لزوجي فقد جربته وعشت معه سنتين وجدته خلالها شخصاً آخر غير الذي عرفته في البداية، كان مجرد قناع، أصبح يأخذ راتبي كله ويعطيني مصروفاً يوميّاً، وكذلك كلما احتاج للنقود أو ترك عمله يطلب مني أن أبيع من ذهبي، وبالفعل قمت بذلك، وهو قام بذلك في بعض الأحيان، وكان يطلب مني أن أستدين من أهلي، وكنت أفعل، وبالمقابل هو لم يكن يعطيني شيئاً، وكنت محرومة من كل شيء، وكانت جملته لي دوماً (أنتي تعرفين وضعنا، وتحملي) وكان يخفي محفظته في السيارة، ويقول بأنه لا يحق لي أن أعرف ما معه، أو ليس معه، وأصبحت المشاكل بيننا تزداد، وكذلك استمررت بطلبي منه بأن يكون لي بيت مستقل لأني لست معتادة أن أكون في بيت الداخل داخل والخارج خارج منه، حيث له أخت مطلقة، تعمل، وتبيت في مكان عملها في فندق خارج (منطقتنا) وتأتي للزيارة، وخلال زيارتها تخرج للسهر كل ليلة وتعود بعد منتصف الليل، وكان هذا الوضع لا يرضيني ولا يعجبني، وكنت أقول لزوجي المحترم: ماذا سيقول الجيران عن سكان هذا المنزل الذي نحن فيه؟ هذا عيب، وكان يجيب: أنا سأتحدث معهم، أنا لا يعجبني هذا، وبقي يصبِّرني بكلامه، وفي النهاية قال لي: هذه عاداتنا وطباعنا (كونهم من قومية غير عربية) وأنا لا أستطيع أترك أمي وأختي وحدهما وأسكن بعيداً عنهما، وبقيت مترددة في إخبار أهلي لأنهم جميعاً عارضوا زواجي منه في البداية ولكن أصررت لأني رأيت فيه طيبة الخلق والقلب، وكم كنت عمياء، وفي النهاية أخبرت أهلي بناء على آخر كلام سمعته وهو يتحدث لوالدته يشكي لها مني وهي تخبره بأن يضربني، وأن يأخذ الولد مني، وهذا كان آخر ما حصل، وتركته، وذهبت لمنزل أهلي، وحضر بعد أسبوعين ليعرف لماذا تركت المنزل، ولم أخبره بأني سمعت شيئاً، وكان ما طلبته منزلاً شرعيّاً وحدي وليس مع أهله، ووافق، وبعد أن رأينا المنزل وذهب هو لرؤية المنزل غيَّر رأيه، وبقي الموضوع سنتين خلالها اتهمني بأني على علاقة بأحد ما، وبأنه يلعب بعقلي عندما شاهد معرفة لوالدي يوصلني من مكان عملي، وجدته يومها صدفة في مكان عملي، ووجدت زوجي ينتظرني أسفل مكان عملي، وخوفا من أن يؤذيني طلبت منه أن يوصلني، وبعدها أرسل أناساً للتشهير بي، وإما أن أعود لمنزل والدته، أو أطلَّق، وأن أتنازل عن حقوقي، فرفضت طبعا، وعندها أصررت على الطلاق منه، لم أعد أريد منزلاً، ورفع عليَّ قضية الطاعة مرتين، وفي النهاية رفعت أنا قضية الطلاق، ولكن خلال آخر خمسة أشهر كنت قد تحدثت بالصدفة إلى نفس الشخص الذي أوصلني الذي يعرفه والدي، وهو يكبرني بحوالي 14 سنة، وكنت قد أخبرته بما حصل معي، ووقف إلى جانبي، وأفهمني أموراً عن الحياة والناس، وأن هناك أموراً لا يجب السكوت عنها، وأن هذا الشخص اقتراني به من الأساس كان خاطئاً وبأني لم أسمع نصيحة ورأي الجميع، وأني أنا المخطئة، وفيما بعد بدأت أشعر بانجذاب نحوه، وأنا بداخلي أعرف أن هذا خطأ، وهذا الشعور يؤنبني دوماً، خاصة وأني أصبحت أحبه، وأعرف أنه يحبني أيضا، وهذا أمر لم يكن مخططا له، والتقينا عدة مرات، وتقابلنا، وجلسنا، وتحدثنا كثيراً، حتى إنه طلب مني أن يتزوجني قبل أن أتطلق، وأنا أود ذلك لكن أخاف مما قد يحصل فيما بعد من معارضة، خاصة في الظروف التي نشأتْ فيها هذه العلاقة، وأنا خوفي من الله أن أكون قد أخطأت كوني أحببتُ شخصاً آخر، وأنا على ذمة رجل آخر، مع العلم أني تركت زوجي منذ سنة و 3 شهور، وأنا تطلقت منذ أسبوعين تقريباً. أرشدوني فيما فعلتُ، هل أنا على خطأ؟ وهل ما فعلت هو حرام؟ فأنا في خلاف دائم مع نفسي، وفي حيرة شديدة؛ لأني لا أريد أن أغضب الله، وأن لا أكون قد فعلت معصية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد وقعتِ في جملة من المخالفات الشرعية الواضحة البيِّنة، ولذا فقد عجبنا من نهاية رسالتك والتي تقولين فيها " لأني لا أريد أن أغضب الله، وأن لا أكون قد فعلت معصية "!! وعلى كل حال: فإن هذا من شؤم المعصية، ومن آثارها، وهو حجب العقل، وحجب نوره الذي يقود صاحبه للطريق الصحيح المستقيم.
قال ابن القيم – رحمه الله – في بيان آثار المعاصي -:
ومنها: أن المعاصي تُفسد العقل، فإن للعقل نوراً، والمعصية تطفئ نور العقل، ولا بد، وإذا طُفئ نوره: ضعف، ونقص، وقال بعض السلف: " ما عصى اللهَ أحدٌ حتى يغيب عقلُه "، وهذا ظاهر، فإنه لو حضر عقله: لحجزه عن المعصية، وهو في قبضة الرب تعالى، أو يجهر به، وه مطلع عليه، وفي داره، على بساطه، وملائكته شهود عليه، ناظرون إليه، وواعظ القرآن نهاه، ولفظ الإيمان ينهاه، وواعظ الموت ينهاه، وواعظ النار ينهاه، والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة: أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها، فهل يُقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقل سليم؟! .
ومنها: أن الذنوب إذا تكاثرت: طُبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين/ 14، قال: " هو الذنب بعد الذنب "، وقال الحسن: " هو الذنب على الذنب، حتى يعمي القلب "، وقال غيره: " لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم: أحاطت بقلوبهم ".
وأصل هذا: أن القلب يصدأ من المعصية، فإذا زادت: غلب الصدأ حتى يصير راناً، ثم يغلب حتى يصير طَبعاً، وقفلا، وختماً، فيصير القلب في غشاوة وغلاف، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة: انتكس، فصار أعلاه أسفله، فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد.
" الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " (ص 39) .
ونأسف أن نقول لكِ: إن المعاصي التي فعلتيها كل واحدة منها جرَّت أختها، فأثَّرت على العقل والقلب فأطفأت نورهما.
ثانياً:
وهذه المخالفات التي حصلت منكِ هي:
1. العلاقة المحرَّمة التي أنشأتيها مع زوجك الأول قبل زواجك به، وهو واضح من خلال قولك إنه كان زواجاً عن حبٍّ! ومن خلال وقوفك في وجه أهلك الرافضين لتزوجه بكِ، وها أنتِ تعيدين الأمر مع آخر وأنت على ذمة زوج! .
وقد بيَّنا حكم المراسلة بين الجنسين في أجوبة الأسئلة: (34841) و (26890) و (23349) .
وانظري – في العلاقات المحرَّمة -: أجوبة الأسئلة (1114) و (9465) و (21933) و (10532) .
2. الظاهر أن وظيفتك فيها اختلاط مع الرجال الأجانب، فإن كان ظنُّنا في مكانه: فهي معصية، وإن كانت غير مختلطة – أو ليست في مجال محرَّم كالبنوك وشركات التأمين -: فليس عليك شيء.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال: أصلُ كل بليَّة وشرٍّ، وهو مِن أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء: سببٌ لكثرة الفواحش، والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.
" الطرق الحُكمية " (ص 407) .
وانظري جواب السؤال رقم (1200) .
وللوقوف على حكم عمل المرأة، وشروط جوازه: انظر جواب السؤال رقم (22397) .
وفي جواب السؤال رقم (6666) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط.
3. خروجك من بيت الزوجية دون إذن من الزوج، وكان هذا الخروج مبنيّاً على كلام سمعتيه من أمه، ومن شكوى منه بثها لها، وهذا لا يجعلك في حلٍّ من خروجك من بيت الزوجية دون إذن زوجك، وأنتِ لك الحق في بيت خاص مستقل مع زوجك، لكن يظهر أنك تنازلتِ عن هذا في أول زواجكِ ورضيتِ بالسكن معه في بيت والدته، فكان الأولى التفاهم معه على الوفاء بشرطه عندما رضيتِ بمساعدته في أعباء الحياة وفي سداد قرضه، وإلزامه بذلك عن طريق القضاء الشرعي، أو الحكَّام بينكما من أهل الخير والعلم، وأما تصرفك هذا وخروجك دون استئذان منه: فهو غير جائز، وقد منع الله تعالى المطلقات الرجعيات من أن يخرجن من بيوتهن بعد الطلاق، فكيف المتزوجات؟! قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/ 1.
4. وأشنع هذه المخالفات الشرعية وأقبحها: هو علاقتك الآثمة بذلك المجرم الآثم؛ الذي أظهر نفسه على أنه المخلِّص لك من مشكلات الدنيا، ولبس لباس الناصح الحكيم، فظهر في صورة الحمَل الوديع، وفي داخله طبعُ الذئاب الكاسرة، والثعالب الماكرة!!
فكيف رضي هذا المجرم بأن يلتقي بكِ ويحادثك، ويجالسك ويتبسط معكِ، بل إنه وبكل وقاحة وخساسة يطلب منك الزواج وأنت على ذمة زوج آخر! والعجيب أنك ذكرتِ عن نفسك أن زوجك الأول قد كان يلبس قناع الطيبة، وأنك كنت عمياء عندما قبلتِ به زوجاً، فهل تظنين نفسك الآن مبصرة؟! لا والله لستِ كذلك، وإنَّ عماكِ مع زوجك الأول أهون من عماكِ الآن، فأنتِ لم تكوني متزوجة حين كنت على علاقة معه، أما الآن فإنك وأنت متزوجة كنتِ على علاقة محرمة بذلك المجرم، والذي لم يكتفِ بالإيقاع بينك وبين زوجك، وتقسية قلبك عليه، وتبغيضك في الرجوع لبيت الزوجية، حتى أضاف إلى ذلك كله طلب الزواج منكِ وأنت على ذمة زوج آخر.
فما فعلتيه حرام، بلا أدنى شك، وهو قبيح شنيع حتى عند غير أهل الإسلام، ولا يرضى زوج أن تكون زوجته على مثل حالك، ولا يمكن لعاقل – فضلا عن مسلم عالم بأحكام الشرع – أن يوافقك على التزوج من هذا المجرم الذي أبان عن سوء خلقه قبل الزواج! وهذا يوفر عليك سلوك تجربة أخرى مريرة معه! وهل تظنين أنه سينسى لك خيانة زوجك معه؟ وهل تظنين أنه سيثق بك أن لا تعيدي الكرة معه؟! لا تترددي في قطع العلاقة معه، فهي علاقة محرمة من جهة، ومن جهة أخرى فهو لا يصلح أن يكون زوجاً مأموناً وقد صدرت منه تلك الأفعال القبيحة المحرَّمة.
ولمعرفة مواصفات الزوج الصالح فلينظر جوابي السؤالين: (5202) و (6942) .
ثالثاً:
نرجو أن يكون ندمك، ومحاسبتك لنفسك دليلَ خيرٍ على رجوع للحق، وعلى حياة نفسكِ اللوامة التي تلومك على القبيح، وتلومك على التقصير في الطاعات.
وإياك واتباع خطوات الشيطان، فإنه يورد المهالك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا) النور/ 21.
ولا تفرطي بفرصة الندم والتوبة، قبل أن يأتي يوم لا ينفع الإنسان درهم ولا دينار، ولا حميم، ولا شفيع، وقبل أن يعض أصبع الندم، قال سبحانه: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) الفرقان/ 27 – 29.
ولتطهير نفسك من الذنوب، وللحافظ على دينك وإيمانك وعفافك، احرصي على:
1. الصلاة في وقتها بخشوع وخضوع.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا) .
رواه البخاري (505) ومسلم (667) .
2. الرفقة الصالحة من النساء المستقيمات على طاعة الله.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً) .
رواه البخاري (1995) ومسلم (2628) .
قال الأمام النووي – رحمه الله -
وفيه: فضيلة مجالسة الصالحين، وأهل الخير، والمروءة، ومكارم الأخلاق، والورع، والعلم، والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر، وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يَكثر فجوره وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة.
" شرح مسلم (16 / 178) .
3. عدم الاستماع للغناء والمعازف واللهو المحرم.
قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ. وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) لقمان/ 6،7.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من الذم بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن وإن لم ينالوا جميعه ... يوضحه: أنك لا تجد أحداً عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرآن، وربما حمله الحال على أن يُسكت القارئ، ويستطيل قراءته، ويستزيد المغني، ويستقصر نوبته.
" إغاثة اللهفان " (1 / 240، 241) .
وأخيراً:
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله –:
يجب على المسلم أن يتوب من الذنوب، ويبادر بذلك امتثالاً لأمر الله سبحانه، ومن أجل إنقاذ نفسه من عذاب الله وغضبه، ولا يجوز له أن يستمر على المعصية، أو يؤخر التوبة بسبب طاعة النفس والشيطان، ولا ينظر إلى لوم الناس، بل يجب عليه أن يخشى الله ولا يخشى الناس، ولو كانوا يفعلون المعاصي، فلا يجوز له أن يقتدي بهم، ويجب عليه أن يلزم أهله بالتوبة؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم/ 6، ولا يداريهم فيما يسخط الله عز وجل.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (2 / ص 293) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1189)
دخل في الإسلام، ويدعو الناس إليه، لكنه على علاقة بصديقة له؟!!
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى صديق أسلم، وهو ملتزم دينيّاً، ويقوم كلانا بالدعوة بمدرستنا، لكن ما أود أن أسأل عنه هو أننى لا أستطيع تناسى حقيقة أن لديه صديقة، وقد أخبرتُه دائماً أنه يحرم ذلك، لكنه عندما أخبره بذلك يغضب بشدة مني، ويقول لي: إن عليَّ أن أهتم بشؤوني الخاصة، كما سمعتُ أنه على علاقة بها، هذا بالإضافة إلى حقيقة كونها شيعية، برجاء تقديم النصح حول ما يجب القيام به، أنا لا أستطيع التعايش مع حقيقة أنه يقوم بدعوة المسلمين وغير المسلمين فى حين أن لديه صديقة، ويعلم بذلك مَن بالمدرسة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يتقبل من صديقك إسلامه، وأن يثبته عليه، وأن يوفقه في دعوته التي هي وظيفة الرسل الكرام، وهي من أفضل الأعمال الشرعية، ولكن ينبغي له أن يعلم أن الدعوة إلى الله لا بدَّ أن تكون صادقة حتى يؤجر عليها صاحبها، ومن علامات صدقها: أن يحقق الداعية قولَه بالعمل، ومع الأجر من الله تعالى عليها فإنها سبيلٌ ليتأثر الناس بصاحبها.
قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/ 33.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
وهذه الآية الكريمة تفيد: أن الدعاة إلى الله عز وجل هم أحسن الناس قولاً، إذا حققوا قولَهم بالعمل الصالح، والتزموا الإسلام عن إيمان ومحبة وفرح بهذه النعمة العظيمة، وبذلك يتأثر الناس بدعوتهم وينتفعون بها ويحبونهم عليها.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 319) .
ونحن نعجب مثلك من صديقك الداعية كيف يدعو الناس إلى الإسلام، والأخلاق، والاتباع، ثم هو يخالف ذلك بإنشائه علاقة محرَّمة مع من يجب عليه بغضها والبراءة منها ومن أفعالها، وهي الرافضية التي من دينها واعتقادها: تحريف القرآن، وتكفير الصحابة إلا قليلاً منهم، عدا عما تحمله قلوبهم من غل وحقد على عموم أهل السنَّة.
وليس هذا من خلق الدعاة إلى الله، ولا من هدي سلفهم من الأنبياء والرسل الكرام.
قال علماء اللجنة الدائمة:
من الشروط التي يجب أن تتوافر في الداعية إلى الله: ما جاء ذكرها في قصة شعيب، قال الله تعالى حكايةً عن شعيب عليه الصلاة والسلام: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود/ 88.
ففي هذه الآية بيان: أن مِن شروط الدعوة: العلم، والكسب الحلال، وامتثاله لما يدعو إليه، فيجتنب ما نهى الله عنه، ويمتثل ما أمر الله به، والنية الحسنة، وتفويض الأمر إلى الله تعالى، والتوكل عليه، وأنه هو الذي بيده التوفيق والإلهام.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 243) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –:
ومما تجب العناية به بالنسبة للداعي: أن يكون هو أسوة حسنة، عنده عبادة، ومعاملة طيبة، وعنده أيضاً أخلاق يدعو الناس بها، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم لن تسعوا الناس بأرزاقكم، ولكن تسعوهم بحسن الخلق) فحُسن الخلق جذاب، كم من إنسان قليل العلم يهدي الله على يديه أمماً لأنه حسن الخلق، وكم من إنسان عنده علم واسع كثير لكنه جاف سيء الخُلق، ينفِّر الناس منه، وقد ذكَّر الله نبيه بهذا فقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/ 159، وهذه الرحمة رحمة للداعي وللمدعو، فهي رحمة من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام، ورحمة من الله للخَلْق الذين يدعوهم الرسول؛ لأنه لو كان فظّاً غليظ القلب ما اهتدوا على يديه، فلهذا ينبغي للداعية أن يكون رحب الصدر واسعاً، يأخذ ويعطي ولا يأنف ...
" لقاءات الباب المفتوح " (مقدمة اللقاء رقم 94) .
ولا ينبغي للداعية أن يعظ الناس ويرشدهم للخير وينسى نفسه، وإذا ذكَّرها فتذكرت فينبغي أن يبادر الداعية بفعل كل ما يأمر به من خير، وأن يبتعد عن كل ما يحذِّر منه من شر وسوء.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف/ 2، 3.
وقال سبحانه: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/ 44.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أي: بالإيمان والخير.
(وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال:
(وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وأسمى العل " عقلاً "؛ لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير، وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه: دل على عدم عقله، وجهله، خصوصاً إذا كان عالما بذلك، قد قامت عليه الحجة.
وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل: فهي عامة لكل أحد؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه، وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر: فليس في رتبة الأول، وهو دون الأخير، وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن " تفسير السعدي " (ص 50 , 51) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
بخلاف الدعاة الذين يقولون ما لا يفعلون؛ فإنهم لا حظ لهم من هذا الثناء العاطر، ولا أثر لدعوتهم في المجتمع، وإنما نصيبهم في هذه الدعوة: المقت من الله سبحانه، والسب من الناس، والإعراض عنهم، والتنفير من دعوتهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف/ 2، 3، وقال سبحانه: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/ 44، فأرشد سبحانه في هذه الآية إلى أن مخالفة الداعي لما يقول: أمرٌ يخالف العقل، كما أنه يخالف الشرع، فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل؟!! .
" فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 319) .
ثانياً:
وأنت أخي الفاضل بعد أن تبين له ما ذكرناه آنفاً من أهمية الدعوة إلى الله، وحقيقتها، وأهمية التزام الداعية بما يرشد الناس إليه، وعدم مخالفة أفعاله لأقواله: عليك واجب النصح – أيضاً – بما يقترفه من إثم في تلك العلاقة الفاجرة بتلك الرافضية، ولا تستمع لقوله، ولا تلتفت لفعله في صدك عن نصحه.
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِم) .
رواه البخاري (57) ومسلم (56) .
وعليك بالحكمة في نصحه وإرشاده، فأمر الشهوة عظيم، وفتنة النساء لا تخفى حقيقتها وآثارها على أحد، فكم أزهقت من نفوس، وكم أتلفت من أخلاق، وكم أفسدت من أديان، فتنبه لهذا، وتلطف في دعوته وتوجيهه ونصحه، ولا تستبعد قيام تلك الرافضية بسحره، فلا تتخلى عن صديقك البتة، وإن عجزت عن نصحه وأغلق الباب عليك: فانظر من يمكنك أن تطلعه على أمره من العقلاء المقربين لكما ليقوم بنصحه وإرشاده، وليس ثمة داعٍ لتفصيل الأمر لهذا الناصح؛ لئلا تتسبب في إيجاد حاجز بينك وبين صديقك.
ومع نصحك له بترك العلاقة المحرَّمة لا بدَّ من التبيين له عقائد الرافضة، وخطرهم على دينه، وأنه لا يبعد أن تكون هذه مكيدة من أهل دينها للإيقاع به، ليترفض ويترك دينه.
وأعلمه أنه حتى لا يجوز له التزوج بها وهي على دينها، إلا أن تتركه وتتبرأ منه، فكيف يجوِّز لنفسه العلاقة بها وهي لا تحل له حتى بالنكاح.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عن الرافضة هل تزوَّج؟ .
فأجاب:
الرافضة المحضة هم أهل أهواء وبدع وضلال، ولا ينبغي للمسلم أن يزوِّج موليته من رافضي.
وإن تزوج هو رافضية: صح النكاح إن كان يرجو أن تتوب، وإلا فترك نكاحها أفضل؛ لئلا تفسد عليه ولده.
" مجموع الفتاوى " (32 / 61) .
فأنت ترى منع شيخ الإسلام رحمه الله من تزويج الرافضة؛ لما للزوج من أثر على زوجته، وأجاز التزوج بالرافضية بشرط أن يرجو أن تتوب مما عليه، وإلا فلا يجوز.
وانظر في تحريف القرآن عند الرافضة: جواب السؤال رقم: (21500) .
وانظر في حكم موقفهم من الصحابة: جوابي السؤالين: (45563) و (95588) .
وفي الموقع أجوبة كثيرة تتعلق بالرافضة وعقائدهم، فانظر – إن شئت المزيد -: أجوبة الأسئلة (23487) , (12103) , (1148) , (4569) .
وليعلم هذا الأخ المنصوح أن من شر ما يكيد به لنفسه، ويغلق عنها أبواب الخير أن يتباعد عن الناصح الأمين الحريص على مصلحته، والداعي له إلى سبيل الخير، وإن ما يرد به على الناصح من مثل هذا القول هو من أسوأ المقال، وقد قال الله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) (الاسراء:53) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد سبحنك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول عليك نفسك) .
رواه النسائي في الكبرى (10619ـ الرسالة) ، وصحح الألباني إسناده في الصحيحة (2598)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1190)
إذا وُلد لكافرين زانيين ولدٌ فهل يُنسب للزاني؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت إجابتكم الخاصة باتخاذ المرأة اسم زوجها وفهمت أن ذلك لا يجوز، ولا أزال أود معرفة ما إذا كان يجوز ذلك لامرأة دخلت في الإسلام، وتحمل في الأصل اسم أمها؛ لأن والديها لم يكونا متزوجيْن عند ولادتها ولا يمكنها أن تحمل اسم والدها؛ لأنه لم يعد على قيد الحياة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزنا محرَّم في جميع الشرائع التي أنزلها الله تعالى على رسله، والإسلام يقر نكاح أهل الأديان الأخرى الذين لم يدخلوا في الإسلام بشرطين:
الأول: أن يكون هذا موافقاً لشريعتهم.
والثاني: أن لا يتحاكموا إلينا في العقد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وقد ذكر أصحاب مالك، والشافعي، وأصحاب أحمد، كالقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، والمتأخرين: أنه يُرجع في نكاح الكفار إلى عادتهم، فما اعتقدوه نكاحاً بينهم: جاز إقرارهم عليه إذا أسلموا وتحاكموا إلينا، إذا لم يكن حينئذٍ مشتملاً على مانع، وإن كانوا يعتقدون أنه ليس بنكاح: لم يجُز الإقرار عليه " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (29 / 12) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
إذا كان النكاح صحيحاً على مقتضى الشريعة الإسلامية: فهو صحيح، وإن كان فاسداً - على مقتضى الشريعة الإسلامية -: فإنهم يقرون عليه بشرطين:
الأول: أن يروا أنه صحيح في شريعتهم.
الثاني: ألا يرتفعوا إلينا.
فإن لم يعتقدوه صحيحاً: فرِّق بينهما، وإن ارتفعوا إلينا: نظرنا، فإن كان قبل العقد: وجب أن نعقده على شرعنا، وإن كان بعده: نظرنا، إن كانت المرأة تباح حينئذٍ: أقررناهم عليه، وإن كانت لا تباح: فرَّقنا بينهما، ودليل هذه الأشياء: إسلام الكفار في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأبقى مَن كان معه زوجته على نكاحه في الجاهلية، ولم يتعرض له، فدلَّ هذا على أنه يبقى على أصله " انتهى.
" الشرح الممتع " (12 / 239، 240) .
وأما الزنا، وما يسمى بعلاقات الصداقة: فكل ذلك باطل في شريعتهم وشريعتنا، وهو نتاج المسخ الذي يعيشونه في سلوكهم وعاداتهم.
وقد روى مسلم (1700) من حديث البراء بن عازب قصة رجم اليهوديين الزانيين، وكيف أنهم حتى عندما حرَّفوا التوراة وكتموا ما أنزل الله فيها: فإنهم لم يبيحوا الزنا، بل حرَّفوا عقوبته، وجعلوها الجلد والتسويد بالفحم بدلا من الرجم.
وهو كذلك عند النصارى، كما في إنجيل " متى ": (19 / 18) : " فقال يسوع: لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بالزور "، وفي إنجيل " مرقس " (10 / 19) وإنجيل " لوقا " (18 / 20) : " أنت تعرف الوصايا: لا تزن، لا تقتل، لا تسرق، لا تشهد بالزور ".
ولذلك نقول:
لو أن هذين الوالدين كانا متزوجين – ولو على ملة النصرانية أو اليهودية -: فإنه يقر نكاحهما، وتنسب الابنة لأبيها، أما وقد كانت الابنة نتيجة لعلاقة غير موثقة بعقد، بل كانت نتيجة سفاح: فإنها لا تنسب للزاني، بل تنسب لأمها، كما هو واقعها الآن.
وفي شرعنا المطهَّر: قد اتفق العلماء جميعهم على عدم إلحاق ولد الزنا بالزاني إذا لم يطلب الزاني إلحاقه به، بل جمهور أهل العلم قالوا بعدم إلحاقه به ولو أراد الزاني ذلك.
وليست المسألة – كما جاء في السؤال – أن الزاني ليس على قيد الحياة، بل لأن العلاقة بينهما لم تكن علاقة زواج، وكانت الابنة تلك نتيجة تلك العلاقة.
وقد جاءت شريعتنا المطهرة بتحريم نسبة الولد لغير والده،، قال الله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً) الأحزاب/ 5.
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) .
رواه البخاري (3317) ومسلم (61) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وقال بعض الشرَّاح: سبب إطلاق الكفر هنا: أنه كذب على الله، كأنه يقول: خلقني الله من ماء فلان، وليس كذلك؛ لأنه إنما خلقه من غيره.
" فتح الباري " (12 / 55) .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ) . رواه البخاري (3318) .
وقَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) . رواه البخاري (4072) ومسلم (63) .
والخلاصة:
أن ولد في الزنا - سواء كان الزانيان مسلمين أو غير مسلمين -: لا ينسب للزاني، بل يُنسب لأمه، فالحال التي عليها تلك الأخت المسلمة حديثاً صحيح، وإن كان لا يمكنها إلا أن تنسب لرجل لا امرأة: فيمكنها – للضرورة – أن تنسب لاسم رجل غير معيَّن ولا معروف، بل تختار اسماً مركباً من مقاطع وتنتسب له، ولا يجوز لها أن تُنسب إلى زوجها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1191)
متحجبة! دخلت جامعة مختلطة وتصادق الشباب وتفعل الزنا على الهاتف!
[السُّؤَالُ]
ـ[يا ليت يكون لك معي صبر وافر لسماع حكايتي، وأن تنصحني بما فيه خير لي، وسوف أكون إن شاء لله مطيعة لنصائحك. قصتي لا أعرف كيف أبدأها ولكنها كالآتي: أنا متحجبة، وألبس الجلباب، وأصادق في الجامعة بنات في مثل تديني، بل أكثر مني، ولكن لا أعرف ما الذي يحدث لي بين الفترة والأخرى، بل وأحيانا لا أمتّ لديني بأي صلة، فأُصبح أتكلم مع الشباب في أمور غير لائقة، ونمارس أفعالاً غير محتشمة، وذلك بمجرد بُعد صديقاتي عنِّي، وأحياناً يصل الأمر إلى الزنا! والقصد هنا زنا عن طريق الهاتف! إذ لم يمسسني أي شخص مباشرة، وصدقني عندما ينتهي الأمر أكره نفسي، وأكره ما فعلت، وأتذكر الباري عز وجل الذي يراني، ويسمعني، وأقول في نفسي إن هذه المرة هي آخر مرة، وإني سوف أتوب للباري، وتمر الأيام وأنا تائبة ونادمة، ولكن سرعان ما أعود لنفس القصة، وعندما تنتهي أندم مرة أخرى، وهكذا، والمشكلة في الأمر: لا أعرف لمن أشتكي، ومن ينصحني، لا أعرف إذا كان هذا مرضاً أو انفصاماً في الشخصية، أو حتى هل بإمكاني أن أرجع مثل الأول، وأعود لحياتي الطبيعية، علماً بأن هذه المسألة بدأت معي منذ دخولي إلى الجامعة، وما مراسلتي لك إلا لأنني أريد فعلا أن أتبدل، وأغير نمط حياتي، فهل لي من عطفك وإرشادك لي على الطريق الصحيح، وأن أبدأ حياتي نظيفة تائبة، حياة لا رجوع فيها إلى الوراء؟ أتمنى أن ترشدني إلى ما هو صحيح برأيك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
آلمتنا رسالتك أشد الألم، وأصابنا الغم والهم بسببها، وإننا لفي عجبٍ من كل من يرضى على عرضه أن يكون بين ذئابٍ بشرية، وكم نادينا بما نادت به الشريعة الغراء من ضرورة الفصل بين النساء والرجال، وكم بَيَّنا تحريم الاختلاط بين الجنسين، وكم نبهنا على أن الشريعة لم تأذن للمرأة أن تؤذن ولا أن تؤم وتخطب الجمعة، ورغبت في صلاتها في بيتها، وحرَّمت على المرأة أن تسافر من غير محرَم، ومن أن تخلو برجل أجنبي عنها، ومن أن تخضع بالقول وتلين فيه، أو تصافح الرجال الأجانب عنها أو تمازحهم، وكل ذلك – وغيره - من أجل الحفاظ على الأعراض، ومن أجل سلامة القلوب من الفتنة.
وها هم المسلمون وللأسف – إلا من رحم الله – يفرطون في تلك الأوامر، ويرتكبون تلك النواهي، حرصاً منهم على مشابهة الغرب في تصرفاتهم، أو حرصاً على تحصيل شهادة، ولو دُفع مقابلها أغلى الأثمان، وهو العِرض! نعم، العِرض هو الثمن في حالات كثيرة، ونحن نتلقى مئات الرسائل والاتصالات والحالات لشباب وشابات على الطاعة والاستقامة سرعان ما يذوب أحدهم في مجتمعه المختلط، ويتأثر بالبيئة الفاسدة التي حوله، فينسى استقامته، ويتخلى عن طاعته، ويبيعها بثمن بخسٍ، إرضاءً لشهوته البهيمية الزائلة.
وانظري لنفسكِ أيتها السائلة، أين تدينكِ؟ أين استقامتك وطاعتك لربك؟ وضعتِ على رأسك حجاباً استجابة لأمرِ الله وفرَّطتِ في عرضك تسلمينه للذئاب تنهش به؟! وهل الزنا على الهاتف هو نهاية المطاف وآخر الأمر؟! لا، ولن تزال الشهوة تلتهب وتحرق قلبك وبدنك حتى تطفئيها بما هو أشد إثماً وفحشاً وسوءً! كيف رضيتِ لنفسك وأنت على هذه الحال من التدين والحجاب أن تكلمي أجانب عنك بكلمات غير لائقة؟! وأين أنتِ عن رقابة الله تعالى لك وسماعه وإبصاره لك وأنت تمارسين الزنا على الهاتف؟! ماذا لو رآكِ أهلك وأنت تفعلين هذا؟ وماذا لو قبض الله تعالى روحك وأنت تفعلين هذا فكانت هذه خاتمة حياتك؟ هل تضمنين الحياة بعد تلك الأفعال المشينة؟ وهل تضمنين التوفيق للتوبة بعدها؟! .
وإذا كنتِ تتوقعين منا حلاًّ لمشكلتك ينهيها لك: فليس عندنا حل إلا في الاستجابة لأوامر الله تعالى، والكف عن نواهيه، ليس عندنا حل لك إلا بخروجك من الجامعة فوراً ودون تردد أو تأخر والانتقال إلى جامعة أخرى ليس فيها اختلاط محرم، فهذه بيئة موبوءة، وقعتِ بسببها في معاصٍ وارتكبتِ فيها آثاماً، فكيف تكون النجاة من غضب الله وسخطه؟ لا نجاة إلا بترك البيئة الفاسدة، ولا نجاة إلا بالتوبة الصادقة، والإقبال على الطاعات.
إن باب التوبة مفتوح أمامكِ أيتها السائلة، وفضل الله ورحمته على عباده عظيمة جليلة، فسارعي إلى إرضاء ربك بتوبة صادقة، وأعمال يحبها ويرضاها، وتجنبي سخطه عز وجل، ولا تقدِّمي شيئاً على نعيم الآخرة، ولا تجعلي لك همّاً غير أن يرضى عنك ربك سبحانه وتعالى.
ولقد لمسنا من رسالتك تنازع جوانب الخير والشر، فتغلبك الشهوة ويغلبك الشيطان فتفعلين المحرمات، ثم يأتيك داعي الخير ليُحدث عندك ندماً وأسفاً على الحال التي وصلتِ لها، فاستثمري داعيَ الخير، وأخرجي داعي الشر من نفسك ومن حياتك، فالنفس اللوامة التي تلومك على فعل المنكرات والآثام خير من النفس الأمَّارة بالسوء، لكن إن لم تتداركي نفسك لتكون نفسك نفساً خيِّرة مطمئنة فإنها ستصير نفساً أمَّارة بالسوء، وهنا سيكون الهلاك والفضيحة والخزي في الدنيا والآخرة، وهو ما لا نتمنى حصوله، ونثق بكِ أنك ستنقذين نفسك من الآثام والمعاصي، وستسارعين إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدَّت للمتقين الذين يتقون الله بفعل الطاعات وترك المنكرات.
ومع تخلصك من الجامعة وخروجكِ منها: اقطعي كل صلة لك بكل من تعرفين من الشباب والشابات الذين سهلوا لك الوقوع في المنكر، ولا يحل لك الاتصال بشاب أجنبي عنك، ولا تتصلي بأي صديقة يمكن أن تجرك لمعصية أو فاحشة، واحرصي على الصحبة الصالحة من النساء المتدينات، والزمي كتاب الله تعالى قراءة وحفظا وتدبراً، واحرصي على طلب العلم من الأشرطة والكتب وحلقات العلم، وتداركي نفسك قبل فوات الأوان.
وفي حال عدم خروجك من الجامعة – بسبب ضغط أهلك -: فاعلمي أنه لا يحل مصادقة أحد من الشباب، وأن عليك البحث عن الأخوات المستقيمات الملتزمات لصحبتهن، وتعاهدي إيمانك بتقويته بأوراد يومية من القرآن والأذكار، وألزمي نفسك بالاستقامة على أمر الله تعالى، واسأليه عز وجل أن يعينك ويوفقك لما يحب ويرضى.
وعليك أن تقللي ذهابك إلى الكلية بقدر الإمكان، وألا تنفردي فيها عن أخواتك المستقيمات، حتى لا تتركي مجالاً للشيطان أو النفس الأمارة بالسوء، أن تزين لك المعصية، فعليك بمعالجة أسباب المعصية، واستحضري دائماً، اطلاع الله سبحانه وتعالى عليك، وسمعه وبصره، وهل إذا اطلع عليك أحد من أهلك، أكنت تفعلين ما تفعلين أمامه! فهل يكون نظر الله وسمعه واطلاعه عليك أهون عندك من نظر أهلك؟!
وأكثري من دعاء الله تعالى الثبات والاستقامة والهداية (اهدنا الصراط المستقيم) وكان من دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكني الإسلام حتى ألقاك عليه) رواه الطبراني وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1823)
(اللهم يا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) رواه الترمذي (2140) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فالمشكلة منكِ، والحل عندكِ، وما تختارينه لنفسك يدل على صدقك أو كذبك، فإن اخترتِ التوبة الصادقة: فأنت صادقة في ندمك وأسفك، وصادقة في رسالتك أنك تريدين النجاة والخلاص من المعاصي والآثام، وإن اخترتِ الصحبة الفاسدة: فأنت لستِ صادقة في ندمك وأسفك، ولستِ صادقة في البحث عن النجاة من همومك وغمومك ومعاصيك، ونرجو أن تكوني من الصادقات.
وأما عن سؤالك أنه هل يمكن أن ترجعي لحالك الأول: فنبشرك بأنه يمكن أن ترجعي لأحسن منه! لكن على أن تصدقي في التوبة والإنابة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
لكن قد يفعل الإنسانُ المحرَّمَ ثم يتوب، وتكون مصلحته أنه يتوب منه، ويحصل له بالتوبة خشوع ورقّة وإنابة إلى الله تعالى، فإن الذنوب قد يكون فيها مصلحة مع التوبة منها؛ فإن الإنسان قد يحصل له بعدم الذنوب كِبْر وعُجب وقَسوة، فإذا وقع في ذنب أذله ذلك وكسر قلبه وليَّن قلبَه بما يحصل له من التوبة.
" مجموع الفتاوى " (14 / 474) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
وما أكثر ما يكون الإنسان منَّا بعد المعصية خيراً منه قبلها، وفي كثير من الأحيان يخطئ الإنسان ويقع في معصية، ثم يجد مِن قلبه انكساراً بين يدي الله وإنابة إلى الله، وتوبة إليه حتى إن ذنبه يكون دائما بين عينيه يندم عليه ويستغفر، وقد يرى الإنسان نفسه أنه مطيع، وأنه من أهل الطاعة فيصير عنده من العجب والغرور وعدم الإنابة إلى الله ما يفسد عليه أمر دينه، فالله حكيم قد يبتلي الإنسان بالذنب ليصلح حاله، كما يبتلي الإنسان بالجوع لتستقيم
صحته، وهل حصل لآدم الاجتباء إلا بعد المعصية والتوبة منها، كما قال: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) طه/ 122، أي: بعد أن أذنب وتاب؛ اجتباه ربه فتاب عليه وهداه، وانظر إلى الذين تخلفوا في غزوة تبوك ماذا حصل لهم؟ لا شك أنه حصل لهم من الإيمان، ورفعة الدرجات، وعلو المنزلة ما لم يكن قبل ذلك، وهل يمكن أن تنزل آيات تتلى إلى يوم القيامة في شأنهم لولا أنهم حصل منهم ذلك ثم تابوا إلى الله.
" الشرح الممتع " (3 / 51، 52) .
فلا تستعظمي ذنوبك مقابل رحمة الله، واعلمي أن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده، ويحب التوابين.
قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) الزمر/ 53،54.
وقال عز وجل: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة/ 222.
ونسأل الله تعالى أن يطهر سمعك وبصرك وجوارحك من الآثام والمنكرات، ونسأله تعالى أن يحبب إليكِ الإيمان وأن يزينه في قلبك، وأن يكرِّه إليك الكفرَ والفسوق والعصيان.
وانظري كلاماً مفصلاً حول التوبة وشروطها في جواب السؤال رقم: (13990) .
وللوقوف على كيفية التخلص من المعاصي: انظري جواب السؤال رقم: (10280) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1192)
تقدم لخطبتها ورفض مرات فهل تستمر في الحديث معه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أنني أتحدث مع شاب تقدم لخطبتي منذ 4 سنوات وأهلي يرفضونه؟ ولكنه متمسك بي ويحاول أن يقنعهم بكل الطرق والوسائل، مع العلم أنه في المرة الأخيرة تم رفضه لأنه يشرب الكحول، ولكن كانت هذه غلطة وندم عليها أشد الندم وتاب إلى الله توبة نصوحة، وأنه اضطر للشرب بسبب رفض أهلي له حوالي 7 مرات حيث كانت أسباب الرفض قبل ذلك غير مقنعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تقيم علاقة مع رجل أجنبي عنها، ولو كان يريد خطبتها؛ لما يكتنف هذه العلاقات غالبا من محاذير شرعية، كالنظر أو الخلوة أو الخضوع بالقول، أو غير ذلك. وحسبك من هذه المحاذير تعلق القلب وانشغال الفكر برجل لا يحل لك.
وإذا كان أهلك قد رفضوه هذه المرات العدة، فلا معنى لحديثك معه إلا وجود هذه العلاقة التي يجب أن تسارعي في إنهائها، وتقطعي كل روافدها.
وينبغي أن تحرص المرأة على الزواج من صاحب الدين والخلق، الذي يحفظها ويرعاها، فإن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يهنها. وإقدام هذا الشاب على شرب الكحول دليل على قلة دينه، وضعف إيمانه، والظاهر أن أهلك لمسوا منه ذلك، ورأوا فيه ما عجزت أنت عن رؤيته، لتعلق قلبك به، أو ضعف تقديرك للأمور، وهذا كله من حكم اشتراط الولي لنكاح المرأة.
ونصيحتنا لك أن تنشغلي بما ينفعك، وأن تهتمي بصلاح نفسك، والواجب عليك أن تتوقفي عن الحديث مع هذا الرجل، وتقطعي علاقتك به تماما، ما دام أهلك لم يقبلوا بزواجه منك. ومن الأمور التي تعينك على التخلص من هذه العلاقة:
1- استجلاب محبة الله تعالى بأسبابها، كالتفكر في آلائه ونعمه، والانشغال بطاعته، وهذا سيشغلك عن محبة غيره.
2- الحرص على الابتعاد عن اللقاء بهذا الشاب والجلوس معه والنظر إليه.
3- التخلص من التفكير فيه، بإشغال النفس بالتفكير في الأمور المفيدة في الدين والدنيا.
4- اللجوء إلى الله تعالى، والإكثار من دعائه، فإنه سبحانه يجيب من يدعوه وهو صادقٌ في دعائه، ولو قلتِ: اللهم طهّر قلبي أو قلتِ يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على طاعتك، أو قلت اللهم اقسم لي من خشيتك ما تحول به بيني وبين معصيتك، أو قلت اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، أو قلت: " اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت، رب كل شيء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره على مسلم "، فكلّ ذلك حسن طيب مما ورد في الأدعية النبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع سؤال الله تعالى الزوج الصالح والذرية الصالحة.
5- أن تشغلي نفسك دائما بالنافع من العلم والعمل، ولا تتركي في قلبك ولا حياتك فراغا يتمكن الشيطان من ملئه بمثل هذه الأفكار، فهكذا شأن نفس الإنسان: إن لم يشغلها بالحق، شغلته بالباطل.
نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، وأن يقيك شر نفسك، وأن يجنبك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1193)
إذا أعجبت المرأة بخلق ودين رجل فهل تعرض نفسها عليه ليتزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ملتزمة، عمري 27، وحافظة لكتاب الله، وأعمل معلِّمة لكتاب الله عز وجل، وأطلب العلم الشرعي، وأمتلك من الصفات ما يجعل الشبان يقبلون لخطبتي كثيراً، ولكن كل الذين يتقدمون لخطبتي أرفضهم بسبب ضعف التزامهم الديني، وأعاني من الضغط الأسري بسبب رفضي الدائم، ولأني تركت عملي الحكومي بسبب الاختلاط: زاد الضغط عليَّ، في الفترة الأخيرة يريدون مني أن أقبل بأي شاب، المهم أتزوج، وطبعا الزواج من غير القبيلة ممنوع، أنا لا أريد مالاً، ولا رجلاً ذا مال، أو منصب، أو شابّاً وسيماً، بل أريد شابّاً صالحاً يعينني على طاعة الله، ويعفني، وحتى أنتهي من هذه المشاكل التي لا تنتهي مع أهلي، لذا فكرت أن أخطب لنفسي شابّاً من معارفنا، تربط بيننا وبينهم علاقة مصاهرة، وهو شاب خلوق، صاحب دين، حافظ لكتاب الله، وطالب علم، وذلك بإرسال رسالة جوال - بطريقة لبقة، وبكل أدب -، وهذا الشاب لا علاقة لي به أبداً، ولكن عرفت رقم هاتفه عن طريق الخطأ، ولا أريد أن أجعل وسيطاً ثالثاً في الموضوع، ولا أريد إدخال طرف آخر، فيكون الموضوع محرجاً للطرفين، وأيضاً لا آمن أن يفشى الموضوع، ولا أجد من أثق به تمام الثقة فلا يفشي سرِّي. فما حكم الشرع أولاً؟ ثم ما رأيكم في الفتاة التي تقبل على هذا العمل؟ وكيف تكون نظرة الرجل في المرأة التي تخطبه لنفسها؟ وماذا تنصحني؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يتم عليك نعمته، وأن يزيدك علماً وأدباً وحياءً، ونسأله تعالى أن ييسر لك زوجاً صالحاً، تقيمين معه أسرة صالحة.
وقد أحسنتِ حيث خرجت من وظيفتك التي فيها اختلاط محرَّم، وأحسنتِ حيث كنت ترفضين الخطَّاب الذين ليسوا على خلق ودين، وأحسنتِ حيث قمتِ بالسؤال قبل القيام بمراسلة ذلك الشاب.
ثانياً:
ليس من الحرام، ولا من العيب – عند من يعقل – أن تعرض المرأة نفسها على صاحب الخلق والدِّين ليتزوجها، وإن أنكر ذلك أحدٌ فإنما ينكره لا بميزان الشرع، بل بميزان العادات والتقاليد والأعراف، وأحياناً تنكره النساء حسداً من عند أنفسهنَّ.
عن ثَابِت الْبُنَانِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ، وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ، قَالَ أَنَسٌ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَكَ بِي حَاجَةٌ؟ .
فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، وَا سَوْأَتَاهْ! وَا سَوْأَتَاهْ! قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا.
رواه البخاري (4828) .
وقد بوَّب عليه الإمام البخاري بقوله: باب " عرْض المرأة نفسَها على الرجل الصالح ".
ومعنى "واسوأتاه ": الواو: للندب، والسوءة: الفعلة القبيحة والفاضحة.
وقد ألمحت المرأة الصالحة لرغبتها بالتزوج من موسى عليه السلام بقولها – كما قاله الله تعالى عنها -: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) القصص/ 26، والظاهر أنها هي التي عرضها أبوها على موسى عليه السلام، كما قال تعالى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) القصص/من الآية 27.
وهذه رسالة لأوليائك بأن يتقوا الله تعالى، ويتركوا العصبية القبلية، ويبحثوا هم عن رجل صالح يزوجوه لكِ، وعلى الأقل أن لا يرفضوا أحداً من أهل الخلُق والدين، وها هو الرجل الصالح يعرض ابنته على موسى عليه السلام، بعد أن تعرِّض هي بذلك، وها هي المرأة الصالحة تعرض نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم صراحة دون تعريض، وكل هذا لا ينافي الحياء، بل إنه ليدل على دين متين، ورجاحة عقل عند المرأة، وعند وليها.
وفي " الموسوعة الفقهية " (30 / 50) :
يجوز عرض المرأة نفسها على الرّجل، وتعريفه رغبتها فيه، لصلاحه وفضله، أو لعلمه وشرفه، أو لخصلة من خصال الدِّين، ولا غضاضة عليها في ذلك، بل ذلك يدلّ على فضلها، فقد أخرج البخاريّ من حديث ثابت البنانيّ قال: كنت عند أنس ... – وذكروا الحديث السابق -.
انتهى
ثالثاً:
وبعد ذِكر ما تقدَّم: فإننا ننصحك بما ينفعك – إن شاء الله – في مسألتك هذه، فنقول لكِ:
1. تجنبي المراسلة المباشرة معه، ويمكنك توصيل الخبر له عن طريق رقم آخر غير معروف لديه، ولا يخص أحداً بعينه، وهذا الأمر يسهل عليك الحصول عليه، فتبعثين رسالة له منه، فيها دلالته عليكِ إن كان يرغب بالزواج، وتكون هذه الرسالة كأنها من شخصٍ يعرف الطرفين، وينصحه بعدم التفريط بها، وهذا أفضل من المواجهة المباشرة – في ظننا – لأن الأمور قد لا تسير وفق مرادكِ، فتسبب إحراجاً لكِ وله، كما أن الإنسان لا يضمن بأن يبقى التدين والاستقامة على حالها الآن، ويُخشى من أن يعيِّرك بهذا فيما بعد، ولذلك اشترط العلماء " الرجل الصالح " وليس الصلاح هو العلم وحده، ولا حفظ القرآن وحده، بل الصلاح هو القيام بالعلم والقرآن، والتخلق بأخلاقهما.
2. لا ينبغي لك – في حال قيامك بالمراسلة – أن تطلقي العنان للكلمات والمراسلات، وإنما أجيز لك مراسلته لأمرٍ معيَّن، وقد تؤدي هذه المراسلات إلى فتنته أو فتنتك، أو فتنتكما.
3. تجنبي إخبار أحد، وتوسيطه بينكما، وقد رأيناكِ تنبهتِ لهذا الأمر.
4. قد لا يكون ظرف الرجل مناسباً للزواج، أو قد يكون خاطباً ولا يريد التعدد، فإذا علمتِ ذلك منه: فلا تكرري عليه، وليس ثمة داعٍ لاستمرار المراسلة، ومقصود المراسلة قد حصل بعرض التزوج منك عليه.
5. إذا لم يقدِّر الله تعالى لك الزواج منه: فلا ينبغي لك التعلق به، ولا يخفى عليكِ – إن شاء الله – مدى خطورة التعلق، وكيف أنه يشغل عن طاعة الله، ويشغل عن حفظ القرآن ومراجعته، ويشغل عن طلب العلم، مع ما يسببه من أمراضٍ للقلب، وميل للمعاصي.
6. ننصحك بالاستخارة قبل الإقدام على المراسلة، وننصحك بها بعد مراسلته وإخباره، والمسلم لا يدري أين الخير له في الدنيا والآخرة، فهو جاهل عاجز، ويطلب من ربه العالم القادر أن يختار له، وأن ييسر له الأمر حيث كان خيراً، وأن يصرفه عنه حيث كان شرّاً.
7. واعلمي أن غيره قد يكون خيراً منه، وما دمتِ سلكت طريقاً شرعيّاً في إخباره، وعرض نفسك عليه، وما دمتِ استخرت الله تعالى ولم يقدَّر بينكما زواج: فلا تيأسي من رحمة الله،ولا تقنطي من دعائه تعالى، ولا تتنازلي عن الخلق والدين في المتقدِّم للزواج منكِ، واصبري على ضغظ أهلك (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) الشرح/ 5.
على أنه لو كان لك من محارمك، أخوك، أو عمك..، من هو قريب من نفسك، وتستطيعين مفاتحته في ذلك، وهو يتصرف في الأمر، كما يتصرف عامة الرجال في تزويج بناتهم ممن يرضون من الرجال، من غير غضاضة ولا نكير، لو كان لك ذلك، لكان الأمر أسهل، وأبعد عن المخاطرة، وأروح لقلبك إن شاء الله.
فنسأل الله أن ييسر لك من يقوم عنك بذلك.
وانظري للمزيد:
أجوبة الأسئلة: (20916) و (89709) و (69964) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1194)
شروط جواز احتجام النساء عند الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عندي 24 سنة، أجيد - بفضل الله - إجراء الحجامة، يسألني البعض إجراء الحجامة لنسائهم، أو أخواتهم، لكنني أمتنع، ويلحون عليَّ، متحججين بما يفعله الأطباء في عصرنا الحالي. فهل يجوز أن أجري الحجامة لهن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحجامة نافعة بإذن الله تعالى في الوقاية والعلاج، وهي مما رغَّبت الشريعة بفعله للرجال والنساء، وقد جاء في السنة النبوية الصحيحة الإخبار بأن فيها شفاء، ووقاية، وثبت احتجام النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت احتجام أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها.
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحِجَامَةِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُِمَهَا.
قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ غُلاَمًا لَمْ يَحْتَلِمْ. رواه مسلم (2206) .
والأصل أن يقوم الرجل بحجم الرجل، والمرأة بحجم المرأة، وليست الحجامة من الأعمال التي يصعب تعلمها وممارستها للنساء.
ولو فُرض عدم توفر من يقوم بالحجامة للنساء ممن هو من بنات جنسها: فإنه يجوز للرجل أن يباشر حجامة النساء، لكن بشروط، وهي:
1. أن تكون هناك حاجة أو ضرورة للعلاج بالحجامة.
2. أن لا تحصل خلوة بين الرجل والمرأة التي يعالجها، فإما أن يوجد أحد محارمها أو امرأة من محارم الرجل المعالج أو امرأة أخرى بشرط أن تكون الفتنة مأمومة.
3. أن لا يكشف الحجَّام عن أكثر من الموضع المراد حجمه، فحيث جاز لها المعالجة للضرورة فإن الضرورة تقدَّر بقدرها.
4. أن لا يمس الحجام شيئاً من بدن المرأة، بل يلبس القفازين بحيث يكون هناك حائل بينه وبين مس بدنها، إلا أن يضطر للمس.
5. أن يقدّم الحجام المسلم على غيره، ويقدم غير البالغ – إن وُجِد – على البالغ.
6. أن يكون الحجَّام مأمون الجانب من حيث خُلُقُه، وأمانتُه، فإن كان معروفاً بفسق أو فجور: لم يجز الاحتجام عنده.
7. أن يأمن الحجام من فتنته بالنساء، أو فتنة النساء به، فإن شعر بشيء من ذلك وجب عليه الامتناع عن معالجة النساء.
وهذه فتاوى لبعض أهل العلم في المسألة:
أ. بوَّب الإمام أبو حاتم بن حبان في كتابه " التقاسيم والأنواع " على حديث احتجام أم سلمة بقوله:
" ذِكر الأمر للمرأة أن يحجمها الرجل، عند الضرورة، إذا كان الصلاح فيهما موجوداً ".
مع التنبيه أن بعض العلماء ردَّ قول أحد رواة حديث أم سلمة: إن أبا طيبة كان أخاها من الرضاعة، أو كان غلاماً لم يبلغ الحلم، ومن هؤلاء العلماء: ابن حزم في كتابه " المحلى " (10 / 33) .
ب. قال الشربيني الخطيب الشافعي رحمه الله وهو يذكر أقسام نظر الرجل إلى المرأة:
" النظر للمداواة كحجامة وعلاج، ولو في فرج، فيجوز إلى المواضع التي يحتاج إليها فقط؛ لأن في التحريم حينئذ حرجاً، فللرجل مداواة المرأة، وعكسه، وليكن ذلك بحضرة محرم، أو زوج، أو امرأة ثقة، ويشترط عدم امرأة يمكنها تعاطي ذلك، وأن لا يكون ذميا مع وجود مسلم، ولو لم نجد لعلاج المرأة إلا كافرة ومسلما: فالظاهر أن الكافرة تقدم لأن نظرها ومسها أخف من الرجل.... وقيد في " الكافي " الطبيب بالأمين، فلا يعدل إلى غيره مع وجوده، وشرط الماوردي أن يأمن الافتتان ولا يكشف إلا قدر الحاجة " انتهى باختصار.
" الإقناع " (2 / 69) .
ج. وقال الشربيني الخطيب – أيضاً – في سياق ذِكر من يطلع على عورة المرأة للضرورة -:
" رتب البُلقيني ذلك فقال: فإن كانت امرأة: فيعتبر وجود امرأة مسلمة، فإن تعذرت: فصبي مسلم غير مراهق، فإن تعذر: فصبي غير مراهق كافر، فإن تعذر: فامرأة كافرة، فإن تعذرت: فمحرمها المسلم، فإن تعذر: فمحرمها الكافر، فإن تعذر: فأجنبي مسلم، فإن تعذر: فأجنبي كافر " انتهى .
" مغني المحتاج " (4 / 216، 216) .
د. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عن حكم كشف عورة المرأة للرجل عند الحاجة لذلك حال العلاج، وكذلك عورة الرجل للمرأة؟ وإذا كان لا يوجد إلا طبيبة نصرانية وطبيب مسلم؟ .
فأجاب:
" كشف عورة الرجل للمرأة، والمرأة للرجل عند الحاجة لذلك حال العلاج: لا بأس به بشرطين:
الشرط الأول: أن تؤمن الفتنة.
الشرط الثاني: أن لا يكون هناك خلوة.
والطبيبة النصرانية المأمونة أولى في علاج المرأة من الرجل المسلم؛ لأنها من جنسها بخلاف الرجل.
والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 175) .
وما ذكرناه من أقوال العلماء يجمع ما ذكرناه من الشروط.
وانظر جواب السؤال رقم (5693) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1195)
الاستماع إلى تلاوة النساء للقرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاستماع إلى تلاوة النساء في مسابقات القرآن الكريم التي تقام في بعض البلاد الإسلامية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا أعلم بأسا في هذا الشيء، إذا كان النساء على حدة، والرجال على حدة، من غير اختلاط في محل المسابقة، بل يكن على حدة، مع تسترهن وتحجبهن عن الرجال.
وأما المستمع فإذا استمع للفائدة والتدبر لكلام الله فلا بأس، أما مع التلذذ بأصواتهن فلا يجوز. أما إذا كان القصد الاستماع للفائدة، والتلذذ في استماع القرآن والاستفادة من القرآن فلا حرج إن شاء الله في ذلك. انتهى
فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز (2 / 100)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1196)
الحب والعشق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اذا أحبت فتاةٌ فتًى من بعيد تكون قد ارتكبت إثما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاءت الشريعة بالنهي عن أبواب الشر والإثم، وحرصت على سد كل ذريعة إلى فساد القلوب والعقول، والعشق والحب والتعلق بين الجنسين من أعظم الأدواء وأخطر الآفات.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/129) :
" والعشق مرض نفسانى، وإذا قوي أثَّر فى البدن، فصار مرضا فى الجسم: إما من أمراض الدماغ، ولهذا قيل فيه هو مرض وسواسي، وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونحو ذلك " انتهى.
ويقول رحمه الله "مجموع الفتاوى " (10/132) :
" عشق الأجنبية فيه من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، وهو من الأمراض التي تفسد دين صاحبها، ثم قد تفسد عقله ثم جسمه " انتهى.
ويكفي أن نعلم أن من مضار الحب والعشق للجنس الآخر، أسر القلب وعبوديته لمحبوبه، فالحب باب ذل ومسكنة ونصب، وكفى بذلك مُنَفِّرًا من هذا المرض.
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/185) :
" الرجل اذا تعلق قلبه بامرأة، ولو كانت مباحة له، يبقى قلبه أسيرا لها، تحكم فيه وتتصرف بما تريد، وهو فى الظاهر سيدها، لأنه زوجها، وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها، لا سيما إذا دَرَت بفقره إليها، وعشقه لها، فإنها حينئذ تحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور الذي لا يستطيع الخلاص منه، بل أعظم، فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن " انتهى.
والتعلق بالجنس الآخر لا يصيب قلبا ملأه حب الله تعالى، إنما يصيب قلبا فارغا ضعيفا مستسلما فيتمكن منه، فإذا قوي واشتد فقد يغلب على حب الله ويخرج بصاحبه إلى الشرك.
ولهذا قيل: إن الهوى حركة قلب فارغ.
فالقلب إذا فرغ من محبة الرحمن عز وجل وذكره، والتنعم بمناجاته وكلامه سبحانه، امتلأ بمحبة النساء، والتعلق بالصور، وسماع الغناء.
يقول شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/135) :
" إذا كان القلب محبا لله وحده مخلصا له الدين، لم يبتل بحب غيره أصلا، فضلا أن يبتلى بالعشق، وحيث ابتُلي بالعشق، فلنقص محبته لله وحده؛ ولهذا لما كان يوسف محبا لله مخلصا له الدين، لم يبتل بذلك، بل قال تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ، إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ) ، وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها، فلهذا ابتليت بالعشق " انتهى.
فالواجب على المسلم أن ينجو بنفسه من هذه المهلكة، ولا يقصر في حمايتها والخلاص بها، فإن قصَّرَ في ذلك، وسلك سبل التعشق، بمداومة النظر المحرم، وسماع المحرم، والتساهل في مخاطبة الجنس الآخر ونحو ذلك، فأصابه الحب أو العشق، فهو آثم معاقب على فعله.
وكم من الناس ممن تساهل في مبادئ ذلك الداء، وظن أنه قادر على أن يخلص نفسه متى أراد، أو أن يقف عند حد لا يتعداه، حتى إذا استحكم به الداء، لم يفلح معه طبيب ولا دواء، كما قال القائل:
تولع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة فلما تمكن منها غرق
يقول ابن القيم رحمه الله في "روضة المحبين" (147) :
" فمتى كان السبب واقعا باختياره لم يكن معذورا فيما تولد عنه بغير اختياره، فمتى كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا، ولا ريب أن متابعة النظر واستدامة الفكر بمنزلة شرب المسكر، فهو يلام على السبب " انتهى.
فإن حرص على الابتعاد عن أبواب هذا المرض الخطير، فَغض بَصَرَه عن مشاهدة المحرمات، وأغلق سمعَه عن سماعها، وصرف خواطر قلبه التي يقذفها الشيطان فيه، ثم بعد ذلك أصابه شيء من شرر هذا المرض، بسبب نظرة عابرة، أو معاملة كانت في الأصل جائزة، فتعلق قلبه بامرأة، فليس عليه إثم في ذلك إن شاء الله، لقوله تعالى:
(لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلاَّ وُسعَهَا)
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (11/10) :
" فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه " انتهى.
ويقول ابن القيم رحمه الله "روضة المحبين" (147) :
" إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له، فهذا لا يلام على ذلك، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره، على أن عليه مدافعته وصرفه " انتهى.
ولكن عليه أن يعالج قلبه بالانقطاع عن أثر ذلك المحبوب، وبملء القلب بحب الله سبحانه والاستغناء به، ولا يستحي أن يستشير أهل الفطانة والأمانة من الناصحين، أو يراجع بعض الأطباء والمستشارين النفسانيين، فقد يجد عندهم شيئا من العلاج، وهو في ذلك صابر محتسب يعف ويكتم، والله سبحانه وتعالى يكتب له الأجر إن شاء الله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/133) :
" فأما إذا ابتُلى بالعشق وعف وصبر، فإنه يثاب على تقواه لله، فمن المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقولا وعملا، وكتم ذلك فلم يتكلم به، حتى لا يكون في ذلك كلام محرم، إما شكوى إلى المخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوع طلب للمعشوق، وَصَبر على طاعة الله وعن معصيته، وعلى ما فى قلبه من ألم العشق، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة، فان هذا يكون ممن اتقى الله وصبر، (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ) انتهى.
ويراجع سؤال رقم (20949) (33702)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1197)
اختلف مع زوجته فتعرف على فتاة عبر الهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في حالة غضب شديد من زوجتي وطلبت زوجتي مني الطلاق وأنا أعرف جيدا بأن الطلاق سوف يؤدي إلى دمار بناتي لأن بعضهن في حكم حضانة الأم وهذا كان يؤلمني كثيرا، وأصبحت لا أطيق العشرة معها بعد طلب الطلاق وتعرفت على إحدى البنات عبر الهاتف وليس بغرض الزواج ولكن لتعويضي عن الكلمة الحلوة فقط وليس أكثر من ذلك ليس بقصد الزواج وارتكاب المعاصي، وبعد تصالحي مع زوجتي عرفت بذلك والآن أخجل من التحدث معها في هذا الشأن مما قد يعود علينا بالانفصال نظرا لطلب زوجتي معرفة أصل الموضوع وإحراجي من التحدث معها في ذلك. ماذا أفعل أفادكم الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للرجل أن يقيم علاقة مع امرأة أجنبية، ولو كان لغرض سماع الكلمة الحلوة كما تقول، فإن ذلك من خطوات الشيطان التي يستدرج بها الناس، والمرأة ممنوعة من الخضوع بالقول مع من لا يحل لها، كما قال سبحانه: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأحزاب/32. والرجل يحرم عليه أن يتلذذ بصوت المرأة الأجنبية. ولا يخفى أن مثل هذا العمل لا يرضاه مؤمن من زوجته أو أخته أو بنته، أعني أن تتعرف على من تتكلم معه في الهاتف، فلماذا يرضاه لبنات الناس؟
ولهذا فالواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى، وقطع هذه العلاقة نهائيا، ولا يلزمك إخبار زوجتك بالتفاصيل، ويكفيك أن تبين لها أنه خطأ رجعت عنه وتركته.
ونسأل الله أن يعفو عنا وعنك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1198)
إذا طلب منها أن تقول قبلت فلانا زوجا أمام الله فهل تصبح زوجة له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي أني تعرفت على شخص في النت وحبينا بعضنا لكن بعدها طلب مني أن نتزوج لكي لا يكون كلامنا حراما والطريقة هي أن أقول أنا فلانة قبلت فلانا زوجا أمام الله وبعدها طلب أن أزيل الحجاب أمامه لكني رفضت لأني لم أقتنع بهذا الزواج فيما يخص شروطه قال: القبول موجود والمهر. قلت: أعفيك منه، والشهود قال: بأنه هناك شهود لكني لم أشفهم بعيني، لكنه يلح بأنه زواج صحيح وأنا غير مقتنعة بذلك، من فضلكم أريد أن أعرف هل أنا أعتبر زوجته أو لا؟ لا أريد أن أقع في الحرام بحديثي معه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا ليس زواجا، بل انحراف، وتسميته زواجا: كذب وزور وخداع، والواجب عليك هو قطع هذه العلاقة مع هذا الرجل الذي يتلاعب بأحكام الله تعالى، ويستحل ما حرم الله، فإن زعمه أن هذا زواج يعني أنه يستبيح منك ما يستبيحه الزوج من زوجته، وهل يعجز أي زان على وجه الأرض أن يجري هذا الزواج مع الزانية الفاجرة التي تشاركه الإثم، فتكون بذلك زوجته، ولا يكونان زانيين؟!
ونحن نخشى عليك أن يتم استدراجك إلى خلع الحجاب أمامه أو ما هو أعظم، ويتم تصويرك وابتزازك بهذه الصور، وقد صار من السهل الآن تركيب الصور بعضها على بعض، ويتم تهديدك بهذه الصور إن لم تستجيبي له، وقد حدث مثل هذا كثير، وراجعي السؤال رقم (91868) لتأخذي منه العبرة.
وكم من امرأة غافلة استدرجها الذئب الماكر بمثل هذه الحيل، حتى فقدت شرفها وعفتها، ثم تركها، ناسيا زواجه المزعوم، فلا نفقة ولا حقوق، بل ولا طلاق!
إن الزواج الصحيح لابد فيه من وجود ولي المرأة وشاهدي عدل من المسلمين، وأي نكاح بدون ولي فهو باطل، ومن زوجت نفسها بدون وليها فهي زانية، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه: (إن التي تزوج نفسها هي الزانية) رواه الدارقطني.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
والذي يظهر لنا من سؤالك أنك تخافين الله تعالى، ولا تحبين لنفسك الوقوع في الحرام، والتعرض لسخط الجبار سبحانه، ولهذا ننصحك نصيحة المشفق عليك أن تتناسي هذا الرجل، وأن تقطعي كل علاقة معه، على الإنترنت أو غيره، فإن كل كلمة وابتسامة ولحظة شهوة، تسجل عليك، وغدا تسألين عنها أمام ربك، فبادري بالتوبة لتمحى عنك هذه السيئات، نسأل الله أن يعفو ويتجاوز عنك، وأن يصرفك عن هذا الفاجر، وأن يحفظ بنات المسلمين.
وراجعي للأهمية الأجوبة التالية: (21933 & 84089) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1199)
الحب والمراسلة قبل الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أغرمت ببنت جارنا، واستمر لمدة سنتين بدون أن تعلم أو أخبرها أو أخبر أحدا من أهلي ولم أقابلها وكنت أطمح للارتباط بها كزوجة، ثم حصل لي حادث سير سبب لي إصابات بليغة وحصل لي شبه إعاقة، كنت مهموما جدا لأن الحلم الذي عشته وهو الارتباط بتلك الفتاة بدأ يتلاشى، فجأة طلبت أختي أن أصارحها بهمي فحكيت لها ما بداخلي، فقالت لي أختي: سوف أخبرها بحبك لها وهي بعد ذلك تختار، وكانت المفاجأة أنها كذلك كانت تحبني، فبدأت رسائل الحب تتبادل بيننا عن طريق أختي (رسائل والله في غاية الشرف والعفة) وبعد سنتين تقدمت وخطبتها وتمت الموافقة ولله الحمد وبعد سنة تزوجنا وعشنا سعداء وخلال هذه المدة والله لم أرها إلا من بعيد، بحكم أنهم جيراننا وتجمعنا بهم الصدف، ولم أكلمها قط إلا ليلة الزواج، فسمعت أنا ارتكبنا بحبنا لبعضنا إثما فهل هذا صحيح؟ وما هي كفارة هذا الإثم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يأجرك في مصابك، وأن يزيد ما بينك وبين أهلك من الألفة والمودة.
ثانيا:
الحب الذي لا يتسبب فيه الإنسان، لا يلام عليه، كأن يرى فتاة فجأة، فيقع حبها في قلبه، ثم لا يكون منه عمل محرم، كتكرار نظر، أو مصافحة، أو خلوة، أو كلام عاطفي بينهما.
وأما الحب الذي ينشأ عن تكرار النظر، أو المخالطة المحرمة، أو المراسلة، فهذا يأثم صاحبه، بقدر ما يرتكب من الحرام في علاقته وحبه.
ثالثا:
لا تجوز المراسلة بين الجنسين؛ لما في ذلك من إثارة الفتة وحصول الشر غالبا، فإن مخاطبة الرجل لامرأة أجنبية عبر رسالة لا يطلع عليها غيرهما، يؤدي إلى مفاسد كثيرة، وقد حرم الشارع خلوة المرأة برجل غير محرم لما يترتب على ذلك من حصول الفتنة والمكروه، من تعلق القلب وانبعاث الرغبة في النظر والمس وما وراء ذلك. وهذا كله يحصل غالبا بمخاطبة الرجل للمرأة عبر هذه الرسائل أو المحادثات الخاصة، لا سيما إذا كانا في سن الشباب والشهوة والرغبة.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات علما بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام؟
فأجاب: " لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه؛ لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها، ويغريها به. وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه.
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول: إنه ليس فيها عشق ولا غرام " انتهى، نقلا عن: فتاوى المرأة، جمع محمد المسند، ص 96
والمرأة ممنوعة من الخضوع بالقول مع من لا يحل لها، كما قال سبحانه: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأحزاب/32. والرجل يحرم عليه أن يتلذذ بكلام المرأة الأجنبية أو بصوتها.
ثم إن جعل الأخت وسيطا في نقل الرسائل منكر آخر؛ لما في ذلك من تشجيعها على مثل هذه المراسلات.
وبناء على هذا فالواجب عليكما هو التوبة إلى الله تعالى، والإكثار من العمل الصالح، ولا يلزمكما غير ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1200)
اختيار صاحب العمل سكرتيرة للعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ي: هل يجوز عمل المرأة كسكرتيرة في إحدى شركات الخدمات، علماً بأن الشركة عبارة عن مكتب مكون من غرفتين واستقبال، وأصحاب الشركة هم من ذوي الأخلاق والدين، وحجتهم في اختيار الفتاة للعمل أنه هكذا جرت عليه العادة في بلدنا، بالإضافة إلى أنها أقدر في أمور السكرتارية وأعمال الكمبيوتر!! هل في ذلك إثم على أصحاب الشركة، وهل يجوز العمل مع الالتزام بالحشمة والدين؟ وهل يجوز لهم إحضار عاملة في الشركة للتنظيف وخلافه؟ أرجو التوضيح مع الأدلة: هل هناك فرق بين الخلوة والاختلاط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للمرأة أن تعمل في مكان تختلط فيه مع الرجال، لما يترتب على ذلك من مفاسد ومحاذير، كالخلوة والنظر والمصافحة وتعلق القلب بأصحاب العمل أو زملائها فيه، وغير ذلك مما هو معلوم، ولا يكاد يسلم العمل المختلط من هذه المحاذير أو بعضها.
وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط في الجواب رقم (1200)
ثانيا:
لا يجوز لصاحب العمل أن يوظف امرأة تعمل بين الرجال، سواء كانت في السكرتارية أو في النظافة أو غير ذلك؛ لما فيه من الإعانة على الاختلاط المحرم.
وكون العادة في بلد السائل جرت على هذا، لا يعتبر مسوغا له من جهة الشرع، بل الواجب إخضاع العوائد لأحكام الشرع، وضبطها على وَفقه.
والادعاء بأن المرأة أقدر على أمور السكرتارية وأعمال الكمبيوتر، ليس صحيحا، ففي الرجال من يحسن ذلك أيضا، والأمر راجع إلى حسن الاختيار، والرجل أحق وأولى بالعمل لأنه الذي يقوم على الأسرة، ويرعاها، وهو المطالب بالنفقة شرعا. والمرأة إن تيسر لها عمل مباح خال من المحاذير فذاك، وإلا فبيتها خير لها.
ثالثا:
الخلوة بين الرجل والمرأة محرمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ) رواه البخاري (3006) ومسلم (1341) .
وضابط الخلوة هو اجتماعهما في مكان يأمنان فيه من اطلاع الغير عليهما.
وأما الاختلاط: فقد يكون بلا خلوة، كاجتماع عدد من الرجال بعدد من الإناث، والمحرم منه ما ترتب عليه شيء من المحاذير السابقة، كالنظر واللمس والخضوع بالقول، وتعلق القلب، وهذا – كما سبق- لا يكاد يسلم منه عمل مختلط؛ لأن كثرة اللقاء وطول الجلوس، يسقطان الكلفة، ويوجبان التوسع في المعاملة، خاصة في ضيق المكان، محدود الأشخاص، كالحالة التي ورد السؤال عنها، فهنا تكون فرصة التعارف والتعلق أقوى وأقوى!!
وقد يسلم الاختلاط من الخلوة، لكنه لا يمنع المواعدة عليها، وعلى ما هو أعظم منها.
ومن تأمل أدلة تحريم الاختلاط - وهي في الجواب المحال عليه - علم حكمة الشرع في سد هذا الباب، وأن الأمر مبني على معرفة طبيعة الجنسين، وما ينشأ عن تقاربهما وتجاورهما، وحرص الشريعة على صيانة كل منهما.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/156) : " الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك ".
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1201)
تعرَّف على فتاة ويريد السفر لزيارتها
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرَّفت على أخت صالحة من دولة عربية أحببتها في الله ... هل يجوز لي السفر إلى بلدها لزيارتها؟ على الرغم من وجود نساء سافرات في تلك البلاد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للشاب أن يُقدِم على إقامة العلاقات الشخصية مع أي فتاة صالحة أو غير صالحة، وتحت أي اسم أو وصف، سواء " حب في الله!! " أو " صداقة! " أو " زميلة عمل! " أو غير ذلك من الأعذار التي يتخذها الرجال أسبابا للاتصال بالنساء ومحادثتهن وتجاذب الحديث معهن.
والنصيحة لك أيها السائل أن تنأى بنفسك عن هذه المسالك، فإنها والله مهالكُ مُردِيَة، قد لا يشعر المرء بها في أول أمره، ولكنها لا تفتأ تجر بقدمه حتى يزلَّ في الهاوية، وقد لا يملك له أحد حينئذ أن يأخذ بيده نحو بر الأمان.
ونحن ننصح بذلك عن دليل بيِّنٍ ظاهر من الكتاب والسنة سبق تقريره في موقعنا في عشرات الفتاوى والإجابات، انظر منها: (1200) ، (33702) ، (52768)
كما ننصح به عن خبرةٍ بواقع الناس، وما يحكونه من مصائب تجرها عليهم نحو هذه المشاعر التي يُغرِي بها الشيطان ابنَ آدم، فيسمي له التعلقَ المحرَّم بالمرأة " حبا في الله!! ".
وانظر جواب السؤال (60269) ففيه عبرة لمن يعتبر.
وتأمل في نفسك – أخي الكريم – تجد مصداق ما نقول:
أرأيت لو كان بدلا من هذه الفتاة الصالحة شاب صالح، أتراك تسافر السفر الطويل لزيارته والاطمئنان على أحواله، أم تكتفي بالمراسلة والمهاتفة؟!!
أرأيت لو كانت هذه الفتاة الصالحة التي تعرفت عليها متزوجة ولديها من الأولاد، أتراك تُقدم على السفر لزيارتها، أم لعلك تكتفي بالدعاء لها بالخير والتوفيق؟!
أرأيت لو كانت لك بنت طيبة وجاء من تعرف عليها من بلاد بعيدة ليطمئن على حالها أكنت تصدق أن ذلك حب في الله مجرد أم هو حب الهوى والفتنة؟!
لو فتشت لوجدت أن للشيطان نصيبا في مثل هذه الزيارة، كما لهوى النفس نصيب آخر.
ويقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (3/123) :
" وإنما يجب الاحتراز من أوائله – يعني الحب المحرم – بترك معاودة النظر والفكر، وإلا فإذا استحكم عسر دفعه، ومثال من يكسر سَوْرَةَ العشق في أول انبعاثه مثال من يصرف عنان الدابة عند توجهها إلى باب لتدخله، وما أهون منعها بصرف عنانها. ومثال من يعالجها بعد استحكامها مثال من يترك الدابة حتى تدخل وتجاوز الباب، ثم يأخذ بذنبها ويجرها إلى ورائها. وما أعظم التفاوت بين الأمرين في اليسر والعسر، فليكن الاحتياط في بدايات الأمور، فأما في أواخرها فلا تقبل العلاج إلا بجهد جهيد يكاد يؤدي إلى نزع الروح" انتهى.
فإن أردت مخرجا شرعيا مما أنت فيه فاصرف همتك إلى التفكير الجاد بالزواج من هذه الفتاة، وأن تكون زيارتك متجهة لولي أمرها ليزوجك إياها، كي يكون اتصالك بها بعد ذلك اتصالا شرعيا، فإن لم يكن لك قصد في ذلك فليس أمامك إلا أن تصرف نفسك عن التفكير فيها، وعليك بما ينفعك.
وأما ما تجده في تلك البلاد – وأي بلاد – من مظاهر المنكر وتبرج النساء ونحو ذلك، فعليك أن تحترز عنه قدر الإمكان، وتتقصد الأماكن التي تقل فيها هذه المظاهر، وتحرص على اصطحاب الرفقة الصالحة في ذلك السفر، فإذا خشيت على نفسك الفتنة فسارع إلى تحقيق مقصدك من الزواج الشرعي، ثم عَجِّل إلى بلدك حيث لا تجد تلك المنكرات.
نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم سواء السبيل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1202)
من مفاسد مشاركة المرأة في المنتديات
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله أنا فتاه ملتزمة وأشارك كثيرا بالإنترنت لإضافة الدروس والمواضيع، مؤخرا أصبحت مشرفه في منتدى تعليمي إسلامي، وبصراحة أعجبت كثيرا بشخصية المدير العام للموقع، هو شخص ملتزم ومثقف وبار بوالدته، هل يجوز لي أن أتصدق عنه وأدعو له وأنا أعرف عنه بعض المعلومات القليلة!!
وسؤال آخر: هل يجوز أن تحب الفتاه شخصا لأنه مسلم ومتدين ومثقف؟ وهل هذا يعتبر حبا في الله؟
وهل يجوز لي أن اخذ رقمه واتصل لأطمئن على عائلته وعليه، أو الحديث معه في بعض الأمور المتعلقة بالموقع؟!! .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الآثار السيئة المترتبة على مشاركة المرأة في المنتديات هو افتتانها ببعض الرجال، وتعلق قلبها بهم، والعكس كذلك، لاسيما والمرأة ضعيفة تؤثر فيها الكلمة من نحو: أحسنت، وجزاك الله خيرا، فإذا تكرر الثناء، أثمر التعلق:
خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ
ولهذا كان الحزم هو عدم مشاركة المرأة في منتديات الرجال إذا أحست بشيء من ذلك.
والذي يظهر من سؤالك أن شيئا من هذا التعلق قد حل بك، ولهذا ننصحك بالبعد عن هذا المنتدى، وقطع العلاقة بمديره العام، عن طريق الإنترنت وغيره، وأن تقتصري على المشاركة في منتديات النساء، وهي كثيرة إن لم يكن لك بد من ذلك، بل النصيحة لك والحالة ما رأينا أن تحفظي نفسك عن تلك الفتن التي تموج بها الشبكة والمنتديات، وتغلقي عنك باب الفتنة الذي يوشك أن ينفتح عليك شيئا فشيئا عبر هذا المنتدى!!
والشيطان يلبس على الإنسان أمره، ويفتح له الذرائع التي تجرئه على باب المعاصي، ويخلط له بين المشروع وغير المشروع، ويلبس له الحق بالباطل، ويدخل لكل امرئ من المدخل المناسب له، فصاحبة الأغاني تتعلق بأهل الغناء، وأما التي تحب الدين والالتزام، فهناك من الرجال من يحبون ذلك أيضا؛ فلكل ساقطة لاقطةٌ، ولكل طعام أَكَلَةٌ!!
فحذار ـ يا أمة الله ـ من أي تواصل مع هذا الشاب الذي بدأ يتسرب التعلق به إليك، وحذار من طلب رقمه أو الاتصال عليه، فإنه –في مثل هذه الحال- باب الفتنة، نسأل الله العافية والسلامة.
وأما الدعاء له فلا حرج فيه، وأما الصدقة فاجعليها لنفسك، فأنت أولى بكل حسنة، وميزانك أحوج إليها: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) .
وإياك ـ يا أمة الله ـ أن تأمني كيد اللعين، أو تثقي بقوتك على الخلاص من أمر تفتحين بابه عن عمد، وتأتينه عن بينة، فكم ممن سبقك، ظن الأمر لعبة، يوشك أن تنتهي عن قريب، وما هي إلا خطوات، حتى تاه منه الطريق، وصار الرجع عنه حلما أو ضربا من الخيال. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21
فاعتبري يا أمة الله بمن سبقك، وأعاذنا الله وإياك من أن نكون عبرة لغيرنا!!
قال بعض الحكماء: لم أر حقاً أشبه بباطل ولا باطلاً أشبه بحق من العشق؛ هزله جد، وجده هزل؛ أوله لعب وآخره عطب:
تولَّع بالعشق حتى عشِقْ فلما استقلَّ به لم يُطِقْ
رأى لُجَّة ظنها موجةً فلما تمكن منها غرق
نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، ويجنبنا وإياك الفتن؛ ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1203)
يحس بخروج شيء عند تحدثه مع النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أحاول أن أتلو الأذكار أو أصلي ولكن لا أستطيع لأني أجد أشياء تخرج مني. أتكلم مع فتيات لكن ليس هناك انتصاب أو شيء ويخرج مني هذا السائل ربما بسبب البنات لكن لا تستطيع أن تتوقف عن محادثة البنات في مجتمع كهذا. إنني لا أتكلم في أمور سيئة ولا أعرف سبب المشكلة.
أريد أن أعرف إن كان منياً فهل وضوئي ينتقض وماذا أفعل لأتخلص من هذا السائل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يَحْرُمُ عليك أيها السَّائِل النَّظَر إلى النساء ابتداءً، فضلاً عن محادَثَتِهِنَّ، حتى ولو كان كما تقول، أنك لا تَتَكلَّم في أمور سيئة، لأن هذا الأمر يجرّك للوقوع في المُحَرَّمِ، ويراجع سؤال رقم: 1200 و 1121، أما هذا السائل فليس منياً يراجع سؤال 2458 في الفرق بين المِنِّي والمَذي والأحكام المتعلقة بهما، فالواجب عليك الابتعاد عن هذا الأمور، خاصة وأنك كما تَذْكُر، تصلِّي وتَتْلُو الأذكار، ولا تتعلل بالمجتمع الذي تعيش فيه فإن هذا من ألاعيب الشيطان ومَكْرِهِ، لأن مجتمعك لاشك لا يخلو من الرجال الذين يمكنك أن تتحدث معهم بما يرضي الله، وتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) .
نسأل الله لنا ولك الهداية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1204)
هل يلزمها الجلوس مع زوج أختها والكلام معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل زوج الأخت من صلة الرحم؟ لأنني لا أريد الذهاب لبيته أنا منتقبة وقد رآني مرتين، بدون قصد مني، ولكنه كان متعمداً، وبعدها قاطعته، وهو يتضايق من لبسي للنقاب، هل أقتصر على صلة أختي فقط بالهاتف؟ علما أنها تزورنا باستمرار؟ هل من الواجب أن أذهب للجلوس معه عند مجيئه إلى بيتنا (خصوصا أنه من النوع الذي يحب نجلس معه ونتحدث) ؟ أم ألقي السلام فقط وأعلم أن هذا الشيء سيزعجه؟ أم أجلس في الغرفة لوحدي ولا أطلع؟ أرجوكم أريد أن أعرف كيف أتصرف؟ وهل أنا آثمة حين رآني؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ارتداؤك للنقاب الذي يستر الوجه، عمل مشروع، بل واجب، لأدلة كثيرة سبق بيانها في الجواب رقم (11774) ، فلا وجه لاعتراض زوج أختك على ذلك، بل ينبغي أن يفرح كل مؤمن بانتشار الحشمة، وشيوع الفضيلة.
ولا إثم عليك في رؤيته لك، من غير قصد منك، ويأثم هو إن تعمد النظر؛ لما روى مسلم (2159) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي.
ثانيا:
زوج أختك ليس من الرحم المأمور بصلتها، ولا هو من المحارم الذين تباح مصافحتهم أو رفع الحجاب أمامهم، بل هو أجنبي عنك، يلزم منه التستر، وتحرم مصافحته والخلوة معه.
وعليه؛ فلا يلزمك الذهاب إلى بيته، ولا الاتصال به، ولا الجلوس معه، وإن جلست بنقابك، في وجود أختك أو محرم لك، فلا حرج، إذا انتفت الريبة، وأُمنت الفتنة.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/420) :
" زوج الأخت ليس من محارم المرأة، ويعتبر أجنبيا عنها، لا يحل لها أن تكشف وجهها له، ولا تصافحه، ولا تخلو به، ولا أن تسافر معه، شأنه شأن الرجال الأجانب، لكن إذا جلست معه مع وجود محرم من محارمها ومع احتجابها وتسترها وتحفظها فلا بأس " انتهى.
وانظري السؤال رقم (40618) .
على أن النصيحة لك: أنك لا تجلسين معه ولو في وجود محرم، ما دام يتقصد النظر إليك وأنت من غير حجاب، ويحب أن تجلسي وتتحدثي معه.
ثالثا:
ينبغي ألا يؤثر هذا على علاقتك بأختك وصلتك لها، لأنها من الرحم الواجب صلتها. فإذا تحققت الصلة بالاتصال وبزيارتها لكم، كفى ذلك. وإن رغبت في زيارتك لها فزوريها، تطييبا لخاطرها، وتطمينا لها، وعليك اختيار الأوقات التي لا يكون زوجها موجوداً في البيت فيها.
رابعا:
قد علم مما سبق أنه لا يجب عليك الجلوس مع زوج أختك، عند زيارته لكم، وإن كان يحب ذلك، ولو سلمت وانصرفت كان حسنا، والمهم أن تتمسكي بما أنعم الله عليك من الستر والحياء والعفة.
نسأل الله لك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1205)
طلبت منه امرأة أن يصورها ففعل
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت امرأةٌ سافرةٌ من شابٍّ تصويرها بـ (كامرتها) ، وهي ليست مسلمة، فقبل، فهل فعله جائز أم أنه وقع في محظور شديد، وبماذا تنصحون أمثاله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
الواجب على المسلم أن يُعَظِّمَ أحكام الدين، ويفتخرَ بشعائره، ويكون داعيةً إلى هَديِ الإسلام بلسان حاله قبل مقاله، وخاصةً حين يتعلق الأمر بغير المسلمين من الناس.
والاستقامة شرف يرتفع به المسلم، ونور يزهو به بين البشر، وليس عبئًا أو شَينًا يستحيي أن يُظهِرَه، فضلا عن أن يخالفه مجاهرة.
ومعلوم في شريعتنا المطهرة حرمة النظر إلى وجوه النساء الأجنبيات لغير حاجة، ومن باب أولى حرمة النظر إلى شعورهن وما يبدين من زينتهن.
يقول الله تعالى:
(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30
وعَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ:
(يَا عَلِيُّ! لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ) رواه أبو داود (2149) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
ولا يخفى أن تصوير المرأة بآلة التصوير (الكاميرا) يقتضي النظر والتأمل في وجهها وصورتها، مع ما يصاحب ذلك من محادثة وملاطفة وابتسامة محرمة، فكيف إذا كانت المرأة سافرة متبرجة كاشفة عن زينتها؟!
والأصل في المسلم أنه ينكر المنكر، وينهى عن كل مظاهر المخالفة لأوامر الله، وليس السكوت عنها، فضلا عن المعاونة عليها والتساهل فيها.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم (49)
وقد كان الأحرى بهذا الشاب أن يَتَحَيَّنَ الفرصةَ فيدعو تلك المرأة إلى الإسلام، ويعرفها بما للحجاب من فضيلة وطهارة، وأن الصالحات من المؤمنات من لدن مريم عليها السلام إلى أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين كن يتزيَّنَّ بالفضيلة، ويَتَحَلَّينَ بالحجاب، وأن شريعة الإسلام تحفظ المرأة وتصونها، وتراها جوهرةً ثمينةً لا تُباح لكلِّ لامسٍ، لعل الله أن يهدي على يديه تلك المرأة، فيكون إسلامها في ميزان حسناته يوم القيامة.
فالواجب على هذا الشاب التوبة مما فعل، وعدم العود لمثل ذلك، وعليك أن تنصحه وتذكره بوجوب البعد عن هذه الأعمال، وأن إظهاره أحكام الإسلام أولى ما يكون أمام غير المسلمين ممن يرجى أن يعتبروا حين يرون سمو هذه الشريعة وتعاليمها.
أسأل الله أن يهدينا وإياكم للخير، وأن يعلمنا وإياكم الهدى والحق والإيمان.
انظر جواب السؤال رقم (1774)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1206)
هل يجوز خلوة كبير السن بالخادمة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن حكم إبقاء خادمة مع جدي الكبير في السن بعد وفاة جدتي (زوجته) هذه الخادمة قامت جدتي بتربيتها منذ صغر سنها وكانت تناديهم بأمي وأبى مجازا فهما لم يتبنياها بالطبع , وجدي الآن رجل كبير مسن75 عاما ويعيش بمفرده بعد وفاة جدتي، فهل يجوز بقاء الخادمة معه لخدمته؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة الأجنبية؛ لما روى البخاري (3006) ومسلم (1341) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم (رجل) نكرة في سياق النفي، فتعم كل رجل، ولو كان شيخا كبيرا.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (29/295) : " يرى جمهور الفقهاء أنه لا يجوز أن يخلو رجل بامرأة أجنبية , لأن الشيطان يكون ثالثهما , يوسوس لهما في الخلوة بفعل ما لا يحل , قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) ولفظ الرجل في الحديث يتناول الشيخ والشاب , كما أن لفظ المرأة يتناول الشابة والمتجالة (العجوز) " انتهى.
ويمكن لجدك إذا كان يحتاج إلى أحد يخدمه لكبر سنه أن يختار ما يناسبه من الخيارات الآتية حتى لا يقع في الخلوة المحرمة:
1- أن يتزوج هذه المرأة التي تخدمه أو غيرها، حتى لا يكون بقاؤها معه في البيت فيه مخالفة شرعية، وقد ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن من مقاصد النكاح: الخدمة، كحالة جدك هذه. وانظر: "الشرح الممتع" (10/383) .
2- أن يقوم بخدمته أحد من أولاده أو أحفاده، ويستغني عن خدمة هذه المرأة.
3- إذا لم يمكن قيام أحد من أولاده بخدمته فلا أقل من أن يوجد أحدهم معه في البيت في الفترة التي تكون الخادمة موجودة فيها حتى لا يكون هناك خلوة.
4- فإن لم يمكن هذا أيضا، يمكنه الاتفاق مع الخادمة أن تأتيه في وقت محدد، وينزل هو من البيت في هذا الوقت لشراء بعض ما يحتاج إليه، أو أداء الصلاة في المسجد، والجلوس فيه، أو زيارة صديق أو قريب ونحو ذلك.
كل هذا فراراً من الوقوع فيما حرم الله.
ونسأل الله تعالى أن يوفقه لكل خير، ويعصمه من الزلل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1207)
هل يجوز رفض الخاطب لعدم امتلاكه لشقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز رفض المتقدم للخطبة لعدم وجود شقة؟ هل يجوز أن يرفض قراءة الفاتحة بناء علي نفس السبب عدم وجود الشقة؟ مع العلم أن الفتاة موافقة على هذا الشاب وأسرته متوسطة الحال. هل كلام الفتاة مع الشاب من وراء أهلها حلال أم حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان المتقدم للخطبة مرضي الدين والخلق، وكان يستطيع إيجاد المسكن ولو بعد مدة، فلا ينبغي رفضه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي (1084) من حديث أبي هريرة، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وأما إذا كان غير مستطيع لإيجاد المسكن، أو يحتاج إلى زمن كبير حتى يتوفر له، فلا حرج في رفضه، لما يترتب على الارتباط به من الإضرار بالفتاة وتعطيلها عن الزواج.
ولما خطب معاوية بن أبي سفيان فاطمة بنت قيس رضي الله عنهما (وكان معاوية فقيراً) ، أشار عليها النبي صلى الله عليه وسلم برفضه، لأنه فقير لا مال له. رواه مسلم (1480) .
وهذا المتقدم العاجز عن مؤنة الزواج يخاطب حينئذ بقوله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه) النور/33، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) .
ثانياً:
لا تشرع قراءة الفاتحة عند الخطبة، لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً:
المهر والمسكن حق للمرأة فلها أن ترضى بالقليل من ذلك، وينبغي لوليها أن يعينها على العفاف والإحصان، فإذا قبلت من يُرضى دينه وخلقه، وكان لديه ما يصلح من المسكن والمهر فلا يجوز منع الفتاة من الزواج. وأما إن كان لا يملك شيئا، فللولي أن يرفض الخطبة؛ لأن رضى الفتاة في هذه الحالة مبني على العاطفة، وقلة الخبرة، وربما التغرير بها من قبل الخاطب.
رابعاً:
لا يجوز للفتاة أن تقيم علاقة مع أجنبي عنها، سواء تقدم لخطبتها أم لم يتقدم؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد، ومنكرات، لا تخفى، لا سيما مع رفض أهلها لخطبته، فإنه لا مبرر حينئذ لكلامه معها.
وراجع السؤال رقم (45668) و (36807) في حكم المراسلة والمحادثة بين الخاطب ومخطوبته.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1208)
غض البصر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى غض البصر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
غض البصر في اللغة يعني كفه ومنعه من الاسترسال في التأمل والنظر.
يقول ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (4/307) :
" الغين والضاد، يدلُّ على كفٍّ ونَقْص، (مثل) غضُّ البصر، وكلُّ شيءٍ كففتَه فقد غَضَضْته " انتهى.
ويقول ابن منظور في "لسان العرب" (7/196) :
" وغَضَّ طَرْفَه وبَصره: كفَّه وخَفَضَه وكسره. وقيل: هو إِذا دانى بين جفونه ونظر " انتهى
ثانيا:
وهو في الشرع يشمل أمورا عدة:
1- غض البصر عن عورات الناس، ومن ذلك زينة المرأة الأجنبية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (15/414) :
" والله سبحانه قد أمر فى كتابه بغض البصر وهو نوعان: غض البصر عن العورة. وغضه عن محل الشهوة.
فالأول كغض الرجل بصره عن عورة غيره.
وأما النوع الثاني من النظر كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية، فهذا أشد من الأول، كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير، وعلى صاحبها الحد ... لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهى الخمر " انتهى.
2- غض البصر عن بيوت الناس وما أغلقت عليه أبوابهم:
يقول ابن تيمية "مجموع الفتاوى" (15/379) :
" وكما يتناول غض البصر عن عورة الغير وما أشبهها من النظر إلى المحرمات، فإنه يتناول الغض عن بيوت الناس، فبيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه، وقد ذكر سبحانه غض البصر وحفظ الفرج بعد آية الاستئذان، وذلك أن البيوت سترة كالثياب التى على البدن " انتهى.
ويقول ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (1/117) :
" ومن النظر الحرام النظر إلى العورات، وهي قسمان: عورة وراء الثياب. وعورة وراء الأبواب " انتهى.
3- غض البصر عما في أيدي الناس من الأموال والنساء والأولاد والمتاع ونحوها.
قال تعالى: (لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) الحجر/88
قال ابن سعدي في "تفسيره" (434) :
" أي: لا تعجب إعجابا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون، واغترَّ بها الجاهلون، واستغن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم " انتهى.
وقال أيضا (ص/516) :
" أي: لا تمد عينيك معجبا، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والمُمَتَّعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابا بأبصار المعرضين، ويتمتع بها - بقطع النظر عن الآخرة - القوم الظالمون، ثم تذهب سريعا، وتمضي جميعا، وتقتل محبيها وعشاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة، ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا في القيامة، وإنما جعلها الله فتنة واختبارا، ليعلم من يقف عندها ويغتر بها، ومن هو أحسن عملا " انتهى.
ثالثا:
يذكر العلماء في فوائد غض البصر أمورا كثيرة، منها:
يقول ابن القيم رحمه الله في "الجواب الكافي" (125) :
" وفي غض البصر عدة منافع:
أحدها: أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى، وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره.
الثانية: أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذى لعل فيه هلاكه إلى قلبه.
الثالثة: أنه يورث القلب أنسا بالله، وجمعية على الله، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر، فانه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه.
الرابعة: أنه يقوي القلب ويفرحه، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.
الخامسة: أنه يكسب القلب نورا، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة، ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر، فقال: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) النور/30 ثم قال إثر ذلك: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) النور/35 أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة، فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب، فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام.
السادسة: أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل والصادق والكاذب، ... والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فإذا غض بصره عن محارم الله عوضه الله بأن يطلق نور بصيرته، عوضة عن حبه بصره لله، ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة، التي إنما تنال ببصيرة القلب، وضد هذا ما وصف الله به اللوطية من العمه الذي هو ضد البصيرة فقال تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) الحجر/72
السابعة: أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة، كما في الأثر: (الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله) ومثل هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها، ما جعله الله سبحانه فيمن عصاه، كما قال الحسن: (إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، فإن المعصية لا تفارق رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه) .
وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته، والذل قرين معصيته، فقال تعالى: (ولِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) المنافقون/8، وقال تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) آل عمران/139، والإيمان قول وعمل، ظاهر وباطن، وقال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فاطر/10، أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره، من الكلم الطيب والعمل الصالح، وفي دعاء القنوت: (إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت) ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه، وله من العز بحسب طاعته، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه، وله من الذل بحسب معصيته.
الثامن: أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب، فإنه يدخل مع النظرة، وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي، فيمثل له صورة المنظور إليه، ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب، ثم يَعِدُهُ ويُمَنِّيه، ويوقد على القلب نار الشهوة، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة، فيصير القلب في اللهب، فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار، وتلك الزفرات والحرقات، فإن القلب قد أحاطت به النيران بكل جانب، فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور، لهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أن جُعل لهم في البرزخ تنورٌ من نار.
التاسع: أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها، فتنفرط عليه أموره، ويقع في اتباع هواه، وفي الغفلة عن ذكر ربه، قال تعالى: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) الكهف/28
العاشر: أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما عن الآخر، وأن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده، فإذا فسد القلب فسد النظر، وإذا فسد النظر فسد القلب، وكذلك في جانب الصلاح " انتهى.
والله أعلم.
انظر سؤال رقم (1774) ، (20229) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1209)
تسكن مع عائلة زوجها رغم وجود شقة منفصلة!
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه ليست حالتي وحدي ولكنها تخص كثيراً من النساء الذين يُردن الحجاب الشرعي "النقاب"، نحن نعيش مع أزواجنا مع عائلاتهم في منزل واحد، أي: يوجد إخوة رجال معنا في نفس المنزل، ولا يوجد خادمة، فنحن من نقوم بالأعمال المنزلية، وهي كثيرة وشاقة، ولا مانع من أن يدخل أحد أقارب أزواجنا كالعم والخال بدون إذن، فالبيت مفتوح، وإذا قمنا بتنظيف البلكون يرانا الجيران وجميع من في الشارع.
فهل يصح لنا ارتداء النقاب عند الخروج فقط؟ أم نرتديه في المنزل من الصباح وحتى المساء؟ علما بأن هذا سيكون شاقّاً جدّاً علينا، وأنا لي شقتي الخاصة، ولا ندخلها إلا عند النوم، فنحن نقيم مع عائلة زوجي المكونة من أخ واحد وأمه، مع العلم أننا بإمكاننا أن نستقل بأنفسنا في المعيشة، ولكن زوجي لا يريد ذلك، ماذا نفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يتأكد وجوب الحجاب في الحالات التي تكون مظنة وقوع الفتنة، واجتماع الأسرة الكبيرة في بيت واحد، تجتمع فيه الزوجة مع إخوة زوجها، أو مع أبناء العم أو الخال، كل ذلك مدعاة لانكسار حاجز الحياء، وطمع النفوس فيما يمليه الشيطان ويزينه، فحينئذ لا بد من محافظة المرأة على ستر وجهها أمام غير المحارم، وتحمل المشقة في سبيل ذلك.
وفي موقعنا مجموعة من الأسئلة التي هي شبيهة بهذا السؤال، وقد سبق فيها التأكيد على وجوب الحجاب والستر، فيمكنك مراجعتها والاستفادة منها، ومنها: (6408) ، (13261) ، (40618) ، (47764) ، (52814) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
" أما أخو الزوج، أو زوج الأخت، أو أبناء العم، وأبناء الخال، والخالة، ونحوهم: فليسوا من المحارم، وليس لهم النظر إلى وجه المرأة، ولا يجوز لها أن ترفع جلبابها عندهم؛ لما في ذلك من افتتانهم بها، فعن عقبه بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) متفق عليه،
والمراد بالحمو: أخو الزوج، وعمه، ونحوهما؛ وذلك لأنهم يدخلون البيت بدون ريبة، ولكنهم ليسوا بمحارم بمجرد قرابتهم لزوجها، وعلى ذلك لا يجوز لها أن تكشف لهم عن زينتها، ولو كانوا صالحين موثوقاً بهم؛ لأن الله حصر جواز إبداء الزينة في المحارم فقط، وليس أخو الزوج ولا عمه ولا ابن عمه ونحوهم منهم، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) والمراد بـ " ذي المحرم " مَنْ يحرم عليه نكاحها على التأبيد لنسب، أو مصاهرة، أو رضاع: كالأب، والابن، والأخ، والعم، ومن يجري مجراهم، وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لئلا يرخي لهم الشيطان عنان الغواية ويمشي بينهم بالفساد ويوسوس لهم ويزين لهم المعصية، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ومن جرت العادة في بلادهم بخلاف ذلك بحجة أن ذلك عادة أهلهم أو أهل بلدهم فعليهم أن يجاهدوا أنفسهم في إزالة هذه العادة، وأن يتعاونوا في القضاء عليها والتخلص من شرها، محافظة على الأعراض، وتعاوناً على البر والتقوى، وتنفيذاً لأمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى مما سلف منها، وأن يجتهدوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويستمروا عليه، ولا تأخذهم في نصرة الحق وإبطال الباطل لومة لائم، ولا يردهم عن ذلك سخرية أو استهزاء من بعض الناس، فإن الواجب على المسلم اتباع شرع الله برضا وطواعية ورغبة فيما عند الله وخوف من عقابه، ولو خالفه في ذلك أقرب الناس وأحب الناس إليه " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 256 - 258) .
والنصيحة للزوج أن يسعى جاهدا للاستقلال بالمسكن عن أسرته، ولا يتساهل في مثل هذه الأمور، فقد استرعاه الله رعية يجب أن يحافظ عليها، وليس في الإصرار على العيش مع أسرته وإخوانه في مكان واحد محافظة عليها.
وليس من حقوق الزوج على زوجته أن يجبرها على المعيشة مع أهله، بل يجب عليه أن يجهز له سكناً مستقلاً متى طلبت ذلك، وقد سبق تفصيل ذلك بأدلته وأقوال العلماء في جواب السؤال رقم (7653) .
ومثل هذه الحال التي ذكرتيها لا تخلو من منكرات، فإنه يشق على المرأة أن تلبس حجابها الكامل ـ حتى في البيت ـ من الصباح إلى المساء، ولا يمكنها أن تقوم بأعمال المنزل وهي بحجابها الكامل، فلابد من كشفها لوجهها ويديها.....وغير ذلك، وحينئذ يراها أخو زوجها وغيره ممن لا يجوز لهم رؤيتها، ولا يجوز لها أن تخلع حجابها أمامهم.
فلا يجوز للزوج أن يلزم زوجته بذلك، فينقص إيمانها، وينتزع منها الحياء شيئاً فشيئاً، فإنه راع ومسئول عن رعيته.
وقد ذكرت في سؤالك أن لك شقة خاصة، فما الذي يمنع زوجك من إحسان عشرتك والمحافظ عليك، في شقتك الخاصة، بدلاً من الإقامة الدائمة ـ طوال النهار ـ مع أهل زوجك، مع ما فيها من مشقة عليك ووقوع فيما حرم الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن يهدي زوجك لما فيه خيركما في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1210)
ندم على زواجه الأول ويريد الزواج من ثانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ سنة ونصف، ولم أجد في زوجتي ما يُعِفُّني؛ لأنها ليست جميلة، وشعرت بالندم بعد الزواج، الأمر الذي يجعلني أفكر في الزواج من أخرى، بالرغم من أن زوجتي تحبني جدا، وهى طيبة، ولكن مشكلتي أني أنظر إلى النساء بغرض الزواج؛ ولكن عندما أثير قضية الزواج بأخرى لزوجتي، ترد على بأنها لا تستطيع العيش معي في وجود امرأة أخرى!!
فماذا أفعل، وأنا لا أريد أن أطلقها؟!.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن مشكلتك الحقيقية هي ما ذكرت من نظرك إلى النساء، ولو كان بغرض الزواج كما تقول؛ فإن من نظر إلى النساء، رق دينه، وضعف إيمانه، وهانت عنده زوجته، وهام بالحياة مع غيرها، وهذا ـ بالطبع ـ يزيده من نفورا من زوجته، ويزيد قلبه تعلقا بالزواج الثاني، ظنا منه أنه المخرج. ومن خبر أحوال الناس علم أنهم بهذا النظر المحرم، يستقبحون اليوم ما كان بالأمس جميلا، والجديدة تمر عليها الأيام فتصير قديمة مملولة؛ فلا يهدأ لهم بال، ولا يستقر لهم رأي، ولا تكفيهم زوجة ولا اثنتان.
ولهذا نقول: اتق الله تعالى، وغض بصرك عما حرم الله، وعد إلى زوجتك فتأمل ما فيها من المحاسن، وما تحلت به من الشمائل، وستجد خيرا كثيرا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) رواه مسلم (2672) .
والفرْك: البغض.
ومن أراد الزواج لم يُبح له أن ينظر في كل غاد ورائح، بل يباح له النظر إلى المخطوبة متى عزم واستقر في نفسه خطبتها، كأن يُخبر عن امرأة، فيرضى دينها وخلقها وأهلها، ثم يبقى النظر إليها، فيباح له ذلك بعلمها وبدون علمها، نظرا من غير شهوة.
وأما ما يفعله البعض من إطلاق النظر إلى النساء يمينا وشمالا، بحجة اختيار إحداهن، فهذا محرم، لا تأتي به شريعة، ولا تقبله فطرة، ولا يرضاه أحد لنفسه وأهله.
ونظنك ـ أخانا السائل ـ تدرك ذلك كله، وتدرك في قرار نفسك أن قضية اختيار زوجة ثانية عن طريق النظر في النساء الرائحات والغاديات، ما هي إلا حيلة، احتال الشيطان عليك بها من أجل أن يوقعك في النظر المحرم الذي لا يزيدك الاستمرار فيها إلا تعبا ونكدا وتنغيصا، عدا ما فيه من معصية الرحمن جل جلاله، وطاعة الشيطان، والوقوع في حباله.
ثانيا:
يباح للرجل أن يتزوج بواحدة واثنتين إلى أربع، إذا كان قادرا ماديا وبدنيا، وكان يرجو من نفسه العدل بين نسائه.
ولا يشترط في زواجه الثاني إذن الزوجة الأولى، وغالب النساء لا يرضين بالتعدد، ويرين استحالة الحياة مع وجوده! وهذا راجع إلى أسباب كثيرة منها الدعايات الإعلامية المغرضة، التي جعلت من التعدد جريمة ومنكرا، وعارا ومذمة على الزوجة الأولى، ومنها سوء استعمال الرجال لهذا الحق، وجنوح عدد منهم إلى الظلم والتجاوز، إلا من عصم الله تعالى.
وعلى العاقل أن ينظر في حال أهله ومدى استعدادهن لقبول التعدد، وأن يوازن بين حياته المستقرة الآن، وبين ما يمكن أن يكون عليه في المستقبل، وأن يقدر تقديرا صحيحا - بعيدا عن العاطفة – مدى حاجته للزوجة الثانية، ومدى قدرته على القيام بمسئولية بيتين، وأسرتين، وأن يستخير الله تعالى قبل الإقدام على أمر الزواج، وأن يحسن الاختيار، حتى لا يعود بالندم، ويدرك بعد فوات الأوان أنه يبحث عن شيء لن يدركه، ولو تزوج من النساء من تزوج.
فإذا وقع في قلبه أمر الزواج الثاني، وكانت ظروفه العامة تسمح به، على ما قلناه، وكان جادا في إمضائه، فهنا ـ فقط ـ يباح له النظر إلى المرأة التي وقع في نفسه خطبتها.
على أننا ننبهك هنا إلى خطأ يقع فيه كثير من الأزواج، حين ينغص على نفسه وعلى أهل بيته عيشهم بإثارة هذه القضية بين الحين والآخر؛ فما الفائدة من إثارة هذه القضية المنغصة: أتريد أن تميتها موتتين؟!!
حينما تكون جادا، ونظن أن هذا الأمر سابق لأوانه جدا بالنسبة للفترة القصيرة التي أمضيتها في تجربتك الأولى، فتوكل على الله، وساعتها يكون لكل حادث حديث، كما يقولون!!
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1211)
تعرضت للاغتصاب وهي صغيرة، وتريد الزواج الآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مشكلة نفسية واجتماعية فى نفس الوقت , حيث تعرضت في صغري لاغتصاب من أحد أقاربي، أشك فى أنه أفقدني براءتي، مما كان له أثر سيئ على نفسيتي، فكنت أبكي كل ليلة وأنا نائمة لا يشعر بي أحد، ثم في مرحلة الثانوية وما قبل الجامعة جاء إلى بيتنا شاب لدرس، واعترف لي أنه يريد الزواج مني، فصارحته بكل شيء، فأجاب بأن هذا ماض وأنه مسامح، ولا أخفي عليك، فمنذ ذلك الحين نتحادث هاتفيّاً كل مدة، وأهلي على علم بذلك، وهو الآن فى العام الأخير من الجامعة، فأريد أن أعرف هل ذلك حرام؟ وهل أنا كذلك مستسلمة لقضاء الله؟ وإن لم يكن كذلك فماذا أفعل؟ .
أرجو النظر في مشكلتي وإفادتي.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد لا يدرك المرء حقيقة الحكمة التي من أجلها ابتلاه الله تعالى في دنياه، حتى يكون يوم القيامة، فينكشف له ذلك المقام الرفيع الذي أعده الله تعالى له في الجنة إذا صبر واحتسب، ويعلم حينئذ أن الله تعالى كان قد ابتلاه بفضله، واختبره بحكمته.
عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَوَدُّ أَهلُ العَافِيَةِ يَومَ القِيَامَةِ حِينَ يُعطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِّضَت فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ) .
رواه الترمذي (2402) وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2206) .
ويبدو أنك – أختي الفاضلة – قد تجاوزت بحمد الله تلك الواقعة، وتحملت آثارها النفسية، بل وأرجو أن تكوني خرجت بنفسية أقوى، وبروح أعلى وأذكى، فإن في كل محنة منحة، ووراء كل بلاء عافية، ولا ينبغي للمرء أن يتأسف على ما فات، ويستذكر الماضي الذي لن يرجع أبدا، بل ينبغي أن يأخذ منه العبرة ليومه والتفاؤل لغده.
وفي قصتك درس للآباء الذين يتحملون مسؤولية أبنائهم أمام الله تعالى، ألا يُسلِموهم لمواضع الردى بدعوى حسن الظن بالقرابة، والحقيقة المؤسفة تقتضي أن نقول: إن كثيرا من حالات الاعتداء إنما تجيء من القرابة، نسأل الله العافية.
وليست هذه دعوة لقطع الأرحام أو التشكك في الناس، إنما هي دعوة للاحتفاظ بالحذر والاحتياط الذي يقتضيه الحال، وعلى الوالدين تقدير ذلك الحذر من غير غلو ولا تفريط، وقد جاءت شريعتنا بقاعدة عظيمة في ذلك، هي قاعدة سد الذرائع، بل جاءت الشريعة بأخذ الاحتياط بين الإخوة في البيت الواحد، وذلك حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهم في المضاجع، كما رواه أبو داود (495) وصححه الألباني.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ رحمه الله: أَيْ فَرِّقُوا بَيْن أَوْلَادكُمْ فِي مَضَاجِعهمْ الَّتِي يَنَامُونَ فِيهَا إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا حَذَرًا مِنْ غَوَائِل الشَّهْوَة، وإن كُنّ أخواته. انتهى [فيض القدير 5/531] .
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: إنما جَمَعَ بَيْن الْأَمْر بِالصَّلَاةِ وَالْفَرْق بَيْنهمْ فِي الْمَضَاجِع فِي الطُّفُولِيَّة تَأْدِيبًا وَمُحَافَظَة لِأَمْرِ اللَّه كُلّه ... وَتَعْلِيمًا لَهُمْ َالْمُعَاشَرَة بَيْن الْخَلْق , وَأَنْ لَا يَقِفُوا مَوَاقِف التُّهَم فَيَجْتَنِبُوا محارم الله كلها. اِنْتَهَى. [شرح مشكاة المصابيح 2/155] .
وفي قصتك درس للآباء ـ أيضا ـ: أن يتفقدوا أحوال أبنائهم، ويُعَوِّدُوهم على مصارحتهم في كل ما يواجهون، في المدرسة أو الشارع أو المنزل، فإن كثيرا من الأطفال تصيبهم المصائب، وتلحقهم الأمراض النفسية، والوالدان في غفلة تامة عن أمرهم، وقد كان يمكن للوالدين أن يخففا عن أبنائهم ما أصابهم، ولكن ترك المصارحة الأسرية يولِّدُ حرجا عند الأبناء في الشكوى لآبائهم.
وأما ذلك القريب الظالم الفاجر المعتدي، فقد استحق غضب الله وسخطه ومقته، واستحق جهنم التي أعدها الله تعالى للظالمين المعتدين، الذين يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، وهو يظن أنه ينجو بفعلته ويلوذ بجريمته، ولكنه لا يشعر أن الله تعالى يتربص به وبأمثاله، حتى إذا أخذه فما له مِنَ الله مِنْ ناصر.
يقول الله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) إبراهيم/42.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُملِي لِلْظَالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّك إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) . رواه مسلم (2583) .
قال النووي – رحمه الله -: " معنى (يملي) يمهل ويؤخر ويطيل له في المدة ... .
ومعنى (لم يفلته) : لم يطلقه، ولم ينفلت منه ". " شرح مسلم " (16 / 137) .
ثانياً:
أما ما ذكرتِ من شأن الشاب الذي عرض عليك أمر الزواج، وأنت بدورك صَدَقتِيهِ القول وصارحتيه بما جرى معك في صغرك فتقبل ذلك ولم يعترض: فذلك من نِعَم الله تعالى عليك، أَن هَيَّأَ لك من يعذركِ فيما حصل معكِ في صغرك، ويست عليك في أمر ظلمتِ فيه، ويرغب في الاقتران بك بالطريق الذي شرعه الله، فجزاه الله خيرا.
ولكنكما أخطأتما حين استمرت المحادثات بينكما، قبل أن يتم الرابط الشرعي، وقد كان بإمكانكما إتمام عقد الزواج الشرعي، وتأخير الدخول إلى حين التخرج أو العمل، أما أن تبقى الحال على ما هي عليه: فلا شك في حرمة ذلك، إذ ليس بينكما علاقة شرعية، وإنما هي إلى الآن أماني أو وعود بالزواج.
والواجب عليكما الوقوف عند الحكم الشرعي، وأنه لا يجوز استمرار المحادثة بينكما حتى يتم العقد الشرعي، فإن كان صادقا في وعده لك بالزواج: فسيستجيب لحكم الله، ويسارع في إتمام العقد، أو يقطع الاتصال حتى يتخرج، فإن لم يستجب لحكم الله تعالى: فاحذري حينئذ، فقد يكون ذئباً جديداً يسعى للتسلية وقضاء الوقت في محادثة الفتيات، ويتخذ الوعود بالزواج وسيلة لتحقيق ما يريد، وخاصة أنه قد علِم بحالك، وقد تكون هذه فرصة له يسول له الشيطان بسببها أمراً منكَراً.
سئل الشيخ الفوزان - حفظه الله -:
مكالمة الخطيب لخطيبته عبر الهاتف، هل هي جائزة شرعا أم لا؟
فأجاب:
مكالمة الخطيب عبر الهاتف لا بأس به، إذا كان بعد الاستجابة له، وكان الكلام من أجل المفاهمة، وبقدر الحاجة، وليس فيه فتنة، وكون ذلك عن طريق وليها: أتم وأبعد عن الريبة.
أما المكالمات التي تجري بين الرجال والنساء وبين الشباب والشابات، وهم لم تجرِ بينهم خطبة، وإنما من أجل التعارف - كما يسمونه -: فهذا منكر، ومحرَّم، ومدعاة إلى الفتنة، والوقوع في الفاحشة، يقول الله تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) الأحزاب/32.
فالمرأة لا تكلم الرجل الأجنبي إلا لحاجة، وبكلام معروف لا فتنة فيه ولا ريبة، وقد نص العلماء على أن المرأة المحرمة تلبي ولا ترفع صوتها، وفي الحديث (إِنَّمَا التَّصْفِيقُ للنِّسَاءِ) - رواه البخاري (1218) ومسلم (421) - مما يدل على أن المرأة لا تُسمع صوتها الرجال إلا في الأحوال التي تحتاج فيها إلى مخاطبتهم مع الحياء والحشمة.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 604 - 605) .
وقد سبق في موقعنا بعض الإجابات التي تبين حكم المحادثة بين الجنسين، ومنها: أجوبة الأسئلة: (7492) ، (13791) ، (26890) ، (45668) ، (66266) ، (82702) .
نسأل الله تعالى أن يحفظك ويوفقك ويرزقك الرضى والسعادة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1212)
تحب شخصا وطلب منها الخروج معه فماذا تعمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أطلب منك المساعدة أنا أحب شابا وطلب مني أن أخرج معه ولكني لا أعرف ما أقوله أنا محتارة أرجو المساعدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يسرنا كثيراً طلبك المساعدة في هذا الأمر، قبل أن تقدمي عليه، ونحن لا نرضى لك إلا ما نرضاه لبناتنا وأخواتنا، حافظي على أثمن ما تملكين، وإياك أن يخدعك الشيطان بمسمى الحب تارة أو التسلية أخرى.
ابنتي ... يسرنا كثيراً محافظتك على الصلاة، والتزامك بالحجاب، وتخلقك بالعفة والحياء، وتمسكك بتعاليم الدين الذي جاء ليعلي من شأن الإنسان ويزكي نفسه ويطهرها.
ويسوؤنا كثيراً أن تكوني بخلاف ذلك، يسوؤنا أن يجرك الشيطان إلى هلاكك، فتكوني كالذبيحة تساق إلى موتها وهي لا تشعر!!
ابنتي.. إنه كلام جد وليس بالهزل، قد سلك في هذا الطريق كثيرات غيرك، وكانت النهاية تعيسة، وندمن.
ولكن.. بعد فوات الأوان، وقت لا ينفع الندم، ولعلك تجدين في هذا الموقع قصصاً كثيرة في هذا، لك فيها عبرة، وإياك أن تكوني أنت عبرة لغيرك.
ثانياً:
لا يجوز للمرأة أن تقيم علاقة مع رجل أجنبي عنها، ولو كان في نيتهما الزواج، لأن الله تعالى حرم الخلوة بالأجنبية، ومصافحتها والنظر إليها – إلا لحاجة كالخطبة والشهادة – وحرم عليها أن تتبرج بالزينة، وأن تكشف عن عورتها أمام الرجال الأجانب عنها، وأن تخرج متعطرة بينهم، وأن تخضع بالقول لهم، وهذه المحرمات معلومة بأدلة الكتاب والسنة، وليس فيها استثناء لمن عزم على الزواج، بل ولا لمن خطب بالفعل؛ لأن الخاطب يظل أجنبيا عن المرأة حتى يعقد النكاح عليها.
1- فمما جاء في تحريم الخلوة بالأجنبية ولو كانت مع خاطبها: ما رواه البخاري (3006) ومسلم (1341) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (أَلا، لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
2- ومما جاء في تحريم نظر الرجل إلى المرأة: قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30.
وروى مسلم (2159) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي.
و (نظر الفجأة) هو أن تقع عينه على المرأة من غير قصد، كما لو كان ينظر إلى الطريق ونحو ذلك.
وأما المرأة فلها أن تنظر إلى الرجل من غير شهوة، إذا أمنت الفتنة، وأما مع الشهوة أو خوف الفتنة فلا يجوز.
3- ومما جاء في تحريم مصافحة المرأة الأجنبية: قوله صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045) ، والإثم هنا على الرجل والمرأة سواء.
4- ومما جاء في تحريم تبرج المرأة، وإظهارها لزينتها أمام الرجال الأجانب عنها: ما روى مسلم (2128) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) .
والبخت: نوع من الإبل طويلة الأعناق.
5- ومما جاء في تحريم خروجها متعطرة بحيث يشم الرجال الأجانب ريحها: قوله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ) رواه النسائي (5126) وأبو داود (4173) والترمذي (2786) وحسنه الألباني في صحيح النسائي.
6- ومما جاء في تحريم الخضوع بالقول قوله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الأحزاب/32، وإذا كان هذا في حق أمهات المؤمنين الطاهرات، فإن غيرهن من باب أولى.
ثالثاً:
إن ما يسمى بالحب بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه، لا يخلو من محرم من هذه المحرمات، إن لم تجتمع كلها، وما هو أزيد منها، عافانا الله وإياك من كل سوء.
فالواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى، والحذر من غضبه وانتقامه، وقطع هذه العلاقة مع الشاب فوراً، فلا تفكري في اللقاء به، ولا تستجيبي لطلبه في الخروج معك، بل ينبغي أن تقطعي الاتصال معه تماما، فإن بداية الر هو تعلق قلبك به، وهذا من استدراج الشيطان لك، أنك نظرت إليه أو تكلمت معه حتى دخل حبه في قلبك، فلا تزيدي الأمر شرا وبلاء بالكلام أو الخروج معه.
واعلمي أن أكثر المصائب إنما تبدأ بخطوات يسيرة، ثم يقع ما لم يكن في الحسبان، وكم من امرأة وثقت في نفسها ثقة زائدة، وأن ذلك الشاب لن ينال منها أي شيء، ثم كانت النتيجة أنها خسرت كل شيء! ثم تخلّى عنها ذلك الذئب الذي كان يعدها ويمنيها بالزواج، لأنها لم تعد صالحة له، وهيهات أن يثق بها وقد سمحت لنفسها أن تتعلق برجل أجنبي عنها.
ونحن إذ نقول ذلك لك، فإنما نقوله من باب النصح وإرادة الخير لك، نسأل الله أن يحفظك من كل سوء ومكروه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1213)
الحب الذي ينتهي بالزواج هل هو حرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحب الذي ينتهي بزواج حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: العلاقة التي تنشأ بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه، ويسميها الناس " الحب " هي مجموعة من المحرمات والمحاذير الشرعية والأخلاقية.
ولا يستريب عاقل في تحريم هذه العلاقة، ففيها: خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، ونظره إليها، واللمس والتقبيل، والكلام المليء بالحب والإعجاب مما يثير الغرائز ويحرّك الشهوات. وقد تصل هذه العلاقة إلى ما هو أعظم من ذلك. كما هو واقع ومشاهد الآن.
وقد ذكرنا جملة من هذه المحرمات في جواب السؤال رقم (84089) فليراجع.
ثانياً:
أثبتت الدراسات فشل أكثر الزيجات المبنية على علاقة حبٍّ مسبق بين الرجل والمرأة، بينما نجحت أكثر الزيجات التي لم تُبْنَ على تلك العلاقة المحرمة في الغالب، والتي يسميها الناس "الزواج التقليدي".
ففي دراسة ميدانية لأستاذ الاجتماع الفرنسي سول جور دون كانت النتيجة:
"الزواج يحقق نجاحاً أكبر إذا لم يكن طرفاه قد وقعا في الحب قبل الزواج".
وفي دراسة أخرى لأستاذ الاجتماع إسماعيل عبد الباري على 1500 أسرة كانت النتيجة أن أكثر من 75 % من حالات الزواج عن حب انتهت بالطلاق، بينما كانت تلك النسبة أقل من 5% في الزيجات التقليدية – يعني: التي لم تكن عن حبٍّ سابق.
ويمكن ذكر أهم الأسباب التي تؤدي إلى هذه النتيجة:
1- الاندفاع العاطفي يعمي عن رؤية العيوب ومواجهتها، كما قيل: "وعين الرضا عن كل عيب كليلة". وقد يكون في أحد الطرفين أو كلاهما من العيوب ما يجعله غير مناسب للطرف آخر، وإنما تظهر تلك العيوب بعد الزواج.
2- العاشقان يظنان أن الحياة رحلة حب لا نهاية لها، ولذلك نراهم لا يتحدثان إلا عن الحب والأحلام.. إلخ، أما المشكلات الحياتية وطرق مواجهتها، فلا نصيب لها من حديثهم، ويتحطم هذا الظن بعد الزواج، حيث يصطدمان بمشكلات الحياة ومسؤولياتها.
3- العاشقان لم يعتادا على الحوار والمناقشة وإنما اعتادا على التضحية والتنازل عن الرغبة، إرضاءً للطرف الآخر، بل كثيراً ما يحصل بينهما خلاف لأن كل طرف منهما يريد أن يتنازل هو ليرضي الطرف الآخر! بينما يكون الأمر على عكس ذلك بعد الزواج، وكثيراً ما تنتهي مناقشاتهم بمشكلة، لأن كل واحد منهما اعتاد على موافقة الطرف الآخر على رأيه من غير نقاش.
4- الصورة التي يظهر بها كل واحد من العشيقين للآخر ليست هي صورته الحقيقية، فالرفق واللين والتفاني لإرضاء الآخر.. هي الصورة التي يحاول كل واحد من الطرفين إظهارها في فترة ما يسمى بـ "الحب"، ولا يستطيع الاستمرار على هذه الصورة طول حياته، فتظهر صورته الحقيقية بعد الزواج، وتظهر معها المشكلات.
5- فترة الحب مبنية غالباً على الأحلام والمبالغات التي لا تتناسب مع الواقع بعد الزواج. فالعاشق يَعِدها بأنه سيأتي لها بقطعة من القمر، ولن يرضى إلا أن تكون أسعد إنسانة في الدنيا كلها.. إلخ. وفي المقابل.. هي ستعيش معه في غرفة واحدة، وعلى الأرض وليس لها أية طلبات أو رغبات ما دامت قد فازت به هو، وأن ذلك يكفيها!! كما قال قائلهم على لسان أحد العاشقين: "عش العصفورة يكفينا"، و "لقمة صغيرة تكفينا" و "أطعمني جبنة وزيتونة"!!! وهذا كلام عاطفي مبالغ فيه. ولذلك سرعان ما ينساه الطرفان أو يتناسياه بعد الزواج، فالمرأة تشتكي من بُخل زوجها، وعدم تلبيته لرغباتها، والزوج يتأفف من كثرة الطلبات والنفقات.
فلهذه الأسباب - وغيرها - لا نعجب إذا صرّح كل واحد من الطرفين بعد الزواج بأنه خُدِع، وأنه تعجل , ويندم الرجل على أنه لم يتزوج فلانة التي أشار بها عليه أبوه، وتندم المرأة على أنها لم تتزوج بفلان الذي وافق أهلها عليها، غير أنهم ردوه تحقيقاً لرغبتها!
فتكون النتيجة تلك النسبة العالية جداً من نِسب الطلاق لزيجات كان يظن أهلها أنهم سيكونون مثالاً لأسعد الزيجات في الدنيا!!!
ثالثاً:
وهذه الأسباب السابق ذكرها أسباب حسية ظاهرة، يشهد الواقع بصحتها، إلا أننا ينبغي ألا نُهمل السبب الرئيس لفشل تلك الزيجات، وهو أنها أقيمت على معصية الله – فالإسلام لا يمكن أن يقرّ تلك العلاقة الآثمة، ولو كانت بهدف الزواج -، فكان العقاب الرباني العادل لأهلها بالمرصاد. قال الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) طه/124. المعيشة الضيقة المؤلمة نتيجة لمعصية الله والإعراض عن وحيه.
وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) الأعراف/96، فالبركة من الله جزاء على الإيمان والتقوى، فإذا عدم الإيمان والتقوى أو قلّ، قلّت البركة أو انعدمت.
وقال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97، فالحياة الطية ثمرة الإيمان والعمل الصالح.
وصدق الله العظيم إذ يقول: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ _ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) التوبة/109.
فعلى من كان زواجه على هذا الأساس المحرم أن يسارع بالتوبة والاستغفار، ويستأنف حياة صالحة قوامها الإيمان والتقوى والعمل الصالح.
وراجعي جواب السؤال (23420) ففيه زيادة فائدة.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1214)
امرأة بدينة وتستعين برجل أجنبي لصعود ونزول الحافلة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أحد أمسك بيدي عند نزولي من (الأتوبيس) أو (الميكروباص) علماً بأنني لا أستطيع النزول أو الصعود بمفردي؛ لأن قدمي يؤلمني وجسمي بدين فهل هذا حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في المرأة المسلمة ألاّ تخرج من بيتها، إلا إذا دعت حاجة لذلك، فإن لم تدعُ حاجة للخروج فهي مأمورة بالقرار في البيت بقول الله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الأحزاب/33.
قال ابن كثير - رحمه الله -:
هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء نبيه صلى الله عليه وسلم ونساء الأمة تبع لهن في ذلك.
" تفسير القرآن العظيم " (3 / 482) .
فإن دعت الحاجة للخروج من البيت فلتخرج بالشروط الشرعية، كالحجاب الشرعي وعدم التطيب والتزين، وإن خرجت لمسافة سفر فلا بد لها من المحرم.
وإن كانت المرأة كبيرة في السن أو بدينة أو مريضة تحتاج إلى رجل يعينها على صعود الحافلة أو النزول منها، فعندئذ لا يجوز لها الخروج إلا بمحرم أو امرأة تعينها على ذلك، ولا يجوز للمرأة أن تمكن رجلاً من يدها فيلمسها أو يمسك بها لأنها أجنبية عنه.
وانظري تفصيل حكم مس الأجنبية جواب السؤال رقم: (21183) .
فإن اضطرت المرأة للخروج، وليس لها من محارمها من يعينها على صعود ونزول الحافلة، فلتستعن بامرأة ممن في الحافلة على ذلك.
فإن تعذر ذلك كله، جاز لها الاستعانة برجل؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها، والقاعدة الشرعية المشهورة عند أهل العلم: " المشقة تجلب التيسير ".
ويجدر التنبيه إلى أن هذا الظرف الذي تتعرضين له لا يجعل الحرام حلالاً، وإنما هو حرام باقٍ على حكمه إلى يوم القيامة، هذا من حيث العموم، وإنما يرخص فيه للمحتاج، وقت حاجته فقط.
فإن زالت الضرورة، أو أمكن معالجتها بطريقة شرعية، كالاستعانة بالمحرم أو المرأة رجع الحكم إلى التحريم والإثم، فليحذر من التمادي فيه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1215)
تسكن مع عائلة زوجها، فهل تلتزم الحجاب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستفهم من المرأة المختمرة إذا ما تزوجت بشخص يعيش مع أهله، ولديه إخوة بَالِغِين، وليس لديه المال الكافي ليشتري بيتا أو حتى حجرة، ومضطرة لأن تساعد والدته في المطبخ مثلا، وإخوة زوجها يدخلون ويخرجون من المطبخ في حاجاتهم.
فهل تنزع الخمار والقفاز عن وجهها وكفيها أمام إخوة زوجها وتحافظ عليه أمام غيرهم من الأجانب، رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحمو: (الحمو الموت) ، وحذر منهم أكثر من غيرهم من الأجانب؟ ومثل ذلك بالنسبة للأقارب الأجانب (أبناء العم أو زوج الأخت) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المرأة ستر وجهها وكفيها عن جميع الرجال الأجانب، وتجنب الخلوة بهم، وخاصة أقرباؤها من غير محارمها، فإنهم بحكم قربهم أسرعُ فتنة من غيرهم، ويتأكد أيضاً وجوب الستر في مثل الحالة التي سألت عنها، حيث تعيشين مع إخوة زوجك في بيت واحد؛ وذلك أن كثرة المخالطة مع غير المحارم تضعف الحياء، وتكسب النفس جرأة على المعصية، فإذا رافق ذلك كشف الوجه، وتساهل في أمر الستر، كان أدعى إلى الفتنة، وأقرب إلى وقوع المعصية، وكم وقعت حوادث من ذلك، فتهدمت بيوت، وتقطعت أرحام بسبب التساهل في هذه الحالات.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
أنا رجل موظف ومتزوج، ولكن ظروف والدي الصحية والمادية جعلتنا نسكن في منزل واحد، مع العلم أن لي اثنين من الإخوة، يبلغ عمر الأصغر منهما حوالي 17 سنة، فما رأي فضيلتكم في بقائي أنا وزوجتي مع والدي وإخواني في منزل واحد؟ .
فأجابوا:
" لا حرج في سكنى إخوانك معك في مسكن واحد، بشرط أن تكون زوجتك محتشمة في لباسها، ومتحجبة، وعدم خلوة أحد من إخوانك بها في المنزل " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (19 / 366، 367) .
وفي موقعنا مجموعة من الأسئلة التي هي شبيهة بهذا السؤال، يمكنك مراجعة أجوبتها والاستفادة منها، ومنها: (6408) ، (13261) ، (40618) ، (47764) ، (52814) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1216)
الحب والعشق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اذا أحبت فتاةٌ فتًى من بعيد قد تكون ارتكبت إثما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
جاءت الشريعة بالنهي عن أبواب الشر والإثم، وحرصت على سد كل ذريعة إلى فساد القلوب والعقول، والعشق والحب والتعلق بين الجنسين من أعظم الأدواء وأخطر الآفات.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/129) :
" والعشق مرض نفسانى، وإذا قوي أثَّر فى البدن، فصار مرضا فى الجسم: إما من أمراض الدماغ، ولهذا قيل فيه هو مرض وسواسي، وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونحو ذلك " انتهى.
ويقول رحمه الله "مجموع الفتاوى " (10/132) :
" عشق الأجنبية فيه من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، وهو من الأمراض التي تفسد دين صاحبها، ثم قد تفسد عقله ثم جسمه " انتهى.
ويكفي أن نعلم أن من مضار الحب والعشق للجنس الآخر، أسر القلب وعبوديته لمحبوبه، فالحب باب ذل ومسكنة ونصب، وكفى بذلك مُنَفِّرًا من هذا المرض.
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/185) :
" الرجل اذا تعلق قلبه بامرأة، ولو كانت مباحة له، يبقى قلبه أسيرا لها، تحكم فيه وتتصرف بما تريد، وهو فى الظاهر سيدها، لأنه زوجها، وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها، لا سيما إذا دَرَت بفقره إليها، وعشقه لها، فإنها حينئذ تحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور الذي لا يستطيع الخلاص منه، بل أعظم، فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن " انتهى.
والتعلق بالجنس الآخر لا يصيب قلبا ملأه حب الله تعالى، إنما يصيب قلبا فارغا ضعيفا مستسلما فيتمكن منه، فإذا قوي واشتد فقد يغلب على حب الله ويخرج بصاحبه إلى الشرك.
ولهذا قيل: إن الهوى حركة قلب فارغ.
فالقلب إذا فرغ من محبة الرحمن عز وجل وذكره، والتنعم بمناجاته وكلامه سبحانه، امتلأ بمحبة النساء، والتعلق بالصور، وسماع الغناء.
يقول شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/135) :
" إذا كان القلب محبا لله وحده مخلصا له الدين، لم يبتل بحب غيره أصلا، فضلا أن يبتلى بالعشق، وحيث ابتُلي بالعشق، فلنقص محبته لله وحده؛ ولهذا لما كان يوسف محبا لله مخلصا له الدين، لم يبتل بذلك، بل قال تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ، إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ) ، وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها، فلهذا ابتليت بالعشق " انتهى.
فالواجب على المسلم أن ينجو بنفسه من هذه المهلكة، ولا يقصر في حمايتها والخلاص بها، فإن قصَّرَ في ذلك، وسلك سبل التعشق، بمداومة النظر المحرم، وسماع المحرم، والتساهل في مخاطبة الجنس الآخر ونحو ذلك، فأصابه الحب أو العشق، فهو آثم معاقب على فعله.
وكم من الناس ممن تساهل في مبادئ ذلك الداء، وظن أنه قادر على أن يخلص نفسه متى أراد، أو أن يقف عند حد لا يتعداه، حتى إذا استحكم به الداء، لم يفلح معه طبيب ولا دواء، كما قال القائل:
تولع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة فلما تمكن منها غرق
يقول ابن القيم رحمه الله في "روضة المحبين" (147) :
" فمتى كان السبب واقعا باختياره لم يكن معذورا فيما تولد عنه بغير اختياره، فمتى كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا، ولا ريب أن متابعة النظر واستدامة الفكر بمنزلة شرب المسكر، فهو يلام على السبب " انتهى.
فإن حرص على الابتعاد عن أبواب هذا المرض الخطير، فَغض بَصَرَه عن مشاهدة المحرمات، وأغلق سمعَه عن سماعها، وصرف خواطر قلبه التي يقذفها الشيطان فيه، ثم بعد ذلك أصابه شيء من شرر هذا المرض، بسبب نظرة عابرة، أو معاملة كانت في الأصل جائزة، فتعلق قلبه بامرأة، فليس عليه إثم في ذلك إن شاء الله، لقوله تعالى:
(لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلاَّ وُسعَهَا)
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (11/10) :
" فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه " انتهى.
ويقول ابن القيم رحمه الله "روضة المحبين" (147) :
" إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له، فهذا لا يلام على ذلك، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره، على أن عليه مدافعته وصرفه " انتهى.
ولكن عليه أن يعالج قلبه بالانقطاع عن أثر ذلك المحبوب، وبملء القلب بحب الله سبحانه والاستغناء به، ولا يستحي أن يستشير أهل الفطانة والأمانة من الناصحين، أو يراجع بعض الأطباء والمستشارين النفسانيين، فقد يجد عندهم شيئا من العلاج، وهو في ذلك صابر محتسب يعف ويكتم، والله سبحانه وتعالى يكتب له الأجر إن شاء الله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/133) :
" فأما إذا ابتُلى بالعشق وعف وصبر، فإنه يثاب على تقواه لله، فمن المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقولا وعملا، وكتم ذلك فلم يتكلم به، حتى لا يكون في ذلك كلام محرم، إما شكوى إلى لمخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوع طلب للمعشوق، وَصَبر على طاعة الله وعن معصيته، وعلى ما فى قلبه من ألم العشق، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة، فان هذا يكون ممن اتقى الله وصبر، (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ) انتهى.
ويراجع سؤال رقم (20949) (33702)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1217)
قيام الرجل بتحفيظ القرآن لنساء من وراء حجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يحفظ مجموعة من النساء في المنزل مع العلم بحضور زوج أحد هؤلاء النساء معه ووجود ستارة بين المحفظ وهؤلاء النساء أرجو الإفادة وبيان السند والأدلة الشرعية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأولى والأسلم أن تبحث هؤلاء الأخوات عن امرأة تتولى تحفيظهن القرآن، في المنزل أو المسجد؛ لما في ذلك من البعد عن الفتنة وأسبابها، فإن لم يتيسر ذلك، وأمكن الاكتفاء بالحفظ عن طريق المسجل والكمبيوتر، مع تعاون هؤلاء الأخوات على أمر المراجعة والمتابعة، فهذا حسن، وهو أولى من الجلوس إلى رجل يحفظهنّ.
ثانيا:
إذا دعت الحاجة إلى قيام رجل بتدريسهن وتعليمهن، إما لعدم وجود المعلمة، أو لكونه مجودا متقنا، يعلمهن أحكام التلاوة، فلا حرج في ذلك إذا روعيت الضوابط التالية:
1- أن يكون تدريسه لهن من وراء حجاب.
2- أن لا يكون خضوع بالقول من إحداهن.
3- أن يكون الكلام مع المحفظ على قدر الحاجة فقط.
4- أن ينسحب المحفظ من هذا العمل إذا شعر بميل قلبه أو تلذذه بصوت إحداهن.
5- ينبغي أن يكون المعلم كبير السن، متزوجا، معروفا بالصلاح والاستقامة.
وينبغي التنبه إلى أن صوت المرأة ليس عورة على الراجح من قولي العلماء، بشرط ألا تلين وتخضع بالقول.
قال في "كشاف القناع" من كتب الحنابلة (5/15) : " وصوتها - أي الأجنبية - ليس بعورة، قال في الفروع وغيره: على الأصح، ويحرم التلذذ بسماعه ولو كان بقراءةٍ، خشية الفتنة " انتهى.
وقال في "مغني المحتاج" من فقه الشافعية (4/210) : " وصوت المرأة ليس بعورة , ويجوز الإصغاء إليه عند أمن الفتنة " انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (12/156) : "
أولا: الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك.
ثانيا:
لا يجوز للرجل أن يعلم المرأة وهي ليست متحجبة، ولا يجوز أن يعلمها خاليا بها ولو كانت بحجاب شرعي، والمرأة عند الرجل الأجنبي عنها كلها عورة، أما ستر الرأس وإظهار الوجه فليس بحجاب كامل.
ثالثا:
لا حرج في تعليم الرجل المرأة من وراء حجاب في مدارس خاصة بالنساء، لا اختلاط فيها بين الطلاب والطالبات، ولا المعلم والمتعلمات.
وإن احتجن للتفاهم معه؛ فيكون عبر شبكات الاتصال المغلقة، وهي معروفة ومتيسرة، أو عبر الهاتف، لكن يجب أن يحذر الطالبات من الخضوع بالقول بتحسين الكلام وتليينه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1218)
تعرفت على شخص عن طريق الهاتف ووعدها بالزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة الذي أفعله حلال أم حرام؟ وهو أنني أعرف شخصا عن طريق الهاتف ووعدني بالزواج ولكن الظروف حكمت بتأجيل هذا الوعد ولكن مازلنا على اتصال ويقول هو إنه يعرفني تماما وشافني ولكن أنا لم أره أبدا. وأريد أوضح أيضا أن هذا الشخص أصغر مني بالعمر بسنتين. السؤال هل حلال أبقى على اتصال معه أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكر لك سؤالك وحرصك على معرفة الحلال من الحرام في هذه الأمور التي تساهل فيها كثير من الناس، ونحمد الله أن جعل في قلبك يقظة إيمانية هي السر في خوفك من هذه العلاقة الهاتفية، فإن القلوب الحية هي التي تشعر بخطر المعصية، وتؤثِّر فيها الجراحة، وأما القلوب الميتة، فإنها غافلة لا تحس ولا تتألم، كما قيل: فما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رواه مسلم (2553) .
ثانيا:
كلام المرأة مع الرجل عن طريق الهاتف أو غيره، إذا كان يدعو للفتنة لها أو بها، فهو محرم، ومن ذلك الكلام في الأمور العاطفية من الحب والغرام والتعلق، والوصف، والوعد باللقاء ونحو ذلك، فإن هذا مقدمة الفاحشة، وهو من خطوات الشيطان لاصطياد العفيفات الغافلات، فلا يزال الذئب يلين الكلام، وينسج الخيال، ويكثر الوعود، ويحلف الأيمان، حتى تقع المرأة فريسة بين يديه، فيا لله كم من أعراض انتهكت، وكم من محارم اقترفت، وكم من مصائب وآهات وآلام، والخطوة الأولى كانت اتصالا عن طريق الهاتف.
وأكثر هؤلاء الذئاب كذابون مخادعون، لا يعرفون معنى للحب الحقيقي، ولا يطمعون في زواج شريف، ولكنهم يسعون للرذيلة، ويسارعون في إرضاء الشيطان، وقد صرح بعضهم أنه يفعل ذلك تارة للعبث، وتارة لحب السيطرة والإغواء، وتارة للفخر بأنه أوقع فلانة وفلانة، والله المستعان.
فيا أيتها الأخت المسلمة الحذر الحذر، والنجاة النجاة، فإن من أعز ما تملك المرأة شرفها وحياءها وعفتها، وهذا الذئب اللئيم لا يتورع عن ذكر فريسته بين المجالس وأنه قال لها كذا، وفعل بها كذا، حتى يغدو ذكرها على لسان الفسقة مستباحا، وربما استدرجها للقاء، أو سجل صوتها، أو أخذ صورتها، فجعل ذلك مادة للابتزاز والتخويف والتوصل إلى ما هو أعظم، عافاك الله وصانك من كل سوء.
وهذا الذي نذكره ليس كلاما يراد منه تخويفك، ولكنه إشارة إلى عشرات القصص الواقعية التي وقعت في هذا الزمان، مع انتشار الهواتف ومواقع الشات، وهي قصص محزنة مخجلة، تدل على مدى قسوة هؤلاء العابثين، ومدى ضعف المرأة أمام استدراجهم ومكرهم، وتدل أبين دلالة على عظمة قول ربنا سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21، فإن الكلمة في الهاتف قد تكون خطوة من خطوات الشيطان، وهكذا النظرة، والابتسامة، ولين الكلام، يتلقفها من في قلبه مرض، ويبني عليها جبالا من الأوهام والظنون والخيالات، تُنتج طمعاً وسعياً ومكراً وتدبيراً في الباطل، قال الله تعالى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الأحزاب/32
ونحن نسأل أختنا– صانها الله وحفظها – هل تخلو مكالمة هاتفية بين شاب وشابة من الخضوع بالقول، والضحك وترقيق الكلام وتزيينه؟! كيف وهما يتحدثان عن الزواج والرغبة في الوصال؟ فكيف لا تكون الفتنة، وكيف لا يكون التعلق، وكيف لا يطمع القلب المريض؟!
إن زعم هؤلاء الماكرين أنهم يريدون الزواج زعم كاذب، فإن طريق الزواج معروف، وبابه مفتوح، وهم لا يجهلونه، ولكنهم يفرون منه، ويبتعدون عنه، ويلجئون إلى حيل الشيطان وخدعه. ثم إن رغبة شخصٍ ما في امرأةٍ ما لا يعني أنه يصلح لها زوجا، فربما كان دونها في كل شيء، في السن والعلم والمنزلة والمال، مما يعني رفضه وعدم قبوله في غالب الأحوال، فكيف تصبح مجرد الرغبة من شخصٍ مجهول مسوغاً للتعرف على الفتاة والاسترسال معها والحديث إليها ومواعدتها بالزواج؟! وكيف ترضى العاقلة أن تتعلق بمجهول الهوية والحال، يمنّيها بالزواج، وتنتظر منه القدوم، وربما كان لا يصلح، بل ربما لو رأته لآثرت العنوسة على الزواج منه.
فبادري إلى قطع هذه العلاقة، والندم عليها، وسؤال الله المغفرة والصفح، واشتغلي بما ينفعك في أمور دينك ودنياك، واعلمي أن الزوج الصالح رزق يسوقه الله تعالى إلى المرأة الصالحة، وقد وعد سبحانه أهل طاعته بالمزيد من فضله فقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97
فأكثري من الطاعة والإنابة، وسدي كل باب للفتنة، وكوني شامة نقية لا يطمع فيها طامع، ولا يرتع حول حماها راتع.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1219)
أحبت شابا في الشات ويرغب بالزواج منها وترغب بالمشورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 20 عاماً، أحببت شاباً على الشات، والآن طلب مني أن يأتي ليخطبني من أهلي، فهل حرام أني كلمته من الأول؟ وماذا أفعل؟ أوافق على طلبه أم لا؟ مع العلم أنه شاب محترم جدّا جدّا جدّا، وأنا متأكدة من هذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، لقد وقعتِ أنت والشاب فيما حرَّم الله، ولم يكن يباح لكِ التعرف عليه، ولا محادثته، ولا مراسلته، وقد بيَّنا حكم هذا الفعل في فتاوى متعددة، فانظري أجوبة الأسئلة:
(78375) و (34841) و (23349) .
ومن جهة أخرى لا ننصحكِ بالتزوج منه، فالزواج الذي مبدؤه الإنترنت ثبت فشله؛ وذلك لسببين رئيسين:
الأول: أنه ابتدأ بمعصية الله تعالى؛ وذلك من خلال المراسلة والمحادثة وتبادل الصور، وما مكان مبدؤه المعصية فلن يكون مؤسَّساًِ على طاعة الله ولن يبارك فيه.
والثاني: أنه مسبِّب لفقدان ثقة كل طرف بالآخر، فكيف للزوج أن يثق بزوجته التي تعرَّف عليها بالإنترنت وكان أجنبيّاً فحادثتْه وراسلتْه، كيف له أن يضمن عدم وقوعها في الأمر نفسه مع غيره؟! وهي كذلك كيف لها أن تثق به وقد تعرَّف عليها من خلال الإنترنت وفعل ما لا يحل له، فكيف ستضمن أنه لن يعيد الكرة مع غيرها؟! .
قال الشيخ عبد الله المنيع حفظه الله:
" هذه العلاقة علاقة آثمة، ولو كانت عن طريق المراسلة، والزواج شيء يقدِّره الله تعالى ويهيِّئه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق/3،4، فيجب على هذه الأخت أن تتقي الله تعالى في عفافها وحشمتها وكرامتها، وأن تطلب الخير من مصادره الشرعية، وأن تدرك أن الرجل الذي سمح لنفسه بمراسلة فتاة أجنبية منه يبث لها الوجد والحب: سيسمح لنفسه مرة أخرى وثالثة ورابعة بمراسلة فتيات أخريات يلعب عليهن، وفضلاً عن ذلك سيحتقر هذه الفتاة التي تجاوزت الحدَّ في كرامتها وحشمتها، وعرَّضت عفافها للخطر، ولن يسمح لنفسه أن تكون أمّاً لأولاده، إلا أن تكون رجولته ناقصة، والله المستعان " انتهى
" مجموع فتاوى وبحوث " (4 / 286، 287) .
والحياة الزوجية إن كانت خالية من الثقة بين الطرفين فهي محكوم عليها بالفشل، ولا يزال الشيطان يعيد تلك الذكريات الحميمة المحرمة في مخيلة كل واحد منهما، ولا يزال الشيطان يدفعهما لإعادة الكرة، وما المانع وقد فَعلاها من قبل؟!
لذا: فالواجب عليكِ الآن قطع هذه العلاقة بالكلية، والتوبة إلى الله من هذا الفعل المحرم، وعدم العودة إلى إقامة علاقات مع رجال أجانب عنك.
والواجب عليكِ أيضاً ترك التفكير بخطبة هذا الشاب والزواج منه، ومثل هذه العلاقات محكوم عليها بالفشل لما بيناه سابقاً، وهو غير مرضي الدين والخلق فكيف لكِ ولأهلك الموافقة عليه زوجاً وهو لا يتصف بهما حتى يكون زوجاً صالحاً يقيم بيته على طاعة الله تعالى، ويربي أبناءه وبناته على الحشمة والحياء والعفاف؟!
هذا الذي نراه، ومن التجارب الكثيرة التي وقفنا عليها فإننا قد قدمنا لك خير ما نعلم، ونصحناكِ بما هو خير لدينك ودنياك.
فعليك بالتوبة الصادقة، وقطع العلاقات المحرمة، وداومي على الأعمال الصالحة، وأشغلي وقتك بالنافع والمفيد، ونسأل الله تعالى أن يرزقك زوجاً صالحاً وذرية طيبة.
وانظري جواب السؤال رقم (21933) .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1220)
والدها يرفض زواجها من هذا الشخص وهي تحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا واقعة في مصيبة، وأرجوا أن تقفوا بجانبي: تقدم لخطبتي شخص ذو خلق ودين، وحالته المادية جيدة، وبصراحة: أنا أحبه!! لكن والدي رافض لأسباب غير مقنعة، يقول إنه لا يحب أهل البلد التي منها هذا الشاب!! وقد استخرت الله تعالى، ولا أعرف ماذا أفعل، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس عليك أيتها السائلة الكريمة، فكل مصيبة تهون إلا مصيبة الدين؛ فاللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا!!
إن المسلم يعلم أن دار الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأنه متى تلقى المصائب والمحن بقبول حسن؛ من الصبر الجميل، والرضا بقضاء الله وقدره؛ فإنها تصير في حقه هبات وعطايا من رب العالمين؛ تُرفع بها الدرجات، وتُكَفَّر بها الخطيئات:
روى الإمام أحمد (21833) وأبو داود (3090) عن أبي خالد السُّلَمي رضي الله عنه أَنَّهُ خَرَجَ زَائِرًا لِرَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِهِ، فَبَلَغَهُ شَكَاتُهُ [يعني: بلغه أنه مريض] . قَالَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَتَيْتُكَ زَائِرًا، عَائِدًا وَمُبَشِّرًا!!
قَالَ: كَيْفَ جَمَعْتَ هَذَا كُلَّهُ؟!!
قَالَ: خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ زِيَارَتَكَ، فَبَلَغَتْنِي شَكَاتُكَ، فَكَانَتْ عِيَادَةً، وَأُبَشِّرُكَ بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ) صححه الألباني بشواهده في الصحيحة (2599) .
واعلمي أيتها الأخت المسلمة أن الله تعالى لما شرع لعباده ألا تزوج المرأة نفسها، واشترط أن يكون وليها هو الذي يتولى تزويجها، إنما شرع ذلك رحمة منه بعباده، وحفاظا على مصالحهم العظيمة التي تضيع هدرا حينما يتهاون الناس في ذلك؛ واسألي عن قصص الزيجات التي بنيت على ذلك، وكيف تحولت عيشتهم إلى هم وندم، هذا إن دامت بينهم عشرة.
على أننا لا نحتاج إلى التجربة لكي نطيع أمر ربنا عز وجل، أو نعرف ما فيه من المنافع والمصالح الدينية والدنيوية لنا، فوظيفة المؤمن أمام أمر الله تعالى أن يقول: سمعنا وأطعنا!!
[يمكن مراجعة السؤال (2127) (31119) حول اشتراط الولي في النكاح] .
فالذي ننصحك به ـ أختنا الكريمة ـ ألا تستبدي بأمرك، ولا تجعلي العاطفة هي مقياس الحكم على الأمور، ولا تنظري إلى مشكلتك بعين واحدة، بل استعيني بالناصح الأمين من أهلك والأقربين منك، ممن يعرفكم ويعرفه، ومن له ود عند أبيك، وقبول في نفسه، ويثق والدك في رأيه.
ثم استخيري الله عز وجل، واعلمي أنك متى استخرت ربك، وأنت صادقة في اللجوء إليه، والافتقار إلى عونه وتوفيقه، فإن الله تعالى لا يقدر لعبده المؤمن إلا الخير، وسواء كان ما قضاه موافقا لما تحبين وتطلبين أو مخالفا؛ فإن أمر المؤمن كله خير، فارضي حينئذ بما قدره الله، وجعله من نصيبك.
ولك هنا أن تستعيني بمن يمكنه إقناع والدك بأن يزوجك ممن ترغبين، إذا كان الحال على ما ذكرت من الدين والخلق.
ولكي تستفيدي من ذلك، لا بد من ترك الفرصة للوالد في التفكير، ولا تحاولي أن تحسمي الأمر معه مبكرا، بمعنى أنني لا أنصحك بإبداء الإصرار الكبير من البداية على الزواج من هذا المتقدم، ولا تحاولي أن تدخلي في جدال أو مشادة مع الوالد، فيؤدي ذلك إلى تعنته وتشدده، بل حاوريه بالحسنى فقط، واستخدمي ألفاظ التفويض والولاية، كأن تقولي له: أنت والدي وولي أمري وتعرف مصلحتي فأرجو أن تعيد التفكير وتقلبه، ونحو ذلك من الأساليب التي تترك مجالا للحوار، ولا تتعجلي الجواب من الوالد، فكلما طال الأمر والانتظار اقترب الفرج إن شاء الله.
ثم قبل ذلك كله وبعده، أرى أن معك حلا صائبا إن شاء الله، هو بلا شك أنفع من كل ما سبق، ولا أراه يخيب أبدا، وهو الإلحاح على الله في الدعاء، لا أقول الدعاء فقط، بل الإلحاح والتذلل والانطراح على أبواب رحمة الله، وسؤاله الخير والفرج والسعادة، وإذا رأى الله منك صدق الدعاء، أعطاك بإذنه سبحانه ما تحبين، كيف لا وهو الجواد الكريم.
ولا نحب لك - أختنا الكريمة - وأنت في غمرة الشعور باللوم للوالد، والنظر إليه على أنه متعنت في منعك من هذا الزواج، واستعمال ولايته عليك، لا نحب لك أن تنسي أن علاقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه، لا بد أنها لم تصل إلى تلك الدرجة من التعلق القلبي بينهما إلا بقدر كبير من التفريط في مراعاة حدود الله، وحفظها وعدم تعديها؛ من كلام، ووعد، ونظر ...
فعليك أختنا بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، وإياك ومصيبة الدين، فتلك هي المصيبة حقا، وأما أن زوجا يذهب أو يجيء، ومال يكتسب أو يضيع ... ، فكل ذلك يهون أمام المصاب في الدين:
من كل شيءٍ إذا ضيعته عوضٌ وليس في الله إن ضيعته عوضُ
فإذا كان قد صدر شيء من ذلك منكما فسارعا إلى التوبة منه، فقد يكون الله تعالى قد أخر عنك قبول والدك حتى يرى صدقكما في الالتزام بأمره سبحانه، ألم يقل الله تعالى في محكم كتابه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3
والله أعلم.
ويمكنك مراجعة بعض النصائح والأحكام المتعلقة بمشكلتك في موقعنا في الإجابات التالية:
(6398) (10196) (23420) (36209)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1221)
تعلق طالبة جامعية بأستاذ لا يدرِّسها!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة جامعية، الحمد لله أصلي وأخاف الله، ولكن حصل معي في نهاية السنة الماضية أني أعجبت بشخص، مشرف مختبرات، مثل ما يقولون " من بعيد لبعيد "، ومع أني لا أحادثه، إلا أني أصبحت متعلقةً به كثيراً، عندما أراه أفرح، وعندما لا أراه أحزن، أخاف أن يأتي يوم ولا أراه فيه، لدرجة أني أصبحت أكره تخرجي من الجامعة لكي لا يأتي يوم ولا أراه!! بالنسبة لمشاعره هو تجاهي لست متأكدة لأني طبعاً لا أتحدث معه!! لا أعرف ماذا أفعل، لا أحب سيرة الخطَّاب، وأخاف أن يأتي الخطَّاب إلى بيتنا لكي لا أتزوج إلا هو، أنا أدعو الله كثيراً أن يجمعني به، هل عندما يظل الإنسان يدعو ممكن أن يجعل الله هذا الشخص من نصيبه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست المشكلة – أختي السائلة – في أن دعاء الله تعالى يمكن أن ييسر أمر الزواج من شخص معين أم لا، فالدعاء بابه مفتوح، وخزائن الله ملأى، وكرم الله سبحانه وتعالى واسع، ورحمته وسعت كل شيء، وهو يجيب من دعا ويعطي من سأل، ولا حرج على المسلم أن يسأل الله تعالى ما يشاء وما يرغب، صغيراً كان أو كبيراً، وقد وعدنا الله تعالى بالإجابة فقال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60.
وانظري في موقعنا جوابي السؤالين: (6585) و (14549) .
ولكن الأمر الأهم هو في سبب هذا التعلق المتسرع بذلك الشخص، حيث بدا من سؤالك أنك لم تختلطي به أبداً، ولم تعرفيه عن قرب، ولم تعرفي خُلُقَه أو تدينه، ومع ذلك أقمت في نفسك كل هذه المحبة والمودة، ولم يكن شيء منها على أساس معقول.
أختنا الكريمة:
لا ينبغي للمسلم العاقل أن يسير وراء الأوهام التي تصوِّرُها له نفسه وهواه، فالنفس لا تزال تتمنى وتشتهي، ولا تفتأ تخوض في عالم الأحلام والآمال، ثم تبني قصوراً من الأفراح على أساس تلك الأحلام، ثم لا يلبث كل شيء أن ينهدم لأنه لم يكن مبنيّاً حقيقة، وحينئذ تقع الكارثة النفسية.
قد يُعذر الشاب أو الفتاة في وقوع الإعجاب بينهما في نفوسهما، ثم التفكير الجاد للارتباط الشرعي بعد ذلك، إلا أن ما لا يعذر فيه هو أن يُحَوِّلَ ذلك الإعجابَ إلى هاجس يلاحقه ويلازم تفكيره، ويغذيه بالتخيلات والأحلام، والأدهى من ذلك حين يتخذ مواقف عمليةً ينطلق فيها من تلك الأحلام!!
وذلك ما وقعتِ فيه يا أختنا:
كيف تسمحين لنفسك أن ترفضي فكرة الزواج من أي شاب صالح آخر لتنتظري حلما متوهما قد لا يتحقق؟! .
وأنت بذلك تخالفين أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ) رواه الترمذي (1085) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وهذا الحديث وإن كان خطاباً للأولياء: فهو بالضرورة يكون لصاحب العلاقة أصالة، وهو المرأة.
أتظنين أن الله تعالى حبس الخُلُقَ الكريم وصفاتَ الصلاحِ التي تتمناها كل فتاة في زوجها في ذلك الأستاذ الذي تعلقتِ به؟! .
أو تظنين أن أحداً لا يمكن أن يحقق لك السعادة والطمأنينة إلا ذلك الأستاذ؟! .
إن كنت تعتقدين ذلك: فأنت واهمة، فالصالحون والأخيار كثيرون والحمد لله، والله سبحانه لا يقصر سعادة إنسان على آخر، وليس ثمة بشر لا يمكن أن يستغني عن بشر، بل كلٌّ منا يمكنه أن يعيش سعيداً مع غير من كان يحبهم ويبادلهم المودة؛ لأن الله تعالى خلق النفس البشرية بهذا التكوين والشعور، خلقها تُقبل على السعادة أينما وجدت، وتحاول نسيان الآلام مهما كبرت.
ثم كيف تحكمين على نفسك بالبقاء على العزوبة في انتظار شاب لا تدرين هل هو يلتفت إليك أصلا أو لا يشعر بك؟! .
كيف تَقبلين أن تحبي من لا يبادلك الشعورَ نفسه، وقد يكون مرتبطا بغيرك من الفتيات؟!
والمسلمُ لا يرضى أن يحب أحداً إلى ذلك الحد الذي تشعرين به، كي لا تَذِلَّ نفسه ولا يهين كرامته حين يعتقد الخلاص في شخص معين، والله سبحانه وتعالى يأمره أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواه، وقديما قالوا: " لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا ".
أختنا:
أرجو أن يكون عقلك هو الحكم على جميع تصرفاتك ومواقفك، ولا تسمحي للعاطفة أن تحدد مصير حياتك، فإن العاطفة ربما قادت صاحبها إلى الهلاك والتلف، كما قال تعالى: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) ص/26.
وأنت لم تطَّلعي الغيب، ولم تُكشف لك الأمور، فما أدراك؟ لعل الله سبحانه وتعالى كتب لك زوجا صالحا طيبا يفوق ما تتوهمينه في ذلك الأستاذ مرات ومرات.
بل لعل شقاءك وتعاستك ستكون مع ذلك الأستاذ الذي تعلقت به من غير سبب، والله سبحانه وتعالى يريد أن يصرف عنك ذلك السوء.
والتسليم بذلك هو من فوائد الإيمان بالقدر وبالحكمة التي يريدها الله من خلقه وأمره، فلنسلم الأمر لله تعالى، ولندَعهُ سبحانه يحكم فينا بحكمته وكرمه وجوده وإحسانه، فهو ربنا، ونحن عبيده.
فالواجب عليك – أختي السائلة – أن تصرفي الخاطر عن الاشتغال بذلك الشاب، فلا تسمحي لنفسك بالخوض والتفكير فيه، واقطعي كل ما يمكن أن يذكرك به، وابتعدي عن كل مكان يمكن أن يوجد فيه، وتحملي ذلك لبعض الأيام والشهور، بعدها ستجدين أن قلبك قد تحرر من تلك الوساوس، وأن الله قد خلصه من أوهامٍ كادت تتحكم في مصيره، ونوصيك بالاشتغال بالطاعة والعبادة والصحبة الصالحة، واسألي الله تعالى دوما أن ييسر لك الزوج الصالح الذي يسعدك ويتقي الله فيك، واستعيذي بالله من وساوس الشيطان وهوى النفس، والله سبحانه وتعالى خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
ويمكنكِ الاستفادة لهذا الأمر من جواب السؤال رقم (10254) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1222)
فرق بين الحب وبين العلاقة المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا آنسة 24 سنة، بصراحة أنا أحببت حبّاً طاهراً خالٍ من اللقاءات والمواعيد , حبّاً طاهراً لإنسان طاهر ملتزم، واعدني الزواج، وطلب مني أن أنتظره لأن ظروفه صعبة، أنا لا أنكر أنه اتصل بي أكثر من مرة، لكنني طلبت منه أن لا يتصل بي؛ لأني غير راضية عن ذلك، مع أني أحبه، لكنى شعرت أن الحب بدء يسير في الطريق الخطأ , فوافقني الرأي، واحترم رأيي , هو يراسلني بين حين وآخر برسائل على الإنترنت حتى أعرف أخباره , أنا وهو على علاقة منذ سنة، ولكن هو ظروفه صعبة جدّاً , على فكرة هذا الشخص أنا أعرفه عائليّاً وأعرف عائلته وعائلتي على علاقة متينة، أشهد أني أحبه في الله، وواثقة من أنه يبادلني ذات الشعور، ولكن المشكلة أن بابي بدء يُطرق حتى وصل عدد العرسان المتقدمين لي 8، ولكني أرفض في كل مرة لأني وعدته أن أنتظره، أنا الآن حائرة هل ما أفعله حلال أو حرام؟ علما بأني أصلي الفروض والسنن والنوافل والحمد لله , وأقيم الليل فأخاف أن تضيع حسناتي بما أفعل؟ هل الحب الطاهر العفيف حرام؟ وهل حبي حلال أم أنه حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بداية أسأل الله تعالى لك التوفيق والسعادة، وأسأله سبحانه أن يكثر من أمثالك من الفتيات اللاتي يحرصن على العفاف والطهارة، ويلتزمن حدود الله في جميع شؤونهن، ومن أهم ذلك العلاقات العاطفية التي تساهل فيها كثير من الناس، فضيعوا حدود الله، وانتهكوا محارمه، فابتلاهم الله بالمشاكل التي نقرؤها ونسمعها مما فيه العبرة لكل مسلم، بل وكل عاقل.
ثم اعلمي أن المراسلات والاتصالات بين الجنسين باب من أبواب الفتنة، والشريعة مليئة بما يدل على وجوب الحذر من الوقوع في حبائل الشيطان في هذا الباب، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى شابا ينظر إلى فتاة نظراً مجرَّداً لوى عنقه كي يصرف بصره عنها، ثم قال: (رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا) رواه الترمذي (885) وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
لذلك فقد أحسنتِ حين قطعتِ الاتصال بهذا الشاب، ونرجو أن تنقطع المراسلة أيضاً؛ لأن المراسلة من أعظم أبواب الفساد التي فتحت على الناس في هذه الأزمان، وقد سبق بيان ذلك في العديد من الإجابات، وانظري إجابات الأسئلة: (34841) و (45668) .
ولا يعني هذا حرمة ميل الرجل أو المرأة نحو شخص معين يختاره كي يكون زوجا له، يشعر بالمحبة والمودة نحوه، ويعقد العزم على الارتباط به إذا ما تيسر الأمر، فإن المحبة أمر قلبي، تُقذف في قلب المرء بأسباب معلومة أو غير معلومة، إلا أنها إذا كانت بسبب الاختلاط أو النظر أو المحادثة المحرمة أصبحت هي أيضا محرمة، وأما إذا كانت بسبب معرفة سابقة أو قرابة أو سماع عن ذلك الشخص ولم يملك الإنسان دفعها: فلا حرج حينئذٍ من هذه المحبة، بشرط أن تُلتزم فيها حدود الله.
قال ابن القيم رحمه الله:
"إذا حصل العشق بسبب غير محظور: لم يُلَم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له: فهذا لا يلام على ذلك، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره، على أن عليه مدافعته وصرفه " انتهى.
" روضة المحبين " (ص 147) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلق فاضل وذات علم فيرغب أن يتزوجها، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلق فاضل وعلم ودين فترغبه، لكن التواصل بين المتحابين على غير وجه شرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق والظهور، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، ويقول إنه يرغب في زواجها، بل ينبغي أن يخبر وليها أنه يريد زواجها، أو تخير هي وليها أنها تريد الزواج منه، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل: فهذا محل فتنة " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (26 / السؤال رقم 13) .
والنصيحة لك بضرورة الانقطاع عن مراسلة هذا الشاب، وإخباره بأن عليه التقدم لخطبتك من ولي أمرك إن كان يريد الزواج فعلا، ولا يتخذ الظروف المادية أو غيرها عائقاً ومانعاً، فالأمر يسير إن شاء الله، ومن يرضى بالقليل يغنه الله من فضله وسعته، وليكن تقدمه إليك لإقامة العقد الشرعي على الأقل، وإن تأخر الدخول فلا بأس، أما أن يبقى الأمر معلقا على نية المواعدة على الزواج، ثم تستمر المراسلة بينكما على ذلك، فهذا – بحكم الشرع والواقع والتجربة المتواترة – طريق خاطئ وباب إثم وفساد، وتأكدي أنك لن تنالي السعادة إلا بطاعة الله سبحانه، والتقيد بحدود شرعه، وأن في الطرق المباحة غنية وكفاية عن الوسائل المحرمة، ولكننا نضيق على أنفسنا فيضيق الشيطان علينا.
وتأخرك في الزواج فيه ضرر بالغ عليكِ، وقد يتأخر بك السن ولا تتحسن ظروف ذلك الشاب، فلا تتزوجينه ولا تتزوجي غيره، فاحذري من التأخر فليس فيه إلا الضرر، واعلمي أنه قد يكون في أحد من المتقدمين إليك من الدين والاستقامة أكر من ذلك الشاب، وقد يصير بينكما من الحب والمودة أضعاف ما بينك وبين ذلك الشاب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1223)
الاختلاط في بعثات التعليم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذهاب لمأمورِيَّة علمية مع زملاء من الجنسين إلى دول إسلامية وغير إسلامية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم شكر نعمة الله تعالى عليه بالطاعة، والالتزام بأحكام الشرع، والابتعاد عن كل ما يوجب غضب الرب سبحانه وسخطه، والله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده المؤمنين أن ينتهكوا حرماته، والاختلاط المحرَّم واحد من هذه الحرمات.
ماذا سيجني العبد من الاختلاط بالنساء، والسفر معهن، ومحادثتهن، ومعاملتهن، ومشاهدتهن، سوى مرض القلب وفتنة الدين، وكل نفس تعلم في فطرتها أن الجنس الآخر يمثل هدفا وحاجة من حاجاتها، ولكن بعض الناس يسعى إلى حاجته بالحلال، وآخرون يسلكون الحرام.
وقد سبق في موقعنا – والحمد لله – العديد من الأجوبة التي بيَّنَّا فيها حرمة الاختلاط بين الجنسين من حيث العموم، وأن الشريعة جاءت بسد الذرائع، والاختلاط المستهتر هو من أعظم ذرائع الفاحشة.
انظر (1200) (8827) (45883) (47554) (72448)
ولكن يبدو أن الأخ السائل ظَنَّ أن مأمورية التعليم – أو بعثة التعليم – تمثل عذرا شرعيا للاختلاط، ولكن الصواب هو العكس، فإن السفر في مهمة علمية مع زملاء وزميلات يمثل أكبر خطر على دين المرء، وذلك أن السفر خلوة واحتجاب عن أنظار كل من يمكن أن ينكر عليك، والنفس تطمع حينئذ، والشيطان يملي ويُسَوِّل.
كما أن السفر في شأن علمي يستلزم مجالسات طويلة وإعدادات كثيرة، ومناقشات ومداولات في الشأن العلمي الذي خرجتم لأجله، وقد يستغرق النهار كله مع زميلةٍ أو زميل! كما قد يستلزم المؤاكلة والمساكنة ونحو ذلك، وكلما زاد الاختلاط والمماسة بين الجنسين فإن الفتنة والمعصية تكون أعظم وأقرب، ولا أظن عاقلا يجادل في مثل ذلك.
ولعل السائل الكريم يظن في نفسه الخير ويقول: أنا لا يخطر في بالي شيء مما تذكرون!
فنقول له: وكثيرون أيضا، بل أكثر من يقع في حبائل الشيطان، إنما كانت بدايتهم كهذه: تهاون في الاختلاط، والكلام والسلام، ثم ... :
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ
وإن كنت قد تضمن نفسك وقلبك – وفي ذلك مكابرة للحس والعقل – فهل تضمن من معك من الرجال والنساء؟! وخاصة أن النساء فيهن من الضعف ما قد لا ينتبه له الرجال، وإذا خَرَجَت في سفر بعيد – وفي دول تستبيح المعاصي، سواء إسلامية أو غير إسلامية – فذلك ولا شك باب من أعظم أبواب الفساد، ويفتح على القلب من الشر والإثم الأمر العظيم.
وأنت في غِنًى تام عن مثل هذه المأموريات أو البعثات، إذ تستطيع الاعتذار عنها من الجهة التي كلفتك بها، وتكتفي بالحال التي أنت عليها حتى ييسر الله لك بعثة تخلو من الاختلاط، وإن قلت سأخسر منصبا أو درجة علمية! فأقول لك: ولكنك ربحت دينك وقلبك، وشتان بين التجارتين.
وقد تكلم العلماء في حكم السفر إلى بلاد غير المسلمين للدراسة، فكيف لو صاحب ذلك اختلاط فاحش بين المبعوثين من كلا الجنسين؟!
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله كما في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (24/44) :
ما حكم السفر إلى بلاد الكفار للدراسة؟
فأجاب:
" الوصية الحذر من ذلك، إلا إذا كان المسافر عنده علم وبصيرة، يدعو إلى الله، ويعلم الناس، ولا يخشى على دينه؛ لأنه صاحب علم وبصيرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين) رواه الترمذي (1530) ، والله جل وعلا قال في كتابه الكريم عن المسلمين المقيمين بين المشركين وهم لا يستطيعون إظهار دينهم: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) النساء/97-98
وفي الحديث الصحيح: (لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين) رواه النسائي (2521) والمعنى حتى يفارق المشركين.
فالوصية مني لجميع المسلمين الحذر من الذهاب إلى بلاد المشركين والجلوس بينهم، لا للتجارة، ولا للدراسة، إلا من كان عنده علم وهدى وبصيرة، ليدعو إلى الله، وتعلم أشياء أخرى تحتاجها بلاده، ويظهر دينه، فهذا لا بأس به، كما فعل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من الصحابة لما هاجروا إلى الحبشة من مكة المكرمة بسبب ظلم المشركين لهم، وعجزهم عن إظهار دينهم بمكة حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة " انتهى.
وننصحك ـ أخي السائل ـ بقراءة الرسالة النافعة: " تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية، والاختلاط المستهتر " لفضيلة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1224)
حكم مشاركة المرأة في المنتديات ومناقشة الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم مشاركة المرأة في المنتديات؟ وردها على الرجال ومناقشتها مواضيع معهم؟ وهل المزح مع الرجال في المنتديات يعتبر حراما؟ وما حكم استخدام الأيقونات التعبيرية مثل الابتسامات؟ وهل استخدام الرسائل الخاصة بين المرأة والرجل للاستفسار عن أمر أو طلب مساعدة يجوز؟ وهل يجوز للمرأة أن تكتب كلمة هههههه؟ جزاكم الله خيرا جوابي على أسئلتي بدقه حتى أطمئن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للمرأة أن تشارك في المنتديات العامة، إذا تقيدت بالضوابط التالية:
1- أن تكون مشاركتها على قدر الحاجة، فتطرح سؤالها أو موضوعها، وتنصرف، ولا تعلّق إلا على ما لابد منه؛ لأن الأصل هو صيانتها عن الكلام مع الرجال، والاختلاط بهم.
2- ألا يكون في كلامها ما يثير الفتنة، كالمزاح ولين الكلام، والضحك كأن تكتب:
(هههههه) كما في السؤال، أو تستخدم الأيقونات المعبرة عن الابتسامات؛ لأن ذلك يؤدي إلى طمع من في قلبه مرض، كما قال سبحانه: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأحزاب/32
3- تجنب إعطاء البريد، أو المراسلة الخاصة مع أحد من الرجال، ولو كان ذلك لطلب مساعدة؛ لما تؤدي إليه هذه المراسلة من تعلق القلب وحدوث الفتنة غالبا. وراجعي السؤال رقم (34841) ورقم (82460) .
4- والأولى والأفضل ألا تشارك المرأة إلا في المنتديات النسائية، فهذا أسلم لها، وقد كثرت هذه المنتديات، وفيها خير وغنى. وإن احتاجت للمشاركة في منتديات عامة فالأولى أن تختار اسما لا يدل على أنها أنثى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1225)
حكم مخاطبة النساء في العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان أضطر للتخاطب مع بعض النساء ومشافهتهن بحكم العمل وإدارته فهل عليَّ إثم في ذلك؟ وهل عملي في هذه الشركة جائز شرعاً أو يجب عليَّ أن أبحث عن عمل آخر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مما لا شك فيه أن فتنة النساء فتنة عظيمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ما تركتُ بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " – رواه البخاري (4808) ومسلم (2704) -، لذا فإن على المسلم أن يتقي هذه الفتنة بالبعد عن أسباب الوقوع فيها، ومن أعظم ذلك النظر والخلطة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
قال الله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} النور / 30، 31.
فهنا يأمر الله نبيَّه عليه الصلاة والسلام أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا ثم أوضح سبحانه أن هذا الأمر أزكى لهم.
ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها ولا شك أن إطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة.
وهذان الأمران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة الأجنبية كزميلة أو مشاركة في العمل له.
فاقتحامها هذا الميدان معه أو اقتحامه الميدان معها لا شك أنه من الأمور التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج والحصول على زكاة النفس وطهارتها.
وهكذا أمر الله المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها، وأمرهن الله بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها؛ لأن الجيب محل الرأس والوجه.
فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال؟ والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير.
وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنبا إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما يقوم به؟ . انتهى
" خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله ".
والخلاصة: أن العمل إذا كان النظر والخلطة فيه مستمرّاً فالنصيحة لك ترك هذا العمل والبحث عن غيره، أو الانتقال لموقع آخر في نفس العمل يخلو من النساء.
وإن كان العمل ليس فيه استمرار الخلطة والنظر بل يأتي أحياناً في موقع غير موقع عملك: فلا حرج من البقاء في العمل مع غض البصر وقضاء العمل بأخصر وقت، والابتعاد عن أسباب الفتنة ما أمكنك ذلك.
نسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1226)
محتارة في الاختيار بين شخصين للزواج من أحدهما
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت بزيارة إلى أهلي، وفي زيارتي كنت أقيم في بيت خالي، وقد أعجب ابن خالي بي في هذه الفترة، وقد طلبني للزواج، ولكن ما زال غير مؤهل للزواج من الناحية المادية، ولكن هذا الشاب محترم ومؤدب، وفي الوقت نفسه هناك شاب كنت أعرفه من خلال دراستي في الجامعة، وكانت نيته طلب الزواج، وهو قادر على تحمل المسؤولية الزوجية من جميع نواحيها، ولكن ابن خالي متيَّم بي وأنا أحترمه وأكن له المودة والحب، ولكن لا أعرف إن كان حب الزوج أو القرابة؛ وذلك لأن أقاربي لا يسكنون في نفس البلاد التي أقيم فيها، وأنا أفتقر للعطف الاجتماعي في حياتي الاجتماعية وهناك قلة العلاقات الأسرية بين أهلي الموجودين في محيطي، فما العمل؟
وأريد أن أوجه لكم ملاحظة: أن كلا الشابين طموح ويحب التقدم والتنوير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يحسن بنا أن ننبهكِ أولاً إلى ما نعلمه مخالفاً للشرع مما ورد في سؤالك، وهما أمران:
الأول: الدراسة المختلطة، فلا يجوز للمرأة أن تدرس في جامعة مختلطة؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد ومحاذير لا تخفى على أحد، وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط في السؤال رقم (1200) .
وقد جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 156) :
" الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك ". انتهى.
وإنك وإن كنتِ قد أنهيت الدراسة – كما يظهر من كلامك – فإن الواجب عليك التوبة والاستغفار عن تلك المخالفة الشرعية، وبخاصة أن بعض محاذير تلك الدراسة المختلطة قد وقع معكِ، وهو تعرفك على شاب أجنبي عنك، والخلطة معه ومع غيره من الأجانب على مقاعد الدراسة.
وانظري أجوبة الأسئلة رقم: (8827) و (47554)
والثاني: الاختلاط في سكنك في بيت خالك، وقد ظهر أثر هذا الاختلاط في كون ابن خالك قد أعجب بك – على حد قولك – بل وأنه " متيَّم بك "! ووصفك له بأنه " محترم ومؤدب " وأنك تكنين له " المودة والحب "! ، وكل هذا يؤكد حكمة الشرع في منع الاختلاط حتى بين الأقارب؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد لا تخفى.
ولا مانع للمرأة أن تزور أقاربها وأن تقيم عندهم، لكن ينبغي لها الالتزام بالشروط الشرعية من عدم جواز الخلوة بأحد من أقاربها الأجانب عنها، وغض البصر من كلا الطرفين.
وانظري جواب السؤالين (60244) و (13261) ففيهما فوائد مهمة.
ثانياً:
وأما بالنسبة لاختيارك زوج المستقبل: فإنه لا بدَّ من توافر مواصفات مهمة في الزوج حتى تكون حياة الزوجة معه هنيئة طيبة، ويمكنك الوقوف على هذه المواصفات في جواب السؤال رقم (5202) ، ومن رأيته – بالتعاون مع أهلك – صالحاً لك – ولو كان غير هذين الرجلين – فلا تترددي في الموافقة على الزواج منه.
وننبهك إلى ضرورة الاستخارة قبل الموافقة على أحدٍ ممن يتقدم للزواج منك، وتجدين تفصيل حكمها وكيفيتها وفوائدها في جواب السؤال رقم (2217) .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن ينعم عليك بزوج صالح وذرية طيبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1227)
مضطرة للتعليم المختلط فهل لها أن تشرح وتحاور أمام الذكور؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة جامعية أدرس في جامعة مختلطة وأنا مجبرة على ذلك. يطلب بعض المدرسين منا المشاركة في الحوار والشرح بوجود الذكور من الشباب داخل المحاضرة. فما رأيكم بهذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للمرأة أن تعمل أو تدرس في جامعة مختلطة، لما يترتب على ذلك من مفاسد ومحاذير لا تخفى على أحد، وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط في السؤال رقم (1200) .
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/156) : " الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك " انتهى.
ولا تجب طاعة الوالدين في الدراسة المختلطة؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية , إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري (7257) ، ومسلم (1840) .
ثانيا:
يجوز للمرأة أن تتكلم بحضرة الرجال الأجانب للحاجة، بشرط أن يكون كلامها فصلا جادا، لا خضوع فيه، ولا فتنة، ولا إثارة، فصوتها ليس عورة على الصحيح من قولي العلماء؛ فقد كان النساء يكلمن النبي صلى الله عليه وسلم ويسألنه، وكن يكلمن الصحابة في حاجتهن، ولم ينكر ذلك عليهن. وإنما نهين عن الخضوع بالقول، كما قال تعالى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الََّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا) الأحزاب/32.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: " أمرهن الله أن يكون قولهن جزلا، وكلامهن فصلا، ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين، كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه، مثل كلام المريبات والمومسات، فنهاهن عن مثل هذا " انتهى.
وقال في "مغني المحتاج" من فقه الشافعية (4/210) : " وصوت المرأة ليس بعورة، ويجوز الإصغاء إليه عند أمن الفتنة، وندب تشويهه إذا قُرع بابها فلا تجيب بصوت رخيم، بل تغلظ صوتها بظهر كفها على الفم " انتهى.
وقال في "كشاف القناع" من كتب الحنابلة (5/15) : " وصوتها - أي: الأجنبية - ليس بعورة، قال في الفروع وغيره: على الأصح , ويحرم التلذذ بسماعه , ولو كان بقراءةٍ، خشية الفتنة " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/202) : " صوت المرأة نفسه ليس بعورة، لا يحرم سماعه إلا إذا كان فيه تكسر في الحديث، وخضوع في القول، فيحرم منها ذلك لغير زوجها، ويحرم على الرجال سوى زوجها استماعه؛ لقوله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقّيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الََّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا) " انتهى.
هذا هو الأصل والضابط في كلام المرأة مع الرجال، ولكن من ابتليت بالدراسة في جامعة مختلطة، فإن عليها أن تقلل الشر ما أمكن، فلا تتحاور مع الرجال، ولا تعطي مجالا للحديث معها أو التعرف عليها، ولو أدى ذلك إلى نقص درجتها أو تقديرها، فإن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح. وعليها أن تتستر بالستر الكامل، حتى لا يرى منها وجه ولا كف، ولتقلل من الحضور ما أمكنها ذلك، حتى يجعل الله لها مخرجا وفرجا.
وراجعي السؤال رقم (8827) ، ورقم (47554) .
نسأل الله أن يوفقك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1228)
الصداقة والعشق بين الرجل والمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري خمسة عشر سنة وأعلم بأن اتخاذ عشيقة قد يدمر العائلة ولكن ماذا إذا كنا أصدقاء فقط بالسر ولا يدري بنا أحد، بهذه الطريقة أضمن أن نبقى سويّاً ولا نقترف جريمة الزنا حتى موعد الزواج. هل هناك حالة كهذه في قصص الحب القديمة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً:
ليس اتخاذ العشيقة مدمِّراً للأسرة فحسب، بل هو مدمِّر للمجتمعات، وأهله متوعدون بعذاب الله وسخطه وانتقامه، فالعشق مرضٌ يدمر قلب أهله، ويقودهم إلى الفحشاء والمنكر، ولا يزال الشيطان ينصب حبائله ويمهد الطرق حتى تقع الفاحشة فينال كل واحد مبتغاه من صاحبه.
وفي هذا الأمر من المحاذير الشيء الكثير، فمنه الاعتداء على أعراض الناس، وخيانة الأمانة، والخلوة، والملامسة، والتقبيل، والكلام الفاحش، ثم الفاحشة العظيمة التي تكون في نهاية هذا الطريق وهي فاحشة الزنا.
وقول السائل " ولا يدري بنا أحد " من العجائب، فهل غفل عن ربه تعالى الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ .
فالنصيحة لك أخي السائل وأنت لا زلت في أول شبابك أن تلتفت لنفسك فتربيها على طاعة الله تعالى ومراقبته، وأن تتقي الله في أعراض الناس، وأن تعمل ليومٍ تلقى فيه ربَّك بأعمالك، وأن تتذكر فضيحة الدنيا والآخرة، وأن تعلم أن عندك أخوات وسيكون عندك زوجة وبنات فهل ترضى لواحدة منهن ما تفعله أنت ببنات المسلمين؟ الجواب: قطعا أنك لا ترضى، فكذلك الناس لا يرضون، واعلم أنك قد ترى نتائج معاصيك هذه في بعض أهلك عقوبة لك من ربك تبارك وتعالى.
عليك بالصحبة الصالحة، وعليك بإشغال نفسك بما يحب الله ويرضى، واهتمَّ بمعالي الأمور وعاليها، ودعك من رذائل الأمور وسوافلها، ولتستغل شبابك هذا في طاعة الله، وفي طلب العلم والدعوة إلى الله، ولتعلم أن من كان في سنك بل وأصغر منه كانوا رجالاً يحفظون القرآن، ويطلبون العلم، ويبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم دعاةً إلى الله وإلى الدخول في دين الإسلام.
وننصحك بالزواج من امرأة صالحة متدينة تحفظ لك دينك وتحثك على الالتزام بشرع الله تعالى، وتحفظ لك أولادك وتربيهم على الخلق والدين، ودع عنك من رضيت لنفسها أن تخرج مع أجنبي يحرم عليها مقابلته والحديث معه، ومن رضيت لنفسها هذا فما الذي سيمنعها منه مستقبلاً؟ .
وتذكر أنك تغضب ربك تعالى بمثل هذه المعاصي من الخلوة واللقاء والحديث والكلام، وما بعد ذلك من الوقوع فيما هو أعظم.
واعلم أن الزنا ليس فقط في الفرج، بل العين تزني، والأذن تزني، واليد تزني، والرِّجل تزني، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك تمهيد لزنا الفرْج، فلا يغرنك الشيطان، فإنه عدو لك يريد لك الشر والسوء ويأمرك بالفحشاء والمنكر.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين:
التواصل بين المتحابين على غير وجهٍ شرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق والظهور، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، ويقول إنه يرغب في زواجها، بل يخبر وليها أنه يريد زواجها، أو تخبر هي وليها أنها تريد الزواج منه، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما.
وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل فتنة.
" أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 868) .
ثانياً:
أما عن سؤالك عن وجود مثل هذه العلاقات المحرمة في قصص الحب القديمة فإن وجودها عند السابقين لا يمكن أن يستدل بها على حكم شرعي لأن الأحكام الشرعية المتعلقة بالتحريم والإباحة للشيء تؤخذ من الدليل الشرعي من الكتاب والسنة وما فيها من أمر أو نهي.
وبعض من نقلت عنه هذه القصص كان قبل الإسلام كعنترة وغيره، ويوجد مثل هذا في كل الثقافات الأخرى كما هو معلوم، وهذا لا يمكن أن يؤخذ منه حكم شرعي لأن الإسلام جاء لإخراج النفس من شهوتها لعبودية الله رب العالمين.
نسأل الله لك الهداية والتوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1229)
هل يجوز للمرأة ركوب المصعد مع رجل أجنبي وحدها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ركوب المصعد مع رجل أجنبي (كلانا فقط) ؟ وهل هناك فرق في الحكم بين المصعد المفتوح؟ العادي المغلق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرم الله تعالى خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي (1171) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى البخاري (1862) ومسلم (1341) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) .
ونقل النووي رحمه الله في شرح مسلم (14/153) إجماع العلماء على تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه. وكذا نقله الحافظ في الفتح (4/77) .
والخلوة هي الانفراد، فمعنى خلوة الرجل بالمرأة: أي: اجتماعهما في مكان منفردين ليس معهما أحد.
وهذا المعنى ينطبق على ركوب المرأة مع رجل أجنبي عنها، وليس معها أحد، سواء كان مفتوحاً أم مغلقاً.
وعلى هذا، فلا يجوز ركوب المرأة وحدها مع رجل أجنبي عنها في المصعد، فإن كان معها امرأة أخرى أو أكثر فلا حرج من الركوب، لانتفاء الخلوة حينئذ.
فإن كان معها رجال ونساء، فلا حرج أيضاً من الركوب إذا كان المصعد واسعاً، لا تضطر فيه إلى ملامسة الرجال والاحتكاك بهم، فالأسلم للمرأة المسلمة في هذه الحالة أن تصعد على السلم العادي على أرجلها، وتحتسب المشقة التي تجدها في ذلك، وأنها إنما تفعل ذلك بعداً عما حرمه الله، وعن الفتنة وأسبابها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1230)
الجلوس إلى جانب النساء في وسائل المواصلات اضطرارا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم جلوس الرجال إلى جانب النساء في وسائل النقل مع العلم أنهم مضطرون لذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلاط الرجال بالنساء في وسائل المواصلات أو العمل أو الدراسة، محرم؛ لما يترتب عليه من مفاسد عظيمة لا تخفى، وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط في جواب السؤال (1200) .
ثانيا:
إذا اضطر الإنسان لركوب وسيلة من وسائل المواصلات المختلطة، فعليه أن يتقي الله تعالى ما استطاع، ويغض بصره عن الحرام، ويتجنب الجلوس بجوار النساء، مهما أمكنه ذلك، ولو بالوقوف على قدميه، ابتغاء مرضاة الله تعالى، وتجنبا للفتنة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (اتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) رواه مسلم (2742) .
وقوله: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) رواه البخاري (5096) ومسلم (2740) .
وقد يتفادى الإنسان هذا الجلوس بتبديل مقعده، ونحو ذلك (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3.
ثالثاً:
إذا اضطر الإنسان للركوب ولم يستطع تغيير المكان، ولا تغيير السيارة، ولا الوقوف على قدميه لكونه أشد زحاماً وملامسة للنساء، فلا حرج عليه حينئذ من الجلوس بجوار امرأة على أن يبتعد عنها بقدر المستطاع.
وإذا خاف على نفسه الفتنة وبدأ الشيطان يوسوس له وأشغل فكره فالواجب عليه أن ينزل فورا مهما ترتب على ذلك من تأخير للعمل أو الدراسة، لأنه ليس هناك أغلى على المرء من دينه ليحافظ عليه.
وقد سألنا فضيلة الشيخ ابن جبرين عن حكم الجلوس بجانب امرأة في وسيلة المواصلات، فأجاز ذلك بقدر الضرورة وبقدر الحاجة إذا أُمنت المفسدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1231)
لا يوجد في بلده مدارس غير مختلطة وقد بقي على دراسته أشهر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم وقد نشأت في كندا وأعيش فيها الآن. وأنا أتعلم في مدرسة كافرة مختلطة (في الصف الثالث الثانوي) . ومع أني قرأت في موقعكم أن المدارس المختلطة حرام (وأنا لا أشك في ذلك شخصيا) إلا أن المدرسة الإسلامية الوحيدة من منطقتي هي مختلطة أيضا. وأنا لم أكن أعلم بأن المدارس المختلطة حرام في الشريعة الإسلامية. كما أن والدتي ستتأثر كثيرا إن أنا تركت هذه المدرسة الكافرة. وسؤالي هو: هل يجوز لي أن أكمل تعليمي الثانوي في هذه المدرسة حيث علي الاستمرار في الدراسة فيها 5 أشهر إضافية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأصل أنه لا يجوز لأحد أن يدرس في المدارس المختلطة؛ لما ينشأ عن الاختلاط من مفاسد ومحاذير لا تخفى على أحد.
ثانيا:
إذا دعت الضرورة أو الحاجة الماسة إلى الدراسة، ولم توجد غير المدارس المختلطة، فلا حرج عليك في مواصلة دراستك، مع التزام غض البصر، والبعد عن أسباب الفتنة، ومراقبة الله تعالى في السر والعلن.
قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله في شأن من ابتلي بهذه الدراسة المختلطة: " وعليهم أن يحرصوا على غضّ البصر، وعلى تحصين أنفسهم والبعد عن المغريات التي توقع في الحرام، وإذا لاحظ أن نفسه بدأت تنزلق في محرم امتنع عن الحضور. انتهى من جواب السؤال رقم (6118) .
نسأل الله لك الثبات والتوفيق في القول والعمل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1232)
مسلمة متعلقة بشاب هندوسي وتريد أن تنساه
[السُّؤَالُ]
ـ[مضى علي 7 أعوام وأنا أحب شابا. وهو يعارض ديني حيث إنه هندوسي. وبعد محاولات كثيرة تمكنت من إقناعه بالإسلام، وقد وافق، لكنه غير رأيه الآن وأخذ يسيء إلي بصورة مستمرة كما أنه يتجاهلني لأنه غني. وأظن أن علي أن أتركه، لكني لا أقدر على ذلك لأني أحبه كثيرا وأخاف من تركه. لقد اهتم بي منذ 4 سنوات، فأنا أقيم بمفردي بعيدا عن أهلي من أجل الدراسة. أرجو أن تقترحوا علي دعاءً قويا كي أنجح في وظيفتي وحتى أنسى بالكلية هذا الشخص الذي يداوم على إيذائي وتجاهلي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجب أن تبادري بالتوبة إلى الله تعالى، والتضرع إليه أن يغفر لك ويتجاوز عنك، فقد أسأت لنفسك ولدينك، وقضيت هذه الفترة الطويلة من عمرك في معصية الله، وزين لك الشيطان سوء عملك، وزعمت أنك تريدين دعوة هذا العابث إلى الإسلام، وكان عليك أن تدعي نفسك إلى تقوى الله تعالى والخوف منه والحذر من عقابه.
وإنها والله لبلية عظيمة أن يفرط الآباء والأمهات في حفظ بناتهم، ويتركونهن عرضة للذئاب المفترسة، بحجة الدراسة، فأين الغيرة يا أهل الإسلام، وأين أنتم من الأمانة التي ستسألون عنها غدا بين يدي الله؟
إن بقاءك بعيدة عن أهلك كان بداية الشر، ثم تعرفك على هذا الشاب، ومحبتك له، ثم تعلقك به، حتى صرت تخافين من تركه والبعد عنه، كل هذا مما يجب أن تتوبي منه إلى ربك، قبل أن يفجأك الموت وأنت على هذه الحال، واحمدي الله تعالى أن في قلبك بقية من الحياة، دعتك إلى أن تسألي، وتحاولي الخروج من هذا البلاء العظيم، نسأل الله أن ينقذك وأن يسلمك.
ثانيا:
إن أمامك خطوات لابد منها لتتخلصي من هذه العلاقة الآثمة، التي قد توردك المهالك في الدنيا والآخرة:
1- أن تعزمي عزما أكيدا على قطع هذه العلاقة، خوفا من الله تعالى، ورجاء أن يغفر لك ما مضى، وليس لأن الشاب قد تجاهلك وآذاك، بل لأن ربك العظيم له حق عليك، وأنت مؤمنة يجب أن تسعي لمرضاته والبعد عن مخالفته.
2- أن تقطعي كل وسيلة للاتصال بينكما، وأن تغيري محل إقامتك إن استطعت، بل أن تعودي إلى أهلك حتى ييسر الله لك الانشغال عنه ونسيانه، وثبات قلبك على تركه.
3- أن تنشغلي بطاعة الله تعالى، من المحافظة على الصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن، فإن النفس إن لم تشغليها بالطاعة، شغلتك بالمعصية. والشيطان قريب من العبد المقصر المفرط في عبادته ودينه.
4- أن لا تفكري في شأن هذا الشاب مطلقا، ولا في مسألة دعوته إلى الإسلام، فإن هذا من مداخل الشيطان، ليوقعك في غضب الله وسخطه.
5- أن تتذكري انتماءك لهذا الدين العظيم، فلا تشمِّتي به هذا الفاجر، وأن تعلمي أنه واجب على كل مسلم أن يتبرأ من الكافرين، وألا يكون في قلبه مودة لأحد منهم، كما قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22.
6- أن تبحثي عن بعض الصديقات الصالحات، ليكنّ عونا لك على طاعة الله، وحاجزا بينك وبين معصية الله، وأن تكثري من سماع أشرطة المواعظ والرقائق، عن الجنة والنار والموت وعذاب القبر، ليزداد يقينك، ويعظم خوفك، وتدركي حقارة الدنيا وما فيها، وعظمة الآخرة وما أعد الله لأهلها.
7- أن تكثري من دعاء الله تعالى وسؤاله أن يصرف عنك السوء، وينجيك من الفتن، ومن ذلك أن تقولي: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي. اللهم طهر قلبي وحصن فرجي، اللهم اصرف عني كيد الشيطان. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. والمهم أن يكون ذلك بتضرع وتذلل وحضور قلب، وأن تختاري أوقات الإجابة، كما بين الأذان والإقامة، وأثناء السجود، وفي الثلث الأخير من الليل، وليس المهم أن يكون الدعاء بألفاظ محفوظة، ولكن سلي الله حاجتك باللغة التي تستطيعين، معلنة فقرك وحاجتك إلى الله، سائلة له أن ينقذك، ويطهرك، ويصرف عنك السوء، ويسترك بستره الجميل في الدنيا والآخرة.
نسأل الله تعالى أن يهديك، ويتوب عليك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1233)
شباب وفتيات يقومون بأعمال الخير فهل يجوز اللقاء بينهم لتنظيم العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مجموعة من الشباب من الجنسين يقومون بالأعمال الخيرية مثل زيارة الأيتام والمرضى وإطعام الفقراء.... ويكون التعامل المباشر بينهم في حدود تنظيم العمل الخيري. فهل يجوز اللقاء بينهم في هذه الأعمال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القيام بالأعمال الخيرية، من زيارة الأيتام والمرضى وإطعام الفقراء، أمر عظيم دعت إليه الشريعة، ورغبت فيه، ورتبت عليه ثوابا جزيلا، وأجرا كبيرا، قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) الإنسان/8- 12.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) رواه البخاري (5304) ومسلم (2983) .
وروى أحمد (7260) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ: (إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ) والحديث حسنه الحافظ في الفتح (11/151) ، والألباني في صحيح الجامع برقم (1410) .
وروى مسلم (2568) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ جَنَاهَا) أي: ثمارها، قال النووي رحمه الله: "أي يؤول به ذلك إلى الجنة، واجتناء ثمارها".
وروى الترمذي (969) عن عَلِيٌّ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والخريف هو البستان.
إلى غير ذلك من النصوص المشهورة في فضل هذه الأعمال.
ولا حرج على المرأة أن تباشر هذه الأعمال، فتحسن إلى الأيتام، وتطعم الفقراء، وتزور المريضات من النساء، ما دامت متمسكة بما أمر الله تعالى من الحجاب والستر وعدم الاختلاط بالرجال، بل هذا مستحب مندوب في حقها.
ولا شك أن للمرأة دورا عظيما في هذا المجال، فإنها تستطيع التعرف على الأسر الفقيرة، وإيصال المساعدات إليها، والتعاون مع أخواتها المسلمات وتشجيعهن على البذل والعطاء في هذا المجال، لكن لا مسوغ ولا مبرر لمقابلتها الرجال الأجانب، بحجة تنظيم العمل الخيري، أو مباشرته، بل يكفيها أن تعمل مع مثيلاتها من النساء، وأن يعمل الرجل مع الرجال، سدا للذريعة، ومنعا لحدوث الفتنة بها أو لها.
وإن لزم الأمر في تعاون الرجال مع النساء في هذا المجال، فليكن عبر زوجات هؤلاء الرجال أو بعضهن، فيقمن بالاتصال بالنساء وتنظيم العمل معهن.
وإذا كان هؤلاء الشباب غير متزوجين، فالفتنة هنا أعظم، والخطر أكبر، وهو من "خطوات الشيطان" التي حذرنا الله منها، كما قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21، ولا شك أن لقاء الشاب بالشابة أو الرجل بالمرأة، ولو بحجة تنظيم العمل الخيري، هو من خطوات الشيطان، التي قد تجر إلى ما هو أكبر وأعظم.
وقد حدث بسبب ذلك من القصص والمآسي الكثير والكثير، والعاقل هو من يعتبر بغيره، لا من يكون عبرة لغيره.
فعلى هؤلاء أن يتقوا الله تعالى، وأن لا يخلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً، وأن يبتعدوا عن أسباب الفتنة والانحراف، وأن يحذروا من مكر الشيطان وتلبيسه.
نسأل الله أن يعيذنا جميعا من فتنة القول والعمل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1234)
حكم مصافحة المرأة العجوز والطفلة الصغيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أنه لا يجوز المصافحة باليد مع المرأة الأجنبية، ولكن إذا كانت طفلة 5 سنوات أو امرأة عجوزاً فهل يجوز مصافحتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045) .
ولا فرق بين أن تكون المرأة شابة أو عجوزا؛ لعموم هذا الحديث.
"الموسوعة الفقهية" (29/296) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز للمرأة المسنّة العجوز مصافحة الرجل الأجنبي عنها؟
فأجابت: " لا يجوز للمرأة المسنة – العجوز – ولا غيرها من النساء مصافحة الرجل الأجنبي عنها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لا أصافح النساء) رواه مالك وابن ماجه وأحمد والنسائي، وهذا يعم الكبيرة والصغيرة؛ لخوف الفتنة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (17/47) .
وأما الصغيرة التي لا تُشتهى، ممن دون سبع سنين فلا حرج في النظر إليها ومصافحتها.
قال في "الإنصاف" (8/23) : " لا يحرم النظر إلى عورة الطفل والطفلة قبل السبع , ولا لمسها. نص عليه (الإمام أحمد) . ونقل الأثرم في الرجل يضع الصغيرة في حجره ويقبلها إن لم يجد شهوة. فلا بأس " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1235)
حكم دراسة الطب والعمل في المستشفيات مع وجود الاختلاط
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن طلاب العلم في كلية علوم الطب نسأل عن حكم الشرع في نظركم للعمل في مستشفيات مختلطة يعالج فيه الطبيب النساء والرجال على السواء مع إمكانية تجنب الخلوة المحرمة، وكل المستشفيات في بلدنا تعمل بهذا النظام، فما يمكن تجنب المسلم العمل كطبيب في مستشفيات أخرى للرجال فقط لعدم وجودها أصلا في بلدنا، وقد رأى بعضنا أن ترك عمل الطبيب المسلم بسبب هذا النظام السالف الذكر الذي ما يمكن رده فيه تعطيل لمصالح العباد ووقوع مفاسد أعظم من العمل في المستشفيات. وإننا في حرج شديد من أمرنا هذا ولم نجد جوابا مقنعا لهذا السؤال فعسى أن يهدينا الله للصواب على أيديكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكر لكم اهتمامكم وحرصكم على معرفة الحكم الشرعي في هذه المسألة التي عمت بها البلوى، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل.
ثانيا:
لا يجوز للطبيب الرجل أن يعالج المرأة إلا عند تعذر وجود طبيبة مسلمة أو كافرة، وقد صدر بهذا قرار من مجمع الفقه الإسلامي ونصه:
" الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته وألا يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة.
ويوصي بما يلي:
أن تولي السلطات الصحية جُلَّ جهدها لتشجيع النساء على الانخراط في مجال العلوم الطبية والتخصص في كل فروعها، وخاصة أمراض النساء والتوليد، نظراً لندرة النساء في هذه التخصصات الطبية، حتى لا نضطر إلى قاعدة الاستثناء " انتهى نقلا عن "مجلة المجمع" (8/1/49) .
وهذا ما اعتمدناه في الإجابة عن الأسئلة الواردة بهذا الخصوص، انظر مثلا جواب السؤال رقم (2152) ، ورقم (20460) .
ثالثا:
إذا ابتلي المسلمون في بلد ما، بكون جميع المستشفيات مختلطة، فهذا واقع استثنائي مؤلم، يتعذر معه تطبيق الضوابط السابقة؛ إذ لابد للنساء أو لجماعة كبيرة منهن من الذهاب إلى هذه المستشفيات، وعرض أنفسهن على الأطباء الرجال، ولا شك أن القول بمنع الأطباء الصالحين من العمل في هذه المستشفيات، يعني أن يخلو المكان لغير الصالحين، ممن لا يراقب الله تعالى في عمله ولا في نظره ولا في خلوته، كما يعني حرمان هؤلاء الأطباء من فرص العمل، أو تفريغ كليات الطب من أهل الدين والاستقامة، ولاشك أن هذه مفاسد عظيمة، تزيد على مفسدة اطلاع الرجل على عورة المرأة، التي يباح كشفها للحاجة والضرورة.
فالذي يظهر لنا ـ والله أعلم ـ أنه لا حرج عليكم في العمل في هذه المستشفيات، مع السعى الجاد في تغيير هذا الواقع، بإنشاء العيادات والمستشفيات الخاصة، غير المختلطة، وبذل الجهود لإقناع المسئولين والتأثير عليهم لتخصيص بعض المستشفيات للنساء، والالتزام بالضوابط الشرعية الممكنة من عدم الخلوة، وقصر النظر على موضع الحاجة، على ما هو مبين في جواب السؤال رقم (5693) .
وجوابنا هذا مبني على أمرين:
الأول: ما هو مقرر عند أهل العلم من أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنه ترتكب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما.
والثاني: - وهو متفرع عن الأول - ما أفتى به بعض أهل العلم من جواز تولي الوظائف الممنوعة؛ لتخفيف الشر ما أمكن، ومن ذلك ما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن يتولى الولايات، ويُلزم بأخذ المكوس المحرمة من الناس، لكنه يجتهد في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه، ويخفف من المكوس ما استطاع، ولو ترك الولاية لحل محله من يزيد معه الظلم، فأفتى رحمه الله بأنه يجوز له البقاء في ولايته، بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه، إذا لم يشتغل بما هو أفضل منه، وقال: " وقد يكون ذلك واجبا عليه إذا لم يقم به غيره قادرا عليه. فنشر العدل بحسب الإمكان، ورفع الظلم بحسب الإمكان فرض على الكفاية، يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك إذا لم يقم غيره في ذلك مقامه ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/356- 360) .
ومعلوم أن أخذ المكوس محرم تحريما شديدا، وهو من كبائر الذنوب، لكن لما كان في تولي هذا المسلم الصالح تخفيف للشر، والتقليل منه بحسب الإمكان، جاز ذلك.
وقد علق الشيخ ابن عثيمين رحمه على كلام لشيخ الإسلام قريب من هذا بقوله: " والمصالح العامة يجب مراعاتها، لو مثلا تركنا مسألة الطب، وصار أهل الخير لا يتعلمون الطب، قال: كيف أتعلم الطب وإلى جانبنا نساء ممرضات ومتعلمات ومطبقات لمعلومات؟ نقول: هل أنت إذا امتنعت عن هذا هل سيبقى الجو فارغا؟ سيأتي أناس خبثاء يفسدون في الأرض بعد إصلاحها، وأنت ربما إذا اجتمعت أنت والثاني والثالث والرابع، ربما في يوم من الأيام يهدي الله ولاة الأمور ويجعلون النساء على حدة والرجال على حدة " انتهى من "شرح كتاب السياسة الشرعية" ص 149
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: نحن مجموعة أطباء نعمل في الرياض، ويكون علينا مناوبات يكون فيها مرضى ذكور وإناث، وأحيانا تشتكي المريضة وتكون الشكوى مثلا الصداع أو وجع في البطن، ويقتضي العمل الطبي حتى يكون تاما أن يتم الفحص: يقتضي أخذ المعلومات عن سبب الصداع، يقتضي أن يفحص البطن أو الرأس أو غيرها حتى لا يكون عليه مسئولية، ولو لم يكن من فحص قد لا تتضرر المريضة كثيرا، يعني هناك مجال للتهرب منها، لكن حتى يقيم الحالة تقييما تاما يقتضي أن يفحص ...
فأجاب:
"الواجب على إدارة المستشفى أن تلاحظ هذا وأن تجعل المناوبة بين الرجال والنساء حتى إذا احتاج النساء المرضى أن يُعالجن أو يفحصن أُرسل إليهن النساء، فإذا لم تقم الإدارة بهذا الواجب عليها ولم تبال فأنتم لا حرج أن تفحصوا النساء، لكن بشرط ألا يكون هناك خلوة أو شهوة، وأيضا يكون هناك حاجة إلى الفحص، فإن لم يكن حاجة وأمكن تأخير الفحص الدقيق إلى وقت تحضر فيه النساء فأخروه، وإذا كان لا يمكن فهذه حاجة ولا بأس بها " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح " (1/206) .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه سميع قريب مجيب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1236)
على علاقة بامرأة لا يريد أن يلزمها بالحجاب ولا يريد أن يفارقها
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت منذ 4 سنوات، وكان ذلك هو أفضل ما يمكن أن يحصل لي في حياتي. وأنا لا أزال أتذكر (أني كنت أتمنى) الزواج من محجبة. أنا على علاقة بمسلمة لديها دراية بأمور الإسلام. أعلم أنه يمكنني أن أحكم على نفسي وحدي وأن علي الاهتمام بتصرفاتي وسلوكي، لكني كنت أتمنى أن تكون علاقتي مع امرأة محجبة. أظن أن علي ببساطة أن أتركها، لكني لا أريد ذلك، ولا أريد أن أحاول حملها على ارتداء الحجاب، فالمسألة راجعة لها وحدها. هل عندك أي شيء يمكنني فعله أو قولها لها مما قد يساعدها في ارتداء الحجاب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك، وشرح صدرك للإسلام، ونهنئك على ذلك، ونرجو لك مزيدا من الطاعة والاجتهاد في العلم والمعرفة.
ثانيا:
الحجاب واجب، أوجبه الله تعالى على المرأة، صيانة لها وللمجتمع من الانحراف والفساد الذي ينشأ عن الاختلاط وكشف العورة وإطلاق البصر. وهو فضيلة عظيمة يدل على حياء المرأة وعفتها وسلامة فطرتها.
وينبغي أن تظل على ما كنت عليه من الرغبة في الزواج بصاحبة الحجاب، المتدينة العفيفة، التي تكره مخالطة الرجال، وتأنف من نظرهم إليها وتأملهم في محاسنها.
وهذه المرأة التي أشرت إليها في سؤالك: إن كانت صاحبة دين وخلق، تصلي وتصوم، وتطيع الله تعالى، إلا أنها مقصرة في أمر الحجاب، فلا حرج عليك في الزواج منها، بعد دعوتها إلى الحجاب، والتزامها به.
وليس المطلوب منك الآن أن تحملها على الحجاب، لكن المطلوب هو دعوتها إليه، وترغيبها فيه، أما الزوج فإنه مسئول عن زوجته، يأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر، ولا يجوز له أن يدع زوجته تخرج أمام الرجال بلا حجاب؛ لأن هذا من المنكر الذي يجب عليه إنكاره، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (893) ومسلم (1829) .
ثالثا:
ما ينبغي أن يقال لهذه المرأة: هو تذكيرها بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا فلاح ولا سعادة إلا في ظل هذه الطاعة، التي تعد مقياسا لدرجة محبة الإنسان لربه، ولنبيه صلى الله عليه وسلم. فعلى قدر هذه المحبة يكون التطبيق والامتثال.
وكيف تسمع المسلمة أمر الله تعالى بالحجاب في قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) الأحزاب/59، وقوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ... ) النور/31.
كيف تسمع المسلمة هذه الأوامر، ثم تظل مخالفة لها، مبتعدة عنها، تصبح وتمسي وهي تعصي الله تعالى، وتعصي رسوله صلى الله عليه وسلم؟
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه المعاصي وبَيَّن أنها تفسد القلب، وتغيره، وتحجب نوره، فقال: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا، حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) رواه الترمذي (3334) وابن ماجة (4244) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وبيّن حال المرأة المتبرجة وعذابها ومصيرها فقال: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ، يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) رواه مسلم (2128) .
وماذا ستقول هذه المسلمة لربها، إن قبض روحها الآن، وهي تعصيه وتخالفه؟ وما هي الأعذار التي يمكن أن تعتذر بها؟
أمَا إنه لا يغني عن الإنسان جماله، ولا ماله، ولا أصحابه، ولا ينفعه إلا عمله الصالح.
وما أيسر الحجاب، لو تأملت المرأة العاقلة! إنه لا يحتاج إلا لقرار حازم، تعلن فيه المرأة أنها محبة لله، راغبة فيما عنده، مؤثرة له على كل هوى وفتنة، وستجد بعدها كم هو جميلٌ هذا الحجاب، وكم هو الفرق بين السترِ والتكشف.
رابعا:
لا يجوز للرجل أن يقيم علاقة مع امرأة أجنبية عنه، ولو كان بنية الزواج منها، لما تؤدي إليه هذه العلاقات –غالبا- من محرمات، كالنظر والخلوة واللمس وتعلق القلب وغير ذلك.
وعلى كل مسلم أن يعلم أن الله تعالى مطلع عليه، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأن الزواج الناجح السعيد لا يبنى على معصية الله. فبادر بقطع علاقتك بهذه المرأة، ودلها على بعض الصالحات من زوجات أصدقائك وإخوانك، ليكنّ لها عونا على طاعة الله.
ولعلها بمقاطعتك لها، تفكّر في أمرها، وترتدي الحجاب وتستقيم على الطاعة، فتكون زوجة صالحة لك.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لاختيار الزوجة الصالحة المطيعة لله، وأن يوفق هذه الأخت إلى ارتداء الحجاب، ولزوم الحق والصواب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1237)
هل يتزوجان ويتفقان على عدم المعاشرة حتى تتحسن حالتهما المادية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في حالة ما إذا أعجب مسلم بفتاة مسلمة وقرر كل منهما إتمام عقد النكاح وهما يعلمان أنه (الشاب) لا يزال يدرس وأنه لا يملك حتى الآن ما يكفي للنفقة عليها، وهما موافقان على الامتناع عن المعاشرة إلى أن تتحسن حالتهما المادية بما يكفي لإقامة عائلة. فهل يجوز ذلك في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج سبب من أسباب الرزق، كما قال الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32.
قال القرطبي رحمه الله: " الأيامى منكم أي الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء "
وقال: " قوله تعالى: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) أي لا تمتنعوا عن التزويج بسبب فقر الرجل والمرأة، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله. وهذا وعد بالغنى للمتزوجين طلب رضا الله واعتصاماً من معاصيه. وقال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، وتلا هذه الآية. وقال عمر رضي الله عنه: عجبي ممن لا يطلب الغنى في النكاح، وقد قال الله تعالى: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) . وروي هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً "
وقال القرطبي أيضا: " هذه الآية دليل على تزويج الفقير، ولا يقول كيف أتزوج وليس لي مال؟ فإن رزقه على الله. وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي أتته تهب له نفسها لمن ليس له إلا إزار واحد " انتهى من "تفسير القرطبي" (12/218) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) رواه الترمذي (1579) والنسائي (3166) وابن ماجه (2509) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
فإذا كان هذا الشاب سيعقد النكاح، وتبقى زوجته في بيت أبيها، حتى يتيسر لهما إقامة بيت الزوجية، فلا حرج في ذلك، وعليه أن يسعى لتحصيل عملٍ ينفق منه على نفسه وأهله وبيته، حتى لا تتضرر الزوجة ولا يتضرر أهلها بطول المدة.
وإن كان المراد أن زوجته ستنتقل إلى بيته، وقد اتفقا على عدم المعاشرة، حتى لا ينجبا في هذه المرحلة، فهذا لا ينبغي لأمور:
1- أن الامتناع عن المعاشرة فيه تفويت لشيء هو من أهم مصالح النكاح وهو حصول الولد.
2- أن الامتناع عن الإنجاب خشية الفقر ينافي التوكل على الله تعالى، وفيه مشابهة لأهل الجاهلية الذي كانوا يقتلون الأولاد خشية الفقر، وقد تكفل الله تعالى برزق كل نفس فقال: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) هود/6، وقال: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) الذاريات/22.
وهنا ينبغي التنبيه على أمرين:
الأول: أن النكاح لابد فيه من اجتماع أركانه وشروطه، من رضا المتعاقدين، وخلوهما من الموانع الشرعية كالمحرمية والرضاع، ووجود ولي المرأة، وشاهدين، وإلا كان نكاحا غير صحيح.
الثاني: أنه لا يجوز إقامة علاقة بين المرأة والرجل، قبل الزواج، لما يترتب عليها من المفاسد الكثيرة، كتعلق القلب، ومرضه، وحصول النظر والخلوة والخضوع بالقول وغير ذلك مما حرم الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1238)
تعلقت برجل عن طريق الهاتف، وتريد النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة وقعت بمشكلة شخصية للغاية ولم أجد إلا رجلا فاضلا لحلها، لكنه لم يستطع وانتهت المشكلة والحمد لله. المشكلة أن هذا الرجل عندما تحدثت معه بالهاتف طلب مني بعد انتهاء المشكلة أن يبحث لي عن زوج صالح وطلب مني أن أتصل به كل أسبوعين لكني رفضت وأخبرته أنه إذا وجد رجلا صالحا فليرسل لي بالبريد الإلكتروني حتى أتصل به أنا، ومضت الأشهر وأرسل لي واتصلت به وطلب مني مواصفاتي وأعطيته هذا كله عبر الهاتف، لكن أثناء الكلام كان يمزح معي كثيرا، ورجع وقال لي أن أتصل به لأن تواصلنا عبر الهاتف أفضل كما يقول فهل أفعل أم لا؟ مع العلم أنى بدأت أتأثر بكلامه وأصبحت أفكر به كثيرا، وهو قد ينطق بعبارات قد أجد في نفسي شيئا منها مثل: أحبك في الله أو ارتحتلك. فهل يجوز أن يقول رجل لامرأة أجنبية إني أحبك في الله أم لا؟ وأخيرا أرجو أن تفيدني بطريقة لحل هذه المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس للرجل أن يقول لامرأة أجنبية عنه: إني أحبك في الله، أو (ارتحتلك) أو يمازحها، لما في ذلك من الفتنة، لاسيما إذا كانت شابة، فإن مثل هذا الكلام أو المزاح غالباً ما يؤدي إلى فتنة القلب وتعلقه بقائله، وهذا ما حدث معك، والله المستعان.
وقد يفعل هذا بعض الرجال عن غفلة وحسن نية، مع صلاحهم واستقامتهم، لاعتيادهم النطق بهذه الكلمات، فنحن لا نسيء الظن بالقائل، لكن قوله ذلك لشابة مثلك خطأ حرام من غير شك. وحسبك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رواه مسلم (2553) . ولا نظن أن هذا الرجل أو غيره يرضى بأن يعلم الناس أنه يقول لشابة مثلك: إني أحبك في الله أو (ارتحتلك) .
أما سعيه في تزويجك برجل صالح، فلا حرج عليه في ذلك، بل هذا من الخير الذي يثاب عليه إن شاء الله. لكن ليس له أن يتعرف على مواصفاتك، أعني: المواصفات المتعلقة بالهيئة والشكل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا) رواه البخاري (5240) . فكيف إذا كان النعت من المرأة نفسها وعلى لسانها؟!
وإنما أبيح للخاطب أن ينظر إلى من يريد خطبتها، لما يترتب على ذلك من المصالح، بشرط أن يكون جاداً عازماً على الزواج من المرأة في حال رضاه بها.
وللخاطب أن يطلب معرفة صفات من يريد خطبتها، استناداً إلى ما هو مقرر عند أهل العلم من جواز النظر إلى المخطوبة بغير علمها، وخروجاً من الحرج الذي قد يحصل من الذهاب إلى وليها ثم تركها بعد رؤيتها.
وهذه المواصفات ليس لأحد من الرجال – فاضلا أو غيره - أن يطلع عليها. وكان على الرجل المذكور أن يوسط أهله أو غيرها من النساء الصالحات لتولي هذا الأمر.
وعليك الآن: أن تقطعي علاقتك بهذا الرجل تماما، عن طريق الهاتف وعن طريق البريد أيضا؛ وأن تستغفري الله تعالى وتتوبي إليه مما كان منك من التساهل في هذه الاتصالات، وإطلاع هذا الأجنبي على مواصفاتك.
وكراهيتُك لهذا الأمر وخوفك منه على نفسك وعبادتك دليل على يقظة قلبك والحمد لله.
وليحذر الداعي والناصح والمعلم من استدراج الشيطان ومكره، وليكن على ذكر واستحضار لقول نبيه صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) رواه البخاري (5096) ومسلم (2740) .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) رواه مسلم (2742) .
رزقنا الله وإياك العفة والعفاف والصلاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1239)
تعلقت بشاب أقل منها في النسب وأهلها معارضون زواجها منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أنتمي لمجتمع قبَلي متعصب وتعرفت على شاب حسن الدين والخلق لكن أهلي يرفضون رفضاً باتّاً فقط لأنه ليس من نسب شريف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الظاهر أنكِ وقعتِ في مخالفات شرعية حين تعرفتِ على هذا الشاب، وبخاصة أنك تمدحين خلقه ودينه، ولا ندري ما هو الخلق والدين عند هذا الشاب الذي يرضى أن يتعرف على فتاة أجنبية ويتبادل معها الحديث؟! وقد تكون العلاقة فيها ما هو أكثر من ذلك كلقاءات وغيرها.
وقد حرم الشرع المطهر إقامة مثل هذه العلاقات بين الجنسين، وقد تقدم بعض فتاوى أهل العلم في هذه المسألة في الأسئلة رقم (23349) و (20949) و (10221) و (34841) .
وفي التعلق المحرم وآثاره والزواج من المتعلَّق به: يُراجع جواب السؤال رقم (47405) .
وللتخلص الفوري من مشكلة التعلق بهذا الشاب: يراجع جواب السؤال رقم (10254) .
ولا يجوز ولا يصح عقد النكاح على المرأة من غير إذن وليها، ولا يجوز للوالد أن يجبر ابنته على الزواج ممن لا تريد، وينظر في هذا جواب السؤال رقم (36618) .
ثانياً:
وأما مسألة الكفاءة في النكاح: فقد اعتبر جمهور العلماء الكفاءة في النسب، وخالفهم آخرون فلم يعتبروا الكفاءة إلا في الدين، وهو مروي عن عمر وابن مسعود ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز، وبه جزم الإمام مالك، وهو رواية عن أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله.
وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه " زاد المعاد " فصلاً في حكمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح، وساق الآيات الدالة على ذلك فقال:
" قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13، وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10، وقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) التوبة/71، وقال تعالى:) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) آل عمران/195، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب) ، وقال: (إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا) ، وفي الترمذي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبَنِي بَيَاضَةَ: (أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِ) وكان حجاما.
وزوَّج النبيُّ صلى الله عليه وسلم زينبَ بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه، وزوَّج فاطمةَ بنت قيس القرشية من أسامة ابنه، وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف، وقد قال تعالى: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/26، وقد قال تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) النساء/3.
فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا، فلا تزوَّج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك؛ فإنه حرَّم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسباً ولا صناعةً، ولا غِنىً ولا حرية، فجوَّز للعبد نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفاً مسلماً، وجوَّز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاحَ الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات ". انتهى.
" زاد المعاد " (5 / 158 – 160) .
وعقد البخاري رحمه الله في كتاب النكاح باباً سماه " بَاب الأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) ".
وساق ما يدل على اعتبار هذه الكفاءة دون غيرها، وبخاصة ما جاء بعده من أبواب وهي " بَاب الْأَكْفَاءِ فِي الْمَالِ وَتَزْوِيجِ الْمُقِلِّ الْمُثْرِيَةَ " و " بَاب الْحُرَّةِ تَحْتَ الْعَبْدِ ".
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ما معنى قولهم قبيلي وخضيري؟
فأجاب:
هذه مسألة جزئية، وهي معروفة بين الناس.
القبيلي هو: الذي له قبيلة معروفة ينتمي إليها كقحطاني وسبيعي وتميمي وقرشي وهاشمي وما أشبه ذلك، هذا يسمى قبيلي؛ لأنه ينتمي إلى قبيلة، ويقال قَبَلي على القاعدة، مثل أن يقال حنفي ورَبَعي وما أشبه ذلك نسبة إلى القبيلة التي ينتمي إليها.
والخضيري في عرف الناس في نجد خاصة - ولا أعرفها إلا في نجد - هو الذي ليس له قبيلة معروفة ينتمي إليها، أي: ليس معروفا بأنه قحطاني أو تميمي أو قرشي لكنه عربي ولسانه عربي ومن العرب وعاش بينهم ولو كانت جماعته معروفة.
والمولى في عرف العرب هو: الذي أصله عبد مملوك ثم أعتق، والعجم هم: الذين لا ينتسبون للعرب يقال: عجمي، فهم من أصول عجمية وليسوا من أصول عربية، هؤلاء يقال لهم أعاجم.
والحكم في دين الله أنه لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بالتقوى سواء سمي قبليا أو خضيريا أو مولى أو أعجميا كلهم على حد سواء، لا فضل لهذا على هذا، ولا هذا على هذا إلا بالتقوى؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى) ، وكما قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات/13.
لكن من عادة العرب قديما أنهم يزوجون بناتهم للقبائل التي يعرفونها ويقف بعضهم عن تزوج من ليس من قبيلة يعرفها، وهذا باقٍ في الناس، وقد يتسامح بعضهم، يزوّج الخضيري والمولى والعجمي، كما جرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام زوَّج أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه وهو مولاه وعتيقه زوَّجه فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وهي قرشية، وكذلك أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وهو من قريش زوَّج مولاه سالماً بنت أخيه الوليد بن عتبة، ولم يبال لكونه مولىً عتيقاً.
وهذا جاء في الصحابة رضي الله عنهم وبعدهم كثير، ولكن الناس بعد ذلك خصوصا في نجد وفي بعض الأماكن الأخرى قد يقفون عن هذا ويتشددون فيه على حسب ما ورثوه عن آباء وأسلاف، وربما خاف بعضهم من إيذاء بعض قبيلته إذا قالوا له: لم زوجت فلاناً؟ هذا قد يفضي إلى الإخلال بقبيلتنا وتختلط الأنساب وتضيع إلى غير ذلك، قد يعتذرون ببعض الأعذار التي لها وجهها في بعض الأحيان ولا يضر هذا، وأمره سهل.
المهم اختيار من يصلح للمصاهرة لدينه وخلقه، فإذا حصل هذا فهو الذي ينبغي سواء كان عربيا أو عجميا أو مولى أو خضيريا أو غير ذلك، هذا هو الأساس، وإذا رغب بعض الناس أن لا يزوج إلا من قبيلته فلا نعلم حرجا في ذلك، والله ولي التوفيق ". انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (5/146، 147) .
والخلاصة:
أنه يحق لأهلك أن يمتنعوا عن قبول هذا الشاب زوجاً لكِ لاعتبار عدم كفاءة خلقه ودينه، وننصحك بتقوى الله تعالى والابتعاد عن هذا الشاب والطرق التي أوصلتكِ للتعرف عليه، وعسى الله أن يرزقكِ زوجاً صالحاً، يكون عونا لك على طاعة الله، وتربون جيلاً صالحاً يسعى في طاعة الله يعيش ويموت عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1240)
تاب من علاقة محرمة فهل يتزوج من صديقته بعد إسلامها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم طوال عمري، وقد فعلت ذنوباً عظيمة في حياتي، كنت مع فتاة نصرانية لمدة سنتين، ثم تركتها لأنني أصبحت قريباً من الإسلام، هي تعلم بأننا لا يجب أن نكون سويّاً الآن، أعلم بأنني كنت مسلماً عاصياً، ولكنني الآن أريد أن أفعل أي شيء ليغفر الله ذنبي، قمنا بفعل بعض الأفعال الجنسية إلا فاحشة الزنا.
أعلم بأن هذه أمور عظيمة وأطلب المغفرة من الله وندمت على ما فعلت، وقد كان هذا بسبب جهلي، وقد تبت الآن، وأقوم الآن بأداء الصلوات الخمس، وأذهب للمسجد وأقرأ القرآن، ولا أنوي العودة أبداً لما كنت أفعل في السابق.
أشعر بأنني يجب أن أتزوج مسلمة من إحدى البلاد الإسلامية وأغيِّر حياتي، ولكنني أشعر كذلك بأنني يجب أن أخبر تلك الفتاة عن الإسلام أملاً أن تسلم ولي أسئلة:
1- هل أتزوجها إذا أسلمت؟
2- هل أبحث عن مسلمة وأبدأ حياة جديدة؟
3- هل سيُغفر لي ما قد فعلت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الشعور بالذنب والندم على فعله هما علامة توفيق الله لصاحب الذنب أنه يسير في الطريق الصحيح الذي يعقب اقترافه وفعله، ولا نريد التهوين مما فعلت، ويكفي أنك تعلم أن ما فعلتَه يغضب ربك تبارك وتعالى، وأنه من كبائر الذنوب، لكن نريد أن نفتح لك طريق التوبة، ونعلمك أن الله سبحانه وتعالى مع أنه لم تضره معصيتك، وهو غني عن توبتك إلا أنه تعالى وفقك لها وهو يفرح بها عز وجل.
فلا بدَّ أن يكون منك إقلاع عن معاصيك السابقة، ولا بدَّ لك من ندم خالص من قلبك، ولا بدَّ من عهدٍ وعزمٍ أن لا تعود لمثل هذه الذنوب مرة أخرى.
ولا ينبغي لك اليأس من رحمة الله تعالى، فالله تعالى يغفر الذنوب جميعاً، وما عليك سوى الصدق في التوبة، وسترى ما يسرك بعد توبتك من انشراح صدرك، وتحمسك للطاعة، والبحث عن رضى الله عز وجل.
انظر (624) و (13990) و (34905) و (22912) .
ثانياً:
ولا بدَّ لك كذلك من قطع علاقتك بتلك المرأة خشية أن تعود للذنب، والأصل في المسلم التائب هو الابتعاد عن البيئة التي كان يعصي الله تعالى فيها، ولا بدَّ له من هجر وترك كل الوسائل التي يمكن أن تؤدي به للوقوع في المعصية.
ولذلك لا نرى أن تعاود الاتصال بتلك المرأة، ولو كان بحجة دعوتها للإسلام، فعليك – أولاً – النجاة بنفسك، ومن يضمن لك لو رجعت إلى ذنبك – لا قدَّر الله – أن توفق إلى التوبة؟ .
ويمكنك أن توصي بعض النساء المسلمات الثقات بها لأجل دعوتها للإسلام، ولا نرى أن تكون أنت من يقوم بذلك.
ثالثاً:
ولا نرى جواز الزواج منها وهي على حالها الذي وصفتَ، لا لأنها نصرانية، بل لأنها غير عفيفة – على حسب ما قلتَ –، وقد أباح الله تعالى لنا الزواج من أهل الكتاب لكنه – تعالى – اشترط وصف " الإحصان " فيهن، وهو العفة عن الزنا واتخاذ العشاق.
انظر (22302) و (2527) .
فالذي ننصحك به هو التزوج من مسلمة متدينة تحفظ لك دينك، وتدلك على الخير، وتعينك على الطاعة، فبمثل هذا يكون الظفر.
انظر (20227) و (8391) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1241)
نصحتْه فجاء ليشكرها فوقعا في الزنا!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة من عائلة معروفه جدّاً، طوال عمري ملتزمة وخلوقة بشهادة الجميع، ولكن لا أعرف ما السبب الذي دفعني للتعرف على شاب وكنت أريد مساعدته لأنه متعرض لصدمة من وفاة والده وهو المسؤول عن إخوته وأمه وذهب في طريق رفقاء السوء، نصحته وأحسست أنه من واجبي الوقوف بجانبه ونصحه، مع الأيام عاد لدراسته وترك رفقاء السوء وتغير كليّاً، سألتْه أمه عن السبب فحدَّثها عني، فكلمتني وشكرتني على صبري مع ولدها، أتى ذات يوم زيارة ليراني، لا أعرف لماذا لم أتردد، وذهبت لأراه، وأحسست كأنه أخي، وأخذنا الوقت وحدث ما حدث، للأسف، يريد الآن التقدم لخطبتي، ولكن مستحيل، فهو يصغرني بـ 3 سنوات، وهو من غير جنسيتي، وأنا الآن حامل أريد الستر والتوبة.
أعلم أني أخطأت، وسوف تلومونني بشدة، ولكن أريد التوبة، وأريد الحل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لعلك رسالتك تكون عظة وعبرة للذين يزعمون " براءة " العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه، ولمن يزعم " شرعية " هذه العلاقات إذا كانت في النصح والتوجيه، ولمن يريد " تمييع " الدين فيفتح المجال للعلاقات بين الرجال والنساء بحجة تقدم العصر، وعدم وجود ما يمنع، وبقدرة المرأة على الحفاظ على نفسها. . . إلى آخر هذه المبررات الساقطة!!
وعظة وعبرة لكل من غفل عن شرع الله تعالى فتهاون في تحذير ربنا تبارك وتعالى من اتباع خطوات الشيطان، فراح يتساهل في الأمور حتى يقع على أم رأسه، وها أنتِ قد تهاونتِ مع هذا الشاب فتجرأتِ على الحديث معه ونصحه، ثم رضيتِ أن تستقبليه في بيتك، ثم رضيتِ الخلوة معه، ثم زيَّن لكِ الشيطان أنه بمثابة أخيك، ثم ماذا؟ ثم وقع الزنى في المجلس نفسه وفي بيتك وممن أوهمك الشيطان أنه مثل أخيك! فأين هي الخطوة الأولى للشيطان؟ إنها الحديث مع هذا الرجل الأجنبي، ثم تتابعت خطوات الشيطان حتى أوقعك فيما وقعت فيه من أقبح المعاصي، ومن هنا نعلم الحكمة في قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) الإسراء/32، فهو تعالى لم ينه عن الزنا فحسب، بل نهى عن قربانه، والمقصود به النهي عن تعاطي أسبابه المؤدية إليه، ونسأل الله تعالى أن يستر عليك، وأن يغفر لك، وأن يعينك على تحقيق التوبة الصادقة.
ثانياً:
لا شك أن ذنب الزنا ذنب عظيم، وهو من كبائر الذنوب، ولذا جاء فيه من العقوبة ما يدل على عظَمه وقبحه في الشرع والعقل والفطرة.
قال ابن القيم رحمه الله:
" وخصَّ سبحانه حدَّ الزنا من بين الحدود بثلاث خصائص:
أحدها: القتل فيه بأشنع القتلات، وحيث خففه جمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد، وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة.
الثاني: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه؛ بحيث تمنعهم من إقامة الحد عليهم، فإنه سبحانه من رأفته بهم شرع هذه العقوبة؛ فهو أرحم منكم بهم، ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة؛ فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره ... .
الثالث: أنه سبحانه أمر أن يكون حدُّهما بمشهد من المؤمنين، فلا يكون في خلوة بحيث لا يراهما أحد، وذلك أبلغ في مصلحة الحد، وحكمة الزجر " انتهى.
" الجواب الكافي " (ص 144، 115) .
ثالثاً:
ومع عظَم هذا الذنب، وقبح هذه المعصية إلا أن الله تعالى فتح باب التوبة لأصحابها، ووعدهم إن هم صدقوا في توبتهم أن يبدل سيئاتهم حسنات.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ماذا يجب على من وقع في جريمة الزنا للخلاص من آثار فعلته تلك؟
فأجاب:
" الزنا من أعظم الحرام وأكبر الكبائر، وقد توعد الله المشركين والقتلة بغير حق والزناة بمضاعفة العذاب يوم القيامة، والخلود فيه صاغرين مهانين، لعظم جريمتهم وقبح فعلهم، كما قال الله سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا) الفرقان/68، 69، فعلى من وقع في شيء من ذلك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى التوبة النصوح، واتباع ذلك بالإيمان الصادق والعمل الصالح، وتكون التوبة نصوحا إذا ما أقلع التائب عن الذنب، وندم على ما مضى من ذلك، وعزم عزما صادقا على أن لا يعود في ذلك، خوفا من الله سبحانه، وتعظيما له، ورجاء ثوابه، وحذر عقابه، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82، فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر هذه الفاحشة العظيمة ووسائلها غاية الحذر، وأن يبادر بالتوبة الصادقة مما سلف من ذلك، والله يتوب على التائبين الصادقين ويغفر لهم.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 442) .
رابعاً:
ولا يجوز للزانييْن أن يتزوجا إلا بعد التوبة الصادقة؛ لأن الله تعالى حرَّم ذلك على المؤنين فقال: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3.
وقد سبق بيان حكم هذه المسألة في جواب السؤال رقم (14381) و (22448) و (11195) فلتنظر.
خامساً:
وإذا كان الجنين قد تمَّ نفخ الروح فيه فإن إسقاطه جريمة أخرى غير جريمة الزنا، وقد سبق بيان حكم هذه المسألة في جواب السؤال رقم (13317) و (11195) و (40269) فلتنظر.
سادساً:
والحل لمشكلتك أن تطلعي عقلاء أهلك على موضوعك، ولا بدَّ للمرء الذي يخالف شرع الله تعالى أن يتحمل تبعات معصيته في كثير من الأحيان، ولا بدَّ للأهل أن يقفوا مع ابنتهم الآن قبل غدٍ، فهي وإن أسقطت جنينها إن كان قبل نفخ الروح فيه: فهي لم تعد بكراً، وهذه – أيضاً – لها تبعات عند الزواج، فهم في كل الأحوال لا بدَّ لهم من أن يحلوا مشكلة ابنتهم، وهي قد تابت وأنابت و" التائب من الذنب كمن لا ذنب له " – رواه ابن ماجه (4250) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " (3145) – وهي إن لم يكن لها ذنب من حيث الإثم بعد توبتها، لكن لذنبها آثار عظيمة ينبغي حلها قبل استفحال الأمر وانتشاره بما يؤذي الأسرة كلها، وليس الحل في تزويجها لذلك الزاني قبل التوبة؛ لأن زواج الزاني محرم – كما سبق -، فإن تابا فلا حرج عليهما إن شاء الله تعالى في زوجهما.
كما لا يجوز لها التزوج من غيره إلا بعد استبراء رحمها، واستبراؤها يكون بوضع الحمل، والدليل على هذا: ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) رواه أبو داود (2157) ، وقال الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (1 / 171، 172) : إسناده حسن.
ولمعرفة عظيم فضل الله تعالى في توبته على عباده، وأنه تعالى يقبل التوبة من التائبين مهما بلغت ذنوبهم عظمة وكثرة: نرجو الإطلاع على أجوبة الأسئلة التالية: (624) و (13990) و (47834) و (23485) و (20983) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1242)
متعلق بفتاة يحبها وتحبه ويزعم أنهما على خير!
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله لقد هداني الله ولكن بطريقة غريبة، حيث إن ما شجعني على ذلك هي نفسها، كانت وكعادة الشباب أن تدمرني، هي امرأة أحبتني ولكن حب ليس بحلال حيث تعرفت عليها في النت وأستغفر الله على ذلك، وهي إلى الآن تنصحني، وأنا خائف إن تركتها أن تفعل شيئا بنفسها، وخائف أيضاً إن تزوجت وحدثت بينها وبين زوجها مشاكل فتقول: فلان أفضل منك، ويا ليتني تزوجته (تقصدني بذلك) فكم حاولت تركها ولكنها لا تستطيع، بسبب واحد وكلانا متعلق بالآخر بسبب هذا السبب ألا هو أننا متفاهمون ومتعاونون على البر والتقوى، وتطيعني في أي شيء يرضي الله سبحانه، أريد الزواج منها ولكنها مخطوبة من أحد أقربائها، وأهلها يرفضون فكرة الزواج من غريب، وأنا كلما أبتعد عنها أحس بأني وحيد ويأتيني الشيطان في وحدتي فيفسد علي، وعندما أكلمها أحس بالراحة لأنها تذكرني بالله عز وجل، ساعدوني رحمكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينبغي لك التردد في ترك هذه الفتاة والابتعاد عنها، فتلبيس الشيطان عليكما واضح بيِّن، فهو قد أوقعكما في الحرام، ثم زيَّنه لكما على أنه طاعة وقربة إلى الله!
وكلماتك في سؤالك تدل على ما ذكرنا فأنت تقول: "هداني"، "تنصحني" "تطيعني فيما يرضي الله"، "متعاونون على البر والتقوى"، "تذكرني بالله عز وجل"! وكلها ألفاظ شرعية، وقد نجح الشيطان في جعلها بين عشيقين!
ونحن نجزم أنك لا ترضى هذا لإحدى أخواتك أو بناتك أن تفعله، أليس كذلك؟ فلمَ ترضاه لبنات الناس؟!
أرأيتَ لو أنك وقفت على موقف مشابه لإحدى بناتك وهي تراسل وتكلم أجنبيّاً عنها وقد خطبتَها لأحد أقربائك، فهل ترضى فعلها لو قالت لك: إن الله هدى هذا الشاب على يدي، وإني أذكره بالله، وإننا متعاونون على البر والتقوى، وإنني أنصحه!!
ولا أظنك ترضى بأن تراسل خطيبتك شاباً، أو يراسلها شاب بمثل هذه الحجج، "النصيحة"، "التعاون على البر والتقوى........إلخ".
لا والله لا نظن أن أحداً من العقلاء يرضى بهذا، فلا تغتر بتزيين الشيطان فعلكما، وانته عن هذه العلاقة مباشرة، ودع الفتاة في سبيلها، ولا يهمك ما ستقوله لزوجها فلستَ مسئولاً عنها، ولا لك علاقة تربطك بها، وما يدريك فقد تتزوج بمن هو خير لها منك؟!
وأنت تقول: إنها مخطوبة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) متفق عليه، فلا يحل لكَ أن تسلك الطريق السوي وتتقدم لأهلها طالباً خطبتها، فكيف يحل لك محادثتها ومراسلتها من غير علم أهلها؟!
فاتق الله تعالى، واتركها غير متردد، ولا تعد لمراسلتها، ودعها وشأنها وأهلَها، ومن رضيتْ بأن تحادث الرجال الأجانب وهي مخطوبة أو متزوجة فلا تؤمَن على بيت ولا على تربية بناتها وأبنائها، واحذر أن يعاقبك الله في أهلك وذريتك، واسأل الله التوفيق والإعانة، واترك ذلك لله تعالى يبدلك خيراً مما تركتَ.
وانظر جواب السؤالين: (47405) و (36618) .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1243)
هل لزوجته الكشف أمام عمه المسنّ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تستطيع زوجتي مواجهة عم والدي علما بأن عمره حوالي 70 سنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عم والدك يعتبر عمًّا لك، وعم الزوج ليس محرما للزوجة، فلا يجوز لها أن تكشف وجهها أمامه، ولا أن يخلو بها، ولو كان كبيرا في السن؛ لعموم الأدلة الآمرة بالحجاب، دون تفريق بين شاب وشيخ، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/59، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ الله، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ) رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) قال الليث بن سعد: الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه.
وقد أفتى علماء اللجنة الدائمة بأنه لا يجوز أن تكشف المرأة لعم زوجها ولو كان شيخا كبيرا غلبه الشيب؛ لأنه ليس من محارمها. "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/424) .
لكن لزوجتك أن تخاطب عمك وتكلمه وتسأل عن حاله، دون مصافحة أو كشف وجه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1244)
علاقة عن طريق النت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في الكلية، مشكلتي أنني تعرفت على شاب من طريق النت (الشات) .
كانت العلاقة في بادئ الأمر علاقة احترام وتبادل معلومات إلى أن انقلبت إلى حب وغرام.
والدتي رافضة فكرة الزواج منه، وتهددني بإخبار والدي بهذه العلاقة، وأنا لا أستطيع الصبر عنه وهو كذلك، إذ أخبرني أنه سوف ينتحر إذا لم يتم الزواج بيننا.
أرجو إرشادي فأنا لا أستطيع الابتعاد عنه ولا أريد الزواج من غيره فهل من حلٍّ أرجوكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلمي – وفقك الله – أنَّ ديننا العظيم قد حذرنا أشد تحذير من إقامة العلاقات بين الجنسين خارج نطاق الزواج، وأوصد الباب بشدة أمام مصيبة برامج التعارف التي ذاعت وانتشرت عبر الصحف والمجلات وشبكة الإنترنت، وما ذلك إلا درءاً للفتنة، ومنعاً لحوادث العشق والغرام التي تؤول بأصحابها غالباً إلى الفواحش الخطيرة، وانتهاك حرمات الله، والعياذ بالله. أو تؤدي بهم إلى زيجات فاشلة محفوفة بالشك وفقدان الثقة.
وأنت – وفقك الله – أخطأت بادئ الأمر حين دخلت غرفة المحادثة (الشات) قبل أن تعرفي حكمها الشرعي، ثم وقعتِ في خطأ آخر، حين أقمت علاقة تعارف وصداقة محرمة مع شاب لا يمت لك بصلة.
فاحذري أن تقعي في خطأ ثالث حين تصرين على إبرام عقد الزواج معه بحجة إخلاصه لك في الحب وخوفاً عليه من الانتحار!!!
فالزواج الذي قام على غير أسس شرعية سليمة مصيرُه الفشل الذريع، وعضُّ أصابع الندم، كما أنَّ الشاب الذي ظل طوال هذه المدة الطويلة يقيم علاقة مع فتاة أجنبية عبر الشات والهاتف، هو في الواقع شابٌّ يفتقد الوازع الديني والحياء والأدب، ولا يؤتمن على أعراض المسلمين، كما أنَّ تهديده بالانتحار هو أحد أمرين:
أولهما: إما أن يكون صادقاً في تهديده، وهذا يعني ضعفاً شديداً في الإيمان، إذ إنَّ قتل النفس من أكبر الكبائر نسأل الله العافية.
وثانيها: أن يكون كاذبا ً، وهذا يعني انتهازية مقيتة، وابتزازاً سخيفاً، تنمُّ عن أنانية فجة، وتقديساً للمصالح الشخصية، ولو قُدّر لكِ الزواج بهذا الإنسان، فلن يمضي كبير وقت إلا وتبدأ مرحلة الشكوك، وسيظل فاقداً الثقةَ بكِ، أو الاطمئنان لحياته معك، فالفتاة التي حصل عليها عبر المحادثة أو الهاتف وغرف الإنترنت، غير مأمونة في نظره أن تسعى ثانية لإقامة علاقات مشابهة مع الآخرين، هذا ما سيشغل تفكيره ويثير قلقه كل حين.
وأخيراً: اعلمي أن هذه النصيحة المقدمة لك إنّما دافعها الحرص عليك، وإخلاص المشورة لك، واتعظي بغيرك ممّن وقعن ضحايا العلاقات الغرامية فخسرن الكرامة والمروءة والشرف، وتخلصي - حالاً - من هذا الشاب وأمثاله، وتوبي إلى الله واستغفريه واحمديه أن حفظك من الوقوع في الفاحشة مع توافر أسبابها، واحمديه ثانية أن أوجد العقبات في طريق هذا الزواج من رفض الأهل، وابدئي – حرسك الله – حياة جديدة ملأى بالطهر والعفة، والندم والاستغفار، والبعد عن أسباب الفتن والفواحش، وأكثري من العمل الصالح وقراءة القرآن، ومجالسة الصالحات، ومع الوقت ستذوب علاقتك بذاك الإنسان؛ لأنها قائمة على العواطف غير المنضبطة بضوابط الشرع، أو زمام العقل الرشيد، واحذري أن يستخفكِ الشيطان، ويصور لك استحالة النسيان أو قطع العلاقة للأبد، فما ذلك إلاَّ وساوس كيدية، ومحاولات إبليسية لإبقائك في جحيم العشق والغرام، ومن ثم صرفك عن معالي الأمور من صدق العبودية لله، ودوام العمل في مرضاته سبحانه، هذا ونسأل الله أن يجعل لك من همك فرجاً، ومن ضيقك مخرجاً
[الْمَصْدَرُ]
د. رياض المسيميري.(7/1245)
الأدلة على أن القرآن كلام الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أكتب لك راجية أن تتمكن من مساعدتي في الخروج من هذه الورطة. أنا فتاة متمسكة وأبلغ من العمر 20 عاما. لقد انتقلت منذ 5 سنوات للعيش في كندا. والداي لم يمارسا الشعائر الإسلامية البتة، لكن جدتي سعت في تعليمي أمور الإسلام. أنا مؤمنة بالله منذ نعومة أظفاري. لكني لم أكن أعرف كيفية تأدية الصلاة حتى وقت قريب، وقد قررت أن أتعلم بنفسي حيث أنه لا يوجد حولي من يعلمني تلك الأمور. وقد تعرفت، بفضل الله، على كيفية الصلاة، كما أني بدأت أضع الحجاب. أما عن مشكلتي فهي أني بدأت أقابل شابا وقعت في حبه. إلا أنه، للأسف، غير مسلم، ولا يؤمن بأي ديانة أخرى. إنه يؤمن بالرب، وقد حاولت إقناعه بالدخول في الإسلام وأن يكون فردا من أتباع الدين الصحيح الوحيد، وإلا فلن يكون باستطاعتي الزواج منه (ونحن نعيش سويا منذ 3 سنوات) . أما الأمر الذي لم أفلح في إقناعه به فهو أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله. إنه يطرح علي أسئلة من قبيل: "كيف لك التأكد أن هذا هو كلام الرب؟ ماذا لو أن محمدا أتى به من عند نفسه وجعله يظهر وكأنه كلام الرب؟ " أرجو أن توضح لي كيف أقنعه بأن القرآن هو كلام الله وحده، وأن محمدا هو رسوله. أرجو المساعدة، فهو يقول دوما أنه لو حصل وتزوجنا، فإنه لن يجد بأسا في استمراري في ممارسة ديني. إنه فخور لأني بدأت أضع الحجاب في مجتمع لا يشيع فيه هذا العمل. (فربما أكون واحدة من القلائل الآتي يضعن الحجاب هنا، وإيماني بالله هو الذي أعطاني القوة على ذلك) . أعلم أنه لن يجد غضاضة من تمسكي بديني، لكني أريده أن يسلم، فهو شخص جيد ولا يفعل ما يشين. أنا أتألم حقا عندما استحضر فكرة أننا لن نكون مع بعض. وأسأل: هل الزواج منه يعد معصية عظيمة؟ فهناك الكثيرات ممن يتزوجن بغير مسلمين، خصوصا عندما لا يوجد أي مسلم في المكان الذي أعيش فيه. فهل سأعاقب بشدة إن أنا تزوجت به؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فنحمد الله عز وجل أن حبب إليك الخير، ونسأله أن يزيدك هدى وإيماناً، وأن يهدي والديك للعمل بالإسلام،والالتزام بأحكامه.. آمين.
وبعد: فأما بالنسبة للقرآن وما الذي يثبت أنه كتاب الله،فهذه الشبهة قد طرحها الكفار الأوائل الذين أرسل إليهم النبي صلى اله عليه وسلم عنادا واستكبارا، فرد الله عليهم قولهم بأدلة كثيرة تبطل قولهم وتبين فساده منها: -
1- أن هذا القرآن تحدى الله الإنس والجن على أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط، فعجزوا ثم تحداهم أن يأتوا بمثل أصغر سورة من القرآن فلم يستطيعوا، مع أن الذين تحداهم كانوا أبلغ الخلق، وأفصحهم، والقرآن نزل بلغتهم، ومع هذا أعلنوا عجزهم التام الكامل، وبقي التحدي على مدار التاريخ، فلم يستطع أحد من الخلق أن يأتي بشيء من ذلك، ولو كان هذا كلام بشر لاستطاع بعض الخلق أن يأتي بمثله أو قريبا منه.والأدلة على هذا التحدي من القرآن كثيرة منها قوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) الاسراء:88
وقال تعالى يتحداهم بأن يأتوا بعشر سور فقط: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ
وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) هود:13
قال تعالى يتحداهم بأن يأتوا بسورة واحدة فقط: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا
بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) البقرة:23
2- أن البشر مهما كانوا من العلم والفهم فلابد أن يقع منهم الخطأ والسهو، والنقص، فلو كان القرآن ليس كلام الله لحصل فيه أنواع من الاختلاف والنقص كما قال تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) ، ولكنه سالم من أي نقص أو خطأ أو تعارض، بل كله حكمة ورحمة وعدل، ومن ظن فيه تعارضا فإنما أتي من عقله المريض، وفهمه الخاطئ، ولو رجع إلى أهل العلم لبينوا له الصواب، وكشفوا عنه الإشكال، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز. لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت: 41،42
3- أن الله تكفل بحفظ هذا القرآن العظيم كما قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر:9 فكل حرف منه ينقله الآلاف عن الآلاف على مدار التاريخ لم يختلفوا في حرف واحد منه، ولو حاول أي شخص أن يحرف فيه أو يزيد أو بنقص فإنه يفتضح مباشرة لأن الله سبحانه هو الذي تكفل بحفظ القرآن بخلاف غيره من الكتب السماوية التي أنزلها الله لقوم النبي فقط وليس لجميع الخلق، فلم يتكفل بحفظها بل وكل حفظها إلى أتباع الأنبياء فلم يحفظوها بل دخلها التحريف والتغيير المفسد لكثير من معانيه، أما القرآن فقد أنزله الله لجميع الخلق على امتداد الزمن لأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخاتمة، فصار القرآن محفوظا في الصدور، ومحفوظا في االسطور، وحوادث التاريخ تثبت ذلك. فكم من شخص اجتهد في تحريف آيات القرآن وترويجها عند المسلمين فسرعان ما يفتضح أمره، وينكشف زيفه، حتى عند أطفال المسلمين.
وما يدل دلالة قطعية على أن هذا القرآن ليس من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو وحي من الله أوحاه له:
4- الإعجاز العظيم الذي اشتمل عليه القرآن في التشريعات، والأحكام، والقصص، والعقائد، الذي لا يمكن أن يصدر عن أي مخلوق مهما بلغ من العقل والفهم، فمهما حاول الناس أن يسنوا تشريعات وقوانين لتنظيم حياتهم، فلا يمكن أن تفلح ما دامت بعيدة عن توجيهات القرآن، وبقدر هذا البعد بقدر ما يكون الفشل، وهذا قد أثبته الكفار أنفسهم.
5- الإخبار بالأمور الغيبية الماضية والمستقبلية مما لا يمكن أن يستقل بشر مهما بلغ من العلم أن يخبر به خاصة في ذلك الزمن الذي يعتبر بدائيا من جهة التقنية والآلات الحديثة، فهناك أشياء كثيرة لم يتم اكتشافها إلا بعد تجارب طويلة مريرة بأحدث الأجهزة، والآلات، قد أخبرنا الله عنها في القرآن، وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم قبل ما يقرب من خمسة عشر قرنا، كأحوال الجنين، ومراحل نموه، وأحوال البحار، وغير ذلك. مما جعل بعض الكافرين يقرون بأن هذا لايمكن أن يكون إلا من عند الله فمثلا أطوار الجنين:
فمنذ 60 عاما فقط تأكد الباحثون من أن الإنسان لا يوجد دفعة واحدة إنما يمر بأطوار ومراحل طورا بعد طور ومرحلة بعد مرحلة وشكلا بعد شكل. منذ 60 عاما فقط وصل العلم إلى إحدى الحقائق القرآنية.
يقول الشيخ الزنداني التقينا مرة مع أحد الأساتذة الأمريكان بروفيسور أمريكى من أكبر علماء أمريكا اسمه (بروفيسور مارشال جونسون) فقلنا له: ذكر في القرآن أن الإنسان خلق أطوارا فلما سمع هذا كان قاعدا فوقف وقال: أطوارا؟! قلنا له: وكان ذلك في القرن السابع الميلادى! جاء هذا الكتاب ليقول: الإنسان خلق أطوارا!! فقال: هذا غير ممكن.. غير ممكن.. قلنا له: لماذا تحكم عليه بهذا؟ هذا الكتاب يقول: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ) (الزمر) ويقول: (مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) (نوح) فقعد على الكرسي وهو يقول: بعد أن تأمل: أنا عندي الجواب: ليس هناك إلا ثلاث احتمالات: الأول: أن يكون عند محمد ميكروسكوبات ضخمة.. تمكن بها من دراسة هذه الأشياء وعلم بها ما لم يعلمه الناس فذكر هذا الكلام! الثاني: أن تكون وقعت صدفة.. وهذه جاءت صدفة الثالث: أنه رسول من عند الله قلنا: نأخذ الأول: أما القول بأنه كان عنده ميكروسكوب وآلات أنت تعرف أن الميكروسكوب يحتاج إلى عدسات وهي تحتاج للزجاج وخبرة فنية وتحتاج إلى آلات وهذه معلومات بعضها لا تأتي إلا بالميكروسكوبات الإلكترونية وتحتاج كهرباء والكهرباء تحتاج إلى علم وهذه العلوم لا تأتي إلا من جيل سابق ولا يستطيع جيل أن يحدث هذا دفعة فلا بد أن للجيل الذي قبله كان له اشتغال بالعلوم ثم بعد ذلك انتقل إلى الجيل الذي بعده ثم هكذا ... أما أن يكون واحد فقط.. لا أحد من قبله ولا من بعده ولا في بلده ولا في البلاد المجاورة والرومان كذلك كانوا جهلة ما عندهم هذه الأجهزة والفرس والعرب كذلك! واحد فقط لا غير هو الذي عنده كل هذه الأجهزة وعنده كل هذه الصناعات وبعد ذلك ما أعطاها لأحد من بعده.. هذا كلام ما هو معقول! قال: هذا صحيح صعب نقول: صدفة..ما رأيك لو قلنا لم يذكر القرآن هذه الحقيقة في آية بل ذكرها في آيات ولم يذكرها في آية وآيات إجمالا بل أخذ يفصل كل طور: قال: الطور الأول يحدث فيه وفيه والطور الثاني كذا وكذا والطور الثالث.. أيكون هذا صدفة؟! فلما عرضنا التفاصيل والأطوار وما في كل طور قال: الصدفة كلام غلط!! هذا علم مقصود قلنا: ما في تفسير عندك: قال: لا تفسير إلا وحي من فوق!!
وأما الأخبار الكثيرة في القرآن عن البحار فبعضها لم يكتشف إلا في العصور المتأخرة، وكثير منها لا يزال مجهولا. فمثلاً هذه حقيقة تم الوصول إليها بعد إقامة مئات من المحطات البحرية.. والتقاط الصور بالأقمار الصناعة.. والذي قال هذا الكلام هو (البروفيسور شرايدر) .. وهو من أكبر علماء البحار بألمانيا الغربية.. كان يقول: إذا تقدم العلم فلا بد أن يتراجع الدين.. لكنه عندما سمع معاني آيات القرآن بهت وقال: إن هذا لا يمكن أن يكون كلام بشر.. ويأتي (البروفيسور دورجاروا) أستاذ علم جيولوجيا البحار ليعطينا ما وصل إليه العلم في قوله تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) سورة النور: 40.. فيقول لقد كان الإنسان في الماضي لا يستطيع أن يغوص بدون استخدام الآلات أكثر من عشرين مترا.. ولكننا نغوص الآن في أعماق البحار بواسطة المعدات الحديثة فنجد ظلاما شديدا على عمق مائتي متر.. الآية الكريمة تقول: (بَحْرٍ لُّجِّيٍّ) كما.. أعطتنا اكتشافات أعماق البحار صورة لمعنى قوله تعالى: (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) فالمعروف أن ألوان الطيف سبعة ... منها الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر والبرتقالي إلى آخرة.. فإذا غصنا في أعماق البحر تختفي هذه الألوان واحدا بعد الآخر.. واختفاء كل لون يعطي ظلمة.. فالأحمر يختفي أولا ثم البرتقالي ثم الأصفر.. وآخر الألوان اختفاء هو اللون الأزرق على عمق مائتي متر.. كل لون يختفي يعطي جزءا من الظلمة حتى تصل إلى الظلمة الكاملة.. أما قوله تعالى: (مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ) فقد ثبت علميا أن هناك فاصلا بين الجزء العميق من البحر والجزء العلوي.. وأن هذا الفاصل ملئ بالأمواج فكأن هناك أمواجا على حافة الجزء العميق المظلم من البحر وهذه لا نراها وهناك أمواج على سطح البحر وهذه نراها.. فكأنها موج من فوقه موج.. وهذه حقيقة علمية مؤكدة ولذلك قال البروفيسور دورجاروا عن هذه الآيات القرآنية: إن هذا لا يمكن أن يكون علما بشريا انظر الأدلة المادية على وجود الله " محمد متولي الشعراوي)
الأمثلة على ذلك كثيرة جدا.
6-أن في القرآن بعض الآيات التي فيها معاتبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر بعض الأمور التي نبه الله عليها نبيه صلى الله عليه وسلم، وبعضها قد يكون فيها إحراج للنبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان هذا القرآن من عند رسول الله، لما احتاج إلى هذا، ولو كان كتم شيئا من القرآن لكتم بعض هذه الآيات المشتملة على العتاب له وتنبيهه على بعض ما كان الأولى به أن لا يفعله كما في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاه) (الأحزاب: من الآية37) . أيبقى بعد هذا شك عند ذي عقل أن هذا القرآن هو كلام الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أوحي إليه أكمل بلاغ وأتمه؟ !
ثم نقول لهذا الشخص جرب بنفسك قراءة ترجمة من تراجم القرآن الصحيحة وأعمل عقلك في تدبر هذه الأحكام والتشريعات، فلاشك أن أي عاقل عنده قدرة على التمييز سيلحظ فرقا كبيرا بين هذا الكلام، وكلام أي مخلوق على وجه الأرض.
وأما علاقتِك بالشاب فإن هذا الدين الشريف قد منع المرأة من مخالطة الرجال للنساء لحكم عظيمة جليلة فيجب عليك أن تبتعدي عن اللقاء به، وأن تقطعي صلتك بهذا الشاب حتى يُسلِم، ثم يتزوجك بعد ذلك زواجا شرعيا. وتجدين في السؤال رقم (1200) بيان حكم اختلاط المسلمة بالرجال الأجانب فراجعيه.
وأما حبك، وتعلقك به، فهذا ابتلاء من الله لك، هل تقدمين محبة الله على محبة مخلوق من مخلوقاته، أو تقدمين محبة هذا الشخص على محبة ربك العظيم الذي نهاك عن هذا الأمر، واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأول هذا الخير الذي ستجدينه بإذن الله أن يعوضك الله راحة وأنسا بمحبته سبحانه، فتجتهدي في التقرب إلى الله بما يحبه فتزداد محبتك لربك، وتعلقك به، ويضعف تعلقك بجميع المخلوقين. وفي السؤال رقم (10254) بعض الحلول المناسبة لهذه المشكلة.
وأما عن حكم زواج المسلمة بالكافر فهذا محرم بإجماع أهل العلم، بل هو من الفواحش العظيمة التي نهى الله عنها في القرآن وتجدين في إجابة السؤال (8396) و (1825) إجابة وافية عن هذا السؤال.
فننصحك بالصبر والتحمل، والبعد التام عن كل ما قد يسبب لك الوقوع فيما يغضب ربك، واعلمي أن الله جعل هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان لعباده المؤمنين، فمن صبر، ومنع نفسه مما تشتهي رغبة في رضى الله عوضه الله في الجنة بمنه وكرمه من أنواع النعيم، ما لا يمكن أن يقارن بما ضحى به العبد من المتع الزائلة الفانية، زيادة عما قد يجده في قلبه من السعادة والراحة بطاعة ربه.
ولعله إذا رأى تمسكك بدينك وأنك امتنعت عن لقائه والجلوس معه رغم محبتك له يعلم عظمة هذا الدين الذي يجعل أتباعه على أتم الاستعداد بالتضحية بكل ما يحبون لإرضاء ربهم سبحانه، ويعلم أنهم يرجون عند ربهم خيرا عظيما يكرمهم به لأجل صبرهم على طاعته، وامتناعهم عن حرماته فيكون ذلك سببا في إسلامه.
نسأل الله أن يهديه للإسلام، وأن ييسر لك الخير، ويصرف عنك الشر.. آمين.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1246)
ما هو سن الطفل الذي تحتجب منه المرأة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو سن الطفل الذي تحتجب منه المرأة هل هو التمييز أم البلوغ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يقول الله تعالى في سياق من يباح إبداء الزينة لهم: (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) النور/31، والطفل إذا ظهر على عورة المرأة وصار ينظر إليها ويتحدث إليها كثيراً، فإنه لا يجوز للمرأة أن تكشف أمامه.
وهذا يختلف باختلاف الصبيان من حيث الغريزة وباختلاف الصبيان من حيث المجالسة، لأن الصبي ربما يكون له شأن في النساء إذا كان يجلس إلى أناس يتحدثون بهن كثيراً، ولولا هذا لكان غافلاً لا يهتم بالنساء.
المهم أن الله حدد هذا الأمر بقوله: (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) النور/31، يعني أن هذا مما يحل للمرأة أن تبدي زينتها له إذا كان لا يظهر على العورة ولا يهتم بأمر النساء " اهـ
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، " مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة ص 148
ومن الأمور التي تدل على أن الطفل بدأ يظهر على عورات النساء:
- قيامه بوصف المرأة أمام الغير
- تمييز المرأة الجميلة من القبيحة
- المقارنة بين النساء في أشكالهن وصورهن
- إطالة النظر إلى النساء والتحديق فيهن
ولا شك أن الأفلام والمسلسلات والفساد الاجتماعي يؤدي إلى سرعة اطلاع الأطفال على عورات النساء فينبغي الحرص والحذر نسأل الله العافية
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد.(7/1247)
ترغب بالزواج من شخص تحبه وأهلها رافضون
[السُّؤَالُ]
ـ[تريد الزواج من شخص وأهلها رفضوا والسبب أنهم قالوا بأنه لن يعاملها جيداً لأنهم رأوه في نقاش حاد معها وهي تحبه فماذا تفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمرأة – بِكراً كانت أم ثيِّباً – الزواج إلا بإذن وليها، وقد سبق بيان ذلك في عدة أجوبة، فليراجع السؤال رقم (2127) .
ثانياً:
الأهل هم الأقدر – عادة وغالباً – على تحديد الأفضل لابنتهم ومن يصلح للزواج منها؛ لأن الغالب على البنت هو قلة العلم وقلة الخبرة بالحياة وما يصلح فيها وقد تخدع ببعض الكلمات فتحكم عاطفتها دون عقلها.
لذلك فإن على البنت أن لا تخرج عن رأي أهلها إن عُرف عنهم الدين والعقل، وأما إذا رد أولياء المرأة الأزواج من غير سبب صحيح، أو كان ميزانهم في الاختيار غير شرعي كما لو قدموا الغني الفاسق على صاحب الدين والخلق فهنا يجوز للبنت أن ترفع أمرها للقاضي الشرعي لإسقاط ولاية من منعها من الزواج وتحوليها إلى غيره، وهذا غير موجود في سؤال الأخت، حيث أن الذي منع الأهل من الموافقة على الزوج ما رأوه أنه من مصلحة ابنتهم، وهو ما يتعلق بخلق الزوج.
ثالثاً:
الحب الذي يقع بين الشاب والشابة قد تكون مقدماته غير شرعية كالاختلاط والخلوة والكلام وتبادل الصور وما شابه ذلك، فإن كان الأمر كذلك: فلتعلم المرأة أنها وقعت في حرام، وأن هذا ليس بمقياس لحب الرجل لها، فإنه قد جرت العادة أن يُظهر الرجل في هذه الفترة أحسن ما يستطيع من خُلُق ومعاملة ليكسب قلب البنت حتى يحصِّل مبتغاه، فإن كان مبتغاه محرَّماً فإنها ستكون ضحية لذئب أفقدها أعز ما تملك بعد دينها، وإن كان مبتغاه شرعيّاً – وهو الزواج – فيكون قد سلك طريقاً غير شرعيَّة، ثم إنها قد تفاجأ بأخلاقه وتعامله معها بعد الزواج، وهذا هو مصير أكثر الزواجات.
ومع هذا فعلى الأهل أن يحسنوا الاختيار لابنتهم، ولهم أن يسألوا أكثر عن الزوج، ولا يمكن تصنيف رجل من خلال نقاش حادٍّ قد يكون له ما يسوغه، فالعبرة بالخلق والدين، وليعلم الأهل قول النبي صلى الله عليه وسلم " لم نرَ للمتحابَّيْن مثل النكاح " - رواه ابن ماجه (1847) وصححه البوصيري والألباني في " السلسلة الصحيحة " (624) -.
وعلى البنت الطاعة لأهلها، فإنهم أدرى بمصلحتها ولا يريدون إلا أن تكون سعيدة مع زوج يرعى حرمتها ويعطيها حقَّها.
كما ننصح الأخت السائلة أن تنظر في إجابة السؤال رقم (23420) فهو مهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1248)
يريد أن ينظر إلى النساء في الشارع بنية الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في دولة كافرة ذات فتن كثيرة، وأريد الزواج وأبحث عن زوجة بمواصفاتي الشخصية وخصوصاً الجمال وأعرف أنه من الجائز النظر للنساء بنية الخطبة فهل يجوز لي النظر إلى النساء في الشارع من أجل اختيار من أتقدم لخطبتها؟ وهل يجوز إذا اخترت فتاة ما وأعجبتني وأريد أن أتأكد أنها تعجب أهلي (وهم يعيشون في بلد آخر) أن أريها لصديق لي ولو لثوانٍ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز النظر إلى النساء في الشارع، إذ إن الله تعالى أمر المؤمنين بغض أبصارهم، قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) النور/30، وفتح العبد هذا الباب على نفسه أمر خطير، والشيطان يزين له في البداية أمر الخطبة، حتى يصبح هذا الأمر عادة عنده، فينظر إلى النساء لا بغرض الخطبة، بل لغرض متابعتهن، والنظر في حسنهن.
والذي يريد الخطبة، فإنه لا ينظر إلى المتبرجات في الشوارع لاسيما في تلك البلاد الكافرة، التي يكون أكثر أهلها كفارا أو فساقا، بل إنه يسأل أهل الفضل والمعرفة، عن النساء الفاضلات الصالحات، فيأتي البيوت من أبوابها.
أما نظرك إلى النساء في الشوارع، فهو نظر إلى الجمال الظاهر، دون الجمال الباطن، الذي هو أولى وأهم من الجمال الظاهر، وما الفائدة أن يتزوج الرجل أجمل الجميلات، ولا يكون عندها من حسن الخلق ولا من أمر الدين شيء.
فعليك بمراجعة نفسك وتنظر في الصفات التي ينبغي أن تتوفر فيمن تختارها للزواج بها، وأهم ذلك أن تكون صاحبة دين وخلق، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (5090) ، ومسلم (1466) .
وليس المراد من الزواج مجرد قضاء الشهوة والاستمتاع، حتى يكون الرجل لا هَمَّ له إلا الجمال، بل الزواج أسمى من ذلك فعليك بدراسة الأوصاف الحقيقة لشريكة العمر، تلك الأوصاف التي تجعل من حياتك سعادة وهناء، لا سعادة مؤقتة تزول بزوال الشهوة، ويبقى الكدر بعد ذلك، والله أعلم.
ولا يجوز لك أن تري صديقك من تريد خطبتها، ولا يجوز له النظر إليها.
وينبغي أن يكون عند الرجل غيرة على أهله وعرضه، وقد تعجب الصحابة رضي الله عنهم من شدة غيرة سعد بن عبادة رضي الله عنه، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟! لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي) رواه البخاري (6846) مسلم (1499) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1249)
تابا من علاقة غير شرعية وتريد مراسلته للزواج منه
[السُّؤَالُ]
ـ[بدأت مؤخراً - والحمد لله - في ارتداء الحجاب، ومنذ ذلك الوقت أدركت كم كنت ميتة قبل الحجاب، الحجاب هذا مسؤولية تحملتها، وأبذل ما أستطيع لكي أصبح مسلمة أفضل.
قبل الحجاب تعرفت على أحد الفتيان وقد أحببنا بعضنا، أعلم أن العلاقات حرام، لكني عندها لم أكن واعية بالصواب والخطأ، غير أني أحمد الله أننا لم نرتكب الزنا، وأنا الآن في السنة الثالثة من الجامعة، وهو في السنة الرابعة.
وهو الآن متدين أيضاً، وعلى الرغم من أنني لم أعد أتحدث إلى الشباب مطلقاً: فإنني لن أستطيع نسيان مشاعري تجاهه، وأتمنى أن يتقدم لي أو على الأقل أن يقول لي شيئاً يجعلني أنتظر خطبته لي، لكن ذلك ليس ممكناً إلا إذا أرسلت له بريداً الكترونيّاً أو حاولت الاتصال به.
وعليه فسؤالي هو:
هل إذا أنا كتبتُ له وأرسلتُ له بريداً الكترونيّاً أساله فيه إن كان يجب عليَّ انتظاره ليتقدم إليَّ أو لا، هل يعتبر ذلك الفعل حراماً؟ فأنا أريد الزواج به على سنَّة الله ورسوله.
وأظن أنه قد يعتقد أني لم أعد أحبه، لذلك أرجو إخباري إن كان عليَّ أن أرسل له رسالة بالبريد الالكتروني أم لا، إنه شخص محترم جدّاً ولا يحب أيضا الحديث مع الفتيات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من المعلوم في دين الله تعالى تحريم اتباع خطوات الشيطان، وتحريم كل ما قد يؤدي إلى الوقوع في الحرام، حتى لو كان أصله مباحاً، وهو ما يسمِّيه العلماء " قاعدة سد الذرائع ".
وقاعدة الشرع المطهر، أن الله سبحانه إذا حرَّم شيئاً حرَّم الأسباب والطرق والوسائل المفضية إليه تحقيقاً لتحريمه، ومنعاً من الوصول إليه.
وإننا لنسعد عندما نسمع أو نرى من يرجع إلى الله تعالى وإلى دينه بعد رحلة ضياعه، وفي الوقت نفسه نخشى أن يزين له الشيطان ما كان يعمل في ضياعه فيصده عن الهداية ويولجه طريق الغواية.
ولا نخفي على الأخت السائلة خشيتنا من هذا الأمر عليها وعلى صديقها القديم التائب، وبالتالي: لا يمكننا أن نوافقها على فكرتها بإعادة المراسلة لمن كانت على علاقة به قبل هدايتها، ولو كان ذلك بحجة الزواج وفق شرع الله سبحانه وتعالى.
وفي مراسلة المرأة الأجنبية لمن لا يحل لها مراسلته مفاسد لا تحصى على العقلاء، لهذا حرم الله إقامة العلاقات وإتخاذ الخليلات، وقد تقدم بعض فتاوى أهل العلم في هذه المسألة في الأسئلة رقم (23349) و (20949) و (10221) .
ثانياً:
وأما الجواب على سؤالك وخلاصته هل يجوز للمرأة أن تخطب الرجل أو تخبره برغبتها في نكاحها؟
فالخطبة في الشرع أن يطلب الرجل المرأة ... انظري السؤال رقم (20069) .
فإن رغبة المرأة في الزواج من رجل ما، فلا بأس أن ترسل من تثق بدينه وأمانته ليعرضها عليه، كما فعلت خديجة رضي الله عنها لما سمعت بالنبي صلى الله عليه وسلم ورأت خلقه وأمانته رغبة في الزواج منه، فأرسلت أحد أقاربها فعرضها عليه فوافق وتزوجها.
وبناءً عليه نقول للأخت السائلة إن كنت راغبة في الزواج من هذا الشاب وكان صاحب خلقٍ ودين فلا بأس أن تعرضي الزواج عليه بواسطة شخص ثقة من أقاربك.
وتجنبي مراسلته ومراسلة غيره من الرجال الأجانب لما في ذلك من الفتنة.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1250)
هذه العلاقة أخوة في الله أم علاقة غير شرعية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[العبد الضعيف شاب متدين (والحمد لله) أدرس في جامعة، في بلد عربي مسلم، حاد فيه الشباب كثيرا عن الدين، وأصبح من الصعب أن تجد الصحبة الصالحة كما أوصانا الرسول عليه الصلاة والسلام، وكما ورد في القرآن الكريم، تعرفت منذ فترة على فتاة متحجبة كانت السبب في هدايتي، فكنا لا نلتقي في الحافلة أو في الجامعة إلا لنتحدث عن الدين وعن حبنا لله، ونشجع بعضنا على حفظ القرآن وقيام الليل، وننهى بعضنا عما حرم الله من خوض في الباطل، وغيرها من الأخطاء التي قد يقع فيها العبد دون أن يشعر، فأصبحت أشتاق لملاقاتها؛ لأني أجد في الحديث معها تقوية لإيماني، ورقيبا يعينني على نفسي، ولكني أقف حائرا في تصنيف هذه العلاقة، ومترددا بين أن أحافظ عليها أو أن أقطعها، فهي ليست من أقربائي.
فهل لي أن أعتبرها أختي في الإسلام؟ وهل يباح لي الحديث معها في الحافلة أو في الجامعة؟ وهل يجوز لي أن أنظر إلى وجهها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يخطئ كثير من الناس حين يظن أحدهم أن صعوبة الزمان وقلة الإخوان وفساد الأحوال تسمح له أن يسلك مسالك الردى، ويقع في حبائل الشيطان.
نعم، احذر - أخي السائل - أن يُلَبِّس عليك الشيطان، فيصور لك المعصية في صورة الطاعة، ويأتيك من الباب الذي تظن أنك قد أغلقته عليه، فإن الشيطان لا يزال يطرق أبواب الضلالة ليفتحها على عباد الله إلى أن يوقعهم في شراكه.
ألم تسمع قول الله تعالى: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) الأعراف/16، 17.
وقال ابن الجوزي رحمه الله في "تلبيس إبليس" (ص 52) :
" وإنما يدخل إبليس على الناس بقدر ما يمكنه، ويزيد تمكنه منهم ويقل على مقدار يقظتهم وغفلتهم، وجهلهم وعلمهم.
واعلم أن القلب كالحصن، والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس.
فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وُكِّلَ بحفظه، وأن لا يفتر عن الحراسة لحظة، فإن العدو ما يفتر.
قال رجل للحسن البصري: أينام إبليس؟
قال: لو نام لوجدنا راحة! " انتهى باختصار.
والحال التي تسأل عنها هي من حبائل الشيطان، فكم من نيران اشتعلت في قلوب الشباب وكان أولها شرارة من نظرة أو ابتسامة أو لقاء ومحادثة، وكثيرا ما يكون ذلك بحجة الصحبة والمناصحة والدعوة إلى الله!!
فالشريعة الحكيمة حين حرمت الاختلاط بين الرجال والنساء، وخلوة الرجل بامرأة أجنبية عنه، ونظره إليها، ومصافحته لها، نظرت إلى مآلات الأمور والمفاسد التي تنتهي إليها، والله سبحانه وتعالى خالق البشر، وهو أعلم بما يصلح نفوسهم وما يفسدها.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني (1758) .
" وَالْمَعْنَى: يَكُونُ الشَّيْطَانُ مَعَهُمَا يُهَيِّجُ شَهْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يُلْقِيهمَا فِي الزِّنَا " انتهى من "تحفة الأحوذي".
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن جَارِيَةً شَابَّةً مِنْ خَثْعَمٍ أتت النبي صلى الله عليه وسلم وَاسْتَفْتَتْهُ وكان الفضل بن العباس رديفه على البعير (يركب خلفه) فَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ.
فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟
قَالَ: رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا. رواه الترمذي (885) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، والحديث أصله في الصحيحين.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (12/163) :
" اختلاط الرجال والنساء في التعليم حرام ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة وانتشار الفساد وانتهاك الحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشر والفساد الخلقي من أقوى الأدلة على تحريمه " انتهى.
وسئلت اللجنة أيضا (17/66) السؤال التالي:
" ما حكم الشرع في الصداقة مع الجنس الآخر، مع العلم أن هذه الصداقة شريفة عفيفة يعلم بها الجميع وليست في الخفاء؟
فأجابت:
" هذا من أعظم المحرمات، وأشد المنكرات، فلا يجوز للمرأة أن تصادق الرجال الذين ليسوا من محارمها أو العكس؛ لأن ذلك وسيلة إلى الفتنة والوقوع في الفاحشة " انتهى.
وأما النظر إلي وجهها، فقد سبق في جواب السؤال (1774) أن تعمد النظر إلى المرأة الأجنبية حرام.
فالنصيحة لك أن تحسم موقفك من هذه العلاقة، فإما أن تختارها زوجة لك، إن كانت هذه الفتاة ذات دين وخلق، وقد تعلقت بها، وإما أن تقطع علاقتك بها، وتغلق هذا الباب، فإنه باب شر وفساد، فلا تفتحه على نفسك فتندم حين لا ينفع الندم.
وانظر الأسئلة: (1200) (33702) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام ؤال وجواب(7/1251)
هل يجوز لزوج أختها المبيت عندهم في المنزل
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي وزوجها يبيتون عندنا وأنا لا زلت آنسة، وأكبر منها، والشقة: 2غرفة للنوم، وصالون.
هل المبيت عندنا حرام شرعا؟ حيث إنني لم أتزوج بعد، ووجوده يدفعه لاستخدام كل مكان بالمنزل، وهل قضاء بعض الاحتياجات خارج المنزل معه حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
زوج أختك يعتبر أجنبيا عنك، فلا يجوز الخلوة بينكما، ولا المجالسة من غير محرم، ولا الخروج معه خارج المنزل، ولا كشف الوجه له، فحاله كحال أي رجل أجنبي.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/420) :
" زوج الأخت ليس من محارم المرأة، ويعتبر أجنبيا عنها، لا يحل لها أن تكشف وجهها له، ولا تصافحه، ولا تخلو به، ولا أن تسافر معه، شأنه شأن الرجال الأجانب، لكن إذا جلست معه مع وجود محرم من محارمها ومع احتجابها وتسترها وتحفظها فلا بأس " انتهى.
كما جاء في فتاوى اللجنة (17/160) السؤال التالي:
أنا وابنة أخي متزوجتان أخوين، وأنا ابنة عمه، ونعيش في بيت واحد منذ قديم الزمان، وأجلس مع شقيق زوجي متحجبة حجابا غير كامل، حيث إن وجهي مكشوف، ولكني غير متبرجة، فما حكم هذا العمل؟
فأجابت:
" يجب على المرأة أن تغطي وجهها عن زوج ابنة عمها، وزوج أختها، وزوج ابنة أخيها؛ لأنهم أجانب منها، فلا يجوز لها كشف وجهها عندهم كغيرهم من الرجال غير المحارم؛ لأن الوجه من أعظم العورة التي يجب سترها عن الرجال؛ لأنه محل الفتنة والنظر " انتهى.
ومجرد مبيته عندكم ليس محرماً في حد ذاته، إذا حصل التحفظ التام، وأُمِن الوقوع فيما حرم الله.
ولكن. . لما كان حال البيت الذي تسكنون فيه ما ذكرت من الضيق، فعلى أختك وزوجها البحث عن مسكن آخر لهم والانتقال إليه – إن كانوا ساكنين معكم على الدوام -، أو تخفيف مدة الزيارة لكم – إن كان سكنهم معكم مدة الزيارة فقط -، وأثناء ذلك كله لا تفرطي في احتجابك عنه، ولو شق ذلك عليك، فهذا أمر الله سبحانه وتعالى، وهو أعلم بما يصلح أحوال عباده.
وانظري سؤال رقم (6408) (13261) (13728) (40618)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1252)
يصلي ويعبد الله، لكنه مفتتن بالنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما العمل فيمن يصلي ويصوم ويعبد الله كثيراً ويخافه ويتقيه (قدر المستطاع) ولا يقوى على كبح جماح غرائزه، ومنع نفسه من العلاقات النسائية المتعددة، وإن كانت لا تخلو من ارتكاب المعاصي، أحيانا، مع أنه كثيرا ما يقاوم ذلك، في حين أنه متزوج وله ثلاثة أبناء؛ منهم بنتان، وعلاقته طيبة مع زوجته؟! .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن أصل الأصول الذي تنبني عليه حياة العبد: إيمانه بالله، وما يستلزمه من العمل الصالح؛ فهذا فقط هو العصمة من الخسران في هذه الحياة، قال الله تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) سورة العصر. وهذا أيضا هو سبب الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97.
غير أن عبادة العبد لربه ليست موسمية، أو آنية؛ بحيث يطيع ربه في وقت أو موسم، ثم هو يحيا بعد ذلك كيفما شاء أو شاء له هواه، وإنما هي عبادة شاملة لحياته كلها، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام/162-163. ولأجل ذلك ينبغي أن يظهر أثر هذا الإيمان وتلك الطاعات في سلوك العبد وحياته؛ فالمؤمن لا يكون كذابا، ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، فالإيمان الصادق حاجز عن ذلك، والصلاة الحقيقية تنهى صاحبها عن القاذورات؛ قال الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/45.
ثم إنني أدعوك أخي الكريم لتشاركنا ساعة صدق وهدوء، لنتأمل سويا ما رواه أبو أُمَامَةَ رضي الله عنه أنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا!!
فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ؛ قَالُوا: مَهْ مَهْ!!
فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا. قَالَ: فَجَلَسَ.
قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟!
قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ.
قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟!
قَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ.
قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟!
قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ.
قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟!
قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.
قَال:َ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟! قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَال:َ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ
قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ.
فَلَمْ يَكُنْ الْفَتَى بَعْدَ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ) مسند أحمد 21705 وصحح الألباني إسناده في الصحيحة 370.
وأسألك في هذه الوقفة الهادئة الصادقة بالله: أتحب ذلك لابنتيك؟! أم تحبه لزوجتك؟
فلم ترضاه في بنت غيرك، أو زوجته، أو ... ؟؟
لا تقل: إن معصيتك التي أقررت بها لم تصل بك إلى حد الزنا، لأن السؤال باق عليك أيضا: أترضاه لنسائك وأهل بيتك؟! ولتعلم أن من حام حول الحمى، أوشك أن يواقعه؛ كذا قال الصادق المصدوق!!
فإن كنت فتيا ففي الناس غيرك فتيان، وإن كنت رجلا، ففي الناس أيضا رجال:
جاء شقيقٌ عارضا رمحه إن بني عمك فيهم رماح
ولئن ظننت أن عندك غيرة على عرضك، وغيرك لا يغار، فأنت غالط واهم، وهب أنك صادق، وهذا ما لا يكون، فأين منك غيرة الله على حرماته؛ لقدْ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ ذكر الحديث، وفيه: ... ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَال: ... َ (يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) البخاري 1044 ومسلم 901
ألا تحمد الله على زوجتك التي تحيا معك حياة طيبة؟! ألا تخشى..؟! ألا تخشى ... ؟!
أعرفت الآن أنك لم تتق الله، ولا قدر المستطاع؟
نعم، فالله تعالى حد لك الحلال في أمرين: زوجتك أو ما ملكت يمينك، لمن عنده ملك اليمين، وقال لك: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ) (7) المؤمنون، وها قد ابتغيت ما وراء ذلك!! ثم تسأل عن العمل؟!
هل غضضت من بصرك كما أمرك الله؟!
وهل ابتعدت عن الخلوة بالنساء، والدخول عليهن، كما أمرك النبي صلى الله عليه وسلم؟!
وهل حميت نفسك عن مصافحة النساء، وأن تمس امرأة لا تحل لك، كما أمرك النبي، صلى الله عليه وسلم؟!
أعرفت أنك لم تتق الله، ولا قدر المستطاع؟!
فإن فعلت ما أمرك الله ورسوله، واتقيت ربك، واتقيت فتن النساء، ففي الطهر الحلال من زوجك ما يكفيك.
فإن احتجت، فقد أحل الله لك أن تنكح ما طاب لك من النساء؛ مثنى وثلاث ورباع.
فإن لم تقنع، فعليك بالصوم، فإنه لك وجاء!!
ولا يهلك على الله إلا هالك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1253)
تعلقت برجل متزوج ولا تستطيع الابتعاد عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[تَعَرَّفْت على صديق لها، ولكنه تركها وتزوج، ولها صديق آخر متزوج كانت تشكي له همومها، فتعلقت به ولا تستطيع الابتعاد عنه، وقد وعدها بأن يطلق زوجته ويتزوجها، ولكن أمه ترفض طلاق زوجته والزواج منها، وهي الآن تخرج معه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب عليكِ التوبة والاستغفار والندم على ما حصل منكِ من الاتصال برجال أجانب عنك، والحديث والخروج معهم.
كما يجب عليك فوراً قطع العلاقة بهذا الثاني، ودون تردد، فالعلاقة بينكما محرَّمة.
وكيف ترضين أن تكوني سبباً في طلاق زوجته، ولو كنت مكانها لما رضيت أن يطلقك زوجك من أجل امرأة أخرى دخلت بينكما لتفسد حياتكما.
ثانياً:
ولا نعرف كيف يقبل رجل عاقل الزواج من امرأة وهو يعلم أن لها علاقات محرمة مع رجل قبله، وهي لم تتب من تلك العلاقات؟!
فأين العفة والغيرة! أما يخشى أن يعود ذلك الرجل إلى حياتها مرة أخرى!
والأمر بصراحة بالغة: إما أن تكون المرأة تائبة أو غير تائبة، فإن تابت من تلك الاتصالات والعلاقات فلن يكون هناك لقاء وعلاقة بينه وبينها إلا الزواج، وفي هذه الحال لا بأس من أن يتزوجها، ولكن يطيع أمه، ولا يطلق زوجته الأولى.
وإن لم تتب من أفعالها فلا يبعد أن تقيم علاقات مع ثالث ورابع.
والأمر كذلك بالنسبة لكِ إذ كيف ترضينَ بالزواج من رجل رضي بإقامة علاقات محرمة من محادثات ولقاءات محرمة، وهو إن تاب فلن يكون هناك لقاءات بينكما، وإن لم يتب فمثل هذا لا يوثق به، وقد يكون هدفه التسلية معكِ، وإذا صدق في الزواج فلن يمنعه شيء من إقامة علاقات محرمة مع غيركِ.
لذا: الواجب عليكِ قطع العلاقة معه دون تردد، واستغفار الله تعالى من تضييع عمرك في المحرمات، واللجوء إليه سبحانه وتعالى ليطهِّر قلبك، ويزيل كل أثرٍ لتلك العلاقات المحرمة والتي أفسدت القلب والعقل، فضلاً عن نقصان الدين.
ويرجى إن صدقتِ في التوبة أن يرزقك الله تعالى خيراً منه، وأن ييسر لكِ الزواج من رجلٍ صالح عفيف، يعاشرك بالمعروف، ويساعدك على تحقيق رضى ربك تبارك وتعالى، وتُكَوِّني أنتِ وهو أسرة مؤمنة وذرية صالحة طيبة.
ولا تلتفتي إلى عاطفتك وقلبك، فالعاطفة هنا غلبت العقل والدين فهي مضرة لك في دينك ودنياك، وقلبك الآن مريض فلا ينبغي لك أن تجعليه قائداً يقودك نحو الهاوية.
واستعيني بالله تعالى، فما خاب من استعان به، ولا خسر من ذلَّ نفسه لربه تعالى، وأكثري من عمل الصالحات، وابحثي عن رفقة مؤمنة مستقيمة من النساء تستعيني بهن على ما يصيبك من هموم وغموم، ويعاونك على طاعة ربك عز وجل.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1254)
لا يصلي ويقيم مع عشيقته ويريد أن يتوب ويتزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص مسلم فرنسي ولكنه لا يصلي ولا يصوم ويقيم مع عشيقته المسيحية يرغب في التوبة والصيام، ولكنه يتحجج بوجود هذه المرأة معه، هل يجوز له أن يتزوجها الآن مع العلم بأن غداً هو أول أيام رمضان؟ وإذا جاز ذلك فكيف هو السبيل والإجراء الشرعي المتبع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليعلم هذا الشخص وغيره أن ترك الصلاة كفر مخرج من الملَّة، والإسلام لا يرضى لأحدٍ من أتباعه أن لا يصلي ولا يصوم ويقيم مع عشيقته.
فالواجب عليكم أن تنصحوه وتبينوا له حقيقة الإسلام، وأنه استسلام لأحكام الشرع، والمسلم ينبغي أن يكون قدوة للآخرين لاسيما في تلك البلاد، وهو لا يمثل نفسه بل يمثل الإسلام الذي دخله والتزمه، فالواجب عليه ترك ما هو فيه من معاصٍ، والالتزام بأحكام الشرع وبخاصة الصلاة، التي هي الفاصل بين الإسلام والكفر.
ثانياً:
وقد سَرَّنا كثيراً أنه يريد التوبة فما الذي يحول بينه وبين التوبة؟ والله تعالى يفرح بتوبة عبده المؤمن، وإذا أقبل العبد على الله أقبل الله عليه، وغفر ذنبه , فعليه المبادرة بالتوبة، وعدم تسويفها، أو تعليقها بحصول أشياء خشية أن يموت ولم يتب، فيلقى ربه بذنوبه ومعاصيه، وقد يلقاه بالكفر.
وبيِّنوا له أن الله تعالى يبدِّل السيئات حسنات لمن تاب، قال الله تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/70.
فعليه المبادرة بترك كل ما هو عليه مما يغضب الله تعالى من ترك الصلاة والإقامة مع عشيقته.
وانظر أجوبة الأسئلة: (624) و (13990) و (34905) و (22912) .
ثالثاً:
إذا تاب وأناب إلى الله: فليعلم أنه لا يجوز له الزواج من تلك العشيقة، لا لأنها نصرانية، بل لأنها " زانية " – على حسب وصفه وكلامه -، ومن شروط نكاح الكتابية – اليهودية أو النصرانية – أن تكون محصنة، أي: عفيفة غير زانية ولا لها عشيق، قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) النساء/5. فاشترط الله تعالى لنكاحها أن تكون عفيفة، ولا يجوز لمسلم أن ينكح كتابية وهي ليست كذلك، بل لو كانت مسلمة لكنها زانية ما جاز لمسلم عفيف أن يتزوجها، قال تعالى: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3.
وانظر تفصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم (11195) و (2527) .
فإذا أراد أن يتزوجها فلا بد أن يكون ذلك بعد توبته ورجوعه للإسلام بأداء الصلاة، وبعد توبتهما معاً من الزنى.
هذا إذا أراد أن يتزوجها.
وواجب النصيحة يحتم علينا أن ندله على خير ما نعلم مما يصلح دينه ودنياه، وهو أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، ويبادر إلى ترك هذه المرأة دون تردد ولا تسويف، وأن يبحث عن غيرها من المسلمات المحصنات المؤمنات، فهو إن تاب إلى الله عز وجل أحوج ما يكون إلى من تفهم دينها وتقف بجانبه وتحثه على طاعة الرحمن بعد ذلك الضياع، وأما تلك المرأة فإنها لو تابت من الزنى فلن تكون عوناً له على طاعة الله عز وجل، ولن تكون أمينة على بيته وماله وعرضه، ولن تصلح لتربية أبنائه وبناته، فلا نريد له بهذه النصيحة إلا الخير، وليستعمل عقله، ويبتعد عن العاطفة ليعلم أن هذا هو الصواب.
ولو قَلَّب نظره يميناً وشمالاً لرأى كثيراً من إخوانه المسلمين الذين تزوجوا من غير المسلمات قد ساءت أحوالهم، وندموا على ذلك، وتمنوا أنهم لم يتزوجوا من غير مسلمة.
وانظر جواب السؤال رقم (20227) و (45645) فهما مهمان.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1255)
يعمل في مكان مختلط ويخاف على صيامه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة ليس بها سواي من الرجال، فهل اختلاطي بالنساء يؤثر علي صيامي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل، له آثاره السيئة، ومفاسده الواضحة، على كلٍّ من الرجل والمرأة، ومن ذلك:
1- حصول النظر المحرم، وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، فقال سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النور/30، 31.
وفي صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري) .
2- قد يحصل فيه اللمس المحرم، ومنه المصافحة باليد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045) .
3- أن الاختلاط قد يوقع في خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، وهذا محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وفي رواية: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان) رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في غاية المرام (180) .
4- ومن مفاسده: تعلق قلب الرجل بالمرأة وافتتانه بها، أو العكس، وذلك من جراء الخلطة، وطول المعاشرة.
5- ما يترتب على ذلك من دمار الأسر وخراب البيوت، فكم من رجل أهمل بيته، وضيع أسرته، لانشغال قلبه بزميلته في الدراسة أو العمل، وكم من امرأة ضيعت زوجها وأهملت بيتها، لنفس السبب، بل: كم من حالة طلاق وقعت بسبب العلاقة المحرمة التي أقامها الزوج أو الزوجة، وكان الاختلاط في العمل رائدها وقائدها؟!
ولهذا - وغيره - جاءت الشريعة بتحريم الاختلاط المفضي إلى هذه المفاسد، وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط مفصلة في جواب السؤال رقم (1200) فراجعه مشكورا مأجورا.
وعليه؛ فالنصيحة لك أيها السائل أن تدع العمل المختلط، وأن تبحث عن عمل آخر، تسلم فيه من هذه المحاذير، مع اليقين بأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن من اتقى الله جعل الله من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) الطلاق/2-3.
فإن ابتليت بالبقاء في هذا العمل، فاتق الله تعالى، وغض بصرك عن النساء، وتجنب مصافحتهن، والخلوة معهن، وراقب الله تعالى، واعلم بأنه سبحانه يعلم السر وأخفى، وأنه (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر/19.
رزقنا الله وإياك الهدى والتقى، والعفاف والغنى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1256)
التصوير الطبي من الرجل للنساء وعلاقته بالصيام واللمس
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مجال التصوير الشعاعي، ومن ضمن أنواعه التصوير النسائي الذي يستلزم إجراء فحص للمريضة، فما حكم صيام من اضطرت لعمل الصورة هل تفطر وتعيد؟ وما حكم وضوئي إذا قمت أنا بفحصها للتصوير مع العلم أني أضع " قفازات " أثناء الفحص؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لا يؤثر التصوير الشعاعي على الصيام، ولا يعتبر من مفسدات الصيام إلا إن تناول المريض دواء، أو تناول طعاما أو شرابا قبله بأمر الطبيب فيفسد صومه بسبب الأكل والشرب.
ثانياً: لا يؤثر الفحص على وضوء من يقوم به، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (20710) (22757) أن الصحيح من أقوال العلماء أن مس المرأة الأجنبية لا ينقض الوضوء.
ولا يجوز للرجل الأجنبي أن يعالج امرأة أجنبية ولا العكس إلا من ضرورة، وينبغي أن تقدَّر هذه الضرورة بقدرها، فلا يجوز الكشف لأدنى سبب ولأقل مرض، ولا يجوز النظر إلى أكثر من موضع الألم المراد الكشف عليه، ولا يجوز أن تكون خلوة بين المعالج والمريض.
وقد سبق في جواب السؤال (2198) حكم علاج الرجال للنساء.
ومس الأجنبي للمرأة والعكس محرَّم، ووضع القفازات أهون عندما تكون هناك ثمة ضرورة في العلاج.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1257)
تعرف ابنه على فتاة عبر الشات ويريد الزواج بها
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرف ابني البالغ من العمر إحدى وعشرين عاماً على فتاة في مدينة أخرى عن طريق الشات، وظل يواصل الاتصال بها ثم أخذ يحادثها هاتفياً، وأعجب بها وأُعجبت به، وتطورت العلاقة بينهما خلال عدة أشهر إلي أن اتفقا على الزواج، علما بأنه- حسب ما ذكر لي - لم يحصل بينهما أي لقاْء،ثم طلب مني أن أخطب له تلك الفتاة، حيث إنه في البداية لم يصارحني بأنه تعرف على تلك الفتاة عن طريق الشات، بل لجأ في البداية إلى عمته الموظفة التي أسرَّ لها بذلك، وطلب منها أن تدعى معرفتها بتلك الفتاة عن طريق إحدى زميلاتها في المدرسة وأن تتصل بأم الفتاة، وتخبرها برغبة أهله بالتعرف عليهم تمهيداً لخطبتها منهم وفعلا قامت بذلك، إلا أنى قد جابهت طلبه بالزواج منها بالرفض القاطع لعدة أسباب:
أولاًً: لأن الطريقة التي تعرف بها على تلك الفتاة غير مشروعة.
ثانياً: أنه لا يعرف عن حقيقة أخلاقها الشيء الكثير وكل ما يعرفه عنها كان من خلال المكالمات فقط.
ثالثاً: أنه كذب علي في بداية الأمر، ولجأ إلى عمته في موضوع حساس كان يجب أن يبقى طي الكتمان حتى عن أقرب الناس حتى يتم، ثم يعلن للآخرين.
رابعاً: أننا ولله الحمد ننتمي إلى أسرة محافظة وهذا الأسلوب في الاتصال مع الفتاة لا يتفق مع مبادئنا وقيمنا فضلاً عن عاداتنا وتقاليدنا. الخلاصة أنني في حيرة شديدة من أمره، حيث أنه الآن صار متعثراً في دراسته الجامعية وأصبح ميالاً إلى العزلة.
علماً بأنه كان متفوقاً في دراسته في السابق، وكلما حاولنا ثنيه عن التفكير في هذا الموضوع والانتباه لدراسته عاد مصراً على أن موافقتنا له على الزواج من تلك الفتاة سوف يكون سبباً في استقامة حاله وإسعاده، وأننا سوف نتقبل تلك الفتاة ونعجب بها.
فما هو رأى فضيلتكم في هذه المشكلة المحيرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن هذه المشكلة – وغيرها كثير – تؤكد صحة ما ينادي به كثير من الدعاة والمصلحين من ضرورة الانتباه لتعامل أبنائنا وبناتنا مع الإنترنت، والحذر من الدخول في حوارات بين الرجل والمرأة عبر الشات؛ لما في ذلك من الفتنة المحققة، وما يتبعها من اتصالات ولقاءات.
ولاشك أن ابنك أخطأ في إقامة هذه العلاقة مع امرأة أجنبية لا تحل له، وأخطأ في كذبه عليك، وفي إفشاء هذا الأمر لعمته، لكننا لا نوافقك على مبدأ رفض الزواج من هذه الفتاة، لا سيما إن شعرت بشدة تعلق الابن بها، وذلك لما يلي:
أولا: ليس كل فتاة يقع منها هذا التصرف يمكن الحكم عليها بأنها منحرفة أو سيئة التربية والخلق، فقد يكون هذا منها على سبيل الزلة والسقطة، كما هو الحال مع ابنك.
ثانيا: ما أصاب ابنك الآن من ميول للعزلة وتعثر في الدراسة قد يكون لتمكن حب هذه الفتاة من قلبه، ومثل هذا قد لا ينفع معه دواء غير الزواج بمن أحب، وفي الحديث الذي رواه ابن ماجة (1847) " لم ير للمتحابين مثل النكاح " والحديث صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة.
ثالثا: كون الابن لا يعرف كثيرا عن أخلاق هذه الفتاة يمكن علاجه بالسؤال عنها والتوثق من حالها.
ولهذا نرى أن تسعى لمعرفة حال هذه الفتاة وحال أهلها، فإن كانت على غير الصفة المرضية، كان هذا عذرا مقنعا لابنك حتى يصرف تفكيره عنها.
وإن رضيت حالها وحال أهلها بعد البحث المتأني، فلا مانع من زواج ابنك منها، بل هذا خير علاج له ولها.
ومحل هذا الكلام إن شعرت بشدة تعلقه بها وحرصه على الزواج منها، كما سبقت الإشارة إليه، أما إن كان الأمر مجرد فكرة راقت له، ولم يبلغ الأمر مبلغ العشق أو التعلق الشديد، ورجوت نسيانه لها وانصرافه عنها، فاثبت على مبدأ الرفض، وكن معينا له في البحث عن ذات الخلق والدين والعفة، فما أكثر الصالحات العفيفات اللائي لم يعرفن الرجال ولم يخضن غمار الفتنة.
والجأ إلى الله تعالى أن يلهمك رشدك، واستعن بصلاة الاستخارة في جميع ما تقدم عليه من أمر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1258)
الزواج من غير العفيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في حيرة من أمري.
فأنا أحب خطيبتي لكنها كانت تعيش قبل الخطبة كما تعيش الفتاة الغربية، تلبس الملابس الخليعة، كانت تدخن.. وتجلس مع الشباب.. وتذهب معهم إلى بيوتهم.. وهي لم تفقد بكارتها.
وكانت تحب شاباً حباً شديداً إلى درجة الجنون كما تقول.
لكنها توقفت عن كل تلك الأعمال بعد الخطبة، وقد بدأت أكرهها تدريجياً بسبب تلك الأعمال، وأخذت أظن أنها تكذب عليّ. ولا أصدق أن فتاة غربية تعيش كذلك ثم تدعي أنها لم تتخذ صديقاً أو عشيقاً!!
هذا غير ممكن. ولذلك بدأت أكرهها، وأخذنا نتشاجر كثيراً فماذا نتصحني.
ثم عندي مشكلة أخرى وهي أني تعرفت على فتاة وقد ضعفت نفسي وارتكبت معها خطأً كبيراً. لا أعرف كيف حصل.. لكنه وقع.
لقد تبت عن سيئاتي لأني أرى أن خطيبتي أصبحت مخلصة جدا بعد أن خطبتها. وسؤالي يا أخي هو: ماذا أفعل؟ كيف أحل هذه المسألة؟ أنا بحاجة للمساعدة حقاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت المرآة التي ذكرت بتلك الأوصاف قبل الخطبة فإنه لا يجوز نكاحها حتى تتوب توبة صادقة مع الله لا لأجل خطبتك لها فإن ظهرت لك توبتها وندمها على ذلك ورأيت حرصها وبعدها عن الرجال الأجانب والخلوة بهم فإن ظهر لك ذلك بوضوح فإنه يجوز لك نكاحها.
ونصيحتي لك أن تبحث عن امرأة صالحة عفيفة فالمرآة الصالحة سبب لسعادتك في الدنيا ومن أسباب نجاتك في الآخرة لأنها ستكون يوماً أماً لولدك وحافظة لشرفك وخازنة لمالك وبمثل ذلك تحصل المودة والرحمة والسكينة التي هي أساس السعادة الزوجية قال الله عز وجل: (ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) ، قال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرآة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) أخرجه البخاري (3/242) وسلم (2/1086) وفي الحديث (الدنيا متاع وخير متاع الدنيا الزوجة الصالحة) أخرجه مسلم (2668)
أما ما ذكرته مما حصل مع الفتاة فالحمد لله الذي وفقك للتوبة وهذا من فضل الله عليك وعلى الإنسان أن يحرص على نفسه ويجتنب أسباب الوقوع في مثل هذا الأمر العظيم.
وننبهك أخي الكريم أن التوبة لابد أن تكون لله لا من أجل أن خطيبتك أصبحت مخلصة لك فنوصيك بتجديد التوبة والاستغفار ومعاهدة الله على عدم العود لمثل ذلك.
وأوصيك بأمور نسأل الله أن ينفعك بها:
أولاً: غض البصر عما حرم الله والاشتغال بقراءة القرآن والحديث وقصص الصالحين والعلماء والزهاد.
ثانياً: الحذر من الخلوة بالنساء غير المحارم.
رابعاً: عليك برفقة صالحة تعينك وتقويك على أمور دينك ودنياك.
خامساً: احذر سماع الموسيقى والأغاني فإنها وسيلة الزنى وطريقه.
سادساً: احرص على إقامة الصلوات مع المسلمين واحرص على أركانها وخشوعها ووضوئها، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وأهلها هم أهل الفلاح، قال سبحانه: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)
وفقنا الله وإياك لكل خير ويسر لك أمرك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1259)
حديث الطالبة مع مدرسها في الجامعة
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم بتدريسنا في الجامعة شاب، فهل يجوز لنا سؤاله والحديث معه في نطاق الدراسة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في السؤال رقم (1200) بيان حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء، وبيان ما فيه من مفاسد دينية ودنيوية.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن الواجب عليك أيتها الأخت الفاضلة ألا تمكثي في مكان فيه اختلاط بين الرجال والنساء إلا لضرورة، فإن كانت الجامعة للبنات، وكان المدرسون من الرجال، فالخطر أقل، لكن لا يزال الأمر بأهل الأهواء والشهوات حتى يزيلوا كل حاجز بين الجنسين، فنوصيك بتقوى الله عز وجل، ومراقبه في السر والعلن.
يراجع السؤال (8827)
أما حديث المرأة مع الرجل لأجل الحاجة فلا حرج فيه، بشرط ألا يكون ذلك في خلوة، ولو كانت هذه الخلوة في مكتب أو قاعة للدراسة لا يوجد غيركما، مع التزام الحشمة والوقار، والحجاب الشرعي، ومراعاة التحدث بما فيه الحاجة دون زيادة أو خضوع بالقول، مع أمن الفتنة، فإن كانت المرأة تحس بشهوة أو تتحدث مع الرجل لمجرد الاستئناس، أو كان الرجل كذلك، كان الحديث بينهما محرما، لما يفضي إليه من الفتنة والمعصية.
والله أعلم.
يراجع السؤال (1121، 10156) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1260)
تعلق قلبه بفتاة ويريد الزواج منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أصلي وأحفظ القرآن ولله الحمد، لكن تعرفت على فتاة عن طريق الهاتف، وبدأت علاقتنا بالهاتف، ثم تقابلنا ولم يحصل بيننا أي منكر ولله الحمد، ثم نصحتها بالمحافظة على الصلاة وحفظ القران وترك الأغاني، وأن تكون علاقتنا مبدؤها حب الله عز وجل أولا ثم رسوله محمد عليه السلام ثم المحبة بيننا، وجدت منها استجابة، وواظبت على الصلوات، وقراءة القرآن، وترك الأغاني، ثم قطعنا علاقتنا بالهاتف، وقالت: هي تنتظرني إن شاء الله، وأنا الآن متردد: هل أُقدِم على الزواج منها، رغم ما نسمع عن الأثر السيء لمثل هذه العلاقات، على استقرار الحياة الزوجية فيما بعد؟ ، أو أقطع علاقتي بها تماماً، مع تعلق قلبي بها، ومع أننا اتفقنا على أن نسير في حياتنا على ما يرضي الله تعالى، وقد عزمنا على أن نبدأها بزيارة بيت الله الحرام إذا تم زواجنا إن شاء الله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يزال الناس يُحْدِثون، ويُحْدث لهم الشيطان، ولا يزال الشيطان يزين للناس أعمالهم، ويأتي كل واحد من مداخله التي يسهل عليه أمرها، فالكسلان يأتيه من باب التفريط، وصاحب الهمة يأتيه من باب التنطع والتشديد، ولا يزال الناس منه في بلية، وتلك سنة الله في خلقه.
وهكذا العلاقات بين الناس، لاسيما ما يكون منها بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه، فإن اللعين يزين لطالب الجمال من أوقعه في حبالها، حتى تكون في عينه أجمل النساء، ولربما كانت من أدناهن حظاً في الجمال، وهكذا المصلي، حافظ القرآن، إن عز على الشيطان أن يوقعه في حبائل النساء بالعلاقات المحرمة، لصيانته لدينه، وأنفته من أن يشابه الفساق، فإنه يأتيه من باب الحب في الله، والعلاقات الإسلامية الأخوية، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهكذا يكون الشيطان في سعيه:
لكل ساقطةٍ في الحي لاقطةٌ وكل كاسدةٍ يوما لها سوقُ
لسنا ندري أيها الأخ الكريم المصلي، يا صاحب القرآن، هل أنت في حاجة إلى أن نقول لك: إنك قد تركت الأبواب المفتوحة بشرع الله لقضاء حاجاتك، وأتيت البيوت من ظهورها: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا) البقرة/189؟!
كان ينبغي ألا تحتاج!!
هل أنت في حاجة إلى أن نقول لك: إن مجرد اللقاء بين رجل وامرأة أجنبية منكر لا يرضاه الله ورسوله، لما فيه من الخلوة المحرمة، والدخول على النساء، والنظرة المحرمة , ... ، ولو لم يكن فيه المنكر الشنيع الذي تقصده، فكما أن الأعمال الصالحات درجات في العلو والصعود , فكذلك خطى الشيطان دركات في الدناءة والسفول؟!
كان ينبغي ـ وأنت المصلي، صاحب القرآن ـ ألا تحتاج!!
لو كنت سألتنا قبل أن تقدم على كل تلك الخطى، كما كان الواجب عليك، لقلنا لك: مالك وللشاردة من بنات الناس؟! لا يأوي الضالة إلا ضال!! دعها، وإن لم تطرد عنها الذئاب، فلا تكن أنت ذئبها، حتى يتلقاها ربها ببره، ويمن عليها بتوبته، ويوفق لها من محارمها، أو نسائها من يهديها الطريق!!
أما وقد كان ما كان، فالحمد لله على ستره عليكما، ولطفه بكما؛ فلم يقع بينكما ما يقع عادة في مثل تلك العلاقات، والحمد لله أن وفقكما إلى قطع تلك العلاقة بينكما، لكن أكملا ذلك العمل بالتوبة إلى الله عز وجل عما بدر منكما، وقطع حبائل الشيطان التي نصبها لاصطيادكما، وإشعال جمار الهوى والمعصية في قلوبكما، ونسأل الله أن يمن علينا وعليكما بالقبول.
فإن فعلتما ذلك، وبدأتما في تصحيح ما بدر منكما، وتركتما ما سبق المنكرات، فاستخر الله تعالى في أمر الزواج الذي تريده، ولعل ذلك أن يكون تأكيدا لأخذكما في طريق الفلاح: (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
على أنك ينبغي عليك، كما ينبغي عليها هي أيضا، أن يتحرى كل واحد منكما معرفة سيرة صاحبه، قبل تلك الزلة، وأن يقف على سيرته، وسيرة أهل بيته، كما يفعل الخُطَّاب عادة، فإن كان ما حدث منها من التعارف واللقاء بينكما بهذه الطريقة المرفوضة شرعا وأدبا، إن كان ذلك زلة وقى الله تزايد شرها، واشتعال شررها، فاسعيا في إتمام أمر زواجكما في أقرب وقت يتيسر لكما ذلك الزواج فيه.
نعم، قد كانت البداية خاطئة، لكن ليس من الحكمة، ولا من الشرع في شيء، أن ندع الغريق ونحن نقدر على أن ننقذه، لأنه هو الذي غرر بنفسه، وركب لجة البحر!!
ومقام التحذير من الشر، ونهي العباد عنه شيء، ومقام علاج من أخطأ وحاد عن الطريق شيء آخر، وأهل السنة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يعرفون الحق، ويرحمون الخلق.
فالذي نشير عليك به أن تقدم على الزواج بمن تعلقت بها، وتعلقت بك، بعد استخارة الله، كما مر، والاجتهاد في التضرع إليه أن يوفقكما لما يحبه الله ويرضاه، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ) [رواه ابن ماجة 1847 وقال البوصيري: رجاله ثقات، وإسناده صحيح] .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
، فإن قدر الله بينكما هذا الزواج بعد ذلك، فهو الخير إن شاء الله، وإن لم يقدر ذلك، فهو الخير أيضا إن شاء الله.
وننصح بمراجعة السؤال 36618
نسأل الله أن ييسر لنا ولكما أمرنا، وأن يجعل عاقبتنا جميعا إلى هدى وفلاح.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1261)
مصافحة المرأة الأجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أجابه مفصلة عن حكم مصافحة الرجل للمرأة وأقوال الأئمة الأربعة في ذلك وقول جمهور العلماء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يحل لرجل يؤمن بالله ورسوله أن يضع يده في يد امرأة لا تحل له أو ليست من محارمه، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه.
عن معقل بن يسار يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ".
رواه الطبراني في " الكبير " (486) .
والحديث: قال الألباني عنه في " صحيح الجامع " (5045) : صحيح.
فهذا الحديث وحده يكفي للردع والتزام الطاعة التي يريدها الله تعالى منا لما يفضي إليه مس النساء من الفتن والفاحشة.
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: " كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمتحنَّ بقول الله عز وجل: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين) الممتحنة / 12، قالت عائشة: فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلقن فقد بايعتكن، ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَ امرأةٍ قط غير أنه يبايعهن بالكلام، قالت عائشة: والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قط إلا بما أمره الله تعالى وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاما ".
رواه مسلم (1866) .
عن عروة أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء قالت: " ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته، قال: اذهبي فقد بايعتك ".
رواه مسلم (1866) .
فهذا المعصوم خير البشرية جمعاء سيد ولد آدم يوم القيامة لا يمس النساء، هذا مع أن الأصل في البيعة أن تكون باليد، فكيف غيره من الرجال؟ .
عن أميمة ابنة رقيقة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لا أصافح النساء ".
رواه النسائي (4181) وابن ماجه (2874) . وصححه الألباني " صحيح الجامع " (2513) .
ثانياً:
لا تجوز المصافحة ولو بحائل من تحت ثوب وما أشبهه والذي ورد بذلك من الحديث ضعيف:
عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم: " كان يصافح النساء من تحت الثوب ".
رواه الطبراني في الأوسط (2855) .
قال الهيثمي: رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه عتاب بن حرب، وهو ضعيف.
" مجمع الزوائد " (6 / 39) .
قال ولي الدين العراقي:
قولها رضي الله عنها " كان يبايع النساء بالكلام " أي: فقط من غير أخذ كف ولا مصافحة، وهو دال على أن بيعة الرجال بأخذ الكف والمصافحة مع الكلام وهو كذلك، وما ذكرته عائشة رضي الله عنها من ذلك هو المعروف.
وذكر بعض المفسرين أنه عليه الصلاة والسلام دعا بقدح من ماء فغمس فيه يده ثم غمس فيه أيديهن! وقال بعضهم: ما صافحهن بحائل وكان على يده ثوب قطري! وقيل: كان عمر رضي الله عنه يصافحهن عنه!
ولا يصح شيءٌ من ذلك، لا سيما الأخير، وكيف يفعل عمر رضي الله عنه أمرا لا يفعله صاحب العصمة الواجبة؟ .
" طرح التثريب " (7 / 45) .
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى -:
الأظهر المنع من ذلك (أي مصافحة النساء من وراء حائل) مطلقا عملا بعموم الحديث الشريف، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إني لا أصافح النساء "، وسدّاً للذريعة.
(حاشية مجموعة رسائل في الحجاب والسفور صفحة " 69 " بتصرف) .
ثالثاً:
ومثله مصافحة العجائز، فهي حرام لعموم النصوص في ذلك، وما ورد في ذلك من الإباحة فهو ضعيف:
قال الزيلعي:
قوله: " وروي أن أبا بكر كان يصافح العجائز "، قلت: غريب أيضاً.
" نصب الراية " (4 / 240) .
وقال ابن حجر:
لم أجده.
" الدراية في تخريج أحاديث الهداية " (2 / 225) .
رابعاً:
وأما مذاهب العلماء الأربعة فكما يلي:
1- مذهب الحنفية:
قال ابن نجيم:
ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفها وإن أمن الشهوة لوجود المحرم ولانعدام الضرورة.
" البحر الرائق " (8 / 219) .
2- مذهب المالكية:
قال محمد بن أحمد (عليش) :
ولا يجوز للأجنبي لمس وجه الأجنبية ولا كفيها، فلا يجوز لهما وضع كفه على كفها بلا حائل، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها " ما بايع النبي صلى الله عليه وسلم امرأة بصفحة اليد قط إنما كانت مبايعته صلى الله عليه وسلم النساء بالكلام "، وفي رواية " ما مست يده يد امرأة وإنما كان يبايعهن بالكلام ".
" منح الجليل شرح مختصر خليل " (1 / 223) .
3- مذهب الشافعية:
قال النووي:
ولا يجوز مسها في شيء من ذلك.
" المجموع " (4 / 515) .
وقال ولي الدين العراقي:
وفيه: أنه عليه الصلاة والسلام لم تمس يده قط يد امرأة غير زوجاته وما ملكت يمينه، لا في مبايعة، ولا في غيرها، وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه: فغيره أولى بذلك، والظاهر أنه كان يمتنع من ذلك لتحريمه عليه؛ فإنه لم يُعدَّ جوازه من خصائصه، وقد قال الفقهاء من أصحابنا وغيرهم: إنه يحرم مس الأجنبية ولو في غير عورتها كالوجه، وإن اختلفوا في جواز النظر حيث لا شهوة ولا خوف فتنة، فتحريم المس آكد من تحريم النظر، ومحل التحريم ما إذا لم تدع لذلك ضرورة فإن كان ضرورة كتطبيب وفصد وحجامة وقلع ضرس وكحل عين ونحوها مما لا يوجد امرأة تفعله جاز للرجل الأجنبي فعله للضرورة.
" طرح التثريب " (7 / 45، 46) .
4- مذهب الحنابلة:
وقال ابن مفلح:
وسئل أبو عبد الله – أي الإمام أحمد – عن الرجل يصافح المرأة قال: لا وشدد فيه جداً، قلت: فيصافحها بثوبه؟ قال: لا ...
والتحريم اختيار الشيخ تقي الدين، وعلل بأن الملامسة أبلغ من النظر)
الآداب الشرعية 2/257
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1262)
كيف تتصرف في مدرسة أكثرها ذكور
[السُّؤَالُ]
ـ[انا فتاة أبلغ من العمر 16 عاماً، انتقلت مؤخراً إلى مدرسة جديدة.
هل من الممكن أن تخبرني كيف يجب عليّ أن أتصرف في المدرسة علماً بأن نسبة الذكور إلى الإناث غير متكافئة فعلى سبيل المثال في حصة الكيمياء هناك 15 طالب و 3 طالبات، لذلك فإنه في بعض الأحيان أحتاج إلى مساعدة في بعض الأسئلة أو قد يكون لدي شك في أمر ما فأضطر (على مضض شديد جداً جداً) لطلب المساعدة من الطلاب الذكور، والأمر الأخر هو أنه وبسبب قلة عدد الطالبات فإن الطلاب الذكور يكونون صريحين (جريئين) معنا، أنا أمضي 7 ساعات في المدرسة، وأعتقد أنه من غير الممكن ألا أكلم أحداً طوال هذه الساعات. الرجاء توضيح كيف أتصرف في المدرسة. هل بإمكاني التحدث مع الطلاب الذكور أم من الأفضل ألا أتصرف معهم بشكل ودي وحبي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
وجودك – أختي السائلة - في مدرسة مختلطة حرام في الشرع؛ لأن الخلطة التي وصفتيها تكون عُرضة وسبباً للفساد المفضي إلى الفواحش المنكرة.
وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه الرجال من فتنة النساء، وعظم أمرهن حتى جعل فتنتهن أشد الفتن وأشد المضرات.
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ".
رواه البخاري (4808) ومسلم (2740) .
وعن عقبة بن عامر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت ".
رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) .
قال ابن حجر - معلقاً على الحديث الأول -:
وفي الحديث أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء} ، فجعلهن من حب الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك ويقع في المشاهدة حب الرجل ولده من امرأته التي هي عنده أكثر من حبه ولده من غيرها ومن أمثلة ذلك قصة النعمان بن بشير في الهبة.
" فتح الباري " (9 / 138) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.
...
فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعا لذلك.
" الطرق الحكمية " (ص 408) .
وفي الخلطة التي ذكرتيها عدم التمكن من غض البصر، وفيه مدخل كبير لشهوة النساء للرجال وشهوتهم لهن وهذا لا يجوز بل هو رأس الفساد، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم منع من ذلك وابن عمه ورديفه على دابته الفضل بن العباس وهم يؤدون عبادة من أحب العبادات إلى الله وهي الحج، وبصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة الأتقياء الأنقياء: فكيف بنا نسمح لنساء هذا الزمان الذي انتشرت فيه أمراض القلوب وقلَّ الوازع الديني أن تجلس المرأة مع الرجل في مكان واحد مع عدم وجود المحرم وفي كل يوم لساعات طوال؟
فاتقي الله تعالى يا أختي ولا تلتحقي بهذه المدرسة مهما كلف الأمر، وإليك حديث الفضل الذي أشرنا إليه:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: " كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال: نعم وذلك في حجة الوداع ".
رواه البخاري (1442) ومسلم (1334) .
يقول ابن عبد البر رحمه الله تعالى - معلقاً على الحديث السابق -:
وفيه: بيان ما ركب في الآدميين من شهوات النساء وما يخاف من النظر إليهن، وكان الفضل بن عباس من شبَّان بني هاشم، بل كان أجمل أهل زمانه فيما ذكروا.
وفيه: دليل على أن الإمام يجب عليه أن يَحول بين الرجال والنساء في التأمل والنظر، وفي معنى هذا: منع النساء اللواتي لا يؤمن عليهن ومنهن الفتنة من الخروج والمشي في الحواضر والأسواق وحيث ينظرن إلى الرجال، قال صلى الله عليه وسلم: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء "، وفي قول الله عز وجل {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} الآية ما يكفي لمن تدبر كتاب الله ووفق للعمل به.
" التمهيد " (9 / 123 – 124) .
وليس هناك ضرورة تدعو إلى الخلطة، فالدراسة في هذه المدرسة ليست ضرورة ما دام أن المرأة تستطيع القراءة والكتابة، وتعلم أمور دينها فهذا يكفي؛ لأنها خلقت لهذا، أي: لعبادة الله تعالى وليس الذي بعد هذا ضرورة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1263)
يدرس في جامعة مختلطة فكيف يتعامل مع المدرسات والطالبات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم أدرس في جامعة مختلطة، أرغب في إتقان تخصصي، وذلك يستلزم مني التفاعل في القاعة مما قد يفتح بيني وبين الطلاب قنوات اتصال، بالإضافة إلى أن هناك مدرسات يدرسوننا مواد مهمَّة جدّاً، فكيف أتعامل مع الطالبات والمدرسات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدراسة والتدريس في المدارس والمعاهد والجامعات المختلطة: لا يجوز، ولم يعد خافياً ما في هذه المؤسسات من مفاسد بسبب ذلك الاختلاط، عدا ما فيها من قلة التحصيل الدراسي أو انعدامه، وقد نادى العقلاء من الدول الكافرة بضرورة الفصل بين الجنسين في المؤسسات التعليمية بسبب ما رأوه من الضرر في الأخلاق وضعف التحصيل العلمي، وقد أفتى العلماء الثقات بعدم جواز هذا الأمر.
قال علماء اللجنة الدائمة:
اختلاط الطلاب بالطالبات والمدرسين بالمدرسات في دور التعليم محرم لما يفضي إليه من الفتنة وإثارة الشهوة والوقوع في الفاحشة، ويتضاعف الإثم وتعظم الجريمة إذا كشفت المدرسات أو التلميذات شيئاً من عوراتهن، أو لبسن ملابس شفافة تشف عما وراءها، أو لبسن ملابس ضيقة تحدد أعضاءهن، أو داعبن الطلاب أو الأساتذة ومزحن معهم أو نحو ذلك مما يفضي إلى انتهاك الحرمات والفوضى في الأعراض.
" فتاوى إسلامية " (3 / 102، 103) .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز للرجل أن يدرس في جامعة يختلط فيها الرجال والنساء في قاعة واحدة علماً بأن الطالب له دور في الدعوة إلى الله؟
فأجاب:
الذي أراه أنه لا يجوز للإنسان رجلاً كان أو امرأة أن يدرس بمدارس مختلطة؛ وذلك لما فيه من الخطر العظيم على عفته ونزاهته وأخلاقه، فإن الإنسان مهما كان من النزاهة والأخلاق والبراءة إذا كان إلى جانبه في الكرسي الذي هو فيه امرأة – ولا سيما إذا كانت جميلة ومتبرجة – لا يكاد يسلم من الفتنة والشر، وكل ما أدى إلى الفتنة والشر: فإنه حرام ولا يجوز، فنسأل الله - سبحانه وتعالى - لإخواننا المسلمين أن يعصمهم من مثل هذه الأمور التي لا تعود إلى شبابهم إلا بالشر والفتنة والفساد، حتى وإن لم يجد إلا هذه الجامعة يترك الدراسة إلى بلد آخر ليس فيه هذا الاختلاط، فأنا لا أرى جواز هذا وربما غيري يرى شيئاً آخر.
" فتاوى إسلامية " (3 / 103) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (1200) تفصيل الحكم في الاختلاط.
وانظر جواب الأسئلة: (8827) و (22397) و (6666) .
وهذا الكلام واضح بالنسبة للذين لم يبتلوا في بلادهم بالدراسة المختلطة أو عندهم من الكليات والجامعات ما هو غير مختلط يمكن أن يغنيهم عن الدراسة في الكليات المختلطة، لكن يبقى السؤال بالنسبة للأشخاص الذين ابتلوا في بلدانهم بالدراسة المختلطة، فماذا يفعلون! خصوصاً وأن ذلك قد يترتب عليه كسب عيشهم أو إمكان زواجهم في المستقبل بحيث لو لم يدرس هذه الدراسة ما استطاع أن يجد له وظيفة تغنيه أو زواجاً يعفّه.
وفي هذه الحالة فإننا أمام وضع اضطراري، والحاجة فيه ماسّة وحيث أن الحاجة الشديدة تنزل منزلة الضرورة لذلك يراعى ما يلي:
1- أن لا يوجد مكان آخر يمكن الدراسة فيه ولو في بلد آخر.
2- أن لا يستطيع تحصيل هذه الشهادة بطريق الانتساب أو الدراسة عبر الإنترنت مثلاً.
3- أن يذهب للدراسة في هذه الأماكن المختلطة مستعيناً بالله على مواجهة الفتن، ويراعى غض البصر ما أمكنه وعدم ملامسة أو مصافحة المرأة الأجنبية وأن لا يخلو بها، ولا يجلس بجانبها مباشرة.
وينصح الفتيات بالجلوس بمعزل عن الشباب وغير ذلك من الضوابط الشرعية.
4- إذا لاحظ أن نفسه تنزلق إلى الحرام وتفتتن بمن معه من الجنس الآخر فسلامة دينه أهم من مغانم الدنيا كلها، فلا بد من مفارقة المكان حينئذ ويغينه الله عز وجل من فضله. والله المستعان.
والله أعلم
وهذه قائمة بأسماء كلّيات وجامعات غير مختلطة في العالم.
1- كلية الطب في دبي.
2- جامعة الأزهر في مصر.
3- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في السعودية.
4- جامعة أم القرى في مكة المكرمة.
5- الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
6- جامعة الملك سعود في السعودية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1264)
هل ما فعله للتعرف على صفات مخطوبته صحيح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي ابنة خالة، وتبدو أنها ذات دين وخلق، ولكن لا أعلم كثيراً عن شخصيتها وفلسفتها في الحياة ونسبه التفاهم بيننا، قد استعملت الإنترنت سبيلا للتعرف عليها مع التشدد في الالتزام بالآداب، وخاصة أننا من عائلة محافظة، والحمد لله توصلت إلى قرار الزواج منها إن شاء الله، ولكن ذلك قد يستغرق سنتين أو أكثر حتى أتمكن من تأهيل نفسي، فأنا لا أزال طالباً في آخر سنة من الجامعة.
والسؤال هو: هل ما قمت به جائز، خاصة أنه استغرق حوالي سنة؛ ولأن عادات الزواج عندنا لا تتيح للشخص التعرف على شخصية الآخر إلا بالخطبة، ولو أنه بعد الخطبة اتضح أنه لا يمكن الاستمرار قد تولد بعض المشاكل وقطيعة الرحم؟ وأشعر بضيق مما قمت به وأخشى أنه يعتبر معصية وخيانة، وهل يجوز أن أتابع مراسلتها إلى أن أتقدم إلى خطبتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز المراسلة والمحادثة مع المرأة الأجنبية، وإذا قصد الرجل الخطوبة فعليه أن يسلك الطريق الشرعية إلى ذلك، وإذا كانت المرأة التي يود الاقتران بها من أقاربه فإن الأمر يكون أسهل بالنسبة له، فإما أن يكون هو على علم بأحوالها أو يستطيع أن يعرف أحوالها وأخلاقها عن طريق النساء من أهله.
ولا يمكن أن يقف الرجل ولا المرأة على الأخلاق الحقيقية لكل واحد من الطرفين من خلال المراسلة والمحادثة قبل الزواج؛ إذ لن يظهر من كل منهما إلا عذوبة العبارة وحسن المنطق والمجاملات.
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله:
إذا كان الرجل يقوم بعمل المراسلة مع المرأة الأجنبية وأصبحا متحابين هل يعتبر هذا العمل حراماً؟ .
فأجاب:
لا يجوز هذا العمل؛ لأنه يثير الشهوة بين الاثنين، ويدفع الغريزة إلى التماس اللقاء والاتصال، وكثيرا ما تُحْدِثُ تلك المغازلة والمراسلة فتنًا وتغرس حب الزنى في القلب، مما يوقع في الفواحش أو يسببها، فننصح من أراد مصلحة نفسه حمايتها عن المراسلة والمكالمة ونحوها، حفظا للدين والعرض، والله الموفق.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 578، 579) .
وقد سبق تحريم المراسلة بين الجنسين في أجوبة الأسئلة: (26890) و (10221) فلينظرا.
وقد أبيح للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة دون ما سوى ذلك من الخلوة والمصافحة، ولك أن تعقد عليها وتؤخر الدخول، ليكون لقاؤك معها شرعيّاً، وتستطيع في هذه الفترة تركيز التعرف عليها أكثر وأكثر.
وفي جواب السؤال رقم (7492) كلام مهم لمثل هذه المسألة فلينظر.
وانظر جواب الأسئلة: (7757) و (2572) و (20069) لتعلم حدود العلاقة بين الخاطب والمخطوبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1265)
هل الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك ذكر لمساواة المرأة بالرجل في القرآن الكريم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
مصطلح - المساواة – الذي ينادي به كثير من المفكرين في الشرق والغرب في مجالات الحياة المتعددة مصطلح يقوم على اعوجاج وقلة إدراك لا سيما إن تحدث المتحدث ونسب المساواة للقرآن الكريم أو للدين الحنيف.
ومما يخطئ الناس في فهمه قولهم: الإسلام دين المساواة، والصحيح أن يقولوا: الإسلام دين العدل.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى -:
وهنا يجب أن نعرف أن من الناس من يستعمل بدل العدل المساواة وهذا خطأ، لا يقال: مساواة؛ لأن المساواة تقتضي عدم التفريق بينهما، ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون: أي فرق بين الذكر والأنثى؟ سووا بين الذكور والإناث، حتى إن الشيوعية قالت: أي فرق بين الحاكم والمحكوم؟ لا يمكن أن يكون لأحد سلطة على أحد حتى بين الوالد والولد ليس للوالد سلطة على الولد، وهلمَّ جرّاً.
لكن إذا قلنا بالعدل وهو إعطاء كل أحدٍ ما يستحقه: زال هذا المحذور، وصارت العبارة سليمة، ولهذا لم يأت في القران أبداً: " إن الله يأمر بالتسوية " لكن جاء: {إن الله يأمر بالعدل} النحل/90، {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} النساء/58، وكذب على الإسلام مَن قال: إن دين الإسلام دين المساواة، بل دين الإسلام دين العدل وهو الجمع بين المتساوين والتفريق بين المفترقين. أما أنه دين مساواة فهذه لا يقولها مَن يعرف دين الإسلام، بل الذي يدلك على بطلان هذه القاعدة أن أكثر ما جاء في القرآن هو نفي المساواة: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} الزمر/9، {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور} الرعد/16، {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} الحديد/10، {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} النساء/95، ولم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً إنما يأمر بالعدل، وكلمة العدل أيضا تجدونها مقبولة لدى النفوس فأنا أشعر أن لي فضلاً على هذا الرجل بالعلم، أو بالمال، أو بالورع، أو ببذل المعروف، ثم لا أرضى بأن يكون مساوياً لي أبداً. كل إنسان يعرف أن فيه غضاضة إذا قلنا بمساواة ذكر بأنثى. " شرح العقيدة الواسطية " (1 / 180-181) .
وعليه: فالإسلام لم يساو بين الرجل والمرأة في الأمور التي لو ساوى بينهما لظلم أحدهما؛ لأن المساواة في غير مكانها ظلم شديد.
فالقرآن أمر المرأة أن تلبس غير الذي أمر به الرجل، للفارق في فتنة كل من الجنسين بالآخر فالفتنة بالرجل أقل من الفتنة بالمرأة فكان لباسها غير لباسه، إذ ليس من الحكمة أن يأمر المرأة أن تكشف من بدنها ما يكشف الرجل لاختلاف الفتنة في بدنها وبدنه – كما سنبينه -.
ثانياً:
هناك أمورٌ تختلف فيها المرأة عن الرجل في الشريعة الإسلامية ومنها:
1- القوامة:
قال الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} النساء/34.
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -:
يقول تعالى {الرجال قوامون على النساء} أي: الرجل قيِّم على المرأة، أي: هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت.
{بما فضل الله بعضهم على بعض} أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك المُلك الأعظم، لقوله صلى الله عليه وسلم " لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وكذا منصب القضاء، وغير ذلك.
{وبما أنفقوا من أموالهم} أي: من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيِّماً عليها كما قال الله تعالى {وللرجال عليهن درجة} الآية.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {الرجال قوامون على النساء} يعنى أمراء عليهن أي: تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله. .
" تفسير ابن كثير " (1 / 490) .
2- الشهادة: إذ جعل القرءان شهادة الرجل بشهادة امرأتين.
قال الله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} البقرة/282.
قال ابن كثير:
وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة كما قال مسلم في صحيحه ….عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يا معشر النساء تصدقن، وأكثِرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قالت يا رسول الله: ما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين ".
" تفسير ابن كثير " (1 / 336) .
وقد يوجد بعض النساء أعقل من بعض الرجال ولكن ليس هذا هو الأصل ولا الأكثر والشريعة مبناها على الأعم الأغلب.
وليس نقص عقل المرأة يعني أنها مجنونة ولكن تغلب عاطفتها عقلها في كثير من الأحيان، وتحدث لها هذه الحالة أكثر مما يحدث عند الرجل ولا يُنكر هذا إلا مكابر.
3- المرأة ترث نصف الرجل:
قال الله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} النساء/11.
قال القرطبي:
ولأن الله تعالى أعلم بمصالحهم منهم فوضع القسمة بينهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم.
" تفسير القرطبي " (5 / 164) .
ومن ذلك أن الرجل عليه نفقات أكثر مما على المرأة فيناسب أن يكون له من الميراث أكثر مما للمرأة.
4- اللباس:
فعورة المرأة تكون في بدنها كله وأقل ما قيل في عورتها أنها لا تكشف إلا الكفين والوجه. وقيل لا تكشف شيئا من ذلك.
قال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيماً} الأحزاب/59.
والرجل عورته من السرة إلى الركبة
قيل لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأيت منه ولا تحدثنا عن غيره وإن كان ثقة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما بين السرة إلى الركبة عورة ".
رواه الحاكم في المستدرك (6418) . وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " (5583) .
والأمثلة على سبيل التوضيح لا الحصر ,
وهناك فوارق أخرى بين الجنسين منها:
أن الرجل يتزوج أربع نسوة، والمرأة ليس لها إلا زوج واحد.
ومن ذلك: أن الرجل يملك الطلاق ويصح منه، ولا يصح منها الطلاق ولا تملكه.
ومن ذلك: أن الرجل يتزوج من الكتابية، والمرأة المسلمة لا تتزوج إلا مسلماً.
ومن ذلك: أن الرجل يسافر بلا زوجة أو أحد من محارمه،، والمرأة لا تسافر إلا مع محرم.
ومن ذلك: أن الصلاة في المسجد حتم على الرجال، وهي على النساء على خلاف ذلك، وصلاتها في بيتها أحب إلى الله.
وهي تلبس الحرير والذهب، ولا يلبسه الرجل.
وكل ما ذُكر قائمٌ على اختلاف الرجل عن المرأة؛ لأن الذكر ليس كالأنثى، فقد قال الله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى} آل عمران/36، فالذكر يفارق الأنثى في أمور كثيرة في قوته، وي بدنه، وصلابته، وخشونته، والمرأة ناعمة لينة رقيقة.
ويختلف عنها في العقل إذ عُرف الرجل بقوة إدراكه، وذاكرته بالنسبة إليها، وهي أضعف منه ذاكرة وتنسى أكثر منه،وهذا مشاهد في أغلب العلماء والمخترعين في العالم هم من الرجال، ويوجد بعض النساء أذكى من بعض الرجال وأقوى منهم ذاكرة ولكن هذا لا يُلغي الأصل والأكثر كما تقدم.
وفي العواطف فهو يتملكها عند غضبه وفرحه، وهي تتأثر بأقل المؤثرات العاطفية، فدموعها لا تلبث أن تستجيب لأقل حادثة عاطفية.
ومن ذلك أن الجهاد على الرجال، والنساء ليس عليهن جهاد القتال، وهذا من رحمة الله بهن ومن المراعاة لحالهن.
فحتم أن نقول: وليست أحكام الرجل كأحكام الأنثى.
ثالثاً:
سوّى الشرع بين المرأة والرجل في كثير من العبادات والمعاملات: فمن ذلك أنها تتوضأ كوضوء الرجل، وتغتسل كغسله، وتصلي كصلاته، وتصوم كصيامه إلا أن تكون في حال حيض أو نفاس، وتزكي كما أنه يزكي، وتحج كحجه – وتخالفه في يسير من الأحكام - ويجوز البيع منها ويقبل، وكذا لو تصدقت جاز منها، ويجوز لها أن تعتق من عبيدها ما ملكت يمينها، وغير ذلك كثير لأن النساء شقائق الرجال كما في الحديث:
عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما، قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً، قال: لا غسل عليه، قالت أم سلمة: يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: نعم، إن النساء شقائق الرجال.
رواه الترمذي (113) وأحمد (25663) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " (98) .
فالخلاصة:
أن المرأة تماثل الرجل في أمور وتفارقه في أخرى وأكثر أحكام الشريعة الإسلامية تنطبق على الرجال والنساء سواء، وما جاء من التفريق بين الجنسين ينظر إليه المسلم على أنه من رحمة الله وعلمه بخلقه، وينظر إليه الكافر المكابر على أنه ظلم، ويركب رأسه ليزعم المساواة بين الجنسين فليخبرنا كيف يحمل الرجل جنيناً ويرضعه ويركب رأسه وهو يرى ضعف المرأة وما ينزل عليها من الدم حال الدورة الشهرية، وهكذا يظل راكباً رأسه حتى يتحطم على صخرة الواقع، ويظلّ المسلم مطمئناً بالإيمان مستسلماً لأمر الله (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك/14
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1266)
أشهدا الملائكة على عقد الزواج!!
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على صديق لها في الجامعة وكلاهما متدينان، وكانت تساعده في بداية الأمر وتطورت العلاقة بينهما حتى قبلها يوما ما وندما على هذا الفعل، ولكنه عاد وقبلها مرة أخرى فقررا الزواج، بسبب ظروفهما المالية والاجتماعية لم يتمكنا من الزواج ولكنهما تعاهدا على الزواج وعدم الخيانة والله يعلم نيتهما وكان هذا بحضور الملائكة كشهود، أصبحا بعد هذا يمسكا أيدي بعضهما البعض ويقبلا بعضهما دون شعور بالذنب ثم أصبح بينهما جماع، قرأت في هذا الموقع عن سؤال مشابه أن هذا يعتبر من الزنا فأخبرته بالأمر.
هل زواجهما صالحاً وهل يعتبر ما فعلاه من الزنا وهل يغفر الله لهما إن تابا؟ نرجو النصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن ما حصل بين ذلك الرجل وتلك المرأة - على ما هو مذكور في السؤال - هو من باب الزنا ولا شك، فأين ولي المرأة في ذلك الزواج، واعجب من زواج كانت الملائكة شهودا عليه، وهم لم يروا أولئك الشهود!!!
إن الواجب عليهما أن يتوبا إلى الله عز وجل مما بدر منهما، وأن يعلما أنهما قد ارتكبا كبيرة من كبائر الذنوب، وإثما عظيما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " [رواه البخاري برقم 2343، ومسلم برقم 57] ، وللمزيد راجع السؤال رقم (11195، 21223)
وإذا تاب العبد فرح الله بتوبته وتاب عليه وغفر له ذنبه، كما قال تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68-70 وانظر السؤال رقم (27113، 624، 20949) .
وعليهما أن يقطعا علاقتهما مع بعضهما، وألا يفتحا على أنفسهما أبواب الفتن والشبهات، وإذا أرادا علاقة طيبة شرعية، فليأتوا البيوت من أبوابها كما شرع الله عز وجل، أو يتقوا الله ويصبروا عن محارمه، فإن العبد يصبر على ألم الفراق، لكن لا يصبر على حر النار، فليبتعدا عن بعضهما البعض، حتى لا يجرا أنفسهما إلى سخط الله وعقابه أو يعجلا بالزواج الشرعي الصحيح بعد توبتهما مما وقع منها من الزنى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1267)
المراسلة بين الجنسين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مؤمنة بالله ورسوله فهل يجوز لي أن أراسل شاباً بما يعرف بركن التعارف؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز المراسلة بينك وبين شاب غير محرم لك بما يعرف بركن التعارف، لأن ذلك مما يثير الفتنة ويفضي إلى الشر والفساد.
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17/67(7/1268)
تائب من علاقته بامرأة عبر الانترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سعيد لأنني تعرفت على فتاة عن طريق الإنترنت وبدأت أحبها، توقفت بعد هذا لأنني أحب الله، قلت لها بأنني آسف ولن أستطيع أن أحبك لأنني أحب الله.
هل سيكتب هذا في ذنوبي يوم القيامة لأنني أحببت تلك الفتاة ثم عرفت بأنني على خطأ فتركتها وقلت لها بأنني أحب الله أكثر ولا أستطيع أن أعصي أوامره؟ وهل سيكتب في ميزان حسناتي ما فعلت؟ وهل سيتم سؤالي عن ما فعلته قبل أن أترك تلك الفتاة؟
شكراً وآسف لطرحي لهذا السؤال الغبي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نتعجب جدّاً من وصفك لسؤالك بأنه " غبي "، بل هو غاية في الجودة والعقل والدِّين، وإننا لنفتقد مثلك ممن يجاهد هواه، ويقدِّم طاعة الله ورسوله على طاعة هواه، ويخاف مقام ربِّه عز وجل.
ونبشرك بكل خير على ما فعلت من تركك لتلك الفتاة وتقديم محبة الله على المعصية، ومن هذه المبشرات:
1. الثواب بجنتين.
قال الله تعالى: {ولمن خاف مقام ربِّه جنتان} الرحمن / 46.
قال ابن كثير:
والصحيح أن هذه الآية عامة كما قاله ابن عباس وغيره، يقول الله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه} بين يدي الله عز وجل يوم القيامة، ونهى النفس عن الهوى، ولم يطع ولا آثر الحياة الدنيا، وعلم أن الآخرة خير وأبقى فأدى فرائض الله، واجتنب محارمه: فله يوم القيامة عند ربه جنتان ... " تفسير ابن كثير " (4 / 277) .
2. تبديل السيئات إلى حسنات.
قال الله تعالى – بعد أن ذكر عقوبة الشرك والقتل والزنى -: {إلا مَن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدِّل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً} الفرقان / 70.
وهي على القولين في تفسيرها من المبشرات لتارك المعاصي، فقد قيل فيها: إن معاصيهم تُبدَّل إلى طاعات، وقيل: بل السيئات نفسها تُبدَّل إلى حسنات.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
{إِلا مَنْ تَابَ} عن هذه المعاصي وغيرها , بأن أقلع عنها في الحال , وندم على ما مضى له من فعلها , وعزم عزماً صارماً أن لا يعود.
{وَآمَنَ} بالله إيماناً صحيحاً , يقتضي ترك المعاصي , وفعل الطاعات.
{وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} مما أمر به الشارع , إذا قصد به وجه الله.
{فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} أي: تتبدل أفعالهم , التي كانت مستعدة لعمل السيئات , تتبدل حسنات، فيتبدل شركهم إيماناً , ومعصيتهم طاعة , وتتبدل نفس السيئات التي عملوها , ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة , وإنابة , وطاعة , تبدل حسنات , كما هو ظاهر الآية، وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه , فعددها عليه , ثم أبدل من كل سيئة حسنة فقال: " يا رب إن لي سيئات لا أراها ههنا "، والله أعلم. " تفسير السعدي ".
3. الشعور بحلاوة الإيمان.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يُحبَّ المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ". رواه البخاري (16) ومسلم (43) .
4. البشارة بالإخلاص.
ولا شك أن النفوس التي تجاهد هواها وتدفع العشق، وتُحل محله حب الله تعالى: فإن هذا يدل على إخلاصٍ عنده.
قال ابن القيم:
وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى المعرضة عنه المتعوضة بغير عنه، فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه: دفع ذلك عنه مرض عشق الصور، ولهذا قال تعالى في حق يوسف {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} فدل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته، فَصَرفُ المُسبب صرف لسببه، ولهذا قال بعض السلف: " العشق حركة قلب فارغ " يعني: فارغاً مما سوى معشوقه، قال تعالى: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به} أي: فارغاً من كل شيء إلا من موسى لفرط محبتها له وتعلق قلبها به، والعشق مركب من أمرين: استحسان للمعشوق، وطمع في الوصول إليه، فمتى انتفى أحدهما انتفى العشق. " زاد المعاد " (4 / 268) .
فاحرص – بارك الله فيك – على تقوية إيمانك، وداوم على طاعة الله تعالى، إذ الطاعة هي أدل علامات المحبة، واحرص على الاستمرار في قطع علاقتك بتلك الفتاة، ولا يغرنك الشيطان بالرجوع إليها، والحديث معها، فأنت على خير إن شاء الله.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1269)
حكم مصافحة المرأة العجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مصافحة المرأة الأجنبية إذا كانت عجوزا وكذلك يسأل عن الحكم إذا كانت تضع على يدها حاجزا من ثوب ونحوه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقا سواء كن شابات أم عجائز، وسواء كان المصافح شابا أم شيخا كبيرا لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لا أصافح النساء) وقالت عائشة رضي الله عنها: (ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام) .
ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة.
والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 280(7/1270)
ابتسامة المرأة للرجل الأجنبي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المرأة التي تبتسم أمام أجنبي، ولكن بدون إظهار أسنانها فقط وبدون صوت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على المرأة أن تكشف وجهها وأن تبتسم للرجل الأجنبي لما يفضي إليه ذلك من الشر.
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17/25(7/1271)
لا تجوز مصافحة المرأة الأجنبية حتى ولو من وراء حائل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز السلام على النساء إذا توقت بشيلتها أو حجابها عن يد الرجل الذي يسلم عليها من يده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يضع رجل يده في السلام في يد امرأة ليس لها بمحرم ولو توقت بثوبها، لما روى البخاري في صحيحه رحمه الله عن عروة عن عائشة رضي الله عنها في روايتها لقصة مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء قالت: لا والله ما مست يده يد امرأة في المبايعة قط، ما بايعهن إلا بقوله: (قد بايعتكن على ذلك) ، وما رواه أحمد بإسناد صحيح عن أميمة بنت رقيقة قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء لنبيعه، فأخذ علينا ما في القرآن ... إلى أن قالت: قلنا يا رسول الله: ألا تصافحنا؟ قال: (إني لا أصافح النساء، إنما قولي لأمرأة واحدة قولي لمائة امرأة) ، ولنا فيه عليه الصلاة والسلام خير أسوة، كما قال من أرسله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) الأحزاب / 21
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17/30.(7/1272)
النظر إلى دكتورة شابة تدرسه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النظر إلى دكتورة شابة تشرح لنا مادة في الجامعة، وتقوم ببعض الحركات التي لا يجب أن تفعلها أمامنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم النظر إلى المرأة الأجنبية عمداً لقوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) سورة النور / 30
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17 / 19(7/1273)
هل تأثم المرأة إذا صافحت رجلاً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تأثم المرأة إذا صافحت رجلاً وهي ترتدي قفازاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تصافح الأجانب منها غير المحارم ولو كانت قد لبست القفاز وصافحت من وراء الكم أو العباءة فكله مصافحة ولو من وراء حائل.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 992(7/1274)
هل تكشف وجهها أمام زوج أختها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوج أختي ينام عندنا في البيت أحيانا ويبقى أحيانا طوال النهار، ولا أستطيع أن أغطي وجهي أمامه، فهل أنا آثمة بهذا؟ وما هو الحل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
زوج الأخت أجنبي عنكِ، والواجب عليكِ تغطية وجهكِ عنه، وعدم الخلوة به، وكذلك هو يحرم عليه أن ينظر إليكِ ويخلو بكِ، وللأسف يتهاون الناس في بيوتهم مع أقارب الزوج وأقارب الزوجة، مع أن الشرع شدَّد في جهتهم أكثر من غيرهم لوجود الخلطة في البيوت معهم، وثقة أهل البيت بهم.
فعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.
رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) .
والحمو: هو قريب الزوج.
وأنت تلاحظ أن الصحابي أراد أن يستثني قريب الزوج من الحكم فجاء التشديد من جهته، لأن دخوله البيت لا يُستغرب.
قال النووي:
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " الحمو الموت " فمعناه: أن الخوف منه أكثر من غيره , والشر يتوقع منه , والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه , بخلاف الأجنبي، والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها , ولا يوصفون بالموت , وإنما المراد الأخ , وابن الأخ , والعم , وابنه , ونحوهم ممن ليس بمحرم، وعادة الناس المساهلة فيه , ويخلو بامرأة أخيه , فهذا هو الموت , وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه، فهذا الذي ذكرته هو صواب معنى الحديث ... وقال ابن الأعرابي: هي كلمة تقولها العرب , كما يقال: الأسد الموت , أي لقاؤه مثل الموت، وقال القاضي: معناه الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين , فجعله كهلاك الموت , فورد الكلام مورد التغليظ.
" شرح مسلم " (14 / 154) .
فننصح السائلة وغيرها بتقوى الله عز وجل والحرص على الحجاب أما الرجال الأجانب.
وللأهمية تُراجع الأسئلة (13728) و (6408) و (13261) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1275)
مخاطر الاختلاط مع أبناء العم والأقارب
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلمة ولدت وعاشت في أمريكا، تذهب لبلدها مرة أو مرتين في السنة مع أهلها، لها ابن عم في بلدها، في كل مرة ينفرد بها ويمسك بها ويقبلها ويدخلها غرفته ويغلق الباب و. . . . ولكنه لم يزن بها، والحمد لله، لا تحب أفعاله وتتضايق منها وتشعر بالندم، وتريد أن تعرف ماذا تفعل لأنها ستسافر قريباً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لاشك أن ما يفعله ابن عمك معك حرام بَيّن، ومنكر ظاهر؛ إذ هذا لا يجوز إلا مع الزوجة التي أباح الله الاستمتاع بها.
والواجب عليك أن تنكري ذلك وأن ترفضيه وإلا كنت شريكة في الإثم والوزر، فإن الرجل لا يستطيع أن يفعل ذلك إلا برضا المرأة واختيارها غالبا.
وينبغي أن تعلمي أن ابن عمك أجنبي عنك كسائر الأجانب، فلا يجوز أن يخلو بك ولا أن تكشفي أمامه شيئا من بدنك. وهو مأمور بغض البصر عنك كما أنك مأمورة بذلك أيضا.
ومثل هذا المجترئ على محارم الله يجب زجره وردعه والإغلاظ له في القول وتهديده بإخبار أهلك وأهله.
وإذا حاول الإمساك بك لزمك دفعه، والهروب منه.
واحذري من التهاون أو اللين في معاملته فإن الشيطان قد يزين لك هذا الإثم، فترضين به، فيحل بك غضب الله ومقته.
وإن مما يؤسف له تساهل كثير من الناس في حفظ بناتهم وأولادهم، وإفساح المجال أمامهم للوقوع في هذا البلاء والشر، لا سيما مع أبناء الأعمام والعمات والأخوال والخالات، جهلا منهم بوجوب التستر عن هؤلاء، أو ضعفا في الإيمان والغيرة، والله المستعان.
وعليك التوبة إلى الله من هذا الفعل المحرم، ومجرد الندم لا يكفي، بل لا بد لصحة التوبة من الإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العود إليه.
وعليك أن تتجنبي الأسباب التي قد تجرك إلى هذا الفعل المحرم، كالخلوة بابن عمك أو مصافحته أو مقابلته ومحادثته، فعليك مجانبته تماماً، دفعاً للشر، ومنعاً للفساد، وسداًّ لباب الفتنة والمعصية.
والله تعالى يغفر لمن تاب، وأقلع عن ذنبه وأناب.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1276)
طبيبة تعالج الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيبة أعمل في بلد أجنبي ويتطلب عملي الكشف على مرضى من الرجال والنساء، يعني هذا أنني كثيراً ما أكون بمفردي في الغرفة مع رجل مريض، هل هذا خطأ من الناحية الإسلامية؟ هل يجب أن أعالج النساء والأطفال فقط؟
شخصياً فأنا لا أشعر بأنني أفعل شيئاً خطأ لأن جميع المرضى بغض النظر عن جنسهم ذكر أو أنثى يذهبون للطبيب للعلاج. أرجو أن تخبرني برأيك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نلمس من سؤالك أيتها الأخت الكريمة حرصا على معرفة الحكم الشرعي الصحيح، وحبا لتعلم أمور دينك وما يتعلق منها بعملك، فنسأل الله أن يوفقنا وإياك لسلوك ما يرضي الله تعالى وأن يجنبنا معصيته أو مخالفة أمره في أي شأن من شؤوننا.
معلوم أن النساء هن شقائق الرجال في المجتمع ولهن دور عظيم في تربية الأجيال ونهضة الأمة، وللمرأة أن تعمل خارج بيتها فيما يناسبها من الأعمال دون أن تعرض نفسها للمخالفات الشرعية.
وأما معالجة المرضى الرجال وما يتبع ذلك من اختلاط وخلوة فهذا مما لا يجوز شرعا، بل هي فتنة حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم) رواه مسلم (3259) ، وقال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) رواه البخاري (4808) ومسلم (6881)
ولا يجوز للمرأة أن تُعالج رجلاً إلا للضرورة، كما لو لم يوجد طبيب رجل يعالجه، أو كان الأمر لا يحتمل التأخير كالحوادث وما أشبه ذلك.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
الواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء، والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة القصوى إذا وجد مرض في الرجال ليس له طبيب رجل، فهذا لا بأس به، والله يقول: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) الأنعام / 119.
رسالة " فتاوى عاجلة لمنسوبي الصحة " ص 29.
لذا عليك أن تقتصري في العلاج على النساء والأطفال كما ذكرت، واحتسبي عملك هذا عند الله سبحانه وتعالى، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1277)
تاب من علاقة مع أجنبية ومازال يحبها ومتعلقاً بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عقدت علاقة مع فتاة، لم أرتكب معها محرماً، وعلمت أن ما أفعله لا يجوز شرعاً، فنقضت صلتي بها وأنهيتها، ووافقت على ذلك، لكنني لم أستطع نسيانها، فأنا أحبها حبّاً جمّاً ولا أستطيع الزواج منها، وألتقي بها في كثير من الأحيان، فهل من وسيلة للتخلص من شعوري هذا ونسيان هذه الفتاة؟ أنا حائر، وقد تؤدي بي حيرتي إلى أفعال خاطئة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في أكثر من جواب حرمة إقامة علاقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه خارج نطاق الزوجية. فانظر جواب السؤال (23349) و (9465) .
والمحاذير التي يقع فيها أهل هذه العلاقات متعددة ومنها: الخيانة، والخلوة، والملامسة، والنظر، وهي الطرق التي تؤدي إلى الوقوع في فاحشة الزنا. مع ما في ذلك من فساد القلب، وحيرته وغفلته عما خلق له.
وقد ذكرت أنك ما زلت تلتقي بهذه الفتاة، ونتائج هذه اللقاءات لا تخفى على العقلاء، فالواجب عليكَ الاستمرار على ما أنتَ عليه من توبة وإنابة من علاقتك بها السابقة، مع قطع العلاقة بهذه الفتاة.
والحل لمثل هذه المشكلة هو أن تتزوج بهذه الفتاة، فتُرغم بذاك الشيطان، وتحمي نفسك من الوقوع في معصية الله. وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1847) .
ومعنى الحديث: أن أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق النكاح فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره ما وجد إليه سبيلاً. انظر: "فيض القدير" للمناوي (/295) .
وقد ذكرت أنك لا تستطيع الزواج بها، فما بقي أمامك إلا الصبر، ومجاهدة النفس، وإشغال النفس عنها، وقد يكون زواجك بغيرها سبباً لنسيانك إياها، وتجنب ملاقاتها ما وجدت إلى ذلك سبيلاً.
ولتعلم أن الحياة الدنيا كلها قصيرة، وأقصر منها ما فيها من لذة محرمة ولحظات يعصي فيها الإنسانُ ربَّه سبحانه وتعالى، والنعيم الأخروي باقٍ دائم، فكيفَ لعاقلٍ مثلك أن يضحي بذلك النعيم الدائم بلذة طائشة عابرة يسوِّد بها صحيفته؟ .
ولتعلم أن الله تعالى قد يقدِّر عليكَ الموتَ وأنت على خلوة بها، فكيف ستلقى ربك تعالى وأنت على هذه الحال؟ وماذا خلَّفتَ وراءك من فضيحة وعار لأهلك وأهلها؟ .
ولتعلم أن الله عز وجل قد يعاقبك بابنتك أو أختك، فأنت رضيتَ أن تلوِّث عرض غيرك فليس لك إلا أن تنتظر عقوبة الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة، والمسلم الصالح يحفظ الله تعالى أهله وذريته بصلاحه، والفاسد لا يجلب لأهله وأبنائه وبناته إلا الفساد، وكيف لا وهو قدوتهم في أفعاله.
فلا وسيلة لترك هذه الفتاة إلا بحياة القلب وتعميره بمحبة الله والخوف من عقابه، والمحافظة على نعَم الله تعالى من الزوال بسبب هذه المعصية، والتفكر في عواقب هذا الفعل سواء في الدنيا أو في الآخرة، فسارع إلى تركها، واحتسب فعلك هذا لله تعالى، لترى بعده – إن شاء الله – ما يُنعمه عليك ربك من نعَم الإيمان والتقوى ولذة العبادة.
وإليك أخي السائل هذه الموعظة:
قال ابْنُ السَّمَّاكِ:
هِمَّةُ العَاقِلِ فِي النَّجَاةِ وَالهَرَبِ، وَهِمَّةُ الأَحْمَقِ فِي اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ، عَجَباً لِعَيْنٍ تَلَذُّ بِالرُّقَادِ، وَمَلَكُ المَوْتِ مَعَهَا عَلَى الوِسَادِ، حَتَّى مَتَى يُبَلِّغُنَا الوُعَّاظُ أَعْلاَمَ الآخِرَة، حَتَّى كَأَنَّ النُّفُوْسَ عَلَيْهَا وَاقِفَةٌ، وَالعُيُونَ نَاظرَةٌ، أَفَلاَ مُنْتَبِهٌ مِنْ نَوْمَتِهِ، أَوْ مُسْتِيْقظٌ مِنْ غَفْلَتِهِ، وَمُفِيْقٌ مِنْ سَكْرَتِهِ، وَخَائِفٌ مِنْ صَرْعَتِهِ، كَدْحاً لِلدُّنْيَا كَدْحاً، أَمَا تَجْعَلُ لِلآخِرَةِ مِنْكَ حظّاً، أُقسِمُ بِاللهِ، لَوْ رَأَيْتَ القِيَامَةَ تَخفِقُ بِأَهْوَالِهَا، وَالنَّارَ مُشرِفَةً عَلَى آلِهَا (أي: أهلها) ، وَقَدْ وُضِعَ الكِتَابُ، وَجِيْءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهدَاءِ، لَسَرَّكَ أَنْ يَكُوْنَ لَكَ فِي ذَلِكَ الجَمعِ مَنْزِلَةٌ، أَبَعْدَ الدُّنْيَا دَارُ مُعْتَمَلٍ، أَمْ إِلَى غَيْرِ الآخِرَةِ مُنْتَقَلٌ؟
هَيْهَاتَ، وَلَكِنْ صُمَّتِ الآذَانُ عَنِ المَوَاعِظِ، وَذَهلَتِ القُلُوْبُ عَنِ المنَافِعِ، فَلاَ الوَاعِظُ يَنْتَفِعُ، وَلاَ السَّامِعُ يَنْتَفِعُ. "سير أعلام النبلاء" (8/330) .
والله الهادي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1278)
هل يجوز لها أن تصلي أمام الموظفين في الشركة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أعمل في شركة هل يجوز لي أن أصلي أمام الموظفين بنفس الغرفة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يُعلم من سؤالكِ أنك تعملين في عمل مختلط مع الرجال، والاختلاط يترتب عليه مفاسد ومحاذير كثيرة لا تخفى على أهل البصائر، وراجعي السؤال رقم (1200) لمعرفة أدلة تحريم الاختلاط.
وقد أفتى الثقات من أهل العلم بتحريم العمل المختلط، ومن ذلك ما جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/156) : " الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك " انتهى.
وراجعي السؤال رقم (6666) ففيه: هل تستمرّ في عمل تختلط فيه بالرجال؟
ثانيا:
من ابتليت بهذا العمل المختلط، فإن أمكنها أداء الصلاة في بيتها فهو أفضل، كأن يكون رجوعها إلى بيتها قبل العصر بوقت يتسع لأداء صلاة الظهر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا) رواه أبو داود (570) وصححه الألباني في صحيح أبي داود؛ ولما فيه من الستر والصيانة عن نظر الرجال.
وإن كان لا يمكنها إدراك الصلاة في بيتها، فإنها تختار أستر مكان في محل عملها، وتصلي صلاتها، ملتزمة بحجابها، ساترة لجميع بدنها، ولا يجوز لها أن تؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103.
قال السعدي رحمه الله:
" أي: مفروضا في وقته. فدل ذلك على فرضيتها , وأن لها وقتا , لا تصح إلا به , وهو هذه الأوقات , التي قد تقررت عند المسلمين , صغيرهم وكبيرهم , عالمهم وجاهلهم، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 204) .
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/255) :
" المرأة الحرة عورة يحرم عليها كشف وجهها وكفيها بحضرة الرجال الأجانب منها، سواء كانت في الصلاة أو في حالة الإحرام أو في غير ذلك من الحالات العادية؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ) رواه أحمد وأبوداود وابن ماجه. وإذا كان هذا في حالة الإحرام المطلوب فيه كشف وجه المرأة ففي غيرها أولى؛ لعموم قوله عز وجل: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) " انتهى.
واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن اتقى الله تعالى جعل له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، فبادري بترك العمل المختلط، وابحثي عن العمل المباح الذي يبارك الله تعالى فيه.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1279)
حكم إلقاء ورد السلام على النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أسلم أو أرد السلام على امراة أجنبية عني. يعني من غير المحارم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أمر الله تعالى بإفشاء السلام، وأوجب الرد على من سلَّم، وجعل السلام من الأمور التي تشيع المحبة بين المؤمنين.
قال الله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) النساء /86.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ) . رواه مسلم (54) .
وفي جواب السؤال رقم (4596) نبذة مطولة عن أهمية السّلام وردّه، فلينظر.
ثانياً:
الأمر بإفشاء السلام عامٌّ يشمل جميع المؤمنين، فيشمل الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة، والرجل مع محارمه من النساء. فكل واحد من هؤلاء مأمور بابتداء السلام، ويجب على الآخر الرد.
إلا أن الرجل مع المرأة الأجنبية عنه لهما حكم خاص في ابتداء السلام ورده نظراً لما قد يترتب على ذلك من الفتنة في بعض الأحيان.
ثالثاً:
لا بأس أن يسلم الرجل من غير مصافحة على المرأة الأجنبية عنه إذا كانت عجوزاً، أما السلام على المرأة الشابة الأجنبية فلا ينبغي إذا لم يؤمن من الفتنة، وهذا هو الذي تدل عليه أقوال العلماء رحمهم الله.
سُئِلَ الإمام مَالِك هَلْ: يُسَلَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْمُتَجَالَّةُ (وهي العجوز) فَلا أَكْرَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ فَلا أُحِبُّ ذَلِكَ.
وعلَّل الزرقاني في شرحه على الموطأ (4/358) عدم محبة مالك لذلك: بخوف الفتنة بسماع ردها للسلام.
وفي الآداب الشرعية (1/ 375) ذكر ابن مفلح أن ابن منصور قال للإمام أحمد: التسليم على النساء؟ قال: إذا كانت عجوزاً فلا بأس به.
وقال صالح (ابن الإمام أحمد) : سألت أبي يُسَلَّمُ على المرأة؟ قال: أما الكبيرة فلا بأس، وأما الشابة فلا تستنطق. يعني لا يطلب منها أن تتكلم برد السلام.
وقال النووي في كتابه "الأذكار" (ص 407) :
"قال أصحابنا: والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل، وأما المرأة مع الرجل، فإن كانت المرأة زوجته، أو جاريته، أو محرماً من محارمه فهي معه كالرجل، فيستحب لكل واحد منهما ابتداء الآخر بالسلام ويجب على الآخر رد السلام عليه. وإن كانت أجنبية، فإن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم يسلم الرجل عليها، ولو سلم لم يجز لها رد الجواب، ولم تسلم هي عليه ابتداء، فإن سلمت لم تستحق جواباً فإن أجابها كره له.
وإن كانت عجوزاً لا يفتتن بها جاز أن تسلم على الرجل، وعلى الرجل رد السلام عليها.
وإذا كانت النساء جمعاً فيسلم عليهن الرجل. أو كان الرجال جمعاً كثيراً فسلموا على المرأة الواحدة جاز إذا لم يُخَفْ عليه ولا عليهن ولا عليها أو عليهم فتنة.
روى أبو داود (5204) عن أَسْمَاء ابْنَة يَزِيدَ قالت: مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا. صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى البخاري (6248) عن سَهْلٍ بن سعد قَالَ: كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ (نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ) فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي قِدْرٍ وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ (أي تطحن) فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا وَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إِلَيْنَا". انتهى كلام النووي.
وقال الحافظ في "الفتح":
عن جواز سلام الرجال على النساء، والنساء على الرجال، قال: الْمُرَاد بِجَوَازِهِ أَنْ يَكُون عِنْد أَمْن الْفِتْنَة.
ونَقَل عن الْحَلِيمِيّ أنه قال: كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعِصْمَةِ مَأْمُونًا مِنْ الْفِتْنَة , فَمَنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسه بِالسَّلامَةِ فَلْيُسَلِّمْ وَإِلا فَالصَّمْت أَسْلَم.
ونَقَل عَنْ الْمُهَلَّب أنه قال: سَلَام الرِّجَال عَلَى النِّسَاء وَالنِّسَاء عَلَى الرِّجَال جَائِز إِذَا أُمِنَتْ الْفِتْنَة اهـ بتصرف.
والله تعالى أعلم.
انظر كتاب " أحكام العورة والنظر" إعداد / مساعد بن قاسم الفالح.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1280)
ترك الواجبات حياء من الله بسبب الوقوع في المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت حديثاً تم الاتفاق على تزويجي مع عم زوجي وذهبت للعيش في الشرق الأوسط ثم عدت لكندا وأنا حامل ووضعت ولدي، ثم ساءت الأمور بيننا ونريد الطلاق، لا أملك أوراق الزواج وهذا أخر معاملة طلاقي، أعيش مع رجل مسلم آخر يهتم بي وبطفلي ويريد أن يتزوجني، لم أتحدث إلى زوجي منذ عدة أشهر فقد كان يستعملني للحصول على الإقامة في كندا ولم يساعدني مطلقاً، وسؤالي هو: هل أصوم وأصلي في هذه الظروف؟
أشعر بالذنب من المعاصي التي أفعلها والحال الذي أنا فيه ولكنني أشعر بأن الله يعلم حالي وسيعينني أنا وخطيبي للعودة للطريق المستقيم، ولكن بسبب الشعور بالذنب فأنا لا أستطيع الصلاة لأنني أشعر بالخجل فماذا أفعل؟ أشعر بأنني منافقة إن صمت وصليت وهذا الأمر يزعجني، كنت أفكر بأن أقضي كل ما فاتني بعد أن أتطلق وأتزوج من الشخص الذي أسكن معه الآن، حينها أكون صادقة مع نفسي ومع الله، هو يصوم ولكنني لا أرى جدوى من الصيام ونحن نعيش بطريقة خاطئة الآن. أرجو المساعدة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يريك الحق حقا، ويرزقك اتباعه، وأن يريك الباطل باطلا ويرزقك اجتنابه، وأن يثبتك على الحق حتى الممات.
وبخصوص ما ورد في سؤالك، فما هو الأفضل من الناحية العقلية - فضلا عن الناحية الشرعية -، أن يرتكب الإنسان خطأين، أم خطأ واحدا؟؟؟
إن كل عاقل، يقول: الأفضل أن يرتكب الإنسان خطأ واحدا، ولا يرتكب خطأين، فمن كان يشرب الخمر مثلا، لا يقبل منه أن يقول طالما أني أشرب الخمر، إذا فلأزني، ولأقتل، ولأسرق، وأفعل وأفعل!!!
أيتها الأخت الفاضلة
لا شك أن ما أنت فيه محرم، فإن الخلوة بالأجنبي محرمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما) [رواه الإمام أحمد برقم 114، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 1908]
ثم أنت ذات زوج، وإن كان هذا الزوج قد ظلمك أو تعدى حدوده معك، فلا يبيح لك هذا أن تقيمي علاقة غير شرعية مع غيره أبدا، بل إن هذا من أعظم الخيانة، وقد قال تعالى {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} فنهى الله تعالى عن قرب الزنا، وهو كل ما يفضي إليه، ولا شك أن ما أنت فيه هو من قرب الزنا.
فننصحك أن تتوبي إلى الله عز وجل، وأن تراجعي حساباتك، وأن تؤدي الصلوات المفروضة، وتصومي رمضان، ولا يبيح لك عصيانه أن تتركي فرائض الله، فإن تركها ما هو إلا خطأ فوق خطأ، ومعصية على معصية كما سبق بيانه.
ثم اعلمي أن الصلاة والعبادة والطاعة سبب لتفريج الكربات، وإزالة الهموم والغموم، قال تعالى {واستعينوا بالصبر والصلاة} ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى، أي إذا أهمه أمر، ونزل به أمر، صلى [رواه أبو داود برقم 1319، وحسنه الألباني]
ولا ينفعك أن تتركي العبادة الآن ثم تقضيها فيما بعد، فإن الإنسان إذا تعمد إخراج العبادة عن وقتها، لم ينفعه قضاءها ولو قضاها ألف مرة، ولهذا قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103
أي موقتا بوقت، لا يمكن إخراجه عنه بلا عذر.
فاعزمي من الآن على قطع الصلة بينك وبين ذلك الرجل، وعلى إنهاء الخلاف بينك وبين زوجك بأي وسيلة كانت، أو تعجيل الحصول على الطلاق إن لم يكن هناك سبيل للإصلاح وعلى القيام بفرائض الله وحقوقه، وفقك الله لكل خير.
تراجع الأسئلة رقم (9465، 20784، 20949) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1281)
مصافحة النساء في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ملامسة النساء في الكف فقط في رمضان وخروج المني؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حكم ملامسة النساء الأجنبيات حرام في رمضان وفي غير رمضان، وسواء في ذلك كانت الملامسة بالكف فقط أو بما هو أشد من ذلك، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني في "الكبير" (486) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045) .
راجع سؤال (2459) ، (21183) .
والمعاصي عموماً – ومنها ملامسة النساء- في رمضان أشد تحريما، وأعظم إثماً، وتنقص ثواب الصيام، حتى قد يخرج الصائم من صيامه ولم يستفد منه إلا الجوع والعطش، لذلك كان الواجب على الصائم الاحتراز من المعاصي أشد الاحتراز.
ولينتهز المؤمن شهر رمضان لإصلاح أحواله، والتوبة من المعاصي، والإقبال على الله، ولا يكون يوم صومه ويوم فطره سواء.
قال جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك وصومك سواء. رواه ابن المبارك في الزهد (1308) .
راجع سؤال (37658) .
وإذا صافح الرجل امرأة في نهار رمضان، فأنزل المني، فسد صومه بلا خلاف بين العلماء، وعليه التوبة إلى الله تعالى من هذه المعصية، وعليه الإمساك بقية يومه، وقضاء يوم مكانه.
انظر: "المغني" لابن قدامة (4/361) .
وأما خروج المني في الصيام فإن كان ذلك بدون شهوة كما لو خرج بسبب مرض، فإنه لا يؤثر على الصيام.
سئلت اللجنة الدائمة:
أشكو نزول السائل المنوي في أيام رمضان أثناء الصيام بدون أي احتلام أو ممارسة للعادة السرية فهل في هذا تأثير على الصوم؟
فأجابت:
إذا كان الأمر كما ذُكِرَ فإن نزول المني منك بدون لذة في نهار رمضان لا يؤثر على صيامك، وليس عليك القضاء اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة (10/278) .
أما إذا كان نزول المني بشهوة فله حالان:
الأولى: أن يكون ذلك بفعل من الرجل يثير به شهوته، كتقبيل زوجته أو مصافحة امرأة بشهوة ونحو ذلك، فهذا مفسد للصيام وعليه قضاء هذا اليوم.
الثانية: أن يخرج المني بدون فعل من الرجل، كمجرد التفكير في الشهوة، أو الاحتلام، فهذا لا يفطر، وصومه صحيح.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
أما خروج المني عن شهوة فإنه يبطل الصوم سواء حصل عن مباشرة أو قبلة أو تكرار نظر أو غير ذلك من الأسباب التي تثير الشهوة كالاستمناء ونحوه، أما الاحتلام والتفكير فلا يبطل بهما الصوم ولو خرج مني بسببهما اهـ
فتاوى إسلامية (2/135) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1282)
يجب التفريق في المضاجع بين من بلغوا عشر سنين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أنام إلى جانب صديقي ولا يغطينا إلا غطاء واحد لا يوجد غيره يقينا البرد، وفي حالة وجود غطاءين لكنهما لا يردان البرد إلا معاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يجتمع بالغان تحت لحاف واحد، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه عنه عبد الله بن عمرو بن العاص: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) رواه أحمد (6689) ، وأبو داود (495) وصححه الألباني.
فإذا كان هذا الحكم فيمن سنه عشر سنوات، فكيف بالبالغ الكبير، بل الذي ينبغي أيضا ألا تكونوا على فراش واحد، بل تفترقون في فراشين ولحافين، وإذا لم يكن هناك إلا غطاءان لا يرد أحدهما بمفرده البرد، فليلتحف كل واحد بغطاء، وليثنه ليكون سميكا يرد البرد، أو اشتر غطاءً آخر.
قال الحافظ ابن حجر في نوم الجماعة في فراش واحد:" وثبت من طرق أخرى أنه يشترط أن لا يجتمعوا في لحاف واحد " اهـ. "فتح الباري" (7/204) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1283)
هل يجوز مراسلة المخطوبة عبر البريد الإلكتروني؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مراسلة المخطوبة عبر البريد الإلكتروني للاتفاق على أمور قبل الزواج بمعرفة أبويها وعلمهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من مراسلة المخطوبة للاتفاق على أمور الزواج، إذا كان ذلك بعلم أبويها واطلاعهم وكانت الرسائل خالية من العبارات العاطفية التي لا يجوز أن تكون بين المرأة والرجل الأجنبي عنها. ومعلوم أن الخاطب أجنبي عن مخطوبته، حتى يعقد النكاح.
ولا فرق بين أن تكون هذه المراسلة عن طريق البريد الإلكتروني أو العادي أو كانت حديثاً عبر الهاتف، والأولى أن تتم المراسلة والمحادثة مع وليها فقط.
سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن مكالمة الخطيب لخطيبته عبر الهاتف هل هو جائز شرعا أم لا؟
فأجاب: " مكالمة الخطيب لخطيبته عبر الهاتف لا بأس به؛ إذا كان بعد الاستجابة له، وكان الكلام من أجل المفاهمة، وبقدر الحاجة، وليس فيه فتنة، وكون ذلك عن طريق وليها أتم وأبعد عن الريبة " انتهى من "المنتقى" (3/163) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1284)
ما هي علاقة المرأة بمن طلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي الخروج مع طليقي في صحبة أولادنا على فترات متباعدة - وذلك لكي يجتمعوا بوالديهم مثل كل الأطفال، وذلك في الأماكن العامة - وهو لا يصلي؟ وهل إنفاقه عليهم حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلَّق الزوجُ امرأتَه آخر ثلاث تطليقات، أو طلقها طلقتين أو واحدة وانتهت عدتها، فإنها تصبح أجنبية عنه، ولا يحل له الخلوة بها، ولا لمسها، ولا النظر إليها.
وعلاقة المطلِّق بمطلقته كعلاقته بأي امرأةٍ أجنبيَّة أخرى، وليس وجود الأولاد بينهما بمسوغ للنظر والخلوة والسفر معها، ويمكنه أن يخرج مع أولاده دون وجودها، أو أنها تحضر مع أحدٍ من محارمها، من غير وقوع في محذورٍ شرعي مما ذكرنا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
المطلقة ثلاثا هي أجنبية من الرجل بمنزلة سائر الأجنبيات , فليس للرجل أن يخلو بها كما ليس له أن يخلو بالأجنبية , وليس له أن ينظر إليها إلى ما لا ينظر إليه من الأجنبية وليس له عليها حكمٌ أصلاً.
" الفتاوى الكبرى " (3 / 349) .
وأما قبول نفقة الوالد المطلِّق على أبنائه فلا يُمنع منها ولو كان لا يصلي، وعليها تذكير أبنائها بضرورة نصيحة والدهم بالصلاة، لعل الله أن يهديه بهذه النصيحة.
وإن خشيت الأم على أولادها من والدهم الكافر بحيث يؤثر على أخلاقهم أو يوقعهم فيما حرم الله، فلا يجوز لها أن تسمح لهم بالخروج معه، لأن خروجهم معه ضرر عليهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1285)
المحادثة بين الرجال والنساء عبر برامج المحادثة (الشات)
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة وأقوم بالدخول على "البالتوك" ثم إلى الغرف الإسلامية حتى أحصِّلَ شيئا من العلم الشرعي. وعندما أكون في تلك الغرف، يحدث أحيانا أن يطلب أحد المسلمين (وهو يبحث عن زوجة) أن نتحادث شخصيا (عن طريق التشات) ليتعرف كل منا على الآخر. وقد طرح علي بعض الأسئلة وهي من قبيل: أين أقيم، وعمري، وما إذا كنت متزوجة (بالمناسبة فأنا غير متزوجة) ، وما إذا كنت أعتزم الزواج، وما إذا كنت أقيم مع أهلي، وما إلى ذلك.
ومشكلتي هي أني لا أعرف إن كان يجوز لي شرعا أن أقدم مثل تلك المعلومات المتعلقة بي لمسلم من غير محارمي. هل التحدث كتابة مع شاب يعد معصية حقاً؟؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على المرأة المسلمة في الاستفادة من الإنترنت، ودخول موقع " البالتوك " لهذا الغرض، ما لم يؤد ذلك إلى محذور شرعي، كالمحادثة الخاصة مع الرجال، وذلك لما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث يدعو إلى الإعجاب والافتتان غالبا، ولهذا فإن الواجب هو الحزم والابتعاد عن ذلك، ابتغاء مرضاة الله، وحذرا من عقابه.
وكم جَرَّت هذه المحادثات على أهلها من شر وبلاء، حتى أوقعتهم في عشق وهيام، وقادت بعضهم إلى ما هو أعظم من ذلك، والشيطان يخيل للطرفين من أوصاف الطرف الآخر ما يوقعهما به في التعلق المفسد للقلب المفسد لأمور الدنيا والدين.
وقد سدت الشريعة كل الأبواب المفضية إلى الفتنة، ولذلك حرمت الخضوع بالقول، ومنعت الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية، ولا شك أن هذه المحادثات الخاصة لا تعتبر خلوة لأمن الإنسان من إطلاع الآخر عليه، غير أنها من أعظم أسباب الفتنة كما هو مشاهد ومعلوم.
وما جرى معك خير شاهد على صحة ما ذكرنا، فإن هذه الأسئلة الخاصة، يصعب على الرجل أن يوجهها إلى فتاة مؤمنة إلا عبر هذه الوسائل التي أُسيء استخدامها.
فاتق الله تعالى، وامتنعي عن محادثة الرجال الأجانب، فذلك هو الأسلم لدينك، والأطهر لقلبك، واعلمي أن الزواج بالرجل الصالح منة ونعمة من الله تعالى، وما كانت النعم لتنال بالمعصية.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات علما بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام؟
فأجاب:
(لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه؛ لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها، ويغريها به. وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه.
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول: إنه ليس فيها عشق ولا غرام) انتهى، نقلا عن: فتاوى المرأة، جمع محمد المسند، ص 96
ولاشك أن التخاطب عبر الشات أبلغ أثرا وأعظم خطرا من المراسلة عن طريق البريد، وفي كل شر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1286)
لا يجوز للبائع مس يد المرأة التي تشتري منه
[السُّؤَالُ]
ـ[تاجر ملتزم له زبائن كثيرون، ومنهم نساء فعند الأخذ والعطاء قد يلمس يد إحداهن وكثيراً ما يقع ذلك فما العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للرجل أن يمس يد امرأة لا تحل له، لما في ذلك من الفتنة، فعليك اجتناب هذا الشيء والتوبة إلى الله منه، ويمكنك البيع والشراء مع النساء بالكلام، وعليك بتقوى الله وتجنب ما يسبب الفتنة.
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17/28(7/1287)
رأت في المنام أنها مع حبيبها , وأهلها يرفضون!!
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى صديقاتي تحب رجلاً منذ 4 أو 5 سنوات وقد استخارت قبل 7 أشهر وتكرر نفس الحلم:
رأت نفسها تمشي مع من تحب في حديقة مليئة بالأشجار الغليظة وهذه الأشجار مليئة بالزهور المتدلية وهما يمشيان على طريق من العشب، ثم تستيقظ وهي مرعوبة، رأت هذا الحلم حوالي الساعة 3 أو 4 صباحاً.
كما يبدو من الحلم بأن الزواج سيتم ولن يكون هناك مشاكل، ولكن أهلها رفضوا هذا الزواج.
ما معنى هذا الحلم؟ وهل رأته بسبب الاستخارة أم فقط بسبب التفكير بالشخص الذي تحبه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: أنصح الأخت أن تقرأ عن حكم الحب بين الرجل والمرأة في الإسلام من دون زواج (1114 , 20949)
ثانياً: الأحلام والرؤى على ثلاثة أقسام:
1- رحمانية: وهي من الله عز وجل يبشر بها عباده الصالحين في الحياة الدنيا بعد انقطاع الوحي.
2- شيطانية: يتسلط فيها الشيطان على ابن آدم ليحزن الذين آمنوا، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوقاية من شره، وأخبرنا أنها لا تضر المؤمن المتأدب بأدب النبوة (25768)
3- حديث النفس: وهو ما يراه النائم من خواطر وأفكار تعكس ما يجري له في حياته اليومية كما في السؤال الوارد.
والذي يظهر: أن الأخت متعلقة بهذا الرجل وتريد الزواج منه، ولكن لرفض أهلها هذا الزواج، فهي ترى نفسها في الحلم مع محبوبها كما تحب أن تراه حقيقة في حياتها.
ختاماً، أنصح الأخت الكريمة بتقوى الله عز وجل وطاعة والديها بالمعروف اللذين يفترض أن يكونا أحرص على اختيار الزوج المناسب لها من أهل الاستقامة والأمانة.
وكذلك سؤال الله عز وجل أن يرزقها زوجاً صالحاً تقر به عينها يوفق الله بينهما ويرزقهما ذرية صالحة تكون لهم عوناً في الدنيا وذخراً في الآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
د. خالد بن عوض بازيد استشاري الطب النفسي.(7/1288)
معجبة بالموقع وتريد مساعدة صديقها في البحث عن عمل!!!
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ بضعة أشهر وأنا مولعة بمتابعة موقعك هذا. وبما أن شبكة الإنترنت أخذت توفر أسلوبا جديدا لتعلم الإسلام فقد فتحت عيني وقلبي. كما لا يفوتني أن أذكر أني أصبحت مسلمة أكثر صلاحا مما كنت عليه في السابق بعد أن بدأت أتصفح موقعك واستمع وأقرأ محاضراتك ومقالاتك.. الخ. ولذلك فإني أرغب أن أهنئك وفريقك على تأثير موقعكم الإيجابي على الناس (مثلي) . كما أني أشعر بالارتياح الشديد تجاه المعلومات الموجودة في موقعك وعلى العلم المتوفر فيه عن الإسلام، وأرغب في السؤال عن مسألة حيرتني أنا وصديقي منذ فترة. فقد ألقى الدكتور صخر محاضرة منذ فترة قريبة وقال خلالها إن المسلم يمكنه إيجاد عمل خلال 3 أيام إذا كان يعرف كيف يباشر ويتصرف.. إلا أنه للأسف لم يذكر الحلول / طريقة تحقيق ذلك. وقد يكون بإمكانك أن تقدم لي العون لمساعدة رجل في الحصول على وظيفة عن طريق المساعدة الروحية. وكي أضعك في الصورة: فقد تعرفت على صديقي هذا قبل عام ونصف عن طريق الشبكة / الهاتف ونحن عازمان على العيش سويا. إلا أن المشكلة هي أنه يعيش في الكويت ويحتاج لتصريح عمل إن أراد أن يقيم في بلدي (بلجيكا) . وهو يريد أن يحضر إلى بلجيكا ويبحث عن عمل ويقيم هنا، وإذا كان معارفنا (ولكن أيضا مع عائلتينا) يشعرون بالرضى فإننا نرغب في العيش سويا (الزواج) . ومنذ بضعة أشهر وأنا وصديقي نقلب المواقع على الشبكة كالمجانين بحثا عن وظيفة، ونحن نوزع سيرته الذاتية على الإنترنت ... الخ. والمشكلة تتمثل في العثور على عمل وعلى موظِف يقبل بمنح صديقي تصريح عمل (نتيجة لقوانين الهجرة الصارمة في أوروبا) . ونحن نستميت منذ أشهر للعثور على حل، لكننا لم ننجح في ذلك، وقد أحبطنا لذلك، لأننا نشعر أن عدم توفر الوظيفة سيعني نهاية لمسألة العيش مع بعضنا. فهل تستطيع مساعدتنا في الخروج من هذه الورطة، فقد أخذنا نتضايق منه جدا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإننا نحمد الله تعالى على ما منّ الله به عليك من هداية وصلاح، ونسال الله أن يثبتنا وإياك ويوفقنا لما يرضيه من الأقوال والأفعال.
المؤمن يلجأ إلى الله تعالى في كل ما يصيبه، ويتوجه إليه في كل حاجاته، فهو سبحانه الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، وقد أخبرنا عن نفسه بأنه قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه، فالدعاء إذاً سلاح بيد المؤمن ينبغي له أن يحسن استخدامه فادعي الله وأنت موقنة بالإجابة وتحرّي أسباب القبول واختاري أوقات الإجابة. ويمكنك الرجوع إلى السؤال رقم (5113) لتتعرفي على هذه الأسباب.
وأود أن أنبهك أيتها الأخت الكريمة إلى أمر في غاية الأهمية ألا وهو أن على المسلم والمسلمة أن يصون نفسه عن أسباب تعلق القلب بمن ليس زوجاً له ومعلوم أن المحبة قد لا يكون للإنسان يد فيها إلا أنه قد يفعل ما يكون سبباً في زيادة التعلّق ومن ذلك الحديث بين الرجل والمرأة الذي يترتب عليه تحرك للعواطف والغرائز فهذا منهي عنه سدّاً لهذا الباب وحتى لا يتعلق القلب بمن قد لا يتيسر الزواج منه فيحصل بذلك التعذب للطرفين وينشغل القلب عن ما يجب عليه من محبة الله وطاعته. ويراجع السؤال رقم (9465) و (4775) .
لذلك نوصيك بالإكثار من الاستخارة والدعاء واللجوء إلى الله تعالى ونسأل الله أن يكتب لنا ولك الخير في الدارين وأن ييسّر لك هذا الأمر إن كان الخير فيه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1289)
وقع في حب فتاة ثم تاب فهل يتخذها صديقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب مسلم سافر للدراسة في الخارج بعيداً عن أهله، تعرَّف على فتاة مسلمة وزادت العلاقة بينهم حتى أصبحت حبّاً، حصل بينهم اللمس والتقبيل ولكن لم يزنيا، شعر بالخوف من الله، وطلب منها أن تغير علاقتها معه أو أن تتركه لأن ما يفعلانه خطأ، تفهمت الموضوع وقالت نبقى أصدقاء ولا نتكلم عن الحب أبداً ونكون أصدقاء فقط، مع أنه يشعر بأنه ضحى لأجل الله فهو يحبها جدّاً ولكنه يقول بأن هذا غير كافٍ لإرضاء الله، هل يجوز له أن يتحدث معها كصديقة فقط؟ وكيف يشرح لها فهو لا يريد بأن يكون أنانيّاً فهو يحبها جدّاً ولكن حبه لله أكبر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن سلوك المسلم لطرق الفتنة هو السبب في وقوعه في حبائل الشيطان، والشريعة الإسلاميَّة أغلقت بأحكامها العظيمة تلك الطرق وحذَّرت من سلوكها، وحذّرت كذلك من اتباع خطوات الشيطان.
ومن هذه الطرق: ذهاب المسلم إلى بلاد الكفر، وإقامته فيها وحده أو مع أسرة، ودراسته في جامعة مختلطة، وصحبته لأناسٍ فاسدين لا يدلونه على الخير ولا يحذرونه من الشر، وإطلاق العنان لجوارحه أن تعمل في المعصية كالأذن في سماع الغناء، والعين في النظر المحرم وغير ذلك.
ولا يتم للإنسان حفظٌ لنفسه إلا بالابتعاد عن تلك الطرق، والبحث عن سبل السلام والهداية التي يرضى عنها ربُّه تبارك وتعالى.
ثانياً:
نجد الأخ السائل على خير وهدى وصلاح إن شاء الله، وذلك بخوفه من ربه عز وجل وتركه لعلاقته مع تلك الفتاة بعد أن وقع في محرمات معها بسبب سلوكه لتلك الطرق آنفة الذِّكر.
ومقام الخوف من الله مقام عظيم، وترك شهوات النفس لله تعالى أمرٌ لا يقدر عليه إلا من حقق التوحيد وكان الإيمان في قلبه حيّاً وظهر أثره على جوارحه.
لكن عليه أن يثبت على ما فعل، وأن لا يترك الشيطان ليدله على طريق آخر يسلكه به ليؤدي به إلى نتيجة واحدة وهي الوقوع في المحرَّمات، فلا صداقة بينه وبين تلك الفتاة الأجنبية عنه، وطريق هذه الصداقة معروف نهايته، لذا فإن عليه عدم الاستجابة لطلبها، والبقاء على موقفه، مستعيناً بربه عز وجل أن يهديه الصراط المستقيم، وأن يثبته على الهداية والرشاد.
ثالثاً:
وإذا كان يحبها حقيقة: فإن الطريق السوي الشرعي الذي ينبغي عليه سلوكه هو الزواج بها لا غير، على أننا نود منه إن فكر في الزواج أن يختار ذات الخلق والدين كما هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم يتزوج بها فإن صداقته لها ستؤدي به إلى الوقوع في محرَّمات كما ذكر هو عن نفسه أنه فعل، بل إن تعلق القلب بمثل هذه الصورة ولو لم تحصل فواحش حسية فيه من إفساد القلب وإفساد تعلقه بالله وعبوديته له ما قد يكون أكثر من الفواحش الحسية.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين:
إذا قُدِّر أن يكون بين الرجل وبين امرأة من الناس محبَّة، فإن أكبر ما يدفع الفتنة والفاحشة أن يتزوجها؛ لأنه سوف يبقى قلبُه معلَّقاً بها إن لم يتزوجها، وكذلك هي فربما تحصل الفتنة.
قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلُق فاضل، وذات عِلم فيرغب أن يتزوجها، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلُق فاضل وعِلم ودين فترغبه، لكن التواصل بين المتحابين على غير وجهٍ شرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق والظهور، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، ويقول إنه يرغب في زواجها، بل يخبر وليها أنه يريد زواجها، أو تخبر هي وليها أنها تريد الزواج منه، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما.
وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل فتنة.
" أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 868) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1290)
أحب نصرانية على حساب زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب أحب فتاة نصرانية وهو يوليها عنايته وشعر بالذنب، فيريد أن يهجر زوجته الأولي (أم أولاده) ثم يدعو الفتاة النصرانية للإسلام وبعد إسلامها يتزوجها.
وهجره لزوجته الأولي لا يعني الطلاق لئلا يظلم ولديه الصغيرين، وزوجته الأولى غضبت غضبا شديدا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أحسن السائل كل الإحسان بعنايته بإرشاد صديقه في ضوء تعاليم الإسلام وهذا من كمال المحبة والأخوة الإسلامية، فقد قال صلى الله عليه وسلم (الدين نصيحة) رواه الإمام مسلم , ولو انتشر بين المسلمين مثل هذه المعاني الطيبة لكان حالهم أفضل بكثير مما نحن عليه، خاصة في بلاد غربة الدين وأهله. فالمسلم أشد ما يكون حاجة لأخيه المسلم يبذل له النصح ويحب لأخيه ما يحب لنفسه، ورب كلمة طيبة أو
نصيحة خالصة يتكلم بها المرء لا يلقي لها بالاً ينال بها من رضوان الله ما لا يشقى بعده أبداً.
ولابد لصديقك إذا أراد معرفة الحق أن يكون صريحاً مع نفسه ويتجرد من ضغوط النفس خاصة في مثل هذه المواضيع.
ثم إن في نص السؤال اعترافاً بأن محبته للفتاة النصرانية ذنب إذ كيف يصح للمسلم أن يحب امرأة بهذه الطريقة وهي امرأةٌ أجنبية عنه وليست زوجة له، ويقال له:هذه المرأة عرض الغير فكما أنك لا ترضى أن يحب رجل غريب ابنتك أو أختك وليس زوجاً لها فكذلك نساء الآخرين.
فلا يسمح بمثل هذه المحبة إلا بزواج مبني على المقاصد الشرعية الصحيحة لا مجرد محبة يصرح السؤال بأنها ذنب، وديننا الحنيف عندما نظم العلاقات بين الرجل والمرأة جعل هناك طريقاً صحيحاً لصرف هذه العلاقات، فكان الزواج فاتحة هذه العلاقات لا نتيجة لها فليس الزواج نتيجة لمحبة هي ذنب ربما كان الزواج مجرد تبرير لها،ثم إن تنظيم هذه العلاقات إنما هو لمصلحة المجتمع المسلم واستقراره وسلامته، إذ أن مخالفة هدي الشرع في ذلك يؤدي إلى مفاسد كثيرة لعل من أمثلتها ما ورد في السؤال من اضطراب في زواجه الأول.
والخطأ يجر إلى خطأ آخر وثالث وهكذا فهذا الشاب – أسعده الله في الدنيا والآخرة – أراد أن يصلح هذا الذنب بهجران زوجته الأولى وهذا ذنب آخر لعله لا يقل عن الأول، والخطأ لا يُصلح بخطأ آخر.
فإن الإسلام حينما أباح التعدد ضمن العدل للزوجات فأوجب العدل بينهن قال تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم (النساء / 3، ولا شك أنه ليس من العدل هجران الزوجة الأولى للتزوج بالثانية، حتى لو فرضنا أن القصد بهذا حسن وهو اعتناق النصرانية للإسلام فإن إسلام الثانية لا يدعو إلى ظلم الأولى، والغاية لا تبرر الوسيلة، ثم إن دعوة النصرانية للإسلام له وسائل كثيرة جداً يمكن استعمالها.
وكم من شخص دُعي إلى الإسلام دون ظلم أو ارتكاب ذنب.
وبناء على هذا فلا شك أن زوجته الأولى ستغضب ولو أنه في موقف مشابه لموقفها لغضب غضباً شديداً.
أخي: تأمل معي هذا الحديث النبوي الشريف: (من كان له امرأتان فمال إلى أحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) . رواه الترمذي 1141 والنسائي 3942 وأبو داود 2133 وهو صحيح في أرواء الغليل 7/80 رقم 2017
فهل تحب أن تأتي يوم القيامة وشقك مائل؟ لاشك أنك لا تحب ذلك.
كل ما مضى فيما لو أراد هجران زوجته الأولى لفترة مؤقتة. أما لو أراد هجرانها إلى الأبد فالأمر أشد ولا أدري أيهما يُراد في السؤال؟
وإذا فرضنا أنك تزوجت هذه المرأة بعد إسلامها ثم علمت بامرأة أخرى ربما يكون زواجك بها ثالثة سبباً في إسلامها ولكنك لم تعرفها ولا تحبها فهل ستهجر الثانية لتعتنق تلك الإسلام وان كنت لا تحبها؟ أجب نفسك بصراحة.
ختاماً: لا أنصحك بالزواج من هذه الفتاة النصرانية في مثل هذه الحال حيث أنه مبني على خطأ سابق وهو محبتها بلا حق. نعم تُشكر على حرصك على هداية غيرك إلى الإسلام، ويمكن إهداؤها بعض الكتب والنشرات والأشرطة الإسلامية عن الإسلام ودلالتها على المراكز الإسلامية والداعيات المسلمات، أو السعي لأن يتزوجها أحد المتمسكين بدينهم ممن يكون لها عونا على ثباتها لكن بلا ظلم لزوجة سابقة ولا غير ذلك.
ثانيا: يجب العدل بين الزوجات في المبيت والنفقة ولا يجوز هجران الزوجة الأولى بلا حق ولو لمقصد نبيل.
ثالثا: المسلم الحريص على سلامة دينه يبتعد عن المحبة غير المبنية على أساس صحيح. وإن كان ذلك شديداً على النفس في أول الأمر ولكن كما قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) العنكبوت / 69، وقال صلى الله عليه وسلم (إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه) . رواه الإمام أحمد 20222، وصححه الألباني (السلسة الضعيفة /5)
وما أحراك أن تشتري رحمة الله والجنة بأن تحسن إلى أم أبنائك وترضيها كما أغضبتها، وتسرها بعد أن أحزنتها بعد أن عاشت معك أكثر من سبع سنين.
والله يوفقك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1291)
طريقة إلقاء الدّروس للذّكور والإناث
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في الجامعة في كندا وقد كنت في إحدى الدول الإسلامية سابقاً وقد تعلمت بعضاً من العلم الشرعي ويوجد بعض المسلمين في جامعاتي فأقوم بإلقاء الدروس عليهم، ولكن أثناء الدرس يكون الشباب على يساري والبنات على يميني، فهل هذا من الاختلاط المحرم؟ وما هو الاقتراح المناسب لطريقة إلقاء الدرس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أثابك الله على ما تقوم به من جهد في إلقاء الدروس النافعة لهؤلاء الطّلبة المسلمين في مدينتك والذين هم بأمسّ الحاجة لتعلّم دينهم في بلاد الكفر، ولعلّ خلفيتك التي اكتسبتها من معيشتك السّابقة في بلاد الحرمين ستساعدك على ذلك وأوصيك بالتّركيز على تعليمهم التوحيد والعقيدة الإسلامية الصّحيحة، وشرح كيفية القيام بالعبادات فقهيا، وعرض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
أمّا بالنّسبة للموضوع الذي سألت عنه فإنّ قعود الذّكور والإناث في حلقة واحدة أمام بعضهم البعض في مجلس واحد لا يخلو من أخطار كما تعلم، بل أظنّ أنّ لديك إحساسا بذلك دفعك إلى السّؤال وخصوصا أنّنا نتوقّع من حجاب الإناث عندكم أنّه ليس كاملا وأنّ وجوه بعضهّن - على الأقلّ - ستكون مكشوفة أمام الذّكور لذلك فإنني أقترح عليك أحد أمرين: إمّا أن يجلس الإناث بالحجاب الكامل خلف صفوف الذّكور حتى لا يكون عليك من حرج إذا واجهت الجميع لإلقاء الدّرس، والاقتراح الثّاني جعل حاجز بين الذّكور والإناث - بحيث يصل الصّوت - إذا لم يُرد الإناث لبس الحجاب الكامل. ويمكنهن السؤال من وراء الحاجز دون خضوع بالقول أو كتابة الأسئلة في أوراق.
وفقنا الله وإياك لعمل الخير والدّعوة إلى سبيل الله كما يُرضي الله وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1292)
حكم تقبيل الرجل للمرأة واحتضانها بدعوى الصداقة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم تقبيل مسلمة من غير محارمه على وجنتها (قبلة صديق) ؟ وما هو الحكم في احتضانه لها بصداقة؟
وهل الذنب هو بنفس الحجم حتى وإن فعله ذلك الشخص وهو في حال يحتاج فيه إلى مرافقة صديق، ولم يكن بإمكان أي شخص غير تلك الفتاة تقديم الرفقة المطلوبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على الرجال اتخاذ صديقات من النساء، يراجع جواب سؤال رقم 1114.
وينبغي على الإنسان أن يكون عاقلا، لأن من يقول بأن الشخص يقبِّل صديقته على وجنتها قبلة صداقة ويحتضنها بصداقة، إن قول ذلك يعتبر سفاهة وقلة عقل، لأنه لا يخفى على أي عاقل أن هذه التصرفات إنما تُأجِّج الشهوة وتوقدها وهذا هو طريق الزنا، ولا يقال بأن القلب سليم، لأن الله فطر الرجل على الميل إلى المرأة، ولذلك حرم الله عز وجل النظر إلى النساء فأمر بغض البصر فقال سبحانه: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) النور/30، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " العين تزني وزناها النظر " رواه أبو داود (النكاح/1840) ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 1884.
ولذلك حرم الاختلاط بالنساء والخلوة بهن مع لبسهن الحجاب فكيف إذا كانت المرأة متبرجة والآيات والأحاديث كثيرة جداً على تحريم ذلك، وحرم مصافحتهن يراجع سؤال رقم 2459، وقد يدعي الشخص الذي يزعم ذلك أنه يمارس الزنا معها بعد ذلك بصداقة , ولا يقال إن ذلك بسبب ظروف صعبة يحتاج فيها إلى شخص يواسيه. فإن كل ذلك مُحرَّم ولا يجوز. وعلى من وقع في مثل هذه الأمور المبادرة إلى التوبة من هذا الذنب توبةً نصوحا، واللجوء إلى الله والندم على ما فعل. وعلى المسلم أن يعلم أنه إذا لجأ إلى الله فيما يصيبه ويعرض له من المصائب والمشكلات في الدنيا فإن الله سيجعل له فرجاً ومخرجاً من ذلك وليتق الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الطلاق/2، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) الطلاق/4. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1293)
حكم مصافحة الطالب لزميلته في المدرسة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مصافحة الطالب لزميلته في الدراسة وماذا يفعل لو مّدت يدها للسلام عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز الدراسة المختلطة مع الفتيات في محل واحد أو في مدرسة أو في كرسي واحد، بل هذا من أعظم أسباب الفتنة فلا يجوز للطالب ولا للطالبة هذا الاشتراك لما فيه من الفتن وليسس للمسلم أن يصافح المرأة الأجنبية عنه ولو مدت يدها إليه ويخبرها أن المصافحة لا تجوز للرجال الأجانب لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حيت بيعته للنساء: (إني لا أصافح النساء) وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام) وقد قال عز وجل: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) الأحزاب/21، ولأن مصافحة النساء من غير محارمهن من وسائل الفتنة للطرفين فوجب تركهما.
أما السلام الشرعي الذي ليس فيه فتنة ومن دون مصافحة ولا ريبة ولا خضوع بالقول ومع الحجاب وعدم الخلوة فلا بأس به لقول الله عز وجل: (يا نساء النبي لستن كأحد من نساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قبله مرض وقلن قولاً معروفاً) الأحزاب/32، ولأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يسلِّمن عليه ويستفتينه فيم يشكل عليهن وهكذا كانت النساء يستفتين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يشكل عليهن.
أما مصافحة المرأة للنساء ولمحارمها من الرجال كأبيها وأخيها وعمها وغيرهم من المحارم فليس في ذلك بأس.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للإفتاء في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص988(7/1294)
حكم الوضوء بالماء الحار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الوضوء من الماء الحار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لا بأس بذلك، لكن إذا كان شديد الحرارة فإنه يصح مع الكراهية، وذلك لأنه يضر بالبشرة بالإحراق والألم، وقد وجد خلاف قديم في الماء المسخن هل يرفع الحدث أم لا، والصواب أنه يرفعه، بل يصبح ضروريا في البلاد الباردة، لكن يكره إذا سخن بوقود نجس، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص78.(7/1295)
تحرم مصافحة زوجة العم ولو كانت كبيرة في السن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مصافحة زوجة العم إذا كانت كبيرة في السن وإذا كان ترك المصافحة يبعث بالكراهة والبغض وقد أعتيد على ذلك بين الأقارب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على الرجل مصافحة المرأة الأجنبية ولو كانت عجوزاً، وذلك لعموم الأدلة المانعة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقاً سواء كنَّ شابَّات أو عجائز، وسواء كان المصافِح شابّاً أو شيخاً كبيراً، لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إني لا أصافح النساء "، وقالت عائشة – رضي الله عنها -: " ما مسَّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام "، ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة، والله ولي التوفيق.
" فتاوى إسلامية " (3 / 76) .
وما يعتقده بعض الناس من أن زوجة العم أو زوجة الخال ليستا بأجنبيتين فغير صحيح ولا أصل له، بل هما أجنبيتان، وقد سبق سؤال عن حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية في سؤال رقم (2459) وسؤال (21183) .
وقول السائل أن ترك مصافحتها يؤدي إلى البغض وأنهم اعتادوا على ذلك فإنه يمتنع من مصافحتها، ويبين لها أنه لم يصافحها احتقاراً لها ولا تقليلاً من شأنها وإنما طاعة لله ورسوله، والواجب على المسلم هو امتثال ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، ولو خالف ما اعتاده الناس، ولكنه يبين للناس أنه فعل ذلك طاعة لله وعليه بالرفق واللين حتى يحملهم ذلك على اتباع الشرع وألا يظنوا به ظناً سيئاً، والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1296)
هل صوت المرأة عورة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح ما يقال بأن صوت المرأة عورة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
ليس صوت المرأة عورة بإطلاق , فإن النساء كن يشتكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويسألنه عن شئون الإسلام , ويفعلن ذلك مع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وولاة الأمور بعدهم , ويسلمن على الأجانب ويردون السلام , ولم ينكر ذلك عليهن أحد من أئمة الإسلام , ولكن لا يجوز لها أن تتكسر في الكلام , ولا تخضع في القول , لقول تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا) الأحزاب/32 لأن ذلك يغري بها الرجال ويكون فتنة لهم كما دلت عليه الآية المذكورة. وبالله التوفيق.ا. هـ.
من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6 / 83) .
وتجد في السؤال رقم (1121) حدود وضوابط الكلام مع المرأة الأجنبية؛فراجعه للأهمية.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1297)
من أحكام ركوب المرأة مع السائق بدون محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أعمل مشرفة طلابية في إحدى المدارس وطبيعة عملي تقتضي أن أذهب في جولات إلى مدارس خارج المدينة التي أعمل بها وأذهب مع بعض المعلمات برفقة سائق وبدون محرم، فما الحكم في ذلك، وما حكم الراتب الذي أتقاضاه، علماً بأن ظروفي الشخصية وظروف عملي تحول دون وجود محرم معي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان معك امرأة أو امرأتان أو أكثر والسائق مأمون فلا حرج أن تركبي مع هؤلاء النسوة بدون محرم ما لم يكن في ذلك سفر، فالسفر لا يجوز إلا بمحرم حتى ولو كان معك نسوة، أما في التجولات التي خارج البلدة فإن كانت قريبة وترجعين في يومك فهذا ليس بسفر فلا يحتاج إلى محرم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين لمجلة الدعوة.(7/1298)
النظرة الأولى والنظرة الثانية إلى النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن النظر إلى النساء محرم تماماً. وإذا لفتت إحداهن نظري أحياناً فإني أديم النظر لمدة ثانية أو ثانيتين ثم أتذكر أمر الله وأغض بصري في الحال. فهل آثم بالنظر إلى المرأة لهذه الفترة القصيرة جداً؟
وقد قرأت في "الحلال والحرام في الإسلام" أن القرآن يأمر بغض البصر، وأن تعريف النظرة هو "تلذذ العينين بمفاتنها أو التفكير بشهوة أثناء النظر". والحمد لله لم أذهب أبداً إلى ذلك الحد، غير أنني أشعر بالقلق من هاتين الثانيتين. بارك الله فيكم]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفُجَاءة فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي رواه الترمذي وقال هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: السنن 2700
قال المباركفوري في شرح الحديث:
قوله: (الفجاءة) أي أن يقع بصره على الأجنبية بغتة من غير قصد , يقال: فجأه الأمر إذا جاءه بغتة من غير تقدّم سبب.
(فأمرني أن أصرف بصري) أي لا أنظر مرة ثانية لأن الأولى إذا لم تكن بالاختيار فهو معفو عنها , فإن أدام النظر أثم , وعليه قوله تعالى: {وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَا عَلِيُّ لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ رواه الترمذي 2701 وهو في صحيح الجامع 7953
قال في التّحفة: قوله: (لا تتبع النظرة النظرة) من الاتباع , أي لا تعقبها إياها ولا تجعل أخرى بعد الأولى (فإن لك الأولى) أي النظرة الأولى إذا كانت من غير قصد (وليست لك الآخرة) أي النظرة الآخرة لأنها باختيارك فتكون عليك.
وبهذا يتبيّن لك أنّ تعمّد النّظر إلى المرأة الأجنبية وكذلك الاستمرار في النّظر بعد نظرة الفجأة حرام لا يجوز في أيّ موضع من جسمها سواء كانت جميلة في نظرك أم لا، وسواء أدّى إلى إثارة الشّهوة أم لا، وسواء كان مصحوبا بتخيّلات سيئة أم لا، وسواء أدّى إلى الوقوع في الفاحشة أم لا.
نسأل الله أن يقينا وإيّاك سائر المحرّمات والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1299)
حكم اتخاذ الأخدان والخليلات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب رجلاً مسلماً حباً شديداً وأريد أن أتزوجه. وأنا أعلم أن الله يحرم العلاقة غير الشرعية بين الرجل والمرأة والمرأة والرجل. وأشعر بالأسى في نفسي على هذه العلاقة. أشعر بذلك لأننا نرتبط بهذه العلاقة التي يمقتها الله. وهو لن يتزوجني لأنه فقد احترامه لي.
ماذا يقول القرآن في هذه المسألة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى:
(فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) النساء 25
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية:
وقوله تعالى "محصنات" أي عفائف عن الزنا لا يتعاطينه ولهذا قال "غير مسافحات" وهن الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة - وقوله تعالى "ولا متخذات أخدان" قال ابن عباس: "المسافحات" هن الزواني المعلنات يعني الزواني اللاتي لا يمنعن أحدا أرادهن بالفاحشة: وقال ابن عباس: ومتخذات أخدان يعني أخلاء وكذا روي عن أبى هريرة ومجاهد والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني ويحيى بن أبي كثير ومقاتل بن حيان والسدي قالوا: أخلاء وقال الحسن البصري يعني الصّديق وقال الضحاك أيضا "ولا متخذات أخدان" ذات الخليل الواحد المقرة به نهى الله عن ذلك يعني تزويجها ما دامت كذلك..
وقال تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (5) سورة المائدة
قال ابن كثير رحمه الله:
وقوله " محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان " فكما شرط الإحصان في النساء وهي العفة عن الزنا كذلك شرطها في الرجال وهو أن يكون الرجل محصنا عفيفا ولهذا قال غير مسافحين وهم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم ولا متخذي أخدان أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن كما تقدم في سورة النساء سواء ولهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح نكاح المرأة البغي حتى تتوب وما دامت كذلك لا يصح تزويجها من رجل عفيف وكذلك لا يصح عنده عقد الرجل الفاجر على عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هو فيه من الزنا لهذه الآية.. وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستقصى عند قوله " الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ".
ومن القصص التي تبيّن حرمة اتّخاذ العشيقات وحرمة الزواج بهنّ قصّة مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ وَكَانَ رَجُلا يَحْمِلُ الأَسْرَى مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمْ الْمَدِينَةَ قَالَ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا عَنَاقٌ وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ وَإِنَّهُ كَانَ وَعَدَ رَجُلا مِنْ أُسَارَى مَكَّةَ يَحْمِلُهُ قَالَ فَجِئْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى ظِلِّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ قَالَ فَجَاءَتْ عَنَاقٌ فَأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظِلِّي بِجَنْبِ الْحَائِطِ فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَيَّ عَرَفَتْهُ فَقَالَتْ مَرْثَدٌ فَقُلْتُ مَرْثَدٌ فَقَالَتْ مَرْحَبًا وَأَهْلا هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ قَالَ قُلْتُ يَا عَنَاقُ حَرَّمَ اللَّهُ الزِّنَا.. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحُ عَنَاقًا فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَرْثَدُ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ فَلا تَنْكِحْهَا. رواه الترمذي 3101 وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وكذلك جاء عن عبد الله بن مغفل أن امرأة كانت بغيّا في الجاهلية فمرّ بها رجل أو مرّت به فبسط يده إليها فقالت: مه، إن الله أذهب بالشرك وجاء بالإسلام فتركها وولّى وجعل ينظر إليها حتى أصاب وجهه الحائط، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: أنت عبد أراد الله بك خيرا، إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا عجّل له عقوبة ذنبه حتى يُوافى به يوم القيامة. رواه الحاكم 1/349 وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. يُنظر صحيح الجامع رقم 308.
فهذه الآيات والأحاديث تدلّ دلالة واضحة على تحريم إقامة علاقة أو صداقة بين الرجال والنساء الأجنبيا ومفاسد هذه وما تؤدي إليه من أنواع البلاء واضحة في الواقع وللعيان، وقد ورد سؤال مشابه برقم 2085، نسأل الله أن يباعد بيننا وبين الحرام، وأن يقينا أسباب سخطه، وأن يُعيذنا من غضبه وأليم عقابه، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1300)
حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تحرم مصافحة الرجل لمرأة أجنبية عنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية حرام لا يجوز ومن الأدلة على ذلك ما جاء في حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحلّ له. " رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع 5045
ولا شكّ أنّ مسّ الرجل للمرأة الأجنبية من أسباب الفتنة وثوران الشهوات والوقوع في الحرام، ولا يقولنّ قائل: النيّة سليمة والقلب نظيف فإنّ صاحب أطهر قلب وأعفّ نفس وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمسّ امرأة أجنبية قطّ حتى في بيعة النساء لم يبايعهن كفّا بكفّ كالرّجال وإنّما بايعهن كلاما كما روت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ.. قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَايَعْتُكِ كَلامًا وَلا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلا بِقَوْلِهِ قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكِ. رواه البخاري 4512 وفي رواية: أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلامِ.. وَمَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ. صحيح مسلم 3470
وفي رواية عنها رضي الله عنها قالت: مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ إِلا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا رواه البخاري 6674
وبعض المسلمين يشعر بالحرج الشّديد إذا مدّت إليه امرأة أجنبية يدها لمصافحته ويدّعي بعضهم بالإضافة إلى اختلاطه بالنساء الاضطرار إلى مصافحة المدرّسة أو الطّالبة التي معه في المدرسة أو الجامعة أو الموظّفة معه في العمل أو في الاجتماعات واللقاءات التجارية وغيرها وهذا عذر غير مقبول والواجب على المسلم أن يتغلّب على نفسه وشيطانه ويكون قويا في دينه والله لا يستحيي من الحقّ، ويمكن للمسلم أن يعتذر بلباقة وأن يبيّن السّبب في عدم المصافحة وأنّه لا يقصد الإهانة وإنّما تنفيذا لأحكام دينه وهذا سيُكسبه - في الغالب - احترام الآخرين ولا بأس من استغرابهم في البداية وربما كانت فرصة للدعوة إلى الدّين عمليا والله الموفّق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1301)
مخاطبة الأخوات لبعضهن في المنتديات بقول " غالية " و " غاليتي " وما يشبهها
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مشرفات في إحدى المنتديات الإسلامية المختلطة، وفي ردنا للأخوات، سواء كان الرد عاديّاً، أو كان في مجال الإقناع، والمناقشة: نستخدم في الرد هذه العبارات " يا غالية "، " غاليتي "، بالإضافة إلى التعقيب، والدعاء، والسبب في هذا من وجهة نظرنا: احتواء الأخوات، والأخذ بأيديهن لطريق الخير، والاستقامة، فلئن نحتويهن نحن الأخوات الموثوق فينا ولله الحمد: أفضل من أن يؤثر عليهن الرجال بألفاظهم المزخرفة , وقد نجحنا ولله الحمد في هذا كثيراً، وأما في ردودنا للرجال: فتكون خالية من هذه الألفاظ تماماً، بل يكون الرد بصيغة الجمع بُعداً عن الفتن، وانتُقدتُ من بعض الأخوات الفاضلات بأن الرجال يرون هذه الألفاظ، فينبغي تجنبها حتى لا يفتتن الرجال بها، فانقسمنا ما بين مؤيد، ومعارض.. فقلنا: الحل في هذا أن نستفتي، فإن كان فيه محذور شرعي: فسمعنا، وأطعنا، وإن كان غير ذلك: فالأمر في هذا واسع، فما رأيكم في هذا؟ وما نصيحتكم لنا تجاه الأخوات؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الدعوة إلى الله تعالى من أعظم الأعمال التي يحبها الله من عباده، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/ 33.
وطرق الدعوة متنوعة، ومنها الدعوة من خلال الإنترنت , وقد نفع الله تعالى بها كثيراً، ومن التزم بالضوابط الشرعية، ونظَّم وقته: استفاد، وأفاد، ومن تهاون في الضوابط، وأوغل في الدخول على هذه الشبكة العالمية: لم يسلم من فتنه الكثيرة، والمتنوعة، فلذا ونحن نشجعكنَّ على دعوتكنَّ للنساء، والسعي لإنقاذهن من براثن الذئاب: نوصيكنَّ بأنفسكنَّ خيراً، وأن تعملن وفق منظومة واحدة، ومجموعة متحدة؛ لتحافظن على أنفسكن من فتن تلك الشبكة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
ثانياً:
استعمال الكلمة الطيبة في مخاطبة الآخرين: من أخلاق الإسلام العظيمة، وخاصة إن كان ذلك الاستعمال في الدعوة إلى الله، كما قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الإسراء/ 53.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
يأمر تعالى رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يأمر عبادَ الله المؤمنين: أن يقولوا في مخاطباتهم، ومحاوراتهم، الكلام الأحسن، والكلمة الطيبة.
" تفسير ابن كثير " (5 / 87) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ) .
رواه البخاري (2734) ومسلم (1009) .
ومن شأن الإغلاظ في القول أن ينفِّر الداعية عنه، وعن دعوته، كما قال تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/ 159.
قال ابن كثير – رحمه الله:
أي: لو كنت سيِّئَ الكلام، قاسي القلب عليهم: لانفضوا عنك، وتركوك، ولكنَّ الله جمعهم عليك، وألاَنَ جانبك لهم؛ تأليفاً لقلوبهم، كما قال عبد الله بن عمرو: إنه رأى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة: أنه ليس بفَظٍّ، ولا غليظ، ولا سَخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.
" تفسير ابن كثير " (2 / 148) .
ثالثاً:
من الأحكام الشرعية المقررة في الشرع المطهر: عدم خضوع المرأة بالكلام، ووجوب اجتناب كل ما يجر إلى الفتنة، كما قال تعالى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا) الأحزاب/ 3 2.
قال القرطبي - رحمه الله -:
أمرهن الله أن يكون قولهن جزلاً، وكلامهن فصلاً، ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين، كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه، مثل كلام المريبات، والمومسات، فنهاهن عن مثل هذا.
" تفسير القرطبي " (14 / 177 , 178) .
فعلى ذلك نقول: إن ما تخاطبن به أخواتكن ليس هو أمرا خاصا بينكن وبينهن، بل هو شيء مكتوب يقرؤه الرجال والنساء، ويمكن تقسيم الكلام المخاطب به أولئك الأخوات إلى ثلاث درجات:
الأولى: كلمات ممنوع كتابتها؛ لما فيها من الخضوع، واللين، في محضر الرجال، كقول " حبيبتي "، و " قلبي "، وما يشبه ذلك.
والثانية: كلمات جائز كتابتها، كقول " جزاك الله خيراً "، و " وفقك ربي "، وما يشبه ذلك من الأدعية، وقول " أختي "، و " صديقتي "، وما يشبه ذلك من الكلمات.
والثالثة: كلمات بين المرتبتين، كقول " عزيزة "، و " عزيزتي "، و " غالية "، و " غاليتي "، وهي إلى الجواز أقرب منها للمنع؛ لما فيها من عدم خضوع، وعدم لينٍ في الخطاب.
ونؤكد على أن هذا التقسيم، والتنبيه: إنما هو بسبب وجود مرضى في عالم الأشباح – عالم الإنترنت -، حتى إنهم ليتعلقون بأحبال الأوهام، ويركضون خلف السراب، ولو كان الأمر بينكن وبين أولئك الأخوات: لما احتجتنا لهذا كله.
وإذا قدر أن كلاما مباحا، لا حرج فيه، إلا أن بعض المرضى والموسوسين قد افتتن به، فإنه يمنع منه في حق من حصلت له الفتنة.
والنصيحة للأخوات أن يتقين الله تعالى، وأن يحرصن على اجتناب كل ما يجر إلى الفتنة من قول، أو فعل , وأن يتعاونَّ على الخير , والطاعة، ونشر العلم , والله هو الموفق للصواب.
وينظر أجوبة الأسئلة: (34841) و (82196) و (102418) و (32693) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1302)
هل يجوز للطالب أن ينظر إلى المدرسة وهي تشرح الدرس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس في مدرسة مختلطة والسبب في ذلك إصرار والدي، وكثيراً ما أتغيب بسبب المعاصي التي أواجهها هناك يومياً فأقوم بتلفيق بعض الأعذار لوالدي كأن أقول ذهبت المستشفى وأقصد بذلك أني ذهبت يوما ما في الماضي وليس اليوم.. فهل هذا جائز؟ وإذا كان هناك في طاقم التدريس بعض المدرسات فكيف يمكن غض البصر في هذه الحالة؟ أم أنه يجوز النظر بقدر الحاجة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يحرم الاختلاط بين الرجال والنساء في أماكن العمل والدراسة وغيرها، وهو أشد تحريماً في الدراسة، لما يحتاج إليه الشاب في تلك الفترة من مزيد عناية بدينه والوقاية من الفتن.
وانظر جواب السؤال رقم (1200) .
فالذي ينبغي عليك فعله أن تقنع والدك بضرورة الانتقال من هذه المدرسة إلى مدرسة أخرى لا اختلاط فيها، وتستعين في ذلك بعد الله تعالى بالعقلاء من أهلك: أعمامك وأخوالك، لعل الله أن يشرح صدر والدك ويوافق على ذلك.
ثانياً:
لا بأس باستعمال التورية والمعاريض في الكلام للتخلص مما قد تقع فيه من حرج، ولكن بمقدار الحاجة أو المصلحة، وخاصة مع والدك، الذي يجب أن يكون ما بينك وبينه قائما على أساس الصدق والمصارحة.
وقد ذهب بعض العلماء إلى تحريم التعريض لغير حاجة أو مصلحة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
انظر جواب السؤال رقم: (27261) .
وقال النووي رحمه الله:
" قال العلماء: فإن دعَت إلى ذلك مصلحة شرعيَّة راجحة على خداع المخاطب، أو دعت إليه حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب: فلا بأس بالتعريض" انتهى.
" الأذكار " (ص 380) .
وليعلم والدك أنه هو الذي أوقعك في هذا الحرج، وألجأك إلى خداعه لإصراره على بقائك في هذه المدرسة المختلطة.
ثالثاً:
لا يجوز للرجل أن ينظر إلى امرأة أجنبية إلا للحاجة أو الضرورة، كالنظر إلى المخطوبة،
ونظر الطبيب إلى المريضة عند الحاجة، ونحو ذلك.
فعلى الطالب أن يجتهد في غض البصر، ويشغل نفسه بالنظر إلى الكتاب أو السبورة، ولا ينظر إلى المدرسة، ويتأكد المنع إذا كانت المدرسة متبرجة، تظهر محاسنها وتتزين بأدوات التجميل، وإذا رأى الطالب من نفسه انزلاقا أو بداية انحراف، فالواجب عليه الامتناع من الحضور، فإن سلامة دينه أولى وأهم من الدراسة، ولا يمكن لعاقل أن يقدم الدراسة على الدين.
وقد سألنا الشيخ عبد الله بن جبرين: ماذا يفعل طلاب الطب في محاضرات المدرسات من النساء؟
فأجاب: " مثل هؤلاء لا مفّر لهم من هذا، وعليهم أن يحرصوا على غضّ البصر، وعلى تحصين أنفسهم والبعد عن المغريات التي توقع في الحرام، وإذا لاحظ أن نفسه بدأت تنزلق في محرم امتنع عن الحضور " انتهى.
راجع السؤال رقم: (6118) .
وينبغي نصح مثل هؤلاء المدرسات بتقوى الله، والتزام الحجاب الشرعي.
أعاذنا الله والمسلمين من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1303)
هل يتصل بابنة خالته للسلام عليها هاتفياً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لزوجي أن يكلم ابنة خالته للسلام عليها في التليفون؟ وما حدود ذلك شرعا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كلام زوجك مع ابنة خالته للسلام والاطمئنان عليها، لا حرج فيه إذا روعيت فيه الضوابط الشرعية لذلك، بأن يكون الكلام قد دعت إليه حاجة، ويكون من غير خضوع من القول من المرأة، ومن غير تلذذ من الرجل، ويكون الكلام مباحا جادا، بعيدا عن المزاح والضحك، فإن بنت الخالة أجنبية كغيرها، ليس لها أن تخضع بالقول في حديثها مع ابن خالتها، ولا أن تسترسل معه في الكلام دون حاجة، أو تمزج بين الجد والمزح والضحك ونحو ذلك، مما يقع فيه التساهل بين الأقارب الذين لا يعرفون حدود الشرع في ذلك، فإذا أراد الرجل الاطمئنان على قريباته، فلا حرج أن يلقي السلام، ويسأل عن حالها وحال والديها وأولادها، ثم ينهي مكالمته، وهذا إنما يكون على مراحل وفترات، كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1304)
تعرف صديقه على امرأة، فهل يتصل بها ليطلب منها الابتعاد عنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أصدقاء زوجي تعرف على امرأة، وزوجي يريد أن يكلمها في التليفون لتبعد عن صديقه لأنه متزوج ومعه أولاد فهل يجوز له ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
كلام الرجل مع المرأة الأجنبية جائز إذا دعت إليه الحاجة، ولم يكن فيه خضوع بالقول من المرأة، ولا تلذذ من الرجل، وكان الكلام مباحا.
وإنما قَيَّدْناه بالحاجة، سدا للذريعة؛ لأن الاسترسال في الكلام دون حاجة قد يفضي إلى المحظور.
وعليه؛ فلا حرج في كلام الرجل مع المرأة في بيع أو شراء أو استفتاء أو تطبيب، ونحو ذلك إذا روعيت تلك الضوابط.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم 1121
وأما كلام زوجك مع تلك المرأة ونصحها لتبتعد عن صديقه، فهذا تراعى فيه – إضافة إلى ما سبق - المصالح والمفاسد، فقد يكون في اتصاله عليها مصلحة، وقد تكون هناك مفسدة ومضرة، وقد لا تدعو الحاجة لذلك، ويستغني عن ذلك برسالة مجهولة فيها نصح وتذكير وتخويف وتهديد، وهذا يختلف باختلاف حال زوجك، وحال المرأة المذكورة.
والأسلم ألا يقحم نفسه في اتصال مباشر معها قد يجره إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة إذا كانت المرأة لا تبالي بإقامة العلاقات مع الرجال، ولا يردعها عن ذلك رادع.
وعلى زوجك أن ينصح صديقه بالابتعاد عن تلك المرأة، ويذكره ويخوفه بالله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1305)
منتدى يستضيف نساء ورجالاً ويسألهم الكتَّاب أسئلة عامة، ووقفة مع آية الحجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد رأيكم في مسألة مهمة، في أحد المنتديات الإسلامية تم الإعلان عن عمل حوارات، ولقاءات مع شخصيات على المنتدى، منهم طلاب علم، اللقاءات نظامها كالآتي: يتم تحديد اليوم على المنتدى , ثم يدخل الأعضاء في هذا اليوم ليوجهوا أسئلة مباشرة للعضو المستضاف , والأسئلة يكون أغلبها شخصيَّة، مثل كيف تقضي وقت فراغك؟ ما هي هواياتك؟ كيف نشأت؟ صفة حسنة تتصف بها؟ موقف طريف مرَّ بك؟ هذه الأسئلة توجه من قبل الأعضاء - رجالاً ونساءً - إلى العضو المستضاف، والذي يكون أيضا رجلاً أو امرأةً , وتجعلهم يستشفون شخصية المستضاف، ويكوِّنون عنه صورة مثالية إلى حدٍّ كبير، وكما هو المعلوم أن رواد المنتدى منهم شباب، وفتيات، ومثل هذه الأسئلة إذا وجهها رجل لامرأة وأجابته: قد يفتن بها، ويكوِّن عنها صورة في خياله , والعكس صحيح , وأيضاً قد يتسلل الرياء إلى النفس , فلا أحد يحب أن يظهر إلا بأحسن صورة. قمت أنا بالرد عليهم، وتوضيح هذه النقطة لهم قلت إنه إذا كانت لقاءات النساء في منتدى خاص بهم , أي: النساء يوجهن الأسئلة للعضوة المستضافة في قسم خاص بهن , وبالمثل للرجال: هذا يقلل من الفتن، ويغلق باباً من أبواب الشيطان، جادلني شخص منهم وقال إنه إذا فكرنا بهذا المنطق فلا بد أن نغلق الجامعات لأنها سبب للفتن، وأيضا لا ننقل سير الأعلام والنبلاء، حتى لا يفتن الناس بهم، وأيضاً: يمكن أن يحدث حسد بين النساء في حوارهن مع هذه الفتاة طالبة العلم، إذن: لا نسمح لهن أيضا بالحوار معها؛ لأن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، واستدل بجواز مثل هذه الحوارات بأن قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمدح الصحابة، ولم يخف بوصول هذا المدح للنساء ليفتنوا به، قلت له: إن الوضع يختلف؛ لأن الفتنة بين الرجال والنساء إذا تم توجيه أسئلة مباشرة مثل هذه بينهم: أرجح، وأقوى في الحدوث، من الحسد بين النساء إذا تمت هذه الحوارات في منتدى خاص بهن، وأمر الشرع بسد أبواب الفتن، واستدللت بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والآية الكريمة (وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) ، وهنا ثار هذا الرجل، واتهمني بتحريف القرآن، والاستدلال بالآية في غير موضعها؛ لأن الآية تتحدث عن الحجاب، وأنا أفسرها على أنها دليل لسد الشرع لمداخل الشيطان بأن أمر خير خلق الله بعد الأنبياء، وهم الصحابة، وزوجات النبي صلي الله عليه وسلم أنهم إذا طلبوا منهم متاعاً أن يكون ذلك من وراء حجاب؛ للحرص على طهارة قلوبهم. الآن: هل أنا فعلا مخطئة بالاستدلال بالآية الكريمة في هذا الموضع؟ . السؤال الثاني: ما حكم هذه الاستضافات التي هي أساس المشكلة، وهل أنا مخطئة في رأيي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بحكم اتصالنا بالناس واتصال الناس بنا: وقفنا على مصائب، وقبائح، في المنتديات بما تشيب له رؤوس الولدان، ولم تفرق تلك المصائب والقبائح بين من ظاهره الالتزام، أو عكسه، فالجميع في هذه الفتنة سواء، بل إن مداخل الشيطان على الملتزمين متعددة، ومتنوعة؛ لإيقاعهم في شرَك المعصية، والفتنة.
وقد أوضحنا موقفنا هذا، وذكرنا ما نعتقد من الحكم الشرعي في مشاركة المرأة في المنتديات، ومناقشة الرجال فيها، في جواب السؤال: (82196) فليُنظر.
كما بينَّا في جواب السؤال رقم: (92824) بعضاً من مفاسد تلك المشاركات النسائية.
وما جاء في السؤال لا يختلف عما نحذِّر منه، فأي حاجة للرجال لاستضافة امرأة وسؤالها عن مسائل شخصية؟ وأي حاجة للنساء لمعرفة ذلك عن رجل أجنبي عنها، مع ما يكون مع ذلك من مزاح، وتعليقات، وإبداء إعجاب، ومراسلات خاصة، ومن نفى وجود ذلك: فهو متوهم، يعيش في غير العالَم الموجود.
لذا فإننا نرى أن مثل هذه الاستضافات، والحوارات، والأسئلة، تكون لكل جنس مع جنسه، فالمرأة مع بنات جنسها، والرجل مع الرجال، على أن تكون الأسئلة بعيدة عن الأمور الشخصية التي يُفهم منها تعلق، أو مزيد إعجاب، كما تتجنب الأسئلة التي تتعلق بالطاعات الخاصة التي يفعلها المستضاف بينه وبين ربه، فيزول بذلك ما ذُكر في السؤال من احتمال التعلق، أو التسبب في الكذب، أو الرياء.
ومفاسد الاختلاط في الحديث والمشاركات سواء الكتابية، أو الصوتية – في البالتوك – لم تعُد تخفى على أحدٍ، وما ذُكر في السؤال من طريقة في الكتابة في تلك الاستضافات لا نراها جائزة.
بل لكثرة الكذب والغش والتدليس في ذلك، وإمكان أن يدخل الرجل، باسم مستعار، يوهم أنه امرأة، والعكس، فلا نرى للمسلمة الصيِّنة إلا البعد التام عن مثل هذه الحوارات، التي إن سلمت من كل شر وفساد، فيكفيها وبالا ما فيها من إضاعة الزمان في غير نفع ولا طائل!
ثانياً:
أما الاستدلال بقوله تعالى (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/ 53 فهو استدلال صحيح لكلا الطرفين، ولا منافاة بينهم، فيستدل بها على وجوب الحجاب على عموم النساء، وحيث إن هذا الحكم لم يأت في الآية في صورة التعبد المحض، والأمر المجرد، وإنما ورد معللا بعلة، وهي طهارة القلب، فإن الاستدلال بها على المنع من كل ما يسبب مرضاً للقلب، والحث على كل ما يطهره، هو استدلال صحيح.
وهذه العلة في الآية قرينة قوية للاستدلال بالآية على وجوب الحجاب على عموم النساء، وأنه ليس خاصّاً بأمهات المؤمنين، ولا أن المخاطب بها هم الصحابة فقط، بل هم عموم المسلمين.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْألُوهُنَّ مِن وراء حِجَابٍ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) : قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمّنها: أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، وتكون في نفس الآية قرينة تدلّ على عدم صحة ذلك القول، وذكرنا له أمثلة في الترجمة، وأمثلة كثيرة في الكتاب لم تذكر في الترجمة، ومن أمثلته التي ذكرنا في الترجمة هذه الآية الكريمة، فقد قلنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: ومن أمثلته: قول كثير من الناس إن آية " الحجاب "، أعني: قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ) خاصة بأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى: (ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن، وقلوب الرجال من الريبة منهنّ، وقد تقرّر في الأصول: أن العلّة قد تعمّم معلولها ...
وبما ذكرنا: تعلم أن في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه صلى الله عليه وسلم، وإن كان أصل اللفظ خاصًّا بهن؛ لأن عموم علّته: دليل على عموم الحكم فيه ... .
" أضواء البيان " (6 / 242، 243) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1306)
زوجته نفسها بالهاتف بعد علاقة محرمة، وجعلا المهر آية من كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شابة أبلغ من العمر 21 سنة، أصلي من زمن بعيد، وأعرف بيني وبين الله، وأخاف كثيراً أن أقع في الحرام، قادتني الأقدار إلى التعرف على شاب طيِّب جدّاً، من أسرة فقيرة، أحببته كثيراً؛ لخلقه؛ وتربيته، زاد الحوار بيننا إلى أن وصل إلى تبادل القبَل عبر الميكرفون، ومخافة من الله عز وجل طلبت منه أن يتقدم لخطبتي، وافق، ولكن ظروفه المالية لا تسمح، قررت أن أقول أنا وهو: زوجتُك نفسي على سنَّة الله، ورسوله، وقراءة الفاتحة، ولقد أهداني مهراً، وهو عبارة عن آية قرآنية من سورة البقرة، وحفَّظها لي، حفظتُها عن ظهر قلب، ومن ذلك اليوم اتخذته زوجاً لي، حيث وضعت الكاميرا، وأريته نفسي، وقد وصلت إلى درجة النوم معه! عبر الميكرفون، والموبايل، لكن مؤخراً أصبحت أحس كأنني أقترف جرماً، خصوصاً بعد الشك الذي راودني في فقدي لعذريتي، فقد بكيت طيلة ليلة كاملة، وبعد ذلك تأكدت أنني مازلت عذراء - ولله الحمد - لكنني أشعر بالذنب، وأنني خلعت ثوب عفتي، وأخلاقي. أرجوكم، أرجوكم، أريد أن أعرف هل أنا أخطأت؟ وما الذي أفعله أنا وهو؟ . جزاكم الله خيراً، أنا معذبة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نقول لك يا أمة الله، نقول لك أيتها السائلة المسكينة، نقول لك أيتها المعذبة (؟!) :
هل أنت جادة أم هازلة في سؤالك؟!
هل نضحك من سؤالك لنا: (هل أنا أخطأت؟) ، أم نبكي مما وصل إليه حال المسلمين، وبنات المسلمين!!
يا أمة الله، أنت بكل بساطة، إن كان في هذا الأمر بساطة، قد أجرمت، مع ذلك المجرم الخائن، الذي أبدى لك طيبة ماكرة خبيثة، لتقعي في حباله، ثم يصادقك بعون من إبليس اللعين، ثم ها أنت تسألين!!
يا لهوان المعاصي عليك، وعلى صاحبك، يا لهوان حرمات الله عليك، يا لهوان عرضك وشرفك عليك، أيتها السائلة: هل أخطأت؟!!
يا أمة الله، إن الله يغار من فوق سمائه:
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) رواه البخاري (5223) ومسلم (2761) .
يا أمة الله، إن الله يغضب في عليائه:
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ ... ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ( ... يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا)
رواه البخاري (1044) ومسلم (901) .
يا أمة الله، أما علمت أنك، وصاحبك المخادع الماكر، قد لعبتما بميثاق الله الغليظ:
قال الله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) النساء /20-21
قال الشيخ ابن عاشور رحمه الله ـ التحرير والتنوير (1/918) ـ: " والميثاق الغليظ عقدة النكاح على نية إخلاص النية ودوام الألفة " انتهى.
ورُويَ ذلك عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير. انظر ابن كثير (2/245) .
يا أمة الله، لقد لعبتما بأمان الله فها أنت تعانين العذاب، لقد لعبتما بكلمات الله:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع التي حجها بأصحابه:
(فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله)
رواه مسلم (1218) من حديث جابر.
"وكلمة الله" هي: عقد النكاح.
ثم ها هو الطيب المسكين، يجعل مهرك آية من آيات الله!!
فالله أكبر على هذا اللعب بآيات الله، والاستخفاف بكتابه:
يا أمة الله: إن مهر البغي خبيث، فكيف هان عليكما كلام الله، فتجعلان مهر هذا البغاء آية من آيات الله؟!
يا أمة الله، والله لو جعلتما عربون هذه العلاقة الآثمة لحم خنزير، أو زجاجة خمر، لكان أهون إثما من ذلك:
روى ابن أبي حاتم بإسناده عن مكحول الأزدي قال: قلت لابن عمر: " أرأيت قاتل النفس، وشارب الخمر، والسارق، والزاني: يذكر الله، وقد قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} ؟ قال: إذا ذكر اللهَ هذا، ذكره اللهُ بلعنته، حتى يسكت!! ".
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، في تعليقه على هذا الأثر:
" إسناده صحيح..، وهذا الذي قاله ابن عمر حق، ينطبق تماما على ما يصنع أهل الفسق والمجون في عصرنا، من ذكر الله سبحانه وتعالى، في مواطن فسقهم وفجورهم، وفي الأغاني الداعرة، والتمثيل الفاجر، الذي يزعمونه تربية وتعليما، وفي قصصهم المفترى، الذي يجعونه هو الأدب وحده، أو يكادون، وفي تلاعبهم بالدين، بما يسمونه القصائد الدينية، والابتهالات، التي يتلاعب بها الجاهلون من القراء، يتغنون بها في مواطن الخشوع وأوقات التخلي للعبادة، حتى لبسوا على عامة الناس شعائر الإسلام؛
فكل أولئك يذكرون الله، فيذكرهم بلعنته، حتى يسكتوا!! " انتهى. عمدة التفسير (1/272) .
ثم ها أنت أيضا تسألين: ماذا أفعل؟!!
هل أنت جادة في هذا السؤال ـ أيضا ـ أم ما زلت تلعبين؟!
قال مالك رحمه الله: " مهما كنت لاعبا بشيء، فلا تلعبن بدينك!! ".
فالواجب عليكِ الآن فعله دون تردد:
1. التوبة الصادقة لربك سبحانه وتعالى، والندم على ما فات من أفعالك، والعزم الأكيد على عدم العوْد لها، ولا لمثلها. عظمي حرمة الله، واعرفي قذر الوحل الذي كنت فيه أنت وصاحبك، وطهري نفسك بتوبة نصوح، واغسلي عنك قذارة المعصية، ونجاسة الإثم، بماء عينك، واغتنمي أوقات الأسحار، وتضرعي إلى الله، بالليل وبالنهار، لعل الله تعالى أن يمن عليك بالقبول، ويسترك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
2. أكثري من فعل الطاعات، وكلما كلت نفسك، أو ونت، ذكريها ما على ظهرك من الأعباء والأحمال: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) هود/114-115
3. قطع الصلة بذلك الذئب الخبيث، وعدم مراسلته، أو محادثته بشيء، ولا تشعريه بأنك موجودة ولا تريدين الاتصال به؛ خشية أن يكون قد التقط لك صوراً أو سجل لك أفلاماً، ومن المحتمل أن يبتزك بها. وغيري رقم هاتفك الجوال، وإياك إياك أن تخضعي له، فإن حاول ابتزازك، وهددك، فاستعيني بعاقل فظن من أهلك، يرد كيده عنك، وإن أنت صدقت مع الله، فلا عليك ما أصابك.
وأنتِ لم تسألي من أجل مجرد السؤال، وظننا أنك تريدين تطبيق الحكم الشرعي الذي يلزمك، فها قد علمتِ أنه يلزمك التوبة، وقطع العلاقة مع ذلك الذئب البشري، وما علينا إلا النصح والبلاغ.
وقد بيَّنا حكم المراسلات والمحادثات بين الجنسين في فتاوى متعددة، فانظري أجوبة الأسئلة: (34841) و (26890) و (78375) و (23349) .
وانظري - في العلاقات المحرَّمة -: أجوبة الأسئلة (1114) و (9465) و (21933) و (10532) .
والذي حصل بينكما لعب لا قيمة له في الشرع، وليس من الزواج في شيء، والمرأة لا تزوج نفسها، بل يزوجها وليها، وموافقته شرط في عقد النكاح.
ثم أمر الزواج ليس سرا ولا خيانة، بل هو إعلان، وبهجة وسرور.
وانظري أجوبة الأسئلة: (2127) و (13501) و (45513) و (7989) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1307)
حكم تحدث المرأة مع الخياط
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تحدث المرأة مع صاحب محل الملابس أو الخياط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"تحدث المرأة مع صاحب المتجر التحدث الذي بقدر الحاجة وليس فيه فتنة لا بأس به، كانت النساء تكلم الرجال في الحاجات والأمور التي لا فتنة فيها وفي حدود الحاجة.
أما إذا كان مصحوباً بضحك أو بمباسطة أو بصوت فاتن؛ فهذا محرم لا يجوز.
يقول الله سبحانه وتعالى لأزواج نبيه صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأحزاب/32، والقول المعروف ما يعرفه الناس وبقدر الحاجة، أما ما زاد عن ذلك؛ بأن كان على طريق الضحك والمباسطة، أو بصوت فاتن، أو غير ذلك، أو أن تكشف وجهها أمامه، أو تكشف ذراعيها، أو كفيها؛ فهذه كلها محرمات ومنكرات ومن أسباب الفتنة ومن أسباب الوقوع في الفاحشة.
فيجب على المرأة المسلمة التي تخاف الله عز وجل أن تتقي الله، وألا تكلم الرجال الأجانب بكلام يطمعهم فيها ويفتن قلوبهم، وإذا احتاجت إلى الذهاب إلى متجر أو إلى مكان فيه الرجال فلتحتشم ولتتستر وتتأدب بآداب الإسلام، وإذا كلمت الرجال، فلتكلمهم الكلام المعروف الذي لا فتنة فيه ولا ريبة فيه" انتهى.
فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله الفوزان.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/576، 577) . ترتيب أشرف بن عبد المقصود.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1308)
التعليق على كتابات منتشرة في المنتديات من تخيل أمور عكس الواقع
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض الشباب والشابات يكتبون في المنتديات المنتشرة مثل " هل تخيلتم كيف تسير الدنيا بالمقلوب؟ أعتقد نعم , لو يتبادل الرجل والمرأة الأدوار , لو كانت طريقة مشينا على الأيدي , لو نشرب الأكل ونأكل الشراب , لكن هل تفكرتم نحن نعيش بالمقلوب؟ ". هل يجوز أن الإنسان يتخيل مثل هذه المواقف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عالَم الإنترنت فيه الخير وفيه الشر، وعلى المسلم أن يتقي الله تعالى في عمره أن يضيع فيما لا نفع له فيه، وأما أن يضيعه فيما يضره: فهو الميت قبل أن تخرج روحه، وهو الخاسر الهالك، فليضنَّ كل واحد منا بوقته، وليبخل به، وما نراه من مشاركات لشباب المسلمين وشاباتهم في كثير من المنتديات هو من اللغو، واللهو، والباطل، فتجد التسويدات والكتابات تحمل الكلام التافه، والموضوع الساقط، مع ما يكتب أحياناً من الكلام المبتذل الذي يدور بين الكتَّاب فيما يُستحيى من ذِكره ونقله، فليحرص كل واحد منا على ما ينفعه، فلا يكتب إلا ما يسرُّه أن يراه أمامه يوم القيامة، وليحذر من خزي يوم العرض على الله.
ثانياً:
الجُمل المذكورة قد يكون القصد منها اللغو والفحش، وقد يكون القصد منها العظة والعبرة، فتخيل سير الدنيا بالمقلوب من أجل الضحك واللعب: لغو لا قيمة له، وتخيل تبادل الرجل والمرأة أدوارهما من أجل تخيل الرجل يلبس لباس المرأة ويضع المساحيق، وغير ذلك، وتخيل المرأة تلبس لباس الرجل، ولها شارب ولحية: كل ذلك من لغو الكلام، وعبث الأقوال، وقل مثل ذلك في المشي بالمقلوب، والأكل والشرب وجعل الأول مكان الثاني والعكس.
وأما القصد الحسن الذي يمكن أن تحمله تلك الجمَل، والذي لا بأس بتخيله، والوقوف معه: فيتمثل بما يلي:
1. لا شك أن المرأة تقوم بأعمال جليلة في بيتها، من الرعاية والعناية بمنزلها، والاهتمام بأولادها، والطبخ، والتنظيف، والغسيل، وكل ذلك يستهلك منها وقتاً وجهداً عظيمين، وغالباً لا يشعر الرجل بعظَم ما تقوم به زوجته من أعمال جليلة وعظيمة وشاقة، فيمكن أن نقول له: تخيل أنك أنت الذي سيقوم بدور زوجتك في بيتها، فهذا قد يدعوه لتخيل الأعمال المرهقة والشاقة التي سيقوم بها، فيقدِّر حينئذٍ زوجته، وتعظم في عينه.
وهكذا نقول للزوجة: تخيلي أنك تقومين بعمل زوجك، فتخرجين من الصباح إلى المساء للقيام بالأعمال، وأنك أنت التي يُطلب منه القيام على البيت بما يلزمه من مال، وأغراض، وأنت التي ستراجعين الدوائر، وتحملين هم الأسرة وطلباتها، فلعلَّ هذا التخيل يجعلها تُخلص في خدمة زوجها، وتحسن عشرته، وتقدِّر ما يمر به من ظروف، وما يحمله من هموم.
2. وتخيل مشي الإنسان بالمقلوب: يجعله يعرف عظيم حكمة الله تعالى، وعظيم نعمته وأنه مقصِّر أشد التقصير في شكرها، ويمكن أن تكون إشارة إلى هذا الأمر في قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الملك/ 22.
ويجعله يعلم إتقان صنعة الله، وأنه أحسن كل شيء خلَقَه، وإليه الإشارة في قوله تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) النمل/88، وقوله تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) السجدة/7.
3. ومثله يقال في " شرب المأكول وأكل المشروب "، فهو يدل – أيضاً – على ما دلَّ عليه ما قبله.
وهكذا، فإنه يمكن للعقلاء من أصحاب المنتديات والكتَّاب أن يتوصلوا بما سبق ذِكره لمعانٍ عظيمة يغفل عنها كثير من الناس، كما يمكن للبعض أن يجعلوها مجالاً للسخرية واللغو، وإننا لنربأ بمن أنعم الله عليه بنِعم جليلة أن يقابلها بهذا الثاني.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1309)
إلقاء المرأة المسلمة كلمة على محفل فيهم رجال أجانب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقوم أحد الأخوة بإعداد كلمة لتلقيها إحدى الأخوات؟ سيكون موضوع الكلمة النساء في الإسلام, لكن الأخت ستلقي هذه الكلمة أمام الجميع (رجال ونساء) . أنا أظن أنه لا يجوز, لكن المنظمين قالوا بأن ذلك يجوز, وهم يطلبون الدليل على عدم الجواز. فهل هناك أدلة حول هذا الموضوع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
نرى أنه لا يجوز ذلك إلا للحاجة وشرط أن لا يراها الرجال، بل يكون بينها وبينهم حاجز، ولا تبالغ في ترقيق صوتها، فإن صوتها قد يكون عورة، كما منعت من التسبيح في الصلاة - إذا سها الإمام - وأمرت بالتصفيق لئلا يعرف صوتها. انتهى
الشيخ عبد الله بن جبرين
وهنا نسأل الإخوة القائمين على تنظيم هذا الملتقى: ما هي الحاجة إلى إلقاء المرأة كلمة أمام جمع من الناس فيهم رجال، نرجو أن لا يكون الجواب بأنهم يريدون إثبات أنّ الإسلام لا يظلم المرأة أو ليبرهنوا أنّهم من المتفتّحين والمتنورين!! أو غير ذلك من الأسباب الخاطئة والعجيبة التي لا تبرّر أبدا فتح باب للفتنة تريد الشريعة إغلاق أمثاله، ونكرر النصيحة دائما: اضبطوا أعمالكم وأنشطتكم بالضوابط الشرعيّة والله الهادي إلى سواء السبيل. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1310)
يتحادث مع قريباته من النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أكلم أقاربي من البنات مثل أولاد خالتي أو هكذا على النت، وهم ليسوا موجودين في بلدي، بل في بلد آخر، فهل يجوز لي الكلام معهم والسؤال عليهم؟ علماً بأن أهلي وأهلهم يعرفون؛ لأننا لا نتكلم أبدا في خصوصيات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاءت الشريعة بسد أبواب الشر والفتنة لتحفظ على الناس دينهم وتقواهم، ولتَسلَمَ قلوبُهم من أدران الشهوة والمعصية.
ومحادثة النساء باب من أبواب الفتنة، قد يجر إلى ما هو أعظم.
قال ابن الجوزي رحمه الله في "ذم الهوى" (ص/582) :
"ومِن التفريط القبيح الذي جر أصعب الجنايات على النفس: محادثةُ النساء الأجانب، والخلوة بهن، وقد كانت عادةً لجماعة من العرب، يَرَون أنَّ ذلك ليس بعار، ويثقون من أنفسهم بالامتناع من الزنا، ويقنعون بالنظر والمحادثة، وتلك الأشياء تعمل في الباطن وهم في غفلة عن ذلك، إلى أن هلكوا، وهذا هو الذي جنى على مجنون ليلى وغيره، ما أخرجهم به إلى الجنون والهلاك، وكان غلطهم من وجهين:
أحدهما: مخالفة الشرع الذي نهى عن النظر والخلوة.
والثاني: تعريض الطبع لما قد جُبل على الميل إليه، ثم معاناة كفه عن ذلك، فالطبع يغلب، فإن غلب وقعت المعاصي، وإن غلب حصل التلف بمنع العطشان عن تناول الماء " انتهى.
ومحادثة النساء الأجنبيات من السهام التي تصيب القلوب بأثرها النفاذ، وما زال العرب يذكرون ذلك في أشعارهم وأمثالهم، حتى شبهه بعضهم بالسكر لما يصيب القلب من تعمية، ورأى فيه آخرون سحرا يُعقَد على القلوب فيُسقِمها بالأدواء والأمراض.
نقل ابن قتيبة في "عيون الأخبار" (ص/397) قال:
" قال بشّار – هو ابن برد أحد الشعراء - وذكر امرأة -: " كأن حديثها سكر الشّراب " ... وقال – أيضا -: وكأنّ تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحراً.
وكأن رجع حديثها ... قِطَع الرّياضِ كُسين زَهرا " انتهى.
وأما الحديث مع النساء القريبات فهو أشد خطراً وأعظم شرراً، فإن الشيطان ينصب شباكه فيما يتساهل الناس فيه عادة، والتجارب تثبت أن المعاصي تبدأ هناك.
والشرع لا يمنع من صلة الأقارب، ولا يُحَرِّم السؤالَ عن أحوالهم والاطمئنانَ عليهم، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق والدهن أو أمهن (خالتك) .
أما الحديث معهن، والاستكثار من الكلام، والانتقال بين المواضيع التي لا تنتهي، ثم الاعتذار عن ذلك بكونها من القريبات! وأن الأهل على اطلاع ومراقبة!
فالحق يقال: أننا لا نرى ذلك إلا بابَ معصيةٍ واستدراج يجب عليك سده وإغلاقه، وإن تماديت فأنت المسؤول بين يدي الله تعالى، ولتكن مستعدا لشقاء القلب وفتنته.
نسأل الله لنا ولك السلامة والعافية.
وقد أوصى أكثمُ بن صَيفِي - حكيم العرب في الجاهلية، توفي وهو في طريقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الإسلام - فقال:
" يا قوم! أحسنوا يحسن بكم، واسمحوا يسمح لكم، وعفوا تعف نساؤكم، واعلموا أن محادثة النساء شعبة من الزنى " انتهى. "أنساب الأشراف" للبلاذري (4/221) .
ودعا عبد الملك بمؤدب أولاده فقال:
"إني قد اخترتك لتأديب ولدي، وجعلتك عيني عليهم وأميني، فاجتهد في تأديبهم ونصيحتي فيما استنصحتك فيه من أمرهم، علِّمهم كتابَ الله عز وجل حتى يحفظوه، وقِفْهم على ما بَيَّن اللهُ فيه من حلال وحرام حتى يعقلوه، وخُذْهم من الأخلاق بأحسنها، ومن الآداب بأجمعها، ورَوِّهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أصدقه، وجَنِّبْهم محادثةَ النساء، ومجالسة الأظناء، ومخالطة السفهاء، وخَوِّفْهم بي، وأدبهم دوني، ولا تخرجهم من علم إلى علم حتى يفهموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، وأنا أسأل الله توفيقك وتسديدك " انتهى.
"أنساب الأشراف" أحمد بن يحيى البلاذري (2/441) ونحوه في "البيان والتبيين" للجاحظ (1/249) .
وانظر للاستزادة جواب السؤال رقم: (6453) ، (59873) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1311)
تعلقت برجل عن طريق الهاتف، وتريد النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة وقعت بمشكلة شخصية للغاية ولم أجد إلا رجلا فاضلا لحلها، لكنه لم يستطع وانتهت المشكلة والحمد لله. المشكلة أن هذا الرجل عندما تحدثت معه بالهاتف طلب مني بعد انتهاء المشكلة أن يبحث لي عن زوج صالح وطلب مني أن أتصل به كل أسبوعين لكني رفضت وأخبرته أنه إذا وجد رجلا صالحا فليرسل لي بالبريد الإلكتروني حتى أتصل به أنا، ومضت الأشهر وأرسل لي واتصلت به وطلب مني مواصفاتي وأعطيته هذا كله عبر الهاتف، لكن أثناء الكلام كان يمزح معي كثيرا، ورجع وقال لي أن أتصل به لأن تواصلنا عبر الهاتف أفضل كما يقول فهل أفعل أم لا؟ مع العلم أنى بدأت أتأثر بكلامه وأصبحت أفكر به كثيرا، وهو قد ينطق بعبارات قد أجد في نفسي شيئا منها مثل: أحبك في الله أو ارتحتلك. فهل يجوز أن يقول رجل لامرأة أجنبية إني أحبك في الله أم لا؟ وأخيرا أرجو أن تفيدني بطريقة لحل هذه المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس للرجل أن يقول لامرأة أجنبية عنه: إني أحبك في الله، أو (ارتحتلك) أو يمازحها، لما في ذلك من الفتنة، لاسيما إذا كانت شابة، فإن مثل هذا الكلام أو المزاح غالباً ما يؤدي إلى فتنة القلب وتعلقه بقائله، وهذا ما حدث معك، والله المستعان.
وقد يفعل هذا بعض الرجال عن غفلة وحسن نية، مع صلاحهم واستقامتهم، لاعتيادهم النطق بهذه الكلمات، فنحن لا نسيء الظن بالقائل، لكن قوله ذلك لشابة مثلك خطأ حرام من غير شك. وحسبك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رواه مسلم (2553) . ولا نظن أن هذا الرجل أو غيره يرضى بأن يعلم الناس أنه يقول لشابة مثلك: إني أحبك في الله أو (ارتحتلك) .
أما سعيه في تزويجك برجل صالح، فلا حرج عليه في ذلك، بل هذا من الخير الذي يثاب عليه إن شاء الله. لكن ليس له أن يتعرف على مواصفاتك، أعني: المواصفات المتعلقة بالهيئة والشكل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا) رواه البخاري (5240) . فكيف إذا كان النعت من المرأة نفسها وعلى لسانها؟!
وإنما أبيح للخاطب أن ينظر إلى من يريد خطبتها، لما يترتب على ذلك من المصالح، بشرط أن يكون جاداً عازماً على الزواج من المرأة في حال رضاه بها.
وللخاطب أن يطلب معرفة صفات من يريد خطبتها، استناداً إلى ما هو مقرر عند أهل العلم من جواز النظر إلى المخطوبة بغير علمها، وخروجاً من الحرج الذي قد يحصل من الذهاب إلى وليها ثم تركها بعد رؤيتها.
وهذه المواصفات ليس لأحد من الرجال – فاضلا أو غيره - أن يطلع عليها. وكان على الرجل المذكور أن يوسط أهله أو غيرها من النساء الصالحات لتولي هذا الأمر.
وعليك الآن: أن تقطعي علاقتك بهذا الرجل تماما، عن طريق الهاتف وعن طريق البريد أيضا؛ وأن تستغفري الله تعالى وتتوبي إليه مما كان منك من التساهل في هذه الاتصالات، وإطلاع هذا الأجنبي على مواصفاتك.
وكراهيتُك لهذا الأمر وخوفك منه على نفسك وعبادتك دليل على يقظة قلبك والحمد لله.
وليحذر الداعي والناصح والمعلم من استدراج الشيطان ومكره، وليكن على ذكر واستحضار لقول نبيه صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) رواه البخاري (5096) ومسلم (2740) .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) رواه مسلم (2742) .
رزقنا الله وإياك العفة والعفاف والصلاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1312)
عندها إشكال في إجابة سؤال حول محادثة النساء للرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرت في السؤال رقم 6453 حول العلاقة بين الجنسين ما نصه: " فالمحادثة - بالصوت أو الكتابة - بين الرجل والمرأة في حدِّ ذاته من المباحات، لكن قد تكون طريقاً للوقوع في حبائل الشيطان. ومَن علم مِن نفسه ضعفاً، وخاف على نفسه الوقوع في مصائد الشيطان، وجب عليه الكف عن المحادثة، وإنقاذ نفسه.ومن ظنَّ في نفسه الثبات واليقين، فإننا نرى جواز هذا الأمر في حقِّه لكن بشروط " والحمد لله فقد فهمت المقصود إلى هذا الجزء، لكن أشكل علي الجزء الآخر "1-يجب ألا يسمح بالخروج كثيراً عن الموضوع مثار النقاش، أو أن يكون لغرض الدعوة إلى الإسلام ".
وسؤالي هو: حسب الشريعة ما هي الأمور التي تعتبر من المواضيع التي يباح الحديث حولها في المقام الأول؟ مثلاً: نحن نعلم أن الإسلام هو موضوع يجوز الحديث حوله، لكن ما هي الأمور الأخرى التي يمكننا تناولها في النقاش - إن وُجدت -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (1497) ، ومما جاء فيه:
" فالكلام مع المرأة الأجنبية إنما يكون لحاجة، كاستفتاء وبيع وشراء أو سؤال عن صاحب البيت ونحو ذلك وأن يكون مختصرا دون ريبة لا في موضوعه ولا في أسلوبه.
أمّا حصر الكلام مع المرأة الأجنبية في الأمور الخمسة الواردة في السؤال - وهي: أن يسأل عن حال أسرتها، والأغراض الطبية، وفي البيع والشراء، ولسؤالها للتعرف عليها عند الزواج، وللدعوة إلى الإسلام - ففيه نظر إذ إنّها قد تصلح للمثال لا للحصر، بالإضافة إلى الالتزام بالشروط الشرعية في الكلام معها حتى فيما تدعو الحاجة إليه من الدّعوة أو الفتوى أو البيع أو الشراء وغيرها. والله تعالى أعلم "
وفي جواب السؤال رقم (1121) :
" والمرأة غير ممنوعة من الكلام مع الأجنبي عند الحاجة، كأن تباشر معه البيع وسائر المعاملات المالية لأنها تستلزم الكلام من الجانبين، كما أن المرأة قد تسأل العالم عن مسألة شرعية أو يسألها الرجل كما هو ثابت ذلك بالنصوص من القرآن والسنة، وبهذه الضوابط السابقة يكون كلامها لا حرج فيه مع الرجل الأجنبي. وكذلك يجوز تسليم الرجل على النساء، والنساء على الرجال على الراجح، ولكن ينبغي أن يكون هذا السلام خالياً مما يطمع فيه مرضى القلوب، بشرط أَمن الفتنة، وملاحظة ما تقدّم من الضوابط.
أما إذا خيفت الفتنة من جرّاء السلام فيحظر سلام المرأة ابتداءً، وردها للسلام، لأن دفع الفتنة بترك التسليم دفع للمفسدة، ودفع المفاسد أولى من جلب المنافع.
يراجع " المفصل في أحكام المرأة " عبد الكريم زيدان (3 / 276) . والله أعلم
وبهذا يُعلم أننا لا نقصد الكلام العام من غير حاجة، ولا الإكثار من الكلام الخاص، بل يكون ذلك بقدر الحاجة للجواب.
والتفصيل في الكلام المباح أو في المسائل الشرعية دون حاجة يؤدي إلى إزالة أو إذابة الحواجز بين الطرفين، ويجرِّئ كل واحد منهما على الآخر، وقد يؤدي ذلك إلى ما لا تُحْمَد عقباه.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1313)
يريد الحديث مع امرأة قبل أن يخطبها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أدرس حاليا في إحدى الجامعات البريطانية، وتوجد في الجامعة فتاة أعجبت بها.
لم يسبق لي التحدث إليها مطلقا، وأنا لا أحادث النساء في العادة. إلا أننا نتبادل السلام أحيانا.
كيف يمكنني التقدم لطلب الزواج بها، وأنا متمسك بالإسلام، ولا أحادث النساء، فما هي أفضل طريقة لذلك؟
هل أذهب وأتحدث إليها وأحاول التعرف عليها أولا، دون تجاوز الحدود الشرعية؟ أم أتقدم لها مباشرة؟
أخشى إن أنا تقدمت لها مباشرة بدون التعرف عليها أولا أن ترفض طلبي على الفور لأنها لا تعرفني حق المعرفة، ولأنها تنتمي لثقافة غير التي أنتمي إليها. وفي المقابل، فأنا أخاف أن أنا تحدثت معها بقصد التعرف إليها، أن يكون فعلي يخالف الإسلام.
أنا في وضع صعب، فما هو أفضل ما يمكنني عمله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: اعلم وفقك الله أن محادثة الرجل للمرأة الأجنبية يجوز في الشرع بضوابط وشروط مهمة الغرض منها كلها هو سد باب الفتنة ومنع الوقوع في المعصية.من هذه الشروط:
1- أن لا يستطيع توصيل الكلام إليها عبر محرمها أو عبر امرأة من محارمه.
2- أن يكون بدون خلوة.
3- أن لا يكون خارجا عن الموضوع المباح.
4- أن تؤمن الفتنة فلو تحركت شهوته بالكلام أو صار يتلذّذ به حرُم عليه.
5- أن لا يكون من المرأة خضوع بالقول.
6- أن تكون المرأة بكامل الحجاب والحشمة أو يخاطبها من وراء الباب والأحسن أن يكون بالهاتف وأحسن منه أن يكون برسالة مكتوبة أو بالبريد الألكتروني مثلا.
7- أن لا يزيد على قدر الحاجة.
فإذا تحققت هذه الشروط، وأمنت الفتنة فلا بأس ـ والله أعلم ـ
قال الشيخ صالح الفوزان في جوابه عن حكم مخاطبة الفتيان للفتيات عبر الهاتف: " مخاطبة الشباب للفتيات لا تجوز لما في ذلك من الفتنة؛ إلا إذا كانت الفتاة مخطوبة لمن يكلمها، وكان الكلام مجرد مفاهمة لمصلحة الخطوبة، مع أن الأولى والأحوط مخاطبة وليها بذلك." المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان (3 / 163، 164) ، وأنت لم تخطب هذه المرأة بعد فيجب أن تكون شديد الاحتراس لنفسك من الوقوع في أسباب الفتنة باتخاذ كل إجراء يمكّنك من تحصيل مقصودك دون الاقتراب من هذه المرأة.
والأصل في هذا هما آيتان في كتاب الله:
أولاهما: قوله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (الأحزاب:32) .
وثانيهما: قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ) (الأحزاب: من الآية53)
وبعد ذلك أود تذكيرك بأنه ينبغي أن يكون مقياس المسلم في اختيار المرأة التي يتزوجها هو المقياس الذي حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ورغّب فيه بقوله: " فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري (5090) ومسلم (1466) .
ثم أحذرك من كل ما يوقعك في الحرام أو يقربك منه. كالخلوة بها، أو الخروج معها، أو غير ذلك.
أسأل الله أن ييسر لك المرأة التي تعينك على طاعته.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1314)
هل ما فعله للتعرف على صفات مخطوبته صحيح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي ابنة خالة، وتبدو أنها ذات دين وخلق، ولكن لا أعلم كثيراً عن شخصيتها وفلسفتها في الحياة ونسبه التفاهم بيننا، قد استعملت الإنترنت سبيلا للتعرف عليها مع التشدد في الالتزام بالآداب، وخاصة أننا من عائلة محافظة، والحمد لله توصلت إلى قرار الزواج منها إن شاء الله، ولكن ذلك قد يستغرق سنتين أو أكثر حتى أتمكن من تأهيل نفسي، فأنا لا أزال طالباً في آخر سنة من الجامعة.
والسؤال هو: هل ما قمت به جائز، خاصة أنه استغرق حوالي سنة؛ ولأن عادات الزواج عندنا لا تتيح للشخص التعرف على شخصية الآخر إلا بالخطبة، ولو أنه بعد الخطبة اتضح أنه لا يمكن الاستمرار قد تولد بعض المشاكل وقطيعة الرحم؟ وأشعر بضيق مما قمت به وأخشى أنه يعتبر معصية وخيانة، وهل يجوز أن أتابع مراسلتها إلى أن أتقدم إلى خطبتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز المراسلة والمحادثة مع المرأة الأجنبية، وإذا قصد الرجل الخطوبة فعليه أن يسلك الطريق الشرعية إلى ذلك، وإذا كانت المرأة التي يود الاقتران بها من أقاربه فإن الأمر يكون أسهل بالنسبة له، فإما أن يكون هو على علم بأحوالها أو يستطيع أن يعرف أحوالها وأخلاقها عن طريق النساء من أهله.
ولا يمكن أن يقف الرجل ولا المرأة على الأخلاق الحقيقية لكل واحد من الطرفين من خلال المراسلة والمحادثة قبل الزواج؛ إذ لن يظهر من كل منهما إلا عذوبة العبارة وحسن المنطق والمجاملات.
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله:
إذا كان الرجل يقوم بعمل المراسلة مع المرأة الأجنبية وأصبحا متحابين هل يعتبر هذا العمل حراماً؟ .
فأجاب:
لا يجوز هذا العمل؛ لأنه يثير الشهوة بين الاثنين، ويدفع الغريزة إلى التماس اللقاء والاتصال، وكثيرا ما تُحْدِثُ تلك المغازلة والمراسلة فتنًا وتغرس حب الزنى في القلب، مما يوقع في الفواحش أو يسببها، فننصح من أراد مصلحة نفسه حمايتها عن المراسلة والمكالمة ونحوها، حفظا للدين والعرض، والله الموفق.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 578، 579) .
وقد سبق تحريم المراسلة بين الجنسين في أجوبة الأسئلة: (26890) و (10221) فلينظرا.
وقد أبيح للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة دون ما سوى ذلك من الخلوة والمصافحة، ولك أن تعقد عليها وتؤخر الدخول، ليكون لقاؤك معها شرعيّاً، وتستطيع في هذه الفترة تركيز التعرف عليها أكثر وأكثر.
وفي جواب السؤال رقم (7492) كلام مهم لمثل هذه المسألة فلينظر.
وانظر جواب الأسئلة: (7757) و (2572) و (20069) لتعلم حدود العلاقة بين الخاطب والمخطوبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1315)
حكم النظر إلى الموظفة لمصلحة العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب جامعي، وقد بدأت مشوار البحث عن وظيفة. ويقول بعض معلمي الكلية عندنا إنه من الضروري (والمفيد) أن ينظر الشخص في عيني المسؤول عن التوظيف خلال المقابلة الشخصية، وألا يوجه الشخص نظره إلى الأرض أو إلى أي مكان آخر. وبما أن الذين يجرون المقابلات الشخصية في أيامنا هذه هم في العادة من النساء، فأنا أسأل ما إذا كان يجوز لي أن أوجه نظري إلى المرأة التي قد تجري المقابلة معي، لأنها قد لا تأخذ الانطباع الصحيح عني إن أنا وجهت نظري للأرض. أرجو المساعدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فإن العذر الذي ذكرته لا يبيح لك النظر إلى النساء الأجنبيات، فأنت تطلب الرزق الحلال، والرزق بيد الله، وما عند الله لا ينال بمعصيته، بل قد وعد الله المتقين بأن يجعل لهم مخرجا وفرجا من كل ضيق ويرزقهم من حيث لا يشعرون كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً.وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3 وأما ما قاله معلموك فهو معارض بكلام الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30، وبقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " اصرف بصرك" أخرجه أحمد (18715) ومسلم (2159) . فمن أحق بالطاعة؛ الله ورسوله؛ أم معلموك؟ !
فأنصحك بملازمة التقوى والبعد عن الحرام وسييسر الله لك أمرك بإذنه وفضله. وستجد مزيدا من الكلام عن حكم النظر إلى النساء في إجابة السؤال رقم (1774) فراجعه فإنه مهم.
وفقك الله، ويسر أمرك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1316)
يريد أن يتحدّث مع فتاة دون كلام فاحش
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحب المسموح به في الإسلام؟ هل لي أن أكلم فتاتي بشكل خاص أو أكتب إليها وبدون تلميحات جنسية؟ أم أنني أستطيع أن أقول لها إني أحبك؟ وإذا كان والداي يعترضان فهل لي الحق أن أتزوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحب الجائز هو ما يقع في القلب دون قصد وتعمد مخالفة محرّمة مثل النظر والاختلاط ونحوه. أما الكلام والكتابة للفتاة، فإذا كان يترتب عليه الوقوع في الحرام، أو يخاف أن يؤدي إليه فلا يجوز.
وبصفة عامة أنصحك أن تترك ذلك، لأنَّه قد يبدأ سليماً وبريئاً ثم يتطور ويقع الشخص في الحرام. وإذا كان والداك يعترضان على زواجك منها فحاول إقناعهما، فإن لم تستطع فابحث عن غيرها، فقد يكون الخير في ذلك وأنت لا تشعر.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد الدويش(7/1317)
حدود وشروط الكلام مع المرأة الأجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يتعلق بآداب الكلام مع الإخوة والأخوات وأحتاج إلى توضيح، هل يجوز لنا السلام على الأخوات (المسلمات) غير المحارم والكلام معهن كما لو كنا نتكلم مع إخواننا (المسلمين) هل هناك فترة محددة في الكلام معهن؟ وماذا عن ابنة العم أو الخال وهي غير محرم، هل يجوز لي السلام عليها والسؤال عن حالها والكلام معها؟ الرجاء تزويدي بالحديث، وماذا عن الزواج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خلاصة ما قاله الفقهاء في صوت المرأة أنه ليس بعورة بذاته ولا تمنع من إسماعه عند الحاجة ولا يمنعون هم من سماعه ولكن بشروط وهي:
أن تكون بدون تمطيط ولا تليين ولا تميّع ولا رفع الصوت، وأنه يحرم على الرجل أن يسمعه بتلذذ مع خوف الفتنة.
والقول الفصل في معرفة ما هو محظور على المرأة من قول أو صوت هو ما تضمنته الآية: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً) .
فالمحظور هو الخضوع بالقول، والواجب على المرأة القول بالمعروف ومعناه كما قال المفسرون لا تُرَقق الكلام إذا خاطبها الرجال ولا تُلين القول، والحاصل أن المطلوب من المرأة المسلمة في كلامها مع الرجل الأجنبي أن تلتزم بما ورد في هذه الآية فتمتنع عما هو محظور وتقوم بما هو واجب عليها، كما أن عليها أن يكون كلامها في حاجة أو أمور مباحة شرعاً ومعروفة غير منكرة، فلا ينبغي أن يكون بين المرأة والرجل الغريب لحن ولا إيماء ولا هذر ولا هزل ولا دعابة ولا مزاح كي لا يكون ذلك مدخلاً إلى تحريك الغرائز وإثارة الشبهات، والمرأة غير ممنوعة من الكلام مع الأجنبي عند الحاجة كأن تباشر معه البيع وسائر المعاملات المالية لأنها تستلزم الكلام من الجانبين كما أن المرأة قد تسأل العالم عن مسألة شرعية أو يسألها الرجل كما هو ثابت ذلك بالنصوص من القرآن والسنة، وبهذه الضوابط السابقة يكون كلامها لا حرج فيه مع الرجل الأجنبي. وكذلك يجوز تسليم الرجل على النساء والنساء على الرجال على الراجح ولكن ينبغي أن يكون هذا السلام خالياً مما يطمع فيه مرضى القلوب بشرط أَمن الفتنة وملاحظة ما تقدّم من الضوابط.
أما إذا خيفت الفتنة من جرّاء السلام فيحظر سلام المرأة ابتداء وردها للسلام لأن دفع الفتنة بترك التسليم دفع للمفسدة، ودفع المفاسد أولى من جلب المنافع، يراجع المفصل في أحكام المرأة / عبد الكريم زيدان م3/276. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1318)
يخالف الأدب في حديثه مع أجنبية بحجة تدريسها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة لي بالإنترنت فترة بسيطة، لكن لاحظت أنه قد اختلطت عند بعض الناس المفاهيم والتبس عليهم الحق بالباطل وبعضهم يظهر من كلامه أنه فيه خير وتقوى لكن تعجب من بعض تصرفاته في بداية دخولي الإنترنت كان من بين المواقع التي دخلتها الشات، وأعترف أن هذه غلطة مني، لكن تداركت الأمر والحمد لله وخرجت منه بعد مضي أسبوعين من دخولي له، في أثناء دخولي للشات عرفت رجلا يظهر من كلامه الصلاح والتقوى، ويسعى إلى الخير، ويحاول أن يصلح ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ويبعث برسائل وعظ عبر البريد لكل من يعرفه، ودخوله للشات مبني على مبدأ واعتقاد عنده بضرورة تواجد أخيار في تلك المواقع التي يكثر بها الفساد؛ درأ للمفسدين ... الخ تبريره للدخول. المهم تركت الشات واستمر تواصلي معه عبر البريد الإلكتروني، وكان يحاول إقناعي بضرورة التواجد بالشات لإصلاح النساء؛ لأن المرأة أقرب لبنات جنسها خاصة أن ذلك الموقع يكثر فيه النساء مما يغري الذئاب باصطيادهن، لم استجب له لعلمي بمضرة الدخول لتلك المواقع حيث يغلب شرها على خيرها وكانت لهجته معي في رسائله في غاية الاحترام والحرص على الألفاظ من جانبه ومن جانبي أيضا؛ الأمر الذي شجعني على أن أطلب منه أن يعلمني مبادئ الانترنت عبر البريد الالكتروني فإن تعذر ذلك فعبر المسنجر، وافق على المسنجر وبدأنا الدروس واستمر في احترامه وجديته لكن لاحظت أنه أحيانا يصدر منه بعض المزاح كما أنه قد يستطرد في مواضيع جانبية لاعلاقة لها بالدرس ويسميها مواضيع تربوية وقد يسأل عن بعض الأمور الشخصية كالبلدة..وغير ذلك، وعلمت منه أنه يتواصل مع مجموعة من النساء ويتناقش معهن في أمور تربوية وأحوال المسلمين …الخ، وقد يستمر النقاش ساعات،،، لم يعجبني الأمر فصارحته بذلك وأن هذا المزاح لايجوز،وأنه ينبغي أن يكون رسميا في حديثه مع النساء، ويترك عنه بعض الألفاظ، فاستدل على حل الحديث مع النساء بما يفعله المشايخ من الإجابة على أسئلة النساء، واستدل على حل المزاح بحديث (لاتدخل الجنة عجوز) يقصد أن النبي صلى الله عليه وسلم مزح مع تلك المرأة بقوله هذا الكلام لها، وذكر أن الرسمية والتمنع الزائد قد يأتي بنتيجة عكسية،لم يقنعني كلامه فالذي أعرفه من فهمي المتواضع أن هذا لا يجوز، وطلبت منه أن يكمل الدروس عبر البريد ولاداعي للمسنجر، ولم يأتني منه رد حتى الآن، وأنا استغرب منه كيف يفعل ذلك وهو قد بلغ مابلغ علما ودينا بالإضافة لكونه حافظا للقران، وأريد أن أنبهه إلى إن ذلك مزلق خفي من مزالق الشيطان وتلبيس إبليس، فما هو القول الفصل في هذه المشكلة وعذرا على الإطالة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي عليك قطع العلاقة مع هذا الرجل فوراً واستعملي من الكتب والمواقع التعليمية ما يغنيك عن شرحه واربئي بنفسك أن تكوني سبباً في إضلال وانحراف داعية وحافظ لكتاب الله بدأ بسلوك سبيل معوج نسأل الله لنا ولك وله الهداية والثبات.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1319)
تدرِّسه مدرِّسة فماذا يفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في الثانوية ولا أدري ما أفعل بشأن النساء، فهن مدرساتي وزميلاتي في الدراسة ويجب أن أتكلم معهن وأنظر إليهن فماذا يمكن أن أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين (ماذا يفعل طلاب الطب في محاضرات المدرسات من النساء؟) فأجاب حفظه الله:
مثل هؤلاء لا مفّر لهم من هذا، وعليهم أن يحرصوا على غضّ البصر، وعلى تحصين أنفسهم والبعد عن المغريات التي توقع في الحرام، وإذا لاحظ أن نفسه بدأت تنزلق في محرم امتنع عن الحضور. انتهى، والله الموفّق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(7/1320)
حكم تخاطب الجنسين عن طريق الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التخاطب مع الرجال عن طريق الإنترنت بكلام في حدود الأدب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المعلوم في دين الله تعالى تحريم اتباع خطوات الشيطان، وتحريم كل ما قد يؤدي إلى الوقوع في الحرام، حتى لو كان أصله مباحاً، وهو ما يسمِّيه العلماء " قاعدة سد الذرائع ".
وفي هذا يقول الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان} [النور / 21] ، ومن الثاني: قوله تعالى {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم} [الأنعام / 108] ، وفيها ينهى الله تعالى المؤمنين عن سبِّ المشركين لئلا يفضي ذلك إلى سبهم الربَّ عز وجل.
وأمثلة هذه القاعدة في الشريعة كثيرة، ذكر ابن القيم رحمه الله جملة وافرة منها وفصَّل القول فيها في كتابه المستطاب " أعلام الموقعين "، فانظر منه (3 / 147 - 171) .
ومسألتنا هذه قد تكون من هذا الباب، فالمحادثة - بالصوت أو الكتابة - بين الرجل والمرأة في حدِّ ذاته من المباحات، لكن قد تكون طريقاً للوقوع في حبائل الشيطان.
ومَن علم مِن نفسه ضعفاً، وخاف على نفسه الوقوع في مصائد الشيطان: وجب عليه الكف عن المحادثة، وإنقاذ نفسه.
ومن ظنَّ في نفسه الثبات واليقين، فإننا نرى جواز هذا الأمر في حقِّه لكن بشروط:
1. عدم الإكثار من الكلام خارج موضوع المسألة المطروحة، أو الدعوة للإسلام.
2. عدم ترقيق الصوت، أو تليين العبارة.
3. عدم السؤال عن المسائل الشخصية التي لا تتعلق بالبحث كالسؤال عن العمر أو الطول أو السكن …الخ.
4. أن يشارك في الكتابة أو الاطلاع على المخاطبات إخوة - بالنسبة للرجل -، وأخوات - بالنسبة للمرأة - حتى لا يترك للشيطان سبيل إلى قلوب المخاطِبين.
5. الكف المباشر عن التخاطب إذا بدأ القلب يتحرك نحو الشهوة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1321)
تحذير وبيان عن مؤتمر بكين للمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو رأي علماء المسلمين في صدور مؤتمر بكين للمرأة؟ وما حكم إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد نشر في وسائل الإعلام خبر انعقاد المؤتمر الدولي الرابع المعني بالمرأة، من 9 إلى 20 / 4 عام 1416 هـ الموافق 4 / 10 عام 1995 في بكين عاصمة الصين، واطلعت على الوثيقة المعدة لهذا المؤتمر المتضمنة (362) مادة في (177) صفحة. وعلى ما نشر من عدد من علماء بلدان العالم الإسلامي في بيان مخاطر هذا المؤتمر. وما ينجم عنه من شرور على البشرية عامة وعلى المسلمين خاصة، وتأكد لنا أن هذا المؤتمر من واقع الوثيقة المذكورة هو امتداد لمؤتمر السكان والتنمية المنعقد في القاهرة في شهر ربيع الثاني عام 1415 هـ، وقد صدر بشأنه قرار هيئة كبار العلماء , وقرار المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، كلاهما برئاستي واشتراكي، وقد تضمن القراران إدانة المؤتمر المذكور بأنه مناقض لدين الإسلام ومحادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، لما فيه من نشر للإباحية وهتك للحرمات، وتحويل المجتمعات إلى قطعان بهيمية وأنه تتعين مقاطعته.. إلى آخر ما تضمن القراران المذكوران.
والآن يأتي هذا المؤتمر في نفس المسار والطريق الذي سار عليه المؤتمر المذكور، متضمناً التركيز على مساواة الرجل بالمرأة في كل شيء وقد تبنت مسودة الوثيقة المقدمة من الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة على مبادئ كفرية، وأحكام ضالة في سبيل تحقيق ذلك منها:
الدعوة إلى إلغاء أي قوانين تميز بين الرجل والمرأة على أساس الدين، والدعوة إلى الإباحية باسم: الممارسة الجنسية المأمونة وتكوين الأسرة عن طريق الأفراد وتثقيف الشباب والشابات بالأمور الجنسية ومكافحة التمييز بين الرجل والمرأة، ودعوة الشباب والشابات إلى تحطيم هذه الفوارق القائمة على أساس الدين، وأن الدين عائق دون المساواة. إلى آخر ما تضمنته الوثيقة من الكفر والضلال المبين، والكيد للإسلام والمسلمين، بل للبشرية بأجمعها وسلخها من العفة والحياء، والكرامة.
لهذا فإنه يجب على ولاة أمر المسلمين، ومن بسط الله يده على أي من أمورهم أن يقاطعوا هذا المؤتمر، وأن يتخذوا التدابير اللازمة لمنع هذه الشرور عن المسلمين، وأن يقفوا صفاً واحداً في وجه هذا الغزو الفاجر. وعلى المسلمين أخذ الحيطة والحذر من كيد الكائدين، وحقد الحاقدين.
نسأل الله سبحانه وتعالى، أن يرد كيد الأعداء إلى نحورهم، وأن يبطل عملهم هذا، وأن يوفق المسلمين وولاة أمرهم إلى ما فيه صلاحهم، وصلاح أهليهم رجالاً ونساء، وسعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/203.(7/1322)
أدب الكلام مع النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حكماً يتعلق بإباحة كلام الرجل مع المرأة في الحالات التالية فهل هذا صحيح:
الحالات هي:أن يسأل عن حال أسرتها والأغراض الطبية وفي البيع والشراء ولسؤالها للتعرف عليها عند الزواج وللدعوة إلى الإسلام فهل هذا صحيح وما الدليل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشروط الشرعية للكلام مع المرأة الأجنبية مذكورة في قوله تعالى: (.. وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..) سورة الأحزاب آية 53
وكذلك في قوله تعالى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا (32) سورة الأحزاب
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: أي لا تُلِنَّ القول. أمرهن الله أن يكون قولهن جزلا وكلامهن فصلا، (أي يكون كلامها جادا مختصرا ليس فيه ميوعة) ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين، كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه، مثل كلام المريبات والمومسات، فنهاهن عن مثل هذا.
فيطمع الذي في قلبه مرض أي يتطلّع للفجور وهو الفسق والغزل.
والقول المعروف: هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس. والمرأة تندب إذا خاطبت الأجانب وكذا المحرمات عليها بالمصاهرة إلى الغلظة في القول , من غير رفع صوت، فإن المرأة مأمورة بخفض الكلام. انتهى.
فالكلام مع المرأة الأجنبية إنما يكون لحاجة كاستفتاء وبيع وشراء أو سؤال عن صاحب البيت ونحو ذلك وأن يكون مختصرا دون ريبة لا في موضوعه ولا في أسلوبه.
أمّا حصر الكلام مع المرأة الأجنبية في الأمور الخمسة الواردة في السؤال ففيه نظر إذ أنّها قد تصلح للمثال لا للحصر، بالإضافة إلى الالتزام بالشروط الشرعية في الكلام معها حتى فيما تدعو الحاجة إليه من الدّعوة أو الفتوى أو البيع أو الشراء وغيرها. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1323)
ما حكم مراسلة الفتيات للفتيان
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من الفتيات يقمن بمراسلة الشباب، ويكتبن من خلال السطور رسائلهن كلاماً كثيراً أنزه قلمي ومسامعكم عن ذكره، وهذا الأمر يكاد أن يكون ظاهرة تفشى في هذا المجتمع، لذا نأمل ونرجو ونكرر رجائي الحار أن تتفضلوا علينا بكتابة رسالة تحمل بين سطورها ما يعالج هذا الأمر، مدعماً بالأدلة والبراهين. حيث إنني ناقشت الكثير منهم في خطورة هذا الأمر، ولكن لقصر باعي وعدم سعة اطلاعي فشلت في إقناعهن رغم محاولاتي المتكررة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المقاصد الضرورية في الشريعة الإسلامية حفظ النسل والأعراض؛ من أجل ذلك كله حرّم الله الزنا وأوجب الحد جلداً أو رجماً، وحرم وسائله التي قد تفضي إليه، من خلوة رجل بامرأة أجنبية منه، ونظرة آثمة وعين خائنة وسفر بلا محرم، وخروجها من بيتها معطرة متبرجة كاسية عارية، تستميل بذلك قلوب الشباب، وتستهوي نفوسهم، وتفتنهم في دينهم، ومن ذلك حديث الرجل الخادع مع المرأة، وخضوعها له بالقول إغراء له وتغريراً به، وإثارة لشهوته، وليقع في حبالها، سواء كان ذلك عند لقاء في طريق، أو حين محادثة هاتفية، أو مراسلة كتابية، أو غير ذلك، من أجل ذلك حرم الله على نساء رسوله صلى الله عليه وسلم - وهن الطاهرات - أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأن يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وأمرهن أن يقلن قولاً معروفاً، قال الله تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) الآية.
فعلى الفتيان المسلمين أن يتقوا الله ويحفظوا فروجهم، ويغضوا أبصارهم، ويكفوا ألسنتهم وأقلامهم عن الرفث وفحش القول، ومغازلة الفتيات ومخادعتهن، وعلى الفتيات المسلمات مثل ذلك، وأن يلزمن العفاف ولا يخرجن متبرجات كاسيات عاريات، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجد ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " رواه أحمد ومسلم في الصحيح.
إن الفتيان والفتيات إذا أطاعوا الله ورسوله وترفعوا عن الدنايا، وتنزهوا عن مداخل الفتن ومواطن الريبة كان ذلك أزكى لهم وأطهر لقلوبهم، وأرفع لشؤونهم، وأحفظ لمجتمعهم، والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 381 -382.(7/1324)
مثال لخطورة التخاطب بين الجنسين عبر الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أقوم بـ" تشات" لفترة من الوقت، وأنا متزوجة وأم لاثنين. وفي خلال إحدى اللقاءات عبر "تشات" مع رجل، تأثرت عاطفيا حتى أن الأمر بلغ مني مبلغا أني أرسلت له صورتي عبر رسالة إلكترونية. وأنا أشعر بالذنب الشديد الآن وأشعر أيضا بالخزي من تصرفي ذاك.
أريد أن أقول أيضا أنه لم يسبق لي أبدا أن وقعت في أي أمر مشين كما أني لا استخدم لغة البذاءة البتة. أرجو أن تخبرني ما إذا كان فعلي حراماً. ومنذ ذلك الوقت وأنا أسأل الله عفوه. أرجو أن تساعدني في الخروج مما أجد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لا شك أن مثل هذه المحادثات إن كانت طريقاً إلى الشر والفتنة ـ كما حدث من تأثّرك بهذا الرجل ـ فإنه أمر محرم ولا يجوز وكل ما كان وسيلة إلى محرّم فهو محرّم، ويراجع جواب سؤال رقم (6453)
ثانياً: الواجب عليك التوبة إلى الله عز وجل والاستغفار من هذا الفعل المحرم، والندم على ذلك، والترك الفوري لاستخدام المحادثات مع الرجال الأجانب عبر هذه القنوات، وعليك بدعاء الله عز وجل أن يسترك في الدنيا والآخرة، وننصحك بأن تشغلي وقتك بما ينفعك في دينك ودنياك، من تعلّم أمور دينك والاهتمام بزوجك، ورعاية أبنائك، فلا شك أن هذا مما يأجرك الله عليه، وعليك بالإكثار من الأعمال الصالحة، والتعرّف على نساء صالحات حتى يكن بديلاً عن شغل وقتك بما يضر ولا ينفع. نسأل الله الهداية والتوفيق للجميع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1325)
الأم المرتدة هل لها على أولادها حق الصلة والبِرّ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي رجل مسلم، وأمي امرأة من " السيخ "، ولكنها أسلمت عندما تزوجت والدي، بعد أن أسلمت كانت تحافظ على الصلوات، وحضور المسجد والدروس، بشكل مستمر، ثم بعد ما يقارب 13 عاماً: لا أدري ما الذي حدث بينهما، فطلقها، فارتدت عن الإسلام، وعادت لديانتها السابقة – وللأسف -. حاولت معها جاهدة أن تعود إلى الإسلام لعلمي بالعقاب الأليم لمن يرتد عن الإسلام، ولكن دون جدوى، ولا أدري الآن كيف أتعامل معها، لأنها أمي، ولها عليَّ حقوق يجب مراعاتها، ولكن كيف السبيل إلى الموازنة في العلاقة معها؟ وما هي النصيحة التي يمكن أن تسدوها لي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يردَّ أمك إلى الإسلام، وأن يُحسن لها خاتمتها.
ثانياً:
قولكِ "، ولها عليَّ حقوق يجب مراعاتها ": غير صحيح! ولو أنها كانت كافرة أصلية: لكان لها عليك حقوق، ولكن بما أنها صارت مرتدَّة عن دين الله تعالى: فقد سقطت حقوقها الشرعية عليكِ وعلى أولادها المسلمين.
قال الشافعي - رحمه الله -:
ومَن انتقل عن الشرك إلى الإيمان، ثم انتقل عن الإيمان إلى الشرك، مِن بالغي الرجال والنساء: استتيب، فإن تاب قُبل منه، وإن لم يتب: قُتل، قال الله عز وجل: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) إلى (هم فيها خالدون) .
" الأم " (1 / 257) .
والمرتد ليس له حرمة في الشرع؛ لأنه لا يقرُّ على ردته، فإما أن يرجع إلى الإسلام فتكون له أحكام المسلمين، أو يصرَّ على كفره فيُقتل، ولذا لا تحل ذبيحته، ولا يجوز التزوج من مرتدة، وليس للمرتد حق الصلة والبر والإحسان؛ بل يُهجر ويقاطَع، إلا من أجل الدعوة والنصيحة.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
ما حكم الشرع في نظركم في ترك أهلي ومقاطعتهم بسبب معاصيهم وتركهم للصلاة وللواجبات؟.
فأجاب:
لا شك أن الأهل والأقارب لهم حق على الإنسان، حتى وإن كانوا كافرين؛ لقول الله تعالى (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ، (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) ، ولكن هؤلاء الأهل الذين لا يصلُّون يعتبرون مرتدين عن الإسلام؛ لأن مَن لا يصلي: كافر، كما دل على ذلك كتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، بل حكاه بعض العلماء إجماعاً، فإذا كانوا تاركين للصلاة: فهم مرتدون عن دين الإسلام، ولا يجوز للإنسان أن يخالطهم، اللهم إلا على سبيل النصيحة، أن يذهب إليهم وينصحهم ويبيِّن لهم ما في هذه الردة من الخزي والعار في الدنيا والآخرة لعلهم يرجعون، فإن أصروا على ذلك: فلا حقَّ لهم، ويجب هجرهم، ومقاطعتهم، ولكني أسأل الله عز وجل أن يرد هؤلاء، وغيرهم، ممن ابتلوا بهذه البلية العظيمة أن يردَّهم إلى الإسلام حتى يقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلوات وغيرها.
وليُعلم أن المرتد أعظم جُرماً وإثماً من الكافر الأصلي؛ لأن الكافر الأصلي يقرُّ على دينه الذي هو عليه وإن كان باطلاً، أما المرتد: فإنه لا يقر على دينه، بل يؤمر بالرجوع إلى الإسلام، والقيام بما تركُه كفر، فإن لم يفعل فإنه يجب أن يُقتل ... .
فتاوى نور على الدرب (شريط 161، وجه ب) .
والوصية لك: بعدم اليأس من هداية والدتك، والاستمرار في دعوتها، بالحسنى، مع مداومة الدعاء لها، واختيار الأوقات الفاضلة كثلث الليل الآخر، والأحوال الفاضلة كالسجود في الصلاة، واعلمي أنه لا حقَّ لها عليكِ ما دامت مرتدة.
وانظري جواب السؤال رقم (95588) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1326)
تغضب أمه إذا سافر بزوجته دونها، فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص متزوج منذ أربع سنوات ومشكلتي مع زوجتي والوالدة في بداية الأمر عندما أخذ إجازة لمدة أسبوعين كانت زوجتي لا تقول شيء عندما أقول له سنصطحب معنا والدتي (كانت تقول أشيله في عيوني) مع العلم أن إجازتي محدودة بعد فترة طويلة أصبحت تقول أريد أن أخذ راحتي معك يا زوجي فسافرت أسبوع مع زوجتي والوالدة وسافرت الأسبوع الثاني مع زوجتي وتركت الوالدة مع العلم ليس أنا الوحيد لها يوجد لدي ثلاث أخوان فغضبت مني أمي كيف تسافر وتركنا محبوسين وذكرت الكلام لزوجتي فقالت أمك تقول لأختك عندما تسافرين لا تقولي لأحد من أهلك زوجك كي لا يذهبوا معك فتعجبت من كلام زوجتي فضنت منها ظن السوء أنها تحاول أن تتحجج إلي بأي طريقة حتى أني غضبت منها ولكن بعد فترة تأكدت من كلام زوجتي بنفسي في حديث دار بيني وبين والداتي وأختي.. فماذا أفعل؟؟ سؤالي: هل أنا أعتبر غير بار بأمي عندما اخذ أنا وزوجتي أسبوع بمفردنا؟؟ ومن حق أمي تعرف أين نذهب في هذا اليوم أو نخرج (مثل السوق نزهة مطعم) مع أننا في بيت مستقل بنا؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق معنا في أجوبة عديدة التأكيد على حق الوالدين، وخاصة الأم، وبيان أنه من الواجبات الشرعية المقررة المعلومة بالضرورة من دين الله.
وقد روى مسلم (2551) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ) قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ) .
والأحاديث في الباب كثيرة معلومة.
ثانيا:
إن تأكد حق الوالدة على ولدها: لا يعني أنه ليس للآخرين حقوق عليه، ولا يعني: أنه يهدر حقوق الآخرين، لأجل حق الوالدة.
وفي حديث سلمان المعروف مع أبي الدرداء: ( ... فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) .
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(صَدَقَ سَلْمَانُ) . رواه البخاري (1968) .
فكما لأمك عليك حق أكيد عظيم، فكذلك لزوجتك عليك حق: فأعط كل ذي حق حقه.
وهذه الموازنة بين الحقوق تتطلب منك قدرا من الحكمة والتعقل عند معالجة أمورك؛ فأرض زوجك، ولا تغضب أمك. وبر أمك، ولا تجفُ أهلك. وهكذا فليكن أمرك معهما.
ثالثا:
ليس من الواجب عليك أن تعلم أمك بكل ما تحضره لزوجتك، أو تفعله معها من إحسان العشرة، والرفق بها، والإلطاف إليها. وليس واجبا عليك أن تخرج بأمك، أو تسافر بها، كلما فعلت ذلك مع زوجتك، وإنما الواجب عليك ألا توحش أمك، ولا توغر صدرها عليك؛ وهذا كما قلنا يحتاج إلى حكمة وحسن تقدير للموقف؛ فبإمكانك مثلا أن تجعل خروجك بأهلك في وقت تنشغل أمك فيه بغيرك من إخوانك، إما أنهم يأتون إليها، أو تذهب هي إليهم.
وبإمكانك أن تجلب لها ـ إذا علمت بسفرك ـ من الهدايا: ما يزيل وحشتها، أو يخففها.
وإذا أمكنك أن تتعاون أنت وإخوانك في هذا الأمر: لكان أرفق بالجميع؛ فيكون على كل واحد منكم أن يخرج بأمه مرة، أو يسافر بها مرة..، وهكذا سوف تجد نفسها تخرج، أو تسافر، أو تنال من اللطف والترويح، من مجموع أولادها، ما لا تناله زوجة كل واحد منهم.
فاجتهد في الموازنة في أداء الحقوق، والبر وحسن العشرة مع الجميع.
واستعن بدعاء ربك أن يوفقك في ذلك، وأن يصلح لك أمك وزجك ويعينك على الإحسان إليهما.
والله الموفق.
للاستزادة: راجع إجابة السؤال رقم: (6388) ، (82453) ، (117957) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1327)
هل يجوز للوالد بيع ما يملكه ولده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للوالد أن يبيع ما يملكه ولده؟ مع الشرح والأدلة من فضلكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
روى ابن ماجه (2291) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي! فَقَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) .
ورواه ابن ماجة أيضا (2292) وأحمد (6863) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي اجْتَاحَ مَالِي! فَقَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ) وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) .
صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة".
واللام في قوله صلى الله عليه وسلم: (لِأَبِيكَ) ليست للتمليك، فالوالد لا يملك مال ولده، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الولد وماله بقوله: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ) ومعلوم أن الولد حر لا يملكه أبوه، فكذلك ماله أيضاً.
وذهب أكثر العلماء إلى أن المقصود بالحديث: أن الولد يبر أباه بنفسه وماله بقدر استطاعته، ولا يخرج عن أمره في ذلك.
وذهب آخرون إلى أن اللام للإباحة، فقالوا: يباح للأب أن يأخذ من مال ولده.
قال ابن عبد البر رحمه الله:
" قوله صلى الله عليه وسلم: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ) ليس على التمليك، وكما كان قوله عليه الصلاة والسلام: (أَنْتَ) ليس على التمليك، فكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (وَمَالُك) ليس على التمليك، ولكنه على البر به والإكرام له " انتهى.
"الاستذكار" (7/525) .
وقال الطحاوي رحمه الله:
" سَأَلْت أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاسِ عَنْ الْمُرَادِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: الْمُرَادُ بِهِ مَوْجُودٌ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهِ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك) فَجَمَعَ فِيهِ الِابْنَ وَمَالَ الِابْنِ فَجَعَلَهُمَا لِأَبِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ جَعْلُهُ إيَّاهُمَا لِأَبِيهِ عَلَى مِلْكِ أَبِيهِ إيَّاهُ، وَلَكِنْ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ قَوْلِ أَبِيهِ فِيهِ، فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (مَالُكَ لِأَبِيك) لَيْسَ عَلَى مَعْنَى تَمْلِيكِهِ إيَّاهُ مَالَهُ، وَلَكِنْ عَلَى مَعْنَى: أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ قَوْلِهِ فِيهِ.
وَسَأَلْت ابْنَ أَبِي عِمْرَانَ عَنْهُ فَقَالَ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك) كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّمَا أَنَا وَمَالِي لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ) " انتهى.
"مشكل الآثار" (2/455) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"وَاللَّامُ فِي الْحَدِيثِ [يعني في قوله: (لِأَبِيك) ] لَيْسَتْ لِلْمِلْكِ قَطْعًا، وَأَكْثَرُكُمْ يَقُولُ: وَلَا لِلْإِبَاحَةِ إذْ لَا يُبَاحُ مَالُ الِابْنِ لِأَبِيهِ،.. وَمَنْ يَقُولُ هِيَ لِلْإِبَاحَةِ أَسْعَدُ بِالْحَدِيثِ، وَإِلَّا تَعَطَّلَتْ فَائِدَتُهُ وَدَلَالَتُهُ" انتهى.
"إعلام الموقعين" (1/154) .
وقال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله:
"هذا الحديث ليس بضعيف لشواهده، ومعنى ذلك: أن الإنسان إذا كان له مال: فإنَّ لأبيه أن يتبسَّط بهذا المال، وأن يأخذ من هذا المال ما يشاء لكن بشروط:
الشرط الأول: ألا يكون في أخذه ضرر على الابن، فإن كان في أخذه ضرر كما لو أخذ غطاءه الذي يتغطى به من البرد، أو أخذ طعامه الذي يدفع به جوعه: فإن ذلك لا يجوز للأب.
الشرط الثاني: أن لا تتعلق به حاجة للابن، فلو كان عند الابن سيارة يحتاجها في ذهابه وإيابه وليس لديه من الدراهم ما يمكنه أن يشتري بدلها: فليس له أن يأخذها بأي حال.
الشرط الثالث: أن لا يأخذ المال مِن أحد أبنائه ليعطيه لابنٍ آخر؛ لأن ذلك إلقاء للعداوة بين الأبناء، ولأن فيه تفضيلاً لبعض الأبناء على بعض إذا لم يكن الثاني محتاجاً، فإن كان محتاجاً: فإن إعطاء الأبناء لحاجة دون إخوته الذين لا يحتاجون: ليس فيه تفضيل بل هو واجب عليه.
وعلى كل حال: هذا الحديث حجة أخذ به العلماء واحتجوا به، ولكنه مشروط بما ذكرنا" انتهى. "فتاوى إسلامية" (4/136) .
وهناك شرط رابع ذهب إلى القول به جمهور العلماء، خلافاً للإمام أحمد رحمهم الله، وهو:
أن يأخذ الأب مال ولده لحاجته إليه، فإن كان غير محتاج، فلا يجوز له أن يأخذ منه شيئاً إلا برضى ولده.
وقد استدلوا على ذلك بعدة أحاديث، منها: ما رواه الحاكم (3123) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولادكم هبة الله لكم [يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ] فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها) . صححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2564) ، وقال:
"وفي الحديث فائدة فقهيَّة هامَّة، وهي أنه يبيِّن أن الحديث المشهور (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) ليس على إطلاقه، بحيث أن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء، كلا، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه. والله أعلم" انتهى.
قال ابن قدامة رحمه الله - بعد أن ذكر أن مذهب الإمام أحمد أن للأب أن يأخذ من مال ولده مع حاجة الأب وعدمها - قال:
"وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) متفق عليه. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه) رواه الدارقطني؛ ولأن ملك الابن تام على مال نفسه , فلم يجز انتزاعه منه" انتهى من "المغني" (5/395) باختصار.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" الحديث يعم الابن والبنت، ويدل على ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) رواه الخمسة. لكن يشترط ألا يكون في ذلك ضرر بيّن على الولد ذكرا كان أو أنثى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) ، وما جاء في معناه من الأدلة، وأن لا يأخذ الوالد ذلك تكثرا، بل يأخذه لحاجة" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (21/181) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"لا شك أن الوالد له حق، والبر به واجب، وله أن يأخذ من مال ولده وراتبه ومهر ابنته وراتبها ما لا يضر بهما ولا يحتاجانه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) .
وليس للوالد أن يضر ولده؛ بأن لا يترك معه شيئًا من المال لحاجته، وإنما يأخذ ما زاد على ذلك إذا احتاج إليه" انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (55/1) .
ثانياً:
أما بيع الأب لما يملكه ولده، فإن باعه قبل أن يتملكه فلا يصح ذلك، لأنه باع شيئاً لا يملكه.
وأما إن باعه بعد أن تملكه، فإن كان الأب محتاجاً إلى هذا المال، والولد غير محتاج إليه فيجوز له ذلك، وأما مع حاجة الولد، أو عدم حاجة الأب، وإنما كان يأخذ المال إسرافاً وتبذيراً، فلا يجوز ذلك.
قال ابن الأثير رحمه الله:
"قال الخطابي: يُشْبِه أن يكُون ما ذكَره من اجْتِيَاح وَالِده مَالَه أن مقْدّار ما يَحْتاجُ إليه في النَّفَقة شيء كثير لا يَسَعُه مَالُه إلاَّ أنْ يَجْتَاح أصْلَه، فلم يُرَخّص له في تَرْك النَّفَقة عليه. وقال له: أنْت ومَالُك لأبيك. علَى مَعْنى أنه إذا احْتَاج إلى مَالك أخَذَ مِنْك قَدْرَ الحاجَة، وإذا لم يكُن لك مَالٌ وكان لك كَسْب لَزمَك أن تَكْتَسب وتُنْفقَ عليه.
فأمَّا أن يكون أرادَ به إباحَة مَاله له حَتَّى يَجْتَاحَه ويأتي عَليه إسْرَافاً وتَبْذيراً فَلا أعْلَم أحَداً ذهب إليه" انتهى.
"النهاية في غريب الأثر" (1/834) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1328)
يريد السفر للعمرة والتقديم في الجامعة لكن يخشى أن يموت والده أثناء غيابه
[السُّؤَالُ]
ـ[أظهرت التحاليل الطبية التي أجريت في الأشهر الأخيرة لوالدي أنه يعاني من السرطان وقد قال الأطباء إنه لا يمكن علاجه. منذ أيام استقرت حالته فحجزت التذكرة لكي أذهب إلى مكة والمدينة لأداء العمرة والتقديم للدراسة في إحدى الجامعات ولكن حالته ساءت في الأيام التالية وقال الأطباء إنه لم يبقى له الكثير ليعيش، فالآن أخشى أن يموت وأنا في السفر فيبقى أثر ذلك في نفسي. بالمقابل أخشى أن تفوتني هذه الفرصة للتسجيل في الجامعة وأداء العمرة وأن تذهب فلوس التذكرة سدى. أما من ناحية العناية بوالدي فسيتولى ذلك أخواي وأختاي. فما هي نصيحتكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يشفي والدك ويعافيه ويقر عينك بذلك.
ثانيا:
إذا رغب والدك في بقائك إلى جانبه، فهذا مقدم على ذهابك للعمرة وتقديمك في الجامعة؛ لما له من عظيم الحق في البر والصلة، وقد روى البخاري (3004) ومسلم (2549) عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: (أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " قَوْله: (جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنهُ فِي الْجِهَاد , فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاك؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ) وَفِي رِوَايَة: (أُبَايِعك عَلَى الْهِجْرَة وَالْجِهَاد أَبْتَغِي الْأَجْر مِنْ اللَّه تَعَالَى قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْك فَأَحْسِنْ صُحْبَتهمَا) هَذَا كُلّه دَلِيل لِعِظَمِ فَضِيلَة بِرّهمَا , وَأَنَّهُ آكَد مِنْ الْجِهَاد , وَفِيهِ حُجَّة لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يَجُوز الْجِهَاد إِلَّا بِإِذْنِهِمَا إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ , أَوْ بِإِذْنِ الْمُسْلِم مِنْهُمَا " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (11558) .
وإن أذن لك في الذهاب، ولم يكن بحاجة إلى بقائك معه، فالذي يظهر لنا أنك تسافر لتنال الأجر، وتسعى لطلب العلم، وتحافظ على المال الذي بذلته، وتودع أباك وتطلب عفوه وصفحه، وتوصي إخوانك به، وباتباع السنة في تشييعه ودفنه لو توفاه الله تعالى.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1329)
عمل عند والده سنوات كثيرة بأجرة زهيدة ويرغب بالاستقلال بعملٍ فهل هو عقوق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تكمن باعتمادي على والدي منذ الصغر؛ فكان هو من يصرف عليَّ، وهو من كان يتكفل بكل شيء – ولم أوفق في إكمال تعليمي فقد توقفت عن التعليم بالصف الثاني متوسط، وبعد هذا كله أصر عليَّ والدي بالعمل معه بالتجارة، فوافقت، رغم عدم رغبتي بالعمل معه، إلا أني مع الوقت اعتدت على العمل، وأحببته بنسبة 60 %، وعملت معه بما يقارب (16) سنة متواصلة، دون انقطاع، وأيضاً: دون تطور واضح، أو أني أشعر أني أبليت بلاء حسناً، فكان والدي - جزاه الله خيراً - يصرف عليَّ كما يقال " بالقطارة "، وكنت أعمل في السنوات الأولى بلا راتب محدد، فقد كان يعطيني ما يكفي لمدة أسبوع، أو كي أكون منصفاً وصادقاً: ما يكفي (لشهر) ، ولكن هذا العطية لا تمكنِّي من التوفير أبداً. مرَّت الأيام، وقررت الزواج، وجزاه الله خيراً - والدي - تكفل بالزواج، وأسكنني في شقة في منزله، وهذا لا أنكره أبداً، ثم حدد لي مرتباً شهريّاً مقداره (2000) ريال , وبعد سنوات رفعه لي إلى 3000 ريال، ولكن كنت أشعر بعدم الرضا بعملي؛ وذلك بأن المرتب لا يفي بمتطلباتي الشخصية، والعائلية، وبعد مرور 3 سنوات بدأت أشعر بالإحباط؛ وذلك جرَّاء الإهانات من والدي، تصل في بعض الأحيان إلى الشتم، وتفضيل الغير عليَّ، وأن فلاناً أفضل منِّي، و: انظر إلى فلان أفضل منك ... الخ، أيضاً: الشعور بالإحباط بأن أرى أبي يهتم بالآخرين، ويحرص على إرضائهم، أما أنا: فلا تغيير واضح بالتعامل، غير ذلك يقوم والدي بتكليفي بمهمة في العمل، ويعدني بمكافأة إلا أنه يتراجع بقراره، ولا يفي لي بوعد، ويتحجج بعدم تذكره بهذا الوعد، أو يقول: إني كنت مقصراً بعملي، ويختلق الحجج ... الخ، وبعد هذا كله: قام بتخفيض مرتبي الشهري من 3000 إلى 2000 ريال، رغم أني رجل أبلغ من العمر الآن 37 سنة، ومتزوج، ولدي أبناء، ولدي مسؤوليات، وأنتم - بلا شك - تعلمون جيِّداً غلاء المعيشة في هذا الوقت، وكيف أن 2000 ريال شهريّاً لا تؤمِّن متطلبات شهر واحد، فكيف ستؤمِّن مستقبلاً واعداً؟ وكيف ستؤمن مستقبل الأبناء بالحاضر والمستقبل؟ . تراودني أفكار بالبحث عن عمل آخر، ولكن كلما أتذكر والدي أحزن عليه، وأخاف عليه أن يبقى وحده، حتى هو أشعر بتأثره، وأيضاً أشعر بغضبه حينما يعلم أني سوف أبحث عن عمل، فهو معتمد عليَّ بكل شيء، سواء بالعمل، أو بالمنزل، أو بما يتعلق بالعائلة، فأنا - كما يقول كل من يعرفنا - المحور الرئيسي بهذه العائلة، ويعتقدون أني أجني من وراء عملي هذا الخير الوفير، إلا أن الواقع غير ذلك، بل أشعر أن الخير الوفير فيه أني أُحسن - بإذن الله - لوالدي بما أستطيع، وأبره، ورغم كل ذلك لا أجني ما يجني إخوتي، فجميع إخوتي الذكور - وهم أصغر مني، وأنا الأكبر - بوظائف طيبة، وأقل مرتب فيهم 5000 ريال شهريّاً، وغير متزوجين، أما أنا فراتبي: 2000 ريال. أعلم أن هذا مقدر لي، وأن الله سبحانه وتعالى قدر أرزاق العباد، وأن لكل إنسان رزقه، وقدره، وأجله ... الخ، والله يشهد عليَّ أني مؤمن بذلك، وقابل، وراض بما كتب الله لي، ولا يكتب الله للإنسان إلا كل خير، والحمد الله على كل حال، ولكن الإنسان بطبعه ضعيف، وينحني، أو يميل في بعض الأحيان إلى أمور الدنيا، بحيث ينظر إلى الصديق، أو القريب، أو جميع من حوله، ويقول: لماذا لا أكون بمثل صفاتهم: يلبسون أحسن الثياب، ويركبون أفضل السيارات، ويجلبون لأبنائهم كل ما يرغبون ... الخ إلا أنا؟! فأنا اشعر في بعض اللحظات أني استسلمت للأمر الواقع، فليس لديَّ وظيفة مرموقة، وليس لدي شهادة دراسية تؤهلني للعمل بمرتب طيب أعيل به أسرتي على أكمل وجه، ولا مال - أو سيولة = أبدأ به مشروعاً طيِّباً. الخلاصة: الآن وقد زاد الأمر سوءً، ومتطلبات عائلتي زادت، وأشعر بأن الدنيا فوق رأسي، لا أكاد أتحمل وزنها، وأصبح الهمُّ رفيقي، والقلق، والاكتئاب، والإحباط يتناوبون عليَّ، ويتناوبون على زيادة همي، ومع هذا كله قررت أن أعمل بعمل آخر، وأن أبحث عن عمل يغيِّر واقع هذا الزمان: فإني أشعر بأي لحظة قد أفقد زوجتي فهيَ دائماً تحثني على العمل، والبحث عن العمل وهي موظفة، وتجني راتباً طيباً يعادل مرتبي 3 مرات، وتساعدني بأمور المنزل، بل تصرف على المنزل أكثر مما أصرف أنا فيه، ولكن لا بد أن يكون للرجل كرامته، وعزته بنفسه، أعلم بأنه لا مانع من مساعدة الزوجة زوجها بأمور هذه الدنيا، ولكن الأمر يختلف إن كنت أنا مَن يعيل الأسرة، ويلبي حاجاتها، وبعد فترة من الزمن ذهبتْ زوجتي إلى بيت أسرتها هرباً من فقر زوجها، ولعدم رضاها بهذا الواقع، وأشعر بداخلي أنها على حق، وهي كذلك، وكيف لا تذهب لبيت أسرتها؟ وهي ترى جميع أخواتها الفتيات المتزوجات، ويسكنون بمنزل ملك، ويركبون أفضل السيارات، ويقتنون أفضل الوسائل للراحة، وهي لا تملك ذلك. المهم في الاستشارة: كلما أردت - أو عزمت - على البحث عن عمل أشعر بخوف، ورهبة، من المستقبل، وخوف من الإخفاق، وعدم التوفيق، وذلك - كما ذكرت سابقاً - أني أعتمد منذ السابق على والدي، ولم يسبق لي العمل باستقلالية، بل إن والدي جعلني أعتمد عليه بكل شي، واستخدم هذه النقطة - والله أعلم - لصالحه، والآن وجدت مشروعاً طيِّباً، وبعد السؤال عن هذا المشروع وجدت فيه خيراً كثيراً، ولله الحمد، ولكن أشعر برهبة قوية بداخل أعماقي، وقمت بالاستخارة، واستخرت الله سبحانه علام الغيوب بأمري، وشعرت بالراحة له بنسبة 50 %، والباقي أجد الهم، والحيرة، والخوف، والرهبة من الإخفاق، وكي أوضح لكم الصورة هي أن العمل هو: سيارة نقل، بأن أنقل البضائع، أو السيارات، وكل ما يُحمل، وأوصله إلى المناطق المجاورة، أو لمناطق بعيدة، فالبعض - حتى إخوتي - يعايروني بهذا المهنة، حتى والدي كان من أوائل قائمة المستهزئين بي لهذا العمل، ويقولون: كيف تعمل بمهنة لا يعمل بها إلا العمالة الوافدة؟ إلا أني أجدها مهنه شريفة، أكسب منها رزقي، وأعيل بها أسرتي، وأسأل الله بها التوفيق والسداد، فما رأيكم بها كمهنة؟ وما هو الحل من وجهة نظركم بحالي ووضعي؟ وماذا أفعل وكيف أتصرف؟ وهل أكون عاقّاً لوالدي إذا عملت بعمل آخر بعيداً عنه؟ فإني أخاف الله من ذلك بان أكون عاقّاً له، وأسأل الله أن أكون خير من يبر بوالديه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مِن كمال الإيمان: أن يرضى المسلم بما قسم الله له من أمر دنيوي، كرزق، وعمل، ووظيفة ,، ومن تمام شكر النعمة: أن لا ينظر المسلم إلى من فوقه، ومن فضِّل عليه في أمر الدنيا، حتى لا يزدري نعمة الله عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِى الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ) .
رواه البخاري (6125) ومسلم (2963) .
وفي لفظ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) .
رواه البخاري (6490) ومسلم (2963)
ولا يعني ذلك أن يستسلم لأمره الواقع إن كان لا يرضاه، أو يمكنه تحصيل ما هو خير منه لدينه ودنياه، بل عليه أن يدفع قدر الله بقدر الله، فيبحث عن وسائل سعة الرزق، ويدفع الفقر بأسباب الغنى، من عمل، وتجارة، ووظيفة.
ثانياً:
برُّ الوالدين حسنة عظيمة , وقربة جليلة، ينال بها العبد رضى الله، وتوفيقه في الدنيا والآخرة , ويصرف الله بها عن العبد من البلاء، والشرور، والرزايا، والبلايا، ما الله به عليم , ولذلك عظم الله حق الوالد، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) .
رواه مسلم (1510) .
قال النووي – رحمه الله -:
أي: لا يكافئه، بإحسانه، وقضاء حقه، إلا أن يعتقه.
" شرح مسلم " (10 / 153) .
وليس من العقوق أن تخرج من العمل من عند والدك لتبحث عن عمل أفضل، ووظيفة أحسن؛ ما دمت تحسن إلى والدك، ولا تقصر تجاهه , خاصة إذا كانت أسرتك بحاجة إلى ذلك، وكان العمل الآخر أصلح لك وأنفع. ولعل بحثك عن وظيفة يغير من اتجاه الوالد نحوك؛ فيشعر بحاجته إليك، فيزيد في راتبك، ويحسِّن من وضعك المعيشي.
ثالثاً:
الخوف من المستقبل: من علامة ضعف التوكل على الله تعالى , والمؤمن قوي الإيمان لا يعطي من عمره وقتاً ليحمل هموم ما يأتي في غد، وليس يعني هذا عدم الأخذ بالأسباب لبناء مستقبل مريح، فقد كان النبي صلى الله عليه يدَّخر أحياناً قوت سنَة لأهله، وإنما أردنا أن يتحلى المؤمن بقوى الإيمان ليدفع عن نفسه وقلبه الخوف، والقلق، مما يأتيه في المستقبل.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) .
رواه مسلم (2664) .
فالمؤمن قي بتوكله، وقوي باستعانته بالله تعالى خالقه , وما يشعر به المسلم من ضعف، أو خوف: إنما هو من وسوسة الشيطان، وتثبيطه له , والواجب على المؤمن دفع هذه الوسوسة بدعائه، واستعانته بالله، وحسن توكله عليه.
فاستخر الله تعالى في العمل الذي ترغب بالالتحاق به , فإن انشرح صدرك، وتيسر أمر ذلك العمل: فأقدم، ولا تتردد، واستعن بالله تعالى.
وانظر جواب السؤال رقم: (20088) .
رابعاً:
العمل كسائق في نقل البضائع ليس من المهن الدنيئة , وليس عيباً على الرجل العمل بها , وإن اختص بها الوافدون في بلدكم؛ فالرعي يستنكف عنها كثير من الناس , وقد عمل بها الأنبياء والمرسلون، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ) ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ) .
رواه البخاري (2143) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – أيضاً - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّاراً) .
رواه مسلم (2379) .
وقد أخبر الله تعالى عن داود عليه السلام أنه كان يعمل في صنع الدروع للمحاربين، وأن هذا من تعليم الله له، قال تعالى: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) الأنبياء/ 80.
بل لعل ما تنوي العمل به أن يكون من أفضل المكاسب؛ لأنها كسب من عمل يدك , وفي الحديث عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) .
رواه البخاري (1966) .
فالنصيحة لك أخي الفاضل:
أ. أن تحاول أن تكلِّم والدك بالحسنى، والكلمة الطيبة، أن يرفع راتبك , وأن يحسن وضعك، ما دمت تؤدي الذي عليك، ولا تقصر فيه , وأن تلجأ إلى الله تعالى أن يشرح صدره ويهديه لذلك،
فإن لم يستجب لذلك، ووجدت أن ما تتقاضاه لا يكفيك: فلا بأس أن تعمل بأي عمل آخر، كسائق، أو غير ذلك؛ لتحسين وضعك المعيشي، وليس هذا من العقوق , ولا تستنكف عن العمل كسائق ما دام العمل لا يدخل فيه حرام، أو شبهة , فأكل المرء من عمل يده من أطيب الكسب، وأفضله، وإن وجدت عملاً أنسب لك، ويوافق عليه والدك وإخوتك: فنرى أن تلتحق به، وأن يكون هو اختيارك؛ لتجمع بين العمل، ورضى أهلك عنك، فمن الممكن أن يسبب لك العمل سائقاً إحراجاً بين أولادك، وأقربائك، وقد لا تستطيع دفعه، فتتعقد أمورك النفسية، أما من حيث الجواز الشرعي: فهو جائز، وهو ليس معيباً بحد ذاته، ولا هو بمهنة دنيئة، لكن نرى أن مراعاة رضى أهلك، وعرف المكان الذي تعيش فيه أمرا مهما، وأنت لا تريد مخالفتهم، بل تريد عملاً تقتات منه، ويحسِّن من وضعك، فابحث عن عمل يتناسب مع بيئتك، ولك أن تتملك سيارات نقل – لا سيارة واحدة – وتستأجر أجراء ليقوموا عليها، ويكون دخلها محسِّناً لوضعك، دون الحاجة لأن تباشر سياقتها بنفسك.
وإن أمكنك أن تستفيد من خبرتك في العمل مع والدك، وأن تعمل بالتجارة: فلعل هذا أن يكون أنسب لك.
ب. ادفع خوفك من المستقبل بحسن توكلك، وإقبالك على الله تعالى، وأكثر من التضرع، والالتجاء إليه، فهو حسبك، وكافيك.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافيك وأن يوسع لك في الرزق , ويصرف عنك الخوف , وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه , وأن يشرح صدر والدك لتحسين وضعك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1330)
هل عدم زيارة قبر الوالدين من العقوق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عدم زيارة قبر الوالدين يعتبر من العقوق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
زيارة القبور سنة مشروعة في حق الرجال، بقصد الاتعاظ والاعتبار والدعاء لموتى المسلمين؛ لما رواه مسلم (977) عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ) .
قال النووي رحمه الله:
" أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ زِيَارَتهَا سُنَّة للرِّجَال " انتهى.
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله:
" زيارة القبور مشروعة في حق الرجال دون النساء بقصد الدعاء للأموات والاستغفار لهم والترحم عليهم إذا كانوا مسلمين، وبقصد الاتعاظ والاعتبار وتليين القلوب بمشاهدة القبور وأحوال الموتى " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (41 / 15)
وقال ابن عثيمين رحمه الله:
إذا زار الإنسان القبور فليزرها متعظاً لا عاطفة، فبعض الناس يزور قبر أبيه أو قبر أمه عاطفة وحناناً ومحبة، وهذا وإن كان من طبيعة البشر، لكن الأولى أن تزورها للعلة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام، وهي تذكر الآخرة وتذكر الموت، هؤلاء الذين في القبور الآن هم كانوا بالأمس مثلك على ظهر الأرض، والآن أصبحوا ببطنها مرتهنين بأعمالهم، لا يملكون زيادة حسنة ولا إزالة سيئة، فتذكر " انتهى.
"دروس وفتاوى الحرم المدني" (ص51)
ويشترط لجواز زيارة القبور: ألا يسافر إليها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) متفق عليه.
قال علماء اللجنة الدائمة:
"تشرع زيارة القبور للرجال دون النساء إذا كانت في البلد – أي: بدون شد رحل - للعبرة والدعاء لهم إذا كانوا مسلمين؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1 / 434)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"لا يجوز للإنسان أن يشد الرحل لزيارة قبر من القبور أياً كان صاحب هذا القبر" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (7/ 196) .
ثانياً:
بر الوالدين يستمر بعد موتهما وذلك بالدعاء لهما، وصلة قرابتهما، وإنفاذ وصيتهما، وإكرام صديقهما، والصدقة عنهما، والحج والعمرة إن كانا لم يحجا ولم يعتمرا، وقضاء الدين عنهما، وإيفاء الحقوق التي عليهما لأصحابها.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"دلت السنة على مشروعية بر الوالدين بعد وفاتهما؛ بالدعاء لهما وتنفيذ وصيتهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (25 / 182) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"من بر الوالدين: الصدقة عنهما، والدعاء لهما، والحج والعمرة عنهما" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (8 / 344) .
وقال رحمه الله:
" خمسة أشياء: (الصلاة عليهما) : الدعاء، ومن ذلك صلاة الجنازة.
والصلاة عليهما: الترحم عليهما أحق الحق، ومن أعظم البر في الحياة والموت.
وهكذا الاستغفار لهما، وسؤال الله أن يغفر لهما سيئاتهما، هذا أعظم برهما حيين وميتين. وإنفاذ عهدهما من بعدهما، الوصية التي يوصيان بها، فالواجب على الولد ذكرا كان أو أنثى إنفاذها إذا كانت موافقة للشرع المطهر.
والخصلة الرابعة (إكرام صديقهما) إذا كان لأبيك أو لأمك أصدقاء وأحباب وأقارب فتحسن إليهم، وتقدر لهم صحبة وصداقة والديك، ولا تنس ذلك، بالكلام الطيب، والإحسان إذا كانا في حاجة إلى الإحسان، وجميع أنواع الخير الذي تستطيعه، فهذا برهما بعد وفاتهما.
والخصلة الخامسة: (صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) وذلك بالإحسان إلى أعمامك وأقارب أبيك، وإلى أخوالك وخالاتك من أقارب أمك، هذا من الإحسان بالوالدين، وبر الوالدين أن تحسن إلى أقارب والديك الأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم. الإحسان إليهم وصلتهم كل ذلك من صلة الأبوين ومن إكرام الوالدين " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (25 / 368-369) .
أما زيارة القبر فليست شرطا في بر الوالدين، فبإمكان الولد أن يبر والديه بالدعاء وغيره وهو بعيد عنهما.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
والدي متوفى منذ فترة طويلة وهو بعيدٌ عني ولا أستطيع أن أقوم بزيارته إلا بعد السنتين أو الثلاثة، فهل باستطاعتي أن أبره بشيء وأنا بعيدٌ عنه؟
فأجاب:
" المقصود بزيارة الموتى هو الدعاء لهم، والدعاء لهم واصلٌ في أي مكانٍ كان الداعي فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علمٌ ينتفع به، أو ولدٌ صالحٌ يدعو له) فأنت ادع الله لوالدك في أي مكانٍ: بعيداً كنت أم قريباً، ولا حاجة إلى زيارة قبره.
نعم، لو كنت في نفس البلد جئت لحاجة وذهبت تزور أباك فلا بأس به، أما أن تشد الرحل إلى قبره لتزوره فهذا منهيٌ عنه " انتهى.
"نور على الدرب" (7/196)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1331)
أب يجاهر بفجوره أمام أسرته ولا ينفق عليهم، فكيف يتصرفون معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في أب له من الأولاد اثنان من سن 15 - 18، ولا يصرف عليهم، ولا على منزله منذ أكثر من عشر سنوات؛ حيث إن الأم هي المتكفلة بهم، رغم أنه يعمل، ويعيش معهم في نفس المنزل، وقد أفسد في ابنه الصغير 15 سنة ما لا يمكن إصلاحه، ويقيم علاقات غير شرعية مع سيدات، ووصل به الأمر إلى إرسال ابنه الصغير لهم بالنقود، ومحادثتهن أمام أبنائه على الهاتف، وحيث إنه حاولت أخواته، والكثير من الأقارب محادثته، لكنه لا يرضي أن يسمع لأي شخص، كبير، أو صغير، فما حكم المعاملة بينه وبين أبنائه، وزوجته؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أساء هذا الأب لنفسه حين فرَّط في الأمانة التي أوكل الله تعالى له حفظها، ورعايتها، والعناية بها، فزوجته وأولاده من رعيته التي سيسأله الله تعالى عنها، حفظها، أم أضاعها، والويل له – ولغيره ممن هو مثله – إن لم يتدارك نفسه، ويرجع إلى دينه، ويعتني بهذه الأمانة لينجو يوم القيامة من إثم التضييع، والتفريط.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ... ) رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
وعن مَعْقِلِ بْنِ يسار المُزنيِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّةَ) وفي رواية: (فَلَمْ يَحُطْها بِنَصِيحَةٍ إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) رواه البخاري (6731) ومسلم (142) .
ثم إن ذلك الأب لم يكتف بالإهمال في الإنفاق على أسرته – وهو أمر أوجبه الله عليه – بل إنه جعل نفقته تلك على المحرمات من شهواته الدنيَّة، فبدلاً من إنفاقها على زوجته التي أحلها الله له، وأوجب نفقتها عليه: جعل تلك النفقة في النساء الساقطات، وبدلاً من أن يضع المال في نفقة أبنائه: جعله في الفواحش، والمحرمات.
ثانياً:
الواجب على أسرة ذلك الأب بذل الوسع في نصحه، ووعظه، وعدم تركه فريسة للشيطان، وأن يصحب ذلك تلطف في الأسلوب، ولين في الكلام، وها هو إبراهيم عليه السلام يضرب لنا أروع الأمثلة في خطاب الابن الصالح مع الأب الكافر الفظ الغليظ، فاستمع لإبراهيم عليه السلام يقول لأبيه: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيّاً. يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً) مريم/ 43 - 45، واستمع لرد ذلك الوالد الفظ كيف كان، (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) مريم/ 46، فماذا كان رد الابن الصالح على هذه الغلظة، وذلك التهديد؟ (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) مريم/ 47.
وإننا لنرجو أن يكون استعمال الأسلوب الحسن نافعاً مع ذلك الأب، مع كثرة الوعظ، والتذكير له؛ لأنه يعيش في غفلة مهلكة، ولا يمكن لمثله أن يكون سعيداً في قلبه، فلعله يأتيه وقت يجد لكلامكم أثراً طيِّباً في تغيير حاله للأحسن.
ولا يجوز لأبنائه وزوجته أن يطيعوه فيما حرَّم الله تعالى، وعليهم بذل الوسع في القضاء على كل طريق يصل من خلالها لارتكاب المحرمات، وما لا يستطيعونه من ذلك: فلا إثم عليهم فيه وهم غير مكلفين إلا بما في وسعهم.
وإذا لم يُجْدِ النصح معه نفعاً، وكان له تأثير سيء على أبنائه، ويُخشى من تعدي السوء إلى أفراد أسرته: فالذي ننصح به هو الانفصال عنه بالكلية ـ إن أمكن ـ، وخاصة أنه لا ينفق على أسرته، فليس هناك حاجة للبقاء معه إذا انغلقت طرق إصلاحه، وأوصدت أبواب هدايته، بل لا يصدر منه إلا الشر المتعدي لتلك الأسرة.
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله:
قال الإمام أحمد: يأمر أبويه بالمعروف، وينهاهما عن المنكر.
وقال أيضاً: إذا رأى أباه على أمر يكرهه: يعلِّمه بغير عنف، ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي.
وقال أيضاً: إذا كان أبواه يبيعان الخمر: لم يأكل من طعامهم، وخرج عنهم.
وقال أيضاً: إذا كان له أبوان لهما كرم يعصران عنبه ويجعلانه خمراً يسقونه: يأمرهم، وينهاهم، فإن لم يقبلوا: خرج من عندهم، ولا يأوي معهم.
"الآداب الشرعية" (1/476) .
نسأل الله أن يهدي والدهم للحق، وأن يجمع بينه وبين أسرته على خير.
وانظر – لمزيد فائدة – أجوبة الأسئلة: (120070) و (104976) و (95588) و (27281) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1332)
والدها يرفض النقاب ويهددها بالطرد إن لبسته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بنت في السادسة عشر من عمري، أعيش في بلاد ليست عربية (يهودية) ، أنا ملتزمة ومتدينة ومحجبة والحمد لله، قد لبست الجلباب وأنا في الرابعة عشر، وارتديت الخمار، أردت أن ألبس على وجهي أيضاً، ولكن أهلي رفضوا فكرة الحجاب نهائياً، ومنعني أبي أن أرتديه حتى ذات يوم مزق جلباباً على جسدي. أهلي غير متدينين، وأنا أعاني الكثير منهم، أريد أن ألبس النقاب وأهلي يرفضون، فإنهم رفضوا أن ألبس الجلباب، وحتى اليوم أنا اشتري الجلباب من مالي الخاص الذي أوفره للمدرسة - والحمد لله على كل حال -. أريد أن أعرف ما الحكم إذا أنا لا أستطيع لبس النقاب، مع العلم أنني أرغبه والله، دائماً أقول شرط زواجي من أي رجل لبس النقاب. ماذا أفعل؟ هل ألبسه وقد قال أبي إنه إذا لبسته الآن أو إن تزوجت فحرام عليّ أن أدخل بيته، وما حكم تأخير النقاب في هذا الأمر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال الأجانب في أصح قولي العلماء، لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (11774) .
وليس للأب أن يأمر ابنته بكشف الوجه؛ لأن ذلك أمر بما يخالف الواجب الذي دلت عليه الأدلة، وليس لها أن تطيعه في ذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) .
لكن إن ترتب على لبسك النقاب ضرر أو أذى كالضرب أو الحبس أو الطرد من المنزل، جاز لك تركه إلى أن يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً؛ لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وقوله: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286.
نسأل الله لنا ولكِ التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1333)
يريد الزواج من فتاة مقعدة وهذا يحزن والديه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في الزواج من فتاة لا تقدر على المشي وهي تعمل مهندسة وقد ضحت بعملها لتتبع الطريقة الإسلامية بشكل كامل. وقد اقترحت عليها الانضمام للمدرسة فرحبت والتحقت من فورها بالمدرسة وانضمت لدورة العالمة الآن. وقد عبرت لها عن رغبتي في الزواج منها وهي الآن سعيدة جدا. وقد أخبرت أبي وأمي برغبتي تلك ولكنهما وبكل بساطة يريدان صالحي ويشعران بالأسى لهذا الاختيار، فهما لا يحبذان هذا الاختيار ويحاولان جاهدان ليثنياني عنه. ولكنني اتخذت قراري تجاه تلك الفتاة ولا أفكر في أي فتاة أخرى. وقد قامت هي الأخرى بالتضحية بعدة أشياء من أجل حياتنا في المستقبل. وإنني مستاء لعجزي عن إضفاء السعادة على والدي ولكنني لا أعرف كيف أتزوجها ويكون أبواي سعيدين. أريد نصيحتكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي لمن أراد الزواج أن يختار ذات الخلق والدين؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
وينبغي أن يستأذن والديه ويستشيرهما ويسعى لإرضائهما، لما لهما من الحق العظيم عليه.
فإن رغب في امرأة معينة، وأمره والداه بتركها، فينبغي تركها، طاعةً لهما، ما لم يخش الوقوع في الحرام إن لم يتزوج من هذه المرأة المعينة. وينظر جواب السؤال رقم (128362) .
وإن لم يأمراه بتركها، لكن علم رغبتهما في ذلك: فإن استطاع تحقيق رغبتهما والتخلي عن تلك المرأة فليفعل، وإن تعلقت نفسه بها، وشق عليه تركها، فلا حرج عليه، ويجتهد في إقناع والديه وإرضائهما بما يستطيع.
وانظر جواب السؤال رقم (30796) ففيه نصيحة لمن كان في مثل حالتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1334)
إذا تعارض أمر والده مع فعل النذر فأيهما يقدم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم أن تفتوني مشكورين في هذه الحالات. شخص ما نذر طاعة يعملها في كل مرة يعمل فيها معصية معينة (شرب الخمر مثلا) حتى يردع نفسه عنها وكان يتصور أنه قد يخطئ مرات فيكون في طاعته تلك دواء له ولكنه أسرف على نفسه بحيث أن عمره لن يفي بقضائها. فما حكمه في هذه الحالة؟ هل اذا شغل المسلم وقته بالعبادة بصورة لا تمنعه من مواصلة الدراسة ولكنها لا تجعله متفوقا فيها. هل يثاب على ذلك ويكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ ماذا لو كان نذره يلزمه بذلك؟ إذا تعارض نذري مع طاعة والدي فماذا أختار؟ إذا رأيت أن تدرجي في التزامي بهذا النذر هو أصلح لي فهل يجوز لي إتباع ذلك الأسلوب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
شرب الخمر محرم تحريما شديدا؛ لما في الخمر من الخبث والضرر والمفسدة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/90، 91.
وَبَّين النبي صلى الله عليه وسلم أن الخمر ملعون شاربها ومن يعين عليها، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود (3674) وابن ماجه (3380) عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي سنن النسائي (5570) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (709) .
فالواجب الإقلاع عن شرب الخمر وتركها ابتغاء مرضاة الله وحذرا من عقابه.
ثانيا:
إذا نذر المسلم طاعة لله تعالى معلقة على فعله معصيةً ما، ثم وقع في تلك المعصية، فقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يخير بن فعل الطاعة أو إخراج كفارة يمين.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (11/180) : إذا أخرج النذر مخرج اليمين بأن يمنع نفسه أو غيره به شيئا أو يحث به على شيء مثل أن يقول إن كلمت زيدا فلله علي الحج أو صدقة مالي أو صوم سنة فهذا يمين حكمة أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه فلا يلزمه شيء وبين أن يحنث فيتخير بين فعل المنذور وبين كفارة يمين. انتهى
وعلى هذا فإما أن تخرج كفارة يمين، إما أن تفعل الطاعة التي نذرت فعلها.
ثالثا:
ينبغي لمن كان في دراسة أن يجتهد فيها وأن لا يبخس نفسه بالتقصير والتفريط، وليس هذا من الإلهاء عن ذكر الله، بل من باب (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) .
لكن إن كان النذر يقتضي انشغاله بعبادة معينة، وذلك لا يفسد دراسته ولا يعطله عنها بل يؤدي إلى عدم تفوقه فيها، فليعمل بنذره، تقديما للواجب على غيره.
رابعا:
تلزم طاعة الوالدين في غير المعصية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه أحمد (1098) .
فإن تعارض ذلك مع فعل واجب كالنذر، ولم يمكن الجمع بينهما، قُدّم الواجب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات" ص 114: " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين ... وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر عليه، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1335)
اذا تعارضت يمين الأم مع يمين الأب فمن يقدم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم اذا تعارضت يمين أمي مع يمين أبي؟ هل أبر بيمين أمي أم بيمين أبي؟ وشكرا جزيلا لكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب بر الوالدين وطاعتهما في المعروف؛ للأدلة الآمرة بذلك، كقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23، 24
وقوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/36
فإذا تعارض بر الأب مع بر الأم، فالجمهور على أن الأم مقدمة في البر، وحكي ذلك إجماعا.
والأصل في ذلك: ما وروى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟
قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ) ؛ فجعل للأم ثلاثة أمثال ما للأب.
قال الصنعاني رحمه الله: " وأما إذا تعارض حق الأب وحق الأم: فحق الأم مقدم؛ لحديث البخاري: قال رجل يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي قال أمك ثلاث مرات ثم قال أبوك؛ فإنه دل على تقديم رضا الأم على رضا الأب.
قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب , قال: وكأن ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع.
قلت: وإليه الإشارة بقوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها) ومثلها (حملته أمه وهنا على وهن) .
قال القاضي عياض: ذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل على الأب في البر، ونقل الحارث المحاسبي الإجماع على هذا " انتهى. من "سبل السلام" (2/632) .
وفي "الموسوعة الفقهية" (8/ 68) : " فإن تعارضا فيه , بأن كان في طاعة أحدهما معصية الآخر. فإنه ينظر:
إن كان أحدهما يأمر بطاعة والآخر يأمر بمعصية , فإن عليه أن يطيع الآمر بالطاعة منهما دون الآمر بالمعصية , فيما أمر به من معصية. لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، وعليه أن يصاحبه بالمعروف للأمر بذلك في قوله تعالى: (وصاحبهما في الدنيا معروفا) ، وهي وإن كانت نزلت في الأبوين الكافرين , إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
أما إن تعارض برهما في غير معصية , وحيث لا يمكن إيصال البر إليهما دفعة واحدة , فقد قال الجمهور: طاعة الأم مقدمة ; لأنها تفضل الأب في البر.
وقيل: هما في البر سواء , فقد روي أن رجلا قال لمالك: والدي في السودان , كتب إلي أن أقدم عليه , وأمي تمنعني من ذلك , فقال له مالك: أطع أباك ولا تعص أمك! يعني أنه يبالغ في رضى أمه بسفره لوالده , ولو بأخذها معه , ليتمكن من طاعة أبيه وعدم عصيان أمه.
وروي أن الليث حين سئل عن المسألة بعينها قال: أطع أمك , فإن لها ثلثي البر ... ونقل المحاسبي الإجماع على أن الأم مقدمة في البر على الأب " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1336)
موقف الأولاد من الخلافات بين والديهم، وكيف يتصرفون معها
[السُّؤَالُ]
ـ[مَن الذي يجب عليَّ مؤازرته في حالة وجود خلاف عائلي، أبي أم أمي؟ أم هل ينبغي البحث عن الحقائق ومعرفة من المخطئ ومن المصيب؟ هل لأبي عليَّ حقوق أكثر من أمي أم العكس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
طاعة الوالدين، وبرهما، والإحسان إليهما: فريضة أمر الله بها , قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ ألا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء/ 23، وهي من أعظم الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى الله.
عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: (الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا) ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ) ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) .
رواه البخاري (504) ومسلم (85) .
ومن البر بالوالديْن: أن تسعى في تقليل الخلاف الواقع بينهما، وذلك بالنصح، والتذكير قدر الاستطاعة، والاعتذار للمظلوم منهما، وتطييب خاطره , وترضيته بالقول، والفعل.
وانظر جواب السؤال رقم: (22782) .
ثانياً:
الخلاف بين الوالدين: لا يكاد يخلو منه بيت من البيوت , وهذا بيت أكرم الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يخلُ منه , فقد طلَّق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة، ثم راجعها , وآلى من نسائه شهراً - أي: حلف أن لا يقربهن شهراً – واعتزلهن خارج بيوتهن , وعلى المسلم في علاج مثل هذه الخلافات: أن يحكِّم الشرع، لا العاطفة، ليصل في نهاية المطاف إلى الظالم فيذكره بالتوبة، وإرجاع الحق، وليصل إلى المظلوم فيعطيه حقه، وينصفه ممن ظلمه، وهذا ما يجب أن يفعله كل حكَم بين متخاصميْن، فإذا كانت الخصومة بين والديه: كان أدعى لأن يسارع برأب الصدع، وتذكير الظالم، ونصحه، حتى لا يتصدع بناء الأسرة بتلك الخلافات، مع ضرورة التأدب في الخطاب، واللين في الكلام مع والديه، فلا يعنِّف، ولا يجرح، ولا يواجه بغلظ الكلام.
ومن المهم أن يُقضى على أسباب الخلاف بين والديك، حتى لا تتكرر الخلافات مرة أخرى، ومعرفة المخطئ، حتى لا يعيد المخطئ خطأه مرَّة أخرى، وحتى يذهب ما في قلب المظلوم من حزن، وأسى.
ولتعلم – أخي السائل – أن نجاحك في الإصلاح بين والديك: يعني بقاء الأسرة متماسكة، متلاحمة، قوية، مع ما يشيع فيها من المودة، والرحمة بين أطرافها جميعهم، وقد جعل الله تعالى الإصلاحَ بين الناس عموماً من أهم أسباب حصول الرحمة بينهم، فكيف بالإصلاح بين الوالدين؟! قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون) الحجرات/ 10.
وفي الإصلاح بين والديك: قطع الطريق على الشيطان في تحقيق أعظم إنجازاته! وهو التفريق بين الزوجين.
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ - وَيَلْتَزِمُهُ - وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ) .
رواه مسلم (2813) .
ثالثاً:
مما لا شك فيه أن حق الأم أعظم من حق الأب، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: (أُمُّكَ) ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (أُمُّكَ) ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (أُمُّكَ) ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَبُوكَ) .
رواه البخاري (5626) ومسلم (2548) .
قال النووي - رحمه الله -:
وفيه الحث على برِّ الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب، ثم الأقرب فالأقرب.
" شرح النووي " (16 / 103) – وانظر تتمة شرح الحديث في جواب السؤال رقم: (75408) -.
لكن لا يعني هذا أن تقف مع والدتك إذا كان الخطأ والتقصير منها، بل الواجب عليك حين التحكيم بينهما: أن تعدل، وتنصف , وتقول الحق، ولو على أمك صاحبة الحق الأعظم عليك، كما قال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) الأنعام/ من الآية 152، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) النساء/ من الآية 135.
فالذي عليك فعله: أن تبحث عن أسباب الخلاف بين والديك , وأن تحاول الإصلاح ما استطعت إلى ذلك سبيلاً , بالرفق، واللين، والكلمة الطيبة , وتطييب خاطر المظلوم , وترضيته بالقول، والفعل , والنصح للمخطئ , وإرشاده بالرفق , والدعاء له بالهداية.
والله نسأله أن يوفِّق بين والديك، ويؤلف بينهم , وأن يعينك على برِّهما , والقيام بحقهما.
على أننا ننبهك إلى أن دورك الحقيقي هو دو المصلح، الذي يكتم السوء والخطأ، ويستر العورة، ويسعى في استصلاح النفوس، وتطييب القلوب، وليس دور الحكم.
وثمة فوائد زوائد على ما قلناه هنا تجدها في جواب السؤال رقم: (125523) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1337)
أمره والده بطلاق زوجته وهدده بتطليق أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[بينه وبين أبيه سوء تفاهم، ويرغم الابن على طلاق زوجته، ويهدد الأب ابنه إن لم يطلق زوجته فسوف يطلق أمه، فقام الابن بإرسال ورقة الطلاق من أمريكا إلى زوجته باليمن، والآن المرأة المطلقة التي هي زوجة الابن يأتيها الخطاب للزواج منها، والابن المطلق يقول أن طلاقه إنما كان لإرضاء والده ولحل مشكلة والدته فقط حتى لا تطلق أمه، فهل هذا التصرف منه صحيح، وهل الطلاق واقع لزوجته أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يلزم الابن طاعة والديه في طلاق امرأته ما لم يوجد سبب يقتضي طلاقها؛ لأن الطاعة إنما تجب في المعروف وفيما لا ضرر منه على الابن، وليس من المعروف تطليق المرأة بلا سبب.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن: رجل متزوج وله أولاد , ووالدته تكره الزوجة وتشير عليه بطلاقها هل يجوز له طلاقها؟
فأجاب:
"لا يحل له أن يطلقها لقول أمه , بل عليه أن يبر أمه، وليس تطليق امرأته من برها. والله أعلم" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/331) .
وقال في مطالب أولي النهى (5/320) : "ولا تجب على ابن طاعة أبويه ولو كانا عدلين في طلاق زوجته ; لأنه ليس من البر" انتهى.
وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن حكم طلاق الرجل لزوجته إذا طلب منه أبوه ذلك، فقال:
"إذا طلب الأب من ولده أن يطلق زوجته فلا يخلو من حالين:
الأول: أن يبين الوالد سبباً شرعياً يقتضي طلاقها وفراقها مثل أن يقول: "طلِّق زوجتك"؛ لأنها مريبة في أخلاقها، كأن تغازل الرجال، أو تخرج إلى مجتمعات غير نزيهة، وما أشبه ذلك. ففي هذا الحال يُجيب والده ويطلقها؛ لأنه لم يقل "طلِّقها" لهوى في نفسه، ولكن حماية لفراش ابنه من أن يكون فراشه متدنساً هذا الدنس فيطلقها.
الثانية: أن يقول الوالد للولد "طلِّق زوجتك " لأن الابن يحبها فيغار الأب على محبة ولده لها، والأم أكثر غيرة فكثير من الأمهات إذا رأت الولد يحب زوجته غارت جداً حتى تكون زوجة ابنها ضرة لها، نسأل الله العافية. ففي هذه الحالة لا يلزم الابن أن يطلق زوجته إذا أمره أبوه بطلاقها أو أمه. ولكن يداريهما ويبقي الزوجة ويتألفهما ويقنعهما بالكلام اللين حتى يقتنعا ببقائها عنده ولا سيما إذا كانت الزوجة مستقيمة في دينها وخلقها.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذه المسألة بعينها، فجاءه رجل فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي، قال له الإمام أحمد: لا تطلقها، قال: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك؟ قال: وهل أبوك مثل عمر؟
ولو احتج الأب على ابنه فقال: يا بني إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته لما أمره أبوه عمر بطلاقها، فيكون الرد مثل هذا، أي وهل أنت مثل عمر؟ ولكن ينبغي أن يتلطف في القول فيقول: عمر رأى شيئا تقتضي المصلحة أن يأمر ولده بطلاق زوجته من أجله، فهذا هو جواب هذه المسألة التي يقع السؤال عنها كثيرا " انتهى من "الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة" (2/671) .
وتهديد الابن بتطليق أمه لا شك في كونه خطأ وظلماً، فإنه لا علاقة للأم بهذا، ولم يوجد منها ما يقتضي طلاقها، ولا يضر الابن هذا التهديد ولا يلزمه الاستجابة له ولو كان أبوه جادا في تهديده؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر.
ثانياً:
إذا كان الابن قد تلفظ بالطلاق، وقع طلاقه ولو كان قد فعل ذلك لإرضاء والده، أو بلا نية طلاق؛ لأن الطلاق الصريح لا يشترط له النية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ) رواه أبو داود (2194) والترمذي (1184) وابن ماجه (2039) وحسنه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/424، والألباني في صحيح سنن الترمذي (944) .
وإن كان كتبه في ورقة ولم يتلفظ به، فهذا فيه تفصيل:
فإن كان نوى الطلاق، وقع الطلاق، وإن لم ينوه لم يقع؛ لأن الطلاق بالكتابة ليس من الطلاق الصريح، وينظر جواب السؤال رقم (72291) .
ثالثاً:
إذا حكمنا بوقوع الطلاق، وكانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية، جاز لهذا الابن مراجعة زوجته في العدة، فإن انقضت العدة لم ترجع له إلا بعقد جديد.
وعلى الابن أن يبر أباه، وأن يرضيه بغير تطليق امرأته ما لم يوجد سبب يقتضي طلاقها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1338)
يعتمر ويأخذ والدته معه وزوجته تعارضه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل ميسور والحمد لله وفي كل عام أسافر إلى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة وأحب أن نأخذ معي والدتي لأداء مناسك العمرة كل عام ولكن المشكل هنا أن زوجتي تعارضني أن لا أخذ معي أمي والسبب هو لكي لا أصرف المال الكثير يعني شفقة لي قالت لي أخذتها مرة هذا يكفي وأنا لا أستطيع أن أفرح ولا أفرح أمي معي في أداء مناسك العمرة أو لنزهة أو أي حاجة لأني أحب أمي كثيراً كثيراً كثيراً وأفضلها على نفسي وعلى أولادي وعلى زوجتي مع العلم أن أبي تزوج زوجة ثانية ولا يبالي بها. السؤال: هل زوجتي لها الحق في المعارضة وأنا على علم بأن زوجتي ليس لها الحق أن تعارضني في أي شيء أعمله لأمي لأني غير مقصر في حقها حتى لأداء مناسك العمرة فقلت لها لو أردت تأتي بعمرة اذهبي أنا أنفق عليك، بماذا تنصحوا زوجتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سرنا ما ذكرت من محبتك لوالدتك وبرك بها وحرصك سعادتها وفرحها ونسأل الله تعالى أن يجزيك على ذلك خير الجزاء وأن يرزقك ذرية صالحة برة بك فإن الجزاء من جنس العمل، وبر الوالدين من أعظم القربات، وأفضل الصالحات، ولهذا قرنه الله تعالى بعبادته وتوحيده فقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23، 24، وروى النسائي (3104) وابن ماجه (2781) وأحمد (15110) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السَّلَمِيِّ أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ، وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ. فَقَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
ورأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً يمانياً يطوف البيت وقد حمل أمه وراء ظهره، يقول: إني لها بعيرها المذلل ... إن ذعرت ركابها لم أذعر، ثم قال: يا ابن عمر، أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة. رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وصححه ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف، والألباني في صحيح الأدب المفرد.
فما تقوم به أيها الأخ الكريم من الاعتمار كل سنة واصطحاب والدتك معك، عمل جليل عظيم، فاستمر عليه، ولا تنقطع عنه، ولعل ما أنت فيه من الخير وسعة الرزق هو بسبب برك وإحسانك.
ونقول لزوجتك الكريمة: ينبغي أن تفرحي بهذا السلوك الصالح , وأن تعيني زوجك عليه، وأن توقني بأن هذه النفقة لن تضيع عند الله، وأن خيرها وبركتها عائدة عليك وعلى أولادك إن شاء الله، وأنها لا تنقص المال، بل تزيده وتباركه وتنمّيه، وأن تحمدي الله تعالى أن رزقكم المال لتستعملوه في طاعته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: (يَا عَمْرُو نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ) رواه أحمد (17096) وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد.
وقال: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) رواه البخاري (73) ومسلم (816) .
وإذا وقع في نفسك شيء من كثرة بر زوجك لأمه، فضعي نفسك مكانها، وانظري كم هي سعادتك بمثل هذا التصرف، وكم هي حاجتك إليه وإلى غيره من صور الإحسان والرعاية.
نسأل الله تعالى أن يبارك لكما، وأن يزيدكما براً وإحساناً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1339)
هل يطيع والده في ترك بعض سنن الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يأمرني والدي، وبإلحاح، أن أترك رفع اليدين قبل الركوع وبعد الركوع؛ فهل أطيعه في ذلك، أم ماذا علي فعله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن رفع اليدين قبل الركوع وبعده من السنن المؤكدة في الصلاة.
روى البخاري (735) ومسلم (390) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ.
وروى البخاري في جزء "رفع اليدين" (ص 8) عن الحسن قال: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أيديهم المراوح يرفعونها إذا ركعوا وإذا رفعوا رؤوسهم ".
وعن حميد بن هلال قال: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا كأن أيديهم حيال آذانهم المراوح ".
قال البخاري: " فلم يستثن الحسن وحميد بن هلال أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون أحد " انتهى.
وقد ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ إِلَى أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ، فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ كَفِعْلِهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ، لِتَضَافُرِ الأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الأَْوْزَاعِيُّ وَعُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ.
"الموسوعة الفقهية" (23 / 130)
وإذا كان الأصل في حق المسلم أن يحافظ على هذه السنة الراتبة في أفعال الصلاة، فيرفع يديه في هذه المواضع دائما، كالذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإن تعارض إشكالية الوالد مع ذلك يوجب بعض التأني في الأمر؛ وذلك أن بر الوالد، وطاعته ـ في غير معصية ـ واجبة، فينبغي تأليف قلبه، واستصلاح نفسه، والتلطف في تعليمه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذلك، إن كان جاهلا به، والنقاش العلمي الهادئ معه في ذلك، إن كان عنده إلمام بالمسألة.
وإلى أن يسكت الوالد عنك، إما باقتناع منه، وتوفيق من الله له بمعرفة السنة، واتباعها، فالذي ننصحك به ألا تغضب والدك، وألا توصل الأمر بينكما إلى نوع من التحدي والمكابرة والشقاق، بل عليك بالرفق معه، واللين في تعليمه ودعوته، ولو اقتضى الأمر منك ترك هذه السنة في بعض الأوقات التي تصلي فيها في حضور والدك؛ فتترك الرفع أحيانا، تأليفا لقلبه، واستصلاحا لنفسه، ويرجى لمن ترك المستحب بهذا القصد، أن يثيبه الله تعالى على ما ترك.
قَالَ الإمَامُ أَحْمَدُ ـ فِي رِوَايَةِ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ـ فِي غُلَامٍ يَصُومُ وَأَبَوَاهُ يَنْهَيَانِهِ عَنْ الصَّوْمِ التَّطَوُّعِ:
" مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَصُومَ إذَا نَهَيَاهُ، لَا أُحِبُّ أَنْ يَنْهَاهُ يَعْنِي عَنْ التَّطَوُّعِ ".
وَقَالَ ـ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ ـ فِي رَجُلٍ يَصُومُ التَّطَوُّعَ، فَسَأَلَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ يُفْطِرَ. قَالَ:
" يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: يُفْطِرُ وَلَهُ أَجْرُ الْبِرِّ وَأَجْرُ الصَّوْمِ إذَا أَفْطَرَ".
وَقَالَ ـ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى ـ:
إذَا أَمَرَهُ أَبَوَاهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ؟
قَالَ:
" يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي ". انتهى.
"الآداب الشرعية" (2/ 37) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه، فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف: كان قد أحسن ... " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (22/268) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز ترك الجهر بالتأمين في الصلاة، وعدم رفع اليدين؟
فأجاب:
" نعم، إذا كان بين أناس لا يرفعون، ولا يجهرون بالتأمين: فالأولى أن لا يفعل؛ تأليفاً لقلوبهم، حتى يدعوهم إلى الخير، وحتى يعلمهم، ويرشدهم، وحتى يتمكن من الإصلاح بينهم، فإنه متى خالفهم استنكروا هذا؛ لأنهم يرون أن هذا هو الدين، يرون أن عدم رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام، يرون أنه هو الدين، وعاشوا عليه مع علمائهم، وهكذا عدم الجهر بالتأمين، وهو خلاف مشهور بين أهل العلم، منهم من قال يجهر، ومنهم من قال: لا يجهر بالتأمين، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع صوته، وفي بعضها أنه خفض صوته، وإن كان الصواب أنه يستحب الجهر بالتأمين، وهو شيء مستحب، ويكون ترك أمراً مستحبّاً، فلا يفعل مؤمن مستحبّاً يفضي إلى انشقاق، وخلاف، وفتنة، بل يترك المؤمن المستحب، والداعي إلى الله عز وجل، إذا كان يترتب على تركه مصالح أعظم، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم، قال: (لأن قريشا حديثو عهد بكفر) ، ولهذا تركها على حالها، ولم يغير عليه الصلاة والسلام للمصلحة العامة " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (29 / 274، 275) .
والخلاصة:
أن الواجب عليك أن تسعى في استصلاح نفسك أبيك، والرفق به، ولو أدى ذلك إلى ترك رفع اليدين في الصلاة، أو نحو ذلك من ترك بعض المستحبات، خاصة ما اختلف أهل العلم في استحبابه وعدمه، فلا بأس بذلك، وبإمكانه أن يحصل شيئا مما فاته، برفع اليدين، وفعل المستحب، حيث لا يراه الوالد.
والله أعلم
راجع إجابة السؤال رقم: (12199) ، (111223) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1340)
والدتها تسرق من مراكز التسويق، ولا تدري ماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أدري ماذا أقول لكن أمي زارتني هذا الصيف وأثناء التسوق معها في مراكز التسوق فوجئت بأنها تسرق أشياء صغيرة ونحن من أسرة متدينة ولا أدري ماذا أفعل وأريد أن أمنعها لكبر سنها وخشيتي عليها أن تموت وهي في هذه الحالة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه محنة، ليس لها إلا الاستعانة بالله تعالى، ثم الرشد في التصرف، والحكمة في النصح.
وقد يبتلى بعض الناس بمثل ذلك، بسبب ضعف الإيمان.
وانظري: لعل الوالدة غفلت، أو نسيت، أو غلبها غالب لكبر السن.
فإن لم يكن شيء من ذلك وتأكدت أنها ـ فعلاً ـ تسرق من مراكز التسوق، فننصحك باتباع ما يلي:
- العمل على تقوية إيمانها، بالحرص على الصلاة، وقراءة القرآن واستماعه، وذكر الله تعالى ... وغير ذلك من الطاعات.
- تذكيرها بالله بالتخويف والترهيب، ثم بالترغيب فيما عند الله من المثوبة لمن اتقاه.
- تذكيرها دائما بأن الدنيا دار زوال وهوان، ولا تغني من عذاب الله من شيء.
ويكون ذلك بصورة غير مرتبطة بفعلها هذا؛ حتى تتمكن خشية الله منها، فتنتهي عن ذلك.
فيكون التخويف بالله تارة عاما، وتارة خاصا بالواقعة.
- بيان خطورة أكل حقوق العباد، وأن المظلوم يأخذ من حسنات مَنْ ظَلَمه يوم القيامة، حتى قد تفنى حسنات الظالم.
- تنبيهها إلى ضرورة مراعاة سمعة أولادها وأحفادها ومن يهمها أمرهم، وكيف أن هذا العمل المشين يعود بالبلاء ليس عليها فقط، بل على من تحب.
- تخويفها بما قد يعود به هذا الفعل عليها عند انكشاف أمرها من والفضيحة والسمعة السيئة.
- العمل على التقلل من خروجها لتلك الأسواق والمحلات.
- السعي لتحقيق كافة ما تريده وتطلبه قدر المستطاع، حتى لا تحتاج إلى شيء قد لا يتيسر لها تحصيله إلا بهذه الفعلة المذمومة.
- انتهاز الفرصة إذا ما تم القبض على أحد اللصوص وانكشاف أمره وإطلاعها على هذا الخبر، لعل ذلك يكون رادعاً لها عن هذه المعصية.
ونسأل الله تعالى لها الهداية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1341)
حكم تقبيل قدمي الوالدين ومن في منزلتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني مشوَّش حيال لمس قدم أشخاص آخرين، أو تقبيلها، فقد قرأت في مدونة بأن " طاهر القدري " قد أظهر أدلة من الأحاديث بأنه من الجائز لمس قدم الآخرين، أو تقبيلها، وأن البخاري كانت له رؤى حيال هذا الأمر، وقد كتب كتباً في صحة هذا الأمر، وأن طاهر القدري قد دعم رؤيته بأحاديث موضوعة، أو ضعيفة، فماذا يجب أن يكون موقفنا حيال طاهر القدري؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أشهر ما يُستدل به على تقبيل الرِِّجْلين: حديثان، وحادثة، أما الحديث الأول: ففيه تقبيل يهودييْن لرجلَي النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني: فيه تقبيل وفد عبد القيس لرجل النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الحادثة: ففيها تقبيل الإمام مسلم لرجليْ الإمام البخاري، رحمهما الله، ونحن نذكر تفصيل ذلك، وكلام العلماء حولها.
الحديث الأول:
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ، فَقَالَ صَاحِبُهُ: لَا تَقُلْ نَبِيٌّ، إِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَقَالَ لَهُمْ: (لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلَا تُوَلُّوا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً الْيَهُودَ أَنْ لَا تَعْتَدُوا فِي السَّبْتِ) قَالَ: فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ، فَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي؟ قَالُوا: إِنَّ دَاوُدَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ) .
رواه الترمذي (2733) ، والنسائي (4078) ، وابن ماجه (3705) ، وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي"، وصححه كثيرون، كالحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (5/240) ، وابن الملقن في "البدر المنير" (9/48) ، والنووي في "المجموع" (4/640) ، و"رياض الصالحين" (حديث 889) .
قال ابن كثير رحمه الله:
وهو حديث مشكل، وعبد الله بن سلِمة في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات، فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون.
"تفسير ابن كثير" (5/125) .
وقال الزيلعي رحمه الله:
والحديث فيه إشكالان:
أحدهما: أنهم سألوا عن تسعة، وأجاب في الحديث بعشرة، وهذا لا يرِد على رواية أبي نعيم والطبراني؛ لأنهما لم يذكرا فيه "السحر"، ولا على رواية أحمد أيضاً؛ لأنه لم يذكر "القذف" مرة، وشك في أخرى، فيبقى المعنى في رواية غيرهم: أي: "خذوا ما سألتموني عنه وأزيدكم ما يختص بكم لتعلموا وقوفي على ما يشتمل عليه كتابكم".
الإشكال الثاني: أن هذه وصايا في التوراة، ليس فيها حجج على فرعون وقومه، فأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون؟! وما جاء هذا إلا من عبد الله بن سلمة؛ فإن في حفظه شيئًا، وتكلموا فيه، وأن له مناكير، ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات، فاشتبه عليه بالتسع الآيات، فوهِم في ذلك، والله أعلم.
"تخريج الكشاف" (2/293) .
والحديث: بوَّب عليه الترمذي بقوله: " باب ما جاء في قبلة اليد والرِّجل ".
قال ابن بطَّال رحمه الله:
قال الأبهرى: وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر، والتعظيم لمن فُعِلَ ذلك به، وأما إذا قبَّل إنسانٌ يدَ إنسانٍ، أو وجهه، أو شيئًا من بدنه – ما لم يكن عورة - على وجه القربة إلى الله، لدينه، أو لعلمه، أو لشرفه: فإن ذلك جائز.
"شرح صحيح البخارى" (9/46) .
وقال المباركفوري رحمه الله:
والحديث يدل على جواز تقبيل اليد والرِّجْل.
"تحفة الأحوذي" (7/437) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
الحاصل: أن هذين الرجلين قبَّلا يدَ النبي صلى الله عليه وسلم، ورِجْله، فأقرهما على ذلك، وفي هذا: جواز تقبيل اليد، والرِّجْل، للإنسان الكبير الشرَف والعلم، كذلك تقبيل اليد، والرِّجْل، من الأب، والأم، وما أشبه ذلك؛ لأن لهما حقّاً، وهذا من التواضع.
"شرح رياض الصالحين" (4/451) .
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله:
أبي - أحياناً - يأمرني بتقبيل رِجله مازحاً؟ .
فأجاب:
لا مانع مِن أن تقبلها.
"شرح سنن أبي داود" (29/342) .
الحديث الثاني:
عن أُمّ أَبَانَ بِنْتِ الْوَازِعِ بْنِ زَارِعٍ عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ - وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ - قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرِجْلَهُ.
رواه أبو داود (5227) ، وجوَّد الحافظ ابن حجر إسناده في "فتح الباري" (11/57) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح أبي داود" وقال: "حسنٌ، دون ذِكر الرِّجْلين".
والحديث بوَّب عليه أبو داود بقوله: "بَاب فِي قُبْلَةِ الرِّجْلِ".
أما الحادثة:
فهي حوار حصل بين الإمامين البخاري ومسلم، وقد اشتهر أن الإمام مسلماً قبَّل رجليْ البخاري، وأثنى عليه بعلمه، والصحيح: أنه ليس في القصة إلا تقبيل ما بين عيني الإمام البخاري، وأن مسلماً طلب من البخاري أن يقبِّل رجليه، وليس في القصة أنه فعل ذلك.
ففي "تاريخ بغداد" (13/102) عن أحمد بن حمدون القصار قال: سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبَّل بين عينيه، وقال: دعني حتى أقبِّل رجليك، يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله.
وفي "تاريخ دمشق" (52/68) :
فقبَّل بين عينيه، فقال: دعني حتى أقبِّل رجليك، يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث. انتهى.
وللفائدة: فقد ضعَّف الحافظ العراقي رحمه الله هذه القصَّة، وردَّ عليه تلميذه الحافظ ابن حجر بأنها ثابتة وصحيحة.
قال الحافظ العراقي رحمه الله:
والغالب على الظن: عدم صحتها، وأنا أتهم بها " أحمد بن حمدون القصار " راويها عن مسلم؛ فقد تُكلم فيه.
"التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح" (ص 118) .
ورد الحافظ ابن حجر على العراقي فقال:
الحكاية صحيحة، قد رواها غير الحاكم على الصحة، من غير نكارة، وكذا رواها البيهقي عن الحاكم على الصواب، كما سنوضحه؛ لأن المنكَر منها إنما هو قوله: "إن البخاري قال: لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد المعلول"، والواقع: أن في الباب عدة أحاديث لا يخفى مثلها على البخاري ".
والحق أن البخاري لم يعبِّر بهذه العبارة، وقد رأيت أن أسوق لفظ الحكاية من الطريق التي ذكرها الحاكم وضعفها الشيخ، ثم أسوقها من الطريق الأخرى الصحيحة التي لا مطعن فيها، ولا نكارة، ثم أبيِّن حال الحديث، ومن أعلَّه، أو صححه لتتم الفائدة ... .
"النكت على كتاب ابن الصلاح" (2/715، 716) .
ثانياً:
حيث نقول بجواز تقبيل الرجلين: فإنه لا بدَّ من ضوابط لهذا الجواز، ومنها:
1. أن يكون هذا التقبيل للوالدين، وأهل العلم.
وقد سبق النقل على الشيخين العثيمين والعبَّاد ما يؤيد ذلك.
2. أن يكون التقبيل قربة إلى الله، لا لدنيا يصيبها، ولا مع ذل يلحقه.
قال النووي رحمه الله:
وأما تقبيل يده لِغِناه، ودنياه، وشوكته، ووجاهته عند أهل الدنيا بالدنيا ونحو ذلك: فمكروه شديد الكراهة، وقال المتولي: لا يجوز، فأشار إلى تحريمه.
"المجموع شرح المهذب" (4/636) .
وقال:
وتقبيل رأسه ورِجله: كيَده.
"المجموع شرح المهذب" (4/636، 637) .
3. أن لا يُفعل هذا التقبيل مع من يحرص عليه، ومن حرص على أن يقبِّل الناس يده: لم يستحق تقبيلها، فكيف بتقبيل رجليه؟! .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وأما ابتداء مدِّ اليدِ للناس ليقبِّلوها، وقصده لذلك: فيُنهى عن ذلك، بلا نزاع، كائناً من كان، بخلاف ما إذا كان المقبِّل المبتدئ بذلك.
"المستدرك على مجموع الفتاوى" (1/29) .
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله:
الذي يُنتقد من بعض الناس: أنه إذا سلَّم عليه أحد: مَدّ يده إليه، وكأنه يقول: قَبِّل يدي! فهذا هو الذي يُستنكر، ويقال للإنسان عندئذ: لا تفعل.
"شرح رياض الصالحين" (4/452) .
4. أن لا يكون هذا التقبيل إلا نادراً، وحيث يقتضيه الفعل، لا في كل مرة يلقاه فيها.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله:
أما مَن يقبِّل يدك تكريماً، وتعظيماً، أو رأسك، أو جبهتك: فهذا لا بأس به، إلا أن هذا لا يكون في كل مرة يلقاك؛ لأنه سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك إذا لاقى الرجل أخاه أينحني له؟ قال: (لا) قال: أيقبله ويعانقه؟ قال: (لا) ، قال: أيصافحه؟ قال: (نعم) .
لكن إذا كان لسبب: فلا بأس للغائب ... .
"شرح رياض الصالحين" (4/452) .
وانظر جواب السؤال رقم: (20243) .
ثالثاً:
أما بخصوص " طاهر القدري ": فليس عندنا معلومات وافية عنه، وبكل حال: فمن استدل بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة فإنها لا تقبل منه، وقد أغنانا الله تعالى بما ثبت في صحيح السنَّة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1342)
يمر بأزمة مالية، ويقيم في بلاد غربية مع والديه، ومحرج من طلب رجوعهما لبلدهما
[السُّؤَالُ]
ـ[يعيش كلٌّ من والداي وإخوتي البنات في بيتهم في الجزائر، وأعيش في لندن، وقد قمت مؤخراً بامتلاك بيت جديد، وجاء كل من أبواي وإخوتي ليسكنوا معي منذ ذلك الحين، وقد تركوا البيت القديم لإخوتي الذكور – اثنين -، والآن تغيرت الظروف ووجدت نفسي في ضائقة مالية صعبة، وقد أصبحت كبيراً أيضاً. وسؤالي هو: هل يمكنني أن أسال والداي العودة إلى بيتهم القديم في الجزائر الذي ما زالوا يملكونه، والذي يسكنه أخواي وزوجتاهما وأبناؤهما؟ كما أنه ليس لدي سوى خيارين إما أن أبيع البيت، أو أن أتزوج، وأعيش فيه مع زوجتي، وهذا ليس بالأمر الهين بالنسبة لي، على أية حال فلا أستطيع العيش وأنا أشعر بالإثم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك حرصك على بر والديك، وخشيتك من الوقوع في الإثم فيما تسأل عنه من التصرف حيالهما، ونسأل الله أن يُعظم لك الأجر، وأن يوفقك لما فيه رضاه.
ثانياً:
لا شك أنه من المؤلم أن تواجه والديك بضرورة خروجهما من بيتك، ورجوعهما إلى بلدهما، مع بقائك أنت فيه، وخاصة إن كان السبب هو تزوجك، وإحضار تلك الزوجة لتحل محلهما، ونحن نقدِّر ذلك، ونشعر به، ولكن هناك خيار آخر لم تذكره، ونحن نرى أنه الخيار الموافق للشرع، والملائم لحالتك، وهو: أن تبيع بيتك في لندن، وترجع مع والديك إلى بلدكما الأصلي، وتتزوج من مسلمة تقية، وتشتري أو تستأجر بيتاً يسعك أنت ووالديك وزوجتك.
وفي هذا الحل عدة فوائد:
1. ترك بلاد الكفر التي تسكنها، والتي أسكنتَ فيها والديك.
2. عدم إيذاء والديك بإخراجهما من بيتك.
3. تزوجك من امرأة من أهل دينك، وبلدك.
4. تجميع الأسرة جميعها في مكان واحد، وعدم التسبب في تفرقها.
5. بقاء أخويك في بيت والديك، وعدم خروجهما منه.
هذا ما نرى أنه الخيار الأسلم، لك، ولأهلك جميعاً، فإن أبيتَه، وأبيت إلا البقاء في تلك الديار: فنرانا مضطرين لنصحك بالخيار الآخر، وهو أقل الشرَّيْن، وهو أن تبيع بيتك، ثم تنفق ثمنه في أمرين:
الأول: في إرجاع والديك لبلدهما، مع توسعة بيتهما ببناء يسعهما، ويكفيهما.
والثاني: في زواجك بذات دين، وإعفاف نفسك، والسكن في بيت مستأجَر، حتى يوسع الله عليك.
فإن كنت ترغب بالزواج من نصرانية: فانظر جواب السؤال رقم (2527) ففيه بيان شروط الزواج من الكتابية.
ونوصيك بالتأمل في الحكم الشرعي في بقائك في تلك الديار، فلعلك تستجيب لما نصحناك به، وأن تترك تلك البلاد لله تعالى، وأنت موعود بأن يعوضك الله خيراً منه.
فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ) رواه أحمد (22565) ، وصححه الألباني في "حجاب المرأة المسلمة" (ص 47) ، وصححه محققو مسند "أحمد بن حنبل" (23074) .
قد ذكرنا في أجوبة كثيرة مسألة الإقامة في بلاد الكفر، والمفاسد المترتبة على ذلك، والشروط الواجب توفرها في المقيم إن أقام لعذر شرعي يبيح له تلك الإقامة، فانظر أجوبة الأسئلة: (11793) و (14235) و (27211) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1343)
والده يرغب بالزواج بعد وفاة أمه فهل يؤيده مع أنه شاب يريد الزواج أيضا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت أمي منذ شهر، ولقد جاء إلى مسامعي أخبار - وهو ما لم يكن جيِّداً من ناحيتي، لكنه حدث - عن عزم والدي على الزواج، رغم أنه تجاوز الستين عاماً، رغم أنني ما زلت أنا - ولده – عزباً، في بادئ الأمر تأثرت من داخلي جدّاً بتلك الأخبار، لكني قرأت مؤخراً عدة مقالات، وتوصلت إلى أنه ليس هناك خطأ في فعل ذلك؛ حيث إن في الإسلام سعة لزواجه لأسباب عديدة، ومشكلتي هي أن والدي يريد رأيي في ذلك الأمر، فكيف يكون ردة فعلي وإخباري له برأيي الحقيقي؟ وهل يمكن أن لا أشارك في هذا الأمر؟ حيث أفهم أن التعدد مباح في الإسلام إلا أني أشعر بالحزن نحو أمي، وفضلاً على ذلك أجد من الصعوبة المشاركة في قرار زواجه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على الآباء الالتفات لحاجة أولادهم – ذكوراً وإناثاً – للزواج، وعدم التفريط في تمكينهم منه، والإعانة عليه، وإنه لمن المؤسف أن نرى اهتمام الآباء منصبّاً على توفير الطعام، والشراب، واللباس، والتعليم، ويغفلون عن حاجتهم للزواج.
لذا نوصي الآباء بأن يتنبهوا لهذا الأمر، وأن يولوه عنايتهم، ولا يستهينوا بحاجة أولادهم للزواج.
ولا ينبغي للآباء انتظار طلب الزواج من أولادهم؛ فإن هذا قد يكون محرجاً لهم، وخاصة الإناث، بل عليهم أن يبادروا هم بعرض الأمر عليهم، بل وحثهم عليه، على أن تتولى الأم ذلك مع بناتها.
وقد بينا في جواب السؤال رقم (83191) أنه يجب على الآباء أن يزوجوا أولادهم، فلينظر.
ثانياً:
كما أن الحاجة للزواج تكون من الشباب: فإنها تكون كذلك من الكبار، فليس هناك ما يمنع الآباء ولو كانوا كباراً في السن من التزوج، ولا يشترط أن تكون الحاجة للزواج من أجل الشهوة فقط، بل قد يحتاج الكبير للرعاية، والعناية، والخدمة، ما لا يقوم به إلا زوجته.
فتنبه لذلك أخي السائل، واعلم أنه ليس هناك ما يعيب والدك إن طلب التزوج، بل إن هذا مما يُمدح عليه، ولولا حاجته للتزوج لم يطلبه، وغالب الآباء يتفرق عنهم أولادهم بعد حين، وكل واحد منهم يعيش حياته مع أسرته، ويبقى ذلك الأب المسكين وحده يتجرع مرارة الوحدة، ويذوق مرَّ العزلة، مع كبر سنه، وعجزه عن خدمة نفسه بنفسه، فيحتاج في هذه السن المتقدمة إلى من يخدمه ويؤنسه، وقد أباح الله ما يرفع ذلك عنه، ويُبقي له كرامته التي تضيع في كثير من الأحيان، بتركه من غير طعام، ولا عناية، ولا أنس.
وكما يجب على الآباء تزويج أولادهم، وعدم انتظار طلبهم ذلك: فكذلك على الأولاد تزويج والديهم، وعدم انتظار طلب ذلك، وقد يكون الإحراج من الوالدين أعظم منه من الأبناء، فليكن الأبناء على دراية بهذا، وليحسبوا حسابه، وموت أحد الوالدين من مدة قريبة لا ينبغي أن يكون سبباً للمنع من التزوج، أو التهوين من شأنه، فعجلة الحياة دائرة، ولن يوقفها موت أحد.
وفي الإحالة السابقة على جواب السؤال (83191) تجد بيان وجوب تزويج الأبناء لآبائهم إن احتاجوا ذلك، فلينظر.
والذي عليك فعله مع والدك:
1. الثناء عليه وتصويب فعله في عزمه على الزواج، لأن كثيرا من الآباء يتخوفون من رفض أولادهم هذا الزواج مما يتسبب في فساد العلاقة بينهم. ولهذا السبب طلب والدك رأيك في هذا الأمر، فلابد أن تظهر له الموافقة حتى يتشجع على هذا.
2. الوصية له باختيار ذات الدين، والعقل؛ لتتناسب مع سنِّه، وحاله.
3. أن تعينَه بما تستطيع ماديّاً، ومعنويّاً.
4. أن تُخبره حاجتك للزواج دون تردد، ولا خوف، وتختار الوقت المناسب، وقد يكون من المناسب تأخير ذلك حتى يتزوج هو.
وانظر – للأهمية – جواب السؤال رقم: (102030) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1344)
تريد أن تقرض من مالها ووالداها لا يرضيان بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد عرفت منزلة المقرض عند الله , أحب أن أقوم بهذا العمل، ولكن المشكلة أن والدي لا يرضيان بذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لك أن تقرضي بغير علمهما؛ لأنهما ليس لهما أن يمنعاك من هذا الأمر الشرعي، ولكن ينبغي أن تظهري طاعتهما في ذلك حتى لا يكون بينكما شر، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) . وليس من المعروف منعك من التوسيع على إخوانك في الله وأخواتك في الله، ليس هذا من المعروف، وإذا كانا يخشيان ذهاب المال فاحتاطي وأقرضي بالرهن، وبالضمان، جمعاً بين المصالح، بين حفظ مالك وبين إرضاء والديك، وإذا كانا لا يسمحان لو بالضمان ولو بالرهن، فأقرضي سراً ولا حرج عليك في ذلك" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1461) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(7/1345)
هل للأب أن يبيع منزلا لأولاده الذكور؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شرعا للأب أن يبيع منزلا لأولاده الذكور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المنزل ملكاً للأب، ويريد أن يبيعه إلى أولاده أو إلى أحدهم فلا حرج في ذلك إذا كان بيعا حقيقيا لا يقصد منه المحاباة أو التفضيل على بقية أولاده، فإن بعض الآباء يحتال على تفضيل الذكور على الإناث بأن يبيع لهم بعض ممتلكاته بيعا صوريا، وهذا عمل محرم؛ لوجوب العدل بين الأولاد في العطية.
روى البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ [أي: أعطيت] ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَارْجِعْهُ) .
وفي رواية للبخاري (2587) : (فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ) قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.
ولمسلم (1623) : (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ) .
ولزيادة الفائدة أنظر جواب السؤال رقم (104298) و (9594) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1346)
طلق زوجته لأمور اعترفت بها ووالده يقسم عليه أن لا يرجعها
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت زوجتي لأسباب قد اعترفت بها لكنها الآن تريد أن تحلف اليمين بأنها لم تفعل ما فعلت ووالدي قد أقسم عليَّ أن لا يعيدها، ولو أعدتها لتبرأ مني، فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله إذا كانت زوجتك مرضِية الدين والخلق، أو كنت تحبها ولا تقدر على تركها، فرغبت في إرجاعها، وأبى والدك ذلك، فإنه ينبغي أن تسعى في إقناعه وإرضائه ولو عن طريق بعض أقاربك أو من يستجيب الوالد لنصحه، فإن استجاب لذلك فالحمد لله، وتلزمه كفارة يمين، وإن أصر على رأيه فلا تلزمك طاعته في ذلك، لأن الطاعة إنما تجب في المعروف، وفيما لا ضرر منه على الابن. قال في "مطالب أولي النهى" (5/320) : "ولا تجب على ابن طاعة أبويه ولو كانا عدلين في طلاق زوجته، لأنه ليس من البر" انتهى. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل متزوج وله أولاد , ووالدته تكره الزوجة، وتشير عليه بطلاقها، هل يجوز له طلاقها؟ فأجاب: "لا يحل له أن يطلقها لقول أمه , بل عليه أن يبر أمه، وليس تطليق امرأته من برها. والله أعلم" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/331) . وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن حكم طلاق الرجل لزوجته إذا طلب منه أبوه ذلك فقال: " إذا طلب الأب من ولده أن يطلق زوجته فلا يخلو من حالين: الأول: أن يبين الوالد سببا شرعيا يقتضي طلاقها وفراقها مثل أن يقول: طلِّق زوجتك؛ لأنها مريبة في أخلاقها، كأن تغازل الرجال، أو تخرج إلى مجتمعات غير نزيهة، وما أشبه ذلك. ففي هذا الحال يجيب والده ويطلقها؛ لأنه لم يقل: طلِّقها، لهوى في نفسه، ولكن حماية لفراش ابنه من أن يكون فراشه متدنسا هذا الدنس، فيطلقها. الثانية: أن يقول الوالد للولد: طلِّق زوجتك، لأن الابن يحبها فيغار الأب على محبة ولده لها، والأم أكثر غيرة، فكثير من الأمهات إذا رأت الولد يحب زوجته غارت جدا حتى تكون زوجة ابنها ضرة لها، نسأل الله العافية. ففي هذه الحالة لا يلزم الابن أن يطلق زوجته إذا أمره أبوه بطلاقها أو أمه. ولكن يداريهما ويبقي الزوجة ويتألفهما ويقنعهما بالكلام اللين حتى يقتنعا ببقائها عنده ولا سيما إذا كانت الزوجة مستقيمة في دينها وخلقها. وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذه المسألة بعينها، فجاءه رجل فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي، قال له الإمام أحمد: لا تطلقها، قال: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك؟ قال: وهل أبوك مثل عمر؟ ولو احتج الأب على ابنه فقال: يا بني إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته لما أمره أبوه عمر بطلاقها، فيكون الرد مثل هذا، أي: وهل أنت مثل عمر؟ ولكن ينبغي أن يتلطف في القول فيقول: عمر رأى شيئا تقتضي المصلحة أن يأمر ولده بطلاق زوجته من أجله، فهذا هو جواب هذه المسألة التي يقع السؤال عنها كثيرا " انتهى من "الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة" (2/671) . والأمر بعدم إرجاع الزوجة، كالأمر بطلاقها، فلا تلزم فيه الطاعة، لكن عليك أن تقارن بين مفسدة القطيعة المتوقعة بينك وبين والدك، ومفسدة الانفصال عن زوجتك، وأنت أدرى بطبيعة والدك ومدى احتمال عفوه عنك، وتراجعه عن التبرؤ منك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1347)
هل للوالدين في التبني الحكم نفسه للوالدين الحقيقيين؟ وهل أبحث عن والديَّ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تبنت عائلة غير مسلمة طفلاً , وعندما كبر هذا الطفل أصبح مسلماً , فهل يجب عليه أن يعتني بهم، وأن يحسن إليهم؟ فقد ورد أن على الانسان أن يطيع أبويه حتى ولو كانا غير مسلمين، ما لم يأمراه بمعصية , فهل ينطبق هذا على التبني؟ وفي حال أن هذا الطفل لم يرَ والديه الحقيقيين , لكنه علم فيما بعد أنهما لا يزالان على قيد الحياة , فهل يجب عليه أن يبحث عنهما، وأن يعتني بهما، حتى ولو لم يعرف الوالدان من يكون هذا الولد لأنهما لم يربياه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يُطلق " التبني " في عرف الناس ويُراد به أمران:
الأول: القيام على تربيته، والعناية به، مع عدم تغيير نسبه.
والثاني: القيام على تربيته، والعناية به، مع نسبة ذلك المُتبنَّى إلى أسرة المتبنِّي، وجعله واحداً من أفرادها.
ولا شك أن الأمر الثاني هذا كان جائزاً أول الإسلام، فنُسب زيد بن حارثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فصار اسمه " زيد بن محمد "، ونُسب " سالم " لأبي حذيفة، وكان يدعى: سالم بن أبي حذيفة، ثم لما شرع الله تعالى إبطال التبني، وأمر بأن يُدعى كل واحدٍ لأبيه من النسب، ومن لا يُعرف له أب: فيقال: فلان أخو فلان، أو: فلان مولى فلان: استجاب الناس لأمر الله تعالى، فنُسب زيد إلى أبيه " حارثة "، ودُعي سالم بـ " سالم مولى أبي حذيفة ".
قال تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/ 5.
والنسب يتبعه كثير من الأحكام، كالرضاع، والحضانة، والولاية، والنفقة، والميراث، والقصاص، وحد السرقة، والقذف، والشهادة، وغيرها.
وأما الأمر الأول، وهو العناية بطفل، يتيم أو فقير، وتربيته كتربية المرء لولده، من غير تغيير نسبه الحقيقي: فليس بمحرّم، بل هو من أجلِّ الأعمال، وخاصة في حال كون ذلك المربَّى من الأطفال المشردين في الحروب، أو من الذين فقدوا أسرتهم جميعها في حادث، أو حرب.
وفي كلا الحالين السابقين لا تأخذ الأسرة المتبنية، أو المربية حكم أسرة الطفل الحقيقية، من حيث البر، والصلة، والطاعة؛ لأن ذلك إنما هو للوالدين في النسب.
وينظر جواب السؤال رقم (5201) لبيان الفرق بين التبنِّي، وكفالة اليتيم.
ويُنظر جواب السؤال رقم (10010) في بيان الفرق بين الحالين السابقين.
وهذا لا يعني قطع العلاقة بالكلية مع تلك الأسر الثلاث، ولا يعني تحريم زيارتهم، والسؤال عنهم، وصلتهم، وبرهم، بل إن هذا من خلق الإسلام، وهديه، وإذا كان هذا من الواجبات مع الغرباء فإنه يتحتم أكثر تجاه من له فضل عليه بتربية، وعناية، ورضاعة، ومعرفة حق مثل هذا المحسن، ومكافأته على إحسانه: مما يعرفه كل ذي فطرة سليمة، وحث عليه أدب الشرع.
قال الله عز وجل: (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ) الرحمن /60.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) .
رواه أبو داود (1762) والنسائي (2567) ، وصححه الألباني.
قال العظيم آبادي في عون المعبود:
" (وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا) : أَيْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ إِحْسَانًا قَوْلِيًّا أَوْ فِعْلِيًّا (فَكَافَئُوهُ) : مِنْ الْمُكَافَأَة أَيْ أَحْسِنُوا إِلَيْهِ مِثْل مَا أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْك} .
(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوا بِهِ) : أَيْ بِالْمَالِ،.. (فَادْعُوَا لَهُ) : أَيْ لِلْمُحْسِنِ؛ يَعْنِي: فَكَافِئُوهُ بِالدُّعَاءِ لَهُ، (حَتَّى تَرَوْا) : بِضَمِّ التَّاء أَيْ تَظُنُّوا، وَبِفَتْحِهَا أَيْ تَعْلَمُوا أَوْ تَحْسَبُوا، (أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) : أَيْ كَرِّرُوا الدُّعَاء حَتَّى تَظُنُّوا أَنْ قَدْ أَدَّيْتُمْ حَقّه. " انتهى.
وإنما الذي نقوله: إن هؤلاء، بمجرد الإحسان والتربية، لا يكونون كالآباء والأمهات، لا في الأحكام الشرعية، ولا في الحقوق والواجبات المتبادلة بينهم وبين هؤلاء الأبناء.
وقد ذكر علماء اللجنة الدائمة أمر التبني وتحريمه في الشرع المطهَّر، ثم قالوا:
تبيَّن مما تقدم: أن القضاء على التبني ليس معناه القضاء على المعاني الإنسانية، والحقوق الإسلامية، من الإخاء، والوداد، والصلات، والإحسان، وكل ما يتصل بمعاني الأمور، ويوحي بفعل المعروف.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 347) .
وقالوا – في بيان العلاقة بين بنت متبنَّاة ومتبنيها -:
التبني لا يجعلكِ بنتاً لمن تبناكِ كما كان الحال في زمن الجاهلية، إنما القصد منه الإحسان، وتربية الصغير، والقيام بمصالحه، حتى يكبر، ويرشد، ويتولى شؤون نفسه ويستقل في الحياة، فنرجو الله أن يحسن إلى من أحسن إليك، لكنه ليس أباً، ولا محرَماً لك، فيجب أن تحتجبي عنه، شأنك معه في هذا كأي أجنبي، مع مقابلة إحسانه بالإحسان، ومعروفه بالمعروف، مع الحجاب، وعدم الخلوة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 360) .
ثانياً:
سواء كان الواقع أحد الأمرين السابقين في معنى " التبني ": فإننا نرى لزاماً على ذلك الرجل البحث عن والديه؛ لما يترتب عليه من أحكام شرعية، وآثار نفسية، فلا يُدرى السبب الحقيقي لابتعادهما عنه، وقد يكونان في حالة يُرثى لها نفسيّاً وبدنيّاً، ويكون بلسم شفائهما: رؤية ولدهم، وملامسته، كما حصل مع يعقوب وابنه يوسف عليهما السلام.
والبحث عن الوالدين للقائهما، ورؤيتهما، والعناية بهما قضية فطرية، لا تحتاج إلى استدلال على جوازها – بل وجوبها – بأدلة من الكتاب والسنَّة، وحتى لو كان تخلي الوالدين عن ولدهم عن قصد: فإن ذلك لا يبيح للولد التخلي عنهما، ولا التبرؤ منهما، وقد سبق الكلام عن هذا في جواب السؤال رقم (104768) فلينظر.
ويُنظر في بر الوالدين جوابي السؤالين: (22782) و (13783) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/1348)
هل يُنكر على والده إساءته معاملة زوجته؟ وأيهما يقدَّم الأم الكافرة أم الأب المسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا رأيتُ أبي يعامل زوجته – وهي لست أمي - بصورة جارحة , فهل يجب عليَّ أن أنكر عليه هذا الفعل؟ فهو يضربها، ويؤذيها، ودائماً ما يقوم بالصراخ في وجهها , فتفكر بالطلاق لما تلاقيه من الأذى. ثم إنها – أيضاً – ليست مواطنة أمريكية، ذلك لأن أبي لم يقدم لها طلب الجنسية حتى الآن ويقول إنه لا ينوي أن يقوم بهذا , وإذا أصرَّ أبي على هذا الفعل فسوف يعرض نفسه، وزوجته، وأطفالهما للخطر؛ لأن الحكومة سوف تسأل كلاًّ منهما: " لماذا زوجتك هنا في هذه الدولة ما دامت تقيم إقامة غير قانونية وذلك لمدة أربع سنوات؟ " فهل يجوز لي أن أتكلم مع أبي، وأن أعارضة فيما يفعل، لأن لي تجربة سابقة معه، لكنه لم يستمع لي؟ . سؤال آخر: من أحق بالصحبة، أو الطاعة: أمي الكافرة، أم أبي المسلم؟ لأنهما مطلَّقان، وهناك الكثير من الخلافات، والنزاعات فيما بينهما، فهل أبقى مع أمي الكافرة التي تعيش وحدها , أم أعيش مع والدي المسلم الذي هو الآن يعيش مع أسرته الجديدة؟ وهل علي أن أطيع أمي في الأمور الدنيوية، فقط لأنها أمي أو عليَّ أن أطيع أبي؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما يفعله والدك مع زوجته لا شك أنه منكر في الأفعال، وقبح في الأقوال، وإنكارك عليه واجب شرعي، ليس لك أن ترى الظلم فلا تنكره، ولا الخطأ فلا تصوبه، وكل ذلك – كما يظهر لنا – في استطاعتك فعله، فلا تتردد في الإنكار على والدك ظلمه لزوجته، وإهانته لها حتى ولو لم تكن هي أمك، فالواجب عليه أن يتقي الله تعالى فيما جعله الله تحت يده من زوجة، وأولاد.
وانظر جواب السؤال رقم (41199) لتقف على تفاصيل حكم ضرب الزوجة.
ثانياً:
نحن لا نرى للمسلم أن يقيم في ديار الكفر، فضلاً أن يتجنس بجنسيتها، والذي يفتي به علماؤنا الثقات هو عدم جواز التجنس لتحقيق مصالح دنيوية من هذه الجنسية؛ لما في استخراجها من تولِّي الكفار ظاهراً، وما يلزم بسببها من النطق ظاهراً بما لا يجوز اعتقاده ولا التزامه، كالرضا بالكفر أو بالقانون؛ ولأن استخراجها ذريعة إلى الإقامة الدائمة في بلاد الكفار، وهو أمر غير جائز.
وانظر أجوبة الأسئلة: (14235) و (6247) و (67782) و (72955) .
ثالثاً:
أوجب الله تعالى على الأولاد برَّ والديهم، والإحسان إليهم، بالقول، والعمل، ولم يجعل الله تعالى للمسلم منهما الحق في ذلك دون الكافر، بل لكليهما ذلك الحق حتى لو كانا يدعوان ولدهما للكفر، وليس فقط يعتقدانه، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) العنكبوت / 8، وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان/ 14، 15.
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: (نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ) .
رواه البخاري (2620) ومسلم (1003) .
ومعنى راغبة: أي: تطلب بر ابنتها لها.
قال الخطابي رحمه الله: " فيه أن الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه، كما توصل المسلمة.
ويستنبط منه: وجوب نفقة الأب الكافر، والأم الكافرة، وإن كان الولد مسلماً " انتهى.
فالأم تقدم على الأب، ولو كانت كافرة، وهو مسلم، لا من حيث تقديم الكفر على الإسلام، بل من حيث تقديم الأم على الأب، في البر والطاعة، وقد جعل الله تعالى للأم ثلاثة حقوق مقابل الأب، وهذا كله إذا كانت الطاعة في غير معصية.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: (أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ) .
رواه مسلم (2548) .
وهذا الأمر الذي ذكرناه لك من تقديم الأم في البر والطاعة على الأب: لا يعني أنك تختار العيش معها ضرورة، بل الواجب عليك أن تختار المكان الذي تستطيع إظهار شعائر دينك، وما تأمن فيه على دينك، ودين زوجتك وأولادك، مع ضرورة عدم اختيار بلاد الكفر؛ لما فيها من تضييع للأمانة التي استرعاك الله عليها.
فإن استوى المكانان في ذلك، فاختر العيش مع أحوجهما إلى قربك.
وانظر جواب السؤال رقم: (27105) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/1349)
والده قاطع والدته في الكلام والمعاملة فكيف يسعى في الإصلاح بينهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي قاطع والدتي عن الكلام والتعامل، حتى إنه لا يكلمها البتة، ولا يتعامل معها، ولا يرد السلام عليها، حتى إنه أيضاً ينام في غرفة مجاورة منذ ما يقارب الشهر ونصف، لغاية الآن، علماً أن والدي يبلغ من العمر قرابة 58 عاماً، وهو من المدخنين، وقد قال لنا: إنه لا يريدها، وأنا وأخي نعرف أن والدتنا لا تكذب علينا، وأنه لا يوجد سبب لتعامله معها هكذا، حتى إنه أصبح لا يأكل معنا، ولا يجلس معنا، فهل حرام عليَّ أن أقاطعه؟ وماذا عليَّ فعله لإصلاح البيت؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك حرصك على إصلاح أحوال بيتك، والسؤال عن طريقة التوفيق بين والديك، فنسأل الله تعالى أن ييسر أمر الإصلاح بينهما، وأن يكتب الأجر لك على ذلك، ونسأله تعالى أن يهدي والديك لما يحب ويرضى.
ثانياً:
لا شك أن الإصلاح بين المتخاصمِين من الأعمال الجليلة في الإسلام، حتى إن الله تعالى قد نصَّ على هذا العمل أنه من الأعمال الجليلة فقال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) النساء/ 114، كما نصَّ عليه تبارك وتعالى فيمن امتنع عنه بسبب يمين حلفه، فقال: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة/ 224، كما أنه تعالى قد أمر به في قوله (فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ) الأنفال/ 1.
وينظر في هذا جواب السؤال رقم: (65500) .
وإذا كان الأمر كذلك في الإصلاح بين المتخاصمين من الناس الأباعد: فإن الإصلاح بين الأقارب أجل وأعظم، وأكثر أجراً، وأعظم منه وأجل: الإصلاح بين الزوجين؛ لما يترتب على الإصلاح بينهما من عمار بيتهما، وحسن تربية أولادهما، ولما في القطيعة بينهما من آثار سيئة على أولادهما.
ثالثاً:
من الخطأ البيِّن أن تقطع علاقتك بوالدك، فهو عملٌ محرَّم من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يزيد في القطيعة بين والدك ووالدتك، ويفتح باباً آخر فيها، والمراد منك ومن أخيك إغلاق باب القطيعة والمخاصمة، لا فتح أبواب أخرى عليكم.
والذي ننصحك به لتفعله:
1. دعاء الله تعالى بصدق وإخلاص في أن يوفق الله بين والديك.
فالدعاء سلاح المؤمن، وعليك تحري أفضل الأوقات له، وهو ثلث الليل الآخر، واحرص على أفضل الهيئات، وهو السجود.
2. انتداب حكَمين صالحين، عاقلين، من أهل والدك، ومن أهل والدتك، ليحكم بينهما فيما فيه يختلفون، ويُرجى أن يصلح الله بين والديك إن أحسنت اختيار الحكَّام، قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) النساء/ 35.
قال الشيخ طاهر بن عاشور – رحمه الله -:
وقوله تعالى: (إن يريدا إصلاحاً) الظاهر أنّه عائد إلى الحكَمين؛ لأنّهما المسوق لهما الكلام، واقتصر على إرادة الإصلاح لأنّها التي يجب أن تكون المقصد لولاة الأمور، والحكَمين، فواجبُ الحكَمين أن ينظرا في أمر الزوجين نظراً منبعثاً عن نية الإصلاح، فإن تيسّر الإصلاح فذلك، وإلاّ صارا إلى التفريق، وقد وعدهما الله بأن يوفّق بينهما إذا نويا الإصلاح، ومعنى التوفيق بينهما: إرشادهما إلى مصادفة الحقّ، والواقعِ، فإنّ الاتّفاق أطمَن لهما في حكمهما، بخلاف الاختلاف.
" التحرير والتنوير " (5 / 47) .
3. تذكير والدك بفضل العفو، والصفح، وأثر الصلح مع والدتك على أجواء البيت، وعلى أولاده؛ فإن من شأن حسن التذكير أن يساهم في الإصلاح، وإليك ما يمكن تذكيره به:
قال تعالى: (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) البقرة/ 237.
وقال تعالى: (والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران/ 134.
قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) النور/ 22.
4. تذكيره بحرمة الهجر من غير عذر، وبحرمة ترك السلام على والدتك.
5. ولا مانع من أن تكذب على الطرفين من أجل الإصلاح، فتنقل لوالدتك حب والدك لها، ومعزتها عنده، وتنقل لوالدك شوق والدتك له، ومحبتها له، وعودة الأمور لأحسن مما كانت عليه.
عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا) .
رواه البخاري (2495) .
وانظر جواب السؤال رقم: (60316) .
وانظر لمزيد فائدة: جواب السؤال رقم: (112020) .
ونسأل الله أن يصلح حال والديك، وأن يهديهما ويوفقهما لما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1350)
كيف يتعامل مع أبيه القاسي في معاملته له ولأمه ولأشقائه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم، ومتدين، والحمد الله، ولي أب ظالم , منذ أن ولدت على هذه الدنيا ووالدي يظلمني، أنا، وأمي، وإخوتي , مستحيل أن يمر يوم واحد دون أن يختلق المشاكل لنا، ويضرب أمي فيه , حتى في العيدين , والله لا أذكر عيداً واحداً دون أن يختلق مشاكل، ومصادمات فيه , مع العلم أنه كان يتقصد فعل ذلك من دون أن نفهم السبب , كل الناس تسمع ذكر الله، وتصلي في العيد , ونحن في البيت نسمع سخطه، وسبه، وإهاناته , والله أصبح الناس يكرهون مخالطتنا منه، ومن سوء معاملته معهم , لقد تدين أموالاً كثيرة من الناس، دون أن يسددها , وما زالت الديون تتكاثر حتى الآن , وظلمه يزداد يوماً بعد يوم , تارة يتهمني بأشياء لا صلة لي بها , وتارة يغضب عليَّ بعدد الشجر، والحجر، دون أن أعرف السبب، حتى غضبه نكون جالسين في الصالة، وكل شيء عادي , وبعدها لا تراه إلا يسب، ويشتم، ويضرب، من دون سبب، عندما كنت صغيراً: كان أقاربي يعطوني العيدية , كنت أفرح بها كثيراً , لكن عندما ينتهي العيد يأتي ويأخذها مني ليفعل بها ما يريد , كرهت هذا الأب، ولطالما فكرتُ أن أخرج من البيت، وأن لا أعود إليه أبداً , لكن ما يحز بخاطري هي أمي , لا أريد أن أتركها وحيدة معه , أنا أحب أمي كثيراً، وأحاول أن أفعل أي شيء حتى ترضى , لكن هو لا أطيق حتى أن أنظر إليه , لذلك أريد أن أسأل: كيف تكون المعاملة مع هذا الوالد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
خلق الله الخلق وجعل فيهم الرحمة والعطف، وهذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، وأقوى ما تكون هذه الرحمة، وأعظم ما يكون هذا العطف: هو ما يكون من الوالدين تجاه أولادهم، فإذا رأيت من لا يتصف بهذا من عموم الخلق، أو من خصوص الآباء والأمهات: فهو منتكس الفطرة، نُزعت الرحمة من قلبه، فصارت الحجارة خيراً منه، قال تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة/ 74.
وإن أعظم ما يسبب هذه القسوة – وبخاصة من الآباء – هو: الدين، والبيئة، ولذا رأينا المشركين يقتلون أولادهم بسبب الرزق! وخشية العار! وتقرباً لآلهتهم! فأي قسوة أعظم من هذه، أن يقدم الأب ويحفر لابنته حفرة، ثم يدفنها حيَّة؟! ، قال تعالى:
(وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) الأنعام/ 137.
وللبيئة البيتية، أو المكانية تأثيرها على القلوب في قسوتها، حتى إن بعض ساكني البيئات الجافة، والمنتكسة ليحن على حيوانه الأليف، أو على دابته أكثر من حنوه على أولاده.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ) .
رواه البخاري (5652) ومسلم (2317) .
ثانياً:
مع قسوة الأب، وغلظته، بل ولو كان معهما كفر بالله تعالى: فإن الله تعالى قد أمر ببرِّه، والتلطف في معاملته، ولا يستثنى من ذلك إلا الطاعة في المعصية؛ فإنها تحرم على الأولاد أن يفعلوها.
قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/ 23.
وقال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/ 15.
ثالثاً:
كيف يقابل الأولاد قسوة والدهم؟ إن أسهل الطرق للتخلص من هذه القسوة، وسوء المعاملة – أخي السائل – هي الخروج من البيت! لكنه ليس حلاًّ؛ لأن مقتضى الرحمة بالوالد تقتضي البقاء لدعوته، والإحسان إليه، ولسبب آخر: أن أمك، وأشقاءك أحوج ما يكونون إليه مع تلك المعاملة القاسية من والدك للجميع، لذا فإننا ننصحك بما يلي:
1. الصبر.
2. الإحسان إليه، وعدم رد الإساءة بمثلها.
3. الابتعاد بالكلية عن كل ما يغضبه، ويسبب له الاحتقان، من أفعال، وأقوال منكم.
4. الحرص على هدايته، وتعليمه، ووعظه، ونصحه، بالطرق المناسبة له، كإسماعه شريطاً، أو إهدائه كتاباً، أو التنسيق مع دعاة لزيارتكم، والتعرف عليه، أو غير ذلك مما يناب حاله، وبيئتكم.
4. الدعاء له بالهداية، والتوفيق.
سئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
نحن عشرة إخوة، تتدرج أعمارنا إلى تسع عشرة سنة، ونعيش مع والدنا، ووالدتنا في مسكن واحد، ونحن - والحمد لله - متمسكون بالدين الحنيف، فنصلي فروضاً، ونوافل، ونصوم فرضاً، وتطوعاً، ولكن مشكلتنا: والدنا، الذي يسيء معاملتنا في البيت، فهي أشبه بمعاملة البهائم، إن لم تكن أسوأ! بالرغم من أننا نوقره كل التوقير، ونحترمه جل الاحترام، ونهيئ له كل وسائل الراحة والهدوء، ولكنه مع ذلك يعاملنا ووالدتنا أسوأ معاملة، فلا ينادينا إلا بأسوأ الحيوانات، ودائما يدعو علينا وينتقدنا في كثرة تمسكنا بالدين، وإلى جانب ذلك كثيراً ما يغتاب الناس، ويسعى بالنميمة بينهم، ويفعل هذه الأفعال مع صلاته وصيامه، فهو محافظ على الصلوات المفروضة في المساجد، ولكنه لم يقلع عن هذه العادة السيئة، حتى سبَّب لنا ولوالدتنا الضجر، والضيق، فقد سئمنا صبراً، وأصبحنا لا نطيق العيش معه على هذه الحالة، فما هي نصيحتكم له؟ ونحن ماذا يجب علينا نحوه؟ جزاكم الله خيراً.
أولاً:
يجب على الوالد أن يحسن إلى أولاده، ويستعمل معهم اللين في وقته، والشدة في وقتها، فلا يكون شديداً دائماً، ولا يكون ليِّناً دائماً، بل يستعمل لكل وقت ما يناسبه؛ لأنه مربٍّ، ووالد، فيجب عليه أن يستعمل مع أولاده الأصلح، دائماً، وأبداً، إذا رأى منهم الإحسان: لا يشتد عليهم، وإذا رأى منهم الإساءة: يشتد عليهم، بنسبة تردعهم عن هذه الإساءة، ويكون حكيماً مع أولاده.
هذا هو الواجب عليه، فلا يقسو عليهم بما ينفرهم، ولا يشتد عليهم من غير موجب، ومن غير مبرر، بل يحسن أخلاقه معهم؛ لأنهم أولى الناس بإحسانه، وعطفه، وحتى ينشئوا على الدين، والخلق، والعادات السليمة.
أما إذا نفرهم بقسوته، وغلظته المستمرة: فإن ذلك مدعاة لأن ينفروا منه، وأن ينشئوا نشأة سيئة، فالواجب على الأب أن يلاحظ هذا مع أولاده؛ لأنهم أمانة عنده، وهو مسئول عنهم، وكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته.
أما واجبكم نحوه: الإحسان، والصبر على ما يصدر عنه، هو والدكم، وله الحق الكبير عليكم، وأنتم أولاده، الواجب: أن تحسنوا إليه، وأن تصبروا على ما يصدر منه من قسوة؛ فإن ذلك مدعاة لأن يتراجع، وأن يعرف خطأه، والله تعالى أعلم.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 382، 383، السؤال 504) .
وانظر جوابي السؤالين: (7722) و (87802) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1351)
كيف يتصرف مع والدته التي يعلم أن لها علاقات محرمة مع أجانب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أم، منذ صغري وأنا أراها تخون والدي، ونجد أعمالاً سحرية في غرفة نومهم، الخيانة مع أشخاص متعددين، والله إني أخاف عقاب الله وأنا أكتب، ولكن طفح الكيل؛ لأنه تبقى واحد من الأنجاس لا يزال على علاقة ببيتنا، وأبي قد توفي، الله يرحمه، الآن أصغر إخواني يذهب يتنزه مع هذا الرجل وأولاده، ربما يحاول يكفر عن خطيئته، ولكني لا أحتمل وجوده، ورؤيته، ولا أستطيع أن أواجه أمي بحقيقته. المهم: نشب نزاع بيني وبين أمي حول أخي الصغير، وخروجه معهم، والآن أنا مقاطع بيت أهلي؛ من أمي، وتصرفاتها المخزية، وتعلقها بالدنيا، فهي شخصية متسلطة جدّاً، والكذب، والخداع، والمراوغة لا تكلفها أي مجهود، أو تفكير، أنا تعبت من التفكير، كما أن لدي أختا سألت أحد المشايخ، فأجابها: بأنه ليس لها ما لباقي الأمهات، ومخالفتها لا يعد عقوقاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن صحَّ ما تقول عن والدتك من إقامتها علاقات غير شرعية مع رجال أجانب: فإنها تكون قد عرَّضت نفسها لسخط الله، وعذابه، فإن كانت وقعت في الزنا: فإن وعيدها أعظم، وخاصة وأنها محصنة، وحدُّ الزانية المحصنة: الرجم بالحجارة حتى الموت، والإحصان يحصل بالدخول الشرعي على متزوجة، ولو مرة واحدة، ولذا فإن هذا حكمها سواء كان والدك على قيد الحياة، أم فعلت ذلك بعد وفاته.
وانظر جواب السؤال رقم: (8981) .
والسحر الذي رأيتَه في غرفة نومها: إن كان بفعلها، أو عن طريقها: فهي على خطر عظيم؛ لما للسحر من شر في ذاته، ومن شدةٍ في حكمه، سواء فعله الساحر بنفسه، أم قصد مسلمٌ ساحراً ليسحر له أحداً من الناس.
وانظر جواب السؤال رقم: (13654) .
لذا يجب على أمك أن تتوب توبة صادقة، وعليك أن تعينها على هذه التوبة، وتحثها عليه، وترغِّبها إن هي تابت، وترهِّبها إن هي أصرت على فعلها، ومنكراتها.
ثانياً:
فد أخطأتَ بخروجك من البيت خطأً كبيراً، بل كان الواجب عليك: البقاء في البيت لتحمي أمك، وأخاك الصغير، وأختك، من ذلك الذئب الجائع، ونعجب منك كيف فهمت أن علاقة ذلك الرجل بأخيك إنما هي لتكفير خطيئته بعلاقته المحرمة مع والدتك! فمثل هذا لا يُحسَّن به الظن، بل ينبغي أن يحترس منه بسوء الظن، ولعل الأقرب أنه يتخذه قنطرة لقضاء مأربه، وتسهيل دخوله إلى المنزل.
فنرى أنك أخطأتَ خطأً عظيماً بهجرك للبيت، وأن الواجب عليك الآن الرجوع إليه، وأن تكون حامياً له، ولأفراد أسرتك، من طمع الطامعين، وكيد الكائدين، وبقاؤك مع تحملك لتصرفات أمك خير بكثير من هجرك للبيت لتنفس عن نفسك، فاتق الله تعالى ربك، وأنت الآن صاحب مسئولية، فلا تقدِّم هوى نفسك بتخليك عن تلك المسئوليات، وكن خير حامٍ لأسرتك، فهم أحوج ما يكونون لك.
فإن أمكنك الانتقال بأسرتك عن البلد التي يعيش فيها هذا الخبيث، ويتيسر اتصاله ببيتكم فيها، فافعل، حتى وإن كان فيه قدر من التعب، أو نوع من الخسارة المادية، فهو أيسر مما أنتم فيه، وأبعد لكم عن السوء والعار، عافانا الله وإياكم.
وبخصوص ذلك الخبيث: فليس لك إلا مواجهته، وطرده من بيتكم، والطلب منه عدم زيارتكم، والقدوم إليكم، وليكن منك إقناع بذلك لأخيك، حتى يعلم أنه غير مرغوب فيه، فتُقطع رجله عن القدم إليكم، ولا ينبغي لك التهاون في هذا، وبحسب ما جاء في بياناتك أن عمرك (31) وهو عمر رجل يستطيع فرض سيطرته على بيته، فافعل ذلك ولا تتردد.
ثالثاً:
مع ما تقوله من تصرفات والدتك: فإن حقها يبقى عليك في البرِّ، والتلطف في الكلام، وهذا هو الطريق المناسب لقلبها، وهدايتها، دون القسوة، والغلظة، ونرى أن من قال لك بسقوط حقها في البر والصلة أنه أخطأ، نعم، لا تعان على معصية، لكن يبقى برُّها على أولادها.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن امرأة مزوَّجة، ولها أولاد فتعلقت بشخصٍ أقامت معه على الفجور، فلما ظهر أمرها: سعَت في مفارقة الزوج، فهل بقيَ لها حق على أولادها بعد هذا الفعل؟ وهل عليهم إثم في قطعها؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرّاً؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم؟ .
فأجاب:
الواجب على أولادها وعصبتها: أن يمنعوها من المحرمات، فإن لم تمتنع إلا بالحبس: حبسوها، وإن احتاجت إلى القيد: قيَّدوها، وما ينبغي للولد أن يضرب أمََّه، وأمَّا برُّها: فليس لهم أن يمنعوها برَّها، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء، بل يمنعوها بحسب قدرتهم، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتلٍ ولا غيره، وعليهم الإثم في ذلك.
" مجموع الفتاوى " (34 / 177، 178) .
فالمطلوب منك أخي السائل:
1. الرجوع دون تردد إلى بيت أهلك.
2. القيام على أمك وأختك وأخيك بالعناية، والرعاية، والدعوة بالحسنى.
3. طرد ذلك الرجل الخبيث من بيتكم، ومن حياتكم.
4. منع أمك من لقاء أحد من الأجانب، أو استضافتهم في بيتها، ولو أدى ذلك إلى تقييدها، وحبسها في البيت، على أن تدرس عواقب ذلك، واحتمال وقوع ضرر عليك جراء فعله.
5. لا تمتنع من برها، ويحرم عليك عقوقها، فأحسن إليها، وتلطف معها، وأخرجها من بيئتها التي تعيش بها، وعرِّفها على أهل الفضل والعفاف، واذهب بها للعمرة، لعلها تغسل ذنبها، وتستغفر ربها، وتغيِّر حياتها للأفضل.
6. داوم على دعاء الله تعالى لأسرته بالهداية، ولك بالتوفيق والإعانة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1352)
كيف يتصرف مع والده الذي يترك الصلاة ويشرب الخمر ويتناول المخدرات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم هجري لأبي لأنه لا يصلي، وإذا صلى يصلي بالبيت، ويتعاطى الحبوب، والمسكر، بالرغم من نصحي له باستمرار، ولا يقدِّر أني شاب ملتزم؟ وهل عليَّ إثم في عدم إعطائه فلوساً عندما يطلبني، لأني أعلم أنه سوف يصرفها فيما يغضب الله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يهدي والدك للحق، وفعل الصواب، وأن يخلصه من المنكرات والآثام، ونسأله تعالى أن يُعظم لك الأجر على صبرك، وتحملك، وعلى غيرتك على الشرع.
واعلم – أخي السائل – أن ما تحكيه عن والدك أمر جلل، وتركه للصلاة كفر يخرج به من الملة، وليس الأمر كذلك لو أنه صلى في البيت؛ فإن ترك صلاة الجماعة في المسجد أمر يترتب عليه الإثم العظيم، ويجعل صاحبه تحت الوعيد.
ولا يشك مسلم في حرمة الخمر، وسوء أثرها على البدن، والعقل، وخطر آثارها على البيت والمجتمع، والأمر أشد – حكماً، وأثراً – إذا كان يتناول معها الحبوب المخدرة، كما ذكرت عن والدك، فقد جمع أنواع الخبائث في المسكر، هداه الله، ورده إلى طاعته.
وبسبب هذه الحال التي وصل لها والدك: فإن عليك أن تفكر مليّاً بدعوته، وهدايته، وأن تعوِّد نفسك على الصبر على ذلك، ومزيد من التحمل؛ وذلك لأسباب:
1. أنه من حق والدك عليك: أن تدعوه للاستقامة، وأن تبذل ما في وسعك لئلا يموت على تلك الحال السيئة.
2. كما أن من حق أهلك عليك: أن تنقذهم من خطر والدك، وأن تنتشلهم من براثن معاصيه ومنكراته، ولا يمكن أن يكون – غالباً – مثل هذا في بيت فيه زوجة وأولاد: إلا وينتقل من شره وسوء تصرفاته وقبح أفعاله لهم، وقد يفتن بمنكراته تلك بعض من في البيت من أهلك، فلهذا صار من حقهم عليك أن تجعل بينهم وبين الفتنة بوالدهم حاجزاً منيعاً.
واعلم – أخي السائل – أنه ليس بالهجر تُحل مثل تلك المشكلات؛ لأن مثل ذلك الهجر الذي تذكره في سؤالك هو إراحة لك، وتخلصٌ من حملٍ ثقيل، وهمٍّ وغمٍّ عظيمين عليك، وليس في الهجر مصلحة للمهجور ليرتدع، ويرعوي عن أفعاله، ومنكراته، فكن على علم بهذا، وإياك أن تفعل ما ترتاح به ليشقى أهلك بسببه.
ولو كنَّا نرى خطراً عليك بمنكرات والدك، وأنك قد تفتن بتلك المعاصي لكان للهجر لتلك البيئة التي يعيش فيها وجه من الصواب، لكن يظهر لنا من التأمل في سؤالك أنه ليس ثمة خطر عليك من منكرات والدك وأفعاله السيئة.
نعم، يمكنك ترك الإنفاق عليه، والامتناع عن إعطائه المال؛ لئلا يستعمله في شراء المحرَّمات، بل يحرم عليك بذل شيء من المال وأنت تعلم أنه يستعمله في المحرَّمات، والله تعالى أمرنا بالتعاون على البر والتقوى، ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان فقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/من الآية2، ولا شك أن إعطاء والدك من المال ما يشتري به تلك المحرمات يعد من التعاون على الإثم والعدوان، وفي الوقت نفسه لا تعاقب أهلك بترك الإنفاق عليهم، بل تعاهدهم بالنفقة، كما تتعاهدهم بالنصح، والتوجيه، والإرشاد.
وابذل ما تستطيعه من وسائل شرعية مباحة في دعوة والدك وهدايته، ومن ذلك:
1. انظر من يمكنه التأثير عليه من أقربائه، أو جيرانه، أو أصدقائه، العقلاء، الأمناء، واجعلهم يسعون معك في ثنيه عن تصرفاته المنكرة، وكف نفسه عن ارتكاب الموبقات.
2. ولك أن تفصل أهلك – والدتك وأشقاءك – عنه، فتجعلهم في بيت خاص مستقل، فلعلَّ ذلك أن يؤثر فيه، فيترك ما يغضب ربه، ويوجب له الوعيد.
3. وعليك أن تقف موقفاً شديداً من قرناء السوء الذين يحثون والدك ويشجعونه على ارتكاب تلك المنكرات، ولو كان بالشكوى عليهم، أو تهديدهم بها، مع الغلظة بالقول والفعل.
4. كما ننصحك بالتعاون مع الإخوة في " هيئة الأمر بالمعروف " في منطقتك؛ فإن لهم خبرات واسعة في هذا الباب، ولديهم طرق شتى في تخليص أصحاب المعاصي والمنكرات من أفعالهم ومعاصيهم.
5. واحرص – أنت ووالدتك وأشقاؤك – على الدعاء له بالهداية، والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى، وأن يعجل في تركه للحرام، ولا تغفلوا عن هذا السلاح العظيم؛ فإن القلوب بين يدي الله تعالى يقلبها كيف يشاء، وقد يرى الله تعالى منكم صدقاً، وإخلاصاً، في الدعاء، فيعجل بهداية والدكم، ويقر أعينكم برؤيته على أحسن حال.
والنظر إلى والدك يكون بعينين: بعين القدَر فترحمه، وتشفق عليه؛ لارتكابه للمنكرات، وبعين الشرع فتبغض أفعاله وموبقاته.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
وَاجْعَلْ لِقَلْبِكَ مُقْلَتينِ كِلاَهُمَا ... للحَقِّ في ذَا الخَلْقِ نَاظِرَتَانِ
فانظُرْ بِعينِ الحُكمِ وَارحَمهُم بِهَا ... إذْ لا تُرَدُّ مَشِيئةُ الدَّيَّانِ
وانظُرْ بِعَيْنِ الأمرِ واحْمِلْهُمْ عَلَى ... أحْكَامِهِ فَهُمَا إذاً نَظَرانِ
وَاجْعَلْ لِوجْهكَ مُقْلَتَينِ كِلاَهُما ... مِنْ خَشْيِةِ الرَّحمنِ بَاكيَتَانِ
لَوْ شَاءَ رَبُّك كُنْتَ أيضاً مِثْلَهُمْ ... فَالقَلْبُ بَيْنَ أصَابِعِ الرَّحْمَنِ
" الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية " (ص 19، 20) .
وقد سبق في موقعنا الجواب عن مشكلات تشبه مشكلة والدك، وكتبنا فيها ما يمكن أن تستفيد منه، بالإضافة لما سبق من الجواب أعلاه، فانظر أجوبة الأسئلة: (95588) و (104976) و (27281) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1353)
كيف يتصرف مع والده المختل عقليّاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والد صديقي مصاب بمرض انفصام مزمن، قام بإحضاره لمنزله للعناية به، يقوم بالدخول للحمام حافياً، ويجلب معه النجاسة للمنزل، برغم بطء حركته بسبب أدوية المرض: يقوم بملاحقة أبناء ابنه بسبب لعبهم، وخروج أصواتهم، أو بسبب المشي لغرض ما من أمامه، يتصور الحركات أنها ضده، يقوم بحلاقة وجهه بشكل مزري من حيث شكل الحلاقة، يقوم أحياناً بترك الحمام داخل المنزل ويخرج يقضي حاجته أمام الناس، وغيرها من التصرفات، يعاني من المرض منذ أكثر من 30 عاماً، أدخل مستشفى الأمراض العقلية عدة مرات، والحال كما أسلفنا، أمام هذه التصرفات وغيرها: يقوم ابنه أحيانا بالصراخ عليه لردعه عن هذه التصرفات بعد فشل رجائه بالحسنى، وأحياناً لفقد الابن أعصابه وهو يرى أبناءه الصغار مرعوبين من جدهم، ولولا إظهار الغضب من تصرفاته هذه: فإنه يزداد فيها، لم يجد في الكتب الدينية عن كيفية التعامل مع الوالدين المبتلين بهذا المرض، أفيدونا بارك الله بكم، فالابن يعيش في صراع، وفي حيرة شديدة، خوفاً من الله جل وعلا، إن كانت هذه التصرفات مرفوضة شرعيّاً، علماً بأنه لا يوجد له أخ كبير، أو والد لطلب تدخله لردعه، ليتجنب الابن مواجهته بهذه الطريقة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الذي يظهر من تصرفات والد صديقك:أنه قد سقطت عنه التكاليف الشرعية العملية، وأما الواجبات المالية: فإنها باقية لا تسقط عنه.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
عن فاقد الذاكرة، والمغمى عليه، هل تلزمهما التكاليف الشرعية؟ .
فأجاب:
إن الله سبحانه وتعالى أوجب على الإنسان العبادات إذا كان أهلاً للوجوب، بأن يكون ذا عقل يدرك به الأشياء، وأما من لا عقل له: فإنه لا تلزمه الشرائع، ولهذا لا تلزم المجنون، ولا تلزم الصغير الذي لم يميِّز، بل ولا الذي لم يبلغ أيضاً، وهذا من رحمة الله تعالى، ومثله أيضاً: المعتوه الذي أصيب بعقله على وجه لم يبلغ حدَّ الجنون، ومثله: الكبير الذي بلغ فقدان الذاكرة، فإنه لا يجب عليه صلاة، ولا صوم؛ لأنه فاقد الذاكرة، وهو بمنزلة الصبي الذي لا يميز، فتسقط عنه التكاليف، فلا يلزم بها.
وأما الواجبات المالية: فإنها تجب في ماله، ولو كان فاقد الذاكرة.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (12 / جواب السؤال رقم 4) ، (19 / جواب السؤال رقم 40) .
ثانياً:
وأما بخصوص ما يفعله: فإنه يجب على أهل بيته منعه من الإفساد، والإتلاف، وكل ما يضر أو يؤذي من الأفعال، والأقوال، وليُسلك في ذلك أفضل السبل لمنعه وكفه عن أفعاله المضرة، والمؤذية، ولو كان ذلك بالصراخ عليه؛ لأنه والحالة كما وُصف ليس عاقلاً حتى يكون هذا من العقوق له، فهو لا يُدرك ما يفعل، ولا ما يُفعل معه، وبما أن صراخ ولده عليه نافع في كف أذاه: فلا بأس في فعله، إن شاء الله، ولوددنا أن لو كان ذلك بغير هذه الطريقة، فليحرص ابنه على التلطف مع والده في ابتداء الأمر، فإن عجز: فلا بأس من استعمال الشدة والغلظة، دون إيقاع ضرر عليه.
وإن كان من الخير له الذهاب به لمستشفى متخصص يقوم على رعايته والعناية به: فلا ينبغي التقصير في هذا الجانب، وهو خير من بقائه في بيت ابنه، يؤذي نفسه، ويؤذي أحفاده، والناس عموماً.
وليحرص ذلك الابن ومن يعقل من أهله على الدعاء له، وليحرصوا على علاجه بالرقية الشرعية، فقد ييسر الله تعالى له الشفاء من دائه ذاك بسبب ذلك الدعاء، وتلك الرقية.
وعليكم بمراقبة تصرفاته خشية تنجيسه الفراش أو الثياب، وإذا فعل ذلك: فعليكم المبادرة بغسله وتنظيفه، ولا تؤخروا ذلك؛ خشية نسيان موضع النجاسة، وعليكم بالتلطف معه؛ لأنه لا يدري ما يفعل، وقد رُفع عنه القلم.
ونسأل الله تعالى أن يشفيه، ويعافيه، وأن يكتب أجر بره لابنه، ومن يعتني به من أهله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1354)
هل يلزمه طاعة والدته في إخراج زوجته للعمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من العقوق مخالفة الوالدة؟ حيث إنها ترغب بشدة في أن تعمل زوجتي، وأنا أرغب في أن تبقى زوجتي في البيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للمرأة أن تعمل خارج البيت إذا انضبط عملها بالضوابط الشرعية، والأولى بقاؤها في بيتها، إلا أن تحتاج للعمل؛ لقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الأحزاب/ 33، وهذا الخطاب وإن كان موجها إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نساء المؤمنين تبع لهن في ذلك، وإنما وجه الخطاب إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لشرفهن ومنزلتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهن القدوة لنساء المؤمنين، ولهذا جاءت في الآية أوامر لجميع النساء (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) النساء/33.
ودل على ذلك أيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها) رواه ابن حبان وابن خزيمة وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (2688) .
وقوله صلى الله عليه وسلم في شأن صلاة النساء في المساجد: (وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) رواه أبو داود (567) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وينظر جواب السؤال رقم (22397) .
ثانيا:
لا يلزمك طاعة والدتك في إخراج زوجتك للعمل؛ لأن الطاعة إنما تجب في المعروف، وخروج المرأة إلى العمل لا يخلو ـ في الغالب ـ من مفسدة لها، أو تضييع حق زوجها وأولادها، ولا يظهر أن فيه منفعة لوالدتك أيضا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات" ص 114: " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين ... وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر عليه، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا " انتهى.
فإذا أمر الوالدان أو أحدهما ولدهما بشيء لا منفعة لهما فيه فلا يجب عليه طاعتهما.
وعليك أن تحسن لوالدتك، وتبين لها عدم حاجتك لعمل زوجتك، وما في لزوم البيت من مصالح ومنافع.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1355)
اشترك مع أبيه في شراء منزل، فهل للأب أن يسكن الأخ الأصغر فيه بدون إذنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الأكبر ووالدي استهما على شراء منزل وكان لأخي النصيب الأكبر من هذا المنزل، واشتريا هذا المنزل بغاية أن يكون منزلاً لوالدي ووالدتي وأخي الأصغر الذي عمره الآن 30 عاماً، والآن يريد والدي أن يزوج أخي الأصغر ويسكنه وزوجته في نفس المنزل، هنا اعترض أخي الأكبر على ذلك وطالب أبي بأن عليه أولاً طلب إذنه بإسكان أخي الأصغر وزوجته في هذا المنزل، بينما أبي لا يرى أي حق لأخي الكبير في هذا الطلب على اعتبار قول النبي عليه الصلاة والسلام: (أنت ومالك لأبيك) ، وأن العائلة تساند بعضها، وأن أخي الأصغر سيكن معهم أيضاً لأجل رعايتهم (والدي 77 عاماً ووالدتي 71 عاماً) ، وليس عند أخي الأصغر سعة من المال ليسكن وحده، وعلى أثر هذه المشكلة لا يريد أبي أن يكلم أخي الأكبر والذي بدوره لا يريد ذلك أيضاً حتى يقر والدي بأن له الحق في طلبه. مع العلم أن أخي الأكبر له منزل غير هذا المنزل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما قام به أخوك من مشاركة والده في شراء منزل يسكن فيه والداه، عمل صالح، يرجى له به الأجر والثواب عند الله، وهو يحتمل أمرين:
الأول: أن يكون فعل ذلك على سبيل الهبة والتبرع لوالده، فيكون البيت حينئذ ملكاً للوالد يتصرف فيه كما يشاء، وله أن يسكن أحد أبنائه فيه إذا كان محتاجاً لذلك.
الثاني: أن يكون فعل ذلك محتفظاً بنصيبه – أي: لم يهبه ولم يتبرع به لوالده -، فيبقى ملكاً له، لا يجوز لأحد أن يتصرف فيه إلا بإذنه، باستثناء ما للوالد من حق في ذلك كما سيأتي.
ثانياً:
للأب أن يأخذ من مال ولده ما يحتاج إليه؛ لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) رواه ابن ماجه (2291) ، وابن حبان في صحيحه (2 / 142) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وروى الإمام أحمد في مسنده برقم (6863) عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، قَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ، إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوهُ هَنِيئًا) .
وله طرق وشواهد يصح بها.
انظر: " فتح الباري " (5 / 211) ، و " نصب الراية " (3 / 337) .
ولكن هذا الأخذ مقيد بشروط بَيَّنها أهل العلم:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر.
الثالث: أن يكون الأب محتاجاً للمال، فلا يجوز له أن يأخذ ما لا يحتاجه عند جمهور الفقهاء؛ لما روى الحاكم (2 / 284) ، والبيهقي (7 / 480) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولادكم هبة الله لكم (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها) . والحديث صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2564) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولأبٍ أن يأخذ من مال ولده ما شاء , ويتملكه , مع حاجة الأب إلى ما يأخذه , ومع عدمها , صغيراً كان الولد أو كبيراً , بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر. نص عليه أحمد؛ وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه , فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى ...
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا) متفق عليه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه) رواه الدارقطني؛ ولأن ملك الابن تام على مال نفسه , فلم يجز انتزاعه منه , كالذي تعلقت به حاجته " انتهى من "المغني" (5/395) .
وعلى هذا؛ فليس لوالدك أن يعطي شيئا من نصيب أخيك الأكبر لأخيك الأصغر، ولا أن يسكنه في البيت إلا بإذنه، وينبغي لأخيك أن يأذن بذلك ويرضى، لما في ذلك من مصلحة الوالدين، وصلة رحم أخيه وإحسانه إليه، والإذن بالسكنى ليس تمليكاً، بل هو إباحة للانتفاع، ويبقى ملك البيت مشتركاً بين الوالد والأخ الأكبر بقدر ما دفعا فيه من مال.
ثالثاً:
لا يجوز للأب أن يفاضل بين أبنائه في العطية، إلا بإذنهم، لكن إن كان أحدهم محتاجاً، جاز له أن يعطيه من باب النفقة لا العطية، كما لو احتاج أحدهم للسكن، فله أن يسكنه معه، أو يدفع له أجرة السكن.
قال ابن قدامة في "المغني" (5/388) : " فإن خصّ بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه , مثل اختصاصه بحاجة , أو زمانة , أو عمى , أو كثرة عائلة , أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل , أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه , أو بدعته , أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله , أو ينفقه فيها , فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك " انتهى.
وعليه؛ فلا حرج على والدك أن يخص أخاك الأصغر بأجرة السكن، أو بإسكانه معه في ملكه الخاص، ما دام لا يستطيع توفير السكن المناسب له، أو في ملكه المشترك بإذن أخيه الأكبر.
وينبغي أن تسعوا للتوفيق بين الوالد وأخيكم، ودعوتهما لما فيه الإحسان والبر والصلة.
ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1356)
أمه كافرة وتكره لحيته ونقاب زوجته وتريد مطلق التصرف بابنه!
[السُّؤَالُ]
ـ[أم زوجي كافرة وتعيش في بلد كفار، وأنا منتقبة وزوجي ملتحي، ولدينا ولد عمره سنة ونصف، ولا توافق على هذا الالتزام وتريدني أن أترك النقاب وأنا لا أوافق طبعاً، وهي تريد أن نسمح لها بأن تأخذ له صوراً، وتسمعه الموسيقى عن طريق اللعب، ولكننا نعارضها كثيراً. وأيضا تريد أن تذهب بالولد لكي يراه أصدقاؤها بدوني؛ لأنها ترفض أن تنزل معي أمام الناس، قلت لها أن تأتي بأصدقائها إلى بيتي، ولكنها تريد جدّاً أن تخرج معه وحدها، وأنا لا أوافق لما يمكن أن يحدث من أضرار، ولأنني لا أعلم ـ أيضاً ـ لماذا إصرارها على الخروج معه وحدها. هي الآن لا تريد أن تراني أنا وزوجي وابني، فماذا أفعل؟ ، غير أني في أوقات كثيرة أتكلم معها بطريقة ليست جيدة، وأنا أعلم أن هذا ليس من الدين، وأريد أن أعرف كيف أتصرف معها في هذه المواقف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لتعلمي أن الإسلام يأمر بحسن الخلق، والمعاملة الحسنة، حتى مع الكفار غير المحاربين، لكن هذا لا يعني – أبداً – التنازل عن الدِّين، والتفريط في الواجبات الشرعية التي أوجب الله تعالى علينا فعلها، أو فعل المحرمات التي نهانا الله تعالى عن إتيانها، من أجل كائن من كان من الأقارب، فضلاً عن الأباعد.
فتحسين خلقك مع أم زوجك، وتغيير معاملتك معها للأحسن: هما أمران محبوبان للشرع، وأنتِ تؤجرين عليهما، وخاصة إن احتسبتِ ذلك من أجل دخولها في الإسلام.
وفي الوقت نفسه: عليك الاهتمام بابنك، وتربيته التربية الإسلامية الصحيحة، وعدم التفريط في ذلك، فإن رغبت أم زوجك بشيء لا يتعارض مع هذا – كالخروج به للتفسح واللعب المباح -: فلا بأس من تمكينها منه، مع الانتباه والمتابعة لسلوكها معه، وإن أرادت فعل شيء يتعارض مع اهتمامك به، وتربيتك له – كإسماعه الموسيقى المحرَّمة -: فلا تمكنيها منه، وليس ذلك لأنها كافرة، بل يكون هذا الحكم سارياً حتى لو كانت مسلمة، ونرى – بسبب صغر سنِّه – عدم التشدد منكم في أمركم هذا؛ فإن السن التي هو فيها ـ سنة ونصف ـ مبكر جداً بالنسبة لما يمكن أن يكتسبه منها من العادات أو الأخلاق، أو أمور الدين؛ لا سيما وهي لن تمكن من الانفراد به لفترات طويلة، وإنما مجرد خروج معها، أو جلوس وقت معين، وهذا كله ـ فيما يبدو لنا ـ ليس كافياً لأن تؤثر فيه تأثيراً سلبياً، في هذه السن الصغيرة، إن كان من مقصودها شيء من ذلك.
ولعلَّ تعلقها به أن يكون طريقها للهداية، وسبباً في ترك ما هي فيه من غواية، فالحرص منكما مطلوب، لكن من غير وسوسة، ولا تشدد، وإن رأيتم تعلقها به قويّاً فلعل أن يكون اهتمامها بصحته وسلامته مثل - أو أكثر من - اهتمامك أنتِ ووالده.
ثانياً:
أما بخصوص بغضها لنقابك، ولحية زوجك: فهذا غير مستغرب من الكفار، وإذا كنا نرى ذلك في بعض المنتسبين للإسلام: فليس بغريب أن يبدو ذلك من كافر، فاستمرا على ما أنتما عليه من التزام واستقامة، ولا تلتفتا لرضاها على حساب معصية الله تعالى، وفي الوقت نفسه: ابذلي ـ أنت وأبوه ـ جهودكما في دعوتها، عن طريق التحبب لها بالهدايا، وخدمتها، والنفقة عليها، واستثمار حبها لابنكما حتى تصلا إلى بغيتكما في أن تعلن إسلامها، وليس ذلك على الله بعزيز.
ثالثاً:
ما يجب على زوجك من بر أمه، والإحسان إليها: لا يجب عليك مثله بالنسبة إليها؛ للفرق بينكما، فهي والدته، ولها عليه حق الإحسان إليها، ومصاحبتها بالمعروف، حتى لو كانت كافرة، وحتى لو دعته لمعصية، بل للكفر! فلا يستجيب لها فيما تأمره به مما يخالف شرع الله تعالى، ولا يغلظ لها القول، ولا يخشن لها المعاملة.
قال علماء اللجنة الدائمة:
على تقدير الإساءة من الوالد لولده: فإنه لا يجوز للولد المقابلة بالسيئة، بل يقابلها بالحسنة؛ عملا بقول الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/ 34، والوالدان أولى بالإحسان من غيرهما؛ ولقول الله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء/ 23.
- طاعة الوالدين في المعروف واجبة على ولديهما، ما لم يأمرا بمعصية، فإذا أمرا بمعصية: (فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ؛ لقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) العنكبوت/ 8؛ وقوله سبحانه: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان/ 15، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) رواه الإمام أحمد..
فإذا أمر الوالدان ولدهما بفعل معصية، من شرك بالله عز وجل، أو شرب خمر، أو سفور، أو تشبه بالكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، ونحو ذلك من المعاصي، أو أمر الوالدان ولدهما بترك فرض من الصلوات الخمس المفروضة، أو عدم أدائها من البنين في المساجد، ونحو ذلك مما أوجبه اله على عباده: فإنه لا يجوز للولد طاعتهما في شيء من ذلك، ويبقى للوالدين على الولد حق الصحبة بالمعروف والبر، من غير طاعة في معصية أو في ترك واجب.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 131 - 135) باختصار.
ولمزيد فائدة في الموضوع: نرجو منكما النظر في أجوبة الأسئلة: (103977) و (27105) و (5053) و (6401) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1357)
ترفض مبيت أم زوجها في بيتها ولو ليلة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي في امرأة ترفض إقامة أم الزوج في بيت ولدها ولو لليلة واحدة؟ علما بأن: 1- الزوجة تحسن معاملة زوجها وهو يحسن معاملتها. 2- أم الزوج مريضة بالقلب والابن من باب البر بأمه يريد أن تقيم أمه معه ليلة أو ليلتين.. ولكن الزوجة ترفض ذلك. 3- قد تأتى أم الزوج مع ابنتها البكر لزيارة ولدها في بيته فيتأخر بهم الوقت ويريد الابن أن يبر أمه ويدعوها للمبيت حتى الصباح، ولكن الزوجة تظهر أنها غير راضية عن هذا الأمر فتحرج الأم وتصمم الأم على العودة لمنزلها مهما كانت الظروف مما يحرج الزوج مع أمه وأخته. 4- الزوجة تقول إنها ترحب بأهل زوجها في أي وقت ولكن زيارة فقط وتشترط على الزوج بأن لا يبيت أحد في بيتها وتقول إنها لا تأخذ حريتها في بيتها في هذه الليلة. 5- يقول الزوج إنه لا يريد إقامة دائمة للأم؛ لأنه يعلم أنه ينبغي أن يكون لزوجته مسكن خاص تشعر فيه بالاستقلال، ولكنه قد يضطر لاستضافة أمه ولو ليلة واحدة.. ولكن ذلك ترفضه الزوجة وبشدة وإذا لم يوافق الزوج أحرجته وأحرجت أهله لمنعهم من هذا الأمر. 6- الزوج لا يلزم الزوجة بأعمال منزلية زائدة بل في حالة عدم إكرام الزوجة لأهله كأن أحضرت لهم الغداء، ولا تريد تحضير العشاء؛ لكي لا يبيتوا عندها، فيقوم الزوج بتحضير الطعام وإطعام أهله دون أن يكلف امرأته ما لا تريد عمله. خلاصة الأمر: - صبر الزوج على زوجته 4 سنوات وهى مدة الزواج وحاول أن يقنعها بأنه هو صاحب البيت وله الحق في أن يقبل أو يرفض من يبيت عند في بيته دون اعتراض من الزوجة وأن هذا يهدم البيت ويشرد الأبناء - حيث إن لديهم طفلين صغيرين، ولكن الزوجة قالت بأن ذلك شرط على الزوج وإن لم يقبل فالانفصال هو الحل النهائي ومما وجده الزوج من عناد الزوجة على هذا الأمر فهو يرى أيضاً أن الانفصال قد يكون هو الحل، لعل الله أن يبدله زوجة تعينه على بره بأهله. ما هو الرأي الشرعي في هذا الأمر؟ وهل تأثم الزوجة على ما تفعله؟ وهل يأثم الزوج إذا طلقها لإصرارها على هذا الأمر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لكل من الزوجين حقوق على الآخر يلزمه الوفاء بها، وقد سبق بيان هذه الحقوق في جواب السؤال رقم (10680) .
ومن حقوق الزوجة: المسكن الخاص الذي تستقر فيه، ولا ينازعها فيه أحد، فلا تجبر على السكن مع والدي الزوج أو أحدهما، أو مع ضرتها، ويفرض لها المسكن الذي يناسبها ويناسب حال زوجها ومقدرته، كما قال تعالى: (أَسْكنوهنَّ من حيثُ سكنتم مِن وُجْدِكُمْ) الطلاق/6.
وقد سبق بيان المسكن الذي يلزم للزوجة وما يكفي فيه، وينظر جواب السؤال رقم (7653) .
ثانيا:
من الحقوق الزوجية التي أمر الله بها: حسن العشرة من الجانبين، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19، وقال سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة / 228.
ومن العشرة بالمعروف: إكرام الزوجة أهل زوجها، وإكرام الزوج أهل زوجته، ولا شك أن هذا قد يقتضي استضافة واحد منهم يوما أو أياما، بحسب ما تقتضيه الحاجة، فقد ترغب الزوجة في مبيت أمها أو أحد محارمها في بيتها، وقد ينزل بعض أقاربها ضيوفا عليها أياما، وكذلك العكس بالنسبة للزوج، ولا ينازع في هذا أحد من الناس، ولو فرض أن الزوج رفض شيئا من ذلك عد هذا من الدناءة وعدم المروءة ومخالفة العشرة الحسنة لزوجته.
وكذلك رفض الزوجة لشيء من ذلك أمر قبيح لا يصدر من صاحبة الدين والخلق والمروءة، وفيه شيء من الإساءة الظاهرة للزوج.
وليس هذا الأمر خاصا بأهالي الزوجين، فقد يستضيف الزوج بعض إخوانه وأصحابه يوما أو أياما، فليس للزوجة أن تعارض ذلك؛ ما لم يتكرر ذلك ويسبب ضررا واضحا، وهذا يختلف باختلاف البيوت وسعتها وضيقها.
والمقصود أن استضافة الزوج لمن يبيت في بيته أمر لا غرابة فيها، ولا مانع منه شرعا ولا عرفا، بل هذا من مكارم الأخلاق، ومما تدعو إليه الحاجة غالباً.
وقد روى مسلم (2084) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ) .
ففي هذا الحديث: أنه لا حرج على الرجل أن يكون قد أعد فراشاً لمن نزل ضيفاً عليه.
والذي يظهر لنا أن الزوجة المسؤول عنها ربما تخاف من تكرار مبيت والدة الزوج أو من إقامتها معها إن سمحت ببياتها ولو مرة واحدة، ولكن إذا كان الزوج يؤكد لها أنه مدرك لحقها في المسكن، وأنه لا يقبل سكن أحد معها، فلا وجه للخوف والقلق.
ولتعلم الزوجة أنها بتصرفها هذا تسيء لزوجها ولأهله، بل تسيء لنفسها؛ إذ ليس لها الحق في منع زوجها من استضافة من يريد، ما دام في البيت متسع لذلك.
وكونها تختار الطلاق على ذلك أمر مستغرب جدا، إلا أن تكون في المسألة ملابسات وأمور أخرى لم يذكرها السائل؛ إذ يبعد أن ترغب امرأة ي الطلاق والانفصال – ولها أولاد – لمجرد مبيت أم الزوج أو أخته مرة أو مرات.
ولهذا نحن نجيب على السؤال الوارد بحسب المعطيات المذكورة كما يلي:
1- ليس للزوجة أن ترفض استضافة زوجها لمن يشاء في بيته، إذا لم يلحقها ضرر معتبر.
2- تأثم الزوجة بعصيانها لزوجها، وإغضابها له، وإهانتها له أو لأهله، كما تأثم بطلب الطلاق والانفصال إذا كان هذا لمجرد استضافته لوالدته ليلة أو ليالٍ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
3- لا حرج على الرجل في طلاق امرأته، إذا حالت بينه وبين برّ أمه، ومنعته من إكرامها الذي يقتضي استضافتها أو دعوتها للمبيت عنده في بعض الليالي؛ لأن ذلك من البر والمعروف ومكارم الأخلاق التي لا يختلف فيها.
ونصيحتنا أن يسلك الزوج مع زوجته ما أرشد الله إليه بقوله: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34.
فإن لم يُجد ذلك، وساء الحال بينهما فيبعثان حكما من أهله وحكما من أهلها، ينظران في أمرهما، ويقضيان بما يريانه من الجمع أو التفريق، كما قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء/35.
قال ابن كثير رحمه الله: " ذكر تعالى الحال الأول، وهو إذا كان النفور والنشوز من الزوجة، ثم ذكر الحال الثاني وهو: إذا كان النفور من الزوجين فقال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) .
قال الفقهاء: إذا وقع الشقاق بين الزوجين، وتفاقم أمرهما وطالت خصومتهما، بعث الحاكم ثقة من أهل المرأة، وثقة من قوم الرجل، ليجتمعا وينظرا في أمرهما، ويفعلا ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق، وتَشَوف الشارع إلى التوفيق؛ ولهذا قال: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) " انتهى باختصار.
ونصيحتنا للزوجة أن تتقي الله تعالى، وأن تسعى في إرضاء زوجها وإعانته على بره بأهله، وأن تشكر نعمة الله في وجود الأسرة والزوج والأولاد وألا تسعى في ذهاب هذه النعمة، وأن تعرض مشكلتها وأمرها على أهل العلم والعقل والتجربة ليبينوا لها صوابها من خطئها.
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1358)
أسلمت دون أهلها فهل تبر أهلها مع أذيتهم لها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت وأنا صغيرة وقد طردني والدي من المنزل فانتقلت إلى أحد الدول الإسلامية مع زوجي للعيش هناك، وأنا اتصل على والدتي دائماً فهل علي إثم بترك اتصالي على والدي مع العلم أنه يتكلم علي بأنها عاهرة ويقوم بتهديدي وعائلتي بالقتل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن هداكِ للإسلام، ولا شك أن فضل الله عليكِ عظيم إذ اختاركِ من بين أهلكِ لتكوني أولهم دخولاً في هذا الدين، ونسأل الله أن تكوني سبباً لدخولهم فيه كذلك.
وما فعلته من دعوة أهلك إلى الإسلام هو ما أوجبه الله تعالى عليكِ، وهم أولى من غيرهم بالدعوة وتبيين الحق لهم.
قال الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} يوسف / 108، وقال تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} الشعراء / 214.
وينبغي على الداعية إلى الله تعالى أن يرفق في دعوته ويتلطف في عرضها، وبخاصة إذا كانوا من أهله، فقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين ومصاحبتهم في الدنيا بالمعروف حتى لو كانوا كفاراً، ويدعونه إلى الكفر.
قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} النحل / 125، وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} العنكبوت / 8.
ومن لم يستجب منهم: فإنما ضلاله على نفسه، وليس يلحق الداعي من إثمه شيء.
قال تعالى: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء / 15.
وما فعلته من هجرتكِ إلى " إحدى الدول الإسلامية " وزواجك هو عين الصواب، فلا يستطيع المسلم أن يحافظ على دينه غالباً إذا كان في بيئة تعاديه وتحاربه، ويكون غريباً بينهم، وخاصة إذا كانت امرأة ليس لها حول ولا قوة إلا بالله تعالى، ويدل على هذه المشقة ما فعله والدكِ من طردك من البيت عندما علم بإسلامك.
واتصالك بوالدتكِ والسؤال عنها وعن والدكِ أمرٌ تُشكرين عليه، وهو مما أوجبه الله تعالى عليك، وحق الوالدين عظيم، فلا تقطعي صلتك بهم وإن أساؤوا إليك وحاولي الاتصال بوالدك والتلطف معه في الكلام لعل ذلك يكون من أسباب هدايته ويزيل ما في قلبه من قسوة عليك.
وأما ما يهددكِ به والدكِ: فلا تلتفتي له ولا تهتمي به، فلن يصيبك وزوجك وعائلتك إلا ما كتب الله لكم، فخذوا بالأسباب واستعينوا بالله تعالى فهو خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين.
وما قذفكِ به واتهمكِ بفعله: هو مما يدخل في أذية الكافر للمسلم، وقد قُذف عرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باتهام زوجته وأمنا أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – بالزنا، وقيل عنه ساحر وكاهن ومجنون، وهكذا قيل لإخوانه الأنبياء عليهم السلام، فاصبري على هذا وثقي بالله تعالى أنه سيفرج كربك ويزيل همك، فاستعيني به، وداومي على دعائه واللجوء إليه فهو نعم النصير ونعم المعين.
ونسأل الله تعالى أن يثبتك على دينه وأن يزيدك هدى وبصيرة وعلماً.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1359)
والدها سبَّ الرب والقرآن ووالدتها متبرجة وهي تكرههم وتسأل النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[للأسف، أمي، وأبي، عقوني أنا وإخوتي، فكلٌّ منهما لم يراع ِ اختيار الشريك المناسب، فأمي تزوجت أبي وهو لا يصلي، وهو تزوجها وهي مقصرة في حجابها، معاصيهما كثيرة، وتتضمن الكبائر والموبقات، لم يعلماني الصلاة، ولا الحجاب، ولا شيء، لكن أحمد الله أن يسر لي أخوات صالحات أرشدنني إلى الطريق، مشكلتي أنني لا أطيق أمي ولا أبي، لا أطيق أن أنظر إليهما، مشكلتي أنني أرفع صوتي عليهما، ولا أساعد أمي في تدبير المنزل، لا كسلاً، بل كرهاً لها، أريد أن أراها تتعب في هذه الدنيا؛ لأنها ستكون السبب في هلاكي، ودخولي نار جهنم (في حال لم أتعرف على أولئك الصالحات) . مشكلتي أنني أخاف من عقوق الوالدين، أحاول أن أفتح صفحة جديدة معهما، لكن لا أستطيع، هما يردانني! نعم، فمرة جاهدت نفسي لأتكلم مع أمي بالحسنى، وأعطيتها قطعة حلوى، فصرخت في وجهي، وقالت: أعطيتيني إياها لأنها سقطت على الأرض؟! حينها صرخت في وجهها، وقلت لها: أنا أكرهك، وأسأل الله أن يفرق بيني وبينك في الدنيا والآخرة! بالفعل أريد فراقهما، فحتى صلاتي لا أخشع بها، لأنني عندما أشرع في صلاتي تأتي أمي وتتكلم معي حتى إذا فرغت من الصلاة سكتت! لذلك أريد أن أسافر للدارسة، وأبتعد عنهما. كيف سأحبهما وهما يعصيان الله، ويأمرانني بذلك؟ كيف أحبهما وقد رفضا تزويجي من شخص صالح لأن معلمتي في المدرسة (معلمة التربية الإسلامية) هي من أتتني به؟! يريدان مني أن أتعرف على شريك حياتي في الجامعة كما فعلت أختي الكبرى! . سؤال آخر وهو الأهم: أبي هل يعد كافراً؟ لأنه ولـ 3 مرات سبَّ الدين، والقرآن في حالات غضب، لا أدري إن كان قد تاب أم لا، مع أن أبي يصلي، ويصوم، ويقرأ القرآن. أفيدوني ماذا أفعل؟ وكيف أتصرف معهما؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما سبُّ الدِّين، أو الرب، أو القرآن، أو النبي صلى الله عليه وسلم: فإنه كفر، وردة عن الدِّين، ولا خلاف بين أهل السنَّة في ذلك.
والتذرع بالغضب في هذا الباب لا ينفع فاعله؛ لأن الغضب في أكثر أحواله لا يكون عذراً للسابّ! فإن كان غضبه غير شديد: فواضحٌ حكمه، وأما إن كان شديداً: فنقول: كيف لم يأتِ على بال هذا الغاضب المغلق غير الرب والدِّين ليسبهما؟! فهلا سبَّ أباه، أو أمَّه، أو رئيس الدولة! وعدم سبِّ أولئك الغاضبين أحداً من محبوبيهم، أو ممن لهم سلطان وقوة: يدل على أنه معه عقله، وأنه لمَّا هان عليه الرب والدِّين لم يجد غيرهما ليتناولهما بالسب والشتم! .
وأما الغضب الذي يُرفع به التكليف عن صاحبه: فإنه غضب لا يدري صاحبه ما يقول، ولا يدري هو في الأرض أم في الفضاء، ولا يدري أقال ما قال في ليل أو نهار، ومثل هذا لا تجري الأحكام العملية عليه، من طلاق، أو يمين، أو نذر، وغيرها.
وينظر في هذا أجوبة الأسئلة: (42505) و (65551) .
فالواجب على والدك اغتنام حياته قبل مماته بالمبادرة إلى التوبة، والكف عن إطلاق لسانه بالسب والشتم لله تعالى، ولكتابه، ولرسوله، وأنه إن لم يفعل هذا: لم تنفعه صلاة، ولا صيام، ولا طاعة، بل سيكون كافراً مرتدّاً.
ثانياً:
أما بخصوص علاقتك بوالديك: فإننا نحث دوماً على ما حثَّ عليه الله تعالى من الإحسان للوالدين، والبر بهم، ولو كانوا كفاراً، يجاهدون أولادهم لإضلالهم، ونؤكد على الحث ونزيد في مقداره من رزقه الله تعالى هداية ورشاداً، فهم أولى الناس برحمة والديهم، وهم أقدر من غيرهم على دعوتهم للحق بما يعرفونه من أخلاق الإسلام وأحكامه.
لذا فإننا نرى لك الصبر على دعوة والديك للهدى، وبذل مزيد من الجهد في التحمل لما يصدر منهم من إساءة، وتأملي ما جرى لكثيرين من أهل الخير، صبروا على أهليهم، ولم يتوانوا في دعوتهم بشتى الوسائل والطرق الشرعية المباحة، فأكرمهم الله تعالى بهداية أهليهم لما هداهم إليه، فصارت الأسرة كلها على ما يحب ربنا ويرضى.
وقد يرى المسلم من أهله ما لا يطيقه من أخلاق وتصرفات ومخالفات، ولو أن كل واحد من دعاة الخير كان موقفه الهجر والترك لهم: لما صلحت أحوالهم، ولكان في ذلك انقطاع حبل الدعوة والنصح لهم، بل إننا نرى أن واجب الدعوة والنصح يزداد على الولد الصالح، وبخاصة إن لم يكن في أسرته من يقوم بهذا الواجب غيره، فمزيدا من الصبر، ومزيدا من التحمل، ولا تنسي الدعوة بالحسنى، وبذل الوسع في حسن الاختيار للكلمات، والأفعال، مع مداومة الدعاء لهم بالهداية والتوفيق.
واستمري مع صحبتك الصالحة، تقوين بها إيمانك، وتستفيدين معها علماً نافعاً، وتسترشدين بآراء العاقلات منهن ما ينفعك في علاقتك مع أهلك.
ولعلهما إن رأيا ذلك منك، ورأيا توددك إليهما، وحرصك على الخير لهما، أو شعرا ـ على الأقل ـ أنك لا تحملين عداوة لهما، لعلهما ـ حينئذ ـ أن تلين قلوبهما لك، ويكفا عن الإساءة إليك، أو يقبلا زواجك بمن جاءك من أهل الخير.
ولا ننصحك بالتعلق بالدراسة الجامعية، والسفر بعيداً عن الأهل، لترتاحي منهم؛ فأنت بذلك كالمستجير من الرمضاء بالنار، فلا بد أنك تعلمين، وأنت الحريصة على دينك، ما في التغرب عن الأهل، والدخول في الدراسة المختلطة من مفاسد كثيرة، خاصة في حال فتاة تريد أن تهرب من بيتها وأسرتها، فاحذري ـ يا أمة الله ـ لا يتلقفنك عدو الله إبليس وجنده، فلكل ساقطة لاقطة، واحذري من حبائل الشيطان.
عصمك الله من كل ما يغضبه ويسخطه، وهداك إلى البر والتقوى، ونسأله ـ سبحانه ـ أن يكتب لك الأجر موفوراً، وأن يعينك على دعوة أهلك، وأن يهديهم لما فيه صلاح حالهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1360)
يريد تقديم الحج ووالده يريد تقديم الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أكون عاقا لأبي للأسباب الآتية: 1- كان أبي رحمه الله يريد مني البدء في مشروع الزواج وكنت أرفض لأنني كنت أريد إكمال الدراسة العليا. 2- المبلغ الذي وفرته كان يكفي البدء في المشروع (العقد فقط) مع العلم بأنني موظف. 3-ثم لم أستطع السفر لإكمال الدراسة، فقررت بأن أدخل مشروعا صغيرا على أمل أن أجني منه مبلغا ثم الحج به، والمشروع مشترك بيني وبينه عبارة عن قطعة أرض مشتركة (وسعرها لا يفي بمبلغ الحج) كنا ننوي تغيير المسكن الذي نعيش فيه بسبب الأذى الذي نلقاه من الجيران هداهم الله. 5-رفض أبي الحج بهذا المبلغ لأنه قال إنه مُلكي وليس من ماله. 6- بعد النقاش (لم يثمر أي شيء) قلت سوف أحج أنا قال الزواج أولا. 7-الآن بعد موته في رمضان يطالبوني بأن أنفذ ما أراد وأنا أقول لهم الحج أولا. 8-الأرض الآن تؤتي المبلغ الكافي لإتمام فريضة الحج وقد انتهينا أنا وهو من سداد الدين (قيمة الأرض) قبل مماته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحج واجب على الفور في أصح قولي العلماء، كما هو مبين في الجواب رقم (41702) ، وإذا كان المال الموجود يكفي إما للحج وإما للزواج، فإنه يقدم الزواج إذا كان محتاجاً إليه، ويخشى الوقوع في الحرام، ويقدم الحج إذا لم يكن محتاجاً إلى الزواج.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/12) : " وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ (أي المشقة) , قَدَّمَ التَّزْوِيجَ , لأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , وَلا غِنَى بِهِ عَنْهُ , فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ , وَإِنْ لَمْ يَخَفْ , قَدَّمَ الْحَجَّ ; لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ , فَلا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجَّ الْوَاجِبِ " انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تأجيل الحج إلى ما بعد الزواج للمستطيع، وذلك لما يقابل الشباب في هذا الزمن من المغريات والفتن صغيرة كانت أم كبيرة؟
فأجاب:
"لا شك أن الزواج مع الشهوة والإلحاح أولى من الحج لأن الإنسان إذا كانت لديه شهوة ملحة فإن تزوجه حينئذٍ من ضروريات حياته، فهو مثل الأكل والشرب، ولهذا يجوز لمن احتاج إلى الزواج وليس عنده مال أن يدفع إليه من الزكاة ما يُزوج به، كما يعطى الفقير ما يقتات به وما يلبسه ويستر به عورته من الزكاة.
وعلى هذا فنقول: إذا كان محتاجاً إلى النكاح فإنه يقدم النكاح على الحج لأن الله سبحانه وتعالى اشترط في وجوب الحج الاستطاعة فقال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران / 97. أما من كان شاباً ولا يهمه أن يتزوج هذا العام أو الذي بعده فإنه يقدم الحج لأنه ليس في ضرورة إلى تقديم النكاح " انتهى من "فتاوى منار الإسلام" (2/375) .
وعليه؛ فإن لم تخش على نفسك من تأخير الزواج، فبادر بالحج، والله يخلف عليك خيرا؛ لأن الحج فريضة عظيمة من فرائض الإسلام وشرائعه العظام.
ولا يلزمك تنفيذ مراد أبيك في هذه المسألة، لا في حياته ولا بعد مماته، لأنه يترتب عليه تأخير الحج من غير ضرورة لذلك.
ثانيا:
كان ينبغي أن ترضي أباك، وتقدم الزواج على إكمال الدراسة العليا، فقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله ما ظاهره: أن النكاح يجب إذا أمر به أحد الوالدين.
قال المرداوي: هل يجب (يعني النكاح) بأمر الأبوين , أو بأمر أحدهما به؟ قال الإمام أحمد رحمه الله: إن كان له أبوان يأمرانه بالتزويج: أمرته أن يتزوج , أو كان شابا يخاف على نفسه العنت: أمرته أن يتزوج.
فجعل أمر الأبوين له بذلك بمنزلة خوفه على نفسه العنت" انتهى من "الإنصاف" (8/14) .
ثالثا:
لا حرج على الأب فيما لو حج بمال ابنه، بل لا حرج على الإنسان أن يحج بمال غيره مطلقا، لكن من لم يحج حج الفريضة لعجزه عن تكاليف الحج هل يصير قادرا ببذل غيره المال له، وهل يلزمه قبول هذا المال ليحج؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يلزمه الحج ببذل غيره له , ولا يصير مستطيعا بذلك , سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا , وسواء بذل له الركوب والزاد , أو بذل له مالا. وعن الشافعي أنه إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج , لزمه ; لأنه أمكنه الحج من غير مِنّة تلزمه , ولا ضرر يلحقه , فلزمه الحج , كما لو ملك الزاد والراحلة.
ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يوجب الحج (الزاد والراحلة) , يتعين فيه تقدير ملك ذلك , أو ملك ما يحصل به , بدليل ما لو كان الباذل أجنبيا , ولأنه ليس بمالك للزاد والراحلة , ولا ثمنهما , فلم يلزمه الحج , كما لو بذل له والده , ولا نسلم أنه لا يلزمه مِنّة , ولو سلمناه فيبطل ببذل الوالدة , وبذل من للمبذول عليه أياد كثيرة ونِعَم " انتهى من "المغني" (3/87) .
وحاصل الجواب: أنه يلزمك المبادرة إلى الحج، ما لم تخف على نفسك الوقوع في الحرام بتأخير الزواج، وأن تستغفر الله تعالى من مخالفة والدك في أمر الزواج أولا.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1361)
تريد الدراسة في أمريكا وأبوها يمنعها من الحجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 21 سنة وبدأت لبس الحجاب قبل سنة ونصف وخالفت بهذا رغبة والداي. سأذهب في العام القادم إلى أمريكا للدراسة، والدي ينصحني وبحرص على عدم لبس الحجاب هناك لأن الناس هناك لا يريدون أن يكونوا مخالفين. أواجه مشكلة الآن فأنا أريد لبس الحجاب لأنه قيل لي أن عدم لبس الحجاب ذنب عظيم. أرجو أن تنصحني في هذا الأمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أحسنت وبارك الله فيك حيث اتبعت شرع الله في ارتداء الحجاب واعلمي أن لا طاعة لمخلوق في معصية الله، فعليك بالمداومة على الحجاب وسائر الشرائع، ولكن نخشى عليك بذهابك إلى أمريكا من أجل الدراسة من الفتن المتلاطمة والشبهات المختلفة وكذا الشهوات المحرمة فإن استطعت أن تدرسي في جامعة أو مدرسة تراعي الأحكام الشرعية من لبس الحجاب وعدم الاختلاط فهذا هو المتيقن عليك.. والله يوفقنا وإياك لكل خير
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد آل عبد اللطيف(7/1362)
عصيان الوالد الذي يمنعه من الزواج بحجة الدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للولد أن يعصي والده الذي يمنعه من الزواج بحجة الدراسة؟ وهل يجوز دفع زكاة الوالد للولد لأجل الزواج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
"يجوز للولد أن يعصي والده فيما إذا طلب الولد الزواج وأبى الوالد، لأن هذه من المسائل الخاصة التي تتعلق بالإنسان نفسه، وممانعة الوالد له لا وجه لها إطلاقاً، ولا يحل للوالد أن يمانع في تزويجه ابنه، بل الواجب على الوالد أن يزوج ابنه من ماله إذا لم يكن عند الابن مال، فإذا كان هذا الابن طالباً وليس بيده مال واحتاج للزواج وقال لأبيه: زوجني، فيلزم أباه تزويجُه، وإذا زوجه واحدة ولم تكفه وقال: أريد ثانية فيلزم أيضاً، وكذلك لو طلب ثالثة، ورابعة.
على كل حال، يجب على الأب إذا كان غنياً أن يعف ولده بأن يزوجه بما يحصل به العفاف وجوباً، حتى لو امتنع فإنه يجبر على ذلك.
فإذا كان هذا هو الحكم الشرعي، فكيف يجوز للأب أن يمنع ابنه من التزويج بحجة أنه لم يكمل الدراسة؟ وحسب تتبعي أن الزواج لا يمنع من الدراسة، لا سيما إذا وُفِّق الإنسان بامرأة تكون معينة له في دراسته، بأن تكون على مستواه، فيتساعد الزوجان على دراستهما، ويحصل النفع لكلا الطرفين.
وأما دفع زكاة الوالد للولد لأجل الزواج فإن هذا لا يجوز، لأن الوالد ملزم بتزويجه من ماله الخاص، وأما الزكاة فلها أهلها" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/708) جمع أشرف بن عبد المقصود.
وانظر جواب السؤال رقم (87983) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1363)
بري أمك، ولا تعقي أباك؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو حقّاً أن تقدم لي المشورة والرأي السديد في أمرٍ سأعرضه عليك، ولا يخفى ما لرأيك ومشورتك من جميل الأثر، وعظيم النفع بإذن الله. أنا يا شيخ من جدة، طالبة بالتربية العلمية، قسم الفيزياء، عمري 20 سنة، وأرجو أن تكون هذه السنوات في طاعة الله، في العادة – يا شيخ - إذا استعصى عليَّ أمر ولم أجد حلاًّ له بنفسي، أستشير والدي وهو أكثر من صديق مقرب إلى قلبي حفظه الله وحفظك، لكن في هذا الأمر بالذات لم يكن هذا وارداً، ولا جزءً من خياراتي. المشكلة باختصار في رضى والدي الاثنين، أستطيع أن أقول إن رضى أبي هو هدفي في الحياة، بعد عبادة الله، لكن ماذا أفعل – يا شيخ - إذا كان أكثر ما يجعله عني راضياً هو مقاطعة والدتي تماماً؟ ! ، وماذا أفعل إذا كانت والدتي تحلم باليوم الذي نقاطع فيه أبانا؟! . إلى الآن اخترت أنا والدي، والتزمت الصمت، أخوتي حاولوا الجمع بين برِّهما، ووصلهما، لكن لا أبي راضٍ، ولا أمي راضية. الموضوع – يا شيخ - أن والدايَّ انفصلا منذ كنت في الرابعة من عمري، ومن يومها ما رأيت أمي قط، ولا حدثتها، وفي بداية هذه السنة حدث تواصل بينها وبين أخوتي، وبدأت دخول حياتهم شيئاً فشيئاً، عندما اكتشف والدي الأمر أحس بصدمة، وشعر بخيانة، طيلة هذه السنين لم يتزوج، ولم يخرج يوماً مع رفاق، أو أصدقاء، ربَّانا أنا وأخوتي الثلاثة وحده، لا عمتي وقفت بجانبه ولا خالة، والله كانت تمر علينا السنة والسنتان والثلاث وما يسأل عنا من أهلنا أحد. والآن: أقولها بالعامية (يا كثر المشاكل اللي صارت بين إخواني وأبوي) أحس فعلا ما عاد يطيق وجودهم، وإلى الآن أمي لم تحاول رؤيتي في الجامعة، أو لم تحاول حتى محادثتي على جوالي، أستغرب هذا الشيء، لكن ربما سهلت عليَّ الاختيار، حاجتي لأمي لا تخفى على أي عاقل، هذا شي مفروغ منه، لكنِّي حقّاً كبرت، وتمَّت تربيتي بأحسن أسلوب، وما أشعر أني بحاجة لوجودها، فلماذا أجعلها تؤثر على علاقتي بوالدي؟ أعطني رأيك ياشيخ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بر الوالدين من الواجبات المحتمات على الأولاد، وعقوقهما من المحرَّمات القطعيات، والمؤمن يبحث عن رضا ربه تعالى بأداء ما أوجب الله تعالى عليه، وبالانتهاء عما نهاه عنه، فهو يرجو ثواب ربه، ويخاف عقابه.
ومن علامات بر الوالدين: طاعتهما، والإحسان إليهما بالقول والفعل، وعدم الإساء إليهما، ولو بقول " أف "، ولكن هذا لا يعني أنهما يطاعان بكل ما يأمران به، بل إن ذلك مقيَّد بكون أمرهما موافقاً للشرع، ولا يشتمل على محرَّم يغضب الله تعالى، فهنا لا طاعة لهما، ولو أدَّى ذلك لتنغصهما، فالمؤمن عبدٌ لربه تعالى يأتمر بأمره، وينتهي عن نهيه، وكل مطاعٍ فطاعته مقيدة بشرع الله تعالى غير مستقلة عنه.
قال الله تبارك وتعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا) الإسراء/ 23 – 25.
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله:
" حكم ربك يا محمد بأمره إياكم ألا تعبدوا إلا الله، فإنه لا ينبغي أن يُعبد غيره، وأمركم بالوالدين إحساناً، أن تحسنوا إليهما، وتبرّوهما " انتهى.
"تفسير الطبري" (17/413، 414) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
" أمر جل وعلا في هذه الآية الكريمة بإخلاص العبادة له وحده، وقرن بذلك الأمر بالإحسان إلى الوالدين، وجعْلُه برَّ الوالدين مقروناً بعبادته وحده جل وعلا المذكور هنا: ذَكَرَه في آيات أخر، كقوله في سورة " النساء ": (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) ، وقوله في البقرة (وإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) ، وقوله في سورة لقمان: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ، وبيَّن في موضوع آخر أن برَّهما لازم ولو كانا مشركين داعيين إلى شركهما، كقوله في " لقمان ": (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا، وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) ، وقوله في " العنكبوت ": (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُم) الآية.
وذِكْرُه جل وعلا في هذه الآيات برَّ الوالدين مقروناً بتوحيده جل وعلا في عبادته: يدل على شدة تأكد وجوب بر الوالدين " انتهى.
"أضواء البيان" (3 / 85) .
ولذا فإن الواجب عليك بر والديْكِ، ويحرم عليك عقوقهما، وأمر والدك بمقاطعة والدتك: مخالف للشرع، يحرم عليك الاستجابة له، ومثله لو أمرتك والدتك بمقاطعة والدك.
وإذا كان للأب حق واحد: فللأم ثلاثة أضعاف ذلك الحق.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ: (أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ) رواه البخاري (5626) ومسلم (2548) .
قال النووي رحمه الله:
" وفيه الحث على بر الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب ثم الأقرب، فالأقرب، قال العلماء: وسبب تقديم الأم: كثرة تعبها عليه، وشفقتها، وخدمتها، ومعاناة المشاق في حمله، ثم وضعه، ثم إرضاعه، ثم تربيته، وخدمته وتمريضه، وغير ذلك " انتهى.
"شرح مسلم" (16/102) .
ثانياً:
بإمكانك – أختي الفاضلة – بر أمك دون أن تذكري ذلك لوالدك، ودون الحاجة لأن يعرف أنك تفعلينه، وهو لا يحل له ابتداءً أن يأمرك بالابتعاد عنها، وعدم الحديث معها، ويستطيع الأولاد بحكمة أن يجمعوا بين البرَّيْن والصلتين دون الحاجة لتفضيل جانب على آخر، ودون الحاجة لإلغاء طرف على حسب طرف آخر.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أنا شاب أبلغ من العمر 18 عاماً، أؤدي الصلاة، وأعمل لنيل رضا والدي وطاعته، ولكن منذ ولادتي وحتى الآن لم أر والدتي، ولكني أعلم أين تقيم الآن، وهي بعيدة عني، والحقيقة بيَّنها لي والدي، حيث أنه طلقها، وأنا أريد رؤيتها؛ لأنها أمي، وسيحاسبني الله عليها إن لم أزرها، مع العلم بأني لم أذكر لأبي بأنني أريد أن أراها، أخاف أن أبيِّن له هذا ويغضب عليَّ، خاصة وأنه متزوج من امرأة ثانية، ولديه منها عدة أطفال، فما حكم الشرع في حالتي هذه؟
فأجاب:
" الذي نرى: أنه يجب عليك أن تزور أمك، وأن تصحبها بالمعروف، وأن تبرها بما يجب عليك برها به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل مَن أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قيل ثم مَن؟ قال: أمك، قيل ثم من؟ قال: أمك، قيل ثم من؟ قال: أبوك.
فلا يحل لك أن تقاطع أمك هذه المقاطعة، بل صلها، وزرها، ولك في هذه الحال أن تداري والدك، بحيث لا يعلم بزيارتك لأمك، ومواصلتك إياها، وبرك بها، فتكون بذلك قائماً بحق الأم، متلافياً غضب والدك " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (4/213) .
ِوسئل الشيخ العثيمين رحمه الله - أيضاً -:
شاب يبلغ الخامسة والعشرين من العمر، والدي ووالدتي في خصام مستمر طول أيامهما، إن بررت بالأول: غضب، ونفر الثاني، إن بررت الثاني: غضب الأول، واتهمني بالعقوق، ماذا أفعل يا فضيلة الشيخ لكي أبرهما؟ وهل أعتبر عاقّاً بالنسبة لأمي بمجرد أنني بررت بأبي أو العكس؟
فأجاب:
" الإجابة على هذا أن نقول: إن بر الوالدين من أوجب الواجبات التي تجب للبشر على البشر؛ لقول الله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) ، وقوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) ، وقوله تعالى (إن اشكر لي ولوالديك إلى المصير) ، والأحاديث في هذا كثيرة جدّاً، والواجب على المرء أن يبر والديه كليهما: الأم والأب، يبرهما بالمال، والبدن، والجاه، وبكل ما يستطيع من البر حتى أن الله تعالى قال: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً) ، فأمر بمصاحبة هذين الوالدين المشركين اللذين يبذلان الجهد.. في أمر ولدهما بالشرك ومع ذلك أمر الله أن يصاحبهما في الدنيا معروفاً، وإذا كان ذلك كذلك: فالواجب عليك نحو والديك اللذين ذكرت أنهما في خصام دائم، وأن كل واحد منهما يغضب عليك إذا بررت الآخر، الواجب عليك أمران:
الأول: بالنسبة للخصام الواقع بينهما: أن تحاول الإصلاح بينهما ما استطعت، حتى يزول ما بينهما من الخصام والعداوة والبغضاء؛ لأن كل واحد من الزوجين يجب عليه للآخر حقوق لابد أن يقوم بها، ومن بر والديك أن تحاول إزالة هذه الخصومات حتى يبقى الجو صافياً، وتكون الحياة سعيدة.
وأما الأمر الثاني: فالواجب عليك نحوهما أن تقوم ببر كل واحد منهما، وبإمكانك أن تتلافى غضب الآخر إذا بررت صاحبه بإخفاء البر عنه، وتبر أمك بأمر لا يطلع عليه والدك، وتبر والدك بأمر لا تطلع عليه أمك، وبهذا يحصل المطلوب، ولا ينبغي أن ترضى ببقاء والديك على هذا النزاع، وهذه الخصومة، ولا على هذا الغضب إذا بررتَ الآخر، والواجب عليك أن تبين لكل واحد منهما أن بر صاحبه لا يعنى قطيعته، أي: قطيعة الآخر بل كل واحد منهما له من البر ما أمر الله به " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (4/196، 197) .
وانظري أجوبة الأسئلة: (5053) ، (3044) ، (5326) .
على أننا ننبهك ـ أيتها السائلة الكريمة ـ إلى أن تتدرجي في تنفيذ ما نصحناك به، وأن تراعي مشاعر والدك ورضاه قدر الإمكان؛ لأن أمك غائبة عنك بطبيعة الحال، ولن تتأثر بأمرك تأثر والدك به، والتي غابت عنك، أو غبت عنها نحوا من ستة عشر عاما، لن تتأثر كثيرا، بغياب يوم أو يومين، وشهر أو شهرين، ريثما تمهدي لما أنت مقدمة عليه، وتتمكني من بر إمك وإرضائها، من غير أن تغضبي أباك أو تسيئي إليه، وتذكري أن أباك ـ وفقه الله وهداه، لما يحبه ويرضاه ـ قد قام نحوكم بالدورين: دور الأب، ودور الأم؛ فحقه مضاعف، ورضاه مؤكد، والواجبات الشرعية جميعا إنما تجب على الإنسان بقدر استطاعته، ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا، فاستعيني بالله أن يفتح لك أبواب الطاعة والبر، وأن يشرح صدر أباكِ.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1364)
إذا سكن بجوار أهله ستقع مشاكل بينهم وبين زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في الذي يريد أن يسكن بجوار أهله مع علمه أن هذا سيجر مشاكل كبيرة بينهم وبين زوجته وكذلك سينغص على زوجته حياتها حيث إنهم كثيرو التدخل والعلاقة بينهم وبين زوجته ليست جيدة؟ وهل للزوجة الحق في اختيار مسكنها ومكانه ومن تجاور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سكنى الزوجة واجبة على زوجها؛ لأن الله تعالى جعل ذلك حقّاً للمطلقة الرجعية، فقال تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) الطلاق/6، فوجوب السكنى لمن هي في صلب النكاح أولى.
ولا يجوز للزوج أن يسكن زوجته مع امرأة أخرى، ولا مع أبويه إلا بإذنها، ولها أن تمتنع عن السكنى معهم إن لم ترض بذلك، إلا أن يكون قد اشترط عليها ذلك في عقد النكاح.
وفي جواب السؤال رقم (7653) تفصيل مفيد لكل ما سبق.
ثانياً:
الواجب على الزوج أن يهيئ لزوجته سكناً خاصّاً بمرافقه الكاملة، ولا يهم إن كان قريباً من أهله أم بعيداً.
لكن ... إذا كان الزوج يعلم أن سكنه قرب أهله سيسبب له ولزوجته ولأهله الأذى فالواجب عليه إبعاد الأذى عن الجميع بأن يسكن هو زوجته بعيداً عن أهله، فإن كان والداه كبيريْن وعاجزيْن ويحتاجان لأن يكون قريباً منهما: فليفعل ذلك دون أن يلزم زوجته بخدمتهما أو زيارتهما إن كان يترتب على الزيارة مشاكل وأذى لأحد الأطراف.
وينبغي على الزوج أن يستعمل حكمته في التعامل مع هذا الأمر إذ يمكنه الجمع بين القرب من والديه مع عدم حصول مشاكل بينهم وبين زوجته؛ وذلك بوضع ضوابط في الزيارة والمعاملة والتعامل بين جميع الأطراف، كما يمكنه أن يكون بعيداً عن أهله من غير أن يكون ذلك مؤذياً لوالديه؛ وذلك بكثرة التردد عليهم والنظر فيما يحتاجون وتلبية ما يستطيع تلبيته من مطالبهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1365)
لمن الأفضلية عند المسلم الزوجة أم الأم
[السُّؤَالُ]
ـ[لمن تكون الأفضلية عند الرجل المسلم، الزوجة أم الأم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضلية عند المسلم للأم لما جاء في الحديث أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: " من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك ... الحديث " رواه البخاري (5514) ومسلم (4621) ، إلا أن الزوجة تقدم على الأم في شيء واحد وهو النفقة إذا كان الزوج لا يستطيع أن ينفق على زوجته وأمه معا لفقره ففي هذه الحالة تقدم الزوجة على الأم، وعلى المسلم أن يعطي كل ذي حق حقه، وأن ينصر المظلوم، فلو ظلمت أمه زوجته كفَّ ظلمها بالحسن وأنصف. والله تعالى أعلم..
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1366)
الأم لها حقوق عظيمة في الشرع على ابنتها لكن الزوج حقه على زوجته أعظم
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي لحوحة، وذات مطالب لا تنتهي، وتتشاجر معي طوال الوقت حول زوجي الذي يعاملني وأولادي وإياها معاملة طيبة، فتريد منه أخذها في رحلات، وتريد منه أشياء أخرى، تنفق مصروفات كبيرة، وهو لا يحب ذلك؛ لأن عمله كطبيب لا يترك له الوقت لهذا؛ ولأنه يشعر أنهما لن ينسجما معاً، وهي تزورنا في بيتنا على الأقل 4 أو 5 مرات سنويّاً، وتجعلني أصطحبها يوميّاً في نزهة خارجيَّة، لا يهمها في ذلك أن أهمل بيتي، وأطفالي، وهي مشغولة جدّاً بأعمالها التجارية الخاصة، بل حاولت معي، وتشاجرت كي تترك لي أخي، أو أختي يعيشان معي أنا (عمرهما 16 و 18 سنة) وترى أن هذا واجب عليَّ، ولا يستلزم مني أخذ إذن من زوجي، ورفضت دفع قرض جعلتني هي ووالدي (المتوفى من سنتين) أقترضه حين كنت في الجامعة للدراسة، وكان عمري وقتها 16 عاماً، هذا القرض الذي شوه اسمي وسمعتي، وجعل من المستحيل أن أشتري أي شيء تحت اسمي الخاص، وقد كررتْ هي ذلك مع عديد من الذين تدين لهم بفلوس، وفوق هذا كله: قبل رحيل أبي كتب كل أملاكه، وأمواله باسمها؛ لتسهيل توزيعها علينا (نحن أربع بنات وولد واحد) بدلاً من إدخال جهة خارجية في التوزيع، وبعد وفاته قالت: إن كل شيء باسمها، وإنها دفعت كثيراً في الماضي لسداد ديون أعماله التجارية قبل أن يصلا إلى النجاح الذي حققاه معاً، وبالتالي فإنها ستحتفظ بكافة الأموال لها وحدها حتى تموت، بل إني أعطيتها حوالي 100 ألف دولار (كل المال الذي ادخرته وعملت به) ؛ لأنها تظاهرت أنها سوف تستخدم هذا القرض في سداد ديون أبي المتوفى، ثم استخدمته في شراء منزل صيفي لها، بدلاً من سداد الديون، وأنكرت أني أعطيتها فلساً واحداً؛ لأني لم أخبر أحداً سوانا، فقد أردت جعل هذا العمل سرّاً بيني وبينها، والله سبحانه وتعالى؛ رغم علمي بأن لديها الكثير من المال، وقد سئم زوجي كل هذه التصرفات (ولم أذكر لكم العديد من مواقفها الأخرى السيئة) ولذا واجهها بأقل هذه المشكلات: وهي مشكلة قرض الدراسة القديم، الذي تم أخذه من 6 سنوات قبل زواجنا، وظل هذا الدين يتراكم، ويتضاعف باسمي أنا، ثم واجهها بأفعالها الخطأ الكثيرة التي ورطت أسرتي فيها، فغضبتْ غضباً شديداً، وخاصمتنا جميعاً أنا وزوجي، وطبيعي أردت أن ألتزم بحقها نحوي كأمي، فنجحتُ في استمرار العلاقات المتبادلة بيني وبينها على نحو طيب حتى لا تنقطع صلة الرحم، وساد بيننا معظم الأوقات الكلام الحسن، لكن بعد أسبوعين عادت إلى سبِّ زوجي، وأخبرتني أن أتحداه وأعصي كلامه؛ كي أجبره على الاعتذار لها، بل أخذت تسبُّني، وزوجي، بألفاظ محرجة جدّاً ومخزية، وهذه العلاقة تؤثر على زواجي سلباً، ووقتي في بيتي وسط أولادي، فلا أستطيع التفكير في أي شيء آخر، ولا يريد زوجي الاعتذار؛ لأنه على صواب، ويشعر أن أمي لم تغير أساليبها السيئة، ولن تسدد القرض القديم، وفي نفس الوقت من الصعب للغاية الوصول معها إلى حل وسط يوفق الأمور، نحن نعيش في بلدين مختلفين (مصر وأمريكا) ، وهي تقول لي أني إذا كنت فعلا أحبها ولا أريد معصية الله سبحانه وتعالى: فينبغي لي إحضار أولادي الثلاثة، وزيارتها، لكن زوجي لا يوافق أن أتركه وحده، وهي تعلم هذا، وتصر وتقول لي أني بذلك مسلمة عاصية، وأن الله سبحانه وتعالى سوف يعاقبني لمعصيتي أمي، وكلما حاولت نصحها أن تخشى الله سبحانه وتعالى جنَّ جنونها، وتقول: بل الواجب ألا أسمع أنا كلام الزوج، وأسمع كلام الأم، وزوجي يخبرني أن أظل على علاقة طيبة معها قدر المستطاع، وفي الحقيقة هو زوج صالح جدّاً، وفي نفس الوقت أب ناجح جدّاً، الحمد لله أحيا معه حياة زوجية سعيدة جدّاً في وجود 3 من الأبناء الأصحاء ما شاء الله. وسؤالي الآن: 1. ما واجباتي نحو أمي في مثل هذا الموقف المزعج؟ مع العلم أنها تسب زوجي باستمرار في مكالماتنا الهاتفية (نحن نعيش في بلدين مختلفين بعيدين) ، وتطلب مني معصيته، وتحديه، وافتعال المشكلات معه كي يعتذر لها، وهذه المكالمات أثرت على نفسيتي بالغ الأثر، فصار هذا الأمر كل ما يشغل بالي، ويعوقني عن الدراسة، أو الاعتناء ببيتي، فما الحد الأدنى بخصوص زيارة أمي والتحدث معها حتى لا يغضب الله سبحانه وتعالى عليَّ، وفي نفس الوقت ألتزم بحقها عليَّ، وبالتالي لا أقلق من كلمتها لي دومًا أن الله سبحانه وتعالى غير راضٍ عني بسبب معصيتي لها؟ . 2. من المسئول عن هذا القرض؟ مع العلم أني أجبرت على حضور الدراسة في هذه الجامعة، فقد كان عمري فقط من 16 إلى 18 عاماً، ولم يعلم زوجي عن هذا القرض شيئاً قبل الزواج، وكذلك تملك أمي من المال ما يكفي وزيادة لسداد هذا القرض.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن للأم منزلة في شرع الله تعالى لا تُنكر، وقد أوجب الله على أولادها برَّها، وحرَّم عقوقها، وجعلها أولى الناس بحسن الصحبة، كما في الحديث المعروف، لما قال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: (أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ) رواه مسلم (2548) .
وهذا الحق للأم، وتلك المنزلة التي لها: لا تبيح لها أكل مال أولادها بغير حق، بل يجب عليها أداء الحقوق لأصحابها، وتقسيم التركة وفق شرع الله تعالى، كما لا يبيح للأم أن تخبب ابنتها على زوجها، وتفسد ما بينهما من حسن عشرة، وهذه الأفعال من تلك الأم منكرة يأباها الشرع المطهر، ويتوعدها عليها بالإثم والعقوبة.
ولعلَّ من أعظم البر الذي تقدمينه لأمك هو ردعها عن أكل الحرام وفعله، والأخذ على يدها أن تظلم الناس بغير حق، وأن تذكريها بإثم الإفساد بين الزوجين، وإثم الغيبة، والسب والشتم، وغير ذلك مما تفعله من المحرمات، كالتبرج، والسفر من غير محرم – إن وُجدا منها -.
وبخصوص أشقائك الذين ترغب والدتك بأن يسكنا معكِ وزوجك: فإنكِ لستِ مكلفة بهذا شرعاً، بل التكليف لازم لوالدتك، والحق هنا لزوجك، فإن وافق على ذلك: فذاك، وإلا فليس الأمر يلزمك، بل إننا لا ننصح زوجك بقبول هذا الوضع، لأنهم ليسوا ضياعا يضطرون إلى مثل ذلك، وليسوا فقراء يحتاجون من ينفق عليهم، وليست أمك عاجزة عن القيام بشأنهم، ففي حملهم عنها: إعانة لها على ما هي فيه من المخالفات الشرعية، والإهمال لواجبها، وتحميل لزوجك، وإرهاق لك ولبيتك بأمر لا يلزمكم أصلا، فضلا عما يترتب من عيش أختك في بيت واحد مع رجل أجنبي عنها (زوجك) من المخالفات الشرعية؛ إننا لا ننصحكم بقبول هذا الوضع بأي حال!!
ثانياً:
تلك المنزلة للأم، وذلك الحق الذي لها: لا يفوق حق زوجك، بل إن حق زوجك أعظم، وهو يقدم على حق والدتك، وطاعتك له تقدَّم على طاعتها، والزوجة العاقلة تحاول إرضاء زوجها بما يرغب به مما لا يخالف الشرع، وتسعى إلى بر والدتها بما لا يخالف أمر زوجها، فإذا تعارض الأمران والإرادتان: فإنها تقدم أمر وإرادة زوجها.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –:
في امرأة تزوجت، وخرجت عن حكم والديها، فأيهما أفضل: برها لوالديها؟ أم مطاوعة زوجها؟ .
فأجاب: " المرأة إذا تزوجت: كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب، قال الله تعالى: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك) ، وفي صحيح أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلَّت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت) ، وفي الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة) أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن، وأخرجه أبو داود ولفظه: (لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحقوق) ، وفي المسند عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحه تجري بالقيح والصديد ثم استقبله فلحسته ما أدت حقه) ... .
– وساق رحمه الله أحاديث في فضل طاعة الزوج -.
والأحاديث في ذلك كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال زيد بن ثابت: الزوج سيِّدٌ في كتاب الله، وقرأ قوله تعالى: (وألفيا سيدها لدى الباب) ، وقال عمر بن الخطاب: النكاح رق، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته، وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عندكم عوانٍ) .
فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق، والأسير، فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه، سواء أمرها أبوها، أو أمها، أو غير أبويها، باتفاق الأئمة.
وإذا أراد الرجل أن ينتقل بها إلى مكان آخر مع قيامه بما يجب عليه، وحفظ حدود الله فيها، ونهاها أبوها عن طاعته في ذلك: فعليها أن تطيع زوجها، دون أبويها؛ فإن الأبوين هما ظالمان، ليس لهما أن ينهياها عن طاعة مثل هذا الزوج، وليس لها أن تطيع أمها فيما تأمرها به من الاختلاع منه، أو مضاجرته حتى يطلقها، مثل أن تطالبه من النفقة والكسوة والصداق بما تطلبه ليطلقها، فلا يحل لها أن تطيع واحداً من أبويها في طلاقه إذا كان متقيّاً لله فيها.
ففي السن الأربعة وصحيح ابن أبي حاتم عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، وفي حديث آخر: (المختلعات والمتبرعات هن المنافقات) .
وأما إذا أمرها أبواها أو أحدهما بما فيه طاعة لله، مثل المحافظة على الصلوات، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، ونهوها عن تبذير مالها، وإضاعته، ونحو ذلك مما أمرها الله ورسوله، أو نهاها الله ورسوله عنه: فعليها أن تطيعهما في ذلك، ولو كان الأمر من غير أبويها، فكيف إذا كان من أبويها؟ .
وإذا نهاها الزوج عما أمر الله، أو أمرها بما نهى الله عنه: لم يكن لها أن تطيعه في ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنه: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، بل المالك لو أمر مملوكه بما فيه معصية لله: لم يجز له أن يطيعه في معصيته، فكيف يجبر أن تطيع المرأة زوجها أو أحد أبويها في معصية؛ فإن الخير كله في طاعة الله ورسوله، والشر كله في معصية الله ورسوله " اتهى. " مجموع الفتاوى " (32 / 261 – 264) .
وهذا جواب علمي متين، كافٍ لبيان المقصود، وهو أنه لا يحل لوالدتك الإفساد بينك وبين زوجك، وأنه لا يحل لك طاعتها في هذا، وأن حق الزوج وطاعته أعظم من حق والدتك وطاعتها.
ثالثاً:
وكما أنك لستِ ملزمة بأحدٍ من أشقائك بسبب حبسك على زوجك، واشتراط موافقته: فإن الأمر كذلك في زيارتك لوالدتك مع أوالدك، فإن هذا لا يجوز أن يتم إلا بأمر الزوج وموافقته، وقد أحسنتِ في رفضك طلب والدتك، ونحن نؤكد على أنه رفض شرعي، وخاصة إن لم يكن معك محرَم في سفرك.
وأما بخصوص تقدير عدد زيارات والدتك لكم: فهذا أمر يرجع كذلك إلى زوجك، ويمكنك التفاهم معه على تحديد ذلك لوالدتك، وللزوج حق في منع دخول بيته لكل من يراه مفسداً لبيته، حتى لو كان هؤلاء أهلك، وبما أنكما متوافقان، وبينكما من حسن العشرة الشيء الكثير: فالأمر سهل يسير، فما عليكما إلا الاتفاق على تحديد عدد معيَّن، ووقت محدد لزيارتها لكم، وتشترطون ذلك عليها، ولزوجك الحق كل الحق في هذا، بل نرى أنه لو منعها بالكلية كان مصيباً، ولكن يرجى أن زياراتها إن كانت قليلة محدودة، وغير مؤثرة على سعادتكم الأسرية: أنه لا مانع منها، ولا بأس بالسماح بها، ويكون تحديد ذلك راجعاً إليكما عن تشاور وتراض.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " (لا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون) يعني: لا يدخلْنَّ أحداً البيت وأنت تكره أن يدخل حتى، لو كانت أمها، أو أباها، فلا يحل لها أن تُدخل أمَّها، أو أباها، أو أختها، أو أخاها، أو عمها، أو خالها، أو عمتها، أو خالتها إلى بيت زوجها، إذا كان يكره ذلك، وإنما نبهت على هذا: لأن بعض النساء - والعياذ بالله - شرٌّ حتى على ابنتها، إذا رأت حياة ابنتها مستقرة وسعيدة مع زوجها: أصابتها الغيْرة - والعياذ بالله - وهي الأم، ثم حاولت أن تفسد ما بين ابنتها وزوجها، فللزوج أن يمنع هذه الأم من دخول بيته، وله أن يقول لزوجته: لا تدخل بيتي، له أن يمنعها شرعاً، وله أن يمنع زوجته من الذهاب إليها؛ لأنها نمَّامة، تفسد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قتَّات) أي: نمام " انتهى. " شرح رياض الصالحين " (2 / 91 الحديث رقم: 276) ط البصيرة.
رابعاً:
الذي يظهر أن القرض الربوي الذي جاء في سؤالك: إنما إثمه ورده عليك؛ لأنك كنتِ بالغة، ومسئولة عن تصرفاتك، فاحرصي على إرجاع حقك من والدتك، وأوقفي مضاعفة المبالغ الربوية المترتبة على تأخير إرجاع المبلغ، وحاولي أن لا ترجعي إلا أصل المبلغ دون زيادته الربوية، فإن عجزتِ: فلا حرج عليك فيما زاد، مع ضرورة التوبة الصادقة؛ لأن الربا من كبائر الذنوب.
ونسأل الله أن يهدي والدتك، وأن يجمع بينك وبين زوجك على خير.
وانظري جواب السؤال رقم: (96665) ففيه بيان أسباب تدخل الأم في حياة ابنتها المتزوجة، وطريقة علاج ذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1367)
والده يطلب منه شراء الدخان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أشتري سجائر لشخص ما؟ إذا كان هذا غير جائز فهل هذا ينطبق على الوالد أيضا إذا طلب مني؟ جزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن تشتري لوالدك شيئاً استعماله محرم، سواء كان دخاناً أم أفيوناً أم حشيشة أم خمراً.. أو غير ذلك، ولو أمر بذلك، لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، وقوله: (إنما الطاعة في المعروف) وعليك أن تنصحه، وتعتذر له بأسلوب حسن عن شرائه.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/64.(7/1368)
كيف يكفر عن يمينه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في لحظة غضب حلفت بالله أن أمي ما تذهب معي في السيارة لمدة شهر، لكن بعد ذلك ندمت، وحتى الآن لم تذهب معي، ولكن أريد التوبة، فماذا عليَّ أن أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من حلف على يمينِ إثمٍ أو قطيعةٍ أو فسادٍ حَرُمَ عليه الوفاء بهذا اليمين، بل يجب الحنث، وتجب عليه الكفارة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ أَرَى خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) رواه البخاري (3133) ومسلم (1649) .
فعليك أن تكفر عن يمينك، وتركب والدتك معك في السيارة.
ونذكرك الله في والدتك، فقد قرن الله حقها بحقه سبحانه، فلا ترد لها طلبا، ولا تخيب لها ظنا، ولا تغضبها في صغير ولا كبير، بل احمد الله تعالى أن أكرمك بفرصة البر بها، وكسب حبها ورضاها، فالجنة في لزومك قدميها، بالعناية والرعاية وحسن المعاملة.
نسأل الله تعالى أن يعيننا جميعا على الخير، وأن يتقبل منا التوبة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1369)
لا يذهب بوالدته إلى المسجد الحرام خوفا عليها ولكنها تذهب مع السائق
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص والدته محبة للخير، ولذا تشق على نفسها بكثرة الطاعات من صيام وقيام مما يسبب لها التعب والمرض، وقد نصحها الأطباء فلم تستجب؟ ولذا فإنه لا يوصلها إلى المسجد الحرام إذا طلبت كنوع من الاحتجاج على فعلها، ومع ذلك فهي تلجأ إلى السائق ليقوم بتوصيلها. فما رأيكم في تصرفها وفي تصرفه معها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس من المشروع، بل ولا من المطلوب من المرء أن يتعبد لله تعالى بعبادات تشق عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه يقوم الليل ولا ينام، ويصوم النهار ولا يفطر، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) رواه مسلم (1159) . فالإنسان نفسه عنده أمانة، يجب عليه أن يرعاها حق رعايتها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) . وإذا كان الإنسان في الشيء الواجب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1117) . ولما رفع الصحابة رضي الله عنهم أصواتهم بالذكر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) رواه البخاري (2992) أي: لا تكلفوها، امشوا بطمأنينة، كما يمشي الناس في الربيع، والناس في الربيع يمشون بطمأنينة لا يستعجلون في المشي حتى ترتع الإبل، ولا تتكلف المشي.
فنقول لهذه المرأة – نسأل الله تعالى أن يزيدها من فضله رغبة في طاعته – نقول لها: ينبغي لها أن تتمشى في طاعة الله على ما جاء في شريعة الله عز وجل، وألا تكلف نفسها، وأن تتقي الله في نفسها، وأن لا تشق على نفسها لا بالصيام ولا بالقيام ولا بغيره.
وأما ركوبها مع السائق وحدها فهذا محرم، لأنه لا يجوز للمرأة أن تخلو برجل غير محرم لها في السيارة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) رواه البخاري (5233) وهذا النهي عام، أما السفر فلا تسافر المرأة بلا محرم، ولو كان معها غيرها. فهنا أمران: خلوة وهي حرام في الحضر والسفر، وسفر وهو حرام إلا بمحرم.
فهذه المرأة تقع فيما حرم الله عز وجل لإدراك أمر ليس بواجب عليها.
أما بالنسبة لامتناع الابن عن إيصالها إلى المسجد الحرام فإن هذا إذا كان قصده لعلها تمتنع فهذا طيب، لكن المشكلة أنها مصرة على الذهاب، فأرى أن لا يمتنع ما دامت إذا لم يذهب بها طلبت من السائق أن يذهب معها، وهو غير محرم، فالذي أرى، ألا يمتنع إذا كانت مصممة على الذهاب" انتهى باختصار.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (127- 130) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1370)
يقصر في زيارة أمه في إجازته!؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك رجل يسكن في الخارج، وعندما يأتي مع زوجته، لا يجلس مع أمه كثيرا، ويذهب إلى بيت أم زوجته، عندما نقول له: إنك تذهب كثيرا هناك يقول لنا: " النصف عندنا والنصف عندهم "، ولكن النصف الذي عندنا هو نوم فقط يعني "فندق"؛ هل هذا الرجل يفعل الصواب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
فالصواب أن يسعى هذا الرجل في إرضاء أمه بما يستطيعه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الْوَالِدِ وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ) . رواه الترمذي (1821) والحاكم في المستدرك (7249) وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي عند قوله صلى الله عليه وسلم: (في رضا الوالد) " وكذا حكم الوالدة بل هو أولى " انتهى.
ويدل على ما ذكره الشارح من أن رضا الأم كرضا الأب، بل أولى، ما رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ!!
وهذا يدل على أن الواجب تقديم الوالدين: الأم، ثم الأب، على كل من سواهما في البر وحسن الصحبة والمعروف.
فكل ما كان من هذا القبيل؛ كالزيارة، والهدية، والبر، والاصطحاب في السفر، وما أشبه ذلك، أو عده الناس بر وإحسانا، فكل هذا يقدم فيه الوالدان على من سواهما.
فإذا كانت الأم ترغب في أن يبقى ولدها عندها وقتاً أطول وأمرته بذلك، وكان لا يتضرر بذلك البقاء، فإنه يجب عليه طاعتها، قال العلامة ابن مفلح رحمه اله في الآداب الشرعية (1/433) : " ومن الواجب بر الوالدين وإن كانا فاسقين وطاعتهما في غير معصية الله تعالى" انتهى.
ومن المعلوم في هذا المقام أن حرص الأم على بقاء الابن معها إنما يبعث عليه وفور محبتها له، والأنس برؤيته فلا ينبغي للولد أن يدخل عليها الأذى بغيابه عنها.
لكننا نوصي الأم أيضاً بالمسامحة والعفو في التعامل مع ابنها، وأن لا تضيق عليه ما دام يبقى معها أوقاتاً، وهي لا تتضرر بذهابه في بعض الأوقات الأخرى، فعيش الناس لا بد له من ذلك.
وليس ثمة تحديد لمقدار الوقت الذي يجب على الولد أن يبقى فيه مع أمه، بل البر والصلة مردهما إلى العرف؛ ثم هو يتفاوت تفاوتا بينا، بحسب اختلاف أحوال الآباء، وأحوال الأبناء، والواجب من ذلك أن يجتهد الولد في إرضاء والديه، وبرهما والإحسان إليهما، على قدر استطاعته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1371)
طاعة الزوج في قطيعة الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للزوجة أن تُطيع زوجها في قطيعة أهلها، كأمها وأبيها وأخواتها وأقاربها؟ وعلى من يكون الإثم هنا؟ علماً أن الزوج يستشهد على إرغام زوجته بقطيعة أهلها بقصة امرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أطاعت زوجها في مثل ذلك إلى أن مات أبوها، ولم تره، طاعةً لزوجها، وأيدها الرسول في ذلك وقال: (إن أباها دخل الجنة أو غفر له بسبب طاعتها لزوجها) ، فما مدى صحة هذا الحديث؟ وما الحكم في هذا الموضوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الله سبحانه وتعالى أوجب حق الوالدين وحق الأقارب ونهى عن قطيعة الوالدين والأقارب، فقطيعة الوالدين هذا عقوق، وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك، وكذلك قطيعة الرحم كبيرة من الكبائر، لقوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) محمد/22، 23.
ولا يجوز للزوج أن يحمل زوجته على قطيعة أرحامها بغير حق، لأنه بذلك يحملها على المعصية، وعلى مقاطعة أرحامها، وفي ذلك من الإثم، والمفاسد الشيء الكثير، وطاعة الزوج وطاعة كل ذي حق إنما تجب بالمعروف، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة بالمعروف) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فلا يجوز لهذا الزوج أن يمنع زوجته من صلة أرحامها في حدود المشروع، في حدود المصلحة، بل عليه أن يعينها على ذلك، وأن يُشجعها على ذلك، لأن في هذا الخير الكثير لها وله، وأما الحديث الذي أشار إليه السائل، فهذا لم أسمع به، ولم أره، ولا أدري ما حاله" انتهى.
الله أعلم.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/548) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1372)
توفى والده وهو غير راضٍ عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في التاسعة عشر من العمر، توفي والدي وهو غير راض عني، وأصبح هذا الشعور يؤرقني ليل نهار، فما الذي يمكنني أن أعمله لكي أريح ضميري الذي يعذبني كثيراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجب على الولد أن يبرَّ بوالده، وأن لا يغضبه وأن لا يعقه، لأن حق الوالد عظيم، لكن إذا حصل من الإنسان مع والده شيء من الإساءة، فعليه أن يستحله وأن يستسمحه، ويطلب منه العفو إذا كان حياً.
أما إذا مات الوالد على هذه الحالة وهو قد غضب على ولده، فلم يبق حينئذٍ إلا أن يتوب هذا الولد إلى الله سبحانه وتعالى ويستغفره مما حصل، وأن يعمل للوالد شيئاً من البر بعد وفاته، بأن يتصدق عنه، وأن يدعو له، ويستغفر له، ويكثر من هذا لعل الله أن يخفف عنه حق والده" انتهى.
والله أعلم.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/583) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجوال(7/1373)
معنى الصلاة على الوالدين بعد موتهما
[السُّؤَالُ]
ـ[سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: هل بقي لي شيء أبر به أبوي بعد موتهما؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما) الحديث رواه أبو داود وابن ماجه فكيف تكون الصلاة على الوالدين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المراد بالصلاة في هذا الحديث: الدعاء بالمغفرة والرحمة ودخول الجنة والنجاة من النار ونحو ذلك، كما في قول الله سبحانه وتعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي: ادع الله (إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) التوبة/103، أي دعاءك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/219) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1374)
وعد والدته بإعطائها مالاً تضعه في بناء مسجد، ثم ماتت
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت والدتي مني مبلغاً من المال تضعه مساهمة في بناء مسجد يُقام بقريتنا ولم يكن عندي في ذلك الوقت المال الزائد عن حاجتي حتى ألبي طلبها، فوعدتها مستقبلاً أن أعطيها إن شاء الله، ثم سافرت إلى خارج بلدي لطلب الرزق الحلال، وفي هذه الأثناء قدَّر الله على والدتي بمرض توفيت على أثره، فهل يبقى ذلك الوعد مني لها ديناً في ذمتي وعليَّ أن أدفع ما وعدتها به إلى ذلك المسجد المعين أم يجوز ولو لغيره من المساجد التي تحتاج إلى مال، أم أنه لا يبقى ذلك الوعد ديناً في ذمتي وبالتالي أكون معافىً منه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، يجب عليك، أو ينبغي لك ويتأكد عليك أن تفي بوعدك، وأن تدفع هذه الدراهم في المسجد الذي ترغب والدتك أن تدفعها فيه، وقد وعدتها بذلك، فمن برها والإحسان إليها أن تنفذ هذا الوعد، لعل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله وأن ينفعها به، وهذا من برها ومن الإحسان إليها، فإن كان المسجد الذي تريده الوالدة قد استغنى وتم تكاليفه فإنك تدفعه في مسجد أخر، لكن كما ذكرنا لا ينبغي لك أن تفرط في هذا الوعد، وأن لا تدفع هذه الدراهم، بل ينبغي لك ويتأكد في حقك أن تُنفِّذ هذا الوعد براً بوالدتك.
والله أعلم" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/708) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1375)
هل يطيع والده في ترك الدراسة والاشتغال بالتجارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ولد سجَّل في إحدى المعاهد ليدرس، ولكن والده غير راض بذلك، ويريد من ولده أن يشتغل بالتجارة ولا يدرس، فهل يحق للولد أن يعصي والده أم يطيعه ويترك الدراسة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ينبغي للابن أن يجمع بين الحسنيين، فيطلب العلم ويساعد والده على تجارته، وإذا أصر والده على إلزام ابنه لترك طلب العلم والاشتغال بالتجارة فإنه لا يطيعه في ذلك وليس هذا من العقوق.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/139) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1376)
تردد نصرانية تريد الإسلام وتسأل عن علاقتها بأهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة نصرانية وأحب رجلاً مسلماً وأريد أن أتزوجه، أرشدني للإسلام حتى رأيت الأدلة العلمية على صحة الإسلام، أنا الآن في موقف حيادي فلست نصرانية ولست مسلمة، أنا حقاً أريد أن أعتنق الإسلام وأحاول جاهدة، بالحقيقة فقد كنت متمسكة بالنصرانية جدّاً ولكنني فقدت هذا الشعور وقد وافقت عائلتي على دخولي في الإسلام إن كان هذا يرضيني وإن شاء الله فسوف أسلم قريباً ولكنني قلقة لأنني لا أستطيع الحصول على الطمأنينة والرغبة التامة فيما أريد فعله، إذا لم أشعر بالطمأنينة والرغبة حين دخولي الإسلام فسأشعر بأنني سوف أسلم فقط لأتزوج هذا الرجل وهذا ما لا أريده وأنا أريد أن أسلم لله وقد احترت في أمري فماذا أفعل؟
سؤالي الثاني: إذا أسلمت فهل أستطيع أن أقابل أفراد عائلتي غير المسلمين؟ قرأت في موقع إسلامي أن الزوج إذا منع زوجته من الذهاب إلى أماكن لا يحبها أو أن تفعل أشياء لا يريدها فعلى الزوجة أن تطيعه في هذا، أنا أحب عائلتي جدّاً جدّاً وهم كذلك يحبونني جدّاً ولذلك فهم لا يمانعون من دخولي في الإسلام ولذلك فأنا لا أريد أن أتركهم وهم كذلك لا يريدون أن يفقدوني.
أرجو أن توضح لي هل يمكن أن أقابلهم وأن أحتفل معهم بالأيام الخاصة وهل أستطيع أن أتبادل معهم الهدايا في الأعياد الخاصة كعيد ميلاد المسيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن التردد في دخول الإسلام لا ينبغي أن يصدر من امرأة مثلك، لها مثل هذا الأسلوب في الكلام، وعندها من العقل والحكمة ما تعرف به الصواب من الخطأ، بل ينبغي أن تكوني مرشدة لغيرك من الحيارى والتائهين.
واعلمي أن الشيطان هو الذي يحول بينك وبين الجزم بدخول الإسلام، وأنه هو الذي يوهمك أن دخولك الإسلام ليس من أجل القناعة الذاتية به، وأنك لن تكوني مطمئنة، وغير ذلك مما يقذفه في قلبكِ وعقلكِ، ويجعلكِ تترددين في قرار فيه سعادتك في الدنيا والآخرة.
إن إسلامك هو لله سبحانه، وما كان الرجل المسلم إلا سبباً فيه، وطريقاً إليه، وليس يعيب الرجل أن يسلم بسبب امرأة تنصحه وتهديه، وليس يعيب المرأة أن تُسلم بسبب رجل ينصحها ويهديها، وإليك قصة امرأٍة في الإسلام لا يُعرف لها نظير، فهي من نوادر هذه الأمة، وتفكِّري جيّداً في حادثتها:
عن أنس بن مالك قال: خطبَ أبو طلحة أمَّ سليم، فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يُرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تُسلم: فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلمَ، فكان ذلك مهرها.
قال ثابت – تلميذ أنس -: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهراً من أم سليم، الإسلام، فدخل بها، فولدت له.
رواه النسائي (3341) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
واعلمي أنه سرعان ما سيدخل الإيمان إلى شغاف قلبك، ولن تكون الدنيا كلها تعدل عندك العيش ساعة واحدة متقلبة في هذه النعمة العظيمة، ولقد كان بعض الناس يدخلون الإسلام من أجل المال، فسرعان ما يحبون الإسلام ويحاربون من أجله ويبذلون فيه الغالي والنفيس.
فعليك أن تجاهدي نفسك، وأن تعلمي أن الشيطان يريد أن يصدك عن السعادة وعن دين الفطرة والعقل، وأنت ستختارين دين آدم وإبراهيم وموسى والمسيح عيسى عليهم السلام، دين الفطرة التي خلق الناس عليها، فهذا الكون ليس له إلا ربٌّ واحد لا شريك له، هو المستحق للتوحيد والعبادة، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يُرسل إلا بما أرسل به الرسل من قبله، فكوني مع طائفة أتباع الأنبياء والرسل تسعدي في الدنيا والآخرة.
ثانياً:
لن يمنعك الإسلام من اللقاء بأسرتك، بل سيوصيكِ بهم أكثر لتكوني مثالاً حسناً للمرأة المسلمة، ولتعينيهم على اعتناق هذا الدين، فأولى الناس أن يشاركك في هذه النعمة هم أهلُك وأفراد أسرتك.
قالت أسماء بنت أبي بكر الصدِّيق: قدمتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم (تعني: المدة التي عاهد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة على ترك القتال فيها) ، فاستفتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله قدمتْ عليَّ أمِّي وهي راغبة أفأصلُ أمِّي؟ قال: نعم، صلِي أمَّك ".
رواه البخاري (ومسلم (1003) .
فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يأذن بأن يصل المسلم أهلَه الذين هم على غير دين الإسلام، حتى لو كان هؤلاء الأهل يدعونه لترك دينه وأن يصبح مشركاً فإن الإسلام مع نهيه له أن يجيبهم لدعوتهم تلك، أمره أن يحسِن إليهم ويتلطف معهم.
قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان / 14-15.
وقد اهتمَّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدعوة أهله إلى الدين وظلَّ يزورهم ويدعوهم حتى إنه زار عمَّه أبا طالب وهو في الرمق الأخير وعرض عليه الإسلام.
فليس هناك ما يمنعك من زارة أهلك، وليكن ذلك بالاتفاق مع زوجك، وعليك أن تنتهزي هذه الزيارة لدعوتهم إلى الحق والخير والأخذ بأيديهم إلى النجاة.
والمحرَّم في مثل هذه الزيارات هو ما يكون فيها من اختلاط النساء بالرجال، أو مصافحة الرجال الأجانب، أو المشاركة في أعيادهم، ولا يخفى عليكِ أن ما جاء به الإسلام من أحكام إنما هو لمصلحة الناس الدنيوية والأخروية، ولا بأس من تبادل الهدايا معهم، وقد يكون ذلك سبباً في تأليف قلوبهم وترغيبهم في الإسلام، ما لم تكن الهدايا بسبب أعيادهم لاسيما الدينية فلا يجوز لك قبولها ولا إهداؤها لأن ذلك من الإعانة لهم على باطلهم والرضا به.
يراجع سؤال رقم (1130)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1377)
تابت من العمل في البنك ويريد أهلها وزوجها أن تبقى فيه!
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة عمرها 43 سنة، متزوجة، وأم لثلاثة أطفال، تعمل في بنك ربوي مند 20 سنة، في السنة الأخيرة - والحمد لله - هداها الله سبحانه وتعالى إلى الاقتناع بأن هذا العمل حرام شرعاً؛ لما فيه من تعاملات ربوية، ومساعدة على نشرها، واتخذت قرارها بتركه، لكن الأمور لم تجرِ بهذه السهولة، اصطدمت بمعارضة قوية من عائلتها، من جهة أولى زوجها، حاول المستحيل لمنعها لدرجة أن الأمر وصل للتهديد بالطلاق إن هي أصرت على موقفها، فهو لا يريدها أن تترك العمل؛ لأنها تساهم – تقريباً- بنصف راتبها في مستلزمات البيت، وما يعزز أكثر رفضه - في نظره - أنه يتحجج بأن عملها يمنح لأطفالهما تأميناً صحيّاً لا يمكنه أن يوفره من خلال عمله (يعمل في عمل مند أكثر من 15 سنة بعقد قابل للتجديد كل سنة) تخبره بأنها ستقنع بما يجنيه هو، وأن الله هو المؤمن وكل شيء بيده، لكن لا فائدة، ومن جهة أخرى والدها الذي وصل به الأمر بتخييرها بين رضاه، وسخطه إن تركت العمل، يقول لها: يمكنك تركه ولكن بشرط أن تجدي عملا آخر قبل ذلك، وهذا نراه شرطاً تعجيزيّاً، وذلك لسببين: أولاً: مشكلة السن، عمرها 43 سنة، ثانياً: استفحال مشكلة البطالة في بلادنا، هناك صعوبة في إيجاد عمل آخر، كما أنه عمل على إقناع شقيقيها على عدم مساعدتها سواء ماديّاً، أو معنوياً. مع العلم: أسرتها أسرة ملتزمة بتعاليم ديننا الإسلامي، لكن عملها هو نقطة خلافهم، هي الآن حائرة، لا تدري ما تفعل، زوجها يخبرها أن الله سبحانه وتعالى أمر الزوجة بطاعة زوجها، وهذا هو فوزها الأكبر أكثر من أي شيء، وبين والدها الذي يهدد إن لم تطعه سيسخط عليها دنيا وآخرة، وبأن بر الوالدين وطاعتهما فوق كل ما تريد أن تفعله، وأنها يجب عليها المحافظة على عملها لأنه هو مستقبلها، وأنها يمكن أن تمر بظروف قاسية إن تركته. نرجو من فضيلتكم أن تنصحوها، وأن تضعوها على الطريق الصحيح، وأن تبينوا لها حكم ما يقول زوجها، وأبوها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن وفقها للتوبة من الكسب المحرَّم، ومن الإعانة على ما يسخط الرب تعالى من العمل في الربا، وهو من كبائر الذنوب التي توعد الله أصحابها بالمحق والعذاب، إلا أن يتوبوا ويعودوا لربهم بصدق وإخلاص.
ثانياً:
لا تخلو هذه الدنيا من ابتلاء، فيبتلى المسلم فيها بأنواع شتى من الابتلاءات، وقد يُبتلى التائب من ذنبه، والمقبل على ربه تعالى فعليه أن يصبر ويثبت فإنه الآن في محطة الاختبار ليُرى صدقه في توبته وإقباله على ربه تعالى من عدمه، لذا فإنه يجب على صديقتك أن تعلم أن ابتلاءها هو في صالحها إن صبرت عليه وتحملته، وأنه أمرٌ يعرض للتائبين من ذنوبهم، والمقبلين على ربهم تعالى، فلا تجزع، ولا تفزع، ولا تضجر، ولتكن مع ربها تعالى بالإنابة، والدعاء، والعمل الصالح، وستجد ما يسرها إن شاء الله، من التثبيت على الطاعة، والتوفيق للعمل الصالح.
وطريق الجنة محفوف بالمكاره، ومن صبر على قطع هذا الطريق فإن نهايته ستكون سعيدة، وطريق النار محفوف بالشهوات، ولو استمتع العاصي بدنياه بتلك الشهوات فإنه سيندم على ذلك أشد الندم، وسيجد من الحسرة والسخط والعذاب ما يُنسيه استمتاعه ذاك.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ) . رواه البخاري (6122) ومسلم (2823) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) . رواه مسلم (2822) .
قال النووي رحمه الله:
"قال العلماء: هذا من بديع الكلام، وفصيحه، وجوامعه، التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، من التمثيل الحسن، ومعناه: لا يوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره، والنار بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب: وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة: باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار: بارتكاب الشهوات، فأما المكاره: فيدخل فيها: الاجتهاد في العبادات، والمواظبة عليها، والصبر على مشاقها، وكظم الغيظ، والعفو، والحلم، والصدقة، والإحسان إلى المسيء، والصبر عن الشهوات، ونحو ذلك.
وأما الشهوات التي النار محفوفة بها: فالظاهر أنها: الشهوات المحرمة، كالخمر، والزنا، والنظر إلى الأجنبية، والغيبة، واستعمال الملاهي، ونحو ذلك.
وأما الشهوات المباحة: فلا تدخل في هذه، لكن يكره الإكثار منها؛ مخافة أن يجر إلى المحرمة، أو يقسي القلب، أو يشغل عن الطاعات، أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا للصرف فيها، ونحو ذلك" انتهى.
" شرح مسلم " (17 / 165، 166) .
ثالثاً:
من الواجب على هذه الأخت أن تلتزم الصدق في توبتها، فتندم على ما فات من عمرها الذي قضته في العمل المحرَّم، وتعزم عزماً مؤكداً على عدم العود للعمل في البنوك الربوية، ولا في غيرها من الأماكن المحرَّمة.
قال علماء اللجنة الدائمة للإتاء:
"العمل في البنوك التي تتعامل بالربا: من الأمور المحرمة، ولا يجوز لك أن تستمر فيه؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه بقوله: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكلَ الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه) ، وعليك التوبة إلى الله من ذلك" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 45، 46) .
وقالوا أيضاً:
"ثبت تحريم الربا بالكتاب، والسنَّة، والإجماع، وثبت أن التعاون عليه بالكتابة، والشهادة، ونحوهما: حرام، وعلى هذا: فالعمل في البنوك الربوية محرم؛ لما فيه من التعاون على الإجراءات الربوية من حساب، وصرف، وقبض، وتقييد، وكتابة، وحراسة، ونحو ذلك، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 46، 47) .
رابعاً:
أما ما قاله زوجها ووالدها من أن الله تعالى أمر بطاعة الزوج، وطاعة الوالدين وبرهما، فهو حق، قد أمر الله تعالى بذلك، لكن. . إذا تعارض أمر الله تعالى مع أمر الزوج أو الوالد بحيث أمرا بما يخالف أمر الله، فلا يشك مؤمن في أن الواجب هو تقديم أمر الله تعالى، ومن قال غير ذلك فهو على خطر عظيم، وعليه أن يراجع إيمانه.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ طَاعَةَ في مَعْصِيَةِ الله، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ) رواه البخاري (6830) ومسلم (1840) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (28 / 327) :
"طاعة المخلوقين - ممّن تجب طاعتهم – كالوالدين، والزّوج، وولاة الأمر: فإنّ وجوب طاعتهم مقيّد بأن لا يكون في معصية، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" انتهى.
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله:
"المرأة مأمورة بطاعة الله سبحانه وتعالى، ومأمورة بطاعة زوجها، وبطاعة والديها، ضمن طاعة الله عز وجل.
أمَّا إذا كان في طاعة المخلوق: من والد، أو زوج، معصية للخالق: فهذا لا يجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) - رواه البخاري -؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق) - رواه أحمد – " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 265، 266، سؤال 161) .
فأعلمي صديقتك بحرمة طاعتها لوالديها وزوجها في الرجوع للعمل في البنك الربوي، وأن غضب والدها عليها لا وزن له عند الله تعالى؛ لأنه والحالة هذه يكون هو الآثم الظالم لها، وإن أمكنها أن تتقاعد مبكراً، وتحصل على راتب شهري بعد تقاعدها، فذلك خير، ولا حرج عليها من أخذ هذا الراتب إن شاء الله.
وإن وُفِّقَت إلى الجمع بين إرضاء الله تعالى وعدم إسخاط الوالدين والزوج بالعمل في مكان مباح: فذلك أفضل، وأجمع للشمل، وإن عجزت عن التوفيق بين الأمرين: فلتقدم مرضاة الله على رضا أي أحدٍ سواه، وإن أصابها سوء أو أذى أو ضرر: فلتصبر، ولتحتسب.
وعليها أن تلين مع زوجها وأبيها وتحاول إقناعهما بأن الحرام مهما كان كثيرا فإنه لا بركة فيه، وعاقبته إلى زوال.
ونسأل الله أن ييسر لها أمرها ويهدي أهلها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1378)
والده يشرب الخمر، فكيف يتصرف معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي إليكم أسري، واجتماعي بنفس الوقت، أبي – يا شيخ حفظكم الله - مبتلى بالمسكر (الخمر) منذ زمن , وكلما رأيته بهذه الحالة أنقهر، وأغتم مما أراه، وإذا نصحته وقلت له إن هذا الشيء لا يجوز وحرام: يزعل مني، ويحاول إسكاتي، مما يجعلني أتصادم معه في الكلام، وأحياناً أسبه وكأنه واحد من أعدائي , علما بأن أمي متوفية - رحمها الله - منذ سنتين، وجدتي التي هي أم أبي مريضة في المستشفى بسبب جلطة دماغية عافانا الله وإياكم منها , ومما يزيد الأمر سوءً أن أبي - هداه الله – لا يستطيع المشي إلا على العكاز، ولمسافة قريبة فقط؛ لأنه منذ صغره وهو أعرج، وعمره الآن 60 سنة، وكما قلت لكم أنني نصحته أكثر من مرة ولكن لا فائدة من الكلام، حيث إن أصحابه نصحوه، ولكن لا حياة لمن تنادي , كذلك يعاني من مرض السكر، والضغط , وأنا لا أريد العقوق به، ولكن ما الذي يجب أن أعمله تجاهه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شرب الخمر حرام، وهو من كبائر الذنوب، وقد دلَّ على تحريمه الكتاب، والسنَّة، والإجماع، ولا خلاف بين العلماء في تحريمه.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/ 90، 91.
وللخمر مفاسد على الدين، والبدن، والعقل، والمال، والعرض، ولذا فإن كثيراً من الصحابة رضي الله عنهم حرّموا شربها على أنفسهم في الجاهلية: ومنهم أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، قالت عائشة رضي الله عنها: " حرَّم أبو بكر الخمرة على نفسه، فلم يشربها في جاهلية، ولا إسلام، وذلك أنه مرَّ برجل سكران يضع يده في العذرة ويدنيها من فيه، فإذا وجد ريحها صرف عنها، فقال أبو بكر: إن هذا لا يدري ما يصنع ".
ومنهم: عثمان بن مظعون، حيث روي عنه قوله: " لا أشرب شراباً يذهب عقلي، ويضحك بي مَن هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد ".
ومنهم: قيس بن عاصم، حيث روي عنه قوله – في سبب تحريم شرب الخمر على نفسه -: " لأني رأيته متلفة للمال، داعية إلى شرّ المقال، مذهبة بمروءات الرجال ".
ويتعرض شارب الخمر يعرِّض نفسه لمفاسد وعقوبات في نفسه، إن لم يتدارك نفسه بتوبة صادقة: هلك، وانظر بعض هذه المفاسد والعقوبات في جواب السؤال رقم (38145) .
ثانياً:
أما ما يجب عليه تجاه المنكر الذي يفعله والدك فإنه يتلخص بما يلي:
1. المداومة على نصحه، ووعظه، بتبيين حرمة شربه للخمر، والعقوبات المترتبة على فعله.
2. التلطف في المعاملة، والإحسان له بالقول والفعل.
3. عدم إعانته على شراء الخمر، لا من حيث جلبه له، ولا من حيث إعطاؤه من المال ما يشتري به من ذلك المنكر.
4. عزله عن الأسرة، أو عزل الأسرة عنه في حال سكره؛ لئلا تؤثر مخالطته لهم على سلوكهم وأخلاقهم، خاصة إذا كان في الأسرة من يمكن أن يتأثر به؛ ولكي يأمنوا شرَّ أفعاله إذا سكر.
5. رفع الأمر لمن يأخذ على يده بالعقوبة، من حاكم، أو قاضٍ، أو جهات مسئولة.
6. الدعاء له بأن يهديه الله ويخلصه من فعل الحرام.
وهذه بعض الفتاوى في الموضوع، نسأل الله أن تكون نافعة في بيان المقصود.
أ. سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم الإسلام في المسلم الذي يشرب الخمر، ولا يقبل النصح، ويعلل ذلك بقوله: " إنه هو الوحيد الذي سيحاسبه الله "، ولا يسمح لأحد أن يتدخل في شئونه، فهل يجوز للمسلمين أن يتعاملوا معه أو لا؟
فأجابوا:
يجب على مَن عرف الحق من المسلمين أن يبلغه قدر طاقته، وأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر حسب استطاعته، فإن قُبلت نصيحته: فالحمد لله، وإلا رفع أمر مَن ارتكب المنكر أو فرَّط في الواجبات إلى ولي الأمر العام، أو الخاص، ليأخذ على يد المسيء حتى يرتدع، ولا ينتشر الشر، ودعوى من يشرب الخمر ويصر على ذلك أنه لا يحاسبه على شربها غير الله: ليست بصحيحة إذا كان يشربها علناً، فإن مَن يراه يشربها مكلف بالإنكار عليه حسب استطاعته، فإن لم يقم بالواجب عليه نحو من يرتكب المنكر: عوقب على تفريطه في واجب البلاغ والإنكار، فليس شرب إنسان الخمر علناً مما يختص جرمه بالشارب، بل يعود ضرره على المجتمع في الدنيا، وخطره يوم القيامة على الشارب، والمفرط في الإنكار عليه، وفي الأخذ على يده، وعلى مَن عرف من المسلمين حال المجرم أن يهجره في المعاملات، ولا يخالطه إلا بقدر ما ينصح له، وما يضطر إليه فيه، وليجتهد ما استطاع في إبلاغ ذلك إلى ولاة الأمور ليقيموا عليه الحد؛ ردعاً له، ولغيره؛ وقطعا لدابر الشر والفساد؛ وتطهيراً للمجتمع من ذلك الوباء.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجن الدائمة " (22 / 81، 82) .
ب. وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -:
أنا موظف في إحدى الدوائر الحكومية، وأستلم راتبا وقدره (2981) ريالاً، ولي أب يريد أن أعطيه من الراتب الذي أستلمه، وأنا لا أقدر؛ لأنني اشتريت سيارة، وأسدد أقساطها، وكل قسط (2000) ريال، ولي أخت تعطيه شهريا (850) ريالاً، ويوجد عنده محل يبيع ويشتري المواد الغذائية، ويريد مني نقوداً، وأنا لا أقدر، مع أنه يشرب الخمر! ويريد أن أعطيه نقوداً، فهل يجوز أن أعطيه نقوداً مع أنه يمكن أن يشتري خمراً بالنقود التي أعطيه إياها؟ وإذا لم أعطه نقوداً يطردني من البيت، ويقول:" إن لم تعطني نقوداً فاخرج من البيت "، وأخواتي لا يعطيهم نقوداً إلا بعد مشقة كبيرة.
أفيدوني في هذا السؤال، أفادكم الله، وأسكنكم فسيح جناته؟ .
فأجابوا:
إذا كان الواقع كما ذُكر من أنه يشرب الخمر، وكان عنده ما يكفيه لحاجته المباحة: فصاحبه في الدنيا بالمعروف، وأحسن إليه بما تيسر لك، مما لا يتمكن من صرفه في محرم؛ مثل أن تعطيه كسوة، أو كيس أرز، أو شيئاً مما يكون أثاثاً للبيت؛ من سجادة، أو أواني، وتبش في وجهه، وتكلمه كلاماً ليِّناً سمحاً، ونحو ذلك من المعروف والإحسان، مع نصيحته بترك شرب الخمر، وسائر المحرمات.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 173، 174) .
ج. وسئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
أنا شاب هداني الله للإيمان - والحمد لله - متزوج حديثًا، وأتقاضى راتباً شهريّاً، وقد استأجرت بيتًا، وسكنت فيه مع زوجتي؛ وذلك لصغر بيت أهلي، وأعطي أهلي جزءًا من راتبي، وبعضه لوالدي الذي يشرب الخمر يوميّاً! فهو مدمن عليها! لذلك فإن ضميري يؤنبني بأني بذلك أشجعه على شراء الخمر، علماً أنه يتقاضى راتباً يعطي منه لوالدتي نصفه والباقي يصرفه على شراء الخمر، والسجائر، ولعب القمار – أحياناً -، خصوصاً وأنا بحاجة إلى هذا المبلغ لتكوين نفسي، وكذلك فإن أختي الكبيرة تعطيه من راتبها، فما حكم إعطائنا له تلك المبالغ؟ أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب:
يجب على المسلم أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من المعاصي، ولاسيما الكبائر، كشرب الخمر، ولعب القمار، وغير ذلك مما حرم الله سبحانه وتعالى، فيجب على هذا الوالد، وعلى كل عاصٍ: أن يتوب إلى الله، ويبادر بالتوبة، وألا يتجارى مع الهوى، والشيطان، فيُهلك نفسه، فيقع في غضب الله، وسخطه، والواجب عليكم أن تناصحوه، وأن تكرروا له النصيحة، وتغلظوا عليه، وإذا كان هناك سلطة إسلامية: فيجب عليكم أن ترفعوا شأنه إليها للأخذ على يده، وإعانته على نفسه.
وأما بالنسبة لما تعمله أنت، وأنك هداك الله للإسلام: فهذه نعمة عظيمة، ونسأل الله لنا ولك الثبات، ثم ما تعمله من توزيع راتبك على حوائجك، وعلى أهلك، وعلى والدك: فهذا شيء تشكر عليه، ونرجو الله أن يتقبل منا ومنك.
وأما بالنسبة لكون والدك يشرب الخمر، ويستعين بما تعطيه على ذلك: فإذا تحققت أن والدك يستعين بما تدفعه إليه على معصية الله: فلا تعطه؛ لأن الله جل وعلا يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 2.
فإذا تحققت من أن والدك يستعين بما تعطيه إياه على معصية الله: فإنك تمنع عنه العطاء؛ لعله يتوب إلى الله، ويرتدع عما هو عليه.
وعلى كل حال: الوالد له حق، لكن إذا كان بالحالة التي ذكرتها، وأنه يستعين بما تدفعه إليه على شرب الخمر، ولعب القمار، وغير ذلك: فإنك لا تعطيه شيئًا يعينه على المعصية.
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح بن فوزان " (4 / ص 261، السؤال 266) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1379)
تركها أهلها في صغرها، ورباها عمُّها وزوجته، فكيف تتصرف مع أهلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي وأمي أعطياني لعمِّي، وأنا عمري ثلاثة أيام، ولقد كبرت في بيت عمي وزوجته، وأنا أظن أنهما والداي، إلى أن صار عمري 12 سنة، وعلمت بالأمر، فصدمت، ولكن بعد فترة اعتدت بالوضع، وصرت أعيش بينهما، ولكن أبي الحقيقي يعاملني على أنني ابنة أخيه، وكذلك أمي، وإخوتي، إلى أن تزوجت، ووقعتْ بيني وبينهم مشكلة، لستُ سبباً فيها، فقاطعوني، حتى أنني أنجبتُ إثر عملية قيصرية، ولم يكلفوا أنفسهم عناء السؤال عليَّ، فهل أنا مذنبة في حقهم؟ وهل أعتبر عاقة لوالدي - مع العلم أنهم قد تخلوا عني منذ صغري -؟ ، وما هو واجبي تجاههم في الشرع؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اعلمي ـ يا أمة الله ـ أن من رحمة الله تعالى بك أن يعوضك عن تقصير أبيك وأمك، وإهمالهم لشأنك، بعناية عمك وزوجه، وقيامهم بأمرك، وعمك ـ والحمد لله ـ هو محرم لك، بل هو كأبيك لك، كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ... يَا عُمَرُ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ) رواه مسلم (983) .
وإن كان الواجب على الجميع أن تتم هذه العناية من عمك وزوجه، وأنت تعرفين كفالته لك على أنك ابنة أخيه؛ فتربيتهم لكِ، ومعيشتك تلك الفترة في بيتهم، وتحت كنفهم: لا يجعلك بنتاً لهم، ولا ينزع والديك منك، لا نسبة، ولا برّاً لهما، ولا صلةً لأشقائك، وإن كانوا قد أخطأوا بفعلهم ذاك، فإنه لا يجوز لك مقابلة الخطأ بخطأ، بل تعفين وتصفحين، ولك الأجر إن شاء الله، وإن كان لعمك أبناء فإنه لا يحل لك أن تختلي بأحدٍ منهم، ولا أن تكشفي عن شيء من جسمك أمامهم؛ فهم أجانب عنكِ، ولست أختاً لهم حتى يحل لك ذلك.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
إنني فتاة في سن الحادية والعشرين من عمري، ولدت على أيام الحرب – أي: حرب الستين - في الحرب فقدت والدتي ووالدي، وأطفال كثيرون فقدوا الآباء والأمهات، جمعونا يوم ذاك، وأخذونا إلى ملجأ في " عمان "، عشت في الملجأ شهراً على الأقل، وجاءت عائلة أردنية، وأخذتني بالتبني! لأنهم زوجان لا ينجبان الأولاد، عشت معهم وكأنني ابنة لهم، لم يشعروني بأي شيء، فعلا ربوني على الهداية، والحمد لله رب العالمين، عرفت من زميلاتي في المدرسة أن لا أهل لي، في البداية لم أهتم لذلك؛ لأن والدتي معي، ولكن الآن والدتي بالتبني توفيت، وأنا لوحدي مع والدي، هو رجل كويس، والحمد لله، ولكنه محرَّم عليَّ، أنا أمامه ألبس الطويل الساتر، ولكن لا ألبس الإيشارب، عشت عند دار والدتي، أي: دار جدي بالتبني، ولكن لم أرتح كثيراً، فرجعت لوالدي أعيله لأنه مريض، بعديد من الأمراض، هل وجودي معه حرام، وهل عدم لبس الإيشارب أمامه حرام؟ .
فأجابوا:
التبني لا يجعلكِ بنتاً لمن تبناك كما كان الحال في زمن الجاهلية، إنما القصد منه الإحسان، وتربية الصغير، والقيام بمصالحه، حتى يكبر، ويرشد، ويتولى شؤون نفسه ويستقل في الحياة، فنرجو الله أن يحسن إلى من أحسن إليك، لكنه ليس أباً ولا محرماً لك، فيجب أن تحتجبي عنه، شأنك معه في هذا كأي أجنبي، مع مقابلة إحسانه بالإحسان، ومعروفه بالمعروف، مع الحجاب، وعدم الخلوة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 360) .
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -:
امرأة متزوجة، ولكن لم يشأ الله أن تنجب أطفالاً، لذا هل يجوز أن تتبنى طفلاً وتنسبه لها ولزوجها أم لا، وإذا كان جائزاً فما هي صفات الطفل الذي يجوز تبنيه، بمعنى: أن يكون أبواه معروفين، ولكنهما قد ماتا كاليتيم مثلاً، أو مَن لا يعرف أبواه ونحو ذلك؟
فأجاب:
التبني كان موجوداً في الجاهلية فأبطله الإسلام، ونهى عنه، فالطفل المتبنَّى يكون أجنبيّاً من المتبنِّي؛ لأنه إنما ينسب لأبويه الحقيقيين، ولا ينسب لمن تبناه.
يقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ 4 ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ) الأحزاب / 4، 5.
فالواجب على المسلمين أن يتجنبوا هذا الأمر الخطير الذي أبطله الإسلام، ونهى عنه، ولا مانع من أن المسلم يحسن إلى اليتيم، وإلى الصغير الذي ليس له وليّ يقوم على تربيته، فالإحسان إليه فيه فضل عظيم، لكن لا يتبناه.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (4 / 197، السؤال 216) .
وانظري جوابي السؤالين: (10010) و (5201) .
ثانيا:
أما بخصوص بر والديكِ: فاعلمي أن ما فعلاه في حقك لا يجيز لك التخلي عنهما، وهجرهما، ولا يمكنكِ التبرؤ من النسبة إليهما، ويجب عليكِ برُّها، والإحسان إليهما، ويحرم عليكِ جفاؤهما وعقوقهما.
قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/ 36.
وقال سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) لقمان/ 14.
وقال عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/ 23، 24.
وعن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
رواه البخاري (504) ومسلم (85) .
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ - ثَلَاثًا -؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ - وَكَانَ مُتَّكِئًا - فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ.
رواه البخاري (2654) ومسلم (126) .
وانظري أجوبة الأسئلة: (22782) و (13783) و (11495) و (3044) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1380)
زوجها يمنع أولادهما من زيارة أبويها الكافرين
[السُّؤَالُ]
ـ[سألت شيخنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن امرأة تقول أبواي كافران وزوجي يمنع أولادي من رؤيتهما، فهل له حق في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
فأجاب حفظه الله بقوله:
الحمد لله
ليس له حق، ولكن ينبغي عليك مداراته، ويقال للزوج إذا لم يكن على الأبناء خطر في الدين فلا تمنعهم، وبإمكانه أن يتفادى الخطر بأن يحضر الزيارة بنفسه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(7/1381)
يحب والده المتوفى ويريد أن يحسن إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أتقدم إليكم بسؤالي هذا والقلق ينتابني حيال والدي رحمه الله، والدي توفي منذ سنتين، وكان لديه تقصير تجاه رب العالمين وذلك: 1- لم يكن مواظباً على الصلاة المكتوبة , كان يصلي أحياناً وأحياناً لا يفعل كسلاً، وليس إنكاراً لوجوبها. 2- كان قليلاً ما يصوم رمضان ويحتج بأنه مريض وعليه أن يأخذ دواء القلب، أو أنه ضعيف لا يستطيع , ولكنه كان من المدخنين، وأنا أظن أنه لم يكن مواظباً على الصيام بسبب ضعف مقاومته لترك التدخين. 3- كنا في فترة بعيدة من الزمان نملك دكاناً للبقالة، وحسب علمي وكما أذكر أنه لم يكن يخرج زكاة البضاعة التي فيه , وكانت أوضاعنا المادية صعبة , ولم تربح تجارتنا، وبعنا الدكان بعدها. 4- أحياناً ربما امتلك مبلغاً من المال يمكنه من الحج ولكنه لم يحج , وكان دائماً يقول لي إنه يتمنى الذهاب إلى الحج ولكنه لا يستطيع، حيث إنه كان يعاني من مشاكل كثيرة وخطيرة في العينين، وكان عليه أن يبتعد عن الزحام والشمس والتعب، ولكن بعد وفاته تبرع بعض الناس وقاموا بالحج عنه - أظنهم ثلاثة أشخاص منفردين، وليسوا من أقربائه –. أحببت والدي كثيراً، وكذلك أحبه كل من عرفه. لذلك أرجو منكم أن تبينوا لي ماذا يمكنني عمله من أجل البر بوالدي , أنا أحبه وأخاف عليه من عذاب القبر ومن عذاب يوم القيامة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أردت أن تنفع وتبر والدك بعد وفاته، فيمكنك أن تنفعه بما يأتي:
1- الدعاء الصادق له، قال الله تعالى: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ. رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) إبراهيم/40-41.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: (إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعالى لَيَرْفَعُ لِلرَّجُلِ الدَّرَجَةَ، فَيَقُولُ: أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِدُعَاءِ وَلَدِكَ لك) رواه الطبراني في "الدعاء" (ص/375) ، وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/234) للبزار، ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/78) .
قال الذهبي في "المهذب" (5/2650) : إسناده قوي. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وهو حسن الحديث.
2- التصدق عنه.
3- أداء الحج والعمرة عنه، وإهداء ثوابهما إليه، وقد سبق في موقعنا تفصيل هذه الأمور في جواب السؤال رقم (12652) .
4- قضاء دينه: كما فعل جابر بدين والده عبد الله بن حرام رضي الله عنهما بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم. والقصة رواها البخاري (2781) .
أما ما فاته من صيام رمضان ومن أداء الزكاة فهذا لا يمكن للولد استدراكه، فإذا تعمد المسلم التقصير في هذين الفرضين فلا بد أن يتحمل وزرهما، ولا يؤديها أحد عن أحد.
ومثل ذلك: الصلاة، فإنه لا يصلي أحد عن أحد.
وقد أخبرنا ربنا عز وجل بأن المسلم مجازى بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر:
يقول الله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة/7-8، إلا أن يتجاوز الله برحمته وفضله عن السيئات.
غير أن الزكاة تشبه الدَّيْن، فهي حق للمستحقين الزكاة، فعليك أن تقدر الزكاة التي لم يخرجها في حياته وتقوم بإخراجها عنه ونرجو أن يكون ذلك سبباً للتخفيف عنه.
نسأل الله أن يجزيك خيراً على حبك لوالدك وحرصك على بره، وأن يعفو عنه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1382)
إذا طلب الوالد منه مالا ولم يكن عنده فهل يلزمه الاقتراض
[السُّؤَالُ]
ـ[الوالد الله يحفظه لنا أحيانا يطلب منا أنا وإخوتي مساعدته لزواج أحد إخوتي أو تغيير أثاث المنزل أو غير ذلك من الأشياء التي ليست مهمة وأكثر الأحيان أقوم بدفع ما يخصني ولكن مرة من المرات لا أستطيع لأنها لا تكون متوفرة لدي فيزعل علي لفترة ثم أقوم بطلب سلفة من البنك وآتي بها له وهكذا، علما أن حالته المادية متوسطة، هل يجوز أن أعصيه وأقول له: المبلغ ليس عندي أم أذهب إلى البنك وآخذ دَيْناً في شيء لا يعتبر مهما بهذه الدرجة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
للأب أن يأخذ من مال ولده، ما احتاج إليه، إذا كان لا يضر بالابن، وذلك لما روى ابن أبو داود (3530) وأحمد (6640) من حديث عبد الله بن عمرو أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي. فَقَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود.
ومعنى الحديث ـ كما قال الخطابي رحمه الله ـ: أن هذا الرجل كان يحتاج المال من أجل النفقة وكان مال الابن قليلاً بحيث تستأصله النفقة وتأتي عليه كله، فلم يعذره النبي صلى الله عليه وسلم في ترك النفقة على أبيه. وانظر: "عون المعبود".
ويشترط أن يكون الأب بحاجة إلى هذا المال، عند جمهور الفقهاء خلافا للحنابلة؛ لما روى الحاكم (2 / 284) والبيهقي (7 / 480) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولادكم هبة الله لكم {يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور} فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها) . صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2564) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولأبٍ أن يأخذ من مال ولده ما شاء , ويتملكه , مع حاجة الأب إلى ما يأخذه , ومع عدمها , صغيرا كان الولد أو كبيرا , بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر. وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه , فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا) متفق عليه. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه) رواه الدارقطني؛ ولأن ملك الابن تام على مال نفسه , فلم يجز انتزاعه منه " انتهى من "المغني" (5/395) باختصار.
فإذا احتاج الأب للمال فله أن يأخذ من مال ولده، فينفق على نفسه وعلى من يعول، بشرط ألا يضر بالابن وألا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته، كسيارته التي يركبها ونحو ذلك. وانظر جواب السؤال رقم (9594) .
ثانيا:
إذا لم يكن لديك مال فلا يلزمك الاقتراض، ولك أن تقول لوالدك: إنه لا مال لديك الآن، أو أنك بحاجة إلى المال الموجود معك، ولا يعد هذا عصيانا له.
ولا يجوز أن تقترض من البنك الربوي بحال، لما جاء من لعن آكل الربا وموكله، ولا يجوز طاعة الأب فيما لو أمر بهذا الاقتراض؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والحاصل: أن الأب إذا احتاج إلى المال لينفق منه أو يشتري به أثاثا للبيت ونحو ذلك، جاز له أن يأخذ من مال أولاده، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر عليهم، وألا يأخذ ما تعلقت به حاجتهم، فإذا لم يكن لديهم مال فائض فلا يلزمهم الاقتراض.
وينبغي أن يتعاون الإخوة في مساعدة من لم يتزوج منهم، كلٌّ حسب استطاعته وقدرته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1383)
يريد الزواج من فتاة ووالداه يرفضان لسوء سمعتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في مشكلة كبيرة فأنا تبت والحمد لله منذ مدة وأرجو من الله أن يتقبل منا ومن جميع المسلمين لكن لي مشكلة وهي أني أريد الزواج من فتاة وأهلي غير موافقين منذ سنين لأن لها سمعة سيئة هي تريد التوبة أيضا لكن المشكلة في الزواج والداي يرفضان فكرة الزواج منها مطلقا وأنا لا أخفي عليكم أني أريد الزواج منها لكن لا أريد أن أخسر والدي هي تريد التوبة واشترطت عليها أن ترتدي الحجاب الشرعي وأنا لا يهمني الماضي إن تغيرت. والزواج لشاب من سني آمن ماذا أفعل؟ انصحوني إخواني في الله وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نهنئك على التوبة والاستقامة ونسأل الله تعالى لك الثبات ومزيدا من الخير والهدى والفلاح.
ثانيا:
لا شك أن الزواج فيه الأمن والاطمئنان والعفة والإحصان، وهو خير ما يوصى به الشباب، لا سيما عند كثرة الفتن والمغريات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) .
ثالثا:
من عرفت بالسوء ثم تابت واستقامت فلا حرج في الزواج منها.
وإذا كان والداك يرفضان هذه الفتاة لسمعتها وماضيها، فهما على حق في ذلك، أو على الأقل وجهة نظرهما مقبولة، ليست باطلة، فعليك أن تطيعهما في عدم الزواج منها، إلا في حالة أن تخشى الوقوع في الزنا بها، عياذا بالله من ذلك.
ونصيحتنا أن تغلب جانب العقل على العاطفة، وأن تبحث عن غير هذه المرأة، ممن ترضى دينها وخلقها، وبهذا تحقق جملة من المصالح، أعظمها إرضاء والديك.
وأكثر من دعاء الله تعالى، أن يلهمك الصواب والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1384)
تريد أن تقسم حسناتها بينها وبين والديها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أستطيع أن أقسم حسناتي ثلثا لي وثلثا لوالدتي وثلثا لوالدي – أي كل الحسنات المكتسبة من كل أعمال الخير التي يثاب الإنسان عليها في يومه وليله، من تسابيح واستغفار وصدقات ودعاء - من دون طبعا الصلاة والزكاة والحج والصيام -، أم أني أستطيع أن أقسم فقط حسنات الصدقات بيني وبينهم من دون سائر العبادات التي ذكرتها؟ وهل أستطيع أن أتصدق عنهم في حياتهم وبعد مماتهم؟ وهل أستطيع أن أجري لوالدي صدقات جارية من مالي الخاص ليأخذوا هم الثواب - كبناء مسجد وتوزيع مصاحف ... - وهم ما زالوا على قيد الحياة؟ وهل أستطيع أن أفعل ذلك بعد مماتهم؟ وهل أستطيع إذا اكتسبوا على سبيل المثال مالا حراما أن أسدده عنهم من مالي الخاص؟ وأخيرا، أنا في كل سجود أدعو الدعاء التالي ثلاث مرات: " رب اغفر لي ولوالدي ووالديهم وإخواني، ونجنا من عذاب القبر، وأخلدنا في الفردوس الأعلى " كما أستخدم السبحة للترديد يوميا 200 مرة: " رب اغفر لي ولوالدي ولإخواني وللمؤمنين والمؤمنات ". هل ما أفعله هو عمل طيب ويفيد أم هو بدعة وضياع للوقت؟ وهل إن كان ما أفعله جيدا ومفيدا، فهل فعلا ممكن بدعائي هذا المتواصل المتكرر أن يغفر الله لي ولوالدي ووالديهم ولإخواني كل ذنوبنا، وينجينا من عذاب القبر، ويخلدنا في الفردوس الأعلى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكر لك حرصك على بر والديك وعلى إيصال الخير لهما، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكتب لك الأجر والتوفيق، وأن يجمعك بوالديك وجميع المسلمين في الجنة.
لا خلاف بين أهل العلم جميعا على وصول ثواب الصدقة للأموات إذا أهدى المتصدق الثواب إليهم، وخاصة الوالدين، كذلك لا خلاف في أن الدعاء للأحياء والأموات يجلب لهم الخير والرحمة إذا تقبله الله عز وجل، وقد شهدت بذلك مجموعة من الأحاديث الواردة في السنة الصحيحة، والتي سبق بيانها بالشرح والتفصيل في مجموعة من أجوبة الموقع، يمكنك مراجعة بعضها في الأرقام الآتية: (12652) ، (42384) ، (102322) .
ثانيا:
يجوز للمتصدق أن ينوي تقسيم أجر صدقته بينه وبين والديه أثلاثا أحياءاً كانوا أم أمواتاً، "لأن الثواب ملك للمتصدق، فله أن يهديه جميعه وله أن يهدي بعضه، يوضحه أنه لو أهداه إلى أربعة مثلا يحصل لكل منهم ربعه، فإذا أهدى الربع وأبقى لنفسه الباقي جاز، كما لو أهداه إلى غيره" نقلا عن "الروح" لابن القيم (ص/190) ، يذكره في معرض المناقشة.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (20996) عن الشيخ ابن باز رحمه الله جواز الصدقة عن الحي والميت.
على أننا نرشدك إلى الأفضل وهو أن تعملي الأعمال الصالحة لنفسك، ويكون ثوابها كلها لك، وتكثري من الدعاء لوالديك فهذا هو الأفضل والأكمل. وانظري جواب السؤال رقم (42088) .
ثالثا:
أما سائر العبادات المندوبة كالصوم والحج والعمرة وقراءة القرآن والأذكار والإحسان إلى الناس ونحوها من أعمال البر، فقد اختلف العلماء في وصول ثوابها إلى الأموات.
قال ابن القيم في كتاب "الروح" (ص/170) :
" فمذهب الإمام أحمد وجمهور السلف وصولها، وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة.
نص على هذا الإمام أحمد - في رواية محمد بن يحيى الكحال - قال: قيل لأبي عبد الله: الرجل يعمل الشيء من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك، فيجعل نصفه لأبيه أو لأمه؟ قال: أرجو. أو قال: الميت يصل إليه كل شيء من صدقة أو غيرها.
وقال أيضا: اقرأ آية الكرسي ثلاث مرات، وقل هو الله أحد، وقل: اللهم إنَّ فضلَه لأهل المقابر.
والمشهور من مذهب الشافعي ومالك أن ذلك لا يصل " انتهى.
وقد سبق في الموقع ترجيح القول الثاني، أنه لا يصل إلى الميت ثواب شيء من الأعمال إلا ما دلت النصوص على وصوله، كالصدقة والدعاء والحج والعمرة، لقول الله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) النجم/39.
وراجعي جواب السؤال رقم (46698) .
رابعاًَ:
أما تسديد المال الحرام عنهم، فالمال الحرام كالمسروق والمغصوب والذي خُدع صاحبه ونحو ذلك يتعلق به حقان: الأول: حق الله تعالى في ارتكاب ما حرم.
الثاني: حق صاحب المال في أخذ ماله بغير حق.
وتسديد المال لصاحبه نرجو أن يسقط حق صاحب المال، ولكن يبقى حق الله تعالى، فلا يسقط إلى بالتوبة، أو بعفو الله تعالى عن المسيء.
خامساً:
أما الدعاء الذي ذكرته، فلا حرج فيه، لكن لا تلتزمي فيه عددا معينا، واجتهدي في الدعاء قدر استطاعتك، من غير تقييد بعدد معين ولا اعتقاد فضل معين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1385)
أمها تنهاها عن الحجاب فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي تكرهني، وصرت أشك في أمرها، أعلم أنك ستقول أنه من عمل الشيطان، وأنا فعلا أذكر نفسي بهذا في كل ثانية، فهي تغضب من كلام وحوار عادي جداً، والله يا سيدي الشيخ أنا لم أقصد في مضايقتها إلا أني أحاول أن أذكرها بتعاليم ديننا، فهي متبرجة وتعمل في أماكن مختلطة، وأخاف عليها، وفي نفس الوقت هي تكره لي فعلي للخير، تكرهه كرهاً شديداً، وعندما يضيق بها الأمر تنهار بدون سبب حتى تشعرني بالذنب وتقول أني بنت عاقة وأنها غير راضية عنى، وتبدأ تقول" "أنت واحدة محجبة أنتي؟ أنت واحدة تعرف ربنا" وأبدأ أشعر أن الخير مني بعيد فعلاً لكني فعلاً لم أضايقهم، واستغفر الله وأذهب لمصالحتهم، لكنها ترفض الحديث معي، وأنا والله لا أتكبر عليها فكلنا مسلمين، لكني أريد أن أعرف "غضب الأم من غضب الله " وأخاف فعلاً أي يصيبني مقت من الله عز وجل. قد وصل بي الأمر أني كنت فعلا محجبة من قبل وتركت الصلاة وتركت الحجاب الشرعي بسبب هذا، ولكني الآن تائبة وأخاف أن أقع في هذا مرة أخرى. أنصحني جزاك الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن حق الوالدين عظيم فقد قرن الله سبحانه حقهما بحقه فقال جل شأنه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/23
(وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان:14)
وقد أحسنت أيتها الأخت غاية الإحسان في اعتذارك لأمك ومحاولة مصالحتها وإن لم تكوني أسأت إليها، فإن أولى الناس بالإحسان إليه وبره والعفو عن إساءته وحسن صحبته.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
(يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ) رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) .
وإساءة أحد الوالدين مهما بلغت لا تبرر للولد أن يقصر في حقوقهما عليه فضلا عن أن يسيء إليهما، وقد أمر الله عز وجل بحسن صحبتهما، وإن اجتهدوا غاية الاجتهاد في دعوة الولد إلى الشرك، فقال سبحانه: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان/15.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/586) : " أي إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا، أي محسنا إليهما "
فإن كان هذا أدب الشرع مع الوالدين اللذين يأمران ولدهما أن يشرك بالله، ويجاهدانه على ذلك، أي يحاولان معه ـ جهدهما ـ أن يقع في ذلك، فلا شك أن الوالدين المسلمين أولى بالصحبة بالمعروف، حتى وإن كانا عاصيين، حتى وإن أمرا ولدهما بمعصية الله؛ غير أنه ـ أيضا ـ لا يجوز له أن يطيعهما إذا أمراه بالمعصية؛ كما قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) من حديث علي رضي الله عنه، واللفظ لمسلم.
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال وإذا خوطب بالجهاد فلا إذن لهما , وكذلك كل الفرائض , لا طاعة لهما في تركها. يعني إذا وجب عليه الجهاد. لم يعتبر إذن والديه ; لأنه صار فرض عين وتركه معصية , ولا طاعة لأحد في معصية الله.
وكذلك كل ما وجب مثل الحج , والصلاة في الجماعة والجمع , والسفر , للعلم الواجب. قال الأوزاعي لا طاعة للوالدين في ترك الفرائض والجمع والحج والقتال ; لأنها عبادة تعينت عليه , فلم يعتبر إذن الأبوين فيها , كالصلاة , ولأن الله تعالى قال: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} ولم يشترط إذن الوالدين " انتهى. المغني (9/171) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين , وهو ظاهر إطلاق أحمد , وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر , فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا , وإنما لم يقيده أبو عبد الله لسقوط الفرائض بالضرر وتحرم في المعصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق , فحينئذ ليس للأبوين منع ولدهما من الحج الواجب , لكن يستطيب أنفسهما , فإن أذنا وإلا حج وليس للزوج منع زوجته من الحج الواجب مع ذي محرم , وعليها أن تحج وإن لم يأذن في ذلك , حتى أن كثيرا من العلماء أو أكثرهم يوجبون لها النفقة عليه مدة الحج. والحج واجب على الفور عند أكثر العلماء , والقول بوجوب العمرة على أهل مكة قول ضعيف جدا مخالف للسنة الثابتة , ولهذا كان أصح الطريقين عن أحمد أن أهل مكة لا عمرة عليهم رواية واحدة , وفي غيرهم روايتان , وهي طريقة أبي محمد وطريقة أبي البركات في العمرة ثلاث روايات ثالثها تجب على غير أهل مكة " انتهى. الفتاوى (5/381) .
وكل ما نوصيك به ـ أيتها الأخت الكريمة ـ أن تحذري من أن يضحك عليك الشيطان مرة أخرى، ويصرفك عن الطريق الهداية، والعمل بطاعة ربك؛ فإن هذا هو مقصوده منك: أن يصدك عن سبيل الله، وعن الصلاة؟!!
واعلمي أن ما تلاقينه من المتاعب والمصاعب، مع والدتك، أو أسرتك، أو أصدقائك ومجتمعك: اعلمي أن ذلك كله من ابتلاء الله تعالى لك: ليظهر صدقك مع ربك، ويتميز الصادق في محبة الله وطاعته من الكاذب. قال الله تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت: 1-3.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" يخبر تعالى عن [تمام] حكمته، وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه، فإنهم لو كان الأمر كذلك، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق، وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عما أمر الله به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه.
والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا الله، فمستقل ومستكثر، فنسأل الله تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبت قلوبنا على دينه، فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير، يخرج خبثها وطيبها. " انتهى. تفسير السعدي (626) .
فاحذري ـ يا أمة الله ـ من طاعة الشيطان، والرسوب في الاختبار؛ ولتكن زلتك الأولى درسا تلقنتيه، يحصنك من العودة مرة أخرى عن طريق ربك، ولتكن توبتك التي ذكرتيها لنا بداية للطريق الصحيح مع ربك، والصبر على أمره:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران/200.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1386)
هل يسافر مع أمه محرما أم يبقى ليستعد للامتحانات
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس في بلد أجنبي , وأمي عندي في زيارتي , بعد ثلاثة أسابيع ستسافر مع صديقتها إلى بلدي المسلم حيث يتواجد أبي. أولاً: لا أدري إذا أردت السفر معها هل سأنجح في جميع الامتحانات في الوقت المناسب؟ ثانياً, إذا استطعت السفر معها سيرغموني على حضور عرس بنت عمي الذي يشمل المحرمات , وإذا امتنعت قد يحصل مشاكل مع الأهل والأقارب, ولذلك أنوي التأخير والتحجج بالامتحانات لتجنب الحضور. فما هو الأولى, أن أكون محرما لوالدتي (إذا نجحت الامتحانات) , أم اجتناب مواجهة حضور العرس؟ جزاكم الله خيراً. إن كان بالإمكان الرد على السؤال قبل سفر أمي. إن لم تستطيعوا, لا حرج, جزاكم الله خيراً في كل الأحوال, على الأقل سأعرف للمرة القادمة إن شاء الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز سفر المرأة بلا محرم، كما هو مبين في السؤال رقم (101520) ورقم (9370)
أولا: في ظننا أنه لا يغيب عن بالك أنك إذا استطعت تأخير سفر أمك إلى ما بعد انتهائك من الامتحانات، فتصحبها في سفرها، وتجمع الخير كله، إن شاء الله، فهو الواجب عليك.
وأما إذا لم يكن ذلك ممكنا، كما يظهر من سؤالك؛ فأنت الذي تستطيع تقدير ما يتعلق بالدراسة والامتحانات، فإن كانت مدة السفر يسيرة، ويمكن أن تتدارك ما فاتك، وتتهيأ للامتحانات بعد عودتك، فاجتهد في أن تسافر مع أمك، واعلم أن ما تنفقه من الوقت والجهد في هذه الصحبة التي تبر بها أمك، وتقيها من الوقوع في الإثم؛ فإن الله سيخلفه عليك، ويعوضك ـ إن شاء الله ـ خيرا مما فاتك.
وأما إن كنت تعلم، أو يغلب على ظنك، أنه يحصل لك ضرر في دراستك، أو قصور في الاستعداد لامتحاناتك، فلا يلزمك ذلك، واجتهد في تقليل الشر والمفسدة المترتبة على سفرها بدون محرم، بتأمين رفقة مأمونة من النسوة الثقات، ما أمكنك ذلك.
ثانيا:
لا يجوز حضور العرس المشتمل على المحرمات، وعلى المرء أن يبذل النصيحة لأهله وأقاربه، وأن يهنئهم في أفراحهم ومسراتهم دون أن يحضر شيئا من المنكرات، وإن أمكن أن تجعل السفر بعد العرس، لتتجنب حضوره، سواء بقيت معك أمك، أو سافرت قبلك، فهذا أسلم لك، وأبعد عن الحرج والإثم.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: " إذا كانت حفلات الزواج خالية من المنكرات كاختلاط الرجال بالنساء، والغناء الماجن، أو كانت إذا حضرت غيّرت ما فيها من منكرات جاز لها أن تحضر للمشاركة في السرور، بل الحضور واجب إن كان هناك منكر تقوى على إزالته. أما إن كان في الحفلات منكرات لا تقوى على إنكارها فيحرم عليها أن تحضرها؛ لعموم قوله تعالى: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) الأنعام: من الآية70) وقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان:6) والأحاديث الواردة في ذم الغناء والمعازف كثيرة جدا " انتهى نقلا عن فتاوى المرأة، جمع محمد المسند، ص 92
وينظر: سؤال رقم (10957) .
فاجتهد فيما تراه الأصلح، وقدم برّ الوالدة ما استطعت، ولعل الله تعالى أن يوفقك في امتحانك، ويعوضك خيرا عن الوقت الذي بذلته من أجل رعاية أمك والبر بها.
ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1387)
والده يريد منه السفر للعمل وزوجته تصر على بقائه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من حيرة من أمري فقد تزوجت من تسعة شهور ومكثت مع زوجتي منذ تاريخ الزواج حتى سفري إلى الخارج حوالي 4 شهور، وقد اعترضت زوجتي على سفري، وحاولت منعي من السفر بكل الطرق، ولكن دون جدوى، فالحمد لله بيننا الحب والتفاهم، وحاولت إقناعها أنني عندما أسافر ثم أستقر سوف أبحث عن سكن لأرسل لها وتمكث معي، ولكن لم أجد السكن المناسب، فالإيجارات هنا غالية الثمن حتى لا يكفي مرتبي سداد نصف الشهر، وعندما علمت بذلك أخذت ترسل الرسائل والتي ترسل معها دموعها وقلبها الذي يحترق على سرعة نزولي، هذا من ناحية، من ناحية أخرى: والدي يشجع سفري لكي أساعده في زواج أخي، فزوجتي يوميا تطلبني بالنزول فلا تستطيع العيش لوحدها، ووالدي يريد البقاء والعمل. هل أقوم بالنزول حتى لا أظلم زوجتي؟ أم أقوم بمساعدة والدي في زواج أخي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للزوج أن يسافر ويتغيب عن أهله، لأجل العمل ونحوه من المصالح المشروعة، مدة لا تزيد على ستة أشهر، فإن زاد على ذلك فلا بد من استئذان زوجته.
والأصل في ذلك أن عمر بن الخطاب سأل ابنته حفصة رضي الله عنهما: كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله! مثلك يسأل مثلي عن هذا! فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك. قالت: خمسة أشهر. ستة أشهر. فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر ; يسيرون شهرا , ويقيمون أربعة , ويسيرون شهرا راجعين.
وسئل الإمام أحمد رحمه الله: كم للرجل أن يغيب عن أهله؟ قال: يروى ستة أشهر.
وانظر: "المغني" (7/232، 416) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " سفر الرجل عن زوجته إذا كانت في محل آمن: لا بأس به، وإذا سمحت له بالبقاء أكثر من ستة أشهر فلا حرج عليه، أما إذا طالبت بحقوقها، وطلبت منه أن يحضر إليها فإنه لا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر، إلا إذا كان هناك عذر كمريض يعالج وما أشبه ذلك، فإن الضرورة لها أحكام خاصة. وعلى كل حال فالحق في ذلك للزوجة، ومتى ما سمحت بذلك وكانت في مأمن فإنه لا إثم عليه، ولو غاب الزوج عنها كثيرا " انتهى من "فتاوى العلماء في عشرة النساء" (ص 106) .
وعليه؛ فمن حق أهلك عليك أن تعود إليهم، لا سيما وأن راتبك لا يكفي للسكن كما ذكرت، وهذا يعني تأخرك عن أهلك، مع حاجتهم إليك.
ولا يخفى أن أداء الحق، وحفظ الأهل، والقيام على رعايتهم، مع دوام الحب واستمراره، كل ذلك مقدم على جمع المال.
ولا يجب طاعة الأب فيما لو أمرك بالبقاء في الخارج، لما يترتب على هذا من تضييع حق زوجتك، ومعلوم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن ينبغي أن تتلطف في إقناعه، وبيان عدم جدوى الاغتراب والبعد عن الأهل.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1388)
إذا منعها الزوج من زيارة والديها هل تؤجر على نيتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من واجب الإبن أن يكون أكثر اهتماما بوالديه وأن يحترمهما ويعتنى بهما أكثر من البنت، أم إن الأبناء والبنات متساوون من جهة مسؤولياتهم تجاه والديهم؟ وإذا كانت هناك ابنة متزوجة وزوجها لايسمح لها أن ترى والديها إلا عندما يروق له ذلك، وهى غير قادرة على أن تخدم والدتها، على الرغم من رغبتها فى القيام بذلك؛ فهل تؤجر على هذه الرغبة بالرغم من عدم قدرتها على تحقيقها؟ هذا مع أن زوجها على علم بالمتطلبات الواجب القيام بها ويحسن إلى والدته؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
بر الوالدين واجب على جميع الأبناء، الذكور والإناث، لا فرق بينهم في ذلك؛ لعموم الأدلة الآمرة ببر الوالدين والإحسان إليهما، كقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23، 24
وقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/36
وروى البخاري (527) ومسلم (85) عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) .
وروى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ) .
فهذه الأدلة وغيرها عامة في أمر الأبناء بالبر، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، لكن قد يتيسر للذكر بعض صور البر التي لا تتيسر للأنثى، كزيارة الوالدين على الدوام، فإن المرأة قد يمنعها زوجها من زيارة والديها أو من الإكثار من ذلك، كما جاء في سؤالك.
ثانيا:
إذا منع الزوج زوجته من زيارة والديه، فهل تلزمها طاعته؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء، ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه ليس له أن يمنعها من زيارة والديها.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه له أن يمنعها، ويلزمها طاعته، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها، إلا أن يخشى ضررا بزيارتهما، فيمنعهما دفعا للضرر. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (87834)
ثالثا:
إذا كانت الزوجة راغبة في زيارة والديها، وخدمة والدتها، لكنها لا تقدر على ذلك بسبب زوجها، فإنها تؤجر على هذه الرغبة والنية الصالحة، وقد دلت السنة الصحيحة على أن الراغب في العمل الحريص على فعله، يثاب في حال عجزه ثوابَ من فعله.
فقد روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ! قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح البخاري: " وَفِيهِ أَنَّ اَلْمَرْءَ يَبْلُغُ بِنِيَّتِهِ أَجْرَ الْعَامِلِ إِذَا مَنَعَهُ اَلْعُذْر عَنْ اَلْعَمَلِ " انتهى.
وروى الترمذي (2325) وابن ماجه (4228) عن أَبي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ ... ) الحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وعلى الزوج أن يحسن إلى زوجته، وأن يعينها على بر والديها، فهذا من حسن العشرة التي أمر الله بها، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1389)
هل تجب طاعة الوالدين في عدم دخول الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ["لا طاعة في المعصية" لكن سؤالي هو هل يجوز أن أعصي والديّ فيما لا يترتب عليه إثم بينما تنجم عنه حقيقة منفعة. فإذا أمراني على سبيل المثال ألا أضيع الأموال على الإنترنت على هذا الموقع لكنهما فى واقع الأمر لن يعانيا من أية خسارة لأنهما ثريان للغاية. فهل يجوز أن أعصيهما في هذه الأمور سرا أو أثناء غيابهما حتى لا أضايقهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تجب طاعة الوالدين في غير المعصية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) ، وقوله: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه أحمد (1098) .
وطاعة الوالدين واجبة على الولد فيما فيه نفعهما ولا ضرر فيه على الولد، أما ما لا منفعة لهما فيه، أو ما فيه مضرة على الولد فإنه لا يجب عليه طاعتهما حينئذ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات ص 114: " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين ... وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر عليه " انتهى.
ولا شك أن من منفعة الوالدين حفظ مالهما، ولهذا فالأصل وجوب طاعتهما في ذلك.
وأيضا: فإنه لا يجوز للولد أن يأخذ شيئا من مال والديه إلا بإذنهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459) .
لكن يستثنى من ذلك جواز أخذ الابن نفقته بالمعروف، إذا كان الوالد لا يعطيه نفقته، ومن جملة النفقة: ما يستعين به على طلب العلم الواجب.
لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَالَ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (5364) .
وأما طلب علم الدين ـ بصفة عامة ـ فهو من أهم ما يحتاج إليه المسلم في حياته، ومن أولى ما ينبغي أن يصرف عنايته إليه؛ أقبل الابن على العلم الشرعي، سواء كان عن طريق الحضور المباشر لدروس أهل العلم الثقات، أو كان ذلك عن طريق الكتاب أو الشريط أو موقع موثوق به، ونهاه والداه عن شيء من ذلك، ولم يمكنه تحصيل المصلحة الشرعية من طريق آخر لا يغضبهما، فإنه لا يطيعهما في ذلك، بل يقدم طلب ما يحتاج إليه من العلم الشرعي على ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن أب يمنع ابنه من حضور مجالس الذكر والدروس العلمية، ونتج عن ذلك أن هذا الولد ترك الالتزام، واتجه للأفلام وما شابهه من المحرمات، هل يعتبر فعل هذا الوالد من الصد عن سبيل الله؟ وهل يطاع في هذه الحالة؟
فأجاب:
" إذا نهاك أبوك أو أمك عن حضور المجالس فلا تطعه؛ لأن حضور مجالس الذكر خير، ولا يعود على الوالدين بالضرر، فلهذا نقول: لا تطعهما، ولكن احرص على أن تداريهما، ومعنى المداراة: ألا تبين أنك تذهب إلى حلق الذكر كأنك تذهب إلى أصحابك أو ما أشبه ذلك.
أما بالنسبة للأب والأم اللذين يمنعان الولد من حضور مجالس الذكر، فإن منعهما من الصد عن ذكر الله، وهما آثمان في ذلك، والذي ينبغي للأب والأم إذا رأيا ولدهما قد أقبل على العلم أن يستبشرا بذلك، وأن يساعداه بكل ما يستطيعان؛ لأن هذا من نعمة الله عليه وعليهما، فمن الذي ينفع من الأولاد إذا مات الإنسان؟ الولد الصالح، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له) " انتهى. لقاءات الباب المفتوح، رقم (99) ص (9) .
وبناء على ذلك نقول: إن كنت لا تستطيعين تعلم أحكام الشريعة الواجب عليك تعلمها - كالعقيدة، وأحكام الطهارة والصلاة والصوم وأحكام المعاملات التي تقدمين عليها – إلا بدخول الإنترنت، فإنه يجوز لك أن تدخلي بدون إذن والديك، وأن تنفقي في ذلك بالمعروف، وليس لك أن تزيدي على ذلك إلا بإذن.
وما رأيتِ فائدته ونفعه من المواقع يمكنك تحميله كاملا، بواسطة البرامج المعدة لذلك، ثم تتصفحينه من غير اتصال بالإنترت، فتتحقق لك الفائدة من غير مخالفة لوالديك.
ونسأل الله لنا لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1390)
هل يترك عمله ليعيش مع والديه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في الخارج، ولي أب وأم في بلدي، ويوجد لي أخوات هناك أيضا، وكل منهم مشغول في حياته، غير أنهم مقيمون في نفس البلد، أشعر دائما بالتقصير تجاه والدَيَّ، وأشعر دائما أنهم في حاجة إلي، على الرغم من سؤالي الدائم عنهم، والنزول في إجازات أقضيها معهم. هل الواجب عليَّ شرعا أن أترك عملي في الخارج والرجوع لبلدي والعمل بجانبهما؟ أم ماذا علي فعله؟ وما الواجب علي حتى لا يكون هناك أي تقصير تجاههم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بر الوالدين على مراتب وشعب، أدناها صلتهما بالإنفاق والرعاية والسؤال والاهتمام، وأما أعلاها فلا حد له، يتنافس فيه الصالحون، ويتبارى فيه المؤمنون، يرسمون صورا من البر لا يكاد ينتهي حسنها عند حد، إذ هي أخلاق النبوة ومعدن الرسالة، كان الباعث عليها تلك الآيات والأحاديث التي تعظم حق الوالدين وتقرنه بحق الله تعالى، وترتب الأجر العظيم على البر والصلة، فقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال بعد الصلاة، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم قراءة حارثة بن النعمان في الجنة فقال: (كَذَلِكُمُ البِرُّ، كَذَلِكُمُ البِرُّ) رواه ابن وهب في "الجامع" (22) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (913)
وصار أويس القرني مستجاب الدعوة بسبب بره أمه.
وروى البخاري في "الأدب المفرد" (15) وصححه الألباني في "صحيح الأدب" عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه أتاه رجل فقال: إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أمك حية؟ قال: لا. قال: تب إلى الله عز وجل، وتقرب إليه ما استطعت. فذهبت فسألت ابن عباس: لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: لأني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة) .
ونحن نقول لك أخانا السائل:
لا شك أن الأَولى في البر والصلة للوالدين البقاء عندهما للخدمة والرعاية، فقد لازم أبو هريرة أمه، ولم يحج حتى ماتت، لصحبتها. كما في صحيح مسلم (1665) ، ونص الفقهاء على أن سفر الابن للعلم أو التجارة يَحرُمُ إذا ترتب عليه ضيعة للوالدَين:
جا في "الموسوعة الفقهية" (3/156) :
" إذا أراد – يعني الولدُ - الخروج لطلب العلم في بلدة أخرى، أو للتجارة، وخاف على والديه الضيعة، فليس له أن يخرج إلا بإذنهما.
والأصل في ذلك ما أخرجه أبو داود (2528) والنسائي (4163) أنه: (جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: جِئْت أُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْت أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ , فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ارْجِعْ فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتهمَا) .
- صححه ابن الملقن في "البدر المنير" (9/40) والألباني في "صحيح أبي داود" -
وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: (جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُجَاهِدُ؟ فَقَالَ: أَلِك أَبَوَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ , قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ) متفق عليه " انتهى.
أما إذا لم يترتب عليه ضيعة الوالدين، وكان عندهما من يقوم عليهما، أو كانا قادرين على القيام على شؤونهما، فله أن يخرج إلى طلب العلم أو التجارة، ولا يشترط استئذانهما.
جاء في "المدونة" (2/101) :
" قال مالك: إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء، وليس للوالد أن يمنعه " انتهى.
وانظر بعض التفصيلات الفرعية في "الموسوعة الفقهية" (8/70-71) .
إلا أننا ننصحك بالكمال، وننصحك بما فيه الأجر الأعظم عند الله، أن تكون أقرب إليهما، فتسعدهما فيما بقي لهما من أيام، وتقوم على شؤونهما، فلا تحرمهما من صحبتك، ولا تكن سببا لحزنهما كلما أردت توديعهما في سفرك، ومن أراد الكمال في البر، فلينزل عند رغبتهما، وما يكون أسعد لقلبيهما، وأقرب لمحبتهما ورضاهما، وقد فسر عروة بن الزبير رحمه الله قوله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) الإسراء/24 بقوله: " لا تمتنع من شيء أحباه " انتهى. "تفسير الطبري" (17/418) .
وروى البخاري في "الأدب المفرد" (18) وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" عن أبي بردة أن ابن عمر رضي الله عنهما شهد رجلا يمانيا يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره، يقول: إني لها بعيرها المذلل، أترانى جزيتها؟ قال ابن عمر: لا، ولا بزفرة واحدة.
الزفرة تردد النفس، وهو مما يعرض للمرأة عند الولادة.
وقال عبد الله بن جعفر: سمعت بندارا – وهو من أئمة الحديث – يقول: أردت الخروج – يعني في طلب الحديث – فمنعتني أمي، فأطعتها، فبورك لي فيه ".
قال الذهبي في "السير" (12/144) : " جمع حديث البصرة، ولم يرحل، برا بأمه، ثم رحل بعدها " انتهى.
وقال جعفر الخلدي: " كان الأبَّار – أبو العباس أحمد بن علي بن مسلم (ت290هـ) - من أزهد الناس، استأذن أمه في الرحلة إلى قتيبة – يعني ليسمع الحديث - فلم تأذن له، ثم ماتت، فخرج إلى خراسان، ثم وصل إلى بلخ وقد مات قتيبة، فكانوا يعزونه على هذا، فقال: هذا ثمرة العلم، إني اخترت رضى الوالدة " انتهى. "السير" (13/443)
وسئل الإمام ابن عساكر عن تأخره عن الرحلة إلى أصبهان، فقال: " استأذنت أمي في الرحلة إليها فما أذنت " انتهى. "السير" (20/567) .
وقال بشر الحافي:
" الولد يَقرُبُ من أمه بحيث يَسمع أمَّه: أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل الله، والنظر إليها أفضل من كل شيء " انتهى. "التبصرة" ابن الجوزي (1/188)
هكذا كان حال سلفنا الصالح، لا يقدمون على بر الوالدين عملا من الأعمال، ولا يرون الدنيا كلها تعدل أن يَشعُرَ أحدهما بحاجته لابنه ثم لا يجده عنده.
فإذا كان بإمكانك الرجوع إلى والديك، والبقاء في بلدهما، ولا يصيبك بذلك ضرر كبير بسبب ترك عملك، فاحرص على البر، وأقدم على الخير، ولا تتردد في ذلك، فإن الله قد أمر بالمسارعة والمسابقة إلى الخيرات.
أما إن كان رضاهما يتحقق أكثر ببقائك في عملك، وتحصيلك من المال ما تنفق عليهما به، فاحتفظ بعملك، واحرص على استغلال كل فرصة للسفر إليهما وقضاء الإجازات معهما، وابتغ في كل ذلك رضى الله سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1391)
ما هي حدود تدخل الوالدين في زواج ابنهم؟ وهل يأثم إن خالف رغبتهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على فتاة أسلمت حديثاً (كانت نصرانية) ، واتفقنا على الزواج، لكن أسرتي تمانع ذلك بشدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نرجو أن تنتبه لما فعلتَه من مخالفات شرعية من التعرف على تلك الفتاة الأجنبية عنك، ومخاطبتك لها، ومصاحبتها، وغير ذلك من التقصير الذي تعترف به، واعلم أن هذه المعاصي تقتضي منك: الإقلاع عنها، والندم عليها، والعزم على عدم العود لها، مع الإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة.
وبخصوص علاقتك بتلك الفتاة: فلا يحل لك محادثتها، أو رؤيتها، فضلاً عن مصاحبتها والخلوة بها، ومن الجيد لك ولها أنكما فكرتما في الزواج، فهو الوسيلة الوحيدة لجمعك بها جمعاً شرعيّاً، فابذل وسعك فيه، فإن لم يتيسر لك: فلا تُبقِ لتلك العلاقة أثراً، ولعلَّ الله تعالى أن يعوضك خيراً منها، ويعوضها خيراً منك.
وقد سبق ذكرنا لمسألة تحريم المراسلة بين الجنسين في جوابي السؤالين: (26890) و (10221) فلينظرا.
وفي التعلق المحرم وآثاره والزواج من المتعلَّق به: يُراجع جواب السؤال رقم (47405) .
ثانياً:
بالنسبة لاعتراض أسرتك على التزوج بها: فاعلم أن علاقة الوالدين بزواج ابنهم لها صور متعددة، ومنها:
1. عدم موافقتهم على أي فتاة يختارها لنفسه زوجة.
2. عدم موافقتهم على فتاة يختارها، لكن عدم موافقتهم تكون لأسباب شرعية، كأن تكون سيئة السمعة، أو تكون على غير دين الإسلام – وإن كان نكاح الكتابية جائز في أصله -.
3. عدم موافقتهم على فتاة يختارها لا لأسباب شرعية، بل لأسباب شخصية، أو دنيوية، كنقص جمالها، أو حسبها ونسبها، وقلبه غير متعلق بها، ولا يخشى على نفسه لو ترك التزوج بها.
4. الصورة السابقة نفسها، لكنَّ قلبه متعلق بها، ويخشى على نفسه الفتنة لو أنه ترك التزوج بها.
5. إجباره على فتاة يختارونها له، ولو كانت ذات دين وجمال.
والذي يظهر لنا من حكم تلك الصور السابقة: أنه يجب على الابن طاعة والديه في الصورتين الثانية والثالثة، ويتأكد الوجوب في الصورة الثانية، ففي الصورة الثانية الأمر فيها واضح، وطاعتهما ملزمة؛ لأنه سيقدم على أمرٍ فيه شر لابنهم وقد ينتشر ليصيبهم، وفي الصورة الثالثة: الأمر فيها مباح له، وطاعتهما واجبة، فيقدم الواجب على المباح.
وأما الصورة الأولى والرابعة والخامسة: فلا يظهر أنه يجب عليه طاعتهما؛ فاختيار الزوجة من حق الابن، وليس من حق والديه، ويمكنهم التدخل في بعض الحالات، لا فيها كلها، فمنعُه من التزوج بأي فتاة يختارها بغض النظر عن كونها متدينة أم لا: تحكم لا وجه له، ولا يلزمه طاعتهما.
وكذا لو تعلق قلبه بامرأة، وخشي على نفسه الفتنة لو أنه لم يتزوج بها: فهنا لا تلزمه طاعتهما إذا أمراه بتركها، وعدم التزوج بها؛ لما يؤدي ذلك إلى شر وفتنة جاءت الشريعة لدرئهما عنه.
ويتأكد عدم طاعتهما في الصورة الخامسة، وهي أن يلزماه بفتاة هم يختارونها، وهذا ليس مما يلزمه طاعتهما فيه، وهو بمنزلة الطعام والشراب، فهو يختار ما يشتهي ليأكله ويشربه، وليس لهما التحكم في ذلك.
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله:
ليس للوالدين إلزام الولد بنكاح من لا يريد، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله (أي: ابن تيمية) : إنه ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وإنه إذا امتنع لا يكون عاقا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر منه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه: كان النكاح كذلك، وأولى، فإن أَكْلَ المكروه مرارة ساعة، وعِشْرة المكروه من الزوجين على طول، تؤذي صاحبه، ولا يمكنه فراقه. انتهى كلامه.
" الآداب الشرعية " (1 / 447) .
وعليه نقول:
إذا كانت تلك الفتاة قد أسلمت وحسن إسلامها، وكان قلبك معلَّقاً بها، وكنت تخشى على نفسك الفتنة لو أنك تركتها: فنرى أن تتزوجها، ولو لم توافق أمك، وأولى من هذا أنك تخشى على دينها أن تُفتن فيه، بسبب عدم وجود من يرعى شأنها وأمرها.
ونوصيك بمحاولة بذل الجهد لإقناع والديك؛ لتجمع بين الخيرين: طاعتهما، والتزوج بمن تعلق قلبك بها، ولك أن تتزوج دون علم والدتك، مع الحرص على هدايتها، وإرشادها، والدعاء لها ولوالدك.
واعلم أنه حيث جاز لك التزوج بمن ترغب، ولم تُلزم بطاعة والديك: فلا تخشَ دعاءهما عليك، وغضبهما منك؛ لأنه دعاء بإثم، ولا يقبله الله منهما، إن شاء الله، إلا أن تكون ظالماً لهما معتدياً عليهما، وحيث جاز لك التزوج دون الالتزام بما يرغبانه فلست آثماً ولا ظالماً.
وانظر – للأهمية -: جوابي السؤالين: (82724) و (84052) .
وانظر جوابي السؤالين: (21831) و (5512) .
وفي تلك الأجوبة بيان لكثير من الصور التي ذكرناها.
وانظر جواب السؤال رقم (5053) فيه بيان حقوق أمك عليك، وحقوقك على أمك.
ثالثاً:
اعلم أنه لا يجوز لك التزوج بتلك الفتاة من غير ولي لها، فإن كان ثمة ولي لها من أهلها من المسلمين: فيجب موافقته على الزواج - ولا ولاية لكافرٍ عليها إن هي أسلمت -، فإن لم يوجد أحد من المسلمين من أوليائها: تولى أمرها أحد المسلمين، كقاضٍ شرعي، أو مفتٍ للمسلمين، أو إمام مركز إسلامي، وبكل حال: لا يحل لها التزوج من غير ولي.
وانظر - للأهمية -: جواب السؤال رقم (7989) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1392)
هل الصيد في الأشهر الحرم حرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصيد في الأشهر الحرم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأشهر الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وهي المرادة بقوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) ، ولا حرج من الصيد فيها، إنما التحريم للصيد متعلق بأمرين:
الأول: الإحرام بحج أو عمرة لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) المائدة/95.
قال ابن كثير رحمه الله:
"وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام، ونهي عن تعاطيه فيه " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (2 / 99) .
الثاني: الصيد في حدود الحرم، والمقصود به مكة والمدينة للأحاديث الواردة في ذلك.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم الفتح فقال: (إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة، لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحلل لي إلا ساعة من الدهر، لا ينفَّر صيدُها ولا يعضد شوكها) رواه البخاري (1284) ومسلم (1353) .
والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا ينفر صيدها) فهذا الحديث نص في تحريم تنفير الصيد في مكة، وأولى منه تحريم الصيد نفسه.
وأما المدينة فقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بين لابتيها حرام) رواه البخاري (1774) ومسلم (1372) .
واللابة يقال لها: الحَرَّة، وهي الحجارة السوداء، والمدينة بين لابتين، شرقية وغربية.
أما الأشهر الحرم فلا علاقة بينها وبين تحريم الصيد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1393)
والدها يريد الإقامة معها وهي وزوجها يريدان الهجرة من بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[يتعلق سؤالي بكوني اضطررت للسفر لبلد غير مسلم بسبب زواجى من رجل كان يعيش ويعمل هناك، حدث ذلك منذ فترة من الزمن، ولكن يريد كلٌّ منَّا الآن الرحيل والذهاب إلى بلد مسلم، في الوقت الذي تقدم فيه أبي بطلب للمجيء إلى هنا حتى يكون قريباً مني، فهو يبلغ من العمر 70 عاماً، وليست لديه زوجة ترعاه، والآن فإن والدي يرجوني ألا أتركه وحيداً؛ لأنه تقدم في العمر للحد الذي لا يمكنه فيه الاعتناء بنفسه، وحتى لو حصل زوجي على وظيفة فى بلد مسلم فإننا لانستطيع أن نصطحب معنا والدي بسبب مشاكل فى الحصول على تأشيرة، رجاء قدموا لي يد العون.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أحسنتما في التخلص من الإقامة في بلاد الكفر، فلا يجوز للمسلم أن يقيم في تلك الديار ويستقر بينهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُر المُشْرِكِينَ) رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (27211) تحريم الإقامة في بلاد الكفر ووجوب الهجرة إلى بلاد المسلمين، فلينظر.
وبخصوص والدك: فيجب عليكِ إبلاغه بهذا الحكم، وعدم التنازل عن ترك البلد من أجله، وذهابه معكم إلى بلدٍ مسلم هو الأليق به، وهو واجب عليكِ أن تسعي فيه، ولا نظن أنه أمرٌ يستحيل حدوثه، فرجل في مثل سنِّه نظن أنه من السهل الحصول على تأشيرة له، وبخاصة أنه والدك، فدرجة القرابة القوية بينكما تؤهله في كل البلدان – في الغالب - للحصول على تأشيرة.
وإذا فُرض أنه صعُب ذلك عليكِ، أو أن الأمر سيتأخر بعض الوقت: فالذي ننصح به هو بقاؤه مع أسرة مستقيمة، أو مع أشخاص موثوقين لحين الحصول على تأشيرة ليلتحق بكم
وإذا لم يتيسر هذا الأمر: فيمكنكِ التأخر من أجله زمناً يسيراً لحين الحصول على تأشيرة، فيسافر معك للبلد المسلم، ويكون زوجك قد سبقك وهيأ لكما أمور السكن والإقامة.
وأخيراً: إذا لم يتيسر أمر تأشيرته، وليس له مكان يقيم فيه في بلده، ولم يوجد إلا أنتِ ترعينه وتقومين على خدمته: فالذي نراه هو اختيار تأخير خروجك من بلد الكفر حتى ييسر الله أمره، ولعلَّ احتسابك هذا الأمر لله تعالى أن ييسر الله لك أمرك، ويفرج عنك كربك، فاقنعي زوجك بتأخير الخروج من أجل والدك، ولعله أن يأخذ سنَّه في الحسبان، وأن يحتسب أمره عند الله تعالى.
وننبه الزوجة إلى أن اختيارها التأخر، أو إلغاء الخروج من أجل والدها لا يكون دون موافقة زوجها، فزوجها له عليها طاعة، فإذا أمرها بالخروج معه، وعدم الانتظار، أو عدم الإلغاء: فليس لها أن تخالفه، وطاعته تقدَّم على طاعة والديها، لذا فليكن الأمر بينها وبين زوجها بالتفاهم والإقناع، فلعلَّه أن يرضى بحلٍّ تبر فيه والدها حتى يقضي الله أمر والدها.
وهذا كله على فرض أنه لا يوجد لوالدك أبناء آخرين يقومون بشأنه غيرك، كما هو ظاهر من سؤالك؛ وإلا لو كان له أحد سواك، ولو أخ أو أخت له، لكان ذلك أعون على تخطي المشكلة، ولو إلى أن يتم لك ولزوجك الاستقرار في مكان يمكنكما اصطحابه إليه.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1394)
معاناة شاب مستقيم من تصرفات والده الذي يمنعه من الخير
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم إفادتي في هذه المشكلة:
بدأت هذه المشكلة بيني وبين أبي، وذلك منذ التزمت وأعفيت لحيتي، في البداية بدأ الأمر بالضغط عليَّ لكي أحلق لحيتي، ثم منع أصحابي من دخول بيتنا، ثم منعي من أن أصادق بعض الشباب في الحي، علماً بأن عمري كان وقتها 21 عاماً، وكنت إذا رأيت ورقه ملقاة في الشارع فيها آيات من القرآن أو أحاديث آخذها معي إلى البيت وأحرقها، وأبي كان يعلم بهذا، وفي مرة وجدتُ كتاباً في الفقه يدرَّس في الأزهر ملقى في الشارع وممزقاً , فأخذته ووضعته في حقيبة معي أحمل فيها الملابس الخاصة بعملي , وعندما عدت إلى البيت في آخر النهار وضعت الحقيبة عند باب الحجرة حتى أتناول عشائي , وكان من عادة أبي أن يقوم بتفتيش متعلقاتي , فلما رأى الكتاب الممزق قال: " لماذا تحضر الزبالة من الشوارع "، وهو يعلم أنه كتاب ديني، فقلت: " كلام الله ورسوله زبالة؟ " فقال أبي: " نعم زبالة "، وفي مرة قال لي: لا تمشِ مع ابن فلان – جارنا -[وذلك حتى لا أدعوه للالتزام] فقلت: في شرع من هذا؟ فقال: في شرع أبي! "، هذا ليس كل شيء , كان يستهزئ بالإخوة الملتزمين، ويسخر منهم , مع أن منهم إخوة في مثل عمره، وهم جيرانه أيضا، في مرة أخذ المنبه من عندي وأنا نائم حتى لا أصحو لصلاة الفجر.
آخر أحداث هذه المعاناة: هو أنه دبَّر لي مكيدة لكي يتم اعتقالي من قبل السلطات الأمنية, ولكني نجوت بفضل الله سبحانه وتعالى، الآن أصبح عمري 25 عاماً , وأنا أكرهه وأبغضه؛ لما سبَّب لي من الأذى في نفسي وديني , لا أستطيع أن أحبه أو أشعر به كأب , أصبحت أشعر أنه عدوي , خاصة بعد حادثة الاعتقال، وكل يوم أحاول أن أجد سبيلا كي أؤمن نفسي ضد غدره بي.
عندما أقرأ النصوص التي تتضمن الأمر ببرِّ الوالدين والإحسان إليهما , أقول لنفسي: هذا الرجل استهزأ بديني وبكلام الله ورسوله، وحاربني في التزامي، ولم يكتف بذلك , بل نصب لي فخّاً ليتم اعتقالي، ومن وجه آخر أمي تتعذب؛ فهو يظلمها ويسيء معاملتها , وهي تريد أن يصبح البيت مستقراً وهادئاً.
هل يكون أبي باستهزائه منافقاً , وهل يسقط حق برِّه بذلك؟ .
هل يجوز لي الدعاء عليه؟ أحياناً تحدث بيننا مشادة كلامية وقد أرفع صوتي عليه , هل أكون بذلك عاقّاً له؟ أرجو من فضيلتكم إفادتي، ونصحي مع ذكر الدليل من الكتاب والسنَّة أو فعل من أفعال سلفنا الصالح؛ حتى أجد شيئاً أقتدي به في مثل هذا الموقف؟ .
وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يفرِّج همك، ويزيل كربك، وأن يهدي والدك للحق، ولا بدَّ من تنبيهك لبعض الأمور التي قد تخفى عليك، ولها تعلق بسؤالك، وهي مفيدة لحالك، وهي تصلح لأن تكون تنبيهات لكل من يعاني من منع أهله له من الالتزام في المساجد، ومع الصالحين:
1. ينطلق بعض الآباء من منع أبنائهم من الالتزام في حلقات المسجد، أو من مصاحبة بعض المستقيمين لا من منطلق بغضهم للإسلام، بل من خوفهم على أبنائهم من أن تجترفهم بعض التيارات والأحزاب التي قد تؤدي بهم إلى انحراف في الفكر والاعتقاد، والغالب يخاف من ضرر أو أذى دنيوي، فينبغي على الأبناء مراعاة هذا الأمر في تعاملهم مع آبائهم الذين تصدر منهم أفعال في ظاهرها معاداة للدين، وفي حقيقتها تحذير من الانتساب لجماعات وأحزاب قد تأتي بالضرر على الابن وأسرته.
ومن الحكمة في تعامل الأبناء مع هؤلاء الآباء مد جسور الثقة بينه وبين والده، وإطلاعه على من يصاحب من المستقيمين، حتى يُدخل الطمأنينة على قلبه.
2. لا يحل للأبناء أن يتسببوا في كلمات يقولها أهلوهم، ويكون فيها طعن وشتم للدين، فبعض الأبناء إذا منعهم والدهم من المشي مع فلان من الناس: سارع إلى القول: شرع من هذا؟ أو بأي دين؟ أو هل تكره الرسول وأصحابه؟ وغيرها من الأسئلة التي قد يبادر الوالد للإجابة عليها بما يضر دينه، ومنه ما حصل معك مع والدك هنا، فعندما أنكر عليك حمل الكتاب الذي التقطته من الشارع لم يكن يعني الطعن في كلام الله ورسوله، وإلا فلو رأى مصحفاً في حقيبتك فهل سيقول ما قاله في الكتاب الذي التقطته من الشارع؟ فلم يكن من الحكمة أن تبادر والدك إلى قولك " كلام الله ورسوله زبالة؟ "!! فبالإضافة إلى عدم جواز قولك هذا ابتداء فإنك قد تسببت بجوابٍ سيء من والدك، وأنت تعلم أنك أنكر الأوراق الممزقة والتي قد تكون لها رائحة وعليها قذر، ولم يكن ينكر عليك الآيات والأحاديث نفسها.
ومثله عندما منعك من المشي مع أحد جيرانكم فسارعت إلى القول: في شرع من هذا؟ " حتى قال لك: " في شرع أبي! "، وأنت تريد الشرع بمعنى الدين، وهو – لعله – يريد القانون والنظام، أو أنه أراد الشرع الإسلامي فأساء في اللفظ.
واعلم – يا أخي – أننا لسنا نقصد في الجواب واقعتك وحدها، بل هو جواب لكل من يعاني من سوء تصرفات أهله معه، ونريد أن نذكر إخواننا بأنه قد تكون الأخطاء ابتداء منهم، وإلا فقد يكون والدك، أو أمثاله، شيطاناً مريداً، والعياذ بالله، لكننا نريد التنبيه على الأفعال لا الحكم على الأشخاص.
3. لا يجب عليك التقاط الأوراق التي تُرمى في الشارع، كما لم يكن من الحكمة إحضارها للبيت وأنت تعلم – بحسب قولك – أن والدك من عادته الاطلاع على ما في حقيبتك، ولم يكلفنا الشرع بالتقاط الأوراق من الشارع وإلا ضاع عمرنا في الشوارع لكثرة ما يُلقى فيها من صحف وكتب يكون فيها آيات وأحاديث، وإنما يكون المسلم مسئولاً عن أوراقه هو، وعما يُلقى في بيته أو مكان إقامته، ولا مانع من التقاط الملقى في الشارع إذا كان لا يشق عليه، وكان قليلاً، لكن ليس على أنه واجب شرعي.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم من يضع متاعه أو حاجياته أو يلفها في كتب أو ورق يحتوي على سور وآيات من القرآن الكريم والسنة المطهرة، فأنكر عليه شخص بالقول، فرد عليه فقال - أي: الذي يضع البضاعة -: لا بأس بهذا، ولا ضرر في ذلك، واستمر في عمله هذا، وقال: لا أجد غير هذا الورق، مع العلم أنه يقرأ ويكتب، وهذه ظاهرة شائعة عندنا، فما حكم الله في هذا العمل؟ وهل أسير في الشارع راكعاً لجمع تلك الآيات والسور التي كثر رميها على الأرض في حين أن الناس تسخر مني؟ فماذا أفعل لإزالة هذا المنكر المنتشر؟ .
فأجابوا:
أولاً: لا يجوز أن يضع المسلم متاعه، أو حاجته، في أوراق كتب فيها سور وآيات من القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية، ولا أن يُلقي ما كتب فيه ذلك في الشوارع والحارات والأماكن القذرة؛ لما في ذلك من الامتهان، وانتهاك حرمة القرآن، والأحاديث النبوية، وذكر الله، ودعوى أنه لا يجد غير هذا الورق: دعوى يكذبها الواقع، فإن وسائل صيانة المتاع كثيرة، وفيها غنية عن استعمال ما كتب فيه القرآن، والأحاديث النبوية، أو ذكر الله، وإنما هو الكسل وضعف الدين.
ثانياً: يكفيك للخروج من الإثم والحرج: أن تنصح الناس بعدم استعمال ما ذكر فيما فيه امتهان، وأن تحذرهم من إلقاء ذلك في سلات القمامة، وفي الشوارع، والحارات، ونحوها، ولست مكلفاً بما فيه حرج عليك مِن جعل نفسك وقفاً على جمع ما تناثر من ذلك في الشوارع ونحوها، وإنما ترفع من ذلك ما تيسر منه دون مشقة وحرج.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 73 – 75) .
4. يجب على الأبناء مراعاة الضغط الإعلامي الهائل على الأهل في تحذيرهم من التطرف والتشدد، وتصوير ذلك أن منبعه من المساجد وأهل الاستقامة، ومثل هذا الضغط الإعلامي وجد أرضية قابلة لقبوله من الجهل الذي يعيش فيه كثير من العوام، فيحتاج الأمر من الأبناء إلى وضوح في الأفعال، وإظهار لأحسن الأخلاق والأقوال حتى يحكم أهلوهم على ما يسمعونه من الإعلام بأنه كذب وزور.
5. واعلم أنه إن كان والدك مرتداً كافراً: فإنه يجب عليك التلطف في معاملته، والإحسان إليه بما تستطيعه، لا أنه يستحق ذلك – لأن حكم المرتد غير الكافر الأصلي – بل لحاجتك لأن يهديه الله تعالى، ويترك معاداته للدين وينتظم في سلك المسلمين الموحدين.
فلا ترفع صوتك عليه، ولا تهنه، ولا تغلظ له بالقول، وإن كنت تود الدعاء: فادع له بدلا من أن تدع عليه، فلعلَّ الله تعالى أن يستجيب لك فيهديه.
6. يجوز لك أن تبغض أفعال وأقوال والدك، ويحل لك أن تبغضه نفسه، إن ثبت وقوعه في الردة، ويجوز لك الخروج من البيت إن رأيتَ أن بقاءكَ في البيت يؤثر سلباً على استقامتك وقيامك بشعائر دينك، وإن رأيت أن بقاءك لا يؤثر على دينك واستقامتك، ويستفيد أشقاؤك ووالدتك من بقائك: فابق معهم ولا تغادر.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم الوالد الذي يسب الدين هل يكفر بدون إعلان؟ وإذا أنكر عليه هذا الأمر، وعرف بأن سبَّ الدِّين كفر يعود مرة بعد مرة إلى هذا الأمر، ما حكم هذا الأب؟ مع العلم بأنه يظهر التوبة، ثم لا يلبث إذا ثار يقول هذه الكلمة، وهذا يحدث كل فترة، فما حكم هذا الوالد؟ وما حكم تعامل الابن معه؟ هل يهجره ويترك المنزل؟ مع أنه شاب صغير لا يستطيع العمل، وإذا ترك المنزل فإنه سيترك الكلية ويذهب ليعمل أي عمل آخر بعيدا عن هذا المنزل.
فأجاب:
يجب عليك الاستمرار في نصحه، ومتى تبين لك أن النصح لا يفيد فيه فأنت أعلم بظروفك، فإذا كنت تعلم أن بقاءك في البيت أكثر مصلحة: فإنك تبقى، وإذا تبين لك أن ترك البيت أصلح: فإنك تتركه، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ونذكرك بقول الله سبحانه: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) .
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 276، 277) .
ثانياً:
وأما والدك فإننا نقول له:
1. اتق الله في نفسك، واغتنم حياتك قبل مماتك، فلو أدركك الموت وأنت على هذه الحال فإنه سيكون أسوأ حال، وكان الواجب عليك أن تتروى في كلامك، وفي أجوبتك لابنك، وبعض كلامك كفرٌ صريح، فنخشى عليك أن تموت عليه، فإهانة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كفرٌ مخرج من الإسلام بلا خلاف بين العلماء.
2. وكان الواجب عليك أن تشجع ابنك على الطاعة والاستقامة والالتزام مع أهل الخير، ولا مانع من أن تتابعه وتراقبه، لكن ليس عليك منعه من المسجد والطاعة والدعوة، والابن المستقيم على الطاعة خير لأهله في الدنيا والآخرة، فمثل هؤلاء هم الذين ترجى منهم الطاعة والإنفاق والرحمة على أهليهم، وهم الذين يستغفرون لأهليهم بعد موتهم، ويدعون لهم بخير بعد وفاتهم.
3. ولا يحل لك أن تأمر ابنك بحلق لحيته، فحلق اللحية محرَّم، ولا يجوز لك أن تأمر ابنك بمعصية، بل يجب أن تشجعه على الطاعة والاستقامة، وأن تنهى من يحلق لحيته من أبنائك لا العكس، وأن تنهى من تتبرج من بناتك لا العكس، وهكذا.
وأما أن تسعى في تمكين الظلم من عرض ابنك وبدنه، فيسجنوه أو يؤذوه، فهذا انتكاس في فطرة الأبوة التي جعلها الله فيك، وشذوذ في عاطفتك نحوه؛ ألم تعلم يا عبد الله أن الله سائل كل راع عما استرعاه: حفظ أم ضيع. [رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني] .
ألم تعلم، يا عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [متفق عليه] .
فكيف إذا كان هذا المسلم هو ابنك، وفلذة كبدك؟!!
لقد صدق القائل:
وراعي الشاةِ يحمي الذئبَ عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئابُ
4. لا يجوز لك ظلم زوجتك، ولا الإساءة إليها، وقد أمرك الله تعالى بمعاشرتها بالمعروف، فلا يحل لك ما تفعله معها من ظلم وإساءة.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رواه ابن ماجة (1977) وصححه الألباني.
وأخيراً:
فإننا ندعو الوالد للتوبة والاستغفار مما بدا منه، وندعوه لإصلاح قوله وفعله، وأن يتدارك أمره قبل أن ينتهي أجله ويلقى ربه، وندعوه لتشجيع أولاده على الطاعة والاستقامة، ولا بأس من توجيههم ونصحهم فهم يحتاجون لذلك، لكن لا يحل لهم منعهم من الطاعات الواجبات، ولا أن يكرههم على ارتكاب المحرمات، وليس له طاعة إن فعل ذلك، وأولاده آثمون إن استجابوا له.
وندعو الابن للتحلي بالصبر، وندعو إلى معالجة الأمور بحكمة، وأن يعلم أن والده لا يكره له الخير، لكنه يجهل الخير من الشر، فعليه مسئولية دلالة والده على الخير لنفسه ولأهله وذريته.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1395)
بر الوالد المنكر للحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في أسرة غير متدينة تضطهدني وتسخر مني وأنا متمسك بالسنة ولله الحمد ووالدي يعتقد بأن الأحاديث التي تشرح أمورا في القرآن كالصلاة يجب اتّباعها والأحاديث التي تذكر أمورا ليست في القرآن كتحريم مصافحة المرأة الأجنبية لا يجب اتباعها وعنده اعتقادات أخرى وأنا أعلم أن بر الوالدين واجب، هل يجوز لي أن أصلي وراء أبي وإذا كان الجواب بالنفي فهل يجوز أن أتظاهر أني أصلي معه كي لا أغضبه ثم أعيد الصلاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنّ الوضع الذي تعيش فيه أيها الأخ السائل هو وضع صعب فعلا، وليس بالهيّن على المؤمن أن يعيش مع أب عنده ضلالات وانحرافات عن المنهج الصحيح منهج أهل السنّة والجماعة ولكن المسلم يحتسب الأجر في الصّبر على مثل هذا الأب والتلطّف في نصحه وتبصيره بالحقّ بالوسائل المناسبة التي لا تُشعر الأب بتعالي ولده عليه ولا بانتقاصه له وإنما يشعر الأب بأنها نصيحة ابن معترف بالأبوة موقّر ومشفق كما حصل لإبراهيم عليه السلام في دعوته لأبيه، قال الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيًّا (44) يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) سورة مريم
فقد استعمل إبراهيم عليه السلام نداء الأبوة في أرقّ ألفاظه فقال: يا أبت، ولم يقل له أنا عالم وأنت جاهل بل قال إنّي قد جاءني من العلم ما لم يأتك
وأظهر شفقته على أبيه وحرصه على سلامته بقوله: يا أبت إني أخاف أن يمسّك عذاب من الرحمن
ولما رفض أبوه الحقّ وتهدّده بالرّجم ما زاد إبراهيم على أن قال لأبيه بكلّ أدب سلام عليك ووعده أن يستغفر له
هكذا فلتكن دعوة الأبناء الصالحين لآبائهم الضالين.
واعلم بأنّ مسألة إنكار السنّة أو شيء منها أمر خطير جدا - ولعلّنا نذكر شيئا من التفصيل في الموضوع في موضع آخر - ولكن نقول باختصار هنا إذا كانت بدعة أبيك تخرجه عن الإسلام كإنكار السنّة نهائيا وقد أقيمت الحجّة عليه ورفض الحقّ فلا تصحّ صلاتك خلفه حينئذ لكفره، وأما إذا كانت بدعة أبيك لا تصل إلى الكفر كعدم التزامه - عن تقصير وتفريط - بحكم قد جاءت به السنّة فيجوز لك أن تصلي وراءه حينئذ وصلاتك صحيحة. والله تعالى أعلم.
إضافة: وردنا من الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين في خصوص هذا السؤال ما يلي:
الإنكار قد يكون إنكار تأويل وقد يكون إنكار جحد فإذا كان إنكار جحد بمعنى أنّه يقول: نعم أنا أعلم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا لكن أنا أنكر ذلك ولا أقبله فإن كان هذا فهو كافر مرتدّ عن الإسلام ولا تجوز الصلاة خلفه.
وإن كان إنكاره إنكار تأويل فيُنظر إن كان التأويل محتملا مما تسوّغه اللغة ويعلم مصادر الشريعة ومواردها فهذا لا يكفر ويكون من جملة المبتدعين إذا كان قوله بدعيا فيصلى خلفه إلا إذا كان في ترك الصلاة خلفه مصلحة بحيث يرتدع ويفكّر في الأمر مرة ثانية فلا يُصلّى خلفه.
حال هذا الأب أنه يقر ببعض أقسام السنة وهو ما كان موافقاً للقرآن شارحاً له. في الوقت الذي ينكر القسم الآخر وهو ما كان زائداً على القرآن. ومثل هذا يُعد من البدع العظيمة التي توعد الشارع عليها كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام: " لا أُلفين أحدكم متكئاً على أريكة … " الحديث.
فهي بدعة كبيرة يخشى على صاحبها. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1396)
يعيره أهله بمكثه عندهم وعدم زواجه فكيف يتعامل معهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أعامل أهلي بما يرضي الله، وهم يسيئون إليَّ في بعض الأحيان بأن يعايروني بأني مازلت أسكن معهم ولم أتزوج حتى الآن، علماً بأني أساعد في مصاريف المنزل من مرتبي المتواضع - 200 جنيه - وأنا موظف حكومة بالتربية والتعليم، وقد كنت أريد أن أدرس مجالاً آخر ولا أعمل بالحكومة إلا أنني سمعت كلامهم عن الاستقرار والمعاش وأصبحت موظفاً، لا يمكنني الزواج حاليّاً، وعمري 34 عاماً، أعرف عقوق الوالدين، وأجتنبه، ولكن لي كرامة أريد أن أحافظ عليها عندما يعايروني، خاصة أمي بأني لم أرحل عنهم حتى الآن، كيف أتعامل معهما؟ أكتم غضبي كثيراً ولكن إلى متى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن للوالدين عليك حقّاً عظيماً في البر والمصاحبة بالمعروف، وإن أساؤوا إليك، بل وإن سعوا جاهدين لأن تترك الإسلام وتلحق بقافلة الشرك – وحاشاهم من ذلك -، وهذا الحق كفله لهم الشرع المطهَّر، فقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/23، وقال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15.
فاعلم هذا وأنت تظن أن إحسانك لهم وبرَّك بهم يهدم " كرامتك "، واعلم هذا وأن تقول " إلى متى أكتم غضبي؟ ".
فعليك أن تبقى على سكوتك عن الإساءة من أهلك تجاهك، ويجب عليك أن تداوم على برِّك وإحسانك لهم، ولو أساؤوا إليك وآذوك.
ثانياً:
والذي ننصحك به عمليّاً هو:
1. الصبر والاحتساب على ما أصابك من أهلك، قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) البقرة/45.
2. البر والإحسان لهم، وتفقدهم بالهدايا والرعاية، والكلام الطيب، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تهادوا تحابوا) . رواه البخاري في " الأدب المفرد " (594) ، وحسَّنه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (3 / 70) والألباني في " إرواء الغليل " (1601) .
3. نصحهم وإرشادهم للالتزام بالأحكام الشرعية والأخلاق الفاضلة، بالحكمة، والموعظة الحسنة.
قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل/125.
4. تنويع أسلوب الدعوة، وعدم التزام طريقة واحدة، فالأشرطة السمعية، والمرئية، والكتيبات قد يكون لواحد منها أثره في تغيير سلوكهم.
5. الاستعانة بأهل العلم وطلابه من أصحاب المكانة عندهم، بجعلهم يزورونك ويكلمونهم وينصحونهم.
6. السعي في طلب الرزق الحلال، الذي تستعين به على أمور الزواج، فيمكنك البحث عن عمل آخر، أو السفر إلى دولة إسلامية للعمل فيها.
7. داوم على الدعاء لهم بالهداية والتوفيق.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن ييسر لك أمورك، وأن يهدي أهلك للبر والرشاد.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1397)
والده يجحد وجوب الصلاة ويسب الصحابة فما حكمه وكيف يتعامل معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله الذي هدانا وأنعم علينا بنعمة الإسلام، أنا بدأت بالالتزام منذ أشهر قليلة، وأبي يحاربني في ذلك، أبي لا يصلي؛ لأنه لا يعترف أن الصلاة فرض، بل ويسب بعض الصحابة، ويتكلم عن السيدة عائشة، ويتكلم بالسوء عن الصالحين أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، ويشكك في أي حديث شريف، ويتحيز كثيراً للشيعة، ويعاملني أنا وأمي وإخوتي معاملة سيئة، بل ويهين أمي، ولا يدع أخي الصغير يذهب إلى المسجد بحجة المذاكرة، ويمنعني أن أتحدث إلى إخوتي في أمور الدين، ولا يحب أن ينصحه أحد، ولا يطيق سماع القرآن، ولا سماع البرامج الدينية، ويتهمها بالتضليل، وكلما يراني أشاهد برنامجاً دينيّاً يغيِّر القناة. فما هو حكمه في الشرع؟ وكيف أستطيع التعامل معه؟ مع العلم أنه أنا والحمد لله أعامله معاملة طيبة، وأدعو له، ولكنه يهينني، ويقول لإخوتي إنني إرهابي، ويشجعهم على سماع الأغاني، وعدم مشاهدة البرامج الدينية، وعلى عدم سماع كلامي. أرجو الرد على سؤالي، وجزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يُعظم أجرك في مصيبتك، ونسأله تعالى أن يهدي والدك قبل أن يأتيه أجله.
أما حكم والدك: فقد أتى بأفعال وأقوال يوجب بعضها كفره وخروجه من الملة، فكيف بها مجتمعة؟! ومن ذلك: تركه للصلاة حتى لو كان كسلاً، وجحده لفرضيتها، وهذان أمران يكفرانه، ويخرجانه من ملة الإسلام، أما الأول: فعلى الصحيح من أقوال أهل العلم في حال تركها كسلاً، وأما الثاني فبالاتفاق، ولكن لا خلاف في أن تارك الصلاة إن تركها جحوداً لفرضيتها أنه كافر خارج من ملة الإسلام.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
أجمع العلماء على أن تارك الصلاة، الجاحد لوجوبها كافر، وأنه يقتل كفراً ما لم يتب.
" أضواء البيان " (4 / 335) .
ووالدك لم يترك الصلاة كسلاً، بل تركها جحوداً لفرضيتها، وإنه لو كان تركها كسلاً لكفر: فكيف وقد تركها جحوداً لها؟! .
وأما سبُّه لبعض الصحابة: فالظاهر أنه لا يستثني في سبه إلا بعض الصحابة! لا أنه يسبُّ بعضهم، والذي ظهر لنا من سؤالك أن والدك معتقد لمذهب الرافضة الخبيث، والذي يَحكم على الصحابة بالردة إلا عدداً قليلاً منهم، وهذا موجب لكفرهم؛ ومن لم يحكم بكفرهم من العلماء: فإنه يحكم بسجنهم حتى التوبة أو الموت.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
سب الصحابة على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا: فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا: فإن كفره متعين؛ لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب أو السنة كفار، أو فساق.
الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بأنه لا يكفر: يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال.
الثالث: أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم، كالجبن والبخل: فلا يكفر، ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك، ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب " الصارم المسلول " ونقل عن أحمد في (ص 573) قوله: " لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص، فمن فعل ذلك: أُدب، فإن تاب، وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع ".
" فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (5 / 83، 84) .
ومن لوازم الطعن في الصحابة رضي الله عنهم: الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الإسلام، وفي رب العباد سبحانه وتعالى.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
إن سب الصحابة رضي الله عنهم ليس جرحاً في الصحابة رضي اله عنهم فقط، بل هو قدح في الصحابة، وفي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي شريعة الله، وفي ذات الله عز وجل:
- أما كونه قدحاً في الصحابة: فواضح.
- وأما كونه قدحاً في رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحيث كان أصحابه، وأمناؤه، وخلفاؤه على أمته من شرار الخلق.
وفيه قدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه آخر، وهو تكذيبه فيما أخبر به من فضائلهم ومناقبهم.
- وأما كونه قدحاً في شريعة الله: فلأن الواسطة بيننا وبين رسول الله صلي الله عليه وسلم في نقل الشريعة: هم الصحابة، فإذا سقطت عدالتهم: لم يبق ثقة فيما نقلوه من الشريعة.
- وأما كونه قدحاً في الله سبحانه: فحيث بعث نبيه صلى الله عليه وسلم في شرار الخلق، واختارهم لصحبته، وحمل شريعته ونقلها لأمتهـ.
فانظر ماذا يترتب من الطوام الكبرى على سب الصحابة رضي الله عنهم.
ونحن نتبرأ من طريقة هؤلاء الروافض الذين يسبون الصحابة ويبغضونهم، ونعتقد أن محبتهم فرض، وأن الكف عن مساوئهم فرض، وقلوبنا - ولله الحمد - مملوءة من محبتهم؛ لما كانوا عليه من الإيمان، والتقوى، ونشر العلم، ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول، أو عمل.
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (8 / 616) .
ولذا فلا عجب أن يحكم علماء الإسلام بالزندقة على كل من ينتقص من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حجر الهيتمي – حمه الله -:
قال إمام عصره أبو زرعة الرازي - من أجلِّ شيوخ مسلم -: إذا رأيتَ الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله: فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة، فيكون الجرح به ألصق، والحكم عليه بالزندقة والضلالة والكذب والفساد هو الأقوم الأحق.
" الصواعق المحرقة " (2 / 608) .
وكذلك يقال في قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه كفر وردة.
وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (954) .
ومن لم يسلم منه صحابة النبي صلى الله عليه فلن يسلم منه أئمة الهدى من بعدهم كالتابعين ومن تبعهم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وبسبهم على الصحابة وطعنهم في دينهم فإنهم يحكمون على أنفسهم أنهم على دينٍ غير ديننا.
ثانياً:
أما عن كيفية التعامل مع والدك:
فلا بدَّ لك من سلوك طرق شتى في بيان الحق له، والسعي الحثيث في هدايته، ولا تيأس ولا تمل من هذا، فهو باعتقاده وأقواله وأفعاله قد خرج من الإسلام خروجاً كليّاً، وعليك تدارك الأمر بما تراه نافعاً له، ونوجهك إلى أمورٍ، منها:
1. وجوب التبرؤ من اعتقاده وأقواله وأفعاله.
2. التلطف في إيصال الحق له.
3. تنويع طريق الدعوة وبيان الحق، فالمناظرات التي جرت بين أهل السنة وبين الرافضة كانت قاصمة ظهر لهم، فيمكنك الاستعانة بها، لتقنعه برؤيتها وسماعها، وكذا يوجد من الأشرطة السمعية والكتب ما يكفي لدعوة هؤلاء المنتقصين من الصحابة، وما يُرد به على شبهاتهم.
4. السعي نحو عدم تأثير والدك على أمك وأشقائك، حتى لا تتوسع دائرة الكفر والردة.
5. الدفاع عن نفسك بأخلاقك وسلوكك الحسن معه ومع أهل بيتك.
6. عدم اليأس من هدايته، والاستمرار في دعوته، عن طريقك مباشرة، وعن طريق غيرك ممن يعرفهم ويثق بهم من أهل السنَّة.
7. مداومة الدعاء له، واختيار الأوقات الفاضلة كثلث الليل الآخر، والأحوال الفاضلة كالسجود في الصلاة.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
كيف نعامل الرجل الذي يسب الأصحاب الثلاثة؟ .
فأجابوا:
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة، وقد أثنى الله عليهم في كتابه، قال الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، وقال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) ، إلى غير هذا من الآيات التي أثنى الله فيها على الصحابة، ووعدهم بدخول الجنة، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي من هؤلاء السابقين، وممن بايع تحت الشجرة فقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لعثمان، فكانت شهادة له، وثقة منه به، وكانت أقوى من بيعة غيره للنبي صلى الله عليه وسلم، في أحاديث كثيرة إجمالاً وتفصيلاً، وخاصة أبا بكر وعثمان وعليًّا، وبشَّر هؤلاء بالجنة في جماعة آخرين من الصحابة، وحذَّر من سبهم فقال: (لا تسبُّوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه) رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، - ورواه البخاري من حديث أبي هريرة -.
فمن سبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو شتمهم، وخاصة الثلاثة: أبا بكر وعمر وعثمان المسؤول عنهم: فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله وعارضهما بمذمته إياهم، وكان محروماً من المغفرة التي وعدها الله مَن تابعهم واستغفر لهم ودعا الله ألا يجعل في قلبه غلا على المؤمنين.
ومِن أجل ذمّه لهؤلاء الثلاثة وأمثالهم: يجب نصحه، وتنبيهه لفضلهم، وتعريفه بدرجاتهم وما لهم من قَدم صدق في الإسلام، فإن تاب: فهو من إخواننا في الدين، وإن تمادى في سبهم: وجب الأخذ على يده، مع مراعاة السياسة الشرعية في الإنكار بقدر الإمكان، ومن عجز عن الإنكار بلسانه ويده: فبقلبه، وهذا هو أضعف الإيمان، كما ثبت في الحديث الصحيح.
" فتاوى إسلامية " (1 / 12) .
ونسأل الله أن يوفقك في مسعاك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهدي والدك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1398)
هل يسقط بر الوالدين بتعاطي السحر لأبنائهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أب قام بعمل سحر لابنته وهي زوجتي الآن من أجل التفريق بيننا، ومن أجل أن تصبح ابنته في حالة اللاشعور فما الحكم الديني في هذه الحالة؟ هل تقطع رحمه؟ علما بأنه مصر على التفريق بشعوذته هذه أم أنها تكتفي بالتواصل معه هاتفيا وخاصة في العيدين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يسقط حق الوالدين في الإحسان والبر ولو بتعاطي السحر والشعوذة، وإضرار أولادهما بذلك.
فقد أمر الله تعالى بمصاحبة الوالدين بالمعروف ولو كانا يأمران ولدهما بالشرك، قال الله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) لقمان/15.
فالأب وإن ارتكب كبيرة من الكبائر، فلا يجوز هجره، بل عليك أن تحسني إليه، وتعظيه بالتي هي أحسن، ولا تملي من نصحه لعل الله يجعل هدايته على يديك.
هذا مع الحذر منه، وتجنب الوسائل التي يمكن أن يستخدمها في سحره كالشرب والأكل عنده، مع التحصن بالأذكار الشرعية الثابتة في ذلك.
وإذا خشيت من زيارته حصول ضرر عليك فلا حرج عليك من الامتناع من زيارته، وتقتصري في صلته والإحسان إليه بالاتصال به هاتفيا، والسؤال عنه ومساعدته إن احتاج إلى مساعدة.
وعلى الأب أن يتق الله ويدع ما هو عليه من اقتراف الكبائر (إن كان كما ذكرت ابنته) قبل أن يفجأه الموت وهو على ذلك، كما ننبه السائلة إلى عدم اتهام أبيها بما ذكرت دون بينة ثابتة، فقد يكون الأمر مجرد شكوك ووساوس لا حقيقة لها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1399)
أجرى لوالده العملية بدون رضاه، فهل يكون عاقاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي مريض ورفض إجراء العملية الجراحية، وقد احتلت عليه حتى تجرى له بدون علمه، وذلك حرصاً مني على شفائه، فهل في هذا عقوق له؟ وماذا لو كان توفي في هذه العملية، هل أكون متسبباً في قتله بذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج عليك في ذلك إن شاء الله؛ لأنكَ تريد له الخير، وتريد له المصلحة، ولم تُرِد به الضَّرر؛ فأنت محسن، ويُرجى لك الأجر إن شاء الله، وحتى لو تُوُفِّي من أثر هذه العمليَّة، ما دامت أنَّها عمليَّة جارية مجراها الطبّيَّ، ولم يحصل فيها تفريط، والطَّبيب من أهل الخبرة، وتوفرت الشُّروط؛ فلا حرج عليك في ذلك؛ لأنك محسن، والله تعالى يقول: (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ) التوبة /91 ".
والله تعالى أعلم.
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 403)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1400)
تساعد والديها من راتبها دون علم زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة متزوجة ولي 3 أطفال، اشتغل بشركة وأتقاضى مرتبا شهريا أشارك به في مصروف البيت، أي أساعد زوجي، سؤالي هو أن أبي يبلغ 84 من العمر، وأمي 76، وأنا ابنتهم الوحيدة، فأساعدهم من مرتبي الشهري دون علم زوجي، بالرغم من أنه لا يعارض في الأمر؛ فما حكم الشرع في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم يكن هناك اشتراط من قِبل الزوج أن تعملي في مقابل مشاركتك بالراتب كله أو جزء منه، في مصروف البيت، فراتبك الذي تأخذينه، أو المبلغ المتبقي منه بعد القدر الذي اشترط زوجك أن تشاركي به،: ملكٌ لك، يجوز أن تتصرفي فيه بما يباح من أنواع التصرف، ولا يلزمك استئذان الزوج في ذلك، لكن إن فعلت تطييبا لخاطره، فهو أفضل.
ومساعدة الوالدين من أعظم أعمال البر والخير، وهي من صلة الرحم التي تزيد في العمر، وتبارك في الرزق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) رواه البخاري (5986) ومسلم (2557) .
وعلى ذلك، فلا حرج فيما تفعلينه من مساعدة والديك بجزء من راتبك، من دون علم زوجك، خاصة وأنت تقولين أنه لا يمانع من مثل ذلك، لكن لو رأيت أن إخباره بذلك يطيب خاطره فهو أفضل.
نسأل الله تعالى أن يأجرك ويثيبك على هذه المساعدة، وأن يبارك لك في مالك وعملك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1401)
أمه لا ترضى عن الزواج بهذه المرأة فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبلغ من العمر 35 سنة. أعيش مع والدتي التي سهرت على تربيتي أنا وأختي المتزوجة بعد وفاة أبي قبل ولادتي بـ 4 أشهر ولم تتزوج بعده رحمه الله. قبل 3 سنوات وقعت في حب سيدة تبلغ من العمر 50 سنة أرملة هي كانت زوجة عم أمي رحمه الله. كما لديها بنت تربيها تبلغ 13 سنة. هذه السيدة تحبني حبا لا حد له وقد اتفقنا على الزواج. ولما صارحت أمي رفضت رفضا مطلقا. واعلم أن هده السيدة تحبني وتفعل المستحيل من أجلي، وأنا أحبها كذلك. لكن إذا تزوجنا سأفقد أمي وعائلتي. وكذلك هي. أستاذي أرجوك أرجوك أرجوك أن ترشدني وتدلني على حل وما يقول الدين في هذه المسألة لإرضاء الله أولا وأخيرا. أرجوكم ولكم إن شاء لله جنة الفردوس مع الرسول صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم تستطع إقناع أمك بهذا الزواج، وكان استمرارك فيه يعني إغضابها بل فقدانها كما ذكرت، فالواجب أن تطيعها في عدم الزواج من هذه المرأة، إلا في حالة أن تخشى الوقوع في الزنا بها، عياذا بالله من ذلك.
وفقه المسألة أن طاعة الأم واجبة، والزواج من امرأة بعينها ليس واجبا، فالنساء كثيرات، ولهذا صرح ابن الصلاح والنووي وابن هلال -كما ذكر العلامة محمد مولود الموريتاني في نظم البرور- بوجوب طاعة الوالد إذا منع ابنه من الزواج بامرأة معينة.
لكن إذا غلب على الظن الوقوع في الحرام، كان درء هذه المفسدة مقدما على طاعة الأم.
قال الشيخ المرابط أباه ولد محمد الأمين الشنقيطي في نظم الفردوس:
إن يمنع الوالد الابن من نكاحْ امرأةٍ امنعن على ابنه النكاحْْ
ما لم يكن خشي من معصيةِ تقع بينه وبين المرأةِ
كما عزاه للهلالي السيدُ عبد الإله العلوي الأمجدُ
ونصيحتنا أن تغلب جانب العقل على العاطفة، وأن تبحث عن غير هذه المرأة، ممن ترضى دينها وخلقها، والأفضل أن تكون بكرا، في سنٍّ يسمح لها بالإنجاب، وبهذا تحقق جملة من المصالح، أعظمها إرضاء أمك الكريمة، التي ضحت بمصلحتها لأجل تربيتك، ثم المحافظة على كيان العائلة، وإنجاب الذرية التي هي أحد مقاصد النكاح.
وأكثر من دعاء الله تعالى، أن يلهمك الصواب والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1402)
الصلاة على الميت بعد دفنه بسنوات
[السُّؤَالُ]
ـ[لي جدة توفيت ولم أصل عليها، وأنا في نفس المدينة، حيث دفنوها قبل حضوري لهم، وهي الآن متوفية منذ 3 سنوات. فهل علي شيء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يبدو من سؤالك أنك تشعر بالتقصير تجاه جدتك، فإذا كنت في المدينة نفسها وتتمكن من إدراك صلاة الجنازة والدفن فلماذا لم تفعل؟ وأي عذر منعك عن شهود خير ما يمكن أن تبر به جدتك في مماتها، بالصلاة عليها والدعاء والاستغفار لها!
والأجداد والجدات يجب برهم والإحسان إليهم كالوالدين.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (16/133) :
" الجد والجدة كالأبوين في البر " انتهى بتصرف.
وأمامك فرصة لتعويض ما فاتك إن شاء الله، إذ يمكنك أن تذهب فتصلي على قبرها صلاة الجنازة، فقد ذهب الإمام الشافعي وغيره إلى جواز الصلاة على الميت في قبره، ويدل على ذلك:
ما رواه البخاري (458) ومسلم (956) أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة في قبرها، كانت تنظف المسجد، وكان الصحابة قد دفنوها من غير أن يخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بموتها.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ قَدْ دُفِنَ لَيْلا، فَقَالَ: مَتَى دُفِنَ هَذَا؟ قَالُوا: الْبَارِحَةَ. قَالَ: أَفَلا آذَنْتُمُونِي!؟ قَالُوا: دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ. فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَا فِيهِمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ) رواه البخاري (1321) .
وعن يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه: (أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَأَى قَبْرًا جَدِيدًا، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ فُلانَةُ، مَوْلاةُ بَنِي فُلَانٍ، فَعَرَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَاتَتْ ظُهْرًا وَأَنْتَ نَائِمٌ قَائِلٌ (أي: في القيلولة) فَلَمْ نُحِبَّ أَنْ نُوقِظَكَ بِهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَّ النَّاسَ خَلْفَهُ، وَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: لا يَمُوتُ فِيكُمْ مَيِّتٌ مَا دُمْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إِلا آذَنْتُمُونِي بِهِ؛ فَإِنَّ صَلاتِي لَهُ رَحْمَةٌ) رواه النسائي (2022) وحسنه ابن عبد البر في "التمهيد" (6/271) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/239) مجموعة من الآثار عن الصحابة والتابعين ممن صلوا على القبور بعد الدفن: منهم عائشة رضي الله عنها حين صلت على قبر أخيها عبد الرحمن، وابن عمر صلى على قبر أخيه عاصم، وسليمان بن ربيعة وابن سيرين وغيرهم. وكذلك ذكره ابن حزم في "المحلى" (3/366) عن أنس وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم جميعا.
ومنع بعض الفقهاء من الصلاة على القبر مطلقا، وبعضهم قيده بشهر أو ثلاثة أيام، ولكن ليس هناك دليل على هذا التقييد.
قال ابن حزم رحمه الله "المحلى" (3/366) :
" أما أمر تحديد الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام فخطأ لا يشكل، لأنه تحديد بلا دليل " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (5/436) :
" والصحيح أنه نصلي على القبر ولو بعد شهر، إلا أن بعض العلماء قيده بقيد حسن، قال: بشرط أن يكون هذا المدفون مات في زمن يكون فيه هذا المصلي أهلا للصلاة.
مثال ذلك: رجل مات قبل عشرين سنة، فخرج إنسان وصلى عليه وله ثلاثون سنة، فيصح؛ لأنه عندما مات كان للمصلي عشر سنوات، فهو من أهل الصلاة على الميت.
مثال آخر: رجل مات قبل ثلاثين سنة، فخرج إنسان وصلى عليه وله عشرون سنة ليصلي عليه، فلا يصح؛ لأن المصلي كان معدوما عندما مات الرجل، فليس من أهل الصلاة عليه.
ومن ثَمَّ لا يشرع لنا نحن أن نصلي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وما علمنا أن أحدا من الناس قال: إنه يشرع أن يصلي الإنسان على قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو على قبور الصحابة، لكن يقف ويدعو " انتهى.
وللتوسع في المسألة انظر: "الأم" (1/452) ، "المجموع" (5/208-210) ، "المغني" (2/194-195) ، "بدائع الصنائع" (1/315) ، "الموسوعة الفقهية" (16/35) .
كما أن البر لا يتوقف على حياة الوالدين وكذا الجَدَّين، بل يستمر بعد وفاتهما، وأعظم ما يمكن أن يبر به المرء والديه الدعاء لهما والاستغفار لهما.
عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: (بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: نَعَمْ، الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا، وَالاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لا تُوصَلُ إِلا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا) رواه أبو داود (5142) وحسنه ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (4/307) وصححه الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (9/295) .
قال صاحب "عون المعبود" (14/36) :
" (الصلاة عليهما) أي: الدعاء، ومنه صلاة الجنازة، قاله القارىء، وفي فتح الودود: والمراد بها الترحم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1403)
هل يجبر والدته على الانتقال من البيت القديم الذي يسبب لها المرض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص والدته عندها 90 عاما تسكن في منزلها القديم جدا وهو منزل مليء بالبراغيث والفئران (مما نتج عنه أن أصبح عندها نقص في نسبة الهيموجلوبين) وهو يعرض عليها أن تنتقل إلى منزل آخر استأجره لها ولكنها ترفض أن تترك منزلها بشدة فهل عليه أن ينقلها إلى هذا المنزل الجديد بأي طريقة ولا يعبأ برفضها الانتقال من منزلها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت من قدم المنزل، وتعرض الأم للمرض بسبب البقاء فيه، فينبغي أن يسعى الابن في إقناعها بالتحول عنه، وأن يجتهد في ذلك، فإن أبت فليس له أن يجبرها على الانتقال، ما دامت بعقلها، تدرك وتعي ما يقال لها؛ لأن لها حق البقاء والسكن في المحل الذي تريد.
وعلى الابن أن يسعى في تنظيف البيت ما استطاع، وعليه أن يوفر لها ما تحتاجه من طعام وشراب وخدمة، سواء فعل ذلك بنفسه، أو استأجر لها من يخدمها، وأن يجتهد في برها وصلتها وتفقد أحوالها، لاسيما وهي في هذا العمر، كما قال سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23، 24.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1404)
بر الأطفال بوالديهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أنواع العبادات التي يمكن للطفل أو الطفلة فعلها من أجل الوالدين وهما على قيد الحياة، وبعد موتهما؟ أرجو إعطاءنا أمثلة من القرآن والسنة ومن أفعال السلف الصالح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن جماع حقوق الوالدين على أبنائهما الإحسان إليهما في كل شيء، وصحبتهما بالمعروف، كما قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) الأحقاف/15، وقال سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) العنكبوت/8، وقال تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) سورة لقمان/15
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: " وبالوالدين إحساناً " أي: أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والعملي " تفسير السعدي ص524
وإن من أهم العبادات التي يُطالب بها الصغير تجاه والديه طاعتهما، وامتثال أمرهما، والانتهاء عند نهيهما، فإذا أمره والداه بأمر بادر بفعل ما أمر به، وإذا نهياه عن شيء سارع في تركه، ما لم يكن في ذلك معصية لله ورسوله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ثم الدعاء والاستغفار لهما، خاصة عند كِبَر سنهما، وضعفهما، وحاجتهما إلى من يرفق بهما، ويقوم بأمرهما، قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23-24
وقد ذكر الله في كتابه نموذجاً من نماذج صلاح الأبناء، فقد قال سبحانه عن عبده يحي بن زكريا: (يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) مريم/12 – 15
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله -: " يقول تعالى ذكره: (وبرا بوالديه) مسارعاً في طاعتِهما ومحبَّتهما، غير عاقٍّ بهما.
(ولم يكن جبَّاراً عصيّاً) يقول جل ثناؤه: ولم يكن مستكبراً عن طاعة ربه وطاعة والديه، ولكنه كان لله ولوالديه متواضعا متذللا، يأتمر لما أمر به، وينتهي عما نهي عنه، لا يعصي ربه، ولا والديه. " تفسير الطبري " (16 / 58) .
وقال تعالى عن عبده عيسى بن مريم: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) مريم/30 – 32.
قال ابن كثير – رحمه الله -: " وقوله (وبرّاً بوالدتي) أي: وأمرني ببر والدتي، ذكره بعد طاعة ربه لأن الله تعالى كثيراً ما يقرن بين الأمر بعبادته وطاعة الوالدين كما قال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) ، وقال (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) ، وقوله: (ولم يجعلني جباراً شقيا) ، أي: ولم يجعلني جبَّاراً مستكبراً عن عبادته وطاعته وبر والدتي فأشقى بذلك. " تفسير ابن كثير " (3 / 121) .
وأما بعد الموت: فيمكن أن يعمل الصغير أشياء كثيرة، ومنها:
1. إن كان عنده مال وعلى والديه ديْن أن يُبرئ ذمتهما بأداء الدَّيْن.
2. إن كان عنده مال ولم يؤد والداه الحج أن يحج عنهما، أو يدفع المال لمن يحج عنهما.
3. أن يستغفر لوالديه ويدعو لهما بالرحمة والمغفرة، قال تعالى: (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/24
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: " أي: ادعُ لهما بالرحمة، أحياءً وأمواتاً. تفسير السعدي ص524
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ الرجل لتُرفع درجتُه في الجنَّة فيقول: أنَّى هذا فيقال: باستغفار ولدك لك ". رواه ابن ماجه (3660) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1617)
هذا إذا كان الصغير مميِّزاً، وتيسر له قبض المال أما إن كان صغيراً لا يعقل فإن مثل هذا الكلام لا ينطبق عليه.
ومن الأمثلة السلفية العظيمة على بر الوالدين فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلا مِنْ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ، وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، إِنَّهُمْ الأَعْرَابُ؛ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: (إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ) رواه مسلم (2552)
وفي رواية عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ أَلَسْتَ ابْنَ فُلانِ بْنِ فُلانٍ قَالَ بَلَى فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ وَقَالَ ارْكَبْ هَذَا وَالْعِمَامَةَ قَالَ اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ)
وأما أبو هريرة فكان يستخلفه مروان، وكان يكون بـ " ذي الحليفة " (عشرة كيلو تقريباً من المدينة) فكانت أمه في بيت، وهو في آخر. قال: فإذا أراد أن يخرج وقف على بابها، فقال: السلام عليك يا أمّتاه ورحمة الله وبركاته. فتقول: وعليك يا بُني ورحمة الله وبركاته. فيقول: رحِمك الله ما ربَّيتني صغيراً. فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً، ثم إذا أراد أن يدخل صنع مثله "
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1405)
والدها يقسو عليهم وعلى أمهم فعزموا على مقاطعته
[السُّؤَالُ]
ـ[قسوة الأب، تزوج أبي أمي وهى بسيطة لا تعرف سوى الاحترام والطاعة لم تخرج من البيت ولا تعرف مدرسة ولا كلية وهو يعشق النساء ويجري وراءهن ولم يهتم يوما بمشاعر أمي ودائما يقول عليها عبيطة المهم أني نشأت أنا وأختي وأخي ولم يربنا أحد سوى الأم البسيطة، ووالدي الآن دائم الخناق معنا ويشتمنا بألفاظ وقحة مخجلة جدا، المهم أنا أسأل عن رضا الله فنحن أخذنا موقفا منه ولا نكلمه ولا نخدمه فهل يغضب الله عنا؟ كما أنه لا يصلي ودائما أحثه على الصلاة لكن دون جدوى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
كون والدك يترك الصلاة، ويعشق النساء ويجري وراءهن، هذه منكرات ظاهرة، وأعظمها ترك الصلاة؛ لأن تركها كفر يخرج عن الإسلام في أصح قولي العلماء، لأدلة كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ) رواه مسلم (82) .
ولهذا فالواجب نصح الأب وعدم اليأس من توبته وهدايته، وينبغي أن تبحثوا عن وسائل متنوعة لنصحه، كإعطائه شريطا عن حكم تارك الصلاة، والاستعانة بمن يستطيع نصحه من الأهل والأقارب، ونحو ذلك.
وكونه أساء إليكم ولا يزال فإن هذا يوجب الرحمة في قلوبكم عليه، فإنه لو مات ولقي ربه بهذه الأعمال فإنه سيلقاه بذنوب وآثام عظيمة.
لذلك فعليك أنت وإخوتك وأهلكِ أن تعيدوا النظر في علاقتكم مع والدكم وموقفكم منه، فالله عز وجل أمرنا بالإحسان إلى الوالدين وبرهما حتى مع كفرهما ودعوتهما للكفر:
قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) لقمان/15.
وهذا إبراهيم عليه السلام يحاور أباه المشرك بأدب كما ذكر الله تعالى ذلك عنه في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا. يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا. قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا. قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) مريم/41–47.
فانظروا لأدب هذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكيف يخاطب والده المشرك الذي يهدده ويتوعده، وفي هذا موعظة بالغة ودرس مفيد لمن ابتلي بمثل هؤلاء الآباء؟!
ثانيا:
ويتأكد ما ذكرناه إذا علمتِ أن حق الأب في البر والإحسان إليه لا يسقط بتقصيره وإساءته، بل كل يؤدي الحق الذي عليه، فإذا قصر هو، فلا تقصروا أنتم، ثم إن الإعراض عنه وتجاهله وترك خدمته يزيده سوءا على سوئه، وأنتم ولا شك لا تريدون هذا. وكثير ممن ابتلي بالمعاصي ثم تاب يتحدث عن أثر هجر الناس له وأن ذلك يزيد من البلاء، ويحمل الإنسان على ارتكاب حماقات ما كان ليرتكبها لو شعر أن له أولادا يحبونه ويحترمونه حتى مع قسوته وإساءته.
إن النفس البشرية مهما طغت وأساءت إلا أنها لا تنسى الإحسان وإن تجاهلته في الظاهر، ولهذا فقد يكون العلاج النافع مع أبيكم هو زيادة القرب منه مهما بعد، والرحمة به مهما قسا، مع الدعاء له بالهداية والاستقامة.
وكوني على ثقة من أن إحسانكم لن يضيع عند الله، وستجنون منه ثمارا نافعة في الدنيا والآخرة بإذن الله.
نسأل الله أن يهدي والدك وأن يصلح حاله، وحالكم أجمعين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1406)
مطلقة ولا تريد السكن مع أمها بل في شقتها
[السُّؤَالُ]
ـ[مطلقة بطفلة، تستأجر شقة، وتعمل جادة لتوفير الجو الملائم لطفلتها ولا تبخل على والديها وإخوتها بأي شيء، حتى مات أبوها وهو راض عنها، المشكلة هو أن الأم تجبرها على السكن معهم في مسكن ضيق، وأنا لا أحتمل ذلك خاصة أن الأم عصبية الله يغفر لنا ولها لا تحترم الكبير رغم أنها تؤدي جميع الفرائض، هل إذا رفضت المطلقة السكن معهم تعتبر آثمة؟ لأنها لا تحتمل المشاكل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يخفى ما للأم من عظيم الحق، وواجب الإحسان والبر، لكن إذا كان الأمر كما ذكرت من تضرر المسئول عنها بسكنها مع أمها، وترغب في السكن في شقتها، فلا حرج عليها في ذلك، إذا كان السكن مأمونا، ولا يلحقها بانفرادها فيه مفسدة، على أن تقوم بحق الأم في برها والإحسان إليها والقيام بخدمتها إن احتاجت إلى خدمة أو مساعدة بالمال.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عمن يرغب في الاستقلال بالسكن عن والديه؛ لأنه لا يجد الراحة في السكن مع الأسرة؟
فأجابت: " إذا كان الواقع كما ذكر من عدم استقرارك وراحتك في السكنى مع الأسرة في بيت والدك، فلا إثم عليك في انفرادك عن الأسرة ببيت مستقل؛ تحقيقا للراحة والاستقرار، مع القيام بحقوق الوالدين وصلة الرحم وعدم القطيعة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/169) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1407)
يتسبب في بكاء أمه فهل يكون عاقا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي تبكي مني أحيانا وتتضايق مني فقط لأنني لا أملك رخصة قيادة السيارة ولا أعمل ومتهاون في ذلك بعكس الآخرين يملكون هذه الأشياء، فهل أنا عاق لوالدتي بهذا؟ علما أنني أحبها وتحبني وأبرها وأدعو لها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
بر الوالدين من أعظم القربات، وآكد الفرائض، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل بعد الإيمان، لاسيما البر بالأم، لعظم حقها، وجميل معروفها، وسبْق إحسانها، ولهذا جاءت الوصية بها، والتأكيد على إحسان صحبتها، كما روى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: (أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ)
وروى أحمد (15577) والنسائي (3104) وابن ماجه (2781) أن مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ الْغَزْوَ وَجِئْتُكَ أَسْتَشِيرُكَ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ الْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلِهَا ثُمَّ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ فِي مَقَاعِدَ شَتَّى كَمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ) قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
ثانيا:
من أظهر معاني البر بالوالدين: السعي في مرضاتهما، وتحقيق الأنس والسعادة لهما، وإزالة ما من شأنه التنغيص عليهما، والتكدير لخواطرهما.
وإذا كان الأمر كذلك، فما أعظم ما ذكرت، من كونك تتسبب في بكاء أمك وإدخال الحزن عليها، فأي بر هذا؟!
فاتق الله أيها الأخ الكريم، واحذر أن تكون في عداد العاقين وأنت لا تشعر.
أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم رد رجلا هاجر إليه حين علم أنه ترك والديه يبكيان؟
روى أبو داود (2528) والنسائي (4163) وابن ماجه (2782) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ فَقَالَ ارْجِعْ عَلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولا يخفى شأن الهجرة في ذلك الزمن.
ثالثا:
إن والدتك الكريمة إنما تدعوك لأمر فيه مصلحة وخير لك، وهو أن تعمل كما يعمل غيرك، وأن تجدّ كما يجدون، بدلا من عيش الكسل والبطالة، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على من يعمل، ويأكل من عمل يده، فقال: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) رواه البخاري (2072) .
وقال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ) رواه البخاري (1470) ومسلم (1042) ولفظه: (لأَنْ يَحْتَزِمَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ فَيَحْمِلَهَا عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلا يُعْطِيهِ أَوْ يَمْنَعُهُ) .
فبادر أيها الأخ الكريم بالسعي لأخذ رخصة القيادة، والعمل والاجتهاد، لتقر عين والدتك بك، ويذهب عنها حزنها وألمها، فتكون من الفائزين بإذن الله.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1408)